إعراب القرآن للباقولي - منسوب خطأ للزجاج

أبو الحسن الباقولي

تمهيد لا تقديم

[الجزء الاول] بسم الله الرّحمن الرّحيم تمهيد لا تقديم هذا الكتاب يحمل اسم «إعراب القرآن» ويحمل إلى جانب هذا العنوان اسم مؤلف: هو «الزجّاج» . وحول اسم الكتاب، وحول اسم المؤلف دراسة، سيكون مكانها في آخر الكتاب مع الفهارس. من أجل هذا جعلت هذه الكلمة تمهيدا لا تقديما، أردت أن أشير إلى هذا الذي شككت فيه، وإلى هذا الذي أنتويه. كما أردت أن أشير إلى أن هذه التقسمة، التي ستخرج بالكتاب في أقسام ثلاثة- هذا أولها- ليست من صنع المؤلف، فلقد جعل المؤلف كتابه أبوابا تبلغ التسعين، لم يفعل غير هذا، وجعلته أنا أقساما يمليها الحجم ويمليها التيسير يضم كل قسم أبوابا كاملة. ولسوف يضم هذا القسم الأول تسعة عشر بابا. ولسوف تمضي صفحات الأقسام متصلة، لتكون مجموعها كتابا واحدا، تفصل بينه هذه التجزئة، ولتستوي فهارسه في يسر لا يضار بتلك التجزئة. هذا ما أردت أن أمهد به، لأصل القارئ بالكتاب وبعملي، فلا يسبق بالاستدراك عليّ قبل أن يبلغ الكتاب أجله. وإلى اللقاء مع هذه الدراسة التي أرجو أن ينفعني فيها المضي في الكتاب إلى آخره تحقيقا، وأن يعينني عليها الاستيعاب الكامل بما يكشف، والتنقيب المتصل بما ينفع، والله المستعان. إبراهيم الأبياري

مقدمة المؤلف

بسم الله الرّحمن الرّحيم مقدّمة المؤلف الباب الأول ما ورد في التنزيل من إضمار الجمل. الباب الثاني ما جاء في التنزيل من حذف المضاف. الباب الثالث ما جاء في التنزيل معطوفاً بالواو والفاء وثم من غير ترتيب الثاني على الأول. الباب الرابع ما جاء في التنزيل وقد حذف منه حرف الجر. الباب الخامس ما جاء في التنزيل وقد زيدت فيه «لا» و «ما» ، وفي بعض ذلك اختلاف وفي بعض ذا اتفاق. الباب السادس ما جاء في التنزيل من الأسماء التي سميت بها الأفعال. الباب السابع ما جاء في التنزيل من أسماء الفاعلين مضافة إلى ما بعدها بمعنى الحال أو الاستقبال. الباب الثامن ما جاء في التنزيل من إجراء «غير» في الظاهر على المعرفة. الباب التاسع ما جاء في التنزيل من كاف الخطاب المتصلة بالكلمة ولا موضع لها من الإعراب. الباب العاشر ما جاء في التنزيل من المبتدأ ويكون الاسم على إضمار المبتدأ وقد أخبر عنه بخبرين. الباب الحادي عشر ما جاء في التنزيل من الإشمام والروم. الباب الثاني عشر ما جاء في التنزيل ويكون الجار والمجرور في موضع الحال محتملاً ضميراً من صاحب الحال. الباب الثالث عشر ما جاء في التنزيل دالاً على جواز تقديم خبر المبتدأ. الباب الرابع عشر ما جاء في التنزيل وقد حذف الموصوف وأقيم صفته مقامه.

الباب الخامس عشر ما جاء في التنزيل من حذف الجار والمجرور. الباب السادس عشر ما جاء في التنزيل وقد حذف منه همزة الاستفهام. الباب السابع عشر ما جاء في التنزيل من اجتماع الهمزتين. الباب الثامن عشر ما جاء في التنزيل من لفظ «من» و «ما» و «الذي» و «كل» و «أحد» وغير ذلك. الباب التاسع عشر ما جاء في التنزيل من ازدواج الكلام والمطابقة والمشاكلة وغير ذلك. الباب العشرون ما جاء في التنزيل من حذف المفعول أو المفعولين. الباب الحادي والعشرون ما جاء في التنزيل من الظروف التي يرتفع ما بعدهن بهن. الباب الثاني والعشرون ما جاء في التنزيل من «هو» و «أنت» فصلا ويسميه الكوفيون «العماد» . الباب الثالث والعشرون ما جاء في التنزيل من المضمرين إلى أي شيء يعود مما قبلهم. الباب الرابع والعشرون ما جاء في التنزيل وقد بدل الاسم من المضمر الذي قبله والمظهر. الباب الخامس والعشرون ما جاء في التنزيل من الكلمات التي فيها همزة ساكنة. الباب السادس والعشرون ما جاء في التنزيل من العطف على الضمير المرفوع. الباب السابع والعشرون ما جاء في التنزيل مما لحقت فيه إن التي للشرط وما لحقت النون فعل الشرط. الباب الثامن والعشرون ما جاء في التنزيل عقب اسمين كفيا عن أحدهما اكتفاء بذكره. الباب التاسع والعشرون ما جاء في التنزيل مما صار الفعل فيه عوضا عن نقصان لحق الكلمة. الباب الثلاثون ما جاء في التنزيل وقد حمل فيه اللفظ على المعنى، وحكم عليه بما يحكم على معناه لا على اللفظ. الباب الحادي والثلاثون ما جاء في التنزيل من حذف «أن» وحذف المصادر والفصل بين الصلة والموصول. الباب الثاني والثلاثون ما جاء في التنزيل من حذف حرف النداء والمنادى. الباب الثالث والثلاثون ما جاء في التنزيل وقد حذف منه المضاف إليه. الباب الرابع والثلاثون ما جاء في التنزيل من حروف الشرط

ودخلت عليه اللام الموطئة للقسم. الباب الخامس والثلاثون ما جاء في التنزيل من التجريد. الباب السادس والثلاثون ما جاء في التنزيل من الحروف الزائدة في تقدير وهي غير زائدة في تقدير آخر. الباب السابع والثلاثون ما جاء في التنزيل من التقديم والتأخير وغير ذلك. الباب الثامن والثلاثون ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل الذي يتوهم فيه جريه على غير من هو له، ولم يبرز فيه الضمير. الباب التاسع والثلاثون ما جاء في التنزيل نصباً على المدح ورفعا عليه. الباب الأربعون ما جاء في التنزيل من المبتدأ المحذوف خبره. الباب الحادي والأربعون ما جاء في التنزيل من «إن» المكسورة المخففة من «إنّ» . الباب الثاني والأربعون ما جاء في التنزيل من المفرد ويراد به الجمع. الباب الثالث والأربعون ما جاء في التنزيل من المصادر المنصوبة بفعل المضمر دل عليه ما قبله. الباب الرابع والأربعون ما جاء في التنزيل من دخول لام إن على اسمها وخبرها. الباب الخامس والأربعون ما جاء في التنزيل وفيه اختلاف بين سيبويه وأبي العباس. الباب السادس والأربعون ما جاء في التنزيل من إدخال همزة الاستفهام على الشرط والجزاء. الباب السابع والأربعون ما جاء في التنزيل من إضمار الحال والصفة جميعا. الباب الثامن والأربعون ما جاء في التنزيل من الجمع يراد به التثنية. الباب التاسع والأربعون ما جاء في التنزيل منصوبا على المضاف إليه. الباب الخمسون ما جاء في التنزيل وإن فيه بمعنى أي. الباب الحادي والخمسون ما جاء في التنزيل من المضاعف وقد أبدلت من لامه حرف لين. الباب الثاني والخمسون ما جاء في التنزيل من حذف واو العطف. الباب الثالث والخمسون ما جاء في التنزيل من الحروف التي أقيم بعضها مقام بعض. الباب الرابع والخمسون ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل المضاف إلى المكنى. الباب الخامس والخمسون ما جاء في التنزيل في جواب الأمر.

الباب السادس والخمسون ما جاء في التنزيل من المضاف الذي اكتسب من المضاف إليه بعض أحكامه. الباب السابع والخمسون ما جاء في التنزيل وصار المضاف إليه عوضا عن شيء محذوف. الباب الثامن والخمسون ما جاء في التنزيل معطوفا وليس المعطوف مغايرا للمعطوف عليه. الباب التاسع والخمسون ما جاء في التنزيل من التاء في المضارع. الباب الستون ما جاء في التنزيل من واو الحال تدخل على الجملة من الفعل والفاعل. الباب الحادي والستون ما جاء في التنزيل من حذف «هو» من الصلة. الباب الثاني والستون ما جاء في التنزيل من إجراء غير اللازم مجرى اللازم، وإجراء اللازم مجرى غير اللازم. الباب الثالث والستون ما جاء في التنزيل من الحروف المحذوفة لشبهها بالحركات. الباب الرابع والستون ما جاء في التنزيل أجرى فيه الوصل مجرى الوقف. الباب الخامس والستون ما جاء في التنزيل من باب النسب. الباب السادس والستون ما جاء في التنزيل أضمر فيه المصدر لدلالة الفعل عليه. الباب السابع والستون ما جاء في التنزيل على وزن مفعل بفتح العين ويراد به المصدر ويوهمك أنه مكان. الباب الثامن والستون ما جاء من حذف إحدى التاءين في أول المضارع. الباب التاسع والستون ما جاء في التنزيل حمل فيه الاسم على الموضع دون اللفظ. الباب السبعون ما جاء في التنزيل حمل فيه ما بعد إلا على ما قبله وقد تم الكلام. الباب الحادي والسبعون ما جاء في التنزيل وقد حذف منه ياء النسب. الباب الثاني والسبعون ما جاء في التنزيل وقد أبدل المستثنى من المستثنى منه. الباب الثالث والسبعون ما جاء في التنزيل وأنت تظنه فعلت الضرب في معنى ضربته. الباب الرابع والسبعون ما جاء في التنزيل مما تخرج على أبنية التصريف. الباب الخامس والسبعون ما جاء في التنزيل من القلب والإبدال. الباب السادس والسبعون ما جاء في التنزيل من إذا الزمانية

وإذا المكانية وغير ذلك. الباب السابع والسبعون ما جاء في التنزيل من أحوال النون عند الحروف. الباب الثامن والسبعون ما جاء في التنزيل وقد وصف المضاف بالمبهم. الباب التاسع والسبعون ما جاء في التنزيل وذكر الفعل وكنى عن مصدره. الباب الثمانون ما جاء في التنزيل وعبر عن العقلاء بلفظ العقلاء. الباب الحادي والثمانون ما جاء في التنزيل وظاهره يخالف ما في كتاب سيبويه، وربما يشكل على البزّل الحذّاق فيغفلون عنه. الباب الثاني والثمانون ما جاء في التنزيل من اختلافهم في لفظة «ما» من أي قسمة هي؟ الباب الثالث والثمانون ما جاء في التنزيل من تفنن الخطاب والانتقال من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى المتكلم. الباب الرابع والثمانون نوع آخر من إضمار الذكر. الباب الخامس والثمانون ما جاء في التنزيل حمل فيه الفعل على موضع الفاء في جواب الشرط فجزمه. الباب السادس والثمانون ما جاء في التنزيل وقد رفض فيه الأصل واستعمل ما هو فرع. الباب السابع والثمانون ما جاء في التنزيل من القراءة التي رواها سيبويه في كتابه. الباب الثامن والثمانون وهذا نوع آخر من القراءات. الباب التاسع والثمانون ما جاء في التنزيل من ألفاظ استعملت استعمال القسم وأجيبت بجواب القسم. الباب التسعون ما جاء في التنزيل من الأفعال المفرغة لما بعد إلا. فهذه تسعون بابا أخرجتها من التنزيل بعد فكر وتأمّل وطول الإقامة على درسه، ليتحقّق للناظر فيه قول القائل: «1» أحبب النّحو من العلم فقد ... يدرك المرء به أعلى الشّرف

_ (1) نسبت هذه الأبيات لجامع العلوم علي بن الحسين (إثبات الرواة: 2: 249، بنية الوعاة: 2: 160 ومعجم الأدباء: 13: 116) .

إنما النّحويّ في مجلسه ... كشهاب ثاقب بين السّدف يخرج القرآن من فيه كما ... تخرج الدّرة من بين الصّدف وأنشد أبو الحسن الكسائي: «1» إنما النحو قياس يتّبع ... وبه في كل أمر ينتفع فإذا ما أبصر النحو الفتى ... مرّ في المنطق مرّا فاتسع واتّقاه كلّ من جالسه ... من جليس ناطق أو مستمع وإذا لم يبصر النحو الفتى ... هاب أن ينطق جبنا «2» فانقمع فتراه ينصب الجرّ وما ... كان من نصب ومن جرّ «3» رفع يقرأ القرآن لا يعرف ما ... صرّف الإعراب فيه وصنع وإذا يبصره «4» يقرؤه ... وإذا ما شكّ في حرف رجع ناظرا فيه وفي إعرابه ... فإذا ما عرف الحقّ «5» صدع سبح اسم ربّك الأعلى

_ (1) هو أبو الحسن علي بن الكسائي إمام في اللغة والنحو والقراءة، من أهل الكوفة وكانت وفاته سنة تسع وثمانين ومائة (189 هـ) (إنباه الرواة: 2: 256) . (2) في إنباه الرواة (2: 267) : «فانقطع» . (3) رواية البيت في إنباه الرواة: فتراه ينصب الرفع وما ... كان من نصب ومن خفض رفع (4) في إنباه الرواة: «يعرفه» . (5) في إنباه الرواة: «اللحن» .

الباب الأول

الباب الأول هذا باب ما ورد في التنزيل من إضمار الجمل ولا شك أنك قد عرفت الجمل، ألا ترى أنهم زعموا أن الجمل اثنتان «1» : فعليه وأسمية، وقد ورد القبيلان في التنزيل. وذكر إضمار الجمل سيبويه في مواضع: من ذلك قوله: «العباد مجزيون بأعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر» «2» أي إن عملوا خيراً فالمجزى به خير. ومثله: «هذا ولا زعماتك» «3» ، أي: ولا أتوهم. أو: «فرقاً خير من حب» «4» ، أي: أفرق «5» .

_ (1) في الأصل: «اثنان» . (2) هو من شواهد النحو، ويروى «الناس مجزيون بأعمالهم» إلخ. (3) هذا مثل، يقال لمن يزعم زعمات ويصح غيرها. أي هذا هو الحق ولا أتوهم زعماتك وما زعمت. ومنه قول ذي الرمة: لقد خط رومى ولا زعماته ... لعتبة خطا لم تطبق مفاصله وانظر الكتاب لسيبويه (1: 141) وشرح المفصل لابن يعيش (1: 27) . (4) قيل: أول من تكلم بذلك رجل عند الحجاج، وكان صنع عملا فاستجاده الحجاج، وقال: كل هذا حبا؟ فقال الرجل مجيبا: «أو فرقا خيرا من حب!» أي فعلت هذا لأني أفرقك فرقا خيرا من حب. (5) في الأصل: «الفرق» وهو تحريف. والتصويب من شرح المفصل لابن يعيش (1: 113) والكتاب لسيبويه (1: 136) .

قال «1» : وحدثنا أبو الخطاب «2» أنه سمع بعض العرب، وقيل له: لم أفسدتم مكانكم هذا؟ قال: الصبيان يا أبي. فنصب، كأنه حذر أن يلام فقال: لم الصبيان «3» . ومن ذلك قوله عز وجل: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) «4» . قال: التقدير: أبدأ باسم الله. أو: بدأت باسم الله، أو: ابدأ باسم الله. وأضمر قوم فيها اسماً مفرداً على تقدير: اٌبتدائى باسم الله: فيكون الظرف خبراً للمبتدأ. وفيه [....] «5» : فإذا قدرت «أبدأ» أو «اٌبدأ» «6» يكون «باٌسم الله» . في موضع النصب مفعولاً به «7» . وإذا قدرت: اٌبتدائى باٌسم الله، يكون التقدير: ابتدائى كائن باٌسم الله، ويكون في «باسم الله» ضمير انتقل إليه من الفاعل «8» المحذوف، الذي هو الخبر حقيقة. ومنه قوله [تعالى] : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) «9» أي: واذكر إذ قال ربك. وإن شئت قدرت: وابتداء خلقكم إذ قال ربك.

_ (1) القائل: سيبويه. (2) أبو الخطاب: هو الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد. كانت وفاته سنة 177 هـ- 793 م. بغية الوعاة (ص 296) . (3) الكتاب لسيبويه (1: 128) وشرح المفصل لابن يعيش (1: 126) . [.....] (4) فاتحة الكتاب: 1. (5) ما بين المربعين بياض بالأصل. (6، 7) فاتنة الصورة الثانية: «بدأت» . (8) يريد ما كان على وزن «فاعل» . (9) البقرة: 30.

وكذلك قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) «1» أي: واذكر إذ قلنا للملائكة. وجميع «إذ» في التنزيل أكثره/ على هذا. ومن حذف الجملة قوله تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) «2» أي: فضرب فانفجرت. نظيره فى «الأعراف» و «الشعراء» : فضرب (فَانْبَجَسَتْ) «3» فضرب (فَانْفَلَقَ) «4» . ومن ذلك قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) . «5» أي: فمن اضطر فأكل، وهو في صلة «من» و «غير» حال من قوله (اضْطُرَّ) ، أو من الضمير في «أكل» . وفيه كلام يأتيك في حذف المفعول. ومثله: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ) . «6» أي: فأفطر فعدة من أيام، موضعين جميعاً «7» . ومثله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) . «8» أي: فيفطرون ففدية. ومثله: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ) «9» أي: حلق ففدية. فهذه أفعال حذفت من الصّلة.

_ (1) البقرة: 34. (2) البقرة: 60. (3) الأعراف: 160. (4) الشعراء: 63. (5) الأنعام: 145. (6) البقرة: 184. (7) يريد هذه الآية الكريمة والتي بعدها: وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. (8) البقرة: 184. (9) البقرة: 196. [.....]

ومثله: (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) «1» أي: تتبع ملة إبراهيم حنيفاً. والكسائي يقول: نكون أهل ملة إبراهيم حنيفاً. ومثله: (صِبْغَةَ اللَّهِ) «2» أي: الزموا صبغة الله. فأما قوله [تعالى] : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا) » . فالتقدير: إذا حلفتم وحنثتم. فحذف «حنثتم» [و] لا بد من إضماره لأن الكفارة بالحنث تجب لا بذكر اسم الله. وهذه من طرائف العربية لأن «حنثتم» معطوف على «حلفتم» و «حلفتم» مجرور بالإضافة، فكأنه قال: وقت حلفكم وحنثكم، والمتعارف حذف المضاف دون المضاف إليه. وقد جاء ذلك أيضاً في التنزيل، وله باب في هذا الكتاب. ومن ذلك إضمار «القول» في قوله [تعالى] : (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا) «4» في الموضعين في سورة البقرة. وفي قوله تعالى: (وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا) «5» . أي قلنا لهم: خذوا. ومثله: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا) «6» أي: يقولان: ربنا.

_ (1) البقرة: 135. (2) البقرة: 138. (3) المائدة: 89. (4) البقرة: 63 و 93. (5) الأعراف: 171. (6) البقرة: 127.

ومن ذلك قوله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا) «1» . أي: يقولون: ربنا. عن الأخفش لأنه يبتدئ بقوله: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً) «2» ويسند إليه «يقولون» المضمر. مثله: (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ) «3» أي فقلنا له: خذها بقوة. ومنه قوله تعالى: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) «4» أي: يقولون: سلام عليكم. / ومنه قوله تعالى في قول الخليل: (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ) «5» . قال: التقدير: من يقال لهم: أيهم فحذف «القول» ، كقولهم: وكانت عقيل خامري أم عامر «6» فيحمله على الحكاية دون «لَنَنْزِعَنَّ» ، [على] تعليق العلم عند الكوفيين. [و] يجوز أن يكون تقديره: لننزعن كل شيعة.

_ (1- 2) آل عمران: 191. (3) الأعراف: 145. (4) الرعد: 23. (5) مريم: 69. (6) خامرى: استترى. وأم عامر: الضبع. وهذا القول استحماق لها، فهي- كما زعموا- من أحمق الدواب، وإذا أرادوا صيدها رموا في حجرها بحجر فتحسبه شيئا تصيده فتخرج، فتصاد عند ذلك، والبيت للأخطل والرواية فيه: على حين أن كانت عقيل وشائظا ... وكانت كلاب خامرى أم عامر (الكتاب 1: 259) .

وكذلك يجوز عندهم: لننزعنهم متشايعين ننظر أيهم أشد «1» . وسيبويه يجعله مبنياً على الضم. ومن إضمار القول قوله تعالى: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ) . «2» أي يقال لهم: هذا فوج مقتحم معكم. ومنه قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ) «3» يقولون: ما نعبدهم «فيقولون» خبر المبتدأ. ومنهم من جعل «يقولون» في موضع الحال، وجعل الخبر قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) «4» . ومنه قوله تعالى: (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ) «5» أي: «يقولون» : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ) إذ الآيتان داخلتان في «القول» فلا وقف على قوله: (وَلا شُكُوراً) «6» . ومنه قوله تعالى: (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) «7» .

_ (1) في الكلام اضطراب مرده إلى نقص. ومجمل ما في الآية من أقوال: رفع «أيهم» على الحكاية. والمعنى ثم لننزعن من كل شيعة الذين يقال لهم أشد. قال ابن النحاس: ورأيت أبا إسحاق الزجاج يختار هذا القول ويستحسنه. (2) ص: 58، 59. (3- 4) الزمر: 3. [.....] (5) الإنسان: 9. (6) في الأصل بعد قوله «ولا شكورا» جاءت العبارة: «يا رازي مالك وكتاب الله!» . وظاهر أن هذه العبارة: من زيادات قارئ في الحاشية، فالتبست على الناسخ فزادها في المتن. فالرازي متأخر الوفاة عن الزجاج. هذا إلى أن الرازي عند تفسير هذه الآية- التفسير الكبير ج 8: ص 295- لم يعرض لشيء من هذا. (7) سبأ: 15.

ومن إضمار «القول» قوله [تعالى] : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) «1» ، أي: قل للإنسان الطاغي: واقترب تر العجب. ومثله: (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) «2» ، تقديره: قل لهم: قد جاءكم، فأضمر «قل» . يدل عليه قوله [تعالى] : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) «3» . ومن إضمار الجملة قوله تعالى: (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ، أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ، قالَ: أَلَمْ نُرَبِّكَ) «4» أي: فأتياه وقالا له: أرسل معنا بني إسرائيل. [فقال ألم نربك] «5» . ومن ذلك قوله تعالى: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) «6» في قراءة ابن عامر «7» مرتبا للمفعول «8» ، كأنه قيل: من يسبّح؟ فقال: يسبّحه رجال.

_ (1) العلق: 19. (2) الأنعام: 104. (3) هود: 86. (4) الشعراء: 18. (5) في الأصل: «فقال فمن ربكما» وما بين القوسين المربعين زيادة يستقيم بها الكلام. (6) النور: 36، 37. (7) هو عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة اليحصبي، أبو عمران المقرئ الدمشقي. كانت وفاته سنة 118 هـ (تهذيب التهذيب 5: 274) . (8) «يسبح» بكسر الباء المشددة والياء، قراءة الجمهور، والفاعل «رجال» ، وبفتح الباء المشددة، قراءة ابن عامر وغيره و «رجال» فاعل بفعل محذوف. وقرأ ابن وثاب وأبو حيوة «تسبح» بكسر الباء المشددة. وقرأ أبو جعفر «تسبح» بفتح الباء المشددة. ووجهها أن تسند إلى أوقات الغدو والآصال، على زيادة الباء، وتجعل الأوقات مسبحة. (انظر الكشاف 3: 242- والبحر المحيط لأبي حيان- 6: 454 و 458) .

ومن ذلك قوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) «1» إلى قوله: (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) «2» أي واللائى لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر، فحذف المبتدأ والخبر. ومن ذلك قوله تعالى: (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) «3» والتقدير: وأمة غير قائمة «4» . ومنه قوله تعالى: (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) «5» أي: وهم لا يؤمنون به [كله] ، فحذف «وهم لا يؤمنون [به كله] » «6» . ومنه قوله تعالى: (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) «7» / أي: وسبيل المؤمنين، فحذف. وقيل في قوله تعالى: (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) «8» إن التقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون، فحذف

_ (1- 2) الطلاق: 4. وهي متصلة: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) . (3) آل عمران: 113. (4) في الأصل: «والتقدير: ومنهم أمة غير قائمة» . والتصويب من البحر المحيط (3: 33) وفيه: «قال الفراء: أمة، مرتفعة بسواء، أي ليس مستويا من أهل الكتاب أمة قائمة، موصوفة بما ذكر، وأمة كافرة، فحذفت هذه الجملة المعادلة، ودل عليها القسم الأول: كقوله: عصيت إليها القلب إني لأمره ... سميع فما أدرى أرشد طلابها التقدير: «أم غى» . [.....] (5) آل عمران: 119 وأولها: (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) . (6) التكملة من البحر. وفيه: «يدل عليها- أي على الحذف- إثبات المقابل في: تحبونهم ولا يحبونكم» . (7) وقيل: خص سبيل المجرمين، لأنه يلزم من استبانتها استبانة سبيل المؤمنين، وعليه فلا حذف (البحر 4: 141) . وعلى الحذف، فليس المحذوف هنا جملة، كما يشعر به سياق المؤلف. (8) الأنعام: 109.

كقوله تعالى: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ) «1» . والتقدير: إن أردن أو لم يردن. ومنه قوله تعالى: (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) «2» أي: ويغشى النهار الليل، فحذف. ومنه قوله تعالى: (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) «3» أي: وسرابيل تقيكم البرد، فحذف. وقال تعالى: (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا) «4» أي: يقولون: ربنا. وقال [تعالى] : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) «5» أي: بعثناهم «6» ليسوءوا. وقال [تعالى] : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) «7» أي: فآمنوا وأتوا خيراً لكم «8» . وقال الكسائي «9» : يكن الإيمان خيرا لكم «10» .

_ (1) النور: 33. (2) الأعراف: 53- الرعد: 3. (3) النحل: 81. (4) السجدة: 12. (5) الإسراء: 7. (6) وهو جواب «إذا» يدل عليه جواب «إذا» الأولى في قوله تعالى قبل: (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ) . (البحر 6: 10) . (7) النساء: 170. (8) هذا مذهب الخليل وسيبويه. (البحر 3: 400) . (9) وهو قول أبي عبيدة أيضا. (البحر 3: 400) . (10) وثم مذهب ثالث للفراء، والتقدير: إيمانا خيرا لكم. يجعل «خيرا» نعتا لمصدر محذوف يدل عليه الفعل الذي قبله. (البحر 3: 400) . [.....]

وقال تعالى: (وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) «1» أي: وأتوا خيراً لأنفسكم «2» . وأنشدوا: فواعديه سرحتى مالك ... أو الربا بينهما أسهلا «3» أي: ائتى مكاناً أسهل. ومن إضمار الجملة قوله تعالى: (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى) «4» أي: فضربوه ببعضها فحيى، وأخبر بقاتليه «5» ثم خر ميتاً. يدل على صحة الإضمار قوله: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) «6» ، ف «قست» : معطوف على «خَرَّ» «7» . ومن إضمار الجملة قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) «8» . أي: فأكل غير باغ فلا إثم عليه. ونظيره في المائدة: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) «9» . أي: فأكل غير متجانف.

_ (1) التغابن: 16. (2) وزادوا مذهبين، الرابع: إن «خيرا» حال. والخامس: على أنها مفعول «وأنفقوا» . (البحر 8: 280) . (3) البيت لعمر بن أبي ربيعة. وسرحتا مالك: موضع بعينه. ويروى: «ذو النقا» مكان «أو الربا» (الكتاب لسيبويه 1: 143- والبحر 1: 199) . (4) البقرة: 73. (5) الأصل: «بقاتله» ، وانظر «مفاتيح الغيب للرازي» (1: 395) . (6) البقرة: 74. (7) جمهور المفسرين على أن في الكلام حذفا، يدل عليه ما بعده وما قبله، والتقدير: فضربوه فحيى. دل على «ضربوه» قوله تعالى: اضربوه ببعضها. ودل على «فحيى» قوله تعالى: (كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى) ولم يقولوا إن فعل القسوة معطوف على هذا الفعل المضمر. (8) البقرة: 173. (9) المائدة: 3.

نظيره في سورة النحل: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) «1» . أي: فأكل. وكذا في الأنعام: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) «2» أي: فأكل. وفي الآى كلام تراه في حذف المفعول. ومن إضمار الجملة قوله تعالى: (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ) «3» والتقدير: فليمت غيظاً «4» . نظيره: (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) «5» . ولم يقل: فافعل. وعلى هذا إضمار جواب «لو» في التنزيل، كلها جمل حذفت. / قال الله تعالى: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) «6» . أي: لعلموا أن القوة. ومنه قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) «7» ولم يقل: لكان هذا القرآن.

_ (1) النحل: 115. (2) الأنعام: 145. (3) البقرة: 97. (4) وقال التوحيدي: «التقدير فعداوته لا وجه لها، أو ما أشبه هذا التقدير» . (البحر 1: 320) . (5) الأنعام: 35. [.....] (6) البقرة: 165. (7) الرعد: 31.

فأما قوله تعالى: (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) «1» فالتقدير عند الأخفش: ما ألهاكم التكاثر، فأضمر لجرى ذكره في أول السورة. وعند غيره: لو تعلمون علم اليقين لعلمتم أنكم ستردون الجحيم في الآخرة. دل على هذا الخلاف (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) «2» . فأما قوله تعالى: (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) «3» فالمعنى: كلا لا ينفعكم التكاثر، فحذف. وقوله: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ) «4» . أي: كلا لا تؤمنون. ومن ذلك قوله تعالى: (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) «5» . ثم قال: [تعالى] : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) «6» وأضمر «فتبتم» . أي: تبتم فتاب عليكم. ومنه قوله تعالى، في حذف الجملة: (وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) «7» . أي: ويعقوب قال. وقال عثمان «8» : في قوله تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «9» يجوز أن يرتفع «شىء» [ب «عفي» ، أو] «10» بفعل محذوف يدل عليه قوله

_ (1) التكاثر: 5. (2) التكاثر: 6. (3) التكاثر: 3. (4) التكاثر: 5. (5- 6) البقرة: 54. (7) البقرة: 132. (8) عثمان: هو أبو الفتح عثمان بن جني المتوفي سنة 392 هـ- 1002 م- ومن كتبه: المحتسب في إعراب شواذ القراءات، والمنصف والتصريف الملوكي. (9) البقرة: 178. (10) بمثل هذه الزيادة يستقيم الكلام. فقد ساق المؤلف رأيين ولم يذكر إلا واحدا. وهذا المذهب الذي فإنه ذكره، هو جواز إسناد «عفى» لمرفوعه «شيء» إسنادا حقيقيا، لأنه إذ ذاك مفعول به صريح، أو إسنادا مجازيا إذا كان لا يتعدى. (البحر 2: 12- 13) .

«عفى» لأن معناه: ترك له شىء من أخيه، أي من حق أخيه، ثم حذف المضاف وقدم الظرف الذي هو صفة للنكرة عليها، فانتصب على الحال في الموضعين منها. وهذه الآية تجاذبها باب الجملة، وباب الإضافة، وباب حذف حرف الجر «1» ، وباب الحال، وستراها هناك إن شاء الله وحده. ومن ذلك قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ... أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) «2» تقديره: صوموا أياماً معدودات، فحذف «صوموا» لأن قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) يدل عليه. ولا ينتصب ب «الصيام» لأن «الصيام» مصدر فلا يفصل بينه وبين أيام بالكاف المنصوبة ب «كتب» «3» لأن التقدير: كتب عليكم الصيام كتابة مثل كتابته على الذين من قبلكم. ومثل هذه الآية قوله تعالى: (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) «4» . والتقدير: وأحسنوا بالوالدين إحساناً فأضمر «وأحسنوا» «5» لأن المصدر يدل عليه. والدليل عليه/ قوله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) «6» . ومنه قوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا) «7» . أي: فصلوا رجالاً. ومن إضمار الجملة قوله تعالى: (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) «8» . والتقدير: لتستيقن ولنجعلك آية للناس. نظيره قبله: (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) «9» . تقديره: واشكروا ولأتم.

_ (1) يريد: باب إضمار الجمل، وباب حذف المضاف. (2) البقرة: 183 و 184. والنقط إشارة إلى موضع حذف في الآيتين. (3) يريد قوله تعالى: (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) . [.....] (4) البقرة: 83. (5) في الأصل: «فأحسنوا» . (6) البقرة: 83. (7) البقرة: 239. (8) البقرة: 259. (9) البقرة: 150.

وقيل: هو معطوف على قوله: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) «1» ، (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) «2» . وأما قوله تعالى: (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) «3» فهو معطوف على المعنى لأن قبله (قَدْ جِئْتُكُمْ ... وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ) «4» أي جئتكم لأصدق التوراة والإنجيل، ولأحل لكم، ولتكملوا العدة «5» . نظيره في أحد القولين في سورة مريم عليها السلام: (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) «6» . والتقدير: قال: كذلك قال ربك، ويكون «علّي هّين» لأخلقه من غير أب، ولنجعله آية للناس. وقيل: هو معطوف على قوله تعالى: (لِأَهَبَ لَكِ) «7» . وقيل: الواو في الآى كلها مقحمة. ومثله: (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) «8» . والتقدير: ليستقيم أمره ولنعلمه. مثله: (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) «9» . أي: لتسلموا من «10» أذاهم، وشذاهم «11» (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) «12» . ومثله: (فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) «13» أي: فبإذن الله ليظهر الحق.

_ (1- 2) البقرة: 150. (3) آل عمران: 50. (4) آل عمران: 49، 50 والنقط إشارة إلى محذوف من الآيتين. (5) كذا جاءت هذه العبارة «ولتكملوا العدة» في الأصل، وهي ليست من سرد الآية الكريمة. (6) مريم: 20. (7) مريم: 19. (8) يوسف: 21. (9) الفتح: 20. [.....] (10) في الأصل «عن» . (11) الشذا: الشر. (12) الفتح: 20. (13) الحشر: 5.

قال أبو علي «1» في قوله تعالى: (بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) «2» في سورة الأحقاف في قراءة الكوفيين «إحساناً» منصوب بمضمر يدل عليه ما قبله، وهو قوله (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) «3» كأنه لما قال: (أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) «4» قال: وقلنا لهم أحسنوا بالوالدين إحساناً. كما قال: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) «5» ، فالجار يتعلق بالفعل المضمر، ولا يجوز أن يتعلق بالمصدر، لأن ما يتعلق بالمصدر لا يتقدم عليه. و «أحسن» «6» يوصل بالباء كما يوصل بإلى، يدلك على ذلك قوله تعالى: (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) «7» فعداه بالباء كما تعدى بإلى في قوله تعالى: (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) «8» . والتقدير أنه لما قال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) وكان هذا الكلام قولا، صار كأنه: وقلنا: أحسن أيها/ الإنسان بالوالدين إحسانا. ووجه من قرأ في الأحقاف: (بوالديه حسناً) أن يكون أراد بالحسن الإحسان، فحذف المصدر ورده إلى الأصل، كما قال الشاعر: فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يهلك فذلك كان قدرى أي: تقديرى.

_ (1) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي إمام العربية، وكانت وفاته سنة 5377- 987 م. (2- 3) الأحقاف: 15. وقد جاءت في الأصل (وبالوالدين إحسانا) وهو تبديل اضطرب فيه الناسخ فبدل وأسقط. (4) كذا في الأصل، وفي الكلام حذف، فالإشارة هنا إلى آية أخرى من سورة البقرة هي قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) . (5- 6) البقرة: 63. وهي على إضمار القول، أي: وقلنا لكم خذوا ما آتيناكم. (البحر 1: 243) . (7) يوسف: 100. (8) القصص: 77.

ويجوز أن يكون وضع الاسم موضع المصدر كما قال: وبعد عطائك المائة الرتاعا «1» والباء في هذين الوجهين متعلقة بالفعل المضمر، كما تعلقت به في قول الكوفيين في قراءتهم (إحساناً) . ومن إضمار الجملة قراءة ابن كثير في قوله تعالى: (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) «2» بالاستفهام «3» ، على تقدير: بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، تعترفون أو تقرون؟ فأضمر، لأن قوله: (وَلا تُؤْمِنُوا) «4» يدل عليه. كما قال: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) «5» والتقدير: الآن آمنت، فأضمر «آمنت» لجرى ذكره في قوله (آمَنْتُ) «6» . ومن ذلك قوله تعالى: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) «7» . والتقدير: ولو شهدتم على أنفسكم، فحذف الفعل.

_ (1) عجز بيت للقطامي، صدره: أكفرا بعد رد الموت عني والرقاع: الماشية ترقع في المرعى. (2) آل عمران: 73. (3) قال أبو حيان: «على الاستفهام الذي معناه الإنكار عليهم والتقرير والتوبيخ. والاستفهام الذي معناه الإنكار هو مثبت من حيث المعنى، أي: المخافة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قلتم ذلك وفعلتموه؟» (البحر 2: 494- 496) . (4) بدء الآية 73 من سورة آل عمران. قال تعالى: (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى ... ) . [.....] (5) يونس: 91. (6) يونس: 90. (7) النساء: 135.

فأما قوله تعالى: (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) «1» . أي: ولو كان المشهود عليه ذا قربى. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) - إلى قوله- (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) «2» فحذف جواب «لمَّا» . أي كفروا. ودل عليه قوله تعالى: (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) «3» ولا يكون «لما» الثانية بجوابها جواب «لما» الأولى لأنا لا نعلم «لما» في موضع، لما أجيب بالفاء، كذا ذكره الفارسي «4» . فإذن نجىء بقول عمرو بن معد يكرب: فلما رأيت الخيل زورا «5» كأنها ... جداول زرع خليت فاسبطرت فجاشت إلى النفس [أول مرة ... فردت على مكروهها فاستقرت] «6» فأجاب «لما» بقوله «فجاشت» . فأما قوله تعالى: (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) «7» فإن الجواب محذوف أيضاً. وقيل: بل الواو مقحمة. وعلى هذا الخلاف قوله تعالى: (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) «8» .

_ (1) الأنعام: 152. (2- 3) البقرة: 89. (4) هو أبو علي الفارسي، وقد تقدم التعريف به (ص 22) . (5) زورا: أي مائلة من وقع الطعن فيها جمع أزور. (6) ما بين القوسين المربعين زيادة عن شرح ديوان الحماسة (1: 157) . (7) الصافات: 103. (8) الانشقاق: 1.

قيل: جوابه محذوف، أي: قامت القيامة. وقيل: بل الواو في (وَأَذِنَتْ) «1» مقحمة، والجواب «أذنت» . وقيل: بل الجواب قوله: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) «2» . وقيل: بل الفاء مضمرة، أي: ف (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ) «3» . ونظير هذا قوله تعالى: (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) «4» إلى قوله: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) «5» . ومثله: (وَلْنَحْمِلْ) «6» . أي: اتبعوا سبيلنا [ولنحمل] . ومثله: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا) «7» إلى قوله (وَأَوْحَيْنا) «8» الواو مقحمة. وقيل: بل الجواب مضمر. فأما قوله تعالى: (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) «9» ، فقيل: الجواب: (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) «10» . أي: إذا وقعت الواقعة لم يكن التكذيب بها. وقيل: بل الجواب قوله: (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) «11» . أي: فهي خافضة رافعة. قال أبو علي: وإذا جاز (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) «12» على تقدير: فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم؟ فحذف الفاء مع القول، وحذف الفاء وحده أجوز.

_ (1- 2) الانشقاق: 7. وفي الأصل: «فى وأقتت» يريد قوله تعالى (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) سورة المرسلات: 11. (3) الانشقاق: 6. (4) الأنبياء: 96. (5) الأنبياء: 97. [.....] (6- 7) العنكبوت: 12. (8) يوسف: 15. (9) الواقعة: 1. (10) الواقعة: 2. (11) الواقعة: 3. (12) آل عمران: 106.

وقيل: جوابه (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) «1» . أي وقت وقوع القيامة وقت رج الأرض. وقيل: بل العامل فيه: اذكر. ومن حذف الجملة قوله تعالى: (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) «2» . وتقديره: وأنتم محدثون فاغسلوا. وقدره قوم: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا من أجلها. وكلاهما تحتمله العربية. ومن حذف الجملة ما وقع في سورة «الأعراف» وفي سورة «هود» من قوله: (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) «3» . [وإلى ثمود أخاهم صلحا] «4» (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) «5» . والتقدير في ذا كله: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا وأرسلنا إلى ثمود أخاهم [صالحاً] «6» ، وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيباً. هذا على قول من قال: إن العامل مع الواو في تقدير الثبات، وله العمل دون الواو. ومن قال: بل العامل هو الواو نفسه، لم يكن معطوفاً على ما تقدم من قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) «7» ... «8» وذلك كقوله تعالى:

_ (1) الواقعة: 4. (2) المائدة: 6. (3) الأعراف: 65، هود: 50. (4) الأعراف: 73، هود: 61. (5) الأعراف: 85، هود: 84. (6) تكملة يقتضيها السياق ويظهر أنها سقطت من الناسخ. (7) هود: 25. (8) موضع النقط من الأصل هذه العبارة: «يا قارى كتاب عثمان ولا تفهمه أبدا» وهي كسابقتها زيادة قارى أقحمها الناسخ. وسنشير إلى هذا كله في التقديم لهذا الكتاب. [.....]

(فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ) «1» . (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) «2» . (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) » . والتقدير: فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم «4» . يدل على صحته قوله تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) . «5» ف «عهد» اسم «يكون» و «عند الله» صفة له. و «كيف» خبر عنه، أعني: يكون. «وللمشركين» : ظرف «يكون» . ومن حذف الجملة، قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) «6» . والتقدير: من يحادد الله ورسوله يعذب، فحذف الجواب كحذفه فيما قدمناه. وقوله تعالى: (فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) بدل من (أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) والفاء زيادة على قول سيبويه. وقال غيره: إن «أنّ» ، مرتفع بالظرف، أي: فله أن له «7» ، وستراه في بابه. ومن حذف الجملة [قوله تعالى] «8» : (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) «9» والتقدير: لالتجأت إليه. فحذف الجواب. وقال النبي صلى الله عليه وآله: رحم الله أخي لوطاً قد وجد ركناً شديداً.

_ (1) آل عمران: 25. (2) النساء: 62. (3) التوبة: 8. (4) كأن في الكلام نقصا لسكوته عن الآيتين الأخريين، أو لعله اكتفى بالأولى ليدل بها عليها. (5) التوبة: 7. (6) التوبة: 63. (7) كذا في الأصل. وفي الكلام نقص واضطراب. والعبارة تنطوي على مذهبين: أحدهما أن «أن له» مفرد في موضع رفع على الابتداء وخبره محذوف، قدر مقدما، أي فحق أن يكون، وقدر متأخرا، أي فأن له نار جهنم واجب. وثاني المذهبين: أن «أن له» الثانية مكررة للتوكيد، والتقدير فله نار جهنم. (البحر 5: 65- الكشاف 2: 285) . (8) تكملة يفقدها الأصل. (9) هود: 80.

ومن ذلك الآية الواردة في صلاة الخوف، وهو قوله عز من قائل: (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) «1» . اختصر وأوجز وأطنب وأسهب، وأتى بالبلاغة والفصاحة بحيث لا يفوتها كلام، ولا يبلغ كنهها بشر، فتحقق قوله (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) «2» . فاعرف أيها الناظر كيفية صلاة الخوف، ثم انظر في الآية يلح لك إيماؤنا إلى ما أومأنا إليه. قال أبو حنيفة: إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين طائفة في وجه العدو، وطائفة خلفه فصلى بهذه الطائفة ركعة وسجدتين، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو، وجاءت تلك الطائفة. فصلى بهم ركعة وسجدتين وتشهد وسلم، ولم يسلم القوم وذهبوا إلى وجه العدو، وجاءت طائفة أخرى فصلوا وحدانا ركعة وسجدتين بغير قراءة وتشهد، ومضوا إلى وجه العدو، وجاءت طائفة أخرى فصلوا ركعة وسجدتين بقراءة وتشهد وسلموا. فإذا عرفت هذا فقوله تعالى: (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) «3» فمعناه: فلتصل طائفة منهم لم يصلوا معك، أي: فلتقم طائفة بركعة، فحذف.

_ (1) النساء: 102. (2) الإسراء: 88. (3) النساء: 102.

ثم قال: (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) أي: الذين انصرفوا إلى تجاه العدو ولم يصلوا معك، وليأخذوا أسلحتهم. ثم قال: (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) «1» يعني الطائفة التي صلت تقوم بإزاء العدو حين فرغت من ركعة عقيب السجدة، لأن الفاء للتعقيب. فلا يجوز: إذا سجدت الثانية أن تقف لتتم الركعة الأولى، فتضم إليها الركعة الثانية، لأن الفاء يبطل معناها إذ ذاك، فوجب أن يكونوا من وراء عقيب السجدة بإزاء العدو، ولا تقف للركعة الباقية، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ركعة، فحذف المفعول. ولم يقل: فلتنصرف الأولى وتؤدى الركعة بغير قراءة وتسلم. فحذف هذه الجملة، وحذف المفعول من قوله (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) «2» ، وحذف الجار والمجرور من قوله (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) «3» وأضمر في قوله (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) «4» غير الطائفة المأمورين بالقيام معه. فلا ينصرف الضمير من قوله (وَلْيَأْخُذُوا) «5» إلى الظاهر قبله وإنما التقدير: وليأخذ باقيهم أسلحتهم فحذف المضاف فاتصل المنفصل. ونظير حذف الباقي قوله تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) «6» ، أي: ليتفقه باقيهم. ولما أضمر غير المقدم ذكرهم رجع إلى ذكرهم في قوله (فَإِذا سَجَدُوا) «7» فخالف بين الضميرين اللذين أحدهما بعد صاحبه. فلا يمكنك إنكاره بقولك: لم خالفت بينهما؟ ولم تجعل قوله (وَلْيَأْخُذُوا) راجعاً إلى الطائفة التي أمرت

_ (1، 2، 3، 4، 5) النساء: 102. (6) التوبة: 122. [.....] (7) النساء: 102.

بالقيام معه حتى تأخذ السلاح معه في الصلاة لأن اختلاف الضميرين قد جاء في التنزيل. قال عز من قائل: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) «1» فالهاء الأولى لصاحبه، والثانية له صلى الله عليه وآله. وقال: (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) «2» فالهاء في «به» لله والمتقدمان للشيطان. وقال: (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) «3» فالضمير في «بلغوا» لمشركي مكة والذي في «آتيناهم» للمتقدمين من المشركين. وقال: (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) «4» ، أي: أملي لهم الله، فالذكر في «أملى» . غير الذكر في «سَوَّلَ» . وقال تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) «5» فالهاء الأخيرة لله، والمتقدمان للنبي صلى الله عليه وعلى آله. فكذا هاهنا (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) «6» لمن لم يقم معه، ويكون الضمير في (فَإِذا سَجَدُوا) «7» لمن معه. فتحقق قولنا إنه اختصر وأوجز.

_ (1) التوبة: 40. (2) النحل: 100. (3) سبأ: 45. (4) محمد: 25. (5) الفتح: 9. (6) النساء: 102. (7) النساء: 102.

فأما قولنا أطنب وأسهب، فقوله عز من قائل: (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا) «1» ولو قال: ولتأت طائفة أخرى «2» لم يصلوا فليصلوا معك، كان حسناً أيضاً، لكنها وصفت بقوله (أُخْرى) «3» إطنابا في الكلام، كما قال: (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) «4» وقال: (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) «5» وقال: (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) «6» . وقال: (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) «7» فيمن رفع، لأن المعنى: لهم عذاب أليم من عذاب لأن الرجز: العذاب، بدلالة قوله: (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) «8» وقوله تعالى: (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) «9» وقال: (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) «10» وفي موضوع آخر: (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ) «11» . قال أبو علي: ومن قال: لهم عذاب من رجز أليم، فرفع «أليماً» كان المعنى: لهم عذاب أليم من عذاب. وليست فائدته كذلك. فالقول في ذلك أمران: أحدهما أن الصفة قد تجيء على وجه التأكيد، كما أن الحال قد تجىء كذلك في قوله تعالى: (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) «12» .

_ (1) النساء: 102. (2) كذا في الأصل، والأولى حذف كلمة «الأخرى» ليصح الاستشهاد. (3) النساء: 102. (4) النحل: 51. (5) النجم: 20. (6) الحاقة: 13. [.....] (7) سبأ: 5. (8) البقرة: 59. (9) الأعراف: 134. (10) الأعراف: 135. (11) الزخرف: 50. (12) البقرة: 91.

وفي قوله: (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) «1» وكذا الصفة فيما تلونا، وفى بعض المصاحف: (وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) «2» . والآخر أن الرجز: النجاسة، فيحمل على البدل للمقاربة. ومعنى النجاسة فيه قوله: (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) «3» فكأن المعنى: عذاب من تجرع رجزاً ومن شربه، فتكون «من» تبييتاً للعذاب: مما هو؟ ومن أي شىء؟ وقال الشافعي في صلاة الخوف: يفتتح الإمام الصلاة بالجميع، ثم تذهب طائفة إلى وجه العدو، ويصلى بطائفة ركعة وسجدتين بمقام ويقف حتى تصلى هذه الطائفة ركعة أخرى ويسلموا. ثم تذهب هذه الطائفة وتقف بإزاء العدو، وتأتى الطائفة التي لم تصل شيئاً، فيصلي الإمام بهم الركعة الثانية، ثم يقومون ويقضون الركعة الأخيرة. والدليل/ على ما قلنا قول الله تعالى: (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ) «4» . الآية. فالله تبارك وتعالى أثبت طائفة لم يؤدوا شيئاً من الصلاة مع الإمام، وعنده «5» لا يتصور هذا هاهنا، لأن الطائفة الثانية افتتحوا الصلاة مع الإمام فقد أدوا جزءاً من الصلاة حال الافتتاح، ولأنه قال: (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) «6» وهذا يدل على خلاف قوله لأن لطائفة الثانية قد صلّت عنده.

_ (1) المعارج: 16. وقبلها: «كلا إنها لظى» . (2) سورة ص: 23. وانظر: كتاب المصاحف للسجستاني طبعة بريل (ص 81) . (3) إبراهيم: 16، 17 كذا في الأصل. (4- 5) وعنده، أي: وعند الشافعي. (6) النساء: 102.

وقال: (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) «1» والفاء للتعقيب، فهذا يدل على أن الطائفة الأولى تنصرف عقيب السجود، وعنده: تصلى ركعة ثم تنصرف. ولأن ما يقوله الشافعي يؤدى إلى سبق المؤتم الإمام بالفراغ بالصلاة، وإلى أن يقف الإمام ينتظر فراغ المؤتم من الصلاة، وهذا لا يجوز في غير حال الخوف، فكذلك فيها كسائر الأعمال. وإنما قلنا: إن الطائفة الأولى تقضي ركعة بغير قراءة، لأنها أدركت الصلاة فهي في حكم من هو خلف الإمام وأما الثانية فلم تدرك أول الصلاة، والمسبوق فيها يقضى كالمنفرد في صلاته. ومن ذلك قوله «2» : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) «3» أي: لولا أن رأى برهان ربه لواقعها، أو لهم بها. وقال: (وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ) «4» أي: لولا أن يحتجوا لو أصابتهم مصيبة، بأن «5» يقولوا: لولا أرسلت رسولاً فاتبعنا لما أرسلنا الرسل «6» . وقيل: عاجلناهم بالعقوبة. وقيل: لكان فيما تقدم من الرسل المبعوثين قبلهم حجة عليهم.

_ (1) النساء: 102. (2) أي من حذف الجملة. (3) يوسف: 24. [.....] (4) القصص: 47. (5) في الأصل «فإن يقولوا» . (6) أي إنما أرسلنا الرسل إزالة لهذا العذر. عن أبي حيان (7: 123) . وقد استطرد فقال: وتقدير الجواب: «ما أرسلنا إليهم الرسل، هو قول الزجاج» .

ومن حذف الفعل: قوله تعالى: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) «1» أي: إذا كورت الشمس. و (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) «2» أي: إن استجارك أحد. و (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) «3» [أي: إن هلك امرؤ] «4» . و (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) «5» . [أي: إن خافت امرأة] «6» . و (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) «7» - إلى قوله- (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) «8» . أي: انفطرت السماء، وانتثرت الكواكب، وفجرت البحار، وبعثرت القبور. وقال: (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) «9» أي: إذا انشقت السماء. وأما قوله: (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) «10» فالتقدير: أحلف وأقسم، فحذف الفعل مع الفاعل، وفي الأول حذف الفعل، فحسب. ومن ذلك قوله تعالى: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) «11» . أي: كيف لا يقاتلونكم، فحذف الجملة. فأما قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا) «12» .

_ (1) التكوير: 1. (2) التوبة: 7. (3) النساء: 176. (4) تكملة يفقدها الأصل. (5) النساء: 128. (6) تكملة يفقدها الأصل. (7) الانفطار: 1- 4. (8) الانفطار: 4. (9) الانشقاق: 1. (10) البروج: 1. (11) التوبة: 8. [.....] (12) النساء: 41.

أي: كيف أنتم إذا جئنا! فحذف المبتدأ، بخلاف قوله (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ) «1» لأنه كالأول، أي: كيف تكون حالهم! أي: وكيف يصنعون! ومن إضمار الجملة: قوله تعالى: (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) «2» : كذا وكذا، صدقوا وعدهم وطابت نفوسهم. والكوفى «3» يحمله على زيادة الواو. ومن ذلك قوله تعالى: (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) «4» والتقدير: وما لم تسألوه، فحذف هذه الجملة، وهى فى موضع الجر، أعنى الموصولة بالعطف على «ما» الأولى. وقد حذف في الحقيقة اسما معطوفا على المضاف إليه، وكأنه قال: من كل مسئولكم وغير مسئولكم، ف «ما» يكون موصولا أو موصوفا، وأن يكون موصوفا أحب إلينا، لأن «كلّا» يقتضى النكرة نظيره: (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) «5» أي: هذا شىء لدى عتيد ومن كل شىء سألتموه. ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) «6» أي فقل لهم: إني أخاف. ويجوز في (تَوَلَّوْا) تقديران: المضى، والاستقبال، لقوله (يُمَتِّعْكُمْ) «7» .

_ (1) آل عمران: 25. (2) الزمر: 73. (3) في البحر (7: 443) : «الكوفيون» . (4) إبراهيم: 34. (5) ق: 23. (6- 7) هود: 3.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) «1» أي: عزموا على سجنه فسجنوه، ودخل معه السجن فتيان. ومن ذلك قوله: (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) «2» . قيل: الواو مقحمة. وقيل: التقدير: هذا لإبلاغ الناس ولينذروا به. وقال أبو علي: اللام تتعلق بفعل محذوف، كأنه قال: وأنزل لينذروا ويعلموا التوحيد من الدلالات التي فيه كما قال الله تعالى: (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... لِتُنْذِرَ) «3» . وقال: (أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ ... لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) «4» . ومنه قوله تعالى: (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) «5» أي: أرسلنا بأن أرسل معنا، فحذف. ومنه قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) «6» والتقدير: أعزنا ولا تذلنا. وقال: (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) «7» أي: لو أنهم كانوا يهتدون ما رأوا العذاب. ومنه قوله تعالى: (لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ) «8» لما قال الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) «9» قال المشركون: نحن لا نشهد لك بذلك. فقيل: (لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ) . لا بد من ذا الحذف، لأن «لكن» استدراك بعد النفي.

_ (1) يوسف: 36. (2) إبراهيم: 52. (3) الأعراف: 2. (4) الكهف: 1، 2. (5) الشعراء: 17. (6) آل عمران: 26. (7) القصص: 64. [.....] (8) النساء: 166. (9) النساء: 163.

ومنه قوله تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) «1» . أراد: فبعث الله غراباً يبحث التراب على غراب ميت ليواريه، أي ليريه كيف يوارى سوأة أخيه. ومن ذلك ما وقع في قصة شعيب: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) «2» . لم يذكر للاستفهام جواباً، والمعنى: أخبروني إن كنت على بينة من ربي ورزقني النبوة وجعلني رسولاً إليكم وأنتم تدفعونني، فماذا حالكم مع ربكم؟ فحذف «ماذا حالكم»

_ (1) المائدة: 31. (2) هود: 88.

الباب الثاني

الباب الثاني باب ما جاء من حذف المضاف في التنزيل وليس من هذه الأبواب في التنزيل أكثر من هذا. وقد ذكر سيبويه حذف المضاف في «الكتاب» في مواضع «1» ، فمن ذلك قوله حكاية عن العرب: اجتمعت اليمامة، أي أهل اليمامة وقوله: «صدنا قنوين» «2» ، أي وحش قنوين «3» . فما جاء في التنزيل: قوله تعالى (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) «4» والتقدير: مالك أحكام يوم الدين. وقدره الفارسي تقدير حذف المفعول، أي: مالك يوم الدين الأحكام فتكون «الأحكام» المفعول، فلا يكون على قوله من هذا الباب. ومن ذلك قوله تعالى: (لا رَيْبَ فِيهِ) «5» أي: في صحته وتحقيقه.

_ (1) الكتاب (1: 26 و 109 2: 25) . (2) قنوان: جبلان تلقاء المحاجر لبني مرة. (ياقوت) . (3) وزاد سيبويه: «أو بقنوين» فلا يكون من هذا الباب. (4) الفاتحة: 4. (5) البقرة: 1، آل عمران: 9 و 25، النساء: 86، الأنعام: 12، الجاثية: 25، يونس: 37.

ومنه قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) «1» أي: على مواضع سمعهم، فحذف لأنه استغنى عن جمعه، لإضافته إلى الجمع لأن سيبويه قال: وأما جلدها فصليب «2» أكثره في الشعر. وتبعه الفارسي فحمل (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) «3» على حذف المضاف، أي ذي صدق وحمل (لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ) «4» على حذف المضاف. وخفيت الخافية عليهم في قوله تعالى: (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) «5» فأضاف المفرد، وليس هناك مضاف محذوف. ومنه قوله تعالى: (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) «6» أي: في عقوبة طغيانهم. ومنه قوله تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) «7» أي: كأصحاب صيب من السماء دليله قوله: (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ) «8» ف «يجعلون» في موضع الجر وصف للأصحاب «من الصواعق» أي: من شدتها وأجلها وقوله تعالى: (فِيهِ ظُلُماتٌ) «9» لأنه لا يخلو من أن يعود إلى «الصيب» أو إلى «السماء» «10» فلا يعود إلى «الصيب» لأن الصيب لا ظلمات فيه.

_ (1) البقرة: 7. (2) جزء من بيت لعلقمة بن عبدة، والبيت بتمامه: بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيضٌ وأما جلدها فصليب والشاهد فيه وضع «الجلد» مكان «الجلود» . قال سيبويه: «وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جميع، حتى قال بعضهم في الشعر من ذلك ما لا يستعمل في الكلام» ، ثم ساق بيت علقمة. (الكتاب 1: 107) . (3) القمر: 55. (4) سبأ: 15. (5) إبراهيم: 43. [.....] (6) البقرة: 15. (7، 8، 9) البقرة: 19. (10) في الأصل: «السحاب» ، ولم يرد له ذكر في الآية ولا في التقدير.

[ويدل على هذا الحذف] قوله تعالى: (وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) «1» فهما معطوفان على «الظلمات» ولا يجوز أن يكون الرعد والبرق مما ينزل وأنهما في السماء، لاصطكاك بعض أجرامها ببعضها. روى عن الحسن أن ذلك من ملك، فقد يجوز أن يكون الملك في السحاب، ويكون من هذا قراءة من قرأ: سحاب ظلمات، بالإضافة، لاستقلال السحاب وارتفاعه في وقت كون هذه الظلمات. وقدره مرة أخرى، أي سحاب وفيه الظلمات فكذلك فيه ظلمات، أي في وقت نزوله ظلمات. ومنه قوله تعالى: (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) «2» أي: ذا فراش. (وَالسَّماءَ بِناءً) «3» أي: ذا بناء، (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) «4» أي بإنزاله (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) «5» أي بإنزاله: (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) «6» ، أي: لانتفاعكم، ثم (اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) «7» أي: إلى خلق السماء. وقوله تعالى: (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) «8» أي من تحت أشجارها. وقدره أبو علي: من تحت مجالسها. ومنه قوله تعالى: (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «9» أي ذا غيب السموات. وقيل: غيب، بمعنى غائب لأن «ذا غيب» صاحب غيب، وهو يكون غائبا.

_ (1) البقرة: 19. (2- 3) البقرة: 22. (4- 5) البقرة: 36. (6- 7) البقرة: 29. (8) البقرة: 25. (9) البقرة: 33.

ومنه قوله تعالى: (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا) «1» أي: ذا ثمن، لأن الثمن لا يشترى، وإنما يشترى شىء ذو ثمن. ومن ذلك قوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) «2» أي: عقاب يوم، لا بد من هذا الإضمار، لأنه مفعول «اتقوا» ، فحذف وأقيم «اليوم» مقامه. فاليوم مفعول به وليس بظرف، إذ ليس المعنى: ائتوا في يوم القيامة، لأن يوم القيامة ليس بيوم التكليف. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) «3» أي: انقضاء أربعين ليلة. قال أبو علي: ليس يخلو تعلق «الأربعين» ب «الوعد» من أن يكون على أنه ظرف أو مفعول ثان، فلا يجوز أن يكون ظرفاً لأن «الوعد» ليس فيها كلها فيكون جواب «كم» ، ولا في بعضها فيكون كما يكون جواباً ل «متى» ، لأن جواب «كم» يكون عن الكل، لأنك إذا قلت: كم رجلاً لقيت؟ فالجواب: عشرين، فأجاب عن الكل. وجواب «متى» جواب البعض. لأنك إذا/ قلت: متى رأيت؟ يقال في جوابه: يوم الجمعة، وهو بعض الأيام التي يدل عليه «متى» ، فإذا لم يكن ظرفاً كان انتصابه بوقوعه موقع المفعول الثاني، والتقدير: واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة، أو تتمة أربعين ليلة، فحذف المضاف، كما تقول: اليوم خمسة عشر من الشهر، أي تمامه.

_ (1) البقرة: 41. (2) البقرة: 47، 123. (3) البقرة: 51.

ونظيره في الأعراف: (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) «1» أي: انقضاء ثلاثين. (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) «2» والميقات هو الأربعون، وإنما هو ميقات ووعد، لما روى أن القديم سبحانه وتعالى وعده أن يكلمه على الطور. فأما انتصاب «الأربعين» في قوله: (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) فذلك كقولك: تم القوم عشرين رجلاً. والمعنى: تم القوم معدودين هذا العدد. وتم الميقات معدوداً هذا العدد. فيكون «عشرين» حالاً، كما أن معدودين كذلك. ونظيره قوله تعالى: (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) «3» أي إتيان جانب الطور الأيمن، فحذف المضاف الذي هو مفعول ثان وقام مقامه «جانب» . وليس «جانب» ظرفاً لأنه مخصوص، كقوله: فواعديه سرحتى مالك «4» أي إتيان سرحتى مالك. ومن ذلك قوله تعالى: (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) «5» أو صورته، لأنهم لم يعبدوا العجل حقيقة من بعده، أي من بعد خروجه. وكذلك (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ) في رأس التسعين، فإنه لم يكن فيه حياة كما يكون في العجل حقيقة، بل كان صورة مموهة وصنعوه صورة العجل.

_ (1- 2) الأعراف: 142. (3) طه: 80. [.....] (4) صدر بيت لعمر بن أبي ربيعة. أو تمامه: أو الربا بينهما أسهلا وانظر الحاشية (4 ص 10) من هذا الكتاب. (5) البقرة: 51.

وقيل: من بعد إنجائنا إياكم. نظيره: (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) «1» أي: من بعد وفاتي (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) «2» أي عن عبادتكم العجل. ومثله: (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) «3» أي ذوي هزو. ومنه قوله: (وَكُلا مِنْها رَغَداً) «4» أي: من نعيمها. نظيره: (فَكُلُوا «5» مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) «6» أي: من نعيمها. ومثله في الأعراف «7» . ومن ذلك قوله: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) «8» . أي حب عبادة العجل، فحذف «حب» أولا، فصار: وأشربوا في قلوبهم عبادة العجل، ثم حذف «العبادة» . ومثله: (مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) «9» أي من أثر تراب حافر فرس الرسول. وقال الكلبي «10» : لما ذرى العجل/ في اليم وشربوا منه الماء ظهرت علامة الذهب على بدن محبي العجل، فذلك قوله: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) «11» .

_ (1) البقرة: 133. (2) البقرة: 52. (3) البقرة: 67. (4) البقرة: 35. (5) في الأصل. «وكاوا» بتبديل من الناسخ. (6) البقرة: 58. (7) يريد الاية 161 من سورة الأعراف ( ... وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) . (8) البقرة: 93. (9) طه: 96. (10) الكلبي، هو أبو النضر محمد بن السائب بن بشر، نسابة مفسر إخباري. كانت وفاته سنة ست وأربعين ومائة. (تهذيب التهذيب 9: 178- وفيات الأعيان 2: 301) . (11) البقرة: 93.

(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) «1» أي: ذا أمن. وإن شئت «أمنا» كان بمعنى: آمن. ومن ذلك قوله تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ) «2» أي: لها جزاء ما كسبت (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) «3» أي: جزاء ما كسبتم. ومنه قوله تعالى: (وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها) «4» أي في عقوبة اللعنة، وهي النار. (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ) «5» أي: جزاء أعمالهم. قوله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) «6» أي: مثل داعي الذين كفروا (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) «7» لا بد من هذا الإضمار ليكون الداعي بمنزلة الراعي. وقيل: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) «8» : مثل وعظ الذين كفروا، فحذف المضاف. قال سيبويه: وهذا من أفصح الكلام إيجازاً واختصاراً ولأن الله تعالى أراد تشبيه شيئين بشيئين: الداعي والكفار، بالراعي والغنم فاختصر. وذكر المشبه في الغنم بالظرف الأول فدل ما أبقى على ما ألقى. وهذا معنى كلامه. ومثله: (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) «9» أي أكل الميتة، فحذف.

_ (1) البقرة: 125. [.....] (2- 3) البقرة: 134. (4) آل عمران: 87، 88. وبدء الآية الأولى: (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ. (5) البقرة: 167. (6- 7) البقرة: 171. (8) إبراهيم: 18. (9) البقرة: 173.

قوله تعالى: (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ) «1» [أي: ولكن ذا البر] «2» . وإن شئت: ولكن البر بر من آمن. وإن شئت: «كان البر» بمعنى البار، فلا يكون من هذا الباب. ولا وجه أن يكون التقدير: ولكن البر بر من آمن، ليكون ابتداء الكلام على الحقيقة لأنه إذا حذف منه «ذا» ، أو جعل بمعنى البار، فعلى الوجهين يكون مغيراً عن أصله. (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «3» أي: من جناية أخيه، وتقديره: من جنايته على أخيه. والعفو: التيسير «4» دون الصفح، كالذي في قوله. وآخره عفو لله، أي يسر له حيث قبلت الصلاة في آخره قبولها في أوله، لم تضيق على المصلى. وقال في موضع آخر: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) «5» الآية. هذا في قبول الدية في العمد، أي من يسر له من أخيه القاتل فاتباع بالمعروف، أي ليتبعه ولى المقتول بالمعروف، فيتجمل في المطالبة، وليؤد المطالب ذلك منه إلى ولي المقتول بإحسان فلا يمطله ولا يبخسه، فقوله تعالى: (وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) «6» مرتفع بالابتداء، وخبره «له» ، هي مضمرة/ في تقدير الفاعل أن يؤدى إليه أخوه، والجار في «بإحسان»

_ (1) البقرة: 177. (2) التكملة من تفسير أبي حيان (2: 3) وفيه بعد هذا: «قاله الزجاج» . (3) البقرة: 178. (4) في الأصل: «وللعفو اليسير» . والصواب ما أثبتناه، بدليل ما بعده. (5- 6) البقرة: 178.

متعلق بمضمر في موضع حال. والتقدير: متلبساً بإحسان، أي محسناً. ولا يتعلق بالمصدر نفسه، لأنه قد تعلق به «إلى» ، والضمير في «إليه» ، راجع إلى (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ) «1» . ومن ذلك قوله: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) «2» أي: إلى كرامته. ومنه قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) «3» أي: في استيفاء القصاص، أو في شرع القصاص. ومن ذلك قوله تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) «4» أي: انتهاك حرمة الشهر الحرام. (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) «5» أي: ذات قصاص. ومن ذلك قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) «6» أي: أشهر الحج أشهر وإن شئت: الحج حج أشهر. وإن شئت كان: الحج نفس الأشهر، مجازاً واتساعاً، لكونه فيها.

_ (1) وقيل: اتباع، على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي فالحكم أو الواجب، أو فالأمر اتباع. وجاز أيضا رفعه بإضمار فعل تقديره: فليكن اتباع. وجوزوا أيضا أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، وتقديره: فعلى الولي اتباع القاتل بالدية. وقدروه أيضا متأخرا، تقديره: فاتباع بالمعروف عليه. وأداء، لكونه معطوفا على «اتباع» فيكون فيه من الإعراب ما قدروا في «فاتباع» ويكون «بإحسان» متعلقا بقوله «وأداء» . وجوزوا أن يكون «وأداء» مبتدأ، و «بإحسان» هو الخبر (تفسير أبي حيان 2: 13- 14) . (2) البقرة: 156. (3) البقرة: 179. [.....] (4- 5) البقرة: 194. (6) البقرة: 197.

ومن ذلك قوله: (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) «1» أي في استعمالهما. ووقع في «الحجة» «2» : في استحلالهما، وهو فاسد، لأن استحلالهما كفر، واستعمالهما إثم. ومن ذلك قوله تعالى: (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) «3» أي: ليس من أهل ديني. ومن ذلك قوله: (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) «4» أي: فروج نسائكم. ومثله قوله تعالى: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) «5» أي: تضييع بني عمي، فحذف المضاف. والمعنى: على تضييعهم الدين، ونبذهم إياه، واطراحهم له، فسأل ربه وليا يرث نبوته. ومنه قوله تعالى: (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ) «6» أي: ملاقون ثواب الله، كقوله تعالى: (مُلاقُوا رَبِّهِمْ) «7» . وقوله تعالى: (أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) «8» أي: ثوابه. وهذا قول نفاة الرؤية. ومن أثبت الرؤية لم يقدر محذوفا. ومن ذلك قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) «9» أي: فلتحدث شهادة رجل وامرأتين أن تضل إحداهما.

_ (1) البقرة: 219. (2) هو كتاب: الحجة في القراءات لأبي علي الحسن بن أحمد الفارسي، المتوفي سنة 377 هـ. (3) البقرة: 249. (4) البقرة: 223. (5) مريم: 5. (6) البقرة: 249. (7) البقرة: 46. (8) البقرة: 223. (9) البقرة: 282.

وقال أبو علي: لا يتعلق «أَنْ» بقوله: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ... أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) «1» لم يسغ، ولكن يتعلق «أن» بفعل مضمر دل عليه هذا الكلام، وذلك أن قوله: (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) «2» يدل على قولك: واستشهدوا رجلا وامرأتين، فتعلق «أَنْ» إنما هو بهذا الفعل المدلول/ عليه من حيث [ما] ذكرناه. قال أبو الحسن «3» في قوله: (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) «4» التقدير: فليكن رجل وامرأتان. وهذا قول حسن، وذلك أنه لما كان قوله (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) «5» لا بد أن يتعلق بفعل، وليس في قوله: (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) «6» فعل ظاهر، جعل المضمر فعلا يرتفع به النكرة ويتعلق به المصدر، وكان هذا أولى من تقدير إضمار المبتدأ الذي هو: ممن شهد به رجل وامرأتان، لأن المصدر الذي هو: أن تضل إحداهما، لا يجوز أن يتعلق به، لفصل الخبر بين الفعل والمصدر. فإن قلت: من أي الضّربين تكون «كان» المضمرة فى قوله (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) «7» هل يحتمل أن تكون الناصبة للخبر، أو تكون التامة؟ فالقول في ذلك أن كل واحد منهما يجوز أن يقدر إضماره، فإذا أضمرت الذي يقتضي الخبر كان تقديره إضمار المخبر: فليكن ممن يشهدون رجل وامرأتان.

_ (1- 2) البقرة: 282. (3) أبو الحسن، هو علي بن سليمان بن الفضل النحوي الأخفش الأصغر. توفي 315 هـ (بغية الوعاة ص 238) . (4، 5، 6، 7) البقرة: 282. [.....]

وإنما جاز إضمار هذه، وإن كان قد قال: لا يجوز: عبد الله المقتول، وأنت تريد: كن عبد الله المقتول، لأن ذكرها قد تقدم، فتكون هذه إذا أضمرتها لتقدم الذكر بمنزلة المظهرة ألا ترى أنه لا يجوز العطف على عاملين؟ ولما تقدم ذكر «كل» فى قوله: أكلّ امرى تحسبين امرأ ... ونار توقد في الليل «1» نارا كان «كل» بمنزلة ما قد ذكر في قوله: ونار توقد بالليل ... وكذلك جاز إضمار «كان» المنتصبة للخبر كما أضمر بعد «إنْ» في قوله: إن خنجراً فخنجر، لما كان الحرف يقتضيها. ويجوز أن تضمر التامة التي بمعنى الحدوث والوقوع لأنك إذا أضمرتها أضمرت شيئاً، وإذا أضمرت الأخرى احتجت أن تضمر شيئين، وكلما قل الإضمار كان أسهل، فأيهما أضمرت فلا بد من تقدير المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. المعنى: فليحدث شهادة رجل وامرأتين، أو يقع، أو نحو ذلك. ألا ترى أنه ليس المعنى: فليحدث رجل وامرأتان، ولكن لتحدث شهادتهما، أو تقع، أو تكن شهادة رجل وامرأتين ممن «2» يشهدون. ويجوز أن يتعلق قوله (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) بشىء ثالث، وهو أن تضمر/ خبر المبتدأ، ويكون العامل في «أن» . وموضع إضماره فيمن فتح الهمزة من (أَنْ تَضِلَّ) قبل أن، وفيمن كسر «إن» بعد انقضاء الشرط بجوابه. يعني أن من كسر «إن» يجعل الجملة الشرطية وصفا لقوله (امْرَأَتانِ) والصفة قبل الخبر.

_ (1) في الأصل: «في الحرب» وما أثبتنا عن سيبويه (الكتاب 1: 33) . يريد: وكل نار. والبيت لأبي داود. (2) في الأصل: «مما» .

فقد جاز في (أَنْ تَضِلَّ) أن تتعلق بأحد ثلاثة أشياء: أحدها: المضمر الذي دل عليه قوله: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) «1» . والثاني: الفعل الذي هو: فليشهد رجل وامرأتان. والثالث: الفعل، الذي هو خبر المبتدأ. فإن قيل: فإن الشهادة لم توقع للضلال الذي هو النسيان، إنما وقعت للذكر والحفظ. فالقول في ذلك أن سيبويه قد قال: أمر بالإشهاد لأن تذكر إحداهما الأخرى، ومن أجل أن تذكر إحداهما الأخرى. وذكر الضلال لأنه سبب للإذكار، كما تقول: أعددته أن تميل الحائط فأدعمه. وهو لا يطلب بذاك ميلان الحائط، ولكنه أخبره بعلة الدعم وسببه. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) «2» . أي: فنعم شيئاً إبداؤها، فحذف المضاف، وهو إبداء، فاتصل الضمير فصار «ها هي» لأن «ها» يتصل بالاسم. فإذا انفصل قيل: هي. ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) «3» . أي: إن أكله. ومثله: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) «4» . أي: وقت دوامي فيهم. ومثله: (أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) «5» أي: بوقت لبثكم.

_ (1) البقرة: 282. (2) البقرة: 271. (3) النساء: 2. (4) المائدة: 117. (5) الكهف: 19.

وقال: (يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) «1» أي: في عملها وتأهبها. ويجوز أن تعود «الهاء» إلى «ما» حملا على المعنى. ومثله: (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) «2» أي: من قبل تلاوته. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) «3» أي: جزاء قولهم «4» ، لقوله «5» : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) «6» والوصف القول، فحذف المضاف كقوله تعالى: (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) «7» أي: في دخولها استمتاع لكم. ألا ترى أنه قيل: أراد به البنادق «8» . ومثله: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) «9» . أي: ليس عليكم جناح العمل وإثمه دون الخطأ. ومثله: (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) «10» تقديره تقدير حذف المضاف، أي: من عقوبة ما يعملون، أو جزاء ما يعملون. ألا ترى أن الأنبياء تعتزل عن المعاقبين/ في المحل إذا عوقبوا على هذا (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) «11» وقوله تعالى: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) «12» ونحو ذلك. ويجوز أن يكون التقدير: من مشاهدة ما يعملون.

_ (1) الأنعام: 31. (2) يونس: 16. (3) الأنعام: 139. (4) في الكشاف (2: 72) : «وصفهم» . (5) في الأصل: «كقوله» . (6) الأنعام: 138. (7) النور: 29. [.....] (8) كذا في الأصل. ولعل توجيه العبارة: «أو الفنادق» . أي البيوت المستثناة من الاستئذان. قال الزمخشري (3: 228) : «استثنى من البيوت التي يجب الاستئذان على داخلها. ما ليس بمسكون منها، وذلك نحو الفنادق، وهي الخانات والربط وحوانيت البياعين» . (9) الأحزاب: 5. (10) الشعراء: 169. (11) الدخان: 21. (12) هود: 81.

ومثله: (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) «1» أي: أمور هذه الحياة الدنيا، وإنما تقضى بوقت هذه الحياة الدنيا فعلى الأول مفعول، وعلى الثاني ظرف. وكقوله تعالى: (بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) «2» أي: بهز جذع النخلة. وقيل: الباء زيادة. وقيل: وهزى إليك رطباً بجذع النخلة. وكقوله تعالى: (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) «3» أي: مواضع الصلاة. ألا ترى أنه إنما يعبر موضع الصلاة، وموضع الصلاة هو المسجد لأن سائر المواضع عبوره قد وقع الاتفاق على إباحته. ومن ذلك قوله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) «4» أي: من توهين دينكم. ومثله قوله تعالى: (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ) «5» أي: في مواضع سكناهم، فحذف المضاف، والمسكن: السكنى. [و] قال: (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) «6» أي: في مواضع قعود صدق، فلا يكون من باب قوله: في حلقكم عظم وقد شجينا «7» وأما جلدها فصليب «8» لأن ذلك فى الشعر.

_ (1) طه: 72. (2) مريم: 25. (3) النساء: 43. (4) المائدة: 3. (5) سبأ: 15. (6) القمر: 55. (7) عجز بيت للمسيب بن زيد مناة الغنوي، وصدره: لا تنكر القتل وقد سبينا والشاهد فيه وضع الحلق موضع الحلوق. (8) جزء من بيت لعلقمة بن عبدة، والبيت كاملا: بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيضٌ وأما جلدها فصليب والشاهد فيه وضع الجلد موضع الجلود، لأنه اسم جنس ينوب واحده عن جميعه، فأفرد ضرورة لذلك. (الكتاب لسيبويه 1: 107) .

كذا ذكره سيبويه وأبو علي، وقد وجدنا خلاف ذلك في التنزيل. وقال: (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) «1» . وقال: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) «2» . ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ) «3» أي: بعذابكم، أي: لا وزن لعذابكم عنده لولا دعاؤكم «4» الآلهة الذين أشركتموها في عبادته. والمفعول الذي هو مفعول المصدر محذوف، وكل واحد من الفاعل والمفعول قد يحذف مع المصدر. ويجوز أن يكون قوله تعالى: (لَوْلا دُعاؤُكُمْ) «5» الآلهة، أي: عبادتكم إياها. وعلى هذا قوله تعالى: (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى) «6» أي: لم يكن يعذبكم بعذابه لولا دعاؤكم الآلهة، ولكن إذا عبدتم داعين إليها، كما يرغب الموحدون مجتهدين في دعاء الله وعبادته، عذبكم. ويقوى أن الدعاء يراد به دعاء الآلهة، الذي هو العبادة لها والرغبة إليها في دعائها، قوله: (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) لأنهم إذا دعوا الآلهة فقد كذبوا الموحدين في توحيدهم وكذبوا الرسل (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) . أما فاعل (يَكُونُ) للعذاب المحذوف لذى قد حذف/ وأقيم المضاف إليه مقامه، أي: سوف يكون العذاب لازما لكم. و (لِزاماً) مصدر، فإما أن يكون بمعنى لازم، أو يكون: ذا لزام.

_ (1) إبراهيم: 43. [.....] (2) الأعراف: 157. (3، 4، 5) الفرقان: 77. (6) الزمر: 3.

ومثله: (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) «1» أي: حين كبرهم لأنهم إذا كبروا زالت ولايتهم عنهم. ومثله: (لَحَبِطَ عَنْهُمْ) «2» أي: عن ثواب أعمالهم، فلهذا عداه ب «عن» . ومثله: (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) «3» أي: هل يسمعون دعاءكم. ومثله: (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) «4» أي: من أجل ما يعلمون، وهو الطاعة، كقوله تعالى: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) «5» . وقال الله تعالى: (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) «6» أي: في معونتهم. وقال الله تعالى: (وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) «7» أي: من إحدى القريتين: مكة والطائف، أي: أبي مسعود الثقفي، [أ] و: الوليد بن المغيرة. هكذا قالوه. وأنكره الأسود، وقال: هذه الآية نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، وكان من أهل الطائف، وكان ينزل مكة، وهو حليف لبني زهرة، وهو أحد المنافقين. مطاع، فلما كان ثقيفياً من أهل الطائف ثم نزل مكة، جاز أن يقال: على رجل من القريتين. وهذا ظاهر.

_ (1) النساء: 6. (2) الأنعام: 88. (3) الشعراء: 73. (4) المعارج: 39. (5) الذاريات: 56. (6) المائدة: 52. (7) الزخرف: 31.

ومثله: (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) «1» المعنى: من مال عباده نصيباً، لأن الجزء هو النّصيب كقوله تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) «2» . ومثله: (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) «3» أي: وليأخذ باقيهم. كقوله تعالى: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) «4» أي ليتفقه باقيهم. وقال: (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) «5» أي: من شرب رجز كقوله تعالى: (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) «6» . وقال الله تعالى: (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) «7» أي: في محل عليين، وهم الملائكة. ومثله: (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) «8» أي: مس حاجة من فقد ما أوتوا. ومثله: (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) «9» أي: من ترك ذكر الله. ومثله: (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) «10» .

_ (1) الزخرف: 15. (2) النحل: 56. (3) النساء: 102. (4) التوبة: 122. [.....] (5) سبأ: 5. (6) إبراهيم: 16. (7) المطففين: 18. (8) الحشر: 9. (9) الزمر: 22. (10) ص: 32.

ومثله: (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ) «1» أي من بعد إضلال «2» الله إياه، يطبعه على قلبه، جزاء بأعمالهم الخبيثة. ومثله (اسْتَحَقَّا إِثْماً) «3» أي عقوبة إثم. ومثله: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) «4» تقدير هذا الكلام: إني أريد الكف عن قتلى/ كراهة أن تبوء بإثم قتلى وإثم فعلك، الذي من أجله لم يتقبل قربانك، فحذف ثلاثة أسماء مضافة، وحذف مفعول «أريد» . لا بد من هذا التقدير، فموضع «أن تَبوُءَ» نصب، لأنه قام مقام «كراهة» الذي كان مفعولاً له، وليس مفعول «أريد» . ومثله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) «5» أي: كراهة أن تضلوا، ولئلا تضلوا. عن الكوفى. وعن النحاس: أن موضع (أَنْ تَضِلُّوا) نصب بوقوع الفعل عليه، أي يبين الله لكم الضلالة. ومثله: (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) «6» أي كراهة أن تميد بكم. ومثله: (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) «7» أي: كراهة أن يؤتى.

_ (1) الجاثية: 23. (2) في الأصل: «عضو» . ولا يستقيم بها الكلام. (الكشاف 4: 291) . (3) المائدة: 107. (4) المائدة: 29. (5) النساء: 176. (6) النحل: 15. (7) آل عمران: 73.

وفيه قول آخر ستراه في حذف الجار. ومثله: (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) «1» أي: أسباب الموت، فحذف المضاف، يدل عليه: (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) أي: رأيتم أسبابه، لأن من رأى الموت لم ير شيئاً. ومثله: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) «2» أي: شكر رزقكم، فحذف المضاف. ومثله: (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) «3» أي: من في طلب النار، أو قرب النار. ومن ذلك قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) «4» . قال محمد بن كعب: كانوا ثمانية، والثامن راعي كلبهم. فيكون التقدير: وثامنهم صاحب كلبهم. والجمهور على خلافه، وأنهم كانوا سبعة وثامنهم كلبهم. ومثله من حذف المضاف، قوله تعالى: (حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ) «5» أي: عند جزاء عمله.

_ (1) آل عمران: 143. [.....] (2) الواقعة: 82. (3) النمل: 8. (4) الكهف: 22. (5) النور: 39.

قال أبو علي في الآية: معنى (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) «1» لم يجده وجوداً، فصار قوله «شيئاً» موضوعاً موضع المصدر ألا ترى أن التقدير، لم يدركه، فهو من وجدان الضالة التي هي رؤيتها وإدراكها. وأما قوله تعالى: (وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ) فإن أبا إسحاق فسر الوجود هاهنا بما في الحديث، من قول القائل: ذروني في الريح لعلى أضل الله، أي: وجده فلم يضلّ عنه. ويجوز قد أحاط الله بعلمه عنده. ومعنى «عنده» يشبه أن يكون: عند جزاء عمله، فيكون محيطاً لم ينتفع بشىء منه. وأما قوله تعالى: (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ) «2» ، فمعناه: أو كذى ظلمات، ويدل على حذفه قوله تعالى: / (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) «3» . والضمير الذي أضيف إليه (يده) يعود إلى المضاف المحذوف. ومعنى: «ذى ظلمات» : أنه في ظلمات. ومعنى (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) «4» ظلمة البحر، وظلمة الموج الذي فوق الموج، وظلمة الليل. وقوله تعالى: (فَنادى فِي الظُّلُماتِ) «5» ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت. ويجوز أن يكون الالتقام كان في ليل، فهذه ظلمات. وقوله تعالى: (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) «6» . قيل: من ظلمة بطن الأم، والرحم، والمشيمة، عن ابن عباس.

_ (1) النور: 39. (2، 3، 4) النور: 40. (5) الأنبياء: 87. (6) الزمر: 6.

وقيل: ظلمة صلب الأب، ثم بطن الأم، ثم الرحم. فمن قرأ: (سَحابٌ ظُلُماتٌ) «1» بالرفع، أي: هذه ظلمات. ومن جر (ظلمات) ونون (سحاباً) كان بدلاً من ظلمات الأولى، ومن ذلك قوله تعالى: (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً) «2» ، والمعنى على الصوت، لأن التغيظ لا يسمع. ومثله: (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) «3» كقوله تعالى: (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) «4» أي: جزاء أعمالهم، كقوله تعالى: (عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) «5» أي: جزاء ما كسبوا. ومثله: (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) «6» تقديره: إنما مثل متاع الحياة الدنيا كمثل ماء. يدلك على ذلك قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ) «7» . وقال: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى) «8» أي: كمثل الأعمى، وكمثل السميع، هل يستويان مثلا، أي ذوي مثل. وقال الله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا) «9» أي: مثل رجل، (مَثَلًا قَرْيَةً) «10» ، أي: مثلا مثل قرية. و (مَثَلًا رَجُلَيْنِ) «11» أي مثلا مثل رجلين.

_ (1) النور: 40. (2) الفرقان: 12. (3) الفرقان: 23. (4) محمد: 1 و 8. (5) البقرة: 264. (6) محمد: 36. [.....] (7) الجمعة: 5. (8) هود: 24. (9) الزمر: 29. (10) النحل: 112. (11) النحل: 76.

وقال الله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) «1» أي: مثلا مثل أصحاب القرية. وقال مرة أخرى: (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ) «2» أي: مثل زينة الحياة الدنيا كمثل زينة الماء، وزينة الماء نضارة ما ينبته. وقال: (قادِرُونَ عَلَيْها) «3» أي: على قطف ثمارها. وقوله تعالى: (فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) «4» أي: في ملكه. أي ضرب الله مثل عبد مشرك بين شركاء متشاكسين. ومثله قوله تعالى: (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا) «5» أي: شحم الحوايا. وقال أبو علي في الآية: الذي حرم عليهم الشحوم، والثروب «6» . [قال] «7» الكلبي: وكأنه ما خلص فلم يخالط العصب وغيره. فأما «الحوايا» ، فيجوز أن يكون له موضعان: أحدهما رفع، والآخر نصب. فالرفع أن/ تعطفها على (حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) كأنه: إلا ما حملته ظهورهما، أو حملته الحوايا.

_ (1) يس: 13. (2- 3) يونس: 24. (4) الزمر: 29. (5) الأنعام: 146. (6) الثروب: شحوم رقيقة تغشى الكرش والأمعاء. (7) تكملة يقتضيها السياق.

والآخر: أن يريد: إلا ما حملت ظهورهما، أو شحم الحوايا، فيحذف الشحم ويقيم الحوايا مقامه. والمعنى في الوجهين التحليل ألا ترى أن ما حملت الظهور محلل. وكذلك إذا جعلت موضع «الحوايا» نصباً بالعطف على «إلاَّ ما حملت» كان أيضا محللا، (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) «1» ، أي: الإلية. والحوايا: المباعر وبنات اللبن. ومثله: (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) «2» . والتقدير فيه حذف المضاف، كأنه: سواء منكم أسرار من أسر وجهر من جهر، كما قال الله تعالى: (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) «3» . وأما الجار في قوله تعالى: (سَواءٌ مِنْكُمْ) «4» ، فيجوز أن يكون وصفاً لسواء، تقديره: سر من أسر وجهر من جهر سواء ثابت منكم. ويجوز أن يكون متعلقاً «بسواء» ، أي: يستوي فيكم. مثل: مررت بزيد. ويجوز ألا يكون: جهر من جهر منكم، وسر من أسر منكم، سواء. هكذا قال أبو علي [على] «5» الموصول إلا أن تجعله من باب قوله:

_ (1) الأنعام: 146. (2) الرعد: 10. (3) الأنعام: 3. [.....] (4) الرعد: 10. (5) تكملة يقتضيها السياق.

(وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) «1» (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) «2» و (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) «3» ومثله: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) «4» تقديره: إن المتقين في ظلال وشرب عيون، أي: شرب ماء عيون، وأكل فواكه. يدل على ذلك قوله تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) «5» . وقوله: (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً) «6» أي: يشربون من كأس ماء عين، فحذف «الماء» كما حذف في الأولى، فحذف الماء للعلم بأن الماء من العين، ماؤها لا نفسها. ومثله: (لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) «7» أي: على دعواهم بأنها آلهتهم، كقوله تعالى: (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) «8» أي: دعوى ذنب. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (وَازْدَادُوا تِسْعاً) «9» أي: لبث تسع. ف «تِسْعاً» منصوب لأنه مفعول به، والمضاف معه مقدر. ومثله: (جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ) «10» أي: لجزاء يوم لا ريب فيه. ومثله: (فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) «11» فحذف.

_ (1) يوسف: 20. (2) الأنبياء: 51. (3) الأعراف: 20- قال أبو حيان في البحر (5: 291) : «خرج تعلق الجار إما «بأعني» مضمرة، أو بمحذوف يدل عليه «من الزاهدين» . أي: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين أو بالزاهدين، لأنه يتسامح في الجار والظرف، فيجوز فيهما ما لا يجوز في غيرهما» . (4) المرسلات: 41، 42. (5) المرسلات: 42، 43. (6) الإنسان: 5، 6. (7) الكهف: 15. (8) الشعراء: 14. (9) الكهف: 25. (10) آل عمران: 9. (11) آل عمران: 28.

ومثله: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) «1» أي: عذاب نفسه. ومثله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) «2» أي: تحبون دين الله فاتبعوا ديني يحبب الله فعلكم. قال أبو علي «3» : / في قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) «4» أي: من ترك ذكر الله. ألا ترى أن القلوب إنما تقسو من ترك الذكر لا من الذكر كما قال الله تعالى: (تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ) «5» و (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ) «6» . وقد يمكن أن تكون الآية على ظاهرها، فتكون القسوة تحدث عن ذكر الله، وذلك ممن يستكبر ولا ينقاد ولا يخضع ولا يعترف. وقريب من هذا قوله تعالى: (وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) «7» وهؤلاء الذين تشمئز قلوبهم عن ذكر الله يجوز أن تقسو من ذكره، فيكون المعنى بالآية هؤلاء. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) «8» أي: قتلاً ذا خطأ، فحذف الموصوف والمضاف جميعا. ومن هذا الباب قوله تعالى: (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) «9» أي: جزاؤه واقع، أي: جزاء الكسب، فحذف المضاف فاتصل ضمير المنفصل.

_ (1) آل عمران: 28، 30. [.....] (2) آل عمران: 31. (3) انظر الحاشية (رقم 1 ص 22) . (4) الزمر: 22. (5) الزمر: 23. (6) الرعد: 28. (7) الزمر: 45. (8) النساء: 92. (9) الشورى: 22.

ومثله: (إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) «1» أي: ملاق جزاءه. ومثله: (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) «2» أي: إلى جزائه وثوابه وجنته. ومثله: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) «3» أي: بقراءة صلاتك، ألا ترى أن الصلاة لا يخافت بها وإنما يخافت بالقراءة. ومثله: (قَرَّبا قُرْباناً) «4» أي: قرب كل واحد منهما. فحذف المضاف. كقوله تعالى: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) «5» أي: فاجلدوا كل واحد منهم. وقال الله تعالى: (إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) «6» أي: إلى إهلاك قوم مجرمين. وقال: (وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ) «7» أي: جزاء مكرهم. ومثله: (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) «8» أي: على كفرهم. [ومثله] «9» : (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) «10» أي: بتوليته. وقال: (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) «11» أي: بمعاناة ملكنا وإصلاحه. ومن ذلك قوله تعالى: (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا) «12» أي: كراهة أن تقولوا. وقال الفراء: لئلا تقولوا.

_ (1) الانشقاق: 6. (2) الأنعام: 36. (3) الإسراء: 110. (4) المائدة: 27. (5) النور: 4. (6) الحجر: 58. [.....] (7) إبراهيم: 46. (8) النحل: 127. (9) تكملة يقتضيها السياق. (10) النحل: 100. (11) طه: 87. (12) الأنعام: 155 و 156.

وكذلك: (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ) «1» تقديره: أو: كراهة أن تقولوا. ومثله: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) «2» إلى قوله- (أَنْ تَقُولُوا) «3» / أي: أشهدهم على أنفسهم كراهة أن يقولوا، فيمن قرأ بالياء. فأما من قرأ بالتاء، فالتقدير: وقال لهم (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) «4» فقال الله تعالى: شهدنا كراهة أن تقولوا. وقيل: (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) «5» فقال الله للملائكة: اشهدوا. وقالت الملائكة: شهدنا كراهة أن تقولوا. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) «6» تقديره: ساء المثل مثلاً مثل القوم الذين كذبوا، فحذف «المثل» المخصوص بالذم فارتفع «القوم» لقيامه مقامه. ومثله: (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ) «7» أي: بئس مثل القوم مثل الذين كذبوا، فحذف المضاف، فيكون «الذين» على هذا فى موضع الرفع لقيامه مقام المضاف إليه. ويجوز أن يكون «الذين» في موضع الجر وصفاً للقوم، والمخصوص بالذم مضمر، والتقدير: بئس مثل القوم المكذبين بآيات الله مثلهم. فأما قوله تعالى: (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا) «8» أي: أجر الذين صبروا، فحذف المضاف. فيجوز أن يكون التقدير: فنعم أجر العاملين

_ (1) الأنعام: 157. (2، 3، 4، 5) الأعراف: 172. (6) الأعراف: 177. (7) الجمعة: 5. (8) العنكبوت: 58، 59.

أجر الذين صبروا، فحذف المضاف. ويكون «الذين» فى موضع الرفع لقيامه مقام الآخر. ويجوز أن يكون «الذين» في موضع الجر والتقدير: فنعم أجر العاملين الصابرين أجرهم، فحذف المخصوص بالمدح. ومن ذلك قوله تعالى: (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) «1» أي: سالت مياه أودية. وكذلك قوله تعالى (بِقَدَرِها) يعني بقدر مياهها. ألا ترى أن المعنى ليس على أنها سالت بقدر أنفسها لأن أنفسها على حال واحدة، وإنما تكون كثرة المياه وقلتها، وشدة جريها ولينه على قدر قلة المياه المنزلة وكثرتها. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) «2» بالتاء ونصب الباء «3» . والمعنى: هل تستطيع سؤال ربك؟ فحذف المضاف. وذكروا الاستطاعة في سؤالهم لأنهم شكوا في استطاعته، ولكنهم ذكروه على وجه الاجتماع عليه منهم، كأنهم قالوا: إنك تستطيع فما يمنعك؟ مثل ذلك قولك لصاحبك: أتستطيع أن تذهب عني/ فإني مشغول؟ أي: اذهب لأنك غير عاجز عن ذلك. وأما «أن» في قوله: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ) فهو من صلة المصدر المحذوف، ولا يستقيم الكلام إلا بتقدير ذلك. ألا ترى أنه لا يصلح: هل تستطيع أن يفعل غيرك؟ وإن الاستفهام لا يقع عنه، كما لا يصح في الإخبار: أنت تستطيع أن يفعل زيد. «وأن» في قوله (أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا) «4» متعلق بالمصدر المحذوف على أنه مفعول به.

_ (1) الرعد: 17. (2) المائدة: 112. (3) بالتاء أي بالتاء الأولى في «تستطيع» . ونصب الباء، أي باء «ربك» . وهذه قراءة علي ومعاذ وابن عباس وعائشة وابن جبير. (البحر المحيط 4: 54) . [.....] (4) المائدة: 112.

فإن قلت: هل يصح هذا على قول سيبويه، وقد قال: إن بعض الاسم لا يضمر فى قوله: إلّا الفرقدان «1» . فإن ذلك لا يصح «2» ، لأنه كما ذهب إليه في قوله: ونار توقد بالليل نارا «3» ومثل حذف المضاف قوله تعالى: (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) «4» أي ذو عمل، فحذف المضاف. ومثله قوله تعالى: (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) «5» أي: على كل قلب كل متكبر، وذلك فيمن قرأ مضافاً، أعني «قلباً» ، إذ لا يصح أن يقال: يطبع على جملة كل قلب من المتكبر. إنما المعنى: أنه يطبع على القلوب إذا كانت قلباً قلباً. وقد ظهر هذا المضاف في قراءة ابن مسعود: (على قلب كل متكبر) . ومثله: (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ) «6» أي: بإذهابه وإغراقه

_ (1) جزء من بيت لعمرو بن معدي يكرب، ويروى لسوّار بن المضرب: وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان (2) قال سيبويه: «وإذا قال: ما أتاني أحد إلا زيد. لا يجوز رفع «زيد» على إلا أن يكون، لأنك لا تضمر الاسم الذي هذا من تمامه، لأن «أن يكون» اسما. (سيبويه ج 1 ص 371) . (3) عجز بيت لأبي داود، صدره: أكل امرئ تحسبين امرأ والتقدير: وكل نار، فحذف. (سيبويه 1: 33) . وانظر الحاشية (رقم 1 من صفحة 49) من هذا الجزء. (4) هود: 46. (5) غافر: 35. (6) الإسراء: 86.

ومن حذف المضاف قوله تعالى: (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) «1» تقديره: وما علمناه صناعة الشعر، لأنهم نسبوه عليه السلام إلى ذلك في قوله تعالى: (افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) «2» . وقوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) «3» فنفى ذلك. وليس المراد بهذا الكلام أنه لا يقيم بيتا لأن ذلك تكرر عليه مع صحة العقل والسمع بعد ألا يحفظه. ألا ترى أن الصغار منا ومن يقرب من الأطفال قد يحفظون ذلك ويؤدونه. والبيت الواحد يكون شعراً إلا أن قائله لا يكون شاعراً، كما أن من بنى مفحصاً «4» ودرجة ومعلفاً ونحو ذلك مما يقل [يقال له] بناء. إلا أن فاعله لا يقال له بناء كما أن من أصلح قميصاً لا يكون خياطاً، وإن كان ذلك الإصلاح خياطة. ومن ذلك قوله تعالى: (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) «5» أي: ثدي المراضع. قال أبو علي: في الآية يجوز أن يكون جمع المصدر، كأنه جمع مرضعاً مراضع. ويجوز أن يكون المراضع جمع/ مرضع، على أنه صفة للمرأة، مثل مطفل ومطافل. فيكون التقدير: «ثدي المراضع» . وعلى الوجه الأول: وحرمنا عليه الإرضاعات. ومن ذلك قوله تعالى: (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) «6» أي: أهل القرية. كما قال: (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) «7» أي: أهل ناديه.

_ (1) يس: 69. (2) الأنبياء: 5. (3) الطور: 30. (4) المفحص: حيث تفرخ القطاة. (5) القصص: 12. (6) يوسف: 82. (7) العلق: 17. [.....]

ومن ذلك قوله تعالى: (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً) «1» والتقدير: على موطئ عقبيه فنكص عليهما، فلم يسلك الصراط السوى فحاد وزاغ عنه وزال، فإنما ذلك عليه، لن يضر الله بذلك شيئاً. ومثله: (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) «2» أي: على مواطئ أعقابكم. ومن ذلك قوله تعالى: (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) «3» أي: من شر ذي الوسواس، فحذف المضاف. قال أبو علي في الآية: فاعل «يوسوس» من قوله (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) : الجنة. وذلك أن أبا الحسن يقول: إن قوله (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) متعلق «بالوسواس» ، كأنه: من شر الوسواس، من الجنة والناس. وإذا كان كذلك ففاعل «يوسوس» هو «اِلْجنَّة» ولا يمتنع ذلك، وإن كان لفظ «الجنة» مؤنثا لأن معنى الجن والجنة واحد. والعائد على هذا إلى الموصول، الهاء المحذوفة، أي: الذي يوسوسه، فحذف. فإن قلت: إن فى هذا إضمارا قبل الذكر، كما أن: ضرب غلامه زيد، كذلك. وإن شئت كان مثل ما حكاه من قوله: إذا كان غدا فائتني. والحال قد دلت عليه. وإن شئت قدرت في «الوسواس» فيكون العائد إلى الموصول ذكر الفاعل في «يوسوس» : ولا تضمر الهاء كما أضمرت فى الوجه الآخر.

_ (1) آل عمران: 144. (2) آل عمران: 144. (3) الناس: 4.

ومن حذف المضاف قوله تعالى: (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) في «البقرة» «1» أي: جزاء ما كسبت وفي «آل عمران» «2» في موضعين وفي سورة «النحل» (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) «3» أي: جزاء ما عملت. وفي «حم عسق» «4» و «الجاثية» «5» ، وفي جميع التنزيل. ومنه قوله تعالى: (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) «6» أي ذوو درجات، عند الجمهور. وقدره البخاري: لهم درجات، على نزع الخافض. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) «7» . قال أبو علي: هذا يكون على ضربين: أحدهما: تقلب وجهك نحو السماء وهذا يفعله المهتم المتفكر، فالسماء هذه التي تظل الأرض، ويكون السماء ما ارتفع وكان خلاف السفل، أي: تقلب وجهك في الهواء. ولا يكون «في السماء» متعلقاً ب «نرى» لأنه سبحانه وتعالى يرى في السماء وغيرها، فلا وجه لتخصيص السماء. هذه لفظة ذكرها سيبويه في الأبنية مع كينونته في باب: سيد، وميت، مما مقحمة يقلب فيه الواو «8» . ومن ذلك قوله تعالى: (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) «9» المعنى: من قبل مجيئها، أي: (أُوتِينَا الْعِلْمَ) بالعرش أنه عرشها، (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) هذا من قول سليمان، ولذلك قد عطف على هذا من قوله: (قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي)

_ (1) البقرة: 281. (2) آيتا آل عمران تختلفان. فالآية 161 تتفق وآية البقرة. ولكن الآية 25: وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ. (3) النحل: 111. (4) كذا في الأصل. وليست من بين آيات هذه السورة «اي سورة الشورى» آية مما يشير إليه المؤلف وثمة آيتان ترجعان إلى ما يشير إليه المؤلف وهما فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ الآية: 30 بِما كَسَبُوا الآية 34 والآية التي توائم المساق هي آية الزمر وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ الآية: 70. (5) نص الآية في الجاثية وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رقم 22. (6) آل عمران: 163. (7) البقرة: 144. (8) كذا وردت هذه العبارة مقحمة في السياق. (9) النمل: 42.

وأوتينا العلم من قبلها، أي: كنا مؤمنين بأن الله يقدر من نقل العرش على ثقله، في المدة التي ذكرها أنه ينقله فيها، لأن ذلك بإقدار الله إياه على هذا، من هذا الذي هو معجز له. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ) «1» [أي] : «2» إذا حضر أحدكم أسباب الموت حين الوصية شهادة اثنين. ومن ذلك قوله: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) «3» أي. من أحدكم. لأنه لم يأت الجن رسل. قاله ابن جريج. وقال الضحاك: بل أتتهم الرسل كما أتت الإنس. وقال غيرهما: الرسل التي أتتهم هم النفر المذكورون في قوله تعالى: (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) «4» . ومن ذلك قوله تعالى: (نَسِيا حُوتَهُما) «5» أي: نسى أحدهما، وهو يوشع، لأن الزاد كان في يده. وقال الله تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) «6» أي: فى إحداهما.

_ (1) المائدة: 106. (2) تكملة يقتضيها السياق. [.....] (3) الأنعام: 130. (4) الأحقاف: 29. (5) الكهف: 61. (6) الشورى: 29.

وقال: (عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) «1» أي: من إحدى القريتين، وقد تقدم. وقال: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) «2» أي: من أحدهما، وهو الملح دون العذب. ومثله: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) «3» أي: في إحداهن. وقال الله تعالى: (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ) «4» أي على أحدهما، وهو الزوج لأنه آخذ ما أعطى. قال: ويراد الزوج دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعا، كما قال الله تعالى: / (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) «5» وموضع طرح تعجل الإثم للمتعجل، فجعل للمتأخر الذي لم يقصر مثل ما جعل على المقصر. قال: وقد تحتمل هذه وجها آخر، وهو أن يريد: لا يقولن واحد منهما لصاحبه: أنت مقصر فيكون المعنى: لا يؤثمن أحدهما صاحبه. ومثله: (مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ) «6» أي: من عذاب فرعون. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) «7» أي: لقاء رحمتنا.

_ (1) الزخرف: 31. (2) الرحمن: 22. (3) نوح: 16. (4) البقرة: 229. (5) البقرة: 203. (6) الدخان: 30، 31. (7) الفرقان: 21.

ومثله: (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) «1» أي: من ثوابها، لإنكارهم وكفرهم بها، في نحو قوله تعالى: (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) «2» (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) «3» . فأما قوله تعالى: (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) «4» أي: من بعث أصحاب القبور، يدل على ذلك قوله: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) «5» . أو يكون: من مجازاة أهل القبور، أي: لا يثابون ولا يعاقبون، ويكون (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ) الموتى من الآخرة، فأضمر «من الآخرة» لجرى ذكره. ويكون قوله (مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) متعلقاً ب (الْكُفَّارُ) دون (يَئِسَ) محذوف، لجرى ذكره. ومن ذلك قوله تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) «6» أي: حج الكعبة، ليكون في المعنى (قِياماً لِلنَّاسِ) «7» . ومنه قوله تعالى: (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) «8» أي: على ذوى خيانة منهم (إِلَّا قَلِيلًا) «9» . والاستثناء من المضاف المحذوف. ومن حذف المضاف قوله: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) «10» أي: إلا نجوى من أمر. قال أبو علي: قد تكون موضع «من» نصباً إذا استثنيته من المنتجين، كما جاء (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) «11» أي. هم منتجون. وقد يكون جزاء، أي: لا خير

_ (1) الممتحنة: 13. (2) سبأ: 3. (3) الجاثية: 24. [.....] (4) الممتحنة: 13. (5) التغابن: 7. (6- 7) المائدة: 97. (8- 9) المائدة: 13. (10) النساء: 114. (11) الإسراء: 47.

في كثير من نجواهم إلا في انتجاء من أمر بصدقة. ويكون هذا على قياس قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) «1» . فهذا لا يكون من المنتجين، ولكن على الانتجاء. وإنما قال أبو علي: قد يكون نصباً على أصل الباب كقراءة ابن عامر «2» : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) «3» وقوله تعالى: (إِلَّا امْرَأَتَكَ) «4» إذا استثنيته من «أحد» ونصبته. وأما قوله تعالى: (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) «5» فالأظهر فيه أن تكون (ثلاثة) / وصفا لنجوى. والنّجوى هاهنا مثله في قوله تعالى: (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) «6» ولا يكون جراً بإضافة النجوى إليه، كقوله تعالى: (لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) «7» . ومنه قوله تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) «8» أي: لمسنا غيب السماء ورمناه. ومنه قوله تعالى: (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) «9» أي: إلى قول الملأ الأعلى، وإلى كلام الملأ الأعلى. كقوله تعالى: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها) «10» أي: ذوات أسماء.

_ (1) المجادلة: 8. (2) هو عبد الله بن عامر بن يزيد اليحصبي المقرئ. ولد سنة 21 من الهجرة. وكانت وفاته سنة 120 هـ (التهذيب 5: 274) . (3) النساء: 66. (4) هود: 81 والآية: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ. (5) المجادلة: 7. (6) الإسراء: 47. (7) الزخرف: 80. (8) الجن: 8. [.....] (9) الصافات: 8. (10) النجم: 23، سبأ: 3.

ومن ذلك قوله تعالى: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) «1» ، أي: عذاب الجحيم، لأن الوعيد برؤية العذاب لا برؤيتها، لأن المؤمنين أيضاً يرونها، قال الله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) «2» . ومن ذلك قوله تعالى: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) «3» أي: على مصالح النساء. ومن ذلك قوله تعالى: (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) «4» أي: فلا جزاء ظلم إلا على ظالم. ومن ذلك قوله تعالى: (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها) «5» أي: عن اعتقادها، ومثله: (لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا) «6» أي: لن نؤثر اتباعك. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً) «7» أي: دين الله، أو جند الله، أو نبي الله. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) «8» التقدير: ولا تحسبن بخل الذين كفروا خيرا لهم، فيمن قرأ بالتاء، فيكون المضاف محذوفاً مفعولاً، وهو تكرار لطول الكلام. و «خيرا» المفعول الثاني.

_ (1) التكاثر: 6. (2) مريم: 71. (3) النساء: 34. (4) البقرة: 193. (5) طه: 16. (6) طه: 72. (7) آل عمران: 176، 177. (8) آل عمران: 180.

ومن قرأ بالياء، فقد كفانا سيبويه حيث قال: ومن ذلك قوله عز وجل: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) البخل (هُوَ خَيْراً لَهُمْ) ولم يذكر «البخل» اجتزاء لعلم المخاطب بأنه البخل، لذكره (يَبْخَلُونَ) . ومن ذلك قول العرب: من كذب كان شراً له. يريدون: كان الكذب شراً له. إلا أنه استغنى بأن المخاطب علم أنه الكذب، لقوله: كذب، في أول حديثه، فصارت «هو» هاهنا وأخواتها بمنزلة ما إذا كانت لغوا في أنها لا تغير ما بعدها عن حاله، قبل أن تذكر. ومن ذلك قوله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) «1» المعنى: لقبل عدتهن. لأن العدة الحيض، والمرأة لا تطلق في حيضها. ألا ترى أن ابن عمر «2» لما طلق في الحيض، أمره بأن يراجعها ثم يطلقها. فإذا كانت العدة الحيض/، وكان النهى قد حصل وثبت عن الطلاق في الحيض، لم يجز أن يكون المراد إيقاع الطلاق في العدة، وإذا لم يجز ذلك ثبت أنه لقبل عدتهن، إذ ذلك هو الظرف، وهو المأمور بإيقاع الطلاق [فيه] «3» ومن ذلك قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) «4» المعنى: خذ من مال كل واحد منهم. كقوله تعالى: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) «5» المعنى: فاجلدوا كل واحد. ألا ترى أنه لا تفرق الثمانون على الجماعة، إنما يضرب كلّ واحد ثمانين.

_ (1) الطلاق: 1. (2) في الأصل: «أن أبو عمر» تحريف. والتصويب من الجامع لأحكام القرآن (18: 151) . وكان عبد الله بن عمر قد طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا من حيضها قبل أن يمسها» . (3) تكملة يقتضيها السياق. (4) التوبة: 103. [.....] (5) النور: 4.

وإذا كان كذلك دل أن ما دون النّصاب بين الشّريكين لا يحتسب فيه شىء بظاهر قوله: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) «1» . ومن حذف المضاف قوله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) «2» هو على حذف المضاف، كأنه قال: تيمموا استعمال صعيد. ولا يكون على الظاهر وغير حذف المضاف، لخلوّ اللفظ من الفائدة على هذا. ألا ترى أن قوله (فَامْسَحُوا) «3» يغنى عن ذلك. وهذا الحذف ينبغي أن يكون على تأويل أبي حنيفة، لأن أبا يوسف روى عنه فيما حكى الشيخ أنه قال: أمر الله في آية التيمم شيئين: تيمم، ومسح. وفي قول زفر: لا يلزم أن يقدر هذا المضاف، لأن المراد كان عنده المسح، ولا ينبغي أن يكون المراد: تيمموا الصعيد: اقصدوه. لأن من الفقهاء من لم يذهب إليه لأن زفر كان المعنى عنده: امسحوا لأن زفر يقول: يصح التيمم بغير النية وأبو حنيفة يقول: لا يصح إلا بالنية لأن التيمم قصد، والقصد هو النية. وزفر يقيسه على الوضوء، فيصير في الآية تكرار، لأنه لا يقدر المضاف ولا يجعل التيمم النية. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) «4» أي من تأسيس أول يوم، لا بد من ذا، لأن «من» لا تدخل على «أوّل» . ومن ذلك قوله تعالى: (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) «5» يجوز أن يكون الجار والمجرور صفة للمصدر المحذوف، كأنه: تدور أعينهم دورا

_ (1) التوبة: 103. (2- 3) النساء: 43. (4) التوبة: 108. (5) الأحزاب: 19.

كدور الذي يغشى عليه، أي: كدور عين الذي يغشى عليه من الموت، أي: من حذر الموت، أو: من خوف الموت، أو: من مقارفة الموت. ويجوز/ أن يكون حالاً من المضاف إليه «الأعين» ، أي: تدور أعينهم مشبهين الذي يغشى عليه، لأن الذي يغشى عليه تدور عينه، فيكون الكاف على هذا حالا، وعلى القول الأول وصفا للمحذوف منه، وفي كلا الأمرين فيه ذكر من هو له. ومن حذف المضاف قوله تعالى: (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) «1» أي: فى ملك ما ملكناكم تخافونهم، أي: تخافون تسويتهم في الملك، لأن سياقة الكلام عليه، ولا يكون المعنى على: تخافون مكايدتهم أو بأسهم، لأن ذلك غير مأمون منهم. فالمعنى: تخافون تسويتهم إياكم، فتقدير المصدر الإضافة إلى الفاعل، فقوله (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) «2» أي: كخيفتكم المساواة بينكم. فهو من باب (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) «3» ، لأن التسوية بين الأحرار قائمة واقعة، أي: تخافون المماليك كما تخافون الأحرار. والمراد بأنفسكم: الأحرار. ومن ذلك قوله تعالى: (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) «4» ، أي ذا ثيابك فطهر، فحذف المضاف، فهذا كقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ) «5» أي برأك مما رميت به. ومن ذلك قوله تعالى (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ) «6» أي صيد ما علمتم. ومنه قوله تعالى (طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) «7» أي ذا يبس.

_ (1) الروم: 28. (2) الروم: 28. (3) البقرة: 194. (4) المدثر: 4. (5) آل عمران: 42. (6) المائدة: 4. (7) طه: 77.

ومن ذلك قوله تعالى: (سُبُلَ السَّلامِ) «1» أي: سبل دار السلام، يعني: سبل دار الله. ويجوز أن يكون «السلام» السلامة، أي: دار السلامة. ومن ذلك قوله تعالى: (فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) «2» أي: على مرآة أعين الناس. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) «3» أي: لا تعرضوا عن أمره وتلقوه بالطاعة والقبول، كما قال عز وجل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) «4» . ومن ذلك قوله تعالى: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) «5» أي: أن إخراجكم إذا متم. لا بد من حذف المضاف، لأن ظرف الزمان لا يكون خبراً عن الجثة، كقولهم: الليلة الهلال. ومن ذلك قوله تعالى: (ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) «6» أي: على ألسن رسلك. وقال: (ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) «7» أي: بردها، لأنهم إذا سألوا عما يسوؤهم «إذا أظهر لهم فأخبروا به» ردوها، ومن رد على الأنبياء كفر، فالتقدير فيه: بردها/ وتركهم قبولها.

_ (1) المائدة: 16. (2) الأنبياء: 61. [.....] (3) الأنفال: 20. (4) النور: 63. (5) المؤمنون: 35. (6) آل عمران: 194. (7) المائدة: 102.

وقال الله تعالى: (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) «1» أي: كراهة أن يكونا ملكين. ومن ذلك قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) «2» أي: من بعد إمرار قوة، و «قوة» واحد فى معنى الجمع. و «أنكاثا» ، حال مؤكدة، لأن في النقض دلالة على النكث. ومن ذلك قوله تعالى: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) «3» والجن قد تبينوا أنهم لا يعلمون الغيب، فهو على حذف المضاف، أي بتبين أمر الجن، فصار بمنزلة: اجتمعت اليمامة. وحمل «أن» على موضع المحذوف، ف «أن» بدل من أمر الجن. ومن ذلك قوله تعالى، في قصة شعيب: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ) «4» أي: فعل الإصلاح، لأن الاستطاعة من شرط الفعل دون الإرادة. ومن ذلك قوله تعالى: (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) «5» أي: دخول جنات عدن (وَمَنْ صَلَحَ) «6» أي: دخول من صلح. فإن قلت: فهل يكون (وَمَنْ صَلَحَ) «7» على: زيدا ضربته وعمرا، فتحمله على المضمر دون «ضربته» ، فإن ذلك لا يجوز. ألا ترى أن «يدخلونها» صفة وليس بخبر، لأن «جنات عدن» نكرة وليس كزيد. قاله أبو علىّ.

_ (1) الأعراف: 20. (2) النحل: 92. (3) سبأ: 14. (4) هود: 88. (5، 6، 7) الرعد: 22، 23.

وعندي فيه نظر، لأن كون قوله «يَدْخُلُونَهَا» صفة لجنات لا يمنع عطف «ومن صلح» على الضمير الذي فيه. ومن ذلك قوله تعالى: (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) «1» أي: أخذ من وجد في رحله، فحذف المضاف. ومنه قوله تعالى: (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ) «2» أي: أمر الله. ومنه قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ) «3» أي: أمم النبيين. وقال: َمَثَلِ رِيحٍ) «4» ، أي: كمثل إنفاق زرع ذى ريح، فحذف، أي: فإنفاق بعض هذا الزرع لا يجدي عليه شيئاً، كذلك إنفاق هؤلاء لا يجدي عليهم نفعاً ولا يرد عنهم ضيراً. ووصف الزرع بأنه ذو ريح، في وقتها كان، كما أن من قرأ في قوله تعالى: (سَحابٌ ظُلُماتٌ) «5» أضاف السحاب إلى الظلمات، لأنه في وقتها نشأت، وعلى هذا ينبغي أن يحمل، ليكون مثل النفقة. ولا تكون النفقة كالريح ولا كمثل الريح، فإنما هو كلام فيه اتساع لمعرفة المخاطبين بالمعنى، كقولهم: ما رأيت كاليوم رجلاً. وقدره أبو علي/ مرة أخرى: كمثل إهلاك ريح، أو فساد ريح. وإن جعلت «ما» بمنزلة «الذي» كان التقدير مثل إفساد ما ينفقون، وإتلاف ما ينفقون، كمثل إتلاف ريح، تقدر إضافة المصدر إلى المفعول في الأول، وفي الثاني إلى الفاعل.

_ (1) يوسف: 75. (2) البقرة: 210. (3) آل عمران: 81. (4) آل عمران: 117. [.....] (5) النور: 40.

وقال في قوله تعالى: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) «1» اللفظ على «تسؤهم» للحسنة، والتقدير على حذف المضاف، أي: تسؤهم إصابتك الحسنة، نقدر المصدر مضافاً إلى المفعول به. وكذلك (يَفْرَحُوا بِها) «2» أي: بإصابتكم السيئة. ومن ذلك قوله تعالى: (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ) «3» أي كإبطال الذي ينفق، أو كإهلاك الذي ينفق. ومن ذلك قوله تعالى: (لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها) «4» أي: لن ينال ثواب الله (وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى) «5» ، أي: ينال ثواب التقوى ومن ذلك قوله تعالى: (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) «6» أي: قتال نفسك، أو: جهاد نفسك. وفي الأخرى: (وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) «7» ألا ترى أن الإنسان لا يكلف العين «8» ، وإنما يكلف معنى فيه، كقول الأعشى: إلا كخارجة المكلف نفسه ... وابنى قبيصة أن أغيب ويشهدا «9» والتقدير فيه شرة نفسه. المعنى: والمتكلف شرة نفسه، فحذف المضاف إليه «10» ، كما حذف في الآية. ومن ذلك قوله تعالى: (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) «11» أي: من قتالهم فى شىء، نسختها سورة التّوبة. عن الكلبي.

_ (1- 2) آل عمران: 120. (3) البقرة: 264. (4- 5) الحج: 37. (6) النساء: 84. (7) الفرقان: 52. (8) أي: ذات المسيء. (9) الديوان (ص 153) طبعة أورية. (10) كذا في الأصل، والمحذوف هنا المضاف لا المضاف إليه. (11) الأنعام: 159.

وقيل: لست عن مخالطتهم في شيء. نهى نبيه- صلى الله عليه وآله- عن مقاربتهم، وأمره بمساعدتهم. عن قتادة. قال أبو علي: (لست منهم) ، كقوله: فإني لست منك، للمبارأة. وحمل الجار «فى شىء» على أنه حال من الضمير في «منهم» على الوجوه كلها. ومن ذلك قوله تعالى: (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي) «1» أي: دخول جنات، فحذف المضاف. وقال: (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) «2» أي: دخول جنات، كما أن قوله: (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) «3» كذلك، لأن جهنم والجنة عين، فلا يكون حدثا. ومن ذلك قوله تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ) «4» أي: خلاف خروج رسول الله. والخلاف والخلف واحد، وهو ظرف. وقيل: هو مصدر في موضع الحال، أي: فرح المخلفون/ بمقعدهم مخالفين رسول الله، والمقعد المصدر لا غير لتعلق «خلاف» به، والمكان لا يتعلق به شىء. وإن كان «خلاف» مصدراً فهو مضاف إلى المفعول به.

_ (1) الحديد: 12. (2) البينة: 8. (3) النساء: 93. (4) التوبة: 81. [.....]

و «المقعد» ، و «المثوى» فى قوله تعالى: (النَّارُ مَثْواكُمْ) «1» [و «مغار» في قول حميد بن ثور] «2» : مغار ابن همام على حي خثعما «3» مصادر كلها، لما يتعلق به ما بعدها، فالمقعد: القعود. والمثوى: الثواء. والمغار: الإغارة. و «الملقى» ، في قول ذى الرمة: فظل بملقى واجف جرع المعا أي: فظل بالإلقاء. و «المجرّ» ، في قول النابغة: كأن مجر الراسيات ذيولها [فالملقى و] «4» المجرّ مصدران. ومن ذلك قوله تعالى: (وَقُودُهَا النَّاسُ) «5» لا يكون إلا على الاتساع، أي: وقودها يلهب الناس. ومن ذلك قوله تعالى: (وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) «6» . «ما» ، بمنزلة الذي. ويجوز أن تجعلها مصدراً، أي: الكتمان. ويريد مع هذا بالكتمان: المكتوم، أي: ذا الكتمان، فحذف المضاف، ويخرج على معنى الحكاية،

_ (1) الأنعام: 128. (2) التكملة من الكتاب لسيبويه (1: 120) . (3) عجز بيت صدره: وما هي إلا في إزار وعلقة (4) التكملة من الكتاب لسيبويه (1: 120) . (5) التحريم: 6. (6) البقرة: 72.

كقوله: (باسِطٌ ذِراعَيْهِ) «1» . وإنما قال: (ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) «2» لمن علم القاتل وكتم أمره، دون القاتل، لأنه يجعد ولا يكتم. ومن ذلك قوله تعالى: (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) «3» . وقال أبو عبيدة «4» : أي: وقوداً. وهذا يصح على حذف المضاف والمضاف إليه كله، أي وكفى بسعير جهنم سعيراً، لأن السعير هو الاستعار، و «جهنم» اسم مكان، فلا يكون ذو الحال الحال إلا على هذا التقدير، وتكون الحال مؤكدة كقوله: كفى بالنأى من أسماء كاف وقال أبو الحسن في «سعير» : أي مسعورة. واستدل على ذلك بقوله تعالى: (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) «5» . وإن أراد أبو عبيدة بالوقود الحطب، كان أيضاً على حذف المضاف، أي: وكفى بوقود جهنم وقودا، والحال أيضاً مؤكدة. ومن ذلك قوله تعالى: (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً) «6» انتصب «أجرا» لأن «فَضَّل» يدل على «أجر» ولا ينتصب بفضل، لاستيفائه المجاهدين أولاً، والثاني «7» «على القاعدين» . و «درجات» ، أي: أجر درجات، فحذف، وهو بدل. أو يكون: «بدرجات» ، فهو ظرف. و «مغفرة» ، أي: وجزاهم/ مغفرة، أو يكون: وغفر مغفرة.

_ (1) الكهف: 18. (2) البقرة: 72. (3) النساء: 55. (4) ابو عبيدة معمر بن المثنى. وكانت وفاته سنة 209 هـ. (5) التكوير: 12. (6) النساء: 95 و 96. (7) والثاني، بمعنى المفعول الثاني للفعل «فضل» .

ومن ذلك قوله تعالى: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ) «1» أي: اصطياد صيد البر، لأن الأسم غير محرم. وإن حملت الصيد على المصدر، والتقدير: صيد وحش البر، لأن البر لا يصاد، فالصيد هنا مثله في قوله: (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ) «2» على الوجه الأول. ومن ذلك قوله تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ) «3» يحتمل أمرين: أحدهما: رسلاً قصصنا أخبارهم عليك ورسلاً لم نقصص عليك، أي: لم نقص أخبارهم عليك. وقد يكون على: رسلا قصصنا أسماءهم عليك، ورسلا لم نقصص أسماءهم. ففي كلا القولين يكون على تأويل حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. ومن ذلك قوله عز وجل: (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) «4» . ومن ذلك قوله تعالى: (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) «5» . والتقدير: أو مثل من كان ميتا، ليطابق قوله (كَمَنْ مَثَلُهُ) «6» فحذف المضاف. وإن شئت كان التقدير: كمن مثله. فهو كقولهم: أنا أكرم مثلك، أي أكرمك. وقال عز وجل: (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) «7» .

_ (1) المائدة: 996. [.....] (2) المائدة: 95. (3) النساء: 164. (4) الأنعام: 52 ويلاحظ أن تعقيب المؤلف على الآية لم يذكر. (5- 6) الأنعام: 122. (7) الرعد: 19.

ومن ذلك قوله تعالى: (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) «1» ، أي: من استمتاع الإنس، أي: من استمتاعكم بالإنس، فحذف بعد ما أضاف إلى المفعول مع الجار، والمجرور مضمر لقوله: (اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) «2» . ومن ذلك قوله تعالى: (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا) «3» أي: هدم بنيانهم، أو حرق بنيانهم. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) «4» أي: كتب ثواب قطعه، فحذف المضاف، فصار: كتب لهم قطعه ثم حذف أيضاً «القطع» فارتفع الضمير. ومن ذلك قوله تعالى: (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) «5» أي «جزاء فضله، لأن الفضل قد أوتيه. ومن ذلك قوله تعالى: (بِدَمٍ كَذِبٍ) «6» أي: ذي كذب وقيل: بدم مكذوب فيه. ومن ذلك قوله تعالى: (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) «7» أي: عنب خمر، فحذف. ومن ذلك قوله تعالى: (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) «8» أي: على معصية ربه، فحذف المضاف. قال أبو علي: أي: ساقطاً. مثل قوله: جعل قضاء حاجتي بظهر، أي: نبذه وراء ظهره، ولم يلتفت إليه.

_ (1- 2) الأنعام: 128. (3) التوبة: 110. (4) التوبة: 121. (5) هود: 3. (6) يوسف: 18. (7) يوسف: 36. (8) الفرقان: 55.

وقوله تعالى: / (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً) «1» أي: عقاب يوم. ومن ذلك قوله تعالى: (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ) «2» أي: إن دخولها، لقوله: (لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها) «3» . ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا) «4» أي ذا العهد [كان] مسئولا عنه، وذا الأمانة، فحذف. وقوله تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا) «5» أي: كل أفعال أولئك، أي: إن ذا العهد كان مسئولا عنه، أي عن كل الأفعال. وقيل: أي: يكون الإنسان هو المسئول عن السمع والبصر والفؤاد، تسأل عن الإنسان لتكون شهوداً عليه وله، بما فعل من طاعة وارتكب من معصية «6» . وقيل: يعود إلى «البصر» «7» . وقيل: يعود إلى «كل» . ومن ذلك قوله تعالى: (لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) «8» أي: لن تخرق عمقها، أي: لن تبلغ طول ذا ولا خرق ذا وأنت ضعيف عاجز. ومن ذلك قوله تعالى: (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) «9» أي: تزيدهم تلاوته خشوعا، أو سماعهم له.

_ (1) المزمل: 17. (2) المائدة: 26. [.....] (3) المائدة: 24. (4) الإسراء: 34. (5) الإسراء: 36. (6) وزاد القرطبي (10: 260) عبارة موضحة: «فالإنسان راع على جوارحه، فكأنه قال: كل هذه كان الإنسان عنه مسؤولا» . (7) الأصل: «إلى العصر» . (8) الإسراء: 37. (9) الإسراء: 109.

ومن ذلك قوله تعالى: (كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) «1» أي: دخول جنات الفردوس، ف «نزلاً» ، حال من الضمير المجرور فيمن جعلها جمع نازل. ومن جعله كقوله: (هذا نُزُلُهُمْ) «2» كان خبراً، والتقدير: كانت لهم ثمر الجنات، فحذف المضاف. ومن ذلك قوله تعالى: (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) «3» أي: كما بدأ خلقكم تعودون. أي: يعود خلقكم عودا كبدئه. والخلق: اسم الحدث، لا الذي يراد به المخلوق. ومن ذلك قوله تعالى: (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) «4» أي: كان الانفاق ذا قوام بين ذلك. وإن شئت علقت الظرف بما دل عليه القوام، كأنه: [قال] «5» : مستقيما بين الإسراف والإقتار، فلا تجعله متقدماً على المصدر وما يجرى مجراه، لأن ذلك لا يستقيم. وإن شئت علقته [به] «6» فكان على هذا النحو. وإن شئت علقته بمحذوف جعلته الخبر، كأنه قال: بين الإسراف أو التبذير والإقتار، فأفرد ذلك كما أفرد في قوله: (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) «7» وكلا «ذلك» وجه حسن. ومن ذلك قوله تعالى: َسِبَتْهُ لُجَّةً) «8» أي: حسبت صحن الصرح من القوارير ماء ذا لجة.

_ (1) الكهف: 107. (2) الواقعة: 56. (3) الأعراف: 29. (4) الفرقان: 67. (5- 6) زيادة يقتضيها السياق. (7) البقرة: 68. (8) النمل: 44. [.....]

وقال تعالى: (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) «1» بمعنى: أدرك ولحق فالمعنى: أنهم لم يدركوا علم الآخرة، أي: لم يعلموا حدوثها وكونها. ودل على ذلك/: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) «2» أي: من عملها. ف «في» بمعنى الباء، أي: لم يدركوا علمها، ولم ينظروا في حقيقتها فيدركوها، أي إدراك علمهم بحدوثها، بل هم في شك من حدوثها، بل هم عن علمها عمون. ومن ذلك قوله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ) «3» أي: صاحب سقاية الحاج. وقال عز من قائل: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) «4» أي: من أهل قرية (هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) «5» أي: أخرجك أهلها. ومن ذلك قوله تعالى: (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ) «6» أي: تمليك مغانم، ويراد به المفعول، لأن الحرث لا يؤخذ «7» . ومن ذلك: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) «8» [أي: تأويل الرؤيا] لأن «الرؤيا» إنما هي مخايل ترى في المنام وليس بحديث فيحتمل الصدق والكذب. والتأويل: حديث، فيحتمل الصدق والكذب، و «صدق» . فعل يتعدى إلى مفعولين. ومن ذلك قوله تعالى: (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ) «9» أي: من رهبة الله. والمعنى: يرهبونكم أشد مما ترهبون الله.

_ (1- 2) النمل: 66. (3) التوبة: 19. (4- 5) محمد: 13. (6) الفتح: 20. (7) كلما وردت هذه العبارة، وهي ليست متصلة بالآية السابقة بل بآية أخرى تتصل بالحرث. (8) الفتح: 27. (9) الحشر: 13.

وهذا مثل قوله تعالى في صفتهم: (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) «1» . وقال عز من قائل: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) «2» فوصفوا في ذلك بالجبن والفرق. والتقدير: رهبتهم لكم تزيد على رهبة الله. فالمصدر المقدر حذفه في تقدير الإضافة إلى المفعول به. ومن ذلك قوله تعالى: (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) «3» أي: من صفاء فضة. ويكون قوله «من فضة» صفة للقوارير، كما أن «قدروها» صفة. ومن ذلك قوله تعالى: (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) «4» أي: اقتحام العقبة. ثم قال: (فَكُّ رَقَبَةٍ) «5» أي: اقتحامها فك رقبة. (ثُمَّ كانَ) «6» أي: إن كان، أي: ثم كونه من الذين، فحذف «أن» كقوله: «أحضر الوغى «7» » . ومن ذلك قوله تعالى: (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ) «8» أي: من كل ذى أمر. ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ) «9» أي: من خشية عقاب ربهم. والخشية: خوف فيه تعظيم للمخشى منه، بخلاف الإشفاق، فكأنه قال: هم حذرون المعاصي من أجل خشية عقاب الله.

_ (1) التوبة: 56. (2) المنافقون: 4. (3) الدهر (الإنسان) : 16. (4) البلد: 12. (5) البلد: 13. (6) البلد: 17. (7) جزء من بيت لطرفة بن العبد في معلقته، وهو بتمامة: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغي ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي [.....] (8) القدر: 4 و 5. (9) المؤمنون: 57.

الباب الثالث

الباب الثالث باب ما جاء في التنزيل معطوفاً بالواو والفاء وثم من غير ترتيب الثاني على الأول/ فمن ذلك قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) «1» ألا ترى أن الاستعانة على العبادة قبل العبادة. ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ) «2» . وقال عز من قائل في سورة الأعراف: (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) «3» والقصة قصة واحدة، ولم يبال بتقديم الدخول وتأخيره عن قول الحطة. ومثله: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) «4» لأن العفو ألا يكون في القلب من ذنب المذنب أثر، والصفح أن يبقى له أثر ما، ولكن لا تقع به المؤاخذة. ومن ذلك قوله تعالى: (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) «5» والسجود قبل الركوع، ولم يبال بتقديم ذكره لما كان بالواو، فوجب أن يجوز تقديم غسل اليد والرجل على غسل الوجه في قوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) «6» .

_ (1) الفاتحة: 4. (2) البقرة: 58. (3) الأعراف: 161. (4) البقرة: 109. (5) آل عمران: 43. (6) المائدة: 6.

ومن ذلك قوله تعالى: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ) «1» والرفع قبل التوفي. ومن ذلك قوله تعالى: (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) «2» إلى قوله: (وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً) «3» فأخر لوطا عن إسماعيل وعيسى. نظيره في النساء: (وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ) «4» وعيسى بعد جماعتهم. ومن ذلك قوله تعالى: (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) «5» في الأعراف، وفي طه: (بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (70)) «6» . وفي الشعراء» أيضاً، فبدأ أولا بموسى ثم قدم هارون في الأخريين. ومن ذلك قوله تعالى: (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً) «8» وإمطار الحجارة قبل جعل الأسافل أعالي. فقدم وأخر الإمطار. نظيره في سورة الحجر «9» . وقال تعالى: (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) «10» والنذر قبل العذاب. وفسر قوله تعالى: (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) «11» أي: وانتفخت لظهور نباتها، فيكون من هذا الباب وفسروها بأضعف نباتها، فلا يكون من هذا الباب.

_ (1) آل عمران: 55. (2) الأنعام: 84. (3) الأنعام: 86. (4) النساء: 163. (5) الأعراف: 122. (6) طه: 70. [.....] (7) الشعراء: 48 (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) . ويظهر من ذلك أن تقديم هارون في سورة طه وحدها. (8) هود: 82. (9) يريد قول الله تعالى: (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) الحجر: 74. (10) القمر: 16. (11) الحج: 5.

وأما قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) «1» فلا يخلو «أهلكناها» من أن يكون خبراً أو صفة فالذي يقوى الخبر قوله تعالى/: (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) «2» . وقوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) «3» . فكما أن «كم» في هذه المواضع محمولة على «أهلكنا» كذلك إذا شغل عنها الفعل بالضمير ترتفع بالابتداء، مثل زيداً ضربت، وزيد ضربته. ومن قال: زيدا ضربته، كان قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) «كم» في موضع النصب. فإن قلت: فما وجه دخول الفاء في قوله (فَجاءَها بَأْسُنا) والبأس لا يأتي المهلكين، إنما يجيئهم البأس قبل الإهلاك، ومن مجىء البأس يكون الإهلاك، فإنه يكون المعنى في قوله (أَهْلَكْناها) قربت من الهلاك ولم تهلك بعد، ولكن لقربها من الهلاك ودنوها وقع عليها لفظ الماضي، لمقاربتها له وإحانته إياها. ونظير هذا قولهم: قد قامت الصلاة، إذا كان المقيم مفرداً، وإن لم تقع التحريمة بها، للقرب من التحريمة بها. ومنه قول رؤبة: يا حكم الوارث عن عبد الملك ... أوديت إن لم تحب حبو المعتنك «4» فأوقع لفظ الماضي على الهلاك لمقاربته منه، ومراده الآتي. ألا ترى أنك لا تقول: أتيتك إن قمت وإنما تقول: آتيك إن قمت. فمن حيث كان معناه الآتي، قال: إن لم تحب، ومن حيث قارب ذاك أوقع عليه لفظ

_ (1) الأعراف: 3. (2) القصص: 58. (3) الإسراء: 17. (4) اعتنك البعير: حبا في العانك فلم يقدر على السير. والعانك: الرمل إذا تعقد وارتفع. يقول: هلكت إن لم تحمل حمالتي بجهد.

الماضي، وكأن المعنى: كم من قرية قاربت الهلاك فجاءها البأس ليلاً أو نهاراً فأهلكناها، خبر على هذا. وقوله (فَجاءَها) معطوف. فإن جعلت (أَهْلَكْناها) صفة للقرية ولم تجعله خبراً، ف «كم» في المعنى هي القرية. فإذا وصفت القرية فكأنك قد وصفت «كم» إذ كان «كم» في المعنى هو القرية. ويدلك على ذلك قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) «1» فعاد الذكر على «كم» على المعنى، إذ كانت الملائكة في المعنى. وعلى هذا قال: (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) «2» فيعاد مرة الذكر على لفظ القرية، ومرة على معناها، فيكون دخول الفاء في قوله: (فَجاءَها بَأْسُنا) «3» على حد: كل رجل جاءني فله درهم فيكون المعنى: كم من قرية جاءها الهلاك فقاربت البأس، فكان سبب الإهلاك/ مجىء البأس، لأن الإهلاك إنما يكون عما يستحق له الإهلاك، فكأنها استحقت الإهلاك فجاءها البأس، فصار نزول البأس استحقاق ذلك. فإذا سلكت فيه هذا المسلك لم يجز في موضع (كَمْ) النصب «4» لأن من قال: زيدا ضربته، لا يقول: أزيداً أنت رجل تضربه إذا جعلت تضربه صفة للرجل. وكذلك (أَهْلَكْناها) إذا جعلتها صفة ولم تجعلها خبراً. ويكون قوله (فَجاءَها) في موضع الخبر، كما أن قوله فله درهم، من قولك: كل رجل يأتيني فله درهم، في موضع الخبر. ويجوز أيضاً أن تكون الفاء عاطفة جملة على جملة، على تقدير: جاءها البأس قبل الإهلاك لأن المعنى يدل على أن البأس مجئ الإهلاك، فصار (فَجاءَها بَأْسُنا) كالتبيين للإهلاك لهم، والتعريف لوقته.

_ (1) النجم: 26. (2- 3) الأعراف: 4. (4) في الأصل «لأن إن» . وفيها زيادة من الناسخ.

قال أبو سعيد «1» : دخول الفاء في هذا الموضع ونحوه يجري مجرى الفاء في جواب الشرط، وجواب الشرط قد يكون متأخراً في الكلام ومتقدماً في المعنى، كقول القائل: من يظهر منه الفعل المحكم فهو عالم به ومن يقتصد في نفقته فهو عاقل. ومعلوم أن العلم بالفعل المحكم قبل ظهوره، وعقل المقتصد قبل الاقتصاد [ممتنع] «2» . وإنما يقدر في ذلك: من يظهر منه الفعل فيحكم أنه عالم به. وكذلك لو جعلناه «3» جزاء فقلنا: زيد إن ظهر منه الفعل المحكم فهو عالم، فهو محكوم له بالعلم بعد ظهور ذلك. وكذلك قوله تعالى: (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً) «4» لما أهلكها الله حكم بأن البأس جاءها بياتاً أو بالنهار. ونحو هذا في القرآن والكلام كثير. قال الله تعالى: (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ) «5» والخطاب لليهود بعد قتل أسلافهم الأنبياء، على معنى: لم ترضون بذلك؟ وقال عز من قائل: (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) «6» إلى قوله (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) «7» الآية. ومعلوم أنه لا يشترط في الآخرة شروط الثواب والعقاب. وفي هذا جوابان، أحدهما: أن معنى (فَمَنْ يَعْمَلْ) أي: فمن يظهر ذلك اليوم فى صحيفته خير أو شر يرى مكافأته.

_ (1) هو أبو سعيد الحسن بن عبد الله النحوي. ولد سنة 284 هـ. وكانت وفاته سنة 368 هـ. (وفيات الأعيان- نزهة الألباء) . (2) تكملة يقتضيها السياق. [.....] (3) في الأصل: «لو جعلته» . (4) الأعراف: 4. (5) البقرة: 91. (6) الزلزلة: 1. (7) الزلزلة: 17.

والآخر: / أن المعنى: فمن يعمل في الدنيا. ويكون كون الفاء بعد ذكر ما ذكر في الآخرة على معنى: أن ما يكونه الله في الآخرة من الشدائد التي ذكرها توجب أنه من عمل في الدنيا خيراً أو شراً يره، كما يقول القائل: الآخرة دار المجازاة فمن يعمل خيراً يره. ولم يرد خيراً مستأنفاً دون ما عمله العاملون. وقد يكون ذلك أيضاً على مذهب الإرادة، فيكون التقدير: وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا كما قال الله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) «1» والقيام بعد غسل الوجه. والمعنى: إذا أردتم القيام إلى الصلاة. قال الفراء: ربما أتى ما بعد الفاء سابقاً إذا كان في الكلام دليل السبق. فإذا عدم الدليل لم يجز. وذكر قول الله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) «2» فذكر عن قوم قالوا: البأس قبل الإهلاك، كما تأولوا في «ثُمَّ» مثل هذا في قوله تعالى: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) «3» [أي] ثم خلقكم منها. وقيل: معناها: خلقكم من نفس وحدها ثمّ جعل الزوج منها بعد التوحيد، فأفادت واحدة هذا المعنى. قال: والأجود في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) «4» أن يريد: ولقد خلقنا أصلكم الذي هو آدم، كما قال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا) «5» ، معناه: خلق أصلكم، الذي هو آدم، من طين.

_ (1) المائدة: 7. (2) الأعراف: 4. (3) الزمر: 6. (4) الأعراف: 10. (5) الأنعام: 2.

وقال الفراء في قوله تعالى: (فَجاءَها بَأْسُنا) «1» إذا كان الشيئان يقعان في حال واحدة نسقت بأيهما شئت على الآخر بالفاء كقولك: أعطيتني فأحسنت، وأحسنت فأعطيتني لا فرق بين الكلامين لأن الإحسان والإعطاء وقتهما واحد. قال أبو سعيد «2» : وهذا مشبه الذي بدأت به في تفسيره، إلا أنه متى جعلنا أحدهما شرطاً جاز أن يجعل الآخر جواباً، فتدخل الفاء حيث جاز أن تكون جواباً، كقولك: إن أعطيتني أحسنت، وإن أحسنت أعطيت، وإن يعط فإنه محسن، وإن يحسن فإنه معط. وقال غير الفراء في قوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) «3» /: معناه/ ثم كان قد استوى على العرش قبل أن يخلق السموات والأرض. وهذا يشبه الجواب الذي حكاه الفراء في قوله: (فَجاءَها بَأْسُنا) «4» . وقالوا فيها جواباً آخر، على جعل «ثم» للتقديم، تقديره: هو الذي خلق السموات والأرض، أي أخبركم بخلقهما، ثم استوى، ثم أخبركم بالاستواء. ومثله: (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) «5» أي: فأخبرهم بالإلقاء، ثم أخبرهم بالتّولّى.

_ (1، 4) الأعراف: 4. (2) انظر الحاشية (2 ص 99) من هذا الجزء. (3) الحديد: 4. (5) النمل: 28. [.....]

ومثله: (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) «1» وقد قال قبله: (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) «2» وقال: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) «3» ثم يكون «ثم استوى» على الإخبار، ويكون الدحو بعد «4» ، وخلق الأرض قبل خلق السماء، وقيل في قوله تعالى: (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ) «5» فليس التولي الانصراف، وإنما معناه، تنح عنهم بعد إلقاء الكتاب إليهم بحيث يكونون عنك بمرأى ومسمع، فانظر ماذا يردون من جواب الكتاب. وقيل في قوله تعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) «6» أي: مع ذلك. كما قال: (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) «7» أي: مع ذلك. وعكسه قوله تعالى: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ) «8» أي: بعد العسر. وأما قوله تعالى: (لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) «9» أي: ثم دام وثبت على الاهتداء. وهذا كقوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) «10» . والمعنى في ذلك: الدوام على الإيمان والعمل الصالح، لأن الإيمان الذي يحظر النفس والمال قد تقدم فيما ذكر في قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ

_ (1) فصلت: 11. (2) فصلت: 9. (3، 6) النازعات: 30. (4) في الأصل: «ويكون أن يكون الدحو» . (5) النمل: 28. (7) القلم: 13. (8) الانشراح: 6. (9) طه: 82. (10) المائدة: 93.

آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فقال بعد: (إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا) «1» . ومما يبين أن المعنى فيه ما ذكرت قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) «2» وفي الأخرى (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) «3» والمعنى: اتبعوا التوحيد ثم داموا عليه وأقاموا. فاستقام/ مثل أقام، كاستجاب وأجاب. وقال أبو الحسن «4» في قوله تعالى: (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) «5» : إن «ثم» زيادة. والمعنى على ما قال: لأن المعنى: حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت تاب عليهم ليتوبوا. فجواب الجزاء، إن لم تقدّر «ثم» زيادة، غير مذكور. فإن قال قائل: إن «ثم» زيادة في قوله: (ثُمَّ اهْتَدى) «6» كما قال أبو الحسن «7» في الآية الأخرى، فإنه يكون قوله (اهْتَدى) بعد تقدير زيادة «ثم» على تقديرين: أحدهما: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) «8» إنساناً مهتدياً، ويكون حالا. ولم يقع بعد، فإنه كقوله: (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) «9» . ويجوز أن يكون على إضمار «قد» على تقدير: (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) «10» أي: قد كنتم. وقال أبو على في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) «11» على ما تقدم من حذف المضاف. وعلى قولهم: هزمناكم، أي: هزمنا إياكم، كقوله: (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ) «12» أي: فلم قتلتم.

_ (1) المائدة: 93. (2) فصلت: 30. (3) الأحقاف: 13. (4، 7) هو أبو الحسن علي بن سليمان. وانظر الحاشية (2 ص 48) . (5) التوبة: 118. [.....] (6، 8) طه: 82. (9) المائدة: 95. (10) البقرة: 28. (11) الأعراف: 1. (12) البقرة: 91.

وأما قوله تعالى: (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) «1» بعد قوله (قُلْ تَعالَوْا) «2» فالتقدير: ثم قل: آتينا موسى الكتاب. وكذلك قوله: (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) . «3» هو على ترتيب الخبر، أي: أخبركم أولا بخلقه من تراب، ثم أخبركم بقوله «كن» . وأما قوله: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) «4» وبعده (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) «5» فهو مثل الأول في ترتيب الخبر. وأما قوله تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) «6» أي: اثبتوا على التوبة ودوموا عليه. قال عثمان «7» في بعض كلامه في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) «8» : «الواو» وإن كان لا يوجب الترتيب، فإن لتقديم المقدم حظاً وفضلاً على المؤخر. ألا ترى كيف قال: (أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) فقدم المؤخر في موضع تعداد النعم، فكان أولى. وقال أبو علي أيضاً في موضع آخر في قوله تعالى (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) «9» ثم، زائدة وقد يجوز أن يكون جواب «إذا» محذوفا، و «ثمّ تاب عليهم»

_ (1) الأنعام: 154. (2) الأنعام: 151. (3) آل عمران: 59. (4) البلد: 11. (5) البلد: 17. (6) هود: 3. (7) هو: أبو الفتح عثمان بن جني. (8) الفتح: 24. (9) التوبة: 118. [.....]

معطوف على جملة الكلام، أي: حتى إذا/ ضاقت عليهم الأرض تنصلوا وتندموا، ثم تاب عليهم. و «إذا» بعد «حتى» للجزاء، وهي بمعنى: متى، أي: متى ضاقت عليهم الأرض. وأما قوله تعالى: (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) «1» فإن «ثم» للعطف على تراخ، وقد عطفت في الآية «النحر» الذي هو بآخرة، أو «الطواف» الذي هو الخاتمة، على الانتفاع بما يقام في المناسك في الدين، أو بمنافع البدن والهدايا في الدنيا، على القولين، وكذلك «إلى» التي هي غاية الفرائض، إما لنحر الهدايا، وإما للطواف الذي هو غاية إقامة جمع الواجبات. وقيل معناه: إن أجرها على رب البيت العتيق. وأما قوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) «2» فقد قيل هذا على الإخبار أيضاً، أي: ثم أخبركم بالسؤال عن النعيم، لأن السؤال قبل رؤية الجحيم. وقيل: بل المعنى يقال لكم: أين نعيمكم في النار وأين نمتعكم به؟ وشاهد هذه الآى البيت المعروف، وهو قوله: قل للذي ساد ثم ساد أبوه ... ثم ساد من بعد ذلك جده «3» ومعلوم أن سيادة الجد قبل سيادة أبيه، وسيادة أبيه قبل سيادته أولا، ثم أخبركم بسيادة أبيه ثانيا، ثم أخبركم بسيادة جده ثالثا.

_ (1) الحج: 33. (2) التكاثر: 8. (3) الرواية في المغني (ج 1: 105) : إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده

الباب الرابع

الباب الرابع هذا باب ما جاء في التنزيل وقد حذف منه حرف الجر فمن ذلك قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) «1» . التقدير: اهدنا إلى الصراط، فحذف «إلى» ، دليله قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) «2» ، وقوله تعالى: (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً) «3» لأن العرب تقول: هديته إلى الطريق فإذا قال: هديته الطريق، فقد حذف «إلى» . ومن ذلك قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ) «4» أي: بأن لهم، فحذف الباء وانتصب «أن» على مذهب سيبويه، وبقي الجر عند الخليل والكسائي. وحجاجهم مذكور في الخلاف. وعلى هذا جميع ما جاء فى التنزيل من قوله: (يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً) «5» في/ بني إسرائيل والكهف، دليله ظهوره في قوله تعالى: (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ) «6» . وقوله: (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ) «7» ، وقوله: (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) «8» ، وقوله: (بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ) «9» ، وقوله: (يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) «10» ، وقوله: (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) «11» . ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) «12» أي: لا يستحيى من ضرب المثل، فحذف «من» . ويكثر

_ (1) الفاتحة: 5. (2) الشورى: 52. (3) النساء: 175. (4) البقرة: 25. (5) الإسراء- بني إسرائيل: 9، الكهف: 2. (6) النساء: 138. (7) التوبة: 21. (8) هود: 71. (9) الحجر: 55. (10) آل عمران: 39. (11) مريم: 97. [.....] (12) البقرة: 26.

حذف المثل لجر من أن «1» ويقل مع المصدر يحسن «أن يصرب» والتقدير: من أن يضرب، ولا يحسن حذف: من ضرب. وأما قوله «بعوضة» فقيل: التقدير: أن يضرب مثلا ببعوضة، و «ما» صلة زائدة، فحذف الباء. وقيل: أن يضرب مثلا ما بين بعوضة فما فوقها- عن الفراء- فحذف «بين» . وقيل: «ما» ، نكرة في تقدير: شىء، و «بعوضة» بدل منه. وقال أبو علي، في معنى الآية: لا يجوز في القياس أن يريد أصغر منها. وقد حكى عن الكلبي أنه يريد: دونها. وقال ابن عباس «فما فوقها» الذباب فوق البعوضة، وهو الحسن. قال أبو علي: وإنما يجوز هذا في الصفة، هذا صغير وفوق الصغير، وقليل وفوق القليل، أي جاوز القليل. فأما هذه نملة وفوق النملة، وحمار وفوق الحمار يريد أصغر من النملة ومن الحمار، فلا يجوز ذلك لأن «هذا» اسم ليس فيه معنى الصفة التي جاز فيها ذلك. الفراء: «فما فوقها» ، يريد: أكبر منها، وهو العنكبوت والذباب. ولو جعلت في مثله من الكلام «فما فوقها» تريد أصغر منها، لجاز، ولست

_ (1) هكذا الأصل. ولعل صواب العبارة: «ويكثر حذف من مع الفعل» .

أستحسنه، لأن البعوضة غاية في الصغر، فأحب إلى أن أجعل «فما فوقها» أكبر منها. ألا ترى أنك تقول: تعطى من الزكاة الخمسون فما دونها، والدرهم فما فوقه، ويضيق الكلام أن تقول: فوقه فيهما، أو دونه فيهما. وموضع حسنها في الكلام أن يقول القائل: إن فلاناً لشريف. فيقول السامع: وفوق ذلك يريد المدح. أو يقول: إنه لبخيل. فيقول: وفوق ذلك. يريد بكليهما معنى أكبر. فإذا عرفت الرجل فقلت: دون ذاك فكأنك تحطه عن غاية الشرف، أو غاية البخل. / ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) «1» أي: بأن تذبحوا، لأن «أمر» فعل يتعدى إلى مفعولين، الثاني منهما بالباء دليله (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) «2» . ومثله: (أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ) «3» أي: من أن أكون. ومثله: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) «4» أي: في أن يؤمنوا لكم. ومن ذلك قوله تعالى: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ) «5» أي: بغيا لأن ينزل الله، فإن «ينزل الله» متعلق ب «بغيا» بواسطة حرف الجر. و «بغيا» مفعول له، و «أن يكفروا» رفع مخصوص بالذم. و «ما اشتروا» ، «ما» يجوز أن يكون نصباً على تقدير: بئس شيئا ويجوز أن يكون رفعا على تقدير: بئس الذي اشتروا به.

_ (1) البقرة: 67. (2) البقرة: 44. (3) البقرة: 67. (4) البقرة: 75. (5) البقرة: 90.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) «1» أي: في نفسه، فحذف «في» . وقال قوم: سفه، بمعنى سفه. وقال قوم: هو تمييز. والمعرفة لا تكون تمييزا. ومن ذلك قوله تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «2» . قال عثمان «3» : يمكن أن يكون تقديره: فمن عفى له من أخيه عن شىء، فلما حذف حرف الجر ارتفع «شىء» لوقوعه موقع الفاعل كما أنك لو قلت: سير بزيد، ثم حذفت الباء، قلت: سير زيد. ومثل حذف «عن» في التنزيل قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) «4» والتقدير: فقد ضل عن سواء السبيل. ومن ذلك قوله تعالى: (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) «5» أي: بأن طهرا بيتي. ومنه قوله تعالى: (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) «6» أي: في أن يطوف وكذلك: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) «7» أي: فى أن تبتغوا.

_ (1) البقرة: 130. (2) البقرة: 178. (3) هو عثمان بن جني النحوي، وقد مر التعريف به. (4) البقرة: 108. (5) البقرة: 125. (6) البقرة: 158. (7) البقرة: 198. [.....]

ومثله قوله تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا) «1» أي: في أن تبروا. وقال أبو إسحاق: بل «أن تبروا» مبتدأ، والخبر محذوف. أي: البر والتقوى أولى. ومنه قوله تعالى: (أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) «2» أي لأولادكم. ومنه قوله تعالى: (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) «3» أي: على عقدة النكاح، لقوله «4» : / عزمت على إقامة ذي صباح ... ليوم «5» ما يسود من يسود. ومثله قوله تعالى: (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) «6» التقدير: ما لنا في ألا نقاتل، فحذف «في» . وقال الأخفش: إن «أن» زائدة، أي ما لنا غير مقاتلين لأن قوله «لا نقاتل» في موضع الحال. وعن بعض الكوفيين: إنما دخلت «أن» لأن معناه: ما يمنعنا، فلذلك دخلت «أن» ، لأن الكلام: مالك تفعل كذا وكذا. قال أبو علىّ: والقول هو الأول.

_ (1) البقرة: 224. (2) البقرة: 233. (3) البقرة: 235. (4) البيت لرجل من خثعم. (الكتاب 1: 116) . (5) رواية الكتاب: «لشيء» . وفي هامشه: «لأمر» . والشاهد فيه جرذي صباح بالإضافة توسعا ومجازا، والوجه فيه أن يستعمل ظرفا لقلة تمكنه. (6) البقرة: 246.

وجه قول أبي الحسن إن «أن» لغو كإذن، يكون لغواً، كما تكون هي، وكما تكون عوامل الأسماء لغوا، ولا يمنعها كونها لغوا من العمل في معمولها، كما لم تمتنع عوامل الأسماء، كقوله تعالى: (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) «1» . فإن قال قائل: فهلا أجاز فى «لن» أيضا كما أجاز في «أن» كذلك، فإن هذا لا يلزمه، لأن «أن» أشد تصرفاً من «لن» وهي لذلك أحمل للتوسع وأجلد به. ألا ترى أنها تدخل على الماضي والمستقبل، وتدخل على أمثلة الأمر، كقولك: كتبت إليه بأن قم، وليس شىء من هذا في «لن» . ألا ترى أنها تلزم المستقبل ولا تتجاوز عن ذلك، إلا أن الوجه فيها مع ذلك ألا تكون ك «إذن» لأن «إذن» إذا وقع بعدها فعل الحال ألغيت ولم تعمل فيه، و «أن» قد عملت هنا، فلو كانت مثل «إذن» لوجب ألا تعمل فيما بعدها من الفعل، كما لم تعمل «إذن» إذا كان الفعل الذي بعده فعل الحال، ألا ترى أن الاسم في «مالك قائماً» ينتصب على الحال، فكذلك الفعل بعد «إذن» هنا فعل حال، فلو كانت «أن» ك «إذن» لوجب ألا تعمل في فعل الحال كما لم تعمل «إذن» فيه، في نحو قولك: إذا حدثت بحديث: إذن أظنك كاذباً. وأيضاً فلا يجوز أن تكون «أن» مثل «إذن» في أن تلغى كما تلغى «إذن» . ألا ترى أن فيها من الاتساع أكثر مما في «أن» ، تقول: أنا أقوم إذن فلا توليه فعلا. وتقول: إذن والله أقوم، فتفصل بينه وبين الفعل.

_ (1) الحاقة: 47.

والإلغاء سائغ فيه. فإذا كان له من التصرف ما ليس «لأن» ، لم/ ينكر أن يجوز فيه الإلغاء، فلا يجوز في «أن» لكون تصرفها أقل من تصرف «إذن» . وجوز أبو الحسن أن يكون المعنى: وما لنا في ألا نقاتل. وهذا أوضح، ويكون «أن» مع حرف الجر في موضع النصب على الحال، كقوله تعالى: (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) «1» ونحو ذلك، ثم حذف الحرف فسد «أن» وصلتها ذلك المسد. والحال في الأصل هو الجالب للحرف المقدر، إلا أنه ترك إظهاره لدلالة المنصوب عنه عليه. ومثل هذه الآية في التنزيل: (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) «2» أي: ما لكم في ألا تأكلوا ومن إضمار حرف الجر قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ) «3» أي: لأن آتاه الله الملك. ومنه قوله تعالى: (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) «4» أي: إلا على إغماض فيه، و «على» مع المجرور في موضع الحال، أي: إلا مغمضين فيه. ومن حذف حرف الجر قوله تعالى: (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) «5» .

_ (1) المدثر: 49. (2) الأنعام: 119. (3) البقرة: 258. (4) البقرة: 267. (5) آل عمران: 73.

الذي عليه البصريون حذف المضاف على تقدير: كراهة أن يؤتى. قال أبو علي: في الآية «أن» لا يخلو من أن يكون منتصباً بأنه مفعول به، أو مفعول له فلا يجوز أن ينتصب بأنه مفعول به وذلك أن الفعل قد تعدى باللام إلى قوله: (لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) «1» كما تعدى بها في قوله: (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) «2» فإذا انتصب هذا بأنه مفعول به لم ينتصب به مفعول آخر، فإذا لم ينتصب بأنه مفعول به انتصب بالوجه [الآخر] «3» ، والتقدير: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم: كراهة ذكر أن يؤتى أحد، وذكر أن يحاجوكم. والدليل على انتصابه بهذا الوجه: قوله فى الآية الأخرى (إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) «4» وكما أن قوله «لِيُحَاجُّوكُمْ» في هذه الآية مفعول له، وقد دخلت اللام عليه وكذلك قوله (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) منتصب بالعطف على ما هو مفعول له. / وهذه الآية عندنا على غير ما قاله الشيخ رحمه الله، والتقدير: ولا تؤمنوا بأن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم، أو يحاجوكم عند ربكم، إلا من تبع دينكم، فالباء مضمر، و «أن يؤتي» مفعول «لا تؤمنوا» واللام زيادة، ومن تبع دينكم استثناء من «أحد» على التقدير الذي ذكرنا. ويجوز أن يكون قوله (لمن تبع دينكم) ، «من» صلة «تؤمنوا» وإنما لا يتعدى الفعل بحرفين إذا كانا متفقين، وأما إذا كانا مختلفين فالتعدى بهما جائز. وقد استقصينا هذه المسألة في غير كتاب من كتبنا.

_ (1) آل عمران: 73. (2) يوسف: 17. [.....] (3) تكملة يقتضيها السياق. (4) البقرة: 76.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) «1» أي من قومه، فحذف «من» . ومنه قوله تعالى: (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) «2» أي: بظلم وزور، فحذف الباء. وإن زعمت على أنه ليس على حذف الباء، وإنما هو من باب (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) «3» لم يمكنك تقدير «زور» على لفظه، وإنما تقدره: ظالمين مزورين، فتعدل أيضاً عما تلزمنيه. فقد ثبت أنه على تقدير: فقد جاءوا بظلم وزور. ومنه قوله تعالى: (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا) «4» أي: من أن يقولوا، أي: يضيق صدرك من مقالتهم: (لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) «5» . ومن ذلك قوله تعالى: (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) «6» أي: لأن كان ذا مال، فحذف اللام. وفيما يتعلق به هذا اللام اختلاف واضطراب: في قول أبي علي، مرة: هو متعلق بمحذوف ولم يعلقه بقوله (إِذا تُتْلى) «7» ولا بقوله [ «قال» الذي هو جواب «إذا» ] «8» قال: لأن ما بعد «إذا» لا يعمل فيما قبله. وقال مرة: بقوله «عتل» وهذا كلامه على تفرقة. قال في التذكرة «9» : ومن لم يدخل همزة «10» الاستفهام كان «أن» متعلقاً ب «عتل» وذلك كأنه القليل الانقياد، وأنشد أبو زيد: وعتل داويته من العتل ... من قول ما قيل وقيل لم يقل

_ (1) الأعراف: 155. (2) الفرقان: 4. (3) العاديات: 1. (4، 5) هود: 12. (6) القلم: 13، 14. (7) القلم: 15. (8) كتاب كبير في علوم العربية. (9) في المخطوطة بياض بقدر كلمتين إشارة إلى كلام ساقط، والتكملة من الكشاف (4: 588) . (10) في المخطوطة: «مرة» . ولعل الصواب ما أثبتناه.

فإن قلت: كيف جاز تعلقه بقوله «عُتل» وهو موصوف؟ وما يعمل عمل الفعل، إذا وصف لم يعمل عمله، ألا ترى أنه لم يستجز ولم يستحسن: مررت/ بضارب ظريف زيداً؟ وقد وصف «عتل» ب «زنيم» . فالقول: إن ذلك إنما لم يستحسن لخروجه بالصفة إلى شبه الاسم، وبعده من شبه الفعل، وقد يعمل ما يبعد من شبه الأسماء، نحو: مررت برجل خير منه أبوه وإن كان غير ذلك أحسن. والإعمال في الآية له مزية، وإن كان قد وصف، وذلك أن حرف الجر كأنه ثابت في اللفظ، لطول الكلام ب «أن» ، ولأن «أن» . قد صارت كالبدل منه ومن ثم قال الخليل في هذا النحو: إنه في موضع جر، وإذا كان كذلك فقد يعمل بتوسط الحرف. وقد ينتصب «أن» من وجه آخر غير ما ذكرنا، وذلك أن قوله: (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) «1» يدل على الإنكار والاستكبار وترك الانقياد، فأعمل هذا المعنى، الذي دل عليه هذا الكلام، في «أن» وكان التقدير، استكبر وكفر، لأن كان ذا مال وبنين. فأما من أدخل الهمزة فقال: أأن كان ذا مال وبنين. فقد يكون في موضع النصب أيضاً من وجهين: أحدهما: أن ما تقدم مما دلّ عليه من قوله «عتل» صار بمنزلة الملفوظ به بعد الاستفهام، فكأنه: ألأن كان ذا مال وبنين يعتل أو يكفر أو يستكبر، ونحو ذلك.

_ (1) القلم: 15.

كما أن ما تقدم من ذكر قوله: (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) «1» صار كالمذكور بعد قوله: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) «2» ، ويكون (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا) كلاما مستأنفاً. [ثانيهما «3» ] : ويجوز أيضاً مع الاستفهام أن يعمل في «أن» ما دل عليه قوله: (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ) . كما جاز أن يعمل إذا لم يدخل الاستفهام ومثل ذلك قوله تعالى: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) «4» . ومن حذف الجر قوله: (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ) «5» أي: من أن تكون. وكذلك: (إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ) «6» أي: من سؤالك. فأما قوله في التنزيل: (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) «7» إن حملت «السماء» / على التي هي تظل الأرض، أو على السحاب، كان من هذا الباب، وكان التقدير: يرسل من السماء عليكم مدرارا. فيكون «مدرارا» مفعولا به. وإن حملت «السماء» على المطر، كان مفعولا به، ويكون انتصاب «مدرارا» على الحال. ويقوى الوجه الأول (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) «8» ، (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ) «9» ، (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) «10» وغير ذلك من الآى.

_ (1) يونس: 90. (2) يونس: 91. [.....] (3) تكملة يقتضيها السياق. (4) الفرقان: 22. (5) هود: 46. (6) هود: 47. (7) هود: 52. (8) الحجر: 22. (9) النور: 43. (10) البقرة: 22.

ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) «1» والتقدير: يخوفكم بأوليائه. فحذف المفعول والباء. وقيل: الأولياء: المنافقون، لأن الشيطان يخوف المنافقين. وأما قوله تعالى: (فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) «2» فقيل: التقدير: لا يضل عن ربي، أي: الكتاب لا يضل عن ربي ولا ينساه ربي، فحذفت «عن» . وقيل التقدير: لا يضل ربي عنه، فحذف الجار مع المجرور، والجملة في موضع جر صفة للكتاب. ومن ذلك قوله تعالى: (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) «3» أي: على صراطك. وقال: (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) «4» أي: على كل مرصد. قال أبو إسحاق: قال أبو عبيدة: المعنى كل طريق. وقال أبو الحسن: «على» محذوفة. المعنى: على كل مرصد. وانشد: نغالى اللحم للأضياف نيئاً «5» أي: باللحم، فحذف الباء، وكذلك حذف «على» . قال أبو إسحاق: (كُلَّ مَرْصَدٍ) ظرف، كقولك: ذهبت مذهبا، وذهبت طريقا، وذهبت كل طريق، فلست تحتاج إلى أن تقول فى هذا الأمر بقوله فى الظروف، نحو: خلف وقدام.

_ (1) آل عمران: 175. (2) طه: 52. (3) الأعراف: 16. (4) التوبة: 5. (5) عجز البيت كما في اللسان «غلا» : «ونرخصه إذا نضج القديد» .

قال أبو علي: القول في هذا عندي كما قال، وليس يحتاج في هذا إلى تقدير «على» إذا كان «المرصد» اسماً للمكان. كما أنك إذا قلت: ذهبت مذهباً، ودخلت مدخلا، فجعلت «المدخل» و «المذهب» اسمين للمكان لم نحتج إلى «على» ولا إلى تقدير حرف جر. إلا أن أبا الحسن ذهب إلى أن «المرصد» اسم للطريق، كما فسره أبو عبيدة. وإذا كان اسما للطريق كان مخصوصا، وإذا كان مخصوصا وجب ألّا يصل/ الفعل الذي لا يتعدى إليه إلا بحرف جر، نحو: ذهبت إلى زيد، ودخلت به، وخرجت به، وقعدت على الطريق إلا أن يجىء فى شىء من ذلك اتساع، فيكون الحرف معه محذوفاً، كما حكاه سيبويه من قولهم: ذهبت الشام، ودخلت البيت «1» . فالأسماء المخصوصة إذا تعدت إليها الأفعال التي لا تتعدّى فإنما هو على الاتساع. والحكم في تعديها إليها، والأصل أن يكون بالحرف. وقد غلط أبو إسحاق في قوله: (كُلَّ مَرْصَدٍ) «2» حيث جعله ظرفاً كالطريق، كقولك: ذهبت مذهبا، وذهبت طريقا، وذهبت كل مذهب، في أن جعل «الطريق» ظرفا كالمذهب، وليس «الطريق» بظرف.

_ (1) الكتاب (1: 16) . [.....] (2) التوبة: 6.

ألا ترى أنه مكان مخصوص، كما أن البيت والمسجد مخصوصان. وقد نص سيبويه على اختصاصه، والنص يدل على أنه ليس كالمذهب. ألا ترى أنه حمل قول ساعدة «1» : لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب «2» على أنه قد حذف معه الحرف اتساعا، كما حذف عنده من: ذهبت الشام. وقد قال أبو إسحاق في هذا المعنى خلاف ما قاله هذا. ألا ترى أنه قال في قوله تعالى: (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) «3» أي: على صراطك. قال: ولا اختلاف بين النحويين أن «على» محذوفة. ومن حذف الجار قوله تعالى: (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) «4» أي: في أن يجاهدوا، فحذف «في» . وقال: (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) «5» أي: لأن دعوا، فحذف اللام. وأما قوله: (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) «6» فقد قالوا: التقدير: ثم يسره للسبيل، وإنها كناية الولد المخلوق من النطفة فى قوله (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) «7» ثم يسره للسبيل، فحذف اللام وقدم المفعول، لأن «يسر» يتعدى

_ (1) هو ساعدة بن جؤية. وانظر الكتاب لسيبويه (1: 16) . (2) يعسل: يضطرب. وعسل الطريق: أي عسل في الطريق، فحذف وأوصل. (3) الأعراف: 16. (4) التوبة: 44. (5) مريم: 90، 91. (6) عبس: 20. (7) عبس: 18، 19.

إلى مفعولين، أحدهما باللام قال: (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) «1» ، / (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) «2» ، (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) «3» . ولو قالوا إن التقدير: ثم السبيل يسره له، فحذف الجار والمجرور، لكان أحسن. كقوله تعالى: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) «4» فينصب إذ ذاك «السبيل» بمضمر فسره «يسره» . ومن ذلك قوله تعالى: (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) «5» أي: إلى سيرتها، أو: كسيرتها. ومن حذف حرف الجر قوله تعالى: (نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) «6» فيمن فتح والتقدير: بأني أنا ربك، لأنك تقول: ناديت زيدا بكذا. ومثله: (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ) «7» فيمن فتح الهمزة، أي: نادته بأن الله. فأما من كسر الهمزتين في الموضعين فبإضمار القول، وما قام مقام فاعل «نودي» ضمير موسى، أي: نودي هو يا موسى. ويجوز أن يقوم المصدر مقام الفاعل، ولا يجوز أن يقوم «يا موسى» مقام الفاعل، لأنه جملة. هذا كلامه في «الحجة» «8» . وقد جرى فيه على أصلهم حيث خالفوا سيبويه في قوله: (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) «9» ، من أن

_ (1) الأعلى: 8. (2) الليل: 7. (3) الليل: 10. (4) طه: 25 و 26. (5) طه: 21. (6) طه: 11، 12. [.....] (7) آل عمران: 39. (8) هو كتاب الحجة في القراءات لأبي علي الحسن بن أحمد الفارسي المتوفي سنة 377 هـ. (9) يوسف: 35.

الفاعل هو المصدر دون ليسجننه) . بخلاف مذهبه- أعني سيبويه- حيث جعل (لَيَسْجُنُنَّهُ) الفاعل وإن كان جملة. فإذا كان كذلك كان في قوله: (يا مُوسى) بمنزلة (لَيَسْجُنُنَّهُ) عند سيبويه، هذا سهو. ومثله: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) «1» في قراءة حمزة، بفتح الألف والتشديد والألف والنون على تقدير: ولأنا اخترناك فاستمع لما يوحى أي: استمع لما يوحى لأنا اخترناك، فاللام الأولى بمعنى إلى، لولا ذلك لم يجز، لأنه لا يتعدى فعل واحد بحر في جر متفقين، وإن اختلفوا في المختلفين. وزعم الفارسىّ أن قوله (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) محمول على (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) «2» فسبحان الله- إن من قرأ (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) بالفتح يقرأ (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) - وهو ابن كثير. وأبو عمرو- فكيف نحمل عليه! إنما ذلك على قوله (فَاسْتَمِعْ) أو على المعنى، لأنه لما قال (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) «3» / كأنه قال: اخلع نعليك لأنك بالوادي المقدس طوى. ولو قال ذلك صريحا لصلح (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) على تقدير: ولأنا اخترناك: أي: اخلع نعليك لهذا ولهذا. ومثله: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) «4» أي: لأن جاءه الأعمى، فحذف اللام. ومثله: (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) «5» أي: وفجرنا من الأرض عيونا. أو يكون كقوله (جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) «6» [أي] «7» بظلم. والتقدير: وفجرنا الأرض بعيون.

_ (1) طه: 13 والقراءة المشهورة: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) . (2، 3) طه: 12. (4) عبس: 1، 2. (5) القمر: 12. (6) الفرقان: 4. (7) تكملة يقتضيها السياق.

ومن ذلك قوله تعالى: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً) «1» أي: بيوم، فحذف الحرف، وأوصل للفعل، وليس بظرف، لأن الكفر لا يكون يومئذ لارتفاع الشبه لما يشاهد. وقيل: التقدير، كيف تتقون عقاب يوم؟ ومن ذلك قوله تعالى: (تَبْغُونَها عِوَجاً) «2» حكم تعديه إلى أحد المفعولين أن يكون بحرف الجر، نحو: بغيت لك خيراً، ثم يحذف الجار. وحكى في قوله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) «3» أي: دينا غير الإسلام ف، «غير» على هذا وصف للنكرة فتقدم عليها، فانتصب على الحال نحو: فيها قائما رجل. ومن ذلك قوله تعالى: (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) «4» أي: على من في النار. كما قال: (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) «5» . وقال: (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) «6» . فكأنه قال: باركت على من في النار من دخل فيها. ولكن على معنى: من قرب منها ومن داناها، فحذف المضاف. فإن قلت: ف «من حولها» بقربها، فما معنى التكرير؟ قيل: لا يدل «حول كذا» على التقريب، لأنك تقول: هو يطوف حول البيت، ويكون متراخيا عنه.

_ (1) المزمل: 17. (2) آل عمران: 99. (3) آل عمران: 85. (4) النمل: 8. (5) الصافات: 113. [.....] (6) الأنبياء: 71.

وأبين من هذا قوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ) «1» والأعراب لا يكونون في الأكثر إلا متراخين عن البلدان. فالمعنى: أن بورك من في قرب النار أو طلب النار ومن في بعدها، ومن حولها: الملائكة وغيرهم. والقريب منها موسى، لأنه أراد أن يحمل نارا إلى أهله ليصطلوا بها. ومثله قوله تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) «2» أي: قربه ولم يتوغل فيه. ومن ذلك: (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً) «3» فمن فتح أراد: لأن كنتم. والمعنى: أفنضرب عنكم ذكر الانتقام/ منكم والعقوبة لكم لأن كنتم قوماً مسرفين. وهذا يقرب من قوله: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) «4» وانتصاب «صفحا» على المصدر، من باب: (صُنْعَ اللَّهِ) «5» ، و (كِتابَ اللَّهِ) «6» ، و (وَعَدَ اللَّهُ) «7» . ومن ذلك قوله تعالى: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) «8» أي: على أمركم. ومن هذا الباب قوله: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) «9» والتقدير: يسبحون بالليل. كقوله تعالى: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) «10» .

_ (1) التوبة: 101. (2) القصص: 23. (3) الزخرف: 5. (4) القيامة: 36. (5) النمل: 88. (6) النساء: 24. (7) النساء: 122، يونس: 4. (8) يونس: 71. (9) الأنبياء: 20. (10) النور: 36.

فأما قوله: (وَالنَّهارَ) فقيل: هو منصوب بقوله (لا يَفْتُرُونَ) والأحسن أن يكون عطفاً على «الليل» . ومثله: (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) «1» فإنه يجوز أن يحمل على «عن» تقديره: معكوفاً عن أن يبلغ محله. فلما كانت «أن» الموصولة بالفعل قد طال الكلام بها جاز إضمار الجار. ويجوز النصب في موضع «أن» على هذا، والعامل فيه على ضريين: أحدهما أن يكون التقدير: والهدى معكوفاً كراهة أن يبلغ، أو لئلا يبلغ محله على تقدير الكوفيين. فإن قلت: فإن «معكوفاً» يقتضى حرف جر على تقدير «على» - ولا يكون متعدياً بنفسه، والتنزيل يشهد بصحة ذا قال عز من قائل: (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) «2» . و (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) «3» . قيل: هو محمول على المعنى، كأنه قال: والهدى محبوساً كراهة أن يبلغ، كالرفث حيث حمل على الإفضاء في قوله: (الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) . «4» وجاز ذا لأن المسلمين أحصروا إذ ذاك، ويكون «معكوفاً» في بابه، كمدرهم «5» ، حيث لم يقل درهم، ومفؤود، للجبان، و «بماء معين» «6» ، ولم يقل: عين، وكذلك لم يقل: عكف.

_ (1) الفتح: 25. (2) الأعراف: 138. (3) الحج: 25. [.....] (4) البقرة: 187. (5) مدرهم: كثير الدراهم. (6) الملك: 30.

وإن حملته على (وَصَدُّوكُمْ) كان فيه إضمار «عن» كالأول، أو يكون من باب (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) «1» أو يكون من باب: بمن تمرر أمرر ولم يحتج إلى: امر ربه لجرى الأول. فكذا لم يحتج إلى «عن» لذكره (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) . ومن ذلك قوله تعالى: (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) «2» أي: لأن تكون. فموضع «أن» نصب، مفعول له وقدره الزجاج: بان يكون، فحذف الباء. ومن ذلك قوله تعالى: (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) «3» . أي: في مكانه. وكذلك/ قوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا) «4» أي: في أن تبتغوا. لقوله: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) «5» فحذف «في» . وقال: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) «6» يجوز أن يكون: وترغبون في أن تنكحوهن لجمالهن «7» ويجوز أن يكون: وترغبون عن نكاحهن لدمامتهن. وأما قوله تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ) «8» فقد قيل: التقدير: يستضعفون في مشارق الأرض، أي. جعلنا الذين يستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها ملوك الشام ومصر.

_ (1) الأعراف: 155. (2) النحل: 92. (3) الأعراف: 143. (4) البقرة: 198. (5) الأحزاب: 5. (6) النساء: 127. (7) في الأصل «لمالها» . (8) الأعراف: 137.

وأنكر الطبري «1» هذا القول، واعتل بأنهم ما كانوا يستضعفون إلا في أرض مصر من جهة القبط. وغلط الطبري، لأنه ظن أنهم لا يكونون مستضعفين إلا بعد أن يقتل أبناؤهم وتستحيا نساؤهم، ويلزموا أن يضربوا لبنا صلبا بلا تبن، وليس كذلك، لأنهم لما تفردوا بدين إبراهيم، ولم يكن يدين به في ذلك الوقت أحد، إلا وكانوا مدفوعين عندهم غير مقبولين، ومقهورين غير مالكين. ألا ترى أن قوماً منهم صاروا بعد «بختنصر» إلى أرض فارس، وكانوا أذل من بها، لمفارقتهم لهم في أديانهم. والشأن في أنه أنكر هذا القول، ولم يذكر هو شيئاً يعبأ به، لأنه قال: أورثهم مشارق الشام وذلك مما يلي الشرق منها، ومغاربها التي باركنا فيها. وقيل: التقدير: أورثنا مشارق هذه الأرض التي أغرقنا مالكيها وسالكيها. فإذا نصبت «مشارق» بأورثنا، كان قوله «التي» جراً، صفة ل «الأرض» المجرورة، وإذا نصبت «مشارق» ب «يستضعفون» ، كان «التي» نصبا، صفة موصوف محذوف منصوب ب «أورثنا» أي: أورثناهم الأرض التي باركنا فيها.

_ (1) هو أبو جعفر محمد بن جرير يزيد الطبري، المؤرخ المفسر. وكانت وفاته سنة 310 هـ.

ومثله قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) «1» ففي موضع (أَنِ) قولان: أحدهما: أن يكون بتقدير الباء، أي: أرسلناه بأن اعبدوا الله فانتصب بالنزع. والثاني: أن تكون (أَنِ) بمعنى «أي» المفسرة. وأما قوله في التنزيل: (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) «2» و (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) «3» (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ/ فِي الْآخِرَةِ) «4» فبعضهم يحمله على إضمار «من» . أي: من أن لهم النار «5» ، فيحمل «لا جرم» على معنى: لا بد. وهذا لا يصح، لأن «جرم» يقتضى مرفوعاً، لأنه فعل ماض عندنا. وذهب الفراء «6» إلى أن «جرم» معمول «لا» وهو اسم، وهو جار مجرى القسم. وقيل: إن «أن» منصوبة الموضع، مفعول «جرم» . وقال بعض الكوفيين: جرم: أصله الفعل الماضي، فحول عن طريق الفعل، ومنع التصرف، فلم يكن له مستقبل ولا دائم ولا مصدر، وجعل مع «لا» قسما، وتركت «الميم» على فتحها الذي كان عليها فى المضي، كما نقلوا

_ (1) النحل: 36. (2) النحل: 62. [.....] (3) غافر (المؤمن) : 43. (4) هود: 22، والنحل: 109 وقد كتبت الآية في الأصل «لا جرم أن لهم في الآخرة» . (5) كأن في الكلام استكفاء، لعدوله عن التقدير في الآيتين الأخريين. (6) هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور، أبو زكريا، إمام الكوفيين. وله كتاب المعاني في التفسير، والجمع والتثنية في القرآن، وغيرهما. توفي سنة 207 هـ.

«حاشى» - وهو فعل ماض، مستقبله: يحاشى، ودائمه: محاش، ومصدره: محاشاة- من باب الانفعال إلى باب الأدوات، لما أزالوه عن التصرف. والصحيح أنه فعل ماض، وتجعل «لا» داخلة عليه، وهو مذهب سيبويه. ومن أصحابه من يجعلها جواباً لما قبله. ومثله: يقول الرجل كان كذا وكذا، وفعلوا كذا، فيقول: لا جرم أنهم سيندمون. وبين غير الخليل «1» وقال: إنه رد على أهل الكفر فيما قدروه، من اندفاع عقوبة الكفر ومضرته عنهم يوم القيامة. وقد ذكر حجاج هؤلاء في «المختلف» «2» . ومن ذلك قوله تعالى: (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) «3» أي، كدعاء بعضكم على بعض. فالمصدر في قوله (دُعاءَ الرَّسُولِ) مضاف إلى الفاعل، أي: كدعاء الرسول عليكم. وقيل: لا تجعلوا دعاءه إياكم إلى الحرب كدعاء بعضكم بعضا إليها، فيكون أيضاً مضافاً إلى الفاعل.

_ (1) هو ابو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، اللغوي الأديب، وكانت وفاته سنة 170 هـ. (2) لعله: «مختلف الرواية» لعلاء الدين محمد بن عبد الحميد، المعروف بالعلاء السمرقندي المتوفي سنة 552 هـ. ذكر فيه مختلف الرواية، وذكر لخلاف كل واحد من الأئمة بابا. (3) النور: 63.

وقيل: لا تجعلوا دعاءكم الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا، أي: لا تدعوه ب «يا محمد» ، وادعوه ب «يا نبي الله» ، كقوله تعالى: (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) «1» فيكون المصدر مضافاً إلى المفعول. ومن ذلك قوله تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) «2» أي: يسير في منازل، سائراً فيها. ومن ذلك قوله تعالى: (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) «3» قيل: التقدير: بعلم اليقين لترون، فحذف الجار. وقيل: بل هو نصب على المصدر. ومن ذلك قوله تعالى: (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ) «4» أي: بخير، فحذف الباء. ويجوز أن يكون التقدير: فمن تطوع تطوعاً خيراً، فحذف/ الموصوف. ومن ذلك قوله تعالى: (آتِنا غَداءَنا) «5» . قال أبو علي: (آتِنا) ليس من الإعطاء، إنما هو من، أتى الغداء وآتيته، كجاء وأجأته، ومنه قوله تعالى: (تُؤْتِي أُكُلَها) «6» أي: تجىء. و (آتِنا غَداءَنا) يتعدى إلى غدائنا بإرادة الجار، لا بد من ذلك لأن الهمزة لا تزيده إلا مفعولاً واحداً بخلاف (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) «7»

_ (1) الحجرات: 2. (2) يس: 39. (3) التكاثر: 5. (4) البقرة: 184. (5) الكهف: 62. (6) إبراهيم: 25. (7) إبراهيم: 34. [.....]

(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ) «1» لأنه من الإعطاء إذ هو متعد إلى ضمير الموصول، وإلى الكاف والميم. وقد عددت لك هذه الآى. وقد قال سيبويه في الباب المترجم عنه: «فهذا باب ما ينتصب من الأسماء ليست بصفة ولا مصادر، لأنه حال يقع فيه الأمر، فينتصب لأنه مفعول فيه» «2» . قال: وزعم الخليل أن قولهم: ربحت الدرهم درهما، محال حتى يقولوا: في الدرهم، أو للدرهم. كذلك وجدنا العرب تقول. «3» ومن زعم أنه يريد معنى الباء واللام ويسقطها، قيل له: أيجوز أن تقول له: مررت أخاك، وهو يريد بأخيك؟ فإن قال: لا يقال فإن هذا لا يقال أيضا.

_ (1) الحشر: 7. (2) الكتاب (1: 195) . (3) النقل من هنا فيه بعض تصرف.

الباب الخامس

الباب الخامس باب ما جاء في التنزيل وقد زيدت فيه «لا» و «ما» وفي بعض ذلك اختلاف، وفي بعض ذا اتفاق وقد ذكر سيبويه «1» زيادة «لا» «2» في قوله: «أما العبيد فذو عبيد» : «وأما قول الناس للرجل: أما أن يكون عالما فهو عالم وأما أن يعلم شيئاً فهو عالم. وقد يجوز أن تقول: أما أن لا يكون يعلم فهو يعلم وأنت تريد: أن يكون كما جاءت: (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) «3» في معنى: «لأن يعلم أهل الكتاب، فهذا يشبه أن يكون بمنزلة المصدر» في كلام طويل. فمن ذلك قوله تعالى: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) «4» ف «لا» في قوله: (وَلَا الضَّالِّينَ) زيادة. وجاءت زيادتها لمجىء (غَيْرِ) قبل الكلام، وفيه معنى النفي. ألا ترى أن التقدير: لا مغضوباً عليهم ولا الضالين، وكما جاء: (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) «5» فكرر «لا» وهي زيادة، وكذلك هذا.

_ (1) الكتاب (1: 194- 195) . (2) يريد: عند قوله: أي عند الكلام على وجوه الأعراب في هذه العبارة: «أما العبيد ... إلخ» . (3) الحديد: 29. (4) الفاتحة: 7. (5) فاطر: 22.

ومن ذلك قوله تعالى: (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) «1» . والتقدير: ما منعك أن تسجد، ف «لا» زائدة. وقيل: في قوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) «2» إن «لا» زائدة «3» . والمعنى: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون، فيمن فتح «أن» . ولما كان فتح «أن» يؤدي إلى زيادة «لا» عدل الخليل إلى أنّ «أن» من قوله «أنها» بمعنى: لعلها. قال: والمعنى: وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون لأن في حملها على بابها عذراً لهم في ترك الإيمان حيث لم ينزل الآية، وذلك لأنه إذا قال: وما يشعركم أن الآيات إذا جاءت لا يؤمنون، فالمعنى: لو جاءت آمنوا. فلما كان كذلك حملها على «لعل» . وقيل: بل إن «أن» على بابها. والتقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون، فيكون من باب حذف الجمل. وقال قوم: بل في الآية تقديم وتأخير، والتقدير: إنما الآيات عند الله ولا ينزلها، لأنها إذا جاءت لا يؤمنون. فهذه ثلاثة أقوال. ومن ذلك قوله تعالى: (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) «4» قالوا: «لا» زائدة. والتقدير: وحرام على قرية أهلكناها رجوعها إلى الدنيا،

_ (1) الأعراف: 12. (2) الأنعام: 109. (3) يضعف الرازي في كتابه «مفاتيح الغيب» (3: 130) هذا الرأي نقلا عن الزجاج. (4) الأنبياء: 95.

ف «لا» زائدة وقال أبو علي: إن قوله: (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) «1» داخل في المصدر، الذي هو حرام وخبر «حرام» مضمر. والتقدير: وحرام على قرية أهلكناها بأنهم لا يرجعون، موجود، أو كائن، أو مقضى. أي حرام عليهم بالاستئصال وجودهم في الدنيا أو رجوعهم إليها. وأما قوله تعالى: (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) «2» لا يخلو «لا» من أن يكون لتأكيد النفي، كالتي في قولك: ما قائم زيد ولا عمرو. فيفيد أن كل واحد منتف على حياله. أو يكون «لا» نفيا مستأنفا. فالدلالة على الوجه الأول أنك لو حملته على الوجه الثاني لم يجز حتى تكررها، كما تقول: لا زيد عندك ولا عمرو. فلما لم تكرر علمت أنها على الوجه الأول. ولا يكون مثل: حياتك لا نفع وموتك فاجع «3» لأن ذلك يقع في الشعر. فأما قوله تعالى: (لا أُقْسِمُ) «4» فقيل: «لا» زائدة. وقيل: «لا» رد لكلامهم: (لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ) . فقال: لا. أي: ليس الأمر كما تظنون.

_ (1) أنبياء: 95. (2) البقرة: 38. [.....] (3) عجز بيت لرجل من بني سلول، وصدره: وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا (4) القيامة: 1.

ومن ذلك/ قوله تعالى: (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) «1» قالوا: التقدير: ليعلم أهل الكتاب ولا، زائدة. أجمعوا على هذا، غير ابن بحر «2» فإنه زعم أن الأولى ألا يكون في كلام الله شذوذ وما يستغنى عنه. والذي يوجبه اللفظ على ظاهره أن يكون الضمير في (يَقْدِرُونَ) «3» للنبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين. والمعنى: لئلا يعلم اليهود والنصارى أن النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين لا يقدرون على ذلك، وإذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون فقد علموا أنهم يقدرون عليه. أي إن آمنتم كما أمرتم آتاكم الله من فضله فعلم أهل الكتاب ذلك ولم يعلموا خلافه. والعلم في هذا ومثله يوضع موضع وقوع الفعل لأنه إنما يعلم الأشياء واقعة بعد وقوعها. قال أبو سعيد السيرافي «4» : إن لم تجعل «لا» زائدة جاز لأن قوله: (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) «5» أي: يفعل بكم هذه الأشياء ليتبين جهل أهل الكتاب وأنهم لا يعلمون ما يؤتيكم الله من فضله، لا يقدرون على تغييره وإزالته عنكم. فعلى هذا لا يحتاج إلى زيادة «لا» .

_ (1، 2) الحديد: 29. (3) هو أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المولود سنة 163 هـ- 780 م- المتوفى سنة 255 هـ- 869 م- ومن كتبه «مسائل القرآن» ولعله هو الذي منه النقل هنا. (4) هو أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي النحوي. كان مولده سنة 284 هـ- 897 م- ووفاته سنة 368 هـ- 979 م. (5) الحديد: 28، 29.

قلت: وحمل ابن بحر زيادة «لا» على الشذوذ جهل منه بقواعد العربية. وليس كل من يعرف شيئاً من الكلام يجوز له التكلم على قواعد العربية. وليس كون «لا» زائدة في فحوى خطاب العرب مما يكون طعناً من الملحدة على كلام الله، لأن كلام الله منزل على لسانهم. فما كان متعارفاً في لسانهم لا يمكن الطعن به على كتاب الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. وكيف يكون زيادة «لا» شاذة، وقد جاء ذلك عنهم وشاع، كقول الهذلى «1» : أفعنك لا برق كأن وميضه ... غاب تسنمه ضرام مثقب أي، أفمن ناحيتك أيتها المرأة هذا البرق الذي يشبه ضوؤه ضوء غاب. / وأنشد أبو عبيدة للأحوص «2» : وتلحيننى في اللهو ألا أحبه ... وللهو داع دائب غير غافل أي: فى اللهو أن أحبه و «لا» زائدة: ومنه ما أنشده سيبويه لجرير: ما بال جهلك بعد الحلم والدين ... وقد علاك مشيب حين لا حين «3» لا «فيه» زائدة إذا قلت: علاك مشيب حين حين، فقد أثبت حيناً علاه فيه المشيب. فلو جعلت «لا» غير زائدة لوجب أن تكون نافية

_ (1) هو: ساعدة الهذل. (اللسان 20: 354) . (2) بغية الوعاة (1: 195) . (3) الديوان (ص 586) والكتاب لسيبويه (1: 358) .

على حدها في قولهم: جئت بلا مال، وأبت بلا غنيمة. فنفيت ما أثبت من حيث كان النفي ب «لا» عاماً منتظماً لجميع الجنس. فلما لم يستقم حمله على الجنس لتدافع العارض في ذلك حكمت بزيادتهما، فصار التقدير: حين حين. وهو من باب: حلقة فضة، وخاتم حديد لأن الحين يقع على الزمان القليل كالساعة ونحوها وعلى الطويل كقوله تعالى: (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) «1» وعلى ما هو أقصر من ذلك كقوله تعالى: (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) «2» . فصار: حين حين، كقوله: ولولا يوم يوم ما أردنا ومنه قول الشماخ: أعايش ما لأهلك لا أراهم ... يضيعون الهجان مع المضيع «3» وروى التوزى عن أبي عبيدة أن «لا» زائدة. ومنه قول المرار، بيت الكتاب «4» -: ولا ينطق الفحشاء من كان منهم ... إذا جلسوا «5» منا ولا من سوائنا

_ (1) الدهر: 1. (2) إبراهيم: 25. (3) الديوان (ص 56) . وفيه: «ما لقومك» مكان «ما لأهلك» . وعائش: ترخيم: عائشة، وهي امرأة الشماخ. قال ابن فارس: «وأما قول أبي عبيدة في شعر الشماخ أن «لا» زائدة فقط، لأنه ظن أنه أنكر فساد المال وليس الأمر كما ظن. وذلك أن الشماخ احتج على امرأته بصنيع أهلها أنهم لا يضيعون المال، وذلك أنها قالت له: لم تشدد على نفسك في العيش حتى تلزم الإبل وتعذب فيها فهو عليك. فرد عليها فقال: ما لي أرى أهلك يتعهدون أموالهم ولا يضيعونها بل يصلحونها وأنت تأمرينني بإضاعة المال!» . (4) الكتاب (1: 203) . (5) في الكتاب: «إذا قعدوا» . [.....]

وأما قوله تعالى: (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) «1» فإن موضع قوله (فِي الْأَرْضِ) يحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون مفعولاً فيه ظرفاً. والآخر: أن يكون وصفاً. فإن جعلته ظرفاً احتمل أن يكون ظرفاً ل «أصاب» واحتمل أن يكون ل «مصيبة» . ولا ذكر فيه على شىء من هذين التأويلين. كما أن قولك: بزيد، من: مررت بزيد. كذلك يؤكد ذلك. ويحسنه دخول «لا» في قوله: (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) . فصار ذلك مثل: ما ضربت من رجل ولا امرأة. والضرب الآخر أن يكون صفة للنكرة، ويكون متعلقاً بمحذوف. / وفيه ذكر يعود إلى الموصوف. وقوله: (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) صفة معطوفة على صفة، لأنه صفة منفى، فيكون كالبدل في قوله: في ليلة لا ترى بها أحداً ... يحكى علينا إلا كواكبها «2» من الضمير في «يحكى» لما جرى على المنفى. وزيادة الحروف في التنزيل كثير، فأقرب من ذلك إلى ما نحن فيه قوله: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ) «3» وقوله: (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ) «4»

_ (1) الحديد: 22. (2) البيت لعدي بن زيد، والشاهد فيه: رفع الكواكب على البدل من الضمير الفاعل في يحكي. لأنه في المعنى منفى، ولو نصب على البدل من أحد لكان أحسن. (الكتاب 1: 361) . (3) آل عمران: 159. (4) النساء: 154.

وقوله تعالى: (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) «1» وكقوله: (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ) «2» أي: عن قليل وكقوله: (جُنْدٌ ما هُنالِكَ) «3» أي: جند هنالك. وقيل في قوله تعالى: (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) «4» «ما» صلة. وكذلك قوله: (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ) «5» أي: مثل أنكم. وقيل في قوله: (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ) «6» فكقوله: فهي ترثى بأبي وابنيما «7» وكقولهم: أفعله آثرا ما. فهذه حروف جاءت للتأكيد عند سيبويه. وعند قوم، هو اسم ولا خلاف في زيادتها. فمن قال: هو اسم، قال: قد جاء من الأسماء مثله مزيداً، كقولهم: كان زيد هو العاقل. قال الله تعالى: (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ) «8» «فهو» فصل. وقال (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً) «9» وقال: (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) «10» وقال: (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ) «11» . وسأعد لك الفصل فيما بعد.

_ (1) المائدة: 13. (2) المؤمنون: 40. (3) ص: 11. (4) الذاريات: 17. (5) الذاريات: 23. (6) الانفطار: 8. (7) البيت لرؤبة. و «ما» فيه فصل، وإنما حكى ندبتها. (الكتاب 1: 322) . ويروى: (فهي تنادي بأبي وابنما) . (8) الأنفال: 32. (9) المزمل: 20. (10) البقرة: 129. [.....] (11) الكهف: 39.

والصحيح قول سيبويه، إذ لا معنى لها سوى التوكيد، ولا تكاد الأسماء تزاد. فأما «هو» فإنما جىء به ليفصل الخبر عن الوصف، فهو لمعنى. فثبت أن «ما» حرف زيدت كزيادة «من» في النفي، وزيادة الباء في: ألقى بيده وساعده لك. [و] زيادة «أن» و «إن» في قوله تعالى: (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) «1» وقوله: فما إن طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا «2» وأما قوله تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) «3» فإن الكسائي يقول: إن «إْن» زائدة، والتقدير: في الذي مكناكم فيه. والفراء يقول: في الذي نمكنكم فيه. وإياه اختار أبو علي، وزعم أنه من جهة المعنى واللفظ أقرب. فأما المعنى، فلأن قوله: (فِيما/ إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) في المعنى في قوله: (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) «4» . وكما أن «لم» نفى بلا إشكال، وكذلك «إن» ، ويبين ذلك قوله: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) «5» فهذا كله يدل على أن تمكين من تقدمهم يزيد على تمكينهم، فهذا بمنزلة (ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) .

_ (1) يوسف: 96. (2) البيت لفروة بن مسيك. وطبنا، أي: عادتنا. (الكتاب 1: 475. المغني 1: 23) . (3) الأحقاف: 26. (4) الأنعام: 6. (5) الروم: 9.

وأما اللفظ فلأن «ما» موصولة، و «أن» لا يزاد بعد «ما» الموصولة وإنما يزاد بعد النفي في نحو: «ما إن طبنا جبن» . والذي جاء من ذلك في الشعر فيما أنشده سيبويه وأبو زيد من قوله: ورج الفتى للخير ما إن رأيته «1» إنما هو لتشبيه اللفظ. فثبت بهذا كله وتحقق أن من تكلم في الجوهر والعرض والجزء الذي يتجزأ «2» أو لا يتجزأ لا يعرف معنى قوله: «حين لا حين» لأن ذاك عقلى وهذا سماعى، وبين ما يكون مبنيّا على السماع، وبين ما يكون مبنياً على العقل تفاوت وبون. ولولا أني خفت أن تقول بعدي ما لا يحل لك في هذا الكتاب لسقت جميع ما اختلفوا في زيادته في التنزيل في هذا الباب، لكني ذكرتها فى مواضع ليكون أحفظ عندك.

_ (1) عجزه: على السن خيرا لا يزال يزيد (المغني 1: 23- الكتاب 2: 306) . (2) في الأصل: «لا يتجزأ» .

الباب السادس

الباب السادس هذا باب ما جاء في التنزيل من الأسماء التي سميت بها الأفعال وهي أبواب ذكرها سيبويه، نحو: صه، ومه، ورويد، والنجاء، وإياك، وعليك، وهاك، وهلم. كما تراه في الكتاب «1» . فهذه كلها أسماء سميت بها الأفعال. وقد أبطلنا قول من قال: هي قسم رابع، في غير كتاب من كتبنا. فما جاء في التنزيل من ذلك قولهم في الدعاء بعد الفاتحة (آمين) . وفيه لغتان: أمين، وآمين، بالقصر والمد وكلاهما اسم ل «استجب» كما أن «صه» اسم. ل «اسكت» و «مه» كذلك. وفي «آمين» ضمير المخاطب. وروى عن الأخفش أنه اسم أعجمي، مثل: هابيل وقابيل فإن سميت به رجلاً لم ينصرف. قال أبو علي «في التذكرة» : لو قال قائل إنه ليس/ بأعجمي، لأنه لا يخلو لو كان أعجمياً من أن يكون اسم جنس، أو منقولاً من معرفة، وليس باسم جنس ولا منقولاً من معرفة. فإذا لم يخل من هذين الوجهين في العجمة، وليس واحداً منهما، ثبت أنه ليس بأعجمي، فهو وجه.

_ (1) انظر الكتاب لسيبويه (1: 122- 127) .

فإن قلت: إنه وزن جاء في الأعجمية. قيل: لا ينكر، وإن كان جاء في الأعجمى: مثل، هابيل، أن يجىء هذا عربياً، ويكون إفراده في الأبنية العربية مثل: درى، ومرنق، ونحو ذلك من الأبنية التي تجىء مفردة، نحو: انقحل، وما أشبه. فبعضهم لا يصرفه لتوهم العجمة، وبعضهم يصرفه ويجعله مثل: قيراط، وفيروز. قال أبو علي في موضع آخر: اختلف في «آمين» فقال قائلون: إنه اسم من الأسماء التي سمي بها الفعل، نحو: صه، ومه، وإيه، ورويد، وما أشبه ذلك. وقال قائلون: هو اسم من أسماء الله. فما يدل على أنه اسم سمي به الفعل: ما روى حجاج «1» عن ابن جريح «2» عن عكرمة «3» قال: أمن هارون على دعاء موسى عليه السلام، فقال الله: (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما) «4» . وكما أن قول موسى: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) «5» جملة مستقلة وكلام تام، كذلك قول هارون (آمِّينَ) جملة مستقلة وكلام تام. ولولا أنه كذلك لم يكن هارون داعياً، لأن من تكلم باسم مفرد أو كلمة مفردة لم يكن داعيا،

_ (1) هو حجاج بن محمد المصيصي- بكسر الميم وتشديد الصاد المهملة، وقيل بفتح الميم وخفة الصاد- وكانت وفاته سنة 206 هـ (تهذيب التهذيب 2: 205) . (2) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح. وكانت وفاته سنة 150 هـ (تهذيب التهذيب 6: 402) . (3) هو عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام. وعنه يروى ابن جريج (تهذيب التهذيب 7: 258) . (4) يونس: 89. (5) يونس: 88. [.....]

كما لا يكون آمرا، ألا ترى أن الدعاء لفظه كلفظ الأمر، فيقول القائل: اللهم اغفر لي في الأمر لي، كقوله لصاحبه: اذهب بي. إلا أنه استعظم في الدعاء أن يقال إنه أمر. كما أن قولهم: صه، بمنزلة: اسكت ومه، بمنزلة: اكفف. كذلك في الدعاء: آمين، بمنزلة: استجب. وفيه ضمير مرفوع بأنه فاعل. كما أن في سائر هذه الأسماء التي سمي بها الفعل أسماء مضمرة مرتفعة. ويدل على ذلك ما رواه عبد الوهاب «1» عن إسماعيل بن مسلم قال: كان الحسن إذا سئل عن «آمين» قال: تفسيرها: اللهم استجب. عبد الوهاب، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن في «آمين» : ليكن ذلك. ومن حيث كان دعاء كما ذكرنا، أخفى في قول أبي حنيفة وأصحابه في الصلاة ولم يجهر به، لأن المسنون في الدعاء الإخفاء، بدلالة قول الله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) «2» . ولما روى من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله أنه قال لقوم رافعي أصواتهم بالدعاء: إنكم لا تنادون أصم ولا غائباً، وإن الذي تنادونه أقرب إليكم من رءوس مطيكم. ومما يدل على أن هذه الأسماء المسمى بها الفعل فيها ضمير فاعل، كما أن في قولنا «اضرب» وما أشبهه- من أمثلة الأمر- ضمير فاعل، إنك لما عطفت عليه المضمر المرفوع أكدته، كما أنك لما عطفت على الضمير

_ (1) هو عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبو نصر العجلي. وكانت وفاته سنة 204 هـ. (تهذيب التهذيب 6: 450) . (2) الأعراف: 55.

المرفوع في مثال الأمر أكدته. وذلك نحو قوله تعالى: (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) «1» لما عطف (الشركاء) على (مَكانَكُمْ) ، وكان قوله: (مَكانَكُمْ) بمنزلة قولك: اثبتوا، واسما لهذا الفعل، أكد بأنتم كما أنه لما عطف على المضمر المرفوع في مثال الأمر أكد في قوله تعالى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) «2» ، و (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) «3» . فإذا ثبت احتمال هذه الأسماء المسمى بها الفعل الضمير، كما احتملته أمثلة الأمر، ثبت أنها جمل. وإذا كانت جملاً لم تصح أن تكون من أسماء الله سبحانه، وأن القائل بذلك مخطئ، لادعائه ما لا دليل عليه. وقد قامت الدلالة على فساده. ألا ترى أن أسماء الله ليس فيها ما هو جملة، وأنها كلها مفردة، وهي على ضربين: أحدهما ما كان صفة، نحو: عالم، وقادر، وخالق، ورازق. والآخر ما كان مصدراً، نحو: الإله، والسلام، والعدل. فإذا لم تخل من هذين الضربين، ولم يكن «آمين» من واحد من هذين، ولا اسما غير وصف ولا مصدرا، كقولنا «شىء» ثبت أنه ليس منها. فأما ما روى عن جرير بن عبد الحميد، عن منصور بن [المعتمر عن] «4» هلال بن يساف، عن مجاهد أنه قال: آمين اسم من أسماء الله تعالى. فعندنا هذا الاسم لما تضمن الضمير المرفوع الذي وصفنا، / وذلك الضمير

_ (1) يونس: 28. (2) المائدة: 24. (3) البقرة: 35. (4) تكملة يستقيم بها السند. وانظر التهذيب في أسماء: جرير، ومنصور، وهلال (3: 75 و 10: 312 و 11: 86) .

مصروف إلى الله سبحانه، قال: إنه اسم الله على هذا التقدير، ولم يرد أن الكلمة اسم من أسماء الله دون الضمير، كعالم، ورازق. فإذا احتمل هذا الذي وصفت لم يكن فيما روى عنه حجة لمن قال: إن جملة الكلمة اسم. ومما يدل على أنه ليس باسم من أسماء الله تعالى، وأنه من أسماء الأفعال على ما ذكرت، أنه مبني، كما أن هذه الأسماء الموضوعة للأمر مبنية. وليس في أسماء الله تعالى اسم مبني. على هذا الحد. فلما كان هذا الاسم مبنياً كصه، وإيه، ونحوهما. دل ذلك على أنه بمنزلتهما، وليس من أسماء القديم سبحانه، إذ ليس في أسمائه اسم مبني على هذا الحد. فإن قال قائل: فقد حكى سيبويه وعامة البصريين في: لاه أبوك. أنهم يريدون لله أبوك. وهذا الاسم مبني. لأنه لا يخلو من أن يكون على قول من قال: [لاه] لأفعلن. فأضمر حرف الجر واختص به. أو على قول من قال: ألا رب من قلبي- له الله- ناصح لأنه ليس بمنون، فأوصل الفعل لما حذف الجار، وأعمله، فبين أنه ليس على إضمار حرف الجر، إذ هو مفتوح فى اللفظ «1» .

_ (1) تكررت هذه العبارة في الأصل مرة أخرى بهذا النص: «وليس أيضا على قول من قال: ألا رب من قلبي له الله ناصح، لأنه ليس بمنون» وهي كما ترى زيادة من الناسخ.

وليس في نحو: إبراهيم، وعمر. فيكون مفتوحاً في موضع الجر، أو منصوباً بلا تنوين، نحو: رأيت عمر، لتعرى الاسم مما يمنع الصرف. فإذا لم يكن على شىء من هذه الأنحاء، التي ينبغي أن يكون المعرب عليها. ثبت أنه مبني، وإذا كان مبنياً لم يمتنع أن يكون «آمين» اسما مثله وإن كان مبنياً. قيل له: إنما بني هذا الاسم الذي حكاه سيبويه لتضمنه معنى الحرف «ال» للتعريف. ألا ترى أنه زعم أنهم أرادوا: لله أبوك، فلما لم يذكر لام المعرفة وتضمن الاسم معناها بني كما بني آمين، لما تضمن معنى الألف واللام، وكما بني خمسة عشر «لما تضمن معنى حرف العطف، وكم، وكيف، وأين» لما تضمنت [معنى الاستفهام] أغنت عن حروف الاستفهام. والاسم إذا تضمن معنى الحرف بني. / فأما «آمين» لم يتضمن معنى الحرف على هذا الحد، ولا على نحو «كيف» وكم، وإنما بنى كما بنى «صه» و «مه» و «نزال» و «حذار» ، ونحو ذلك من الأسماء التي تستعمل في الأمر للخطاب. وحكى قطرب: له أبوك، بإسكان الهاء. وهذا صحيح في القياس مستقيم، وذلك أنه لما وجب البناء وحرك الآخر منه بالفتح لالتقاء الساكنين، ثم حذف منه حرف اللين الواقع موقع اللام، كما حذف في نحو: يد ودم، وبقي على حرفين، زال التقاء الساكنين، فبني على السكون، لزوال ما كان يوجب التحريك من التقاء الساكنين. فإن قال: فهلا بني على الحركة وإن كان على حرفين، لأنه قد جرى متمكناً في غير هذا الموضع، كما بني «عل» عند سيبويه على الحركة، في قولهم:

من عل. وإن كان على حرفين، تجريه غير متمكن مجراه متمكناً، قبل حال البناء. قيل: لم يشبه هذا «عل» ، لأن «عل» ونحوه مما يلحقه الإعراب في التمكن على اللفظ الذي هو عليه. و «له» من قولهم: له أبوك، لحقه الحذف من شىء لم يتمكن قط في كلامهم. فإذا كان كذلك لم يلزم أن يكون مثل «عل» لمفارقته ل «عل» في أنه لم يجر الاسم المحذوف هذا عنه متمكناً فلما كان كذلك صار بمنزلة حذفهم «مذ» في «منذ» في أن المحذوف مبني كما أن المحذوف منه كذلك، وفي أن المحذوف أسكن لزوال ما كان له حرك بالحذف، وهو التقاء الساكنين. فأما قوله تعالى: (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) «1» فالقول أنه مبني غير معرب من حيث صار اسما للفعل، كما كان «صه» و «هلم» ونحوهما مبنية. فإن قلت: إن «مكانكم» منصوب والنصب فيه ظاهر. قيل: ليست هذه الفتحة بنصب، وذلك أن انتصابه لا يخلو من أن يكون بعامل عمل فيه بعد أن جعل اسما للفعل، أو أن يكون بعد التسمية به في الانتصاب على ما كان عليه قبل ذلك، فلا يجوز أن يكون انتصابه/ الآن، وقد سمي به الفعل على ما كان قبل، ألا ترى أن تقديره معمولاً لذلك العامل، واتصاله به لا يصح كما يصح اتصاله به في هذه المواضع التي لا تكون أسماء للفعل وذلك قولك: زيد مكانك، والذي مكانك زيد فهذا سد مسد الفعل الذي عمل فيه، وأغنى من حيث كان تقدير العامل الذي تعلق به هذا الظرف في الأصل غير ممتنع، نحو: زيد استقر مكانك،

_ (1) يونس: 28.

أو مستقر والذي استقر مكانك. وقدرت هذا العامل في الموضع الذي سميت الفعل به لم يتعلق به، على حد تعلق الظرف في المعمولات بعواملها. ألا ترى أنك إن علقته بها على أنه ظرف بطل أن يكون جملة وزال عنه معنى الأمر، فإذا كان كذلك لم يتصل به بعد أن صار اسما للفعل كما كان يتصل به قبل. وإذا لم يتصل به لم يكن معمولاً له، ولم يجز أن يكون، وهو اسم للفعل، معرباً بالإعراب الذي كان يعرب به قبل. ولا يجوز أيضاً أن يكون انتصابه بعامل عمل فيه بعد أن جعل اسما للفعل، وذلك أنه بمنزلة الأمر، وهو نفسه العامل، كما أن أمثال الأمر نفس العامل، وكما أنه لا عمل لشىء في أمثلة الأمر، كذلك ما أقيم مقامه. فإن قلت: إن الأفعال المضارعة عاملة في فاعليها، ولم يمنعها ذلك من أن تكون معمولة لعوامل أخر فكذلك ما تنكر، ألا يمنع كون «مكانك» ونحوه عاملاً في الفاعل المضمر فيه أن يكون هو نفسه أيضاً معمولاً لغيره، كما لم يمنع المضارع أن يكون معمولاً لغيره وإن كان عاملاً في فاعله. قيل: إن المضارع لما أشبه الأسماء ووقع موقعها في بعض المواضع تعرف «1» ، للمشابهة التي بينه وبين الاسم، على ما ذكر في مواضع ذلك. وهذه الأسماء إذا سمي بها الفعل تخرج بذلك عن أن تقع مواقع الأسماء، فوجب بناؤها لوقوعها موقع ما لا يكون إلا مبنياً، كما بني قولهم: «فدى لك» / في قوله: مهلاً فداء لك يا فضاله ... أجرّه الرّمح ولا تهاله «2»

_ (1) في الأصل: «الذي يعرف» . (2) أي أطعنه به فاجعله يمشي به وهو يجره. وقد ساق ابن منظور البيت (فدى) شاهدا على أن «فداء» إذا كسرت فاؤه مد. وإذا فتحت قصر.

لما وقع موقع الأمر، وكما بني المضارع- في قول أبي عثمان- لما وقع موقع فعل الأمر. كذلك بنى «دونك» و «حذرك» ونحوه، لوقوعه موقع فعل الأمر ألا ترى أنهم بنوا «رويد» في هذا الباب مع أنه مصغر. فما عداه من هذه الأسماء أجدر بالبناء. وإذا كان كذلك لم يجز أن يتعرب «مكانك» بإعراب بعد ما سمي به الفعل، فإذا لم يجز أن يتعرب بما كان متعرباً قبل أن سمي به الفعل، ولم يجز أن يعرب بشىء بعد ما سمي به ثبت أنه غير معرب. وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش. وإذا لم يكن معرباً كان مبنياً، ولم يجز أن يكون في موضع رفع ولا نصب ولا جر، لأن ما يعمل في الأسماء لا يعمل فيه الآن عامل. فأما ما يعمل في الفعل فلا يعمل فيه أيضاً، لأنه ليس بفعل فإذا كان كذلك ثبت أنها غير معربة. فأما تحرك بعض هذه الأسماء بحركة قد يجوز أن تكون للإعراب، نحو: مكانك، وحذرك، وفرطك فإن ذلك لا يدل على أنها معربة. ألا ترى أن الحركات قد تتفق صورها وتختلف معانيها، كقولك: «يا منص» ، في ترخيم رجل اسمه «منصور» على قول من قال: «يا حارِ» «ويا حاٌر» . وكذلك من قال: درع «دلاص» ، و «أدرع» دلاص لا تكون الكسرة التي في الجمع الكسرة التي فى الواحد، لأن التي في الواحد مثل التي في «كناز» و «ضناك» والتي فى الجمع مثل التي فى «شراف» و «ظراف» .

وكذلك قوله تعالى: (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) «1» فضمة الفاء مثل ضمة «قفل» و «برد» . وقوله تعالى: (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) «2» ضمة الفاء فيه للجمع على حد «أسَدِ» و «أسد» و «وثن» و «وثن» . وكذلك لا ينكر أن تتفق الحركات في «مكانك» ويختلف معناها، لما ذكرنا من الدلالة على ذلك فتكون، إذا كان ذلك ظرفاً أو مصدراً، حركة إعراب، وإذا كان اسما/ للفعل حركة بناء ونحوه. ألا ترى اتفاق حركة الإعراب وحركة البناء فى: «يا ابن أمّ» ، و «لا رجل عندك» فكذلك اتفاقهما في «مكانك» . وفي «آمين» لغتان: قصر ومد فالمقصور عربي، لكثرة «فعيل» في العربي. والممدود مختلف فيه وقد حكينا عن الأخفش أنه أعجمي، لما لم ير هذا المثال في العربي. وهذا [لا] «3» يصح لأن الأعجمي لا يخلو من قسمين: أحدهما: نحو: اللجام. والآخر: نحو: إبراهيم، وإسماعيل. وهذا ليس واحدا منهما، فإذن هو عربى.

_ (1) يس: 41. (2) البقرة: 164. (3) تكملة يفقدها الأصل.

والمدّ فيها لإشباع الفتح، كإشباع «منتزاح» «1» ، و «لا ترضّاها» «2» ، و «أنظور» «3» ، و «الصّياريف» «4» ، وغير ذلك. [و] كما لا يجوز لأحد أن يقول إن هذه الكلمات أعجميات لخروجها عن كلامهم، فكذلك لا يقال في «آمين» . وإذا كان هذا للإشباع فيها، فكذلك في «آمين» . وقال محمد بن يزيد «5» : «آمين» مثل «عاصين» . وأراد به أن الميم خفيفة كالصاد، ولم يرد به أنه جمع، لأنه إن كان اسماً من أسماء الله فالجمع فيه كفر، وإن كان اسماً للفعل فإنه نائب عن الجملة، فلا يجوز جمعه. وأما قول الأخفش: إنك إذا سميت ب «آمين» رجلاً لم تصرفه. فإن قال [قائل] : فأحد السببين المانعين من الصرف التعريف، فما السبب الثاني المنضم إلى التعريف، وليس «آمين» بمنزلة «هابيل» في أنه اسم جرى معرفة في كلام العجم فيمنعه الصرف، كما يمنع «إبراهيم» ونحوه؟

_ (1) من بيت لابن هرمة يرثى ابنه، والبيت هو: فأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح أي: منتزح، فأشبع فتحة الزاي فتولدت الألف. [.....] (2) يزيد قول الشاعر: إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضاها ولا تملق واعمد لأخرى ذات دل مونق ... لينة المس كمس الخرنق (3) يزيد قول الشاعر: الله يعلم أنا في تلفتنا ... يوم الفراق إلى إخواننا صور وأتني حيثما يثنى أوى بصري ... من حيثما سلكوا أوتو فأنظور (4) من بيت الفرزدق، والبيت هو: تنفى يداها الحصى في كل هاجرة ... ففي الدنانير تنقاد الصياريف (5) هو محمد بن يزيد المبرد.

قيل: يجوز أن تقول: إنه مالم يكن اسم جنس ك «شاهين» أشبه [الأسماء] المختصة. فامتنع من الصرف كما امتنعت عنده «عريط» «1» . وهذا الشبه فيما لا ينصرف معمل. ألا ترى أنهم شبهوا «عثمان» في التعريف «بسكران» . ومن كان «آمين» عنده عربياً فالقياس أن يصرفه إذا سمي به رجلاً، على قول بني تميم، ولا يمنعه خروجه عن أبنية كلامهم من الانصراف، لأنه يصير بمنزلة عربي لا ثاني له من دونه، نحو «إنقحل» «2» . وعلى قياس قول/ أهل الحجاز ينبغي أن يحكى، ألا ترى أنهم لو سموا رجلا بفعال، نحو: حذام، وقطام، لحكوه ولم يعربوه. فهذا هو القول في «آمين» . ومن ذلك قوله تعالى في قول الكسائي (كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) «3» والتقدير عنده: عليكم كتاب الله. كقوله تعالى (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) «4» أي: احفظوها. هذا عندنا لا يصح، لأن معمول «عليك» لا يتقدم عليه، وإنما «كتاب الله» نصب مصدر مؤكد ما تقدم «5» . وسأعد لك من أخواته معه ما يفهم به صحته. فإن قلت: فقد جاء ذلك فى قولها: يا أيها الماتح دلوى دونكا ... إني رأيت الناس يحمدونكا

_ (1) العريط: العقرب. (2) الإنقحل: الكبير الهرم. قال ابن جني: ينبغي أن تكون الهمزة في «انقحل» للإلحاق بما اقترن بها من النون من باب جردحل. ثم قال: ولم يحك سيبويه من هذا الوزن إلا إنقحلا وحده. (3) النساء: 24. (4) المائدة: 105. (5) قال الزمخشري (1: 497) : مصدر مؤكد، أي كتب الله عليكم كتابا وفرضه فرضا.

قال: التقدير: دونك دلوى، وهذا عندنا مبتدأ وخبر. ليس كما قالوا. فأما وقف من وقف على قوله تعالى: (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ) «1» ثم يبتدئ فيقرأ (عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) فليس بالمتجه، لأن سيبويه قال: إن هذا يكون في الخطاب دون الغائب، فلا يجوز حمله على الإغراء. وهذا لفظ سيبويه. قال: حدثني من سمعه: أن بعضهم قال: عليه رجلاً ليسنى. هذا قليل، شبهوه بالفعل. يعني أنه أمر غائباً، فقال: عليه. وأما ما روى عن النبي «عليه السلام» أنه قال: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج وإلا فعليه بالصوم فإنه له وجاء» . وإنما أمر الغائب بهذا الحرف على شذوذه، لأنه قد جرى للمأمور ذكر، فصار بالذكر الذي جرى له كالحاضر، فأشبه أمر الحاضر. وإنما قوله (عَلَيْهِ) خبر (لا) أي: لا إثم عليه في التطوف بينهما، والطواف ليس بفرض. وأما قوله تعالى: (هَيْتَ لَكَ) «2» فقد قالوا: معناه: هلم لك. قال رجل لعلي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه: أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا أن العراق وأهله ... عنق «3» إليك فهيت هيتا

_ (1) البقرة: 158. (2) يوسف: 23. (3) عنق أي: أقبلوا إليك بجماعتهم. يقال: جاء القوم عنقا، أي فرقا. والرواية في اللسان «هيت» : «سلم» .

أي: هلم إلينا، وقد كسر قوم الهاء، وهو لغة في ذا المعنى، ورفعت في ذا المعنى «1» . / قال: وقراءة أهل المدينة: «هيت لك» في ذا المعنى، الهاء مكسورة والتاء مفتوحة. والمعروف: هيت وهيت بضم التاء وفتحها. وحكى الكسر أيضاً. وهو اسم للفعل. و «لك» على هذا للتبيين- بمنزلة «لك» في قولهم: هلم لك. ومثل تبيينهم: «رويدك» بالكاف في «رويدك» . وتبيينهم «هآء وهآء» بقولهم: «هاك، وهاك» . و «لك «في «هلم لك» - متعلق بهذا الاسم الذي سمي به الفعل. ولا يجوز أن يتعلق بمضمر، لأنك لو علقته بمضمر لصار وصفاً. وهذه الأسماء التي سميت الأفعال بها لا توصف، لأنها بمنزلة مثال الأمر، وكما لا يوصف مثال الأمر كذلك لا توصف هذه الأسماء. ومن ذلك «هلم» في قوله: (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) «2» ، وفي قوله: (هَلُمَّ إِلَيْنا) «3» . وهي «ها» ضمّت إلى «لمّ» فجعلا كالشىء الواحد. وفيه لغتان: إحداهما- وهو قول أهل الحجاز، ولغة التنزيل- أن يكون في جميع الأحوال للواحد والواحدة والآثنين والآثنتين والجماعة من الرجال والنساء على لفظ واحد، لا تظهر فيه علامة تثنية ولا جمع، كقولهم: «هلم إلينا» فيكون بمنزلة: رويد، وصه، ومه، ونحو ذلك، نحو الأسماء التي سميت بها الأفعال، وتستعمل للواحد والجمع، والتأنيث والتذكير على صورة واحدة.

_ (1) مدلول العبارة: رفع الهاء: وما سمع هذا. (2) الأنعام: 150. [.....] (3) الأحزاب: 18.

والأخرى: أن تكون بمنزلة «رد» في ظهور علامات الفاعلين، على حسب ما تظهر في «رد» وسائر ما أشبهها من الأفعال. وهي في اللغة الأولى وفي اللغة الثانية، إذا كانت للمخاطب، مبنية مع الحرف الذي بعدها على الفتح. كما أن «هل تفعلن» مبنى مع الحروف على الفتح. وإن اختلف موقع الحرفين في الكلمتين، فلم يمنع الاختلاف من البناء على الفتح. ولخفة «ها» المنبهة، لكون الأمر موضعا للاستعطاف، كما لحقت «يا» (أَلَّا يَسْجُدُوا) «1» و «ها» (ها أَنْتُمْ) «2» فحذف لكثرة استعمال الألف من «ها» ك «لا أدري، «ولم أبل» . ولأن الألف حذفت لما كانت اللام في نية السكون، وكأنه. هلمم. والساكن معتبر بدليل: جيل، ومول، فلم يعلوا اعتباراً بسكون الياء والواو في «موئل» ، «وجيأل» . وحسن حذف الألف جعلها مع «لم» كخمسة عشر، بدلالة اشتقاقهم الفعل منه. فيما حكى الأصمعي: إذا قيل لك. هلم. فقال: ما أهلم، فاشتقاقهم الفعل نظير «أهريق» زيادة لا معنى له. ويكون اشتقاق: هلل، وحوقل، وهو أحسن، لأنهم لم يغيروه في التثنية والجمع. وقال الفراء: إن: أصله: هل أم. و «أمّ «، من «قصدت» . والدليل على فساد هذا القول: أن «هل» لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون بمعنى: قد، وهذا يدخل في الخبر. وأما أن يكون بمعنى الاستفهام، وليس لواحد من الحرفين تعلّق بالأمر.

_ (1) النمل: 25. (2) محمد: 38. آل عمران: 119.

وإن قلت: هو خبر بمعنى الأمر فإن ذلك لا يدخل عليه «هل» لأن من قال: «رحم الله» لا يقول: هل رحم الله، والفتح فيه كالفتح في «ليقومن» وليس لالتقاء الساكنين، كالفتح في «رد» لأن «رد» يجوز فيه الأوجه الثلاثة، و «هلمّ» لا يجوز فيه إلا الفتح، على لغة أهل الحجاز. ومن ذلك «أفٍّ» في قوله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) «1» وقوله: (أُفٍّ لَكُمْ) «2» . وفي قوله: (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) «3» . وفيه لغات: والمقروء منها الكسر بلا تنوين، والكسر بتنوين، عن نافع وحفص، والفتح بلا تنوين، ويجوز في العربية الضم بلا تنوين، والضم بتنوين. وفي لغة سابعة، أفي، مثل: أمليت، وأمللت «4» . ومعنى كله: نتناً وذفراً. وقد سمي الفعل به فبني. وهذا في البناء على الفتح، كقولهم: سرعان ذا إهالة «5» ، لما صار اسماً ل «يسرع» ، وكذلك «أف» ، لما كان اسماً لما يكره أو يضجر منه، ونحو ذلك. فمن نون نكرة، ومن لم ينون كان عنده معرفة مثل: صَهْ، وصَهٍ، ومَهْ، ومه، إلا أن «أف» فى الخبر، و «صه» فى الأمر.

_ (1) الإسراء: 23. (2) الأنبياء: 67. (3) الأحقاف: 17. (4) جمعها الشاعر في بيت فقال: فأف ثلث ونون إن أردت وقل ... أفي وأفي وأف وأفة تصب (5) الإهالة: الودك والشحم. وهذا مثل، أصله: أن رجلا كان يحمق اشترى شاة عجفاء يسيل رغامها هزالا وسوء حال وفطن أنه ودك فقال: سرعان ذا إهالة.

فإن قلت: ما موضع «أف» في هذه الآى بعد «القول» ، هل يكون موضعه نصباً كما ينتصب المفرد بعده، أو كما تكون الجمل؟ وكذلك لو قلت: «أف» «1» وإذا لم يكن مع «أف» «لك» ، كان ضعيفاً، ألا ترى أنك لو قلت: «ويل» لم يستقم حتى توصل به «لك» فيكون في موضع الجر. ومن الأسماء/ التي سميت بها الأفعال قوله تعالى: (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) «2» وفيها لغات: إحداها: هاك، للرجل، وهاك، للمرأة. والكاف للخطاب. يدل على ذلك أن معنى: هاك زيدا، أي: خذ زيداً «فزيداً» ، هو منصوب بهذا الفعل، ولا يتعدى إلى مفعولين. ويدلك على أن الكاف في «هاكَ» و «هاك» حرف لا اسم إيقاعهم موقعها ما لا يكون اسما على وجه وذلك قولك: «هاؤم» . وعلى هذا قوله تعالى: (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) «3» . وعلى هذا قالوا للاثنين: هاؤما، وللنساء. هاؤن كما يقال: هاك، وهاكما، وهاكم، وهاكن. وفيها لغة ثالثة، وهي أن تترك الهمزة مفتوحة على كل حال وتلحقها كافاً مفتوحة للمذكر، ومكسورة للمؤنث، فتقول: هاءك، وهاءكما، وهاءكم، وهاءك، وهاءكما، وهاءكن. وفيها لغة رابعة: وهي قولك للرجل: هأ، بوزن: هع. وللمرأة: هانىء، بوزن: هاعى، وللاثنين: هاءا، بوزن: هاعا، وللمذكرين: هاءوا، بوزن: هاعوا.

_ (1) أحقاف: 17. (2، 3) كذا في الأصل. والسياق يملي أن للكلام بقية لم تذكر.

وللنساء: هأن، بوزن: هعن «1» . فهذه اللغة تتصرف تصرف «خف» و «خافى» و «خافا» و «خافوا» و «خفن» ، وهي لغة، مع ما ذكرناه، قليلة. فأما قول علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه: أفاطم هائى السيف غير ذميم ... فلست برعديد ولا بلئيم لعمري لقد قاتلت في جنب أحمد ... وطاعة رب بالعباد رحيم وسيفي بكفي كالشهاب أهزه ... أجذّ به من حالق وصميم ومازلت حتى فض ربي جموعهم ... وأشفيت منهم صدر كل حطيم والوجه أن يكون على قول من كسر الهمزة للمؤنث، لأن القرآن بهذه اللغة نزل، وهو أفصح اللغات. ويجوز أن يكون على قول من قال: هائى، بوزن خافى. فحذف الياء لالتقاء الساكنين. وفيه لغة خامسة، وهو أن يقال للواحد والواحدة والتثنية والجمع على صورة واحدة. والذي ينبغي أن يحمل هذا عليه أن يجعل بمنزلة «صه» و «مه» و «رويد» و «إيه» . وأما «رويداً» من قوله عز وجل: (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) / «2» فإن «رويداً» في الآية ليست بمبنية. اسما ل «ارفق» ، نحو: رويد علياً، ولكنه صفة مصدر مضمر، أي: أمهلهم إمهالا رويدا، ويجوز أن يكون حالا.

_ (1) في الأصل: «عهن» بتقديم العين على الهاء. (2) الطارق: 17.

وفي كلا الوجهين تصغير «إرواد» تصغير الترخيم، أو تصغير «رود» «1» . فأما قوله تعالى: (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) «2» فالتقدير: ارجعوا ارجعوا و «وراءكم» لا موضع له لأنه تكرير. ألا ترى قولهم: وراءك أوسع لك «3» . وأما قوله تعالى: (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) «4» «فهيهات» مبنية على الفتح. وهو اسم ل «بعد» . والفاعل مضمر فيه. والتقدير: هيهات إخراجكم لأنه تقدم أنكم تخرجون. ولا يصح قول من قال: إن التقدير: البعد لما توعدون، أو البعيد لما توعدون، لأن هذا التقدير لا يوجب لها البناء على الفتح، وإنما يوجب بناءه كونه في موضع «بعد» ، كسرعان، في موضع سرع، وقد ذكرته في «المختلف» . وأما قولهم: «إيها» وقوله عليه السلام: «إيها أصيل «5» ، دع القلوب تقر» «6» . فإيها، مبني على الفتح، وهو بالتنوين، اسم «لكفّ» ، وهو نكرة.

_ (1) في الأصل: «مرود» . (2) الحديد: 13. [.....] (3) ساق ابن منظور هذا القول وقال: «تنصب بالفعل المقدر، وهو: تأخر» . (4) المؤمنون: 36. (5) هو أصيل الخزاعي وكان قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فقال له صلى الله عليه وسلم: كيف تركت مكة؟ فوصفها له أصيل (النهاية لابن الأثير، إيه) . (6) أي كف واسكت.

الباب السابع

الباب السابع هذا باب ما جاء في التنزيل من أسماء الفاعلين مضافة إلى ما بعدها، بمعنى الحال أو الاستقبال فمن ذلك قوله تعالى: (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) «1» . الإضافة فيه إضافة غير تحقيقيه، وهو في تقدير الانفصال، والتقدير: مالك أحكام يوم الدين وإذا كان كذلك لم يكن صفة لما قبله، ولكن يكون بدلا. فإن قلت: إنه أريد به الماضي فأضيف فجاز أن يكون وصفاً لما قبله، والمعنى معنى المستقبل، كما قال: (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) «2» . فالوجه الأول أحسن لأنه ليس في لفظه ما يدل على الماضي، والشيء إنما يحمل في المعنى على ما يخالف في اللفظ، نحو «نادى» ، يقال لفظه لفظ الماضي والمعنى المستقبل، وهذا التقدير لا يصح في (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) «3» إذ لا يقال: لفظه لفظ الماضي ومعناه المستقبل. ومن ذلك قوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) «4» لولا ذلك لم يجز خبراً على «كل» لأنه لا يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة. نظيره في الأنبياء: (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) «5» .

_ (1، 3) الفاتحة: 3. (2) الأعراف: 44. (4) آل عمران: 18. (5) الأنبياء: 35.

ومن ذلك قوله تعالى: (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) «1» أي: بالغاً الكعبة، إضافة في تقدير الانفصال، أي هديا مقدرا به بلوغ الكعبة، ليس أن البلوغ ثابت في وقت كونه هديا فإنما الحال هنا كالحال في قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) «2» أي: مقدرين الخلود فيها. ومثله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ثانِيَ عِطْفِهِ) «3» أي: ثانياً عطفه، والإضافة في تقدير الانفصال، لولا ذلك لم ينتصب على الحال. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) «4» أي سابق النهار. والتقدير به التنوين. ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ) «5» أي: لذائقون العذاب الأليم، فالنية به ثبات النون لأنه بمعنى الاستقبال. ومن ذلك قوله تعالى: (هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) «6» هو في تقدير التنوين، دليلة قراءة من نوّن ونصب «ضرّه» و «رحمته» . ومن ذلك قوله تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) «7» أي: مستقبلا أوديتهم.

_ (1) المائدة: 95. (2) هود: 109. (3) الحج: 8، 9. (4) يس: 40. (5) الصافات: 38. (6) الزمر: 38. [.....] (7) الأحقاف: 24.

ومثله ما بعده: (عارِضٌ مُمْطِرُنا) «1» أي: عارض ممطر إيّانا، لولا ذلك لم يجز وصفاً على النكرة. ومن ذلك قوله: (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) «2» ، دليله قراءة «يزيد» «منذر من يخشاها» بالتنوين. فهذه الأسماء كلها إذا أضيفت خالفت إضافتها إضافة الماضي، نحو قوله تعالى: (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) «3» لأن الإضافة في نحو ذلك صحيحة، وتوصف به المعرفة ألا ترى أن «فالق» صفة لقوله (ذلِكُمُ اللَّهُ) «4» وإنما صحت إضافته لأنه لا يعمل فيما بعده، فلا يشبه الفعل، وإذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال عمل فيما بعده، لأنه يشبه «يفعل» بدليل أن «يفعل» أعرب. فأما قوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) «5» . وقوله تعالى: (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) «6» . وقوله تعالى: (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ) «7» . وقوله تعالى: (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) «8» .

_ (1) الأحقاف: 24. (2) النازعات: 45. (3) الأنعام: 96. (4) الأنعام: 95. (5) البقرة: 223. (6) الأعراف: 134. (7) النحل: 7. (8) العنكبوت: 33.

وقوله تعالى: (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) «1» . وقوله تعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) «2» . فالهاء والكاف عند سيبويه في موضع الجر بالإضافة، لكف «النون» ، كما أن الظاهر في قوله: (سابِقُ النَّهارِ) «3» وقوله: (لَذائِقُوا الْعَذابِ) «4» جر، وإن كانت الإضافة في تقدير الانفصال. وعند الأخفش: الكاف والهاء في موضع النصب، بدليل قوله: (وَأَهْلَكَ) «5» فنصب المعطوف، فدل على نصب المعطوف عليه. وسيبويه يحمل قوله: (وَأَهْلَكَ) «6» على إضمار فعل، كما يحمل: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) «7» على إضمار فعل. وكذلك: (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) «8» . فسيبويه يعتبر المضمر بالظاهر. وكما جاز: (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) «9» بجر «المسجد» وإضافة «حاضرى» إليه، فكذا هذا.

_ (1) غافر: 56. (2) الحج: 67. (3) يس: 40. (4) الصافات: 38. (5، 6) العنكبوت: 33. [.....] (7) الأنعام: 96. (8) الكهف: 52. (9) البقرة: 196.

والأخفش يدعى أن النون لا يمكن إظهارها هنا، لا يجوز (مُنَجُّوكَ) «1» ، ولا: (بالِغِيهِ) «2» ، ولا: (بالِغُوهُ) «3» . فافترق الحال بين الظاهر والمضمر. وأما قوله: (فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) «4» ليس بوصف لله، لأنه نكرة، والإضافة في تقدير الانفصال. بدليل تعلق الظرف به في «أحوج ساعة» «5» . و (أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ) «6» ، وقد جاء: ملك أضلع البرّية ما يو ... جد فيها لما لديه كفاء «7» فإن «أحسن» مرتفع ب «هو» ، لأنه موضع بناء. وإن شئت كان بدلاً لأن إضافة «أفعل» في تقدير «من» . فإذا ثبت: زيد أفضل القوم والتقدير: أفضل من القوم فإضافته غير محضة، لا يتعرف بها، فوجب أن يكون «أحسن» بدلاً لا وصفاً. ومن ذلك قوله: (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) «8» بالكسر، اسم الفاعل، ليكون معرفة فيشاكل المعطوف عليه، ومن فتح «9» ، فهو مصدر، أي، ذا ختم.

_ (1) العنكبوت: 33. (2) النحل: 7. (3) الأعراف: 135. (4) المؤمنون: 14. (5) جزء من بيت لأوس بن حجر، وهو بتمامه: فإنا رأينا العرض أحوج ساعة ... إلى الصون من ريط يمان مسهم ويروي (فإنا وجدنا) . (6) النحل: 125. (7) البيت من معلقة للحارث بن حلزة. (8) الأحزاب: 40. (9) الذي في كتب اللغة ان «الخاتم» بالفتح والكسر اسم فاعل.

الباب الثامن

الباب الثامن هذا باب ما جاء في التنزيل من إجراء «غير» في الظاهر على المعرفة فمن ذلك قوله تعالى: (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) «1» . قال قوم: إنما انجر «غير» لأنه بدل من «الذين» وهو معرفة، ولا كلام في هذا. وقال قوم: بل هو صفة ل «الذين» . فقيل لهم: إن «غيراً» أبداً نكرة، فكيف تجري وصفاً على المعرفة؟ /. وإنما قالوا ذلك لأنك إذا قلت: مررت برجل غيرك، فكل الناس غير المخاطب. وقال أبو إسحاق في ذلك: إن «غيرا» جرى وصفا ل «الذين» هنا، لأن معنى: الذين أنعمت عليهم: كل من أنعم الله عليه منذ زمن آدم إلى قيام الساعة. وليسوا مقصوداً قصدهم. وقال أبو بكر بن دريد: «غير» إذا أضيف إلى اسم يضاد «الموصوف» وليس له

_ (1) الفاتحة: 6.

ضد سواه، يتعرف «غير» بالإضافة، كقولك: مررت بالمسلم غير الكافر، وعليك بالحركة غير السكون، لا يضاد المنعم عليهم إلا المغضوب عليهم، فتعرف «غير» . وقال أبو علي: يشكل هذا بقوله: (أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) «1» . ومثل (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) قوله تعالى: (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) «2» . فمن رفع «غيرا» جعله تابعاً ل «القاعدين» على الوجهين. وكذا قوله: (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) «3» ، فيمن جر «غيرا» .

_ (1) فاطر: 37. [.....] (2) النساء: 95. (3) النور: 31.

الباب التاسع

الباب التاسع هذا باب ما جاء في التنزيل من كاف الخطاب المتصلة بالكلمة ولا موضع لها من الإعراب فمن ذلك «1» الكاف المتصلة بقوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) «2» فالكاف هنا للخطاب. ومن ادعى فيه أنه جر بالإضافة فقد أحال، لأن «إيا» اسم مضمر، والمضمر أعرف المعارف، فلا يجوز إضافته بتة. فإن قال: إن «إيا» اسم ظاهر. قلنا: لم نر اسماً ظاهراً ألزم إعراباً واحداً إلا في الظروف، نحو: «الآن» ، و «إذ» - فى أغلب الأحوال- و «أين» ، و «إيّا» ليس بظرف. فإن قال: فقد قالت العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإياه والشواب «3» ، فهذا نادر لا اعتبار به، ولا يجوز بناء القواعد عليه. وإذا كان كذلك كان «إياكما» و «إياكم» و «إياك» و «إياى» من قوله: (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) «4» ، و «إياه» الياء والهاء أيضاً حرفان، وقد جردتا عن الاسمية وصارتا حرفين.

_ (1) في الأصل: «فمن ذلك قوله الكاف» و «قوله» هنا زيادة لا معنى لها. (2) الفاتحة: 4. (3) الشواب: جمع شابة. (4) النحل: 51.

ومن ذلك الكاف في «ذلك» من قوله: (ذلِكَ الْكِتابُ) «1» و «ذانك» من قوله: (فَذانِكَ بُرْهانانِ) «2» وما أشبهه. الكاف للخطاب لثبات النون في «ذانك» . ولو كان جراً/ بالإضافة حذفت النون كما تحذف من قولهم: هذان غلاماك، لأن «ذا» اسم مبهم، وهو أعرف من المضاف، فلا يجوز إضافته بتة. ولأنك تقول: عندي ذلك الرجل نفسه. ولا يجوز أن تقول: ذاك نفسك، بالجر، ولو كان الكاف جراً لجاز، فثبت: ذلك نفسه، وذاك نفسه، يفسد كون الكاف مجروراً. ومن ذلك الكاف في قوله تعالى: (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) «3» فالكاف هنا للخطاب، ولا محل له من الإعراب لأن العرب تقول: أرأيتك زيداً ما صنع؟ ولو كان «الكاف» المفعول الأول لكان «زيدا» المفعول الثاني، و «زيدا» غير الكاف، لأن «زيدا» غائب وهو غير المخاطب، ولأنه لا فرق [بينه و] «4» بين قول القائل: أرايتك زيدا ما صنع؟ ألا ترى قوله: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ) «5» . وقوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ) «6» . فالكاف والميم ثبوتهما لا يزيد معنى يختل بسقوطهما، فعلى هذا فقس

_ (1) البقرة: 2. (2) القصص: 32. (3) الإسراء: 62. (4) زيادة يقتضيها السياق. (5) الأنعام: 40. (6) الأنعام: 46.

جميع «الكاف» المتصل ب «إياك» ، و «ذلك» ، و «ذاك» ، و «ذانك» ، و «أرأيتك» ، و «أرأيتكم» . وهذا قوله: (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) «1» . وقوله: (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) «2» . وقوله: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) «3» . «الكاف» في هذه المواضع للخطاب ولا محل لها من الإعراب. وهكذا «الكاف» في: «أولئك» ، و «أولئكم» ، في جميع التنزيل للخطاب، وليس لها محل من الإعراب، لاستحالة معنى الإضافة فيه.

_ (1) يوسف: 32. (2) الأعراف: 22. [.....] (3) الأعراف: 43.

الباب العاشر

الباب العاشر هذا باب ما جاء في التنزيل من المبتدأ ويكون الاسم على إضمار المبتدأ، وقد أخبر عنه بخبرين وقد ذكر سيبويه ذلك في «الكتاب» حيث يقول في باب ما يجوز فيه الرفع مما ينتصب في المعرفة «1» : وذلك قولك: هذا عبد الله منطلق. حدثنا بذلك يونس وأبو الخطاب عمن يوثق به من العرب. وزعم الخليل أن رفعه يكون على وجهين: فوجه أنك حيث قلت: هذا عبد الله منطلق، أضمرت «هذا» أو «هو» ، فكأنك قلت: هذا عبد الله هو منطلق. والوجه الآخر: أن تجعلهما/ جميعاً خبراً ل «هذا» ، كقولك: هذا حلو حامض. لا تريد أن تنقص الحلاوة، ولكن تزعم أنه قد جمع الطعمين. قال الله تعالى: (كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى) «2» وزعم أنها في قراءة ابن مسعود: (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) «3»

_ (1) انظر الكتاب لسيبويه (ج 1 ص 258) . (2) المعارج: 15، 16. (3) هود: 72 والقراءة المشهورة: (وهذا بعلى شيخا) بالنصب.

وقال الشاعر «1» : من يك «2» ذا بت فهذا بتى ... مقيظ مصيف مشتى «3» البت: الكساء. انتهت الحكاية عن سيبويه. فمن ذلك قوله تعالى: (آلم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) «4» ف «ذلك» مبتدأ و «الكتاب» عطف بيان، أي جمع أنه لا شك فيه، وأنه هدى. وكان أبو علي يقول: إنك إذا قلت: هذا حلو حامض، فالعائد إلى المبتدأ ضمير من مجموعهما. ألا ترى أنهم فسروه بقولهم: هذا مز. وكان عثمان يقول: قد قال هذا. وعندي أن الضمير يعود إليه من كل واحد منهما. وبينهما كلام طويل ذكرته في «الاختلاف» . ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) «5» ف «الَّذِينَ كَفَرُوا» اسم «إن» بمنزلة المبتدأ. و «سواء عَلَيْهِم» ابتداء. وقوله «أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ» استفهام بمعنى الخبر في موضع الرفع: خبر «سواء» . والتقدير: سواء عليهم الإنذار وترك الإنذار. والجملة خبر «الذين» . وقوله (لاَ يُؤْمِنُونَ) جملة أخرى خبر بعد خبر، أي: إن الذين كفروا فيما مضى يستوي عليهم الإنذار وترك الإنذار، لا يؤمنون فى المستقبل.

_ (1) في الكتاب: «الراجز» . (2) في اللسان (مادة بت) : «من كان» . (3) زاد في اللسان: «تخذته من نعجات ست» . (4) البقرة: 1 و 2. (5) البقرة: 6.

وهذا يراد به قوم خاص كأبي جهل وأصحابه، ممن لم ينفعهم الإيمان، وليس على العموم. فإن قلت: فإن قوله: (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) إذا كان خبرا ل «سواء» فليس في هذه الجملة ما يعود إلى المبتدأ الذي هو «سواء» ، فكيف صح وقوعه خبراً عنه؟ فالجواب: أن هذه جملة في تقدير المفرد، على تقدير: سواء عليهم الإنذار وترك الإنذار. ولو صرح بهذا لم يكن ليحتاج فيه إلى الضمير، فكذا إذا وقع موقعه جملة. وقدّر قوم أن «الإنذار» ، مبتدأ، وترك الإنذار عطف عليه، و «سواء» خبر. والأول أوجه، ولكنه على/ هذا المخبر عنه مقدر، وليس في اللفظ. وعلى الأول المخبر عنه في اللفظ. ومثله: (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) «1» . والتقدير: سواء عليكم الدعاء والصموت. ويجوز أن يكون «هدى» خبر مبتدأ مضمر، أي: هو هدى. لأن سيبويه جوز في المسألة المتقدمة هذا. ومن إضمار المبتدأ قوله: (وَقُولُوا حِطَّةٌ) «2» والتقدير: قولوا: مسألتنا حطة أو إرادتنا حطة. فحذف المبتدأ. وأما قوله تعالى: (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) «3» فحمله أبو إسحاق مرة على حذف المبتدأ، أي: لا هي فارض ولا بكر. وحمله مرة

_ (1) الأعراف: 193. (2) البقرة: 58، والأعراف: 161. (3) البقرة: 68.

أخرى على أن «فارض» صفة لبقرة، كما حكاه سيبويه: مررت برجل لا فارس ولا شجاع. وفي التنزيل: (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) «1» ، فجر «مقطوعة» صفة ل «فاكهة» . ومن هذا الباب قوله تعالى: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا) «2» ف (أَنْ يَكْفُرُوا) مخصوص بالذم. والمخصوص بالمدح والذم في باب «بئس» و «نعم» فيه قولان: أحدهما: أنه مبتدأ و «بئس» خبر، على تقدير: بئس كفرهم، بئسما اشتروا به أنفسهم. والقول الثاني: أنه خبر مبتدأ مضمر، لأنه كأنه لما قيل: بئسما اشتروا به أنفسهم، قيل: ما ذلك؟ قيل: أن يكفروا. والقول الثاني: «3» أي: هو أن يكفروا، أي: هو كفرهم. وعلى هذا فقس جميع ما جاء من هذا الباب من قوله تعالى: (فَنِعِمَّا هِيَ) «4» . وقوله: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) وغير ذلك. ومن ذلك قوله تعالى- في قراءة أبي حاتم- (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) «5» . ألا ترى أنه يقف على «ذلول» ثم يبتدئ فيقرأ «تثير الأرض» على: فهي تثير الأرض. وقال قوم: هذا غلط، لأنه لو قال [وتسقى الحرث لجاز، ولكنه] «6» قال: (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) «7» وأنت لا تقول: يقوم زيد ولا يقعد، وإنما تقول: يقوم زيد لا يقعد.

_ (1) الواقعة: 32- 33. (2) البقرة: 90. [.....] (3) هكذا في الأصل. ولعله تفسير للقول الثاني السابق. (4) البقرة: 271. (5) البقرة: 71. (6) زيادة يقتضيها السياق. (7) البقرة: 90.

وقد ذكرنا في غير موضع من كتبنا: أن الواو واو الحال، أي: تثير الأرض غير ساقيه. / والأحسن أن يكون «تثير» داخلاً في النفي. ومن حذف المبتدأ قوله تعالى: (مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها) «1» أي هي مسلمة. وإن شئت كان قوله: «لا ذلول» أي: لا هي ذلول مسلمة، خبر بعد خبر. ومن حذف المبتدأ قوله تعالى: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) «2» أي: فالواجب عدة. وكذلك: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) «3» أي: فالواجب ما استيسر من الهدى. وأما قوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) «4» من رفع «رفثا» و «لا فسوقاً» ونصب «لا جدال في الحج» «5» فإن خبر المرفوعين مضمر، على قول الأخفش، لأنه يزعم أن رفعهما بالابتداء، ويجعل الناصب «جدال» نفس «لا» ولا يجعل «لا» مع «جدال» مبتدأ، كما هو مذهب سيبويه، وإنما يجعل «لا» بمنزلة «أن» ، فلا يجوز أن يشترك المنصوب المرفوع في الخبر، وعلى هذا مذهب سيبويه خبر الجميع قوله (فِي الْحَجِّ) لأن الجميع مبتدأ. وعلى هذا الخلاف قوله: فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به أبدا مقيم «6»

_ (1) البقرة: 71. (2) البقرة: 184، 185. (3) البقرة: 196. (4) البقرة: 197. (5) في الأصل: «وأما قوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) من رفع رفثاً ولا فسوقا ونصب ولا جدال في الحج. من رفع رفثاً ولا فسوقا ونصب جدالا فإن جدالا ... إلخ» . (6) البيت لأمية بن أبي الصلت. والرواية في اللسان (أتم) . «لهم مقيم» .

ومن ذلك قوله تعالى: (لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ) «1» أي: هذا الشرع، وهذا المذكور لمن اتقى، أي: كائن لمن اتقى. ومن ذلك قوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) «2» أي: فالواجب إمساك بمعروف. ومنه: (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) «3» أي: فالواجب نصف ما فرضتم. ومنه قوله تعالى: (وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ) «4» أي: فالواجب وصية لأزواجهم. فأما قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) «5» فإن أبا إسحاق وأبا العباس حملا قوله «يتربصن» على أنه خبر ابتداء محذوف، مضاف إلى ضمير «الذين» ، على تقدير: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً أزواجهم يتربصن. والجملة خبر «الذين» . والعائد إلى «الذين» من الجملة المضاف إليه «الأزواج» . وقد جاء المبتدأ المضاف محذوفاً في قوله تعالى: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ) «6» أي. تقلبهم متاع قليل، فحذف المبتدأ. في مواضع. وقال الأخفش: / التقدير في الآية: يتربصن بعدهم، فحذف «بعدهم» العائد إلى «الذين» وإن كان متصلاً بالظرف لأنه قد جاء مثل ذلك كقوله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) «7» . التقدير: وكأن لم يلبثوا قبله. لا بد من إضمار «قبله» . وسترى ذلك في مواضع إن شاء الله.

_ (1) البقرة: 203. (2) البقرة: 229. (3) البقرة: 237. [.....] (4) البقرة: 240. (5) البقرة: 234. (6) آل عمران: 196 و 197. (7) يونس: 45.

وقال الكسائي: إن قوله «يتربصن» جرى خبراً عن الاسم الذي تقدم في صلة الموصول، لأن الغرض من الكلام: أن يتربصن هن. وأنشد الفراء: لعلى إن مالت بي الريح ميلة ... على ابن أبي الذبان أن يتندما فأخبر عن ابن أبي الذبان، الذي تعلق بقوله: «إن مالت بي الريح» فقال: أن يتندما. ولا حجة له في البيت، لأنه قد عاد من جملة الكلام إلى ياء المتكلم ضمير، وهو قوله «إن مالت بي الريح» فبطل حجته بالبيت. وصح قول أبي الحسن وقول أبي العباس، ومن ذلك قوله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) «1» . قال سيبويه: قال الله عز وجل: (فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ) «2» فارتفع لأنه لم يخبر عن الملكين أنهما قالا: فلا تكفر فيتعلموا لنجعل قولهما «لا تكفر» سبباً للتعلم، ولكنه قال «فيتعلمون» أي فهم يتعلمون «3» . ومثله: (كُنْ فَيَكُونُ) «4» كأنه قال: إنما أمرنا ذاك فيكون، أي: فهو يكون. قال أبو علي: تقدير قولك: لا تقرب الأسد فيأكلك، هاهنا غير سائغ. ألا ترى أن كفر من نهى عن أن يكفر في الآية ليس سبباً لتعلم من يتعلم ما يفرق به بين المرء وزوجه وذلك أن الضمير الذي في قوله (فَيَتَعَلَّمُونَ) لا يخلو من أحد أمرين:

_ (1، 2) البقرة: 102. (3) في الأصل: «فيتعلمون» . (4) النحل: 40.

إما أن يكون راجعاً إلى «الناس» من قوله (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ) «1» ، أو إلى (أَحَدٍ) «2» . فإن كان راجعاً إلى «الناس» فلا تعلق له بقوله (فَلا تَكْفُرْ) ، لأنه لا معنى لقوله (فَيَتَعَلَّمُونَ) إذا كان فعل الغير أن يحمل على (فَلا تَكْفُرْ) ، لفساده في المعنى. وإن كان راجعاً إلى (أَحَدٍ) لم يكن (فَيَتَعَلَّمُونَ) أيضاً جواباً لقوله (فَلا تَكْفُرْ) ، لأن التقدير: لا يكن كفر فتعلم. / والمعنى: إن يكن كفر يكن تعلم، وهذا غير صحيح، ألا ترى أنه يجوز أن يكفر ولا يتعلم، فليس الأول سبباً للثاني، فإذا لم يجز ذلك لم يخل من أحد أمرين: إما أن تجعل الفعل معطوفاً بالفاء على فعل قبله وإما أن نجعله خبراً لمبتدأ محذوف. والفعل الذي قبله لا يخلو من أن يكون (كَفَرُوا) أو (يُعَلِّمُونَ) أو (يُعَلِّمانِ) ، أو فعلا مقدراً محذوفاً من اللفظ، وهو «يأبون» . فإن عطفت على «كفروا» جاز، ويكون موضعه رفعاً كموضع «كفروا» . وإن عطفت على (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ) فيتعلمون، جاز. و (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ) يجوز أن يكون منصوباً على الحال من الواو في (كَفَرُوا) . ويجوز أن يكون بدلاً عن (كَفَرُوا) ، لأن تعليم السحر كفر.

_ (1، 2) البقرة: 102.

فأما ما اعترض به أبو إسحاق على المعطوف على (يُعَلِّمُونَ) من أنه خطأ، لأن قوله (مِنْهُما) دليل هاهنا على التعلم من الملكين خاصة، فهو ساقط غير لازم من جهتين: إحداهما، أن التعلم إن كان من الملكين خاصة لا يمنع أن يكون قوله (فَيَتَعَلَّمُونَ) عطفاً على (كَفَرُوا) وعلى (يَتَعَلَّمُونَ) ، وإن كان متعلقاً ب (مِنْهُما) فكأن الضمير في (مِنْهُما) راجع إلى الملكين. فإن قلت: كيف يجوز هذا؟ وهل يسوغ أن يقدر هذا التقدير (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر فيتعلمون منهما) . فتضمر الملكين قبل ذكرهما؟. قيل له: أما المضمر فعلى ما ذكرته صحيح. فأما الإضمار قبل الذكر فساقط هنا، ليس يلزم على تقديره في قول سيبويه إضمار قبل الذكر. ألا ترى أن (مِنْهُما) إذا كان ضميراً عائداً إلى الملكين، فإن إضمارهما بعد تقدم ذكرهما، وذلك شائع. ونظيره قوله: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) «1» فإن قال: إن المعطوف على قول سيبويه بعيد من المعطوف عليه، وعلى قول غيره قريب، ومهما احتملت الآية من غير تأويل كان أولى. قيل له: إن بعد المعطوف عن المعطوف عليه وتراخيه عنه لا يمنع من عطفه عليه وإتباعه إياه.

_ (1) البقرة: 124.

ألا ترى أن الناس/ حملوا قوله تعالى: (وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) «1» فيمن جر على (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) «2» وعلم «قيله» ، وليس بعده من المعطوف عليه وتراخيه عنه بأقل من هذا، وهذا كثير. والجهة الأخرى، وهي أن الضمير لهاروت وماروت. والتقدير: (ولكن الشياطين هاروت وماروت كفروا يعلمون الناس السحر فيتعلمون منهما) . فلا يعود إلى الملكين، إنما يعود إلى هاروت وماروت، وجاز (يُعَلِّمُونَ) حملا على المعنى. ويجوز عطف (يَتَعَلَّمُونَ) على (ما يُعَلِّمانِ) ، فيكون التقدير: وما يعلمان من أحد فيتعلمون منهما، فيكون الضمير الذي في (يَتَعَلَّمُونَ) على هذا التأويل «لأحد» . إلا أنه جمع لما حمل على المعنى، كقوله تعالى: (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) «3» . وارتفاعه لا يمنع عطفك إياه على هذا الفعل الذي ذكرناه، لأن هذا الفعل، وإن كان منفيا في اللفظ، فهو موجب في المعنى. ألا ترى أن معناه: يعلمان كل أحد إذا قالا له: (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . ويجوز أن يكون معطوفاً على مضمر دل عليه الكلام، وهو: يأبون فيتعلمون. إلا أن قوله (فَلا تَكْفُرْ) نهى عن الكفر، فدل (فَيَتَعَلَّمُونَ) على إبائهم.

_ (1) الزخرف: 88. (2) الزخرف: 85. (3) الحاقة: 47.

فأما كونه خبرا المبتدأ المحذوف، فعلى أن تقدره: فهم يتعلمون منهما، فهذا ما احتملته هذه الآية. ومن إضمار المبتدأ قوله تعالى: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) «1» فأضمر المبتدأ وأخبر عنه بثلاثة أخبار. وكان عباس بن الفضل يقف على (صُمٌّ) ثم على (بُكْمٌ) ثم على (عُمْيٌ) فيصير لكل اسم مبتدأ، والأول أوجه. ودل قوله في الأخرى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ) «2» على أن الواو هنا مقدرة أيضاً وأنه في قولهم: هذا حلو حامض، مقدر أيضاً. والجار في قوله (فِي الظُّلُماتِ) متعلق بمحذوف. والتقدير: صم وبكم ثابتون في الظلمات. ومن هذا الباب قوله تعالى: (اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) «3» . إذا وقفت على (هُوَ) كان (الْحَيُّ) خبر مبتدأ مضمر. ولا يجوز أن يكون (الْحَيُّ) وصفاً ل «هو» لأن المضمر لا يوصف. ويجوز أن يكون خبراً لقوله (اللَّهُ) . ويجوز أن يرتفع (الْحَيُّ) / بالابتداء و (الْقَيُّومُ) خبره. ويجوز أن يكون (الْحَيُّ) مبتدأ و (الْقَيُّومُ) صفة، و (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) «4» جملة خبر المبتدأ. ويكون قوله (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) «5» الظرف، وما ارتفع به خبر آخر، فلا تقف على قوله (وَلا نَوْمٌ) «6» .

_ (1) البقرة: 18، 171. (2) الأنعام: 39. [.....] (3، 4، 5، 6) البقرة: 255.

ومن ذلك قوله تعالى: (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) «1» . هذا خبر مبتدأ مضمر، والتقدير فيه: وجوب صدقة البر (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا) . وقيل اللام بدل من اللام في قوله تعالى: (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) «2» . (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا) «3» . وهذا لا يصح، لأن «الفقراء» مصرف الصدقة، والمنفقون هم المزكون، فإنما لأنفسهم ثواب الصدقة التي أدوها إلى الفقراء. وإن قال: إن المراد بالعموم الخصوص، يعني بالأنفس: بعض المزكين الذين لهم أقرباء فقراء، فهو وجه ضعيف. ومن ذلك قوله تعالى: (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) «4» أي: فالواجب إمساك بمعروف. ومنه قوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «5» أي: فالواجب تحرير رقبة. وقوله بعده: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «6» أي: فالواجب. وكذلك (فَدِيَةٌ) أي: فالواجب دية. وكذلك في سورة المجادلة: (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «7» أي: فالواجب تحرير رقبة.

_ (1) البقرة: 273. (2) البقرة: 272. (3) البقرة: 273. (4) البقرة: 229. (5، 6) النساء: 92. (7) المجادلة: 3.

فأما قوله تعالى: (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا) «1» ف «ذلك» مبتدأ، و (جَزاؤُهُمْ) خبر «ذلك» ، و (جَهَنَّمُ) خبر ثان. ويجوز أن يكون: «ذلك» خبر مبتدأ مضمر، أي ذلك جزاؤهم ثابتاً بما كفروا. ومثله قراءة ابن مسعود (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) «2» في الأوجه المتقدمة. فأما المخصوص بالذم والمدح فإنه على أحد الوجهين، نحو قولهم: نعم الرجل زيد. وقال قوم: زيد خبر، مبتدأ مضمر لأنه لما قال: نعم الرجل كأنه قيل: من هو؟ فقيل: زيد، أي: هو زيد. فعلى هذا يكون قوله: (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ) «3» أي: هي جنات عدن. ومن قال (جَنَّاتُ عَدْنٍ) مبتدأ، ويكون قوله (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) خبراً عنه، كان المقدر في نحو قوله تعالى (نِعْمَ الْعَبْدُ) «4» (وَبِئْسَ الْمِهادُ) «5» (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) «6» (وَبِئْسَ/ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) «7» و (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) «8» . وفى الزمر والمؤمن: (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) «9» وقوله تعالى: (نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) «10» و (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) «11» .

_ (1) الكهف: 106. (2) هود: 72. (3) النحل: 30 و 31. (4) ص: 30، 44. (5) آل عمران: 12، 197. (6) البقرة: 126، آل عمران: 162. (7) آل عمران: 151. [.....] (8) النحل: 29. (9) الزمر: 72، المؤمن: 76. (10) الكهف: 31. (11) الكهف: 50.

فهذه الأشياء كلها على الوجه الأول، حذف الخبر والمبتدأ جميعاً. وعلى القول الثاني، حذف المبتدأ وحده. فأما قوله تعالى: (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) «1» . فقيل: إن الذين ظلموا) خبر مبتدأ مضمر، كأنه قال: (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) . قيل: من هم؟ فقال: الذين ظلموا، أي: هم الذين ظلموا. وقيل: بل (الَّذِينَ ظَلَمُوا) مبتدأ. وقوله تعالى: (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) «2» في موضع الجر، وقيل: هو بدل من الواو في (وَأَسَرُّوا) . كقوله: (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) «3» . وقوله تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) «4» فيمن قرأ بالألف. وقيل: إن «كثيراً منهم» مبتدأ، وخبره: عموا وصموا، أي: كثير منهم عموا وصموا. ومما لا يتجه إلا على إضمار المبتدأ: قوله: (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) «5»

_ (1، 2) الأنبياء: 3. (3) المائدة: 71. (4) الإسراء: 23. (5) يونس: 61.

فالجار يتعلق بمحذوف خبر ابتداء مضمر، وهو هو، أي: هو ثابت في كتاب مبين، و (إِلَّا) بمعنى «لكن» . ولا يجوز أن يكون (إِلَّا فِي كِتابٍ) استثناء متصلاً بقوله (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) «1» لأنه يؤدي إلى أن يكون: يعزب/ عن ربك مثقال ذرة إذا كان في كتاب مبين، فثبت أن الجار خبر ابتداء مضمر. وكذلك في سورة سبأ «2» . فكذلك قوله تعالى: (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ) «3» أي: لكن هو في كتاب. ومن هذا الباب قوله تعالى: (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) «4» . فمن رفع (مَتاعَ) كان خبر مبتدأ مضمر محذوف، أي: ذلك متاع الحياة الدنيا. قال أبو علي في قوله: (عَلى أَنْفُسِكُمْ) يحتمل تأويلين: أحدهما: أن يكون متعلقاً بالمصدر، لأن فعله يتعدى بهذا الحرف. يدلك على ذلك قوله تعالى: (بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) «5» و (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ) «6» / فإذا جعلت الجار من صلة المصدر كان الخبر (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) . والمعنى: بغى بعضكم على بعض متاع الحياة الدنيا، وليس مما يقرب إلى الله تعالى من الطاعات «7» .

_ (1) يونس: 61. (2) سبأ: 3 والآية (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) . (3) الأنعام: 59. (4) يونس: 23. (5) ص: 22. (6) الحج: 60. [.....] (7) هذا هو التأويل الثاني.

أن يجعل (عَلى) متعلقاً بمحذوف في موضع الخبر، ولا تجعله من صلة المصدر فإذا جعلته كذلك كان خبراً للمصدر. وفيه ذكر يعود إلى المصدر، كما أنك إذا قلت: الصلاة في المسجد، كان كذلك. والمعنى فيه: أن المصدر مضاف إلى الفاعل، ومفعول المصدر محذوف. المعنى: إنما بغى بعضكم على بعض عائد على أنفسكم. ف «على» هذا يتعلق بالمحذوف دون المصدر المبتدأ. وهذا في المعنى كقوله تعالى: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) «1» و (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) «2» . وفي قوله: (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ) إبانة عن هذا المعنى، ألا ترى أن المبغى عليه إذا نصره الله لم ينفذ فيه بغي الباغي عليه ولا كيده، فإذا لم ينفذ فيه صار كالعائد على الباغي. فإذا رفعت (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) على هذا التأويل كان خبر مبتدأ محذوف، كأنك قلت: ذلك متاع الحياة الدنيا، أو هو متاع الحياة الدنيا. ومن نصب (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) احتمل النصب فيه وجهين: أحدهما: أن تجعل (عَلى) من صلة المصدر، فيكون الناصب «للمتاع» هو المصدر الذي هو «البغي» ويكون خبر المبتدأ محذوفاً. وحسن حذفه لطول الكلام، ولأن (بَغْيُكُمْ) يدل على «تبغون» فيحسن الحذف لذلك. وهذا الخبر المقدر لو أظهرته لكان يكون مذموماً أو منهياً عنه.

_ (1) فاطر: 43. (2) الفتح: 10.

والآخر: أن تجعل (عَلى) من قوله (عَلى أَنْفُسِكُمْ) خبر المبتدأ. فإذا حملته على هذا، احتمل نصب (مَتاعَ) وجهين: أحدهما: تتمتعون متاعاً، فيدل انتصاب المصدر عليه. والآخر: أن تضمر (تبغون) لأن ما يجري مجرى ذكره قد تقدم، كأنه لو أظهر لكان: تبغون متاع الحياة الدنيا، فيكون مفعولاً به. وأما قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) «1» وقوله: (قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) «2» . وقوله (طاعَةٌ/ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) «3» . فالمبتدأ مضمر في جميع ذلك، والتقدير: ويقولون أمرك طاعة، وقل لا تقسموا أمرنا طاعة. وكذلك: (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) «4» أي: أمرنا طاعة. فحذف المبتدأ، كقوله (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) «5» أي: فشأني صبر جميل. وقدره قوم على أن الخبر مضمر، أي: طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما. وقال أبو إسحاق: بل قوله: (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) «6» تقديره: ويقول الذين آمنوا: لولا أنزلت سورة ذات طاعة، فحذف المضاف. وأما قوله تعالى: (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ) «7» والتقدير: هى النار.

_ (1) النساء: 81. (2) النور: 53. (3، 4، 6) محمد: 21. (5) يوسف: 18، 83. (7) الحج: 72.

ويجوز أن يكون مبتدأ، و «وعدها الله» خبره. ومن ذلك قوله تعالى: (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) «1» أي: ذلك بلاغ، فحذف المبتدأ وأبقي الخبر. وقال: (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) «2» أي: هذه سورة أنزلناها. وقال: (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) «3» أي: هذا كتاب أنزل إليك. وقال الفراء: تقديره: (ألمص كِتابٌ) ، أي: بعض حروف كتاب أنزل إليك، فحذف الاسمين المضاف أحدهما إلى صاحبه. وأنكره الزجاج وقال: حذف المبتدأ أحسن. وقال: (آلر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) «4» أي: هذا كتاب أنزلناه. وقال (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) «5» أي: هذا تنزيل الكتاب، والجار خبر بعد خبر. ويجوز أن يكون: هو من الله. وعلى هذا (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ) «6» و (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) «7» و (ألم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ) «8» أي: هذا تنزيل الكتاب، ومثله: (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) «9» أي: هذا تنزيل العزيز. ومثله: (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) «10» .

_ (1) الأحقاف: 35. (2) النور: 1. (3) الأعراف: 2. (4) إبراهيم: 1. (5) الزمر: 1. (6) الجاثية: 1، 2 وغافر: 1، 2. [.....] (7) فصلت: 1، 2. (8) السجدة: 1، 2. (9) يس: 5. (10) الواقعة: 80.

ومما جاء وقد حذف منه المبتدأ: قوله تعالى: (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ) «1» موضع (الَّذِينَ) رفع بأنه خبر مبتدأ، ولا يكون رفعا بأنه وصف ل «هؤلاء» . ألا ترى أنك لو جعلته صفة لكان (أَغْوَيْناهُمْ) الخبر. فإذا جعلته الخبر لم يستقم، لأنك لا تفيد به إلا ما استفيد من المبتدأ، فصار بمنزلة قولك: الذاهبة جاريته صاحبها ونحو ذلك. فإن قلت/: فهلا جعلت (أَغْوَيْنا) الخبر، وجعلت (الَّذِينَ) صفة المبتدأ، واستجزت أن يكون الخبر، لاتصال (كَما) به، وجواز «الكاف» أن يكون وما اتصل به في موضع الخبر، كما يكون في موضع الحال. فإذا كان كذلك صار فيه فائدة لم تكن في قوله (أَغْوَيْنا) الذي في الصلة. قيل: لا يستقيم ذلك لأن الجزء الذي هو خبر ينبغي أن يكون مفيداً بنفسه، فإذا افتقر إلى اتصال ما هو فضلة به لم يفد إلا كذلك، لم يجز. ألا ترى أنك لا تجيز: زيداً ضرب، إذا كان الضمير الذي فيه لزيد، لأن المفعول الذي هو فضلة يصير محتاجاً إليه وغير مستغنى عنه. فإذا لم يجز ذلك في الفاعل لم يجز في خبر المبتدأ أيضاً، لأن خبر المبتدأ كالفاعل عند سيبويه. فقوله (أَغْوَيْنا) جملة مستأنفة، واستغنت عن حرف العطف لتضمنها الذكر مما تقدم.

_ (1) القصص: 63.

ولا يجوز على «حلو حامض» فتجعل (الَّذِينَ أَغْوَيْنا) و (أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) خبرين، ولم يجز أن تجعله كالمفرد، ألا ترى أنك لم تستفد من قولك «هذا حلو حامض» واحداً من الخبرين. ونظير ما منعنا منه في الخبر منع سيبويه منه في الصفة في قوله: إذا كان يوم ذو كواكب أشهبا «1» قال عثمان: الفضلة قد تصير معتمد الكلام دون الخبر والصلة، في نحو: قامت هند في داره. ولولا الفضلة فسد الكلام، وكذا: الذي قمت إليه قمت في داره. فينبغي أن يصير (الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ) «2» خبراً ف «أغوينا» بالفضلة معتمد الكلام. وفي التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ) «3» لولا الفضلة. أعنى (عَلَيْهِ) . لم يجز للجملة أن تجري على (إِنَّ) . ومن حذف المبتدأ قوله تعالى: (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) أي: هذا ذكر رحمة ربك، فحذف المبتدأ. وقوله تعالى: (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ) «4» قرئ بالرفع والنصب. فالرفع على أن قوله (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) كلام، والمبتدأ المضمر ما دل عليه هذا الكلام، أي: هذا الكلام (قَوْلَ الْحَقِّ) .

_ (1) البيت لمقاس العائذي، واسمه مسهر بن النعمان، وصدره: فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي وقد ورد عجزه في اللسان (مادة شهب) والكتاب (1: 21) هكذا: «إذا كان يوم ذو كواكب أشهب» برفع «أشهب» . (2) القصص: 63. (3) آل عمران: 5. (4) مريم: 34.

ويجوز أن تضمر «هو» وتجعله كناية عن «عيسى» فيكون الرافع (قَوْلَ الْحَقِّ) ، أي: هو قول الحق لأنه قد قيل فيه: روح الله، وكلمته، والكلمة قول. ومن ذلك قوله تعالى: (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ) «1» يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر، أي: هو رب السموات والأرض. ويجوز أن يكون بدلاً من اسم «كان» في قوله: (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) » . ويجوز على قول الأخفش أن يكون مبتدأ وخبره (فَاعْبُدْهُ) لأنه يجيز إدخال الفاء في خبر المبتدأ. وسيبويه لا يجيز ذلك في قوله: وقائلة خولان فانكح فتاتهم ... وأكرومة الحيين خلو كما هيا «3» أي: هذه خولان. ولم يجز أن يكون «فانكح» مسندا إلى «خولان» لأنه لا يرى «الفاء» في خبر المبتدأ إلا في الموصول والنكرة الموصوفة، وقد قلنا ما يقتضيه قول أبي الحسن: يا رب، موسى أظلمى وأظلمه «4» ... فاصبب عليه ملكاً لا يرحمه من أن التقدير: يا رب، اظّلمنا فاصبب على أينا أظلم.

_ (1) مريم: 65. (2) مريم: 64 و 65. (3) (الكتاب: 70) . (4) اللسان (ظلم) : «يقول العربي لصاحبه أظلمني وأظلمك افعل الله به، أي الأظلم منا» .

ومن ذلك قوله تعالى: (وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) «1» أي: الذي ينفقون العفو، فيمن رفع، ومن نصب نصبه بفعل مضمر. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) «2» أي: لا تقولوا: هو ثالث ثلاثة، أي: لا تقولوا: الله ثالث ثلاثة، لأنه حكى عنهم في قوله: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) «3» فنهاهم عن قول ما حكى عنهم. فالمبتدأ مضمر والمضاف محذوف، لأنهم لم ينتهوا عن قول «ثلاثة» التي تنقص عن أربعة. ومثله: (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) «4» قد ثبت أن أن (عِلِّيِّينَ) موضع، بقوله (لَفِي عِلِّيِّينَ) . وبما في الحديث من قوله عليه السلام: إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين، كما ترون الكوكب الذي في أفق السماء. فالمعنى: إن كتاب الأبرار في هذا الموضع. وقال: (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (19) كِتابٌ مَرْقُومٌ) «5» . فالمعنى: عليون موضع كتاب مرقوم، فحذف المبتدأ والمضاف. وهذا الموضع يشهده المقرّبون من الملائكة. وقال: (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) «6» فا «لسجين» فعيل من «السجن» كأنه موضع متأخر. / فالقول في (كِتابٌ مَرْقُومٌ) كالقول فيما تقدم ذكره.

_ (1) البقرة: 219. [.....] (2) النساء: 171. (3) المائدة: 73. (4) المطففين: 18- 19. (5) المطففين: 19- 20. (6) المطففين: 7 و 8.

قال ابن بحر: ظاهر التلاوة، قد فسر «السجين» فقال: (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ) فأخبر أن «للسجين» كتاب مرقوم. وكأن المعنى: إن الذي كتبه الله على الفجار- أي أوجبه عليهم من الجزاء- هو في هذا الكتاب المسمى سجينا. ويكون لفظ تسميته من السجن والشدة، واشتمال الصخرة «1» ، على معنيين: أحدهما: أن مصير أصحابه إلى ضيق وشدة وسفال. والآخر: أن يكون ما كتب عليهم لا يتبدل ولا ينمحى، كالنقش في الحجر، فإنه لا يزال باقيا كبقاء النقش في الحجر. وقال في قوله تعالى (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) : ظاهر التلاوة يدل على أن (عِلِّيِّينَ) اسم للكتاب، وإن كان على بناء الجمع أي الذي أوجبه الله للأبرار لفي كتابه المسمى: عليين، وهو كتاب مرقوم يشهده الملائكة المقربون. وذكر بعضهم أن «عليين» : الملائكة. فإن كان في حديث صحيح فإن وجهه أن يكون قوله (كِتابٌ مَرْقُومٌ) خبر «إن» مؤخراً وتقديره: إن كتاب الأبرار كتاب مرقوم في عليين، أي: في محل الملائكة. فعلى هذا يكون قد حذف المضاف، وتكون اللام داخلة على الفضلة، كقولهم: إن زيداً لطعامك آكل. وكان هذا لا يصح لأن الاختيار إدخال اللام على الخبر دون الفضلة.

_ (1) يشير إلى ما جاء على ألسنة المفسرين من أن «سجين» صخرة تحت الأرض السابعة.

وشىء آخر، وهو أنهم قالوا: إن كل ما جاء في التنزيل من قوله «وما أدراك» فإنه فسره كقوله: (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10) نارٌ حامِيَةٌ) . «1» (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ) «2» (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ) «3» وهاهنا إذا جعلت «كتاباً مرقوماً» خبر «إن» لم يكن ل «سجين» ولا ل «عليين» تفسير. وهذا نظير قولهم على هذا القول: إن زيداً فافهم ما أقول رجل صدق، فيكون اعتراضا بين اسم «إن» وخبره. وهناك شىء آخر، وهو أنك إذا قلت: إن التقدير: إن كتاب الأبرار كتاب مرقوم في عليين، وجب أن تعلق الجار بمضمر يكون خبراً ثانياً، على تقدير: كائن في عليين ثابت فيه. ولا تعلقه ب «مرقوم» / لأنك قدمته على الموصوف ب «مرقوم» ، وما تعمل فيه الصفة لا يتقدم على الموصوف، لأنه يوجب تقديم الصفة على الموصوف، لأن العامل يقع حيث يقع المعمول، ولا يجوز أن تعلقه بمحذوف يكون صفة ل «كتاب» لما ذكرنا من أن الصفة لا تتقدم على الموصوف. فإن جعلته خبر «إن» - أعني «في عليين» ، وجعلت «كتاباً مرقوماً» خبراً أيضاً-، لم يجز، لأنه لا فائدة فيه أكثر مما في الاسم وقد قالوا: إن الذاهبة جاريته صاحبها، لا يجوز. فثبت أن القول قول أبي على، وهو ما قدمناه.

_ (1) القارعة: 10، 11. (2) الهمزة: 5 و 6. (3) البلد: 12، 13.

ومن ذلك قوله تعالى: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) «1» أي: دأبهم كدأب آل فرعون، فحذف المبتدأ، وقيل: بل الكاف في موضع النصب، أي: يتوقدون في النار توقدا مثل توقد آل فرعون، وكدأب آل فرعون. ومنه قوله تعالى: (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ) «2» أي: الأمر ذلك. وكذا: (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ) «3» أي: الأمر ذلك. فأما قوله تعالى: (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) «4» «فذلك» مبتدأ و «الباء» خبره. ولا يجوز أن يكون التقدير: الأمر ذلك، لأنه يبقى «الباء» لا تعلق له بشىء. وأما قوله تعالى: (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) «5» فالتقدير: هو سحر مستمر، أو: هي سحر مستمر. ومثله: (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) «6» (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) «7» أي: الأمر هذا. وأما قوله (هذا فَلْيَذُوقُوهُ) «8» اعتراض. وقوله (حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) «9» خبر. و «الغساق» ، هو الحميم. كما تقول: زيد ظريف وكاتب، فتجعل «الكاتب» صفة للظريف، فتخبر عنه بهما. ولو كان «الحميم» غير «الغساق» لوجب تثنية المبتدأ. الذي هو «هذا» .

_ (1) آل عمران: 10- وقبلها: (أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) . (2) الحج: 30 و 32. (3) الحج: 60. (4) آل عمران: 182- الأنفال: 52. (5) القمر: 2. [.....] (6) ص: 49. (7) ص: 55. (8) ص: 57. (9) ص: 57.

وقال أبو إسحاق: «حميم» رفع من جهتين: إحداهما على معنى: هذا حميم وغساق فليذوقوه. ويجوز أن يكون «هذا» على معنى التفسير، أي: هذا فليذوقوه. ثم قال بعد: هو حميم وغساق. ويجوز أن يكون «هذا» في موضع نصب على هذا التفسير. ويجوز أن يكون في موضع رفع. فإذا كان فى موضع نصب، فعلى: فليذوقوه هذا فليذوقوه. كما قال: (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) «1» . ومثله: هذا زيد فاضربه. ومن رفع فبالابتداء، ويجعل الأمر في موضع خبر الابتداء، / مثل: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) «2» . قال أبو علي: اعلم أنه لا يجوز أن يكون «هذا» في موضع رفع بالابتداء، ويكون الأمر في موضع خبره، لمكان الفاء ألا ترى أن الفاء قد دخل في الأمر، فإذا كان كذلك لم يكن في موضع خبره، ولو جاز هذا لجاز: زيد فمنطلق، على أن يكون «منطلق» خبر الابتداء. فأما تشبيهه له بالسارق والسارقة فلا يشبه قوله (هذا فَلْيَذُوقُوهُ) قوله (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) ، لأن في «السارق والسارقة» معنى الجزاء في الصلة،

_ (1) البقرة: 41. (2) المائدة: 38.

وهو مثل قوله (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) «1» . ثم قال: (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) «2» وليس في هذا الاسم معنى الشرط والجزاء، ويجوز دخول الفاء فيما وقع موقع خبره، ألا ترى أن سيبويه حمل قول من قال: «3» وقائلة خولان فانكح فتاتهم «4» على أن «خولان» من جملة أخرى، فقال: كأنه قال: هذه خولان، أو: هؤلاء خولان فيكون عطف جملة على جملة، ولا يكون مثل: زيد فمنطلق. وأما قوله تعالى: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) «5» فالتقدير: ولهم آخر، أي: عذاب آخر من شكله أزواج، أي: ثابت من شكله، أي: من شكل العذاب أنواع. فيرتفع «أزواج» بالظرف، لكون الظرف وصفا ل «آخر» فيرفع ما بعده بالاتفاق. وجوز أن يكون «وآخر» - فيمن أفرد- مبتدأ، والظرف مع ما ارتفع به خبر. والعائد إلى المبتدأ الهاء المضاف إليه في «من شكله» ، كما تقول: زيد ما في داره عمرو. ويجوز عندي أن يكون «وآخر» معطوفاً على «غسّاق» أي: وحميم وغساق. وآخر من شكل الغساق أزواج، ويكون «من شكله» وصفاً. ومن قال: «وآخر» على الجميع فهو مبتدأ، و «أزواج» خبره، و «من شكله» وصف، أي من شكل الحميم.

_ (1) النساء: 38. (2) البقرة: 274. (3) في الأصل: هذه خولان. (4) انظر (ص 190) من هذا الجزء. (5) ص: 58.

وأما قوله (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) «1» التقدير: الأمر ذلك، والأمر أن للكافرين عذاب النار. قال أبو علي: إن شئت جعلت قوله «فَذُوقُوهُ» اعتراضاً بين الابتداء والخبر، فأضمرت الخبر، وإن شئت أضمرت الخبر بعدها ولم تجعل «فَذُوقُوهُ» اعتراضاً، كما جعلت في الوجه الأول، وعطفته على الوجهين جميعاً/ على خبر الابتداء، المعنى أن الأمر هذا وهذا. ومما يدل على الوجه الأول، قوله تعالى (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) . وإن شئت جعلت «ذلكم» ابتداء، وجعلت الخبر «ذوقوه» . على أن تجعل الفاء زائدة، فإذا جعلته كذلك احتمل أن يكون رفعاً على قول من قال: زيد اضربه، ونصبا على قول من قال: زيداً اضربه. ومثله قوله تعالى: (قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) «2» . وقوله: (قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) «3» . وقوله: (قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ) » . التقدير في كلهن: الأمر كذلك، فحذف المبتدأ.

_ (1) الأنفال: 14. (2) آل عمران: 40. (3) آل عمران: 47. [.....] (4) مريم: 21.

ومن ذلك قوله: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) «1» التقدير: أي: هو عالم الغيب والشهادة. فيجوز أن يرتفع «عالُم» بفعل دل عليه «ينفخ» أي: ينفخ فيه عالم الغيب، كقوله تعالى: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) «2» فهو من باب قوله: ليبك يزيد ضارع لخصومه «3» ألا ترى أنه حمل «ضارع» على إضمار فعل دل عليه «ليبك» . فزعم أن هذا الكلام يدل على أن له باكيا، فصار كأنه قال: ليبك ضارع به. ومثله قراءة بعضهم: (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) «4» على أن يكون «زين» مرتباً للمفعول، وارتفع «قتل» به مضافاً إلى «أولادهم» ويكون «شركاؤهم» محمولا على فعل آخر، لأن التقدير كأنه قال: زينه شركاؤهم. وهذه القراءة مروية عن السلمى، والحسن، ويحيى بن الحارث الذمارى، عن أهل الشام. وقال سيبويه: في هذا القول. أبو علي: وأظنني مربى من كلام غلامه أنه حمل رفع «شركائهم على المصدر، أي: أن قتل أولادهم شركاؤهم. ويحكى ذلك أيضاً عن قطرب. وهذا وإن كان محمولا على العامل الأقرب، فإنما الإخبار في الآية عن تزيين الشركاء قتل أولاد المشركين. وقراءة السلمى إنما يكون «الشركاء» قاتلين أولادهم بتشبيبهم وتربيتهم. والكلام في هذا طويل. والله أعلم.

_ (1) الأنعام: 73. (2) النور: 36. (3) عجزه: هو مختبط مما تطيح الطوائح والبيت للحارس بن نهيك. (الكتاب 1: 145) . (4) الأنعام: 137.

ومن ذلك قوله تعالى: (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) «1» فيمن نصب. تقديره. موعدكم في يوم الزينة، وموعدكم في حشر الناس. فقوله: «أن يحشر» في موضع الرفع خبر مبتدأ/ محذوف دل عليه قوله «موعدكم» الأول. ومن رفع كان التقدير: موعدكم موعد يوم الزينة، فحذف المضاف، يدل على ذلك قوله: وأن يحشر، أي: موعد حشر الناس، أو: وقت حشر الناس، فحذف. وأما قوله تعالى (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) «2» فإن جعلت في «لهم» ضمير يعود إلى «ما» كان في رفع آلهة وجهان: أحدهما: إضمار «هي» ، أي: هي آلهة. والآخر: إبدالها من الضمير في الظرف. وزعم ابن عيسى أنه يجوز أن تكون «ما» كافة، فيستأنف الكلام بعدها، ويجوز في «ما» أن تكون موصولة «بلهم» كأنه قيل: اجعل لنا إلهاً كالذي لهم، فيجوز الجر على هذا الوجه في «آلهة» ، كأنه قيل: اجعل لنا إلهاً كآلهة لهم. ويجوز على هذا الوجه النصب في «آلهة» على الحال، ففيه ثلاثة أوجه: الرفع، والنصب، والجر، ولا يجوز على الكافة إلا الرفع. ومن هذا الباب قوله تعالى: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) «3» أي: هذا الحق من ربك. وقوله تعالى: (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) «4» أي: قال: فأنا الحق وأقول الحق. ومن نصبهما قال: فأقول الحق حقاً. ومن رفعهما جميعا

_ (1) طه: 59. (2) الأعراف: 138. (3) هود: 17. (4) ص: 84 و 85.

قال: فأنا الحق، وقولي لأملأن جهنم الحق، فيصير «قولي» في صلة الحق، ويرتفع «الحق» باليمين، وكأنه قال: والحق يميني، ويكون «الحق» الأول خبر مبتدأ محذوف، على التقدير الذي ذكرنا. ويجوز أن يكون مبتدأ والتقدير: فالحق مني. ويجوز أن يكون فيمن نصب «الحق» أن يكون حالا ل «أملأن» جواب قوله «فالحق» ، ويكون قوله «والحق أقول» اعتراضاً بين القسم وجوابه، وجاز ذلك لأنه يوضح الأول، ويكون التقدير: فبالحق لأملأن، كما تقول: الله لأفعلن. وأما قوله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ) «1» فلا يخلو ارتفاع قوله (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) من أن يكون بالعطف على الخبر الذي هو «كبير» ، كأنه قال: قتال فيه كبير وصد وكفر، أي: القتال قد جمع أنه كبير وأنه صد وكفر. أو يكون مرتفعاً بالابتداء، وخبره مضمر محذوف، لدلالة «كبير» المتقدم عليه، كأنه قال: والصد/ كبير، كقولك: زيد منطلق وعمرو. أو يكون مرتفعاً بالابتداء والخبر مظهر، فيكون «الصد» ابتداء وما بعده من قوله (وَكُفْرٌ بِهِ ... وَإِخْراجُ أَهْلِهِ) «2» ، مرتفع بالعطف على المبتدأ، والخبر قوله (أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ) «3» . فلا يجوز الوجهان الأولان، وهما جميعاً أجازهما الفراء.

_ (1) البقرة: 217. (2، 3) البقرة: 217.

أما الوجه الأول فلأن المعنى يصير: قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به. والقتال وإن كان كبيراً فيمكن أن يكون صداً، لأنه ينفر الناس عنه، فلا يجوز أن يكون كفراً، لأن أحداً من المسلمين لم يقل ذلك، ولم يذهب إليه. فلا يجوز أن يكون خبر المبتدأ شيئاً لا يكون المبتدأ، ويمنع من ذلك أيضاً بعد (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ) «1» ومحال أن يكون إخراج أهله منه أكبر من الكفر، لأنه لا شىء أعظم منه. ويمتنع الوجه الثاني أيضاً، لأن التقدير فيه يكون: قتال فيه كبير، وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به، وكذلك مثله الفراء وقدره، فإذا صار كذلك، فكأن المعنى: وإخراج أهل المسجد الحرام أكبر عند الله من الكفر، فيكون بعض خلال الكفر أعظم منه كله، وإذا كان كذلك امتنع الأول، وإذا امتنع مذان ثبت الوجه الثالث، وهو أن يكون قوله (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ابتداء و «كفر به وإخراج أهله» معطوفان عليه، و «أكبر» خبر. فيكون المعنى: وصد عن سبيل الله، أي: منعهم لكم أيها المسلمون عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم ولاته، والذين هم أحق به منهم، وكفر بالله أكبر من قتال في الشهر الحرام. وأما قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) «2» . قرئ: (وَالْأَنْصارِ) بالرفع: على أن يجعل «الأنصار» ابتداء، ولا تجعلهم من السابقين الذين هم المهاجرون. دليل هذه القراءة قوله

_ (1) البقرة: 217. (2) التوبة: 100.

(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) «1» والذين جاءوا من بعدهم الأنصار. و «الذين» في موضع جر، لأنه معطوف/ على قوله (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) «2» ، ففى الآية دلالة من وجهين على أن المهاجرين هم السابقون: فى قوله (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) «3» وقوله/: (الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) «4» . وعلى هذا ما روى عن خالد بن الوليد أنه قال لعمار: إن كنت أقدم منى سابقة فليس لك أن تنازعني. فالسابقون على هذا هم المهاجرون من دون الأنصار. ويقوى ذلك ما روى من قوله عليه السلام: لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار. ووجه الجر في (الْأَنْصارِ) أن يجعل (الْأَنْصارِ) مع المهاجرين السابقين. والمعنى: أن كلا القبيلين سبقوا غيرهم ممن تأخر عن الإيمان إلى الإيمان. ويقوى هذه القراءة أن في بعض الحروف: «من المهاجرين ومن الأنصار» . حكاه أبو الحسن. وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) يجوز أن يكون مبتدأ ويكون الخبر (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) . ويجوز أن يكون: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) عطفاً على الصنفين المتقدمين. وإذا رفعت (الْأَنْصارِ) بالابتداء يكون التقدير: هؤلاء فى الجنة. فأضمر الخبر.

_ (1، 3، 4) الحشر: 10. [.....] (2) الحشر: 8.

ويجوز أن يكون: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) أي: وفيما يتلى عليكم والسابقون الأولون، أو: منهم. وأما قوله تعالى: (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) «1» الجار يتعلق بمحذوف خبر ثان ل «أن» ولا يتعلق ب «بادون» إلا أن تعنى أنهم خرجوا إلى البدو وفيهم. ويجوز أن يكون حالا من الضمير فى «بادُونَ» . ويجوز فى (يَسْئَلُونَ) أن يكون صفة للنكرة، وأن يكون حالا مما في (بادُونَ) حكاية لحال، أو من باب: «صائداً به غداً» من قولك: مررت برجل معه صقر صائداً به غدا. وقوله (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) «2» . ومن ذلك قوله تعالى: (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) «3» ، التقدير: بل هم عباد مكرمون، فأضمر المبتدأ. فأما ما ذهب إليه أبو إسحاق في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) «4» من أنه يجوز أن يرتفع (جَنَّاتٌ) بإضمار مبتدأ على تقدير: ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار، فحذف المبتدأ، فباطل أن يبقى قوله (خالِدِينَ فِيها) لا ناصب له ولا عامل يعمل فيه، وإنما يرتفع (جَنَّاتٌ) بالظرف، على قول الأخفش/ فيكون (خالِدِينَ) حالا من المجرور باللام.

_ (1) الأحزاب: 20. (2) المائدة: 95. (3) الأنبياء: 26. (4) آل عمران: 15.

وإن رفعته بالابتداء وجعلت في الظرف ضميراً كان الحال عنه. ومن ذلك قوله تعالى: (مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) «1» . قال أبو علي: يبين أن الخبر محذوف في نحو قوله: (مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) ظهوره فى قوله: لا شىء في ريدها إلا نعامتها ... منها هزيم ومنها قائم باقي «2» وكذلك: «منها قسى وزائف» «3» . لا يكون إلا على إضمار «منها» لأن «القسى» غير الزائف. كما أن «الهزيم» غير «القائم» . فكذلك، الحصيد «غير، القائم» والتقدير: ومنها حصيد. ومن ذلك قوله- في قول أبي إسحاق-: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) «4» أي: إنهما ساحران، فحذف المبتدأ. وإنما أضمره عنده وعند عالمه لأنه يرى أن «إنّ» بمعنى نعم، و «هذان» مبتدأ. فلو حمل على الظاهر لدخل اللام على الخبر فأضمر المبتدأ. فقال أبو علي: ليس هذا بصحيح لان الإضمار ضد التأكيد، واللام للتأكيد. فإنما تلا هذا على لغة من قال: إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا فى المجد غايتاها

_ (1) هود: 100. (2) الريد: حرف من حروف الجبل. والنعامة: ما نصب من خشب يستظل به. والهزيم: المتكسر. والبيت من قصيدة تأبّط شرا. (3) جزء من بيت لمزرد. والبيت بتمامه: ما زودوني غير سحق عمامة ... وخمس مئى منها قسي وزائف القسي: الدرهم الرديء. (4) طه: 63.

ومن ذلك قوله تعالى: (ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) «1» قال أبو علي: «هذا» خبر مبتدأ وليس بصفة ل «مثلٍ» ، بدلالة قوله: (كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ) «2» في الأخرى. ومن ذلك قوله تعالى: (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) «3» أي: هي عوان، ويكون (بَيْنَ ذلِكَ) بدلاً من (عَوانٌ) كحامض بعد حلو. ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً) «4» فقوله: (مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) أي: هو ابن مريم، خبر ابتداء مضمر. قال أبو على: بنبغي أن يكون (عِيسَى) بدلاً من (الْمَسِيحُ) من المبدل الذي هو هو، ولا يكون إلا كذلك. ألا ترى أن المسيح اسم، وأن الاسم مبتدأ، فيجب أن يكون خبره. إذا كان مفرداً. شيئاً هو هو في المعنى، ولا يجوز أن يكون (عِيسَى) خبراً أيضاً من حيث كان الاسمان له، لأنه لو كان كذلك لكان أسماه على المعنى أو أسماه على الكلمة. وإذا كان على ما ذكرنا لم يجز أن يكون (ابْنُ مَرْيَمَ) وصفاً لعيسى في هذا الموضع، وإن كان يجوز أن يكون وصفاً له في غير/ هذا الموضع، وإنما كان كذلك لأن «عيسى» هنا عبارة عن غير شخص. ألا ترى أنه خبر عن الاسم، والاسم لا يكون الشخص، فوجب من هذا أن يكون (ابْنُ مَرْيَمَ) في هذه الآية خبر مبتدأ محذوف. أو مبتدأ محذوف الخبر، أي هو ابن مريم، أو ابن مريم هذا المذكور.

_ (1) البقرة: 26. (2) المدثر: 31. (3) البقرة: 68. (4) آل عمران: 45.

ومن ذلك قوله تعالى: (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) «1» أي: منها مقام إبراهيم. وأما قوله تعالى: (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ) «2» «إذا» للمفاجأة و «فريق» مبتدأ، و «إذا» خبره، و «يخشون» خبر ثان. أو حال من الضمير في «إذا» عند سيبويه، وعند الأخفش من «فريق» . أي: فبالحضرة فريق. وأما قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ) «3» ف «من» استفهام مرفوع بالابتداء، وخبره «يضل» ، ويجوز فيه النصب بفعل مضمر «4» ، ولمجىء الجار في موضع آخر. ومثله: (أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) » و (أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) «6» من هو؟ ومن يكون؟ ومن ذلك قوله تعالى: (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) «7» فمن فتح الواو كان الخبر مضمراً، أي: مبعوثون. أو يكون محمولاً على موضع «أن» ، أو على الضمير في «مبعوثون» . ومنه قوله تعالى: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) «8» أي: عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد. ومن ذلك قوله: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) «9» فيمن قصر، عن ابن كثير والحسن. وتقديره: لأنا أقسم. فاللام لام المبتدأ والمبتدأ محذوف. هذا هو الصحيح.

_ (1) آل عمران: 97. [.....] (2) النساء: 77. (3) الأنعام: 117. (4) القصص: 85. (5) الأصل: «مضمر كالقوانس» . (6) القصص: 37. (7) الواقعة: 48. (8) ق: 17. (9) القيامة: 1.

واضطرب كلامه فقال مرة: اللام لام القسم، وإن لم يدخل النون واحتج بأن النون ينفرد عن اللام، واللام ينفرد عن النون، كقوله «1» . وقال مرة: إنها رد «2» . ثم رجع عن هذا، وتذكر قول الخليل في قوله: (وَالشَّمْسِ وَضُحاها. وَالْقَمَرِ) «3» من أن القمر لا يدخل على القسم، فقال: اللام زيادة، مثلها في قراءة ابن جبير (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ) «4» بالفتح، وقوله: ولكنني من حبها لكميد «5» وبيت آخر في ديوان ابن الأعرابي. ومن ذلك قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) «6» . فقوله (طَوَّافُونَ) خبر مبتدأ مضمر، أي: أنتم طوافون. وقوله (بَعْضُكُمْ) / بدل من الضمير في قوله (طَوَّافُونَ) أي: أنتم يطوف بعضكم على بعض. هذا أيضاً من طرائف العربية، لأن الضمير في قوله (طَوَّافُونَ) يعود إلى «أنتم» وأبدل منه قوله (بَعْضُكُمْ) . وقد مررت بك المسكين، ممتنع. ولكن يكون من باب قوله: «وما ألفيتني حلمي «7» » «وأوعدني رجلي» وزعم الفراء أن التقدير: هم طوافون، وأنت لا تقول: هم يطوف بعضكم على بعض. ولو قلت: إن المبدل منه في تقدير الثبات. «كحاجبيه معين» فربما يمكن أن يقال ذلك.

_ (1) كذا في الأصل. وظاهر أن للكلام بقية. (2) أي رد لكلامهم حيث أنكروا البعث. (3) الشمس: 1 و 2. (4) الفرقان: 20. (5) المحفوظ: ولكنني من حبها لعميد. (6) النور: 58. [.....] (7) من رجز. هو: أوعدني بالسجن والأداهم رجلي ورجله شثنة المناسم. أي: أوعدني بالسجن وأوعد رجلي بالأداهم.

وحمل قوم قوله: (بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) على الابتداء والخبر، أي بعضكم من بعض، وجعل (عَلى) بمنزلة «من» . وقال قوم: يدخل بعضكم على بعض، فأضمر «يدخل» لأن ذكر الطواف يدل عليه. وأما قوله تعالى: (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) «1» فقد قال أبو علي في نصب الأول: إنه لم يحك شيئاً تكلموا به فيحكى كما تحكى الجمل. ولكن هو معنى ما تكلمت به الرسل، كما أن [المؤذن] «2» إذا قال: لا إله إلا الله. قلت: حقاً، وقلت: إخلاصاً، أعملت القول في المصدرين، لأنك ذكرت معنى ما قال ولم تحك نفس الكلام الذي هو جملة تحكى، فلذلك نصب (سَلاماً) في قوله: (قالُوا سَلاماً) ، لما كان معنى ما قيل ولم يكن نفس المقول بعينه. وقوله: (قالَ سَلامٌ) أي: أمرى سلام، كقوله: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) «3» وَقُلْ (سَلامٌ) أي: أمرى سلام، فحذف المبتدأ، وقدر مرة حذف الخبر، أي: سلام عليكم، كما حذف من قوله (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) «4» يبين ذلك قوله تعالى: (وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) «5» . وأكثر ما يستعمل (سَلامٌ) بغير ألف ولام، وذلك أنه في موضع الدعاء. فهو مثل قولهم: خير بين يديك لما كان المعنى المنصوب استجيز فيه الابتداء بالنكرة. ومن ذلك قوله تعالى: (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) «6»

_ (1) هود: 69. (2) بمثل هذه الكلمة يستقيم الكلام. (3) الزخرف: 79. (4) يوسف: 18، 83. (5) القصص: 55. (6) مريم: 47.

وقال: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ) «1» . وقال: (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) «2» . (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) «3» (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) «4» . وقد جاءت بالألف واللام، قال الله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) «5» فمن ألحق/ الألف واللام حمله على العهد، ومن لم يلحقه حمله على غير المعهود. قال سيبويه: وزعم أبو الخطاب أن قولك للرجل «سلاماً» وأنت تريد: تسلماً منك، كما تقول: براءة منك، تريد: لا ألتبس بشيء من أمرك. وزعم أن أبا ربيعة كان يقول: إذا لقيت فلاناً فقل له سلاماً. فزعم أنه سأله، وفسر له معنى، براءة منك. وزعم أن هذه الآية (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) «6» بمنزلة ذلك لأن الآية فيما زعموا مكية، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين، ولكنه على قولك، براءة منكم، أو تسلما لا خير بيننا وبينكم ولا شر. انتهت الحكاية عن سيبويه «7» . وفي كتاب أبي علي هذا غلط، وإيضاح هذا ووجهه «8» أنه لم يؤمر المسلمون يومئذ بقتال المشركين، إنما كان شأنهم المتاركة، ولكنه على قوله براءة. ومما يقرب من هذا الباب قول عدي: أنت فانظر لأيّ ذاك تصير «9»

_ (1) الرعد: 23 و 24. (2) الصافات: 79. (3) الصافات: 109. (4) النمل: 59. (5) مريم: 33. (6) الفرقان: 63. (7) الكتاب (1: 463) . [.....] (8) الأصل: «ووجوهه» . (9) البيت مطلع قصيدة لعدي بن زيد العبادي الشاعر، وهو: أرواح مودع أم بكور ... لك فاعمد لأي حال تصير

ذكر فيه وجوهاً، منها حمله على حذف الخبر، أي: أنت الهالك ولم يحمله على حذف المبتدأ، على تقدير: هذا أنت، لأنك لا تشير إلى المخاطب، إلى نفسه، ولا تحتاج إلى ذلك، فإنما تشير إلى غيره. ألا ترى أنك لو أشرت إلى شخصه فقلت: هذا أنت، لم يستقم. وقال في حد الإضمار: وزعم الخليل أن «ها» هاهنا التي مع «ذا» إذا قلت: هذا، وإنما أرادوا أن يقولوا: هذا أنت، ولكنهم جعلوا أنت بين «ها» و «ذا» وأرادوا أن يقولوا: أنا هذا، وهذا أنا. فقدموها وصارت: أنت وأنا بينهما. وزعم أبو الخطاب أن العرب الموثوق بهم يقولون: أنا هذا، وهذا أنا. وبمثلها قال الخليل هذا البيت: انا اقتسمنا المال نصفين بيننا ... فقلت لها هذا لها وهذا ليا «1» كأنه أراد أن يقول: وهذا ليا، فصير «الواو» بين «ها» و «ذا» ، زعم أن مثل ذلك: أي ها الله ذا، إنما هو هذا. وقد يكون «ها» في: ها أنت ذا، غير مقدمة، وإنما تكون بمنزلتها [للتنبيه] «2» في «هذا» . يدلك على ذلك قوله تعالى: (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) «3» / فلو كانت «ها» هاهنا هي التي تكون أولا إذا قلت «هؤلاء» لم تعد «ها» هاهنا بعد «أنتم» . حدثنا يونس تصديقاً لقول أبي الخطاب أن العرب تقول: هذا أنت تقول كذا وكذا، ولم ترد بقولك: هذا أنت، أن تعرفه نفسه كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره. هذا محال. ولكنه أراد أن ينبههه كأنه قال: الحاضر عندنا أنت، والحاضر القائل كذا وكذا أنت وإن شئت لم تقدم «ها» فى هذا

_ (1) البيت للبيد وهو كما في الكتاب لسيبويه (1: 379) : ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا ... فقلت لهم هذا لهاها وذاليا (2) تكملة من الكتاب. (3) آل عمران: 66.

الباب. قال الله تعالى: (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) «1» قال أبو سعيد: ها أنا ذا، وها نحن أولاء، وها هو ذاك، وها أنت ذا، وها أنتم هؤلاء، وها أنتن أولاء «فها» للتنبيه، والأسماء بعدها مبتدآت، والخبر أسماء الإشارة ذا، وذاك. وإن شئت جعلت الضمير المقدم هو الخبر، والإشارة هي الاسم. وأما «ها» فيجوز أن يكون مع «ذا» وفصل بينهما «بأنت» ، المراد ب «هذا» أن تكون مع «ذا» والتقدير: أنا هذا، ويجوز أن يكون التنبيه للضمير، لأنهما مشتركان في الإبهام. فأما من قدرها مع «ذا» وإن فصل بينهما، فإنه يحتج بقول زهير: تعلمن ها لعمر الله ذا قسماً ... فاقدر «2» بذرعك وانظر أين تنسلك [و] : فقلت لهم هذا لهاها وذاليا «3» والتقدير: هذا لها وذا لى، فصير الواو بين «ها» و «ذا» . ويحتج أيضاً بقولهم: لا ها الله ذا، واسم «الله» ظاهر لا يدخل عليه هاء التنبيه، كما لا يدخل على «زيد» ونحوه. وإنما معناه: لا والله هذا. وإن من يقدر أن «ها» داخلة على «أنت» غير منوى دخولها على «ذا» فإنه يحتج بقوله: (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) «4» فأتى ب «ها» فأدخلها على «أنتم» ثم أعادها في «الأولاء» . فلو كانت [ «ها» ] «5» (أولاء) بمعنى الاولى منوياً بها التأخير، لكانت «ها» الأولى والثانية جميعاً لأولاء. وهذا بعيد. وهذه حجة سيبويه. ومعنى قوله: وقد يكون «ها» في «ها أنت ذا» غير متقدمة، أي موضعها ل «أنت» ، غير متقدمة من «ذا» إلى «أنت» .

_ (1) البقرة: 85. (2) في الكتاب (ج 2: 145، 150) : «فاقصد» . (3) تقدم البيت في حواشي الصفحة السابقة. (4) آل عمران: 66. (5) تكملة يقتضيها السياق.

قال أبو سعيد: «وإنما يقول القائل: ها أنا ذا، إذا طلب رجل لم يدر أحاضر هو أم غائب، فقال: المطلوب: ها أنا ذا. / أي: الحاضر عندك أنا. وإنما يقع جواباً. لقول القائل «1» : أين من يقوم بالأمر؟ فيقول له الآخر. ها أنا ذا، [أو: ها] «2» أنت ذا. أي أنا في الموضع الذي التمست [فيه من التمست] «3» ، أو أنت في ذلك الموضع» . وأكثر ما يأتي فى كلام العرب هذا بتقديم «ها» و [الفصل بينها و] «4» بين «ذا» بالضمير المنفصل. والذي حكاه أبو الخطاب عن العرب من قوله: «هذا أنا» و «أنا هذا» . هو في معنى: أنا ذا. ولو ابتدأ إنسان على غير الوجه الذي ذكرناه فقال: هذا أنت، وهذا أنا، يريد أن يعرفه نفسه، كان محالا لأنه إذا أشار له إلى نفسه بالإخبار عنه ب «أنا» و «بأنت» لا فائدة فيه، لأنك إنما تريد أن تعلمه أنه ليس خبره. ولو قلت: «ما زيد غير زيد» ، و «ليس زيد غير زيد» ، كان لغواً لا فائدة فيه. أو قلت: هذا أنت، والإشارة إلى غير المخاطب، كان معناه: هذا مثلك، كما تقول: زيد عمرو، على معنى: زيد مثل عمرو. والذي حكاه يونس عن العرب «هذا أنت» ، تقول: «أنت تفعل كذا وكذا» . هو مثل قوله (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) «5» لأن قولهم: هذا أنت، كقولك: أنت هذا، أحدهما مبتدأ والآخر خبره، أيهما شئت جعلته المبتدأ والآخر الخبر، وقوله: تفعل كذا وكذا في موضع الحال عند البصريين، كأنك قلت: هذا زيد فاعلاً كذا. والعامل فيه معنى التنبيه. وعند الكوفيين أن المنصوب في هذا بمنزلة الخبر، لأن المعنى عندهم: زيد فاعل كذا. ثم

_ (1) مكان هذه العبارة في الأصل. «لقول القائل» : «ويقول» ، وما أثبتنا من هامش الكتاب (15: 379) . (2، 3) التكملة من هامش الكتاب. (4) تكملة يقتضيها السياق. (5) البقرة: 85. [.....]

أدخلوا «هذا» للوقت الحاضر، كما يدخلون «كان» لما مضى. فإذا ادخلوا «هذا» وهو اسم، ارتفع به «زيد» وارتفع «هذان» به على ما لو اختير حكم المبتدأ والخبر والذي بعده. فارتفاع «زيد» «بهذا» . ويسمى أهل الكوفة هذا: التقريب. ومنزلة «ها» عند منزلة «كان» لأن «كان» دخلت على: زيد قائم به فانتصب به. ولا يجوز إسقاط المنصوب، لأن الفائدة به، معقودة والقصد إليه. ويجوز عند الكوفيين: هذا زيد القائم، كما يجوز كان زيد القائم. ولا يجوز عند البصريين: هذا زيد القائم، لأن مجراه عندهم مجرى الحال، بخلاف خبر كان، إذ ليس هو بحال. وأما قوله تعالى: (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) «1» ففيه ثلاثة أقوال: أحدها مذهب أصحابنا، وهو أن «أنتم» و «هؤلاء» مبتدأ وخبر. و (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) في موضع الحال، تقديره: قاتلين أنفسكم. وعلى مذهب الكوفيين «تقتلون» خبر التقريب، على ما ذكرناه من مذهبهم. وقال ثعلب: «هؤلاء» فى معنى «الّذين» و «تقتلون» فى صلتها. كأنه قال: ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم، كما قال ابن مفرع: عدس ما لعباد عليك إمارة ... أمنت «2» وهذا تحملين طليق

_ (1) البقرة: 85. (2) اللسان (8: 7) : «نجوت» .

وكان ينبغي على ما قدره ثعلب أن يقرأ: (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) ، على تقدير: أنتم الذين تقتلون أنفسكم. ويجوز عند البصريين: ثم أنتم الذين أنفسكم، في الضرورة، وليس بالمختار. وأنشدوا فيه لمهلهل: وإن الذي قتلت بكر بالقنا ... ويركب [منها] «1» غير ذات سنام والوجه: وإن الذي قتل. والآخر: يا أيها الذكر الذي قد سؤتنى ... وفضحتني وطردت أم عياليا والوجه: يا أيها الذي قد ساءنى. والآخر: يا مرو يا بن واقع يا أنتا ... أنت الذي طلقت عام جعتا «2» حتى إذا اصطبحت واغتبقتا ... أقبلت مرتادا لما تركنا والوجه: الذي طلق عام جاع، لأن الضمير في «طلق» يعود إلى «الذي» وهو غائب، فوجب أن يكون ضمير غائب. ومثله: (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) «3» و (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) «4» فيها الوجوه التي ذكرنا.

_ (1) تكملة يستقيم بها البيت. (2) الرجز لسالم بن عبادة في مرة بن واقع الفزاري. (3) آل عمران: 66. (4) آل عمران: 119.

إذا زعمتم أن قوله: (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) «1» في موضع الحال، والحال فضلة في الكلام/ فهل يجوز أن يقول: «ثم أنتم هؤلاء» ؟. قيل له: إذا كان المقصد الإخبار، فما أوجب حكم اللفظ فيه أن يكون حالاً وجب أن يجري لفظه على الحال، وتصير الحال لازمة عما أوجبه المعنى، كما أن الصفة فى بعض المواضع لازمة، كقولك: مررت بمن صالح، ويا أيها الرجل: فصالح والرجل، لازمتان لا يجوز إسقاطهما من الكلام، وإن أصل الصفة أن تكون مستغنى عنها. وأيضاً فإنا رأينا الحال مع المصادر لا يستغنى عنها في مثل قولك: شربك السويق ملتوتاً، ونحوه. وأما قوله: «هذا لها وذاليا» . بمعنى: «وهذا ليا» فإنما جاز تقديم «ها» على الواو لأن «ها» تنبيه، والتنبيه قد يدخل على الواو إذا عطفت بها جملة على جملة، كقولك: «ألا إن زيداً خارج، ألا إن عمراً مقيم» ونحو هذا، فاعرفه. وأما القول في الهاء التي في (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) «2» فقد روى بالمد والقصر. فوجه (ها أَنْتُمْ) أنه قد أبدل من الهمزة الهاء، أراد «أنتم» فأبدل من الهمزة الهاء. ولا يمتنع أن تبدل من الهمزة الهاء، كما لم يمتنع إبدال الواو والتاء والباء في القسم، وإن كان على حرف واحد ولا يحمل على حرف الألف من «ها» هنا في «هلم» فإنه جاز، لأن اللام في تقدير السكون، لأن الحركة نقلت إليها من غيرها فحذفت الألف لالتقاء الساكنين. وهذا الاستفهام

_ (1) البقرة: 85. (2) آل عمران: 66.

بمعنى التقرير. وأما (ها أَنْتُمْ) فإنها للتنبيه، ولحقت الجملة كما لحقت «يا» في ذا البيت: يا قاتل الله صبياناً تجئ بهم ... أم [الضبيغس من زند] «1» لها وارى ويجوز أن تكون في (ها أَنْتُمْ) بدلاً من همزة الاستفهام، كما كان بدلاً منها في قول من قال (ها أَنْتُمْ) ، وتكون الألف التي تدخل بين الهمزة لتفصل بينهما، لأن الهاء بمنزلة الهمزة في حمراء في حكم الألف، بدلالة ترك الصرف. ومما أضمر فيه المبتدأ قولهم من مسائل الكتاب: لا سواء/ والتقدير: «هذان لا سواء» فحذفوا المبتدأ وصارت «لا» كافة عوضا منها، و «سواء» خبر المبتدأ، وكما صارت «لا» هنا عوضاً عن المبتدأ صارت كذلك عوضاً عنه في قولك: «أزيد عندك أم لا» ؟ قال: التقدير «أم هو لا» فلم يظهر، لأن «لا» قد صار عوضاً عنه كما صار عوضاً في «سية» قوله: لا سواء. والمعنى: لا هما سواء، ولا هذان سواء. فلم يكرر «لا» لم يستقبح ذلك، كما استقبحوا «لا زيد عندك» حتى يقال: «ولا عمرو» ، لأنه كما أنه لو أظهر المبتدأ لم يلزم تكرير «لا» كذلك لم يلزم تكريره فيما هو بدل منه. وأما خبر المبتدأ المضمر، فاستغنى عن إظهاره كما استغنى عن إظهار الخبر، نحو «زيد عندك وعمرو» . وحسن هذا الكلام أن «لا» قد حذفت بعدها الجمل في نحو قول ذى الرمة: خليلى هل من حيلة تعلمانها

_ (1) ويروى: «أم الهنينين» . (اللسان 20: 384) .

تقديره: هل من حيلة تعلمانها، أو لا حيلة لكم؟ واعلم أن «أم» لا تخلو من أن تكون الكائنة مع الهمزة بمنزلة «أى» أو المنقطعة، فلو كانت التي بمعنى «أى» مع الألف لوجب أن يكون بعدها اسم أو فعل، كقولك: أزيد قام أم عمرو؟. و: أقام زيد أم عمرو قعد؟. ولو كانت المنقطعة لوجب أن يكون بعدها جملة، كقولك: عندك زيد أم عمرو؟. فلم يجىء واحد من الضربين.

الباب الحادي عشر

الباب الحادي عشر هذا باب ما جاء في التنزيل من الاشمام والروم والإشمام يكون في الرفع دون الجر، والروم يكون في الرفع والجر جميعاً. وذكر ذلك سيبويه في كتابه «1» حيث قال: فأما الذين أشموا فأرادوا أن يفرقوا بين ما يلزمه التحريك في الوصل، وبين ما يلزمه الإسكان على كل حال. [وأما الذين لم يشموا فقد علموا أنهم لا يقفون أبدا إلا عند حرف ساكن، فلما سكن في الوقف جعلوه بمنزلة ما يسكن على كل حال لأنه وافقه في هذا الموضوع] «2» . وأما الذين راموا الحركة فإنهم دعاهم إلى ذلك الحرص على أن يخرجوها من حال ما لزمه إسكان على كل حال [وأن يعلموا أن حالها عندهم ليس كحال ما سكن على كل حال] «3» وذاك أراد الذين أشموا، إلا أن هذا «4» أشد توكيداً. قال: وأما ما كان في موضع نصب أو جر، فإنك تروم فيه الحركة وتضاعف، وتفعل به ما تفعل بالمجزوم على كل حال، وهو أكثر في كلامهم. فأما الإشمام/ فليس إليه سبيل، وإنما كان ذا في الرفع «5» ، لأن الضمة من

_ (1) الكتاب (2: 282- 283) . (2، 3) التكملة من الكتاب. (4) عبارة الكتاب: «إلا أن هؤلاء» . (5) الأصل: «وأما ما كان في الرفع» وما أثبتنا من الكتاب.

الواو، فأنت تقدّر أن تضع لسانك فى أن موضع من الحروف شئت، ثم تضم شفتيك، لأن ضمك شفيتك كتحريكك بعض جسدك، وإشمامك في الرفع للرؤية وليس بصوت للأذن. ألا ترى أنك لو قلت. «هذا معن» فأشممت، كان «1» عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشمم، فأنت [قد] «2» تقدر على أن تضع لسانك موضع الحرف قبل تزجية الصوت، ثم تضم شفتيك، ولا تقدر على [أن تفعل] «3» ذلك، ثم تحرك موضع الألف والياء، فالنصب والجر لا يوافقان الرفع في الإشمام انتهت الحكاية عن سيبويه. فأما القراء فإنهم يطلقون على الروم في المجرور اسم الإشمام. والحقيقة ما ذكرت لك عن سيبويه. وأكثر ما يجىء الإشمام والروم في إدغام أبي عمرو، فإذن أدغم المضموم أو المكسور فيما بعده. وقد وقع الإجماع على إشمام حرف مضموم مدغم فيما بعده، وهو قوله (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) «4» . والقراء مجمعون على إشمام الضمة في النون الأولى من (تَأْمَنَّا) ، ويختلفوا فيه إلا في رواية شذت عن نافع. قال أبو علي: وجه الإشمام أن الحرف المدغم بمنزلة الحرف الموقوف عليه من حيث جمعهما السكون، فمن حيث أشموا الحرف الموقوف عليه إذا كان مرفوعاً في الإدراج، أشموا النون المدغمة فى (تَأْمَنَّا) .

_ (1) الكتاب: «كانت» . [.....] (2، 3) زيادة عن الكتاب. (4) يوسف: 11.

وقد يجوز ذلك في وجه آخر في العربية وهو أن تبين ولا تدغم، ولكنك تخفي الحركة، وإخفاؤها هو ألا تشبعها «1» بالتمطيط، ولكنك تختلسها اختلاساً. وجاز الإدغام والبيان جميعاً، لأن الحرفين «2» ليسا يلزمانه، فلما لم يلزما صارا بمنزلة «اقتتلوا» في جواز البيان فيه والإدغام جميعا. فما جاء فيه الإشمام عن أبي عمرو في سورة البقرة ينقسم إلى قسمين: مضموم، ومرفوع. فالحروف المضمومة ثمانية: قوله تعالى: (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) «3» (حَيْثُ شِئْتُما) «4» (حَيْثُ شِئْتُمْ) «5» (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) «6» (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) «7» (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) «8» (حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) «9» . والحروف المرفوعة خمسة: قوله تعالى: (وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا) «10» . (شَهْرُ رَمَضانَ) «11» . / (يَشْفَعُ عِنْدَهُ) «12» . (الْأَنْهارُ لَهُ) «13» . (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) «14» .

_ (1) الأصل: «يشبعها» . (2) الأصل: «لأن الحرف» . (3) البقرة: 30. (4) البقرة: 35. (5) البقرة: 58. (6) البقرة: 133، 136. (7) البقرة: 138. (8) البقرة: 139. (9) البقرة: 191. (10) البقرة: 127. (11) البقرة: 185. (12) البقرة: 255. [.....] (13) البقرة: 266. (14) البقرة: 126.

وأما المجرور الذي فيه الروم: قوله تعالى: (فِيهِ هُدىً) «1» (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) «2» (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) «3» (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) «4» (بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ) «5» (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ) «6» (آياتِ اللَّهِ هُزُواً) «7» (النِّكاحِ حَتَّى) «8» . فأما قوله تعالى: (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) «9» فقد اختلف القراء فيه: فذهب ذاهبون إلى أنه إدغام، وذهب آخرون إلى أنه إخفاء. ومما جاء فى سورة آل عمران فيه روم المكسور وهو حرف واحد، وهو قوله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) «10» والمجرور تسعة أحرف: (وَالْحَرْثِ ذلِكَ) «11» (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ) «12» (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) «13» (فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ) «14» (الْقِيامَةِ ثُمَّ) «15» (الْغُرُورِ لَتُبْلَوُنَّ) «16» (وَالنَّهارِ لَآياتٍ) «17» (النَّارِ رَبَّنا) «18» (الْأَبْرارِ رَبَّنا) «19» . فأما قوله تعالى: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ) «20» ففي كتاب أبي عمرو عن مجاهد قال: اليزيدي (وَيَعْلَمُ ما) رفع، وإذا أدغم لم يشم الميم المدغمة للضم. وقال عباس: يشم.

_ (1) البقرة: 2. (2) البقرة: 52. (3) البقرة: 64. (4) البقرة: 74. (5) البقرة: 92. (6) البقرة: 120. (7) البقرة: 230. (8) البقرة: 235. (9) البقرة: 113. (10) آل عمران: 85. (11) آل عمران: 14. (12) آل عمران: 55. [.....] (13) آل عمران: 89. (14) آل عمران: 107. (15) آل عمران: 161. (16) آل عمران: 185، 186. (17) آل عمران: 190. (18) آل عمران: 191، 192. (19) آل عمران: 193، 194. (20) آل عمران: 29.

قلت: ولعل عباساً إنما يشم ليعلم أنه ليس كقوله تعالى: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) «1» فيمن نصب. كما رواه نعيم بن ميسرة، عن أبي عمرو: (وَيَعْلَمُ ما) بالنصب على الصرف. ومن لم يشم أجراه على الأصل. والرفع هو الوجه، لأنه ليس جواباً للشرط إذ علم ما في السموات غير متعلق بالإخفاء والإبداء، فأما ما يعلمه الله فعلى المجازاة. وكذا (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ) إنما هو على الوعيد والجزاء. وأين هؤلاء من هذا الفرق والتخريج. ومما جاء في سورة النساء يشم إشمام الضم فستة أحرف: (حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) «2» (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «3» (وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «4» (الْمَلائِكَةُ ظالِمِي) «5» يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا) «6» . والمجرور: (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ) «7» (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ) «8» (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ) «9» (وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ) «10» .

_ (1) الشورى: 35. (2) البقرة: 191 والنساء: 91. (3) النساء: 92. (4) النساء: 92. (5) النساء: 97. (6) النساء: 134. [.....] (7) النساء: 102. (8) النساء: 57. (9) النساء: 122. (10) النساء: 61.

ومما جاء في سورة «المائدة» من ذلك أحد عشر حرفاً يشم إشمام الضم: (تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ) «1» (يُبَيِّنُ لَكُمْ) «2» (يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ) «3» (يُعَذِّبُ مَنْ) «4» / (وَيَغْفِرُ لِمَنْ) «5» (يُنْفِقُ كَيْفَ) «6» (ثالِثُ ثَلاثَةٍ) «7» (كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ) «8» (وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) «9» (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «10» (قالَ اللَّهُ هذا) «11» . الحروف المكسورة: (بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ) «12» (مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ) «13» (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) «14» (فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ) «15» (الصَّيْدِ تَنالُهُ) «16» (الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما) «17» (الْآياتِ ثُمَّ) «18» (الصَّالِحاتِ جُناحٌ) «19» (الصَّالِحاتِ ثُمَّ) «20» فهذه تسعة. ومما جاء في سورة «الأنعام» أربعة أحرف تشم إشمام الضم: (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ) «21» (الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ) «22» (اللَّيْلُ رَأى) «23» (حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) «24» .

_ (1) المائدة: 13. (2) المائدة: 15. (3) المائدة: 19. (4) المائدة: 40. (5) المائدة: 40. (6) المائدة: 64. (7) المائدة: 73. (8) المائدة: 75. (9) المائدة: 76. (10) المائدة: 89. [.....] (11) المائدة: 119. (12) المائدة: 32. (13) المائدة: 39. (14) المائدة: 43. (15) المائدة: 56. (16) المائدة: 94. (17) المائدة: 106. (18) المائدة: 76. (19) المائدة: 93. (20) المائدة: 93. (21) الأنعام: 151. (22) الأنعام: 61. (23) الأنعام: 76. (24) الأنعام: 124. [.....]

والمكسور: (الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي) «1» (الْآياتِ ثُمَّ) «2» . والمجرور حرف واحد: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى) «3» . [ومما جاء في سورة] «4» «الأعراف» الحروف المضمومة: (حَيْثُ شِئْتُما) «5» (حَيْثُ شِئْتُمْ) «6» (نَحْنُ لَكَ) «7» (يَنْزِعُ عَنْهُما) «8» (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) «9» (السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) «10» (وَيَضَعُ عَنْهُمْ) «11» (سَيُغْفَرُ لَنا) «12» . والمكسور: (السَّيِّئاتِ ثُمَّ) «13» (مِنَ الرِّزْقِ قُلْ) «14» (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) «15» (مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) «16» .

_ (1) الأنعام: 143. (2) الأنعام: 46. (3) الأنعام: 71. (4) ما بين القوسين المستطيلين زيادة اقتضاها السياق. (5) الأعراف: 19. (6) الأعراف: 161. (7) الأعراف: 132. (8) الأعراف: 27. (9) الأعراف: 100. (10) الأعراف: 120. (11) الأعراف: 157. (12) الأعراف: 169. (13) الأعراف: 153. (14) الأعراف: 32. [.....] (15) الأعراف: 77. (16) الأعراف: 200.

[ومما جاء في سورة] «1» «الأنفال» : المضموم: (الْأَنْفالُ لِلَّهِ) «2» والمكسور: (الشَّوْكَةِ تَكُونُ) «3» و (الْفِئَتانِ نَكَصَ) «4» . (ومما جاء فى سورة) «5» «التوبة» : المضمومة: (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ) «6» (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) «7» (زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) «8» (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) «9» . والمكسورة: (وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) «10» (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) «11» (وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا) «12» (فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) «13» . [ومما جاء في سورة] «14» «يونس» : المضمومة: (وَما نَحْنُ لَكُما) «15» (نَطْبَعُ عَلى) «16» (الْغَرَقُ قالَ) «17» .

_ (1، 5، 14) تكملة اقتضاها سياق الكلام. (2) الأنفال: 1. (3) الأنفال: 7. (4) الأنفال: 48. (6) التوبة: 52. (7) التوبة: 101. (8) التوبة: 124. (9) التوبة: 61. (10) التوبة: 72. (11) التوبة: 27. (12) التوبة: 40. (13) التوبة: 49. [.....] (15) يونس: 78. (16) يونس: 74. (17) يونس: 90.

والمكسورة: (بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ) «1» (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) «2» وهما مجروران. (السَّيِّئاتِ جَزاءُ) «3» . [ومما جاء في سورة] «4» «هود» : المضمومة: (وَما نَحْنُ لَكَ) «5» (أَطْهَرُ لَكُمْ) «6» (لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) «7» . المكسورة: (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) «8» (الْآخِرَةِ ذلِكَ) «9» (فَفِي النَّارِ لَهُمْ) «10» . [ومما جاء في سورة] «11» «يوسف» : المضمومة: (نَحْنُ نَقُصُّ) «12» (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ) «13» . المكسورة: (إِنَّكِ كُنْتِ) «14» (وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي) «15» .

_ (1) يونس: 11. (2) يونس: 21. (3) يونس: 27. (4، 11) تكملة اقتضاها السياق. (5) هود: 53. (6) هود: 78. (7) هود: 101. (8) هود: 66. (9) هود: 103. (10) هود: 106. (12) يوسف: 3. [.....] (13) يوسف: 98. (14) يوسف: 29. (15) يوسف: 101.

وأما قوله: (يَخْلُ لَكُمْ) «1» فإني قرأته بالإظهار، وقرأت (يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ) «2» بالإدغام، مع استوائهما في أنهما منقوصان. والفرق بينهما أن (يَبْتَغِ) كلمة طويلة فاحتملت الإدغام، و (يَخْلُ) كلمة على ثلاثة أحرف وقد سقطت منها الواو، فلو أدغمت الواو لبقى بينهما حرفان، فكان ذلك مودياً إلى الإجحاف بها. [ومما جاء في سورة] «3» «الرعد» : المضمومة: (الْكُفَّارُ لِمَنْ) «4» . المكسورة: (الثَّمَراتِ جَعَلَ) «5» / (بِالنَّهارِ (10) لَهُ مُعَقِّباتٌ) «6» (الْمِحالِ لَهُ) «7» (الصَّالِحاتِ طُوبى) «8» . [ومما جاء في سورة] «9» «إبراهيم» ، صلوات الله عليه. المضمومة: قوله: (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ) «10» .

_ (1) يوسف: 9. (2) آل عمران: 85. (3) تكملة اقتضاها السياق. (4) الرعد: 42. (5) الرعد: 3. (6) الرعد: 10، 11. (7) الرعد: 13، 14. (8) الرعد: 29. (9) إبراهيم: 50، 51. (10) إبراهيم: 50.

المكسورة: (فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ) «1» وهو مجرور. والثاني: قوله: (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ) «2» . [ومما جاء في سورة] «3» «الحجر» : المضمومة: (نَحْنُ نَزَّلْنَا) «4» (إِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي) «5» (حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) «6» . [ومما جاء في سورة] «7» «النحل» : [ال] «8» مضمومة: (الْمَلائِكَةُ ظالِمِي) «9» (الْأَنْهارُ لَهُمْ) «10» (الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) «11» َمْرُ رَبِّكَ) «12» (أَكْبَرُ لَوْ كانُوا) «13» (يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ) «14» . المكسورة: (وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ) «15» (وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ) «16» (إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ) «17» (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) «18» (الْبَناتِ سُبْحانَهُ) «19» .

_ (1) إبراهيم: 49، 50. [.....] (2) إبراهيم: 23. (3، 7، 8) تكملة اقتضاها السياق. (4) الحجر: 9. (5) الحجر: 23. (6) الحجر: 65. (9) النحل: 28. (10) النحل: 31. (11) النحل: 32. (12) النحل: 33. (13) النحل: 41. (14) النحل: 84. (15) النحل: 72. (16) النحل: 90. (17) النحل: 95. [.....] (18) النحل: 119. (19) النحل: 57.

[ومما جاء في سورة] «1» «بنو إسرائيل» «2» : المضمومة: قوله: (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ) «3» . المكسورة: (فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا) «4» (وَضِعْفَ الْمَماتِ) «5» ثم (مِنْ أَمْرِ رَبِّي) «6» [ومما جاء في سورة] «7» الكهف. المضمومة: (نَحْنُ نَقُصُّ) «8» (تُرِيدُ زِينَةَ) «9» (أَبْرَحُ حَتَّى) «10» (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ) «11» . المكسورة: (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) «12» . [ومما جاء في سورة] «13» «مريم» : المضمومة: (نَحْنُ نَرِثُ) «14» (أَخاهُ هارُونَ) «15» (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) «16»

_ (1، 7، 13) تكملة اقتضاها السياق. (2) بنو إسرائيل هي سورة الإسراء. (3) الإسراء: 31. (4) الإسراء: 66. (5) الإسراء: 75. (6) الإسراء: 85. (8) الكهف: 13. (9) الكهف: 28. (10) الكهف: 60. (11) الكهف: 94. (12) الكهف: 50. (14) مريم: 40. [.....] (15) مريم: 53. (16) مريم: 2.

(الرَّأْسُ شَيْباً) «1» (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ) «2» (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) «3» (سَيَجْعَلُ لَهُمُ) «4» . المكسورة: (النَّخْلَةِ تُساقِطْ) «5» (فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) «6» (بِأَمْرِ رَبِّكَ) (الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ) «7» . [ومما جاء في سورة] «8» «طه» : المضمومة: (نَحْنُ نَرْزُقُكَ) «9» (كَيْدُ ساحِرٍ) «10» (السَّحَرَةُ سُجَّداً) «11» المكسورة: (وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ) «12» [ومما جاء في سورة] «13» «الأنبياء» : المضمومة: (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) «14» المكسورة: (ذِكْرِ رَبِّهِمْ) «15» .

_ (1) مريم: 4. (2) مريم: 47. (3) مريم: 73. (4) مريم: 96. (5) مريم: 25. (6) مريم: 29. (7) مريم: 96. (8، 13) زيادة اقتضاها السياق. (9) طه: 132. (10) طه: 69. (11) طه: 70. (12) طه: 130. [.....] (14) الأنبياء: 60. (15) الأنبياء: 42.

[ومما جاء في سورة] «1» «الحج» : المضمومة: (يُدافِعُ عَنِ) «2» . المكسورة: (السَّاعَةِ شَيْءٌ) «3» (لِلنَّاسِ سَواءً) «4» (بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ) «5» (الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ) «6» في موضعين. [ومما جاء في سورة] «7» «المؤمنون» : المضمومة: (وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) «8» (وَأَخاهُ هارُونَ) «9» (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ) «10» المكسورة: (يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) «11» . [ومما جاء في سورة] «12» «النور» : المضمومة: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) «13» (يَكادُ زَيْتُها) «14» (وَالْأَبْصارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ) «15» (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) «16» .

_ (1، 7، 12) تكملة اقتضاها السياق. (2) الحج: 38. (3) الحج: 1. (4) الحج: 25. (5) الحج: 78. (6) الحج: 14، 23. (8) المؤمنون: 38. (9) المؤمنون: 45. (10) المؤمنون: 47. (11) المؤمنون: 16. (13) النور: 15. (14) النور: 35. [.....] (15) النور: 37، 38. (16) النور: 43.

المكسورة «1» : (الْمُحْصَناتِ ثُمَّ) «2» (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) «3» في موضعين (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) «4» (عِنْدَ اللَّهِ هُمُ) «5» (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) «6» . [ومما جاء في سورة] «7» «الفرقان» : المضمومة: (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) «8» (إِلهَهُ هَواهُ) «9» (أَخاهُ هارُونَ) «10» والمكسورة: (بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) «11» . [ومما جاء في سورة] «12» «الشعراء» : المضمومة: (السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) «13» (أَنُؤْمِنُ لَكَ) «14» (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ) «15» [المكسورة] «16» (مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ) «17» (مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ) «18» . [ومما جاء في سورة] «19» «النمل» : المكسورة: (بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا) «20» (مِنْ فَضْلِ رَبِّي) «21» (عَرْشُكِ قالَتْ) «22» .

_ (1) تكملة اقتضاها السياق. (2) النور: 4. (3) النور: 4، 13. (4) النور: 47. (5) النور: 13. (6) النور: 58. (7، 12، 16، 19) تكملة اقتضاها السياق. (8) الفرقان: 23. (9) الفرقان: 43. (10) الفرقان: 35. (11) الفرقان: 11. (13) الشعراء: 46. [.....] (14) الشعراء: 111. (15) الشعراء: 192. (17) الشعراء: 85. (18) الشعراء: 93. (20) النمل: 4. (21) النمل: 40. (22) النمل: 42.

[ومما جاء في سورة] «1» «القصص» : المضمومة: (وَنَجْعَلُ لَكُما) «2» (الْقَوْلُ رَبَّنا) «3» (وَيَقْدِرُ لَوْلا) «4» . والمكسورة: (النَّارِ لَعَلَّكُمْ) «5» (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) (هُوَ أَهْدى) «6» . [ومما جاء في سورة] «7» «العنكبوت» : المضمومة: (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) «8» (لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) «9» (وَيَقْدِرُ لَهُ) «10» . المكسورة: (ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ) «11» . [ومما جاء في سورة] «12» «الروم» : المكسورة: (آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ) «13» (مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ) «14» ليس فى «لقمان» شىء.

_ (1، 7، 12) تكملة اقتضاها السياق. (2) القصص: 35. (3) القصص: 63. (4) القصص: 82. (5) القصص: 29. (6) القصص: 49. (8) العنكبوت: 46. [.....] (9) العنكبوت: 60. (10) العنكبوت: 62. (11) العنكبوت: 57. (13) الروم: 50. (14) الروم: 54.

[ومما جاء في سورة] «1» «السجدة» : المكسورة: (الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ) «2» . [ومما جاء في سورة] «3» «الأحزاب» : المضمومة: (مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ) «4» (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ) «5» . المكسورة: (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ) «6» . [ومما جاء في سورة] «7» «سبأ» : المضمومة: (وَيَقْدِرُ لَهُ) «8» . [ومما جاء في سورة] «9» «الملائكة» «10» : المضمومة: (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) «11» .

_ (1، 3، 7، 9) تكملة اقتضاها سياق الكلام. (2) السجدة: 21. (4) الأحزاب: 15. (5) الأحزاب: 53. (6) الأحزاب: 49. (8) سبأ: 39. (10) هي سورة فاطر. (11) فاطر: 10.

[ومما جاء في سورة] «1» «يس» : المضمومة: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ) «2» (نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) «3» [ومما جاء في سورة] «4» «الصافات» : المكسورة: (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) «5» . المضمومة: (قَوْلُ رَبِّنا) «6» . [ومما جاء في سورة] «7» «ص» : المضمومة: (خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) «8» (الْقَهَّارُ رَبُّ) «9» المكسورة: (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) «10» .

_ (1، 4، 7) تكملة اقتضاها السياق. [.....] (2) يس: 12. (3) يس: 76. (5) الصافات: 1، 2. (6) الصافات: 31. (8) ص: 9. (9) ص: 65، 66. (10) ص: 32.

[ومما جاء في سورة] «1» «الزمر» المضمومة: (أَكْبَرُ لَوْ) «2» (الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) «3» . المكسورة: (فِي النَّارِ لكِنِ) «4» (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى) «5» (بِنُورِ رَبِّها) «6» (إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) «7» [ومما جاء في سورة] «8» «المؤمن» : المضمومة: (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ) «9» (الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ) «10» . المكسورة: (ذِي الطَّوْلِ لا) «11» (الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ) «12» (الْغَفَّارِ (42) لا) «13» (لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ) «14» (الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ) «15» .

_ (1، 8) تكملة اقتضاها السياق. (2) الزمر: 26. (3) الزمر: 44. (4) الزمر: 19، 20. (5) الزمر: 60. (6) الزمر: 69. (7) الزمر: 73. [.....] (9) المؤمن: 13. (10) المؤمن: 56، 57. (11) المؤمن: 3. (12) المؤمن: 15. (13) المؤمن: 42، 43. (14) المؤمن: 49. (15) المؤمن: 64.

[ومما جاء في سورة] «1» «حم السجدة» : المضمومة: (النَّارُ لَهُمْ) «2» (وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا) «3» (ما يُقالُ لَكَ) «4» . المكسورة: (مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) «5» (بِالذِّكْرِ لَمَّا) «6» (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) «7» [ومما جاء في سورة] «8» «حم عسق» : المضمومة: (الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقالِيدُ) «9» . المكسورة: (وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) «10» . [ومما جاء فى سورة] «11» «الزخرف» : المكسورة: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ) «12» . ليس في «الدخان» شيء.

_ (1، 8، 11) تكملة اقتضاها السياق. (2) فصلت: 28. (3) فصلت: 37. (4) فصلت: 43. (5) فصلت: 36. (6) فصلت: 41. (7) فصلت: 50. [.....] (9) الشورى: 11، 12. (10) الشورى: 21. (12) الزخرف: 36.

[ومما جاء في سورة] «1» «الجاثية» : المضمومة: (بَصائِرُ لِلنَّاسِ) «2» (إِلهَهُ هَواهُ) «3» . المكسورة: (اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً) «4» (الصَّالِحاتِ سَواءً) «5» . [ومما جاء في سورة] «6» «الأحقاف» : المكسورة: (اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ) «7» (بِأَمْرِ رَبِّها) «8» . [ومما جاء في سورة] «9» محمد، صلى الله عليه وآله: المضمومة: (الْقِتالُ رَأَيْتَ) «10» . المكسورة: (الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي) «11» .

_ (1، 6، 9) تكملة اقتضاها السياق. (2) الجاثية: 20. (3) الجاثية: 23. (4) الجاثية: 35. (5) الجاثية: 21. (7) الجاثية: 35. (8) الأحقاف: 25. (10) محمد: 20. (11) محمد: 12.

[ومما جاء في سورة] «1» «الفتح» : المضمومة: (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) «2» . المكسورة: (الْكُفَّارِ رُحَماءُ) «3» (السُّجُودِ ذلِكَ) «4» (وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) «5» [ومما جاء في سورة] «6» «الحجرات» : المكسورة: ( [الْأَمْرِ] «7» لَعَنِتُّمْ) «8» . [ومما جاء في سورة] «9» «ق» : المضمومة: (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) «10» (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ) «11» . [ومما جاء في سورة] «12» «الذاريات» : المضمومة: (حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) «13» .

_ (1، 6، 7، 9، 12) تكملة اقتضاها السياق. (2) الفتح: 14. [.....] (3) الفتح: 29. (4) الفتح: 29. (5) ق: 5. (8) الحجرات: 7. (10) ق: 29. (11) ق: 43. (13) الذاريات: 24.

المكسورة: (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) «1» (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) «2» . [ومما جاء في سورة] «3» «الطور» : المضمومة: (خَزائِنُ رَبِّكَ) «4» . ليس في النجم شيء، ولا في القمر. [ومما جاء فى سورة] «5» «الرحمن» : المكسورة: ِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) «6» . [ومما جاء في سورة] «7» «الواقعة» : المضمومة: (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) «8» [ومما جاء في سورة] «9» «المجادلة» : المضمومة: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «10» . المكسورة: (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ) «11» . [ومما جاء في سورة] «12» «الحشر» : المضمومة: (الْمُصَوِّرُ لَهُ) «13» . [ومما جاء في سورة] «14» «الممتحنة» : المضمومة: (الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا) «15» . المكسورة: (الْكُفَّارِ لا هُنَّ) «16» .

_ (1) الذاريات: 1. (2) الذاريات: 44. (3، 5، 7، 9، 12، 14) تكملة اقتضاها السياق. (4) الطور: 37. (6) الرحمن: 66. (8) الواقعة: 94. (10) المجادلة: 3. [.....] (11) المجادلة: 22. (13) الحشر: 24. (15) الممتحنة: 4، 5. (16) الممتحنة: 10.

[ومما جاء في سورة] «1» «الجمعة» : المضمومة: (مِنْ قَبْلُ لَفِي) «2» . ليس فى «المنافقين» و «التغابن» شيء. [ومما جاء في سورة] «3» «الطلاق» : المضموم: (حَيْثُ سَكَنْتُمْ) «4» . المكسورة: (عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها) «5» . [ومما جاء في سورة] «6» «التحريم» : [المضمومة] «7» : (لِمَ تُحَرِّمُ ما) «8» . [ومما جاء في سورة] «9» «الملك» : المضمومة: (تَكادُ تَمَيَّزُ) «10» . [ومما جاء في سورة] «11» «القلم» : المضمومة: (أَكْبَرُ لَوْ كانُوا) «12» . [ومما جاء في سورة] «13» «الحاقة» : المضمومة: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) «14» . [ومما جاء في سورة] «15» «نوح» عليه السلام: المضمومة: (لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ) «16» .

_ (1، 3، 6، 7، 9، 11، 13، 15) تكملة اقتضاها السياق. (2) الجمعة: 2. (4) الطلاق: 6. (5) الطلاق: 8. (8) التحريم: 1. (10) الملك: 8. (12) القلم: 33. (14) الحاقة: 40. (16) نوح: 4.

[ومما جاء في سورة] «1» «الجن» : المضمومة: (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) «2» . (يَجْعَلُ لَهُ) «3» المكسورة: (عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) «4» . [ومما جاء في سورة] «5» «المزمل» : المكسورة: (عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً) «6» . [ومما جاء في سورة] «7» «المدثر» : المضمومة: (سَقَرُ لا) «8» (تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ) «9» . [ومما جاء في سورة] «10» «الإنسان» : المضمومة: (نَحْنُ نَزَّلْنا) «11» . المكسورة: (الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ) «12» . [ومما جاء في سورة] «13» «والمرسلات» : المضمومة: (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ) «14» . المكسورة: (ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) «15» .

_ (1، 5، 7، 10، 13) تكملة اقتضاها السياق. [.....] (2) الجن: 12. (3) الجن: 25. (4) الجن: 17. (6) المزمل: 20. (8) المدثر: 27، 28. (9) المدثر: 28، 29. (11) الإنسان: 23. (12) الإنسان: 1. (14) المرسلات: 36. (15) المرسلات: 30.

[ومما جاء في سورة] «1» «النازعات» : المضمومة: (الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا) «2» . المكسورة: [و] (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) «3» . [ومما جاء في سورة] «4» «التكوير» : المضمومة: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) «5» . [ومما جاء في سورة] «6» «التطفيف» : المكسورة: (الْفُجَّارَ لَفِي) «7» (الْأَبْرارَ لَفِي) «8» . [ومما جاء في سورة] «9» «البروج» : المكسورة: (وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ) «10» . [ومما جاء في سورة] «11» «القدر» : [المضمومة] «12» : (لَيْلَةِ الْقَدْرِ) «13» . [المكسورة] «14» : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ) «15» تشم إشمام الكسر، (مَطْلَعِ الْفَجْرِ) . [ومما جاء في سورة] «16» «لم يكن» : [المكسورة] «17» : (الْبَرِيَّةِ جَزاؤُهُمْ) «18» .

_ (1، 4، 6، 9، 11، 12، 14، 16، 17) تكملة اقتضاها السياق. (2) النازعات: 6، 7. (3) النازعات: 3، 4. (5) التكوير: 18. [.....] (7) المطففين: 7. (8) المطففين: 18. (10) البروج: 10. (13) القدر: 2. (15) القدر: 1. (18) البينة: 7، 8.

(ومما جاء في سورة) «1» «العاديات» : (المكسورة) «2» (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) «3» (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) «4» (لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) «5» . [ومما جاء في سورة الهمزة] «6» : (تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) «7» . فهذا ما جاء في الإدغام من الإشمام، وجميع ما أدغمه أبو عمرو. ومما ذكرنا نشير إلى إعراب الحروف المدغمة في الخفض والرفع إلا الباء في الميم، والميم في الميم، والفاء في الفاء، والفاء في الميم، والميم في الباء، والباء في الباء، والباء في الميم، فإنه كان لا يشير إلى الإعراب إلا في رواية مدين والمعدل، فإنه كان يشير إلى إعرابهن، كقوله تعالى: (يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) «8» و (يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) «9» و (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) «10» و (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) «11» و (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ) «12» [و] (الصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا) «13» ولا يشم هذا وأمثاله في ظاهر الرواية. قال سيبويه: زعموا أن أبا عمرو قرأ (يا صالِحُ ائْتِنا) «14» جعل الهمزة ياءً، ثم لم يقلبها واواً. ولم يقولوا هذا في الحرف الذي ليس منفصلاً. وهذه لغة ضعيفة، لأن قياس هذا أن يقول: يا غلام وجل. قال أبو علي: القول في ذلك أن الفاء من «أتى» همزة، فإذا أمرت منه أدخلت همزة الوصل على الهمزة التي هي فاء، فاجتمعت همزتان، فقلبت الثانية بحسب الحركة التي على الأولى، فصار حينئذ «إيت» . وهذه الهمزة إذا

_ (1، 2، 6) زيادة اقتضاها السياق. (3) العاديات: 1. (4) العاديات: 2. (5) العاديات: 8. (7) الهمزة: 7. (8) الماعون: 1. (9) المائدة: 99. (10) البقرة: 113. [.....] (11) العنكبوت: 21. (12) المطففين: 24. (13) قريش: 2، 3. (14) الأعراف: 77.

اتصل الفعل الذي هي فيه بكلام قبله سقطت، فلك في التي هي فاء ضربان: إن شئت تركتها مبدلة، وإن شئت خففتها. أما وجه التخفيف، فإنك إنما خففت لاجتماع الهمزتين، فلما زالت العلة التي لها أبدلت، عادت مخففة. هذا وجهه، وهو قياس. إلا أن الوجه الآخر أشبه على مذهب العربية وطرقها، ألا ترى أنا نجد الأفعال يلزم بعضها اعتلال في موضع العلة، فإذا زالت تلك العلة أجرى السائر في الاعتلال، وإن خلا من العلة، جرى ما فيه العلة، وذلك نحو: يعد، ويقوم، ويقول، وما أشبهه. وكذلك ينبغي أن تترك الهمزة التي هي فاء في الأمر من «أتى» مخففة. فهذا حجة أبي عمرو، وعلى هذا تحمل قراءته «يومنون» مخففة، لم يحقق الهمزة من «يؤمنون» بعد أن تكلم بأنها مخففة، كقولك: جؤنة، ثم جون. ولكنه خفف الهمزة في «آمن» لاجتماع الهمزتين، وكذلك في «أؤمن» ثم انتظم المضارع ما في الماضي اللازم فيه القلب، لاجتماع الهمزتين، ما خلا همزة «أفعل» الزائدة، فصارت حرف المضارعة المضموم الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء ساكنة، فقلبها واواً، فخفف «يومنون» على هذا إتباعاً لبعض الفعل بعضاً، لا على التخفيف في «جؤنة» وإن كانت اللفظتان متفقتين أيضاً، فعلى هذا أيضاً لم يحقق الهمزة في: يا صالح إيتنا «1» ، ولم تقلب الياء الهمزة التي هي فاء واواً، وإن كانت ساكنة مضموماً ما قبلها، وشبهها «بقيل» . قال سيبويه: وهذه لغة رديئة يلزم من/ قالها أن يقول: يا غلام اوجل.

_ (1) في الأصل: «في صاديا صالح آيتنا» .

يريد أنه كما لم يقلب الياء الساكنة المضموم ما قبلها واواً، كذلك يلزمه ألا يقلب الواو الساكنة المكسور ما قبلها ياء. وهذا الذي ألزمه إياه فى قراءته (يا صالِحُ ائْتِنا) من قوله: يا غلام اوجل، لا يقوله أحد. قال: وأخبرني أبو بكر محمد بن السري، قال: أخبرنا أبو العباس، أن أبا عثمان قال: لا يلزم أبا عمرو ما ألزمه سيبويه من قوله: يا غلام اوجل، وذلك أنه قاس قوله (يا صالح يتنا) على شىء موجود مثله، وهو قولهم: قيل، وسيق، وليس في الكلام متصلة ومنفصلة، مثل: يا غلام وجل لا مخففة الحركة ولا مشممتها، فلا يلزمه: يا غلام وجل، وقد ثبت قوله: (يا صالح يتنا) قياسا على ما ذكرنا. قال أبو علي: فالقراءة بتخفيف الهمز وإبداله فى قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) «1» و (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) «2» وما أشبه ذلك، مثال (يا صالح يتنا) وما أشبه ذلك. هذا أقوى عندي فى العربية لما ذكر. ومما جاء فيه الإشمام: (قِيلَ) «3» و (وَغِيضَ) «4» و (سِيءَ) «5» و (وَسِيقَ) «6» و (وَحِيلَ) «7» و (وَجِيءَ) «8» جاء في هذه الأوائل إشمام الضم، ليعلم أن أصله كله «فعل» .

_ (1) التوبة: 49. (2) البقرة: 283. (3) النحل: 24. (4) هود: 44. (5) هود: 77. (6) الزمر: 71، 73. (7) سبأ: 54. (8) الفجر: 23.

ألا ترى أنهم قالوا: أما كيد زيد يفعل، وما زيل يفعل، وهم يريدون «فعل» . فإذا حركوا الفاء هذه التحريكة أمن بها التباس الفعل المبني للفاعل بالفعل المبني للمفعول، وانفصل بها، فدلت عليه، وكان أشد إبانة للمعنى المراد. ومن الحجة في ذلك: أنهم قد أشموا نحو «ردّ» و «عدّ» وما أشبه ذلك من التضعيف المبني على «فعل» ، مع أن الضمة الخالصة تلحق فاءه، فإذا كانوا قد تركوا الضمة الصحيحة إلى هذه في المواضع التي تصح فيها «1» الضمة، فإلزامها حيث تلزم الكسرة فيها «2» في أكثر اللغات أجدر. ودل استعمالهم هذه الحركة في «رد» ونحوه من التضعيف على تمكنها في «قيل» و «بيع» وكونها أمارة للفعل المبني للمفعول به، ولولا ذلك لم تنزل الضمة المحضة إليها في نحو قولهم «رد» ونحوه، / من الحجة في ذلك أنهم قد قالوا: أنت تغزين، فألزموا الزاى إشمام الضمة و «زين» من «تغزين» بمنزلة «قيل» فكما ألزم الإشمام هنا كذلك يلزم ذلك في «قيل» . ألا ترى أن من قال «بيع» و «قيل» قال: «اختير» و «انقيد» ، فأشم ما بعد الخاء والنون لما كان بمنزلة: «قيل» ، «بيع» ، وكما ألزم بالإشمام نحو «لا تغزين» ، لينفصل من باب «ترمين» كذلك ألزم «قيل» و «بيع» الإشمام في الضمة لينفصل من الفعل المبني للفاعل فى «كيد» و «زيل» وليكون أدل على فعل. فإن قلت: فهلا ألزم القاف في «قيل» ونحوه إشمام الضمة كما ألزم «تغزين» ؟

_ (1، 2) في الأصل: «فيه» في الموضعين. [.....]

فالقول إن هذه الحركة لما لم تكن ضمة خالصة ولا كسرة محضة ضعفت في الابتداء بخروجها عما عليه الحركات اللاحقة أوائل الكلمة المبتدأ بها. ألا ترى أن أبا عمرو لم يشم في الاستئناف في «يا صالح يتنا» وقد قدمنا أن أبا عمرو في الإدغام يشم المرفوع والمضموم، وأبو علي يفرق بينهما، فزعم أن أبا عمرو لا يشم، يقول: إيذن لي، كما يشم «يا صالح يتنا» والصحيح ما قدمنا. ومما يدل على أن هذه التحريكة قد صارت أمارة لبناء الفعل للمفعول به، وأنها مما يختص به الفعل، أنك لو سميت رجلاً بمثل «قيل» و «بيع» شيئاً وخلعت منه الضمير الذي كان فيه لأخلصت الكسرة فقلت: قيل، وبيع. فدل هذا من مذهب سيبويه على أن هذه الحركة أشبه عنده بالفعل، وأشد لزوماً من الأمثلة التي تختص بالفعل، ولا يكون في الاسم، نحو: ضُرِب، وضورِب، وضُرِّب. ألا ترى أنك لو سميت بشىء من ذلك مجرداً من الضمير لم تغيره عن بنائه إلى ما يختص الاسم، وقد رأى تغيير هذه الحركة وإخلاسها كسرة. ومما يقوى قول من قال «قيل» أن هذه الضمة المنحو بها نحو الكسرة قد جاءت في نحو قولهم: «شربت من المنقر» ، وهو بئر ضيقة، و «هذا ابن مذعور» ، و «ابن بور» ، فأمالوا هذه الضمات نحو الكسرة لتكون أشد مشاكلة/ لما بعدها وأشبه به، وهو كسر الراء.

وإذا أخذوا بهذا التشاكل «اللفظ» ، حيث لا تميز معنى من معنى آخر، فأن يلزموا ذلك حيث يزيل اللبس ويخاص معنى من معنى، أجدر وأولى. قال الرازي: وإذا ريم إدغام المتحرك سكن، غير أن القراءة يسمون الضم والكسر عند الإدغام إبانة عن الأصل، إذا اختلف حركتا المدغم فيه، أو حركة المدغم وما قبله، أو سكن، وكان الساكن جامدأ، فإن كان ذائباً فأنت مخير فيه بين إشمام الحركة وإتمام المد، أو الجمع بين قليل من المد وقليل من الإشمام، إلا إذا كانت الذائبة واواً قبلها ضمة، وكان المدغم مرفوعاً، أو كانت ياءً قبلها كسرة وكان المدغم مجروراً، فإنك تمده لا غير ولا إشمام للنصب. ومنهم من يفرق في ذلك بين حركات البناء والإعراب، فيشم للإعراب فقط، والإشمام للباء والميم الفاء في إدغامها. وكان الدوري لا يشم بتة، ولعل ذلك كان منه لضرر كان به، لأن الإشمام مرئى غير مسموع، وهو قول النّحاة. ومن ترك الإشمام لزمه تفخيم (الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا) «1» ونحوه حال الإدغام. وإشمام الكسر يسمى روماً وإشمام الضم دون الروم. قال الفراء: كان أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف يقفون بروم الحركة على المرفوع والمجرور ونحو (نَسْتَعِينُ) «2» و (مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) «3» و (يَشاءُ) «4»

_ (1) آل عمران: 193، 194. (2) الفاتحة: 4. (3) فصلت: 32. (4) الكهف: 24.

ونحو ذلك، إلا أن يكون هاء منقلبة عن تاء التأنيث، نحو (رَحْمَةٌ) «1» فإنهم لا يرومون فى ذلك، [و] الباقون يقفون على السكون. ومن هذا الباب ما رواه أبو بكر عن عاصم في قوله تعالى (بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) «2» بإشمام الدال الضمة وكسر النون والهاء. قال أبو علي: هذا ليعلم أن الأصل كان في الكلمة الضمة، ومثل ذلك قولهم: «أنت تغزين» ، وقولهم: «قيل» ، أشممت الكسرة فيها الضمة لتدل على أن الأصل فيها التحريك بالضم. فإن كان إشمام «عاصم» ليس في حركة خرجت إلى اللفظ، وإنما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة. / ولو كانت مثل الحركة في «تغزين» لم يلتق ساكنان، ولم يكسر النون لاجتماعهما، ولكن يجتمعان في أن أصل الحرف التحريك بالضم، وإن اختلفا في أن الحركة في «تغزين» قد خرجت إلى اللفظ ولم تخرج في قوله «لدن» . وأما وصله الهاء بباء في الوصل فحسن، ألا ترى أنه لو قال: ببابه، وبعبده، فلم يوصل الهاء بباء لم يحسن، ولكان ذلك مما يجوز في الشعر. وكذلك أبو بكر عن عاصم في قوله (مِنْ لَدُنَّا) «3» يشم الدال شيئاً من الضم، واختلف عن يحيى والله أعلم.

_ (1) الكهف: 10. (2) الكهف: 2. (3) الكهف: 65.

الباب الثاني عشر

الباب الثاني عشر هذا باب ما جاء في التنزيل ويكون الجار والمجرور في موضع الحال محتملاً ضميراً من صاحب الحال وذلك معروف في كلامهم، حكى عن العرب «خرج زيد بسلاحه» أي: متسلحاً. فمن ذلك قوله تعالى، في أحد التأويلين: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) «1» قال أبو علي: أي يؤمنون إذا غابوا عنكم، ولم يكونوا كالمنافقين الذين يقولون: (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) «2» وقد قال: (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) «3» / وقال: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) «4» وقال أبو ذؤيب: أخالد ما راعيت من ذى قرابة ... فتحفظنِي بالغيب أو بعض ما تبدى فالجار مع المجرور في موضع الحال، أي: يحفظنى غائباً. ويخشون ربهم غائبين من مراءاة الناس، لا يريدون بإيمانهم التصنع والتقرب رجاء المنالة، ولكن يخلصون إيمانهم لله.

_ (1) البقرة: 3. (2) البقرة: 14. (3) الأنبياء: 49. (4) ق: 33.

قال: ويجوز فيها وجه آخر: وهو أن هذه الآية إجمال ما فصل، في قوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) «1» والموصوفون فيها خلاف من وصف في قوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً) «2» وكفرهم بالملائكة ادعاؤهم بنات الله فيها، كما ادعوا في قوله: (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) «3» وقوله: (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) «4» وكفرهم بالكتاب إنكار له فى قوله: (وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) «5» وكفرهم بإرسال الرسل إنكارهم إرسالهم، نحو قوله: (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ) «6» وقوله: (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا) «7» وكفرهم بالآخرة، قوله: (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي) «8» وكل هذه الأمور غيب قد أنكروه ودفعوه، فلم يؤمنوا به ولم يستدلوا على صحته. فقال تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) «9» أي: بهذه الأشياء التي كفروا بها، هؤلاء الذين ذكر كفرهم بها عنهم، وخصهم بالإيقان بالآخرة في قوله: (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) «10» وإن كان الإيمان قد شملها، لما كان من كفر المشركين بها وجحدهم إياها، في نحو ما حكى عنهم في قوله تعالى: (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) «11» .

_ (1) البقرة: 285. (2) النساء: 136. (3) الزخرف: 16. [.....] (4) الزخرف: 19. (5) الأنعام: 91. (6) المؤمنون: 34. (7) الفرقان: 41. (8) سبأ: 3. (9) البقرة: 3. (10) البقرة: 4. (11) الجاثية: 24.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) «1» أي: حامدين لك. نظيره: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) «2» أي حامدين «3» له. نظيره: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) «4» أي: حامدين له، ومن ذلك قوله: (آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) «5» أي: مجدين مجتهدين. نظيره بعده فى الأعراف: (أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) «6» أي بجد واجتهاد. ومن ذلك قوله تعالى: (وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) «7» أي: محسناً، أي له أن يؤدي إليه محسناً لا مماطلاً. ومن ذلك قوله: (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) «8» أي: مؤتمرة بأمر الله، فالباء في موضع الحال. ومن ذلك قوله تعالى: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً) «9» ف «الكتاب» مفعول به، وقوله «بالحق» في موضع نصب على الحال، وهو متعلق بمحذوف. و «مصدقا» حال من الضمير الذي في قوله «بالحق» والعامل فيه المعنى، ولا يجوز أن تجعله بدلاً، لأن الاسم لا يبدل من الاسم، هكذا ذكروه، وفيه إشارة إلى أن الظرف لا يتعلق بالاسم، ويكون بدلاً من الاسم قبله.

_ (1) البقرة: 30. (2) الإسراء: 52. (3) في الأصل: «أي حامدون» . (4) الإسراء: 44. (5) البقرة: 63. (6) الأعراف: 171. [.....] (7) البقرة: 178. (8) البقرة: 234. (9) آل عمران: 3.

وأعجب من ذا جعله «مصدقاً» حالاً من نفس الحق، بعد أن قال في قوله (وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها) «1» أنه يجوز أن يكون عطفاً على الضمير في «حق» . وقال غيره وهو قد رضي به في قوله: (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) «2» إن نصب «مثل» راجع إلى الضمير في «لحَقّ» . فلم لا تجعل قوله «مصدقاً» حالاً من الضمير في قوله «بالحق» ؟ ومثله: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) «3» حال من الضمير في «أنزلناه» . وأما قوله: (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) «4» فيحتمل الجار فيه ضميرين: أحدهما «أن يكون التقدير» نزل بالحق كما تقول: نزلت بزيد. ويجوز أن يكون حالاً من الضمير الذي في «نزل» . ومثله: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) «5» فمن رفع «الأمين» يكون الجار مثل الذي في: مررت بزيد ويكون حالاً، كما تقول: نزل زيد بعدته، وخرج بسلاحه. وفي التنزيل: (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) «6» أي: دخلوا كافرين وخرجوا كافرين. ومثله: (مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ) «7» .

_ (1) الجاثية: 32. (2) الذاريات: 23. (4- 3) الإسراء: 105. (5) الشعراء: 193. (6) المائدة: 61. (7) الأنعام: 114.

ألا ترى أن «أنزلت» يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا بنيته للمفعول لم يبق له متعدًّى إلى مفعول به. وقوله «من ربك» على حد: (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) «1» . و «بالحق» حال من «الذكر» الذي في «منزل» . ومما جاء الجار فيه حالاً كما جاء في الآى الآخر: (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) «2» . المعنى: أنزله وفيه علمه. كما أن «خرج بعدته» تقديره: خرج وعليه عدته. والعلم: المعلوم. أي: أنزله وفيه/ معلومه. ومثل ذلك قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) «3» . فالمعنى- والله أعلم-: يوم تشقق السماء وعليها الغمام. فالجار متعلق بمحذوف في موضع الحال كما تقول: خرج زيد بثيابه. ومنه قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) «4» الجار في موضع الحال، أي: ثابتا منه آيات محكمات. و «آيات» يرتفع بالظرف هنا على المذهبين. ومنه قوله تعالى: (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً) «5» أي: ثابتاً فيه هدى ونور. يدل عليه انتصاب قوله «ومصدقاً» ويرتفع «هدى» بالظرف في المذهبين.

_ (1) البقرة: 89. (2) النساء: 166. (3) الفرقان: 25. (4) آل عمران: 7. (5) المائدة: 46. [.....]

ومن هذا الباب قوله: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) «1» قوله (فِي النَّارِ) لا يخلو من أن يكون متعلقاً ب «يوقدون» أو بمحذوف فلا يجوز أن يكون تعلقه ب «يوقدون» من حيث لا يستقيم «أوقدت عليه في النار» إلا أن الموقد عليه إنما يكون فى النار. فيصير (فِي النَّارِ) على هذا غير مفيد، وكذلك (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) «2» . وكما أنه لو قيل هنا: أوقد لى يا هامان على الطين في النار، لم يستقم. كذلك الآية الأخرى. وإذا كان كذلك ثبت أن تعلق «في النار» من قوله: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) «3» إنما هو المحذوف، والظرف الذي هو «في النار» في موضع حال. وذو الحال الهاء التي في «عليه» أي ومما يوقدون عليه ثابتاً في النار، أو كائناً في النار. ففي قوله «في النار» ضمير مرفوع يعود إلى الهاء التي هي اسم ذى الحال. ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) «4» الجار في قوله (فِي بُطُونِهِمْ) حال من المذكور، وكان وصفاً له كقوله: لميّة موحشا طلل «5»

_ (1) الرعد: 17. (2) القصص: 38. (3) الرعد: 17. (4) النساء: 10. (5) البيت لكثير، وعجزه: (يلوح كأنه خلل) .

ولا يتعلق ب «يأكلون» لأن الأكل لا يكون في بطنه. والمعنى: إنما يأكلون مثل النار في بطونهم، لأنه يؤدي إلى حصول النار في بطونهم. أو يجعله ناراً على الاتساع، لما يصير إليه من ذلك في العاقبة. ومن هذا الباب قوله: / (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ) . فالباء في قوله (بِحَبْلٍ) «1» متعلق بمحذوف في موضع الحال. والتقدير: ضربت عليهم الذلة في جميع أحوالهم أينما ثقفوا إلا متمسكين بحبل الله. فحذف اسم الفاعل وانتقل الضمير إلى الظرف. وقال أبو علي: الاستثناء من «الذلة» المعنى: يذلون إلا أن يكون معهم حبل من الله، وهو ما يكونون به ذمة. ولا يكون متعلقا بقوله «ثقفوا» ألا ترى أنه لا يصح: أينما ثقفوا إلا بحبل من الله لأنه إذا كان معهم حبل من الله لم يثقفوا. ومن هذا الباب قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) «2» الكاف في موضع الحال، أي مشابهة أحوالهم أحوال من [لم] «3» يلبثوا. وفيه غير هذا، ذكرناه في باب آخر. ومن ذلك قوله تعالى: (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) «4» أي: بجد واجتهاد، أي: خذ الكتاب مجداً. ومثله. خذها بقوة. أي: بجدٍ، أي: مجداًّ.

_ (1) آل عمران: 112. (2) يونس: 45. (3) تكملة يقتضيها السياق. (4) مريم: 12.

ومثله قوله تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) «1» أي: هزى إليك رطبا جنيا متمسكة بجذع النخلة. فعلى هذا لا تكون الباء زائدة، بل يكون مفعول «هزى» فيمن أعمل الأول رطباً، وأضمر في «تساقط» ومن أعمل الثاني أضمر في «هزى» . ومثله: (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) «2» أي: فانبذ إليهم مستوين. كما أن قوله: (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) «3» أي: آذنتكم مستوين. فالحال من الفاعل والمفعول جميعاً. كقوله: متى ما تلقنى فردين «4» وقوله: وإن تلقنى برزين ولأبي علي في هذا كلام طويل ذكر فيه أن الحال كالصفة، من حيث لا يجوز تعريض الصفة لعاملين مختلفين. وكذا يقبح في الحال ما يقبح في الصفة من تعريضها لعمل عاملين مختلفين فيهما، كما قبح ذلك في الصفة. وقد حمل سيبويه شيئاً منها على المعنى، نحو ما أجازه من قولهم: هذا رجل مع رجل قائمين. حيث جعل ما عملت فيه «مع» داخلاً فى معنى الإشارة، فأجاز نصب «قائمين» على الحال، كما أجاز نصبهما في: هذا رجل ورجل قائمين.

_ (1) مريم: 25. (2) الأنفال: 58. (3) الأنبياء: 109. (4) البيت بتمامه: متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا

فأما قوله: متى ما تلقنى فردين «1» وتعلقت [من] ليلى صغيرين «2» و: «إن تلقنى برزين» لا يعتد به. ولا أعلم لسيبويه في ذلك نصاً، ولا يجوز أن نقول: إنه/ لا يجوز على قياس قوله، لأن السائل الذي منع ذلك فيها عاملان، وليس في هذا إلا عامل واحد. فإذا كان هناك عامل واحد، وذو الحال واحد من جهة تعريضه لعاملين، لا يصح لأنه ليس هناك عاملان. فإن قلت: فهلا فسد حمله على الحال لأن الحال تقتضى أن يكون فيها ذكر من ذى الحال، وذو الحال مفردان وحالهما مثناة، فلا يرجع إذن إليهما من حاليهما ذكر، وإذا لم يرجع فسد أن يكون حالاً لهما، فاحمله على فعل مضمر. قلنا: لا يفسد أن يكون ذلك حالاً لأنا نحمله على المعنى، ألا تراهم قالوا: مررت برجلين قائم وقاعد. فرددت الذكر إليهما على المعنى، فكما رددت إلى المثنى المفردين، للحمل على المعنى، كذلك ترد إلى المفردين من المثنى للحمل على المعنى.

_ (1) البيت: متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا [.....] (2) البيت: تعلقت من ليلى صغيرين ليتنا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر إليهم.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ) «1» . أي: فصلناه عالمين. وقال عز وجل: (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ) «2» والتقدير: علمها ثابت في كتاب ثابت عند ربي، ف «عِنْدَ رَبِّي» كان صفة للمجرور. فلما تقدم انتصب على الحال. ومن ذلك قوله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) «3» . أي: مضطجعين، ففي الظرف ضمير لوقوعه موقع مضطجعين وقائمين. ومثله: (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) «4» أي: دعانا مضطجعاً. لا بد من ذا التقدير في الموضعين ليصح العطف عليه. وأبو إسحاق حمل اللام وما بعده على المس دون الدعاء، وإذا مس الإنسان مضطجعاً أو قائماً أو قاعداً الضُّر دعانا. وحمله على الدعاء أولى من حمله على المس لكثرة الآى في ذلك. من قوله: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) «5» . وقوله: (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) «6» وغيرهما.

_ (1) الأعراف: 52. (2) طه: 52. (5- 3) آل عمران: 191. (4) يونس: 12. (6) الروم: 33.

فأما قوله: (وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ) «1» فقد يكون من هذا الباب، أي: لم يخرج منفرداً عن مدين. ويجوز أن يكون كقوله: (أَسْرى بِعَبْدِهِ) «2» فتعديه بالباء. وأما قوله في (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ/ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) «3» أي: لزمت حب الخير معرضاً عن ذكر ربي. والجار فى موضع الحال. و «أحببت» بمعنى: لزمت الأرض، من قولهم: أحبَّ البعير: إذا برك. ومن قال: «أحببت» بمعنى: آثرت، كان «عن» بمعنى «على» ، أي: آثرت حب الخير على ذكر ربي. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) «4» فيما يتعلق به الجار وما ينتصب عنه «نُزُلاً» أوجه: يجوز أن يكون «نزلاً» جمع نازل، مثل: شارف وشُرف. قال الأعشى: أو تنزلون فإنا معشرٌ نُزُلُ «5» فإذا حملته على ذلك أمكن أن يكون حالاً من شيئين: أحدهما: الضمير المرفوع في «تدَّعون» .

_ (1) القصص: 29. (2) الإسراء: 1. (3) ص: 32. (4) فصلت: 31 و 32. (5) صدره: قالوا الركوب فقلنا تلك عادتنا.

والآخر: أن يكون من الضمير المجرور في قوله «لكم» . والآخر: أن يكون «النزل» كالتي في قوله: (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) «1» فإذا حملته على هذا كان حالاً للموصول والعامل فيها «لكم» . فأما قوله: (مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) «2» فمتعلق بمحذوف، وهو صفة للحال، كقوله: جاءني زيد رجلاً صالحاً. ولا يجوز أن يكون «من» متعلقاً ب «تدَّعون» إذا جعلت «نزُلاً» حالاً من «ما» لأنك لا تفصل بين الصلة والموصول بأجنبي. ألا ترى أن الحال إذا كانت من الموصول كانت بمنزلة الصفة له، ولا يجوز أن يعترض بها بين الصلة والموصول، كما لا يجوز ذلك في الصفة. ولو جعلت «نُزُلاً» جمع نازل، حالاً من الضمير المرفوع لجاز أن يكون «من غفور رحيم» متعلقاً ب «تدَّعون» ولم تكن لتفصل بها لأن الحال والجار جميعاً في الصلة. ولو جعلت الحال- أعني: نزلاً- من «كُمْ» في «ولَكُمْ» والجار متعلق ب «تدَّعون» لم يجز أيضاً للفصل بأجنبي بين الصلة والموصول. ولا يجوز أن يكون متعلقاً ب «لكم» على أن يكون ظرفاً، لأنه تعلق به ظرف آخر وهو «فيها» .

_ (1) الواقعة: 93 و 94. (2) فصلت: 32.

ويجوز أن يكون «من» والمجرور به في موضع حال من الضمير المجرور في «لكم» . وفي هذا نظر، لأنك لو قدرت «لكم» ثابتين «من غفور رحيم» لم يكن له معنى، فإذا حملته على ذلك جعلت «نزلاً» حالاً من الضمير المرفوع في «تدعون» أو من «ما» . ولا يجوز أن يكون حالاً من الضمير المجرور في «لكم» لأنه لا يكون منه/ حالان، كما لا يكون له ظرفان. فإن جعلت «من» صفة لنزلٍ جاز أن يكون «نزلاً» حالاً من الضمير المجرور في «لكم» . فأما قوله تعالى: (كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) «1» . فإن جعلت «نزلاً» ، من قوله (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) «2» فعلى حذف المضاف، كأنه: كانت لهم كل جنات الفردوس نزلاً، لأن الجنات مكان. وإن جعلته جمع نازل، كانت حالاً من الضمير المجرور فى «لهم» . ومن ذلك قوله تعالى: (فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) «3» . فإن: «قِبلك» ينتصب على ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون ظرفاً لمعنى الفعل في اللام الجارة.

_ (1) الكهف: 107. [.....] (2) الواقعة: 93. (3) المعارج: 36 و 37.

والآخر: أن يكون ظرفاً «لمهطعين» . والثالث: أن يكون الظرف في موضع الحال، وكون الظرف في موضع الحال كثير فاش. ومثله: (يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) «1» أي ركبانا. كقوله تعالى في الأخرى: (فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً) «2» فيكون فيه ذكر فيمكن أن يكون «مهطعين» «3» حالاً من ذلك الضمير. وأما قوله (عِزِينَ) «4» فيجوز أن ينتصب من ثلاثة أضرب: أحدها أن يكون صفة للحال الذي هو «مهطعين» . ويجوز أن ينتصب عن «مهطعين» وفيه ضمير يعود إلى ما في «مهطعين» . ويجوز أن ينتصب عما في قوله: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) «5» . ذلك أن الظرف يجوز أن يكون صفة ل «مهطعين» لأنه نكرة، وإذا كان كذلك تضمن ضميراً، وإذا تضمن الضمير أمكن أن ينتصب «عزين» عن ذلك. ويجوز في قوله: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) «6» أن يكون متعلقاً ب «مهطعين» . ويجوز أن يتعلق ب «عزين» على حد قولك: أخذته عن زيد. ومن ذلك قوله تعالى: (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) «7» أي: أتبعهم عقوبته. مستعدا جامعا لجنوده.

_ (1) الحج: 27. (2) البقرة: 238. (3) المعارج: 36. (6- 5- 4) المعارج: 37. (7) طه: 78.

ومن ذلك قول الفراء: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ) «1» أي: مسافراً لأن «مسافراً» حال عند الفراء، وخبر «كان» على قولنا. وقال: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) «2» . ومثله: (يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) «3» - أي: ركبانا- ففي الظرف ضمير، كما في قوله (فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) «4» أي: مضطجعين. ومن ذلك قوله: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) «5» أي: يكلمهم صبياً وكهلاً. وكذلك قوله: (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) «6» أي: صالحاً. كما أن ما قبله (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) «7» حال، أي: مقرباً. / ومن ذلك قوله: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ) «8» فقوله «بالليل» جنس «9» في موضع الحال، أي: مصبحين ومظلمين، وفيه ذكر. ومن ذلك قوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) «10» أي: متزيِّنا. ومن ذلك قوله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) «11» . الجار يتعلق بمحذوف في موضع النصب على الحال من الضمير في قوله (وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) «12» .

_ (1) البقرة: 184. (2) المائدة: 6. (3) الحج: 27. (4) النساء: 103. (6- 5) آل عمران: 46. (7) آل عمران: 45. (8) الصافات: 137 و 138. [.....] (9) هكذا في الأصل. ولعلها: «خبر» . (10) القصص: 79. (11) النور: 36. (12) النور: 34.

أي: خلوا من قبلكم ثابتين في بيوت أذن الله، وما بينهما من الكلام تسديد لهم وبيان أحوالهم. وإن قدرت مبتدأ على معنى: أولئك في بيوت أذن الله أن ترفع، جاز، وجاد. وقال: والمراد بهم الأنبياء، صلوات الله عليهم، والمؤمنون معهم. وقيل: بل هو متعلق بمحذوف صفة «مصباح» في قوله: (فِيها مِصْباحٌ) «1» أي: المصباح ثابت في بيوت. وقيل: بل هو صفة ل «مشكاة» ، أي كمشكاة ثابتة في بيوت. وقيل: هو من صلة «توقد» أي توقد في بيوت أذن الله. وقيل: إن البيوت لا تكون مسجداً واحداً، ولا يستعمل مصباح واحد إلا في مسجد واحد، فالمشكاة إذا كانت كوة غير نافذة فمصباحها لا يضىء عدة مساجد. وقيل: بل هو من صلة «يسبِّح» فيمن جعل «رجالاً» فاعلين. ومن رتب المفعول للمفعول فإنه يمكن أن يكون كقولهم: في الدار زيد. فيكون «رجال» مبتدأ والظرف خبراً «2» . وهكذا في تفسير الدمياطي. فتسقط خصومة الفارسي من أن رجالا يرتفع ب مضمر، كقوله: ... ليبك يزيد ضارع لخصومة

_ (1) النور: 35. (2) تكملة يستقيم بها الكلام.

ولعل الحارثي لم يحتج بهذه الآية لهذا المعنى، واحتج بقراءة الذمارى: (قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) «1» ، وقد رجحنا قول قطرب على ذلك. ومن ذلك (فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) «2» أي: من دين الله، فيكون «فى شىء» حالاً من الضمير في «من الله» . ومعنى «ليس من الله» البراءة وخلاف الموالاة، ألا تر ى إلى قوله: عرينٌ من عرينة ليس منىِّ ... برئت إلى عرينة من عرين «3» وقد يكون [منه] قوله: (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) «4» . ومن ذلك قوله تعالى: (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) «5» . وقوله: (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) «6» أي: تمشون ولكم هذا النور. فيجوز أن يكون ذلك علماً للمؤمنين وفصلاً لهم ممن خالفهم ورغب عن دينهم. ومن ذلك قوله: (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) «7» . قال أبو علي: (فِي أُمَمٍ) متعلق ب «ادخلوا» ولا يجوز أن يتعلق «بخلت» نفسه، لتعلق حرف الجر به. و «فى النَّار» يجوز أن يكون صفة ل «أمم» .

_ (1) الأنعام: 137. (2) آل عمران: 28. (3) عرين: هو ابن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وقيل: هو ثعلبة بن يربوع. وعرينة: بطن من بجيلة. والبيت لجرير. (4) الأنعام: 159. (5) الأنعام: 122. (6) الحديد: 28. (7) الأعراف: 38.

ويجوز أن يكون حالاً من الضمير الذي في الظرف، الذي هو (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) «1» . ويجوز أن يكون حالاً من الذكر الذي في «خلت» ومتى جعلت الشيء حالاً لم يجز أن تكون عنه حال أخرى. ومن ذلك قوله تعالى: (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) «2» . قيل: الباء زيادة. ومعنى «منعنا» : اقتضى منا ألا نفعل. وكل ما أوجب ألا يفعل شيء فهو مانع منه، وإن لم تزل القدرة عليه، وموضع «أن نرسل» نصب، لأنه مفعول «منع» . وقيل: الباء في «بالآيات» باء الحال، أي: نرسل رسولنا ومعه الآيات. ومن ذلك قوله: (يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ) «3» . قال أبو علي: لا تكون الباء زائدة، لأن الفاكهة لا تدعى، فتكون على وجهين. إما أن تكون حالاً من الداعين، أي: يدعون مقدرين فيها الملابسة بكل فاكهة، فيكون كقولهم: خرج بناقته، وركب بسلاحه. وإما أن تكون صفة للمصدر المحذوف، كأنه: يدعون فيها دعاء بكل فاكهة، أي: قد التبس الدعاء بكل فاكهة.

_ (1) الأعراف: 38. [.....] (2) الإسراء: 59. (3) الدخان: 55.

ومن ذلك قوله تعالى: (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً) «1» . قال أبو علي: هو حال مؤكدة منتصبة عن معنى الفعل الذي دلت عليه الجملة. ولو جعلت قوله «إليكم» متعلقاً بمحذوف وجعلته حالاً مؤكدة كقوله «ومصدقاً» فيمن جعل إليكم غير متعلق بالرسول ولكن بالمحذوف، أمكن أن يكون «مصدقاً» حالاً من الضمير في «إليكم» فكان العامل في الحال ما فى معنى الفعل من «إليكم» . ومن ذلك قوله: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) «2» . قيل: الباء للحال. / والمعنى: فسبح حامداً، أو: فسِّبح تسبيحك حامداً. لتكون الحال مضامة للفعل. وقيل: الباء للسبب، أي: سبّحه بأن تحمده. والمعنى: احمده لتكون مسبحاً له. وأما قوله تعالى: (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) «3» . أي: عن قوله، فتصير معه محاذراً ما جاءك من الحق. وقال: (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) «4» .

_ (1) الصف: 6. (2) النصر: 3. (3) المائدة: 48. (4) قريش: 4.

وأما قوله: (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ- إلى قوله- يَسِيرٌ) «1» . فقد قال أبو علي: يجوز أن يكون «في» ظرفاً ل «أصاب» ول «مصيبة» أيضاً. يؤكد ذلك ويحسنه دخول «لا» في قوله: (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) فصار بمنزلة: ما مررت برجل ولا امرأة. ويجوز أن يكون صفة للنكرة. وقوله: (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) «2» صفة أخرى لها. فيحتمل على ذلك أن يكون موضعه جراً على لفظ «مصيبة» رفعاً على الموضع. وجاز دخول «لا» هنا وإن لم يكن الكلام على هذا التأويل نفياً لأنه لما كان معطوفاً على ما هو منفي في المعنى، حمل عليه، كقوله: يحكى علينا إلا كواكبها «3» وكذلك قوله: (فِي الْأَرْضِ) «4» لما كان صفة لمنفى حمل الأمر على معناه. وإن شئت قلت إن «لا» زائدة. والأول أبين، لأن الحمل على معنى [لا] «5» قد كثر. قالوا: إن أحدا لا يقول ذاك إلا زيد.

_ (1- 2- 4) الحديد: 22. (3) عجز بيت لعدي بن زيد العبادي أو صدره: فى ليلة لا ترى بها أحدا (5) تكملة يقتضيها السياق.

وقوله: (إِلَّا فِي كِتابٍ) «1» منصوب الموضع على الحال. ولا يجوز أن يكون صفة، لأن «إلا» لا تدخل بين الموصوف والصفة كدخولها بين الحال وذى الحال، نحو: ما جاء زيد إلا قائماً. وذلك لأن الصفة مع الموصوف كالجزء الواحد، وما بعد «إلا» جار مجرى ما بعد حرف النفي في انقطاعه من الأول، والحال بمنزلة الخبر، وليس الخبر مع المخبر عنه كالشيء الواحد. فأما العامل في الحال إذا كان «في الأرض» ظرفاً. فشيئان: أحدهما «أصاب» وذو الحال نكرة. والآخر: أن يجعل حالاً مما في «مصيبة» من الذكر. وحسنت الحال من النكرة لتعلق الظرف به، ك «منك» في «خير منك» لأنه قد خصصه. وأما من جعل (فِي الْأَرْضِ) وصفاً فيجوز أن يكون هو العامل في الحال، وذو الحال الذكر الذي فيه. / ويجوز أن يكون ذو الحال الذكر الذي في قوله: (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) «2» والعامل فيها الظرف. ولا يجوز أن تكون الحال منهما جميعاً، لأنه لا يعمل في معمول واحد عاملان.

_ (2- 1) الحديد: 22.

فأما قوله: (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) «1» فمتعلّق «في» بقوله: «في كتاب» ويكون ذو الحال (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . وفي قوله: (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) ذكر من الفاعل الظاهر. ولا شيء في قوله: (فِي كِتابٍ) لارتفاع الظاهر به في القولين. والمعنى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا مكتوبا، بتيسير ذلك على الله من قبل أن نبرأها. ويجوز في قوله: (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) أن يتعلق بما دل عليه ما تقدم قبل (إِلَّا) ، فيكون المعنى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم من قبل أن نبرأها إلا في كتاب، تيسير ذلك على الله. ونظير هذا المعنى قوله: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) «2» . ومثله قول الأعشى: ولا قائلاً إلاّ هو المتعتِّبا «3» ولا يمتنع هذا الوجه من أجل الفصل الذي وقع بين الفاعل وما ارتفع به بذلك، لأنه مما يلابسه، فلا يتنزّل منزلة الأجنبي منه. ومع ذلك فالظرف أحمل للفصل من غيره. انتهت الحكاية عن أبى على، وفيه غير سهو:

_ (1) الحديد: 22. (2) النحل: 43. (3) صدره: وليس بجيرا إن أتى الحق خائفا

أما تشبيهه «إلا» بحرف النفي، ومنع ما بعد «إلا» متعلقا بما قبلها كحرف النفي، فليس كذلك. ألا ترى قوله: (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) «1» فجر «مقطوعة» حملا على ما قبل «إلا» . وقال: (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) «2» . وقال: (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) «3» . ومسألة الكتاب: مررت برجلين لا شجاع ولا جبان. وأما قوله: (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) «4» أنه متعلق بمحذوف حال، وصاحب الحال (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) «5» فهو فاسد، كسرت «إن» أو فتحت. أما الكسر فلأن ما بعد «إنَّ» لا يتقدم عليه، لأن «إنَّ» تقطع ما بعدها مما قبلها. وقد ذكرنا هذا في هذا الكتاب. وأما فتح «أنَّ» فإنه لم يقرأ به، وهو في تقدير المصدر، / وما في حيّز المصدر لا يتقدم عليه. وقد وقعت هذه المسألة في عدة نسخ من «التذكرة» ، وليس فيه هذا الفصل الأخير. وإنما وقع في تهذيب عثمان، وهو يتكلم على مثل هذه الأشياء، ولم يتكلم هنا بشيء، فلا أدري كيف سها عنه مع وضوحه؟.

_ (1) الواقعة: 32، 33. [.....] (2) البقرة: 68. (3) البقرة: 71. (5- 4) الحديد: 22.

الباب الثالث عشر

الباب الثالث عشر هذا باب ما جاء في التنزيل دالاً على جواز تقديم خبر المبتدأ وإنما ذكرنا هذا الباب لأن أبا علي خيل إلى عضد الدولة أنه استنبط من الشعر ما يدل على جواز ذلك فقال: ومما يدل على جواز تقديم خبر المبتدأ على المبتدأ قول الشماخ: كلا يومي طوالة وصل أروى ... ظنون آن مطرح الظّنون «1» قال: ف «وصل أروى» مبتدأ، و «ظنون» خبره. و «كلا» ظرف لظنون. والتقدير فيه: كلا يومي مشهد طوالة، كأنها رباب بها في اليومين، كقول جرير: كلا يومي أمامة يوم صدٍ ... وإنْ لم تأتها إلاَّ لماما المعنى: كلا يومي زيارة أمامة يوم صد. أي: إن زرناها لماما أو دراكا صدت عنا كلا يومي زيارتها. ولو كان أبو الحسن حاضراً لم يستدل بقول الشماخ، وإنما يتبرك بقوله عزّ من قائل: (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) «2» ألا ترى أن «هم» مبتدأ و «يوقنون» في موضع خبره، والجار، من صلة (يُوقِنُونَ) وقدمه على المبتدأ. ومثله: (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) «3» أي: هم خالدون فى النار.

_ (1) طوالة: اسم بئر. (2) البقرة: 4. (3) التوبة: 17.

وأما قوله تعالى (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) «1» فليس من هذا الباب، لأن «هم» مبتدأ. و «كافرون» خبره. والجار من صلة الخبر. وكذلك في هود ويوسف قوله: (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) «2» «هم» مبتدأ: و «كافرون» الخبر، والجار من صلة الخبر، فكرر «هم» تأكيداً. وسأعدُّه في جملة المكررات. ومثله قوله: (وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) «3» . «ما فرطتم» في موضع ابتداء، ولا يكون مرتفعاً بالظرف، لأن «قبل» لما بُني خرج من أن يكون خبراً. ألا ترى أنه/ قال: لا يبنى عليه شيء ولا يبنى على شيء. فإذا لم يجز أن يكون مستقراً علمت أن قوله: «في يوسف» وأن قوله: «من قبل» معمول هذا الظرف. الذي هو: «في يوسف» وإن تقدم عليه، لأن الظرف يتقدم على ما يعمل فيه، وإن كان العامل معنى قوله: أكلَّ يومٍ لك ثوبٌ؟ والتقدير: لك ثوب كل يوم. والتقدير: وتفريطكم في يوسف من قبل، فوقع الفصل بين حرف العطف والمبتدأ بالظرف. وإذا كان كذلك فالفصل فيه لا يقبح في الرفع والنصب كما قبح في الجر. ويجوز ألا يكون ذلك فصلاً ولكن الحرف يعطف جملة على ما قبل.

_ (1) الأعراف: 45. (2) هود: 19، ويوسف: 37. (3) يوسف: 80.

وكما استدل أبو الحسن بجواز تقديم الخبر على المبتدأ بالبيت، استدل بجواز تقديم خبر كان على كان بقوله: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) «1» . والتقدير: أكنتم تستهزئون بالله. وقد جاء تقديم خبر «كان» ، على «كان» ، في قوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) «2» . وقوله: (هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) «3» . ف «أينما» في الآيتين خبر «كان» . وكذلك فى قصة عيسى: (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) «4» . فأما قوله: (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) «5» ف «ما» موصولة بمعنى: الذي، والفعل بعده صلة له والعائد إليه محذوف، أي: كنتم تدعونه أو تدعونهم، لقوله «ضلُّوا» . والموصول مرفوع بالابتداء، «وأين» خبر مقدم عليه. بخلاف ما في الآيتين المتقدمتين، لأنها صلة زائدة والتقدير: أين كنتم؟ وأين كانوا؟

_ (1) التوبة: 65. (2) الحديد: 4. (3) المجادلة: 7. (4) مريم: 31. (5) الأعراف: 37. [.....]

وكما استدل بهذين فيما ذكرنا استدل بتقديم خبر «ليس» على «ليس» بقوله تعالى: (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) «1» . فقال: التقدير: ألا ليس العذاب مصروفاً عنهم يوم يأتيهم. ف «يوم» ، منصوب بمصروف، وقدمه على «ليس» فدل على جواز: قائماً ليس زيد. فزعم عثمان أن الآية تحتمل وجهين غير ما قاله. أحدهما: أن «يوماً» ظرف، والظرف يعمل فيه الوهم، فيجوز تقديم الظرف الذي عمل فيه خبر ليس على ليس، ولا يدل على/ جواز «قائماً ليس زيد» والوجه الثاني: أن «يوماً» منصوب بمعنى «ألا» لأن معنى «ألا» تنبيه. قال سيبويه: «ألا» تنبيه، تقول: ألا إنه ذاهب. و «ألا» حرف واحد، وليست «لا» التي للنفي دخل عليها الهمزة. ألا ترى وقوع «إنَّ» بعدها في قوله: (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) «2» (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) «3» (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) «4» ، (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ) «5» . ولو كانت تلك لم تخل من أن يقع بعدها اسم أو فعل، نحو: ألا رجل، وألا أمرأة، وألا يقوم زيد، ففي وقوع «إن» بعدها دليل على ما ذكرنا.

_ (1) هود: 8. (2) هود: 5. (3) البقرة: 13. (4) البقرة: 12. (5) الصافات: 151.

فإن قلت: إذا كان حرف تنبيه فكيف جاز أن يدخل على التنبيه في مثل قوله: ألا يا اسلمى «1» ، و (أَلَّا يَسْجُدُوا) «2» . فإنما جاز ذلك: لأن «يا» لما استعمل استعمال الجمل سد مسدها في النداء، جاز دخول هذا الحرف عليه كما جاز دخولها على الجمل. ويدلك على أنها ليست للنفي قوله تعالى: (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) «3» ولو كان نفياً لم يدخل على «ليس» ، إذ تقلب المعنى إلى الإيجاب، وليس الأمر كذلك، لأن معنى النفي «بلا» قائم صحيح في «ليس» هذا، فهذا يدلك على أنها ليست «لا» التي للنفي. ويدلك على ذلك أيضاً أن «لا» النافية لم تدخل على «ليس» في موضع، فحملها على النافية هنا لا يصح، لأنه لم يوجد له نظير، ف «ألا» بمعنى: انتبه. وقد عمل في (يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) ، فلا يدل على جواز: قائماً ليس زيدٌ. وإنما يدل عليه: (أَيْنَ ما كانُوا) «4» (أَيْنَ ما كُنْتُمْ) «5» لأن «ليس» من أخوات «كان» .

_ (1) البيت بتمامه: ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ... ولا زال منهلا بجر عائك القطر (2) النمل: 25. (3) هود: 8. (4) المجادلة: 7. (5) الحديد: 4.

وقد جاء «ألا» في التنزيل يراد ب «لا» فيه معنى النفي في موضعين في ابتداء الكلام: أحدهما: قوله (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) «1» . والموضع الآخر: (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) «2» . وما ذكرناه من أن قوله: (ما فَرَّطْتُمْ) «3» مبتدأ، و (فِي يُوسُفَ) «4» خبره. لأنه لا يجوز أن يكون (مِنْ قَبْلُ) «5» خبراً لما نقلناه عن سيبويه، يقودك إليه في قول الشاعر: وما صحب زهرٍ في السنين التي مضت ... وما بعد لا يدعون إلا الأشائما ألا ترى أن شارحكم زعم أن «ما» موصولة و «بعد» صلته، ولم يكن له حسّ ولا علم بقول صاحب الكتاب من أن «قبل» و «بعد» في حالتي البناء لا يخبر عنهما ولا بهما، ولا توصل بهما الموصولات. ف «ما» في البيت زيادة غير موصولة كقوله: (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) «6» فأما تقدم خبر «كان» على اسمها فقد شاع عنهم، وجاء في التنزيل في مواضع منها: قوله (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) «7» فيمن نصب «البر» وقوله: (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) «8» وهي قراءة أهل الأمصار أعني قولهم (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) «9» فيمن نصب.

_ (1) الملك: 14. (4- 2) المطففين: 4. (3) يوسف: 80. (5) النساء: 155. [.....] (6) المائدة: 13. (7) البقرة: 177. (8) آل عمران: 147. (9) الأنعام: 23.

وقوله: (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) «1» . وقوله (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ) «2» . فإن «يعلمه» اسم «يكن» و «آية» خبر مقدم على الاسم، وهي قراءة الناس سوى ابن عامر، فإنه قرأ «أو لم تكن» بالتاء، «وآية» رفعا. فحمله الفارسي على إضمار القصة، وأن «يعلمه» مبتدأ و «آية» ، خبره والجملة خبر (تكن) ، كقوله: (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ) «3» . إلا أن التقدير: أو لم تكن القصة، وقوله (تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ) «4» فعل وفاعل في موضع الجر. ومثل قوله: (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) «5» قوله: (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا) «6» . ومثل قوله: (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) «7» قوله: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) «8» . فهو مبتدأ. و «فى شأن» خبره. أي: هو كائن في شأن كل يوم. ف «كل يوم» ظرف لقوله «في شأن» ف «في شأن» ضمير انتقل إليه من اسم الفاعل، وليس في «كل يوم» ضمير لتعلقه بالظرف دون المضمر.

_ (1) النور: 51. (2) الشعراء: 197. (4- 3) غافر: 50. (5) الأعراف: 82. (6) الجاثية: 25. (7) البقرة: 4. (8) الرحمن: 29.

وهذا على قول من وقف على قوله «كلّ يوم» ، فهو منصوب ب «يسأله» . وقوله «هو في شأن» مبتدأ وخبر. ومثل الأول ما حكاه سيبويه من قولهم: أكل يوم لك ثوب. وأما جعل «أن» بصلته اسم «كان» ، وليس في الآى التي تلوناها، فإنما كان لأن «أن» وصلتها أولى وأحسن لشبهها بالمضمر في أنها لا يوصف [بها] «1» المضمر، وكأنه اجتمع مضمر ومظهر. والأولى إذا اجتمع مضمر ومظهر أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في/ الاختصاص من المظهر، فكذلك إذا اجتمع مع مظهر غيره كان أن يكون اسم كان المضمر والمظهر الخبر أولى. فلهذا المعنى قال قوم: إذا قلت: في الدار إنك قائم، ونحو قوله: (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) «2» (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) «3» (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) «4» . إنما رفع بالظرف لأنه يشبه المضمر. و «غدا الرحيل» ، هو «أن» مع الفعل، فيشبه المضمر. ويلزم على تشبيه «أن» بالمضمر أن تكون «أن» الناصبة للفعل مرتفعة في قوله بالظرف لاجتماعها مع «أن» فيما ذكرنا.

_ (1) تكملة يقتضيها السياق. (2) فصلت: 39. (3) الروم: 25. [.....] (4) الروم: 20.

وليس الأمر في «أن» كذلك لارتفاعها بالابتداء، وإن لم يجز تقديمه في قوله: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) «1» و (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) «2» . ولا يستقيم أن يفصل بينهما ب «أن» يقال: إنّ «أنْ» الخفيفة قد ابتدئت والثقيلة لم تبتدأ. لأنه يقال له: ارفعه بالابتداء، وإن لم يجز تقديمه، كما رفعت «زيدا» ونحوه بالابتداء، وإن لم يجز أن يبتدأ بها في أول الكلام. وأما قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) «3» ، فمذهب سيبويه أن في «كاد» ضمير القصة والحديث، وفسر بالجملة من الفعل والفاعل. وجاز ذلك فيها وإن لم تكن مثل «كان» وبابها من الأفعال المجردة من الدلالة على الحدث، لمشابهتها لها في لزوم الخبر إياها. ألا ترى أنها لا تخلو من الخبر، كما أن تلك الأفعال كذلك. وقد أجاز أبو الحسن في قوله: (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) «4» أن يكون في «كاد» ضمير ممن تقدم، ويرفع (قُلُوبُ فَرِيقٍ) «5» «تزيغ» . قال: وإن شئت رفعتها، يعني «القلوب» ب «كاد» وجعلت «تزيغ» حالا.

_ (1) البقرة: 184. (2) النور: 60. (5- 4- 3) التوبة: 117.

فأما احتماله الضمير مما جرى، فوجهه: أنه لما تقدم قوله: (لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) «1» . وكانوا قبيلا، ومن عاندهم من الكفار والمنافقين قبيلا، أضمر في كاد، قبيلا. فأما كون «يزيغ» حالاً فيدل على صحته قول العجاج: إذا سمعت صوتها الخرَّارا ... أصم يهوى وقعها الصوارا ألا ترى أنه قد تقدم «يهوى» على «وقعها» في موضع هاويا، وهذا يدل على جواز تقديم الحال من المضمر. ومن تقديم خبر «كان» قوله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) «2» فالظرف حشو و «أحد» اسم «كان» ، و «كفوا» خبره، وأجاز أن يكون «له» وصفا للنكرة، فلما تقدم انتصب على الحال. وحمله الكوفي على إضمار المجهول في «يكن» ، وفي «يكن» ضمير القصة، و «كفوا» حال. وهذا إنما جاز عندهم للحاق النفي الكلام، وإلا كان كفرا، لأنك إذا قلت: لم يكن الأمر له كفواً أحد، كان إيجابا، تعالى الله عن ذلك وتقدّس.

_ (1) التوبة: 117. (2) الإخلاص: 4.

فهو كقولهم: ليس الطيب إلا المسك، على إضمارٍ في «ليس» وإدخال «إلا» بين المبتدأ والخبر، لأنه يؤول إلى النفي. والعامل في الظرف إذا كان حالاً هو «يكن» . وعلى قول البغداديين في «كفوا» المنتصب على الحال «لَهُ» ، و «لَهُ» متعلق بمحذوف في الأصل، و «أحد» مرتفع به على قولهم. وكانَّ «له» إنما قدمت وإن لم يكن مستقراً، لأن فيه تبييناً وتخصيصاً ل «كفو» . فلهذا قدم، وحسن التقديم وإن لم يكن مستقراً. فهذا كله في تقديم ما في حيز المبتدأ. فأما الظرف إذا كان خبراً ل «كان» فتقديمه على اسم «كان» كثير، كقوله: (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) «1» وقوله: (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) «2» . وقوله: (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) «3» وكقوله: (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) «4» . فأما قوله: َ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) «5» فقيل: «نصر» يرتفع ب «كان» ، و «حقا» خبر مقدم. وقيل: بل اسم «كان» مضمر، والتقدير: كان الانتقام حقاً، فتقف على هذا، وتبتدئَ لَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) «6» .

_ (1) القصص: 37. (2) يونس: 78. (3) آل عمران: 13. (4) الكهف: 43. (6- 5) الروم: 47.

ومن هذا الباب قوله تعالى: (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) «1» ف «هم» مبتدأ، و «يستغفرون» الخبر، والجار في صلة «يستغفرون» ، وقدمه على المبتدأ كما قدم (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) «2» . ومثله: (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) «3» . ف «أنتم» مبتدأ، و «مدهنون» خبره، والجار من صلة «مدهنون» . وأما قوله (قَلِيلًا) «4» فستراه في باب آخر إن شاء الله.

_ (4- 1) الذاريات: 17، 18. (2) البقرة: 4. (3) الواقعة: 81. [.....]

الباب الرابع عشر

الباب الرابع عشر هذا باب ما جاء في التنزيل وقد حُذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه/ وهو جائز حسن في العربية يعد من جملة الفصاحة والبلاغة. وقد ذكره سيبويه في غير موضع من كتابه. فمن ذلك قوله: (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) «1» والتقدير: وبالدار الآخرة هم يوقنون. ومن ذلك قوله: (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) «2» أي: في الدار الآخرة. كما أن قوله: (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) «3» أي: في الدار الدنيا. دليله قوله: (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) «4» . وما جاء في التنزيل من قوله: (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) «5» فهو على تقدير: ولدار الساعة الآخرة، فتكون «الآخرة» صفة للساعة المضمرة. وعليه قراءة ابن عامر فى قوله: (لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) فى الأنعام «6» .

_ (1) البقرة: 4. (2) البقرة: 130. (3) البقرة: 130. (4) الأنعام: 32. (5) النحل: 30. (6) الأنعام: 32.

وليست «الدار» مضافة إلى الآخرة لأن الشيء لا يضاف إلى صفته كما لا يضاف إلى نفسه. وعلى هذا: مسجد الجامع، أي الوقت الجامع وصلاة الأولى، أي: صلاة الساعة الأولى و (دِينُ الْقَيِّمَةِ) «1» ، أي: دين الملة القيمة وكذلك (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) «2» أي: حب الزرع الحصيد و (حَقُّ الْيَقِينِ) «3» أي: حق العلم اليقين. فمن قال بخلاف ذا فقد أخطأ. ومن ذلك قوله تعالى: (آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) «4» أي: آمنوا إيمانا مثل إيمان الناس، (قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) «5» أي أنؤمن إيماناً كإيمان السفهاء. فحذف الموصوف وأقيمت الكاف التي هي صفته بمقامه. وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل من قوله: «كما» . ومثله: «كذلك» في نحو قوله: (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) «6» أي قولاً مثل ذلك قال الذين لا يعلمون. ويكون (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) بدلاً من الأول وتفسيراً. ومثله: (كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) «7» ، و: (كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) «8» . ومثله: (كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ) «9» أي: فعلا مثل ذلك، وقولا مثل ذلك.

_ (1) البينة: 5. (2) ق: 9. (3) الواقعة: 95. (4) البقرة: 13. (6- 5) البقرة: 113. (7) آل عمران: 40. (8) آل عمران: 47. (9) مريم: 9. [.....]

وأما قوله: (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ) «1» إن «2» شئت كان وصفاً لمصدر قوله: (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) «3» على تقدير: إتماما مثل إرسالنا الرسول. وإن شئت كان من صلة قوله: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) «4» أي: ذكرا مثل إرسالنا الرسول. وأما قوله: (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) «5» فإن شئت كان صفة لمصدر خبر مبتدأ تقدم/ ذكره، على تقدير: (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) «6» أي: الأنفال ثابتة لله ثبوتاً كثبوت إخراج ربك إياك من بيتك. وإن شئت: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم إصلاحاً مثل إخراجك من بيتك. وأما قوله تعالى: (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) «7» أي: تعودون عودا مثل بدئنا إياكم، كقوله: (بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ) «8» . وعلى هذا قياس كاف التشبيه في التنزيل، وهذا نوع آخر من حذف الموصوف. ومن ذلك (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) «9» فريق- (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ) «10» فحذف الموصوف وجعل (يَوَدُّ) وصفا له.

_ (1) البقرة: 151. (2) الأصل: «وإن» . (3) البقرة: 150. (4) البقرة: 152. (5) الأنفال: 5. (6) الأنفال: 1. (7) الأعراف: 29. (8) الأنبياء: 104. (10- 9) البقرة: 96.

وقدره آخرون: ولتجدنهم ومن الذين أشركوا، أي: ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس فهو وصف لموصوف منصوب معطوف على مفعول (لَتَجِدَنَّهُمْ) . وقدره الفرّاء: من يود. و «من» إن كان موصولاً فلا يجوز إضماره، وإن كان موصوفاً جاز إضماره، كقول حسان: فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء أي: من يمدحه ومن ينصره. ويكون «من» موصوفاً. ومن لم يقف على «حياة» ، فإنما أدخل «من» على قوله: (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) «1» حملاً على المعنى. إذ المعنى: ولتجدنهم أحرص من الناس ومن الذين أشركوا. ومن ذلك قوله تعالى: (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) «2» قال أبو علي: ومن الذين هادوا فريق يحرف الكلم، فحذف الموصوف، كما قال: (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) «3» أي: ومن آياته آية يريكم البرق دليله قوله: (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) «4» أي: سماعون من أجل الكذب. أي: يسمعون ليكذبوا عليك ويحرفوا ما سمعوا. فقوله «يحرفون» صفة لقوله «سماعون» وليس بحال من الضمير الذي في «يأتوك» . ألا ترى أنهم إذا لم يأتوا لم يسمعوا فيحرفوا، وإنما التحريف ممن يشهد ويسمع ثم يحرف.

_ (1) البقرة: 96. (2) النساء: 46. (3) الروم: 24. (4) المائدة: 41.

وإذا كان كذلك فالمحرفون من اليهود بعضهم، وإذا كانوا بعضهم لا جميعهم كان حمل قوله: (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) فريق (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) أشبه من حمله على ما أجبنا نحن به أحد شيوخنا، لأنه لهذه الآية أوفق. يعني بذلك حين سأله أحد شيوخه عن تعلق (مِنَ) في قوله: (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) «1» فأجابه بأنه يتعلق ب «نصير» من قوله (وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً) «2» . كقوله (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا) «3» فإن قلت: فلم لا نجعل قوله (يُحَرِّفُونَ) «4» حالاً منها في (لَمْ يَأْتُوكَ) «5» على حد (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) «6» أي مقدرا البلوغ فيه، فإن الذي قدمناه أظهر إن شاء الله «7» . ومن حذف الموصوف، قوله: (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) «8» أي: قوماً حصرت صدورهم، فحذف الموصوف وقدر «قوم» فيه. أي: قد حصرت صدورهم، ليكون نصباً على الحال. وقال قوم: هو على الدعاء. ومن حذف الموصوف قوله: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) «9» أي: عشر حسنات أمثالها. فحذف الموصوف. وفيه وجهان آخران نخبرك عنهما في بابيهما إن شاء الله. ومن حذف الموصوف قوله تعالى: (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) «10» أي: شيء من نبأ المرسلين. لا بد من هذا التقدير، لأنك لو لم تقدر هذا

_ (1) النساء: 46. [.....] (2) النساء: 45. (3) المؤمن: 29. (4- 5) المائدة: 41. (6) المائدة: 95. (7) يبدو أن هذه العبارة التي بين النجمتين من تعليق قارئ. (8) النساء: 90. (9) الأنعام: 160. (10) الأنعام: 34.

لوجب عليك تقدير زيادة «من» في الواجب، وليس «1» مذهب صاحب الكتاب. ومثله قراءة من قرأ: (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ) «2» بالجر. تقديره: وشيء من نحاس. فحذف الموصوف، إذ لا يجوز جر «نحاس» على النار، لأن النحاس لا يكون منه شواظ. ومن حذف الموصوف قوله: (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) «3» أي: ما أنتم بمعجزين من في الأرض. «فمن» موصوف، وقد حذفه. ومن حذف الموصوف: (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) «4» أي (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً «5» ... وَدانِيَةً) أي: وجنة دانية، فحذف الموصوف. ومثله (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) «6» أي ما منا أحد إلا ثابت له مقام، فالظرف صفة ل «أحد» المضمر. ولا بد من تقديره ليعود الهاء إليه، وهذا يدل على قول الفقهاء حيث قالوا فيمن قال لعبده: إن كان في هذا [البيت] إلا رجل فأنت حر. فإذا كان فيه رجل والصبى فإنه يحنث لأن التقدير: إن كان في/ هذا البيت أحد إلا رجل والصبي من جملة الأحد، إلا أن يعني أحداً من الرجال، فيدَّين إذ ذلك. والذي يقوله النحويون في قولهم «ما جاءني إلا زيد» : «زيد» فاعل ل «جاء» و «أحد» غير مقدر، وإن كان المعنى عليه لأن تقدير «أحد» يجوز نصب زيد، ولم يرد عن العرب نصبه في شيء من كلامهم بتة.

_ (1) في الأصل: «فليس» . (2) الرحمن: 35. (3) العنكبوت: 22. (4) الإنسان: 14. (5) الإنسان: 12. (6) الصافات: 164. [.....]

وحذف «أحد» جاء في التنزيل، وإن لم يكن موصوفاً، كقوله (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) «1» والتقدير: وإن من أهل الكتاب أحد. كذا: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) «2» أي: إن منكم أحد. وإن جعلت الظرفين في الآيتين وصفاً ل «أحد» على تقدير: وإن أحد ثابت من أهل الكتاب، وإن أحد منكم إلا واردها، كان وجها. وإن طلبت شاهداً على حذف «أحد» من أشعارهم، فقد أنشد سيبويه: لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم «3» أي: ما في قومها أحد يفضلها. ولفظ سيبويه في ذلك: وسمعنا بعض العرب الموثوق به يقول: ما منهم مات حتى رأيته في حال كذا وكذا. وإنما أراد: ما منهم أحد مات، ومثل ذلك (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) «4» ومثل ذلك في الشعر للنابغة «5» : كأنك من جمال بنى أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشن «6» أي: كأنك جمل من جمال بني أقيش.

_ (1) النساء: 159. (2) مريم: 71. (3) البيت للنابغة، والشاهد فيه: حذف الاسم والتقدير: أو قلت ما في قومها أحد يفضلها لم تكذب فنأثم. والميسم: الجمال. وكسر تاء تأثم على لغة من يكسر تاء تفعل فانقلبت التاء ياء (الكتاب 1: 375) . (4) النساء: 159. (6- 5) الشاهد فيه: حذف الاسم لدلالة حذف التبعيض عليه، والتقدير كأنك جميل من هذا الجمال. وبنو أقيش حي من اليمن في إبلهم نفار، ويقعقع يصوت والقعقعة صوت الجلد البالي، وهو الفتن.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) «1» والتقدير: وقوم أخذنا ميثاقهم، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. وقيل: إن التقدير: وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم، ففصل بين الواو والفعل. وقيل: هو محمول على قوله: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) «2» (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا) «3» ، فحمل على المعنى. ومن ذلك قوله: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) «4» أي: قوم مردوا (وَآخَرُونَ) «5» (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) «6» . والمعنى: ومنهم آخرون، ومنهم الذين اتخذوا. ومن ذلك قوله: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) «7» أي: كبرت كلمة تخرج، فحذف وأقام الجملة مقامه. قال أبو علي/: يحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون في «كبرت» ضمير مما جرى من اتخاذ الولد، وأنث على المعنى، لأن ذلك «كلمة» فعلى هذا لا يكون بمنزلة «نِعْمَ» ، لأن فاعل «نعم» لا يكون معهوداً. وتكون «كلمة» على هذا منتصبة على الحال. كما أن «مقتاً» في قوله (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا) «8» حال.

_ (1) المائدة: 14. (2) المائدة: 12. (3) المائدة: 14. (4) التوبة: 101. (5) التوبة: 102، 106. (6) التوبة: 107. (7) الكهف: 5. (8) الصف: 3.

ويجوز أن تجعله بمنزلة «نِعْمَ» وتضمر فيها شائعا كما تضمر في: نِعْمَ رجلاً. فإذا جعلته كذلك احتمل قوله: (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) «1» أمرين، ولكن لا بد منها لتبيين الضمير. والآخر: أن يكون صفة للمخصوص بالذم وقد حذف، والتقدير: كبرت الكلمة كلمةً تخرج من أفواههم، فحذف المخصوص بالذم، لأنه إذا جاز أن يحذف بأسره في نحو: نعم العبد، كان أن يحذف وتبقى صفتها أجود. وإن جعلت قوله (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) «2» صلة ل «كلمة» المذكورة، كان المخصوص بالذم مرادا، ويكون ذلك قولهم (اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً) «3» فحذف ولم يذكر لجرى ذكرها، كما لم يذكر «أيُّوب» في قوله (نِعْمَ الْعَبْدُ) «4» لجرى ذكره. ومن ذلك قوله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) «5» أي: قولا ذا حسن، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه بعد حذف المضاف. ومن قرأ (حسناً) فالتقدير: قولاً حسناً. قال أبو علي: وحسُن ذلك في حَسَن، لأنه ضارع الصفة التي تقوم مقام الأسماء، نحو: الأبرق، والأبطح، والأبتر «6» . ثم يقولون: هذا حسن، ومررت بحسن، ولا يكادون يذكرون معه الموصوف.

_ (2- 1) الكهف: 5. [.....] (3) الكهف: 4. (4) ص: 44. (5) البقرة: 83. (6) في الأصل: «عبد الأبتر» .

ومثل ذلك في حذف الموصوف قوله: (قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا) «1» أي متاعاً قليلاً، يدلك على ذلك قوله: (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) «2» . وقوله: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ) «3» يحسن هذا، وإن كان قد جرى على الموصوف في قوله: (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) «4» . وكذلك يحسن في قوله: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) «5» . أما قوله: (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) «6» فينبغي أن يكون اسماً، لأنه قد عودل به ما لا يكون إلا اسما، وهو السوء. وأما قوله: (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) «7» فيمكن أن يكون: / أمرا ذا حسن، ويمكن أن يكون: الحسن، مثل الحلو. ومن ذلك قوله: (فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ) «8» أي: إيماناً قليلاً يؤمنون. ف «قليلا» صفة إيمان، وقد انتصب ب «يؤمنون» أعني: إيماناً. وكذلك قوله: (قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ) «9» أي: تذكرا قليلا تذكرون. و (قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ) «10» أي: شكرا قليلا تشكرون.

_ (1) البقرة: 126. (2) النساء: 77. (3) آل عمران: 196، 197. (4) الشعراء: 54. (5) البقرة: 83. (6) النمل: 11. (7) الكهف: 86. (8) البقرة: 88. (9) الأعراف: 3. (10) الأعراف: 10. [.....]

ومعنى (فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ) «1» أي: الإيمان لهم، لأن القلة يراد به النفي. قال سيبويه: قَّل رجل يقول ذاك إلا زيد. والمعنى: ما رجل يقول ذاك إلا زيد. فزيد لا يجوز فيه إلا الرفع لأنه منفي وكذلك: قلما سرت حتى أدخلها، بالنصب. كما تقول: ما سرت حتى أدخلها. وأما قوله: (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) «2» . فقد قال أبو علي: قلة إيمانهم قولهم: الله ربنا، والجنة والنار حق. وليس هذا بمدح إيمانهم، إذ ليس القدر مما يستحق به الجنة، ولا يكون التقدير إلا جماعة قليلاً لقوله: (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) «3» . فعمَّهم باللعن. وإنما التقدير: إيماناً قليلاً. وأما قوله: (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) «4» أي: قليلاً في العدد من الليل لم يهجعوا، عن الضحّاك، وهو ضعيف. لأنه قدم الجار على المنفى. وقيل: كانوا قليلاً هجوعهم، و «ما» مصدرية، فتكون بدلاً من الضمير في «كانوا» ، أي: يرتفع بالظرف. و (قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ) «5» خبره، لأنه حدث والجملة في موضع خبر «كان» . قال الشيخ: هذا سهو منه، لأنه إذا ارتفع بالظرف لم يرتفع بالابتداء، وإذا لم يرتفع بالابتداء لم يكن «قليلاً» خبراً، لا سيما و «قليلا» منصوب، فكيف يكون خبر «ما» ، إنما نصبه لأنه خبر «كان» .

_ (1) البقرة: 88. (2) النساء: 155. (3) النساء: 52. (5- 4) الذاريات: 17.

ولا يمتنع أن يكون «قليلاً» خبراً عن «ما» وصلته، وإن لم يجز أن يكون خبراً عن المبدل منه لأن المقصود الآن هو البدل. ولا يجوز أن يرتفع «ما» ب «قليل» ، وهو موصول بالظرف لأن «القليل» لما وصلت به من قوله (مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) «1» قد دل على أنه ليس بصفة الهجوع، إنما القلة للّيل. وإن علقت «من الليل» «بكانوا» أو ب «قليل» «ما» نفي لم يجز، ألا ترى أن «قليلاً» على هذا الخبر للضمير الذي في «كانوا» / ولا يكون من «الليل» فلا يتعلق أيضاً ب «كانوا» على حد قولك: «كانوا من الليل» . ولم يرض أبو علي أن يكون (مِنَ اللَّيْلِ) مثل قوله: (مِنَ الزَّاهِدِينَ) «2» (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) «3» . قال أبو علي: في الآى التي تقدم ذكرها فصل «4» نقلته لك، وهو أنه قال في قوله (فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ) «5» ، أي: فلا يؤمنون إلا إيماناً قليلاً، كما تقول: ضربته يسيراً وهيناً. وقال: (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) «6» أي: المكرات السيئات. ويجوز أن يكون (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) أي: لا يؤمنون إلا نفراً قليلاً، كقوله: (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) «7» . فهذا قلة في العدد، ويكون حالاً. ولا يراد به القلة التي هي الوضع، والتي هي خلاف الكثرة فى قوله: وأنت كثير يا ابن مروان طيّب

_ (1) الذاريات: 17. (2) يوسف: 20. (3) الأنبياء: 56. (4) في الأصل: «فصلا» . (5) البقرة: 88. (6) فاطر: 10. (7) هود: 40.

وما روى من قوله: المرء كثير بأخيه، لأن ذلك لا يوصف به المؤمنون. وعكسه: (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) «1» . فأما قوله: (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا) «2» فيكون العدد من الذل لأنهم لكفرهم لا يكثرون عند البأس، فهم خلاف الأنصار الذين قال فيهم: إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع. وقوله تعالى: (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) «3» ليس هو من قلة العدد، كأنه: عن زمان قليل يندمون. و «عَمَّا» متعلق بمحذوف يدل عليه (لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) «4» . ومن حذف الموصوف قوله: (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) «5» أي: نعم شيئاً يعظكم به موعظته، فحذف المخصوص بالمدح، وكلاهما حسن. ومنه قوله: (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ) «6» ، أي: فرقة خائنة. وقيل: على خيانة. وقيل: الهاء للمبالغة. فأما قوله: (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) «7» أي: بالصيحة الطاغية. فحذف الموصوف.

_ (1) الإسراء: 89. (2) الأحزاب: 18. (4- 3) المؤمنون: 40. [.....] (5) النساء: 58. (6) المائدة: 13. (7) الحاقة: 5.

وقيل: بفعل النفس الطاغية. فحذف المضاف والموصوف، وهو عاقر الناقة. وقيل: بل الطاغية للطغيان أي: أهلكوا بطغيانهم كالكاذبة. وقال: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) «1» . وقيل: بالذنوب الطاغية، أي: المطغية. ولما قال: (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) «2» فذكر العذاب، اقتضى ذلك الوجه الأول، كي يكون المعطوف كالمعطوف عليه. / واعلم أن فاعلة التي بمنزلة «العافية» و «العاقبة» أريتك فى هذه الآي الثلاث «الخائنة» و «الكاذبة» و «الطاغية» . وفي آيتين «الخالصة» في قوله: (ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ) «3» أي: ذات خلوص. وقال: (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ) «4» ، أي: بإخلاصهم أو بالخلوص لهم، (ذِكْرَى الدَّارِ) . فهذه خمسة مواضع حضرتنا الآن. ومثله «الكافة» فهو كالعافية والعاقبة، ونحوه. ويدل عليه قوله: (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) «5» فأوقع على الجماعة. وقال: (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً) «6» .

_ (1) الشمس: 11. (2) الحاقة: 6. (3) الأنعام: 139. (4) ص: 46. (5) البقرة: 208. (6) سبأ: 28.

ومثله «الفاحشة» في قوله: (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) «1» وقوله: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ) «2» . هي فاعلة بمعنى المصدر، عن أبي علي وعن غيره، بل هي صفة موصوف محذوف، أي: فعلوا خصلة فاحشة، وإن يأتين بخصلة فاحشة. ومثله (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) «3» قيل: «لغواً» مثل العافية. وقيل: كلمة لاغيةً. وقيل: قائلُ لغو. ومثله قوله تعالى: (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) «4» (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) «5» أو ناخره، نرد في الحافرة. ف «إذا» فى موضع نصب بهذا الفعل. و «الحافرة» مصدر كالعاقبة، والعافية، و (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) «6» كأنه أراد نرد إلى الطريق الذي حفرناه بسلوكنا. ومن حذف الموصوف جميع ما جاء في التنزيل من قوله: (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) «7» والتقدير: وعملوا الخصال الصالحات. كما أن السيئات في قوله: (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) «8» و (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) «9» أي: الخصال السيئات.

_ (1) آل عمران: 135. (2) النساء: 19. (3) الغاشية: 11. (4) النازعات: 10 و 11. (6- 5) الواقعة: 2. [.....] (7) البينة: 7. (8) آل عمران: 193. (9) النساء: 31.

ومن ذلك قوله: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ) «1» فحذف للدلالة عليه نحو قوله (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) «2» . وقال: (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) «3» فحذف الموصوف. وقال: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) «4» . أي: فريق دون ذلك. وعلى قياس قول أبي الحسن يكون «دون» في موضع الرفع، ولكنه جرى منصوباً في كلامهم. وعلى محمل قراءة من قرأ (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) «5» على أنه ظرف ووقع موقع الفاعل. وكذا قوله: (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) «6» فيمن قرأه مرتباً للمفعول/ بجعله قائماً مقام الفاعل، لأنه جرى منصوباً. ويجوز (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) على: ما بينكم، فحذف الموصوف دون الموصول. ومنه قوله: (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً) «7» أي: عملاً صالحاً، لقوله قبله: (وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً) «8» وقال: (يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) «9» أي: الأعمال السيئات الأعمال الحسنات، فلم أعده لك.

_ (1) الأعراف: 205. (2) الروم: 24. (3) الأعراف: 168. (4) الجن: 11. (5) الأنعام: 94. (6) الممتحنة: 3. (7) الفرقان: 71. (9- 8) الفرقان: 70.

وصاحب الكتاب يقول: «لو» بمنزلة «إن» في هذا الموضع تبنى عليها الأفعال، فلو قلت: ألا ماء ولو باردا، لم يحسن إلا النصب لأن «بارداً» صفة. ولو قلت: ائتنى ببارد، كان قبيحاً. ولو قلت: ائتنى بتمر، كان حسنا. ألا ترى كيف قبح أن تضع الصفة موضع الاسم. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) «1» أي: فريق كافر به، فحذف «الفريق» . ومن ذلك قوله تعالى: (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) «2» أي: النساء الخبيثات للرجال الخبيثين. وقيل: الكلمات الخبيثات للرجال الخبيثين، وكذا التقدير فيما بعدها. ومن ذلك قوله: (عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ) «3» أي: عن قولهم كلاماً ذا الإثم. قال أبو علي: ويكون من باب: ضرب الأمير، ونسج اليمن، وتقديره: عن قولهم كلاماً مأثوماً فيه. ومن ذلك قوله تعالى: (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) «4» . فقد قيل: هو صفة مصدر محذوف، وقيل: منتصب بفعل مضمر.

_ (1) البقرة: 41. (2) النور: 26. (3) المائدة: 63. [.....] (4) المائدة: 77.

وعندي أنه على الاستثناء المنقطع، وليس على: تغلو غلوا غير الحق لأن «غُلُوا» نكرة، وإن كان لا يتعرف في غير هذا الموضع بالإضافة، فقد تعرف هنا، إذ ليس إلا الحق أو الباطل. ومن ذلك قوله تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ) «1» يجوز أن يكون «من» زيادة على قياس قول أبي الحسن. ويجوز أن يكون على حذف الموصوف، أي: وأوزارا من أوزار الذين يضلونهم. ويؤكد هذا قوله: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ) «2» ، فكما أن «مع» صفة فكذلك الجار هاهنا. ومن ذلك قوله تعالى: (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) «3» أي: ما تتخذون، فحذف «ما» وهو موصوف. ومن ذلك قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) «4» أي: ارحمهما رحمة مثل رحمة تربيتهما/ إياى صغيراً فحذف ذا الكلام. ومعنى رحمة التربية: الرحمة التي كانت عنها التربية، مثل ضرب التلف. ويجوز أن يكون المعنى: على ما ربّيانى صغيرا.

_ (1) النحل: 25. (2) العنكبوت: 13. (3) النحل: 67. (4) الإسراء: 24.

وكذلك تأول أبو الحسن قوله: (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) «1» . أي: على ما اُمرت، فكذلك ارحمهما على ذلك. ونحو منه في أول السورة: (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) «2» . التقدير: دعاء مثل دعائه الخير. ومن ذلك قوله تعالى: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) «3» أي: زماناً غير بعيد من الزمان، فيكون فاعل «مكث» «سليمان» . وقيل الفاعل: «الهدهد» أي: بمكان غير بعيد. ومن ذلك قوله: (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) «4» أي: وحبّ الزرع الحصيد. و (حَبْلِ الْوَرِيدِ) «5» أي: حبل عرق الوريد. و (دِينُ الْقَيِّمَةِ) «6» و (حَقُّ الْيَقِينِ) «7» كل هذا على حذف المضاف الموصوف. ومن ذلك قوله تعالى: (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ) «8» يحتمل موضع «الذين من قبلهم» وجهين: الأول: أن يكون رفعاً بالعطف على «قوم تبع» ، تقديره: أهم خير أم هذا؟، فإذا جعلته على هذا أمكن في صلة «الذين» أن تكون «أهلكناهم» ، ويكون «من قبلهم» متعلقاً به. ويجوز أن يكون صلة «الذين من قبلهم» ، فيكون على هذا في الظرف عائد إلى الموصول.

_ (1) هود: 112. (2) الإسراء: 11. (3) النمل: 22. (4) ق: 9. (5) ق: 16. (6) البينة: 5. (7) الواقعة: 95. (8) الدخان: 37.

فإذا كان كذلك كان «أهلكناهم» على أحد أمرين: إما أن يكون يريد فيه حرف العطف، وقد يكون في موضع الحال أو يقدر حذف موصوف كأنه: قوما أهلكناهم. وهذان على قول أبي الحسن. والمعنى: أفلا تعتبرون أنا إذا قدرنا على إهلاك هؤلاء واستئصالهم قدرنا على إهلاك هؤلاء المشركين. ويجوز أن يكون «الذين» مبتدأ، و «أهلكناهم» الخبر، أي: الذين من قبل هؤلاء أهلكناهم، فلم لا تعتبرون. و [الثاني] «1» يجوز أن يجعل «الذين» جراً بالعطف على «تبَّع» ، أي قوم تبع والمهلكين من قبلهم. ومن ذلك ما قاله الفرّاء في قوله: (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ) «2» أي: ما ثم، فحذف. قال أبو علي: قول الكسائي وإجازته: نعم الرجل يقوم، وأنه منع في النصب: نعم رجلاً يقوم. فأما منعه في النصب فبيِّن، وذلك أن «يقوم» يصير صفة/ للنكرة، فيخلو الكلام من مقصود بالذم أو المدح مخصوص به، وإذا خلا منه لم يجز. ولو زاد فى الكلام مقصود بالمدح جازت المسألة. وأما: نعم الرجل يقوم، فإنه أجازه

_ (1) تكملة يقتضيها السياق. [.....] (2) الإنسان: 20.

على أنه أقام الصفة مقام الموصوف، كأنه: نعم الرجل رجل يقوم، فحذف «رجلا» المقصود بالمدح أو الذمِ. قال أبو بكر: هذا عندي لا يجوز، لأن إقامة الصفة مقام الموصوف، إذا كانت الصفة فعلاً، غير مستحسن. قال: فإذا كان كذلك وجب ألا يجوز إذا لم يكن اسماً، إذ الاسم الموافق للمحذوف في أنه مثله اسم، لذلك، غير مستحسن فيه، فإن «1» هذا الذي ذكره حسن. فإن قيل: قد جاء (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) «2» ، (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) «3» . [وقول الشاعر] «4» : وما منهما قد مات حتى رأيته [وقوله] «5» وما الدهر إلا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغى العيش أكدح «6» والتقدير: تارة منهما أموت وتارة منهما أكدح، ونحو هذا. فحذف الموصوف في هذه الأشياء. قيل: إنما جاز الحذف في قوله: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) «7» لأنه مبتدأ غير موصوف، إنما هو محذوف من قوله: وإنَّ من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به. فهذا خبر محذوف على هذا التقدير، والمبتدأ حذفه سائغ.

_ (1) في الأصل: «فأو» . (2) الصافات: 164. (7- 3) النساء: 159. (6- 4) البيت لابن مقبل (الكتاب 1: 376) . (5) تكملة يقتضيها السياق.

وكذلك: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) «1» (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ) «2» . أي: ما منا أحد إلا له مقام معلوم. ويستدل متأول هذا على أن قوله أرجح بقوله تعالى: (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) «3» ألا ترى أن «منكم» ليس صفة ل «أحد» ، فإذا كان كذلك لم يكن فيه دلالة. وما جاء من نحو ذا في الشعر، لا يحمل الكلام عليه، لأنه حال سعة، وليس حال ضرورة. فإن قيل: «منكم» متعلقة بحاجزين، ولا يصح أن يعلق «منكم» في قوله: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) «4» (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) «5» بما بعد «إلاَّ» ولا يصح أن يكون خبراً عن «أحد» لأن «واردها» خبر عنه. و «له مقام معلوم» خبر عنه، ولا يكونان خبرين، كقولهم: هذا حلو حامض، لأن «إلا» لا يفصل بينهما لأنهما بمنزلة اسم واحد/ في المعنى. وأيضاً فإن المعنى يمنع من ذلك، لأنه ليس يريد: إنه لا أحد منهم. فهذا يمنع من أن يكون «منكم» خبراً، ويمنع أن يكون «واردها» صفة ل «أحد» . وكذلك «له مقام معلوم» . ويمنع من ذلك أن «إلا» لا مدخل لها بين الاسم وصفة.

_ (4- 1) مريم: 71. (5- 2) الصافات: 164. (3) الحاقة: 47.

فأما: ما جاءني أحد إلا ظريف، فإنه على إقامة الصفة مقام الموصوف، كأنه: إلا رجل ظريف. أو على البدل من الأول، فكذلك (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) «1» . وهذا يمنع فيه من تعلق «من» بقوله «ليؤمنن» أعني اللام من «إلا» . وإذا كان كذلك فلا وجه ل «مِنْ» إلا الحمل على الصفة. قيل: هي متعلقة بفعل مضمر يدل عليه قوله: (لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) «2» و (وارِدُها) «3» ، و (لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) «4» ومعناها البيان ل «أحد» . فإن قياس قول الكسائي في: «نعم الرجل يقوم» ، أن يجوز في المنصوب: نعم رجلاً يقوم يذهب. على أن يكون «يذهب» صفة محذوف، كأنه: نعم رجلاً يقوم رجل يذهب. كما كان التقدير في حذف الموصوف، فمرة أجازوه مستحسناً، ومرة منعوه ولم يستحسنوا. وكثرة ذلك في التنزيل لا محيص عنه، على ما عددته لك.

_ (4- 1) النساء: 159. (2) الصافات: 164. (3) مريم: 71.

الباب الخامس عشر

الباب الخامس عشر هذا باب ما جاء في التنزيل من حذف الجار والمجرور وقد جاء ذلك في خبر المبتدأ، وصفة الموصوف، وصلة الموصول، وفي الفعل جميعاً. فأما في الفعل، فكقوله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ) . «1» والتقدير: إن الذين كفروا بالله، وهو شائع في التنزيل، أعني حذفها من «كفروا» . قال: (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ) «2» . (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ) «3» . (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) «4» . والتقدير في كله: كفروا بالله، وكفروا بربهم. كما أن قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) «5» ، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا) «6» ، وقوله (لا يُؤْمِنُونَ) «7» التقدير في كله: بالله.

_ (1) البقرة: 6. (2) البقرة: 26. [.....] (3) النور: 39. (4) البقرة: 171. (5) الحج: 17 والبقرة 62. (6) البقرة: 218. (7) البقرة: 6.

فأما قوله: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) «1» فالباء من صلة التكذيب عندنا، وقد حذف صلة كفروا لدلالة الثاني عليه، وهو متعلق بالفعل الأول عند الكوفيين/ دون الثاني. نظيره (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) «2» . وهذا باب من إعمال الفعلين، سنأتي عليه هناك إن شاء الله. ومما جاء وقد حذف منه العائد إلى المبتدأ من خبره قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) «3» إلى آخر الآية. ف «مَنْ آمنَ» مبتدأ وخبره (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) «4» والجملة خبر «الذين» ، والتقدير: من آمن منهم بالله. وقال: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) «5» والتقدير: يتربصن بعدهم. وقال قوم: إن قوله (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) «6» مبتدأ، والخبر مضمر. أي: فيما يتلى عليكم الذين يتوفون منكم. ومثله: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) «7» ، و (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) «8» . وقوله: (مَثَلُ الْجَنَّةِ) «9» . وقوله: (شَهْرُ رَمَضانَ) «10» .

_ (1) الروم: 16. (2) النساء: 176. (4- 3) البقرة: 62. (6- 5) البقرة: 234. (7) المائدة: 38. (8) النور: 2. (9) الرعد: 35، محمد: 15. (10) البقرة: 185.

هذا كله على إضمار الخبر، أي: فيما يتلى عليكم. كما أضمر الخبر في قوله: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) «1» . والتقدير: واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر، فأضمر المبتدأ والخبر. وإضمار الخبر على أنواع، فنوع منها هذا الذي ذكرناه، ونوع آخر يضمر الخبر لتقدم ذكره، كقوله: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) «2» . والتقدير: والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه. وقوله: (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) «3» أي: ورسوله برىء من المشركين. وإذا جاز حذف الخبر بأسره، فحذف الضمير أولى. ومن حذف الضمير في حذف المبتدأ، قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ) «4» أي فإن حزب الله هم الغالبون معه، لأن «من» موصولة مبتدأة، وتمت بصلتها عند قوله «آمنوا» و «إن» مع اسمه وخبره خبر «من» والعائد مضمر. ومثله: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) «5» أي المصلحين منهم.

_ (1) الطلاق: 4. [.....] (2) التوبة: 62. (3) التوبة: 3. (4) المائدة: 56. (5) الأعراف: 170.

وقال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) «1» أي: أجر من أحسن منهم. وقال: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) «2» أي/ منه. ومثله: (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ) «3» أي للأوابين منكم، فحذف. ومما جاء من العائد المحذوف في الوصف إلى الموصوف قوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ) «4» أي: لا تجزي فيه. وكذلك (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) «5» أي: فيه. (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) «6» أي: فيه. (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) «7» أي: فيه. كل هذه جمل جرت وصفاً على «يوم» المنتصب بأنه مفعول به، وقد حذف منه «فيه» . وفي هذه المسألة اختلاف: ذهب سيبويه إلى أن «فيه» محذوف من الكلام، قال في قولهم: أما العبيد فذو عبيد. المعنى: أما العبيد فأنت منهم ذو عبيد. كما قال: (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) «8» أي: فيه. وقال أبو الحسن في ذلك: اتقوا يوما لا تجزى فيه.

_ (1) الكهف: 29. (2) الشورى: 43. (3) الإسراء: 25. (4، 5، 6، 7، 8) البقرة: 48.

قال: وقال قوم: لا يجوز إضمار فيه، ألا ترى أن [من يقول] «1» ذلك لا يقول: هذا رجل قصدت، وأنت تريد: إليه. ولا: رأيت رجلاً، وأنت تريد: فيه. فالفرق بينهما: أن أسماء الزمان يكون فيها ما ليس في غيرها. وإن شئت حملته على المفعول في السعة، كأنك تقول: قلت: واتقوا يوماً لا تجزيه، ثم ألغيت الهاء، كما تقول: رأيت رجلا أحب، نريد: أحبه. قال أبو علي: حذف الظرف في الأسماء مراد، وإن كان محذوف اللفظ فيها، فمن أجل ذلك تمتنع الإضافة إليها، والحديث عنها، وأن تجعلها مفعولاً بها في حال ما هي ظروف، لأن ما يقدر من الحرف المراد يمنع ذلك ويحجر عنه. ويدلك على إرادة الحرف في كل ذا إظهارك إياه في جميع ذلك، إذا كنيت عنها عن «خلف» ونحوه في قولك: قمت خلفك، وخلفك قمت فيه، كما تقول: السوق قمت فيها. وكما أعلمتك من إرادة الحرف معها إذا كانت ظروفاً كثيراً ما ترى سيبويه إذا علم أنها مفعولة على الاتساع يذكرها مضافة، ليبدي بذلك أن الظرفية زائلة عنها. والجائز عندي من هذه الأقاويل التي قيلت في الآية: قول من قال. إن «اليوم» جعل مفعولاً على الاتساع، ثم حذفت الهاء من الصفة كما تحذف من الصلة، لأن حذفها منها في الكثرة/ والقياس كحذفها منها.

_ (1) تكملة يقتضيها السياق.

أما القياس فإن الصفة تخصص الموصوف، كما أن الصلة تخصص الموصول، ولا تعمل في الموصوف، ولا تتسلط عليه، كما لا تعمل الصلة في الموصول، ومرتبتها أن تكون بعد الموصوف، كما أن مرتبة الصلة كذلك. وقد تلزم الصفة في أماكن كما تلزم الصلة، وذلك إذا لم يعرف الموصوف. إلا بها. ولا تعمل فيما قبل الموصوف كما لا تعمل الصلة فيما قبل الموصول. وتتضمن ذكرا من موصوفها كما تتضمنه الصلة من موصولها. وشدة مشابهة الصفة الصلة على ما تراه. وقد كثر مجيء الصلة محذوفاً منها العائد إذا كان مفعولاً في التنزيل، وجميع التنزيل والنظم، حتى إن الحذف في التنزيل أكثر من الإثبات فيها، والصفة كالصلة فيما ذكرت لك من جهات الشبه، فإذا كان كذلك حسن الحذف منها حسنه من الصلة. فإن قيل: ما تنكر أن يكون المحذوف من الآية فيه دون الهاء على التأويل الذي ذكرته، وإن حذف الجار والمجرور في هذا ونحوه كحذفهما في قولهم: السمن منوان بدرهم. وما شبَّه سيبويه به ونحوه؟ قيل له: ليس يسوغ حذفهما، ولا يحسن حسنه من خبر المبتدأ كحذفهما من الخبر، لأن خبر المبتدأ قد يحذف بأسره حتى لا يترك منه شيء فيما كثر تعداده، فإذا حسن حذف الخبر وجاز كان حذف بعضه أسوغ وأجود. وإبقاء البعض في باب الدلالة على المحذوف وإرادته أقوى

من حذف الكل، وليس كذلك الصفة، ألا ترى أن الصفة لا تحذف كما يحذف الخبر، فيسوغ حذف هذا البعض منها كما حسن حذف كلها، فلا يجوز تقدم حذف الجار والمجرور هنا من حيث جاز حذفهما في الخبر لما ذكرنا. قال: وليس حذف «فيه» في الآية كحذف «الهاء» من قوله: ويوم نسر «1» لأن «فيه» جار ومجرور. ولا يجوز في الصلة: الذي مررت زيد: تريد: مررت به، / وكذا لا يجوز حذف «فيه» بخلاف قوله: يوم نسر «2» لأنه يحسن: الذي ضربت زيد. وهذا الذي قاله عندي غيره قد جاء في التنزيل: قال الله تعالى: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) «3» أي خاضوا فيه. وقال: (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ) «4» أي: يبشر الله به عباده. قال: (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا) «5» أي: لما لبثوا فيه. على أنه حكى عن يونس أن «الذي» في الآيتين بمنزلة المصدر، والتقدير خضتم كخوضهم. (والذي يبشر) بمنزلة التبشير.

_ (1) هذا آخر جزء من عجز بيت للنمر بن تولب، والبيت هو: فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر (2) الكتاب لسيبويه (1: 44) . (3) التوبة: 69. (4) الشورى: 23. (5) الكهف: 12. [.....]

رجع إلى كلام أبي علي قال أبو علي: فإن قلت: أو- كلام سيبويه في هذا مثل قول من قال: إن الحذف «1» وجب فيه من حيث وجب في المظهر في البعد من الصواب؟ فالجواب: أن قول سيبويه أقرب إلى الصواب وأبعد من الخطأ، وذلك أنه لم يذكر أن الحذف «2» في هذا أوجب من حيث يحذف في المظهر. لكنه شبهه بما يحذف للدلالة عليه كخبر المبتدأ ونحو ذلك، وكأنه عنده حذف حذفاً لذلك، لا من حيث حذف في المظهر. وقد قدمنا الفصل بين هذا وبين خبر المبتدأ، فإن الحذف فيه أسوغ من الحذف في هذا لأنه صفة. وليس الوصف من المواضع التي يسوغ فيها الحذف، وليس قول سيبويه في حذف (فيه) كقول من قال: إن الحذف مع المضمر يجوز، كالحذف مع المظهر في: سرت اليوم. فأما ما احتج به أبو الحسن على من منع جواز إضمار «فيه» في الآية عند قولهم لا يجوز هذا، كما لا يجوز: هذا رجل قصدت، وأنت تريد: قصدت إليه. ولا: رأيت رجلاً أرغب، وأنت تريد: فيه. فالفرق بينهما أن أسماء الزمان يكون فيها ما لا يكون في غيرها. فالذي في أسماء الزمان مما لا يكون في غيرها- ما جاز فيها من إضافتها إلى الفعل، وتعدى الفعل إلى كل ضرب منها مختصها ومبهمها.

_ (2- 1) في الأصل: «الحرف» .

وأما إضافة الفعل. فليس شىء يوجب حذف هذا، وإن أراد أن قوة دلالة الفعل عليها يسوغ الحذف فيها، فهو كأنه شبيه بما ذهب إليه سيبويه أنه حذف حذفاً. وليس في قوة/ دلالة الفعل على أسماء الزمان ما يوجب الحذف من الصفة كما قدمنا، إلا أن هذا القول أقرب إلى الصواب من غيره كما ذكرت لك «1» . ومن هذا الباب قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) «2» . قال أبو علي في قوله: (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) «3» ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون صفة لليوم. والآخر: أن يكون صفة للمصدر المحذوف. والثالث: أن يكون حالاً من الضمير في «نحشرهم» . فإذا جعلته صفة لليوم احتمل ضربين من التأويل: أحدهما: أن يكون التقدير: كأن لم يلبثوا قبله إلا ساعة، فحذفت الكلمة لدلالة المعنى عليها. ومثل ذلك في حذف [الظرف] «4» لهذا النحو، منه قوله تعالى: (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) «5» أي أمسكوهن قبله.

_ (1) في هامش الأصل هنا: «بلغ مقابلة» . (3- 2) يونس: 45. (4) تكملة يقتضيها السياق. (5) الطلاق: 2.

وكذلك قوله: (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ) «1» ، أي، قبل الأربعة الأشهر. [الثاني] «2» ويجوز أن يكون المعنى: كأن لم يلبثوا قبله، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، ثم حذفت الهاء من الصفة، كقولك: الناس رجلان رجل أكرمت ورجل أهنت. وإن جعلته صفة للمصدر كان على هذا التقدير الذي وصفنا، وتمثيله: ويوم نحشرهم حشراً كأن لم يلبثوا قبله، فحذف. وإن جعلته حالا من الضمير المنصوب لم يحتج إلى حذف شيء من اللفظ، لأن الذكر من الحال قد عاد إلى ذي الحال. والمعنى: نحشرهم مشابهة أحوالهم أحوال من لم يلبث إلا ساعة، لأن التقدير: كأن لم يلبثوا، فلما خفف أضمر الاسم كقوله: كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم «3» فأما قوله (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) «4» فإنه يصلح أن يكون منصوبا ب «يتعارفون» في هذا اليوم، فيكون ظرفاً له، أو مفعولاً به على السعة. ويجوز أن يعمل فيه فعلاً مضمراً دل عليه (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) «5» أي: يستقلون المدة يوم نحشرهم، فيكون (يَتَعارَفُونَ) «6» صفة ل «يوم» أيضاً، كما أن (لَمْ يَلْبَثُوا) صفة. والتقدير: يتعارفون فيه بينهم، فحذف «فيه» ..

_ (1) البقرة: 226. (2) تكملة يقتضيها السياق. (3) البيت لابن صريم اليشكري، وصدره: ويوما توافينا بوجه مقسم (الكتاب 1: 281 و 481) (6- 5- 4) يونس: 45.

ولا يجوز أن يعمل (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) «1» في (يَوْمَ) لأن الصفة لا تعمل في الموصوف. وكذلك الحال لا تعمل فيما قبل صاحبها/ وكذا صفة المصدر لا يعمل فيما قبل المصدر، وفي الآية كلام طويل. ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) «2» أي: إن ربي في تدبيركم على صراط مستقيم. فالجار الثاني خبر «إن» والمحذوف متعلق بالخبر معمول له. ذكره الرماني. وقيل: إن ربي على طريق الآخرة، فيصيركم إليها لفصل القضاء. وقيل: إن ربي على الحق، دون آلهتكم والعبادة له دونهم. ومن ذلك قوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ) «3» أي: إن أحصرتم بمرض وغيره. وقوله: (فَإِذا أَمِنْتُمْ) «4» أي: من العدو، فالأول عام والثاني خاص. ومن ذلك قوله: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) «5» (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) «6» والتقدير فى كله «بالجنة» .

_ (1) يونس: 45. (2) هود: 56. (4- 3) البقرة: 196. (5) الصف: 13. (6) الحج: 37. [.....]

أبو عبيد: يُبَشِّرُكَ، ويَبْشُرُكَ، ويُبْشِرُكَ، واحد، أبو الحسن: في «يُبشر» ثلاث لغات: بشر، وأبشر إبشاراً، وبشر، يبشر، وبشر يبشر بشراً وبشوراً، بكسر الشين. يقال: أتاك أمر بشرت به. وأبشرت به، في معنى بشرت، ومنه: (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ) «1» وأنشدوا: وإذا رأيت الباهشين إلى العلا ... غبراً أكفهم بقاع ممحل «2» فأعنهم وابشر بما بشروا به ... فإذا هم نزلوا بضنك فانزل قال أبو زيد: وبشرني القوم بالخير تبشيراً. والاسم: البشرى. ومما حذف فيه الجار والمجرور قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) «3» . التقدير: فله أن له نار جهنم، ويقوى رفعه بالظرف فتح «أن» ويكسر هو في الابتداء، واستغنى عن الظرف بجريه في الصلة، كما استغنى عن الفعل بعد «لو» في: [لو] «4» أنه ذهب لكان خبراً له. ومن حذف الجار والمجرور قوله تعالى: (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) «5» أي واسمع به. وقال: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) «6» أي وأبصر بهم.

_ (1) فصلت: 30. (2) الشعر لعبد القيس بن خفاف. (3) التوبة: 63. (4) تكملة يقتضيها السياق. (5) الكهف: 26. (6) مريم: 38.

قال أبو علي: لا يكون من باب حذف المفعول، لأن «بهم» فاعل، نحو قولهم: ما جاءني من رجل. والفاعل لا يحذف. وإن قدرت حذف الباء لكان: أبصروا. لكنه جرى «أبصر» مجرى الاسم به، لدلالة: ما أميلح زيداً، وما أقوله! ويجري مجرى نِعْم، وبِئْسَ، أو يصير، كقوله: ونار، توقد بالليل نارا «1» حيث حذف «كلا» لجرى ذكره في قوله: أكلّ امرئ تحسبين امرأ ولأنك لم تجمع الضمير في «ما أفعل» في موضع، فحمل عليه. ومن ذلك قوله تعالى: (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) «2» بعد قوله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) «3» . روى عن ابن عباس أنه قال: المعنى: وكثير من الناس في الجنة. وهذا حسن، كأنه جعله استئناف كلام، لأن ما تقدم من قوله: (يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) ، قد دخل تحته كثير الناس وقليلهم. فلم يحمله على التكرير، وأضمر الخبر لدلالة ما يجىء بعد عليه.

_ (1) هذا عجز بيت، صدره ذكر بعد. وهو لأبي داود. (الكتاب 1: 33) . (3- 2) الحج: 18.

لأن قوله (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) «1» يدل على أن من تقدمهم لهم حالة أخرى. ونظيره: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) «2» وقوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) «3» . وإن حملت قوله: (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) «4» على أنه معطوف على (يَسْجُدُ) «5» ويرتفع بذلك، كان تكريراً، كقوله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) «6» . ومن حذف الجار والمجرور قوله تعالى: (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) «7» أي: ما أمره به. فحذفت الباء، فصار: ما أمره هو. فحذف الأول دون الثاني. ومثله (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) «8» وإن شئت كان على ما تؤمر به، ثم تؤمره، ثم تؤمر. قال أبو عثمان: الضميران عندي في الآيتين مختلفان، وذلك أن الضمير المحذوف في: (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا) «9» هو عائد إلى الموصول. والضمير المحذوف من قوله سبحانه: (أَمَرَهُ) ليس ضمير الموصول إنما هو ضمير الرجل المذكور. ولعمري إن حذف الضمير من الصلة، وإن كان عائدا على غير

_ (1) الحج: 18. (2) الشورى: 7. (3) الروم: 14. (5- 4) الحج: 18. (6) العلق: 1. (7) عبس: 23. [.....] (8) الحجر: 94. (9) الفرقان: 41.

الموصول جائز كقراءة من قرأ: (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ) «1» فيمن فتح الياء. ومن ذلك قوله تعالى: (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) «2» فقوله: (مُفَتَّحَةً) صفة لجنات، والأبواب مرتفعة بها. وليس فيه ضمير يعود إلى الموصوف. فيجوز أن يكون التقدير: مفتحة لهم الأبواب منها. فحذف «منها» للدلالة عليه. ويجوز أن يكون «الأبواب» / بدلاً من الضمير في «مفتحة» لأن التقدير: مفتحة هي، كما «3» تقول: فتحت الجنان، أي: أبوابها. وقال الكوفيون: التقدير، مفتحة أبوابها، فقامت الألف مقام الضمير. قال أبو إسحاق: إلا أنه على تقدير العربية: الأبواب منها أجود من أن تجعل الألف واللام بدلاً من الهاء والألف، لأن معنى الألف واللام ليس من معنى الهاء والألف في شيء، لأن الهاء والألف أسماء، والألف واللام دخلتا للتعريف، ولا يبدل حرف جاء لمعنى من اسم، ولا ينوب عنه، هذا محال. قال أبو علي: اعلم أنه لا تخلو الألف واللام في قوله «الأبواب» من أن يكون للتعريف كما تعرف: الرجل والفرس، ونحو ذلك. أو يكون بدلاً من الهاء التي هي ضمير التأنيث التي كان يضاف «أبواب»

_ (1) الأنعام: 16. (2) ص: 50. (3) في (ص 216) من هذا الكتاب ما يخالف هذا القول، فراجعه.

إليها ليتعرف بها. كما أن الألف واللام في الوجه في قولك: حسن الوجه، بدل منها. فلو كان مثل التي في «حسن الوجه» لوجب أن يكون في «مفتحة» ضمير «جنات» . كما أن في «حسن الوجه» من: مررت برجل حسن الوجه، ضمير رجل. بدليل: مررت بامرأة حسنة الوجه. ولو كان في «مفتحة» ضمير «جنات» كما أن في «حسن» ضمير «رجل» ، وقد نون «مفتحة» لوجب أن ينتصب الأول، ولا يرتفع، لكون الضمير في «مفتحة» للجنان، فإذا صار فيه ضمير لم يرتفع به اسم آخر، لامتناع ارتفاع الفاعلين بفعل واحد، غير وجه الإشراك، فكما لم ينتصب قوله «الأبواب» كما ينتصب: مررت برجل حسن الوجه، أنه ليس فيه ضمير الأول، وإذا لم يكن فيه ضمير الأول فلا بد من أن يكون الثاني مرتفعاً لم يكن مثل «الوجه» ، لأن «الوجه» في قولك: مررت برجل حسن الوجه، لا يرتفع ب «حسن» . وإذا لم يكن مثل «حسن الوجه» لم يكن الألف واللام فيه بدلاً من الضمير، ثبت أنه للتعريف المحض، على حد التعريف في: رجل وفرس. وإذا كان للتعريف لم يكن بدلاً من الضمير، وإذا لم يكن بدلاً من الضمير الذي كان يضاف «أبواب» إليه، لم يعد على الموصوف مما جرى صفة عليه ذكر، لارتفاع «الأبواب» به في اللفظ بالظاهر، فإذا كان كذلك فلا بد/ من ضمير في شيء يتعلق بالصفة يرجع إلى الموصوف. وذلك الراجع لا يخلو من أن يكون منها أو فيها، فحذف ذلك، وحسن

الحذف للدلالة عليه لطول الكلام. وعلى هذا الحد حذف في قوله: (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) «1» أي: المأوى لهم وعلى هذا التقدير في هذه الآية أوضح، لأنه لا ضمير فيه عائد على موصوف، فيشكل بباب: حسن الوجه. فتقدير من قدر: مفتحة أبوابها، إن كان المراد إفهام المعنى، فإنه لا بد من شيء يقدر في الكلام يرجع إلى الموصوف فمستقيم. وإن كان أراد أن الألف واللام في (الْأَبْوابُ) كالألف واللام في «الوجه» ، فليس مثله. لأن الألف واللام إذا صارت بدلاً من الضمير الذي يضاف إليه الاسم المتعلق بالصفة التي هي نحو: حسن وشديد، انتصب الاسم الذي هو فاعل الصفة، إذا نونت الصفة لكون ضمير الذي يجري عليه فيه. ألا تراهم قالوا: الحزن بابا والعقور كلبا «2» و: الشعر الرقابا «3» فترك نصب «الأبواب» هنا دلالة على أن الألف واللام لم يرد بها أن تكون بدلاً من علامة الضمير كالتي في: حسن الوجه. وإذا لم يجز هذا فلا بد من تقدير الراجع إلى الموصوف الذي جرى (مُفَتَّحَةً) صفة عليه، وهو: منها أو نحوها، فمن هاهنا كان هذا التقدير أجود.

_ (1) النازعات: 39. (2) البيت لرؤبة، يصف رجلا بغلظ الحجاب ومنع الضيف فجعل بابه حزنا وثيقا، لا يستطيع فتحه، وكلبه عقورا لمن حل بفنائه طالبا لمعروفه. (3) جزء من بيت للحارث بن ظالم وتمام البيت (الكتاب 1: 103) : فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا ينتفي من بني سعد ويصف فزارة بالغمم، وهو كثرة الشعر على القفا.

ويجوز أن تكون (الْأَبْوابُ) بدلاً من الضمير الذي في (مُفَتَّحَةً) على ما تقدم، وقوله: لام التعريف لا يكون بدلاً من الهاء، فللقائل أن يقول قد قالوا: مررت برجل حسن وجهه، ثم قالوا: مررت بالرجل الحسن الوجه، فقد قام اللام مقام الضمير. وقد قالوا، غلام زيد، فقام الاسم مقام التنوين. هذا كلامه في «الإغفال» «1» . وقال في موضع آخر: ولم يستحسنوا: مررت برجل حسن الوجه، ولا بامرأة حسن الوجه- وأنت تريد منه لما ذكرت من أن الصفة يحتاج فيها إلى ذكر يعود منها إلى الموصوف. ولو استحسنوا هذا الحذف من الصفة كما استحسنوه من الصلة لما قالوا مررت بامرأة حسنة الوجه. وأما قوله: (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) «2» / فليست على: مفتحة لهم الأبواب منها، ولا أن الألف واللام سد مسد الضمير العائد من الصفة. ولكن (الْأَبْوابُ) بدل من الضمير الذي في (مُفَتَّحَةً) لأنك لا تقول: فتحت الجنان، إذا فتحت أبوابها. وفي التنزيل: (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) «3» فصار ذلك بمنزلة «ضرب زيد رأسه» .

_ (1) هو كتاب: الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني، لأبى علي الفارسي. (2) ص: 50. (3) النبأ: 19.

وقال مرة أخرى: يكون من باب «سلب زيد ثوبه» . ألا ترى أن (الْأَبْوابُ) تشتمل على الجنة، كما اشتمل «الأخدود» على النار و «الشهر» على القتال. فإن قلت: فهل يجوز أن يكون المعنى: مفتحة لهم الأبواب منها، فحذف «منها» ؟ قيل: هذا لا يستقيم، كما جاز: السمن منوان بدرهم، وأنت تريد: منه، فتحذف، لأن خبر المبتدأ قد يحذف بأسره. وإذا جاز أن يحذف جميعه جاز أن يحذف بعضه، وليس الصفة كذلك، لأنه موضع تخصيص وتلخيص. ولا يجوز أن يراد الصفة وتحذف، كما يراد الخبر ويحذف، ولو جاز ذا لجاز: مررت بهند حسن الوجه، يريد: منها. واعلم أن البدل من الشيء ليس يلزم أن يكون حكمة حكم المبدل منه، وليس يريد أهل العربية بقولهم في نحو هذا أن معنى البدل معنى المبدل منه. ألا تراهم يقولون: التنوين بدل من الألف واللام ومن الإضافة، والتنوين إذا ثبت في النكرات دلت على الإشاعة والتنكير، والألف واللام والإضافة، وإذا دخلا شيئاً «1» دلا على خلاف ذلك. وإنما يريدون بالبدل: أنه لا يجتمع مع ما هو بدل منه فى اللفظ

_ (1) كذا في الأصل.

ألا ترى أن الهاء فى «زنادقة» عوض من الياء، في «زناديق» لمعاقبتهما، وتنافى اجتماعهما، ولم يلزم أن يكون ثبات الهاء لمنع الصرف، كما يمتنع الصرف في الاسم إذا ثبتت الياء. ويقولون: الميم في «فم» بدل من الواو التي هي عين. ولم يلزم أن يمتنع تعاقب الحركات عليها بعد حذف اللام كما يمتنع تعاقبها على الواو. ويقولون: الألف في «يمان» بدل من إحدى الياءين، ولو نسبت إلى «قريش» «1» لحذفت، وأثبت ياءين أخريين، ولو أضفت إلى «يمان» لم تحذف الألف. ويقولون: التاء في «أخت» بدل من الواو، ولم يجب ألا تدل على/ التأنيث كما لو ثبتت الواو لم تدل على التأنيث، وهذا يكثر إذا جمع، فليس يريدون أن معنى البدل معنى المبدل منه قد يكون في البدل معان لا تكون في المبدل منه، ويكون في البدل معان لا تكون في المبدل، وإنما مرادهم بالبدل أنه لا يجتمع في اللفظ مع ما هو بدل منه لا غير. وعلى هذا قياس قول سيبويه في «نون التثنية» أنه بدل من الحركة والتنوين. ومن ذلك قوله تعالى: (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) «2» أي: قادرين على حيازة ثمار ذلك، ويكون قادرين من باب: (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) «3» .

_ (1) الأصل: «قرشي» . (2) القلم: 25. [.....] (3) المائدة: 95.

وإن قدرت «قادرين» : مقدرين عند أنفسهم رفع غلتهم وتحصيلها. وعلى هذا قراءة من قرأ: (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) «1» وقال في موضع آخر: قادرين عليها، أي: على جناها وثمارها عند أنفسهم، فحذف الجار لتقدم ذكره في الكلام، كما حذفه عند الخليل من قوله: إن الكريم وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يوماً على من يتكل «2» والمعنى عنده: على من يتكل عليه، وكذلك الآية، وهو وجه. ويبين أن «على» مرادة [بدليل] قوله في [الآية] الأخرى: (وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) «3» أي: على ما أخرجت من ثمر وجنى. وقوله: (خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) «4» أي: قدره على الاستواء، فحذف الجار والمجرور، لقوله (ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) «5» ، وقدره على هذه الصورة التي هو عليها. وقيل: أخرجه على التقدير. وقيل: جعله على مقدار تقتضيه الحكمة. وقيل: قدره أحوالاً: نطفة تارة، وعلقه أخرى، ثم مضغة، إلى أن أتت عليه أحواله وهو في رحم أمه. وقيل: وقوع التقدير هنا بين الخلق وتيسير السبيل. وتيسير السبيل، يحتمل أن يكون بمعنى الإقدار، لأن فعل وأفعل أختان.

_ (1) المرسلات: 23. (2) الكتاب (1: 443) . (3) يونس: 24. (4) عبس: 19. (5) الكهف: 37.

أي: خلقه من النطفة ثم قدره، أي: جعله قادراً على الطاعة والعصيان، ثم سهل عليه السبيل، بأن بينه له، ودله عليه. ومن ذلك قوله تعالى: (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) «1» أي: كلما نضجت جلودهم منها فحذف الجار والمجرور من الصفة إلى الموصوف. ومثله: (جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) «2» . قال أبو علي: هذا الكلام صفة «للجنتين» المقدم ذكرهما، فإذا كان كذلك فالراجع فيه مقدر محذوف. التقدير: قيل لهم: كلوا من رزق ربكم منهما، والقول مراد فيه محذوف، وهذا مما يدل على أن الحذف من الصفة كالحذف من الصلة. وفي الكتاب: يقول: إنه في الصلة أكثر، ألا ترى أنه قال: وإنما شبهوه- يعني حذف الهاء من الخبر- بقولهم: الذي رأيت فلان، حيث لم يذكر الهاء. وهو في هذا أحسن، لأن «رأيت» تمام الاسم وبه يتم، وليس بخبر، ولا صفة، فكرهوا طوله حيث كان بمنزلة اسم واحد، كما كرهوا طول «اشهيباب» فقالوا: «اشهباب «3» » وهو في الوصف أمثل منه فى الخبر.

_ (1) النساء: 56. (2) سبأ: 15. (3) الاشهباب والاشهيباب: البياض الذي غلب على السواد.

وهو على ذلك ضعيف، يعني حذف الهاء ليس كحسنة في الهاء التي في الصلة، لأنه في موضع ما هو من الاسم وما يجري عليه، وليس منقطع منه خبراً منفياً ولا مبتدأ، فضارع ما يكون تمام الاسم، وإن لم يكن تماماً له ولا منه في النداء، وذلك قولك: هذا رجل ضربته، والناس رجلان رجل أهنته ورجل أكرمته. قلت: حذف الهاء في الصلة مستحسن جداً، وهو في التنزيل كثير كقوله: (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) «1» أي: هداهم الله. وقال: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) «2» أي: يدعونهم. وقال: (فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ) «3» أي: اتخذوهم من دون الله، وما أشبه ذلك. وفي الخبر قبيح جداً، لم يأت إلا في موضع واحد، وذلك في قراءة ابن عامر: (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى) «4» أي: وعده الله الحسنى. وحذفها من الصفة منزلة بين المنزلتين، وفي الكتاب كما نقلته لك. وقد قدمنا مجيئه في آي شتى، فوجب أن يكون حذفها من الصفة كحذفها من الصلة. فمن هاهنا تردد كلامه في قوله: (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) «5» فحمله مرة على حذف «منها» ومرة على البدل.

_ (1) الأنعام: 90. (2) الرعد: 14. (3) الأحقاف: 28. (4) الحديد: 10، والنساء: 95. (5) ص: 50. [.....]

وقد نقلت لك ما ذكر في الكتاب. ومن ذلك قوله تعالى: / (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) «1» يصاحبه حتى يهجم به على الجنة. ومن ذلك قوله تعالى: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) «2» أي: سنفرغ لكم مما وعدناكم أنا فاعلوه بكم من ثواب أو عقاب، هذا قول أبي حاتم. قال أبو عثمان: فرغت إلى الشيء والشيء: عمدت له.. قال الشاعر: فرغت إلى العبد المقيد في الحجل «3» ومن ذلك قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) «4» أي: إن توليتم عن كتابي وديني. ومن ذلك قوله: (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ) «5» أي: آتاهم ما تمنّوا. ومما حذف فيه الجار والمجرور: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) «6» أي إن أحصرتم بمرض. ومنه قوله: (فَإِذا أَمِنْتُمْ) «7» أي: أمنتم من العدو، فحذف، ففي الثاني اتفاق، وفي الأول خلاف.

_ (1) الشورى: 52. (2) الرحمن: 31. (3) عجز بيت لجرير، وصدره: ولما اتقى الفين العراقي باسته (4) محمد: 22. (5) التوبة: 76. (7- 6) البقرة: 196.

ويقدر الشافعي: بأن أحصرتم بعدو، فينشأ من هذا التقدير، أن المريض له أن يتحلل بالدم. لأن التقدير عندنا: فإن أحصرتم بمرض، وعنده لا يتحلل، لأن التقدير عنده: فإن أحصرتم بعدو. وإنما يقدر هذا التقدير، لأن الآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه عام الحديبية، وكان الإحصار بالعدو. ونحن نقول: إن الإحصار بالمرض دون العدو، يقال: أحصره المرض، وحصره العدو. ولهذا جعل محمد بن الحسن الإحصار بالمرض أصلاً في كتابه. والحصر بالعدو بناء عليه. والحصر بالعدو على تفسير اللغة دون بيان الحكم. فإن قيل: الفرّاء يخالف في ذلك. قلنا: ما خالفهم في حقيقة اللغة، ولكن حمل الآية على المنع، لأنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» ، وكان ممنوعاً بالعدو، لا بالمرض. وهذا التأويل حجة، كأن الله تعالى قال: فإن منعتم، فتكون مطلقة سببا للتحلل بالهدى من غير اعتبار أسباب المنع. فإن قيل: كيف يستقيم الحمل على المرض، والآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه، وكان المنع بالعدو؟

_ (1) تكملة يقتضيها السياق.

قلنا: إن النصوص إذا وردت لأسباب لم تعلق بها، إلا أن يكون السبب منقولا معها، كقول الراوي: منها رسول الله صلى الله عليه وآله فسجد. فأما إذا وردت/ مطلقة عن الأسباب، فيعمل بظاهرها، ولا تحمل على السبب، فبقي الإشكال في أنهم كيف عرفوا التحلل؟ فنقول: إن كان تأويل الإحصار المنع مطلقاً من غير اعتبار سبب، وإنما عرَّفوا الإحلال بنص مطلق غير مقيد، فإن كان التأويل هو المنع بالمرض فعرفوا الإحلال بمدلول النص فإن النص لما أباح الإحلال، بمنع من جهة المرض، فالمنع من جهة العدو أولى بالإباحة، لأن منع العدو أشد، فإنه حقيقي لا يدفع له إذا كانت القوة لهم، ومنع المرض مما يزول بالدابة والمحمل ونحوه. وكذلك إباحة الإحلال لضرب من الارتفاق يحصل به، وهذا الارتفاق في العدو أكثر، لأن جميع ما يستفيده المريض يستفيده الممنوع بالعدو وزيادة، وهي النجاة من شرهم بالرجوع، والمريض لا يستفيد هذا والبيان من جهة الشرع مرة يكون بالنص ومرة بدلالته. فإن قيل: فإذا حملناه على المرض فإن الله تعالى قال: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) «1» ، ولا تبتدر الأوهام إلى العدو.

_ (1) البقرة: 196.

قلنا: لا كذلك، فإن الإحصار في اللغة ليس بعبارة عن المرض فحسب، بل عن منع يكون بالمرض، فيكون المنع علة، والمرض سبباً، ويصير كأن الله تعالى قال: فإن منعتم بمرض فما استيسر. فدل على المنع بالعدو من طريق الأولى، لأن المنع موجود نصاً في الحالين، وبالعدو أشد، والارتفاق بالإحلال فيه أكثر، فجرى مجرى الشتم من التأفيف في تحريمه. فإن قيل: إن الله تعالى نسق به: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ) «1» ، ولو كان أحصرتم عبارة عن المرض، لم يستقم نسق المرض به ثانيا، لأنه تكرار، لأن المعطوف أبدا يكون غير المعطوف عليه. قلنا: قد ذكرنا أن الإحصار ليس بالمرض بعينه، لكن منع بسبب المرض، فيستفاد به التحلل بالدم، ولا يباح به الحلق، إذا لم يتأذَّ به رأسه، وبمرض يتأذى به رأسه يباح الحلق، أو بنفس الأذى، وإن لم يمنعه عن الذهاب فلا يباح به التحلل، فكانا/ غيرين، وتكون العبارة عنهما على أن عطف الخاص جائز على العام، كعطف جبريل وميكائيل وغير ذلك. فإن قيل: كيف يستقيم هذا والله يقول في آخر الآية: (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) «2» يعني: زال عنكم السبب المانع، ولو كان السبب

_ (2- 1) البقرة: 196.

المانع مرضاً، لكان من حق الكلام: فإذا شفيتم فلما قال: (أَمِنْتُمْ) علم أن المانع كان خوف العدو. قلنا: يقال في اللغة: أمن الرجل، إذا شفي، وإنما يعني به: إذا زال عنه خوف عدو أو سبع. قلنا: روى في التفسير، فإذا أمنتم من الوجع، ويقال: مرض مخوف، ومرض يؤمن معه، فلا كلام على هذا. على أنه نبه في الأول على المرض، فدخل تحته العدو على طريق الأولى. ثم عاد إلى الطرف الآخر في آخر الآية، وهذه سنة معتادة في التنزيل، إذا اجتمع شيئان يذكر طرفاً من كل واحد من الشيئين. ألا ترى أنه ذكر الركعتين مع الإمام في صلاة الخوف عن طائفتين، وذكر مثل العدو في قوله: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) «1» مثل الداعي في الطرف الآخر في قوله: (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) «2» فكذا هاهنا ذكر المرض أولاً، فدخل تحته العدو، ثم ذكر الأمن من العدو، فلم يكر على الأول بالنقض والإبطال. ومن ذلك قوله تعالى: (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) «3» . أي: يهديهم إلى طريق الجنة. وقال: (فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) «4» . أي: لا يهدي إلى طريق الجنة.

_ (2- 1) البقرة: 171. (3) محمد: 5. (4) النحل: 37.

وقال: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) «1» ، أي: من يهد الله إلى الحق. وأما قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) «2» . فإنه يكون مثل قوله: (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) «3» بدلالة اتصال الحال به، وهو قوله: (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) «4» . ويكون الظرف على هذا متعلقاً ب «يهديهم» ، أعني: بإيمانهم، ويجوز أن يكون يهديهم في دينهم، كقوله: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) «5» . فأما قوله: (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) «6» . فقوله: (صِراطاً مُسْتَقِيماً) «7» على فعل دل عليه «يهديهم» ، كأنه: يعرفهم صراطاً مستقيما، ويدلهم عليه. وإن شئت قلت: إن معنى يهديهم إليه: يهديهم إلى صراطه. / فيكون انتصاب «صراط» كقوله: مررت بزيد رجلاً صالحا. ومن ذلك قوله تعالى: (يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ) «8» أي: تفادوهم بالمال. وكذلك من قرأ: تفدوهم، أي: تفدوهم بالمال.

_ (1) الكهف: 17. (4- 2) يونس: 9. [.....] (3) محمد: 5. (5) محمد: 17. (7- 6) النساء: 175. (8) البقرة: 85.

ومن ذلك ما قال الفراء في قوله تعالى: (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) «1» إن التقدير: وهي لهم خالصة، فحذف «لهم» ، غير جائز، لأن الظرف يشبه الفعل، وليس بفعل محض، فلا يعمل وهذا مضمراً، كما لا تعمل «ليت» مضمراً، ولهذا امتنع: [إذ هم قريش] وإذ ما مثلهم بشر من إعمال الظرف في مثل هذا. وقد قال في قوله: (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) «2» إلى قوله: (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ) «3» إن العامل في الحال ما في اللام من قوله: (وَلِمَنْ) «4» ولا كلام في هذا. ثم قال: (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) «5» إلى قوله «متكئين» ، والتقدير: ولهم من دونهما جنتان، فأعمل الظرف مضمراً في «متكئين» . ومن ذلك قوله تعالى: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) «6» أي: نسارع لهم به، فحذف «به» ، ولا بد من تقديره ليعود إلى إسم «إن» عائد من خبره.

_ (1) الأعراف: 32. (2) الرحمن: 46. (3) الرحمن: 54. (4) الرحمن: 46. (5) الرحمن: 62. (6) المؤمنون: 55، 56.

ومن ذلك قوله تعالى: (لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) «1» أي: لا ثبات لكم فى القتال، بالفتح، أو لا ثبات «2» لكم في المكان، بالضم، ويكون الإقامة، وبالفتح المنزل. فإن حملت (لا مُقامَ لَكُمْ) على القتال، يكون: فارجعوا إلى طلب الأمان عن الكلبي. وقيل: لا مقام لكم على دين محمد عليه السلام، فارجعوا إلى دين مشركي قريش عن الحسن. وقيل لا مقام لكم في مكانكم، فارجعوا إلى مساكنكم. ومن ذلك قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) «3» «ما» بمعنى الذي، والعائد من الخبر إليه محذوف، أي: أجورهن له. ويجوز أن يكون «ما» بمعنى «من» ، ويكون «به» على اللفظ، و «آتوهنّ» على المعنى، ولا يكون مصدراً بعود الضمير إليه. ومن ذلك قوله: (باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ) «4» أي: باسطوا أيديهم بالعذاب، فحذف لقوله: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) «5» . وفي الكتاب: بسط عليه مرتين، يريد: بسط عليها العذاب مرتين. فليس إضمار العذاب هنا على حد إضماره في الآية. لكنه على أحد أمرين:

_ (1) الأحزاب: 13. (2) في الأصل: «الإثبات» . (3) النساء: 24. (5- 4) الأنعام: 93. [.....]

إما أن يكون/ جرى ذكر العذاب فأضمر لجرى ذكره، وإما أن يكون دلالة حال كقوله: إذا كان غدا فائتني. ومن ذلك قوله تعالى: (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) «1» . أي: للأوابين منكم، أو لأن الأوابين هم الصالحون. كقوله: (أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) «2» بعد قوله: (الَّذِينَ آمَنُوا) «3» . ومنه قوله: (لا عِوَجَ لَهُ) «4» ، أي: لا عوج له منهم. ومن ذلك قوله: (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) «5» أي: لنحمل خطاياكم عنكم. ومنه قوله: (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) «6» ، أي: في الدعاء. ومن ذلك قوله: (سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ) «7» أي: ومعارج من فضة، وأبواباً من فضة، وسررا من فضة و «زخرفا» محمول على موضع قوله: «من فضة» . ومنه قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) «8» أي: يشترون الضلالة بالهدى. وقال: (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا) «9» أي: مسئولا عنه.

_ (1) الإسراء: 25. (3- 2) الكهف: 30. (4) طه: 108. (5) العنكبوت: 12. (6) الكهف: 28. (7) الزخرف: 33. (8) النساء: 44. (9) الإسراء: 34.

وقال: (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ) «1» أي: لا عوج لهم عنه. وقوله: (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) «2» أي: ليعلم أن العزة لمن هى. وقال الله تعالى: (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) «3» أي: عن الدنيا، لأنهم قالوا: (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) «4» . وقال: (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) «5» أي: لذكر الله. وقوله: (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) «6» أي: لهم، على قول أبي الحسن. وقال: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) «7» أي: قالوا لهم. ومن ذلك قوله تعالى: (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ) «8» أي: صدها عبادة غير الله عن عبادة الله، فحذف الجار والمجرور، وهو المفعول، و «ما» فاعلة. وقيل: صدها «سليمان» عما كانت تعبد، فحذف «عن» . وقيل: التقدير: صدها الله عما كانت تعبد بتوفيقها.

_ (1) طه: 108. (2) فاطر: 10. (3) إبراهيم: 44. (4) الجاثية: 24. (5) النحل: 22. (6) البقرة: 192. [.....] (7) النساء: 97. (8) النمل: 43.

وقيل: الواو في قوله «وصدها» واو الحال، والتقدير: تهتدي أم تكون على ضلالتها، وقد صدها ما كانت تعبد من دون الله. ومثله قوله: (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) «1» أي: للأوابين منكم. وقيل: بل الأوابون هم الصالحون، فوضع الظاهر موضع المضمر، كقوله: (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) «2» . على قول الأخفش، أي: مصدق له/ فوضع الظاهر موضع المضمر، كقوله: (مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) فحذف الجار والمجرور. كقوله: (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) «3» أي: نسارع لهم به. ومن ذلك قوله: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً) «4» عن الأمة (فَآوى) أي: فآواك إلى أبي بكر. وقيل: إلى خديجة. وقيل: إلى أبي طالب. وقيل: بل آواه إلى كنف ظله، وربَّاه بلطف رعايته. ويقال: فآواك إلى بساط القربة، بحيث انفردت بمقامك فلم يشاركك فيه أحد. (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) عن الاستثناء حين سئلت، فلم تقل إن شاء الله [فهدى) أي] «5» : فهداك لذلك، ويقال: في محبتنا، فهديناك بنور القربة إلينا. ويقال: ضالاً عن محبتي فعرفتك أني أحبك. ويقال: جاهلاً بمحل شرفك، فعرفتك قدرك. ويقال: مستتراً في أهل مكة لم يعرفك أحد، فهداهم إليك، حتى عرفوك.

_ (1) الإسراء: 25. (2) آل عمران: 81. (3) المؤمنون: 56. (4) الضحى: 6. (5) تكملة يقتضيها السياق.

(وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8)) أي: أغناك عن الإرادة والطلب، بأن أرضاك بالفقر. ويقال: أغناك عن السؤال، فيما أعطاك ابتداء بلا سؤال منك. ويقال: أغناك بالنبوة والكتاب. ومن ذلك حكاية عن إبليس اللعين: (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) «1» . قال قوم منهم الفراء: إني كفرت بالله، وجعل «ما» في مذهب ما يؤدي عن الاسم، ويعني من قوله: «من قبل» في وقت آدم حين أبى السجود واستكبر. وقال قوم التقدير: إني كفرت اليوم بما كنتم تعبدونه لي في الدنيا، فحذفوا الظرف دون الجار. وقال أبو علي: تقدير «من قبل» أن يكون متعلقاً ب «كفرت» . المعنى: إني كفرت من قبل بما أشركتموني. ألا ترى أن كفره قبل كفرهم، وإشراكهم إياه فيه بعد ذلك. فإذا كان كذلك علمت أن «من قبل» لا يصح أن يكون من صلة «أشركتمون» . وإذا لم يصح ذلك فيه، ثبت أنه من صلة «كفرت» . فأما «ما» فيحتمل وجهين: يجوز أن يكون المصدر، فإذا كان إياه لم يحتج إلى عائد، وكان التقدير: بإشراككم إياى فيه.

_ (1) إبراهيم: 22.

وإن جعلتها موصوله، كان التقدير: بإشراككم إياي فيه، فحذف «فيه» . على قياس ما قاله في قوله: (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) «1» وأوصل 7 ليه الفعل/ ثم حذف الضمير. والمعنى، إني كفرت من قبل بما أشركتموني فيه من بعد، ويقدر «أشركتمون» جعلتموني شريكاً في كفركم. ومما حذف منه الجار والمجرور: قول العرب «الحملان حمل ودرهم» . فالحملان يرفع بالابتداء. و «حمل» ابتداء ثان. و «درهم» في موضع الجر. والمعنى الحملان حمل منهما بدرهم. فقولك «منهما» مقدر في الكلام، وبتقديره يستقيم، ولو قلت: حمل ودرهم رخيص. ويكون ب «درهم» يتعلق ب «رخيص» - جاز. ومما حذف منه الجار والمجرور قوله: (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) «2» . أي: على إيمانهم أجراً، أي: ما دعوا إليه من الإيمان. والإيمان المقدر المحذوف على ضربين: أحدهما أن يكون إيمان من آمن، ويجوز أن يكون إيماناً نسب إلى من يؤمن. وجاز ذلك فيه للالتباس الذي لهم به في دعائهم إليه، كما قال: (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) «3» . والتقدير: الذي شرع لهم ودعوا إليه.

_ (1) البقرة: 48. (2) الشعراء: 109. (3) الأنعام: 137.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً) «1» أي: نوراً في القيامة. (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) «2» أي: في الخلق. ومنه قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) «3» . أي: دليلاً على الظل، إذ لولاه لم تعرف، وبضدها تتبين الأشياء، عن ابن سحبر [ة] ، وقيل: تاليا على الظل حتى يأتي عليه كله. عن قتادة. وقيل: دليلاً على قدرة الله، (ثُمَّ قَبَضْناهُ) «4» يعني: الظل، أي: بطلوع الشمس، وقيل: بغروبها، (يَسِيراً) «5» أي: سريعاً، وقيل: هو فعيل بمعنى مفعوله. أي: جعلنا الشمس مدلولة على الظل، أي: دللناها عليه حتى أذهبته وحكت له «6» . وأما قوله: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) «7» . فقيل: هو من هذا الباب. والذين آمنوا هم الفاعلون. والتقدير: ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم، كالآية الأخرى: (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) «8» وقيل: بل الذين آمنوا نصب مفعول به على تقدير: ويستجيب الله للذين آمنوا، فحذف اللام. وأما قوله: (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ

_ (2- 1) النور: 40. (3) الفرقان: 45. (4) الفرقان: 46. [.....] (6- 5) كذا. (7) الشورى: 26. (8) الشورى: 38.

مِنَّا) «1» . أي: نجيناهم من الإهلاك (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) «2» فحذف الجار/ والمجرور. ولا يكون (وَنَجَّيْناهُمْ) مكرراً. لمكان الواو. ومن ذلك قوله تعالى: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) «3» أي: الدنيا من المدينة. (وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) «4» أي: من المدينة. وقال: (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) «5» أي في أدنى الأرض منهم. وعند الكوفيين: قام اللام مقام الضمير، كقوله: (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) «6» . ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) «7» . أي: أمرنا مترفيها بالطاعة، ففسقوا فيها، فحذف «بالطاعة» . وفسره قوم فقالوا: أمرنا، أي كثرنا، قالوا: ويقال: أمرت القوم وآمرت وأمرت، إذا كثرتهم. وفي الحديث: خير المال سكة مأبورة، أو مهرة مأمورة أي: كثيرة النتاج، «فمأمورة» من «أمرت» . وزعم أبو عبيدة عن يونس عن أبي عمرو أنه قال: لا يقال أمرت، أي كثرت وإنما فسر «أمر» ، أي: أمرناهم بالطاعة.

_ (2- 1) هود: 58- 65. (4- 3) الأنفال: 42. (5) الروم: 3. (6) النازعات: 41. (7) الإسراء: 16.

وزعم ثعلب: أمر القوم، إذا كثروا أمر علينا فلان، إذا ولي. وكأنه اقتدى بأبي عمرو، ولم ير «أمرت» أي: كثرت، صحيحا ولم ير حجه في قوله: مهرة مأمورة لأنه يكون من باب قوله: (حِجاباً مَسْتُوراً) «1» . أي: ذا ستر ويكون بمعنى: ساتر فكذا «مأمورة» أي: ذات كثرة أو بمعنى أمر. وزعم أبو علي: أن أمر وأمرته، من باب رجع ورجعته، ووقف ووقفته. ومن ذلك قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) «2» قال أبو علي: يجوز أن يكون «ما» بمعنى «الذي» ولا يكون «استمتعتم» في موضع جزم بالجزاء، وقد عاد الذكر في «به» إليه، ويكون العائد إليه من الخبر محذوفاً، كأنه: فآتوهن أجورهن له: أي: لما استمتعتم به. ولا يجوز أن تكون «ما» مصدراً لعود الذكر إليها من قوله ولا يستقيم في المعنى أيضاً، لأن الأجور المهور فلا تؤتاه المرأة إلا مرة. ولا يجوز أيضا أن تكون «ما» كالتي في قوله: فما تك يا ابن عبد الله فينا

_ (1) الإسراء: 45. (2) النساء: 24.

هذا المعنى أيضا ويجوز «1» . أن تكون «ما» بمنزلة «من» ، فإذا كان كذلك لم يلزم أن يضمر شيئاً يعود على المبتدأ لأن قوله: / «فآتوهن» يرجع إلى «ما» على المعنى، لأن التقدير ب «ما» يجوز أن يكون جمعاً، قد قال هذا «2» . فقال في قوله: (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) «3» فكلاهما في موضع رفع فيمن قال: زيد ضربته، ومن قال: زيداً ضربته، وزيداً مررت به كان عنده في موضع نصب. وكلام سيبويه في هذا: ويرفع الجواب حين يذهب الجزم قولهم: أيهم يأتك تضرب، إذا جزمت لأنك جئت «بتضرب» مجزوماً بعد أن عمل في أيهم، ولا سبيل له عليه، وكذلك هذا حيث جئت بجوابه مجزوماً بعد أن عمل فيه الابتداء. قلت: الصحيح ما ذكر في قوله: (مَهْما تَأْتِنا بِهِ) «4» ومنعه في: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) «5» من أن يكون شرطاً، محتجاً بما يعود إليه من «به» شبهة وقعت له من قول سيبويه: أيهم يأتك تضرب، إذا جزمت «تضرب» على الجواب لم يعمل في «أيهم» .

_ (1) في الأصل: «ويجوز أن تكون» . (2) يشير إلى أن هذا من كلام أبي علي الفارسي. (4- 3) الأعراف: 132. (5) النساء: 24. [.....]

فأما: أيهم تضرب يأتك فإنك تنصبه «بتضرب» ولو أدخلت الهاء فقلت: أيهم تضربه يأتك، جاز رفعه، وإن كان الاختيار النصب. ومثل الآية قول المتنخل الهذلي: إذا سدته سدت مطواعة ... ومهما وكلت إليه كفاه «1» فالهاء في «كفاه» عائدة إلى «مهما» ، كما يعود إلى «ما» ولا يكون بمثل هذا العائد في: أين ومتى، لا تقل: أين تكن أكن فيه، ولا: متى تأتني آتك فيه، لأن «أين» و «متى» لا يبتدآن، فهما منصوبان على الظرف فلا يشتغل الفعل عنهما، و «ما» قد تكون مبتدأة. ثم اعلم بعد: أني لا أختار في «ما» من قوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) «2» أن يكون بمعنى «الذي» ، لأنه يحتاج إلى ما يعود إليه من الخبر، على حد ما قال من قوله: (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) له إذ لا يكاد يفيد معنى. ولكن ما يكون شرطاً إما منصوباً بفعل مضمر يفسره: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) «3» ، أو يكون مبتدأ، وما بعده خبره. ولا أختار أن يكون بمعنى «من» لقلة ذلك، وكلام الله لا يحمل على القليل. ووجدت في موضع آخر قال: لا يجوز أن تكون «ما» مصدراً على حد قوله: (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) «4» أي: بتكذيبهم لأن الذكر قد عاد

_ (1) اللسان (طوع) . (3- 2) النساء: 24. (4) البقرة: 10.

إليه/ من الصلة في قوله «1» به، فإذا كان كذلك كان بمعنى الذي، ودخلت الفاء على حد دخولها في قوله: (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) «2» ، وقوله: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) «3» . وإذا حملته على هذا وجب أن يعود مما بعد الفاء ذكر يعود إلى المبتدأ: فآتوهن أجورهن له أو من أجله، أي: من أجل ما استمتعتم به لا يكون إلا كذلك. فإن قلت: لا يجوز أن تكون «ما» للجزاء، فإنه يجوز أن يكون له، ويكون موضع «استمتعتم» جزماً والفعل، وما بعد «ما» في موضع الجزم، ويكون اسماً للوقت وقد قال: فما تك يا ابن عبد الله فينا وموضع «ما» رفع لاشتغال الفعل بالجار. ومن قال: زيداً مررت به، كانت عنده في موضع نصب، ورجوع الذكر من الشرط لا يمنع أن يكون الاسم الذي قبله للمجازاة.

_ (1) في الأصل: «قوله في به» . (2) النحل: 53. (3) البقرة: 274.

ألا ترى أنك لو قلت: ما يحملك تركبه لم يمتنع أن يكون جزاء. وكذلك لو قلت: ما يحملك ينفعك. وقد جاءت «ما» في مواضع للجزاء يراد به الزمان. وكذلك في الآية: إن استمتعتم وقتاً منهن به. وينبغي في قياس قول أبي الحسن أن يكون في الشرط ذكر يعود إلى ما يعود من الخبر على الجمل. على هذا حمل هذا النحو في مسائل الكثير، وهذا حكوا عنه فى الكتاب.

الباب السادس عشر

الباب السادس عشر هذا باب ما جاء في التنزيل وقد حذف منه همزة الاستفهام هذا باب ما جاء في التنزيل وقد حذف منه همزة الاستفهام وحذف الهمزة في الكلام حسن جائز، إذا كان هناك ما يدل عليه. فمن ذلك قوله تعالى في قراءة الزهري: (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) «1» والتقدير: أسواء عليهم الإنذار وترك الإنذار، فحذف الهمزة. ومثله قراءة ابن أبي عبلة في قوله: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) «2» بالرفع على معنى: أقتال فيه؟ وقيل في قوله تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) «3» فحذف الهمزة وقال الأخفش في قوله تعالى: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ) «4» التقدير: أو تلك نعمة؟ فحذف الهمزة. ومثله: (قالَ هذا رَبِّي) «5» . أي أهذا ربي؟ فحذف الهمزة، فكذلك في أختيها. / وقيل في قوله تعالى: (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) «6» : أتلقون إليهم بالمودة؟ فحذف الهمزة.

_ (1) البقرة: 6. (2) البقرة: 217. (3) الأنبياء: 87. (4) الشعراء: 22. (5) الأنعام: 76 و 77 و 78. (6) الممتحنة: 1.

وقيل في قوله تعالى: (أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) «1» . تقديره: أإنّكم؟ لأنه في الظاهر يؤدي إلى الكذب. وقيل: أراد سرقتم يوسف من أبيه لا أنهم سرقوا الصاع. وهذا سهو، لأن إخوة يوسف لم يسرقوا يوسف، وإنما خانوا أباهم فيه وظلموه. وقيل: قالوه على غلبة الظن، ولم يتعمدوا الكذب، ويوسف لا علم له، فيكون التقدير: إنكم لسارقون في غلبة ظنوننا. وقال ميمون بن مهران: ربما كان الكذب أفضل من الصدق في بعض المواطن، وهو إذا دعا إلى صلاح لإفساد وجلب منفعة.

_ (1) يوسف: 70.

الباب السابع عشر

الباب السابع عشر هذا باب ما جاء في التنزيل من اجتماع الهمزتين وذلك يكون على وجوه في الكلام، وينبغي أن نعلمك أصلاً قبل ذلك، فإن اجتماعهما يبتني على ذلك الأصل، وهو: أن تعرف أن الهمزة المتحركة وقبلها ألف متحرك تكون على تسعة أوجه «1» : أحدها: أن تكون مفتوحة مضموما ما قبلها، نحو: «جُؤَن» . والثاني: أن تكون مفتوحه مكسوراً ما قبلها، نحو: مئر: بوزن «معر» ، وهذه ليس فيها إلا أن تقلب واوا في حال الضم، وياء في حال الكسر، نحو «جون» و «مير» بواو وياء خالصين، ولا يجوز فيهما بين بَيْنَ. وذلك أن الهمزة المفتوحة، إذا جعلتها بين بَيْنَ قربتها من الألف، والألف لا تقع بعد الضمة والكسرة بوجه ما، وهو مما تشهد الضرورة به، فكذلك لا يقع ما بعدهما ما يقارب الألف، كما أن الألف لما لم يمكن الابتداء به لم يكن جعل الهمزتين بين بينً في الابتداء، وإذا امتنع كونها بين بينً، فليس إلا القلب. والضرب الثالث: أن تكون الهمزة مفتوحة مفتوحا ما قبلها، فهذه تخفيفها أن تجعل بين بين، نحو: «سال» و «قرا زيد» وذلك أن الألف من شأنها أن تقع بعد الفتحة، وكذلك يقع المقرب منها بعدها، وقد عرفتك أن هذا التخفيف مما ينكشف سره بالمشافهة.

_ (1) الأصل: «سبعة» وقد ساقها المؤلف تسعة. [.....]

والضرب الرابع: أن تكون الهمزة مكسورة مفتوحاً ما قبلها/ نحو: «سم» . فهذه تجعل بين بَيْنَ، فأنت لأجل أنها مكسورة تقربها بالتخفيف من الياء الساكنة، والياء الساكنة تسلم بعد الفتحة، فما ظنك بالمقارب لها. والضرب الخامس: أن تكون الهمزة مضمومة مفتوحا ما قبلها نحو: «لؤم» ، فهذه أيضاً تجعل بين بَيْنَ، لأجل أنك تقربها من الواو الساكنة، والواو الساكنة تقر بعد الفتحة، فكذلك ما يقاربها. والضرب السادس: أن تكون الهمزة مضمومة قبلها ضمة نحو: «هذا عبد أختك» و «شقّ أبلم» . فهذه أحرى بأن تجعل بين بَيْنَ، لأجل أنك تقربها من الواو الساكنة، وشأنها أن تقع بعد الضمة، فكذا ما يقرب منها. والضرب السابع: أن تكون الهمزة مكسورة مكسوراً ما قبلها، نحو: «من عند إبلك» . تجعلها بين بَيْنَ، لأجل أنك تقربها من الياء الساكنة، وحقها أن تقع بعد الكسرة، وكذلك القريب منها. والضرب الثامن: أن تكون الهمزة مضمومة مكسوراً ما قبلها، نحو: «هذا قارئ يافتى» مثل «قارع يافتى» . وهذا فيه خلاف، فمذهب الخليل وصاحب الكتاب جعلها بين بَيْنَ، ومذهب أبي الحسن القلب إلى الياء. والتاسع: أن تكون مكسورة قبلها ضمة، نحو: «سئل» وهذه مثل الثامن في القلب، إلا أن أبا الحسن يقلبه واوا للضمة قبلها، كما يقلبها ياء للكسرة قبلها فى قارئ.

فأما ما حكاه محمد بن السري في كتابه في القراءات عن أبي الحسن من أنه قال: من زعم أن الهمزة المضمومة لا تمنع الكسرة إذا خففت دخل عليه أن يقول: «هذا قارئ» و «هؤلاء قارئون» و «يستهزئون» . قال، يعني أبا الحسن، وليس هذا من كلام من خفف من العرب، إنما يقولون يستهزئون فخطأ في النقل، ألا تراه يلزم الخليل وسيبويه أن يقولا هذا في المتصل؟ قالا ذلك في المنفصل، نحو: «من عند أخيك» ، ونسمعهما يقولان «1» : إنه قول العرب، هذا مما لا يظن. وأبو الحسن قد فصل بين المتصل والمنفصل في: ... «2» وغلام، نحو: إبلك، فقلب المتصل واوا والمنفصل ياء. هذا الذي/ حكاه عنه غلط في النقل، وإنما دخل عليه أن يقول: «هذا قارو» بالواو، كما حكيناه. فكذلك رواه أبو عبد الله اليزيدي عنه، ثم حكاه عن أبي الحسن من قولهم: إنما يقولون يستهزيون على ماذا يحمله، على التحقيق أم على فصلها بين بين؟. فإن حمله على التحقيق لم يجز، على [أن] «3» الكلام ليس فيه، إنما الكلام على التخفيف أم على جعلها بين بين. فإن حمله على أنه جعلها بين بين، فقد أثبت إذن ما أنكره، وما لم يقله أحد من أهل التخفيف عنه، وهذا خطأ عليه فاحش فى النقل.

_ (3- 1) تكملة يقتضيها السياق. (2) بياض بالأصل.

وأما ما ذكره محمد بن يزيد في هذه المسألة في كتابه المترجم بالشرح من قوله: والأخفش لا يقول إلا كما يقول النحويون: «هذا عند ئِبِلك» . ولكن يخالف في «يستهزئون» . فهذا الإطلاق يوهم أنه لا يفصل بين المتصل والمنفصل، وقد فصل أبو الحسن بين «أكمؤك» و «عند نحو بك» «1» . فينبغي إذا كان كذلك ألا نرسل الحكاية عنه، حتى يعتد ويفصل بين المتصل والمنفصل كما فصل هو. وأما الهمزة المفتوحة التي بعدها همزة مضمومة من كلمة واحدة، فقد جاء في التنزيل في أربعة مواضع: في آل عمران: (أَأُنَبِّئُكُمْ) «2» . وفي ص: (أَأُنْزِلَ) «3» . وفي القمر: (أَأُلْقِيَ) «4» . والرابع فى الزخرف: (أَشَهِدُوا) «5» . والهمزة المفتوحة التي بعدها مكسورة من كلمة: أولها فى الأنعام: (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ) «6» . والثانية في النمل: (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ) «7» . والثالثة في الشعراء: (أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً) «8» . والرابعة فى التوبة: (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) «9» .

_ (1) كذا في الأصل وانظر: الكتاب (2: 163- 171) . (2) آل عمران: 45. (3) ص: 8. (4) القمر: 25. (5) الزخرف: 19. (6) الأنعام: 19. (7) النمل: 55. (8) الشعراء: 41. (9) التوبة: 12.

والخامسة في يوسف: (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) «1» . والسادسة في مريم: (أَإِذا ما مِتُّ) «2» . والسابعة في الشعراء: (أَإِنَّ لَنا) «3» . والثامنة والتاسعة في القصص: (أَئِمَّةً) «4» فيهما. والعاشرة فى السجدة: (أَئِمَّةً) «5» . والحادي عشر فى يس: (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) «6» . والثاني عشر فى الصافات: (أَإِنَّا لَتارِكُوا) «7» . والثالث عشر فيها: (أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) «8» . والرابع عشر فيها: (أَإِفْكاً آلِهَةً) «9» . والخامس عشر فى السجدة: (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ) «10» . والسادس عشر: فى الواقعة: (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) «11» . والسابع عشر فى النمل: (أَإِنَّكُمْ) «12» . والثامن عشر فى ق (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا) «13» .

_ (1) يوسف: 90. (2) مريم: 66. (3) الشعراء: 41. [.....] (4) القصص: 5 و 41. (5) السجدة: 24. (6) يس: 19. (7) الصافات: 36. (8) الصافات: 52. (9) الصافات: 86. (10) فصلت: 9. (11) الواقعة: 66. (12) النمل: 55. (13) ق: 3.

والتاسع عشر في الأنبياء: (أَئِمَّةً) «1» . وخمسة في النمل: (أَإِلهٌ) «2» . / فذلك أربعة وعشرون. فهذه همزتان اجتمعتا مفتوح بعدها مكسور، وفي مدها وتليين الثانية اختلاف إلا التي في الشعراء، فإنه لم يقرأ هناك على الخبر أحد، كما قرأ في الأعراف، وقد يرد غير ذلك مع استفهام بعده: فأولها في سورة الرعد: (أَإِذا- أَإِنَّا) «3» . وفي بني إسرائيل: اثنان «4» . وفي المؤمنين: واحد «5» . وفي السجدة: واحد «6» . وفي النمل: (أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) «7» . وفى العنكبوت: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ... أَإِنَّكُمْ) «8» . وفي الصافات: موضعان «9» . وفي الواقعة «10» : وفي سورة النازعات «11» . فهذه أحد عشر موضعا واثنتان وعشرون كلمة. وأما المفتوحتان: ففي إحدى وثلاثين موضعاً أولها: في البقرة: (أَأَنْذَرْتَهُمْ) «12» . وفيها: (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ) «13» . وقوله: (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) وقد تكرر في الآية 49 والآية 98.

_ (1) الأنبياء: 73. (2) النمل: 60- 64. (3) الرعد: 5. (4) هما قوله تعالى: (إِذا كُنَّا عِظاماً) [.....] (5) في المؤمنين اثنان لا واحدا وهما (أَإِذا مِتْنا) (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) . (6) في السجدة اثنان لا واحدا وهما (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) . (7) النمل: 67. (8) العنكبوت: 28 و 29. (9) في الصافات خمسة مواضع، الأول والثاني (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) الثالث والرابع (إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) الخامس (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) . (10) هما (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) . (11) هما (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ) و (أَإِذا كُنَّا عِظاماً) . (12) البقرة: 6. (13) البقرة: 140.

والثالثة في آل عمران: (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) «1» في قراءة ابن كثير. والرابعة فيها: (أَأَسْلَمْتُمْ) «2» . والخامسة فيها: (أَأَقْرَرْتُمْ) «3» . السادسة في المائدة: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) «4» . السابعة، والثامنة، والتاسعة: (آمَنْتُمْ) «5» فى الأعراف وطه والشعراء. والعاشرة في هود: (أَأَلِدُ) «6» . الحادي عشر في يوسف: (أَأَرْبابٌ) «7» . الثاني عشر في سبحان: (أَأَسْجُدُ) «8» . الثالث عشر في الأنبياء: (أَأَنْتَ فَعَلْتَ) «9» . الرابع عشر في الفرقان: (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي) «10» . والخامس عشر في النمل (أَأَشْكُرُ) «11» . السادس عشر في يس: (أَأَنْذَرْتَهُمْ) «12» . السابع عشر فيها: (أَأَتَّخِذُ) «13» .

_ (1) آل عمران: 73. (2) آل عمران: 20. (3) آل عمران: 81. (4) المائدة: 116. (5) الأعراف: 23- وطه: 71- الشعراء: 49. [.....] (6) هود: 72. (7) يوسف: 39. (8) الإسراء: 61. (9) الأنبياء: 62. (10) الفرقان: 17. (11) النمل: 40. (12) يس: 10. (13) يس: 23.

الثامن عشر فى السجدة: (ءَ أَعْجَمِيٌّ) «1» . التاسع عشر في الزخرف: (أَآلِهَتُنا) «2» . العشرون في الأحقاف: (أَذْهَبْتُمْ) «3» . الحادي والعشرون والثاني والثالث والرابع والعشرون في الواقعة: (أَأَنْتُمْ) «4» . الخامس والعشرون في المجادلة: (أَأَشْفَقْتُمْ) «5» . السادس والعشرون في الملك: (أَأَمِنْتُمْ) «6» . السابع والعشرون فى القلم: (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) «7» . الثامن والعشرون في النازعات: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ) «8» . التاسع والعشرون: (ألهكم) «9» . الثلاثون: (آلذَّكَرَيْنِ) «10» . الحادي والثلاثون: (آزَرَ) «11» . وفي كل ذلك اختلاف بين القراء السبعة إلا في قوله: (آلذَّكَرَيْنِ) «12» (آزَرَ) «13» .

_ (1) فصلت: 44. (2) الزخرف: 58. (3) الأحقاف: 20 في قراءة. (4) الواقعة: 59 و 64 و 69 و 72. (5) المجادلة: 13. (6) الملك: 16. [.....] (7) القلم: 14 في قراءة: (أأن كان) . (8) النازعات: 27. (9) التكاثر: 1 في قراءة: (أألهكم) . (12- 10) الأنعام: 143، 144. (13- 11) الأنعام: 74.

فإن السبعة اجتمعت على مد (آلذَّكَرَيْنِ) فى الموضعين و (آزَرَ) على/ وزن أفعل. وأما قوله: (آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ) «1» . وقوله: (اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ) «2» . وقوله: (آلْآنَ) «3» . فإنهم أجمعوا على مد هذه الأحرف، ولم يحذفوا المد، كي لا يشتبه الخبر بالاستفهام لو قيل: الآن، والله أعلم. وأما التقاؤهما من الكلمتين، مما جاء في التنزيل على ثلاثة أضرب، فهما متفقتان على الفتح، وهي في تسعة وعشرين موضعاً: أولها في النساء: (السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) «4» . وفيها: (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) «5» وهكذا في المائدة. وفي الأنعام: (جاءَ أَحَدَكُمُ) «6» . وفي الأعراف: (جاءَ أَجَلُهُمْ) «7» . وفي هود: (جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) «8» اثنان. (جاءَ أَمْرُنا) «9» خمسة.

_ (1) يونس: 59. (2) يونس: 91. (3) يونس: 91. (4) النساء: 5. (5) النساء: 43- المائدة: 6. (6) الأنعام: 61. (7) الأعراف: 34. (8) هود: 76 و 101. (9) هود: 40 و 58 و 66 و 82 و 94. [.....]

وفى الحجر: (جاءَ آلَ لُوطٍ) «1» وفيها: (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) «2» . وفي النحل: (جاءَ أَجَلُهُمْ) «3» . وفي الحج: (السَّماءَ أَنْ تَقَعَ) «4» . وفي المؤمنين: (جاءَ أَمْرُنا) «5» وفيها: (جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) «6» . وفي الفرقان: (مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ) «7» . وفي الأحزاب: (إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) «8» . وفي الملائكة: (جاءَ أَجَلُهُمْ) «9» . وفي المؤمن: (جاءَ أَمْرُ اللَّهِ) «10» . وفي الحديد مثله «11» . وفى المنافقين: (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) «12» . وفي اقتربت الساعة: (جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ) «13» . وفي سورة محمد «عليه السلام» : (جاءَ أَشْراطُها) «14» . وفي عبس: (شاءَ أَنْشَرَهُ) «15» .

_ (1) الحجر: 61. (2) الحجر: 67. (3) النحل: 61. (4) الحج: 65. (5) المؤمنون: 27. (6) المؤمنون: 99. (7) الفرقان: 57. (8) الأحزاب: 24. (9) فاطر: 45. (10) غافر: 78. (11) قوله تعالى: (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) الحديد: 14. (12) المنافقون: 1. (13) القمر: 41. (14) محمد: 18. [.....] (15) عبس: 22.

الضرب الثاني: همزتان مكسورتان من كلمتين، وهي في ثلاثة عشر موضعاً، أولها في البقرة: (هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ) «1» . وفيها على قول الزيات والأعمش: (مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ) «2» . وفي النساء: (مِنَ النِّساءِ إِلَّا) «3» موضعان. وفي يوسف: (بِالسُّوءِ إِلَّا) «4» . وفي الأحزاب: (النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) «5» . وفيها: (أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ) «6» . وفيها: (لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ) «7» . (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا) «8» على قول نافع عن قالون، وأبي حاتم عن ابن كثير. وفي النور: (الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ) «9» . وفي الشعراء: (مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ) «10» . وفي سبأ: (السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ) «11» . وفيها: (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ) «12» .

_ (1) البقرة: 31. (2) البقرة: 282. (3) النساء: 21 و 24. (4) يوسف: 53. (5) الأحزاب: 32. (6) الأحزاب: 55. (7) الأحزاب: 50. (8) الأحزاب: 53. (9) النور: 33. (10) الشعراء: 187. (11) سبأ: 9. (12) سبأ: 40.

وفى الزخرف: (فِي السَّماءِ إِلهٌ) «1» . وفي هود: (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ) «2» . وفي ص: (هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً) «3» . وفي بني إسرائيل: (هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ) «4» . وفي السجدة: (مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) «5» . وأما المضمومتان من كلمتين ففي موضع واحد: (أَوْلِياءُ أُولئِكَ) «6» . فهذا في المتفقين. وأما المختلفان، ففي التنزيل على خمسة أضرب، مضمومة دخلت على مفتوحة مثل: (السُّفَهاءُ أَلا) «7» . و [الثاني] : ضدها/ مفتوحة على مضمومة نحو: (جاءَ أُمَّةً) «8» ولا ثاني له. الثالث: مكسورة دخلت على مفتوحة مثل: (وِعاءِ أَخِيهِ) «9» . [الرابع] «10» : ضدها: (شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ) «11» .

_ (1) الزخرف: 84. [.....] (2) هود: 71. (3) ص: 15. (4) الإسراء: 102. (5) السجدة: 5. (6) الأحقاف: 32. (7) البقرة: 13. (8) المؤمنون: 44. (9) يوسف: 76. (10) تكملة يقتضيها السياق. (11) البقرة: 133.

الخامس: مضمومة دخلت على مكسورة مثل: (نَشؤُا إِنَّكَ) «1» ولا ضد لها. والضرب الأول: (السُّفَهاءُ أَلا) «2» (النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) «3» (يَشاءُ أَلَمْ تَرَ) «4» (سُوءُ أَعْمالِهِمْ) «5» (وَالْبَغْضاءُ أَبَداً) «6» (لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ) «7» (تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا) «8» (الْمَلَأُ أَفْتُونِي) «9» (الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ) «10» . وأيضا: (الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ) «11» (جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ) «12» . الضرب الثاني: (جاءَ أُمَّةً) «13» لا ثاني له. الثالث: (مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ) «14» (وِعاءِ أَخِيهِ) «15» موضعان (السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا) «16» (هؤُلاءِ آلِهَةً) «17» (مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) «18» (السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ) «19» (السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ) «20» (السَّماءِ أَوِ ائْتِنا) «21» (أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ) «22» (بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ) «23» .

_ (1) هود: 87. (2) البقرة: 13. (3) الأحزاب: 50- ولعله يريد: (النبيء أن) بالهمزة، إذ لا شاهد في هذه القراءة. (4) إبراهيم: 27 و 28. [.....] (5) التوبة: 37. (6) الممتحنة: 4. (7) الأعراف: 100. (8) الأعراف: 155. (9) النمل: 32. (10) النمل: 38. (11) يوسف: 43. (12) فصلت: 28. (13) المؤمنون: 44. (14) البقرة: 282. (15) يوسف: 76. (16) الفرقان: 40. (17) الأنبياء: 99. (18) الأعراف: 50. [.....] (19) الملك: 16. (20) الملك: 17. (21) الأنفال: 32. (22) الأحزاب: 55. (23) الأعراف: 28.

والضرب الرابع: (شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ) «1» (وَالْبَغْضاءَ إِلى) «2» موضعان، (شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ) «3» (شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ) «4» (وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ) «5» (إِنْ شاءَ [إِنَ] «6» اللَّهَ) «7» . (أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا) «8» (الدُّعاءَ إِذا) «9» ثلاثة مواضع (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) «10» (عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) «11» وفى الأنبياء مثله «12» (نَبَأَ إِبْراهِيمَ) «13» (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ) «14» . الضرب الخامس: (يَشاءُ إِلى صِراطٍ) «15» (يَشاءُ إِذا قَضى) «16» (الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) «17» (نَشؤُا إِنَّكَ) «18» (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ) «19» (السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) «20» (يا زَكَرِيَّا إِنَّا) «21» (نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) «22» (لِما يَشاءُ إِنَّهُ) «23» (الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ) «24» (النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ) «25» (مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ) «26» في يونس. وفي النور: (مَنْ يَشاءُ إِلى) «27» موضعان «28»

_ (1) البقرة: 133. (2) المائدة: 14 و 64. (3) الأنعام: 144. (4) يونس: 66. (5) يوسف: 24. (6) تكملة يقتضيها السياق. (7) التوبة: 28. (8) الكهف: 102. (9) النمل: 80 والأنبياء: 45. [.....] (10) يوسف: 58. (11) مريم: 2. (12) الأنبياء: 89. (13) الشعراء: 19. (14) الحجرات: 9. (15) البقرة: 142. (16) آل عمران: 47. (17) البقرة: 282. (18) هود: 87. (19) الأعراف: 188. (20) فاطر: 43. (21) مريم: 7- يريد: (يا زكرياء إنا) إذ لا شاهد في هذا الرسم. (22) الحج: 5. (23) يوسف: 100. [.....] (24) النمل: 29. (25) الأحزاب: 45- يريد: (النبيء إنا أرسلناك) . (26) يونس: 25. (27) النور: 46. (28) وردت الآية في الموضع الآخر من سورة النور (ما يَشاءُ إِنَّ) آية 45.

وفي الملائكة: (الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ) «1» (الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ) «2» . (النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) «3» (النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) «4» . فى حم عسق: (لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) «5» . وفيها: (ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ) «6» . فذلك اثنان وستون موضعاً. هذه الهمزات المختلفة، روت القراء عن أبي عمرو تليين الثانية، وتحقيق الأولى. وروى سيبويه عنه تليين الأولى، وتحقيق الثانية نحو: يا زكريا زكريا وأما الهمزتان إذا التقتا وكانت كل واحدة منهما من كلمة، فإن أهل التخفيف يخففون إحداهما، ويستثقلون تحقيقهما لما ذكرت لك، كما استثقل أهل/ الحجاز تخفيف الواحدة، فليس في كلامهم أن تلتقي همزتان فتحققا ومن كلامهم تخفيف الأولى، وتحقيق الثانية، سمعنا ذلك من العرب. وحدثنى هارون القارئ، أنه سمع العرب يقولون، وهو قوله: (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) «7» و (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ) «8» وهو قول أبي عمرو، وأنشد الشاعر: كل غراء إذا ما برزت ... ترهب العين عليها والحسد «9» انتهى كلامه. وكان المقصود من إدخال هذا الباب الإشارة بهذا الخلاف بين سيبويه والقراء في روايتهم عن أبي عمرو، وكل حسن جائز فصيح.

_ (1) فاطر: 28. (2) فاطر: 15. (3) الممتحنة: 12. (4) الطلاق: 1. (5) الشورى: 49. (6) الشورى: 27. (7) محمد: 18. (8) مريم: 8. (9) الكتاب (1: 167) . [.....]

الباب الثامن عشر

الباب الثامن عشر هذا باب ما جاء في التنزيل من لفظ مَنْ ومَا والَّذي وكُلُّ وأحَدٍ، وغير ذلك كنى عنه مرة على التوحيد وأخرى على الجمع، وكلاهما حسن فصيح ذكره سيبويه وغيره. فمن ذلك قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ) «1» . فكنى عن «من» بالمفرد حيث قال «يقول» ثم قال: (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) «2» ، فحمل على المعنى وجمع. وقال: (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) «3» ، فأفرد الكناية فى «أسلم» و «له» و «هو» . ثم قال: (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) «4» فجمع. ومن ذلك قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) «5» ، فأفرده ثم جمع.

_ (1) البقرة: 8. (2) البقرة: 8. (3) البقرة: 112. (4) البقرة: 112. (5) الأنعام: 25.

وقال في موضع آخر: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) «1» . وقال. (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) «2» فذكر «يقنت» ثم قال: (وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها) «3» فأنث حملاً على المعنى، والقياس في هذا أن يكنى عن لفظ، ثم يحمل على المعنى ويثنى ويجمع ويؤنث. فأما إذا كنيت عنه بالجمع، ثم تكنى عنه بالمفرد، فإنهم قالوا: هذا لا يحسن، وقد جاء التنزيل بخلاف ذلك. قال: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً) «4» . فجمع «خالدين» بعد إفراد اللفظ. ثم قال: (قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً) «5» ، فأفرد. قال عثمان، في قول الفرزدق من أبيات الكتاب: / ورثت أبي أخلاقة عاجل القرى ... وضرب عراقيب المتالي شبوبها «عاجل القرى» بدل من «أخلاقة» جوهر عن حدث، لأن أخلاقه بدل من أبي- فهو كمعين بعد جاء حينه. ولا يلزم عوده إلى الأول، لأنه قد جاء: (قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً) «6» ويجوز أن يكون عاجلاً كالعافية. ويوضحه ما بعده من المصدر.

_ (1) يونس: 42. (2) الأحزاب: 31. (3) الأحزاب: 31. (6- 5- 4) الطلاق: 11.

قال: فرق بين معين وعاجل في العود إلى الأول بأنه بيان، وليس في العود إلى «من» بيان الأول. وهو كلام ساقط بعد الجهل بقوله: (قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً) «1» . وجوز في «أخلاقه» أن يكون مفعولاً ثانياً، ويجوز حذف «من» أي: من أبي. وإذا ثبت وصح أنه يجوز ويحسن العود إلى الإفراد بعد الجمع، كان قوله: (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) «2» - تذكيراً بعد التأنيث، لأنه أنث خالصة حملا لها على معنى التأنيث ثم عاد إلى اللفظ. وإذا كان كذلك فقول الشماخ: أمن دمنتين عرس الركب فيهما ... بعقل الرجامى قد عفا طللاهما أقام على ربعيهما جارتا صفاً ... كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما لا يبطل به حجة من احتج على إجازة سيبويه: «مررت برجل حسن وجهه» ، قد احتج بهذا البيت على جواز المسألة. وقال: «جونتا مصطلاهما» كحسنى وجههما. فقال قائلون: إن قوله: «مصطلاهما» بعودهما إلى الأعالى، لأن الأعالى بمعنى الأعليين.

_ (1) الطلاق: 11. (2) الأنعام: 139.

قيل لهم: التثنية بعد الجمع محال لا يحسن. فقالوا: قد جاء الإفراد بعد الجمع، والتذكير بعد التأنيث، وإنما يبطل احتجاجهم بأنه لا يقال كميتا الأعالي جونتا مصطلى الأعالي. وإنما يقال مصطلى الأسافل. وهذا حديث قد كتبناه في مواضع ليس من بابه هذا الكتاب. ومن ذلك قوله تعالى: (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) «1» فكنى عنه بالمفرد. ثم قال: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) «2» - فكنى عنه بالجمع. ومثله: (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) «3» . ثم قال: (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) «4» . وقال: (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) «5» . ثم قال: (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) «6» . ويجوز أن يكون التقدير في قوله: (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) «7» - أي، وفيما يتلى عليكم فحذف الخبر. ومثله: (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) «8» أي تماماً على المحسنين- عن مجاهد، كأنه قيل: تماماً على المحسنين الذي هو أحدهم.

_ (1) البقرة: 17. (2) البقرة: 17. (3) الزمر: 33. [.....] (4) الزمر: 33. (7- 5) الأحقاف: 17. (6) الأحقاف: 18. (8) الأنعام: 154.

وقيل: تماماً على إحسانه- أي إحسان موسى بطاعته فيكون مصدراً كقوله: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) «1» أي كخوضهم. وعلى الأول جنس كقوله: (بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) «2» وقوله: (أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا) «3» . ومن ذلك قوله تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) «4» . قال أبو علي: القول فيما يعود من الصلة إلى الموصول، إنه لا يخلو من أن يكون «ما» يقدرها محذوفة، أو يكون الواو فلا يجوز أن تكون الهاء لأن الكفار يعرفون ما يتخذونه آلهة. فإذا لم يجز ذلك علمت أن الراجع إلى الموصول، الواو في «يعلمون» . وإنما عاد عليه على لفظ الجمع كما قال: (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) «5» - فحمل على المعنى، والضمير في «يجعلون» للكفار، والذي فى «يعلمون» ، يعود إلى «ما» . كما قال: (وَما يَشْعُرُونَ) «6» فهذا كقوله: (ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) «7» . فالضمير في «لا يستطيعون» .

_ (1) التوبة: 69. (2) الزمر: 35. (3) فصلت: 29. (4) النحل: 56. (5) النحل: 72. (6) النحل: 21. (7) النحل: 73.

وقال في موضع آخر: التقدير: ويجعلون لما لا يعلمونه إلهاً فحذف المفعولين. ومن ذلك قوله: (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا) «1» يحتمل قوله: تلقف- أمرين: يجوز أن يكون في «تلقف» ضمير قوله: «ما في يمينك» وأنث على المعنى، لأنه في المعنى: عصا. ويؤكد ذلك قوله: (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) «2» وكذلك يكون الضمير في قوله: (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ) «3» ويجوز أن تكون «تلقف» للمخاطب وجعله هو المتلقف، وإن كان المتلقف في الحقيقة العصا- لأنه بإلقائه كان، فأسند التلقف إليه، وإن كان للعصا في الحقيقة، كما قال: (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى) «4» . ومما حمل على المعنى: قوله (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما) «5» . فالضمير في يتعلمون يعود إلى «أحد» . وقال: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) «6» ، و «بين» لا تضاف إلى المفرد، قال في ثلاثة مواضع هذا اللفظ.

_ (1) طه: 69. (2) الشعراء: 45. (3) طه: 69. [.....] (4) الأنفال: 17. (5) البقرة: 102. (6) البقرة: 136.

وقال: (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ) «1» فجمع الضمير في «يحاجوكم» حملا على المعنى. وقال: (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) «2» . فهذا على الحجازية: «أحد» اسمها، و «حاجزين» خبر له. ولم يبطل الفصل هنا عمل «ما» - لأن الفصل بالظرف كلا فصل. وعلى التميمية: «حاجزين» نعت ل «أحد» على المعنى. و «منكم» خبره. ومن الحمل مرة على اللفظ وأخرى على المعنى. قوله: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) «3» . وقال: (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ) «4» - ولم يقل: آتوه. ولا آتوا الرحمن. كما قال: (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) «5» - (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) «6» . وقال: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) «7» .

_ (1) آل عمران: 73. (2) الحاقة: 47. (3) مريم: 93. (4) مريم: 95. (5) النمل: 87. (6) يس: 40. (7) القصص: 88.

الباب التاسع عشر

الباب التاسع عشر باب ما جاء في التنزيل من ازدواج الكلام والمطابقة والمشاكلة وغير ذلك وهو باب واسع: مرة يشاكل اللفظ باللفظ، والمعنى بالمعنى، وباللفظ دون المعنى، وبالمعنى دون اللفظ. فما جاء من ذلك: قراءة من قرأ: (وما يخادعون إلا أنفسهم) بالألف طابق به قوله: (يُخادِعُونَ اللَّهَ) «1» . وأراد أن يكون اللفظ المثبت هو المعنى. ومثله: (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) «2» (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) «3» والثاني جزاء الاستهزاء. ومثله: (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) «4» والثاني جزاء وليس بعدوان.

_ (1) البقرة: 9. (2) البقرة: 14. (3) البقرة: 15. (4) البقرة: 194. [.....]

ومثله: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ) «1» أي جازاهم. وقوله: (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ) «2» . ومثله: (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) «3» . فهذا كله طباق على المعنى. وروعى في «ما يخادعون» - طباق اللفظ والمعنى. ومن ذلك قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) «4» أبدلوا من السين صادا لتوافق الطاء في الإطباق لأن السين مهموسة والطاء مجهورة. ولهذا أبدلها من أبدلها، لتوافق الطاء في الجهر. ومثله: قوله: (أَنْبَأَهُمْ) «5» (فَانْبَجَسَتْ) «6» (وَإِنْ يَكُ) «7» أبدلوا من النون ميماً، لأن الميم يوافق الباء في المخرج، وتوافق النون في الغنة. فلما لم يستتب إدغام النون في الباء لبعدها منها وأرادوا تقريب الصوت أبدلوها ميما.

_ (1) آل عمران: 54. (2) التوبة: 79. (3) الشورى: 40. (4) فاتحة الكتاب: 5. (5) البقرة: 33. (6) الأعراف: 160. (7) غافر: 28.

وهذه «1» الميم مخفاة، غير مدغمة في الباء بتة، وليست بمظهرة كإظهارها في قولهم: شاة زنماء وأنملة. لأن إدغامها هناك يتوهم/ معه أنه من المضاعف بخلاف قولهم: أمحي وأدخل. لأن المثال: انفعل. وليس في الكلام إفعل. ومن المشاكلة أيضاً: قوله: (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) «2» فنصبوا «رهبانية» في الاختيار وسعة الكلام، بفعل مضمر، ليطابق الفعل المصدر به الكلام. ومثله لو وقع ابتداء اختير فيه الرفع دون النصب، نحو: زيد ضربته. ومثل الآية: (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ) «3» . فجاء «والظالمين» منصوباً بفعل مضمر، ليطابق «يدخل» . على تقدير: يدخل من يشاء في رحمته، ويعذب الظالمين. ومثله: (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) «4» . فنصبوا «كلا» بمضمر. لأنه قد تقدم: (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) «5» .

_ (1) في الأصل: «وهذا الميم» . (2) الحديد: 27. (3) الإنسان: 31. (4) الفرقان: 39. (5) الفرقان: 36.

وقد جاء: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) «1» بالرفع والنصب. فمن نصب نظر إلى قوله: (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) «2» . ومن رفع نظر إلى قوله: (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ) «3» (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) «4» . فأما قوله تعالى: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ. وَالسَّماءَ رَفَعَها) «5» فإن الاختيار كان النصب وإن كان الصدر قوله «6» : «والنجم والشجر» ، لأن قوله «يسجدان» فعل وفاعل. وكان سيبويه يقول: إن قلت «زيد ضربته وعمراً كلمته» - إن الاختيار في عمرو النصب- لأنه معطوف على قولك: ضربته. فثار ثاثر الزيادي وقال: إنا لو قلنا «زيد وعمرو كلمته» لم يصح هذا. لأن قولك «عمرو كلمته» ليس فيه ضمير يعود إلى «زيد» ، فلا يصلح العطف على ما هو خبره.

_ (1) يس: 39. (2) يس: 37. [.....] (3) يس: 33. (4) يس: 37. (5) الرحمن: 6، 7. (6) في الأصل: «وقوله» .

فقال أبو سعيد: إن هذا الكلام من سيبويه، محمول على إضمار الهاء، والتقدير: زيد ضربته وعمرو كلمته في داره، أو عنده، وأنت لو قلت: «زيد عمرو كلمته في داره» صح وجاد. وليس الأمر كما قال الزيادي، ولا كما قال السيرافي، لأن المعطوف لا يعتبر فيه وضعه موضع المعطوف عليه. فسيبويه أضمر الفعل، ليشاكل «ضربته» ويشاكل «يسجدان» . والإعراب: ما لم يظهر في موضع الجملة، لم يعتد به. وباب المطابقة باب حسن جداً على ما حكى سيبويه: «حجر ضب خرب» . / فتركوا الرفع في خرب، وجروه حرصاً على المطابقة. ومنه قراءة الحسن: (الحمد لله) «1» بضم اللام تبعاً للدال، وعكسه كسر الدال، تبعاً للام عن الحمصي. وعليه قراءة أبي جعفر: (للملائكة اسجدوا) «2» بضم التاء تبعا للجيم.

_ (1) فاتحة الكتاب: 1. (2) البقرة: 34.

وعليه ما رواه أبو حاتم في اختياره: (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) «1» بكسر الحاء تبعاً للقاف. وعليه ما رواه عن يعقوب هو أو غيره: (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) «2» بكسر العين تبعاً لأنفسكم. وعليه ما قرأ به أبو جعفر: (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) «3» . ومثله: (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) «4» ولهذا المعنى اختص قوله في سورة النحل: (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) «5» بإدخال اللام. وجاء في الأخريين: «فبئس» لمجاورة قوله: (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) «6» فأما قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ) . «7» .

_ (1) المائدة: 45. (2) يونس: 23. (3) القمر: 3. (4) المائدة: 6. (5) النحل: 29. (6) النحل: 30. (7) البقرة: 159.

فإن «أولئك» في موضع الرفع بالابتداء، في قياس ما اختاره سيبويه، في قولهم: «إني زيد لقيت» و «إنّى أخوك رأيته» . لأن الموضع لا يختص بالفعل «فأولئك» ابتداء «ويلعنهم الله» خبره، والجملة خبر إن، ويجوز النصب، وليس باختيار. وهذا بخلاف قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) «1» لأنه جاء منصوباً، دون أن يكون مرفوعاً، لأنه لو رفع، لاحتمل أن يكون الخبر «بقدر» ويكون (خَلَقْناهُ) حراً صفة للنكرة، واحتمل أن يكون «خلقناه» خبراً، والغرض تعميم «كل شيء» بالخلق. والتقدير: إنا خلقنا كل شيء. فعلى هذا قوله: (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) «2» . وكذلك: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) «3» . «أولئك» مبتدأ، و «سوف يؤتيهم» خبره والجملة خبر «الذين» . وكذلك قوله: (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا) «4»

_ (1) القمر: 49. [.....] (2) البقرة: 160. (3) النساء: 152. (4) النساء: 18.

الاختيار في «أولئك» الرفع دون النصب بمضمر دل عليه «أعتدنا لهم» ، لأنه ابتداء وخبر. والجملة خبر قوله: «ولا الذين» إذا رفعت الذين بالابتداء. فأما قوله: (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ) «1» . فالاختيار النصب في «الموتى» / بإضمار فعل على تقدير ويبعث الموتى ليكون معطوفاً على «يستجيب» . فإذن الوصل أحسن من الوقف، أعني على «يسمعون» . وأما قوله تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) «2» فالاختيار الرفع، لأن الموضع موضع اسم، لأن «أما» وإن كان يعني الشرط، حيث أقيم مقام مهماً، فإن الشرط محذوف وما بعد الفاء مقدم على الفاء من المبتدأ، فالموضع موضع اسم، وقرأها الحسن والأعمش «وأما ثمود» بالنصب بفعل مضمر، مقدر بعده مفسر ب «هديناهم» على تقدير: وأما ثمود فهدينا. فحذف فهدينا لاستغنائه بهديناهم، ولا يكون (وأما هديناهم) لأن (أما) اسم لا يدخل الفعل. وتقول: «إذا زيد ضربته أهنته» الاختيار الرفع عنده: خلافا للمبرد: «إن زيداً ضربته فائتني» الاختيار النصب- لأن الشرط يصح فى الفعل.

_ (1) الأنعام: 36. (2) فصلت: 17.

وكذلك: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) «1» . و (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) «2» . (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) «3» . محمول على إضمار فعل. وكذلك فى: «كنت أخاك» ، و «زيدا اشتريت له ثوباً» . الاختيار النصب- لأن كنت يتصرف تصرف الفعل. وكذلك «لست أخاك وزيداً أعينك عليه» لأنه من أخوات كان. وكذلك «هذا ضارب زيد وعمرا تمربّه» . الاختيار النصب- لأن ضارباً بمعنى يضرب. وكذلك «ضربت زيداً وعمراً أنا ضاربه» . فأما قولهم «لقيت زيداً وأما عمرو فقد مررت به- فالاختيار الرفع» . وكذلك «لقيت زيداً وعمرو مررت به» ، و «لقيت زيداً فإذا عبد الله يضربه عمرو» . وأما: «حتّى نعله ألقاها» «4» .

_ (1) النساء: 128. (2) النساء: 176. (3) التوبة: 6. (4) جزء من بيت لابن مروان النحوي، والبيت كاملا. ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها

فالرفع على الابتداء، لأن «حتى» من حروف الابتداء، والنصب بالعطف، والجر بنفس «حتى» . وكذلك «قد ضربت زيداً وسوف أضرب عمراً» - ولم يجز التقدم في: «قد زيداً ضربت» ، ولا «سوف عمراً أضرب» ، «هلا زيداً أتيته» ، الاختيار النصب. لأنه تخصيص بمنزلة الاستفهام في «أزيداً ضربته» و «هذا زيد يذهب» أقبح من «أزيد قام» لأن الألف أمّ الباب. و «هل زيد منطلق» أحسن من «هل زيد يذهب» لأن الفعل ينبغى أن يلى هل، و «أزيد ضربته» أحسن من «إن زيد ضربته» لأن الشرط لا يحسن معه التأويل كما يحسن مع الهمزة «أأنت عبد الله ضربته» بالحمل على الابتداء يختار الرفع في الحمل على الابتداء، لأن الهمزة تعتمد على معنى الهمزة، وأبو الحسن يحمله على الفعل، فيختار النصب. وفي التنزيل: (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) «1» . «أزيد أخوه تضربه» بالحمل على الابتداء، ولم يجز النصب بإجماع، لأنه ليس لزيد في الفعل نصب، ولو كان يضربه كان فيه الخلاف. «أزيداً أخاه تضربه» في الحمل على الفعل، لأن الفعل الواقع على أخيه، واقع على سببه.

_ (1) الزمر: 19.

وقيل: لا تقول في زيداً إلا بالرفع- لئلا تتعسف بالحمل على تفسير التفسير. «زيد لم يضربه إلا هو» بالحمل على المرفوع، دون المنصوب، لأن في حمله على المنصوب، يجيء «زيد اضرب» ، فتصير الفضلة لا بد منها. «إذا عبد الله تلقاه فأكرمه» بالنصب، وليس مثل «نظرت فإذا زيد يضربه عمرو» لأن إذا التي للمفاجأة بالاسم أولى. «جئت فإذا زيد ضربه عمرو» و «جئت إذا زيد ضربه عمرو» . بخلاف: «إذا زيد يضربه عمرو» . لأن «إذ» يطلب الماضي خاصة، فإذا وقع المضارع صار بمنزلة الاسم، في أنها لا تطلبه. «زيداً اضربه» بالنصب، لأن الهمزة بالفعل أولى. «زيداً ليقطع الله يده» بالنصب، لأنه دعاء، وهو بمنزلة الأمر. «ما زيداً ضربته ولا عمراً كلمته» لأنه بالفعل أولى، مالم يعمل في الاسم. قال أبو الحسن: وتقول: «أزيداً كان أبوه منطلق» منطلق في موضع النصب، خبر كان وهو بسبب من زيد. وهكذا «زيد عسى أبوه أن يقوم» لأن «أن يقوم» في موضع النصب.

وكذا فى «كاد» و «عسى» تقول: «أزيد عسى أن يقوم أخواه» و «أزيد كاد أن يقوم أخواه» في الشعر، فترفع لأن سببه في موضع رفع. وكذلك «أخواك عسى أن يقوما» كأنك قلت: عسى قيامهما. ولو قلت: «عسى أخواك أن يقوما» كانت في موضع نصب. وكذلك: زيداً ليس أخوه منطلق- يختار النصب في «ليس» ضمير الحديث. وتقول: «أخويك زيد وعمرو عسى أن يضرباهما» فتضمر في «عسى» ويكون «أن يضرباهما» في موضع نصب، وتحمل/ «أخويك» عليه. ويجوز: «أخواك زيد وعمرو عسى أن يضرباهما» على أن تجعل أن تضرباهما في موضع رفع، ولا تضمر في «عسى» . وترفع «أخواك» لأن سببهما في موضع رفع، فيكون «زيد وعمرو» أحدهما معطوفاً على الآخر، وهما في موضع الابتداء بالثاني. و «عسى أن تضرباهما» في موضع الجر، والضمير الذي في «يضرباهما» يعود إلى المبتدأين فهذا تقدير.

والتقدير الآخر: على أن ترفع الأول والثاني بالفعل لأن سببهما رفع، وهو الضرب، إذ الضرب متصل بضميرهما، وضمير زيد وعمرو والضرب مرفوع بالفعل، فترفع الأول والثاني بالفعل، كأنك قلت: «أيرجى أخواك رجاء زيد وعمرو أن يضرباهما» . فهذا التقدير الثاني، على قياس إعمال الفعل، إذا عمل في السبب أن يعمل في الأول. ومن المطابقة: قوله تعالى في سورة هود: (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) «1» . فأدخل التاء في الفعل مع الفصل لمجاورة قوله: (كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) «2» . ومثله: (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) «3» ، بالتاء مع الفصل، لمجاورة قوله: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ) » . وقال: (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) «5» ، بالتاء كقوله: (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) «6» وإن كان ذلك للخطاب.

_ (1) هود: 94. (2) هود: 94. (3) إبراهيم: 50. (4) إبراهيم: 48. [.....] (5) يونس: 78. (6) يونس: 78.

وقال: (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ) «1» ، فترك النون في سورة النحل، لأن سياق الآية: (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) «2» بخلاف ما في سورة النحل، حيث جاءت بالنون. ومن المطابقة: قراءة حفص عن عاصم: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ) «3» (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ) «4» بضم الميم مع كسرها في سائر التنزيل، ليطابق ضم القاف في «قتلتم» . وعلى هذا قراءة أبي عمرو: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ) «5» بالتشديد مع تخفيفه في سائر التنزيل، ليطابق قوله: (لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) «6» . كما أن ابن كثير خص الموضعين بالتشديد في قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ) «7» . وقوله: (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا) «8» لمجاورة قوله: (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا) «9»

_ (1) النحل: 127. (2) النحل: 120. (3) آل عمران: 157. (4) آل عمران: 158. (5) الأنعام: 37. (6) الأنعام: 37. (7) الإسراء: 82. (8) الإسراء: 93. (9) الإسراء: 106.

وخص يعقوب بالتشديد قوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) «1» . لقوله: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) «2» . وأظهر أبو عمرو الباء عند الميم في جميع التنزيل، نحو قوله: (وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) «3» . وأدغمها/ في قوله: (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) «4» . في خمسة مواضع: في البقرة وآل عمران وفي المائدة في موضعين وفي سورة العنكبوت. لموافقة: (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) «5» وهو يدغم الراء في اللام والميم في الميم. ومن ذلك قوله تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا) «6» ، جاء منصوباً، لأن قبله (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) «7» - فنصب لما ذكرنا بفعل مضمر، ليكون مطابقاً وموافقاً. وكذا (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ) «8» جاء منصوباً لهذا المعنى. وأما قوله تعالى: (أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) «9» .

_ (1) النحل: 101. (2) النحل: 102. (3) النساء: 81. [.....] (4) العنكبوت: 21. (5) العنكبوت: 21. (6) الإسراء: 12. (7) الإسراء: 12. (8) الإسراء: 13. (9) النور: 41.

ففاعل «علم» الضمير على «كل» ولا يجيء على مذهب سيبويه. وما جاء عليه التنزيل من هذا النحو، أن يكون فاعل «علم الله» ، ولو كان كذلك لوجب أن ينصب «كل» . ألا ترى أنك تقول «يقوم زيد وزيداً أضرب غلامه» فتنصب «زيداً» لأن الذي من سببه منصوب. وكذلك قوله: «كل قد علم» ولو كان فاعل «علم» اسم الله دون الضمير العائد إلى «كل» لنصب. وكذلك قوله: (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) «1» ففاعل «يرفع» الضمير العائد إلى «العمل الصّالح» ، و «العمل الصالح» مبتدأ. ولو كان فاعل «يرفعه» اسم الله أو «الكلم» على رفع الكلم العمل لوجب نصب العمل، لأنه معطوف على «يصعد» . وكأن المعنى «2» : والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، في رفعه الكلم، أنه لا يحبط بالعمل السيء، ولا يرتفع إليه، ويخلص من غير إحباط يقع عليه، من أجل عمل سيىء. وذكر الضمير في يرفعه، لأنه للكلم، كشجرة وشجر.

_ (1) فاطر: 10. (2) في الأصل: «وكان والمعنى» .

ومن المطابقة: قراءة حفص «1» في سورة الكهف: (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) «2» بضم الهاء من «أنسانيه» . لما رأى أن الهاء المتصل ب «أذكره» وهو في صلة «أن» الذي صار بدلاً من الهاء، وفق بين الحركتين في الهاء. ولهذا المعنى هرب في قوله: (وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) «3» عن الكسرة فأشبعها، كيلا يلزمه أن يتبع الهاء الميم. ومن المطابقة والمجاورة: قراءة ابن عامر، في جميع التنزيل (يا أبت) بفتح التاء تبعاً للباء. وعلى هذا حكاية سيبويه/ في: «يا طلحة لما رخموا» ثم ردوا التاء، فتحوها تبعاً للحاء. ومثل ذلك ما رواه أبو بشر عن ابن عامر: (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) «4» بفتح اللام تبعاً للعين. وعن أبي حنيفة: (طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) «5» ، بضم النون تبعا للهاء. وعن الحلواني عن ابى عامر: (أَتَعِدانِنِي) «6» ، بفتح النون تبعاً للألف، وطلباً للمطابقة.

_ (1) في الأصل: «قراءة حفصة» . (2) الكهف: 63. (3) الفرقان: 69. (4) الزمر: 21. (5) يوسف: 37. (6) الأحقاف: 17. [.....]

وعن ابن أبي عبلة: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) «1» - بفتح التاء تبعاً لفتحة النون. وعن الأئمة السبعة فتح الميم من قوله: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) «2» غير نافع وابن عامر- وهم يعدون النصب في مثل- هذا شاذاً نحو: إن تقعد أقعد وأكرم. يختارون الجزم والرفع، دون النصب في وأكرم، ومع هذا أطبقوا خمستهم على فتح الميم تبعاً للام. وعلى هذا أطبقوا خمستهم على فتح الميم تبعاً للام. وأما قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) «3» بنصب الميم. فيجوز أن يكون من هذا الباب فتح الميم إجماعاً. ولم يكن فتح العين في قوله: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ) » إجماعاً، وإنما هي قراءة ابن أبي عبلة. وقال النحويون في الآيتين: إن نصبهما على الصرف، فلم كان أحدهما إجماعاً، والآخر شاذاً؟ - وإن كانت التبعية عندك هي العلة، فقد وجدت التبعية أيضا فى النون من قوله: «ونمنعكم» .

_ (1) التغابن: 15. (2) الشورى: 35. (3) آل عمران: 142. (4) النساء: 141.

فالجواب: أن المستحسن من هذا إنما هو الجزم، والنصب على الصرف ليس بمستحسن، فجاء: (وَنَمْنَعْكُمْ) مجزوماً على ما هو المختار. وإنما عدلوا إلى الفتح في: (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) لأن إسكان الميم هنا محال، لما يتأتى من التقاء الساكنين، وكان الجزم ممتنعاً، فلا بد من التحريك، والتحريك هنا الكسر، كما هي قراءة بعضهم: (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) . والأئمة عدلوا عن الكسر إلى الفتح، لأنها أخف مع انفتاح ما قبله. وليس في قوله: (وَنَمْنَعْكُمْ) - التقاء الساكنين فيجب التحريك. وعن شعيب عن أبي بكر عن عاصم: (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) «1» بفتح النون، لتساوي (الْمُكْرَمِينَ) «2» من بعده، و (تُرْجَعُونَ) «3» من قبله. ولأن قوله (عون) بالكسر بعد الضم يصير كقولهم «زيدون» . فكما وجب فتح النون بعد الواو هنا وجب فتحه أيضا هاهنا. ومن المطابقة: / حذف الجار والمجرور في سورة الأعراف: (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) «4»

_ (1) يس: 25. (2) يس: 27. (3) يس: 22. (4) الأعراف: 101.

ولم يقل: كذبوا به، لما كان سياق الآية: (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ) «1» ولما قال: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ) «2» - في سورة يونس فأثبت الهاء- قال في سياقها: (بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) «3» . ومن المطابقة: قوله تعالى: (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) «4» نصبه بإضمار فعل- لأن قبله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) «5» وكان أن تضمر وخلقنا الجان- أحسن وأجود. وإذا لم تعرف أنت حيث تستبدل بأن النصب هو المختار في قوله: «قام زيد وعمراً كلمته» . إلا قوله: أصبحت لا أنقل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن هممت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا ولا تطلب هذه الآي التي عددتها لك، فما ذنبي من المطابقة.

_ (1) الأعراف: 96. (2) يونس: 73. (3) يونس: 74. (4) الحجر: 27. (5) الحجر: 26.

وقوله تعالى: (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) «1» ومن ذلك قوله: (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) «2» ولم يقل: من أعبد لأن قبله: (ما تَعْبُدُونَ) «3» يعني الأصنام- فجاء على الأزدواج والمطابقة. إلى هنا ينتهي القسم الأول من اعراب القرآن من تجزئة المحقق، ويليه القسم الثاني وأوله: الباب المتم العشرين

_ (1) الشورى: 40. [.....] (2) الكافرون: 3، 5. (3) الكافرون: 2.

الباب المتم العشرين

[الجزء الثاني] الباب المتم العشرين «1» هذا باب ما جاء في التنزيل من حذف المفعول والمفعولين، وتقديم المفعول الثاني على المفعول [الأول] «2» وأحوال الأفعال المتعدية إلى مفعوليها، وغير ذلك مما يتعلق به ونحن نذكر من ذلك ما يدق النظر فيه، لأن ذلك لو حاول إنسان أن يأتي بجميعه توالت عليه الفتوق، ولم يمكنه القيام به لكثرته في التنزيل، وكان بمنزلة من يستقى من بئر زمزم فيغلبه الماء. فمن ذلك قوله تعالى: (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) «3» أي: وما يشعرون أن وبال ذلك راجع إليهم. وكذلك: (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) «4» أي: لا يشعرون أنهم هم المفسدون، (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) «5» أي: لا يعلمون أنهم هم السفهاء. فأما قوله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) «6» فقيل: إن التقدير: كمثل الذي استوقد صاحبه ناراً، فحذف المفعول الأول. وقيل: إن «استوقد» و «أوقد» كاستجاب، وأجاب.

_ (1) في هامش الأصل مع هذا العنوان: «وهو مقدم أيضا» . (2) تكملة يقتضيها السياق) . (3) البقرة: 9. (4) البقرة: 12. (5) البقرة: 13. (6) البقرة: 17.

ومنه قوله تعالى: (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) «1» . وجميع ما جاء من «لو شاء» كان مفعوله مدلول جواب «لو» ، والتقدير: ولو شاء الله إذهاب السمع والبصر لذهب بسمعهم وأبصارهم. ومن ذلك قوله تعالى: (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) «2» أي: أضاء لهم البرق الطريق مشوا فيه. ومنه قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) «3» أن: تتقون محارمه، وقيل: بل قوله (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) «4» مفعول «يتّقون» / و «الأرض» مفعول أول ل «جعل» ، و «فراشا» مفعول ثان، ومعنى «جعل» : صير. وقد يجيء «جعل» بمعنى: صنع، وخلق فيكون متعدياً إلى مفعول واحد، قال الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) «5» بمعنى: صنع، وخلق. وقال الله تعالى: (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) «6» . وإذا كانت بمعنى «صيرت» تعدت إلى مفعولين، لا يجوز الإقتصار على أحدهما، وهي في هذا الوجه تنقسم على ثلاثة أقسام: كما تنقسم «صيرت» . أحدها: بمعنى «سميت» ، كقوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) «7» أي: صيروهم إناثاً بالقول والتسمية، كما تقول: «جعل زيد عمراً فاسقاً» . أي: صيره بالقول كذلك.

_ (1) البقرة: 20. (2) البقرة: 20. (3) البقرة: 21. (4) البقرة: 22. (5) الأنعام: 1. (6) الأعراف: 189. [.....] (7) الزخرف: 191.

والوجه الثاني: أن تكون على معنى: الظن والتخيل، كقولك: اجعل الأمير غائباً وكلمه، أي: صيره في نفسك كذلك. والوجه الثالث: أن تكون في معنى النقل، فتقول: جعلت الطين خزفاً أي: صيرته خزفاً ونقلته عن حال إلى حال. قال الله تعالى: (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) «1» أي: صيره آمناً، وانقله عن هذه الحال. قال «2» سيبويه: «وتقول جعلت متاعك بعضه فوق بعض» . وله ثلاثة أوجه في النصب: إن شئت جعلت «فوق» في موضع الحال، كما فعلت ذلك في «رأيت» ، [في رؤية العين] «3» وإن شئت نصبت على ما نصبت عليه «رأيت زيداً وجهه أحسن من وجه فلان» ، [تريد رؤية القلب] «4» . وإن شئت نصبت على أنك إذا قلت: «جعلت متاعك» تدخله «5» معنى «ألقيت» ، فيصير كأنك قلت: «ألقيت متاعك بعضه فوق بعض» . وهذه الوجوه الثلاثة يرجع وجهان منها إلى وجه واحد مما ذكرنا، وهو أن يجعل «جعلت» متعدياً إلى مفعول واحد. غير أن معنى الوجهين اللذين ذكرهما مختلف، وإن كانا مجتمعين في التعدي إلى مفعول واحد.

_ (1) إبراهيم: 35. (2) الكتاب لسيبويه (1: 78) . (4- 3) تكملة من الكتاب لسيبويه. (5) الكتاب: «يدخل فيه» .

فأحد الوجهين هو الأول الذي قال فيه: إن شئت جعلت «فوق» في موضع الحال، فيكون معناه: عملت الباب مرتفعاً، أي: أصلحته، وهو في هذه «الحال» . والوجه الثاني من هذين الوجهين هو الثالث مما ذكره سيبويه في قوله: وإن شئت نصبته، على أنك إذا قلت: جعلت متاعك، يدخله معنى: / ألقيت، فيصير كأنك قلت: ألقيت متاعك بعضه فوق بعض لأن «ألقيت» كقولك: أسقطت متاعك بعضه فوق بعض، فيكون هذا متعدياً إلى مفعول، وهو منقول من: سقط متاعك بعضه فوق بعض. فهو يوافق الوجه الأول في التعدي إلى مفعول واحد، ويخالف في غير ذلك، لأنك لم تعمل «المتاع» هاهنا لإصلاح شيء منه وتأثير فيه، كما تعمل الباب بنجره ونحته وقطعه. و «فوق» في هذا كالمفعول إلا في موضع الحال، لأنه في جملة الفعل الذي هو «ألقيت» ، لأنه منقول من: سقط متاعك بعضه فوق بعض، والسقوط وقع على «فوق» وعمل فيه، على طريق الظرف. وفي المسألة الأولى يعمل فيه «جعلت» ، وإنما عمل فيه الاستقرار، وصار في موضع الحال. وهذان الوجهان كوجه واحد. وقوله: وإن شئت نصبته على ما نصبت عليه: رأيت زيداً وجهه أحسن من وجه فلان فتعديه إلى مفعولين من جهة النقل والعمل، كما تقول: صيرت الطين خزفاً.

وإنما حملنا هذا الوجه على هذا، لأنه في ذكر «جعلت» الذي في معنى: عملت، وأثرت. قال: والوجه الثالث: أن تجعله مثل: ظننت متاعك بعضه أحسن من بعض. فهذا أحد وجوه «صيرت» التي ذكرناها، وهو الذي في معنى التخيل، والذي هو من طريق التسمية يشبه هذا الوجه، إلا أنه لم يذكره اكتفاء بهذا «1» . فأما قوله تعالى: (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) «2» ف «الخبيث» هو المفعول. و «بعضه» بدل منه. وقوله «على بعض» ظرف ل «يجعل» ، كما تقول: يلقي الخبيث بعضه على بعض، ومن هذا الباب قوله تعالى: (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) » وقوله: (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) «4» . قال: (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) «5» أي: اخبرهم عن ضيفه. وقال: (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) «6» أي: يخبر به.

_ (1) الكتاب لسيبويه (1: 78) . (2) الأنفال: 37. (3) البقرة: 31. (4) البقرة: 33. (5) الحجر: 51. (6) القيامة: 13.

فلما كان «النبأ» مثل «الخبر» كان «أنبأته عن كذا» ، بمنزلة «أخبرته عنه» ، «ونبأته عنه» مثل «خبّرته عنه» ، و «نبأته به» مثل «خبرته به» . وهذا يصحح ما ذهب إليه سيبويه، من أن معنى «نبأت زيداً» : نبأت عن زيد، فحذف حرف الجر، لأن «نبأت» قد ثبت أن أصله «خبرت» / بالآي التي تلوناها، فلما حذف حرف الجر وصل الفعل إلى المفعول الثاني، ف «نبّأت» يتعدى إلى مفعولين: أحدهما، يصل إليه بحرف جر، كما أن «خبرته عن زيد» كذلك. فأما ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين نحو: نبأت زيداً عمراً أبا فلان. فهو في هذا الأصل إلا أنه حمل على المعنى، فعدي إلى ثلاثة مفعولين. وذلك أن الإنباء، الذي هو إخبار، إعلام، فلما كان إياه في المعنى، عدي إلى ثلاثة مفعولين كما عدي الإعلام إليها. ودخول هذا المعنى فيه، وحصول مشابهته للإعلام لم يخرجه عن الأصل الذي هو له من الإخبار، وعن أن يتعدى إلى مفعولين، أحدهما: يتعدى إليه بالباء أو ب «عن» نحو: (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) «1» ونحو قوله: (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) «2» . كما أن دخول «أخبرني» في: «أرأيت» لم يخرجه عن أن يتعدى إلى مفعولين، كما كان يتعدى إليهما إذا لم يدخله معنى «أخبرني به» ، إلا أنه امتنع من أجل

_ (1) الحجر: 51. (2) التحريم: 3.

ذلك أن يرفع المفعول بعده على الحمل على المعنى، من أجل دخوله فى حيّر الاستفهام، فلم يجز: «أرأيت زيداً أبو من هو» كما جاز: «علمت زيدأ أبو من هو» حيث كان المعنى: علمت أبو من زيد، وذلك دخول معنى الإعلام في الإنباء، والتنبؤ لم يخرجهما عن أصليهما وتعديهما إلى مفعولين، أحدهما يصل إليه الفعل بحرف الجر، ثم يتسع فيه فيحذف حرف الجر، ويصل الفعل إلى الثاني. فأما من قال: إن الأصل في «نبأت» على خلاف ما ذكرنا، فإنه لم يأت على ما ادعاه بحجة ولا شبهة. وأما قوله تعالى: (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) «1» . فيحمل على وجهين: أحدهما: أن يكون (نَبِّئْ) بمنزلة «أعلم» ، ويكون (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) قد سد مسدهما. فيكون في هذه، في قول الخليل على هذا، في موضع جر، وعلى قول غيره، في موضع نصب. فأما قوله تعالى: (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ) «2» ، فإن جعلت «اللام» متعلقة «بأنبئكم» ، جاز الجر، في «جنات» على البدل من «خير» وإن جعلته صفة «خير» لأنه نكرة، جاز الجر فى «جنات» أيضا.

_ (1) الحجر: 49. [.....] (2) آل عمران: 15.

وإن جعلتها متعلقة بمحذوف لم يجز الجر في «جنات» / وصار مرتفعاً بالإبتداء أو بالظرف، ولم يجز غير ذلك، لأن اللام حينئذ لا بد لها من شيء يكون خبراً عنها. فأما قوله: (قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) «1» فلا يجوز أن يكون «من» فيه زيادة، على ما يتأوله أبو الحسن من زيادة «من» في الواجب، لأنه يحتاج إلى مفعول ثالث. ألا ترى أنه لا خلاف في أنه إذا تعدى إلى الثاني، وجب تعديه إلى المفعول الثالث. وإن قدرت تعديه إلى مفعول محذوف، كما تأول قوله تعالى: (يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها) «2» أي: شيئاً ما، لزم تعديته إلى آخر، فإن جعلت «من» زيادة أمكن أن تضمر مفعولاً ثانياً، كأنه: نبأنا الله أخباركم مشروحة. ويجوز أن تجعل «من» ظرفاً غير مستقر، وتضمر المفعول الثاني والثالث، كأنه: نبأنا الله من أخباركم ما كنتم تسرونه تبييناً، كما أضمرت في قوله: (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) «3» أي: تزعمونهم إياهم. وأما قوله تعالى: (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ) «4» فيكون «يستنبئونك» : يستخبرونك فيقولون أحق هو؟. ويكون «يستنبئونك» : يستعلمونك، والاستفهام قد سد مسد المفعولين.

_ (1) التوبة: 94. (2) البقرة: 61. (3) القصص: 62. (4) يونس: 53.

ومما يتجه على معنى الإخبار دون الإعلام قوله تعالى: (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) «1» فالمعنى: يخبركم فيقول لكم: إذا مزقتم، وليس على الإعلام. ألا ترى أنهم قالوا: (أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) «2» . ومن ذلك قوله تعالى: (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) «3» أي: تكتمونه. (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ) «4» أي: أبى السجود واستكبر عنه. (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) «5» أي: اتخذتموه إلهاً. وكذلك: (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) «6» أي: باتخاذكم إياه إلها. فخذف المفعول الثاني، لا بد من إضماره، لأنهم عوتبوا بذلك، ولا يعاتب أحد باتخاذ صورة العجل. فإن قال قائل: فقد جاء في الحديث: «يعذب المصورون يوم القيامة» «7» . وفي بعض الحديث: يقال لهم: «أحيوا ما خلقتم» ، قيل: «يعذب المصورون» يكون على من صور الله تصوير الأجسام. وأما الزيادة من أخبار الآحاد، التي لا توجب العلم، فلا يقدح في الإجماع ما ذكر الله. وأما «اتخذت» فإنه في التعدي، على ضربين: أحدهما: / أن يتعدى إلى مفعول واحد. والثاني: أن يتعدى إلى مفعولين.

_ (1) سبأ: 7. (2) : سبأ: 8. (3) البقرة: 33. (4) البقرة: 34. (5) البقرة: 51. (6) البقرة: 54. (7) نص الحديث «إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» (البخاري- اللباس: 7: 187) .

فأما تعديه إلى مفعول واحد، فنحو قوله: (يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) «1» ، و (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) «2» ، و (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً) «3» و (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ) «4» . وأما إذا تعدى إلى مفعولين، فإن الثاني منهما الأول في المعنى، قال: (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) «5» ، وقال: (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) «6» ، [وقال] : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) «7» . وأما قوله تعالى: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) «8» فإن من أجاز زيادة «من» في الإيجاب جاز على قوله أن يكون قد تعدى إلى مفعولين، ومن لم يجز ذلك كان عنده متعدياً إلى مفعول واحد. ومن حذف المفعول «9» قوله تعالى: (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) «10» أي: أنعمتها عليكم، فحذف [و] قوله تعالى: (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) «11» أي: ثواباً وكرامة لأن «زدت» فعل يتعدى إلى مفعولين، قال الله تعالى: (وَزِدْناهُمْ هُدىً) «12» ، وقال: (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) «13» ، وقال: (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) 1» . فأما قوله تعالى: (فَزادَهُمْ إِيماناً) «15» فالمعنى: زادهم قول الناس إيماناً، أضمر المصدر فى الفعل، وأسند الفعل إليه.

_ (1) الفرقان: 27. (2) الزخرف: 16. [.....] (3) مريم: 81. (4) الأنبياء: 17. (5) المنافقون: 2. (6) الممتحنة: 1. (7) المؤمنون: 110. (8) البقرة: 125. (9) في هامش الأصل بإزاء هذا السطر: «لا ما حذف فيه المفعول الثاني» . (10) البقرة: 40. (11) البقرة: 58. (12) الكهف: 13. (13) النحل: 88. (14) البقرة: 247. (15) آل عمران: 173.

وكذلك قوله تعالى: (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) «1» أي: مازادهم مجيء النذير. وقال: (وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً) «2» أي: ما زادهم نظرهم إليهم أو رؤيتهم لهم إلا إيماناً. وأما قوله: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا) «3» أي: ما زادوكم قوة ونصرة إلا خبالاً، فحذف المفعول الثاني. وليس انتصاب «خبالاً» كانتصاب «إيماناً» لقوله: (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً) «4» لكن على الاستثناء، أي: يوقعون خبالاً وفساداً. هذا هو الصحيح في هذه الآية، وأظنني نقلت عن بعضهم غير هذا في هذه الأجزاء. وقوله تعالى: (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) «5» أي: لأوضعوا بينكم ركائبهم عن أبي الهيثم. وقال أبو اسحاق: لأوضعوا فيما يحل بكم. ومن حذف المفعول قوله تعالى: (وَإِذِ اسْتَسْقى / مُوسى لِقَوْمِهِ) «6» أي: استسقى ربه، وكذلك: (يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) «7» ، التقدير: يخرج لنا شيئاً مما تنبت الأرض، فالمفعول مضمر، وقوله: (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) «8» في موضع الوصف له، أي: شيئاً مما تنبت الأرض.

_ (1) فاطر: 42. [.....] (2) الأحزاب: 22. (3) التوبة: 47. (4) الأحزاب: 22. (5) التوبة: 47. (6) البقرة: 60. (7) البقرة: 61. (8) البقرة: 61.

وهذه مسألة عرضت، فنقول فيها: إن «من» لا تزاد في الواجب عندنا. وقال الأخفش: تجوز زيادتها في الواجب، كما جازت زيادتها في النفي، وكما جاز: (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) «1» و (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) «2» ، و (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) «3» ، و (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ) «4» ، بالإتفاق، فكذا في الواجب، والتقدير عنده: (يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) «5» ، وكذا: (وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) «6» . وسيبويه يحمل هذا ونظائره في التنزيل على حذف الموصوف، الذي هو المفعول، وإقامة الصفة مقامه. فأما قوله تعالى: (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) «7» ، فإن التقدير: ولقد جاءك شيء من نبأ المرسلين. وجاز إضمار «شيء» وإن كان فاعلاً، لأن الفعل لا بد له من الفاعل، وقد تقدم هذا. فأما قوله: (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) «8» ، فمن خفف، كان «ما» بمنزلة «الذي» ، وفيه ذكر مرفوع يعود إلى «ما» .

_ (1) الأعراف: 59. (2) فاطر: 3. (3) المائدة: 73. (4) آل عمران: 62. (5) البقرة: 61. (6) النساء: 32. (7) الأنعام: 34. [.....] (8) الحديد: 16.

ولا يجوز فيمن خفف، أن يجعل «ما» بمنزلة المصدر مع الفعل، لأن الفعل يبقى بلا فاعل. ولهذا المعنى، حملنا قراءة أبي جعفر: (حافظات للغيب بما حفظ الله) «1» بالنصب، على أن «ما» بمعنى «الذي» ، أي: بالشيء الذي حفظ أمر الله. فلا تكون «ما» مصدرية، كما ذهب إليه عثمان «2» في «المحتسب» «3» ، لأنه يبقي «حفظ» بلا فاعل. ولا يجوز فيمن جوّز زيادة «من» في الإيجاب، أن يكون «الحق» مع الجار في موضع الحال، وقد جعلت «ما» بمنزلة «الذي» لأنه لا يعود إلى الموصول شيء. ومن شدد، كان الضمير الذي في «نزل» لاسم الله تعالى، والعائد محذوف من الصلة. فأما دخول الجار، فلأن «ما» لما كان على لفظ الجزاء حسن دخول «من» معه، كما دخلت في قوله: فما يك من خير أتوه «4» فأما قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) «5» ، / فإن أبا الحسن ذكر أن التقدير: وينزّل من السماء جبالا فيها بردا «6» .

_ (1) النساء: 34. (2) هو ابن جني. (3) هو: المحتسب في إعراب شواذ القراآت. (4) جزء من بيت، تمامه: فما يك من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل (5) النور: 43. (6) وتكون «بردا» يدل على البدل من جبال، وفيها، أي في السماء (البحر المحيط 6: 464) .

قال: وقال بعضهم: ينزل من السماء من جبال فيها من برد. أي: في السماء جبال من برد. يريد به أن يجعل الجبال من برد في السماء، ويجعل الإنزال منها. قال أبو علي: قلت أنا في هذه الآية، قبل أن أعرف هذا القول لأبي الحسن: إن قوله: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) «1» . المعنى: وينزل من السماء جبالاً فيها من برد. فموضع «من» الأولى نصب، على أنه ظرف، والثانية: نصب على أنه فى موضع المفعول. و «فيها» صفة ل «جبال» ، و «من» الثالثة للتبيين، كأنه بين من أي شيء هذا المكثر، كما تقول: عندي جبال من المال، فيكثر ما عنده منه، ثم تبين المكثر بقولك: من المال. ويحتمل أن يكون موضع «من» من قوله «من جبال» نصبا على الظرف على أنه منزل منه. ويكون «من برد» نصبا، أي: وينزل من السماء من جبال فيها بردا «2» . ويكون «الجبال» على هذا التأويل، تعظيماً لما ينزل من البرد من السحاب. ويحتمل أن يكون موضع «من» في قوله: «من برد» رفعا، وموضع «من» من قوله «من جبال» نصباً على أنه مفعول به، كأنه فى التقدير:

_ (1) النور: 43. (2) ساق هذا الرأي أبو حيان في كتابه (البحر المحيط) (6: 464) نقلا عن الزجاج.

وينزّل من السماء جبالا فيها برد. فيكون «الجبال» على هذا تعظيماً وتكثيراً. لما ينزل من السماء من البرد والمطر، ويكون «من برد» مرفوع للموصوف، لصيرورة موضع قوله «من برد» رفعاً. قال: وقد جعلنا «من» في بعض هذه التأويلات زائدة في الإيجاب، وذلك مذهب أبي الحسن والكسائي. وحكى أبو الحسن أنهم يقولون: «قد كان من مطر» و «كان من حديث» . يريدون: كان مطر، وكان حديث. ولم يجز سيبويه هذا فقال: ولا يفعلون هذا «بمن» في الواجب. يريد أن «من» لا تزاد كما زيدت «الباء» في «كفى بالله» و «ليس بزيد» . وحمل أبو الحسن قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) «1» على هذا. وقال: المعنى: فكلوا ما أمسكن عليكم. وإذا ثبت رأى ثقة بما لا يدفعه قياس لزم قبوله واستعماله، ولم يجب دفعه. وجعل أبو الحسن «من» زائدة في التأويل الأول/ الذي ذكره. 70 ش

_ (1) المائدة: 4.

قال: أما أنا فجعلت «من» الثانية في التأويل الأول زائدة منصوبة الموضع، على أنه مفعول به، والثالثة للتبيين وجعلت الثانية في التأويل الثاني زائدة نصباً على الظرف، والثالثة أيضاً زائدة في موضع نصب وجعلت الثانية في التأويل الثالث زائدة نصباً على المفعول، والثالثة أيضاً زائدة رفعاً، على أنه مرتفع بالظرف وجعلت «من» الأولى في الآية، في التأويلات الثلاث، نصباً على الظرف. وأما أبو الحسن: فجعل «من» الثانية والثالثة في الآية في التأويل الأول زائدة. فأما موضعهما من الإعراب، فالأولى نصب على أنه مفعول به، وهي الثانية من الآية. وموضع «من» الثالثة في الآية رفع بالظرف، وهذا هو التأويل الثالث، الذي ذكرناه نحن. فأما القول الثاني: الذي ذكره في الآية «فمن» الثانية في الآية نصب بالظرف، والثالثة للتبيين من «الجبال» ، فكأنه على هذا التأويل ذكر الموضع الذي ينزل منه، لم يذكر المنزل للدلالة عليه. ولا أدري ما صحة هذا الوجه الذي ذكره- أعني أبا إسحاق- عن بعضهم في التأويل.

وأما قوله: (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) «1» فقد قالوا: إن التّقدير: كلوا طيبات المن والسلوى بدل «طيبات ما رزقناكم» ، وفوتموها أنفسكم بجنايتكم التي لأجلها جعلتم تتيهون في الفلوات أربعين سنة. يدل على جواز هذا المعنى أنه قال: (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) «2» فجمع «الطيب» ، ثم جعل الطيبات بعض ما رزقوه، وهذا يفهم منه أنهم رزقوا أرزاقاً، منها الطيبات، ومنها الخبيثات، فأمروا بأكل الطيبات منها دون الخبيثات. وليس هناك كل هذا، وإنما هناك المن والسلوى فقط، لم يكن لهم طعام غيرهما، ولأنهم اشتاقوا من المن والسلوى إلى البقل والقثاء، فأي استطابه لهما مع ذا؟ فثبت: أنه مغنى من «طيبات» ، أي بدلها، لا من هذه الطيبات. ومن ذلك قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ) «3» ، (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً) «4» ، (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ/ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا) «5» ، 71 ى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) «6» . هذا كله على مذهب سيبويه، المفعول محذوف. وعلى مذهب الأخفش «من» زيادة.

_ (2- 1) البقرة: 57. (3) الأنعام: 118. (4) الأنفال: 69. (5) البقرة: 172. [.....] (6) الأنعام: 121.

ومن حذف المفعول قوله تعالى: (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) ، «1» أي: ما سألتموه بينكم، فحذف المفعولين. و «سألت» فعل يتعدى إلى مفعولين، مثل «أعطيت» . ويجوز أن يقتصر فيه على مفعول واحد، فإذا اقتصر فيه في التعدي إلى مفعول واحد، كان على ضربين: أحدهما: أن يتعدى بغير حرف، والآخر: أن يتعدى بحرف. فأما تعديه بغير حرف فقوله تعالى: (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) «2» ، وقال: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) «3» . وأما تعديه بحرف، فالحرف الذي يتعدى به حرفان: أحدهما: «الباء» كقوله تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) «4» والآخر: «عن» كقولك: سل عن زيد. فإذا تعدى إلى مفعولين كان على ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون بمنزلة «أعطيت» ، وذلك كقوله: سألت زيدا بعد بكر حقّنا بمعنى: استعطيته هذا، أي: سألته أن يفعل ذلك. والآخر: أن يكون بمنزلة: اخترت الرجال زيداً، (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) . «5» فالمعنى هاهنا: ولا يسأل حميم عن حميمه، لذهوله عنه، واشتغاله بنفسه،

_ (1) البقرة: 61. (2) الممتحنة: 10. (3) الأنبياء: 7. (4) المعارج: 1. (5) المعارج: 10.

كما قال الله تعالى: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) «1» فهذا على هذه القراءة، كقوله تعالى: (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) «2» . والثالث: أن يتعدى إلى مفعولين، فيقع موقع المفعول الثاني منهما استفهام، وذلك كقوله تعالى: (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) «3» وقوله تعالى: (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) «4» . فأما قول الأخطل: واسأل بمصقلة البكري ما فعلا «5» «فما» استفهام، وموضعه نصب «بفعل» ، ولا يكون «ما» جراً على البدل من «مصقلة» على تقدير: سل بفعل مصقلة، ولكن بجعله مثل الآيتين اللتين تلوناهما. وإن شئت جعلته بدلاً، فكان بمنزلة قوله: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) «6» . ولو جعلت المفعول مراداً محذوفاً من قوله: «واسأل بمصقلة» ، فأردت: واسأل الناس بمصقلة ما فعل، لم يسهل أن يكون «ما» استفهاما، 71 ش لأنه لا يتصل بالفعل.

_ (1) عبس: 37. (2) البقرة: 211. (3) الأعراف: 163. (4) الزخرف: 45. (5) صدره: دع المغمر لا تسأل بمصرعه (6) الأنبياء: 7.

ألا ترى انه قد استوفى مفعوليه، فلا تقع الجملة التي هي استفهام موقع أحدهما. كما تقع موقعه في قوله تعالى: (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) «1» . فإن جعلت «ما» موصولة وقدرت فيها البدل من «مصقلة» لم يمتنع. وإن قلت: أجعل قوله «ما فعل» استفهاماً؟ وأضمر «قل» لأني إذا قلت: أسأل الناس بمصقلة، فإنه يدل على «قل» لأن السؤال قولٌ، فأحمله على هذا الفعل، لا على أنه في موضع المفعول، لاستغناء الفعل بمفعوليه، فهو قوله، يدل على ذلك قوله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) «2» . ألا ترى أنه قد استوفى مفعوليه؟ أحدهما الكاف، والآخر قد تعدى إليه الفعل ب «عن» ، فلا يتعلق به «أيان» إلا على الحد الذي ذكرناه، وهو أن نقدر (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) ، قائلين: أيان مرساها؟ وأما قوله: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) «3» ، فكان المعنى: سأل سائل النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين بعذاب واقع، فلم يذكر المفعول الأول. وسؤالهم عن العذاب، إنما هو استعجالهم له، لاستبعادهم لوقوعه، ولردّهم ما يوعدون به منه.

_ (1) البقرة: 211. (2) النازعات: 42. [.....] (3) المعارج: 1.

وعلى هذا، (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ) «1» ، (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) «2» ، (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ) «3» . ويدلك على ذلك قوله: (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) «4» وأما قوله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ) «5» ، فإنه يحتمل أمرين: أحدهما: أن يجعل «عنها» متعلقا بالسؤال، كأنه: يسألونك عنها كأنك حفي بها، فحذف الجار والمجرور. وحسن ذلك لطول الكلام ب «عنها» التي من صلة السؤال. ويجوز: أن يكون «عنها» بمنزلة «بها» وتصل الحفاوة مرة بالباء، ومرة «بعن» كما أن السؤال فصل مرة بالباء ومرة «بعن» ، فيما ذكرنا. ويدلك على تعديه بالباء قوله تعالى: (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) «6» . وقال: (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ/ خَبِيراً) «7» . 72 ى فقوله: «فاسأل به» مثل: سل عنه خبيراً.

_ (1) الحج: 47. (2) العنكبوت: 54. (3) الرعد: 6. (4) المعارج: 5، 6. (5) الأعراف: 187. (6) مريم: 47. (7) الفرقان: 59.

فأما «خبيراً» فلا يخلو انتصابه من أن يكون على أنه حال أو مفعول به، فإن كان حالاً لم يخل أن يكون حالاً من الفاعل أو من المفعول، ولو جعلته حالاً من الفاعل السائل لم يسهل، لأن الخبير لا يكاد يسأل إنما يسأل. ولا يسهل الحال أيضاً من المفعول، لأن المسئول عنه خبير به، فليس للحال كبير فائدة. فإن قلت: يكون حالاً مؤكدة، فغير هذا الوجه إذا احتمل أولى، فيكون «خبيراً» إذن مفعولاً به، كأنه: فاسأل عنه خبيراً، أي: مسئولاً خبيراً. وكأن معنى «اسأل» : تبين بسؤالك وبحثك من تستخبر، ليتقرر عندك مما اقتص عليك، من خلقه ما خلق، وقدرته على ذلك، وتعلمه بالفحص عنه، والتبين له. ويجوز في قوله: «فاسأل به» أي: اسأل بالله خبيراً، أي: اسأل الله خبيراً، كما قال: .... منه النّوفل الزّفر «1» وسنعيد ذا لك إن شاء الله. ومن حذف المفعول قوله تعالى: (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) «2» أي: تؤمرونه، أي، تؤمرون به. وقال: (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) «3» .

_ (1) جزء من بيت لأعشى باهلة. والبيت كاملا: أخو رغائب يعطيها ويسألها ... يأبى الظلامة منه النوفل الزفر والنوفل: الرجل الكثير العطاء. والزفر: القوي على الحمالات. (2) البقرة: 68. (3) الحجر: 94.

وقال: (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) «1» . فإذا كانت «ما» خبرية، كان على هذا الوجه وإذا كانت مصدرية، لم يحتج إلى الضمير. (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) «2» أي: ذبح البقرة، (مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) «3» أي تكتمونه. وقوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) «4» . قال أبو علي في «التذكرة» : المعنى- والله أعلم-: ما يهبط رائيه، أو متأمله، أو المعتبر به، أي إذا رآها فتأمل ما فيها، هبط المتأمل له، والمعتبر به من أجل خشية الله، لأن ذلك يكسبه خشوعاً واتباعاً، ويزيل عنه العناد، وترك الانقياد للحق الذي علمه، فلما حدث ذلك بتأمل الحجر نسب إليه. و «هبط» متعد على هذا، وحذف المفعول، كقول لبيد: إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ... يوماً فهم للفناء والنفد «5» ومن حذف المفعول قوله تعالى: (بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) «6» أي: فتحه الله. (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) «7» أي: يسرونه ويعلنونه، إذا جعلت «ما» / خبراً، وإذا جعلته استفهاماً لم تقدر شيئا، وكان مفعولا. 72 ش (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) «8» أي: يظنون ما هو نافع لهم، فحذف المفعولين، وحذفهما جائز.

_ (1) الصافات: 102. (2) البقرة: 71. (3) البقرة: 72. [.....] (4) البقرة: 74. (5) في الأصل: يوما بصر للهلك والنكل (اللسان: هبط) . (6) البقرة: 76. (7) البقرة: 77. (8) البقرة: 78.

فأما قوله تعالى: (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) «1» . فمن وقف على «ظنوا» كان من هذا الباب، أي: ظنوا ما كانوا عليه في الدنيا منجياً لهم، ومن جعله مما يتلقى به القسم، جعل قوله: (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) «2» جواباً للقسم، فيتلقى بما يتلقى به «3» القسم، نحو: (أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) «4» ، (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ) «5» إذ لم يذكر «للظن» مفعولاه، فالأحسن أن يجعل بمنزلة القسم. قال أبو عمر: يقبح الاقتصار على «علمت» و «ظننت» ، وألا يتعدى إلى مفعولين، وإن لم يقبح ذلك في باب «علمت» ، فإن «6» هذا عندي كما قال، وذلك لأنه لا يخلو مخاطبك، من أن يعلم أنك تعلم شيئاً وتظن آخر، فإذا كان كذلك، صار كالابتداء بالنكرة، نحو: «رجل منطلق» و «قام رجل» وليس كذلك قولك: «أعطيت» ولا «أعلمت» ، لأن ذلك مما قد يجوز أن لا تفعله، فلذلك حسن هذا وامتنع ذاك. وأما قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) «7» فمن قرأ بالياء، ف «الذين» هم الفاعلون، و «أن» مع اسمه وخبره بدل من «الذين كفروا» . قالوا: وهذا يوجب نصب قوله (خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) «8» وليس كذلك، لأن ذلك إنما يكون إذا جعلت «أن» باسمه هو البدل دون خبره.

_ (2- 1) فصلت: 48. (3) في الأصل: «بها» . (4) البقرة: 63. (5) آل عمران: 187. (6) في الأصل: «فأو هذا» . (7) آل عمران: 178. (8) آل عمران: 178.

وكذلك القول في قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) «1» من قرأ بالتاء كان المفعول الأول: المضاف المحذوف، أي: لا تحسبن بخل الباخلين هو خيراً لهم. ومن قرأ بالياء كان التقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون البخل خيراً فيكون «هو خيراً لهم» كناية عن البخل. وأما قوله تعالى: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) «2» ، فمن قرأ بالياء كان «الذين يفرحون» هم الفاعلون. ولم يذكر له مفعولين، لأن قوله: (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) «3» يدل عليه، ويكون الضمير في «يحسبن» يعود إلى «الذين» أي: لا يحسبن أنفسهم بمفازة، فهذا فيمن قرأهما بالياء. وأما من قرأ بالتاء، فإنه جعل [الذين] «4» / مفعولاً أول، والمفعول الثاني قوله: (بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) . ويكون قوله: (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) «5» تكراراً للأول، وتكون الفاء زيادة في الوجوه كلها، إذ لا وجه للعطف، ولا للجزاء.

_ (1) آل عمران: 180. (5- 3- 2) آل عمران: 188. [.....] (4) تكملة يقتضيها السياق.

وإذا أخذ الرجل في الكلام طالباً منك باب التكرار، فاقرأ عليه ما أثبته لك هنا. وقوله تعالى: (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ... فَلَمَّا جاءَهُمْ) «1» فهذا تكرير للأولى. ألا ترى: أنا لا نعلم «لما» جاء جوابها بالفاء في موضع، فإذا كان كذا، ثبت أنه تكرير. ومما يكون كذلك أيضاً: (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) «2» . ثم قال: (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) «3» . وقال: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) «4» . بعد قوله: (كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) «5» فكرر «في» . وقال عز من قائل: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) «6» فكرر «في» . قال أبو بكر: في آيات في سورة «الجاثية» إنها تكرار، وعند الجرمى أن قوله: (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) «7» (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ) «8» إلى قوله (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) «9»

_ (1) البقرة: 89. (3- 2) يوسف: 4. (4) النور: 36. (5) النور: 35. (6) هود: 108. (7) الأنعام: 54. (9- 8) المؤمنون: 35.

أنه تكرار، وقال: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) «1» إلى قوله: (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) «2» فيكون هذا كله تكرارا. وأما قوله: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) «3» ، فمن «4» قرأ بالتاء، فلا إشكال فيه، لأن «الذين كفروا» مفعول أول، و «سبقوا» مفعول ثان. ومن قرأ بالياء، فيجوز أن يكون التقدير: ولا يحسبن الكافرون أن سبقوا، فحذف «أن» ويكون «أن سبقوا» قد سد مسد المفعول الأول. ويجوز أن يكون في «ولا يحسبن» ضمير الإنسان، أي: لا يحسبن الإنسان الكافرين السابقين. وأما قوله تعالى: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) «5» فمن «6» قرأ «بالتاء» فلا إشكال فيه.، ويكون «الذين كفروا» مفعولاً أول، ويكون «معجزين» مفعولاً ثانياً. ومن قرأ بالياء، كان في «لا يحسبن» ضمير الإنسان، أو يكون التقدير: لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين، فحذف «أنفسهم» . وأما قوله: (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) «7» ، ف «يرى» هذه هي التي تعدى إلى مفعولين، لأن «علم الغيب» لا يوجبه الحس، حتى إذا علمه أحسّ شيئا.

_ (2- 1) آل عمران: 188. (3) الأنفال: 59. (5) النور: 57. (6- 4) في الأصل: «فيمن» . (7) النجم: 35.

وإنما المعنى: أعنده علم الغيب فهو يعلم الغيب كما/ يشهده، لأن من حصل له علم الغيب، يعلم الغيب كما يعلم ما يشاهد، والتقدير: فهو يرى علم الغيب مثل المشاهدة، فحذفهما للدلالة عليه، قال «1» : ترى حبها عاراً علي وتحسب «2» وأما قوله تعالى: (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) «3» يجوز أن يكون من «الرؤية» التي هي حس، والضمير في «يرى» هو للسعي، فيكون على هذا كقوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) «4» ألا ترى أن سعيه إنما هو حركات كما أن عمله كذلك. وقد يجوز أن يكون «يرى» يفعل، من «رأيت» المتعدية إلى مفعولين، وذلك أن «سعيه» إن كان حركات ونحوها مما يرى، فقد يكون اعتقادات لا ترى، وإذا كان كذلك، حملته على المتعدية إلى مفعولين، لأن كل محسوس معلوم، وإن لم يكن كل معلوم محسوساً، فحمله على المتعدية إلى مفعولين أولى. والموضع «5» الذي يعلم ذلك منه قوله تعالى: (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) ، «6» ، والذي أسلفته يكون اعتقادا غير مرئى، وأعمالنا مرئية.

_ (1) الشاعر هو الكميت. [.....] (2) عجز بيت، وصدره: بأي كتاب أم بأية سنة والبيت من قصيدة يمدح فيها آل البيت. ورواية الديوان: «ترى حبهم» . والضمير لآل البيت. (3) النجم: 40. (4) التوبة: 105. (5) في الأصل: «والمواضع» . (6) يونس: 30.

ويعلم من قوله: (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) «1» . وقوله تعالى: (مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) «2» فيكون التقدير على هذا: وأن سعيه سوف يرى محصىً، لقوله: «إلا أحصاها» أو محصلاً أو مجزياً، ويكون المبتدأ والخبر، قبل دخول «رأيت» : سعيك يحصى، أو يحصل، أو مجزى عمله، فحذف المفعول الثاني، إذا بنيت الفعل للمفعول، لدلالة قوله: (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) «3» . والاقتضاء الأول المقام مقام الفاعل، كما حذف من قوله: (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) «4» وحذف المفعول. وقال: (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ) «5» وهو يستدعي مفعولين، والمعنى: ثم يجزى مثل سعيه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. وكذلك: (كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) «6» . وإن شئت جعلت المضاف المحذوف «الجزاء» فقلت: المعنى: ثم يجزى الإنسان جزاء سعيه، وترى كل نفس جزاء ما كسبت، على أن يخرج الجزاء من أن يكون مصدراً، كما أخرج «الصيد» و «الخلق» عن ذلك، فيصير في موضع المفعول، فإذا لم يخرج المفعول عن المصدر لم يجز، لأنك حينئذ قد عدّيت/ الفعل 74 ى إلى مصدرين، ولا يتعدى إلى مصدرين، كما لا يتعدى إلى حالين.

_ (1) الحاقة: 19. (2) الكهف: 49. (5- 3) النجم: 41. (4) القصص: 62. (6) آل عمران: 161.

قال أبو إسحاق: جائز أن يقرأ: (سَوْفَ يُرى) «1» والأجود أن يقرأ: «يرى» «2» لأن قولك: إن زيداً سوف أكرمه، فيه ضعف لأن «إن» عاملة، و «أكرم» عاملة، فلا يجوز أن ينتصب الاسم من جهتين، ولكنه يجوز على إضمار الهاء، على معنى: سوف يراه، فلا يجوز في الكلام أن يقول: إن زيداً سأكرمه. قال أبو علي: أما جواز هذا على إضمار الهاء في «سوف يراه» ، فلا يجوز في الكلام، وإنما يجوز في الشعر، كذلك يجيزه أصحابنا في الشعر قياساً على قوله: ... كله لم أصنع «3» وأجازوا على هذا الشعر: زيداً اضرب، يريد: اضربه. ومنع غيرهم من هذا فقال: لا أجيزه في «زيد» ونحوه، وإنما أجيزه في «كل» ، لأن فيه معنى الجحد. وأما إجازته في التنزيل فلا ينبغي أن يجيزه أحد.

_ (1) النجم: 40. (2) النجم: 40. (3) جزء من بيت لأبي النجم، والبيت كاملا: قد أصبحت أم الخيار تدعى ... على ذنبا كله لم أصنع

وأما إضمار الهاء في «إن» فمثل الأول، في أنه لا يجوز في الكلام وإنما يجوز في ضرورة الشعر، كالأبيات التي أنشدها في «الكتاب» نحو قوله: إن من لام «1» ... وإنّ من يدخل الكنيسة «2» ... ومن ذلك قوله تعالى: (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) «3» فمفعول «يعلم» مضمر، والتقدير: قالت الرسل للمرسل إليهم: ربنا يعلم لم أرسلنا إليكم؟ لأن هذا جواب قولهم: (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) «4» يعنون كيف تكونون رسلاً وأنتم بشر مثلنا، فقالوا: (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) «5» ، استئناف الكلام، وليس «6» كسر «إن» لمكان اللام بل كسرها لأنه مبتدأ. فأما قوله تعالى: (فَانْظُرْ ماذا تَرى) «7» ، فمن فتح التاء فقال: «ماذا ترى» كان مفعول «ترى» أحد شيئين، أحدهما: أن يكون «ماذا» بمنزلة «الذي» فيكون مفعول «ترى» الهاء المحذوفة من الصلة، ويكون «ترى» على هذا التي معناها الرأي، وليس إدراك الجارحة، كما تقول: فلان يرى رأي أبي حنيفة. ومن هذا قوله تعالى: (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ) «8» .

_ (1) جزء من بيت للاعشى، والبيت بتمامه: إن من لام في بني بنت حسا ... ن ألمه وأعصه في الخطوب (الكتاب 1: 439) . [.....] (2) جزء من بيت، والبيت كاملا: إن من يدخل الكنيسة يوما. ... يلق فيها جاذرا وظباء (5- 3) يس: 16. (4) يس: 15. (6) في الأصل: «وليست» . (7) الصافات: 102. (8) النساء: 105.

فلا يخلو «أراك» من أن يكون نقلها بالهمزة من التي هي «رأيت» رؤية البصر، 74 ش/ أو «رأيت» التي تتعدى إلى مفعولين، أو «رأيت» التي بمعنى الرأي، الذي هو الاعتقاد والمذهب، فلا يجوز أن تكون من الرؤية التي معناها: أبصرت بعيني، لأن الحكم في الحوادث بين الناس ليس مما يدرك بالبصر، فلا يجوز أن يكون هذا القسم، ولا يجوز أن يكون من «رأيت» التي تتعدى إلى مفعولين، لأنه كان يلزم بالنقل بالهمزة أن يتعدى إلى ثلاثة مفعولين، وفي تعديه إلى مفعولين- أحدهما الكاف التي للخطاب، والآخر المفعول المقدر حذفه من الصلة، تقديره: بما أراكه الله، ولا مفعول ثالث في الكلام- دلالة على أنه من «رأيت» التي معناها الاعتقاد والرأي، وهي تتعدى إلى مفعول واحد، وإذا نقل بالهمزة تعدى إلى مفعولين، كما جاء في قوله تعالى: (بِما أَراكَ اللَّهُ) «1» . فإذا جعلت قوله «ذا» من قوله: (ماذا تَرى) «2» بمنزلة «الذي» ، صار تقديره. ما الذي تراه؟ فيصير «ما» فى موضع ابتداء، و «الذي» في موضع خبره، ويكون المعنى: ما الذي نذهب إليه فيما ألقيت إليك، هل تستسلم له وتتلقاه بالقبول، أو تأتي غير ذلك؟ فهذا وجه قول من قال: «ماذا ترى» بفتح التاء. وقرئ: «ماذا تري» بضم التاء وكسر الراء، فإنه يجوز أن يكون «ما» مع «ذا» بمنزلة اسم واحد، فيكونا في موضع نصب، والمعنى: أجلداً تري على ما تحمل عليه أم خوراً؟ ويجوز أن تجعل «ما» مبتدأة و «ذا» بمنزلة أحد، ويعود إليه الذكر المحذوف، من الصلة، والفعل منقول من: رأى زيد الشيء، وأريته الشيء

_ (1) النساء: 105. (2) الصافات: 102.

إلا أنه من باب أعطيت، فيجوز أن يقتصر على أحد المفعولين دون الآخر، كما أن «أعطيت» كذلك، ولو ذكرت المفعول، كان: أرأيت زيداً جلداً، فيكون التقدير في الآية: ماذا ترينيه؟. ومن ذلك قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) «1» أي: تزعمونهم إياهم، فالمفعولان محذوفان، لأنك إذا أظهرت العائد إلى «الذين» كان مفعولاً أول، فيقتضي مفعولاً ثانياً. ومن حذف المفعول قوله تعالى: (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) «2» والتقدير: ننسكها، أي: نأمرك بتركها، أو بنسيانها، فالمفعول الأول محذوف، 75 ى (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) أي: نأتك بخير منها. وأما قوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) «3» ينبغي أن تكون هذه من رؤية العين، لأنه اقتصر فيه على مفعول واحد، كأنه: أأبصرت؟ أو شاهدت؟ وهذا لا يسوغ أن يقع بعده الاستفهام، لأنه إنما يقع بعد الأفعال التي تلغى، فيعلق عنها. وأما «أرأيت» الذي بمنزلة العلم، فإنها تكون على ضربين: أحدهما: أن تتعدى إلى مفعول، ويقع الاستفهام في موضع خبره، كأنه قبل دخول «أرأيت» مبتدأ، وخبره الاستفهام، وعلى هذا الآي التي تلوها. والثاني: أن يقع الاستفهام في موضع المفعول، فيعلق عنها، نحو: أرأيت من زيد؟ فإذا قال: أرأيت زيدا؟ احتمل ثلاثة أضرب:

_ (1) القصص: 62. (2) البقرة: 106. (3) الماعون: 1.

أحدها: أن يكون «رأيت» بمعنى: أبصرت، كقوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) «1» . والآخر: أن يكون «رأيت» بمعنى: علمت، فيكون بمعنى: أخبرني. فهذا: إذا كان كذلك، لم يجز أن يرتفع الاسم بعدها في قول من قال: علمت زيدا أبو من هو؟ ويجوز: ألا يذكر قبل الاستفهام الاسم، نحو: أرأيت أبو من زيد؟ لأن دخول معنى آخر فيه لا يمنع من أن يستعمل على أصله الذي له. وقوله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) «2» ، وقوله تعالى: (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) «3» ، وقوله: (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) «4» و (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) «5» ، وغير ذلك من الآي. إن قال قائل: ما مفعول «ود» في هذه الآي، وما موضع «لو» بعده، وهل تقتضي «لو» هنا جواباً؟ فالقول في ذلك: إن «ود» فعل متعد، وإذا كان متعدياً اقتضى المفعول به، وليس من جنس الأفعال التي تعلق، لأنه لا يلغى كما ألغيت المعلقة، ولا هو مثل ما شبه به نحو «انظر» في قوله: انظر أزيد أبو من هو؟

_ (1) الماعون: 1. (2) البقرة: 109. (3) البقرة: 96. [.....] (4) الممتحنة: 2. (5) القلم: 9.

ولا مثل: (بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) «1» لأن هذه الأفعال تشبه الأول/ من حيث كانت بمعنى العلم، فلذلك أجريت مجراها، فأما 75 ش «وددت» فليس من هذا الباب. ألا ترى أنه لا يشبه العلم، ولا يضمر بعده القول أيضاً، كما أضمر بعد قوله: (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ) «2» . ولا مثل: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) «3» . ومثل قوله: إني سأبدي لك فيما أبدي ... شجن لي ببلاد سند وشجن لي ببلاد نجد «4» لأن هذه الأفعال ونحوها لما كانت بمعنى «القول» استقام إضمار «القول» بعدها لسدها مسده، حتى قال بعض الناس: إنها بمنزلة «القول» ، وليس «وددت» كذلك. وإذا لم تكن مثله، وكان معناها التعدي، قلنا: إن «لو» بعده زائدة، والتقدير في الفعل الواقع بعد «أن» ، وحذفت «أن» ووقع الفعل موقع الاسم، فالفعل في موضع المفعول. وحسن هذا الحذف لذكر «لو» في الكلام أنه حرف، فصار الحرف المذكور كالبدل من المحذوف، كما صار اللام في: قولهم: ما كان ليفعل، بدلاً من «أن» .

_ (1) يوسف: 35. (2) القمر: 10. (3) النساء: 11. (4) اللسان (شجن) : إني سأبدي لك فيما أبدي ... لي شجنان شجن بنجد وشجن لي ببلاد هند

وكما استجازوا أن يحذف حرف الجر مع «أن» في نحو: جئت أنك تريد الخير. وذهب الخليل إلى أنه في موضع جر، ولم يقل ذلك أحد، إذ كان المصدر الصحيح لا تجوز إرادة الحذف معه. وإذا كانوا قد حذفوا الحرف في الكلام لجري ذكر حرف فيه، نحو: متى يمرر أمرر ونحو: ما مررت برجل إن صالح فطالح، فحذف الحرف حيث ذكرنا أسوغ. وحسن ذلك ألا يظهر معه الحرف لكون المذكور بدلاً من المحذوف، ألا ترى أن الخليل وسيبويه استجازا حذف «1» الجار والمجرور من الصلة في قوله: إن لم يجد يوماً على من يتكل «2» لجرى ذكر «على» قبل. فإذا كان كذلك كان حذف هذا أجدر، لذكر الحرف، وكونه بدلاً من المحذوف. ألا ترى أن هذه قد حذفت في مواضع لم يقع منها بدل، والمعنى على الحذف قولهم: عسينا نفعل، وقول الشاعر. ألا أيها ذا الزّاجرى أحضر الوغى «3»

_ (1) في الأصل: «حرف» . (2) عجز بيت، وصدره كما في الكتاب (1: 443) والصحاح «عمل» : إن الكريم وأبيك يعتمل (3) صدر بيت، وعجزه: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

/ و: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) «1» ، فإذا حذفت، حيث لم يقع من حذفها عوض، كان حذفها هنا أجدر، لذكر «لو» فإذا كانت «لو» زائدة كان الفعل الواقع بعده في موضع المفعول، كما كان «ألهو» فيما أنشده أبو زيد من قوله: وقالوا ما تشاء فقلت ألهو واقعاً موقع المفعول، وهو فعل مشابه له. ويدل على زيادة «لو» في هذا الموضع أنها تحذف بعد «وددت» فيقع الاسم بعده في موضع نصب. فإذا صار دخولها وخروجها في المعنى واحداً كان كدخول «من» ونحوه، في نحو: ما جاءني من أحد. وذلك نحو قوله تعالى: (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) «2» . فهذا في المعنى كقوله: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي) «3» ، فهذا يدل على زيادة «لو» . فإن قلت: ما ننكر أن يكون الفعل معلقاً، لأنه قد وقع بعده «أن» الثقيلة في نحو: (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) «4»

_ (1) الزمر: 64. (4- 2) الأنفال: 7. (3) المعارج: 11.

كما وقعت بعد: «علمت أن زيداً منطلق» . فإذا جعل بمنزلة «علمت» في هذا جعل بمنزلته في التعليق. فالقول: إن ذلك لا يوجب فيه التعليق، ولو جاز التعليق فيه لما ذكرت لجاز أن يعلق «سررت» لقول الأعشى: هل سر حنقط أن القوم صالحهم ... أبو حريث ولم يوجد لهم خلف ويروى: «ولم يؤخذ» . و «حنقط» امرأة، ويقال: حنقط: امرأة أبي حريث، وأبو حريث: رجل من بني ثعلبة بن يربوع، قتل يومئذ، يريد: هل سرها أنه سلم ولم يتزوج بعد. وكما أن هذا النحو من الأفعال لا يعلق وإن وقعت بعده «أن» كذلك لا يعلق «وددت» ، لأن «وددت» لا ينكر أن يقع بعدها «أن» الخفيفة كما وقعت الثقيلة، كما كان ذلك في «سررت» ، في نحو قوله: هل سركم في جمادى أن نصالحكم ومما يدل على زيادة «لو» في هذا النحو/ وأن الفعل في تقدير الحذف لأن معه رفعهم الفعل المعطوف عليه، في نحو قوله تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) «1» ، و (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ) «2» ، ثم قال:

_ (1) القلم: 9. (2) النساء: 102. [.....]

(فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ) «1» ، فهو نحو: عسى زيد يقوم فيذهب، فهذا هو الوجه، لأن الكلام في تقدير إيجاب. وإذا كان كذلك بعد النصب كما بعد في قولك: أليس زيد عندك فتضربه؟ لأن المعنى موجب. والذي ذكرنا أنه في بعض المصاحف (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) «2» بالنصب، على أحد أمرين: إما أن يكون: لما كان معنى (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ) «3» معنى: ودوا أن تدهن، بحمل المعطوف على المعنى، كما أن قوله: هو أحسن الفتيان وأجمله، محمول على المعنى، لأن «أحسن الفتيان» و «أحسن فتى» واحد في المعنى. وإما أن تكون «لو» ، وإن كانت زائدة في هذا الموضع، لما كانت على لفظ «غير» الزائدة أجريت مجراها للشبه اللفظي، كما أجرى «أحمد» مجرى «أضرب» في منع الجر والتنوين. ألا ترى أن «لو» هذه على لفظ «لو» التي معناها الآخر في قوله: ............... ..... ... لو تعان فتنهدا «4» والمعنى: أعانها الله.

_ (1) النساء: 102. (3- 2) القلم: 9. (4) جزء من بيت، والبيت بتمامه: سوّينا إليهم في جموع كأنها ... جبال شروري لو تعان فتنهدا (العيني 4: 413) .

وكذلك قوله تعالى: (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ) «1» ، المعنى: لتكن لنا كرة، إلا أن الدعاء لا يقال فيه أمر، فالتقدير: أحدث لنا كرة فنكون. ومثله في التشبيه اللفظي في الحروف قوله: يرجى العبد ما إن لا يراه «2» وقوله: لما أغفلت شكرك. فكذلك «لو» هذه أجريت مجرى غير الزيادة. قوله تعالى: (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) «3» . التقدير: ربنا واجعلنا مسلمين لك وأمة مسلمة لك من ذريتنا، ففصل بين الواو والمفعول بالظرف. وقوله تعالى: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) «4» يكون على أحد أمرين: يكون على قياس قول أبي الحسن «من» زائدة، والتقدير: واجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي/ مقيم الصلاة، والمفعول محذوف، لا بد من ذلك، ألا ترى أنه لا يجوز: رب اجعلنى من ذريتى.

_ (1) الشعراء: 102. (2) عجزه: ويأبى الله إلا ما يريد (3) البقرة: 128. (4) إبراهيم: 40.

قوله تعالى: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) «1» َ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) «2» . قال أبو علي: وليتك القبلة، إذا صيرتك تستقبلها بوجهك، وليس هذا المعنى في «فعلت» منه. ألا ترى أنك إذا قلت: وليت الحائط، ووليت الدار، لم يكن في «فعلت» منه دلالة على أنك واجهته، كما أنك في قولهم: وليتك القبلة، ووليتك المسجد الحرام، دلالة على أن المراد واجهته، ف «فعلت» في هذه الكلمة ليس بمنقول من «فعلت» الذي هو «وليت» ، فيكون على حد قولك: «فرح» و «فرّحته» ، ولكن هذا المعنى الذي هو المواجهة عارض في «فعلت» ولم يكن في «فعلت» . وإذا كان كذلك كان فيه دلالة على أن النقل لم يكن من «فعلت» كما كان قولهم: ألقيت متاعك بعضه على بعض، لم يكن النقل فيه من: لقي متاعك بعضه بعضاً، ولكن «ألقيت» كقولك «أسقطت» . ولو كان منه زاد مفعول آخر في الكلام، ولم يحتج في تعديته إلى المفعول الثاني إلى حرف الجر وإلحاقه المفعول الثاني في قولك: ألقيت بعض متاعك على بعض، كما لم يحتج إليه في: ضرب زيد عمراً، وأضربته إياه، ونحو ذلك. وكذلك: وليتك قبلة، من قولك: وليت، كألقيت من قولك: «لقيت» .

_ (1) البقرة: 144. (2) البقرة: 148.

وقال عز وجل: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) «1» فهذا على المواجهة له، ولا يجوز على غير المواجهة مع العلم أو غلبة الظن، الذي ينزّله منزلة العلم، في تحري القبلة. وقد جاءت هذه الكلمة مستعملة على خلاف المقابلة والمواجهة، وذلك في نحو قوله: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) «2» ، (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) «3» ، (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) «4» أي: أعرض عنه. وقال عز وجل: (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) . «5» (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا) «6» . فهذا مع دخول الزيادة للفعل في غير الزيادة.

_ (1) البقرة: 144. (2) البقرة: 83. (3) البقرة: 64. (4) عبس: 1. (5) يوسف: 84. [.....] (6) النجم: 29.

قوله تعالى: (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) «1» . فالحال مؤكدة، لأن في «توليتم» دلالة على أنهم «مدبرين» ، فهذا على نحوين: أما ما لحق التاء أوله فإنه يجوز أن يكون من باب «تحوّب» و «تأثّم» ، إذا ترك الحوب، والإثم، وكذلك إذا ترك الجهة، التي هي المقابلة. ويجوز أن تكون الكلمة استعملت على الشيء وعلى خلافه، كالحروف المروية في الأضداد. فأما قوله تعالى: (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) «2» ، وقوله: (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) «3» ، وقوله: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) «4» . فهذا منقول من «فعل» ، تقول: داري تلي داره، ووليت داري داره، فإذا نقلته إلى «فعل» قلت: وليت مآخيره، وولاني مآخيره، ووليت ميامنه، وولاني ميامنه، فهو مثل: فرح وفرحته، وليس مثل: لقي وألقيته ولقيته. وقوله: (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) «5» ، وقوله: (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) «6» ، المفعول

_ (1) التوبة: 25. (2) آل عمران: 111. (3) الحشر: 12. (4) القمر: 45. (5) الحشر: 12. (6) القمر: 45.

الثاني في نقل «فعل» إلى «فعل» محذوف، ولو لم يحذف كان كقوله: (يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) «1» . وأما قوله تعالى: (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا) «2» فيمن قرأ «تلوا» فمعناه والله أعلم: الإقبال عليهم، والمقاربة لهم في العدل في قسمهم. ألا ترى أنه قد عودل بالإعراض في قوله تعالى: (أَوْ تُعْرِضُوا) ، فكان قوله: (وَإِنْ تَلْوُوا) ، كقوله: إن أقبلتم عليهم ولم تعرضوا عنهم. فإن قلت: فهل يجوز أن يكون في «تلوا» دلالة على المواجهة فتجعل قوله (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ) «3» منقولاً من هذا ثم اقتضى المواجهة، وتستدل على ذلك بمعادلته: على خلاف، الذي هو الإعراض. فالقول إن ذلك في هذه الكلمة ليس بالظاهر، ولا في الكلمة دلالة على هذه المخصوصة التي جاءت في قوله: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) «4» . وإذا لم يكن عليها دلالة، لم يصرفها عن الموضع الذي/ جاء فيه فلم يتعدها إلى سواها. وقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) «5» فالضمير في «عنه» إذا جعلته للرسول احتمل أمرين: (لا تَوَلَّوْا عَنْهُ) : لا تنفضوا عنه، كما قال: (انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) «6» .

_ (1) آل عمران: 111. (2) النساء: 135. (4- 3) البقرة: 144. (5) الأنفال: 20. (6) الجمعة: 11.

وقال: (وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) «1» وقال: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) «2» . وعلى هذا المعنى قوله تعالى: (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) «3» أي: بعد أن تتفرقوا عنها. ولا يكون «لا تولوا عنه» : لا تعرضوا عن أمره، وتلقوه بالطاعة والقبول. كما قال عز وجل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) «4» . ومن إضمار المفعول قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) » المعنى: فمن شهد منكم المصر في الشهر. فحذف المفعول لا بد من تقديره، لأن المسافر شاهد الشهر، ولا يلزمه الصوم، بل يجوز له الإفطار، فانتصاب الشهر على الظرف، وإنما قال: «فليصمه» : ولم يقل، فليصم فيه، والظروف إذا كنى عنها رد حرف الظرفية معها، لأنه قد اتسع فيها، ونصبه نصب المفعول بعد أن استعمله ظرفاً. واعلم أن «شهد» فعل استعمل على ضربين: أحدهما: الحضور والآخر: العلم. فالذي معناه الحضور، يتعدى إلى مفعول.

_ (1) النور: 62. (4- 2) النور: 63. [.....] (3) الأنبياء: 57. (5) البقرة: 185.

ويدلك على ذلك قوله: لو شهد عاد في زمان عاد «1» وقوله: ويوماً شهدناه سليماً وعامراً فتقدير هذا: شهدنا فيه. ومن ذلك قوله: شهدنا فما نلقى [به] من كتيبة ... يد الدّهر إلّا جبرئيل أمامها فهذا محذوف المفعول، التقدير فيه: شهدنا المعركة، أو: من تجمع لقتالنا. ومنه قوله: لقد شهدت قيس فما كان نصرها ... قتيبة إلا عضها بالأباهم «2» فهذا الضرب المتعدي إلى مفعول واحد إذا نقل بالهمزة تعدى إلى المفعولين، تقول: شهد زيد المعركة، وأشهدته إياها. فمن هذا قوله: (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «3» لما نقل بالهمزة صار الفاعل مفعولاً، والتقدير: ما أشهدتهم/ فعلى. وال «فعل» في أنه مفعول ثان، وإن كان غير عين، مثل «زيد» ، ونحوه من الأسماء المختصة. وقالوا: امرأة مشهد، إذا كان زوجها شاهداً لم يخرج في بعث من غزو وغيره.

_ (1) صدر بيت، وعجزه: لابتزها مبارك الجلاد أراد: شهد، بكسر الهاء فسكنه تخفيفا. ومبارك الجلاد: وسط الحرب ومعظمها. يقول: لو شهد الممدوح عادا في الحرب لفاز عليها وفاز بمعظم الحرب دونها. (المخصص 17: 42- الكتاب 2: 27- البحر 4: 323) . (2) البيت للفرزدق. يريد: الأباهيم، غير أنه حذف، لأن القصيدة ليست مردفة. (3) الكهف: 51.

وامرأة مغيب، إذا لم يشهد زوجها، فكأن المعنى: ذات غيبة، أي: ذات غيبة وليها، وذات شهادة وليها. والشهادة خلاف الغيبة، قال الله تعالى: (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) «1» . فهذا في المعنى قريب من قوله: (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) «2» (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) «3» . وأما «شهدت» الذي بمعنى «علمت» فيستعمل على ضربين: أحدهما: أن يكون قسماً. والآخر: أن يكون غير قسم. فاستعمالهم إياه قسماً، كاستعمالهم: علم الله، ويعلم الله، قسماً. تقول: علم الله لأفعلن، فتلقّاه بما يتلقى به الأقسام، وأنشد سيبويه: ولقد علمت لتأتين منيتي ... إن المنايا لا تطيش سهامها «4» وتقول: أشهد بالله إنك لذاهب، وأشهد إنك لذاهب. قال: وحدثنا أبو الحسن أن محمداً قال: إن زفر يذهب إلى أنه إذا قال: أشهد بالله، كان يميناً فإن قال «أشهد» ولم يقل «بالله» لم يره يمينا.

_ (1) التغابن: 18. (2) النمل: 25. (3) الأنعام: 3. (4) البيت للبيد. (الكتاب 1: 456) .

قال: وقال محمد: «أشهد» غير موصولة بقولك «بالله» في أنه يمين، كقولك: أشهد بالله. وقال: واستشهد محمد على ذلك بقوله: (قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) «1» . وقال: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) «2» . فجعله يميناً ولم يوصل بقوله «بالله» . وأما «شهدت» الذي يراد به «علمت» ، ولا يراد به اليمين، فهو ضرب من العلم مخصوص. وكل شهادة علم، وليس كل علم شهادة. ومما يدل على اختصاصها بالعلم، انه [لو] «3» قال عند الحاكم: أعلم أن لزيد على عمرو عشرة، لم يحكم به حتى يقول: أشهد. فالشهادة مثل التيقن في أنه ضرب من العلم مخصوص، وليس كل علم تيقناً، وإن كان كل تيقن علماً، وكان التيقن هو العلم الذي عرض لعالمه إشكال فيه.

_ (1) المنافقون: 1. (2) المنافقون: 1، 2. (3) تكملة يقتضيها السياق.

نتبين ذلك في قصة ابراهيم عليه السلام (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) «1» ويبين ذا قول رؤبة: / يا دار عفراء ودار البخدن ... أما جزاء العالم المستيقن فلو لم يكن في «المستيقن» زيادة معنى، لم يكن في الوصف الأول، لم يحسن هذا الكلام، وكان غير مفيد، وهذا كقول زهير: فلأياً عرفت الدار بعد توهم «2» وقال بعد: فلما عرفت الدار «3» أي: عرفتها بعد إشكال أمرها والتباسها علي. وعلى هذا قول الآخر: حيّوا الدّيار وحيوا ساكن الدار ... ما كدت أعرف إلا بعد إنكار وكان معنى: أشهد أيها الحاكم على كذا، أي: أعلمه علماً يحضرني قد تذلل لي فلا أتوقف عنه ولا أتلبث فيه، لوضوحه عندي وتبينه لي وليس كذلك سبيل المعلومات كلها. ألا ترى أن منها ما يحتاج إلى توقف فيه واستدلال عليه، وتذليل له ويدل على هذا، وأن الشهادة يراد بها المعنى الزائد على العلم، أنه لا يخلو من أن يكون العلم مجرداً مما ذكرناه، أو العلم مقترناً بما وصفناه من المعاني، والذي يدل على أنه المقترن بالمعنى، الذي ذكرنا.

_ (1) الأنعام: 75. (2) عجز بيت صدره: وقفت بها من بعد عشرين حجة [.....] (3) جزء من بيت، والبيت كاملا: فلما عرفت الدار قلت لربعها ... ألا أنعم صباحا أيها الربع واسلم

وقوله تعالى: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) «1» ، وقوله: (وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) «2» . فلو كان معنى «شهد» العلم خالياً من هذه المعاني، لكان المعنى: وما علمنا إلا بما علمنا، ومن علم الحق لم يقل: بما علما إلا ما علمنا، وهو يعلم. فإذا لم يسهل حمله على هذا، علم أن معناه ما ذكرنا. و «شهد» في هذا الوجه يتعدى بحرف جر، فتارة يكون الباء والأخرى «على» . ومما يعدّى ب «على» قوله تعالى: (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) «3» ، وقوله تعالى: (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ) «4» ، و (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) «5» ، وَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) «6» . ومن التعدي بالباء قوله تعالى: (وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) «7» ، و (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ) «8» ، وقوله تعالى: (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ) «9» . فإذا نقل بالهمزة، زاد بالهمزة مفعول، كسائر الأفعال المتعدية إذا نقلت بالهمزة. وقال عز من قائل: (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) «10» . فأما قوله: (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) «11» ، فمن الشهادة التي هي الحضور، كأنهم ونجوا على ما قالوا مما لم يحضروه/ مما حكمه أن يعلم بالمشاهدة.

_ (8- 1) الزخرف: 86. (2) يوسف: 81. (3) فصلت: 21. (4) فصلت: 20. (5) النور: 24. (6) الأنعام: 130. (7) يوسف: 81. (9) النور: 6. (10) الأعراف: 172. (11) الزخرف: 19.

ومن قرأ (أشهدوا خلقهم) «1» فالمعنى: أو أحضروا ذلك؟ وكان الفعل يتعدى إلى مفعولين بعد النقل، فلما بني للمفعول به نقص مفعول، فتعدى الفعل إلى مفعول واحد. ويقوي هذه القراءة قوله تعالى: (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) «2» ، فتعدى إلى مفعولين، لما بني الفعل للفاعل. فأما قوله تعالى: (إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ) «3» ، فعلى إعمال الثاني، كما أن قوله تعالى: (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) «4» ، كذلك، والتقدير: إني أشهد الله أنى برئ، وأشهد أنى برئ. فحذف المفعول الأول على حد: ضربت وضربني زيد. وهذا منقول من: شهد بكذا، إلا أن حرف الجر يحذف مع «أن» . ومن حذف المفعول قوله تعالى: (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) «5» أي: اتقى محارم الله. وكذلك: (لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ) «6» أي: اتقى محارمه. وقال: (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) «7» . وقال: (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) «8» . ف «هلك» لازم في المعروف، و «يهلك» متعد، وقد جاء «هلك» متعديا، وأنشدوا:

_ (1) الزخرف: 19. (2) الكهف: 51. (3) هود: 54. [.....] (4) الكهف: 96. (5) البقرة: 189. (6) البقرة: 203. (7) الأنفال: 42. (8) البقرة: 205.

ومهمهٍ هالك من تعرجا «1» فكأنه قال: هالك من تعرج فيه، أي: هالك المتعرج، «فمن تعرج» ، على هذا التقدير، فاعل في المعنى، وعلى تقدير من حمله على «مهلك» أنه حذف مفعوله في المعنى، بمنزلة: ضارب زيد. ومن حذف المفعول قوله: (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) «2» ، أي: يغفر الذنوب، في جميع التنزيل. ومن ذلك قوله تعالى: (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) «3» . قال أبو علي: يحتمل وجهين: يجوز أن يكون من النسيان، الذي هو خلاف الذّكر، و «الخطأ» ، من الإخطاء، الذي ليس التعمد. ويجوز أن يكون من «نسينا» ، على: أن تركنا شيئاً من اللازم لنا. ومثله قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) «4» أي: ترك عهدنا إليه. ومنه قوله: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) «5» . أي: لم يلطف لهم كما يلطف للمؤمنين في تخليصهم أنفسهم من عقاب الله. والتقدير: ولا تكونوا كالذين نسوا أمر الله أو طاعته، فأنساهم تخليص نفسهم من عذاب الله.

_ (1) الشعر للعجاج. (2) البقرة: 284. (3) البقرة: 286. (4) طه: 115. (5) الحشر: 19.

وجاز أن ينسب الإنساء إلى الله، وإن كانوا هم/ الفاعلون له، والمذمومون عليه، كما قال: (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى) «1» . فأضاف الرمي إلى الله، لما كان يقويه إقداره، فكذلك نسب الإنساء إليه لما لم يلطف لهذا المنسي كما لطف للمؤمن الذي قد هدى. وكذلك قوله تعالى: (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) «2» أي: الاستعداد للقاء يومكم هذا، والعمل من التخلص من عقابه. وأما قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) «3» فعلى معنى الترك، لأنه إذا كان المقابل للذكر لم يكن مؤاخذاً. وقوله تعالى: (وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) «4» أي: نسي السامري أي: ترك التوحيد باتخاذه العجل، وقيل: نسي موسى ربه عندنا، وذهب يطلبه في مكان آخر. وأما قوله تعالى: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) «5» . فإن إنساء الشيطان هو أن يسول له، ويزين الأسباب التي ينسى معها. وكذلك: (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) «6» . ويجوز أن يكون الضمير في «أنساه» ليوسف، أي: انسى يوسف ذكر ربه. كما قال: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى) «7» .

_ (1) الأنفال: 17. (2) الجاثية: 34. (3) الكهف: 24. (4) طه: 88. [.....] (5) يوسف: 42. (6) الكهف: 63. (7) الأنعام: 68.

ويجوز أن يكون الضمير في «أنساه» للذي ظن أنه ناج منهما، ويكون ربه ملكه. وفي الوجه الأول، يكون «ربه» الله سبحانه وتعالى، كأنه أنساه الشيطان أن يلجأ إلى الله في شدته. وأما قوله تعالى: (فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) «1» . والتقدير: تنسون دعاء ما تشركون، فحذف المضاف، أي: تتركون دعاءه والفزع إليه، وإنما يفزعون إلى الله- سبحانه وتعالى. ويكون من النسيان الذي هو خلاف الذكر، كقوله تعالى: (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) «2» أي: تذهلون عنه فلا تذكرونه. وقال: (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) «3» . فهذا يجوز أن يكون منقولاً من الذي بمعنى الترك، ويمكن أن يكون من الذي هو خلاف الذكر، واللفظ على: أنهم فعلوا بكم النسيان. والمعنى: أنكم أنتم أيها المتخذون عبادي سخرياً/ نسيتم ذكري، باشتغالكم باتخاذكم إياهم سخرياً، وبالضحك منهم، أي: تركتموه من أجل ذلك، وإن كانوا ذاكرين غير ناسين. فنسب الإنساء إلى عباده الصالحين وإن لم يفعلوا، لما كانوا كالسبب لإنسائهم. فهذا كقوله: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) «4» .

_ (1) الأنعام: 41. (2) الإسراء: 67. (3) المؤمنون: 110. (4) إبراهيم: 36.

وعلى هذا قوله تعالى: (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) «1» فأسند النسيان إليه، والمعنى على أنهم نسوا ذلك. وأما قوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) «2» فالأشبه أن يكون من الذي هو خلاف الذكر. وهذا أشبه من أن يحمل على ما يراد به الترك. وذلك أن النبي، صلى الله عليه وعلى آله، كان إذا نزل عليه القرآن أسرع القراءة وأكثرها مخافة النسيان، فقال: (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ) «3» أي تنساه، لرفعه ذلك بالنسيان كرفعه إياه بالنسخ بآية أو سنة. ويؤكد ذلك قوله تعالى: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) «4» . وقوله تعالى: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) «5» فحمل قوله: «فلا تنسى» ، إذا كان يسلك هذا المسلك، ليس بالوجه. ومما حذف المفعول قوله: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) «6» أي: بشرهم بالجنة. ومن حذف المفعول قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) «7» أي كحب الله المؤمنين. فالمصدر مضاف إلى الفاعل، والمفعول محذوف.

_ (1) الحشر: 19. (2) الأعلى: 6. (3) الأعلى: 6. (4) القيامة: 16 و 17 و 18 (5) طه: 114. (6) الصف: 13. (7) البقرة: 165. [.....]

وإن شئت كان: كحب المؤمنين الله، فحذف الفاعل، والمضاف إليه مفعول في المعنى. ويقوي الأول قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) «1» . ومثله: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) «2» إن شئت، كان التقدير: أقم الصلاة لأذكرك، فيكون مضافاً إلى الفاعل. وإن شئت كان التقدير: لذكرك إياي فيها. كقوله تعالى: (فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) «3» أي: عن ذكرهم إياي. ومثله: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) «4» إن شئت كان التقدير: ولذكركم الله أكبر من كل شيء، فحذف الفاعل، وأضافه إلى المفعول، كما قال: (مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) «5» ، أي: من دعائه الخير. وقال: (بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) «6» أي: بسؤاله نعجتك. وقال: (رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) «7» أي: هذا ذكر الله رحمة/ عبده، فحذف الفاعل، وأضاف إلى المفعول، وهو الرحمة، والرحمة مضاف إلى الفاعل. ونصب «بعضا» به، كقوله: (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) «8» .

_ (1) البقرة: 165. (2) طه: 14. (3) الكهف: 101. (4) العنكبوت: 45. (5) فصلت: 49. (6) ص: 24. (7) مريم: 2. (8) الحجرات: 2.

وكقوله: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) «1» أي: أن دفع الله الناس، فأضاف إلى الفاعل ونصب المفعول به. ومنه قوله تعالى: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) «2» أي: من بعد أن غلبهم الفرس «3» يغلبون الفرس «4» ، فالمصدر مضاف إلى المفعول وقد حذف الفاعل، كأن المشركين سرتهم غلبة الفرس «5» الروم، فرجع أبو بكر إلى النبي- صلى الله عليه وعلى آله- وأخبره بأنه ذكر للمشركين ذلك، وأن بينه وبينهم خطراً، والصديق ضرب المدة في ثلاث سنين. فالنبي- صلى الله عليه وآله- أمره أن يرجع إليهم، ويزيد في الأجل وفي الخطر، ففعل ذلك. وقرأها الحسن: (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) «6» مرتباً للمفعول به. وقرئ: (غُلِبَتِ الرُّومُ) بفتحتين. مرتباً للفاعل. وفسر ابن عمر: غلبت الروم على أدنى ريف الشام. يعني بالريف: السواد، فيكون المصدر- أعني «من بعد غلبهم» - مضافاً إلى الفاعل، أي: من بعد أن غلبوا على الريف. وهذه القراءة أيضاً مروية عن علي وابن عمر وابن عباس ومعاوية عن قرة. ومثله: (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) «7» .

_ (1) البقرة: 251- الحج: 40. (6- 2) الروم: 1 و 2 و 3. (5- 4- 3) في الأصل: «الفارس» . (7) ص: 32.

أي: عن ذكرى ربي، فحذف الفاعل وأضاف إلى المفعول، يعني به صلاة العصر. وقال قوم: بل التقدير: عن ذكر ربي إياي حيث أمرني بالصلاة، فيكون قد حذف المفعول والمصدر. ويجوز إضافته إلى الفاعل، وينصب به المفعول. ويجوز حذف المفعول، إذا أضيف إلى الفاعل به. ويجوز إضافته إلى المفعول ورفع الفاعل. ويجوز في هذا الوجه حذف الفاعل. ويجوز أن ينون، يرفع الفاعل به، وينصب المفعول. ويجوز حذف الفاعل مع التنوين، وحذف المفعول مع التنوين. فمما جاء من ذلك في التنزيل قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً) «1» «شيئا» ينتصب/ ب «رزقا» ، أي: ما لا يملك لهم أن يرزقوا شيئاً. فحذف الفاعل، ونصب المفعول بالمصدر المنون. وأما قوله: (قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا) «2» . فيجوز أن ينتصب رسولا ب (ذكرا) أي: أنزل الله إليكم بأن ذكر رسولاً. ويجوز أن ينتصب بفعل مضمر، أي: أرسل رسولا.

_ (1) النحل: 73. (2) الطلاق: 10 و 11. [.....]

ويجوز أن يكون التقدير: أنزل الله إليكم ذا ذكر رسولاً، فحذف المضاف، ويكون «رسولاً» بدلاً منه. ومن ذلك قوله تعالى: (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً) «1» أي: أن تطعم يتيما، فنصب «يتيما» ب «إطعام» . وأما قوله تعالى: (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) «2» . فمن نون احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون «ذكري» بدلاً من «الخالصة» ، تقديره: إنا أخلصناهم بذكر الدار. ويجوز أن يقدر في قوله: «ذكري» التنوين، فيكون «الدار» في موضع نصب، تقديره: بأن يذكروا الدار، أي: يذكرون بالتأهب للآخرة ويزهدون في الدنيا. ويجوز ألا يقدر البدل، ولكن تكون «الخالصة» مصدراً. فتكون مثل: (مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) «3» فيكون المعنى: بخالصة تذكير الدار. ويقوي هذا الوجه: ما روي من قراءة الأعمش: (بخالصتهم ذكر الدار) فهذا يقوي النصب، ويقوي أن من نون «خالصة» أعملها في «ذكرى الدار» ، كأنه: بأن أخلصوا تذكير الدار. فإذا نونت «خالصة» احتمل أمرين: أحدهما، أن يكون المعنى: بأن خلصت لهم ذكرى الدار، فيكون «ذكرى» في موضع رفع بأنه فاعل.

_ (1) البلد: 14 و 15. (2) ص: 46. (3) فصلت: 49.

والآخر: أن تقدر المصدر الذي هو «خالصة» من الإخلاص، فحذفت الزيادة كما حذفت من نحو: دلو الدالي، ونحوه: فيكون المعنى: بإخلاص ذكرى، فيكون في موضع نصب، كانتصاب لاسم في: عمرك الله الدار، ويجوز أن يعنى بها الآخرة. والذي يدل على أنه يجوز أن يراد بها الدنيا: قوله تعالى في الحكاية عن ابراهيم: (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) «1» . وقوله تعالى: (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) «2» ، فاللسان هو القول الحسن والثناء عليه، وليس اللسان هنا الجارحة. وأما جواز كون «الدار الآخرة» في قوله تعالى: (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) «3» فيكون: ذلك بإخلاصهم ذكرى الدار، ويكون/ ذكرهم لها وجل قلوبهم منها ومن حسابها. كما قال: (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) «4» ، (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) «5» .

_ (1) الشعراء: 84. (2) مريم: 50. (3) ص: 46. (4) الأنبياء: 49. (5) النازعات: 45.

ف «الدار» مفعول بها، وليست كالوجه الآخر المتقدم. وأما من أضاف فقال: (بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) «1» فإن «الخالصة» تكون على ضروب: تكون للذكر وغير الذكر. فإذا أضيفت إلى «ذكرى» اختصت «الخالصة» بهذه الإضافة، فتكون الإضافة إلى المفعول به، بإخلاصهم ذكرى الدار، أي: أخلصوا ذكرها والخوف منها لله. ويكون على إضافة المصدر، الذي هو «الخالصة» إلى الفاعل، تقديره: بأن خلصت لهم ذكرى الدار. و «الدار» على هذا يحتمل الوجهين اللذين تقدما من كونها للآخرة والدنيا. وأما المصدر المعرف باللام فإنهم كرهوا إعماله، ومع ذلك فقد جاء في التنزيل في موضعين: أحدهما قوله تعالى: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) «2» . ف «من» في موضع الرفع من «الجهر» ، أي: لا يحب الله أن يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم. والموضع الآخر قوله تعالى: (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ) «3» أي: أن يشفع أحد إلا الشاهد بالحق.

_ (1) ص: 46. (2) النساء: 148. (3) الزخرف: 86.

ومن حذف المفعول قوله تعالى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) «1» . إن أضمرت المفعول به، كما أضمر في قوله: (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) «2» ، والمعنى: كلما أضاء لهم البرق الطريق مشوا فيه، جاز ذلك. وحذف المفعول وإرادته قد كثر عنهم، فلا يكون (أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) «3» على هذا التأويل مراداً، ولكن يكون مفعولاً له، ويكون المفعول المحذوف كأنه: أنا أريد كفك عن قتلي وامتناعك منه. ونحو ذا مما يدل عليه قوله تعالى: (ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) «4» . ألا ترى أن معنى هذا أنه يريد الكف والامتناع عن مقاتلته، والتقدير: إني أريد كفك عن قتلي كراهة أن تبوء بإثمي وإثمك، ولأن تبوء بإثمي وإثمك. وقال: (قَتْلَ أَخِيهِ) «5» أي: قتله أخاه، فحذف الفاعل، وقال: (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) «6» / المصدر فيه مضاف إلى الفاعل. والمعنى: أنكم أشركتم الآلهة مع الله- سبحانه- وكفرتم، كقوله: (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) «7» في نحو آي تشبهها. وقوله: (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) «8» أي: يحبون الأنداد كحب الله، فحذف على ما تقدم.

_ (3- 1) المائدة: 29. (2) البقرة: 20. (4) المائدة: 28. [.....] (5) المائدة: 30. (6) فاطر: 14. (7) القصص: 63. (8) البقرة: 165.

ومثل ذلك جميع ما جاء في التنزيل من قوله تعالى: (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) «1» (وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) «2» . فالمصدر مضاف إلى المفعول، و «جزى» فعل يتعدى إلى مفعولين، قال الله تعالى: (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) «3» أي: سكنى جنة. قال أبو علي في قوله تعالى: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) «4» أي: جزيتهم بجزاء ما صبروا. ألا ترى أنهم لا يجزون صبرهم، إنما يجزون جزاء صبرهم، عما حظر عليهم ونهوا عنه. وكذلك: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) «5» أي جزاء أعمالكم، إذ أنهم لا يجزون تلك الأعمال التي عملوها، ولكن جزاءها والثواب عليها. وأما قوله تعالى: (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) «6» فيكون على: وجزاهم بصبرهم سكنى جنة ولباس حرير، فيكون على الإلباس والإسكان الجزاء. وكذلك ما ذكر من قوله تعالى: (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) «7» أي: جزاهم جنة، أي: سكنى جنة دانية عليهم ظلالها، فيكون في المعنى كقوله: (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) «8» .

_ (1) المائدة: 29. (2) المائدة: 85. (3) الإنسان: 12. (4) المؤمنون: 111. (5) الجاثية: 28. (6) الإنسان: 12. (7) الإنسان: 14. (8) الرحمن: 46.

ومن حذف المفعول قوله تعالى: (فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً) «1» . تقديره: الذين اتخذوهم قرباناً آلهة. «قربان» لفظه مفرد في معنى الجمع، كما أريد به التثنية في قوله: (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً) «2» . والمعنى: قرب كل واحد منهما قرباناً، فحذف المضاف. يقوي ذلك أن «قرباناً» جمع أنه قد جمع في قول ابن مقبل: كانت لساسته تهدى قرابيناً «3» فلو كان هذا على الظاهر، لثني، كما جمع «القرابين» في قول ابن مقبل و «قربان» فى الأصل مصدر ك «غفران» ، فمن أفرد، حمل على الأصل، ومن جمع، اعتبر اللفظ، لأنه صار اسماً، وخرج عن المصدرية، كقوله: لله در اليوم من لامها «4» ألا ترى أنه قال: هو بمنزلة: لله بلادك. وأما قوله: (سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) «5» ف «من» مبتدأ الاستفهام، و «يأتيه» الخبر و «يخزيه» صفة العذاب، و «العلم» معلق، مثلها في: علمت «6» من في الدار، (وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) ، «من» استفهام أيضا، و «هو كاذب» مبتدأ وخبر، في موضع خبر «من» .

_ (1) الأحقاف: 28. (2) المائدة: 27. [.....] (3) صدره: من مشرف نيط البلاط به (جمهرة أشعار العرب 332) . (4) عجز بيت لعمرو بن قميئة، وصدره: لما رأت ساتيدما استعبرت وساتيدما: جبل. (5) هود: 93. (6) في الأصل: «عملت» .

وليس «من» موصولة، لأنه معطوف على «من يأتيه» ، وهو مبتدأ وخبر، لأنها علقت «العلم» ، والموصولة لا تعلّق. وأما قوله تعالى: (قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) «1» ، «أروني» هنا منقولة من: رؤية القلب. و «شركاء» المفعول له الثالث. ويقويه: (أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) «2» . فأقام الجملة الاستفهامية مقام المفعولين. و «ألحقتم» من قوله: ألحق الحاكم الولد بأبيه، أي: حكم بذلك، والمعنى على ذلك، لأن التقدير: دلوني على هذا الذي تدعونه، وهو من باب علم القلب. وإن جعلت «أروني» من «رؤية البصر» كان «شركاء» حالاً، أي: أوجدونيهم مشركين، أي: في هذه الحال، ويكون من «رؤية العين» ، لأن الضلال قد يكون اعتقاداً فلا يحس. وإن جعلته من «رؤية البصر» جاز، لأنه أراد: عبادة الأصنام، وذلك مما يحس، فيكون (شُرَكاءُ) «3» على هذا حالاً «4» ويقوي ذلك قوله تعالى: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «5» فلم يذكر المفعول الثالث.

_ (3- 1) سبأ: 27. (2) الأحقاف: 4. (4) السياق يشعر بتكرار. (5) الأنعام: 75.

ويمكن أن يقال: إنه محذوف «أي «منا» فيكون «كذلك» حالاً. ويجوز أن يكون «كذلك» هو المفعول الثالث. وأما قوله تعالى: (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) «1» ، (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) «2» ، (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) «3» . «ما» فيه استفهام. فمما يدل على ذلك قوله تعالى: (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً) . «4» ألا ترى أن «ما» لا تخلو فيه من أن تكون استفهاماً أو موصولة. فلو كان صلة لم يخل من ذكر عائد إلى الموصول، فلما جاء (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً) «5» . فلم يذكر «هو» دل على أنه استفهام وليس بوصل. فأما قوله تعالى: (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) «6» تكون الموصولة، والعائد قد حذف من اسم الفاعل، كما يحذف من الفعل، وحذفه من اسم الفاعل لا يكثر كثرة حذفه من الفعل. ولو جعلت «ما» استفهاماً معناه الرفع، والوضع: مما يقتضيه، يريد: أن ما/ يقتضيه ليس في شيء، لأنك إنما تقتضي في العاجلة. ولو جعلت موضع «ما» نصبا ب «قاض» لكان قولا.

_ (1) هود: 39. (2) الأنعام: 135. (3) السجدة: 17. (4) الجن: 24. (5) الجن: 24. (6) طه: 72. [.....]

وأما قوله تعالى: (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) «1» فنقول: من قال «يرون» يحتمل رؤية العين، ورؤية القلب، فمن قال: هو من رؤية القلب، ففي المعنى يتعدى إلى مفعولين، فإذا جعلتها المتعدية إلى مفعولين سد مسدهما. وأن تكون من رؤية العين أولى لأنهم يستنظرون في مشاهدة ذلك، والإعراض عنه، وترك الاعتبار به، وهذا أبلغ في هذا الباب من المتعدية إلى مفعولين ألا ترى أن تارك الاستدلال أعذر من المنصرف عما يشاهد. ومن قرأ (أَوَلا يَرَوْنَ) فبنى الفعل للمفعول به، كان «أنّ» فى موضع نصب «أنه» مفعول الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد، وذلك أنك تقول: رأى عمرو كذا وتقول: أرأيت عمراً كذا، فيتعدى إلى مفعولين بالنقل، فإذا بنيت الفعل للمفعول به تعدى إلى مفعول واحد، كالدرهم، في قولك: أعطى زيد درهماً. ولا يكون «يرون» هنا كالتي في قولك: أرى زيداً منطلقاً، لأن المعنى: ليس على: يظنون أنهم يفتنون في كل عام إنما المعنى: على أنهم يشاهدون ذلك ويعلمونه علم مشاهدة. وليس المعنى: أنهم يظنون الفتنة في كل عام لأن الظن في الفتنة ليس بموضع اعتبار، وإنما فزعوا على ترك الاعتبار بالمشاهدة، وأنهم مع ذلك لا يتوبون ولا يذكرون فيعتبروا ويتنبهوا على ما يلزمهم الانتهاء والإقلاع عنه.

_ (1) التوبة: 126.

فهذا وجه قراءة من ضم «الياء» أن قرئ به. قوله تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) «1» دخلت اللام في «إبراهيم» على حد دخولها في: (رَدِفَ لَكُمْ) . ألا ترى أن «بوأ» يتعدى إلى مفعولين، قال: (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) «2» . وقال: (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) «3» . فيجوز أن يكون «المبوأ» المفعول الثاني، كما أن (مَكانَ الْبَيْتِ) كذلك، كل واحد منهما يجوز أن يكون ظرفاً، و «أن» من قوله: (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) «4» . يجوز أن يكون/ بمعنى «أي» ، لأن ما قبلها كلام تام، ويجوز أن تكون الناصبة للفعل، وصلت بالنهي كما توصل بالأمر. ويجوز أن يكون تقديره لإبراهيم، أي: لمكان إبراهيم، أي: مكان دعوته، وهو قوله: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) «5» . وأما قوله: (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما) «6» ، فكالتي في قوله: (رَدِفَ لَكُمْ) «7» ، والمفعول الأول كعلامة الضمير في قوله: (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) «8» .

_ (1) الحج: 2. (2) العنكبوت: 58. (3) يونس: 93. (4) الحج: 26. (5) إبراهيم: 37. (6) يونس: 87. (7) النمل: 72. (8) العنكبوت: 58.

ألا ترى أن المطاوع من الأفعال على ضربين: أحدهما: لا يتعدى، نحو: انشوى، وانتأى، فى مطاوع: شويته، ونأيته. والآخر: أن يتعدى كما تعدى ما هو مطاوع له، وذلك نحو: تعلقته، وتقطّعته، ف «تعلقته» يتعدى كما تعدى «علقته» ، وليس فيه أن ينقص مفعول المطاوع عما كان يتعدى إليه ما هو مطاوع له. فإذا كان كذلك، كان «اللام» على الحد الذي ذكرنا. ويقوي ذلك قوله تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) «1» . فدخلت «اللام» على غير المطاوع في قوله: (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما) . «2» فأما قوله: (مَكانَ الْبَيْتِ) «3» ، فيحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون ظرفاً. والآخر: أن يكون مفعولاً ثانياً. فأما الظرف: فيدل عليه قول ابن هرمة: وبوئت في صميم معشرها ... وتم في قومها مبوؤها «4» فكما أن قوله «في صميم معشرها» ظرف، كذلك يكون (مَكانَ الْبَيْتِ) . والمفعول الثاني الذي ذكر في قوله تعالى: (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) «5» لم يذكره في هذه، لأن الفعل من باب «أعطيت» ، فيجوز ألا يذكر، ويقتصر على الأول.

_ (3- 1) الحج: 26. (2) يونس: 87. (4) يريد: نزلت من الكرم في صميم النسب. (5) العنكبوت: 58.

ويجوز أن يكون «مكان البيت» مفعولاً ثانياً. وكذلك قوله: (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) «1» فيجوز أن يكون: مكاناً مثل مكان البيت، والمفعول الثاني فيه محذوف، وهو: القرية، التي ذكرت في قوله: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها) «2» . ويجوز أن يكون مصدراً، أي: تبوأ صدق. ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً من وجهين: أحدهما: أن/ تجعله اسماً غير ظرف. والآخر: أن تجعله اسماً بعد أن استعملته ظرفاً، كما قال: ... وسطها قد تفلقا «3» وفي التنزيل: (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) «4» . ويجوز فيه وجه ثالث: وهو أن يمتنع، فيقرر نصبه، بأن كان مصدراً انتصب انتصاب المفعول به. وقوله: (وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) «5» فتقديره: بوأكم في الأرض منازل، أو بلاداً، وانتصاب قوله: (بُيُوتاً) «6» على أنه مفعول به، وليست بظرف لاختصاصها بالبيوت.

_ (1) يونس: 93. [.....] (2) البقرة: 58. (3) جزء من بيت للفرزدق، والبيت بتمامه: أتته بمجموش كأن جبينه ... صلاية ورس وسطها قد تفلقا (الديوان: 596) . (4) آل عمران: 163. (6- 5) الأعراف: 74.

كال «غرف» في قوله: (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) «1» . فأما قوله: (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) «2» ، فيجوز في قياس قول أبي الحسن أن يكون قوله «من الجنة» كقولك: نتبوأ الجنة فأما قوله: (حَيْثُ نَشاءُ) فيحتمل أن يكون ظرفاً. فإذا جعلته ظرفاً، كان المفعول الثاني محذوفاً، كأنه: نتبوأ الجنة منازلها حيث نشاء. ويجوز أن يكون «حيث نشاء» في موضع نصب، بأنه المفعول الثاني و «بوأته منزلاً» من قولك: باء فلان منزلاً، أي: لزمه، وتعديه إلى مفعولين، وإن كنا لا نرى ذلك، ولكن يدل على ذلك «المباءة» وقالوا في «المباءة» هي المراح تبيت فيه، ف «المباءة» اسم المكان. فإذا كان اسم المكان: مفعلاً، أو مفعلة، فالفعل منه قد يكون: فعل، يفعل، أو يفعل فكأنه: باء المنزل، وبوأته أنا المنزل. ومن حذف المفعول قوله تعالى: (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا) «3» أي: فإن أعطوا شيئاً منها رضوا. وعند الأخفش: إن أعطوها رضوا ومن ذلك قوله تعالى: (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ) «4» . تقديره: أسكنت ناساً أو جماعة من ذريتي. وعن الأخفش، أسكنت ذريتى.

_ (1) العنكبوت: 58. (2) الزمر: 74. (3) التوبة: 58. (4) إبراهيم: 37.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) «1» أي: أخفى سره، كقوله: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) «2» وقيل: بل تقديره: بل أخفى من السر، فحذف الجار والمجرور، كقوله: الله أكبر، أي: أكبر من كل شيء. ومن حذف المفعول قوله تعالى: (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا) «3» . وقيل: / التقدير: أتقولون للحق لما جاءكم هذا سحر؟ فحذف الجملة، ثم ابتدأ، فقال: أسحر هذا؟ فحسن الوقف على «جاءكم» . وقيل: هو على التكرير، كقولك: أتقول: أعندك مال؟ فيكون تأكيداً، لأنك لو قلت: أعندك مال؟ لكفى. وقيل: يجوز أن يكون حكاية قولهم على التعجب، فيكون قوله «أسحر هذا» مفعول «أتقولون» حكاية بينهم على التعجب. وزعم الرازي: (لَمَّا جاءَكُمْ) كأنه ذهب إلى قول قاسم: إن التقدير: أتقولون للحق لما جاءكم هذا سحر! فأضمر المفعول، ثم استأنف فقال: (أَسِحْرٌ هذا) «4» . ومن حذف المفعول، قوله تعالى: (أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) «5»

_ (1) طه: 7. (2) الجن: 26. (4- 3) يونس: 77. (5) المطففين: 3.

التقدير: أو وزنوا لهم ما يوزن يخسرونهم الموزون، فحذف المفعول من «أو وزنوهم» والمفعولين من «يخسرون» . فأما قوله تعالى: (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) «1» ف «من» زيادة عند الأخفش، أي: لننزعن كل شيعة، والفعل معلق عند يونس، نحو: علمت لزيد في الدار، لأن النزع هذا يراد به التمييز. وقال الخليل: هو رفع على الحكاية، على تقدير: من يقال له: أيهم. وقال سيبويه: هو نصب، مفعول «لننزعن» لكنه بني على الضم، على تقدير: أيهم هو أشد. وقد ذكرنا وجه كل قول في الخلاف. وأما قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) «2» فيكون على: تبوءوا دار الهجرة واعتقدوا الإيمان، لأن الإيمان ليس بمكان فيتبوأ، فيكون كقوله: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) «3» . ويجوز على: تبوءوا الدار مواضع الإيمان. ويجوز أن يكون: تبوءوا الإيمان، على طريق المثل، كما قال: تبوأ من بني فلان الصميم. وحذف المفعول كثير جداً. وأما قوله تعالى: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) «4» .

_ (1) مريم: 69. (2) الحشر: 9. [.....] (3) يونس: 71. (4) الرعد: 14.

فيجوز أن يكون التقدير: والذين تدعونهم، فحذف العائد إلى «الذين» ، ويعني به الأصنام، والضمير في «تدعون» للمشركين، أي: الأصنام الذين يدعوهم المشركون من دون الله، لا تستجيب لهم الأصنام بشيء. ويجوز أن يكون التقدير: والمشركون الذين يدعون الأصنام، فحذف المفعول، والعائد إلى «الذين» «الواو» في تدعون. [وأما قوله تعالى] «1» (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ) «2» [أي] «3» : إلا كاستجابة باسط كفيه إلى الماء، فالمصدر المحذوف المشبه به في تقدير الإضافة إلى المفعول به، وفاعل المصدر مراد في المعنى، وهو: الماء. المعنى: كاستجابة باسط كفيه إلى الماء الماء، كما أن معنى: (بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) «4» ، و (مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) «5» ، لم يذكر معهما الفاعل فكذلك هاهنا. و «اللام» متعلق بالبسط. وأما قوله: (وَما هُوَ بِبالِغِهِ) «6» فيأتيك في اختلافهم في عود الضمير إلى ما قبله، وهو باب مفرد. وأما قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ) «7» فيجوز فيه التقديران المتقدمان. يجوز: أولئك الذين يدعونهم يبتغون، فحذف العائد. ويجوز أن يكون التقدير: أولئك المشركون الذين يدعون غير الله يبتغون إلى ربهم الوسيلة. وحذف العائد من الصلة إلى الموصول أكثر من أن أحصيه لك في التنزيل.

_ (3- 1) تكملة يقتضيها السياق. (6- 2) الرعد: 14. (4) ص: 24. (5) فصلت: 49. (7) الإسراء: 57.

قال: (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا) «1» أي: بعثه الله، ولم يأت في الصلة «الهاء» فى التنزيل إلا في مواضع معدودة، منها: قوله تعالى: (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ) «2» وبعده: (يَعْرِفُونَهُ) «3» في موضعين من البقرة. وقال الله تعالى: (إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ) «4» . وقال: (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) «5» في سورة الأنعام. وقال: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ) «6» . وقال: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) «7» . وقال: (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ) «8» . وقال: (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) «9» من ربك وقال: (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) «10» في الأنعام أيضاً. وقال: (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) «11» فهذه مواضع، جاء فيها العوائد إلى الموصولات، وهي مفعولات، وأمكن حصرها، ولا يمكن حصر ما حذف لكثرته.

_ (1) الفرقان: 41. (2) البقرة: 121. (3) البقرة: 146. (4) البقرة: 275. (5) الأنعام: 20. (6) الأنعام: 71. (7) الأعراف: 175. [.....] (8) الأنعام: 114. (9) الرعد: 36. (10) الأنعام: 89. (11) العنكبوت: 47.

فأمّا إذا اتصل به الجار، فإنه قد جاء محذوفاً في موضعين: أحدهما قوله: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) «1» أي: خاضوا فيه. وقال: (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ) «2» / التقدير: ذلك الذي يبشر الله به، فحذف «الباء» ثم «الهاء» . ويحكى عن يونس أنه أجرى «الذي» في الآيتين مجرى «ما» ، فجعله في حكم المصدر، على تقدير: وخضتم كخوضهم، و: ذلك تبشير الله عباده. كقوله تعالى: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) «3» أي: بصبركم. وقال: (كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) «4» أي: نسيانهم. وغير ذلك. وأما قوله: (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ، «5» و (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) «6» . فقد ذكرنا أن التقدير: بما تؤمر به أي، بما تؤمر بالصدع به. وقد شرحناه في باب حذف المضاف. وقوله تعالى: (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) «7» أي: بما عهد به عندك، فحذف «به» إن جعلت «ما» موصولة. ومن ذلك قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ) «8» .

_ (1) التوبة: 69. (2) الشورى: 23. (3) الرعد: 24. (4) الأعراف: 51. (5) الحجر: 94. (6) الصافات: 102. (7) الأعراف: 134. (8) النجم: 26.

المعنى: لا تغني شفاعتهم أن لو يشفعوا، ليس أن هناك شفاعة مثبتة. فأطلق على المعنى الاسم، وإن لم يحذف، كما قال: لما تذكرت بالديرين أرقني ... صوت الدجاج وقرع بالنواقيس «1» والمعنى، انتظار أصواتها. فأوقع عليه الاسم، ولما يكن، فإضافة الشفاعة إليهم كإضافة الصوت إليها. وقوله: (لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) «2» أي: لمن يشاء شفاعته، على إضافة المصدر إلى المفعول به، الذي هو مشفوع له، ثم حذف المضاف، فصار: لمن يشاؤه، أي: يشاء شفاعته، ثم حذف الهاء «3» ، كما أن «يرضى» تقديره: يرضاه. ومن ذلك قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) «4» . «أفرأيتم» بمنزلة «أخبرونى» . و «اللات» المفعول الأول. و «لكم» سد مسد الثاني. والمعنى: أرأيتم أن جعلتم اللات والعزى بناتاً لله ألكم الذكر؟ فإن قلت: فقد نص على أن الموصول لا يحذف، فكيف ساغ هذا؟ قيل: هذا جائز لأن هذا المعنى قد تكرر، وهو معلوم، ودل على حذفه (أَلَكُمُ الذَّكَرُ) «5» .

_ (1) البيت لجرير بن عطية بن الخطفي. (2) النجم: 26. [.....] (3) في الأصل: «ثم حذف الياء» . (4) النجم: 19. (5) النجم: 21.

ومن ذلك قوله: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً) «1» أي: جعلها الله لكم قياما، أي: ذا قوام معايشكم ومعايش سفهائكم. فعلى هذا «جعل» بمعنى «صير» ، فحذف المفعول الأول، وهو الهاء، والمفعول الثاني المصدر الذي هو بمعنى: القوام. وقيل: يعني الأموال التي جعلتم قواماً عليها وحفظة لها على السفهاء. فعلى هذا «قياماً» جمع «قائم» . وهو في معنى الحال، والمفعول مضمر، أي: جعلها لكم قياماً على هذا، أي: لسفهائكم، كما أن «أموالكم» في أحد التأويلين: أموال سفهائكم، فحذف، والذكر إلى الموصول كان مجرورا ب «على» ، فحذف كما حذف: كالذي كانوا عليه، أي: جعلكم الله قواما لسفهائكم قياما عليها. قوله تعالى: (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) «2» ، «في السماء» أي: في كتاب، لقوله: (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) «3» ، و (وَما تُوعَدُونَ) أي: توعدونه من الثواب والعقاب، لأن هذا اللفظ قد وقع عليهما بالثواب قوله: (هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ) و (هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ) «4» . قوله: (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) «5» ، «فجر» فعل يتعدى إلى مفعول واحد. قال الله: (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) «6» فالعيون يحتمل انتصابها على وجهين: أحدهما: أن يكون بدلاً من «الأرض» ، على حد: ضرب زيد رأسه، لأن «العيون» بعض «الأرض» .

_ (1) النساء: 5. (2) الذاريات: 22. (3) الرعد: 39. (4) ق: 32. (5) القمر: 12. (6) الكهف: 33.

أو يريد «1» : فجرناها بعيون، فحذف الجار، ولا يكون حالاً، لأنه ينبغي أن يكون ذا الحال، «والعيون» لا تكون كل الأرض. ويجوز أن يقدر: ذات عيون، على حذف المضاف. ومن هذا الباب قوله تعالى: (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) «2» . أي: يسقون مواشيهم. (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) «3» . أي: تذودان مواشيهم. (قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي) «4» . أي: لا نسقي مواشينا (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) «5» . أي: يصدروا مواشيهم، فيمن ضم الياء. ومن هذا الباب قوله تعالى: (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) «6» . «فتنة» مفعول ثان، و «الشّجرة» معطوفة على «الرؤيا» . ومفعولها الثاني مكتفى منه بالمفعول الثاني الذي هو «الفتنة» ، و «الرؤيا» ليلة الإسراء، و «الشجرة» : الزقوم. و «الفتنة» أنهم قالوا: كيف يكون في النار شجرة، والنار تأكل الشجرة. ومن ذلك قوله تعالى: (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) «7» . يحتمل أمرين: أحدهما: يكون: مكاناً فوق الأعناق، فحذف المفعول/ وأقيمت الصفة مقام الموصوف، وفيها ذكر منه. ويجوز أن يجعل المفعول محذوفاً. أي: فاضربوا فوق الأعناق الرؤوس، فحذفت.

_ (1) هذا هو ثاني الوجهين. (2) القصص: 23. (3) القصص: 23. (5- 4) القصص: 23. (6) الإسراء: 60. [.....] (7) الأنفال: 12.

والآخر: أن تجعل «فوق» مفعولاً على السعة، لأنه قد جاء اسماً نحو: (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) «1» . وقالوا: فوقك رأسك، فتجعل «فوق» على هذا مفعولاً به، ويقوي ذلك عطف البيان عليه، كأنه قال: اضربوا الرأس، واضربوا كل بنان. وقال: (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) «2» ، كأن المعنى: ارتفعن على هذه العدة، أي: زدن عليها، وكأن الآية علم منها الزائدات على اثنتين، وعلم حكم الاثنتين، وأنهما ترثان الثلثين، كما ترث الثلثين الزائدات على الاثنتين، من أمر آخر من توقيف وإجماع عنه. وأما قوله تعالى: (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) «3» ، يكون «فوق» ظرفاً، ويكون حالاً، فإذا كان ظرفاً كان كقوله: (وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) «4» ، ويعلق بالظاهر. ويجوز أن يكون ظرفاً حالاً فيه ذكر مما في اسم الفاعل، ولا يجوز أن يكون فيه ذكر من الألف واللام. ويجوز في (على أمره) أن يكون حالا مما فى «غالب» .

_ (1) الأعراف: 41. (2) النساء: 11. (3) الأنعام: 18. (4) يوسف: 21.

قال سيبويه: وتقول: «أخذتنا بالجود» . قوله: امتنع «فوق» من الحمل على «الباء» وإن كانت «من» تدخل عليها، كما امتنعت «عند» من ذلك، أي: من مع ذلك، ولهذا امتنعت، لا لأن «الجود» ليس فوقه مطر، ألا ترى أن «الوابل» فوق الجود، قال: إن دوموا جادوا وإن جادوا وبل «1» ومعنى هذا الكلام: أخذتنا السماء بالجود من المطر، وبمطر فوق الجود. لأن العرب لا تكاد تدخل «الباء» على «فوق» لا يقولون: أخذتنا بفوق الجود. وإنما يقولون: أخذتنا بمطر فوق الجود، ولو جررت جاز، وليس الاختيار. ومن ذلك قوله تعالى: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) «2» . أي: كيف تتقون عذاب يوم، أو جزاء يوم، ف «اليوم» على هذا اسم لا ظرف. ومن هذا الباب قوله تعالى: (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) «3» . من أجرى الطعام مجرى الإطعام، كما حكاه البغداديون: عجبت من طعامك طعامنا، كان المصدر مضافاً إلى المفعول/ والفاعل محذوف، أي: من إطعامه المسكين، وأصله: على طعام المطعم المسكين.

_ (1) صدره: هو الجواد ابن الجواد ابن سبل (اللسان: دوم) . (2) المزمل: 17. (3) الماعون: 3.

ومن لم يعمل «الطعام» عمل الفعل كان «الطعام» عنده عيناً كقوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) «1» تقديره عنده: على إطعام طعام المسكين، لا يكون إلا كذلك، لأن الحض لا يقع على العين، والطعام على هذا منصوب الموضع، بالإطعام المراد، وإضافة الطعام على هذا إلى المسكين، هو للملابسة بينهما. ومن ذلك قوله تعالى: (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ) «2» . التقدير: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب بنيه. ومن حذف المفعول قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) «3» أي: غير باغ الميتة قصداً إليها، أي: لا يطلبها تلذذاً بها، واقتضاءا لشهوة، ولا يعدو حد ما يسد به رمقه، فحذف المفعولين من «باغ» و «عاد» . والتقدير: فمن اضطر فأكل الميتة غير باغيها ولا طالبها تلذذاً بها فانتصاب قوله «غير باغ» على الحال من الضمير الذي في «أكل» المضمر، لدلالة الكلام عليه. ألا ترى أن المنصوب يقتضي الناصب. وفي الآية إضمار الجملة، وإضمار المفعولين. فإن قلت: فلم لا تجعل «غير باغ» حالاً من الضمير في «اضطر» دون الضمير في «أكل» ؟ فإن الآية سيقت في تحريم أكل الميتة. ألا ترى أن قبل الآية: (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) «4» ثم عقب التحريم بقوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ) ، فوجب أن يكون التقدير: فأكل غير باغ بها.

_ (1) الإنسان: 8. (2) البقرة: 132. (4- 3) البقرة: 173.

وإذا لم تحمله على «أكل» ، وحملته على «اضطرّ» ، لم يكن لقوله «باغ» مفعول، و «باغ» متعد. ألا ترى قوله: (تَبْغُونَها عِوَجاً) «1» والتقدير: تبغون لها عوجاً. فإن قيل: لا يكون «باغ» هاهنا بمعنى: الطالب، وإنما يكون من قوله: (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ) «2» . فيكون التقدير في الآية: فمن اضطر غير باغ على الإمام، ولا عاد على الأمة بقطع الطريق. قلنا: أنك في هذا القول أضمرت الجار والمجرور، ونحن أضمرنا المفعول، وكلاهما وإن جاء في التنزيل، فإضمار المفعول أحسن، لأنه أقرب وأقل إضماراً، على أن الآية في ذكر الميتة، وليس من ذكر الإمام والأمة في شيء. وأبداً إنما يليق الإضمار بما تقدم في/ الكلام حتى يعود إليه، ولا يضمر شيء لم يجر ذكره، والآية متعلقة به، فجميع ما جاء في التنزيل من قوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) «3» إنما جاء عقيب ذكر الميتة، وتحريم أكلها، ولم يأت في موضع بعد حديث الإمام والأمة، فما بال العدول عن نسق الآية إلى إدخال شيء في الكلام، وإضماره، ولم يجر له ذكر، فانتصاب «غير» إنما هو على الحال من الضمير في «أكل» لا فى «اضطرّ» .

_ (1) آل عمران: 99. (2) القصص: 76. (3) البقرة: 173. [.....]

فإن قلت: فهل يجوز حذف الصلة، وإبقاء الموصول، والصلة بعض الموصول، ولا يجوز حذف بعض الاسم، فإذا أضمرتم «أكل» فهو داخل في صلة «من» ، فما وجه ذلك؟ قلنا: إن «من» وصلت بفعلين: أحدهما «اضطر» والآخر «أكل» ، فإذا ذكر «اضطر» وذكر ما انتصب عن فاعل «أكل» كان «أكل» كالمذكور الثابت في اللفظ، إذ المنصوب لا بد له من الناصب. وإذا ذكرت «اضطر» وجعلت «غير باغ» حالاً من الضمير فيه، ثم أضمرت بعده «أكل» كنت أضمرت شيئاً يستغنى عنه في الصلة لأن الموصول قد تم بالفعل وما يقتضيه، ولم تذكر معمولاً يحتاج إلى عامل، وكنت كأنك أضمرت شيئاً فاضلاً. فالأحسن أن تضمر الفعل بجنب الفعل، ويصرف الحال إلى الضمير في الفعل المضمر دون الفعل الظاهر، وإضمار «أكل» على الحد الذي أضمرنا يقتضيه نصب «غير باغ» وتعليق الغفران به. وعلى الحد الذي يقوله السائل، يضمره لتعلق الغفران به، دون تعليق الحال به. وهكذا القول [في] «1» : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) «2» فأكل غير متجانف لإثم.

_ (1) تكملة يقتضيها السياق. (2) المائدة: 3.

فانتصاب «غير» إنما هو من فاعل «أكل» وفيه قولان: أحدهما: أن يأكل ما حرم عليه مما قدم ذكره من غير ضرورة. والثاني: ألا يتجاوز في الضرورة ما أمسك الرمق، ولا ينتهي إلى حد الشبع. ويجوز، على القول الأول، أن ينتهي إلى حد الشبع. فإن قيل: إذا كان هذا الأكل مباحاً فلماذا «1» عقبه قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) «2» ولا معصية هناك؟ فجوابنا: أن المراد به أنه غفور إن وقع في هذه/ الرّخصة ضرب من التجاوز، لأن ذلك مبنىّ على الاجتهاد وأنه رحيم من حيث رخص في ذلك عند الشدة. ومن ذلك قوله تعالى: (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) «3» أي: ما أكله السبع، أي: أكل بعضه، فحذف المضاف المفعول. ومن ذلك قوله تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) «4» . أي: والسموات غير السموات. ومثله ما روى من قوله عليه السلام: «ألا لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده» أي: ولا ذو عهد في عهده بكافر. ونحو ذلك مما يذكر على تكرير المفعول فيه، وحذفه لتقدم ذكره فيما تقدم من الكلام. ومن حذف الفاعل وإضافة المصدر إلى المفعول قوله تعالى: (يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ) «5» أي: كخشيتهم من الله. وقوله: (يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) «6» .

_ (1) في الأصل: «فلم ذا» . (2) المائدة: 3. (3) المائدة: 3. (4) إبراهيم: 48. (5) النساء: 77. (6) البقرة: 74.

وأما قوله: (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) «1» ، ف «الساعة» مفعول به حقيقة، وليس على الاتساع، وجعل الظرف مفعولاً على السعة. ألا ترى أن الظرف إذا جعل مفعولاً على السعة فمعناه: متسعاً فيه، بمعنى الظرف. وإذا كان كذلك كان المعنى: يعلم الساعة، وليس ذلك بالسهل، لأنه سبحانه يعلم على كل حال، وإنما معنى «يعلم الساعة» أي: يعرفها وهي حق، وليس أمرها على ما أنتم عليه من إنكارها، من قوله: (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) «2» . وإذا كان كذلك فمن نصب «وقيله» «3» كان حملاً له على المعنى، وموضع «الساعة» منصوب في المعنى، لأنه مفعول بها. وقيل: إن «قيله» منتصب بالعطف على قوله: (لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) «4» ، «وقيله» . قال أبو علي: ووجه الجر في قوله «وقيله» على قوله: (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) «5» أي: يعلم الساعة، ويصدق بها، ويعلم قيله «6» . ومعنى يعلم «قيله» أي: يعلم أن الدعاء مندوب إليه، نحو قوله: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) «7» . و (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) «8» .

_ (5- 1) الزخرف: 85. (2) سبأ: 3. (3) الزخرف: 88. (4) الزخرف: 80. (7) غافر: 60. (6) ساق المؤلف وجه المعنى على الجر ولم يسق وجه اللفظ. فمن جر جعل «وقيله» عطف على الساعة، وعلى أنها أمر القسم والجواب محذوف، أي: لينصرن، أو لأفعلن بهم ما أشاء. (البحر 8: 30) . [.....] (8) الأعراف: 55.

قلت: في قول أبي علي هذا فيه نظر، لأن الضمير في قوله: (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) «1» يعود إلى الله سبحانه، هو العالم بوقت حلولها. وإنما التقدير: وعنده علم وقت الساعة، ولا يتوجه على هذا عطف «وقيله» على موضع «الساعة» / على معنى ما قال أبو علي «ويعلم قيله» . أي: يعلم أن الدعاء مندوب إليه، لأن هذا مما الأشبه به أن يكون من صفة الرسول، وبعد أن يعلم أن المصدر، الذي هو «قيل» ، مضاف إلى «الهاء» ، وهي مفعولة في المعنى لا فاعلة، أي، وعنده علم أن يقال: (يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) «2» والمصدر هنا مضاف إلى المفعول لا إلى الفاعل. وإنما هو من باب قوله: (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) «3» أي: بسؤاله إياك نعجتك، لا بد من هذا التقدير. ألا ترى أنه لا يجوز أن نقدره على أنه: وعنده علم أن يقول الله: (يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) «4» لأن هذا إنما يقال لله تعالى دون أن يكون هو سبحانه يقول: «يا رب إن هؤلاء» كذا، فتم الكلام على «يؤمنون» . وأحسن من جميع ما ذكره أبو علي: أن يكون نصب «قيل» ، بالعطف على مفعول «يعلمون» . والتقدير: وهم يعلمون الحق، «وقيله» أي قول الحق، أو قول محمد عليه السلام، والمراد ب «قيله» : شكواه إلى ربه. ويجوز أن يكون ينتصب «قيله» بفعل مضمر، أي: قال قيله وشكواه.

_ (1) الزخرف: 85. (4- 2) الزخرف: 88. (3) ص: 24.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى) «1» . أي: أخذ ربك القرى، إذا أخذ القرى، إن أخذه القرى أليم شديد، فحذف المفعولين في الموضعين. ومن ذلك قوله تعالى: (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) «2» ، إذا جعلته من «الإحباب» الذي هو إرادة، فإن الحب في القياس كان ينبغي أن يكون الإحباب، ولكن المصدر حذف منه، كما حذف من: عمرك الله، وكما حذف في قوله: ... وإن يهلك فذلك كان قدري أي: بقدري. وكما قال: أبغضت قوماً، يريد: قياماً. وأضاف المصدر إلى المفعول، وإن كان محذوفاً، كما نصب الاسم في «عمرك الله» وأضافه إلى المفعول، وإن كان محذوفاً منه، وكما قال: وبعد عطائك المائة الرتاعا «3» أي: «إعطائك» ، واستغنى بإضافة المصدر إلى المفعول عن إعمال الفعل الذي هو «أحببت فيه» . لأن المفعول قد يحذف من الكلام، إذا قامت عليه دلالة في مواضع، ومن حمل «أحببت» على البروك، من قوله: بعير السّوء إذ أحبا «4» فإن «حب الخير» ينبغي أن ينتصب على أنه مفعول له.

_ (1) هود: 102. (2) ص: 32. (3) عجز بيت للقطامي، صدره: أكفرا بعد رد الموت عني (4) جزء من بيت لأبي محمد الفقعسي، والبيت: حلت عليه بالقفيل ضربا ... ضرب بعير السوء إذ أحبا القفيل: السوط. ومعنى الآية على هذا: لصقت بالأرض لحب الخيل حتى فاتتني الصلاة.

قوله تعالى/: (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً) «1» . فانتصاب «مكان» على أحد أمرين: إما أن تنصبه «بموعد» على: موعد مكاناً. أي: تعدنا مكاناً، مثل: مغار ابن همام على حي خثعما «2» والآخر: أن يكون مفعولا ثانيا ل «جعلت» ، على أن يكون على الكلام قبل دخول «جعل» : موعدك مكاناً سوى، كما تقول: موعدك باب الأمير، وكما قرئ: (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) «3» ، فيجعل «الموعد» الباب، و «اليوم» المكان على الاتساع، وتدخل «جعلت» عليه كما دخلت في قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) «4» . وأن تحمله على» جعلت «أوجه، لأن «الموعد» قد وصف، وإذا وصف لم يسغ أن يعمل عمل الفعل. ألا ترى أنه لم يستحسن: هذا ضارب ظريف زيداً، ولا يكون (مَكاناً سُوىً) محمولاً «5» على «نخلفه» لأنه ليس المعنى: لا نخلف الموعد في مكان عدل ووسط بيننا وبينكم، إنما المعنى: تواعدوا مكانا وسطا بيننا لنحضره جميعا.

_ (1) طه: 58. (2) عجز بيت لحميد بن ثور، صدره: وما هي إلا في إزار وعلقة (3) طه: 59. (4) الزخرف: 19. (5) في الأصل: «محمول» . تحريف.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) «1» ، العامل في «اللام» المصدر الذي هو «العلم» ، ونحمله على ضربين: أحدهما: أن يكون مفعولاً له. والآخر: أن يكون مثل: (رَدِفَ لَكُمْ) » . والمعنى أنه يعلم ما علمناه، أي: لم ينسه، ولكن تمسك به فلم يضيعه. وقال: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) «3» ، لا يجوز أن يكون «ما» نفياً. ألا ترى أن من نابذهم أصحاب الكهف وخرجوا عنهم كانوا كفاراً فإذا حملت «ما» على النفي كان عكس المعنى، فإذا لم يجز أن يكون «ما» نفياً مع القراءة بالياء، احتمل وجهين: أحدهما: أن يكون بمعنى «الذي» ، كأنه: وإذ اعتزلتموهم والذين يعبدونه من دون الله، وذلك آلهة كانوا اتخذوها. يدلك على ذلك قوله: (هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) «4» . ويقوي ذلك قوله تعالى: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) «5» في قصة إبراهيم، وكانوا قد اتخذوا أيضاً آلهة. ويجوز أن تكون «ما» مصدرية/ على تقدير: وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم إلا عبادة الله، فيكون الاستثناء منقطعا والمضاف محذوفا، و «ما» منصوب المحل بالعطف على المفعول.

_ (1) يوسف: 68. [.....] (2) النمل: 72. (3) الكهف: 16. (4) الكهف: 15. (5) مريم: 48.

ومن حذف المفعول قوله تعالى: (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ) «1» . أي: فلما آتاهم ما تمنوا. ومثله: (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) «2» أي: لمن نريد تعجيله له، و «الهاء» في «تعجيله» يعود إلى «ما نشاء» ، والتي في «له» تعود إلى الموصول. وليس هذا على حد: الذي مررت زيد، وأنت تريد: الذي مررت به، فيمكن أن يكون على حد: من تنزل عليه أنزل. ألا ترى أن «اللام» الجارة والتعجيل قد جرى ذكرهما، وما حذف على هذا النحو كان في حكم المثبت، فأما اللام في «لمن نريد» فيحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون المعنى: هذا التعجيل «لمن نريد» ليس لكل أحد، كقوله تعالى: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) . «3» أي: هذه التوسعة لمن اتقى ما أمر أن يتقيه. والآخر: أن يكون بدلاً من «اللام» الأولى التي في قوله: (عَجَّلْنا لَهُ) «4» ، كأنه: عجلنا لمن نريد ما نشاء، فيكون «ما نشاء» منتصبا ب «عجّلنا» . ومن حذف المفعول قوله تعالى: (وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) . «5» أي: ووهبنا لهم من ذرياتهم فرقاً مهتدين، لأن الاجتباء يقع على من كان مهتديا.

_ (1) التوبة: 76. (4- 2) الإسراء: 18. (3) البقرة: 203. (5) الأنعام: 87.

وأما قوله تعالى: (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) «1» الضمير الذي بعد الضمير المرفوع في «كالوا» منصوب، وليس بمرفوع على أن يكون وصفاً للمضمر، لأن المعنى ليس عليه. وذلك أن المراد: أنهم إذا قبضوا من الناس استوفوا منهم المكيال، وإذا دفعوا إليهم بخسوهم، فمن هنا استحقوا الوعيد في التطفيف، وإنما هو على: «كلتك» و «وزنتك» . فالمعنى: إذا قبضوا من الناس استوفوا، وإذا أقبضوا الناس لم يوفوهم، فهذا موضع ذمهم، والمكان الذي استحقوا منه الوعيد. والتقدير: وإذا كالوا الناس أو وزنوهم، أخسروهم مكيلهم وموزونهم فيخسرون، يراد تعديته إلى مفعولين/، وحذف المفعولين، يدلك على ذلك، أن «خسر» يتعدى إلى مفعول، بدلالة قوله تعالى: (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) «2» فإذا نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعولين، تقول: أخسرت زيداً ماله، فتعديه إلى مفعولين، وهو من باب «أعطيت» ، فكذلك أريد المفعولان في قوله: (يُخْسِرُونَ) ، فحذف المفعولان، كما حذف فيما يتعدى إلى مفعولين، الثاني منه هو الأول في المعنى، كقوله: (كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) «3» وقوله: (فَهُوَ يَرى) «4» .

_ (1) المطففين: 3. (2) الحج: 11. (3) القصص: 62. (4) النجم: 35.

ومن حذف المفعول قوله: (بِما حَفِظَ اللَّهُ) «1» . أي: بما حفظهن الله. وقد قرئ بالنصب. قال الفراء: وتقدير هذا: بالذي حفظ أمر الله، نحو قوله: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) «2» . وقوله: (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) «3» . ولست أشتهي النصب، لأنه مصدر، وليس يقصد شيئاً، فأما إذا كان مصدراً، خلا الفعل من الفاعل، لأنه حرف عندهم ذهبو فيه إلى قول سيبويه، ولكن إذا نصب جعل «ما» بمنزلة «الذي» . قوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) «4» . استدل مستدل على أن الحركات «ترى» لأنه لم يتعد «رأيت» إلا إلى مفعول واحد. فلولا أن معناها الرؤية، التي هي حس البصر، لتعدى إلى مفعول ثان. فالقول عندنا: إن الذي ذهب إليه في ذلك ليس له دلالة فيه، على ما ذكر، لغير شيء: أحدها: أن (سيرى) من قوله: (فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) «5» لا يراد به الحس، لأن من أعمالهم ما لا يحس بالأبصار، نحو الآراء والاعتقادات.

_ (1) النساء: 34. (2) الإسراء: 32. [.....] (3) النساء: 25. (5- 4) التوبة: 105.

ولأن المعنى في (فَسَيَرَى اللَّهُ) أنهم يجازون على أعمالهم جزاء هو ثواب أو عقاب، كما يعرف عريف الجيش من هو عليهم بحلاهم وصفاتهم. وعلى هذا تقول لمن توعد: قد علمت ما صنعت، لا تريد أن تفيده أنك فهمته، ولكن توعده وتهدده بالجزاء عليه. وكذلك قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) «1» أي: يرى الجزاء عليه، / وليس يراد به الرؤية التي هي إدراك البصر ألا ترى أن في الجزاء وفي الثواب أو العقاب ما لا يعلم بإدراك البصر. ومثله قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) «2» أي: يجازيهم عليه. وكذلك قراءة من قرأ: (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) «3» . أي: جازى على بعض، وهو إفشاء السر، الذي كان أسره- عليه السلام- إلى بعض أزواجه، وأعرض عن بعض ما أغضى عنه، ولم يخبر به. وليس المعنى على أنه عرف ذلك عرفاناً، ألا ترى أنه- عليه السلام- عرف جميع ما أسره، ولا يجوز أن يكون عرف بعضاً، ولم يعرف بعضاً. فكما أن هذه الآي على الجزاء، فكذلك (فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) «4» .

_ (1) الزلزلة: 7. (2) النساء: 63. (3) التحريم: 3. (4) التوبة: 105.

وجزاء الرسول هو دعاؤه لهم أو عليهم، وتزكيته إياهم بذلك أو لعنه لهم، وجزاء المسلمين هو الولاية أو البراءة. ومن ذلك قوله تعالى: (فَلَمَّا جاوَزا) «1» أي: مكان الحوت فحذف المفعول. قوله: (فَأَتْبَعَ سَبَباً) «2» (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) «3» ، فالقول في ذلك أن «تبع» فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعولين. يدلك على ذلك قوله تعالى: (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) «4» ، وفي أخرى: (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً) . «5» لما بني الفعل للمفعول، قام أحد المفعولين مقام الفاعل. فأما «أتبع» ، ف «افتعل» يتعدى إلى مفعول واحد، كما تعدى «فعل» إليه، مثل: شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته، وجرحته واجترحته. وفي التنزيل: (اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) «6» . وفيه: (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) «7» .

_ (1) الكهف: 62. (2) الكهف: 85. (3) الكهف: 89، 92. (4) القصص: 42. (5) هود: 99. (6) الجاثية: 21. (7) الأنعام: 60.

وكذلك: فديته وافتديته، وهذا كثير. وأما قوله تعالى: (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) «1» فتقديره: فأتبعوهم جنودهم، فحذف أحد المفعولين، كما حذف من قوله: (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) «2» ، ومن قوله: (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا) «3» . المعنى: لا يفقهون أحداً، ولينذر الناس بأساً شديداً. (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) «4» أي: عذابه أو حسابه. فقوله: (فَأَتْبَعَ سَبَباً) «5» إنما هو افتعل/ الذي للمطاوعة فيعدى إلى مفعول واحد، كقوله: (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) » (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) «7» . وأما قوله تعالى: (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً) «8» . فتقديره: أتبعهم فرعون طلبته إياهم، أو تتبعه لهم. كذلك (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) «9» . المعنى: أتبعه شهاب مبين الإحراق، أو المنع من استراق السمع. وقوله تعالى: (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) «10» . مطاوع «تبع» يتعدى إلى مفعول

_ (1) الشعراء: 60. [.....] (2) الكهف: 2. (3) الكهف: 93. (4) الأنعام: 51. (5) الكهف: 85. (6) البقرة: 102. (7) الشعراء: 111. (8) يونس: 90. (9) الحجر: 18. (10) هود: 116.

واحد ومثله. (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) «1» . ومن قرأ (فَأَتْبَعَ سَبَباً) «2» أي: أتبع سبباً سبباً، أو: أتبع أمره سبباً، أو أتبع ما هو عليه سبباً. وقوله: (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) «3» فقد يكون «الباء» زيادة، أي: أتبعهم جنوده، وقد يكون «الباء» للحال، أي: أتبعهم عقوبته، ومعه جنوده. قوله: (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ) «4» ، «هدى» فعل يتعدى إلى مفعولين، يتعدى إلى الثاني منهما بأحد حرفي الجر: إلى، واللام. فمن تعدّيه ب «إلى» قوله: (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) «5» ، (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) «6» . ومن تعدّيه ب «اللام» قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) «7» . وقوله: (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ) «8» .

_ (1) الشعراء: 111. (2) الكهف: 85. (3) طه: 78. (4) الأعراف: 186. (5) الصافات: 23. [.....] (6) ص: 22. (7) الأعراف: 43. (8) يونس: 35.

فهذا الفعل بتعديه مرة باللام، وأخرى بإلى، مثل: (أَوْحى) في قوله: (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) «1» ، وقوله: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) «2» . وقد يحذف الحرف في قولك من قولهم: هديته لكذا وإلى كذا، فيصل الفعل إلى المفعول الثاني، كما قال: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) «3» أي دلنا عليه، واسلك بنا فيه، فكأنه سؤال واستنجاز لما وعدوا به. وقوله: (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) «4» أي: سبل دار السلام، بدلالة قوله: (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) «5» . ومن ذلك قوله: (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) «6» أي: ثم ائتوني صفاً، إن جعلت «صفاً» حالاً أضمرت المفعول، ويجوز أن تجعل «الصف» مفعولاً به. ومن ذلك قوله تعالى: (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ) «7» ، أي: إما أن تلقي العصا، وإما أن نكون أول من ألقى ما معه. قال: (بَلْ أَلْقُوا) . «8» أي: ألقوا ما معكم.

_ (1) النحل: 68. (2) الزلزلة: 5. (3) فاتحة الكتاب: 5. (4) المائدة: 16. (5) الأنعام: 127. (6) طه: 64. (7) طه: 65. (8) طه: 66.

ومثل هذا كثير يتسع على العاد الخرق اتساعه على الراقع. / ومن ذلك قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) «1» . قال كعب: ألف قصر في الجنة، كل قصر مخلوق من در واحد. «فترضى» أفترضى بالعطاء عن المعطي؟ قال: بلى «2» (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) «3» أي: فآواك. (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) «4» عن الطريق (فَهَدى) «5» أي: فهداك، (وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى) أ «6» أي: فأغناك، كما قال: (أَغْنى وَأَقْنى) «7» ، و (أَضْحَكَ وَأَبْكى) «8» ، و (أَماتَ وَأَحْيا) «9» . فحذف المفعول فيهن كلهن. (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) «10» أي: تعبدونه، (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) «11» أي: ما أعبده، وكذلك: (ما عَبَدْتُّمْ) «12» أي: ما عبدتموه. (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) «13» أي: فسبحه. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) 1» . التقدير: وألقيناه على كرسيه جسداً، ذا جسد. أي: مريضاً، فقوله: «جسداً» ، في موضع الحال، والمفعول محذوف. وقال قوم بخلاف هذا، وجعلوا «جسداً» مفعولاً به، وإنه ما أقعد مكانه جسد آخر، في قصة يذكرونها طويلة.

_ (1) الضحى: 5. (2) بالأصل: «فلا» . (5- 4- 3) الضحى: 6. [.....] (6) تكملة يقتضيها السياق. (7) النجم: 48. (8) النجم: 43. (9) النجم: 44. (10) الكافرون: 2. (11) الكافرون: 3 و 5. (12) الكافرون: 4. (13) النصر: 3. (14) ص: 34.

ومن ذلك قوله: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) «1» ، أي: أوتيت من كل شيء شيئاً. وعليه قوله: (فَغَشَّاها ما غَشَّى) «2» . أي: ما غشاها إياه، فحذف المفعولين جميعاً. ومن ذلك قوله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ) «3» ، ف «جعل» هنا من أخوات «ظننت» ، وقد قالوا: زيداً ظننته منطلقاً، فلما أضمرت الفعل، فسرته بقولك «ظننته» ، وحذفت المفعول الثاني من الفعل الأول المقدر، اكتفاء بالمفعول الثاني الظاهر في الفعل الآخر، وكذلك بقية أخوات «ظننت» . ومن ذلك قوله تعالى: (وَدَعْ أَذاهُمْ) «4» ، والتقدير: دع الخوف من أذاهم. فحذف المفعول والجار، كقوله: (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) «5» . ومن ذلك قوله تعالى: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) «6» . قيل: التقدير: آتنا ما نريد في الدنيا، فحذف المفعول الثاني. وقيل: «في» زائدة، أي: أتنا الدنيا. ومن ذلك قوله تعالى: (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ) «7» . يجوز أن يكون المراد بالبلاغ، ما بلغ النبي- صلى الله عليه وعلى آله- عن الله وآتاه.

_ (1) النمل: 23. (2) النجم: 54. (3) الحج: 36. (4) الأحزاب: 48. (5) الكهف: 2. [.....] (6) البقرة: 200. (7) الجن: 23.

والمعنى: لا يجيرني إلا أن أعمل بما آتاني. وهو قوله: (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ/ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها) «1» . ويجوز أن يكون المراد بالبلاغ ما يبلغ به عن الله إلى خلقه، كما قال: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) «2» ، أي: أن تبلغ ما أمرت في أداء الرسالة. فعلى الأول: يكون «ورسالاته» جراً عطفاً على لفظة «الله» . وعلى الثاني: يكون نصباً عطفاً على المفعول المحذوف، الذي يقتضيه «بلاغ» ، فكأنه قال: إلا أن أبلغ من الله ما يحب هو أن يعرف، وتعتقد صفاته. فأما قوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) «3» . أي: يفعلون ويعملون بالطاعة لأجل طهارة النفس عن المعاصي، كقوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) «4» و (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) «5» . ومن حذف المفعول قوله: (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) «6» ، أي: على أن يبدلكم بأمثالكم، و (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) «7» ، التقدير: على أن نبدلهم بخير منهم، كقوله: (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) «8» . وأما قوله: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) «9» . فالتقدير: تذكروا اسم الله، فحذف.

_ (1) النمل: 91. (2) الشورى: 48. (3) المؤمنون: 4. (4) الأعلى: 14. (5) الشمس: 9. (6) الواقعة: 61. (7) المعارج: 41. (8) الكهف: 2. (9) الأعراف: 201.

وقال: (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) «1» أي: نعم الله ويفكر ليدرك العلم بقدرته، ويستدل على توحيده. وتخفيف حمزة، على: أنه يذكر ما نسيه في أحد هذين الوقتين في الوقت الآخر. ويجوز أن يكون: على أن يذكر تنزيه الله وتسبيحه. وأما قوله تعالى: (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) «2» . فروي عن الحسن: (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) «3» قال: القرآن. وأما قوله: (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) «4» فتقديره: إن ذلك ميسّر له. كما قال: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) «5» . أي: لأن يحفظ ويدرس، فيؤمن عليه التحريف والتبديل، الذي جاز على غيره من الكتب. لتيسيره للحفظ، وكثرة الدرس له، وخروجه بذلك عن الحد الذي يجوز معه كذلك له، والتغيير أي: من شاء الله ذكره، أي ذكر القرآن. وقال الله تعالى: (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً) «6» أي: خاف ظهور الجنف. وقال: (وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) «7» . أي: وما أكل السبع بعضه، فحذف. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) «8» . أي: / أرسلنا رسلا.

_ (1) الفرقان: 62. (4- 2) المدثر: 55- عبس: 12. (3) المدثر: 54- عبس: 11. [.....] (5) القمر: 22. (6) البقرة: 182. (7) المائدة: 3. (8) الأنعام: 42.

ومن ذلك قوله: (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) «1» ، مفعول «يشعركم» محذوف، أي: ما يشعركم إيمانهم، و «ما» ليست بنافية، لأنها تبقي «يشعركم» بلا فاعل، ولا يكون ضمير الله تعالى، لأنه أعلمنا أنهم لا يؤمنون بقوله: (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) «2» . ومن حذف المفعول قوله تعالى: (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ) «3» . وقال: الظرف متعلق بمحذوف، وهو مفعول ثان للظن، أي: ما ظنهم في الدنيا حالهم يوم القيامة، و «ما» استفهام. وقال في موضع آخر «يوم القيامة» متعلق بالظن، الذي هو خبر المبتدأ، الذي هو «ما» . ألا ترى أنه لا يجوز أن يتعلق «بالكذب» ، ولا «يفترون» ، لأن ذلك لا يكون في الآخرة، كأنه: ما ظنهم: أشدة العذاب أم التجاوز عنهم؟ ومن ذلك قوله تعالى: (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) «4» . قال الأخفش: التقدير: من كل شيء سألتموه، فحذفه وأضمره، كما قال: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) «5» أي: من كل شيء في زمانها. وقال الكلبي: من كل ما سألتموه وما لم تسألوه. وقال قوم: هذا من العام الذي يراد به الخاص.

_ (1) الأنعام: 109. (2) الأنعام: 111. (3) يونس: 60. (4) إبراهيم: 34. (5) النمل: 23.

قال سيبويه: جاءني أهل، الدنيا وعسى أن يكون قد جاء خمسة منهم، وقيل: (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) «1» لو سألتموه. ومن ذلك قوله تعالى: (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا) «2» فيمن ضم الياء. أي: من يخاطبونه شيئاً، فحذف أحد المفعولين، وقيل: لا يفقهون غير لسانهم إياهم، ولو لم يفقهوا غيرهم شيئاً، لما صح أن يقولوا ويفهموا. ومن ذلك قوله تعالى: (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) . «3» انتصاب «لسان» بالفعل الثاني دون الأول عنده. وعلى قول الأخفش: «من رحمتنا» «من» » زائدة. وأما قوله: (كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) «5» . قيل: «السجل» اسم ملك، وقيل: اسم رجل كاتب، فيكون المصدر مضافاً إلى الفاعل، «واللام» مثلها في (رَدِفَ لَكُمْ) «6» . وقيل: «السجل» : الصحيفة تطوى على ما فيها من الكتابة والمصدر مضاف إلى المفعول. أي: كما يطوى السجل على الكتاب. وقد/ رواه أبو علي: كطي الطاوي الصحيفة مدرجاً فيها الكتب. أي: كطي الصحيفة لدرج الكتب فيها، على تأويل قتادة: وكطي الصحيفة لدرج الكتب، فحذف المضاف، والمصدر مضاف إلى الفاعل، على قول السّدى، والمعنى: كطى زيد الكتب.

_ (1) إبراهيم: 34. (2) الكهف: 93. (3) مريم: 50. (4) في الأصل: «ما زائدة» . (5) الأنبياء: 104. [.....] (6) النمل: 72.

ومن ذلك قوله تعالى: (إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) «1» مفعول «ألقى» مضمر، أي: ألقى الشيطان في تلاوته ما ليس منه. ومن ذلك قوله: (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) «2» ، أي: أرسلني مضموماً إلى هارون، فحذف المفعول، والجار في موضع الحال. وأما قوله: (أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) «3» ، ليس التقدير: ما سقيته لنا، وهو الماء، فلا يكون للماء أجر، وليس الجزاء للماء إنما هو لاستقائه. فإن قلت: اجعل المعنى: ليجزيك أجر الماء، لم يستقم أيضاً، لأن الأجر لاستقاء الماء لا للماء. فإذا كان كذلك، كان المعنى: ليجزيك أجر السقي لنا. ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) «4» . قال أبو علي: «أرأيتم» هذه تتعدى إلى مفعولين، الثاني منهما استفهام، والأول منصوب، وهو هاهنا مضمر، وهو للقرآن. أي: أرأيتم القرآن إن كان من عند الله، والمفعول محذوف، وتقديره: أتأمنون عقوبته، أو: لا تخشون انتقامه. وقدره الزجاج: قل أرأيتم القرآن إن كان من عند الله، إلى: قوله (فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) «5» أفتؤمنون به؟

_ (1) الحج: 52. (2) الشعراء: 13. (3) القصص: 25. (4) الأحقاف: 10. (5) الأحقاف: 10.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ) «1» ، فهذا على: (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) «2» . فالمعنى: ووهبنا من ذرياته فرقاً مهتدين، لأن الاجتباء إنما يقع على من كان مهتديا مرتضى، فحذف المفعول به.

_ (1) الأنعام: 87. (2) الأنعام: 84.

الباب الحادي والعشرون

الباب الحادي والعشرون هذا باب ما جاء في التنزيل من الظروف التي يرتفع ما بعدهن بهن على الخلاف، وما يرتفع [ما] بعدهن بهن على الاتفاق، وهو باب يغفل عنه كثير من الناس فأما الذي اختلفوا فيه فكقوله: (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) «1» ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) «2» ، (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) «3» . ف «عذاب» في هذا ونحوه، يرتفع بالابتداء عند سيبويه، والظرف قبله خبر عنه، وهو «لهم» . وعند أبي الحسن والكسائي: يرتفع «عذاب» بقوله: «لهم» ، لأن «لهم» ناب عن الفعل. ألا ترى أن التقدير: وثبت لهم، فحذف «ثبت» وفام «لهم» مقامه، والعمل للظرف لا للفعل. ومثله: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) «4» وهو على هذا الخلاف، وغلط أبو إسحاق

_ (1) البقرة: 7. (2) البقرة: 8. (3) البقرة: 10. (4) البقرة: 78.

في هذا، فقال: ارتفع «أميون» بفعل، كأن المعنى: واستقر منهم أميون. قال أبو علي: ليس يرتفع «أميون» عند الأخفش بفعل، إنما يرتفع بالظرف الذي هو «منهم» . ومذهب سيبويه أنه يرتفع بالابتداء، ففي «منهم» عنده ضمير، لقوله «أميون» ، وموضع «منهم» ، على مذهبه، رفع، لوقوعه موقع خبر الابتداء. وأما على مذهب الأخفش، فلا ضمير لقوله: «أميون» في «منهم ولا موضع له عنده، كما أنه لا موضع ل «ذهب» من قولك: ذهب فلان. وإنما رفع الأخفش الاسم بالظرف في نحو هذا، لأنه نظر إلى هذه الظروف فوجدها تجري مجرى الفعل في مواضع، وهي أنها تحتمل الضمير كما يحتمله الفعل، وما قام مقامه من أسماء الفاعلين، وما شبه به. ويؤكد ما فيها كما يؤكد ما في الفعل، وما قام مقامه في نحو قولك: مررت بقوم لك أجمعون. وتنتصب عنها الحال كما تنتصب عن الفعل، وتوصل بها الأسماء الموصولة، كما توصل بالفعل والفاعل، فيصير فيها ضمير الموصول كما يصير ضميره في الفعل، وتوصف به النكرة كما توصف بالفعل والفاعل. فلما رآها في هذه المواضع تقوم مقام الفعل أجراها أيضاً مبتدأ مجرى الفعل، فرفع بها الاسم، كما رفع بالفعل، إذا قامت هذه الظروف مقام الفعل في هذه المواضع، فقال في: عندك زيد، و: فى الدار عمرو،

(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) «1» ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ) «2» ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ) «3» ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي) «4» ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) «5» ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ) «6» ، (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ) «7» ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) «8» ، (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ) «9» ، (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ) «10» ، وقوله تعالى: (لَهُمْ دارُ السَّلامِ) «11» ، ونحو ذلك: إنه مرتفع بالظرف قد أقيم مقام الفعل، في غير هذه المواضع. ومثل ذلك قال في أسماء الفاعلين، نحو «ضارب» وما أشبهها لما رآها تجري مجرى الأفعال، يرتفع الاسم بها إذا جرت خبراً أو وصفاً أو حالاً على شيء، أجراها مبتدأة أيضاً، غير معتمدة على شيء، نحو حروف الاستفهام، يكون اسم الفاعل في الاعتماد عليه مثلها إذا جرى حالاً، أو خبراً، أو وصفاً. وأجاز في نحو قوله: (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) «12» ، وقوله: (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) «13» ، وقوله: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ) «14»

_ (1) البقرة: 78. (2) البقرة: 204. [.....] (3) البقرة: 165. (4) لقمان: 6. (5) الأنعام: 25- محمد: 56. (6) التوبة: 58. (7) التوبة: 61. (8) التوبة: 49. (9) التوبة: 75. (10) التوبة: 101. (11) الأنعام: 127. (12) هود: 76. (13) هود: 12. (14) الحشر: 2.

ارتفاع الاسم بما قبله، يجريه مجرى الفعل غير متقدم، كما أجرى الظرف متقدماً مجراه غير متقدم، فرفع الاسم/ بالظرف واسم الفاعل، وهما متقدمان غير جاريين على شيء، كما رفعه وهما جاريان على ما قبلهما. وقد قال سيبويه هذا القول في قوله تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) «1» ، (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) «2» ، وقوله تعالى: (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) «3» ، وقوله تعالى: (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) «4» ، وقوله: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ) » ، وقوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) «6» ، وقوله تعالى: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) «7» ، وقوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) «8» ، وقوله: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ) «9» . إن هذه الأسماء ترتفع بالظرف، إذا جرى صلة الموصول، أو حالاً لذي حال، أو صفة لموصوف، أو معتمداً على الهمزة، أو تكون لاسم إن، أو المصدر. قد قال سيبويه والأخفش قولاً واحدا في هذه الأشياء.

_ (1) فصلت: 39. (2) الروم: 20. [.....] (3) هود: 106. (4) المائدة: 46. (5) البقرة: 19. (6) النور: 29. (7) الرعد: 43. (8) آل عمران: 7. (9) إبراهيم: 10.

فإن قيل: ما تنكر أن يكون ارتفاع الاسم في نحو قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) «1» مرتفع في الحقيقة ب «استقر» لا ب «لكم» ؟. فالجواب: أن المعروف المشهور من قول الأخفش في نحو قوله تعالى: َهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) «2» أنه مرتفع بالظرف. والمعلوم من قول سيبويه والأخفش وغيرهما «3» ، أنهم إذا قالوا: زيد في الدار فالضمير في الظرف لا في الفعل المحذوف، لأن ذلك مطّرح مختزل. والدليل على أن قولهم: زيد في الدار، في الظرف ضمير، والظرف هو العامل في ذلك الضمير، امتناع تقديم الحال عليه، في قولك: زيد قائماً في الدار، لأن العامل غير متصرف، وهو الظرف دون الفعل ولا عبرة بالفعل، لأنه لا يجوز: قائماً في الدار زيد، كما يجوز: قائماً استقر زيد، فعلم أنه لا عبرة بالفعل ولأنه قال: (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) «4» ، و (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) «5» ، و (لَهُمُ الْحُسْنى) «6» ، فأدخل «إن» على الظرف، وهي لا تلي الفعل، فثبت أنه لا عبرة بالفعل.

_ (1) البقرة: 179. (2) يونس: 64. (3) في الأصل: «وغيرهم» . (4) المائدة: 22. (5) النور: 44. (6) النحل: 62.

وهذه الآي دليل سيبويه من أنه لا يرتفع الاسم بالظرف، حيث يقول به الأخفش، لأن الظرف دخل عليه «إن» ، فلو كان يرتفع كما يرتفع الفعل، لم يدخل عليه «إن» كما لا يدخل على الفعل. وقد قال: (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ) «1» فنصب الاسم ب «أن» . فثبت أن الظرف لا يرتفع في الابتداء، وإنما يرتفع في المواضع التي/ ذكرنا، وهو: إذا جرى خبراً لمبتدأ، أو حالاً لذي حال، أو صفة لموصوف، أو معتمداً على حرف النفي والاستفهام والموصول، لأن شبهها بالفعل في هذه الأحوال قد قوي واستمر، كما قوي الفاعل في هذه الأحوال أن يعمل عمل الفعل دون «ما» إذا ابتدئ به. فقوله تعالى: (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) «2» ، «ما» يرتفع بالابتداء عند سيبويه، و «مصيبها» خبر، وفيه ضمير. وعند الأخفش، يرتفع «ما» بقوله «مصيبها» لأنه بمنزلة «يصيبها» ، ولا ضمير في «مصيبها» عنده، فهو كقوله: (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) «3» . والخلاف في الفاعل والظرف واحد. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) «4» ، «أزوج» يرتفع بالابتداء عند سيبويه. و «لهم» خبره. و «فيها» معمول «لهم» . فيرتفع «أزواج» بالظرف عند أبي الحسن، وهو «لهم» . وإن رفعته

_ (1) آل عمران: 87. [.....] (2) هود: 81. (3) البقرة: 10. (4) البقرة: 25.

ب «فيها» جاز. ولو جعلت «فيها» حالاً من المجرور جاز. ولو جعلتها حالاً من «أزواج» على أن يكون في الأصل صفة لها، فلما تقدم انتصب على الحال، جاز. ومن ذلك قوله تعالى: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) «1» يرتفع بالظرف في القولين، لأن الظرف جرى خبراً للمبتدأ، وهو «من آمن» ، ولا خلاف في هذا. كما أن قوله: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ) «2» ، تقديره: أو كأصحاب صيب من السماء ثابت فيه ظلمات، لجريه وصفاً على «الصيب» ، وكذا هاهنا يرتفع «أجر» بالظرف، لأنه جرى خبراً على المبتدأ. فأما قوله: (عِنْدَ رَبِّهِمْ) «3» فهو حال من «الأجر» ، أي: لهم أجرهم ثابتاً عند ربهم، ولو جعلته معمول الظرف. ومثله قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ) «4» . «لعنة الله» يرتفع بالظرف، لأنه جرى خبراً على «أولئك» .

_ (1) البقرة: 62. (2) البقرة: 19. (3) البقرة: 62. (4) البقرة: 161.

ومن ذلك قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) «1» . ترتفع «آيات» بالظرف، لأنه جرى حالا ل «الكتاب» ، ولا يكون صفة ل «الكتاب» لأن «الكتاب» معرفة، والظرف نكرة. ومن ذلك قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) «2» . يرتفع «زيغ» بالظرف، لأنه جرى صلة على «الّذين» . ومن ذلك قوله: (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي) «3» . يرتفع/ «جنات» بالابتداء، و «للّذين اتقوا» خبر عند سيبويه. ويرتفع «جنات» بالظرف عند الأخفش. ولا يكون «للذين اتقوا» صفة للمجرور قبله، وهو «خير» ، لأنه لا ذكر فيه يعود إلى الموصوف ألا ترى أن الضمير الذي فيه، على قول سيبويه، ضمير «جنات» ، ولا ضمير فيه على قول الأخفش لارتفاع الظاهر به وينتصب قوله: (خالِدِينَ فِيها) «4» على الحال من «الذين» المجرور باللام. (وَأَزْواجٌ) «5» عطف على «جنّات» . وكذا قوله: (وَرِضْوانٌ) «6» .

_ (2- 1) آل عمران: 7. (6- 5- 4- 3) آل عمران: 15.

وأما قوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ) «1» . فقوله: لكل واحد منهما، يتعلق بما يتعلق به «لأبويه» على وجه البدل. كما أن قولك: «رأسه» من قولك: ضربت زيدا رأسه، يتعلق ب «ضربت» على حد البدل. ومن رفع بالظرف ارتفع قوله: «السدس» بقوله: «لكل واحد منهما» . فإن قلت: أفيكون فيمن أعمل غير الأول أن يضمر «السدس» في قوله «لأبويه» كما أضمر في قوله: فهيهات هيهات العقيق «2» في الأول جعل «السدس» مرتفعاً بالظرف الثاني، فإن ذلك لا يجوز، وليس المعنى عليه. ألا ترى أن الأبوين ليس لهما السدس، إنما لكل واحد منهما السدس. فإن قلت: أفيستقيم أن يكون «لأبويه» متعلقاً بقوله «لكل واحد منهما، على حد: أكل يوم لك ثوب؟ فإن ذلك لا يستقيم. ألا ترى أنه لا يستقيم أن يقدر: لكل واحد منهما لأبويه لأنه ليس ما عليه المعنى.

_ (1) النساء: 11. (2) هذا جزء من صدر بيت لجرير، والبيت هو: فهيهات هيهات العقيق وأهله ... وهيهات خل بالعقيق نحاوله

فأما قوله: (مِمَّا تَرَكَ) «1» فحال من «السدس» ، والعامل فيها قوله: «لكل واحد منهما» ولا يكون العامل فيه «لأبويه» . وأما قوله تعالى: (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) «2» . فقوله: «من طلعها» بدل من قوله «ومن النخل» على حد: ضرب زيد رأسه. «ومن النخل» بدل التبعيض. فمن رفع بالظرف، وجب أن يكون في الأول ضمير يبينه ما ارتفع بالثاني، وإن أعمل الأول صار في الثاني ذكر منه. وقوله: (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) «3» محمول على معنى الإخراج. يبين ذلك قوله: (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) «4» فقوله: «وأعناب» ، على أحد أمرين: / من نخل وشجر أعناب، أو يكون سمى الشجر باسم ثمرها. وأما قوله: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ) «5» . ف «حيران» يكون حالاً من «الهاء» التي في «استهوته» فيكون فى الصلة.

_ (1) النساء: 11. (2) الأنعام: 99. (3) الأنعام: 99. [.....] (4) المؤمنون: 19. (5) الأنعام: 71.

ويمكن أن يكون حالاً من «الذكر» ، فيكون العامل فيه «نرد» . وإن جعلته ظرفاً كان الظرف في موضع الحال، فأما «له أصحاب» فيكون صفة ل «حيران» ، فيكون «أصحاب» مرتفعاً بالظرف دون الابتداء في جميع الأقاويل. قال أبو علي: فإن جعلته حالاً من الضمير في «حيران» ولم تجعله صفة له، ارتفع «أصحاب» بالابتداء في قول سيبويه، وفيه ذكر يعود إلى المبتدأ. وعندي في هذا نظر، لأن الحال في جريه على صاحبه، إلا أن يعنى أن هناك «واوا» مضمرة على تقدير: وله أصحاب، وفيه بعد. لأنهم زعموا أن الضمير يغني عن الواو، والواو يغني عن الضمير، فلا وجه لما قال عندنا. وقال الله تعالى: (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها) «1» . ف «الواو» للحال. و «رزقهم» يرتفع بالظرف عند الأخفش، وبالابتداء عند سيبويه. [وقال تعالى] «2» : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا) «3» . هو على الخلاف أيضاً. وقال: (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) «4» على الخلاف. [وقال] «5» : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) «6» . هو أيضا على الخلاف، و «فى القصاص» ظرف للخبر، و «لكم» ظرف ل «فى القصاص» .

_ (1) مريم: 62. (5- 2) تكملة يقتضيها السياق. (3) مريم: 64. (4) البقرة: 178. (6) البقرة: 179.

وقوله: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) «1» . «تربص» مرتفع بالابتداء. وقوله «للذين يؤلون» خبره. والجار في «من نسائهم» متعلق بالظرف، كما تقول: لك مني درهم. ولا يتعلق ب «يؤلون» ، أعنى «من» لأنه يقال: حلف على كذا، وآلى عليه. وما يقوله الفقهاء: آلى من امرأته، فإنهم نظروا إلى ظاهر هذه الآية. (فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ) «2» يرتفع «نار» بالظرف على المذهبين، لأنه جرى وصفاً على «الإعصار» . وأما قوله تعالى: (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها) «3» . فقوله «باسم الله» يجوز أن يكون حالاً من الشيئين، من الضمير الذي في قوله «اركبوا» . ومن الضمير الذي [في] [فيها] «4» . فإن جعلت قوله «باسم الله مجريها» ، رافعاً ل «مجريها» على المذهبين، لم يكن إلا جملة في موضع الحال من الضمير الذي في «فيها» . ولا يجوز أن يكون من الضمير في قوله: «اركبوا» لأنه/ لا ذكر فيه يرجع إلى الضمير، لارتفاع الظاهر به، ولم يكن إلا حالاً من الهاء المجرورة، لمكان الهاء المتصل ب «مجريها» . ويجوز أن يكون من الضمير في «اركبوا» ، وكأن المعنى: اركبوا

_ (1) البقرة: 226. (2) البقرة: 266. (3) هود: 41. (4) تكملة يقتضيها السياق.

متبركين باسم الله، ومستمسكين بذكر اسم الله، فيكون في «باسم الله» ذكر يعود إلى المأمورين. فإن قلت: فكيف اتصال المصدر الذي هو «مجريها» بالكلام على هذا؟ فإنه يكون متعلقاً بما في «باسم الله» من معنى الفعل، وجاز تعلقه به لأنه يكون ظرفاً على نحو: مقدم الحاج، وخفوق النجم. كأنه: متبركين بهذا الاسم، متمسكين في وقت الجري والإجراء، والرسو والإرساء على حسب الخلاف بين القراء فيه. ولا يكون الظرف متعلقا ب «اركبوا» لأن المعنى ليس عليه، ألا ترى أنه لا يراد «اركبوا فيها» في وقت الجري والثبات. إنما المعنى: اركبوا متبركين باسم الله في الوقتين اللذين لا ينفك الراكبون فيها منهما: من الإرساء والإجراء ليس يراد: اركبوا وقت الجري والرسو، فموضع «مجريها» نصب على هذا الوجه، بأنه ظرف عمل فيه المعنى. وعلى الوجه الأول رفع بالظرف على المذهبين، ولا يكون مرتفعاً بالابتداء، لجري الظرف حالاً على صاحبها. وسها أبو علي هاهنا أيضاً، فقال فيه ما قال في قوله: (لَهُ أَصْحابٌ) «1» . وزعم أن سيبويه يرفعه بالابتداء. فسبحان الله! أنت تنص في عامة كتبك على أن الحال والصفة والصلة والاستفهام بمنزلة واحدة، فمن أين هذا الارتباك «2» ؟

_ (1) الأنعام: 71. (2) الأصل: «الارتكاب» .

ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) «1» . «من علم» في موضع الرفع بالظرف لمكان، «هل» ، أي: هل عندكم علم. وقال: (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) «2» ، أي: ما لكم أله غيره، فيرتفع بالظرف. وقال: (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا) «3» ، أي: ما عندكم سلطان، فيرتفع بالظرف. وقال: (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ) «4» ، فمن قال: «الولاية» مبتدأ، كان «لله» حالاً من الضمير في «هنالك» ، ومن قال: إن «الولاية» رفع بالظرف كان «لله» حالاً من «الولاية» ، وقوله: «لله» حال من الذكر في «هنالك» ، أو من «الولاية» ، على قول سيبويه سهو أيضاً، كما سها فى (بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها) «5» . وقوله: (لَهُ أَصْحابٌ) «6» . وقال: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) «7» . و (مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) «8» . (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) «9» . فالأسماء مرتفعة بالظرف، لجري الظرف صلة موصول. وقال: (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) «10» لا خلاف في رفع «زفير» هنا بالظرف، وهو «لهم» لأنه مثل الرحيل في قولهم: غدا الرّحيل.

_ (1) الأنعام: 148. [.....] (2) الأعراف: 59. (3) يونس: 68. (4) الكهف: 44. (5) هود: 41. (6) الأنعام: 71. (7) الرعد: 43. (8) المؤمنون: 88. (9) القمر: 4. (10) هود: 106.

وإنما رفع سيبويه «الرحيل» بالظرف في قوله: غداً الرحيل، لأنه مصدر، وقد قامت الدلالة على المصدر بالظرف في نحو: يوم الجمعة إنك ذاهب، وحقاً إنك منطلق. ولارتفاع «التهدد» فيما أنشده عن يونس: أحقاً بني أبناء سلمى بن جندل ... تهددكم إياي وسط المجالس «1» فإذا ثبت ذلك كان ارتفاع «حقا» ، ل «إنك منطلق» من أنه ظرف، وذلك أنه لا يخلو من أن يكون مرتفعاً بالظرف أو بالابتداء، ولا يجوز ارتفاعه بالابتداء. لأن ذلك لو جاز للزم دخول «أن» عليه، فيكون اجتماع حرفين بمعنى، فلما كان يؤدي إلى هذا الذي قد رفضوه وطرحوه ارتفع بالظرف، لقيام الظرف مقام الفعل في غير هذا الموضع. ويدلك على أنه لهذا المعنى رفض أن يرتفع بالابتداء، أنهم حيث أمنوا دخول الحرف عليه رفع به، وذلك نحو قولك: لولا أن زيداً منطلق لكان كذا. ألا ترى أن «أن» ارتفع بالابتداء بعد «لولا» ، وإن امتنع أن يبتدأ بها أولاً، كيلا يدخل الحرف الذي بمعناه عليه. فلما ثبت ارتفاع «أن» بالظرف في قولك: أحقاً أنك منطلق، ثبت ارتفاع المصدر بها أيضاً في نحو: غداً الرحيل. لأن «الرحيل» في أنه مصدر بمنزلة «أن» وصلتها، وأجروه مجرى مثله في الإعراب، كما يجرون المثل مجرى مثله في غير الإعراب، نحو: عطشان «وريّان» وطيّان، ونحو ذلك.

_ (1) البيت للأسود بن يعفر. (الكتاب 1: 468) .

ألا ترى أنهم أجروه: مجرى عثمان، وسعدان، في مواضع الصرف، وإن كان هذا صفة وذاك علماً. وكذلك أعربوا «أيا» في الصلة والاستفهام والجزاء «لما» كان بمعنى «بعض» ، ولولا ذلك لوجب بناؤه في هذه المواضع الثلاثة، كما أجروا المثل مجرى مثله. كذلك حكم «إن» حكم إعراب «الرحيل» بعد «غد» ، وقد يفعل هذا بالخلاف كما يفعل بالمثل. ألا ترى أنهم قالوا: رب رجل يقوم. فأجروه مجرى خلافه، الذي هو: كم رجل عندك. ولم يجيزوا فيه التأخير كما/ أجازوا: مررت برجل. ومن ذلك قوله: (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) «1» . قال أبو علي: الظرف مع ما بعده في موضع حال، فإذا كان كذلك كان متعلقاً بمحذوف، كأنه: مستقرّا فيه هدى ونور. ويدلك على أنه حال، وأن الجملة في موضع نصب، لكونها في موضع الحال، قوله بعد: (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) «2» . ألا ترى أن «هدى» كقولك: هادياً، ومصدقاً، والاسم مرتفع بالظرف على المذهبين.

_ (2- 1) المائدة: 46.

وأما قوله: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) «1» . فقوله: «إله» رفع لأنه خبر مبتدأ مضمر، ولا يخلو من أن يكون ارتفاعه على هذا الذي ذكرته من أنه خبر مضمر «راجع» إلى الموصول. أو يكون ارتفاعه بالابتداء أو بالظرف، على قول من رأى أنه يرتفع بالظرف. وإن كان ارتفاعه بالابتداء وجب أن يكون في الظرف الذي هو قوله: «في السماء» ضمير وذلك الضمير مرفوع، فإن كان الظرف، لم يحتمل ضميراً مرفوعاً لارتفاع الظاهر به وإذا كان كذلك، بقيت الصلة لا ذكر فيها للموصول. فإذا كان حمله على هذين الوجهين، ويبقى الموصول على ما ذكرنا من خلو ذكره مما يوصل به، وجب أن يقدر في الصلة مبتدأ محذوفاً، كأنه: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) «2» . وتقدير هذا الحذف من الصلة هنا حسن لطولها، وقد استحسن الخليل ذلك. فإذا كان التقدير على هذا، ارتفع «هو» المحذوف بالابتداء «وإله» خبره، والظرف الذي هو قوله «في السماء إله» متعلق بقوله «إله» وموضعه نصب مفعول، وإن كان مقدماً عليه، ألا ترى أنهم قد أجازوا: أكل يوم لك ثوب؟ فأعمل فيه المعنى مقدما.

_ (2- 1) الزخرف: 84.

ولا يصح أن يكون خبر المبتدأ المحذوف قوله: «في السماء» لأنك إن جعلته خبراً للمبتدأ المحذوف صار فيه ضميره، وارتفع، وبقي قوله «له» معلقاً مفرداً. ومع هذا، فالمعنى إنما هو الإخبار بإلهية عن الكون في السماء. فإن قلت: لم لا يكون قوله «فى السماء» صلة ل «الذي» ، ويكون في الظرف ضمير الموصول، ويكون «إله» بدلاً «1» من الموصول لصلته، فيكون التقدير، وهو إله. فقلنا: إنا نستحب التأويل الأول. والتقدير الأول الذي قدمناه/ لدلالة المعنى عليه، ودلالة ما بعده من الكلام على ذلك أيضاً. ألا ترى أن بعده (وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) «2» فإنما الإخبار عن قصده- تبارك اسمه- بالعبادة في السماء والأرض، وقوله: «في الأرض إله» معطوف على الصلة، ولا يجوز أن يبدل «إله» من الموصول، وقد بقي من صلته شيء. فإن قلت: أجعله كلاماً منقطعاً غير معطوف على الصلة، كان تعسفاً، وإزالة للكلام عن وجهه. فإن قلت: فقدر (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) «3» «هو» ، ثم يكون «إله» موضوعاً موضع «هو» ، فإن وضع الظاهر موضع المضمر لم يجزه سيبويه في قوله: ولا منسئ معن ولا متيسّر «4»

_ (1) في الأصل: «بدل» . (3- 2) الزخرف: 84. [.....] (4) عجز بيت للفرزدق، صدره: لعمرك ما معن بتارك حقه ومعن، هو ابن زائدة الشيباني.

ومن أجاز ذلك. لزمه أن يجيز: جاءني الذي هو قائم. فإن قلت: فاجعله من باب: زيد نعم الرجل، فإن «الرجل» جنس يتضمن «زيداً» وغيره، بخلاف لفظ «إله» . فثبت أن التقدير: وهو الذي هو إله في السماء إله، أي: هو إله له في السماء، فحذف لطول الكلام، كما قال العرب: ما أنا بالذي قائل لك سوءاً «1» ، أي. هو قائل. فإن قلت: فلم جاز حذف «هو» مع طول الكلام في «الذي» ، ولم يحسن: (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) «2» ، كما حسن هذه الآية. ولم فارق «الذي» «إياه» في قوله (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) «3» ، و (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) «4» ولم يجر (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) «5» مجرى «أيهم أشد» نص فا «6» ، وهو مشكل. قال سيبويه في قوله: وكفى بنا فضلاً على من غيرنا «7» بالرفع في «غيرنا» . قال: هو أجود، وفيه ضعف، وهو نحو: مررت بأيهم أفضل، وكما قرأ بعض الناس «تماماً على الّذى أحسن» .

_ (1) في الأصل: «شيئا» تحريف. (5- 2) الأنعام: 154. (3) مريم: 69. (4) الإسراء: 57. (6) ولعله يريد: أبا علي الفارسي، فرمز إليه بحرف «فا» وسيأتي هذا في (ص 538) من هذا الجزء. (7) صدر بيت لحسان، عجزه: حب النبي محمد إيانا (الكتاب 1: 269) .

واعلم أنه قبيح أن تقول: هذا من منطلق إن جعلت «المنطلق» وصفا أو حشوا، فإن أطلت الكلام فقلت: خير منك، حسن في الوصف والحشو. وزعم الخليل أنه سمع من العرب رجلا يقول: ما أنا بالذي قائل لك سوءا، وما أنا بالذي قائل لك قبيحاً، إذا أفردوه فالوصف بمنزلة الحشو، لأنه يحسن ما بعده، كما أن الحشو إنما يتم بما بعده. فقد رجح في الفصل رفع «غيرنا» ، على إضمار «هو» على الجر، على أن يكون وصفاً. ولكن يجوز هذا، أعني وضع «إله» موضع الضمير، على قول أبي عثمان، في قولهم: زيد ضربت أخاك/، والأخ زيد. ومثله: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) «1» . هذا هو مذهب أبي عثمان لا الذي حرف القصر عليه، فقال هذا على مذهب أبي عثمان في قولهم: أنا الذي قمت. فإن ذلك قول العرب، في نحو: وأنا الذي قتلت، وأنا الذي شتمني أمي. قال أبو عثمان: لولا أنه مسموع لرددناه «2» . وتحريفات القصر على أبي علي كثيرة، لا يقبله إلا الجاهل الخفيف الحاذ «3» . وفي تقسيم أبي علي نظر، لأنه ليس في القسمة ارتفاع «إله» بالابتداء، لأن الظرف جرى صلة لموصول، فليس إلا أن يقول، إن ارتفاع «إله» لا يخلو من أن يكون بإضمار هو أو بالظرف.

_ (1) الزمر: 19. (2) في الأصل: «لردناه» . (3) الحاذ: الحال.

ومن هذا الباب قوله تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ) «1» فيمن رفع. والتقدير: وهناك حور عين، أو: لهم حور عين، ف «حور» رفع بالظرف المضمر عند الأخفش، وبالابتداء عند سيبويه، وجاز حذف الظرف، لأن ما قبله يدل عليه. ومن ذلك: قوله تعالى: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) «2» . فيمن أفرد «وآخر» يرتفع «أزواج» بالظرف على المذهبين، لأن قوله: (مِنْ شَكْلِهِ) «3» جرى وصفاً على «آخر» ، فهو كقولك: مررت برجل في داره عمرو. وسها الفارسي أيضا في هذه الآية فقال: و «من» رفع بالابتداء، ولا يرفع هذا أحد بالابتداء، وهذا كما سها في قوله: (بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها) «4» . وقوله: (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ) «5» ، هذه ثلاث آيات سها فيها، وتردد كلامه، وسها أيضاً في قوله: (أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ) «6» . فخذها عن أوراق جمة. ومثله في ارتفاعه بالظرف قبله قوله: (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) «7» ، ف «الأمن» مرتفع ب «لهم» لجريه خبراً على قوله «أولئك» أي: أولئك ثابت لهم الأمن.

_ (1) الواقعة: 22. (3- 2) ص: 58. (4) هود: 41. (5) الكهف: 44. [.....] (6) الأنعام: 71. (7) الأنعام: 82.

وقد ذكرنا أن اسم الفاعل يرتفع ما بعده، كالظرف، فقوله: (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) «1» ، «ثياب» مرتفع ب «عاليهم» سواء نصبته على الحال من «الولدان» أو الهاء والميم في «عليهم» من قوله: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ) «2» ، ونصبه على الظرف، لأن الظرف جرى وصفا على «الولدان» . ومن قال «عاليهم» فأسكن الياء فهو صفة أيضا. ل «ولدان» لأنه لا يتعرف بالإضافة، فيرتفع «ثياب سندس» به. ولا يجوز أن يرتفع «عاليهم» بالابتداء/ و «ثياب سندس» خبره، كما قاله في «الحجة» لكونه جارياً وصفاً على «ولدان» . وإن قال: هو كقوله: (سامِراً تَهْجُرُونَ) «3» فأفرد وأراد الجمع. لم يصح ذلك، لما ذكرنا. ومن ذلك قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) «4» . إن جعلت «الّذين» وصفا ل «أولئك» كان قوله «لهم في الدنيا خزي» خبر المبتدأ ويرتفع «خزي» بالظرف. وكذلك إن جعلت «الذين» خبراً كان «خزي» من قوله «لهم في الدنيا خزي» خبراً بعد خبر. ويرتفع «خزى» أيضا بالظرف.

_ (1) الإنسان: 21. (2) الإنسان: 19. (3) المؤمنون: 17. (4) المائدة: 41.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) «1» . يكون «بالمعروف» متعلقا ب «لهن» دون «عليهن» ، وإن كنت على هذا التقدير تعمل الأول اعتباراً بقوله: (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) «2» ، وبقوله: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) «3» ، فما على الموسع والمقتر من ذلك فهو لهن، وإن لم يعتبر هذا جاز أن يتعلق ب «عليهنّ» . ومن ذلك قوله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) «4» . قوله: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) «5» يحتمل أمرين: أحدهما- أن يكون خبراً ل (آياتٌ) ، فمن رفع بالظرف، كان الضمير الذي فيه على حد الضمير الذي يكون في الفعل. ومن رفع بالابتداء، ففيه ضمير على حد الضمير الذي يكون في خبر المبتدأ. والوجه الآخر- من قوله، (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) أن يكون متعلقاً بمحذوف، يدل عليه قوله: (أَفَلا تُبْصِرُونَ) «6» تقديره: ألا تبصرون في أنفسكم أفلا تبصرون. ويكون هذا بمنزل قوله: (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) «7» (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) «8» . ألا ترى أن الاستفهام لا يتقدم عليه ما في حيزه، كما أن الموصول كذلك.

_ (1) البقرة: 228. (2) البقرة: 241. (3) البقرة: 236. (4) الذاريات: 20، 21. (5) الذاريات: 21. (6) الذاريات: 21. (7) يوسف: 20. (8) الأنبياء: 56. [.....]

فأما دخول (فِي) في قوله: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) «1» فعلى وجهين: أحدهما- أنه لما كان في معنى. أفلا تنظرون، دخلت (فِي) كما دخلت في قوله: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «2» . والآخر- أنه يمكن أن يقال: بصير بكذا، وبصير في كذا، قال زيد الخيل: ويركب يوم الطعن فيها فوارس ... بصيرون في طعن الأباهر والكلى أي: بصيرون بالطعن. ومما يرتفع بالظرف: قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ) «3» ، إن جعلت (لهم) خبراً ثانياً ارتفع (شراب) به، كقولك: زيد في الدار أبوه. ومما يرتفع بالظرف: قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) «4» فيمن قرأ (قتل) وأسنده إلى ضمير النبي عليه السلام. والدليل على جواز إسناده إلى هذا الضمير، أن هذه الآية في معنى قوله: (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ) «5» . وروي عن الحسن أنه قال: ما قتل نبي في حرب قطّ،

_ (1) الذاريات: 21. (2) الأعراف: 185. (3) الأنعام: 70. (4) آل عمران: 146- وقراءة حفص: «قاتل معه» . (5) آل عمران: 144.

فيكون (مَعَهُ رِبِّيُّونَ) يحتمل أمرين: أحدهما- أن يكون صفة ل (نبى) . وإذا قدرته هذا التقدير كان قوله (رِبِّيُّونَ) مرتفعاً بالظرف بلا خلاف. والآخر- أن تجعله حالاً من الضمير الذي في «قتل» ، وعلى الأول يعود للنبي، عليه السلام. ومما يرتفع بالظرف: قوله تعالى (كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ) «1» . ف (تُرابٌ) يرتفع بالظرف على المذهبين، لأنه صفة ل (صَفْوانٍ) . ومما يمكن أن يكون من هذا: قوله تعالى: (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) «2» . فقوله (ثُلَّةٌ) رفع بالظرف، إذا وقفت على (الْمُقَرَّبُونَ) ، في المذهبين جميعاً لأنه جرى خبراً على المبتدأ. ومثله: (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) «3» إذا وقفت على قوله: (عُرُباً أَتْراباً) «4» ، فأما إذا وصلت الكلام في الآيتين ارتفع قوله (ثُلَّةٌ) على أنه خبر ابتداء مضمر. ومنه قوله: (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ فِيها فاكِهَةٌ) «5» إن وقفت على (الأنام) رفعت (فاكِهَةٌ) بقوله «فيها» ، وإن وقفت على (وَضَعَها) رفعت (فاكِهَةٌ) بقوله (لِلْأَنامِ) على مذهب الأخفش، وبالابتداء على مذهب صاحب «الكتاب» .

_ (1) البقرة: 264. (2) الواقعة: 11، 12، 13. (3) الواقعة: 38 و 39. (4) الواقعة: 37. (5) الرحمن: 10 و 11.

وأما قوله تعالى: (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) «1» كأنه: لكل باب جزء مقسوم من الداخلين. ولا يصح تعلقه به في هذا الظاهر لأنه صفة ل «جزء» متعلّقه إذ المعنى كقوله: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى) «2» . وإن شئت علقته باللام، ولا يكون «منهم» صفة للنكرة لأنه لا شى فيه يعود على الموصوف. قوله تعالى: (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) «3» . قال أبو علي في «التذكرة» : وإن شئت كان: الإنسان هو البصيرة على نفسه. وإن شئت كان: على نفس الإنسان بصيرة، أي شهيد/، أي: يداه ورجلاه ولسانه إذا جعل «الإنسان» هو البصيرة كان ارتفاعه بأنه خبر المبتدأ الذي هو «الإنسان» ، و «على نفسه» متعلّق ب «بصيرة» والتقدير: بل الإنسان بصيرة على نفسه، أي: شاهد عليها. وعلى الوجه الآخر، بمنزلة: زيد في داره غلام، ف «لبصيرة» يرتفع بالظرف بالابتداء، والراجع إلى المبتدأ الأول الهاء فى «نفسه» .

_ (1) الحجر: 44. (2) الفرقان: 22. (3) القيامة: 14.

واعتبر قوله: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ) «1» . وقال أبو زيد: «البصيرة» هو الشاهد، وليس في قوله دلالة على أحد الوجهين المتقدمين. قلت: هو رفع بالظرف، لأن الظرف خبر المبتدأ، وليس فيه خلاف. قال «2» سيبويه: «واعلم أنك إذا نصبته في هذا الباب فقلت: مررت برجل معه صقر صائداً به غداً فالنصب على حاله، لأن هذا ليس بابتداء» . يعنى «معه صقر» ، لأن «معه» عنده هنا صفة، وهو يرفع هنا بالظرف، ويمتنع منه في غير هذا الموضع وإنما رفع هنا بالظرف، لأنه لا سبيل إلى التقديم، كما رفع في قولك: في الدار إنك منطلق، بالظرف. وقوله «3» «ولا يشبه: فيها عبد الله قائم غداي-، يعنى أن «معه» لا يشبه «فيها» ، و «صقر» لا يشبه «عبد الله» ، و «صائدا به غداً» لا يشبه «قائم غداً» - «لأن الظروف تلغى حتى يكون المتكلم كأنه لم يذكرها في هذا الموضع» - يعني في قوله: «فيها عبد الله قائم غدا» .

_ (1) النور: 24. [.....] (2) الكتاب (1: 243) . (3) يعنى: سيبويه.

وقوله: «1» : «فإذا صار الاسم مجروراً» - يعني «برجل» ، يعني بقوله: مررت برجل- أو عاملاً «فيه فعل» نحو قوله: مررت برجل معه صقر. وقوله «2» «أو مبتدأ» ، يعني مثل قولك: هذا رجل معه صقر. فقال في الجميع: إذا صار الاسم كذا لم تلفه «3» - يعني الظرف. وقوله «4» : «وفي الظروف، إذا قلت: فيها أخواك قائمان، رفعه الابتداء» . هذا كلام فا «5» . وقد ناقض في قوله: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) «6» ، وقوله: (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ) «7» ، وقوله: (بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها) «8» ، وقوله: (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) «9» ، وقوله: (حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ) «10» ، وزعم أنه على الخلاف. ومن ذلك قوله تعالى: (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) «11» ، / فيمن قرأ «علي» بتشديد الياء يرتفع «أن» الظرف على المذهبين، كقوله تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) «12» .

_ (4- 2- 1) يعني: سيبويه. (3) العبارة في سيبويه: «أي مبتدأ لم تلفه لأنه ليس يرفعه الابتداء» . (5) يعني: أبا علي الفارسي. وانظر الحاشية (ص 529) من هذا الجزء. وكثيرا ما يعقب المؤلف على الفارسي (ص 531 من هذا الجزء) . (6) ص: 58. (7) الكهف: 44. (8) هود: 41. (9) القيامة: 14. (10) الأنعام: 71. (11) الأعراف: 105. (12) فصلت: 39.

الباب الثاني والعشرون

الباب الثاني والعشرون هذا باب ما جاء في التنزيل من «هو» و «أنت» فصلا، ويسميه الكوفيون ب «العماد» وذلك يجئ بين المبتدأ والخبر، وبين اسم كان وخبره، وبين اسم، «إن» وخبره، وبين مفعولي «ظننت» وبابه، وهو كثير في التنزيل. فمن ذلك قوله تعالى: (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) «1» ، ف «أولئك» مبتدأ و «المفلحون» خبر، و «هم» فصل. والكوفيون يقولون: عماد. ويجوز أن يكون «هم» ابتداء ثانيا، و «المفلحون» خبر، والجملة خبر «أولئك» . ومن ذلك: قوله تعالى: (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) «2» ، فالكاف نصب اسم «إن» و «أنت» مبتدأ. وما بعده خبر. والجملة خبر «إن» . ويجوز أن يكون «أنت» فصلاً في الكلام، والخبر «العليم» . ويجوز أن يكون «أنت» نصباً صفة للكاف «3» ، وإن كان ضميرا مرفوعا.

_ (1) البقرة: 5. (2) البقرة: 32. [.....] (3) بهامش الأصل بقلم دقيق مغاير ما نصه: «فيه ما فيه فإن الضمير يوصف ولا يوصف به، فهلا كان تريد من الصفة المعنوية، إن كان غيرها فلا بد من بيان» .

قال «1» سيبويه: لو قلت: مررت بأنت، أو بإياك؟ لم يجز، لأن هذه علامات المنصوب والمرفوع. إن قال قائل: إذا جاز: مررت بك أنت. ورأيتك أنت، ونحوه وفي التنزيل: (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) «2» ، فجاز أن يتبع هذه العلامات التي تختص بالرفع المجرور، كما فعل ذلك في قولك: مررت بك أنت، و: رأيتك أنت، ونحو ذلك. فلم لا يجوز: مررت بأنت. ورأيت أنت؟ فالقول في ذلك: أنه يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع، نحو: يا زيد والحارث. و: رب رجل وأخيه. و: مررت بهم أجمعين. و: يا زيد الطويل، والطويل. وقوله: فعلفتها تبناً وماءً بارداً «3» ومن ثم كان الصفة عند أبي الحسن معمول التبعية، وهذا كثير جداً. ومثله قوله تعالى: (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) «4» . و (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ) «5» . و (لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) «6» . في «أنا» الأوجه الثلاثة، وكذلك: (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ) «7» ، ويجوز فيه الصفة، والفصل دون الابتداء، لانتصاب قوله: «أقلّ» .

_ (1) الكتاب (1: 377) (2) البقرة: 128. (3) صدر بيت، عجزه: حتى شتت همالة عيناها (البحر المحيط 5: 179) . (4) البقرة: 37. (6- 5) طه: 14. (7) الكهف: 39.

وقال الله تعالى: (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) «1» . «هو» على الفصل والوصف. وقال: (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) «2» . وقال: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) «3» . ف «الذي أنزل» بصلته. المفعول الأول، و «الحق» هو المفعول الثاني، و «هو» فصل لا غير، كقوله: (هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) «4» . وقال: (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) «5» ف «هم» فصل. وقال: (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً) «6» ف «هو» فصل، أو وصف للهاء في «تجدوه» . وقال الله تعالى: (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) «7» ، وقال: (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) «8» فأدخل اللام على الفصل. وكذلك قوله: (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ) «9» فيمن جعل اللام لام الابتداء في قوله: «لهم المنصورون» وارتفع «هم» بالابتداء. وقوله: «كأنهم» مع اسمه وخبره خبر «هم» ، وكأن الوقف على قوله: «ولا تستعجل» . ومن جعل اللام جارة من صلة «تستعجل» ، وقف [على] «10» «من نهار» .

_ (1) الأنفال: 32. (2) المائدة: 117. (3) سبأ: 6. (4) الأنفال: 32. (5) الزخرف: 76. (6) المزمل: 20. (7) الصافات: 60. [.....] (8) الصافات: 172. (9) الأحقاف: 35. (10) تكملة يقتضيها السياق.

والفصل يفارق حكمه حكم ما كان صفة للأول، ويفارق أيضاً حكم ما كان مبتدأ وخبراً في موضع خبر الأول. فأما مفارقته للصفة، فإن الصفة إذا كانت ضميراً، لم يجز أن يوصف به غير المضمر. تقول: قمت أنت، ورأيتك أنت، ومررت بك أنت ولا يكون صفة للظاهر، لا تقول: قام زيد هو، ولا: قام الزيدان هما. وليس الفصل كذلك، لأنه يدخل بعد الظاهر، ومفارقة البدل له أنك إذا أردت البدل قلت: ظننتك أنت خيراً من زيد وظننته هو خيراً منه ومما يفصل بين الفصل والصفة والبدل: أن الفصل يدخل عليه اللام، ولا يدخل على الصفة والبدل، كما تقول في الفصل: إن كان كذلك لهو الظريف. وفي التنزيل: (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) «1» ، «وإن كنا لنحن الصالحين» . فنصب: «الظريف» ، و «الغالبين» ، و «الصالحين» . وقال الله تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) «2» ، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) «3» .

_ (1) الشعراء: 41. (2) الحج: 58. (3) الصافات: 165.

ولا يجوز أن تقول: إن كنا لنحن الصالحين، في الصفة والبدل، لأن اللام تفصل بين الصفة والموصوف، والبدل والمبدل منه. وأما مفارقته لما كان مبتدأ وخبراً فإن الفصل لا يغير الإعراب عما كان قبل دخوله والمبتدأ يغير، تقول إذا أردت الفصل: كان زيداً هو خيراً منك. / وإذا جعلت «هو» مبتدأ قلت: كان زيدا هو خير منك. وليس للفصل موضع من الإعراب. واعلم أنه لا يقع الفصل إلا بين معرفتين، أو بين معرفة وما قارب منها. ولا يقع بين نكرتين، ولا بين معرفة ونكرة. فقوله: (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً) «1» «خيراً» مقارب للمعرفة لأن «خيراً» «أفعل» ، و «أفعل» يستعمل معها «من كذا» ظاهراً أو مضمراً، فيخصصه ويوضحه. وأما قوله تعالى: (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) «2» ، ف «هؤلاء» مبتدأ، و «بناتي» عطف بيان، و «هنّ» فصل، و «أطهر لكم» خبر، و «هؤلاء بناتي» معرفتان جميعا، و «أطهر لكم» منزلته منزلة المعرفة في باب الفصل لأنه من باب: زيد هو خير منك.

_ (1) المزمل: 20. (2) هود: 78.

وقرأ محمد بن مروان من أهل المدينة: «أطهر» بالنصب. وقد روي عن عيسى بن عمر بأسانيد جياد مختلفة أنه قرأها: «هن أطهر لكم» بالنصب. فقال: احتبى في لحنه. وقد روي عن سعيد بن جبير أنه قرأ: «هن أطهر لكم» بالنصب. ومعنى قول أبي عمر «1» : «احتبى في لحنه» : كقولك: اشتمل بالخطأ، وتمكن في الخطأ ونحو هذا مما يوجب تثبيت الخطأ عليه، وإحاطته به. قال أبو عثمان: وجه النصب في «أطهر لكم» : أن تجعل «هنّ» أحد جزءى الجملة، وتجعله خبر «بناتي» كقولك: زيد أخوك هو. وتجعل «أطهر» حالاً من «هن» أو من «بناتي» والعامل فيه معنى الإشارة كقولك: هذا زيد هو قائماً، أو جالساً، أو نحو ذلك. وإنما لحن من لحن لأنه لم ير قوله «هن» تمام الكلام، وإنما رأى قوله «هن» فصلاً، ورأى «أطهر» الخبر. فلم ير ذلك ... «2» تم به الكلام. ومن طريف ما ذكرنا: أن «3» سيبويه قال: وأما أهل المدينة فينزلون «هو» هاهنا منزلة قوله: ما أظن أحداً هو خيراً منك، ويجعلونها فصلا في هذا الموضع.

_ (1) كنية عيسى بن عمرو الثقفي المتقدم. (2) بياض بالأصل. (3) الكتاب (1: 397) .

وزعم يونس: أن أبا عمرو رواه لحناً وقال: احتبى ابن مروان في ذه «1» ، في اللحن. وذلك أنه كان يقرأ: (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) . وكان الخليل يقول: والله [إنه ل] عظيم جعلهم «هو» فصلاً في المعرفة، وتصييرهم إياها بمنزلة «ما» إذا كانت «ما» لغواً لأن «هو» بمنزلة/ «أبوه» ، ولكنهم جعلوها في ذلك الموضع لغواً [كما جعلوا «ما» في بعض المواضع بمنزلة «ليس» ، وإنما قياسها أن تكون بمنزلة «كأنما» و «إنما» . ومما يقوي ترك ذلك في النكرة: أنه لا يستقيم أن تقول: رجل خير منك، ولا أظن رجلاً خيراً منك، حتى تنفي وتجعله بمنزلة «أحد» فلما خالف المعرفة في الواجب الذي هو بمنزلة الابتداء، وفي الابتداء لم يجر في النكرة مجراه، لأنه قبيح في الابتداء، وفيما أجري مجراه من الواجب، فهذا مما يقوي ترك الفصل] «2» . وهذه الآية ما وقع «هن» فيها بين نكرتين وليس بحجة لأهل المدينة ولكنه وقع في «الكتاب هاهنا موقعه في باب آخر، وقد بينا هذا. وأما قوله تعالى: (وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) «3» يرتفع «مولود» بالعطف على «والد» لإعادة العاطف مؤكدا.

_ (1) الكتاب (1: 397) : «هذه» . (2) التكملة من الكتاب. (3) لقمان: 33. [.....]

ولأن كونه مبتدأ، ممتنع لتنكيره، فيستدعي التخصيص بالوصف، ولو كانت الجملة وصفاً، احتاج إلى الخبر، ولا خبر هنا، وهو تأكيد لما فى «مولود» أو مبتدأ، و «جاز» خبره، والجملة وصف له، ولا يكون «هو» فصلاً لأن ما هو بينهما نكرتان. وأما قوله تعالى: (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) «1» فإن «هو» فصل، و «يبور» خبر المبتدأ الذي هو «مكر أولئك» ، و «أولئك» جر بالإضافة. قال أبو عثمان: زيد هو يقول ذاك، «هو» فصل، ولا أجيز: زيد هو قال ذاك لأنى أجيز الفصل بين الأسماء والأفعال «2» . ولا يجوز في الماضية، كما جاز في المضارعة وذلك أن سيبويه قد قال: إني لأمر بالرجل خير منك وبالرجل يكرمني وهما صفة، على توهم الألف واللام، فكذلك في الفصل أتوهم الألف واللام في الفعل، ويكون بمنزلة الغاية بين المعرفتين. كما أقول: «كان زيد هو خيرا منك» على توهم الألف واللام في «خير منك» . ولا يجوز: كان زيد هو منطلقاً. لأني أقدر على الألف واللام، وإنما يجوز هذا فيما لا يقدر فيه على الألف واللام.

_ (1) فاطر. (2) مقتضى الكلام أن يقول: لأني أجيز الفصل في الفعل المضارع ولا أجيزه في الفصل الماضي، وبذلك يصح الاستدلال بالمثالين.

وأما قوله تعالى: (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) «1» ، فموضع «أربى» رفع لأن قوله «أمة» اسم «تكون» وهي ابتداء، و «أربى» خبره، والجملة خبر «كان» ، ولا يجوز أن تكون «هي» هاهنا فاصلة لأن أمة» نكرة، و «أربى» وإن قاربت المعرفة فيستدعي كون معرفة قبلها. وأما قوله: (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) «2» ، فقوله «جزاؤه» مبتدأ. وقوله «من وجد» خبر المبتدأ، والتقدير: أخذ من وجد، أي: أخذ الإنسان الذي وجد الصاع في رحله والمضاف محذوف، وفي «وجد» ضمير «الصاع» العائد إلى «من» ، الضمير المجرور بالإضافة، «فهو جزاؤه» ذكرت هذه الجملة تأكيداً للأول، أي أخذه جزاؤه، و «من» بمعنى الذي/ على هذا، وإن جعلت «من» شرطا، و «وجد في رحله» في موضع الجزم، والفاء في قوله «فهو جزاؤه» جواب الشرط، والشرط والجزاء خبر المبتدأ، جاد وجاز. وكان «3» التقدير: جزاؤه إن وجد الصاع في رحل إنسان فهو هو، لكنه وضع من الجملة إلى المبتدأ عائد، لأنه إذا كان «من» شرطاً، أو بمعنى «الذي» ، كان ابتداء ثانياً، ويكون الفاء مع ما بعده خبراً، وتكون الجملة خبر المبتدأ، والعائد هو الذي وضع الظاهر موضعه.

_ (1) النحل: 92. (2) يوسف: 75. (3) توجيه هذا الرأي كما ساقه أبو حيان في البحر (5: 331) «جزاؤه من وجد في رحله فهو هو، فموضع الجزاء موضع هو» .

ويجوز أن يكون «جزاؤه» خبرا، و «هو» فصل. وأما قوله: (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) «1» لا يجوز الفصل هنا. فإذا لم يجز الفصل كان «هم» الثانية: إما صفة، وإما ابتداء، وجازت الصفة، لأن الأول مضمر، فيجوز أن يكون المضمر وصفاً له. ونراها أشبه لأنك إذا جعلته ابتداء، فصلت بين اسم الفاعل وما يتصل به بمبتدأ، وهما أذهب في باب كونها أجنبيات من الصفة لأن الصفة متعلق بالأول، والمبتدأ أجنبي من اسم الفاعل. وأما قوله: (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) «2» . يحتمل «هم» ثلاثة أضرب: أحدها- أن يكون مرتفعاً بمضمر دل عليه «ينتصرون» لأن هذا الموضع فعل. ألا ترى أن جواب «إذا» حقه أن يكون فعلاً فإن أظهرت ذلك الفعل كان «ينتصرون» لأن الضمير حقه أن يتعلق بالفعل، كما يكون «أنت» ، فانظر في بيت عدى «3» .

_ (1) يوسف: 37- هود: 19. (2) الشورى: 39. (3) يريد: عدي بن زيد العبادي، وبيته هو: فمتى واغل ينبهم يحيّو ... هـ تعطف عليه كأس السّاقي قدم الاسم على الفعل للضرورة مع أنه مجزوم بمتى، وارتفاع الاسم بعدها بإضمار فعل يفسره الظاهر، لأن الشرط لا يكون إلا بالفعل (الكتاب ج 1: 458) .

ومن أجاز إضمار الفاء واستدل بقوله: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) «1» جاز أن يرتفع «هم» على قوله بالابتداء، والتقدير: فهم ينتصرون، إلا أنه حذف الفاء «2» . وهو على تقدير العربية أن يكون صفة «3» للضمير المنصوب في «أصابهم» ، وليس بالقوي في المعنى «4» . ألا ترى أن البغي إذا أصابهم هم، أو أصاب أصحابهم، وجب عليهم الانتصار لهم، كما يجب انتصارهم لأنفسهم. وإنما قلنا قياس قول سيبويه رفع قوله «هم» بمضمر، لأنه قد قال في قوله «إن يأتني زيد يضرب» : إنه يرتفع بفعل مضمر يفسره «يضرب» ، ولا فصل بين «إذا» و «إن» . ووصل «الذين» ب «إذا» يدل على صحة ما ذهب إليه من قوله: أزيد إذا أتاك يضرب إذا جعلته جوابا ولم تقدر به التقديم- وإن ذلك كان إذا كانت خبر مبتدأ/ مضمر يفسره «يضرب» ، ولا فصل بين «إذا» و «إن» ، ووصل «الذين» ب «إذا» يدل على صحة ما ذهب إليه من قوله: أزيد إذا أتاك يضرب- إذا جعلته جوابا ولم تقدر به التقديم، وإن ذلك كان إذا كانت خبر مبتدأ مضمر أو صلة تشبّه ب «إن» ، كما شبهت «إذا» أيضاً بها في قول من جازى بها في الشعر. ولا يجوز ذلك في «حين» ، ولا في غير الأسماء التي تتضمن معنى الشرط والجزاء.

_ (1) الأنعام: 121. (2) وهذا هو الوجه الثاني في «هم» . (3) وهذا هو الوجه الثالث في «هم» . (4) البحر المحيط (7: 522) : «توكيدا» .

ولا يحمل «إذن» على اسم الزمان في وصل «الذي» بها. هذا كله، كما ترى، درر نظمتها لك، وفي الكتاب فصل يخالف هذا «1» . قال سيبويه: واعلم أن «هو» تكون فصلاً إلا في الفعل، ولا تكون كذلك إلا في كل فعل الاسم بعده بمنزلته في حال الابتداء، وذكر باب «حسبت» و «كان» فقط «2» . قال أبو بكر: ولم يذكر باب «إن» هنا، ولا باب «الابتداء بإن» قال: فأذكر أنه لا يكون فصلاً إلا في الأفعال، وتأول الآية في حد «إن» على أنها مبتدأة، وهي قوله: (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) «3» . ويدل أيضاً على صحة قوله: أن سيبويه لما ذكر في هذا الكتاب ما يكون «هو وأخواتها فيه فصلاً» ذكر باب «حسبت وأخواتها» ، و «كان وأخواتها» ولم يذكر «إن» . قال أبو سعيد: ومن مذهبه أنهن يكن فصلاً في «إن» وفي «الابتداء» . وإنما ابتدأ بالفعل وخصه لأنه لا يتبين الفصل إلا فيه و «إن» و «الابتداء» لا يتبين الفصل بهما في اللفظ، لأنك إذا قلت: زيد هو خير منك فما بعد «هو» مرفوع على كل حال، وإن جعلت «هو» فصلا، أو جعلته مبتدأ.

_ (1) الكتاب (1: 431- 452) . (2) الكتاب (1: 394) . [.....] (3) هود: 22.

وإنما يتبين فى «كان، وأخواتها» ، و «ظننت، وأخواتها» الفصل من الابتداء لأن أخبارها منصوبة، تقول: كان زيد هو أخوك، إذا جعلت «هو» ابتداء، و «أخوك خبره، والجملة خبر زيد» وكذلك: ظننت زيداً هو أخوك، وإذا كان فصلاً قلت: كان زيد هو أخاك، وظننت زيداً هو أخاك.

الباب الثالث والعشرون

الباب الثالث والعشرون هذا باب ما جاء في التنزيل من المضمرين إلى أي شيء يعود مما قبلهم وهو كثير في التنزيل، لكنا نذكر نبذاً منها: فمن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) «1» قيل: من مثل محمد- عليه السلام- فالهاء تعود إلى «عبدنا» . وقيل: تعود الهاء إلى قوله «ما» ، أي: فأتوا بسورة من مثله/ ما نزلناه على عبدنا- فيكون «من» زيادة- على قول أبي الحسن- دليله قوله: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) . وقيل: الهاء تعود إلى الأنداد، كما قال سيبويه في قوله: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) «2» وفي الأخرى: (مِمَّا فِي بُطُونِها) «3» لأن «أفعالا» و «أفعلا» و «أفعلة» و «فعلة» جرت عندهم مجرى الآحاد لأنهم جمعوها في قولهم: أناعيم، وأكالب، وأساق، وغير ذلك، وصغروها تصغير الآحاد في: أنيعام، وأكيلب. فجاز عودها إلى الأنداد في قوله: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) «4» ، والمعنى يقتضي الأوجه الثلاثة، وقرب اللفظ يقتضى عوده إلى «عبدنا» .

_ (1) البقرة: 23. (2) النحل: 66. (3) المؤمنون: 21. (4) البقرة: 22.

ومن ذلك قوله: (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) «1» . قيل: التقدير: أول كافر بالتوراة، وهو مقتضى قوله: (لِما مَعَكُمْ) «2» فيعود إلى «ما» . وقيل: يعود الهاء إلى قوله (بِما أَنْزَلْتُ) «3» وهو القرآن. والوجه الأول أقرب. ويجوز أن تعود الهاء إلى النبي- صلى الله عليه وعلى آله- وذلك مذكور دلالة، لأن قوله: (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ) أي: أنزلته على محمد، عليه السلام. ومن ذلك قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) «4» . قيل: الهاء تعود إلى «الصلاة» . أي: إن الصلاة لكبيرة- أي: لثقيلة- إلا على الخاشعين، كقوله: (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) «5» . وعندي: أن الهاء تعود إلى المصدر، لأن قوله: «واستعينوا» يدل على الاستعانة، أي: إن الاستعانة لكبيرة إلا على الخاشعين، كما قال: من كذب كان شرّا له.

_ (1) البقرة: 41. (2) البقرة: 41. (3) البقرة: 41. (4) البقرة: 45. (5) البقرة: 143.

ومن ذلك قوله: (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) «1» . قيل: يعود إلى ذبح الأبناء، واستحياء النساء. أي: في المذكور نقمة من ربكم. ووحّد «ذا» ولم يقل: «ذينكم» ، لأنه عبّر به عن المذكور المتقدم. وقيل: يعود «ذلكم» إلى «الإنجاء» من آل فرعون. ومثل الأول قوله: (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) «2» ، أي: ذلكم المذكور المتقدم. ومثله: (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) «3» . أي: بين المذكور المتقدم، لأن «بين» يضاف إلى أكثر من واحد، كقولك: المال بين زيد وعمرو. ومثله: (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) «4» ، «هو» عبارة عن المصدر، / أي. الإخراج محرم عليكم، ثم قال: «إخراجهم» . فبين ما عاد إليه هو. وقال: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) «5» أي: العدل أقرب للتقوى. وقد تقدم (هُوَ خَيْراً لَهُمْ) «6» على معنى: البخل خيراً لهم لأن «ينجلون» يدل عليه.

_ (1) البقرة: 49. (2) البقرة: 54. (3) البقرة: 68. (4) البقرة: 85. [.....] (5) المائدة: 8. (6) آل عمران: 18.

وقال: (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) «1» ، أي: إن أكله. وقال: (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) «2» ، أي: إن أكله لفسق. ومن ذلك قوله تعالى: (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) «3» . قيل: التقدير: وما أحد يزحزحه من العذاب تعميره. ف «هو» يعود إلى «أحد» وهو اسم «ما» . وقوله: «بمزحزحه» خبر «ما» والهاء في «بمزحزحه» يعود إلى «هو» . وقوله: «أن يعمر» يرتفع «بمزحزحه» . ويجوز أن يكون «وما هو» «هو» ضمير التعمير، أي: ما التعمير [بمزحزحه] من العذاب. ثم بين فقال: «أن يعمر» ، يعني: التعمير، أي: ما التعمير. وقال الفراء: «هو» ضمير المجهول، أي: ما الأمر والشأن يزحزح أحداً تعميره من العذاب. وهذا ليس بمستو، لمكان دخول الباء، والباء لا تدخل في الواجب، إلا أن يقول: إن النفي سرى من أول الكلام إلى أوسطه، فجلب الباء. ومن ذلك قوله تعالى: (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) «4» . قيل: وآتى المال على حب الإعطاء. [و] قيل: وآتى المال على حب ذوي القربى. فإن صح كان (ذَوِي الْقُرْبى) بدلاً من الهاء- وفيه نظر.

_ (1) النساء: 2. (2) الأنعام: 121. (3) البقرة: 96. (4) البقرة: 177.

وقيل: على حب المال فعلى هذا يكون الجار والمجرور في موضع الحال، أي: آتاه محباً له. وأما قوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) «1» . أي: على حب الطعام، ويكون: على حب الإطعام، ويكون: على حب الله. ومن ذلك قوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) «2» . قيل: معناه: فمن عفي عن الاقتصاص منه، فاتباع بالمعروف، هو أن يطلب الولي الدية بمعروف، ويؤدي القاتل الدية بإحسان- عن ابن عباس. فالهاء في «إليه» يعود إلى «من» . وقوله: «فاتباع بالمعروف، أي: فعلى الولي اتباع بالمعروف، وعلى القاتل أداء إلى الولي بإحسان. فالهاء في «إليه» على هذا ل «الوليّ» . وقيل: إن معنى قوله (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «3» بمعنى: فمن فضل له فضل- وهو مروي عن السدي، لأنه قال: الآية نزلت في فريقين كانا على عهد رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله- قتل من كلا الفريقين قتلى، فتقاصا ديات القتلى بعضهم من بعض، فمن بقيت له بقية/ فليتبعها بالمعروف، وليؤد من عليه الفاضل بإحسان. ويكون معنى قوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «4» . أي: فمن فضل من قتل أخيه القاتل له شيء.

_ (1) الإنسان: 8. (2) البقرة: 178. (4- 3) البقرة: 178.

ولعل فارس الصناعة «1» أراد هذا حين قال «فمن عفي له» أي: من يسر من قتل اخيه القاتل شيء فاتباع بالمعروف، أي، ليتبعه ولي المقتول، وليؤد إليه بإحسان، فلا يمطله، والأداء في تقدير فعل المفعول، أي فله: أن يؤدي إليه، يعني الميسر له، ولو قدر تقدير: أن يؤدي القاتل، جاز، والباء حال، ولم يكن من تمام الأداء ليعلق إلى «به» . فمقتضى ما قدمنا في قوله: (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) «2» قولان: أحدهما: أنهما عائدان إلى القاتل والمقتول «اتباع بالمعروف» عائد إلى ولي المقتول أن يطالب بالدية بمعروف، والأداء بإحسان عائد إلى القاتل أن يؤدي الدية بإحسان. والثاني: أنهما عائدان إلى القاتل، أن يؤدي الدية بمعروف وإحسان فالمعروف أن لا ينقصه والإحسان أن لا يؤخره. ففى الآية ثلاث كنايات: أحدها: الهاء في «له» . والثاني: الهاء في «أخيه» . والثالث: الهاء في «إليه» . فيقال الهاء في «له» وفي «أخيه» للقاتل الذي عفي له للقصاص،

_ (1) يعني: أبا علي الفارسي. (2) البقرة: 178.

وأخوه ولي القتيل. والضمير في «إليه» أيضاً له. أي: يؤدي القاتل الدية إلى الولي العافي بإحسان عن غير مطل. وبين الفريقين في هذه الآية كلام في موجب العمد، هل هو القود؟ أو أحد الشيئين من القود والدية لا بعينه. فقال الشافعي في موجبه أحدهما: فإن شاء استوفى القصاص، وإن شاء أخذ الدية، فقال في الآية: إن الله شرع القصاص عيناً ابتداء، ثم ألزم القاتل أداء المال إلى الولي إذا عفى له، ولأن قوله: (فَمَنْ) «1» كلمة مبهمة، وذكرت لبيان تغيّر حكم القصاص بعفو يقع له فدل ضرورة أن كلمة «من» تنصرف إلى من عليه القصاص، ليسقط به، وهي كناية عن الاسم المراد بقوله (فَمَنْ) «2» . فثبت ضرورة أن الثابت في اسم القاتل، الذي دل عليه القصاص، وأن العفو وقع له. والله تعالى علق بالعفو وجوب الاتباع والقبول والأداء، فإن قوله: (فَاتِّباعٌ) «3» على/ سبيل التعليق بالأول. بمنزلة قوله: «فاتبعوا» . كقول الله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «4» في باب الكفارة. ثم بين أن هذا الحكم من الله تخفيف ورحمة، فإن الحياة لا عوض لها، وقد حي بعد الهلاك بالدية.

_ (3- 2- 1) البقرة: 178. (4) المجادلة: 3.

و (عُفِيَ لَهُ) «1» يجئ بمعنى: عفي عنه، فلما ثبت أن العفو وقع للقاتل علم أن العافي هو الولي ضرورة، وما لأحد غيره حق في هذا الباب، وقد تقدم الجواب عن هذا الكلام. ودل قوله «شيء» على التنكير، فإن الله أوجب القصاص ابتداء، ثم قال: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «2» على سبيل التنكير، فينصرف إلى شيء من الواجب عليه، أي: أي شيء من القصاص. فإن قيل: تأويله: شيء من العفو بعفو القصاص دون البدل. قلنا: لما كان «شيء» نكرة من جملة وجب صرفها إلى الجملة المذكورة شائعة، وهو القصاص، دون العفو، الذي لم يذكر، كما يجب في الكناية والتعريف. ومن ذلك قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ) «3» . فيه قولان: أحدهما: «الهاء» لنمرود، لما أوتي الملك، حاج في الله تعالى. عن الحسن. الثاني: هو لإبرهيم، لما آتاه الله الملك، حاجه نمرود: عن أبى حذيفة. و «الملك» النبوة. ومن ذلك قوله تعالى: (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) «4» .

_ (2- 1) البقرة: 178. [.....] (3) البقرة: 258. (4) فاطر: 11.

فيه قولان: أحدهما: أنه لا يمد في عمر معمر حتى يهرم (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) «1» أي: من عمر آخر، حتى يموت طفلا (إِلَّا فِي كِتابٍ) . «2» . وقيل: (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) «3» قدر الله مدة أجله، إلا كان ما ينقص منه بالأيام الماضية وفي كتاب، جل سبحانه وتعالى، فالهاء على هذا للمعمر، على الأول، كقولك: عندي درهم ونصفه، أي، نصف مثله، كذلك: لا ينقص من عمر مثل معمر، ولا يشبه الآية «درهم ونصفه» ، لأنه ليس المعنى: لا ينقص آخر من عمر ذلك الآخر. إنما المعنى: ولا ينقص آخر من عمر هذا المعمر، أي: لا ينقص بجعله أنقص عمراً منه. ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) «4» فيه ثلاثة أقوال: أحدها: إلا ليؤمنن بالمسيح قبل موت المسيح، إذا نزل من السماء. عن ابن عباس. الثاني: إلا ليؤمنن بالمسيح قبل موت الكتابي عند المعاينة، فيؤمن بما أنزل الله من الحق وبالمسيح-/ عن الحسن- فيعود الهاء من «موته» إلى «أحد» المضمر، لأن التقدير: وإن أحد من أهل الكتاب.

_ (3- 2- 1) فاطر: 11. (4) النساء: 159.

والقول الثالث: إلا ليؤمنن بمحمد- صلى الله عليه وعلى آله- قبل موت الكتابي. عن عكرمة. وفيه ضعف لأنه لم يجر هاهنا لمحمد- عليه السلام- ذكر. فإن قيل: إذا كان الاختيار الأول، فما وجه قوله عز وجل: (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) «1» ؟ وكيف يشهدون على من لم يشاهدهم، ولم ير منهم ما يشهد به عليهم؟ فالجواب: أنه ليس واجباً على الشاهد ألّا يشهد إلا بما شاهد لأن الشهادة علم، وإذا علم الشيء وتحققه فله أن يشهد. ألا ترى أنا نشهد بأن محمداً رسول الله، ولم نره ولم نشاهده، لأنا علمنا بالتواتر كونه، وبالدليل رسالته، فكذلك عيسى نشهد بعلمه. ومن ذلك قوله تعالى: (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) «2» . فيه قولان: الأول: أنها كفارة للجارح لأنه يقوم مقام آخذ الحق. والثاني: كفارة للمجروح. عن ابن مسعود. وعن ابن عباس، هذا محمول على من عفي عنه بعد التوبة. ويجوز أن يعود الضمير في قوله إلى المقتول، أي: إذا عفا وليه زاد الله فى ثواب المقتول.

_ (1) النساء: 159. (2) المائدة: 45.

ويجوز أن يرجع إلى القاتل، والهاء الأولى للقتل، أي: من تصدق بتبيين القتل منه، وأنه هو الذي فعله، وقصد استتار القاتل، وخفي أمره على الأولياء. فذلك التصدق كفارة للقاتل لأنه إنفاذ لحكم الله، وتخليص الناس من التهم والظنون. ومن ذلك قوله تعالى: (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) «1» . قيل: الهاء لنوح. وقيل: لإبرهيم لأن الله أراد تعداد الأنبياء من ولد إبراهيم- عليه السلام، امتناناً عليه بهذه النعمة. وليس القصد ذكر أولاد نوح، فهو له «2» ، ولوطا ويونس ب «هدينا» مضمرة عند من قال: إنه لإبرهيم. ولا وجه لإختلاف العطف. ومن ذلك قوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) «3» . أي: للذكر لقوله: (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) «4» وقيل: «وإنا له» يعني لمحمد صلى الله عليه وعلى آله كما قال: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) «5» . ومن ذلك قوله: (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) «6» .

_ (1) الأنعام: 84. (2) يريد: فالخطاب له، أي لنوح عليه السلام. (3) الحجر: 9. (4) فصلت: 42. (5) المائدة: 67. (6) طه: 88.

قيل: «فنسي» / أي: نسيه موسى، فمضى يطلب رباً سواه، فعلى هذا تقف على قوله: «فنسي» دون «موسى» . وقيل: «هذا إلهكم وإله موسى» تمت الحكاية ثم قال: «فنسي» أي: فنسي السامري. ومن ذلك قوله تعالى: (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) «1» . قيل: علم الله صلاة نفسه، وتسبيح نفسه. وقد ذكرنا ما في هذا من الاختيار فيما تقدم. ومن ذلك قوله: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) «2» أي: فإن المذكور، كما قال: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) «3» . أي: إن المذكور كما قال: (وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) «4» . أي: ما جعل الله الإمداد، فكنى عن الإمداد لأن قوله: (أَنْ يُمِدَّكُمْ) «5» ، يدل عليه نظيره في الأنفال: (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ) «6» . ومن ذلك قوله: (لِنُحْيِيَ بِهِ) «7» أي: بالماء، ثم قال: (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ) «8»

_ (1) النور: 41. (2) آل عمران: 186. [.....] (3) الشورى: 43. (4) آل عمران: 126. (5) آل عمران: 124. (6) الأنفال: 9 و 10. (7) الفرقان: 49. (8) الفرقان: 50.

فقالوا: يعني المطر، صرفه بين الخلق، فلم يخص به مكاناً دون مكان، ليعتبروا ويتعظوا، ومع ذلك أبوا إلا كفوراً، حين قالوا: مطرنا بنوء كذا. وقال قوم: ولقد صرفنا القرآن بينهم لأنه ذكره في أول السورة. والأول أوجه لأنه أقرب. ومن ذلك قوله: (وَجاهِدْهُمْ بِهِ) «1» أي: بالقرآن، وقيل: بالإنذار لأن قبله «نذيراً» يدل على الإنذار. ومن ذلك قوله: (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) «2» ، أي: بالله، لقوله: (مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ) «3» . وقيل: بالرسول، صلى الله عليه وعلى آله. فأما قوله: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) «4» . فقيل: الضمير للأمر والشأن، أي: قل الأمر والشأن «الله أحد» . وقيل: «هو» إشارة إلى «الله» ، وقوله: «الله» بدل منه، مفسر له. وأما قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) «5» فيمن اختلس كسرة الهاء كان كناية عن المصدر، أي: اقتد اقتداء.

_ (1) الفرقان: 52. (2) الزمر: 33. (3) الزمر: 32. (4) الإخلاص: 1. (5) الأنعام: 90.

وعلى هذا قراءة من قرأ: (لَمْ يَتَسَنَّهْ) «1» بالهاء في الوصل، يكون كناية عن المصدر. وأما قوله: َ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) «2» . ففي «هو» وجهان: أحدهما- أن يكون ضمير (كل) ، أي: لكل أهل وجهة وجهة هم الذين يتولونها ويستقبلونها عن أمر نبيهم. عن مجاهد. والثاني- الله تعالى هو الذي يوليهم إليها، وأمرهم باستقبالها. عن الأخفش. وقد قرئ: «هو مولاها» . وهذا حسن. يدل على الثاني من القولين قال: (مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) «3» . قيل: الهاء تعود إلى الله، أي: هو عصمني ونجاني من الهلكة. وقيل: إنه سيدي أحسن مثواي لأنه قال لامرأته: (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) «4» . فأما قوله: (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) «5» أي: الإجابة أو المقالة أو الكلمة، ولا يكون قوله: (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) «6» تفسيراً لقوله (فَأَسَرَّها) لأنه لا نظير لمثل هذا المثل، والمفسر في كلامهم لأن المفسر في جملة، والمفسر في جملة أخرى، وإنما يكونان في جملة واحدة، نحو: نعم رجلاً زيد، وربه رجلاً وما أشبه ذلك.

_ (1) البقرة: 259. (2) البقرة: 148. (3) يوسف: 23. [.....] (4) يوسف: 21. (6- 5) يوسف: 77.

ومن ذلك قوله: (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) «1» . أي: زاد الإنس الجن عظماً وتكبراً. وقيل: بل زاد الجن الإنس رهقاً، ولم يعيذوهم، فيزدادوا خوفاً. ومن ذلك قوله: (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ) «2» أي: فذلك النقر، فعبر عن المصدر ب «ذا» . ومن ذلك قوله: (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) «3» . أي: على رجع الإنسان وبعثه. وقيل: على رجع الماء إلى الإحليل. ومن ذلك قوله: (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) «4» . الهاء الأولى ل «ما» من قوله: (لَما آتَيْتُكُمْ) «5» والثانية للرسول، إذا جعلت «ما» بمعنى «الذي» ، وإذا جعلته شرطاً، كلاهما للرسول. ومن ذلك قوله: (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) «6» . قيل فاعل «أملى» هو الله لقوله «أملى لهم» . وقيل: هو الشيطان، لأنه أهملهم، ورجاهم، وسول لهم، وزين لهم. ومن ذلك قوله: (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) «7» ، أي: من الكافرين من أهل الكتاب.

_ (1) الجن: 6. (2) المدثر: 8، 9. (3) الطارق: 8. (5- 4) آل عمران: 81. (6) محمد: 25. (7) المائدة: 73.

ومن ذلك قوله: (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) «1» . قيل: الهاء للمصدر، أي: يذرؤكم في الذرء. ويجوز أن يكون «2» ، لقوله: (أَزْواجاً) كما قال: (فِي بُطُونِهِ) «3» . فأما قوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ) «4» أي: من قبل هدايته لأن قبله: (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) «5» . وأما قوله: (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ) «6» . أي: من قبل السحاب لأن السحاب جمع سحابة فجرى مجرى النخل والحب، وقد قال: (يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) «7» كما، قال: (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) «8» / و (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) «9» . وقال: (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) «10» ، ولم يقل: «مواضعها» . فأما قوله: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ) «11» . ففيما يعود إليه «منهما» ثلاثة أقوال:

_ (1) الشورى: 11. (2) في الأصل: «إن لم يكون» . (3) النحل: 66. (5- 4) البقرة: 198. (6) الروم: 49. (7) النور: 43. [.....] (8) القمر: 20. (9) الحاقة: 7. (10) النساء: 46. (11) البقرة: 102.

أحدها- أنه لهاروت وماروت. والثاني- من السحر والكفر. والثالث- من الشيطان والملكين، يتعلمون من الشياطين السحر، ومن الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه. ومن ذلك قوله: (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) «1» . فالمعنى في الآية: أن مجترحي السيئات لا يستوون مع الذين آمنوا، كما قال: (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) «2» . وكما قال: (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) «3» . فالمراد في الآية هذا المعنى، والضمير في قوله: (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) «4» لا يخلو من أن يكون للذين آمنوا دون الذين اجترحوا السيئات، أو للذين اجترحوا من دون المؤمنين أولهما جميعاً. فيجوز أن يكون الضمير في «محياهم ومماتهم» للذين آمنوا دون غيرهم. ويكون المعنى: كالذين آمنوا مستوياً محياهم ومماتهم، فتكون الجملة في موضع الحال من «الذين آمنوا» ، كما يكون الحال من المجرور في نحو: مررت بزيد. ويجوز أن تكون الجملة في موضع المفعول الثاني من «نجعل»

_ (4- 1) الجاثية: 21. (2) السجدة: 18. (3) الرعد: 16.

أي: نجعلهم مستوياً محياهم ومماتهم، كالذين آمنوا، أي: لا ينبغي ذلك لهم، فيكون الضمير فى (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) «1» للذين اجترحوا السيئات، و «محياهم ومماتهم» يعود الضمير منه إلى الضمير الذي في (نَجْعَلَهُمْ) «2» . ويدل على ذلك أنه قد قرئ فيما زعموا: «سواء محياهم ومماتهم» فنصب الممات «3» . وقد حكي عن الأعمش. فهذا يدل على أنه أبدل المحيا والممات من الضمير المتصل ب «نجعلهم» فيكون كالبدل، كقوله: (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) «4» . فيكون الذكر في «محياهم ومماتهم» على هذا المعنى: للذين اجترحوا السيئات. ويجوز أن نجعل قوله: (كَالَّذِينَ آمَنُوا) «5» في موضع المفعول الثاني ل «نجعل» ، ويكون الضمير في «محياهم ومماتهم» للقبيلين. ويكون العامل في الحال «أن نجعلهم» الذي هو مفعول «الحسبان» «6» . ويكون المعنى: أن نجعلهم والمؤمنين متساوين في المحيا والممات. وقد روي عن مجاهد أنه قال/ في تفسير هذه الآية: يموت المؤمن على إيمانه ويبعث عليه، ويموت الكافر على كفره ويبعث عليه. فهذا يكون على الوجه الثالث يجوز أن يكون حالاً، من «نجعلهم» والضمير للقبيلين.

_ (2- 1) الجاثية: 21. (3) وجه النصب في هذه القراءة على نزع الخافض بتقدير أن الأصل: سواء في محياهم وفي مماتهم. (4) الكهف: 63. (6- 5) يريد قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ) في أول الآية.

فإن قلنا: إن من الكفار من يلحقه مكانه في الدنيا، ويكون له نعم ومزية، فالذى يلحق ذلك ليس يخلو من أن يكون من أهل الذمة، أو من أهل الحرب. فإن كان من أهل الذمة، فليس يخلو من أن يكون قد أدركه ما ضرب عليهم من الذلة في الحكم. وإن كان من أهل الحرب، فليس يخلو من إباحة نفسه وماله، لكونه حرباً. ومن أن يكون ذلك جارياً عليه في الفعل من المسلمين بهم أو الحكم، والمؤمن مكرم في الدنيا لغلبته بالحجة، وفي الآخرة في درجاته الرفيعة ومنازله الكريمة. ومن ذلك قوله: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا) «1» . أي: الله سماكم المسلمين، من قبل إنزال القرآن، وفي هذا القرآن. عن ابن عباس. وقيل: بل إبراهيم سماكم المسلمين لقوله: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) «2» . عن ابن زيد. ومن ذلك قوله تعالى: (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) «3» . فى الهاء ثلاثة أقوال: الأول- أنه من التكذيب. والثاني- أنه للكتاب. والثالث- للإنذار، وإن جاء «لتنذر» بعده.

_ (1) الحج: 78. (2) البقرة: 128. (3) الأعراف: 2. [.....]

ومن ذلك قوله: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) «1» . قال سعيد بن جبير: إن الرسل يئسوا من قومهم أن يؤمنوا به، وإن قومهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا فيما قالوا لهم، فأتاهم نصر الله على ذلك. والضمير في قوله: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) «2» للمرسل إليهم، أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به، من أنهم إن لم يؤمنوا نزل العذاب بهم، وإنما ظنوا ذلك لما شاهدوه من إمهال الله إياهم وإملائه. ودل ذكر الرسل على المرسل إليهم، فكنى عنهم، كما كنى عن الرعد حين جرى ذكر «البرق» في قوله: أمنك البرق أرقبه فهاجا ... فبت إخاله دهماً خلاجاً «3» وفيمن شدد «كذبوا» فالضمير للرسل، تقديره: ظن الرسل، أي: تيقنوا. «وظنوا» ليس/ الظن الذي هو حسبان. ومعنى «كذبوا» تلقوا بالتكذيب، كقولهم: خطأته، وفسقته، وجدعته، وغفرته، فتكذيبهم إياهم، يكون بأن تلقوا بذلك. وقيل في قوله تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً) «4» أي: تساقط ثمرة النخلة، فأضمر «الثمرة» لجري ذكر «النخلة» ، كالرعد مع البرق، والرسول مع المرسل إليه.

_ (2- 1) يوسف: 110. (3) البيت لأبي ذؤيب. والدهم: الإبل السود. والخلاج: جمع خلوج، وهي الناقة التي جذب عنها ولدها بذبح أو موت فحنت إليه. يشبه صوت الرعد بأصوات هذه الخلاج لأنها تحن لفقد أولادها. (4) مريم: 25.

ومن ذلك قوله: (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) «1» . أي: فسوى الدمدمة بينهم، وهو الدمار. وقيل: سواهم بالأرض، أو سوى بهم بعدهم من الأمم. (وَلا يَخافُ عُقْباها) «2» أي: الله تعالى، لا يخاف عاقبة إهلاكه إياهم، ولا تبعة من أحد لفعله، كقوله: (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) «3» . وقيل: لم يخف الذي عقر الناقة عقباها. أي: عقبى عقر الناقة، على حذف المضاف. عن الضحاك. وقيل: لا يخاف صالح- رسول الله صلى الله عليه- تبعتها، أي: قد أهلكها الله ودمرها وكفاه مؤونتها. و «الواو» يجوز أن تكون للحال، أي: فسواها غير خائف عقباها، أي: غير خائف أن يتعقب عليه في شيء مما فعله. وقيل: فعقروها غير خائف عقباها. ولم يقل: ولا تخافون لأن لفظ «أشقى» مفرد، فهو كقوله: (مَنْ يَسْتَمِعُ) «4» ، و (مَنْ يَسْتَمِعُونَ) «5» . ومن ذلك قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) «6» ، فيكون على إضافة المصدر إلى المفعول، مثل: (بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) «7» (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) «8» لأن الضمير للروم، وهم المغلوبون، كأنه لما قيل: (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) «9» أي: بجد واجتهاد، علمنا أنه أخذ بما أمر به وتلقّاه بالقبول.

_ (1) الشمس: 14. (2) الشمس: 15. (3) الأنبياء: 23. (4) الأنعام: 25. (5) يونس: 42. (6) السجدة: 23. (7) ص: 24. (8) الروم: 3. (9) الأعراف: 145.

والمعنى: من لقاء موسى الكتاب، فأضيف المصدر إلى ضمير «الكتاب» وفي ذلك مدح له على امتثاله ما أمر به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل. كقوله: (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) «1» و (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) «2» . ويجوز أن يكون الضمير لموسى- عليه السلام- والمفعول به محذوف، كقوله: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) «3» والدعاء مضاف إلى الفاعل. ويجوز أن يكون التقدير: من لقائك موسى، فحذف/ الفاعل، فيكون ذلك في الحشر، والاجتماع للبعث، أو في الجنة، فيكون كقوله: (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) «4» . ومن ذلك قوله: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) «5» . أي: مثل نور الله في قلب محمد- صلى الله عليه وعلى آله. وقيل: مثل نور القرآن. وقيل: بل مثل نور محمد- عليه السلام. وقيل: بل مثل نور قلب المؤمن. [و] «6» قوله تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) «7» ، «ذا» إشارة إلى الإحياء، أو إلى ذكر القصة، أو للإباحة، أو للإبهام.

_ (1) الأنعام: 106. (2) القيامة: 18. [.....] (3) فاطر: 14. (4) طه: 16. (5) النور: 35. (6) تكملة يقتضيها السياق. (7) البقرة: 74.

وفي الضمير الآخر قولان: أحدهما- للقلوب. والثاني- أنها للحجارة، لأنها أقرب المذكورين. ومن ذلك قوله تعالى: (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) «1» الضمير لله، لتقدم ذكره في قوله: (آمَنَّا بِاللَّهِ) «2» ، أو لجميع المذكورين «3» . وفي قوله: (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) «4» غير وجه: قيل: يعرفون تحويل القبلة إلى الكعبة. وقيل: يعرفون محمداً. وقيل: يعود إلى العلم، من قوله: (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) «5» وهو نعته. وأما قوله تعالى: (بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) «6» . قال أبو علي: الهاء تعود إلى «ما عقدتم» بدلالة أن الأسماء المتقدمة: اللغو، والأيمان، وما عقدتم. ولا يجوز أن يعود إلى اللغو لأن اللغو لا شيء فيه، بلا خلاف. قال: ولا يعود إلى «الأيمان» إذ لم يقل: فكفارتها. والمعقود عليه ما كان موقوفاً على الحنث والبر، وما عدا ذلك لم يدخل تحت النص. وعندي أنه يعود إلى «الأيمان» ، كقوله: (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) «7» .

_ (1) البقرة: 136. (2) البقرة: 136. (3) أي جميع المذكورين في صدر هذه الآية. (4) البقرة: 146. (5) البقرة: 145. (6) المائدة: 89. (7) النحل: 66.

ومن ذلك قوله: (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) «1» ولم يقل: ألا إنهما قربة. ولا يجوز أن يعود إلى «الصلوات» ، لأن المفعول الثاني من «يتخذ» هو الأول، والنفقة قربة، وليست بدعاء الرسول، والضمير في «إنه» للنفقة التي عليها ما ينفق، فلا يكون قوله: (وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) «2» عطفاً على (قُرُباتٍ) «3» ولكن يكون عطفاً على لفظة (اللَّهِ) «4» . وقيل: يكون عطفاً على لفظة «ما» ، أي يتخذ ما ينفق قربات، ويتخذ صلوات الرسول قربات. وأما قوله: (فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) «5» ، فاعل «انهار» : «الجرف» فكأنه: فانهار الجرف بالبنيان في النار لأن البنيان مذكر، بدلالة (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا) «6» . ويجوز أن يكون/ الفاعل ضمير (مِنَ) «7» وسقوط البنيان زيادة في غضب الباني كالصنم زيادة في عقاب عابده. وإنما قوله: (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) «8» . قيل: «اللام» للعاقبة، أي: إلى الاختلاف صار خلقهم لأنهم خلقوا للعبادة.

_ (4- 3- 2- 1) التوبة: 99. (7- 5) التوبة: 109. [.....] (6) التوبة: 110. (8) هود: 119.

وقيل: هو مردود إلى قوله: (وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) «1» ، أي. خلقهم لئلا يهلكهم وأهلها مصلحون. وقيل: للرحمة خلقهم. وقيل: للشقاوة والسعادة خلقهم. عن ابن عباس. وقيل: للاختلاف خلقهم عن مجاهد. ومن ذلك قوله: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) «2» . قال أبو علي: الهاء ضمير المصدر الذي دل عليه قوله: (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) «3» ، أي: ولا يحيطون علماً بعلمه. ومما يبين ذلك قوله: (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) «4» . ومن ذلك قوله: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) «5» ، أي: الإعادة أهون على الخالق، وجاز لأن الفعل يدل على مصدره، أي: الإعادة أهون على الخالق من الابتداء في زعمكم. ومن ذلك قوله تعالى: (وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) «6» . أي: ما كان الله معذب المشركين. «وهم» أي: المسلمون يستغفرون بين أظهرهم.

_ (1) هود: 117. (2) طه: 110. (3) طه: 110. (4) البقرة: 30. (5) الروم: 27. (6) الأنفال: 33.

الباب الرابع والعشرون

الباب الرابع والعشرون هذا باب ما جاء في التنزيل، وقد أبدل الاسم من المضمر الذي قبله والمظهر، على سبيل إعادة العامل، أو تبدل «إن» و «أن» مما قبله فمن ذلك قوله تعالى: (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) «1» أي: ما أمر الله بوصله، ف «أن» بدل من الهاء المجرورة، نظيره في «الرعد» في الموضعين «2» . ودلت هذه الآي الثلاث، على أن المبدل منه ليس في تقدير الإسقاط لأنك لو قدرت ذلك، كانت الصلة منجردة عن العائد إلى الأول. ومن إبدال المظهر من المضمر: ما ذهب إليه الأخفش في قوله: (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) «3» . التقدير: فيقوم الأوليان. وقد عز إبدال المظهر من المضمر عندهم وقل وجوده، حتى بلغ من أمرهم أنهم أخرجوه من بيت الفرزدق: على حالة لو أن في القوم حاتما ... على جوده لظنّ بالماء حاتم «4»

_ (1) البقرة: 27، الرعد: 35. (2) الموضع الثاني من سورة الرعد: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) الآية: 21 و 25. (3) المائدة: 107. (4) البيت في الديوان (ص 842) : على ساعة لو كان في القوم حاتم ... على جوده ضنت به نفس حاتم وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه.

/ فقالوا: «حاتم» مجرور، بدل من الهاء في «جوده» . وفار فائر أحدهم، فقال: إنما الرواية: ما ضن بالماء حاتم. برفع «حاتم» . واستجاز الإقواء في القصيدة، حتى لا يكون صائراً إلى إبدال المظهر من المضمر، وقد أريتك هذا في هذه الآي، وأزيدك وضوحاً حين أفسر لك قوله: (أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) «1» . ألا ترى أنه قال: «لأولنا وآخرنا» فأبدل من النون والألف بإعادة اللام. كما قال: (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) «2» فكرر اللام، لأن العامل مكرر في البدل تقديراً أو لفظاً. ولهذا المعنى قال أبو علي في قوله: (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) «3» في قراءة أبي عمرو، فألحق حرف الاستفهام، كان «السحر» بدلاً من المبتدأ، ولزم أن يلحق «السحر» الاستفهام، ليساوي المبدل منه في أنه استفهام. ألا ترى أنه ليس في قولك: «السحر» استفهام، وعلى هذا قالوا: كم مالك أعشرون أم ثلاثون؟ فجعلت «العشرون» و «الثلاثون» بدلا من «كم» .

_ (1) المائدة: 114. (2) الأعراف: 75. [.....] (3) يونس: 81.

وألحقت «أم» لأنك في قولك: كم درهماً مالك [أعشرون أم ثلاثون] «1» ؟ مدع أنه أحد الشيئين. ولا يلزم أن تضمر ل «السّحر» خبراً على هذا. لأنك إذا أبدلت من المبتدأ صار في موضعه، وصار ما كان خبراً لما أبدلت منه في موضع خبر البدل. فأما قول أبي حيوة النميري: وكأنها ذو جدتين كأنه ... ما حاجبيه معين بسواد «2» لهق السراة كأنه في قهره ... مخطوطة يقق من الإسناد «3» فإنه أبدل «الحاجبين» من الضمير، على حد قولك: ضربت زيداً رأسه. فإن قلت: أبدل من الأول، وقدر الخبر عن الأول فلأن المبدل منه قد لا يكون في نية الإسقاط بدلالة إجازتهم: الذي مررت به زيد أبو عبد الله. ولو كان البدل في تقدير الإسقاط بدلالة ما لا يعتد به، لم يجز هذا الكلام، فهو قول. فإن قلت: حمل الكلام على المعنى، فلما كان «حاجباه» بعضه، حمل الكلام عليه، كأنه قال: كأن بعضه معين بسواد، فأفرد لذلك، فهو قول.

_ (1) تكملة يقتضيها السياق. (2) في هامش الأصل بإزاء هذا البيت «خ: معين بمداد» . يعني أنها رواية عن نسخة أخرى. (3) وقد ورد الشاهد في الكتابي لسيبويه (1: 80) على غير هذا الوجه منسوبا للأعشى: وكأنه لهق السراة كأنه ... ما حاجبيه معين بسواد والبيت لم يرد في ديوان الأعشى.

وأما قوله تعالى: (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ/ الْعَظِيمِ) «1» «عن» الثانية يتعلق بفعل محذوف أي: يتساءلون عن النبأ العظيم ولا تكون متعلقة ب «يتساءلون» هذه الظاهرة لأنه لو كان يكون بدلاً للزم إعادة الاستفهام كقولك: كم مالك أثلاثون أم أربعون؟ وحسن حذف الفعل لظهور الآخر. وفي رفع (لِأَوَّلِنا) «2» وجه آخر سوى البدل، يكون من باب: تميمي أنا مبتدأ، «وآخران» خبره. والتقدير: فالأوليان بأمر الميت آخران من أهله، وأهل دينه يقومان مقام الخائنين اللذين عثر على خيانتهما، كقولهم: تميمي أنا. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي فآخران يقومان مقامهما الأوليان. ويجوز أن يكون رفعا ب «استحق» . ويجوز أن يكون خبر «آخران» ، لأنه قد اختص بالوصف. ويجوز أن يكون صفة بعد صفة ويكون الخبر (فَيُقْسِمانِ) «3» . وجاز دخول الفاء لأن المبتدأ نكرة موصوفة. ومن البدل قوله: (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ) «4» . ف «أن» جرّ بدل من «كلمة» .

_ (1) النبأ: 1 و 2. (2) المائدة: 114. (3) المائدة: 106. (4) آل عمران: 64.

وقيل: بل «أن» رفع بالظرف، ويكون الوقف على «سواء» . أي: إلى كلمة سواء، ثم قال: (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ) «1» . ولا يجوز أن يكون الظرف وصفاً ل «كلمة» ، لأنه لا ذكر فيه من «كلمة» . وقيل: بل الوقف «بينكم» ثم ابتدأ: وقال (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ) «2» أي: هي أن لا تعبدوا إلا الله، فأضمر المبتدأ. ومن ذلك قوله تعالى: (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) » «أن» جر بدل من «الذين» ، أي: ويستبشرون بأن لا خوف على الذين لم يلحقوا من خلفهم. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) «4» . فيمن قرأ بالتاء يكون «أن» مع اسمه وخبره بدلاً من «الذين كفروا» . وقال الفراء: هو كقوله: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) «5» ، «أن» نصب بدل من

_ (2- 1) آل عمران: 64. (3) آل عمران: 170. (4) آل عمران: 178. (5) محمد: 18.

«الساعة» كما أن قوله: (لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ) «1» جر/ بدل من «الذين» . وكما أن قوله: (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) «2» بعدها جر من «الذين» في قوله: (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ) «3» . ومن ذلك قوله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ) «4» ، فيمن فتح، أن يكون بدلاً من «الرحمة» ، كأنه: كتب ربكم على نفسه أنه من عمل منكم الرحمة، لأنه من عمل منكم. وأما فتحها بعد الفاء (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) «5» ، فعلى أنه أضمر له خبراً، تقديره: فله أنه غفور رحيم، أي: فله غفرانه. وأضمر مبتدأ يكون «أن» خبره كأنه: فأمره أنه غفور رحيم. وعلى هذا التقدير يكون الفتح فيمن فتح (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) «6» تقديره: فله أن له نار جهنم. إلا أن إضماره هنا أحسن لأن ذكره قد جرى في صلة «أن» .

_ (1) الممتحنة: 8. (2) الممتحنة: 9. [.....] (3) الممتحنة: 9. (5- 4) الأنعام: 54. (6) التوبة: 63.

وإن شئت: فأمره أن له نار جهنم، فيكون خبر هذا المبتدأ المضمر. ومثل البدل في هذا قوله: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) «1» . المعنى: وإذ يعدكم الله كون إحدى الطائفتين مثل قوله: (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) «2» . ومثله قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) «3» ، أي: فله أن لله أو: فأمره أن لله «4» . ومثله قوله: (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) «5» ، أي: فأمره أنه يضله. ومن ذهب في هذه الآي إلى «أن» التي بعد الفاء تكرير، أو بدل من الأولى، لم يستقم قوله. وذلك أن «من» لا يخلو من أن تكون للجزاء الجازم الذي اللفظ عليه، أو تكون موصولة، فلا يجوز أن يقدر التكرير مع الموصولة لأنه لو كانت موصولة لبقي المبتدأ بلا خبر.

_ (1) الأنفال: 7. (2) الكهف: 63. (3) الأنفال: 41. (4) في الأصل «أن الله» . (5) الحج: 4.

ولا يجوز ذلك في الجزاء الجازم لأن الشرط يبقى بلا جزاء. فإذا لم يجز ذلك ثبت أنه على ما ذكرنا. على أن ثبات الفاء في قوله «فأن له» يمنع من أن يكون بدلاً. ألا ترى أنه لا يكون بين البدل والمبدل منه الفاء العاطفة، ولا التي للجزاء. فإن قلت: إنها زائدة. بقي الشرط بلا جزاء فلا يجوز إذن تقدير هاهنا، وإن جاءت في غير هذا الموضع. / وأما قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) «1» فإن جواب الشرط محذوف على ما تقدم. ومن جعل «أن» بعد الفاء بدلاً مما قبله، وجب أن يقدر زيادة الفاء. وأما قوله: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) «2» . فالتقدير: أيعدكم أن إخراجكم إذا متم. فيكون المضاف محذوفاً، ويكون ظرف الزمان خبراً، ويكون «أنكم مخرجون» بدلاً من الأولى. ويجوز أن يكون خبر «أن» الأولى محذوفاً، لدلالة خبر الثانية عليه، والتقدير: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً تبعثون. فحذف الخبر لدلالة الثاني عليه.

_ (1) التوبة: 63. (2) المؤمنون: 35.

وأما قوله: (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) «1» فيمن قرأ بالتاء- كان في «يخيل» ضمير «العصي» أو «الحبال» ، ويكون «أنها» بدلاً من ذلك الضمير، أي: تخيل إليه سعيها. ومن ذلك قوله تعالى: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) «2» . «أن» رفع بدل من «الجن» ، والتقدير: فلما خر تبين للإنس جهل الجن بالغيب. أي: لما خر تبين أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين. وأما قوله: (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) «3» . فقوله: «أنّه من تولّاه» رفع ب «كتب» و «من» شرط، و «تولّاه» فى موضع الجزم ب «من» ، وقوله «فأنه يضله» جواب الشرط. وإن شئت كان «من» موصولة و «تولّى» صلته، وقوله: «فأنه» دخلت الفاء في خبر «من» لأن الموصولة بمنزلة الشرط. وفتحت «أن» من قوله «فأنه» لأن التقدير: فشأنه أنه يضله، فحذف المبتدأ.

_ (1) طه: 66. (2) سبأ: 14. (3) الحج: 4.

وقول من قال: إن قوله: «فأنه يضله» بدل من «أنه من تولاه» كان خطأ، لأن الفاء لا تدخل بين البدل والمبدل منه. وكذا قول من قال هو تكرير للأول: لا تدخل الفاء بين الاسمين. وأما قوله: (آلم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) «1» فقد قال أبو إسحاق: إن «أن» الأولى نصب/، اسم «حسب» وخبره، وموضع «أن» الثانية نصب من وجهين: أحدهما- أن تكون منصوبة ب «يتركوا» ، فيكون المعنى: أحسب الناس أن يتركوا لأن يقولوا، و «بأن» ، فلما حذف الجر وصل «يتركوا» إلى «أن» فنصب. ويجوز أن تكون «أن» الثانية العامل فيها «حسب» ، كأن المعنى على هذا، والله أعلم: أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يؤمنون، والأول أجود. قال أبو علي: لا يكون بدلاً، لأنه ليس هو الأول، ولا بعضه، ولا مشتملاً عليه، ولا يستقيم حمله على وجه الغلط. ولا يكون صفة، لأن «أن» لا يوصف بها شيء في موضع ولم يوصف هو، فإذا كان تعلقه بالحسبان لا يصح ثبت تعلقه بالتّرك.

_ (1) العنكبوت: 1 و 2. [.....]

فأما قوله تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) «1» . وزعم سيبويه أن قولهم «أنهم إليهم لا يرجعون» بدل من موضع «كم أهلكنا» . فإن قال قائل: عن «كم» «2» إنما هي استفهام، فكيف يبدل منها ما ليس باستفهام؟. فإنما ذلك لأن معنى «كم» هاهنا الخبر، والمعنى: يؤول إلى قوله: ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون. ولا يجوز أن يكون بدلاً من «كم» وحدها، لأن محل «كم» نصب ب «أهلكنا» وليس المعنى: أهلكنا أنهم لا يرجعون، لأن معنى «أنهم لا يرجعون» الاستئصال، ولا يصح أهلكنا بالاستئصال. وإنما المعنى: ألم يروا استئصالهم، فهو بدل من موضع «كم أهلكنا» . ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ) «3» . موضع «أن» رفع، لأنه بدل من «رجال» .

_ (1) يس: 31. (2) في الأصل: «فإن قال قائل عن فكم» . (3) الفتح: 25.

والمعنى: لولا أن تطؤوا رجالاً ولا تعلق له بقوله: (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) «1» ، لأن «أن» الناصبة للفعل لا تقع بعد العلم وإنما تقع بعد العلم المشددة، أو المخففة من الثقيلة. كقوله: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) «2» . وقوله: (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا) «3» . وكقوله: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) «4» . وكقوله: (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ) «5» . وكقوله: (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) «6» ، فيمن رفع. ومن البدل قوله تعالى، في قراءة الكسائي: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ/ الْإِسْلامُ) «7» ، هو بدل من (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) «8» ، أي: شهد الله أن الدين عند الله الإسلام.

_ (1) الفتح: 25. (2) المزمل: 20. (3) الجن: 28. (4) التوبة: 63. (5) طه: 89. (6) المائدة: 71. (7) آل عمران: 19. (8) آل عمران: 18.

وجوز الكسائي أن يكون على حذف الواو، أي: وأن الدين، فهو محمول على أنه لا إله إلا هو. ومن البدل قوله تعالى: (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ) ، «1» «من غم» بدل من «منها» ، و «الغم» مصدر: غممته، أي: غطيته. ومنه قوله: أتحقر الغم والغرقا وهذا معنى قوله: (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) «2» أي: قد عمهم العذاب وغمرهم. ومن ذلك قوله تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ) » ، فيمن فتح «أنا» أبدله من المجرور قبله. ومن ذلك قوله تعالى: (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) «4» ، «ذلك» الثانية بدل من «ذلك» الأولى. ولا يكون «بما عصوا» بدلاً «5» من قوله (بِأَنَّهُمْ كانُوا) «6» لأن العصيان أعمّ من كفرهم، لقوله: (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ) «7» (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا) «8» ، ولا تقول: مررت برجل فكيف امرأة «9» .

_ (1) الحج: 22. (2) الأعراف: 41. (3) عبس: 24 و 25. [.....] (4) البقرة: 61. (5) في الأصل: «بدل» . (6) البقرة: 61. (7) النساء: 155. (8) النساء: 161. (9) في الأصل: «مررت بزيد رجل خلاف المرأة» . وما أثبتنا من الكتاب لسيبويه (1: 219) .

وقال الله تعالى: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) «1» ف «أن» بدل من «الياء» والمعطوف عليه. وقد قال سيبويه: مررت بي المسكين، لا يجوز، وجاز هذا لأنه بدل اشتمال، هكذا زعم شارحكم، وليس بمستقيم. والتقدير: واجنبني وبني من أن نعبد الأصنام، أي: من عبادة الأصنام، ف «أن» مفعول تعدّى إليه الفعل بالجار. وقال: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) «2» ، ف «أن يعبدوها» بدل من «الطاغوت» . ومن ذلك قوله تعالى: (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ) «3» ، «نكالاً» بدل من (الْجَزاءَ) ولا يجوز أن يكون غير بدل لأن الفعل الواحد لا يعمل في اسمين كل واحد منهما مفعول له. ومن ذلك قوله: (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) «4» .

_ (1) إبراهيم: 35. (2) الزمر: 17. (3) المائدة: 38. (4) النحل: 105 و 106.

قال أبو علي: لا يكون «من أكره» استثناء من قوله: «من كفر» لأنه مفرد، فإذن «من» بدل. وتقديره: أولئك من كفر إلا من أكره. ومن ذلك قوله تعالى: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ) «1» بدل من (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) . «2» وإن شئت كان نصباً على المدح. ومن ذلك قوله: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) «3» أي: لكن/ أخرجوا بهذا القول. والمعنى: أخرجوا من ديارهم بغير حق يجب على الكفار إخراجهم به، وليس ببدل من «حق» ، لفساد المعنى، إذ لا يوضع موضع «حق» . ومن ذلك قوله تعالى: (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) «4» أي: أنتم طوافون، و «بعضكم» بدل من الضمير في «طوافون» «5» ، أي: أنتم يطوف بعضكم على بعض، و «على» يتعلق بالطواف. وحمله الطبري على «من» . أي: بعضكم من بعض. وقد تقدم هذا بأتم من هذا.

_ (1) مريم: 61. (2) مريم: 60. (3) الحج: 40. (4) النور: 58. [.....] (5) في الأصل: «طوافين» .

وأما قوله تعالى: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ) ، «1» لا يكون اللام في «لمن» بدلاً من اللام في «لكم» . ألا ترى أنه لم يجز: بك المسكين، كأن الأمر: بي المسكين، لكن يكون صفة «للأسوة» . ويجوز أن يكون متعلقاً ب «حسنة» ، أي حسنت لهم كقولك: حسنت بهم. ومثله: (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) «2» بعد قوله (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) «3» لا يكون البدل من «الذين» . وجوز الأخفش كونه بدلاً وليس بالصحيح. وأما قوله تعالى: (وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً) «4» . فقوله: «لبيوتهم» بدل من قوله: «لمن يكفر» وكرر اللام كما تقدم الآي الأخر. وأما قوله: (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) «5» إلى قوله: (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ) «6» فقد زعموا أن قوله: «ألا تعلوا» بدل من قوله: «كتاب» .

_ (1) الأحزاب: 21. (3- 2) الأنعام: 12. (4) الزخرف: 33. (5) النمل: 29. (6) النمل: 31.

والتقدير: إني ألقي إلي. أن لا تعلوا علي. واضطرب كلام أبي إسحاق «1» في هذا فزعم أن التقدير: إني ألقي إلي كتاب بأن لا تعلوا علي، أي: كتب إلي بأن لا تعلوا علي. وهذا الكلام منه محتمل إن عنى أن قوله: «أن لا تعلوا علي» متعلق بنفس قوله: «كتاب» فهو خطأ لأن «كتاباً» مصدر، وقد وصف بقوله: «كريم» فلا يبقى من صلته شيء بعد كونه موصوفاً. وإن أراد: أن «كتابا» دل على «كتب» ، و «أن لا تعلوا علي» متعلق «بكتب» الذي دل عليه «كتاب» فهو وجه. وسها الفارسي عن هذا الكلام في «الإغفال» «2» . وأما قوله تعالى: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) «3» فاعتراض بين البدل والمبدل منه. وأما قوله تعالى: (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) «4» فيمن فتح، فإنه/ يجوز أن يكون موضع «أنا» رفعاً بدلاً من اسم «كان» ، والتقدير: انظر كيف كان تدميرنا إياهم. ويجوز أن يكون على تقدير: فهو أنا دمرناهم. ويجوز أن يكون على تقدير: لأنّا دمّرناهم.

_ (1) هو: أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج (311 هـ) . ومن كتابي: معاني القرآن. (2) يعني: كتاب أبي علي الحسن بن أحمد الفارسي (377 هـ) وهو: الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني. (3) النمل: 30. (4) النمل: 51.

ولا يجوز أن يكون بدلاً من «كيف» لأنه لا حرف استفهام معه. ويجوز أن يكون «كيف» ظرفا ل «كان» ، ويكون «عاقبة» اسم «كان» : و «أنا دمرناهم» خبره. وقد ذكرنا هذا في «البيان» «1» . وأما قوله: (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا) «2» ، فيجوز: أن يكون على تقدير: هي أن كذبوا وعلى تقدير: لأن كذبوا. ويجوز أن يكون بدلاً من «السوءى» سواء جعلت «السوءى» اسم «كان» أو خبره، على حسب اختلافهم في «عاقبة الذين» . فأما قوله تعالى: (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ) «3» ، بالكسر والفتح. فالفتح على إيقاع النداء عليه أي: نادته بأن الله والكسر على: قال: إن الله. قال «4» : وفي حرف عبد الله: (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب يا زكريا إن الله) «5» .

_ (1) البيان «اسم لكتب نحصّى منها» : أ- البيان في إعراب القرآن لابن الأنباري: أبي البركات عبد الرحمن بن محمد المتوفي سنة سبع وسبعين وخمسمائة (577 هـ) . ب- البيان في شواهد القرآن لأبي الحسن علي بن الحسن الباقول المتوفي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة (535 هـ) . ج- البيان في تأويلات القرآن للحافظ أبي عمر ويوسف بن عبد البر (463 هـ) . د- البيان في غريب القرآن للفرغاني أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن يوسف (591 هـ) . هـ- البيان في تفسير القرآن لسراج الدين محمد المخزومي (885 هـ) . (2) الروم: 10. (5- 3) آل عمران: 39. (4) يريد: أبي إسحاق الزجاج. [.....]

فهذا يوجب الكسر لقوله: (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) «1» إلى قوله: (يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ) فكسر لأن ما بعد النداء مبتدأ. وقال في قوله: (نُودِيَ يا مُوسى) «2» : أي: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) «3» فالكسر على قياس قراءة عبد الله، الوجه. قال: ولا يكون «يا موسى» قائماً مقام الفاعل، ولا «إني أنا ربك لأنهما جملتان، والجملة لا تكون فاعلة. وهذا منه خلاف قول سيبويه حين جوز في (لَيَسْجُنُنَّهُ) «4» أنه فاعل «بدا» ، وقد بينته «في التتمة» فلا يحتاج إلى إضمار المصدر في «نودي» . كما لا يضمر سيبويه «بدا» في قوله «ليسجننه» [بعد قوله] (ثُمَّ بَدا) «5» . وأما قوله: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) «6» بالفتح والتشديد، عن الزيات والأعمش، وهما يقرآن: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) «7» بالكسر فقد سهوا بأسرهم. وعندي أنه محمول على المعنى لأنه [لما] كان قال: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) «8» ، وكان معناه: افعل ذلك لأنك بالوادي المقدس، جاز أن يقول: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) «9» ، أي اخلع: نعليك لهذا ولهذا. وأين هم من هذا؟ لم يتأملوا في أول/ الكلام، ولم ينظروا في قراءة الزيات، والله أعلم.

_ (1) القصص: 30. (2) طه: 11. (3) طه: 12. (4- 5) يوسف: 35. (9- 6) طه: 13- وهي قراءة للزيات. (7- 8) طه: 12.

الباب الخامس والعشرون

الباب الخامس والعشرون هذا باب ما جاء في التنزيل من الكلمات التي فيها همزة ساكنة، يترك همزها أبو عمرو وما لا يترك همزها واعلم أن أبا عمرو يترك الهمزة الساكنة في الأسماء والأفعال نحو: الكأس والفاس، و (يُؤْمَرُونَ) «1» (وَيَأْكُلُونَ) «2» و (يُؤْمِنُونَ) «3» و (يُؤْفَكُونَ) «4» و (يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ) «5» ، وما أشبه ذلك، في أربعين موضعاً، فيها ثلاث وثلاثون لا خلاف عن أبي عمرو في همزها، وهو ما يكون للجزم والوقف، أو يخرج بتركه من لغة إلى لغة، أو من معنى إلى معنى، أو يكون بترك الهمزة أثقل من الهمزة. فأولها في البقرة: (أَنْبِئْهُمْ) «6» وفيها: (أَوْ نُنْسِها) «7» . وفي آل عمران: (تَسُؤْهُمْ) «8» . وفي النساء: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) «9» . وفي الأعراف: (أَرْجِهْ) «10» . وفي التوبة: (تَسُؤْهُمْ) «11» .

_ (1) التحريم: 6. (2) محمد: 12. (3) البقرة: 88. (4) المنافقون: 4. (5) النساء: 104. (6) البقرة: 33. (7) البقرة: 106. (8) آل عمران: 120. [.....] (9) النساء: 133. (10) الأعراف: 111. (11) التوبة: 50.

وفي يوسف: (نَبِّئْنا) «1» . وفي إبراهيم: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) «2» . وفي الحجر: (نَبِّئْ عِبادِي) «3» - وفيها: (وَنَبِّئْهُمْ) «4» . وفي بني إسرائيل: (اقْرَأْ كِتابَكَ) «5» . وفيها: (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) «6» . وفيها: (إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) «7» . وفي الكهف: (وَهَيِّئْ) «8» (وَيُهَيِّئْ) «9» . وفي مريم: (وَرِءْياً) «10» . وفي الشعراء: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ) «11» - وفيها: (أَرْجِهْ) «12» وفي الأحزاب: (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ) «13» . وفي سبأ: (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) «14» . وفي فاطر: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) «15» .

_ (1) يوسف: 36. (2) إبراهيم: 19. (3) الحجر: 49. (4) الحجر: 51. (5) الإسراء: 14. (6) الإسراء: 54. (7) الإسراء: 54. (8) الكهف: 10. (9) الكهف: 16. (10) مريم: 74. (11) الشعراء: 4. [.....] (12) الشعراء: 36. (13) الأحزاب: 51. (14) سبأ: 9. (15) فاطر: 16.

وفي يس: (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) «1» . وفي حم عسق: (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ) «2» . وفي النجم: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ) «3» . وفي القمر: (وَنَبِّئْهُمْ) «4» . وفي المعارج: (تُؤْوِيهِ) «5» . وفي البلد: (مُؤْصَدَةٌ) «6» . وفي العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) «7» و (اقْرَأْ وَرَبُّكَ) «8» . وفي الهمزة: (مُؤْصَدَةٌ) «9» . وأما السبعة الباقية- فهي ستة أسماء وفعل: فالأسماء: (البأس) «10» (والكأس) ، و (الرّأس) ، «11» و (الضّأن) ، «12» و (الذّئب) «13» . و (وبئر) «14» والفعل: (يَلِتْكُمْ) «15» .

_ (1) يس: 43. (2) الشورى: 33. (3) النجم: 36. (4) القمر: 28. (5) المعارج: 13. (6) البلد: 20. (7) العلق: 1. (8) العلق: 3. (9) الهمزة: 8. (10) البقرة: 177. [.....] (11) مريم: 4. (12) الأنعام: 143. (13) يوسف: 13. (14) الحج: 45. (15) الحجرات: 14.

الباب السادس والعشرون

الباب السادس والعشرون هذا باب ما جاء في التنزيل من العطف على الضمير المرفوع، وقد أكد بعض ذلك وبعضه لم يؤكد فمن ذلك قوله: (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) «1» ، عطف «وزوجك» على الضمير في «اسكن» بعد ما أكد بقوله «أنت» . وقال: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ) «2» فأكد. وقال: (سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) «3» . ومما أكد من ذلك من غير تأكيد/ ب «أنت» ولكن بشئ آخر: قوله: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) «4» فيمن رفع، أكد بالمفعول دون أنتم» والمفعول يقوم مقام «أنتم. ثم عطف على قوله: (وَشُرَكاءَكُمْ) «5» . ومن ذلك: (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) «6» معطوفاً على الضمير في «استقم» ، وقام قوله «كما أمرت» مقام التأكيد، ويجوز أن يكون «من» في موضع النصب مفعولاً معه.

_ (1) البقرة: 35. (2) المائدة: 24. (3) الأعراف: 71. (5- 4) يونس: 71. (6) هود: 112.

ومن ذلك قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) «1» ، يجوز في «من» الرفع والنصب، على ما تقدم. وقد قلنا في حذف المضاف: مذهب أبي علي في «من» أن التقدير: ودخول من صلح من آبائهم وأزواجهم. فأما قوله تعالى: (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) «2» . فقد قال أبو علي في «التذكرة» : قوله: «هو» مرتفع بالابتداء، وليس بمحمول على الضمير الذي في «استوى» . فإن قلت: فإن (استوى) يقتضي فاعلين، ألا ترى أنك تقول: استوى زيد وعمرو، فإن هذا المفعول يكون على ضربين: الأول- ما ذكرنا. والثاني- أن تقتصر به على فاعل واحد كقوله: (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) «3» وإذا احتمل ذا لم يكن لمن زعم أن الضمير المرفوع يعطف عليه من غير أن يؤكد دلالة في هذه الآية لاحتمالها غير ما ذكر، وهو ما حملناه عليه. وهذا القائل هو الفراء لأنه قال: المعنى: استوى النبي وجبريل عليهما السلام بالأفق الأعلى ليلة المعراج، حين أسري به صلى الله عليه وآله. ومنه قوله تعالى: (أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا) «4» ، عطف «آباؤنا» على الضمير فى «كنّا» لمكان قوله: «ترابا» .

_ (1) الرعد: 23. (2) النجم: 6 و 7. (3) طه: 5. (4) النمل: 67. [.....]

وأما قوله: (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) «1» فيمن رفع «العين» . وجوز فيه أبو علي: أن يكون «العين» مرفوعاً على الابتداء والجار خبر، وجوز أن يكون محمولاً على موضع «أن» ، وجوز أن يكون رفعاً عطفاً على الضمير الذي في الظرف، وإن لم يؤكد. كما جاء (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) «2» فعطف «آباؤنا» على الضمير الذي في «أشركنا» ، قال: ولم يؤكده فكذا هاهنا. فإن قلت: إن «لا» يقوم مقام التأكيد، فقد قال في الجواب: إنما يقوم «لا» مقام التأكيد/ إن كانت قبل الواو فأما إذا جاءت بعد الواو، لم تقم مقام التأكيد، ألا ترى أن التأكيد في الآي التي تلونا قبل الواو، نحو: (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ) «3» ، وقوله: (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) «4» . وهذا من أبي علي استدراك على البصريين قاطبة لا سيما وسيبويه قال في الآية الأولى: إن قوله: «ولا آباؤنا» بمنزلة: قمت أنت وزيد فلا يرى العطف على المضمر إلا بعد التأكيد والتأكيد بأنت، وأنا، أو ما يقوم مقامهما من المفعول وغيره. ولم يروا التأكيد بقولهم «نفس» فلم يجيزوا: قمت نفسك وزيد كما أجازوا: قمت أنت وزيد، وقمتم أجمعون وزيد. قالوا: لأن «النفس» اسم منصرف، تدخلها العوامل بخلاف: أنت، وأجمعين.

_ (1) المائدة: 45. (2) الأنعام: 148. (3) البقرة: 35. (4) هود: 112.

وقد يقع في التأكيد بها ليس في بعض كلامهم كقولهم: هند خرجت نفسها فيكون كقولك: خرجت هي نفسها- فيكون تأكيدا ل «هى» ويقال: هند خرجت نفسها فتكون الفاعلة، كما تقول: خرجت جاريتها والمعنيان مختلفان فلم يجر مجرى «أجمعين» . ومن هنا قال أبو علي: لو قلت جاءوني أنفسهم لم يحسن حتى تؤكد، فتقول: جاءونى هم أنفسهم لما ذكرنا. فلم يحسن لذلك أن تحمله على الضمير حتى تؤكد يعني حتى تقول: قمت أنت نفسك وزيد. ولو قلت: مررت بك نفسك جاز تأكيد الكاف بالنفس لأنك كأنك قلت: مررت بنفسك- ولم تذكر المؤكد بخلاف العطف إذ لا يجوز: مررت بك وزيد. وإن قلت: جاءوني أنفسهم، لا يجوز لأن المضمر المتصل في غاية الضعف، والمؤكد متبوع، فيكون أقوى من التأكيد، وهنا «النفس» أقوى من المضمر فلا يكون تابعاً له فإذا انفصل المضمر جاز أن تكون «النفس» تابعاً له بمنزلة الأسماء الأجنبية، أو بقيت بعدها بمنزلة أخرى، بخلاف المتصل إذ ليس بعدها بمنزلة أخرى. وقد ذكر سيبويه امتناع تأكيد المضمر ب «النفس» في ثلاثة مواضع: في حد أسماء الأفعال «1» .

_ (1) الكتاب (1: 124- 125) .

وفي حد الأحرف الخمسة «1» . وفي حد علامات المضمرين «2» . ومن ذلك قوله تعالى: (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) ، «3» ف «من» رفع عطف على «التاء» . ومنه: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ) «4» رفع عطف على الضمير في «تقوم» . ومن ذلك قوله: (لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) «5» ، «أخي» عطف على الضمير في «لا أملك» . وإن شئت كان مبتدأ، والتقدير: وأخي كذلك فحذف الخبر ولا يكون جراً بالعطف على الياء لأنه مضمر مجرور.

_ (1) الكتاب (1: 279) . (2) الكتاب (1: 390) . (3) آل عمران: 20. (4) المزمل: 20. (5) المائدة: 25.

الباب السابع والعشرون

الباب السابع والعشرون هذا باب ما جاء في التنزيل، لحقت «إن» التي للشرط «ما» ، ولحقت النون فعل الشرط فمن ذلك قوله تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) «1» . وقال: (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ) «2» وقال: (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) «3» . وقال: (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) «4» في السورتين. قال أبو إسحاق: إعراب «إما» في هذا الموضع إعراب حرف الشرط والجزاء لأن الجزاء إذا جاء في الفعل، معه النون الثقيلة والخفيفة، لزمه «ما» ، وفتح ما قبل النون في «يأتينكم» لسكون الياء وسكون النون الأولى. قال أبو علي: ليس الشرط والجزاء من مواضع النونين إنما يدخلان على الأمر والنهي، وما أشبههما من غير الواجب. وفي قوله «لأن الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الثقيلة والخفيفة» ما يوهم أنه من مواضعهما فى الكلام، وأن لدخولها مساغاً فيه وإنما يلحق الشرط في ضرورة الشعر، كقوله: من يثقفن منهم فليس بآيب ... أبدا وقتل بنى قتيبة شافى «5»

_ (1) البقرة: 38. (2) الزخرف: 41 و 42. (3) غافر: 77. (4) يونس: 46، الرعد: 40. [.....] (5) الكتاب (2: 152) . والبيت لم ينسبه سيبويه لقائل.

وكذلك الجزاء كقوله «1» : ومهما تشأ منه فزارة يمنعا «2» وهذا كقوله: يحسبه الجاهل ما لم يعلما «3» و «إن» في الجزاء أمثل لأنه بغير الواجب أشبه، ألا ترى أنه خبر غير مبت كسائر الأخبار. وفي هذا الكلام شيء آخر: وهو أن قوله: الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الخفيفة والثقيلة لزمه ما يوهم أن «ما» لزمت لدخول النون وأن لحاق النون سبب لحاق «ما» والأمر بعكس ذلك وخلافه لأن السبب الذي له دخلت النون الشرط في قوله: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) «4» ، (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) «5» ، (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) «6» ، ونحو ذلك عند النحويين، إنما هو لحاق «ما» أول الفعل بعد «إن» ، فلذلك صار موضعاً للتنوين بعد أن لم يكن لهما موضع. وإنما كان كذلك عند سيبويه وأصحابه، لمشابهة فعل الشرط بلحاق «ما» به بعد «إن» دون أخواتها الفعل المقسم عليه، ولمشابهة كل واحد

_ (1) عجز بيت لابن الخرع، وصدره: فمهما تشأ منه فزارة تعطكم (الكتاب 2: 152) . (2) الكتاب: «تمنعا» . (3) صدر بيت لم ينسبه سيبويه، وعجزه: شيخا على كرسيه معمما (الكتاب 2: 152) . (4) البقرة: 38. (5) مريم: 26. (6) الإسراء: 28.

منهما صاحبه في معنى التوكيد بهما، فسبب لحاق النون دخول «ما» ، على ما يذهب إليه النحويون، وكان لزوم النون فعل الشرط الوجه لدخول الحرف قبله، إذا كان في خبر غير مبت. فإن قيل: لم لزمت النون فعل الشرط مع «إن» إذا لحقتها «ما» دون سائر أخواتها؟ وهلا لزمت سائر أفعال الشرط إذا دخلت على حرف المجازاة «ما» كما لزمته مع «إن» ، إذ ما ذكروه من الشبه ب «ليفعلن» موجود في سائر الحروف، وقد جاء: (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) «1» ، وَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ) «2» ، و (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) «3» ، وكل ذلك لا نون فيه: الجواب في ذلك: أن النون لم تلحق الشرط مع سائر حروف الجزاء، كما لحقت مع «إن» لاختلاف موضعي «ما» المؤكدة؟ وذلك أنه قد استقبح أن يؤكد الحرف ولا يؤكد الفعل، وله من الرتبة والمزية على الحرف ما للاسم على الفعل فلما أكد الحرف، والفعل أشد تمكناً منه، قبح ترك تأكيده مع تأكيد الحرف، وليس سائر حروف الجزاء مثل «إن» في هذا الموضع لأنها أسماء، وهي حرف، فلا تنكر أن تؤكد هي دون شروطها

_ (1) النساء: 78. (2) البقرة: 148. (3) الإسراء: 110.

ألا ترى أن للاسم من القدمة على الفعل ما للفعل على الحرف فيقبح لذلك ترك توكيد الفعل مع الاسم، كما قبح ترك توكيده مع الحرف. فإن قلت: فما الذي يدل على أن التوكيد لا حق للحرف؟ وما ننكر أن يكون لحاقه للفعل دون الجزاء، فيكون الفعل مؤكداً من أوله إلى آخره مثل «ليفعلن» ؟ فالذي يدل على لحاقه حرف الجزاء دون الشرط أن الوقف عليه وأن أحداً لم يقف على «إن» وحدها في نحو: (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) «1» فيستأنفوا «ما» مع الفعل كما استأنفوا ب «لا» مع الفعل، كقوله: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) «2» . ويدل أيضاً على لحاقها للحرف دون الفعل: أنها قد لحقت الحروف أيضاً في نحو: ألا ليتما هذا الحمام لنا «3» وفي الإدغام أيضاً تقوية لأن الكلمة لو نوي بها الانفصال جاز فيها الإظهار كما جاز في «من ما» وما أشبهه. وكل هذا يدل على أن التأكيد لاحق للحرف، وإذا أكد الحرف الذي لا يستقل إلا بالفعل بعد «إن» لا يؤكد الفعل فافترق فعل شرط «إن» وفعل شرط سائر الحروف في لزوم النون لها مع «ما» لاقترانهما فيما ذكرنا.

_ (1) الأنفال: 58. (2) القيامة: 1. (3) جزء من بيت للنابغة، والبيت هو: قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد

فهذا الذي ذكرناه يصلح أن يحتج به من زعم أن النون لازمة للشرط إذا لحقت «ما» «إن» الجزاء. وقد قال ذلك أبو العباس، وخالفه في ذلك سيبويه، فقال: إن «ما» إذا لحقت «إن» الجزاء تبعه الفعل منوناً بإحدى النونين، وغير منون بهما، كما أن سائر الحروف كذلك. وإذا لم يلزم النون مع «إن» كما لم يلزم في الحروف الأخر نحو: َيْنَ ما تَكُونُوا) «1» لم يلزم على قوله الفصل بينهما كما لزم في قول من زعم أن النون لازمة. وقد استقصينا الخلاف في هذا، والله أعلم.

_ (1) البقرة: 148. [.....]

الباب الثامن والعشرون

الباب الثامن والعشرون هذا باب ما جاء في التنزيل عقيب اسمين كني عن أحدهما اكتفاء بذكره عن صاحبه وقد ذكر ذلك سيبويه في «الكتاب» «1» ، واحتج بأبيات، وربما أسوقها لك بعد البداية بآي التنزيل. فمن ذلك قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) «2» ، ولم يقل: وإنهما- اكتفاء بذكر «الصلاة» عن ذكر «الصبر» ، وقد ذكرنا أنهم قالوا: إن الهاء للاستعانة. ومن ذلك قوله: (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) «3» . وقال: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) «4» ، فهذا على القياس المستمر، لأن التقدير: وإن كان أحد هذين و: من يكسب أحد هذين، لأن «أو» لأحد الشيئين. ولو صرح بهذا لصح وجاد: «له» و «به» . فكذلك إذا قال بلفظة: أو ما.

_ (1) الكتاب (1: 37) . (2) البقرة: 45. (3) النساء: 12. (4) النساء: 112.

فأما قوله: (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما) «1» . وقوله: (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) «2» . فهذا على قياس الآيتين المتقدمتين، حقهما: فالله أولى به، وحرمه ولكنه جاء على قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين على معنى أنه يجوز له مجالستهما. ومثل هذا قد جاء في الشعر، أنشدوا لرجل من هذيل «3» : / وكان سيان ألا يسرحوا نعماً ... أو يسرحوه بها واغبرت السوح «4» وأنت تقول: سيان زيد وعمرو، ولكنه قال: أو يسرحوه، على ما ذكرنا. ومن ذلك قوله: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) «5» ولم يقل: ينفقونهما. وقال: (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) «6» ، ولم يقل: أكلهما. وقال: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) «7» ، والتقدير: والله أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه.

_ (1) النساء: 135. (2) الأعراف: 50. (3) هو أبو ذؤيب. (المغني 1-: 60) . (4) الضمير في «بها» يعود للسنة المجدية. والسوح: جمع ساحة. (5) التوبة: 34. (6) الأنعام: 141. (7) التوبة: 62.

وقال: (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) «1» فيمن قرأ بالتاء. ولم يقل: يخيلان. وقال: (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) «2» ولم يقل: إليهما. وأنشد للأنصاري: نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف «3» ولم يقل: بما عندنا راضون اكتفاء بالثاني عن الأول. وقال: رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئاً ومن أجل الطوى رماني «4» وقال: ... وكان وأنت غير غدور «5» فأحفظها.

_ (1) طه: 66. (2) الجمعة: 11. (3) البيت لقيس بن الخطيم. (الكتاب 1: 38) . [.....] (4) البيت لابن أحمر. (المصدر السابق) . (5) جزء من بيت للفرزدق، وهو براية سيبويه (الكتاب 1: 38) : إني ضمنت لمن أتاني ما جنى ... وأبي فكان وكنت غير غدور قال الأعلم: هذه الأبيات المتقدمة في حذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه.

الباب التاسع والعشرون

الباب التاسع والعشرون هذا باب ما جاء في التنزيل صار الفصل فيه عوضاً عن نقصان لحق الكلمة وذلك إنما يجئ في أكثر الأحوال في باب المؤنث، فيقولون: قامت هند، فإذا فصلوا بينهما قالوا: قام اليوم هند. فمن ذلك قراءة أكثرهم: (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) «1» ، قالوا: إن التذكير أحسن لمكان الفصل، وقد قرئ أيضاً بالتاء، ولم يعتد بالفصل. كما قال: (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) «2» . وقال: (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) «3» . وقال: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) «4» . وقال: (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ) «5» فيمن قرأ بالتاء.

_ (1) البقرة: 48. (2) إبراهيم: 50. (3) هود: 94. (4) الأعراف: 78 و 91. (5) الكهف: 43.

وقال: (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) «1» فيمن قرا بالتاء وهم الأئمة السبعة، إلا حماداً رواه عن عاصم بالياء. وقال: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) «2» . وقال: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) «3» . وقال: (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) «4» . وقال: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ) «5» فيمن قرأ بالتاء. هذه الآي ونحوها لم يعتد فيها بالفصل، كما اعتد به في قوله: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) «6» في «هود» . وقوله: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) «7» في آي كثيرة اعتد/ فيها بالفصل. ومما اعتد فيه بالفصل قوله تعالى: (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) «8» ، لم تدخل النون هنا لأنها إنما تدخل فتفصل هذه من لام الابتداء. قال أبو علي في قوله: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) «9» ، وهو يبطل

_ (1) يونس: 78. (2) الأعراف: 78 و 91. (3) الحج: 46. (4) طه: 133. (5) الأحزاب: 52. (6) هود: 67. (7) الممتحنة: 12. [.....] (8) آل عمران: 158. (9) ص: 1.

قول الفراء: إن قوله (كَمْ أَهْلَكْنا) «1» جواب القسم، وإن التقدير: لكم أهلكنا قال: هذا لا يجوز لأن اللام على هذا داخلة على الفضلة. ثم قال: فإن قال قائل: ما ننكر أن تكون اللام التي دخلت على الأفعال مرادة في «كم» محذوفة لطول الكلام وإن دخولها في «كم» العامل فيه «أهلكنا» بمنزلة دخولها على «إلى» المتعلقة بالفعل المنتصبة الموضع به في قوله: (لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) «2» . وكما جاز دخولها على الجار المنتصب الموضع كذلك يجوز دخولها على «كم» المنتصبة الموضع. ثم قال: الجواب عندي أن التقدير بهذه اللام في قوله: (لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) «3» . ألا ترى أن القسم إنما وقع على «أنهم يحشرون» لا على الجار والمجرور، والمقسم عليه بالفعل، وهو المؤكد باللام، والملقى المقسم به. وإنما دخلت اللام على الحرف الجار لتقدمه عليه، ولم تدخل إحدى النونين على الفعل، لوقوعه على الحرف، وجاز دخولها على الحرف في كلا الموضعين إذ المراد به التأخير، كما جاز دخول لام الابتداء في مثل: إن زيداً لطعامك آكل إذ المراد به التأخير إلى الخبر.

_ (1) ص: 3. (3- 2) آل عمران: 158.

فإذا كان التقدير ما ذكرنا لم يجز أن يكون (كَمْ أَهْلَكْنا) «1» بمنزلة (لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) «2» في جواز دخول اللام عليها كدخولها في «كم» ، إذا كان دخولها في قوله (لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) «3» بمنزلة دخولها على الفعل، وعلى حسب ما تكون عليه هذه اللام في سائر مواضعها ومتصرفاتها، فليس يسوغ تقدير دخولها على الفعل في «كم» والفصل الذي وقع بين اللام وبين (تُحْشَرُونَ) صار عوضاً عن دخول النون. ومما يجري مجرى الفصل: المفعول الواقع بين المعطوف والمعطوف عليه في نحو قوله: (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) «4» ، وقوله: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) «5» . صار المفعول هنا عوضاً عن إبراز الضمير في نحو قوله: / (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ) «6» ، وهكذا قال: (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) «7» .

_ (1) ص: 3. (2) آل عمران: 158. (3) آل عمران: 158. (4) هود: 112. (5) يونس: 71. (6) المائدة: 24. (7) الأنعام: 148.

الباب المتم الثلاثين

الباب المتم الثلاثين هذا باب ما جاء في التنزيل وقد حمل فيه اللفظ على المعنى وحكم عليه بما يحكم على معناه لا على اللفظ وقد ذكر ذلك سيبويه في غير موضع، وأنشد فيها أبياتاً، ربما نسوقها لك بعد البداية بالآي. فمن ذلك قوله تعالى: (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) «1» . من وقف على قوله «فاقع» وجعل «فاقعا» تابعا ل «صفراء» ابتدأ «لونها» ورفعها بالابتداء، وجعل قوله «تسر الناظرين» خبراً عنها. وإنما قال «تسر» ولم يقل: يسر حملاً على المعنى لأن قوله «لونها» : صفرتها فكأنه قال: صفرتها تسر الناظرين. ومثله قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) «2» . فعدّى «رفثا» ب «إلى» حملاً على الإفضاء، وكما قال: (أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) «3» كذا قال: (الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) «4» .

_ (1) البقرة: 69. (4- 2) البقرة: 187. (3) النساء: 21. [.....]

ومثل ذلك قول أبي علي في قوله تعالى: (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) «1» . ثم قال: (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) «2» فقال: هذا محمول على المعنى لأنه لما قال: (وَلا تُؤْمِنُوا) «3» كأنه قال: أجحدوا أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم؟ ومثله: (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) «4» فعدّاه ب «من» . كأنه قال: ونجيناه من القوم الذين كذبوا. وقال: (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا) «5» ، كأنه قال: من يعصمنا من بأس الله إن جاءنا؟ وقال: (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) «6» ، فحمله على الإحسان، كأنه قال: وتحسنوا إليهم. ومن هذا الباب قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) «7» إلى قوله (وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ) «8» . «في الرقاب» لم يعطف على «الفقراء» لأن المكاتب لا يملك شيئا، وإنما ذكر لتعريف الموضع، و «الغارمين» عطف على «الفقراء» إذ لا يملكون، «وفي سبيل الله» مثل قوله «وفي الرقاب» لأن ما يخرج في سبيل الله يكون فيه

_ (1) آل عمران: 73. (2) آل عمران: 73. (3) آل عمران: 73. (4) الأنبياء: 77. (5) غافر: 29. (6) الممتحنة: 8. (8- 7) التوبة: 60.

ما لا يملك المخرج فيه، مثل بناء القناطر، وعقد الجسور، وسد الثغور، وقوله: «وابن السبيل» عطف على اللام في «الغارمين» أو في «ابن السبيل» لم يكن سهلاً. والمكاتب عبد لقوله: (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) «1» . ومن هذا الباب/ قوله تعالى: (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) «2» فيمن رفع قوله «غيره» . وكذلك (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) «3» فيمن رفع. وكذلك قوله: (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) «4» فيمن رفع. كان ذلك كله محمولاً على المعنى إذ المعنى: ما لكم إله غيره، وهل خالق غير الله، وما يعزب عن ربك مثقال ذرة. ومثله: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) «5» . ثم قال: (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) «6» ، لأن معنى قوله: أخذ الله ميثاق بني إسرائيل، وأخذ الله ميثاقا من بني إسرائيل، واحد فجاء قوله «ومن الذين قالوا» على المعنى، لا على اللفظ.

_ (1) الروم: 28. (2) الأعراف: 59. (3) فاطر: 3. (4) يونس: 61. (5) المائدة: 12. (6) المائدة: 14.

ومن ذلك قوله تعالى: (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي) «1» ، أي: هذا الشخص أو: هذا المرئي. وكذلك قوله تعالى: (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) «2» ، لأن الوعظ والموعظة، واحد. وقالوا في قوله تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) «3» : إنه أراد ب «الرحمة» هنا: المطر، ويجوز أن يكون التذكير هنا إنما هو لأجل «فعيل» ، على قوله: بأعين أعداء وهن صديق «4» وقوله: ... لا عفراء منك قريب «5» وأما قوله تعالى: (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) «6» ، فإنه حمله على «النفس» لأن «الإنسان» و «النفس» واحد، وقيل: بل التاء للمبالغة، وقيل: بل التقدير: عين بصيرة فحذف الموصوف. وقال مجاهد: بل الإنسان على نفسه شاهد: عينه ويداه ورجلاه، فيكون «الإنسان» مبتدأ، والظرف فيما ارتفع به خبر، والهاء العائد من الجملة إلى المبتدأ، وهو المجرور بالإضافة، كما تقول: زيد في داره عمرو. وعكس الأول قول الحطيئة: ثلاثة أنفس وثلاث ذود ... لقد جار الزّمان على عيالى

_ (1) الأنعام: 78. [.....] (2) البقرة: 275. (3) الأعراف: 56. (4) عجز بيت لجرير، صدره: نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا (اللسان: صدق) . (5) جزء من بيت، والبيت بتمامه: ليالي لا عفراء منك بعيدة ... فتسلى ولا عفراء منك قريب (اللسان: قرب) . (6) القيامة: 14.

حمل «الأنفس» على «الأشخص» كأنه قال: ثلاثة أشخص. ومنه قوله تعالى: (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) «1» ، أنث «العشر» لما كان «الأمثال» بمعنى: الحسنات، حمل الكلام على المعنى. ومن ذلك قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) «2» ، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ) «3» ، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ) «4» ، (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) «5» ، / عدي «ترى» ب «إلى» حملاً على النظر كأنه قال: ألم تنظر. وإن شئت كان المعنى: ألم ينته علمك إلى كذا؟. وعكس هذا قوله: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «6» ولم يقل: إلى ملكوت، لأن المعنى: أو لم يتفكروا في ملكوت السموات. ومن الحمل على المعنى قوله: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) «7» بعد قوله: (إِلَى الَّذِي حَاجَّ) «8» كأنه قال: أرأيت كالذي حاج إبراهيم في ربه، أو كالذي مر على قرية فجاء بالثاني على أن الأول كأنه قد سيق كذلك. ومنه قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) «9» إلى قوله: (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) «10» ، لأن معناه: إن يؤخرنى أصدق وأكن، فحمل «أكن» على موضع «فأصدق» لأنه في موضع الجزم لما كان جواب «لولا» .

_ (1) الأنعام: 160. (2) البقرة: 243. (3) البقرة: 246. (4) البقرة: 258. (5) الفرقان: 45. (6) الأعراف: 185. (7) البقرة: 259. (8) البقرة: 258. (9) المنافقون: 10. [.....] (10) المنافقون: 10.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) «1» . «الهاء» في «إليه» يعود إلى ما تقدم ذكره، من اسم الله، والمعنى: ويهديهم إلى صراطه صراطاً مستقيماً. كما قال: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ) «2» ، وإن حملت «صراطاً» على أنه لما قال: (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ) «3» دل هذا الكلام على انه قال: يعرفهم، فنصب «صراطاً» على أنه مفعول لهذا الفعل المضمر، والأول أشبه. ومن ذلك قوله: (دِيناً قِيَماً) «4» ، يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: أنه لما قال: (إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) «5» ، استغنى بجري ذكر الفعل عن ذكره ثانياً، فقال «ديناً قيماً» ، أي: هداني ديناً قيماً كما قال: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) «6» . وإن شئت نصبته على «اعرفوا» ، لأن هدايتهم إليه تعريف لهم، فحمله على «اعرفوا» . و «دينا قيماً» إن شئت حملته على الإتباع كأنه قال: اتبعوا ديناً قيماً والتزموه، كما قال: (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) » . ومن ذلك قوله تعالى: (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) «8» .

_ (1) النساء: 175. (2) الشورى: 52 و 53. (3) النساء: 175. (4) الأنعام: 161. (5) الأنعام: 161. (6) فاتحة الكتاب: 5. (7) الأعراف: 3. (8) الحج: 23.

قال أبو علي: وجه الجر في «ولؤلؤ» أنهم يحلون أساور من ذهب ومن لؤلؤ أي منهما. وهذا هو الوجه لأنه إذا نصب فقال: (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) «1» حمله على: ويحلون لؤلؤاً، واللؤلؤ إذا انفرد من الذهب والفضة لم يكن حلية. فإن قلت: / فقد قال الله تعالى: (حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وتَسْتَخْرِجُونَ) «2» فعلى أن يكون «حلية» إذا وضع في الذهب والفضة صار حلية، كما قال في العصير (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) «3» لأنه قد يستحيل إليها بالشدة كما يكون ذلك حلية على الوجه بخلافه. ويحتمل النصب وجهاً آخر، وهو أن تحمله على موضع الجار والمجرور لأن موضعهما نصب. ألا ترى أن معنى «يحلون فيها من أساور» «4» : يحلون فيها أساور، فتحمله على الموضع. وقيل في قوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) «5» - إن «من» دخلت، لأن معنى قوله: «أحرص الناس» : أحرص من الناس، فقال: (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) حملاً على المعنى. وقد ذكرنا ما في هذا في حذف الموصوف.

_ (1) الحج: 23. (2) فاطر: 12. (3) يوسف: 36. (4) الحج: 23. (5) البقرة: 96. [.....]

ومن الحمل على المعنى قوله: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) «1» ، والمتقدم ذكر الوصية ولكن معناه الإيصاء، أي: من بدل الإيصاء. كقوله: (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) «2» ثم قال: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) «3» حملاً على الحظ والنصيب. ومن ذلك قوله تعالى: (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) «4» ، و (ما لَنا لا نَرى رِجالًا) «5» ، لما كان المعنى في قولك: مالى لا أراه وما لنا لا نراهم، أخبرونا عنهم صار الاستفهام محمولاً على معنى الكلام، حتى كأنه قال: أخبروني عن الهدهد، أشاهد هو، أم كان من الغائبين؟. وكذلك الآية الأخرى، فيمن وصل الهمزة ولم يقطعها في قوله: (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) «6» . وكما استقام الحمل على المعنى في هذا النحو كذلك حمل الآية عليه، فيما ترى أنه مذهب أبي الحسن. يعني قوله: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ) «7» . ومن ذلك قوله: (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) «8» .

_ (1) البقرة: 181. (2) النساء: 8. (3) النساء: 8. (4) النمل: 20. (5) ص: 62. (6) ص: 63. (7) الحديد: 18. (8) الحجر: 20.

«من» منصوب الموضع حملاً على المعنى لأن معنى (جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) : أعشناكم، وكأنه قال: وأعشنا من لستم له برازقين. ويجوز أن يكون «من» مبتدأ- والخبر مضمر. والتقدير: ومن لستم له برازقين جعلنا لكم فيها معايش. ومن ذلك ما قال سيبويه: قال: سألت الخليل عن قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) «1» ، قال: هذا واجب، وهو تنبيه، كأنك قلت: انتبه/ إن الله أنزل من السماء ماء، وكان كذا وكذا. ومن ذلك قوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) «2» فيمن قرأ بالنصب لأنه إنما ينصب إذا كان السؤال على القرض لو قال: أيقرض زيد فيضاعفه عمرو؟. وفي الآية السؤال عن المقرض، لا عن الإقراض ولكنه حمل على لمعنى فصار السؤال عن المقرض، كالسؤال عن الإقراض. ومن ذلك قوله: (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ

_ (1) الحج: 63. (2) البقرة: 245.

وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) «1» فيمن جزم «يكفر» حملاً على موضع الفاء لأن الفاء في موضع الجزم. ومن الحمل على المعنى: (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) «2» هو محمول على المعنى إذا جعلته يسد مسد الجواب لأن «ليس» لنفي الحال، والجزاء لا يكون بالحال تقديره: باينتم نساء المسلمين. ويجوز أن يكون الجواب «فلا تخضعن» دون «لستن» ، و «لستنّ» أوجه. ومن ذلك قوله: (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) «3» ، فيمن جزم حمله على موضع «الفاء» . ومن ذلك قوله: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) «4» في قراءة الجمهور، غير أبي عمرو. لأن معنى: «من رب السموات» : لمن السموات؟ فقال: «لله» حملاً على المعنى. كما أن من قال في الأول- وهو رواية العباس وأبي عمرو، (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) «5» حمل قوله: (لِمَنِ الْأَرْضُ) «6» على المعنى، كأنه قال: من رب الأرض؟ فقال: الله.

_ (1) البقرة: 271. (2) الأحزاب: 32. (3) الأعراف: 186. (4) المؤمنون: 86 و 87. [.....] (5) المؤمنون: 85. (6) المؤمنون: 84.

ومثله: (قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) «1» جواباً لقولهم: (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) «2» . ولو حمل على اللفظ لقال: أن أكون من الهازئين. وأما قوله تعالى: (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) «3» . فقد قال في التذكرة: إنه محمول على ما قبله من المصدر، والمصدر مفعول له، وهو: (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) «4» أي: للغرور. وغرورهم على ضربين: إما أن يغري بعضهم بعضاً، أو يغروا جميعاً من يوسوسون له ويوالونه ممن لا يؤمنون. فنقديره: للغرور، ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون. والضمير في «إليه» ل «زخرف القول» . أو «لوحيهم» ، أو «ليرضوه» . ولا يكون أن تحمله على الأمر، على قوله: / (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ) «5» لثبات الألف في الفعل، وليست بفاصلة، فتكون مثل (السَّبِيلَا) «6» . فإذا كان كذلك لم يتجه إلا على هذا الذي ذكرنا أو على قول أبي الحسن، مع أن ذلك عزيز غامض ما علمته مر بي إلا هذا البيت الذي أنشده فيه. قال وللقائل أن يقول: إن المقسم عليه محذوف مضمر، كأنه: إذا قال قدني قلت آليت حلفة ... لتغنى عنّى ذا إناؤك أجمعا «7»

_ (1) البقرة: 67. (2) البقرة: 67. (3) الأنعام: 113. (4) الأنعام: 112. (5) الإسراء: 64. (6) الأحزاب: 67. (7) البيت لحريث بن عتاب الطائي. (مجالس ثعلب 606) . ولتغني عني، أي لتبعده عني. ويروي: لتغني، بفتح اللام والياء، على إرادة نون التوكيد الخفيفة. وذا إنائك، أي صاحب إنائك، يعني: اللبن.

أي قلت: بالله لتشربن أو لتقتحمن جميع ما في الإناء فحذف «لتقتمحن» لدلالة الحال عليه، ولأن ما في الكلام من قوله: «لنغنى عني» ، وإن أجاز ذلك فيه، لم يكن فيه حجة. قلت: الذي قال «بلام الأمر» في الآية هو الجبائي، ولم ينظر إلى إثبات الألف، ولم يعلم أن قوله «لا ترضاها» وأخواته من الضرورة كأنه استأنس بقراءة زبّان: (لا تخف دركاً ولا تخشى) «1» . فزعم الفارسي أن ذاك للفاصلة ك (الظُّنُونَا) «2» و (السَّبِيلَا) «3» ، وليس قوله: «ولتصغي» فاصلة. ومن ذلك ما ذهب إليه أبو علي في قراءة أبي عمرو في نصبه (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) «4» فزعم أنه محمول على قوله: (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) «5» . وأنت لا تقول: فعسى الله أن [يأتي بأن] «6» يقول الذين آمنوا ولكن حمله على المعنى، لأن معنى: فعسى الله أن يأتي بالفتح، [وفعسى أن يأتي الله بالفتح] «7» ، واحد. وجوز فيه أن يكون بدلاً من قوله «أن يأتي» . أجزنا فيه قديماً أن يكون محمولاً على «الفتح» ، أي: وأن يأتي بالفتح ويقول المؤمنون. كما قال الخليل في قوله تعالى: (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) «8» أنه محمول على «الوحى» «9» .

_ (1) طه: 77. (2) الأحزاب: 10. (3) الأحزاب: 67. (4) المائدة: 53. (5) المائدة: 52. [.....] (7- 6) التكملة من البحر (3: 509) . (8) الشورى: 51. (9) يريد: «وحيا» في قوله تعالى في هذه الآية السابقة من سورة الشورى: (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً ... أَوْ يُرْسِلَ) .

وكرواية هبيرة «فنجي» بالنصب. حملاً على «نصرنا» من قوله: (جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ) «1» . ومن ذلك قوله: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) «2» . ومنه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) «3» ، حمله على (يَعْدِلُونَ) «4» فعداه ب «عن» . وهذا النحو كثير. ألا ترى أن سيبويه قال في قولهم: ألست أتيتنا فتحدثنا- بالرفع والنصب- فحمل مرة على اللفظ وأجاز النصب، وعلى المعنى فمنع النصب إذ معناه الإثبات. ولهذا جاء: (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) «5» ، بخلاف قوله: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) «6» . فجاء الاختلاف/ في الآيتين كما جاء الرفع والنصب في المسألة فحمل مرة على الإثبات، وأخرى على النفي ومن ذلك قوله: (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) «7» ، إن اللفظ لفظ النداء، والمعنى على غيره. كما أن قوله: اغفر لنا أيتها العصابة، اللفظ على النداء، والمعنى على غير النداء، إنما هو الاختصاص.

_ (1) يوسف: 110. (2) الأعراف: 12. (3) النور: 63. (4) الأنعام: 1 و 150. (5) هود: 78. (6) الأعراف: 172. (7) يس: 30.

قال أبو علي: مثل ما يكون اللفظ على شيء والمعنى على غيره قولهم: لا أدري أقام أم قعد؟ ألا ترى أن اللفظ على الاستفهام والمعنى على غيره. وكذلك قولهم: «حسبك» ، اللفظ لفظ الابتداء والمعنى على غيره. وكذلك قولهم: اتقى الله امرؤ فعل خيراً يثب عليه اللفظ لفظ الخبر والمعنى معنى الدعاء. وكذلك: (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) «1» . وإلى هذا النحو ذهب أبو عثمان في قولهم: ألا رجل ظريف؟ فقال: اللفظ لفظ الخبر، والمعنى معنى التمني. وليس هذا بسائغ لأن الكلام قد دخله ما منع هذا المعنى، ألا ترى أن هذا ارتفع بالابتداء، وقد دخل الكلام من المعنى ما أزال معنى الابتداء ألا ترى أن معنى الطلب قد أزال معنى الابتداء من حيث جرى مجرى: اللهم غلاماً أي: هب لي. وكذلك قولك: ألا رجل؟ بمنزلة قوله: هب لي وألا آخذ وألا أعطي، ونحو ذلك. فإذا دخل هذا المعنى أزال معنى الابتداء وإذا زال معناه لم يجز ارتفاعه بالابتداء، لمعاقبة هذا المعنى له وإذا عاقبه ذلك وأزاله لم يجز أن يرتفع «أفضل» بأنه خبر لبطلان كون الأول أن يكون مبتدأ أوفي موضع الابتداء. فالقول في ذلك قول سيبويه لهذه الآية.

_ (1) مريم: 75.

الباب الحادي والثلاثون

الباب الحادي والثلاثون باب ما جاء في التنزيل من حذف «أن» وحذف المصادر، والفصل بين الصلة والموصول وهو من باب لطائف الصناعة، لأنهم زعموا أن «أن» موصولة، وحذف الموصول وإبقاء صلته منكر عندهم، ومع ذلك فقد جاء في التنزيل. فمن ذلك قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) «1» . قالوا: التقدير: بأن لا تعبدوا إلا الله، فلما حذفت «أن» عادت «النون» . وكذلك قوله: (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) «2» . تقديره: / بأن لا تسفكوا دماءكم، فحذف «أن» وعادت «النون» . قالوا: ومثله قولهم: «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه «3» » أي: أن تسمع. ومن ذلك قوله تعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ) «4» ، أي: بعد إيمانهم أن شهدوا، فحذفت «أن» ليصح عطفه على «إيمانهم» . وإن شئت كان التقدير: بعد أن آمنوا وشهدوا، فتضع المصدر موضع «أن» ليصح عطف «شهدوا» عليه. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) «5» فيمن قرأ بالياء، أي: أن سبقوا، ليصح قيامه مقام المفعولين.

_ (1) البقرة: 83. (2) البقرة: 84. (3) هذا مثل، يضرب لمن خبره خير من مرآه. (مجمع الأمثال 1: 113) . [.....] (4) آل عمران: 86. (5) الأنفال: 59.

ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) «1» ، فقال: «تأمروني» لغو، كقولك: هذا يقول ذاك بلغني، ف «بلغني» لغو، وكذلك «تأمروني» كأنه قال: فيما تأمروني وكأنه قال: فيما بلغني، وإن شئت كان بمنزلة: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى «2» قال «س» «3» : «غير» منصوب ب «أعبد» على القول الأول، وعلى القول الثاني ب «تأمرونى» . ولا يجوز انتصابه ب «أعبد» لأن «أعبد» فى صلة «أن» و «غير» قبله، ولا يعمل ما في الصلة فيما قبل الموصول. «فا» «4» : يؤكد أنهم يراعون الحال الأولى، بعد حذف «أن» ما روى أبو عثمان المارنى عن قطرب: «أحضر الوغى» بنصب «أحضر» . قال أبو سعيد «5» : أجود ما يقال فيه ما ذكره سيبويه عن الخليل، وهو نصب «غير» «بأعبد» ، و «تأمرونى» غير عامل، كما تقول: هو يقول ذلك فيما بلغني، وزيد قائم ظننت، كأنك قلت: هو يقول ذاك فيما بلغني، وزيد قائم فيما ظننت. قال: وقال سيبويه: «وإن شئت كان بمنزلة: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وهو ضعيف لأنه [يؤدي إلى أن] «6» يقرر «أعبد» بمعنى: عابداً غير الله، وفيه فساد.

_ (1) الزمر: 64. (2) صدر بيت لطرفة بن العبد، وعجزه: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي (3) يريد: «سيبويه» . (الكتاب 1: 452) . (4) يريد: «الفارسي أبا علي» . (5) هو: أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله (368 هـ) . (6) التكملة من شرح السيرافي بهامش الكتاب لسيبويه (1: 452) .

والذي عليه الناس، هو الوجه الأول الذي ذكرناه» . وقد قال سيبويه هذا الكلام هاهنا، وقال في الباب المترجم عنه: «هذا باب «1» ما يكون فيه «إلا» وما بعده وصفاً بمنزلة: «مثل» ، و «غير» . ومضى في كلامه « [ولا يجوز أن تقول: ما أتاني إلا زيد، وأنت تريد أن تجعل الكلام بمنزلة «مثل» ، إنما يجوز ذلك صفة] «2» ثم قال: ولا يجوز أن يكون رفع «زيد» على إضمار: إلا أن يكون زيداً لأنك لا تضمر الاسم الذي هذا من تمامه، لأن «أن» يكون اسماً وما بعده صلة له» . ويجوز في الآية الأولى حذف «أن» ولم يجوزّه في الفصل الثاني. وأبو إسحاق تكلم على الآية، أعني قوله: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي) «3» ونقل كلامه أبو علي في «الإغفال» وأراد أن يتكلم عليه، فبيض الموضع. وهذا كلام أبى إسحاق: «أفغير» منصوب ب «أعبد» لا بقوله «تأمروني» . المعنى: أفغير الله أعبد أيها الجاهلون فيما تأمرونى. ولو كان أبو العباس حين تتبع سيبويه، وتكلم بمثل هذا الكلام البارد الذي لا يخدش شيئاً من كلامه، وتتبعه على هذا الوجه، وتكلم بمثل هذا الكلام، وفصل بين الموضعين. كان أحق وأجدر. وقد ضمنت هذا الكتاب مثل هذا الفصل فصولاً أخر، تقدم بعضها، وأنت بصدد الثاني فاحفظها. قال الشيخ: ومما يحمل على إضمار «أن» في التنزيل قوله تعالى: (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) «4» ، ف «أن» مضمرة، وهي مع الفعل في تقدير المصدر معطوف على «خزى» .

_ (1) الكتاب (1: 370) . (2) تكملة عن الكتاب لسيبويه. (3) الزمر: 64. (4) البقرة: 85.

ومثله: (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) «1» ، أي: ثم كفر بعضكم ببعض يوم القيامة، فأضمر «أن» ومثله: (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) «2» ، أي: ويوم القيامة رؤية الذين كذبوا على الله، لأن قبله (أَنْ تَقُولَ) «3» ، و: (أَوْ تَقُولَ) «4» . وقد قال أبو علي في قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) «5» ، يجوز أن تقدر حذف «أن» كأنه: لا تحسبن الذين كفروا أن سبقوا، فحذفت «أن» كما حذفتها في تأويل سيبويه في قوله: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي) «6» . قال: وحذف «أن» قد جاء في غير شيء من كلامهم. قال: وإن كبيراً لم يكن رب علبة ... لدن صرحت حجاجهم فتفرقوا «7» أي: لدن أن صرحت. وأثبت الأعشى في قوله: أراني لدن أن غاب رهطي كأنما ... يراني فيكم طالب الضيم أرنبا «8» وقد حذفت من الفعل وبنيت مع صلتها في موضع الفاعل. أنشد أحمد بن يحيى لمعاوية بن خليل النصري: وما راعني إلا بشير بشرطه ... وعهدي به فينا يفش بكير «9» فإذا وجهه على هذا سدّ «أن» مسد المفعولين.

_ (1) العنكبوت: 25. (2) الزمر: 60. [.....] (3) الزمر: 56. (4) الزمر: 57، 58. (5) الأنفال: 59. (6) الزمر: 64. (7) العلبة: القدح الذي يحلب فيه. والبيت لمليح الهذلي. (8) البيت في الديوان (14: 19) : أراني لدن أن غاب قومي كأنما ... يراني فيهم طالب الحق أرنبا (9) يفش: ينفخ. والكير: زق من جلد ينفخ فيه لحداد.

كما أن قوله: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) «1» فقال: هذا كلامه في الآية من «الحجة» . وإن شئت فاسمع كلامه في موضع آخر، قال: ومما يمكن أن يكون انتصابه على أنه مفعول به على الاتساع، وكان في الأصل ظرفاً، قوله: (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) «2» في قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) «3» ، والعامل في، الأيام «كتب» ، تقديره: كتب عليكم الصيام أياماً معدودات، أي: في أيام معدودات. وإن شئت اتسعت فنصبته نصب المفعول به، فتقول على هذا: مكتوب أياماً عليه. ولا يستقيم أن ينتصب «أيام» ب «الصيام» على أن يكون المعنى: كتب عليكم الصيام في أيام، لأن ذلك وإن كان مستقيماً في المعنى فهو في اللفظ ليس كذلك، ألا ترى أنك لو حملته على ذلك فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي منهما، وذلك أن «أياماً» تصير من صلة «الصيام» ، وقد فصلت بينهما بمصدر «كتب» لأن التقدير: كتب عليكم الصيام كتابة مثل كتابته على من كان قبلكم، فالكاف فى «كما» متعلقة، ب «كتب» ، وقد فصلت بها بين المصدر وصلته، وليس من واحد منهما. فإن قلت: أضمر «الصيام» لتقدم ذكر المتقدم عليه، كأنه: صيام أياماً، فإن ذلك لا يستقيم لأنك لا تحذف بعض الاسم، ألا ترى أنه قد قال في قوله: وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان «4» أنه لا يكون على: أن لا يكون الفرقدان، لحذفك الموصول، وكذلك الآية. وإذ قد/ عرفت هذا وتبينت أن المصدر و «أن» مع ما بعده عندهم بمنزلة واحدة،

_ (1) العنكبوت: 2. (3- 2) البقرة: 183. (4) البيت لعمرو بن معد يكرب (الكتاب 1: 371) .

وأنهما كليهما موصول ل «أن» ، فلا بد وأن نعد لك الآي التي وردت فيها المصادر وظاهرها فصل بينها وبين صلاتها بمنزلة «أن» ، والحديث ذو شجون. فمن ذلك قوله تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) «1» ، لا يجوز تعليق «على» بقوله «حجتنا» للفصل بين المصدر وما يتعلق به بالصفة. قال أبو علي: وإن كان «حجتنا» بدلا ف «آتيناها» خبره، و «على» متعلق بمحذوف، كقوله: (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ) «2» . وكذلك إن جعلت «حجتنا» خبراً، فإن جعلت «آتيناها» في موضع الحال على: حجة آتيناها، وإضمار «قد» ، جاز أن يكون متعلقا، ب «الحجة» لأنه لها فصل. قال عثمان: قلت لأبي علىّ في قول الله تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) «3» يكون «آتيناها» حالاً من «الحجة» إما على: قد آتينا، وإما: على: حجة آتيناها، وعادت مع هذا على قوله بنفس حجتنا، فمثل هذا ألا فصل بين الصلة والموصول بالأجنبي؟ فقال: الحال تشبه الظرف، وقد يجوز في الظرف ما لا يجوز في غيره، ولم يزد على هذا بعد المراجعة. والفصل بين الموصول والصلة لا يجوز بالظرف ولا غيره، ألا ترى أنك لو قلت، أعجبني ضربك يوم الجمعة زيداً، فعلقت «يوم الجمعة» ب «أعجبنى» لا ب «الضرب» لم يجزه أحد، وإنما المتجوز بالفصل الفصل بالظرف ما كان بين الفعل وفاعله، نحو: كان فيك زيد راغباً، ونحو قوله: فإن بحبها ... أخاك مصاب القلب جم بلا بله «4»

_ (1) الأنعام: 83. (2) غافر: 10. (3) الأنعام: 83. (4) جزء من بيت، والبيت كاملا: فلا تلمحني فيها فإن بحبها ... أخاك مصاب القلب جم بلا بله (الكتاب 1: 280) . [.....]

وأما ما ذهب إليه أبو علي، فيما حكينا عنه، فلا، والله أعلم. وقال أبو علي في موضع آخر: ففي هذا دلالة على وقوع مثال الماضي حالاً، وذلك أن «آتينا» لا تخلو من أن تكون صفة أو جملة متبعة جملة، على حد: (هُمْ فِيها خالِدُونَ) «1» ، أو حالاً، ولا تكون صفة لأن «حجتنا» معرفة، ولا تكون على حد (هُمْ فِيها خالِدُونَ) «2» ، و (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) «3» لأنك إن جعلته على ذلك فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي، فإذا امتنعتا ثبت أنه واقع موقع الحال، إذا كانت/ حالاً لم تفصل بين الصلة والموصول، وكانت على [ذلك] «4» متصلة بالمصدر الظاهر الذي هو «حجتنا» . فإن قلت: فلم لا تكون على قول أبي الحسن في نحو: (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ) «5» ، أن يكون على تقدير: أو جاءوكم قوم حصرت، ولا يكون على قوله: أو جاءوكم قوماً قد حصرت، فإن ذلك لا يكون على حذف الموصوف، كما يكون قوله: أو يكون جاءوكم قوماً حصرت لأنك على هذا تحذف الموصول وتبقي بعض صلته. وقد قال سيبويه: إن ذلك لا يجوز فيه. وأما قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) «6» فإن قوله «يوم خلق السّموات» تتعلق بمضمر دون «عدة» ، لأن الفصل بين المصدر والمعمول لا يجوز، ولهذا لا يتعلق «فى كتاب الله» ب «عدة» ولا يكون بدلاً من «عند الله» للفصل، أو يكون أن يتعلق ب «حرم» ، كأنه: منها أربعة حرم فيها كتب الله يوم خلق السموات

_ (2- 1) البقرة: 39، 81، 82، 217، 257، 275- آل عمران: 107، 116. (3) الكهف: 22. (4) تكملة يقتضيها السياق. (5) النساء: 90. (6) التوبة: 36.

فيكون المعنى: مثبتاً في كتاب الله، أي: فيما فرض كونه حرماً أربعة أشهر لا أكثر، فإذا نشأتم أنتم الشهور فجعلتم الشهور الحرم أكثر من أربعة لما كتبه الله أجل لهم ما حرم الله. ويجوز أن يتعلق «يوم» ب «كتاب» . وأما قوله تعالى: (وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) «1» . فإن قوله «من الله» صفة فيها ذكر من الموصوف، وكذلك «إلى الناس» ، ولا يكون من صلة «أذان» لأنه اسم، وليس بمصدر. ومن أجرى هذا الضرب من الأسماء مجرى المصادر فينبغي ألا يتعلق به هذا الجار، ألا ترى أن المصدر الذي هذا منه لا يصل بهذا الحرف كما يصل قوله: (بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ) «2» به، لقوله: برئت إلى عرينة من عرين «3» و: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) «4» . فأما قوله: «يوم الحج الأكبر» فيجوز أن يتعلق ب «أذان» لأنك تفصل بين الصلة والموصول بالصفة، ولا بد من تقدير الجار في قوله «إن الله» أي، ب «إن الله» لأن الله برئ من المشركين، لا يكون الإعلام كما يكون الثاني الأول، في نحو: خبر له أنك خارج.

_ (1) التوبة: 3. (2) التوبة: 1. (3) عجز بيت لجرير، وصدره: عرين من عرينة ليس منا (4) البقرة: 166.

وأما قوله في: (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) «1» : لا يتعلق الباء ب «عطاؤنا» / للفصل، ولا ب «أمسك» لأنه لا يقال: أمسكت بغير حساب، إنما يقال: أعطيت بغير حساب، فهو إذاً متعلق ب «امنن» ، ويكون معناه: أنه مخير بين أن يعطي كثيراً وأن يمسك، وكأن معنى «امنن» أعط، لما كان مناً وتفضلاً على المعطى، قيل: «امنن» ، والمراد: أعط. ومثله في جعل «المن» عطاء قوله تعالى: و (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) «2» ، كأنه: لا تعط مستكثراً، أي: لا تعط لتأخذ أكثر منه. ومثله: (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ) «3» . وتقدير «تستكثر» : أي: مقدراً فيه الاستكثار، وجزم «تستكثر» على هذا يبعد في المعنى، لأنه يصير: إن لا تمنن تستكثر، وليس المعنى على هذا. وقد أجاز أبو الحسن نحواً من هذا اللفظ، وإن لم يكن المعنى عليه. وأما قوله تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ) «4» ، ف «الذين» جر، عطف على «المؤمنين» ، أو نصب، عطف على «المطوعين» . فالظرف. أعني «في الصدقات» . متعلق ب «مطوعين» أو «يلمزون» ، أي: ويعيبون في إخراج الصدقات لقلتها، ولا يكون «الذين يلمزون» ، بدلاً من «من» في قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) «5» ، لأن هؤلاء غيرهم ... «6» في وضع الصدقات.

_ (1) ص: 39. (2) المدثر: 6. (3) الروم: 39. (4) التوبة: 79. (5) التوبة: 58. [.....] (6) مكان هذه النقط كلمة غير واضحة.

وأما قوله: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) «1» ف «على» من صلة «وتمت» دون «الكلمة» وإن كانت «الكلمة» بمعنى، النعمة، لأنها وصفت بالحسنى، وكما يتعلق «على» ب «حقت» في قوله: (حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) «2» وكذا هاهنا. وأما قوله: (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ) «3» فقد تكلمنا عليه في باب المفعول. وأما قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ) «4» ، فقد تردد فيه كلامه، فقال مرة: الظرفان صفة للنكرة متعلقان بمحذوف، والشهادة من الله هي شهادة يحملونها ليشهدوا، فهذا كما قال: (فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) «5» ، وقال في موضع آخر: لا يتجه أن يتعلق «من» ب «كتم» لأن الله لا يكتم شيئاً. فإن قلت: فقد جاء (وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) «6» فإنه يجوز أن يكون التقدير: إن أحوالهم ظاهرة وإن كتموها. كما قال: (لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) «7» ، فإذا لم يتعلق بكتم «تعلق بالشهادة» ، وتعلقه به على وجوه. فإن جعلت قوله «عنده» صفة للشهادة لم يجز أن يكون «من الله» متعلقا ب «شهادة» لأنه فصل بين الصلة والموصول، وكما انك لو عطفت عليه كان كذلك. ويجوز أن تنصب «عند» لتعلقه ب «شهادة» . فإذا فعلت ذلك لم يتعلق ب «من الله» ، لأنه لا يتعلق به ظرفان. وإن جعلت «عنده» صفة أمكن أن يكون «من الله» حالا عمّا فى «عنده» ،

_ (1) الأعراف: 137. (2) الزمر: 71. (3) طه: 58. (4) البقرة: 140. (5) آل عمران: 81. (6) النساء: 42. (7) غافر: 16.

فإذا كان كذلك وجب أن يتعلق بمحذوف في الأصل، والضمير العائد إلى ذي الحال هو الظرف. هذا كلامه وقد منع من تعلق الظرفين بالمصدر، وهذا يجوز في الظرفين المختلفين، وإنما الكلام في المتفقين، وقد بيناه في «الاستدراك» . وأما قوله: (لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ) «1» . فلا يخلو قوله «إذ تدعون» من أن يتعلق ب «لمقت الله» ، ولا يجوز أن يتعلق بقوله «مقتكم» لأنهم مقتوا أنفسهم في النار، وقد دعوا إلى الإيمان في الدنيا. ولا يتعلق بالمبتدأ، لأنه أخبر عنه بقوله «أكبر من مقتكم» ، والموصول لا يخبر عنه، وقد بقيت منه بقية، والفصل بين الصلة والموصول غير جائز. وأما قوله تعالى: (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) «2» إن جعلت الهاء للكافر، على معنى: إنه على إحيائه لقادر، لم يجز أن يتعلق «يوم تبلى السرائر» بقوله «رجعه» ، لأن قوله «لقادر» في موضع الخبر ل «إن» ، وقد فصل بين المصدر وما يتعلق به، ولكن ينتصب بمضمر يفسره «رجعه» ، أي: يحييه يوم تبلى السرائر. ويجوز أن يجعل «يوم» بمعنى «إذا» فيعمل فيه مدلول «إذا» : (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) «3» كقوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) «4» . ألا ترى أن مدلول «الفاء» يعمل في «يوم ندعو» . ومثله: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) «5» . ومثله: (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) «6» .

_ (1) غافر: 10. (2) الطارق: 8، 9. (3) الطارق: 10. (4) الإسراء: 71. (5) فصلت: 19. (6) المدثر: 8. [.....]

ولا يجوز أن يتعلق بقوله «لقادر» ، لئلا يصغر المعنى لأن الله قادر يوم تبلى السرائر وغيره، في كل وقت وعلى كل حال، على رجع النشور. قال أبو علي في «الإغفال» في قوله: (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) «1» قولاً يخالف ما حكينا عنه في «الحجة» قبل، وهو أنه قال: يجوز/ أن يجعل «أياماً» متعلقا ب «الصيام» ، دون «كتب» ، وكانت الكاف في موضع النصب حالاً من فاعل الصيام، الا ترى أنه لا يستقيم: كتب عليكم أن تصوموا مشابهين الكتابة، فهذا من جهة المعنى. ويصح كونه حالاً من «الصيام» على تقدير: كتب عليكم الصيام مثل ما كتب الصيام على من قبلكم، أي كتب الصيام مشابهاً كتابته على الذين من قبلكم. فالصيام لا يشبه الكتابة، وحق التشبيه أن تشبه كتابة بكتابة، أو صيام بصيام، فأما أن يشبه الصيام بالكتابة فليس بالوفق، إلا أن يدل اشتباه الصيام بالكتابة من حيث كان كل واحد منهما مراداً، وإن لم يكن الآخر. وهذا مما يدلك على أن حمل «كما» ، على أنه منصوب ب «كتب» ، أوجه وأبين من أن تجعله متعلقا ب «الصيام» ، ولا يجوز في «كما» أن يكون صفة لمصدر «كتب» الذي دل، «كتب» عليه، في قول من جعل «أياماً» معمول «الصيام» ، لأنه يفصل بين الصلة والموصول بما هو أجنبي منهما، وما عمل فيه شيء. وأما قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) «2» لا تكون الكاف «3»

_ (1) البقرة: 184. (2) آل عمران: 10 و 11. (3) يريد الكاف في: «كدأب» .

صفة لمصدر دل عليه «كفروا» ، ولا لمصدر دل عليه قوله «لن تغني» ، للفصل بين الصلة والموصول بالخبر أو بالجملة التي هي «أولئك هم وقود النار» ، وإنما معمول لقوله «وقود النار» لأنه لا فصل بينهما. وأما قوله تعالى: (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) «1» ، فقوله «وقعدوا» اعتراض، لأنه يسدد ما يريدونه من تثبيطهم وإقعادهم عن الجهاد مع النبي صلى الله عليه وعلى آله، فقوله: «لو أطاعونا ما قتلوا» في موضع نصب. فقالوا: ولا يحتاج هنا إلى إضمار فعل آخر كما احتجت إليه في قوله: وقائلة تخشى علي أظنه ولأن «تخشى» وصف، وإذا وصفت اسم الفاعل لم ينبغ أن يعمل. فأما «الذين» فموضعه رفع، وقال: زيداً اضربه، نصب ألا ترى أنك تنصب: زيداً قال له خيراً، كما تقول: زيداً اضربه. وليس الرفع بمختار في قول أحد فيه، لأنه لا وجه للرفع على ذلك. وأما قوله تعالى: (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) «2» ، ف «من» موصولة، وتمام الصلة عند قوله: (وَآتَى الزَّكاةَ) «3» ، وقوله: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ) «4» رفع، عطف على «من آمن» ، فلا يجوز إذاً أن يكون قوله «والصابرين» عطفاً على قوله «ذوي القربى» على تقدير: وآتى المال على حبه ذوي القربى والصابرين، لأنك قد عطفت على الموصول قوله «والموفون» ، فلا يجوز أن يكون

_ (1) آل عمران: 168. (4- 3- 2) البقرة: 177.

«والصابرين» داخلاً في الصلة، ولكنك إن رفعت «والموفون» على المدح جاز عطف «الصابرين» على قوله «ذوى القربى» ، لأنّ الجملة تسدد الأول وتوضحه لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) «1» ، فقوله «وترهقهم ذلة» عطف على «كسبوا» ، وقوله «وجزاء سيئة بمثلها» اعتراض. وقال قوم: بل التقدير: جزاء سيئة، والجملة في موضع خبر قوله: «والذين كسبوا» . فأما قوله تعالى: (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) «2» قال أبو علي: يحتمل عندي قوله «أحوى» ضربين: يجوز أن يكون حالا ل «المرعى» كأنه: والذي أخرج المرعى أحوى، فجعله غثاء أحوى، ولا يكون فصلاً بين الصلة والموصول، لأن «أحوى» في الصلة، وقوله «فجعله» أيضاً معطوف على الصلة، وتقديم بعض الصلة على بعضها غير جائز، فإذا حملته على هذا كان وصفه بالحوة إنما هو لشدة الري ولإشباع الخضرة، كأنه أسود، على هذا قوله: (مُدْهامَّتانِ) «3» ، وإن كان هذا لا يقع من الوصف بالحوة لأنه أذهب في باب السواد. وإن جعلت أحوى صفة ل «غثاء» كان المراد به السواد لا الخضرة التي في الري أنها سواد، ولكن بالقدرة أخرج المرعى فصار غثاءا أسود ليبسه وهيجه وتسويد الشمس له بأحراق لطيفة.

_ (1) يونس: 27. (2) الأعلى: 4، 5. (3) الرحمن: 64.

وأما ما ذهب إليه علي بن عيسى في قوله: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) «1» إلى قوله (وَقِيلِهِ) «2» من أن قوله «وقيله» فيمن جر، معطوف على الجار والمجرور، أعني «3» ... وجداً، للفصل بين الصفة والموصول بما تراه من الكلام. وأما قوله: (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) ، فإن «4» «حتى» متعلق إما بفعل مضمر يدل عليه «سلام» / أو بقوله (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) «5» . فإن قلت: فإذا كان متصلاً بقوله «تنزل» فكيف فصل بين العامل والمعمول بالجملة التي هي «سلام» ؟ فإن ذلك لا يمتنع لأمرين: أحدهما: أن هذه الجملة ليست بأجنبية، ألا تراها تتعلق بالكلام وتسدد. والآخر: أن تكون في موضع حال من الضمير في قوله (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) «6» مسلمة، فهذا لا يكون فصلاً على هذا الوجه الآخر. وأما إذا لم تحمله على هذا وجعلت «حتى» متعلقاً بفعل مضمر، فلا يخلو من أن يتعلق ب «هى» أو «سلام» ، فلا يتعلق ب «هى» ، لأنه لا معنى فعل فيه، ولا يجوز أن يتعلق أيضا ب «سلام» ، لأنك تفصل حينئذ بين الصلة والموصول بالمبتدأ، ألا ترى أن «سلاماً» مصدر، فإذا لم يجز هذا أضمرت ما يدل عليه «سلام» ، فكأنك قلت: تسلم حتى. فإن قلت: فلم لا تضمر فعلاً بعد «هي» مما يتعلق به، ويكون المبتدأ الذي هو «هي» قد أخبر عنه بأنه سلام، وأنها «حتى مطلع الفجر» مثل:

_ (1) الزخرف: 86. (2) الزخرف: 88. (3) بياض بالأصل. وقد ذكر الزمخشري في تفسيره (الكشاف 4: 268) ما قيل حول «وقيل» . فقال: «وعطفه الزجاج على محل الساعة وحمل الجر على لفظ الساعة والرفع على الابتداء، والخبر ما بعده. وجوز عطفه على «علم الساعة» ، على تقدير حذف المضاف» . (4) القدر: 5. (6- 5) القدر: 4.

حلو حامض، كأنه أراد أن يعلم أنه سلام، وأنه إلى هذا الوقت، فإن الإفادة بأنها إلى مطلع الفجر ليست بحسنة، لأن ذلك قد علم من غير هذا المكان، فإذا كان كذا حملناه على باب (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ) «1» ولهذا لم نجعل «حتى» خبر «هى» ، و «سلام» ل «هى» آخر، ولأنه إذا لم يكن من باب حلو حامض، فلا يكون من باب: هو قائم، أولى، وإن جعلت «هي» فاعل «سلام» ، و «حتى» فى موضع الخبر، فهو وجه. قال عثمان: لا يلزم إذا جعلت «حتى» متعلقة ب «سلام» أن تكون فصلت بينهما ب «هى» ، لأن «سلاماً» في موضع: مسلمة، وأنشد: فهلا سعيتم سعى عصبة مازن ... وهل كفلائي في الوفاء سواء وأما قوله تعالى: (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ «2» ) ، فينبغي أن يكون قوله «أو من وراء حجاب» إذا جعلت «وحيا» على تقدير: أن يوحي- كما قال الخليل- لما لم يجز أن يكون على أن الأولى من حيث فسد في المعنى/ يكون «من وراء حجاب» على هذا متعلّقا بفعل محذوف في تقدير العطف على الفعل الذي يقدر صلة، ل «أن» الموصولة ب «يوحى» ، ويكون ذلك الفعل: يكلم، وتقديره: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحى إليه أو يكلم من وراء حجاب، فحذف «يكلم» لجري ذكره أولا، كما حذف الفعل في قوله: (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) «3» لجري ذكره، والمعنى: كذلك أنزلنا، وكما حذف في قوله: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ «4» ) ، والمعنى: الآن آمنت، فحذف، حيث كان ذكر «آمنت» قد جرى،

_ (1) غافر: 10. [.....] (2) الشورى: 51. (3) الفرقان: 32. (4) يونس: 91.

وهذا لا يمتنع حذفه من الصلة، لأنه بمنزلة المثبت، وقد تحذف من الصلة أشياء للدلالة عليها، ولا يجوز أن يقدر تعلق «من» في قوله (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) «1» إلا بهذا، لأنك إن قدرت «2» تعلقه بغيره فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي، ولا يجوز أن يقدر فعل غير هذا، كما قدر في «أو» في قوله: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً) «3» ، لأن هذا اعتراض يسدد ما قبله، وأنت إذا قدرت «أو من وراء حجاب» متعلقا بشيء آخر كان فصلاً بأجنبي، إذ ليس هو مثل الاعتراض الذي يسدد الأول. وأما من رفع فقال: (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) «4» فينبغي أن يكون قوله «أو من وراء حجاب» متعلقا بمحذوف، ويكون الظرف في موضع حال، لأن قوله (إِلَّا وَحْياً) «5» على هذا التقدير مصدر في موضع الحال، كأنه يكلم الله إيحاء، أي: موحياً، كقولك: جئت ركضاً ومشياً، ويكون «من» في قوله «أو من وراء حجاب» في أنه في موضع حال، مثل «من» في قوله (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) » بعد قوله (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا) » ، فهذا موضع وقعت فيه «من» ظرفاً في موضع الحال، كما وقع سائر حروف الجر، ومعنى «أو من وراء حجاب» في الوجه الأول: يكلمهم غير مجاهر لهم بالكلام، أي: يكلمهم من حيث لا يرى كما لا يرى سائر المتكلمين، ليس أنه هناك حجاب يفصل موضعا من موضع.

_ (5- 1) الشورى: 51. (2) الأصل: «فقدت» . (3) الأنعام: 145. (4) الشورى: 51. (7- 6) آل عمران: 46.

وأما قوله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) «1» ، ف «رسله» معطوف على الضمير المنصوب الذي قبله، كما قال: (وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) «2» ، ولا يجوز أن يكون معطوفاً على مفعول «ليعلم» لأنك تفصل بين الصلة والموصول ألا ترى أن قوله «بالغيب» متعلق ب «ينصر» ولا يجوز أن يتعلق ب «ليعلم» ، فإذا كان كذلك، فلو عطفت «رسله» على «يعلم» فصلت بالمعطوف بين الصلة والموصول. ومن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) «3» . فقوله بعد: (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) «4» اعتراض بين الصلة والموصول، وقوله: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) «5» في الصلة من الفعل. ونظير هذا (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ) «6» هو فصل بين الفعل ومفعوله دون الصلة وموصوله. أما قوله: (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) «7» . فزعم أنه لا يكون عطفاً على ما تقدم من ألا يفصل بين الصلة والموصول بقوله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) ، «8» ولكن النصب على إضمار «أن» بعد «أو» . ونعني بالموصول قوله: (بُشْرى لَكُمْ) «9» لأن اللام من قوله «ليقطع» متعلق به، وقوله: (وَمَا النَّصْرُ) اعتراض. فهذه آي وردت، فيها يقول النحويون من امتناع الفصل بين الصلة والموصول، ولا نرى منها حرفاً في كتبهم، والحمد لله الذي هدى لهذا.

_ (1) الحديد: 25. (4- 2) الحشر: 8. (3) آل عمران: 135. (5) آل عمران: 135. (6) البقرة: 120. (7) آل عمران: 128. [.....] (8) آل عمران: 128. (9) آل عمران: 126.

الباب الثاني والثلاثون

الباب الثاني والثلاثون هذا ما جاء في التنزيل من حذف حرف النداء والمنادى وذلك حسن جائز فصيح ورد به الكلام، وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل من قوله: (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا) «1» . ومنه قوله تعالى: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) «2» أي: يا يوسف. أما قوله: (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) «3» فقد قيل: التقدير: ثم أنتم يا هؤلاء، ف «أنتم» مبتدأ، و «تقتلون» الخبر، و «هؤلاء» نداء اعترض بين المبتدأ والخبر، كما اعترض بين الشرط والجزاء في قوله: (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي) «4» أي: يا رب. وكما اعترض بين المصدر ومعموله في قوله: فندلاً زريق المال ندل الثعالب «5» / وكقوله: أوساً أو يس من الهباله «6»

_ (1) البقرة: 286. (2) يوسف: 29. (3) البقرة: 85. (4) المؤمنون: 93. (5) عجز بيت، صدره: على حين ألهي الناس جل أمورهم والبيت متصل ببيت قبله، هو: يمرون بالدهنا خفافا عيابهم ... ويرجعن من دارين بجر الحقائب يصف لصوصا، والندل: الاختلاس. وزريق: قبيلة ندل الثعالب. (اللسان: ندل- الكتاب 1: 59) . (6) عجز بيت لأسماء بن خارجة، وصدره: فلأحشانك مشقصا وقبل هذا البيت: في كل يوم من ذؤالة ... ضغث يزيد على إبالة والأوس: الذئب وأويس: تصغيره. والهبالة: ناقته.

ونحن نقول: إنّ «أنتم» مبتدأ، و «هؤلاء» على وجهين: أحدهما: ثم أنتم كهؤلاء. وإن شئت: «هؤلاء» بمعنى الذين، أي: أنتم الذين تقتلون أنفسكم، كما قال عز من قائل: (أُولاءِ عَلى أَثَرِي) «1» . وأما قوله تعالى: (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا) «2» . إن شئت كان «ربنا» من صلة قوله: «واغفر لنا» ، أي: واغفر لنا ربنا، فتقف على «ربنا» وإن شئت ابتدأت، فقلت: (رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) «3» . فإنما قلنا: لا يكون «هؤلاء» على: يا هؤلاء، لأن «هؤلاء» يجوز أن يكون وصفا ل «أي» ، فتقول: يا هؤلاء أقبل، كل ما يوصف به «أي» لا يحذف منه حرف النداء، ألا ترى أنه لا يجوز: رجل أقبل، لأنك تقول: يا أيها الرجل أقبل، وتقول: زيد أقبل، لأنك لا تقول: أيها الزيد أقبل. وأما قوله: (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ) «4» فيمن خفف، فقد قيل: إن الهمزة بمعنى «يا» ، والتقدير: يا من هو قانت، فأقيمت الهمزة مقام «يا» . قال أبو علي: المعنى: أمن هو قانت كمن هو بخلاف هذا الوصف؟ ولا وجه للنداء هاهنا، لأن الموضع موضع معادلة، فليس النداء مما يقع في هذا الموضع، إنما يقع في نحو هذا الموضع الجمل التي تكون أخباراً، وليس النداء كذلك.

_ (1) طه: 84. (3- 2) الممتحنة: 5. (4) الزمر: 9.

ويدل على المحذوف هنا قوله: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) «1» ، لأن التسوية لا تكون إلا بين شيئين، وفي الجملتين في الخبر، فالمعنى: أمن هو قانت كمن جعل لله أنداداً ليضل عن سبيله. وكما جاز حذف حرف النداء فيما تقدم جاز حذف المنادى، كما قال: (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) «2» أي: يا قوم، ليتنا نرد. ومثله: (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) «3» ، و (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) «4» وما أشبه ذلك. وأما قوله تعالى: (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) «5» فقد قال المبرد: إن التقدير: ألا يا هؤلاء اسجدوا، فحذف المنادى. والذي اختاره أبو علي: أن الجملة هاهنا كأنها المنادى في الحقيقة، وأن «يا» هاهنا أخلصت للتنبيه مجرداً من النداء، كما أن «ها» من قوله: (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ) «6» للتنبيه، من غير أن تكون للنداء. وقال أبو علي: وجه دخول حرف التنبيه على «ألا» من انه موضع يحتاج فيه إلى استعطاف المأمور لتأكيد ما يؤمر به عليه، كما أن النداء موضع يحتاج فيه إلى استعطاف المنادى لما ينادى له من إخبار أو أمر أو نهي أو نحو ذلك، مما يخاطب به، وإذا كان كذلك فقد يجوز ألا يريد منادىً في نحو قوله: (أَلَّا يَسْجُدُوا) «7» كما يريد المنادى:

_ (1) الزمر: 9. (2) الأنعام: 27. (3) الزخرف: 38. [.....] (4) يس: 26. (7- 5) النمل: 25. (6) النساء: 109.

يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار «1» وكذلك ما حكي عن أبي عمرو من قوله: يا ويلاً له. ويؤكد ذلك قوله: «هلم» . وبناؤهم «ها» للتنبيه مع «لم» وجعلها مع الفعل كشئ واحد، وإجماع الناس على فتح آخر الكلمتين في اللغتين. وكما لا يجوز أن يراد هاهنا مأمور، لبناء الكلمتين على الفتح، وإن فكت إحداهما من الأخرى، بل لا يسوغ إرادة المنادى لمكان بنائهما معاً وجعلهما بمنزلة شيء واحد، كذلك يجوز لك ألا تريد مأمورا في قوله: (أَلَّا يَسْجُدُوا) «2» . ويجوز أن يراد تقدير مأمورين، فحذفوا كما حذف من قوله: يا لعنة الله والأقوام كلهم وكما كان «يا هذا» لا يكون إلا لغير اللعنة، كذلك يجوز أن يكون المأمورون مرادين، وحذفوا من اللفظ. قال أبو علي في قوله: (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) «3» يحتمل ضربين: يجوز أن يكون «ها» للتنبيه دخلت على «أنتم» ، ويكون التنبيه داخلاً على الجملة كما دخل في قولهم «هلم» ، وكما دخلت «يا» للتنبيه في نحو (أَلَّا يَسْجُدُوا) «4» . ويجوز أن يكون «الهاء» في «انتم» بدلاً من همزة الاستفهام، كما كان بدلاً منها في قول ابن كثير، حيث قرأ (هأنتم) «5» على وزن «هعنتم» ، وتكون الألف التي تدخل بين الهمزتين لتفصل بينهما كما تدخل بين النونين

_ (1) الشاهد فيه حذف المنادي لدلالة حرف النداء عليه والمعنى: يا قوم، لعنة الله على سمعان. (الكتاب 1: 321) . (4- 2) النمل: 25. (5- 3) النساء: 109.

لتفصل بينهما في «إحسانان» ، وجاز «ها انتم» ولم يجزها قوم لشبه المضمر بالميم في الإبهام. وأما قوله: (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) «1» ، فيمكن أن يكون من هذا الباب، على تقدير: يا إبراهيم، فحذف، ويمكن أن يكون رفعاً، أقيم مقام فاعل «2» «يقال» . وأما قوله: (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا/ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا) «3» ، فقد قيل: التقدير: يا ذرية وقيل: قوله «ذرية» مفعول ثان ل «تتخذوا» ، و «وكيلا» الأول، فيمن قرأه بالتاء «4» . وأما قوله: (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) «5» ، و (قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «6» فالميم في آخر «اللهم» بدل من «يا» ، فيقال: يا الله، واللهم. وانتصاب قوله: «مالك الملك» على نداء آخر، أي: يا مالك الملك، و: يا فاطر السموات، كقوله: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ) «7» أي: يا فاطر السموات. وأبو العباس يحمله على موضع المنادى، كقولهم: يا زيد أخا عمرو. وسيبويه لا يرى ذلك، لأنه لما ضمت الميم إلى الكلمة صارت الأصوات التي لا توصف. ومثله قراءة من قرأ: (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) «8» بالنصب، أي: يا حسن ماب، فحذف.

_ (1) الأنبياء: 60. (2) يريد: نائب فاعل. (3) الإسراء: 2 و 3. (4) ويقرأ «يتخذوا» بالياء، على: لئلا يتخذوا. (5) آل عمران: 26. (6) الزمر: 46. (7) يوسف: 101. (8) الرعد: 29. [.....]

الباب الثالث والثلاثون

الباب الثالث والثلاثون هذا ما جاء في التنزيل قد حذف منه المضاف إليه وذلك يجئ أكثرها من كلمات تلت: «قبل» و «بعد» و «كل» . فأما «قبل» و «بعد» إذا كانا مضافين فإنهما معربان وإذا كانا مبنيين كان المضاف إليهما قد حذف منهما ونوى فيهما، فاستحقا البناء، لأنهما صارا غايتين، على ما عرفت في كتب النحو. وذلك قوله تعالى: (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) ، «1» أي: كانوا من قبل مجيئه، أي: مجئ الكتاب، يعني القرآن، أي: يستفتحون على الذين كفروا، فحذف المضاف. وكذلك قوله: (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) «2» أي: من قبل مجيئهم. وقال: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) «3» ، أي: من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء، وقرئ: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) «4» ولم يبنيا وجعلا اسمين من غير تقدير المضاف إليه. ومن ذلك قوله: َ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ) «5» ، أي: ولكل أهل قبلة وجهة، فحذف المضاف.

_ (1) البقرة: 89. (2) هود: 78. (4- 3) الروم: 4. (5) البقرة: 148.

وكذلك: (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) «1» ، أي: كل من في السموات والأرض. وكذا: (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) «2» ، أي: وكلهم. وكذا: (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) «3» أي: كل ذلك. وكذا قوله: (إِنَّا كُلٌّ فِيها) «4» أي: كلنا، فحذف المضاف إليه. فأما قوله «فيما» فلا يخلو قوله «فيها» أن يكون صفة أو حالاً، فإن حملته على الحال لم يستقم، لأنه ليس في هذا الكلام ما يكون هذا حالاً عنه، وإذا لم يستقم أن يكون حالاً كان صفة، وإذا كان صفة كان «كل» نكرة، وإذا كان نكرة جاز دخول لام المعرفة عليه. فإن قلت: فأجعله حالاً وأحمله على المعنى، لأن معناه «الجميع» ، وكأنه قال: نجتمع مستقرين «5» ، فهذا لا يستقيم. فإن قال قائل: هذا التأويل ليس بالقريب، لأن المعنى كأنه ليس عليه لأنه ليس يريد: إنا كل، وإنا فيها، أي جمعنا الأمرين، ولكن المعنى على الصفة، ولا حجة في هذا أن «كل» نكرة، لأنه يجوز أن يجعل «كلا» مبتدأ ثانيا و «فيها» خبره، فيها التقدير: إنا كلنا فيها، إن الأمر كله لله. فإن قلت: واجعل «فيها» و «كل» جميعا الخبر، لأن ذلك

_ (1) البقرة: 116. (2) النمل: 87. (3) الأنبياء: 33. (4) غافر: 48. (5) بين قوله «مستقرين» وقوله «فهذا» جاءت هذه العبارة: «فإن ذلك لا يستقيم على هذا، لأنه يلزم على هذا، أنا آباؤك واصلين وبارين: لأن معنى الأب مناسب، وقد أخذ الأب من الفعل، ألا ترى أن أحمد بن يحيى أنشد شعرا فيه: فاطلب أبا نخلة من يأبوكا» والشعر لشريك بن حيان العنبري يهجو أبا نخلة. ويأبوك، أي يكون لك أب.

كما قال سيبويه في قوله: وهذا بعلي شيخ، ومثل: حلو حامض. فإذا كان كذلك جاز أن يتعلق بالمضمر على حد: زيد في الدار، فإذا جاز ذلك لم يكن صفة، وإذا لم يكن صفة لم يكن هذا دليلاً قاطعاً على أن «كل» نكرة، وإذا لم يكن نكرة لم يجز دخول اللام عليه، فهذا يمكن أن يقال. ويجوز أن يكون «كل» ابتداء، و «فيها» خبراً، والجملة خبر «إن» ، كقوله: (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) «1» ، وكقوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ) «2» فيمن رفع «المؤمنون» بالابتداء دون العطف على «الرسول» في قوله: (آمَنَ الرَّسُولُ) «3» . وهذه آية يتجاذبها، على ما وصف لك سيبويه، وأبو العباس، لأن سيبويه يجيز إدخال لام التعريف على «كل» ، وبه قال الأخفش. وقال المبرد: لا يجوز، واحتج المبرد بأن، «كلا» و «بعضا» لا يكونان أبداً منفردين، إنما يجيئان مضافين في الابتداء، نحو قولك: كل القوم جاءوني، وبعضهم قال كيت وكيت، ولا تقول «كل جاءوني» إلا أن يكون هذا مبنياً على كلام، كأنه قيل: ما جاءك القوم، فقلت: كل جاءوني، على تقدير: كلهم جاءوني. وهذا الحكم فى «كل» و «بعض» قائم فيهما أبداً، مضافين أو في تقدير الإضافة، وإذا كان كذلك لم يجز إدخال الألف واللام عليهما، لأن الألف واللام والإضافة لا يجتمعان، فثبت أنهما لا يدخلان عليهما، ونحن تقيس البعض والكل على النصف. وفي التنزيل: (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) «4» . وقد ذكرنا هذه المسألة فى «الخلاف» مستقصى.

_ (1) آل عمران: 154. (3- 2) البقرة: 285. (4) النساء: 11.

وأما قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) «1» ، فقيل: التقدير: ولكل مال جعلنا موالي. [أو: ولكل قوم جعلنا موالي] «2» . والأول الوجه، لقوله: (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) «3» ، وهو صفة «كل» ، أي: ولكل مال مستقر مما تركه الوالدان، أي: متروك الوالدين. والظرف وصف ل «كل» . وزعم أبو إسحاق أن «أيّا» فى قوله: (يا أَيُّهَا النَّاسُ) «4» و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) «5» و (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) «6» و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) «7» : أن «أياً» حذف منها المضاف إليه وعوضت «ها» عما أضيفت إليه. قال أبو إسحاق: و «ها» لازمة ل «أي» عوض مما حذف منها من الإضافة وزيادة في التنبيه، و «أي» في غير النداء لا يكون معها «ها» ، ويحذف معها الذكر، نحو: اضرب أيهم أفضل، أي: أيهم هو أفضل. ومذهب سيبويه خلاف ما قال، جعلوا «ها» فيها بمنزلة «يا» ، وأكّدوا ب «ها» التنبيه، فمن ثم لم يجز لهم أن يسكتوا على «أي» ، ولزمه التفسير. وقوله (وَمِنْ حَيْثُ) «8» ، أي: من حيث ألزموها، فصارا كاستئناف نداء. وقال في موضع آخر: وأما الألف والهاء اللتان لحقتا «أي» توكيداً، فكأنك كررت «يا» مرتين، إذا قلت يا، وصار الاسم بينهما كما صار بين «ذا» و «ها» ، وإذا قلت: ها هو ذا، فقوله: «ذا» هذا إشارة إلى أن المقصود

_ (3- 1) النساء: 33. (2) تكملة من الكشاف يقتضيها السياق. [.....] (4) البقرة: 21 ... ثم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم. (5) البقرة: 104 ... ثم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم. (6) المائدة: 41 و 67. (7) الجمعة: 6. (8) البقرة: 149 و 150.

بالنداء في هذا الكلام هو: الرجل، كما أن المقصود بالإشارة في قولهم: ها هو ذا: الاسم المبهم دون المضمر، والمضمر قد اعترض بين حرف الإشارة والمشار إليه، كما أن المقصود في النداء في المعنى من قولهم: يا أيها الرجل: هو الرجل، وإن كان النداء واقعاً في اللفظ على/ «أي» ، وصار هذا دلالة على هذا المعنى، ولا يلزم أن يعوض «أي» منها، فحذف الإضافة فيها، لأنها تدل على الإضافة، وإن حذف منها لأنها لا تكون إلا بعضاً لكل، فهي دالة على الإضافة، وكما لم يعوض كذلك، ولا يلزم تعويض «أي» بل لو عوض «بعض» و «كل» لكان «أي» جديراً ألا يعوض هنا منه، لأمرين: أحدهما- أن النداء موضع حذف وتخفيف، ألا ترى أن فيه نحو الترخيم، وحذف الياءات، ويافل، وما أشبه ذلك. والآخر- أن الإضافة قد حذفت مما هو أمكن منه ولم تعوض، لدلالة المضاف على الإضافة، فإذا لم يعوض ما هو أمكن منه في الموضع الذي هو أولى بالعوض، كذلك العوض، هذا في الموضع الذي لا تليق به الزيادات للعوض. وأيضاً فإن «أياً» قد حذفت صلتها في غير الندا ولم تعوض من صلتها شيء، مع أن الدلالة على الحذف من الصلة أنقص من الدلالة على حذف المضاف إليه منه، لأنها يعلم منها أن معناها الإضافة كيف كانت موصولة، كالعلم بأنها أبداً مقتضية للإضافة. فإذا لم تعوض من حذف صلتها شيء كان ألا تعوض من حذف إضافتها في النداء.

وإن قال قائل: ف «إذ» ليس بتمكن، وقد عوض إضافتها لما حذفت منها «يومئذ» و «حينئذ» وقوله: (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) «1» ، و (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) «2» و (عَذابِ يَوْمِئِذٍ) «3» ، فما تنكر أن تعوض «أي» في النداء. إذا حذف المضاف إليه، فإن لم يعوض من «بعض» و «كل» . قيل له: «أي» أشبه ب «بعض «وكل» في اللفظ، والمعنى بحمله عليهما أولى من حملها على «إذ» على انه لا يلزم إذا عوض «إذ» أن يعوض «أي» ، لما ذكرنا من دلالتها على المضاف إليه بمعناها ولفظها، ولأنها في موضع حذف، وليست «إذ» كذلك، ألا تراها أنها لا تدل على إضافة كما تدل «أي» عليه، وإنما تدل على وقت ماض، ولا تتمكن تمكن «أي» لأنها تتصرف في وجوه الإعراب، و «إذ» إنما تمكنت في موضعين هذا أحدهما، وكأنه كره أن يسلب ذلك ولا يعوض منه، و «أي» أمكن منها وأشد تصرفاً، فلم يلزم العوض منها من حيث لزم/ في «إذ» ، ولأنهم قالوا: اضرب أي أفضل، فحذفوا الصلة منه والإضافة ولم يعوضوا مع حذف شيئين، فلأن لا يعوض في النداء أولى، وقد استقصينا هذا فى «الخلاف» .

_ (1) هود: 66. (2) النمل: 89. (3) المعارج: 11.

الباب الرابع والثلاثون

الباب الرابع والثلاثون هذا باب ما جاء في التنزيل من حروف الشرط دخلت عليه اللام الموطئة للقسم فمن ذلك قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) «1» ، (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) «2» ، (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) . «3» وقوله: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) «4» . وقوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) «5» . وقوله: (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) «6» . وقوله: (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) » . وقوله: (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) «8» . وهذا ونحوه من الآي دخلت اللام على حرف الشرط فيه مؤذنة بأن ما بعدها جواب قسم مضمر، على تقدير: والله لئن اتبعت أهواءهم يدل على صحة هذا، وأن الجواب جواب قسم مضمر دون جواب الشرط، ثبات النون في قوله: «لا يأتون بمثله» . وقوله: «لا يخرجون معهم» ، ولو كان جواب الشرط لم يقل:

_ (1) البقرة: 120. (2) البقرة: 145. (3) الأنعام: 121. (4) هود: 9. (5) الإسراء: 88. (6) الإسراء: 86. [.....] (7) الحشر: 12. (8) الأعراف: 18.

«لنذهبن» ، ولا «ليولن» ولا «إنه ليئوس» ، ولا «إنكم لمشركون» ، ولا «ما تبعوا قبلتك» . والجواب جواب قسم مضمر دون جواب الشرط، فلا يجوز: والله لئن تأتني آتك، وإنما يقال: والله لئن تأتني لأتينك. وأصل هذا الكلام أن تقول: والله لآتينك، ثم بدا له عن الحلف بالبتات فقال: والله إن تأتني، فإذا أضمروا القسم دخلت اللام على «إن» تؤذن بالقسم المضمر الذي ما بعده جوابه، فهذا مساغ هذا الكلام. فقول من قال: إن الفاء في قوله: (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) «1» مضمرة، ذهاب عن الصواب، وكذا (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) «2» ، ليست الفاء هناك مضمرة بتة. وأما قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ) «3» ففيه وجهان: أوجههما- أن يكون «من» بمعنى «الذي» ، و «اشتراه» صلته، ويكون قوله: «ما له في الآخرة» خبر المبتدأ. / ويجوز أن يكون «من» شرطا، و «اشتراه» جزم ب «من» ، ويكون «ماله» جواب القسم المضمر، على تقدير: والله ماله. وإنما قلنا: إن الأول أوجه، لأنهم قد أجروا «علموا» في كلامهم مجرى القسم، فتكون «اللام» التي في «لقد» جواب القسم، ويكون «لمن اشتراه» جواب «لقد علموا» ، فيكون هذا قسماً داخلاً على قسم فلا يجوز، ولا يلزم هذا في الوجه الأول. فأما قوله: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) «4» ، إن جعلت «ما» بمعنى «الذي» كانت مبتدأة، و «آتيتكم» صلته،

_ (1) الأنعام: 121. (2) هود: 9. (3) البقرة: 102. (4) آل عمران: 81.

والتقدير: آتيتكموه، ويكون قوله: (ثُمَّ جاءَكُمْ) «1» معطوفاً على الصلة، والتقدير: ثم جاءكم به، إلى قوله: (لِما مَعَكُمْ) «2» ، ويكون قوله (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) «3» خبر المبتدأ. ومن رأى أن الظاهر يقوم مقام المضمر كان قوله: «لما معكم» يغني عن إضمار «به» . ومن قال: إن «ما» شرط، كانت اللام بمنزلتها في «لئن» ، ويكون «آتيتكم» مجزوما ب «ما» ، و «ما» منصوبة به، ويكون قوله «ليؤمنن» جواب القسم الذي ذكرناه. والوجهان اللذان ذكرناهما في قوله «لمن اشتراه» جائزان في قوله: (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) «4» . وقد جاءت لام «لئن» محذوفة في التنزيل: قال الله تعالى: (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، «5» والتقدير: ولئن لم ينتهوا، كما ظهرت في قوله: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) «6» إلى قوله: (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) «7» . ومثل قوله: (إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ) «8» قوله: (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) «9» . قال أبو علي: ويدل أيضاً على أن اعتماد القسم على الفعل الثاني دون الأول في نحو قوله: (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) «10» و (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) «11» ، وما أشبه ذلك، أنه لا يخلو من أن يكون اعتماد القسم على الفعل الثاني، أو على الفعل الأول،

_ (3- 2- 1) آل عمران: 81. (4) الأعراف: 18. (8- 5) المائدة: 73. (7- 6) الأحزاب: 60. (9) العلق: 15. (10) الروم: 58. (11) البقرة: 145.

والدليل على أنه الثاني دون الأول حذفهم اللام الأول في نحو هذا، ألا ترى أنه لو كان اعتماد القسم عليها دون الثانية لما حذفت، كما لم تحذف الثانية في موضع. فمما جاءت فيه هذه اللام الأولى محذوفة في التنزيل قوله: (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا/ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ) «1» ، (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ) «2» . وفي موضع آخر: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) «3» ثم قال: (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) «4» فيدلك حذفهم لها على الاعتماد على الثانية لا عليها. فإن قلت: ما ننكر أن يكون اعتماد القسم في نحو ذا على اللام الأولى دون الثانية، لأن اللام حذفت كما حذفت من قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) ، «5» ولا يكون في حذفهم اللام من غير هذا دلالة على أن اعتماد القسم على الفعل الثاني. قيل: هذا لا يجوز لأن اللام في «لقد» إنما استحسن حذفها لطول الكلام بما اعترض بين القسم والمقسم عليه ولم يطل في هذا الموضوع كلام فيستجاز حذفها كما استحسن حذفها هناك، فإن هذه اللام بمنزلة «إن» في قولك: والله إن لو فعل لفعلت، تثبتها تارة وتحذفها أخرى، واللام الثانية هي المعتمدة، والأولى زيادة كان سقوطها لا يخل بالكلام، واختص به القسم، كقولهم: آثراً ما، وربما، وما أشبه ذلك. وأما قوله: (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) «6» ، والتقدير: ليظلن، فوضع الماضي موضع المستقبل.

_ (1) المائدة: 73. [.....] (2) الأعراف: 23. (4- 3) الأحزاب: 60. (5) الشمس: 9. (6) الروم: 51.

ولأن جميع ما جاء في التنزيل على هذا الوجه فيما تقدم من الآي، من قوله «1» : (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) «2» ، وقوله: (لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ) «3» ، وقوله: (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) «4» ، وقوله: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) «5» ، وقال: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) «6» .

_ (1) يريد بقوله: «فيما تقدم» هذه الآية وحدها. (2) الروم: 58. (3) التوبة: 75. (4) يوسف: 32. (5) مريم: 46. (6) يس: 18.

الباب الخامس والثلاثون

الباب الخامس والثلاثون هذا باب ما جاء في التنزيل من التجريد وهو باب شريف لطيف يعز وجوده في كتبهم، وذلك نحو قولهم: لئن لقيت فلاناً لتلقين منه الأسد، ولئن سألته لتسألن منه البحر فظاهر هذا أن فيه من نفسه أسداً أو بحراً، وهو عينه هو الأسد والبحر، لا أن هناك شيئاً منفصلاً عنه وممتازاً منه، وعلى هذا يخاطب الإنسان منهم نفسه حتى كأنها تقابله أو تخاطبه، وقد يكون ذلك بحرف «الباء» / و «من» وحرف «فى» فمن ذلك، قوله تعالى: (ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) «1» ، أي: مالك الله وليّا وكذا: (ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ) «2» . وقال: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) «3» ، أي: كونوا أمة. وقال: (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) «4» أي: كن لنا ولياً. (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) «5» ، أي: كن لنا نصيراً. وقال: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماء لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) «6» ، أي: لكم هو شراب. وقال الله تعالى: (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) «7» . أي: لهم هي دار الخلد.

_ (1) البقرة: 120. (2) الرعد: 37. (3) آل عمران: 104. (4) النساء: 75. [.....] (5) النساء: 75. (6) النحل: 10. (7) فصلت: 28.

ومسألة «الكتاب» جاء بالباب: أما أبوك فلك به أب، أي لك منه أو به، أي: بمكانه أي: بمكانه أب. وقال عز من قائل: (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) «1» أي: بعذاب ربهم عذاب جهنم. ويجوز أن يتعلق الباء بنفس «كفروا» ، فيكون على الأول الظرف معمول الظرف، وعلى الثاني يكون الظرف معمول الظاهر. وأما قوله تعالى: (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) » . فقد قال أبو علي: جعلنا بدلكم ملائكة لأن الإنس لا يكون منهم ملائكة، وقال: كسوناها من الرّيط اليماني ... ملاءً في بنائقها فصول «3» وإن جعلت «من» كالتي في قوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) «4» و: يأبى الظلامة منه النوفل الزفر كان التقدير: ولو نشاء لجعلنا منكم مثل ملائكة، أي: فلا تعصون كما لا يعصون، فأجبرناكم على الطاعة. وقال أبو علي: لك به أب، أي: بمكانه، فقولك «بمكانه» في موضع ظرف. والعامل فيه «لك» . وكذلك: (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) «5» «فيها» ظرف، والعامل فيه «لهم» . ويجوز على قول الشاعر: «6» أفادت بنو مروان قيساً دماءنا ... وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل

_ (1) الملك: 6. (2) الزخرف: 60. (3) البنائق: جمع بنيقة وهي طوق الثوب. (4) آل عمران: 104. (5) فصلت: 28. (6) عجز بيت لأعشى باهلة، وصدره: أخو رغائب يعطيها ويسألها (اللسان: زفر) .

أن يكون من قوله: (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) «1» مستقرّا، و «لهم» لغواً. ألا ترى أن قوله: وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل لا يكون إلا مستقراً، فإذا صح هذا هاهنا وجب جواز كونه مستقراً في الآية أيضاً، وكما تجعل هذا بمنزلة الظرف/ كذلك تجعل الجار والمجرور في موضع المفعول من قوله: بنزوة لص بعد ما مر مصعب بأشعث لا يفلى ولا هو يقمل و «مصعب» نفسه هو. الأشعث. وقالوا: في هذا الدرهم خلف من هذا الدرهم، أي: هذا الدرهم خلف. وكذلك: (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) «2» أي: لهم النار دار الخلد، وقال: أخو رغائب يعطيها ويسألها ... يأبى الظّلامة منه النّوفل الزّفر «3» ف «أخو رغائب» هو «النوفل الزفر» ، فقال: منه النوفل، وهو هو. قال عثمان في قوله: وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل في هذا غاية البيان والكشف، ألا ترى أنه لا يجوز أن يعتقد أن الله تعالى ظرف لشئ ولا متضمن له، فهو إذاً على حذف المضاف، أي عدل الله عدل حكم. ومثله: (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) «4» أي: أسأل الله خبيرا.

_ (2- 1) فصلت: 28. (3) انظر الحاشية (6 ص 665) . (4) الفرقان: 59.

الباب السادس والثلاثون

الباب السادس والثلاثون هذا باب ما جاء في التنزيل من الحروف الزائدة في تقدير وهي غير زائدة في تقدير آخر فمن ذلك قوله تعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) «1» ، إن شئت كان التقدير: فإن آمنوا مثل ما آمنتم به، فتكون الباء زائدة. وإن شئت كان التقدير: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم. والوجه الأول أحسن. ومثله: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) «2» ، إن شئت كان التقدير: ألم تر إلى الذي حاج، وإلى الذي مر، وتكون الكاف زائدة. وقد تقدم فيه وجه آخر. ومن ذلك قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) «3» . إن شئت كانت الباء زائدة، أي: لا تلقوا أيديكم، وعبر بالأيدي عن الذوات. وإن شئت كان التقدير: ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم، «وألقى» فعل متعد، بدليل قوله: (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) «4» . قال أبو على: الباء الجارة للأسماء تجئ على ضربين: أحدهما- أن تكون زائدة. والآخر- أن تكون غير زائدة. والزائدة- تلحق [شيئين] : حدهما- جزء من الجملة. والآخر- فضلة عن الجملة، أو ما هو مشبه بها فأما الجزء من الجملة فثلاثة أشياء: مبتدأ، وخبر مبتدأ/، وفاعل مبني على فعله الأول، أو على مفعول بنى على فعله الأول.

_ (1) البقرة: 137. (2) البقرة: 259. [.....] (3) البقرة: 195. (4) النحل: 15.

من ذلك، وهو دخولها على المبتدأ زائدة: ففي موضع واحد في الإيجاب، وهو قولهم: بحسبك أن تفعل الخير، ومعناه: حسبك فعل الخير، فالجار مع المجرور في موضع رفع بالابتداء، ولا نعلم مبتدأ دخل عليه حرف الجر في الإيجاب غير هذا الحرف. فأما غير الإيجاب فقد دخل الجار غير الباء عليه، وذلك نحو قوله: هل من رجل في الدار؟ وقال: هل لك من حاجة، وقال: (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) «1» . فأما قوله: (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا) «2» فمن رفع ما بعد الظرف بالابتداء كان قوله: (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) «3» كذلك، ومن رفعه بالظرف كان في موضع الرفع بالفعل كما يرتفع بالظرف، كقوله: (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) «4» ، وقوله: (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) «5» . أما الثاني: دخولها على خبر المبتدأ في موضع، في قول أبي الحسن الأخفش، وهو قوله: (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) «6» ، زعم أن المعنى: جزاء سيئة مثلها، وكأنه استدل على ذلك بالآية الأخرى. وهو قوله: (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) «7» . ومما يدلك على جواز ذلك أن ما يدخل على المبتدأ قد تدخل على خبره لام الابتداء التي دخلت على خبر المبتدأ، في قول بعضهم: إن زيداً وجهه لحسن. وقد جاء في الشعر: أم الحليس لعجوز شهربه «8»

_ (3- 1) فاطر: 3. (2) الأعراف: 53. (4) المائدة: 19. (5) البقرة: 105. (6) يونس: 27. (7) الشورى: 40. (8) شهربه: كبيرة. وبعده: ترضى من الشاه بعظم الرقبة

والذي أجازه أبو الحسن أقوى من هذا في القياس، وذلك أن خبر المبتدأ يشبه الفاعل من حيث لم يكن مستقلاً بالمبتدأ، كما كان الفعل مستقلاً بالفاعل، وقد دخلت على الفاعل فيما تدخله بعد، فكذلك يجوز دخولها على الخبر. وقد تحتمل الآية وجهين غير ما ذكر أبو الحسن: أحدهما- أن تكون الباء مع ما قبلها في موضع الخبر، وتكون متعلقة بمحذوف، كما يقال: ثوب بدرهم، ولا يمتنع هذا من حيث قبح الابتداء بالنكرة، لمعنى العموم فيه وحصول الفائدة به. والآخر- أن تكون الباء من صلة المصدر وتضمر الخبر/ لأنك تقول: جزيتك بكذا، فيكون التقدير: جزاء سيئة بمثلها واقع، أو كائن. الثالث: دخولها على الفاعل المبني على فعله، وذلك في موضعين: أحدهما- قوله: «وكفى بالله» . والأخر قولهم في التعجب: أكرم به. فالدلالة على زيادتها أن قولهم: «كفى بالله» «وكفى الله» واحد، وأن الفعل لم يسند إلى فاعل غير المجرور. وفي التنزيل: (وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) «1» ، (وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً) «2» ، (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) «3» ، والتقدير في كل هذا: كفاك الله شهيداً، وكفاك الله حسيباً، وكفت جهنم سعيراً وكذلك: (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) «4» ، أي: كفيناك حاسبين. قال الشاعر: كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا «5»

_ (1) النساء: 79 و 166 (2) النساء: 6، الأحزاب: 39. (3) النساء: 55. (4) الأنبياء: 47. (5) عجز بيت لسحيم، صدره عميرة ودع إن تجهزت غاديا والشاهد فيه ورود فاعل «كفى» مجردا عن الباء. [.....]

وتقول: مررت برجل كفاك به، وبرجلين كفاك بهما، وبرجال كفاك بهم، فتفرد الفعل لأن الفاعلين بعد الباء، وإن لم تلحق الباء قلت: مررت برجل كفاك من رجل، وبرجلين كفياك من رجلين، ورجال كفوك من رجال. وأما الدلالة على زيادتها في قولهم: أكرم به، وقوله: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) «1» ، فهي أن الفعل لا يخلو من أن يكون للمخاطب أو الغائب، فلو كان للمخاطب لثني فيه الفاعل تثنيته للمخاطب وجمع بجمعه وأنث لتأنيثه، فلما أفرد في جميع الأحوال ولم يعتبر به الخطاب علم أنه ليس للمخاطب، وإذا لم يكن له ثبت أنه للغائب. ويدل على ذلك أيضاً أن المعنى إنما هو على الإخبار عن المخاطب، ألا ترى أن قولهم: أكرم به، يراد به أنه قد كرم، وإنما دخلت الهمزة على حد ما دخلت في قولهم: أجرب الرجل، وأقطف، وأعرب، وألأم، وأعسر، وأيسر، إذا صار صاحب هذه الأشياء، وكذلك «أكرم» معناه: صار ذا كرم، و (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) «2» صاروا ذوي بصر وسمع، خلاف من قال تعالى فيه: (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) «3» . فإن قلت: كيف جاء على لفظ الأمر؟ قيل: كما جاء (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) «4» ، والمعنى: فمد له الرحمن مدا. والموضوع الآخر من الموضعين الذي لحقت الباء/ بهما زائدة، وهو أن يكون فضلة عن الجملة، أو مشبهاً بها، فالمشبه كقوله:

_ (2- 1) مريم: 38. (3) الإسراء: 72. (4) مريم: 75.

(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) «1» «2» (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ) «3» (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) «4» ، وقوله. (لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) «5» فالباء الأولى متعلقة باسم الفاعل. والثانية التي تصحب «ليس» قال: (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) » . والآخر زيادتها في المفعول، كقوله: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) «7» . فأما قوله تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) «8» ، فقد قيل: الباء زيادة. وقد قيل: التقدير: بهز جذع النخلة. ومن ذلك قوله: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) «9» ، أي: تنبت الثمرة بالدهن، فحذف المفعول، فيكون «الباء» حالاً. وقيل: التقدير: تنبت الدهن، والباء زائدة. وأما قوله تعالى: (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) «10» ، فقد قيل: الباء زائدة، والتقدير: أيكم المفتون. وقد قيل: «المفتون» بمعنى: الفتنة، أي: بأيكم الفتنة، كما يقال: ليس له معقول، أي: عقل. فأما قوله تعالى: (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) «11» ، أي: جزاء سيئة مثلها، لقوله فى الأخرى: (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) «12» .

_ (1) فيما سيأتي من الكلام اضطراب. فهذه الأمثلة مع «ليس» و «ما» من زيادة الباء في الخبر، ومكانها فيما سبق. والذي عناه المؤلف بدخولها على الفضلة، فهو يعني المفعول، وقد أورد شاهده. غير أنه لم يورد شاهد المشبه بها، وهو يعني الحال والتوكيد. ثم إنّ المؤلف عاد فكرر شيئا قاله قبل. (2) الأعراف: 172. (3) البقرة: 96. (4) البقرة: 8. (5) الأنعام: 89. (6) الحجر: 48. (7) البقرة: 196. (8) مريم: 25. (9) المؤمنون: 20. (10) القلم: 6. (11) يونس: 27. [.....] (12) الشورى: 40.

وأما قوله تعالى: (عَيْناً يَشْرَبُ بِها) «1» فالباء زائدة. وقيل: بل هي بمعنى «من» . وقيل: بل هي محمول على المعنى، أي: يروى بها وينتفع. وقيل: شربت بالعين، حقيقة، و: من العين، والعين، مجازاً، لأن العين اسم للموضع الذي ينبع منه الماء، فهو كقولك: شربت بمكان كذا، ولهذا يقال: ماء العين، وماء السّلسبيل، ثم توسع واجتزئ باسم العين عن الماء، لما كان لا يسمى المكان عيناً إلا ينبوع الماء منه. فأما قوله: «عيناً» فالتقدير: ماء عين، أي: يشربون من كأس موصوفة بهذا ماء عين. وقيل: بل «عين» بدل من «كافور» ، لأن «كافور» اسم عين في الجنة. وقيل: هو نصب على المدح. ومن زيادة الباء قوله: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى) «2» ، والتقدير: ألم يعلم أن الله يرى، لقوله: (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ) «3» . ومن ذلك قوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) «4» ، وقال: (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) «5» ، ومثله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) «6» . أي: اقرأ اسم ربك، لقوله: (فَإِذا قَرَأْناهُ) «7» .

_ (1) الإنسان: 6. (2) العلق: 14. (3) النور: 25. (4) الحج: 25. (5) الممتحنة: 1. (6) العلق: 1. (7) القيامة: 18.

ومن ذلك قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ) «1» ، فالباء في «بقادر» ، زائدة، لأنه خبر «أن» ، وجاءت زيادتها للحاق النفي أول الكلام. وأما قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) «2» فالكاف زائدة، والتقدير: ليس مثله شيء، لأن حمله على الظاهر يوجب إثبات المثل. وقيل: الباء بمعنى الصفة، أي: ليس كصاحب صفته شيء، وصاحب صفته هو هو. وقيل: بل «المثل» زيادة. وقد تزاد «من» في النفي بلا خلاف، نحو قوله: (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) «3» أي: ما لكم إله، وكقوله: (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) ، وقوله: (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ) «4» ، (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) «5» . فأما زيادتها في الواجب فلا يجوز عند سيبويه، وهو جائز عند الأخفش، وقد تقدم ذلك فيما مضى، كقوله تعالى: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً) «6» . و: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) «7» . وقد تقدّم ذلك.

_ (1) الأحقاف: 33. (2) الشورى: 11. (3) الأعراف: 59، 65، 73، 185، وهود: 50، 61، 84. (4) آل عمران: 62. (5) المائدة: 73. (6) المائدة: 88. [.....] (7) المائدة: 4.

وقد تزاد الفاء، كقوله: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) «1» إلى قوله: (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) ، ف «الفاء» زائدة. وقد تزاد اللام أيضاً، كقوله: (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) «2» ، وقوله: (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) «3» ، وقوله: (رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) «4» . وقوله: (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) «5» ، وقد تقدم. وقد تزاد الواو، قال الفراء: في قوله تعالى: (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ) «6» ، جوابه قوله: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) «7» ، الواو مقحمة. وقال: (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) «8» ، الواو زائدة. أي: تله. وقال: (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) «9» ، «الواو» مقحمة. وعندنا أن أجوبة هذه الأشياء مضمرة، وقد تقدم.

_ (1) آل عمران: 188. (2) الأعراف: 154. (3) يوسف: 43. (4) النمل: 72. (5) الحج: 26. (6) الأنبياء: 96. (7) الأنبياء: 97. (8) الصافات: 103. (9) الانشقاق: 1.

الباب السابع والثلاثون

الباب السابع والثلاثون هذا باب ما حاء في التنزيل من التقديم والتأخير، وغير ذلك فمن ذلك قوله تعالى: (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ) «1» ، قيل: الكاف تتعلق بقوله: (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) «2» . وقيل: بل هو متعلق بقوله: (فَاذْكُرُونِي) » ، أي: اذكروني كما أرسلنا فيكم. ومثله قوله: (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ) «4» . قال أبو علي: «كما» متعلق ب «فليكتب» ، بمنزلة: بزيد فامرر، ولا تحمل على: «أن يكتب كما علمه الله» . فأما قوله: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا) «5» . يجوز أن يكون الوقف على «خاشعين» و «اللام» من صلة «يشترون» ، أي: لأجل الله لا يشترون. ويجوز أن يكون «وما أنزل إليهم» تماماً، ويكون التقدير: لا يشترون بآيات الله خاشعين لله، فيكون حالاً مقدماً. ومثله في التقديم قوله: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ) «6» .

_ (1) البقرة: 151. (2) البقرة: 150. (3) البقرة: 152. (4) البقرة: 282. [.....] (5) آل عمران: 199. (6) الأنبياء: 20.

قال أحمد بن موسى: (وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) «1» ، أي: لا يفترون النهار، فهو في نية التقديم. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) «2» ، أي: لا تؤمنوا أن يؤتي أحد إلا لمن تبع دينكم، ف «أن يؤتي» مفعول «لا تؤمنوا» . وقدم المستثنى فدل على جواز: ما قدم إلا زيداً أحد. ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) «3» ، وقال: (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) «4» ، فالمفعول مقدم على الفاعل، ووجب تقديمه هاهنا، لأن تأخيره يوجب إضماراً قبل الذكر. ومن ذلك: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) «5» أي: أوجس موسى في نفسه، فقدم الكناية على المكنى عليه، كما كان في نية التأخير، فدل على جواز: ضرب غلامه زيد. ومن ذلك قوله: (لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) «6» . التقدير: ليغفر لنا خطايانا من السحر ولم يكرهنا عليه، فيمن قال: إن «ما» نافية. ومن ذلك قوله تعالى: (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) «7» هذا كقولهم: راكباً جاء زيد، والتقدير: يخرجون من الأجداث خشعاً أبصارهم.

_ (1) الأنبياء: 20. (2) آل عمران: 73. (3) البقرة: 124. (4) الأنعام: 158. (5) طه: 67. (6) طه: 73. (7) القمر: 7.

ومن ذلك قوله في البقرة: (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) «1» ، أي: يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقناهم ففصل بين الواو والفعل بالظرف. ومثله: (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) «2» ، فيمن فتح الباء، أي: بشرناها بإسحاق ويعقوب من وراء إسحاق، ففصل بين الواو والاسم بالظرف. وقد تقدم هذا في غير موضع. وحمله قوم على إضمار فعل، وآخرون على إضمار الجار والمجرور. ومن ذلك قوله تعالى: (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) «3» ، أي: كتاب موسى من قبله، ففصل بين الواو وبين ما عطف به عليه على «شاهد» بالظرف. نظيره/ في الأحقاف: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) «4» إلى قوله: (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) . «كتاب» معطوف على قوله «شاهد» ، أي: وشهد شاهد وكتاب موسى من قبله. وكذلك قوله: (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً) «5» ، أي: وأمة مسلمة لك من ذريتنا. ومثله: (خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) «6» ، أي: ومثلهن من الأرض.

_ (1) البقرة: 3. (2) هود: 71. (3) هود: 17. (4) الأحقاف: 10. (5) البقرة: 128. [.....] (6) الطلاق: 12.

والذي نص عليه في «الكتاب» أن الفصل بين الواو والمعطوف بالظرف وغيره، إنما يقبح إذا كان المعطوف مجروراً، ولم يذكر في المنصوب والمرفوع شيئاً. وقال أبو علي: قياس المرفوع والمنصوب كقياس المجرور، قال: لأن الواو نابت عن العامل وليس بعامل في الحقيقة، فلا تتصرف فيه كما لا تصرف في معمول عشرين، لما كان فرعاً على باب «ضاربين» . وحمل هذه الآي على إضمار فعل آخر فقال: التقدير في قوله (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) «1» أي: وخلق من الأرض مثلهن. وقال في قوله: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) «2» التقدير: واجعل من ذريتنا أمة مسلمة لك. ولعله يحمل «كتاب موسى» في الآيتين على الابتداء، والظرف على الخلاف، ولا يحمله على المرفوع الظاهر، وقال: لو قلت: هذا ضارب زيد أمس وغداً عمرو، امتنع الجر والنصب في «عمرو» . والذي نص عليه سيبويه في باب القسم عند قوله: والله لا قومن ثم الله لأقتلن. فقال: هو ردئ خبيث على تقديم: الله لأقتلن. قال أبو علي: وإنما جاء الفصل بين الواو والمنصوب والمرفوع في الشعر دون سعة الكلام. وقال قوم في قوله: (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) «3» فيمن نصب. إنه حال، على تقدير. وهو من الأرض مثلهن، أي: الخلق من الأرض، أي: كان

_ (3- 1) الطلاق: 12. (2) البقرة: 128.

من الأرض مثلهن، فجعل الجار الخبر وأضمر المبتدأ، وفيمن رفع «مثلهن» أظهر، على تقدير: وهو مثلهن من الأرض. وقد نبهتك على الأبيات في «البيان» . ومن ذلك قوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ/ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) «1» ، التقدير عند الفراء: يستفتونك في الكلالة قل الله يفتيكم، فأخر. ومثله قال: (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) «2» ، والتقدير عنده: آتوني قطراً أفرغه عليه، فأخر. وقال: (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) «3» ، أي: خذ إليك، عند الفراء. ومثله: (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) «4» في الموضعين، أي: لكي لا يعلم شيئاً من بعد علم علماً، أي من بعد علمه، فأخر عند الفراء. فأما قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) «5» ، فقوله «بالله» يجوز أن يكون من صلة «الشهادة» ، ومن صلة «الشهادات» ، إذا نصب «الأربع» . وقياس من أعمل الثاني أن يكون قوله: «بالله» من صلة «شهادات» ، وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، كما تقول «بالله» من صلة «شهادات» ، وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، كما تقول: ضربت وضربني، ومن رفع فقال: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله، فإن الجار والمجرور من صلة «شهادات» ،

_ (1) النساء: 176. (2) الكهف: 96. (3) البقرة: 260. (4) النحل: 70- الحج: 5. (5) النور: 6.

ولا يجوز أن يكون من صلة «شهادة» ، لأنك إن وصلتها بالشهادة فقد فصلت بين الصلة والموصول، ألا ترى أن الخبر الذي هو «أربع شهادات بالله» يجوز أن يكون من صلة «شهادة أحدهم» فتكون الجملة التي هي «إنه لمن الكاذبين» في موضع نصب، لأن الشهادة كالعلم فيتعلق بها «إن» كما يتعلق بالعلم، والجملة في موضع نصب بأنه مفعول به، و «أربع شهادات» ينتصب انتصاب المصادر. ومن رفع «أربع شهادات» لم يكن قوله «لمن الكاذبين» إلا من صلة «شهادات» دون «شهادة» ، كما كان قوله «بالله» من صلة «شهادة» ففصلت بين الصلة والموصول. ومن ذلك قوله: (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً) «1» ، والتقدير: وأنهم ظنوا أن لن يبعث الله أحداً كما ظننتم. وقال الله تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً) «2» ، أي: هزي إليك رطباً تساقط عليك. فهذه الآي محمول على الفعل الثاني عندنا، وما يقتضيه الأول مضمر، وهم يحملون الأول دون الثاني. ويضمرون/ الثاني ويفصلون بالثاني بين الأول ومقتضاه: ومن التقديم والتأخير: (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) «3» ، التقدير: فلا أقسم بمواقع النجوم، إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم. وفصل بين

_ (1) الجن: 7. (2) مريم: 25. (3) الواقعة: 75، 76.

الصفة والموصوف بالجملة، وهو «لو تعلمون» ، وبين القسم وجوابه بقول: «وإنه لقسم» . ومن ذلك قوله: (فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) «1» والتقدير: وحين تصبحون وعشيّا، فأخّر واعترض بالجملة. التقديم والتأخير قراءة ابن عامر: (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) «2» ، والتقدير: قتل شركائهم أولادهم، فقدم المفعول على المضاف إليه، قالوا: وهذا ضرورة ليس بضرورة، لأنه قد كثر عندهم ذلك، وأنشدوا فيه أبياتاً جمة. فمن ذلك قوله: كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج «3» أي: كأن أصوات أواخر الميس. وقال: هما أخوا في الحرب من لا أخا له «4» أي: هما أخوا من لا أخا له في الحرب. وقال: بين ذراعي وجبهة الأسد «5» أي: بين ذراعى الأسد وجبهته.

_ (1) الروم: 17 و 18. (2) الأنعام: 137. (3) البيت الذي الرمة. والإيغال: شدة السير. والميس: شجر تعمل منه الرحال. والمعنى: كأن أصوات أواخر الميس من شدة سير الإبل واضطراب رحالها عليها أصوات الفراريج (الكتاب 1: 92) . [.....] (4) صدر بيت لدرنا بنت عبعبة، من قيس بن ثعلبة، وعجز البيت: إذا خاف يوما نبوة فدعاهما (5) عجز بيت للفرزدق، صدره: يا من رأى عارضا أصر به

وقال: كأن برذون أبا عصام ... زيد حمار دق باللجام أي: برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام. ومن ذلك ما قاله أبو الحسن في قول الله تعالى: (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) «1» . أي: إنه لراد من شر الوسواس الخناس من الجنة والناس الذي يوسوس في صدور الناس. ومنه قول الله تعالى: (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ) «2» ، أي: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم. وقيل في قوله: (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «3» : إن تقديره: والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة ثم يعودون. قال أبو الحسن: المعنى فتحرير رقبة لما قالوا ثم يعودون إلى نسائهم. فإن قلت: كيف جاز أن تقدر/ «لما قالوا» متعلقاً بالمصدر، وهو متقدم قبله؟ قيل: لا يمتنع أن يتقدم على وجه التبيين، ليس إنه متعلق بالصلة، ألا ترى قوله: تقول ودقت نحرها بيمينها ... أبعلى هذا بالرّحى المتقاعس «4»

_ (1) الناس: 4- 5- 6. (2) النمل: 28. (3) المجادلة: 3. (4) البيت لمهذلول بن كعب العنبري (شرح الحماسة للمرزوقي: 966) .

وقوله: كان جزائي بالعصا أن أجلدا لم يجعلوه متعلقا ب «جزائى» ، ولكن جعلوه تبييناً للجلد، وكذلك ما ذكره أبو الحسن. وأما التقديم والتأخير الذي قدر، فمثله كثير، ويجوز أن يكون التقدير: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون للقول، و «القول» في المعنى «المقول» ، كالخلق بمعنى/ المخلوق، ألا ترى أن الذي يعاد هو الجسم، فلهذا كان الخلق بمعنى المخلوق، فى قوله: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) «1» . فإن قلت: وكيف وقع «اللام» موقع «إلى» في قولك: عدت إلى كذا. فإنه لا يمتنع، ألا ترى أنه قد جاء: (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ) «2» . على أن «اللام» في قول من يخالف في هذا التأويل بمعنى «إلى» . ومثله: (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) «3» . أي: فاستمع إلى ما يوحى، لا بد من ذلك، لا سيما في قراءة الزيات: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ) ، ويكون التقدير: فاستمع لأنا اخترناك إلى ما يوحى، ولو لم تحمله على هذا لكان التقدير: فاستمع لأنا اخترناك لما يوحى، فتعلق اللامين بقوله «فاستمع» ، وقد قال: لا يتعدى فعل بحرفى جر متفقين. فإن قلت: ولم لا تحمل «وأنا اخترتك» على «نودي» في قوله (نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ... وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) «4» ، أي نودي بأني أنا ربك وأنا اخترتك.

_ (1) الروم: 27. (2) يونس: 35. (4- 3) طه: 11- 13.

قيل: إن «اخترناك» قراءة حمزة، وهي تقرأ: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) ، مكسورة الألف، فكيف تحمله عليه. وقد ذكرنا ما في هذا فى «البيان» و «الاستدراك» . ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ) «1» . اضطرب قول أبي علي في هذه الآية، وله كلام في «الحجة» وكلام في «الإغفال» وكلام فى «الحلبيّات» «2» وهو أجمع الثلاثة. قال فى «الحلبيات» : والقول في أن حرف العطف في قوله: «وأقرضوا» لا يخلو من أن يكون عطفاً/ على الفعل المقدر في صلة «المصدقين» أو على غيره: إن قوله «وأقرضوا الله» لا يجوز أن يكون معطوفاً على الفعل المقدر في الموصول الأول، على أن يكون التقدير: إن الذين صدقوا وأقرضوا الله، وذلك أنك إذا قدرته هذا التقدير فقد فصلت بين الصلة والموصول بما ليس منهما، وما هو أجنبي، والفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي وما ليس منهما لا يصح، ولذلك لم يجيزوا: رأيت القائمين وزيداً إلا عمراً، وهذا النحو من المسائل لأن «زيداً» معطوف على «رأيت» ، والاستثناء من الصلة من حيث كان المستثنى معمول الفعل الذي فيها، فقد فصلت بينهما بالمعطوف، ولم يجز ذلك. كما لم يجز أن يكون «وأقرضوا» معطوفاً على «صدقوا» المقدر في الصلة، لفصل «المصدقات» المعطوف

_ (1) الحديد: 18. (2) كتاب في النحو.

على ما بينهما. وإنما لم يجز ذلك لأن العطف على الموصوف وغيره في الأسماء يؤذن بتمامه، ألا ترى أنك لا تعطف على الاسم من قبل أن يتم بجميع أجزائه، فإذا كان العطف يؤذن بالتمام فعطفت ثم أتيت بعد العطف بما هو من تمامه فقد زعمت أنه تام غير تام، فنقضت بذكرك ما بقي من الصلة ما قدمته من حكم التمام بالعطف، وكان مدافعاً غير مستقيم. ولا يستقيم أن يكون قوله «وأقرضوا الله» ، في هذه الآية، محمولاً على المقدر في الصلة، كما كان قوله: (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) «1» على المقدر من قوله: (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) «2» ، لأنك لم تزد في هذا الموضع على أنك عطفت على الموضع ولم تفصل بين الصلة والموصول بأجنبي منهما، كما فصلت بالمعطوف بينهما في الأخرى، والحمل على المعنى في هذا النحو من العطف مستقيم حسن، فإذا لم يجز أن يكون معطوفاً على الصلة لم تحمله على ذلك، ولكن على وجوه أخر، منها: أن تجعل العطف اعتراضاً بين الصلة والموصول. وإن شئت كملته على أن الخبر غير مذكور. وإن شئت جعلت المعطوف والمعطوف عليه بمنزلة الفاعلين وجعلت العطف عليهم. وأما حمله على الاعتراض فهو أرجح الوجوه عندي، لأن الاعتراض قد شاع/ في كلامهم واتسع وكثر، ولم يجر ذلك عندهم مجرى الفصل بين المتصلين بما هو أجنبي منهما، لأن فيه تسديداً وتثبيتاً، فأشبه من أجل ذلك الصفة والتأكيد، فلذلك جاء بين الصلة والموصول في الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر والمفعول وفعله، وغير ذلك.

_ (2- 1) العاديات: 3، 4.

فما جاء من ذلك من الصلة والموصول قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) «1» . وكقوله: ذاك الذي وأبيك يعرف مالك ... والحق يدفع ترهات الباطل «2» فإذا جاء الفصل بين الصلة والموصول بما ذكرنا من الاعتراض فإنه يجوز الفصل بين اسم «إن» وخبرها بالاعتراض الذي هو قوله (وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً) «3» أحرى، لأن اتصال الصلة بالموصول أشد من اتصال المبتدأ بالخبر، ألا ترى أنهما يجريان مجرى الاسم الواحد، وأن المبتدأ قد يحذف خبره ولا يستعمل إثباته. وقوله: «يضاعف لهم» على هذا التأويل في الآية فى موضع رفع ب «إن» خبر المبتدأ. ومما جاء من الاعتراض بين الفعل والفاعل قوله: ألا هل أتاها والحوادث جمة ... بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا «4» فالمبتدأ والخبر اعتراض، والجار والمجرور في موضع رفع ب «أن» فاعل، كما أنهما في «كفى بالله» كذلك، وإذا جاز في الفعل والفاعل كان المبتدأ والخبر أجوز. ومن الاعتراض بين الصفة والموصوف قوله: تعالى: (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) «5» كما أن قوله: (لَوْ تَعْلَمُونَ) «6» كذلك، والمعنى في «لو تعلمون» : اعلموا، كما تقول: لو قمت، أي: قم.

_ (1) يونس: 27. (2) اللسان «تره» . [.....] (3) الحديد: 18. (4) بيقر: هاجر من أرض إلى أرض. والبيت لامرئ القيس. (5) مريم: 34. (6) الواقعة: 75 و 76.

وزعم أبو الحسن أن الماضي في هذا المعنى أكثر من المضارع. وإن حملت على أن الخبر غير مذكور ولم تجعل قوله «وأقرضوا الله» اعتراضاً، ولكن جملة معطوفة على ما تقدم، جاز في قوله «والمصدقات» أمران: أحدهما- أن تكون الواو بمنزلة «مع» ، على أن تكون قد سدت مسد خبر المبتدأ، كما انك لو قلت: إن المصدقين مع المصدقات، كان كذلك، ألا ترى أنه لما كان معنى قولك «أقائم الزيدان» : أيقوم الزيدان، استغنيت بالفاعل عن خبر المبتدأ، وإن كان قد ارتفع «قائم» ارتفاع المبتدأ، فكذلك قولك «والمصدقات» ، وإن كان منتصباً بالعطف على «إن» ، فإنه سد مسد الخبر، فلا يحتاج مع ذلك إلى تقدير خبر، كما لم يحتج إليه في قولك: أقائم الزيدان. ومثل ذلك قولهم: الرجال وأعضادها، والنساء وأعجازها لما كان المعنى: الرجال مع أعضادها، والنساء مع أعجازها. استغنيت عن خبر الابتداء، وكما استغنيت عن خبر المبتدأ بما كان معطوفا عليه لما كان المعنى كذلك، يدخلان على هذا الحد، فيكون المعنى: إنهم معهن في نيل الثواب وارتفاع المنزلة. فإذا حملت على ذلك جاز بلا خلاف فيها. وقد «1» يجوز أن تضمر لهذا النحو خبراً، فيكون التقدير: كل رجل وضيعته مقرونان وعلى هذا تضمر أيضاً في خبر «إن» في قوله: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) «2» . أي: إن المصدقين والمصدقات يفلحون، أو مضاعف لهم، ونحو ذلك مما ذكروا به في التنزيل، ويكون موضع

_ (1) هذا ثاني الأمرين. (2) الحديد: 18.

«يضاعف» نصباً صفةً للقرض. وإن شئت جعلته جملة مستأنفة، إلا أنك لم تلحق الواو، أو لالتباس أحدهما بصاحبه، وقوله: (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) «1» مستأنف. ومن شاء جعل ما قبله وصفاً، إذ لا تعلّق له بالموصوف. وإن شئت جعلته حالاً من «لهم» في قوله «يضاعف لهم» . وإن شئت جعلت المعطوف والمعطوف عليه بمنزلة الفاعلين، وجعلت قوله «وأقرضوا» معطوفاً على ذلك، لأن معنى «المصدقين والمصدقات» كمعنى: إن الناس المصدقين. فإذا كان ذلك معناه جاز أن يعطف «وأقرضوا» عليه، كما كان يجوز ذلك لو أبرزت ما هذا المذكور في معناه وموضعه. وعلى هذا الوجه حمله أبو الحسن لأنه قال في تفسيرها: لو قلت: الضاربه أنا، وقمت زيد، كان جائزاً، كأنه يريد: إنه كما استقام أن يحمل «الضارب» على «ضرب» فتعطف «قمت» عليه، كذلك يستقيم أن تجعل الفاعلين، فتحمل «وأقرضوا» عليه، إذ لا يستقيم عطف «وأقرضوا» على الصلة الأولى، ولأن العطف على المعنى قد جاء في الصلات وغيرها كثيراً، فأفهمه. ومن التقديم والتأخير/ قوله تعالى: (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) «2» ، أي: جزيناهم ذلك، فقدم المفعول الثاني. وقال: (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) «3» ، أي: جزيناهم ذلك بكفرهم. وقال: (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها) «4» أي: مجرميها أكابر.

_ (1) الحديد: 18. (2) الأنعام: 146. (3) سبأ: 17. (4) الأنعام: 123.

وقال: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ) «1» ، أي: الجن شركاء. وقال: (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) «2» أي: يؤتي من يشاء ملكه. وقال: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) «3» ، أي: تؤتي من تشاء الملك. وأما قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) «4» . جاء في التفسير أن قريشاً في الجاهلية كانت تكثر التزوج بغير عدد محصور، فإذا كثر على الواحد منهم مؤن زوجاته وقل ماله مد يده إلى ما عنده من أموال اليتامى، فحل له الأربع. وإلى هذا الوجه أشار أبو علي بعد ما حكى عن أبي العباس في كتابه في القرآن تعجب الكسائي من كون «فانكحوا» ما طاب لكم جواباً لقوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) «5» . قال: وقاله أبو عبيد، وليس هذا الجواب، فإنما الجواب قوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) «6» ، كأنه قال: فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة. فقال أبو علي: جواب «إن خفتم» الفاء في «فواحدة» ، كأنه في التقدير: إن خفتم ألا تقسطوا، إن كثرت عليكم مؤن الزوجات وأحوجتم إلى مال اليتامى. أي: فانكحوا واحدة. وقوله «فانكحوا ما طاب» اعتراض بين الشرط والجزاء، مثل قولك: إن زيداً- فافهم ما أقول-

_ (1) الأنعام: 100. (2) البقرة: 247. (3) آل عمران: 26. (6- 5- 4) النساء: 3. [.....]

رجل صدق. قال: ولما كان الكلام باعتراض الجملة المسددة للشرط كرر الشرط ثانياً، فقيل: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) «1» وهو قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) «2» . وهذه الجملة متأخرة معنىً، أي: في حال الضيق واحدة، وفي السعة أربع. والقصة عن عكرمة والشرح لأبي علي. قال قوم: إنهم كانوا يتوقون أموال اليتامى ولا يتوقّون الزنى، فقيل: كما خفتم في ذا فخافوا الزنى وأتوا الكلالة. عن مجاهد. وقيل: كانوا يخافون ألا يعدلوا في أموال اليتامى ولا يخافون أن يعدلوا في النساء. عن سعيد بن جبير. وقيل: التقدير: ألا تقسطوا في نكاح اليتامى فانكحوا ما حل لكم من غيرهن من النساء. عن عائشة. وروي عن عروة عن عائشة أنها قالت: كان الناس يتزوجون اليتامى ولا يعدلون بينهن، ولم يكن لهن أحد يخاصم عنهن، فنهاهم الله عن ذلك، وقال: (وَإِنْ خِفْتُمْ) «3» . ومن ذلك قوله تعالى: (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) «4» . «ذلك» منصوب ب «يدعو» ، ويكون «ذلك» بمعنى «الذي» والجملة بعده صلة. وقال الفراء: بل «اللام» في «لمن ضره» في نية التأخير، والتقدير: من لضره، وهو خطأ، لأن الصلة لا تتقدم على الموصول.

_ (3- 2- 1) النساء: 3. (4) الحج: 12 و 13.

وقيل: إن «من» ليس في موضع مفعول «يدعو» «1» ، لأنه مكرر من الأول معاد للتوكيد، واكتفى من مفعوله بمفعول الأول، وكرر تفظيعاً للأمر في عبادة الأصنام، وقوله «لمن ضره» على هذا مبتدأ، وخبره «لبئس المولى» . ووجه ثالث: وهو أن يكون «يدعو» بمعنى «يقول» كقول القائل: ما يدعى فلان فيكم؟ أي: ما يقال له؟ وكذلك: يدعون عنته «2» ، أي: يقولون: يا عنته، أي: يقولون الذي ضره أقرب من نفعه هو إلهنا، ويكون الخبر محذوفاً لدلالة الكلام عليه. ووجه رابع: وهو أن يكون «يدعو» من تمام الضلال البعيد، أي: يدعوه، و «يدعوه» في موضع الحال للمبتدأ، والتقدير: ذلك هو الضلال البعيد داعياً، أي: في حال دعايته إياه. و «لمن ضره» ابتداء، وخبره «لبئس المولى» . ولا يكون «لبئس المولى» خبراً في قول من يقول: إن «يدعو» بمعنى يقول، لأن المنافق لا يقول: إن الصنم والله لبئس المولى. وإن قلت: إنه لا يقول أيضاً: ضره أقرب من نفعه، وإنما يقول غير ذلك، فإن ذلك على اعتقادنا ما فيه من كونه ضاراً، على تقدير أن المنافق يقول: الصنم إله، ثم يأخذ في ذمه. ومن ذلك قراءة من قرأ: (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) «3» بالفتح، لأن التقدير: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون، أي: فاتقون هذا.

_ (1) يريد: مفعول الفعل «يدعو» الأول في قوله تعالى: (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ) . (الآية: 12) . (2) العنتة: المبالغ في الأمر إذا أخذ فيه. (3) الأنبياء: 92.

ومثله (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) «1» . المعنى: ولأن المساجد لله فلا تدعو. وكذلك عند الخليل، (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) «2» كأنه: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف قريش، أي: ليقابلوا هذه النعمة بالشكر والعبادة للمنع بها فأما قوله: (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) «3» في سورة مريم، فيجوز أن يكون على هذا: فاعبدوه لأنه ربي وربكم. ولكن أبا علّى حمله على قوله: (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) «4» بأن الله ربي. وأما قوله: (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) «5» فيكون مثل هذا، والفاء في قوله «فاتبعوه» مثل الفاء في قوله: بزيد فامرر. والفاء في قوله الثاني عاطفة جملة على جملة، وعلى القول الأول زيادة. وقال الفراء فيمن فتح (وَأَنَّ هذا صِراطِي) «6» : إنه محمول على «الهاء» من قوله: (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) ، «7» أي: به وبأن هذا. وهكذا قال أيضاً في قوله: (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) «8» : إنه محمول على قوله: (فَآمَنَّا بِهِ) «9» وبأنه تعالى. وقد ذكرنا أن عطف الظاهر على المضمر لا يجوز، وقد جوز في خمس آيات هذا الوجه، فهاتان «10» ، وقوله: (وَكُفْرٌ بِهِ

_ (1) الجن: 18. (2) قريش: 1. (3) مريم: 36. (4) مريم: 31. (6- 5) الأنعام: 153. (7) الأنعام: 152. (8) الجن: 3. (9) الجن: 2. (10) يعني الآيتين السابقتين: آية الأنعام وآية الجن. [.....]

وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) «1» وقوله: (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) «2» فيمن جر وقوله: (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ) «3» . وقد أبطلنا ذلك كله في غير موضع. ومن ذلك قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) «4» إلى قوله: (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) «5» . قال الشافعي: في مس أحد الزوجين: إنه ينقض وضوء الماس، واحتج بهذه الآية. وقال لنا: متى حملنا الآية على اللمس باليد صارت الآية حاجة لبيان الطهارتين وبيان أنواع الحدث الأصغر، فإن الآية نزلت في أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله- وكانوا عرسوا. فالمعنى: إذا قمتم إلى الصلاة، أي: عن التعريس والنوم، فاغسلوا، فيكون بيان النوم حدثاً، وما هو بمعناه مما يوجب استطلاق وكاء الحدث من الإغماء والجنون. ثم قال: (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) «6» ، وكان بياناً لجميع ما يخرج من المخرج المعتاد دلالة، وكان في الآية تقديم وتأخير، أي: إذا قمتم عن النوم، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء، أي: مسستم باليد، فيكون بيان أن المس حدث، إذ هو سبب اشتهاء، فاغسلوا وجوهكم، / فإن عدمتم الماء فتيمموا، من غير ذكر أسباب الحدث، لأن البدل يتعلق بما يتعلق به الأصل، فلا يفتقر إلى بيان زائد. ومتى لم يجعلوا هكذا كانت الآية ساكتة عن بيان أنواع الحدث.

_ (1) البقرة: 217. (2) النساء: 1. (3) الأعراف: 10- الحجر: 20. (4) المائدة: 6. (6- 5) النساء: 43.

وعندنا المراد بالآية: الجماع، مجازاً، كما في قوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) «1» ، ولأنا أجمعنا أن الجماع مراد، فإن الشافعي أباح التيمم للجنب، وذكر أنه في كتاب الله تعالى إلا هاهنا، فبطل أن تكون الحقيقة، إلا أنه يقول: أبحت التيمم للجنب، لأن الله تعالى جعله بدلاً عن الوضوء والاغتسال جملة. وعن ابن عمر وابن مسعود أنهما كانا يحملان الآية على المس باليد، وكانوا لا يبيحون التيمم للجنب، فدل أن تأويل الآية بالإجماع ليس على التقديم والتأخير، ولا يصار إلى التقديم والتأخير إلا بدليل قاطع يمنع من حمله على الظاهر، على ما ذكرناه قبل في هذه الآي. وكذلك قوله تعالى: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ) «2» ، أي: بل فاعبد الله، فقدم المفعول. وأما قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) «3» فهو في نية التقديم والتأخير، والتقدير: نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا ما تتلو الشياطين، ف «اتبعوا» معطوف على (نَبَذَ) «4» ، وقوله (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) «5» في موضع الحال، أي: نبذوه مشابهين الجهال. وقوله: (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) «6» ، في «ما» قولان: أحدهما: أنه بمعنى: الذي، فيكون نصباً عطفاً على السحر «7» على «ما تتلو» ، أو جرّا بالعطف على (مُلْكِ سُلَيْمانَ) «8» .

_ (1) البقرة: 237. (2) الزمر: 66. (8- 7- 6- 4- 3) البقرة: 102. (5) البقرة: 101.

والثاني: أن يكون نفياً بالعطف على قوله (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) «1» أي: وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين. ويقال: إن سحرة اليهود زعموا أن الله تعالى أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان، فأكذبهم الله بذلك، فيكون التقدير: وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس ببابل هاروت وماروت فعلى هذا اختلفوا فيهما على ثلاثة أقوال: الأول: أن هاروت وماروت رجلان من سحرة أهل بابل تعلما السحر من الشياطين. الثاني: أنهما شيطانان من مردة الشياطين خصا بالذكر من بينهم لتمردهما، والسحر من استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ودقة أفهامهم، لأن أفعال الحيوان مناسبة. وقيل: إنهما ملكان من الملائكة أهبطهما الله على صورة الإنس لئلا ينفروا منهما. وقيل: سبب هبوطهما أن الله تعالى أهبطهما ليأمرا بالدين وينهيا عن السحر، لأن السحر كثر في ذلك الزمان وانتشر. واختلف من قال بهذا: هل كان للملكين تعليم الناس السحر أم لا؟ على قولين: أحدهما: أن الملكين كانا يعلمان الناس السحر وينهيان عن فعله، ليكون النهي عنه بعد العلم به، لأن ما لا يعلم أنه سحر لا يمكن الاحتراز منه،

_ (1) البقرة: 102.

كالذي لا يعرف الكفر لا يمكنه الامتناع منه، فيكون التعليم إذاً بالنهي عنه. عن علي بن أبي طالب، صلوات الله عليه. والثاني: أنه لم يكن للملكين تعليم السحر ولا إظهاره للناس، لما في تعليمه من الإغراء بفعله، ولأن السحر قد كان فاشياً، فأهبط الملكان بمجرد النهي. قال ابن بحر: جملة هذا أن «تلا» بمعنى: كذب. يقال: تلا، أي: كذب. يقول: نبذ هذا الفريق كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا كذب الشياطين على ملك سليمان أنه كان بسحر. وموضع «ما» في قوله (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) «1» جر عطف على (مُلْكِ سُلَيْمانَ) «2» . أي: الشياطين كذبوا عليه وعلى ما أنزل. قال: ومعنى (أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) «3» : أنزل معهما وعلى ألسنتهما، كما قال الله تعالى: (عَلى رُسُلِكَ) «4» ، أي: على ألسن رسلك ومعهم. فلا يجوز أن يكون نصباً عطفاً على «السحر» لأن الإنزال على الملكين لا يكون إلا من الله تعالى، والله لا يضاف إليه السحر وإنما يضاف إلى الكفرة وأوليائهم من الشياطين، وهما نزلا بالنهي عن السحر، فقالوا: نزلا بتعليمه. وكان معنى الكلام: أن الشياطين يعلمان الناس السحر، وأن الملكين لا يعلمان ذلك أحداً بل ينهيان عنه حتى يبلغ من نهيهما وصدهما عن تعلمه أن يقولا للمتعلم: إنما نحن فتنة فلا تكفر، فإن كان من الملائكة فإنما يقولان ذلك للأنبياء، ويقوله الأنبياء لسائر البشر، وإن كان من البشر قالا ذلك لكل واحد من البشر/ وذلك كما يقول الرجل:

_ (3- 2- 1) البقرة: 102. (4) آل عمران: 194.

ما أمرت فلاناً بما فعل ولقد بالغت في نهيه حتى قلت له: إنك إن فعلت ذلك نالك كذا وكذا. ووقع الاختصار بعد قوله: (وَما يُعَلِّمانِ) «1» فحذف: «بل ينهيان» ، ليستنبطه العلماء بالفكرة فيؤجروا. وقال ابن جرير: من جعل «ما» جحدا، و «الملكين» : جبريل وميكائيل، جعل التقدير: لم ينزل السحر إلى سليمان مع جبريل وميكائيل، كما يقول اليهود، وجعل «من» فى قوله: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما) بمعنى المكان والبدل، أي: فيتعلمون مكان ما علماه ما يفرقون به بين المرء وزوجه. ومن ذلك قوله: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ) «2» إلى قوله: (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) «3» . «ما» في موضع الرفع بالعطف على الضمير في «يفتيكم» ، أي: يفتيكم الله فيهن، ويفتيكم أيضاً القرآن الذي يتلى عليكم، و «فى» من قوله: «في يتامى النساء» من صلة «يتلى» ، و «المستضعفين» جر عطف على «يتامى النساء» ، و «أن تقوموا لليتامى بالقسط» جر عطف على «المستضعفين» . ويجوز في «المستضعفين» أن يكون عطفاً على قوله: «في الكتاب» ، أي: يتلى عليكم في الكتاب وفي حال المستضعفين. وجاء في التفسير: إنهم كانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الأطفال، فلما فرض الله تعالى المواريث في هذه السورة شق ذلك على الناس فسألوا رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله- عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية. و (ما كُتِبَ لَهُنَّ) «4» يعني: الميراث. عن ابن عباس.

_ (2- 1) البقرة: 102. (4- 3) النساء: 127. [.....]

وقيل: إنهم كانوا لا يؤتون النساء صدقاتهن ويتملكها أولياؤهن، فلما نزل قوله: (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) «1» سألوا رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله- فأنزل الله هذه الآية. و «ما كتب لهن» يعني: من صداق. قيل: إنه وارد في ولي اليتيم، كان لا يتزوجها وإن حلت له، ويعضلها ولا يزوجها طمعاً في مالها، لأنه لا يشاركه الزوج فيه، فنزل ذلك فيه. ومعنى: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) «2» : أي: ترغبون عن نكاحهن. ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) «3» . قوله «في الحياة الدنيا» لا يخلو من تعلّقه ب «حرّم» ، أو ب «زينة» ، أو ب «أخرج» ، أو ب «الطيبات» ، أو ب «الرزق» فجوز تعلقها ب «حرّم» ، أي: حرم ذاك إذ ذاك. ومنع من تعلقها ب «زينة» كما يمتنع: الضرب الشديد يوم الجمعة، إن علقت «اليوم» ب «الضرب» ، لكون المصدر موصوفاً. فإن قلت: فقد جاء: إذا ... «4» فرحين، فإن اسم الفاعل ليس كالمصدر، لأن الوصف يؤذن بانقضاء أجزائه، والوصل يؤذن ببقائه. وجوز أن يتعلق ب «الطيبات» وب «الرزق» وب «أخرج» . فإن قلت: فإن «أخرج» في صلة «التي» ، و «الطيبات» فى صفة اللام، و «الرزق» مصدر، فكيف يوصل بهذه الأشياء، «وهي للذين آمنوا» فاصلة؟ فإنه قد جاء والطلاق عزيمة ثلاثاً، وجزاء سيئة بمثلها، لأنه يسدد الأول. ويجوز أن يتعلق ب «الطيبات» ، تقديره: والمباحات من الرزق

_ (1) النساء: 4. (2) النساء: 127. (3) الأعراف: 32. (4) مكان هذه النقط كلمتان غير جليتين.

ويجوز أن يتعلق ب «آمنوا» ، الذي هو صلة «للذين آمنوا في الحياة الدنيا» . ثم انظر ما أغفله «أبو علي» من الفصل بين الصلة والموصول بقوله: (وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ» ، لأن هذا غير معطوف على قوله: «زينة الله» . ولا يمكن «أبو علي» أن يجيب عن هذا الفصل بأنه مما يسدد القصة، وإذا كان العطف على الموصول يتنزل منزلة، صفته في منع تعلق شيء به بعد العطف، فالعطف على ما قبل الموصول أولى بالمنع وأحق، لأن قوله: «والطيبات» منصوب ب «حرم» لا ب «أخرج» ، وفي تعلقه ب «الطيبات» نظر، لأن قوله «من الرزق» بيان ل «الطيبات» يتنزل منزلة الحال، وكما يمنع النعت بما قبله فكذلك الحال، إلا أن لأبي علي أن ينحو بهذا البيان نحو التمييز فيتوجه له حينئذ الفرق بينه وبين الحال. وجوز فى «الإغفال» تعلقها بآمنوا وباللام في «الذين» ، وبمحذوف في موضع الحال، والعامل فيه معنى اللام، فعلى هذا يكون فيه ضمير. وعلى الأولين لا ضمير ولا يجوز تقديمه على «الذين» في الوجهين أعني: الحال والتعلق ب «آمنوا» . ويجوز في الوجه الآخر التقديم، كما جاز: كل يوم لك ثوب وهي مبتدأ واللام خبره، و «خالصة» أيضاً، كحلو حامض، فيمن رفع، وفيمن نصب حال، ولم يجز أن يتعلق ب «أخرج» لأنه فصل به، أعني «في الحياة الدنيا» بين المبتدأ وخبره، فيمن رفع وبين الحال وذي الحال فيمن نصب، لكون «في الحياة الدنيا» أجنبية من هذه الأشياء، ثم لم يرتض من نفسه أن يظن به ما يخطر بخاطر من أن هذا ظرف، والظروف يتلعب بها، فذكره حجة لأبي الحسن.

ومن ذلك قوله تعالى: (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) «1» . قالوا: إن التقدير: له معقبات من أمر الله، فيكون «من أمر الله» معمول الظرف الذي هو قوله «له» . وقيل: يحفظونه عند نفسه من أمر الله، ولا راد لأمره ولا مانع لقضائه. وقيل: إن «لا» مضمر، أي: لا يحفظونه من أمر الله. وقيل: في «المعقبات» : حراس الأفراد الذين يتعاقبون الحرس. عن ابن عباس. وقيل: إنه ما يتعاقب من الله وقضائه في عباده. عن عبد الرحمن ابن زيد. وقيل: إنهم الملائكة، إذا صعدت ملائكة الليل عقبتها ملائكة النهار، وإذا صعدت ملائكة النهار عقبتها ملائكة الليل. عن مجاهد. وقيل: في «من بين يديه» : أي: من أمامه وورائه. وهذا قول من زعم أن المعقبات حراس الأفراد. وقيل: في الماضي والمستقبل. وهذا قول من زعم أن المعقبات ما يتعاقب من أمر الله وقضائه. وقيل: من هداه وضلالته. وهذا قول من زعم أنه الملائكة. وقيل: يحفظونه من أمر الله، أي: من تلك الجهة وقع حفظهم له، أي: حفظهم إياه إنما هو من أمر الله، كما يقال: هذا من أمر الله. عن سعيد بن جبير.

_ (1) الرعد: 11.

فإذا حملته على التقديم كان قوله. «من بين يديه» متعلقاً بقوله «يحفظونه» ، والتقدير: له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه. قاله النخعي فيكون الظرف فاصلاً/ بين الصفة والموصوف، فنظيره: (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) «1» ، جمع: راصد. يعني: الملائكة يحفظون النبي- صلى الله عليه وعلى آله- من الجن والإنس، وهم أربع. ومن ذلك قوله: (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) «2» . قيل: الكاف من صلة ما قبله. وقيل: من صلة ما بعده. فمن قال: هي من صلة ما قبله، قال: «كما أخرجك» أي: كما ألزمك الخصال المتقدم ذكرها التي تنال بها الدرجات، ألزمك الجهاد وضمن النصرة لك والعاقبة المحمودة. وقيل: بل المعنى: الأنفال لله والرسول مع مشقتها عليهم، لأنه أصلح لهم، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق مع كراهتهم، لأنه أصلح لهم. وقيل: هو من صلة ما بعده، والتقدير: يجادلونك في الحق متكرهين كما كرهوا إخراجك من بيتك. وقيل: أن يعمل فيه «بالحق» ، يعني: هذا الحق كما أخرجك ربك. جائز حسن. «3» وقيل: التقدير: يجادلونك في القتال كما جادلوا في الإخراج.

_ (1) الجن: 27. (2) الأنفال: 5. (3) ساق أبو حيان في تفسير: البحر المحيط (4: 459- 464) خمسة عشر رأيا حول إعراب «كما» ليس من بينها هذا الرأي الذي يبدو غير واضح.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) «1» ، ثم قال: (ذَواتا أَفْنانٍ) «2» . فقوله «ذواتا» صفة ل «جنتين» ، أي: جنتان ذواتا أفنان. واعترض بينهما بقوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) «3» . وهكذا الآي كلها التي تتلوها إلى قوله: (وَمِنْ دُونِهِما) «4» ، كلها صفات لقوله: (جَنَّتانِ) ، والتقدير: وله من دونهما جنتان، وما بعدها صفات ل «جنتان» المرتفعة بالظرف. وقوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) «5» اعتراض، ويكون قوله: (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ) «6» حالاً من المضمرين في قوله: (وَمِنْ دُونِهِما) «7» أي: ولهم من دونهما، كما أن قوله: (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ) «8» حال من قوله «ولمن» . والتقديم والتأخير كثير في التنزيل. ومضى قبل هذا الباب الخبر المقدم على المبتدأ في قوله: (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) «9» ، (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) «10» ، (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) «11» ، ونحوه كثير. وأما قوله: (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) «12» ، وقد قرئ بالرفع والنصب: وجه الرفع في «سواء» أنه خبر ابتداء مقدم، والمعنى: العاكف والبادي فيه سواء، أي: ليس أحدهما بأحق به من صاحبه،

_ (1) الرحمن: 46. (2) الرحمن: 48. (5- 3) الرحمن: 47. (7- 4) الرحمن: 62. (6) الرحمن: 76. (8) الرحمن: 54. [.....] (9) النحل: 63، 104، 117. (10) البقرة: 7. (11) البقرة: 179. (12) الحج: 25.

فاستواء العاكف والبادي، فيه دلالة على أن أرض الحرم لا تملك، ولو ملكت لم يستويا فيه، وصار العاكف فيه أولى بها من البادي بحق ملكه، ولكن سبيلهما سبيل المساجد التي من سبق إليها كان أولى بالمكان لسبقه إليه، وسبيله سبيل المباح الذي من سبق إليه كان أولى به. ومن نصب فقال: (سَواءً الْعاكِفُ) أعمل المصدر عمل اسم الفاعل، فرفع «العاكف» به كما يرتفع «بمستو» ، ولو قال: مستوياً العاكف فيه والبادي، فرفع العاكف «بمستو» فكذلك يرفعه ب «سواء» . والأكثر الرفع في نحو هذا، وألا يجعل هذا النحو من المصدر بمنزلة الفاعل، ووجهه أن إعماله المصدر قد يقوم مقام اسم الفاعل في الصفة، نحو: رجل عدل، فيصير: عدل العادل. وقد كسر اسم المصدر تكسير اسم الفاعل في نحو قوله: فنواره ميل إلى الشمس زاهر «1» فلولا أن «النور» عنده كاسم الفاعل لم يكسر تكسيره، فكذلك قول الأعشى: وكنت لقى تجرى عليك السوائل «2» ومن أعمل المصدر إعمال اسم الفاعل فقال: مررت برجل سواء درهمه وقال: مررت برجل سواء هو والعدم كما تقول: مستو هو والعدم، فقال: سواء العاكف فيه والباد، كما تقول: مستويا العاكف فيه والباد، فهو وجه حسن.

_ (1) عجز بيت للخطيئة، صدره: بمستأسد القريان حونباته (2) صدره: وليتك حال البحر دونك كله والرواية في الديوان: «عليه» مكان «عليك» . والسوائل: المياه السائلة.

ويجوز في نصب قوله «سواء العاكف فيه» وجه آخر: وهو أن تنصبه على الحال، فإذا نصبته عليها وجعلت قوله. «للناس» مستقراً، جاز أن يكون حالاً يعمل فيها معنى الفعل، وذو الحال الذكر الذي في المستقر. ويجوز أيضاً في الحال أن يكون من الفعل الذي هو «جعلناه» ، فإن جعلتها حالاً من الضمير المتصل بالفعل كان ذو الحال الضمير والعامل فيها، وجواز قوله «للناس» / مستقر، على أن يكون المعنى: أنه جعل للناس منسكا ومتعبدا، فنصب، كما قال: وضع للناس. ويدل على جواز كون قوله «للناس» مستقراً، أنه قد حكى: أن بعض القراء قرأ: (الذي جعلناه للناس العاكف فيه والبادي سواء) ، فقوله «للناس» يكون على هذا مستقراً في موضع المشغول الثاني ل «جعلناه» ، فكما كان في هذا مستقراً كذلك يكون مستقراً في الوجه الذي تقدمه، ونعني: الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء. أنهما يستويان فيه في الاختصاص بالموضع ومن ذلك قوله تعالى: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) «1» قوله «نصفه» بدل من «الليل» ، كما تقول: ضربت زيداً رأسه، فالمعنى: نصف الليل إلا قليلاً، نصفه أو انقص من النصف أو زد عليه. وقوله «إلا قليلاً» يفيد ما أفاده أو «انقص منه قليلاً» ، لكنه أعيد تبعاً لذكر الزّيادة خيّره الله تعالى بين أن يقوم النصف أو يزيد عليه أو ينقص منه.

_ (1) المزمل: 2- 4.

وقال الأخفش: المعنى: أو نصفه أو زد عليه قليلاً، لأن العرب قد تكلم بغير «أو» ، يقولون: أعط زيداً درهماً درهمين أو ثلاثة. وقال المبرد: خطأ لا يجوز، إنما «نصفه» بدل من «الليل» ، والاستثناء مقدم من «النصف» . ومن ذلك قوله: (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) «1» . هذا من طرائف العربية، لأن «هى» ضمير القصة مرفوعة بالابتداء، و «أبصار الذين كفروا» مبتدأة، و «شاخصة» خبر مقدم، وهي خبر أيضاً، والجملة تفسير «هي» ، والعامل في «إذا» قوله «شاخصة» ، ولولا أن «إذا» ظرف لم يجز تقديم «ما» في حيز «هي» عليها، لأن التفسير لا يتقدم على المفسر، ولكن الظرف يلغيه الوهم، وقد جاء ذلك في الشعر في غير الظرف، قال الفرزدق: وليست خراسان الذي كان خالد ... بها أسد إذ كان سيفاً أميرها والتقدير: الذي كان خالد بها سيفاً إذ كان أسداً أميرها. ففي «كان» الثانية/ ضمير القصة وأسد «مبتدأ» ، وأميرها «خبر» ، والجملة تفسير الضمير الذي في «كان» ، وقدم «الأسد» على «كان» الذي فيه الضمير وقالوا: يمدح خالد بن عبد الله القسري «2» ويهجو أسداً، وكان أسد واليها بعد خالد، قال: وكأنه قال: وليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفاً، إذ كان أسد أميرها. ففصل بين اسم «كان» الأول، وهو خالد، وبين خبرها الذي هو «سيفاً» بقوله: «بها أسد إذ كان» ، فهذا واحد. وثان أنّه قدم

_ (1) الأنبياء: 97. (2) الأصل: «خالد بن الوليد» تحريف. وخالد القسري وأخوه أسد، ممن قال فيهم الفرزدق.

بعض ما أضافه إليه، وهو «أسد» عليها، وفي تقديم المضاف إليه أو شيء منه على المضاف من القبح ما لا خفاء به، فنظير الآية قوله: (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) «1» ، وقوله: (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) «2» ، وقوله: (إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) «3» ، ثم قال: (إِنَّ رَبَّهُمْ) «4» ، ف «إذا» في هذه الأشياء متعلقة بمحذوف دل عليه ما بعد «إن» و «الفاء» . وقيل في البيت: إن «كان» زائدة، فيصير تقديره: إذ أسد أميرها، فليس في هذا أكثر من شيء واحد، وهو ما قدمنا ذكره من تقديم ما بعد «إذ» عليها، وهي مضافة إليها. وهذا أشبه من الأول، ألا ترى أنه إنما نفي حال خراسان إذ أسد أميرها لأنه إنما فضل أيامه المنقضية بها على أيام أسد المشاهدة فيها، فلا حاجة به إلى «كان» ، لأنه أمر حاضر مشاهد. فأما «إذا» هذه فمتعلقة بأحد شيئين. إما ب «ليس» وحدها، وإما بما دلت عليه من غيرها، حتى كأنه قال: خالفت خراسان إذ أسد أميرها التي كانت أيام ولاية خالد لها، على حد ما نقول فيما يضمر للظرف، ليتأولها ويصل إليها. ومن ذلك قوله: (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) «5» ، تقدير «من قبل» أن يكون متعلقا ب «كفرت» ، المعنى: أي: كفرت من قبل بما أشركتموني. ألا ترى أن كفره قبل كفرهم، وإشراكهم إياه فيه بعد ذلك، فإذا كان كذلك علمت أن «من قبل» لا يصح أن يكون من صلة «ما أشركتموني» ، وإذا لم يصح ذلك فيه ثبت أنه من صلة «كفرت» .

_ (1) المؤمنون: 101. (2) سبأ: 7. (3) العاديات: 9. (4) العاديات: 11. (5) إبراهيم: 22. [.....]

ومن ذلك قوله: (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ) «1» ، أي: أنزل إليك لتنذر، فأخر اللام المتعلق بالإنزال. وقيل: فلا يضيق صدرك بأن يكذبوك. عن الفراء- فيكون «اللام» متعلقاً بالحرج. ومن ذلك قوله: (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) «2» ، أي: كانوا يظلمون أنفسهم. ومنه: (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) «3» ، و (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) «4» . هذا يدل على جواز: يقوم كان زيداً، ألا ترى أن «أنفسهم» منتصب ب «يظلمون» ، فإذا جاز تقديم مفعوله جاز تقديمه وجاز وقوعه موقع المعمول. فأما قوله: (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) «5» ففي موضعه ثلاثة أقوال: رفع بالعطف على «كتاب» ، وقيل: بل مبتدأ مضمر. وإن شئت كان نصبا ب «تذكر» ، أي، لتنذر فتذكر. وإن شئت هو جر باللام، أي: لتنذر وللذكرى. وضعفه ابن عيسى فقال: باب الجر باب ضيق لا يتسع فيه الحمل على المعاني: وليس الأمر كما قال، لأنا عرفنا أن تعد اللام مضمرة، وكأنه قال: للإنذار به وذكرى للمؤمنين، وإذاً جاء: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا) «6» ، والتقدير: وبعد أن شهدوا، لم يكن لنظر أبي الحسن مجال في هذا الباب، وابن من أنت من أبي علي، وكلامك ما تراه من الاختصار والإيجاز.

_ (1) الأعراف: 2. (2) الأعراف: 177. (3) الأعراف: 139- هود: 16. (4) سبأ: 40. (5) الأعراف: 2. (6) آل عمران: 86.

فأما قوله تعالى: (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) «1» فإن العامل في «إذا» محذوف، كقولك: خرجت فإذا زيد، فبالحضرة زيد، فيكون «فريقان» بدلاً من «هم» وإن كان متعلقاً بالمحذوف، فيكون الإخبار عن المبدل منه، وقد قال: وكأنه لهق السراة كأنه ... ما حاجبيه معين بسواد «2» أخبر عن المبدل منه والإخبار في الآية إذا قدرت قوله «فريقان» بدلاً من «هم» كان متعلقاً بمحذوف، كما يكون مع البدل منه فكذلك يجوز أن تجعل قوله «فريقان يختصمون» الخبر عن «هم» ، فإذا قدرته كذلك أمكن أن تعلق «إذا» بما في «فريقان» من معنى الفعل، وإن شئت علقته بالاختصام، وقال: يختصمون، على المعنى. ويجوز أن تجعل «الفريقان» الخبر ونجعل «يختصمون» وصفاً، فإذا قدرته كذلك تعلق «إذا» بما في «الفريقان» من معنى الفعل، ولا يجوز أن يتعلق ب «يختصمون» ، لأن الصفة لا تتقدم على الموصوف/ ألا ترى أنه لم يجز: أزيداً أنت رجل تضربه، إذا جعلت «تضرب» وصفاً. «وأجاز المازني: زيداً أنت رجل تكرمه، على أن يكون «تكرمه» خبرا ثانيا ل «أنت» لا وصفاً للنكرة. ويجوز أن تجعل «يختصمون» حالاً من «هم» ، وتجعل «فريقين» بدلاً، فالعامل في الحال الظرف، كقوله: فيها زيد قائماً. وقال في موضع آخر: «يختصمون» وصف أو حال. والحال من أحد الشيئين:

_ (1) النمل: 45. (2) البيت للأعشى. ولهق السراة: أي أبيض أعلى الظهر. ومعين بسواد: أسفع الخدين.

إما من الضمير في «فريقان» لأنه منصوب، ألا تراهم قالوا: يومئذ يتفرقون، وليس كذا. والآخر: أن يكون حالاً مما في «ذا» من معنى الفعل، وذاك إذا جعلته على قولهم: حلو حامض، فإنه على هذا التقدير متعلق بمحذوف، فإذا تعلق بالمحذوف كان بمنزلة قولهم: في الدار زيد قائماً. فإذا لم تجعله على هذا الوجه لم يجز أن ينتصب عنه حال، ألا ترى أنك إذا لم تجعله على قولهم: حلو حامض، كان «فريقان» خبر «هم» الوقعة بعد «إذا» ، وإذا كان كذلك كان «إذا» في موضع نصب مما في قوله «فريقان» من معنى الفعل، فليس في «إذا» ضمير لتعلقه بالظاهر، فإنما ينصب الحال إذا تعلق بمحذوف خبراً «لهم» . وأما قوله تعالى: (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) «1» ، يحتمل أن يكون: أتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ولعنة يوم القيامة فحذف المضاف، ويجوز أن يكون محمولاً على موضع «في هذه الدنيا» كما قال: إذا ما تلاقينا من اليوم أو غد ويشهد لذلك، والوجه الذي قبله، قوله تعالى في آية أخرى: (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) «2» ، وقوله: (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) «3» ، ويكون قوله (هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) «4» . جملة استغنى بها عن حرف

_ (1) القصص: 41. (2) النور: 23. (4- 3) هود: 99.

العطف فيها بالذكر الذي تضمنت مما في الأولى، كما استغنى عنه بذلك في قوله تعالى: (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) «1» ولو كانت الواو لكان ذلك حسناً كما قال: (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) . ويجوز أن يكون العامل فيه «من المقبوحين» لأن فيه معنى فعل، وإن كان الظرف متقدماً، كما أجاز: كل يوم لك ثوب. ويجوز أن يكون العامل فيه مضمراً يدل عليه قوله: «من المقبوحين» لقوله: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) «2» . وأما قوله: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) «3» فيكون «يومئذ» من صلة المصدر، كما كان في التي قبلها، يعني في قوله: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) «4» ، و «الحق» صفة والظرف الخبر، ويجوز أن يكون «يومئذ» معمول الظرف، ولا يتقدم عليه ولا يتصل على هذا بالمصدر. وأما قوله: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) «5» ، إن جعلت الظرف من صلة المصدر جاز أن تنصبه نصب المفعول به، كقولك: الوزن الدراهم حق، ويكون «الحق» على هذا خبر المبتدأ. وإن جعلت «يومئذ» خبر المصدر، لأن «الوزن» حدث، فيكون ظرف الزمان خبراً عنه تعلق بمحذوف، جاز أن ينتصب انتصاب الظرف دون المفعول به، ألا ترى أن المفعول به لا تعمل فيه المعاني، ويكون «الحق» على هذا صفة ل «الوزن» ، ويجوز أن يكون بدلاً من «الذكر» المرفوع الذي في الخبر.

_ (1) الكهف: 22. (2) الفرقان: 22. (3) الفرقان: 26. [.....] (5- 4) الأعراف: 8.

وأما قوله: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) «1» فهو متعلق بمحذوف، ألا ترى أنه ليس في هذا الكلام فعل ظاهر يجوز أن يتعلق الظرف به، فإذا كان كذلك تعلق بما دل عليه قوله: (فَهُمْ يُوزَعُونَ) ، كما أن قوله، (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) «2» الظرف فيه كذلك، وكذلك قوله: (يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) «3» ، لأن الظرف من حيث كان مستقبلاً كان بمنزلة «إذا» ، ومن ثم أجيب بالفاء كما يجاب «إذا» بها. وأما قوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) «4» . فقد تكون مثل التي تقدمت، ألا ترى أن قوله: (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا) «5» ماض، كما أن قوله: (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) «6» كذلك، و «ندعو» مستقبل، كما أن (يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ) «7» كذلك، فتجعل الظرف بمنزلة «إذا» كما جعلته ثم بمنزلته، فيصير التقدير: يوم ندعو كل أناس بإمامهم لم يظلموا، أو عدل عليهم، ونحوه. ومن ذلك قوله: (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) «8» ، القول فيه: إن ذلك إشارة إلى النقر، كأنه قال: فذلك النقر يومئذ يوم عسير، أي: نقر يوم عسير، فقوله «يومئذ» ، على هذا متعلق بذلك، لأنه في المعنى مصدر وفيه معنى الفعل، فلا يمتنع أن يعمل في الظرف كما عمل في الحال، ويجوز أن يكون «يومئذ» ظرفاً لقوله «يوم» ، ويكون «يومئذ» بمنزلة «حينئذ» ، ولا يكون

_ (7- 1) فصلت: 19. (2) المؤمنون: 82. (3) سبأ: 7. (4) الإسراء: 71. (5) الإسراء: 70. (6) فصلت: 18. (8) المدثر: 8، 9.

«اليوم» ، الذي يعنى به وضح النهار، ويكون «اليوم» الموصوف بأنه عسير خلاف الليلة ويكون التقدير: فذلك اليوم يوم عسير حينئذ، أي: ذلك اليوم يوم في ذلك الحين، فيكون متعلقا بمحذوف ولا يتعلق ب «عسير» ، لأن ما قبل الموصوف لا تعمل فيه الصفة. فأما «إذا» في قوله: «فإذا نقر في الناقور» فالعامل فيه المعنى الذي دل عليه قوله: «يوم عسير» ، تقديره: إذا نقر في الناقور عسر الأمر فصعب، كما أن «لا بشرى يومئذ» يدل على «يحزنون» . ومن ذلك قوله تعالى: (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) «1» ، و (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) «2» ، و (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) «3» و (ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) «4» ، و (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) «5» كل هذا «ما» فيه منصوب بفعل الشرط الذي بعده، والفعل منجزم به. ومثله: (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) «6» ، «أيا» منصوب ب «تدعو» ، و «تدعو» منجزم به. ومنهم من قال: إن «أيا» ينتصب بمضمر دون «تدعو» ، لأن «تدعو» معموله، فلو نصبه وجب تقدير تقديمه. وأما قوله: (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) «7» ، فالتقدير: أي انقلاب ينقلبون، ف «منقلب» مصدر. و «أي» مضاف إليه، فيصير حكمه حكم المصدر، فيعمل فيه «ينقلبون» . ومن ذلك ما قيل في قوله تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) «8» .

_ (1) البقرة: 106. (2) البقرة: 272 و 273. (3) البقرة: 197 و 215، النساء: 127. (4) فاطر: 2. (5) سبأ: 39. (6) الإسراء: 110. [.....] (7) الشعراء: 227. (8) الأنعام: 110.

عن ابن بحر: إن فيه تقديماً وتأخيراً، والتقدير: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها والله مقلب قلوبهم في حال أقسامهم، وعالم منها بخلاف ما حلفوا عليه إذ هو مقلب القلوب والأبصار، عالم بما في الضمير والظاهر، وما يدريكم أنها إذا جاءت لا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة، أي: قبل الآية التي طلبوها (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) «1» . وحمله قوم على أن «الكاف» بمعنى «على» ، وآخرون على أنه بمعنى: من أجل، أي: من أجل ما لم يؤمنوا/ به أول مرة. ومن ذلك قوله: (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) «2» ، أي: ثبتت لهم دار السلام جزاء لعملهم، وهو أحسن من أن تعلقه بقوله: «وليهم» ، إنما يجازيهم بعملهم الجنة. ومثله: (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) «3» . ومن ذلك قوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً) «4» ، أي: على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً، ففصل وقدم وأخر. ويجوز أن يكون الواو واو الحال، فيكون «قيماً» حالاً بعد حال. ومن ذلك قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) «5» ، يكون التقدير: على قرية على عروشها، فيكون بدلاً، ويكون «وهي خاوية» بمعنى: خالية، والجملة تسدد الأول.

_ (1) الأنعام: 110. (2) الأنعام: 127. (3) الأحقاف: 14. (4) الكهف: 2. (5) البقرة: 259.

وأما قوله تعالى: (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) «1» ، التقدير: فمهما يكن من شيء فسلام لك من أصحاب اليمين إن كان من أصحاب اليمين، فقوله: «إن كان من أصحاب اليمين» مقدم في المعنى، لأنه لما حذف الفعل وكانت تلي الفاء «أما» قدم الشرط وفصل بين الفاء و «أما» به، وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل. ومن ذلك قوله: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) «2» . روي عن حمزة الزيات أنه قال في التفسير: فكيف تتقون يوماً يجعل الولدان شيباً إن كفرتم. قال أبو علي: أي: كيف تتقون عذابه أو جزاءه، ف «اليوم» على هذا اسم لا ظرف وكذلك: واتقوا يوماً يجعل الولدان شيباً، إن «اليوم» محمول على الاتقاء. «وقد قيل» : إنه على «إن كفرتم يوماً» فهذا تقديره: كفرتم بيوم، فحذف الحرف وأوصل الفعل. وليس بظرف، لأن الكفر لا يكون يومئذ، لارتفاع الشبه لما يشاهد. وقال الله تعالى: (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) «3» إلى قوله: (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا) «4» . قيل: الاستثناء من قوله: (أَذاعُوا بِهِ) فهو في نية التقديم. وقيل: هو من قوله: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ) «5» ، و «لولا» وجوابه اعتراض وقيل: بل هو مما يليه ويعني به: زيد بن عمرو بن نفيل، يبعث وحده.

_ (1) الواقعة: 90 و 91. (2) المزمل: 17. (5- 4- 3) النساء: 83.

ومنه قوله تعالى: (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) «1» . إن نصبت «أربعين» ب «يتيهون» كان من هذا الباب، وهو الصحيح. وقيل: بل هو متعلق ب «محرمة» ، والتحريم كان على التأبيد. ومن ذلك (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) «2» فيمن رفع «المثل» أنه صفة لل «جزاء» ، والمعنى: فعليه جزاء من النعم يماثل المقتول، والتقدير: فعليه جزاء وفاء اللازم له، أو: فالواجب عليه جزاء من النعم مماثل ما قتل من الصيد. ف «من النعم» على هذه القراءة صفة للنكرة التي هي «جزاء» وفيه ذكره، ويكون «مثل» صفة ل «الجزاء» ، لأن المعنى: عليه جزاء مماثل للمقتول من الصيد من النعم، والمماثلة في القيمة أو الخلقة، على حسب اختلاف الفقهاء في ذلك. ولا يجوز أن يكون قوله: «من النعم» على هذا متعلقاً في المصدر، كما جاز أن يكون الجار متعلقاً به في قوله: (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) «3» ، لأنك قد وصفت الموصول، وإذا وصفته لم يجز أن تعلق به بعد الوصف شيئاً كالعطف في التأكيد. وقيل: قوله: «من النعم» من صلة «ما قتل» وليس بوصف لل «جزاء» . وقيل: هو من صلة «يحكم» وإن تقدم عليه والجزاء يقوم في أقرب المواضع إلى القاتل عند أبي حنيفة، وعند الشافعي الجزاء من النظير، ولو كان من النظير لم يقل (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) «4» ولم يعطف عليه (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) «5» ، لأن ذلك إلى الحكمين، والنظير لا يحتاج فيه إلى ذلك.

_ (1) المائدة: 26. (5- 4- 2) المائدة: 95. (3) يونس: 27.

وأما قوله تعالى: (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) «1» ، و (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) «2» ، و (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) «3» فتبيين للظاهر وليس بصلة، لأنه لا تتقدم الصلة على الموصول. ومن ذلك قوله: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) «4» إلى قوله: (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) «5» ، «فتطردهم» جواب النفي في قوله: (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) «6» ، وقوله: «فتكون» جواب النفي في نية التقديم. ومن ذلك قوله: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ) «7» إلى قوله: (وَدَرَسُوا ما فِيهِ) «8» ، فقوله: «درسوا» عطف على «ورثوا» ، وكلتا الجملتين صفة لقوله: «خلف» . / وقوله: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ) «9» اعتراض بين الفعلين اللذين هما صفة «خلف» . ومن ذلك قوله: (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) «10» إلى قوله: (وَلِتَصْغى) «11» والآية بينهما اعتراض. ومن ذلك قوله: (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) «12» ، اللام متعلق بقوله: (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً) «13» ، أي: يحكم به ليذوق وبال أمره. فيكون قوله «هدياً» حالاً من الهاء المجرور بالباء،

_ (1) الأعراف: 21. [.....] (2) الأنبياء: 56. (3) يوسف: 20. (6- 5- 4) الأنعام: 52. (9- 8- 7) الأعراف: 169. (10) الأنعام: 112. (11) الأنعام: 113. (13- 12) المائدة: 95.

وقوله «أو كفارة» عطف على «جزاء» ، و «طعام» بدل منه، أو «عدل ذلك» عطف على «كفارة» والتقدير: فجزاء مثل ما قتل من النعم، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياماً يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة ليذوق وبال أمره. ومن ذلك: (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) «1» . «يوم» ظرف لقوله: «له» ، ويجوز أيضاً أن يتعلق بالمصدر الذي هو «الملك» فيكون مفعولاً به، كأنه: يملك ذلك اليوم، كما قال: (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) «2» . وقوله: (عالِمُ الْغَيْبِ) «3» فيمن جر، وهي رواية عن أبي عمرو، نعت لقوله: (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) «4» . ومن رفع «عالم» فهو رفع بفعل مضمر، أي: ينفخ فيه عالم الغيب، كقوله: (رِجالٌ) «5» بعد قوله: (يُسَبِّحُ) «6» . ومن ذلك قوله: (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) «7» نصب عطف على قوله: (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) «8» ، تقديره: (ومغانم أخرى) نظيره: (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) «9» والتقدير: على تجارة «10» تنجيكم وتجارة أخرى. وإن شئت كان التقدير: ولكم تجارة أخرى تحبونها. ثم قال: (نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ) «11» أي: هى نصر.

_ (1) الأنعام: 73. (2) الفاتحة: 4. (3) الأنعام: 73. (4) الأنعام: 71. (5) النور: 37. (6) النور: 36. (7) الفتح: 21. [.....] (8) الفتح: 20. (11- 9) الصف: 13. (10) يريد قوله تعالى في الآية العاشرة من هذه السورة- سورة الصف- (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ) .

ومن ذلك قوله: (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) «1» . قال: معمر: التقدير: وجاءتهم رسلهم بالبينات من العلم. ومن ذلك قوله: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) «2» إلى قوله: (لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ) «3» قال أبو الحسن: اللام من صلة «كف» ، ولو قال: متعلق بمضمر دل عليه «كف» لم يكن فصلاً بين الصلة والموصول وكان أحسن. ومن ذلك قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ) «4» . قال أبو علي: الظرفان صفة للنكرة متعلقان بمحذوف، والشهادة من الله هي شهادة يحملونها ليشهدوا بها، كما قال: (فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) «5» ، فإنه يجوز أن يكون التقدير: إن أحوالهم ظاهرة وإن كتموها، كما قال: (لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) «6» ، فإذا لم يتعلق ب «كتم» تعلق ب «الشهادة» ، وتعلقه به على وجوه: فإن جعلت قوله: «عنده» صفة للشهادة لم يجز أن يكون «من الله» متعلقا ب «شهادة» ، لأنه فصل بين الصلة والموصول، كما انك لو عطفت عليه كان كذلك. ويجوز أن تنصب «عنده» لتعلقه ب «شهادة» ، فإذا فعلت ذلك لم يتعلق به «من الله» لأنه لا يتعلق به ظرفان. وإن جعلت «عنده» صفة أمكن «من الله» حالاً عما فى «عنده» ،

_ (1) غافر: 83. (3- 2) الفتح: 24: 25. (4) البقرة: 140. (5) آل عمران: 81. (6) غافر: 16.

فإذا كان كذلك وجب أن يتعلق بمحذوف في الأصل، والضمير العائد إلى ذي الحال هو في الظرف الذي هو «من الله» . ويجوز أن تجعل الظرفين جميعاً صفة للشهادة. وقيل في قوله: (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) لا يَذُوقُونَ) «1» تقديره: لا يذوقون أحقاباً، فهو ظرف ل «لا يذوقون» ، وليس بظرف ل «لابثين» ، إذ ليس تحديداً لهم، لأنهم يلبثون غير ذلك من المدد، فهو تحديد لذوق الحميم والغساق. ومن ذلك قوله: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) «2» . عند الأخفش على تقدير: وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغياً بينهم. ولا يلزم قول ابن جرير، لأن «من» فى قوله «من بعد» يتعلق ب «ما اختلف» لا المصدر، والفصل بين المفعول له والمصدر، لأن المفعول له علة للفعل، والمصدر اختلف فيه الأصحاب. بيض الموضع أبو علي في الكتاب. ومن ذلك قوله: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) «3» إلى قوله: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) «4» جر «المسجد» عندنا محمول على «الشهر» ، والتقدير: يسألونك عن قتال في الشهر الحرام والشهر الحرام، لأن القتال كان حقه عند المسجد. / وقوم يحملونه على الباء في قوله «كفر به» ، والمضمر المجرور لا يحمل عليه المظهر حتى يعاد الجار.

_ (1) النبأ: 23 و 24. (2) آل عمران: 19. (4- 3) البقرة: 217.

وأبو على يحمله على المصدر، والتقدير: وصد عن سبيل الله وعن المسجد، ووقع الفصل بالمعطوف، وهو قوله «وكفر به» بين الصلة والموصول، وهذا لا يجوز. وقد ذكر ... «1» هو في مواضع أشياء أبطلها بمثل هذا القول، حتى إنه قال في قوله: (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) «2» لا يكون «أو يرسل» عطفا على «وحيا» ، وقد علقت «أو من وراء حجاب» بمضمر، لأنك فصلت بين المعطوف على الوصول بما ليس من صلته. وقد تقدم هذا. ومن ذلك قوله: (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) «3» . ويجوز أن يكون من صلة «تتفكرون» . وقيل في قوله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) «4» . قيل: فيه تقديم وتأخير، والتقدير: إنه كان فاحشة إلا ما قد سلف، فصار فاحشة بعد نزول الفاحشة. وقيل: إنها نزلت في قوم كانوا يخلفون الآباء على نسائهم، فجاء الإسلام بتحريم ذلك، وعفا عما كان منهم في الجاهلية أن يؤاخذوا به إذا اجتنبوه فى الإسلام. وقيل: التقدير: ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم، ف «ما» مصدرية، و «من» صلة «تنكحوا» . وقيل: الاستثناء منقطع، أي: لكن ما قد سلف في الجاهلية، وإنه معفو عنه.

_ (1) مكان هذه النقط بياض الأصل (2) الشورى: 51. (3) البقرة: 219 و 220. [.....] (4) النساء: 22.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) «1» . قالوا: فيه قولان: أحدهما: «ما» بمعنى: «من» ، وهو قبيح. والآخر: أن تكون صفة «كل» ، والفصل لا يمنع كما لم يمنع (أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «2» و (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «3» و (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) «4» وأما قوله: (ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) «5» . لا يكون الباء من صلة «قلته» ، لأنه لا يتقدم على الشرط ما في حيزه، ولا يكون للقسم، لأنه لا لام مع «إن» ، ولا مع «قد» والقسم يوجب ذلك، نحو: والله لئن تأت لأقومن، فهو من صلة الظرف الذي قبله. ومن ذلك قوله: (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) «6» إلى قوله: (مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) «7» يجوز في موضع «الحوايا» وجهان: أحدهما: إنه رفع، عطف على «الظهور» ، بتقدير: أو ما احتملت الحوايا. والثاني: النصب، / بمعنى العطف على «ما» فى «إلا ما حملت» ، وموضع «ما اختلط» نصب، لأنه معطوف على «ما» الأولى. وقال قوم: حرمت عليهم الثّروب وأحل لهم ما حملت الظهور، فصار قوله (الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) «8» نسقا على «ما حرم» لا على الاسم

_ (1) النساء: 33. (2) الأنعام: 14. (3) إبراهيم: 10. (4) المائدة: 48. (5) المائدة: 116. (8- 7- 6) الأنعام: 146.

المعنى على هذا للقول: أو حرمنا عليهم شحومهما، أو الحوايا، أو ما اختلط بعظم، إلا ما حملت ظهورهما فإنه غير محرم، ودخلت «أو» على طريق الإباحة. ومن ذلك قوله: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) «1» . قال مجاهد: فيه تقديم وتأخير، والتقدير: لآتينهم من بين أيديهم وعن أيمانهم حيث ينظرون، ومن خلفهم وعن شمائلهم من حيث لا ينظرون. وقال أبو علي: أي: أسول لهم تسويلاً وأغويهم إغواء أكون به كالغالب لهم المستولي عليهم، لأن من أوتي من هذه الجهات فقد أحيط به، ومن أحيط به فقد استولى عليه. وقيل: من بين أيديهم أشككهم في أخراهم، ومن خلفهم أرغبهم في دنياهم، وعن أيمانهم، أي: من قبل حسناتهم، وعن شمائلهم: من قبل سيئاتهم. عن ابن عباس. ويقال: لم دخلت «من» فى الخلف والقدام، و «عن» في اليمين والشمائل؟ والجواب: لأن في الخلف والقدام معنى طلب النهاية، وفي اليمين والشمال الانحراف. قال أبو عيسى: لم يقل: «من فوقهم» ، لأن رحمة الله تنزل عليهم من فوقهم ولم يقل: «من تحت أرجلهم» ، لأن الإتيان منه موحش.

_ (1) الأعراف: 17.

ومن ذلك قوله: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) «1» . قال ابن عباس: في الآية تقديم وتأخير، والتقدير: لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، وإن كان موجزاً في اللفظ. وقيل: هو على حذف المضاف، أي: يعذبهم بمصائبها التي تصيبهم وقيل: بزكاتها وقيل: بغنيمتها وسبي الأولاد، لأنه قيل: «الهاء» للأولاد، لقوله: (انْفَضُّوا إِلَيْها) «2» . وقيل: يعذبهم الله بجمعها والبخل بها. ومن ذلك قوله: (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) «3» إلى قوله: (لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) «4» . اللام من صلة «أسكنت» وهو في نية التقديم، والفصل بالنداء غير معتد به. (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) «5» . فإنه في المعنى في نية التقديم والتأخير، والتقدير: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر. ولكنه يمنع من ذلك شيء، وهو «من قبل» لأنه لا يعمل فيما بعده إذا تم الكلام قبله، ولكنه يحمله على مضمر دل عليه الظاهر، أي: أرسلناهم بالبينات. ومن ذلك قوله تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) «6» ، جوز: إما أن يكون «يوم نطوي» منصوبا ب «نعيده» ، أو بدل من الهاء في (كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) «7» ، ولم يجز أن يكون منصوبا ب «هذا يومكم» «8» كقوله:

_ (1) التوبة: 55. (2) الجمعة: 11. (4- 3) إبراهيم: 37. (5) النحل: 43 و 44. (6) الأنبياء: 104. (8- 7) الأنبياء: 103. [.....]

أيام فارس والأيام من هجرا «1» لأنه اليوم بعينه، ولا معنى لفعل فيه. ومن ذلك قوله: (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ) «2» ، و (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) «3» . العامل فى «إذا» (إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) «4» و (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) «5» الفعل والفاعل، و «إذا» للمفاجأة، وهو الناصب للجار والمجرور، أعنى: حتى إذا فتحنا، و: حتى إذا أخذنا، كما تقول: يوم الجمعة عندك زيد، ولا تنصب «إذا» الأولى بما بعد «إذا» الثانية، لأن الثانية كالفاء، فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها. ومن ذلك قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) «6» . إن جعلت «ما» استفهاما كان مفعولا مقدما لقوله «يدعون» ، عن الخليل، لمجى «من» بعده، وإن جعلته بمعنى «الذي» ، كان منصوبا ب «يعلم» ، أي: أعلم الذين تدعونه فلا تعلم ما أخفى لهم من قرة أعين، فيكون استفهاما، ويكون موصولا. وأما قوله: (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) «7» يكون حالا من الضمير فى «دعاكم» . ولا يتعلق ب «تحرجون» لأن ما لا في حيّز المضاف لا يتقدم عليه. ومن ذلك قوله: (فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) «8» . التقدير: فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة. وهو قول أبى الحسن. يدل عليه قوله: (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) «9»

_ (1) عجز بيت للفرزدق، ويروى للأخطل، صدره: منهن أيام صدق قد عرفت بها (الكتاب 2: 23) . (2- 4) المؤمنون: 77. (3- 5) المؤمنون: 64. (6) العنكبوت: 42. (7) الروم: 25. (8) محمد: 18. (9) الدخان: 13.

فى الأخرى، وفيما ذكر من وصف هذا اليوم، فى نحو قوله: (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ) «1» . وقوله: (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) «2» ونحوها من الآي المتضمّنة صعوبة الأمر دلالة على التذكّر لا يكون فيه، لما يدهم الناس ويغشاهم. ومن ذلك قوله: (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) «3» . أي: فبشّرناها/ بإسحاق فضحكت. ومنه قوله: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) «4» . «أجل» معطوف على «كلمة» فى نية التقديم. ومنه قوله: (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها) «5» . أي: فعقروها فكذبوه. ومن ذلك قوله: (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) «6» أي: تدلّى فدنا. وقيل: قرب من الأفق إلى سماء الدنيا فتدلّى إلى الأرض، وكل من استرسل من علو إلى سفل فقد تدلى، تشبيها بإرسال الدّلو في البئر. ومن ذلك قوله: (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) «7» . إن جعلت «ما» صلة تعلق قوله «فى أي صورة» ب «ركبك» ، و «شاء» صفة للصورة، أي: شاءها، ولا يكون «ما» شرطا. وإن تعلق الجار ب «ركبك» . لأنك تقول «زيدا إن تضرب اضرب، فتنصب ب «أضرب» . وقيل: «فى» بمعنى «إلى» . فيتعلق ب (فَعَدَلَكَ) «8» ، أي: عدلك إلى أي صورة، أي: صرفك.

_ (1) الحج: 2. (2) المزمل: 17. (3) هود: 71. (4) طه: 129. (5) الشمس: 14. (6) النجم: 8. (7) الإنفطار: 8. [.....] (8) الإنفطار: 7.

وأما قوله: (لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا) «1» أولى أن الفعل من غير فصل، وليس هذا كقوله: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) «2» ، لأن «ليس» ليست لها قوة الفعل، ولكنه يكون «لا» المركبة مع «لو» عوضاً من الفصل، وإن تقدمت، كما كان عوضاً من التوكيد في قوله: (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) «3» ، وإن كانت بعد حرف العطف زائدة عن موضع التوكيد في الحاشية. قال عثمان: راجعته في هذا فقلت: ولم جعلت «أن» مخففة من الثقيلة، وما أنكرت أن تكون هي الخفيفة الناصبة للفعل؟ فتفكر ملياً ثم جوزه. ومن التقديم والتأخير قول الكوفيين: نعم زيد رجلا. واستدلوا ب (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) «4» . قال: وقد يكون التقدير على غير ما قالوا، لأن «نعم» غير متصرف. ومن ذلك: (حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) «5» إلى قوله: (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) «6» هو جواب القسم. فأما قوله: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) «7» اعتراض ليس بجواب، لأنه صفة القرآن، وليس من عادتهم أن يقسموا بنفس الشيء إذا أخبروا عنه، فهو معترض بين القسم وجوابه.

_ (1) القصص: 82. (2) النجم: 39. (3) الأنعام: 148. (4) النساء: 69. (5) الدخان: 1 و 2. (7- 6) الدخان: 3.

ومن ذلك قول الفراء في قوله: (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) «1» قال: وعذبناها في الدنيا وحاسبناها في الآخرة وأما قوله: (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) «2» فإن الجار يجوز تعلقه بشيئين: بالأخذ والعزة فإن علقته ب «الأخذ» كان المعنى: أخذه بما يؤثم، أي: أخذه بما يكسبه ذلك. والمعنى، أنه للعزة يرتكب ما لا ينبغي أن يرتكبه بما يؤثمه. وكأن العزة حملته على ذلك وقلة الخشوع. وقد يكون المعنى الاعتزاز بالإثم، أي: مما يعتز بإثمه فيبعده مما يرضاه الله. ومن ذلك قوله: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) «3» . قال أبو الحسن: عني به الشياطين. وقوله: (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) «4» ، عني به الناس. الطبري: هذا المخالف لقول جميع أهل التأويل، لأنهم مجمعون أن قوله (وَلَقَدْ عَلِمُوا) «5» يعني به اليهود دون الشياطين، وهو خلاف ما دل عليه التنزيل، لأن الآيات قبل قوله وبعد قوله: (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) «6» جاءت بذم اليهود، فقوله (لَمَنِ اشْتَراهُ) «7» مثله، ومعناه التقديم، والتقدير: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق. وقال بعضهم: نفي عنهم العلم بعد أن أثبته لهم لأنهم علموا ولم يعلموا.

_ (1) الطلاق: 8. (2) البقرة: 206. (7- 6- 5- 4- 3) البقرة: 102.

ومن ذلك قوله: (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) «1» . أي: وادعوا شهداءكم، ولن تفعلوا، واتقوا النار. ومن هذا الباب عندى دون سائر النحويين: قوله: (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) «2» . وقوله: (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) «3» . وقوله: (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) «4» ف «إذا» فى هذه الآي محمول على ما بعد «إن» ، وجاز ذا لأنه ظرف. وقد تصالح الأستاذ والغلام «5» على أن الظرف يعمل فيه الوهم ورائحة الفعل، وحكى عنه ذلك في مواضع، ولكنهم تعاضدوا في هذه الآي وأجمعوا أن ذا محمول على مضمر دون ما بعد «إن» . وقد قال «6» سيبويه في ذلك: وسألت الخليل عن قوله: أحقا إنك لذاهب؟ فقال: لا يجوز كما لا يجوز: يوم الجمعة إنه لذاهب. قال أبو سعيد: لأن «أحقا» ، و «يوم الجمعة» في مذهب الظرف، ولا يجوز نصبهما بعد «إن» لأنه لا يعمل فيما قبل «إن» ما بعدها، وإنما تنصبها كما تنصب «خلفك زيد» ، ولا يجوز: «خلفك إن زيدا ذاهب» ، وإنما يقال: خلفك زيد ذاهب، كما تقول: خلفك ذهاب زيد، فإذا لم يجز: خلفك إن زيدا: ذاهب. فقولك: خلفك إن زيدا لقائم، أبعد في الجواز، لمنع اللام من اتصال ما قبلها بما بعدها، ولا يجوز أيضا: أحقا إنه لذاهب، صح بفتح «أن» مع اللام، لأن «اللام» يوجب أن ما بعدها جملة مستأنفة.

_ (1) البقرة: 23 و 24. (2) الرعد: 5. (3) سبأ: 7. (4) العاديات: 9. [.....] (5) يريد: الخليل وسيبويه، وقد صرح باسميهما بعد قليل. (6) الكتاب (1: 47) .

وهذا الفصل نقله أبو علىّ بهذا اللفظ من كلام أبى سعيد، وجروا عن آخرهم على هذا، ونسى أبو علىّ هذا الفصل في قوله: ولو شهدت أم القديد طعاننا ... بمرعش خيل الإرمنى أرنّت «1» فى كلام طويل حكاه عن أبى علىّ، وأن «خيل الإرمنى» منصوب ب «طعاننا» ، و «الباء» متعلق بمحذوف حالا من «نا» فى «طعاننا» ، أو من نفس المصدر، والفصل به كلا فصل، لأنه ظرف. وقال في بعض كلامه: (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) «2» . قال «3» فى بعض المواضع: قياس قول سيبويه أنه يكون انتصاب «جميعا» كانتصاب «أرخص» ، فى قولهم: البر أرخص ما يكون قفيزان. ويجعل «الأرض» «القبضة» على الاتساع، فلا يحمله على حذف المضاف، أي: ذات قبضته، لأن ما يتعلق بالمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، إلا أن يحمل الكلام على المعنى، لأن المعنى: ذات قبضته متذللة منقادة، فيكون كقوله: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ) «4» ويجوز أن يكون «الأرض» مرتفعا بالابتداء، و «قبضته» مبتدأ ثان، لأن القبضة ليست بالأرض، و «جميعا» منتصب، ب «إذا يكون» ، كأنه: والأرض قبضته إذا يكون جميعا ف «إذا» خبر عن القبضة لأنه مصدر، وقدم خبر المبتدأ، مثل قولك: ويوم الجمعة القتال. وقال في «التذكرة» : لا يجوز أن يكون «جميعا» منصوبا على تقدير: إذا

_ (1) البيت لسيار بن قصير الطائي. ومرعش: من ثغور إرمينية. وأرنت: صوتت. (الحماسة 1: 161- معجم البلدان: مرعش- لسان العرب: رعش) . (2) الزمر: 67. (3) الكتاب (1: 199) . (4) الفرقان: 22.

كانت جميعا، لأن «إذا» تبقى غير متعلقة بشيء لأن القبضة مصدر، فلا تعمل فيما قبلها، ولكنه على أن تجعل المصدر، يعني «المفعول» ، أي: المقبوض، والمفعول ينصب ما قبله، وإن لم يعمل المصدر فيما قبله. «ومثل القبضة» : «القسمة» في نحو قوله: (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى) «1» ، لقوله: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) «2» ، أي: من المقسوم، لأن الرزق لا يكون [القسمة] «3» . هذا كلامه في هذه الآية. وقال في الظرف في قوله: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) «4» : إنه متعلق بمعنى «إله» ، كقوله: «كل يوم لك ثوب» ، ولم يلتفت إلى معنى: إله ذو العبادة، وأن المتعلق بالمضاف إليه لا يتقدم على المضاف. ولعله جعله بمعنى «مألوه» من أن «القبض» بمعنى «المقبوض» . فإن راجعنا درس «الكتاب» وحضرتنا نكتة تدفع الفصل أخبرناك بها إن شاء الله. وقد بلغ من أمرهم ما هو أشد من هذا، فقالوا: لا يجوز: زيداً ما ضربت، على تقدير: ما ضربت زيداً، لأنه نقيض قولهم: إن زيداً قائم: فتقول: ما زيد قائم، ألا ترى أن «ما» يكون جواباً للقسم في النفي كما يكون جواباً في الإيجاب فلما صارت بمنزلة «إن» لم يعمل ما بعدها فيما قبلها. ثم إنهم قالوا في قوله: (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) «5» : ويجوز أن تكون، ما «نافية» ، و «قليلا» نصب ب «يهجعون» ، لأنه ظرف، والظرف يكتفى فيه برائحة الفعل، أي: ما كانوا يهجعون من الليل. فقد حصل من هذا كله أن الحارثي يسوي بين الظرف وبين الاسم

_ (2- 1) النساء: 8. (3) تكملة يقتضيها السياق. (4) الزخرف: 84. (5) الذاريات: 17.

المحض فلا يعمل ما بعد «إن» فيما قبل «إن» ، سواء كان ظرفاً أو اسماً محضا، فعلى هذا قوله: (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) «1» ، لا يتأتى إعمال قوله «في شأن» في قوله: «كل يوم» على قول الحارثي، وإن كان ظرفاً، لأن الظرف والاسم الصريح عنده سيان، فجاء من هذا أن قوله: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) «2» كقولهم: زيداً أجله أحرز، فتنصب «زيدا» ب «أحرز» ، للفصل بين المعمول والعامل بالمبتدأ، وهو أجنبي، وكما لا يجوز: زيداً أجله أحرز، وجب ألا يجوز «كل يوم هو في شأن» أن تنصب «كل» ب «في شأن» . لأنه مثل «أجله» في المسألة، فلهذا اضطرب كلام الأستاذ وغلامه فيما أنبأناك به. والله أعلم. وأما قوله: (وَثَمُودَ فَما أَبْقى) «3» فتحمله على مضمر، أو على قوله: (أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) «4» ، لا تحمله على «أبقى» . ومثل الآي المتقدم ذكرها: (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) «5» لا تحمله على قوله «إنا منتقمون» لما ذكرنا، وإنما تحمله على مضمر. وأما قوله: رأسها ما تقنع فالنصب على أن يكون مفعول «تقنع» على هذه القاعدة خطأ، والصحيح رواية من رواه بالرفع على تقدير: ورأسها ما تقنعه، فحذف الهاء. كقراءة ابن عامر: (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى) «6» أي: وعده الله. ومن ذلك قوله: (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) «7» «فبصائر» حال من «هؤلاء» ، وقد أخّره عن الاستثناء.

_ (2- 1) الرحمن: 29. (3) النجم: 51. (4) النجم: 50. (5) الدخان: 16. [.....] (6) النساء: 95. (7) الإسراء: 102.

وهم يقولون: ما قبل «إلا» لا يعمل فيما بعده، إذا كان الكلام تاما. وحدثتك غير مرة ما زعم أن «بادئ الرأى» محمول على الظرف، لأن الظرف يعمل فيه الوهم. فربما يقول هنا: إن الحال يشبه الظرف. وقد بيّنا شبهه بالظرف فيما سلف. ومن التقديم والتأخير قوله: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) «1» ، تقديره: ثم صرفكم عنهم ليبتليكم وليبتلى الله ما في صدوركم، فيكون كقوله: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) «2» ، وقوله: (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) «3» . هذا كله على أفعال مضمرة. قد ذكرناه في حذف الجمل ولم نحكم بزيادة الواو. ومن ذلك قوله تعالى: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) «4» . والتقدير: إلى أجل مسمى إلى البيت العتيق، ثم محلها، ف «إلى» الأولى تتعلق بالظرف، أعنى: «لكم» و «إلى» الثانية متعلقة بمحذوف فى موضع الحال «من منافع» ، أو من الضمير، أي: واصلة إلى البيت العتيق، «ثم محلها» ، أي: محل نحرها. قال مجاهد: ثم محل البدن والهدايا إلى البيت العتيق إلى أرض الحرم، فعلى هذا لا تقديم ولا تأخير. وقيل: معناه: ثم محلكم أيها الناس من مناسك حجكم. وعن أبى موسى: محل هذه الشعائر كلها الطواف بالبيت. وقيل: ثم محلها منافع أيام الحج إلى البيت العتيق بانقضائها. روى ذلك ابن وهب.

_ (1) آل عمران: 154. (2) البقرة: 185. (3) مريم: 21. (4) الحج: 33.

عن ابن زيد: محلها حتى تنقضى تلك الأيام، يعنى أيام الحج إلى البيت العتيق. ومقتضى هذه الأقاويل غير ما قدمنا أن يكون قوله: «إلى البيت» متعلقا بخبر المبتدأ، أي: محلها منتهى إلى البيت، أو يكون «إلى» زيادة، ولم نعلمها جاءت زيادة في موضع. والله أعلم. ومن ذلك ما قاله الجرجاني «1» فى قوله تعالى (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) «2» . قال: التقدير: والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض وفرحوا بالحياة الدنيا، وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع، أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار، وقوله تعالى (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) «3» عارض بين الكلام وتمامه. والصواب أنه يكون: إنه لما بسط الله الرزق لقوم فرحوا بهذا البسط، أي: حملهم على المرح، وهو كثير. وأنشد سيبويه: وما مثله في النّاس إلا مملّكا ... أبو أمه حىّ أبوه يقاربه «4» تقديره: وما مثله في الناس حىّ يقاربه إلا مملكا أبوه، وذلك أن الفرزدق مدح هشام بن إسماعيل المخزومي، فقال: وما مثله- أي هشام المخزومي- فى الناس حى يقاربه إلا مملكا- يعنى هشام بن عبد الملك- أبو أمه- أي: أبو أمه هذا الخليفة هشام بن عبد الملك- أبو هشام بن إسماعيل المخزومي، وذلك أن إسماعيل أب المخزومي جد الخليفة هشام بن عبد الملك من قبل أمه، وأمه عائشة بنت هشام بن إسماعيل المخزومي،

_ (1) الجرجاني: علي بن عبد العزيز، وله «تفسير القرآن» . توفي سنة 366 هـ. (3- 2) الرعد: 26. (4) البيت للرزدق (الكتاب 1: 14) .

فهشام الممدوح خال هشام الخليفة، وأبو أم الخليفة أبو الممدوح، ف «حي» اسم «ما» ، و «يقاربه» صفته، وفصل بين الصفة والموصوف بخبر المبتدأ، وهو «أبو أمه» مع خبره في موضع النصب ل «مملك» ، وقدم المستثنى وهو «مملكاً» على المستثنى منه وهو «حي» ، وأنشدوا للقلاخ: وما من فتى كنا من الناس واحداً ... به نبتغي منهم عميدا ًنبادله قال البياني «1» : هذا كلام مستكره، وتلخيصه: فما كان أريب فتى، وذلك من شرط المرتبة. والفصل بينهما وبين المدح، أعني إدخال كان فيها، فحذفها واكتفى منها بقوله «كنا» ، و «من» لغو، كقولك: ما رأيت أحداً، وما رأيت من أحد كنا من الناس واحداً، أي: كنا نبغي عميداً أو أحداً من الناس نبادله به. والمعنى: لا أحد أفتى وأسود نتمناه مكانه. والقلاخ بن حزن بن جناب العنبري، نصري، عمر عمراً طويلاً في الإسلام، والقلاخ مأخوذ من «القلخ» ، وهو رغاء من البعير فيه غلظ وخشونة، وأحسبه لقباً. والله أعلم. وله مع معاوية بن أبي سفيان خبر يذكر فيه أنه ولد قبل مولد النبي صلى الله عليه وعلى آله. قال عثمان: في البيت فيه أشياء في التقديم والتأخير، وذلك أنه أراد: فما من الناس فتى كنا نبتغي منهم واحداً عميداً نبادله به. ولا يحسن أن يكون «واحداً» صفة ل «عميد» من حيث لم يجز أن تقوم الصفة على موصوفها، اللهم إلا أن يعتقد تقديمه عليه، على أن

_ (1) البياني: قاسم بن أصبغ. توفي سنة 304 هـ.

يجعله حالاً منه، فقوله «من الناس» خبر من «فتى» ، وقد فصل بينهما ببعض صفة الفتى، وهو قوله «كنا» ، ويجوز أن «من الناس» صفة أيضاً ل «فتى» على أن يكون خبر «فتى» محذوفاً «أي «ما في الوجود أمر في المعلوم أو نحو ذلك: فتى من أمره ومن شأنه. ويجوز أن يكون نصب «واحدا» ب «ينبغى» ، و «عميدا» وصف له، وقدم «واحداً» وهو مفعول «ينبغي» عليه، وقدم «به» وهو متعلقه بقوله «نبادله» ، وهو صفة ل «عميد» هي. ولا يجوز تقديم «ما» فى الصفة على موصوفها، لو قلت: عندي زيداً رجل ضارب، وأنت تريد: عندي ضارب زيداً، لم يجز، وذلك أنه إنما يجوز وقوع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل، والعامل هنا هو الصفة، ومحال تقديمها على موصوفها، فإذا لم يجز ذلك أضمرت «للناس» مما يتعلق به مما يدل عليه. قوله «نبادله» ، هنا بمعنى نبدله، وقع فاعل موقع أفعل، كقولهم: عافاه الله، أي أعفاه، وطارقت النعل، أي أطرقتها، وجعلت لها طرقاً. ويجوز أن يكون «به» متعلقة ب «نبتغي» ، كقولك. طلبت بهذا الثوب مائة درهم، وأردت فيما بعت، نبادله به، فحذفت الثانية لمجيء لفظة الأولى.

الباب الثامن والثلاثون

الباب الثامن والثلاثون هذا باب ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل الذي يتوهم فيه جريه على غير من هو له، ولم يبرز فيه الضمير، وربما احتج به الكوفي، ونحن لا نجيز ذلك لأنا نقول: أن اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له خبراً أو صفة أو حالاً أو صلة وجب إبراز الضمير فيه فمن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خالِدِينَ فِيها) «1» . فقوله «خالدين» حال من المجرور ب «على» ، أي: أولئك عليهم لعنة الله خالدين فيها، فقد جرى على غير من هو له، فلم يبرز فيه الضمير. ومن قال: إنه حال من «اللعنة» لمكان الكناية المتصلة به وهو «فيها» لم يصح، لأنه حينئذ جرى على اللعنة والفعل لغيرها، فوجب أن يبرز فيه الضمير، وكان يجيء: خالدين فيها هم. ومثله: (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها) «2» ، هو على هذا الخلاف. ومثله: (يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) «3» ، لا يكون «خالداً فيها» صفة للنار، لأنه لم يقل: خالداً فيها هو، وإنما حال من الهاء في «يدخله» ، أي: يدخله ناراً مقدراً الخلود فيها، كما قال: (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) ، «4» أي: مقدراً الضحك من قولها.

_ (1) البقرة: 161. (2) آل عمران: 87. (3) النساء: 14. (4) النمل: 19. [.....]

وأما قوله: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) «1» لا يكون «خالداً» حالاً من الهاء في «جزاؤه» لأنه أخبر عن المصدر بقوله «جهنم» ، فيكون الفصل بين الصلة والموصول، ولا يكون حالاً من «جهنم» لمكان «فيها» ، لأنه لم يبرز الضمير، ألا ترى أن الخلود ليس فعل «جهنم» ، فإذا هو محمول على مضمر، أي: يجزاه خالداً فيها. ونظيره في «الحديد» : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) «2» . وقال: (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) «3» . قال أبو علي: بشراكم اليوم جنات، أي: حلول جنات، أو: دخول جنات لأن البشرى حدث، والجنة عين، ولا تكون هي هي، وإذا كان كذلك لم تخل «خالدين» من أن تكون حالاً من «بشراكم» ، أو من المصدر المحذوف في اللفظ المراد في المعنى، فلا يجوز أن يكون من «بشراكم» على معنى: تبشرون خالدين، لئلا يفصل بين الصلة والموصول فإذا كان كذلك قدرت الحال من «الدخول» المحذوف من اللفظ المثبت في التقدير، ليكون المعنى عليه، كأنه: دخول جنات خالدين، أي: مقدرين الخلود مستقبلاً، كقوله: (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) «4» . فإن قلت: فهل يجوز أن يكون الحال مما دل عليه البشرى، كما كان الظرف متعلقاً بما دل عليه المصدر، في قوله تعالى: (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) «5» كأنهم يبشرون خالدين فالقول: إن ذلك لا يمتنع

_ (1) النساء: 93. (2) الحديد: 12. (3) البينة: 8. (4) الزمر: 73. (5) غافر: 10.

فيما ذكرت من الظرف، إذ كان الظرف أسهل من الحال، ألا ترى أن الحال هو المفعول به في المعنى، فلا يحسن أن يعمل فيه ما لا يعمل في المفعول به، ومن ثم اختلفا في امتناع تقديم الحال إذا كان العامل فيها بمعنى، ولم يمتنع ذلك في الظرف وقد جعلنا الظرف متعلقاً «بالبشرى» وإن لم تقدره كذلك، ولكن إن جعلت الظرف خبراً جاز ذلك، ويكون «جنات» بدلاً من «البشرى» ، على أن حذف المصدر المضاف مقدر، ويكون «خالدين» على الوجهين اللذين تقدم ذكرهما. ومثله في «التغابن» : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) «1» . «خالدين» حال من الهاء العائدة إلى «من» ، وحمل على المعنى فجمع. ومثله في «الطلاق» : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً) «2» . وفي «التوبة» موضعان: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) «3» ، وبعده: (وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) «4» . وفي «آل عمران» : (الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا) «5» . وفي «النساء» : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) «6»

_ (1) التغابن: 9. (2) الطلاق: 11. (3) التوبة: 89. (4) التوبة: 100. (5) آل عمران: 198. (6) النساء: 57 و 122.

وفي «المائدة» : (فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) «1» . «خالدين» حال من المفعول دون جنات. وفي «التوبة» : (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) «2» . فهذا ونحوه على الخلاف الذي قدمناه. قال: (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) «3» . ف «ماكثين» «4» حال من الهاء والميم، وعندهم صفة ل «الأجر» . فأما قوله: (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) «5» ، أي: ما الماء ببالغ فيه. وإن شئت: ما فوه ببالغ الماء ولا يكون: وما فوه ببالغه الماء، ويكون الضميران ل «فيه» ، وفاعل «بالغ الماء» لأنه يكون جارياً على «فيه» وهو للماء، والمعنى: إلا كاستجابة كفيه إلى الماء، وكما أن (بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) «6» و (مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) «7» لم يذكر معهما الفاعل، واللام متعلق ب «البسط» . فأما قوله: (وَما هُوَ بِبالِغِهِ) ، أي: ما الماء بالغ فاه من كفيه مبسوطتين. ويمكن أن يكون «هو» في قوله: «وما هو ببالغه» ضميراً ل «باسط» ، أي: ما الباسط/ كفّيه إلى الما بالبالغ الماء، أي: ليس ينال الماء بيده،

_ (1) المائدة: 85. (4- 2) التوبة: 72. (3) الكهف: 3. [.....] (5) الرعد: 14. (6) ص: 24. (7) فصلت: 49.

فإذا لم ينل الماء لبعده عنه مع بسطه الكفين، فأن لا يبلغ فاه، مع هذه الصورة على الامتناع، أولى. وقيل: إن الذي يدعو الماء ليبلغ إلى فيه، وما الماء ببالغ إليه. وقيل: إنه كالظمآن يرى خياله في الماء، وقد بسط كفيه ليبلغ فاه، وما هو ببالغه، لكذب ظنه وفساد توهمه. عن ابن عباس. وقيل: إنه كباسط كفيه إلى الماء ليفيض عليه، فلا يحصل في كفيه شيء منه. وعن الفراء: إن المراد بالماء هاهنا البئر، لأنها معدن للماء، وإن المثل: كمن مدّيده إلى البئر بغير رشاء. وأما قوله تعالى: (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) «1» . فقد قال الفراء: إن «خاضعين» جرى حالاً عن المضاف إليهم دون الأعناق، فجمع جمع السلامة، ولو جرى على «الأعناق» لقيل: خاضعة. وليس الأمر كما قال لأنه لم يقل: خاضعين هم، ولكن الأعناق بمعنى الرؤساء. وإن شئت كان محمولاً على حذف المضاف، أي: فظلت أصحاب أعناقهم، فحذف المضاف. وأما قوله: (إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) «2» . فهو نصب على الحال من الضمير في قوله: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) «3» ولم يجر وصفاً ل «طعام» ، لأنه لم يقل: غير ناظرين أنتم إناه، إذ ليس فعلا ل «طعام» .

_ (1) الشعراء: 4. (3- 2) الأحزاب: 53.

الباب التاسع والثلاثون

الباب التاسع والثلاثون هذا باب ما جاء في التنزيل نصباً على المدح ورفعاً عليه وذلك إذا جرى صفات شتى على موصوف واحد، يجوز لك قطع بعضها عن بعض، فترفعه على المدح أو تنصبه، وكذلك في الشتم تقول: مررت بالرجل الفاضل الأديب الأريب، وبالرجل الفاسق الخبيث اللئيم. يجوز لك أن تتبعها الأول، وأن تنصب على المدح، وترفع. فمن ذلك قوله تعالى: (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) «1» ، إلى قوله: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ) «2» . والتقدير: هم الموفون. (وَالصَّابِرِينَ) أي: أمدح الصابرين. وقيل: إن قوله «والموفون» رفع عطف على «من آمن» . ومن ذلك/ قوله تعالى: (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) «3» . أي: وامدح المقيمين. (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) «4» . أي: وهم المؤتون، وكذلك: (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) «5» . وقيل إن قوله: «والمقيمين» جر وعطف على قوله: «منهم» وهذا خطأ، لأنه لم يعد لفظة «من» . وأما قوله: (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ) «6» ، فنصب على الذم، أي: أذم الملعونين.

_ (2- 1) البقرة: 177. (5- 4- 3) النساء: 162. (6) الأحزاب: 60 و 61.

وقيل: هو حال من الضمير في (لَنُغْرِيَنَّكَ) ، «1» أي: لنغرينك بهم ملعونين. ومن ذلك قوله تعالى: (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) «2» . فيمن نصب على تقدير: أذم حمالة الحطب، فيكون قوله: «وامرأته» رفعاً عطفاً على الضمير في «يصلى» ، أي: يصلى هو وامرأته. وأما من رفع «حمالة الحطب» فيكون «وامرأته» مبتدأة، ويكون «حمالة الحطب» خبره. وإن رفعته بالعطف كان التقدير: هي حمالة الحطب، وكل ما ذكرنا فى «الذي» و «الذين» : إذا جاز كونهما وصفاً لما قبلهما، فإن نصبهما ورفعهما على المدح جائز. وأما قوله تعالى: (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ) ، «3» فقد يكون من هذا الباب، وقد يكون جراً جرياً على قوله: (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ.... الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا ... الصَّابِرِينَ) «4» . ومن ذلك قوله: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) «5» ، أي: أذمهم. وأما قوله: (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) «6» فيكون على الذم، ويكون على الحال من (الْمُعَوِّقِينَ) ، «7» أي: يعوقون هاهنا عند القتال ويشحون عن الإنفاق على فقراء المسلمين. وإن شئت من (وَالْقائِلِينَ) «8» وإن شئت (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا) ، «9» ويكون على الذم.

_ (1) الأحزاب: 60. (2) المسد: 3. (3) آل عمران: 17. (4) آل عمران: 15- 17. (5) النساء: 143. (6) الأحزاب: 19. [.....] (9- 8- 7) الأحزاب: 18.

الباب المتم الأربعين

الباب المتم الأربعين هذا باب ما جاء في التنزيل من المبتدأ المحذوف خبره فمن ذلك قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) ، «1» والتقدير: فيما يتلى عليكم شهر رمضان. ويكون قوله: (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ نعتاً. وقيل: بل هو الخبر. وقيل: بل الخبر قوله: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) ، «2» أي: فمن شهده منكم. وجاز دخول الفاء لكون المبتدأ موصوفاً بالموصول، والصفة جزء من الموصوف، وكان المبتدأ هو الموصول. ومثله قوله: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) «3» . لما وصف اسم «إن» بالموصول أدخل الفاء في الخبر كما دخل في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) «4» . وكما قال: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ) «5» ، ثم قال: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) «6» ، لأن المبتدأ الموصول والنكرة الموصوفة يدخل «الفاء» في خبرهما. وقال الأخفش: بل الفاء في قوله: (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) «7» زائدة، فعلى قياس قوله هنا تكون زائدة.

_ (2- 1) البقرة: 185. (7- 3) الجمعة: 8. (4) البروج: 10. (6- 5) آل عمران: 21.

ويجوز أن يكون قوله «الذي تفرون» خبر «إن» ، كأنه قال: الموت هو الذي تفرون منه، نحو القتل أو الحرب، ويكون الفاء في «فإنه ملاقيكم» للعطف. ومن ذلك قوله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) «1» ، أي: فيما يتلى عليكم. ومن ذلك أيضاً: (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) «2» ، أي: فيما يتلى عليكم. ويجوز أن يقال: وإنما رفع قوله «واللذان» ولم ينصبه. وقال فى «الكتاب» «3» : «اللّذين يأتيانك فاضربهما» لأن الاختيار النصب، لأن الذي في «الكتاب» يراد بهما معينان، والفاء زائدة، فهو بمنزلة: زيداً فاضرب. وفي الآية لا يراد بهما معينان، بل كل من أتى بالفاحشة داخل تحتها. فقوله: (فَآذُوهُما) «4» في موضع الخبر، والفاء للجزاء في الآية، وفي المسألة الفاء زائدة. وقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) «5» . وقال: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) «6» أي: فيما يتلى عليكم: فأما قوله: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) «7» فهو على القياس المتقدم، أي: فيما يتلى عليكم.

_ (1) البقرة: 234. (4- 2) النساء: 16. (3) الكتاب (1: 70) . (5) النور: 2. (6) المائدة: 38. (7) الرعد: 35.

وقال أبو إسحاق: التقدير صفة الجنة التي وعد المتقون، وليس بصحيح، لأن اللغة لا تساعد عليه، ولأن موضوعه التشابه، ولا معنى للوصفية في شيء من تصاريفه، وكيف يصح. ومن جهة المعنى أيضا: إنه ولو قال قائل: صفة الجنة فيها أنهار، لكان كلاماً غير مستقيم، لأن الأنهار في الجنة لا في صفتها وأيضاً فقد أنث ضمير «المثل» حملاً على الصفة، وهذا أيضاً بعيد. وقول الفراء أيضاً من أن الخبر جعل عن المضاف إليه، وهو الجنة، دون المضاف، الذي هو «مثل» ، فباطل أيضاً لأنا لم نر اسماً يبدأ به ولم يخبر عنه البتة، وكذا من قال: «المثل» يقحم، أي: يلغى، لأن الاسم لا يكون زائداً، إنما يزاد الحرف، فكذلك قول الزجاج، لأنه إن أراد بالمثل الصفة، فقوله: «صفة الجنة جنة» فاسد، لأن الجنة ليست بالصفة، والزيادة شيء يقوله الكوفيون في: مثل، واسم، ويعلم، ويكاد، ويقول: هذه الأربعة تأتي في الكلام زيادة، ونحن لا نقول بذلك. وأما قوله: (الَّذِي خَلَقَنِي) ، «1» إن جعلته مبتدأ، فقوله: (فَهُوَ يَهْدِينِ) «2» خبره وما، بعده معطوف على «الذي» ، والتقدير: هو يطعمني ويسقينى، إلى قوله: (بِالصَّالِحِينَ) «3» محذوف الخبر، أي: فهو يهديني، كما تقول: زيد قائم، وبكر وخالد. ومن ذلك قوله تعالى: (أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ) «4» ، أي: البر والتقوى أولى، فحذف الخبر.

_ (2- 1) الشعراء: 78. (3) الشعراء: 83. (4) البقرة: 224. [.....]

وأما قوله: (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ) ، «1» فيمن لم ينون، فيجوز أن يكون «عزير» مبتدأ، و «ابن» صفة، والخبر مضمر، أي: قالت اليهود عزير ابن الله معبودهم. ويجوز أن يكون حذف التنوين لالتقاء الساكنين، ويكون «ابن» خبراً. ويجوز أن يكون لم يصرف «عزير» ، ومثله: (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) «2» فيمن جعل «يدعو» بمعنى «يقول» . وقد تقدم ذلك في المبتدأ. ومثله: (وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) ، «3» ولم يقل: محطوط عنا، وقد تقدم. ومثله: (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) «4» و: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) «5» ، وقد تقدم. ومثله قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) «6» ، والتقدير: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) إلى قوله: (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) «7» / والصابئون كذلك، فالتقدير في «والصابئون» ، أي: والصابئون كذلك، فحذف الخبر وفصل بين اسم «إن» بمبتدأ مؤخر تقديراً، وقال: ومن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّارا بها لغريب «8»

_ (1) التوبة: 30. (2) الحج: 13. (3) طه: 73. (4) محمد: 21. (5) يوسف: 18 و 83. (7- 6) المائدة: 69. (8) البيت لضابئ البرجمي. (الكتاب 1: 78) .

أي: إني لغريب وإن قياراً كذلك. وقال الله تعالى: (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) «1» أي: رسوله برئ، فحذف الخبر. وقيل: بل هو عطف على الضمير فى «برئ» هو ورسوله. وعند سيبويه: هو محمول على موضع «إن» ، كقوله: (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) «2» ، فيمن فتح. ومن ذلك قوله تعالى: (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) «3» ، ولم يذكر الخبر، والتقدير: كمن كان على ضلالة. وقال: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) «4» ، أي: كمن لم يزين له ذلك. وقال: (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) «5» ، والتقدير: كمن لا يقام عليه. فحذف الخبر في هذه الآي. وقد أظهر في قوله، (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) «6» . وأما قوله: (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ) «7» فيمن خفف، فيكون، أي: يكون من هذا الباب، على تقدير: أمن هو قانت آناء الليل كالجاحد والكافر.

_ (1) التوبة: 3. (2) الأنبياء: 92. (3) هود: 17. (4) فاطر: 8. (5) الرعد: 33. (6) محمد: 14. (7) الزمر: 9. [.....]

وزعم الفارسي أن التقدير: أمن هو قانت آناء الليل كمن جعل لله أنداداً. ثم قال: واستضعفه أبو الحسن، دون الاستفهام لا يستدل عليه بما قبله وإنما يستدل عليه بما بعده. فقيل: إن ذلك على تقديرك دون تقديرنا، فما تقول في قوله: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) «1» ، وقوله: (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ) «2» ، أليس الخبران محذوفين؟ وقوله: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) «3» . قلت: أيها الفارسي، جواباً: إن سيبويه قال: إن الخبر محذوف، يعني خبر قوله (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ) ، ولم تكن لتذب عن أبي الحسن: أن التقدير: أفمن حق عليه كلمة العذاب، أفأنت تنقذ، بل قدرت حذف الخبر. وزعم أحمد بن يحيى أن من قدر: أمن هو قانت آناء الليل، فهو كالأول. وزعم الفارسي أن هذا ليس/ موضع نداء بل موضع تسوية، ألا تراه قال من بعد: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) «4» ، وجواب الفارسي تحت قول أحمد هو كالأول، يعني أنه قال- عز من قائل: (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) «5» ، يا من هو قانت آناء الليل أبشر إنك من أصحاب الجنة، فحذف في الثاني لذكره أولاً.

_ (1) الزمر: 22. (2) الزمر: 24. (3) الزمر: 19. (4) الزمر: 9. (5) الزمر: 8.

فأما من شدد فقال: «أمن هو قانت» ، فالتقدير: الكافر الجاحد خير أمن هو قانت؟ كقوله: (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) «1» ، والتقدير: أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار؟ ومن ذلك قوله: (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ) «2» ، قوله «إلا الله» بدل من موضع الجار والمجرور، والخبر مضمر، والتقدير: ما من إله في الوجود إلا الله، كقوله: (لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ) ، «3» فليس الرفع محمولاً على الوصف للمجرور، لأن الأكثر في الاستثناء والبدل دون الوصف. وأما قوله تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) «4» ، ف «الذين يلمزون» مبتدأ، وخبره (سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ) «5» . ومن نصب «زيداً مررت به» كان «الذين» منصوباً عنده، ولا يكون (فَيَسْخَرُونَ) «6» خبره، لأن لمزهم للمطوعين لا يجب عنه سخريتهم بهم، كما أن الإنفاق يجب عنه الأجر في قوله: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) «7» إلى قوله: (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) «8» ، وإذا لم يجب عنه كان «فيسخرون» عطفاً على «يلمزون» ، أو على «يجدون» ، وموضع (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ) «9» جر تابع ل «المؤمنين» ، أو نصب تابع ل «المطوعين» ، للفصل بين الصلة والموصول، أي: يعينون في إخراج الصدقات لقلتها، ومنه قوله: (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) «10» ، ومنه قوله: (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) «11» ، أي: فله نزل من حميم، وفي الظرف ذكر من الموصوف.

_ (1) ص: 63. (2) آل عمران: 62. (3) الصافات: 35. (9- 6- 5- 4) التوبة: 79. (8- 7) البقرة: 274. (10) الواقعة: 89. (11) الواقعة: 93.

الباب الحادي والأربعون

الباب الحادي والأربعون هذا باب ما جاء في التنزيل من «إن» المكسورة المخففة من «إن» وذلك إذا جاءت لزمتها اللام في الخبر، كما أن النافية يلزمها إلا في الخبر. فمن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) «1» . قال: (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) «2» . قال: (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) «3» . قال: (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) «4» . قال: (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا) «5» . قال: (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) «6» فاللام هنا ك «إلّا» . كقوله: (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) «7» . وقوله: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) «8» . وقوله: (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) «9» . قال «10» سيبويه: ويكون «إن» يبتدأ بما بعدها في معنى اليمين، وفي اليمين، كما قال: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) «11» . و (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) «12» .

_ (1) البقرة: 198. (2) آل عمران: 164. [.....] (3) الأعراف: 102. (4) يونس: 29. (5) الفرقان: 42. (6) الصافات: 168. (7) الملك: 20. (8) الفرقان: 44. (9) الجاثية: 32. (10) الكتاب (1: 474) . (11) الطارق: 4. (12) يس: 32.

قال: وحدثني من لا أتهم به أنه سمع عربياً يتكلم بمثل قوله: إن زيداً لذاهب، وهي التي في قوله: (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا) «1» ، وهذه «إن» مخففة من «إن» الشديدة. قال أبو علي: أما «إن» في الآي فالقول فيها أنها مخففة من الثقيلة، وقد دخلت على الفعل مخففة، وامتنعت من الدخول عليه مشددة فالجواب أنها امتنعت من ذلك مثقلة لشبهها بالفعل في إحداثها النصب والرفع، كما يحدثهما الفعل من حيث لم يدخل الفعل على الفعل لم تدخل هي أيضاً عليه، وأصلها أنها حرف تأكيد، وإن كان لها هذا الشبه الذي ذكرنا بالفعل، فإذا خففت زال شبه الفعل عنها، فلم تمتنع من الدخول على الفعل إذ كانت الجمل المخبر بها على وجهين: مبتدأ وخبر، وفعل وفاعل، وقد تحتاج المركبة من الفعل والفاعل من التأكيد إلى مثل ما تحتاج إليه المركبة من المبتدأ والخبر، فدخلت المخففة على الفعل مؤكدة، إذ كان أصلها التأكيد، وزال المعنى الذي كان امتنع من الدخول على الفعل، وهو شبهها به، ولزوال شبهها بالفعل اختير في الاسم الواقع بعدها الرفع، وجاء أكثر القراءة على ذلك، كقوله: (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) «2» ، و: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) «3» ، فمن حيث اختير الرفع في الاسم الواقع بعدها جاز دخولها على الفعل في الآي التي تلوناها أو غيرها. وأما اللام التي تجئ بعدها مخففة فهي لأن تفرق بينها وبين «إن» التي تجئ نافية بمعنى «ما» ، كالتي في قول الله تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ

_ (1) الصافات: 167- 168. (2) يس: 32. (3) الطارق: 4.

مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) «1» وليست هذه اللام التي تدخل على خبر المشددة التي هي الابتداء، لأنه كان حكمها أن تدخل. على «إن» / فأخرت إلى الخبر لئلا يجتمع تأكيدان، إذا كان الخبر هو المبتدأ في المعنى، أو ما هو واقع موقعه وراجع إليه، فهذه اللام لا تدخل إلا على المبتدأ أو على خبر «إن» إذا كان إياه في المعنى أو متعلقاً به، ولا تدخل من الفعل إلا ما كان مضارعاً واقعاً في خبر «إن» وكان فعلاً للحال، فإذا لم تدخل إلا على ما ذكرنا لم يجز أن تكون هذه اللام التي تصحب «إن» الخفيفة إياها، إذ لا يجوز دخول لام الابتداء على الفعل الماضي، وقد وقع بعد «إن» هذا الفعل، نحو: (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) «2» و: (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) «3» . وقد جاءت الأفعال الواقعة بعد «إن» فعملت فيما بعد اللام، ومعلوم أن لام الابتداء التي تدخل في خبر «إن» الشديدة لا يعمل الفعل الذي قبلها فيما بعدها، وذلك قوله: (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) «4» ، وقول القائل: هلبتك أمك إن قتلت لفارساً ... حلت عليك عقوبة المتعمّد «5» فلما أعمل الفعل فيما بعد هذه اللام علم من ذلك أنها ليست التي تدخل في خبر «إن» الشديدة، وليست هي التي تدخل على الفعل المستقبل، والماضي للقسم، نحو: ليفعلن، أو لتفعلن. ولو كانت تلك للزم الفعل، الذي تدخل عليه «النون» يعني: ليفعلن، الذي تدخل عليه إحدى النونين، فلما لم يلزم النون علم أنها ليست إياها قال الله تعالى: (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) «6» و (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ) «7» ، فلم يلزم النون.

_ (1) الأحقاف: 26. [.....] (2) الفرقان: 42. (3) الأعراف: 102. (4) يونس: 29. (5) البيت لعائكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل تخاطب عمرا بن جرموز حين قتل الزبير. ويروى: شلت يمينك أن قتلت لمسلما (المغني 1: 22) . (6) الفرقان: 42. (7) الصافات: 167.

حكى سيبويه إن هذه النون قد لا تلزم المستقبل في القسم، فيقال: والله لتفعل، وهم يريدون: لتفعلن. قال: إلا أن الأكثر على ألسنتهم ما أعلمتك، يعني من دخول النون، ولا ينبغي أن نقول: إن هذه اللام هي التي في «لتفعلن» فتحمل الآي التي تلوناها على الأقل في الكلام، على أن هذه اللام لو كانت هذه التي ذكرنا أنها للقسم، وتدخل على الفعل المستقبل والماضي، لم تدخل على الأسماء، مثل: (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) «1» و «إن قتلت لفارسا» ، لأن تلك تختص بالدخول على الفعل الماضي أو المستقبل المقسم عليه، أو ما يتصل بهما، نحو «إلى» من قوله: (لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) «2» . والدليل على ذلك أنها لا تعلق الأفعال الملغاة قبل «إن» إذا وقعت/ في خبرها، كما تعلقها التي تدخل على الأسماء. فقد ثبت بما ذكرنا أن هذه اللام الداخلة على خبر «إن» المخففة التي تدخل في خبر «إن» المشددة، ولا هي التي تدخل على الفعل المستقبل والماضي في القسم، لكنها تلزم «إن» هذه لتفصل بينها وبين التي بمعنى «ما» النافية، ولو أدخلت شيئاً من الأفعال المعلقة على «إن» المكسورة المخففة من الثقيلة، وقد نصبت واللام في خبرها. لم تعلق الفعل قبلها من أجل اللام، كما تعلقه مع لام الابتداء، لأن هذه اللام قد ثبت أنها ليست تلك، فإذا لم تكن تلك لم تعلق الفعل الملغى كما تعلقه لام الابتداء. فهذه حقيقة «إن» هذه المخففة واللام التي تلحق معها عندي، ويدل على أن هذه اللام ليست التي للابتداء أن تلك تدخل على الخبر نفسه التي

_ (1) يونس: 29. (2) آل عمران: 158.

لا تسغنى، أو يكون قبل الخبر ويكون الأول في المعنى أو ما يقوم مقام ما هو الأولى في المعنى، أو تدخل على الاسم نفسه إذا فصل بين «إن» واسمها، ولا تدخل على الفضلات وما ليس بالكلام افتقار إليه، كما دخلت هذه في قوله «لفارساً» ونحوه، فلو أدخلت «علمت» على مثل: إن وجدك زيدا لكاذبا، فقلت: علمت إن وجدك زيد لكاذباً. لوجب انفتاح «إن» إذ ليس في الكلام شيء يعلق الفعل عنها، ولم يجب أن يكون في «إن» ضمير القصة من هذه المسألة، كما تقول «أن» في مثل قوله: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) «1» ضمير، لأن هذا الضمير إنما يكون في «أن» المخففة من «أن» الشديدة، وليست هذه تلك، إنما هي «أن» التي كانت قبل دخول الفعل عليه، «أن» التي لا تمتنع من الدخول على الفعل لزوال العلة التي كانت تمنعها من الدخول عليه، وهي ثقيلة، وكما تقول في حال انكسارها نحو: (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) «2» إنه لا ضمير فيه كذلك تقول في حال انفتاحها بعد الفعل: إنه لا ضمير فيها. والوجه أن تقول: إنه لا ضمير فيه، في نحو: (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) «3» وإنه دخل على الفعل كما دخل على الاسم، لأنه حرف وضعه للتأكيد، فالصنفان جميعاً يؤكدان، وإنما امتنع من الدخول على الفعل في حال التثقيل لشبهه بالفعل، وكما لم يدخل فعل على فعل كذلك لم تدخل هذه مثقلة عليه، وهذه العلة زائلة عنها في حال التخفيف، فيجب أن تدخل عليها، فإذا قلنا: علمت أن قد وجدك زيد لكاذباً لم تدخل اللام، كما كانت تدخل قبل دخول «علمت» ، ولم يمنع الفعل من فتح «أن» شيء، وارتفعت الحاجة إليها مع دخول «علمت» ، لأن «علمت» يفتحها، إذ لا مانع لها من فتحها، فإذا فتحتها لم تلتبس «بإن» التي ينفي بها، ولولا

_ (1) المزمل: 20. (3- 2) الفرقان: 42.

فتحها إياها لاحتيج إلى اللام، لأن «علمت» من المواضع التي يقع فيها النفي كما وقع بعد «ظننت» في نحو قوله: (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) «1» . فلو بقيت «إن» على كسرتها بعد «علمت» للزمتها اللام، وكان ذلك واجباً لتخليصها من النفي، فإذا لم تبق على الكسرة فلا ضرورة إلى اللام، فإن شئت قلت: إذا أدخلت «علمت» عليها حذفت اللام لزوال المعنى الذي كانت اللام اجتلبت له، وإن شئت قلت. أتركها ولا أحذفها، فتكون كالأشياء التي تذكر تأكيداً من غير ضرورة إليه، وذلك كثير في الكلام. فأما قول أبي الحسن: ويدخل على من زعم أن هاهنا ضميراً أن تقول له: كيف تصنع. إلى آخر الباب؟ فذلك من قوله يدل على انه جعل اللام التي في نحو: إن وجدت زيداً لكاذباً، لام ابتداء، وقد بينا فساد ذلك، وكيف يجوز أن تكون هذه لام الابتداء وقد دخلت في نحو قوله: (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) «2» وليس في هذا الكلام شيء يصلح أن تدخل عليه لام الابتداء البته، ولا يوجد فيها شرطه ووصفه، وقد بينا ذلك، ولا يصلح أن يكون في «إن» هذه ضمير، من حيث ذكرت قبل. وأما قوله تعالى: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) «3» ، من خفف «إن» ونصب بها «كلا» فهو الذي حكاه سيبويه، ويكون «لما» : ما، صلة فصل بها بين لام «إن» ولام القسم. ومن قال: «وإن كلا لما» فشدد، كان «لما» مصدراً، لقوله: «كلا لما» ، لكنه أجرى الوصل مجرى الوقف.

_ (1) فصلت: 48. (2) الأعراف: 102. (3) هود: 111.

وأما قوله: (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) «1» ، و (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) «2» فشدد، وكذلك: (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) «3» ، فشدد قوم، وأما من خفف فسهل سائغ، و «إن» على قراءته هي المخففة من الثقيلة المكسورة الهمزة المعلمة عمل الفعل، وهي إذا خففت لزمتها اللام لتفصلها من النافية وتخلصها منها، ولهذا المعنى جاءت هذه اللام، وقد تكون «ما» صلة. فأما من ثقل فقال «لما» ، قيل: إن «لما» بمنزلة: إلا. قال سيبويه: وسألت الخليل عن قولهم: أقسمت عليك إلا فعلت، ولم فعلت؟ لم جاز هذا في هذا الموضع، وإنما «أقسمت» هاهنا، كقولك: والله؟ فقال: وجه الكلام ب «لتفعلن» هاهنا، ولكنهم أجازوا هذا لأنهم شبهوه ب «نشدتك الله» ، إذ كان فيه معنى الطلب. قال أبو علي: ففي هذا إشارة من سيبويه إلى أنهم استعملوا «لما» حيث يستعملون فيه «إلا» . وقال قطرب: حكاه لنا الثقة، يعني كون «لما» بمعنى «إلا» . وحكى الفراء عن الكسائي أنه قال: لا أعرف جهة التثقيل. وقال الفراء في قوله: (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) «4» الوجه التخفيف، ومن ثقل إن شئت أردت: وإن كل لمن ما جميع، ثم حذفت إحدى الميمات لكثرتها، مثل قوله: طفت علماء «5» علة حاتم

_ (1) يس: 32. [.....] (2) الطارق: 4. (3) الزخرف: 35. (4) يس: 32. (5) أي: على الماء فحذف الياء من «على» والهمزة من «الماء» وسيأتي كلام المؤلف على هذا (ص 759) .

والوجه الآخر من التثقيل أن تجعلوا «لما» بمنزلة «إلا» مع «إن» خاصة، فتكون في مذهبها. وقال أبو عثمان المازني، فيما حكاه عنه أبو إسحاق: الأصل «لما» فثقل. فهذا ما قيل في تثقيل «لما» من هذه الآي الثلاث، أعني قوله: (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ) «1» ، وقوله: (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، «2» وقوله: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) «3» . ويجوز أن يتأول على هذا الذي قيل من أن معنى «لما» ك «إلا» على أن يكون «إن» فيها هي النافية، لا يمتنع ذلك في شيء منها. فأما قوله: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) «4» ، فلا يجوز فيه هذا التأويل ولا يسوغ، ألا ترى أنك لو قلت: إن زيداً إلا لمنطلق، لم يكن لدخول إلا مساغ ولا مجاز. فإن قال: أو ليس قد دخلت «إلا» بين المبتدأ وخبره في المعنى، فيما حكاه سيبويه من قولهم: ليس الطيب إلا المسك، و «إن» مثل «ليس» في دخولها على المبتدأ وخبره؟ قيل. إنه ذكر: أن قوماً يجرون «ليس» مجرى «ما» ، كما أجروها مجراها، فقولهم: ليس الطيب إلا المسك، كقولهم: ما الطيب إلا المسك، ألا تراهم رفعوا المسك كما يرتفع خبر «ما» في نحو ذا، ولم يتأول سيبويه

_ (1) يس: 32. (2) الزخرف: 35. (3) الطارق: 4. (4) هود: 111.

«ليس» على أن فيه ضمير القصة والحديث، لما كان، لا يرى في هذا التأويل، من إدخال «إلا» بين المبتدأ والخبر، فلا مساغ لتثقيل «لما» في هذه الآية على/ انه يكون بمنزلة «إلا» . فأما ما قاله الفراء من قوله: إن هي لمن ما، ثم حذفت إحدى الميمات لكثرتهن، فلا تخلو «ما» هذه التي قدرها هاهنا من أن تكون زائدة أو موصولة، فلا يسهل أن تكون موصولة، لأن التقدير يكون: لمن الذين هم جميع لدينا محضرون. وقلت: قولي «هم جميع لدينا» صلة «الذين» ، و «الذين» مع صلته بمنزلة اسم واحد في صلة «من» ، و «محضرون» خبر «ما» الذي بمعنى «الذي» ، والاسم وخبره صلة «من» ، فقولك غير جائز، لأن «من» على هذا لم يرجع من صلته إلى شيء، فهذا التقدير في هذه الآية غير متأت. وأما قوله: (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) «1» ، فلا يجوز فيه ذلك أيضاً، ألا ترى أنك إن قدرت «ما» زائدة، كان المعنى: وزخرفاً «2» وإن كل ذلك متاع الحياة الدنيا. و «الزخرف» وما قبله من المذكور لا يكون من في المعنى، فلا يكون من المتاع. فهذا قول ساقط مستكره لانكساره وتجويز مالا يجاز فيه، حيث يوجد لتأويله مجاز، وإن كان غير هذا الوجه من حذف الحرف من «من» ، وحذفه غير سائغ، لأن أقصى أحوالها أن تكون كالمتمكنة، والمتمكنة إذا كانت على حرفين لم تحذف، إنما تحذف من الثلاثة لتصير على حرفين، فإذا بلغ ذلك لم يكن بعده موضع حذف، هذا على «إن» من غير متمكنة، والحذف فيها وفي ضربها غير موجود.

_ (1) الزخرف: 35. (2) بدء الآية، والآية (وزخرفا وإن) .

فأما «لدن» فهو على ثلاثة أضرب، وقد قلنا فيه فيما تقدم. وكذلك ما قالوه من قولهم: م الله لأفعلن. قال العجّاج: خالط من سلمى خياشيم وفا موضع ضرورة، فأما ما ذكره الفراء من الحذف من «لمن ما» كالحذف من قولهم «علما» . فالذي نقول: إن الحذف أحد ما تخفف به الأمثال إذا اجتمعت، وهو على ضربين: أحدهما: أن يحذف الحرف مع جواز الإدغام كقولهم: بخ بخ، في: بخٍ بخٍ. والآخر أن يحذف لامتناع الإدغام في الحرف المدغم فيه لسكونه، وإن الحركة غير متأتية فيه مثل «علما» ، أو لأن الحرف المدغم يتصل بحرف إذا أدغم فأسكن لزم تحريك ما قبله، وهو مما لا يتحرك، مثل «يسطيع» ، فلا يشبه قولهم «علما» إذا أرادوا: على الماء، ما شبهه به لو أريد به: لمن ما لأنك لو أدغمت اللام من «على» في التي للتعريف للزم تحريكها، وهي ما يلزمه السكون، ولذلك اجتلبت معها همزة الوصل، فلما كان كذلك حذفت اللام الأولى، وليس كذلك «لمن ما» ، ألا ترى إن الحرف المدغم فيه هنا متحرك وليس بساكن، فلا يشبه هذا ما شبهه به. فإن قلت: اجعله مما ذكرته مما يحذف الحرف فيه مع جواز الإدغام ك «بخ» قيل: هذا يمتنع من وجهين: أحدهما: إنه منفصل و «بخ» متصل، والمنفصل في الإدغام ليس كالمتصل، إذ لا يلزم لزومه، وإن التقدير باتصاله الانفصال، ألا ترى أنك تظهر مثل: جعل لك، و: قعد داود، ونحوه من المفصل، ولو كان متصلاً لم يجز

إلا الإدغام، وكما لم يستثقل اجتماع الأمثال، لما كان التقدير بها الانفصال في هذه الأشياء، كذلك لا يستثقل في «لمن ما» اجتماع الأمثال. وأيضاً فإذا لم يدغم مثل: «قوم موسى» ، من أدغم مثل: «جعل لك» ، لكراهية تحريك الساكن في المنفصل، فأن يكره الحذف أولى، لأن التغيير بنقل حركة ثابتة في الحرف أسهل من حذف حرف بكثير، ألا ترى إلى كثرة ما ينقلون من الحركات للإدغام في المتصل، وقلة حذف الحرف للإدغام في المتصل، فإذا امتنعوا من الكثير الذي أنس به في المتصل كان أن يمتنعوا من القليل الذي لم يأنسوا به في المنفصل أولى. والآخر «1» : أن الحذف في هذا قياساً على «بخ» لا يجوز لما أعلمتك من قلته، وأنا لا نعلم له مثلاً فلا مساغ للحمل على هذا الضيق القليل، مع ما ذكرته لك من الفصل بين المنفصل والمتصل، وعلى أن «بخ» ليس لنا أن نقول إنه حذف، لاجتماع المثلين دون أن تجعله محذوفاً على حد بناء جاء على علته غيره من ذوات الثلاثة المحذوفة، لأنها كحذف «دد» ونحو ذلك، فقول الفراء في هذا فاسد في المعنى من حيث أريتك، وفي اللفظ لما ذكرته من امتناع حذف «من» قبل الإدغام وبعد الإدغام. وقول المازني أيضاً ليس بالجيد، لأن الحروف يخفف مضاعفها، ك «أن» و «ربّ» ، ونحو ذلك، ولا ينقل إلى أنه أقرب إلى الصواب، لأن الدخل فيه من جهة اللفظ دون المعنى، فأما ما حكوه من كون «لما» / بمعنى «إلا» فمقبول، ويحتمل أن تكون الآي الثلاث عليه، كما أعلمتك، وتكون «إن» النافية. قال: وقد رأينا نحن في ذلك قولاً لم أعلم أحداً تقدمنا فيه، وهو أن تكون «لما» هذه في قول من شدد في هذه الآي «لم» النافية دخلت

_ (1) هذا ثاني الوجهين.

عليها «ما» فهيأتها للدخول على ما كان يمتنع دخولها عليه قبل لحاق «ما» لها، ونظير ذلك: إنما أنذركم بالوحي، ولعلما أنت حالم، وما أشبهه، وربما أوفيت. ألا ترى أنها هيأت الحرف للدخول على الفعل، فكأنه في التقدير: إن كل نفس لما عليها، أي: ليس كل نفس إلا عليها حافظ، نفياً لقول من قال: كل نفس ليس عليها حافظ، أي: كل نفس عليها حافظ. ف «إن» على هذا التقدير تكون النافية الكائنة بمعنى «ما» ، والقراءة بالتثقيل على هذا تطابق القراءة بالتخفيف، لأن المعنى يؤول إلى: كل نفس عليها حافظ، مثل قوله: (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ) «1» إلا أنه أكد ب «إن» ، والقراءة بالتخفيف «لما» أسهل مأخذاً وأقرب متناولاً. وأما تقدير قوله: (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) «2» كأنه قيل: كل ما جميع لدينا محضرون، على ما كانوا ينكرونه من أمر البعث حتى حمل عظيم إلى النبي- صلى الله عليه وعلى آله- فقيل له: أترى الله يحيي هذا بعد ما رم؟ وكما حكي في التنزيل من قولهم: (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) «3» في كثير من الآي تحكي عنهم أنهم ينكرون فيها البعث، فقيل لهم: كل ما جميع لدينا محضرون، نفي لقولهم: كلهم ليس يجمعون عند الله ولا ينشرون.

_ (1) ق: 18. (2) يس: 32. (3) المؤمنون: 82. [.....]

وأما قوله: (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ) «1» فكأنه قيل: كل ذلك ليس متاع الحياة الدنيا، فنفى ذلك بأن قيل: ليس ذلك ليس متاع، وإذا نفي أنه كله ليس متاع الحياة الدنيا، أي: ليس شيء من ذلك للكافر يقربه إلى الله وإلى الدار الآخرة إنما هو متاع الدنيا والعاجلة. وأما قوله: (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) «2» قيل: التقدير: ما كنا فاعلين، وليست «إلا» معها. فأما قوله: (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) «3» على أنه لا ولد له. وقيل: إن كان للرحمن ولد على الشرط فأنا أول العابدين، على انه لا ولد له صح وثبت، ولا يكون ذلك أبداً كما قال عيسى: (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) «4» أي إن صح وثبت أني كنت قلته فيما مضى فقد علمته.

_ (1) الزخرف: 35. (2) الأنبياء: 17. (3) الزخرف: 81. (4) المائدة: 116.

الباب الثاني والأربعون

الباب الثاني والأربعون هذا باب ما جاء في التنزيل من المفرد ويراد به الجمع فمن ذلك قوله تعالى: (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ) «1» ، يعني: الكتب، لأنه لا يجوز أن يكون لجميع الأولياء كتاب واحد. وقال: (كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ) «2» فيمن قرأه هكذا، يريد: وكتبه. وقال: (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ) «3» أي: وكتبه. فأما قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) «4» «فالطاغوت» يقع على الواحد وعلى الجمع، وأراد به الجمع هنا. وقال في الإفراد: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) «5» جاء في التفسير أنه أراد: كعب بن الأشرف. وقال في موضع آخر: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) «6» أراد به الأصنام، و «أن» في موضع النصب بدل من الطاغوت، أي: اجتنبوا عبادتها، هو في الأصل مصدر «طغى» ، وأصله: طغيوت، على: فعلوت، مثل: الرهبوت، والرحموت، فقدم الياء وأبدل منها الفاء فصار طاغوت.

_ (1) البقرة: 213. (2) البقرة: 285. (3) التحريم: 12. (4) البقرة: 257. (5) النساء: 60. (6) الزمر: 17.

ومن ذلك قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) «1» لفظه لفظ المفرد ومعناه «الجنس» ، ألا ترى قوله: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) «2» يدل على صحة هذا: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) «3» . «الذين» مبتدأ وخبره «فلهم أجر غير ممنون» فهذا لا يصح في سورة «العصر» إذ لا خبر بعده. ومن ذلك قوله تعالى: (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً) «4» ، أي: سماراً، لقوله «مستكبرين» قبله، وبعده «تهجرون» : فالسامر كالباقر، والحامل، عند أبي علي. ومثله: (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) «5» . عند أبي علي، وعلى هذا حمل أيضا ًقوله: / (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) «6» فيمن أسكن الياء، فقال: يكون «ثياب سندس» مبتدأ، على قول سيبويه، و «عاليهم» خبر مقدم. وزعم أنه بمنزلة قوله: (سامِراً تَهْجُرُونَ) «7» وهذا لعلة نظره فيما قبل الآية لقوله: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) «8» ألا ترى أنه يجوز أن يكون «عاليهم» صفة له. قال: ومثله: «دابر» . من قوله (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) «9» . قال: ينبغي أن يكون «دابر» فاعلاً، من باب: الحامل، والباقر، على تفسير معمر إياه ب: آخر القوم الذي يدبرهم. قوله في موضع آخر: (وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) «10» فقال: «وما كانوا» فجمع الضمير.

_ (1) التين: 4. (2) التين: 3. (3) العصر: 1- 3. (7- 4) المؤمنون: 67. [.....] (5) العلق: 17. (6) الإنسان: 21. (8) الإنسان: 19. (9) الأنعام: 45. (10) الأعراف: 72.

فإن قلت: يكون الضمير عائداً على «الذين كذبوا» ، وهو جمع. قيل: هذا يبعد، لأن «الذين كذبوا بآياتنا» معلوم أنهم غير مؤمنين، فإذا لم يجز هذا ثبت أن الضمير يعود إلى «الدابر» ، وإذا عاد إليه ثبت أنه جمع، و «الدابر» يجوز أن يكونوا مؤمنين، ويجوز أن يكونوا كافرين، مثل «الخلف» ، ويصح الإخبار عنهم بأنهم كانوا مؤمنين. ومن ذلك قوله: (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) «1» أي: الكفار، فيمن، أفرد أراد الجنس، ومنه: (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) «2» . أي: على معصية ربه ظهيراً. وأما قوله تعالى: (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) «3» . «فالفلك» اسم يقع على الواحد والجمع جميعاً. قال في المفرد: (وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) «4» . وقال في الجمع: (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) «5» . فقال: «وجرين» ، فجمع، وهو في الجمع مثل: أسد، وفي المفرد مثل: قفل. ومن ذلك «أحد» في قوله: (وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) «6» . وقال: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) «7» . أي: أنفساً. وقال: (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) «8» . أي: رفقاء. وقال: (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) «9» أي: أطفالا.

_ (1) الرعد: 42. (2) الفرقان: 55. (3) البقرة: 164. (4) الشعراء: 119. (5) يونس: 22. (6) النساء: 152. (7) النساء: 4. (8) النساء: 69. (9) غافر: 67. [.....]

وقال: (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا) «1» . أي: وكلاء. وقال: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) «2» أي: أعداء. وقال: (خَلَصُوا نَجِيًّا) «3» . أي أنجية. وقال: (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ) «4» . أي: أصدقاء.

_ (1) الإسراء: 2. (2) الشعراء: 77. (3) يوسف: 80. (4) الشعراء: 100- 101.

الباب الثالث والأربعون

الباب الثالث والأربعون هذا باب ما جاء في التنزيل من المصادر المنصوبة بفعل مضمر دل عليه ما قبله فمن ذلك قوله تعالى: (وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ) «1» ، أي: نسألك غفرانك، ونستغفر غفرانك، واغفر لنا غفرانك. ومن ذلك قوله تعالى: (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) «2» . أي: لأثيبنهم ثوابا، فدل على ذلك «لأكفرن» . ومثله: (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) «3» إلى قوله: (نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) «4» . لأنه يدل على: أنزلهم إنزالاً. ومن ذلك قوله: (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا) «5» ، لأن قوله: «وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله» «6» دل على أنه كتب ذلك، أي: كتب ذلك عليهم كتاباً مؤجلاً. ومن ذلك قوله: (كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) «7» لأن قبله (حُرِّمَتْ) «8» ، وقد نقدم ذلك. ومن ذلك قوله: (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ) «9» فيمن نصب، أي: أقول قول الحق. ومنه قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) «10» لأن معنى «تهجد» «وتنفل» واحد.

_ (1) البقرة: 285. (2) آل عمران: 195. (4- 3) آل عمران: 198. (6- 5) آل عمران: 145. (7) النساء: 24. (8) النساء: 23. (9) مريم: 34. (10) الإسراء: 79.

ومن ذلك قوله: (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ) «1» . لأن معنى هذه الجملة: صنع الله ذلك صنعاً. ومثله قوله: (بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ) «2» لأن معنى «ينصر» و «يعد» واحد. ومثله، (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ) «3» لأن ما قبله يدل على «يعد الله» . فهذا قياس ما يرد عليك مما قد فاتني منه، والله أعلم. وأما قوله تعالى: (اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ) «4» . أي: استكبروا ومكروا المكر السيء، ألا ترى أن بعده، (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) «5» كما أن «السيء» صفة «للمكر» ، كذلك الذي قبل، تقديره: ومكر المكر السيئ. وكذلك: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) «6» . أي: مكروا المكرات، السيئات فحذف الموصوف هذا وأقام صفته، فوقعت الإضافة إليه، كما تقع على موصوفه الذي هو المصدر، وأجرى مجراه.

_ (1) النمل: 88. (2) الروم: 5. [.....] (3) الزمر: 20. (5- 4) فاطر: 43. (6) النمل: 45.

الباب الرابع والأربعون

الباب الرابع والأربعون هذا باب ما جاء في التنزيل من دخول لام «إن» على اسمها وخبرها أو ما اتصل بخبرها، وهي لام الابتداء دون القسم. وقد تقدم على ذلك أدلة، وهي تدخل على خبر «إن» أو ما يقع موقعه، أو على اسم «إن» إذا وقع الفصل بين «إن» ، / واسمها. فمن ذلك قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ) «1» فإذا دخل على الاسم لما وقع الفصل بينها وبين اسمها. وقال: (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) «2» . وقال: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) «3» ، فأدخل على الخبر. وقال: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) «4» . وقال: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) «5» . وقال: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) «6» . وقال: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) «7» .

_ (1) آل عمران: 78. (2) الأنبياء: 106. (3) آل عمران: 13- النور: 44- النازعات: 26. (4) الشورى: 52. (5) النمل: 6. (6) الزخرف: 61. (7) الزخرف: 44.

فأدخل على الفضلة الواقعة قبل الخبر. وقال: (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) «1» . وقال: (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) «2» . وقال: (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ) «3» . وقال: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) «4» ، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) «5» و (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) «6» . وأما قوله: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) «7» ، فإنك لو جعلت «في أم الكتاب» خبراً كنت أدخلت اللام على الخبر الثاني، والأحسن من ذلك أن تدخل على الخبر الأول، فوجب أن يكون قوله «في أم الكتاب» ظرفاً متعلقاً بالخبر لا خبراً. وأما قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) «8» فيمن أضمر، لأن لو جعل «إن» بمعنى «نعم» فإنه قد أدخل اللام على خبر المبتدأ، لأن «هذان» في قولهما ابتداء، واللام لا تدخل على خبر الابتداء، وإنما تدخل على المبتدأ، وإدخالها على الخبر شاذ، وأنشدوا فيه: أم الحليس لعجوز شهر به ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة «9» وقد تقدم ما هو الاختيار عندنا. وتختص هذه اللام بباب «إن» وشبهوا ب «إن» «لكن» ، وأنشدوا.

_ (1) الحجر: 72. (2) يوسف: 90. (3) النمل: 16. (4) الصافات: 165. [.....] (5) الصافات: 166. (6) الصافات: 172. (7) الزخرف: 4. (8) طه: 63. (9) ويروى: «ترضى من الشاة» . قال ابن منظور: اللام مقحمة في: لعجوز وإدخال اللام في غير خبر إن ضرورة ولا يقاس عليه، والوجه أن يقال: لأم الحليس عجوز شهربه، كما يقال: لزيد قائم. (اللسان: شهرب) .

ولكنني من حبها لعميد «1» وهذا حديث يطول، وفيما ذكرناه كفاية. فأما قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) «2» فإن قوماً من النحويين أنكروا أن يدخل الصلة قسم، كما ذهب إليه أبو عثمان لأن الفراء حكى ذلك، وقال: فاحتججنا عليه بقوله: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) «3» بهذا ما أشار إليه في كتاب «الأخبار» في قوله: (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ) «4» وكان الوجه الذي ذهبوا لأجله إلى ذلك القسم جملة ليس لها بالصلة ولا بالموصول التباس، فإذا لم يلتبس لم يجب أن يفصل بها، ألا ترى أن: والله ولعمرك، ونحوهما في نحو «الذي» والله، لا تعلق له بالموصول، / فلما رأوه كذلك لم يجيزوا، والجواب عن ذلك أنه ينبغي أن يجوز من وجهين: أحدهما: أن القسم بمنزلة الشرط والجزاء، وكما يجوز أن يخلو الشرط مما يعود إلى الموصول، إذا عاد إليه من الجزاء، كذلك يجوز أن يخلو القسم من الراجع. والوجه الآخر: أن القسم تأكيد وتسديد ل «ما» الصلة، وإذا جاز الفصل فيها والاعتراض من حيث كان تسديداً للقصة، نحو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) «5» فالفصل بين القسم وبينه أجدر وأقيس، لما ذكرناه من شبهه بالجزاء والشرط، مع أن فيه ما ذكرناه من تسديد القصة، فهذا وجه الجواز.

_ (1) هذا الشطر لا يعرف له قائل ولا تتمة شرح الفصل لابن يعيش: 8: 64. (2- 3) النساء: 72. (4) القصص: 76. (5) يونس: 27.

الجزء الثالث من إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج

الباب الخامس والأربعون

الباب الخامس والأربعون هذا باب ما جاء في التنزيل وفيه خلاف بين سيبويه وأبي العباس وذلك «1» في باب الشرط والجزاء، وذلك أنك إذا قلت: إن تأتني آتيك، فسيبويه يقدره على التقديم، أو كأن قال: آتيك أن تأتني. وأبو العباس يقدره على إضمار الفاء، على تقدير: أن تأتني فآتيك. ومن ذلك قوله: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) «2» ، فيمن ضم الراء وشدد، هو على التقديم عند سيبويه، وعلى إضمار الفاء عند أبي العباس. وكذلك قوله: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) «3» من جعل قوله «وما عملت من» شرطا أضمر الفاء في قوله «تود» . وهو عند أبي العباس وعند سيبويه يقدر التقديم في «تود» . ومن جعل «ما» بمعنى «الذي» فله أن يبتدىء بها ويجعل «تود» الخبر. ومن قال: إن «ما» معطوفة على قوله «ما عملت» جعل قوله «تود» في موضع الحال من «عملت» . قال أبو علي: في قوله: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها) «4» : إن جعلت «تجد» من: وجدان الضالة، كان «محضرا» حالاً، وقوله «وما عملت من سوء» فى موضع

_ (1) الكتاب: (1: 438- 440) . (2) آل عمران: 120. (4- 3) آل عمران: 30.

نصب بالعطف على «ما» الأولى، و «تود» في موضع الحال عن «ما» الثانية/ لأن في الجملة ذكرا يعود إلى «ما» . وإن جعلت «تجد» بمعنى تعلم، كان «محضرا» المفعول الثاني. والمعنى: يوم تجد كل نفس جزاء ما عملت من خير محضرا وتود لو أن بينها وبينه جزاء ما عملت لا يكون إلا كذلك، لأن ما عملته فيما مضى لا يكون محضرا هناك. وقريب من هذا في المعنى قوله: (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) «1» ، أي: جزاؤه، لأن الإشفاق منه يجب ألا يقرب منه. ويجوز أن يكون موضع «ما» الثانية رفعا، و «تود» في موضع رفع خبر الابتداء. ولا يجوز أن يكون «ما» بمعنى الجزاء، إلا أن يكون «تود» : «فهي تود» ، ولو كان: وما عملت من سوء ودت، «2» لجاز أن يكون جزاء. ويجوز على قياس قول أبي الحسن في قوله: (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) «3» من أن المعنى: فالوصية، أن يكون جزاء، ويقدر حذف الفاء، ويكون المعنى: فهي تود لو أن بينها وبينه. وهو قياس قول الفراء عندي، لأنه ذكر في حد الجزاء أن قوله: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) «4» على حذف الفاء. فسيبويه حمل هذه المواضع على التقديم، ولم يجز إضمار الفاء، وقال في باب «أي» : إذا قلت: أيها تشألك، هو على إضمار الفاء، أي: فلك. ولعله عمل هناك على الموصول إذ أجراها مجراها، إذا قلت: أيها تشأ لك هو.

_ (1) الشورى: 22. (2) هذه قراءة عبد الله (انظر: الكشاف 1: 352- البحر 2: 427- 428) . [.....] (3) البقرة: 180. (4) الأنعام: 121.

وأبو العباس يزعم أنك إذا قلت: إن تأتني آتيك. فقد وقع الجزاء موقعه فلا ينوى به التقديم، كما أن الفاعل إذا وقع موقعه لا ينوى به غير موضعه وسيبويه يقول «1» : إن الشرط على وجهين: أحدهما أن يكون المعتمد المقصود تقديم الشرط وإتباع الجزاء له، كقولك: إن تأتني آتك، وإن تأتني فأنا مكرم لك. ولا يجوز تقديم الجواب على الشرط. والآخر أن يكون الاعتماد على فعل وفاعل، أو مبتدأ وخبرٍ، يبتدئه المتكلم ويعلقه بشرط كما يعلقه بظرف، فيقول: أكرمك إن أتيتني، وأنا مكرمك إن زرتني، كما تقول: أكرمك يوم الجمعة. فإذا قال: إن أتيتني أكرمك، فليس «أكرمك» بجواب، فيكون تقديما إلى غير موضعه، وإنما هو الفعل، الذي القصد فيه التقديم.

_ (1) الكتاب (1: 431- 437) .

الباب السادس والأربعون

الباب السادس والأربعون هذا باب ما جاء في التنزيل من إدخال همزة الاستفهام على الشرط والجزاء وهذه «1» أيضاً مسألة فيها اختلاف بين سيبويه ويونس، وصورتها: أإن تأتني آتك، بجزم الجواب عند سيبويه. ويونس يقول: أإن تأتني أتيك، بالرفع، ويقول: هو في نية التقديم، ويقدره: أآتيك إن تأتني. فمن ذلك قوله تعالى: (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) «2» . وقال الله تعالى: (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) «3» . فهاتان آيتان يحتج بهما سيبويه على يونس، وذلك أنه إذا نوى بالجزاء التقديم وجب أن يكون التقدير في الآية الأولى: انقلبتم على أعقابكم فإن مات؟ وفي الآية الأخرى: أفهم الخالدون فإن مت؟ وهذا ليس وجه الكلام، وإنما وجه الكلام: أفهم الخالدون إن مت؟ وكذا: انقلبتم على أعقابكم إن مات! لأن من قال: أنت ظالم إن فعلت، لم يقل: فأنت ظالم إن فعلت فإن قيل: فإن الفاء زيادة، قيل: الفاء هاهنا نظير «ثم» في قوله: (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) «4» . وكما لا يجوز تقدير الزيادة فى «ثم» فكذا هاهنا.

_ (1) الكتاب (1: 443- 444) . (2) آل عمران: 144. (3) الأنبياء: 34. (4) يونس: 51.

الباب السابع والأربعون

الباب السابع والأربعون هذا باب ما جاء في التنزيل من إضمار الحال والصفة جميعا وهو شيء لطيف غريب، فمن ذلك قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) «1» ، أي: فمن شهده منكم صحيحا بالغا. ومن ذلك قوله في الصفة: (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) «2» والتقدير: وله أخ أو أخت من أم، فحذف الصفة. وقال: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) «3» ، (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) «4» ، كان المعنى: كل شيء أحبته، وكل شيء أحبوه. وقال في الريح: (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) » . وقال: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) «6» ولم تجتح هودا والمسلمين معه. وقوله: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) «7» يعني «الكافرين» لأن فيهم حمزة وعلياً وجعفرا. وقال: (حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) «8» ، أي: شيئا مما ظنه وقدره، يبين ذلك قول العباس بن مرداس: وقد كنت فى الحرب «9» ذا تدرأ «10» ... فلم أعط شيئاً ولم أمنع / أراد شيئاً مما قدرت إعطائي إياه. وبعد هذا البيت:

_ (1) البقرة: 185. (2) النساء: 11. (3) النمل: 23. (4) الأنعام: 44. (5) الذاريات: 42. (6) الأحقاف: 25. (7) الأنعام: 66. [.....] (8) النور: 39. (9) الرواية في اللسان «درأ» : «القوم» . (10) ذو تدرأ: ذو هجوم لا يتوقى ولا يهاب، ففيه قوة على دفع أعدائه.

إلا أفائل أعطيتها عديد قوائمه الأربع «1» فقال: لم أعط شيئا. ثم قال: إلا أفائل أعطيتها. وعلى هذا قولهم: ما أنت بشيء، أي: شيء يقع به اعتداد. فهذا قريب من قولهم: تكلمت ولم تتكلم. وقريب من هذا قول الكميت: سئلت فلم تمنع ولم تعط نائلا ... فسيان لا ذم عليك ولا حمد كأنه لم يعط عطاء يكون له موضع، أو يكون له اعتداد. وقريب من هذا قوله تعالى: (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) «2» والذي لا يموت يحيا، والذي لا يحيا يموت ولكن المعنى: لا يحيى حياة طيبة يعتد بها ولا يموت موتا مريحا، مما دفعوا إليه من مقاساة العذاب، وكأن الإحياء للعذاب ليس بحياة معتدٍّ بها. قال عثمان: وأما حذف الحال فلا يحسن، وذلك أن الغرض فيها إنما هو توكيد الخبر بها، وما طريقه طريق التوكيد غير لائقٍ به الحذف، لأنه ضد الغرض ونقيضه، ولأجل ذلك لم يجز أبو الحسن تأكيد «الهاء» المحذوف من الصلة، نحو: الذي ضربت نفسه زيد، على أن يكون «نفسه» توكيدا للهاء المحذوفة من «ضربت» وهذا مما يترك مثله كما يترك إدغام الملحق إشفاقا من انتقاض الغرض بإدغامه.

_ (1) الأفائل: صفار الإبل. (2) طه: 74.

فأما ما أجزناه من حذف الحال في قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) «1» ، أي: فمن شهده صحيحا بالغا، فطريقه: أنه لما دلت الدلالة عليه من الإجماع والسنة جاز حذفه تخفيفا. وإما إذا عريت الحال من هذه القرينة، وتجرد الأمر دونها، لما جاء حذف الحال على وجه. وحكى سيبويه: سير عليه ليل، وهم يريدون: ليل طويل، وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها، وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقامه قوله: «طويل» / ونحو ذلك، وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته، وذلك أن يكون في مدح، فتقول: كان والله رجلاً، فتزيد في قوة اللفظ «بالله» هذه الكلمة، وتمكن في تمطيط اللام وإطالة الصوت عليها، أي: رجلا فاضلا شجاعا، أو كريما، أو نحو ذلك وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنسانا، وتمكن الصوت بإنسان وتفخمه فتستغنى بذلك عن وصفه، وتريد: إنسانا سمحا، أو جوادا، أو نحو ذلك وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق، قلت: سألناه وكان إنسانا. وتزوى وجهك وتقطبه، فيغنى عن ذلك قولك: إنسانا لئيما، أو بخيلا، أو نحو ذلك. فعلى هذا وما يجري مجراه تحذف الصفة. فأما إن عريت من الدلالة عليها من اللفظ أو الحال فإن حذفها لا يجوز، ألا تراك لو قلت: وردنا البصرة فاجتزنا بالأبلة على رجل، أو رأينا بستانا،

_ (1) البقرة: 185.

وسكت، لم تفد بذلك شيئا، لأن هذا ونحوه مما لا يعرى منه ذلك المكان، وإنما المتوقع أن تصف من ذكرت وما ذكرت، فإن لم تفعل كلفت علم ما لا يدل عليه، وهو لغو من الحديث، وتجوز في التكليف. ومن ذلك ما يروى في الحديث: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» . أي: لا صلاة كاملة أو فاضلة، ونحو ذلك. ومثله: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، عليه السلام.

الباب الثامن والأربعون

الباب الثامن والأربعون هذا باب ما جاء في التنزيل من الجمع يراد به التثنية فمن ذلك قوله تعالى: (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) «1» . وأجمعوا، غير ابن عباس، أن الأخوين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، خلافا له، فإنه لا يحجب إلا بوجود ثلاثة إخوة. ومن ذلك قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) «2» ، أي: يديهما. ومن ذلك قوله: (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) «3» ، أي: قلباكما. مثل هذا لا يجوز فيه الإفراد استغناء بالمضاف إليه، وتجوز فيه التثنية اعتبارا بالحقيقة، ويجوز فيه الجمع اعتبارا بالمعنى، لأن الجمع ضم نظير إلى نظير كالتثنية. وقالوا: كل شيء من شيئين فتثنيتهما جمع، كقولك: ضربت رءوس الزيدين، وقطعت أيديهما وأرجلهما وهذا أفصح عندهم من «رأسيهما» ، كرهوا أن يجمعوا بين تثنيتين في كلمة واحدةٍ، فصرفوا الأول إلى لفظ الجمع، / لأن التثنية جمع في المعنى، لأن معنى الجمع ضم شيءٍ إلى شيءٍ، فهو يقع على القليل والكثير، وأنشدوا: ومهمهين قذفين مرتين ... ظهراهما مثل ظهور التّرسين «4»

_ (1) النساء: 11. (2) المائدة: 38. (3) التحريم: 4. (4) الشعر لخطام المجاشعي، وقيل: هميان بن قحافة. والقذف: البعيد. والمرت: الذي لا ينبت. (الكتاب 1: 241، 2: 202- اللسان: مرت) .

فأما قوله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) «1» ، فقيل: هو من هذا الباب، لقوله: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) «2» ، فعبر عن التثنية بالجمع. ومعنى «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ» ، قيل: المشرقان: الشتاء والصيف، وكذا المغربان «3» . عن ابن عباس. وقيل: مشرق الشمس والفجر، ومغرب الشمس والشفق. قوله: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين. قيل: معناه: بعد المشرق والمغرب. فهذا كالقمرين والعمرين. وقيل: مشرق الشتاء والصيف. وأما قوله تعالى: (وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) «4» . وهم لم يدعوا إلهية مريم كما ادعوا إلهية المسيح، فيما يزعمون، فإن ذلك يجيء على: لنا قمراها والنجوم الطوالع «5» والعجاجان، لرؤبة والعجاج والأسودان، للماء والتمر، أطلق على أحدهما اسم الآخر، وإن لم يكن ذلك اسما له. واعلم أنه قد جاءت التثنية يراد بها الكثرة والجمع، كما جاء الجمع يراد به التثنية. قال الله تعالى: (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) «6»

_ (1) المعارج: 40. (2) الرحمن: 17. (3) يريد: مشرقي الشتاء والصيف ومغربيهما. (4) المائدة: 116. [.....] (5) عجز بيت للفرزدق، صدره: أخذنا بآفاق السماء عليكم (6) المائدة: 64.

وقال: (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) «1» . أي: كرتين اثنتين. وإنما ذاك بكراتٍ، وكأنه قال: كرة بعد كرة، كما قالوا: لبيك، أي: إلبابا بعد إلباب، وإسعادا بعد إسعادٍ، في: سعديك، وحنانيك: تحننا بعد تحنن، قال: ضربا هذا ذيك وطعناً وخضا «2» أي هذا بعد هذٍ. وأنشدوا للكميت: وأنت ما أنت في غبراء مظلمةٍ ... إذا دعت أللها الكاعب الفضل «3» أي: أللا بعد ألل. وهذا حديث يطول. وأما قوله تعالى: (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) «4» . الفراء يريد به المفرد، كقوله: (ومهمهين) «5» ، ثم قال: قطعته، وهذا لا يصح، كقوله (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ) «6» ، وقوله: (جَنَّةً وَحَرِيراً) «7» ، (وَدانِيَةً) «8» ، وقوله «قطعته» كقوله: «معين بسواد» «9» في الرد إلى الأول ومن ذلك قوله: (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ) «10» يعني: عائشة وصفوان. وقال: (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) «11» ، وفي التفسير: كان معه لوحان.

_ (1) الملك: 4. (2) الهذ: القطع. والوخض: الطعن (اللسان: هذ، وخض) . (3) البيت في وصف رجل. والألل: الصوت. يريد: حكاية أصوات النساء إذا صرخن. (اللسان. ألل) . (4) الرحمن: 46. (5) انظر الرجز (ص 784) . (6) الرحمن: 54. (7) الدهر (الإنسان) : 12. (8) الدهر (الإنسان) : 14. (9) جزء من بيت الأعشى. والبيت كاملا: وكأنه لهق السراة كأنه ... ما حاجبيه معين بسواد ومعين بسواد، أي بين عينيه سواد. (الكتاب 1: 10- اللسان: عين) . (10) النور: 26. (11) الأعراف: 150.

وقال: (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) «1» والمتقدم: داود وسليمان. وأما قوله تعالى: / (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) » . هو على حذف المضاف، أي: في موضع قعود. وكذا قراءة من قرأ، (فِي مَسْكَنِهِمْ) «3» ، أي: في موضع سكناهم، لأن الاستغناء بالجمع عن المضاف إليه أكثره في الشعر، نحو: (في حلقكم عظم) «4» و (بعض بطنكم) «5» . نقل فارسهم.

_ (1) الأنبياء: 78. [.....] (2) القمر: 54 و 55. (3) سبأ: 15. قراءة النخعي وحمزة وحفص: مسكن: مفردا بفتح الكاف، والكسائي: مفردا بكسرها، وهي قراءة الأعمش وعلقمة. (4) جزء من بيت للمسيب بن زيد مناة الغنوي، والبيت بتمامه: لا ننكر القتل وقد سبينا ... في حلقكم عظمٌ وقد شجينا. (5) جزء من بيت. والبيت بتمامه: كلوا في بعض بطنكم تعفوا ... فإن زمانكم زمن خميص يريد: بطونكم. (البحر 7: 269- الكتاب 1: 1: 108) .

الباب التاسع والأربعون

الباب التاسع والأربعون هذا باب ما جاء في التنزيل منصوبا على المضاف إليه وهذا شيء عزيز، قال فيه فارسهم: إن ذاك قد أخرج بطول التأمل والفكر. فمن ذلك قوله عز من قائل: (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ) «1» «خالدين» حال من «الكاف والميم» المضاف إليهما «مثوى» ومثله: (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) «2» ، ف «مصبحين» حال من «هؤلاء» . وكذلك قوله: (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) «3» ، «إخوانا» حال من المضاف إليهم في قوله في «صدورهم» . ومثله: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) «4» . قال أبو إسحاق: «المثوى» : المقام، و «خالدين فيها» منصوب على الحال، أي: النار مقامكم في حال خلودٍ دائما. قال أبو علي: «مثوى» عندي في الآية اسم للمكان دون المكان، لحصول الحال في الكلام معملا فيها، ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون موضعا أو اسم مصدرٍ، فلا يجوز أن يكون موضعا، لأن اسم الموضع لا يعمل عمل الفعل، لأنه لا معنى للفعل فيه، فإذا لم يكن موضعا ثبت أنه مصدر، والمعنى: النار ذات إقامتكم، أي: النار ذات إقامتكم فيها خالدين، أي: هم

_ (1) الأنعام: 128. (2) الحجر: 66. (3) الحجر: 47. (4) يونس: 4.

أهل أن يقيموا ويثبتوا خالدين، فالكاف والميم فاعل في المعنى، وإن كان في اللفظ خفض بالإضافة. وأما قوله: وما هي إلا في إزار وعلقة ... مغار ابن همام على حي خثعما «1» فهو أيضا على حذف المضاف. المعنى: وما هي إلا في إزار وعلقة وقت إغارة ابن همام. ألا ترى أنه قد عداه ب «على» إلى «حي خثعما» ، فإذا عداه ثبت أنه مصدر، إذ اسما المكان والزمان لا يتعديان، فهو من باب/: خفوق النجم، ومقدم الحاج، وخلافة فلان، ونحو، من المصادر التي استعملت في موضع الظرف، للاتساع في حذف المضاف، الذي هو اسم زمان، وإنما حسن ذلك في المصادر لمطابقتها الزمان في المعنى ألا ترى أنه عبارة عن منقض غير باق، كما أن الزمان كذلك، ومن ثم كثر إقامتهم «ما» التي مع الفعل بمعنى المصدر مقام ظرف الزمان، لقولهم: أكلمك ما خلا ليل نهارا، وما خلقت جرة درة، (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) «2» حتى إن قوما من النحويين يسمونها: «ما» الوقت، وحقيقته: ما أعلمتك. وقال في «التذكرة» : القول في «مثوى» : إنه لا يخلو من أن يكون اسم مكان أو مصدرا، والأظهر المكان، فإذا كان كذلك فالحال من المضاف إليهم، كما إن قوله- يعني الجعدي: كأن حواميه مدبراً ... خضبن وإن كان لم يخضب «3» حال من المضاف إليه.

_ (1) البيت لحميد بن ثور. والعلقة: ثوب قصير بلا كمين تلبسه الصبية تلعب فيه. (2) المائدة: 117. (3) الحوامي: ميامن الحافر ومياسره. يصف فرسا.

وإن جعلت «المثوى» مصدرا ألزمك أن تقدر حذف المضاف، كأنه: موضع ثوائكم خالدين، فيكون الحال من المصدر والعامل فيها، كأنه: يثوون فيها خالدين. فالعامل في الحال- على هذا- المصدر، وفي الوجه الأول معنى الإضافة، مثل قوله تعالى: (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) «1» ، الحال عن الإضافة، وما فيه من معنى الفعل هو العامل، والدليل على ذلك أنه لا يخلو من أن يكون العامل المضاف إليهم أو معنى اللام، فلا يكون معنى اللام، لأنه لو كان كذلك لم تكن الحال مجموعا بالواو والنون ألا ترى أن «ما لهم» ، أي: شيء، وأي شيء ثبت لهم، لا يكون جميعا مما يعقل، فلا يكون الحال عنه، وإذا لم يكن عنه علمت أنه من المضاف إليهم، وأن العامل في الحال ما في الإضافة من معنى الفعل، وحروف الجر في هذا بمنزلة الأسماء كما كانت الأسماء بمنزلتها، في نحو: غلام من تضرب أضرب، وفي الاستفهام: غلام من تضرب؟ كما تقول: بأيهم تمرر وغلام من تضرب أضرب، بمنزلة: من تمرر أمرر. وقال في موضع آخر من «التذكرة» . القول في قوله تعالى: (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) «2» : إن الحال لا يخلو فيه من أن يكون: عما في اللام، أو عن المضاف إليهم، فلا يجوز أن يكون عما في اللام، فإذا لم يجز ذلك ثبت أنه عن المضاف إليهم، والمضاف إليه إنما جاز انتصاب الحال عنه لأنه لا تخلو الإضافة فيه/ من أن تكون بمعنى اللام، أو بمعنى «من» ، فمن أي القسمين كان فمعنى الفعل فيه حاصل، فانتصابهما عن معنى الفعل، ولا يكون ذلك معنى مضمرا، كما ذهب إليه أبو عثمان في قوله: وإذ ما مثلهم بشر «3»

_ (1) المدثر: 49. (3- 2) جزء من بيت للفرزدق، والبيت بتمامه: فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر (الديوان- الكتاب: 1: 29) .

ولكن حكم منزلة الحرف المراد في الظرف في ذلك حكم الإظهار، لأن الإضمار لا يلزمه، ألا ترى أنك إذا كنيت عنه ظهر الحرف، فكذلك حكم الظرف المراد في الإضافة لما لم يلزم حذفه، لقولك: ثوب زيدٍ، وثوب لزيدٍ وحلقة حديدٍ، وحلقة من حديد بمنزلة الحرف الذي يراد في الظرف ولا يلزم حذفه فعن هذا يلتزم الحال عن المضاف إليه. ومما يبين ذلك قوله: كأن حواميه مدبرا «1» ألا ترى أن الحال لا تكون من المضاف إليه ولا تكون من «كان» ، لأنه لا عمل لها في ذي الحال، ولا من خبرها، فإذا لم يجز ذلك ثبت أنه من المضاف إليه، كما أنها في الآية من المضاف إليه. فأما قوله: فهل في معدٍّ فوق ذلك مرفدا «2» فلا يخلو من أحد أمرين: أحدهما: على ما يذهب إليه أبو الحسن في قوله تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) «3» ونحوها فيكون في موضع رفع. والآخر: أن يكون صفة والموصوف محذوف. فيجوز انتصاب «المرفد» أن يكون حالا عن كل واحدٍ من القولين، ويجوز أن يكون من المضاف إليه، ويجوز أن يكون تبيينا عن ذلك، مثل. أفضلهم رجلا. ومن ذلك قوله: (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) «4» ف «مصبحين» . حال من المضاف إليهم، أعنى: «هؤلاء» .

_ (1) صدر بيت للجعدي، وقد مر (ص: 792) . [.....] (2) عجز بيت لكعب بن جعيل، وصدره: لنا مرفد سبعون ألف مدجج والمرفد: الجيش. (الكتاب 1: 299 و 353) . (3) الجن: 11. (4) الحجر: 66.

الباب المتم الخمسين

الباب المتم الخمسين باب ما جاء في التنزيل «أن» فيه بمعنى «أي» فمن ذلك قوله تعالى: (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) «1» . / المعنى: أي لا تشركوا به شيئا، ف «لا» ناهية جازمة، و «أن» بمعنى «أي» . وقيل: بل التقدير فيه: ذلك ألا تشركوا فيه فيكون خبر مبتدأ مضمر، أي: المتلو ألا تشركوا وليس التقدير: المحرم ألا تشركوا لأن ترك الشرك ليس محرما، كما ظنه الجاهل، ولا أن «لا» زائدة. وقيل: التقدير: حرم عليكم بألا تشركوا. وقيل: التقدير: أتلو عليكم ما حرم، أي: أتلو المحرم لئلا تشركوا. وقيل: التقدير: عليكم ألا تشركوا، و «أن» هذه نابية عن القول، وتأتي بعد فعل في معنى القول وليس بقول، كقولك: كتبت إليك أن قم. تأويله: قلت لك قم. ولو قلت: قلت لك أن تقوم، لم يجز لأن: القول يحكى ما بعده، ويؤتى بعده باللفظ الذي يجوز وقوعه في الابتداء، وما كان في معنى القول وليس بقول فهو يعمل، وما بعده ليس كالكلام المبتدأ. وهذا الوجه في «أن» لم يعرفه الكوفيون ولم يذكروه، وعرفه البصريون وذكروه وسموه: «أن» التي للعبارة، وحملوا عليه قوله: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا) «2» . وفي تقديره وجهان: أحدهما: انطلقوا فقالوا: قال بعضهم لبعضٍ: امشوا واصبروا وذلك أنهم انصرفوا من مجلسٍ دعاهم فيه النبي- صلى الله عليه وعلى آله-

_ (1) الأنعام: 151. (2) ص: 6.

إلى توحيد الله تعالى وذكره وترك الآلهة دونه، وصار «انطلق الملأ» لما أضمر القول بعده لمعنى فعلٍ يتضمن القول، نحو: «كتبت» وأشباهه. والوجه الأخر: أن يكون «انطلقوا» بمعنى: «تكلموا» كما يقال: انطلق زيد في الحديث، كأن خروجه عن السكوت إلى الكلام هو الانطلاق. ويقال في «أن امشوا» : أن اكثروا وانموا. وليس «المشي» هاهنا قطع الأماكن بل المعنى هو الذهاب في الكلام، مثل: (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا) «1» . ومعنى «المشى» هو الدؤوب والملازمة والمداومة على عبادتها، مثل: (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) «2» ليس يريد الانتصاب، وإنما يريد الاقتضاء، ومثل: (الْقَيُّومُ) «3» ، أي: المديم حفظه خلقه. فإن قيل: فإذا كان تأويل المشى على ما ذكرتم فغير ممتنع أن يكون التقدير: انطلقوا بالمشى لأنه يكون على هذا المعنى: أوصوهم بالملازمة لعبادتها، قيل «الوصية» وإنما هي العبادة في الحقيقة لا بغيرها، فلا يجوز تعليق «الوصية» بغير العبادة. وأيضا ليس المعنى: ذهبوا في الكلام وخاضوا فيه بالمداومة والملازمة بالعبادة. وأما قوله: (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) «4» . «أن» بمعنى: أي، وهي تفسير «أمرتني» ، لأن في الأمر معنى «أي» : ولو قلت: ما قلت لهم إلا ما قلت لي أن اعبدوا الله، لم يجز، لأنه قد ذكر القول، وإن «أن» إذا كانت بمعنى «أي» ، فهى تحتاج إلى ثلاثة شرائط: أولها: أن يكون الفعل والذي يفسره، أو يعبر عنه، فيه معنى القول وليس بقول، وقد مضى هذا.

_ (1) سبأ: 38. (2) آل عمران: 75. (3) البقرة: 155- آل عمران: - طه: 111. (4) المائدة: 120.

والثاني: ألا يتصل به شيء منه صار في جملته ولم يكن تفسيرا له كالذي قدّره سيبويه: أو عزت إليه بأن افعل. والثالث: أن يكون ما قبلها كلاما تاما، لأنها وما بعدها جملة تفسر جملة قبلها، ومن أجل ذلك كان قوله: (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) «1» : وآخر قولهم، «دعواهم» مبتدأ، و «آخر قولهم» ، مبتدأ لا خبر معه، وهو غير تام، فلا يكون بعده «أن» بمعنى «أي» . وقوله تعالى: (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) «2» . ومعناه: بأنك قد صدقت الرؤيا. وأجاز الخليل أيضاً أن يكون على «أي» ، لأن «ناديناه» كلام تام، ومعناه: قلنا: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا «3» . ومن ذلك قوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ) «4» ، يكون بمعنى «أي» ، ويكون بإضمار «الباء» ، كما حكى الخليل: أرسل إليه بأنك ما أنت وذا. وأما قوله: (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا) «5» ، فيمن زعم- وهو معمر- (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي) «6» على إضمار القول، كأنه يراد به: قلنا أن لا تتخذوا، ولم يكن قوله هذا متجها، وذلك أن القول لا يخلو من أن تقع بعده جملة على معنى: يحكى، أو معنى جملة تعمل فى لفظه.

_ (1) يونس: 10. (2) الصافات: 104 و 105. (3) البحر المحيط (7: 370) . (4) إبراهيم: 5. (6- 5) الإسراء: 2. [.....]

القول الأول: كقولك: قال زيد عمرو لمنطلق، فموضع الجملة نصب بالقول. والآخر، يجوز أن يقول القائل: لا إله إلا الله، فتقول: قلت حقا أو يقول: الثلج حار، فتقول: قلت باطلا فهذا معنى ما قاله وليس نفس القول. وقوله (أَلَّا تَتَّخِذُوا) «1» خارج من هذين الوجهين، ألا ترى أنّ (أَلَّا تَتَّخِذُوا) «2» ليس هو معنى القول، كما أن قولك: «حقا» ، إذا سمعت كلمة الإخلاص، معنى القول، وليس قوله (أَلَّا تَتَّخِذُوا) «3» بجملة، فيكون كقولك: قال زيد عمرو منطلق. ويجوز أن يكون بمعنى «أي» أي التي للتفسير، وانصرف الكلام من الغيبة إلى الخطاب، كما انصرف من الخطاب في قوله تعالى: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) «4» إلى الأمر، كذلك انصرف من الغيبة إلى النهى فى قوله: (أَلَّا تَتَّخِذُوا) «5» وكذلك قوله: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي) «6» في وقوع الأمر بعد الخطاب، ويجوز أن تضمر القول وتخمل «تتخذوا» على القول المضمر، إذا جعلت «أن» زائدة، فيكون التقدير: وجعلناه هدى لبني إسرائيل، فقلنا: لا تتخذوا من دونى وكيلا، فيجوز إذا فى قوله: (أَلَّا تَتَّخِذُوا) «7» ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون الناصبة للفعل، فيكون المعنى: وجعلناه هدى كراهة أن تتخذوا من دوني وكيلا، أو لئلا تتخذوا. والآخر: أن تكون بمعنى «أي» ، لأنه بعد كلام تام، فيكون التقدير: أي لا تتخذوا.

_ (7- 5- 3- 1) الإسراء: 2. (4- 2) ص: 6. (6) المائدة: 117.

والثالث: أن تكون «أن» زائدة، وتضمر القول. وأما قوله: (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا) » . قال أبو علي: يكون «أن» التفسير، لأن «قضى ربك» كلام تام، و «لا تعبدوا» نهى، كأنه: قضى ربك هذا وأمر بهذا. فعلى هذا يكون قوله: (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) » كأنه أمر بعد نهي، كأنه: وأحسنوا بالوالدين إحسانا، وتكون الناصبة للفعل أيضا، فيكون الواو في «بالوالدين» عاطفة على «أن» ، كأنك قلت: قضى بأن لا تعبدوا، وأن تحسنوا، ويكون الفعل بعد «الواو» القائمة مقام «أن» محذوفا، وما أقل ما يحذف الفعل في صلة «أن» ، وكذلك ينبغى ألا يحذف بعد ما يقوم مقامها، وقد قال: أما أنت منطلقا انطلقت إليك، فحمله على «أن كنت» ، «وما» بدل من الفعلين، وليس في الآية «بل» ، فلا تحمل على «أن» الناصبة.

_ (2- 1) الإسراء: 23.

الباب الحادي والخمسون

الباب الحادي والخمسون هذا باب ما جاء في التنزيل من المضاعف وقد أبدلت من لامه حرف لين فمن «1» ذلك ما قاله القاسم في قوله تعالى: (لَمْ يَتَسَنَّهْ) «2» إنه من قوله: (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) «3» ، أي: يتغير، ثم أبدلت من النون الأخيرة ياء، فصار «يتسنى» ، فإذا جزمت قلت: لم يتسن، كما تقول: لم يتفن، ثم تلحق الهاء لبيان الوقف. وقيل: هو من «السنة» ، تسنى، أي: مرت عليه السنون فتغير. ومن أثبت الهاء في الوصل، فلأنهم قالوا: سنة وسنهات، فيكون الهاء لام الفعل. ومن ذلك قوله تعالى: (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) «4» ، أي: تمل، لقوله: (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) «5» . يقال: أمللت، وأمليت. ومن ذلك قوله: (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) «6» ، والأصل: «يتمطط» . قالوا: لأنه من المطيطاء «7» . ومنه قوله: (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) «8» ، أي: دسها بالفجور والمعاصي، فأبدلت من اللام ياء، فصار: «دساها» . ومنه قوله تعالى: (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) «9» ، أي: دللهما، لقوله: (هَلْ أَدُلُّكَ) «10» . ويكون «فعل» ، دلى يدلى، الذي مطاوعه «تدلى» : كقوله: هما دلّتانى من ثمانين قامة «11»

_ (1) الكتاب (2: 401) . (2) البقرة: 259. (3) الحجر: 26، 28، 33. (4) الفرقان: 5. (5) البقرة: 282. (6) القيامة: 33. (7) المطيطاء، بالمد والقصر: مشية التبختر. (8) الشمس: 10. (9) الأعراف: 22. (10) طه: 120. [.....] (11) صدر بيت، وعجزه: كما انقض باز أقحم اللون كاسر

أي: أوقعهما في المعصية بغروره وإلقائهما فيها وطرحهما. ويجوز أن يكون «دلى» مثل «سلقى «1» » ، وقد روى: فلان آفى من فلان، وهذا مثل «أملى» في «أمل» . قال سيبويه: وكل هذا التضعيف فيه عربي كثير جيد جدا، يعني: ترك القلب إلى الياء عربي جيد، إذا قلت: تظنيت وتسريت. وقد جعل سيبويه الياء في «تسريت» بدلا من الراء، وأصله: تسررت، وهو من السرور، فيما قاله الأخفش، لأن السرية يسر بها صاحبها. وقال ابن السراج: هو عندي من السر، لأن الإنسان يسر بها ويسترها عن حزبه كثيرا. والأولى عندي أن يكون من «السر» ، الذي هو النكاح. وقيل: ليس الأصل فيه «تسررت» ، وإنما هو «تسريت» بمعنى: سراها، أي: أعلاها، وسراة كل شىء: أعلاه. وأما «كلا» «وكل» فليس أحد اللفظين من الآخر، لأن موضعهما مختلف، تقول: كلا أخويك قائم، ولا تقول: كل أخويك قائم. ولا يجوز أن تجعل الألف في «كلا» بدلا من اللام في «كل» ، / ولم يقم الدليل على ذلك، وكذلك قال سيبويه «2» . ومثله: ذرية، أصله: ذروة، فعلولة من «الذر» ، فأبدلت من الراء ياء، وقلبت الواو ياء، وأدغمت فيه فصارت «ذرية» .

_ (1) سلقى: سلق. (2) الكتاب (2: 401) .

وفي ذلك ما روى عن ابن كثير فى قوله: (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) «1» . قال أبو علي: وجه ما روى من «فذانيك» أنه أبدل من النون الثانية الياء، كراهية التضعيف «2» . وحكى أحمد بن يحيى: لا وربيك ما أفعل يريد: لا وربك. ومن ذلك قراءة من قرأ: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) «3» هو من «قر» في المكان «يقر» ، أصله: اقررن، فأبدل من الراء الأخيرة ياء، ثم حذفها وحذف «همزة الوصل» ، فصار: «قرن» ، وهو مشكل. ومثله: (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) «4» ، فيمن قرأها بالتخفيف، أصله «تعتدونها» ، فأبدل من الدال حرف اللين.

_ (1) القصص: 32. (2) قراءة ابن كثير وأبي عمرو «فذانك» بتشديد النون، وقرأ ابن مسعود وعيسى وأبو نوفل وابن هرمز وشبل «فذانيك» بياء بعد النون المكسورة، وهي لغة هذيل. وعن شبل عن ابن كثير أيضا «فذانيك» بفتح النون قبل الياء (البحر 7: 118) . (3) الأحزاب: 33. (4) الأحزاب: 49.

الباب الثاني والخمسون

الباب الثاني والخمسون هذا باب ما جاء في التنزيل من حذف واو العطف فمن ذلك قوله تعالى: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) «1» ، والتقدير: صم وبكم وعمى، كقوله في الأخرى: (صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ) «2» ، فالتقدير فيه أيضا: وفي الظلمات. ومن ذلك قوله: (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) «3» ، و (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) «4» ، فحذف الواو. وهكذا في جميع التنزيل من هذا النوع. ومن ذلك قوله تعالى: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) «5» أي: ورابعهم كلبهم. وكذلك قوله: (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) «6» أي: وسادسهم. دليل ذلك قوله: (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) «7» . وكما ظهرت الواو هنا فهي مقدرة في الجملتين المتقدمتين، إذ ليست الجملتان صفة لما قبلهما ولا حالا ولا خبرا، لما تقدم في غير موضع، وإنما هما جملتان في تقدير العطف على جملتين. ومن ذلك قوله تعالى: (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ) «8» التقدير: وأغويناهم، وقد تقدم شرحه.

_ (1) البقرة: 18، 171. (2) الأنعام: 39. (3) البقرة: 82- الأعراف: 42- يونس: 26- الأحقاف: 14. (4) البقرة: 39، 81، 217، 3257، 275- آل عمران: 116- الأعراف: 36- يونس: 27- الرعد: 5- المجادلة: 17. (7- 6- 5) الكهف: 22. (8) القصص: 63.

وأما قوله تعالى: (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) «1» فإن جواب «إذا» قوله «تولوا» وليس الجواب «قلت» والتقدير في «قلت» أن يكون بحرف عطف، إلا أنك استغنيت عنه بتضمن الثانية الذكر مما في الأولى، بمنزلة/ قوله (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) ، ألا ترى أن إفاضتهم الدمع إنما هو إياسهم من الخروج والتوجه نحو العدو لتعذر الظهور الحاملة لهم عليها. وأما قوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا) «2» . فحمله أبو الحسن على حذف الواو، نهى بعد أمرٍ. وحمله الفراء على جواب الأمر، وفيه طرف من النهي، ومثله: (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) «3» . ومن ذلك قوله: (رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا) «4» ، أي: وأنعم الله، فحذف الواو. وقال الله تعالى: (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ) «5» ، أي: وقال. ومن ذلك قال الفرّاء فى قوله: (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) «6» ، على إضمار الواو، كأنه: أو وهم قائلون، فحذفت الواو لاجتماع شيئين. قال أبو علي: إنما قال هذا، لأن «أوهم قائلون» معطوف على «بياتا» الذي هو حال، فهذه الجملة إذا دخلت كانت مؤذنة بأن الجملة بعدها للحال

_ (1) التوبة: 92. [.....] (2) الأنفال: 25. (3) النمل: 18. (4) المائدة: 23. (5) القصص: 79. (6) الأعراف: 4.

أيضا، فالتقدير أتاهم بأسنا بائتين، أو قائلين. ولو قلت: جاءني زيد ويده فوق رأسه، بلا واو، لكان حسنا، وإذا كان كذلك فقد يجوز ألا تقدر الواو، يدلك على أن قوله (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) جملة فى موضع مفرد، قوله: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً) «1» ، فقوله: (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) بمنزلة «نهارا» .

_ (1) يونس: 50.

الباب الثالث والخمسون

الباب الثالث والخمسون هذا باب ما جاء في التنزيل من الحروف التي أقيم بعضها مقام بعض وهذا الباب يتلقاه الناس معسولا ساذجا من الصنعة، وما أبعد الصواب عنهم، وأوقفهم دونه، وذلك أنهم يقولون: إن «إلى» يكون بمعنى «مع» ويحتجون لذلك بقول الله تعالى: (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ) «1» ، أي: مع الله. وقال الله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) «2» ، أي: مع امولكم. ويقولون «في» بمعنى «على» ، ويحتجون بقوله تعالى: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) «3» ، أي: عليها. وهذا في الحقيقة من باب الحمل على المعنى. فقوله: (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ) «4» معناه: من يضيف نصرته إلى نصرة الله، وكذا: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) «5» . أي مضمومة إليها، وكذلك قوله: (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) «6» ، وأنت إنما تقول: هل لك في كذا؟ / لكنه لما كان هذا دعاء منه- صلى الله عليه وعلى آله- له صار تقديره: أدعوك وأرشدك إلى أن تزكى. وأما قوله: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) «7» ، فليس في بمعنى «على» ، وإنما هو على بابه، لأن المصلوب فى الجذع، والجذع وعاء له.

_ (4- 1) آل عمران: 52. (5- 2) النساء: 2. (7- 3) طه: 71. (6) النازعات: 18.

الباب الرابع والخمسون

الباب الرابع والخمسون هذا باب ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل المضاف إلى المكنى وذلك قد جاء في التنزيل في ستة «1» مواضع: فمن ذلك قوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) «2» . وقال: (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) «3» . وقال الله تعالى: (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) «4» . وقال الله تعالى: (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) «5» . وقال: (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) «6» . وقال: (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) «7» . فهذه ستة مواضع. فالهاء والكاف في هذه الآي جرٌّ عندنا. وقال أبو الحسن: هو نصب، واحتج بانتصاب قوله (وَأَهْلَكَ) «8» ، فلولا أن الكاف منصوب المحل لم ينصب «أهلك» واحتج بأن النون إنما حذف حذفا لتعاقبه المضمر، لا لأجل الإضافة فوجب أن يكون منصوبا،

_ (1) الأصل: «خمسة» والمذكور ستة. (2) البقرة: 223. (3) الأعراف: 135. (4) النحل: 7. [.....] (5) العنكبوت: 33. (6) غافر: 56. (7) القصص: 7. (8) الأصل: «سبعة» والمذكور ستة.

قياسا على قولنا: هؤلاء ضوارب زيداً، وحجاج بيت الله، فإن التنوين هنا حذف حذفا فانتصب ما بعده، كذلك هاهنا، ولا يلزم قولكم إن المضمر يعتبر بالمظهر، لأنا نرى نقيض ذلك في باب العطف، حيث لم يجز عطف المظهر على المضمر المرفوع ولا على المضمر المجرور، وإن جاز عطفه على المضمر المنصوب، فكذلك هاهنا يجوز أن يقع المضمر منصوبا، وإن كان المظهر لو وقع كان مجرورا. ولنا أنه اسم مضاف إليه اسم قبله، فوجب أن يكون مجرورا قياسا على: ضاربا زيدٍ، وغلاما بكر، وهذا لأن المضاف إليه يعاقب النون أو التنوين، وهذا الاسم عاقب النون، حتى لا يجمع بينه وبين النون في حال السعة، فوجب أن يكون مجرورا، ولأن المضمر يعتبر بالمظهر ما لم يعرض هناك- عارض- مثل- ما عرض في باب العطف/ بامتناع المظهر على المضمر المرفوع، لما صار المضمر المرفوع كالجزء من الفعل، بدليل إسكانهم لام الفعل من أجل هذا المضمر، في «ضربت» ، وامتنع عطف المظهر المجرور على المضمر المجرور، لامتناع الفصل بين الجار والمجرور، وهذا المعنى لم يعرض هاهنا، فبقى اعتباره بالمظهر. وأما انتصاب «أهلك» من قوله: (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) «1» فبفعلٍ مضمرٍ، لامتناعه من أن يكون معطوفا على مضمر مجرور، لأن الظاهر لا يعطف على المضمر المجرور. وأما الهاء في قوله: (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) «2» فقد قال أبو على: المعنى: ما هم ببالغي ما في صدورهم، وليس المعنى: ما هم ببالغي الكبر، لأنهم قد بلغوا الكبر، إذ كانوا قد فعلوه وطووا صدورهم عليه.

_ (1) العنكبوت: 33. (2) غافر: 56.

فإن قلت: فإن معنى قوله: (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) «1» : ما في صدورهم إلا كبر. وإذ لم يكن في صدورهم إلا كبر، قلت: المعنى: ما هم ببالغي ما في صدورهم فقد قلت: إن المعنى: ما هم ببالغي ما في الكبر لأن في صدورهم الكبر لا غير. فالقول في ذلك: إن هذا على الاتساع، وتكثير «الكبر» لا يمتنع أن يكون في صدورهم غيره، ألا ترى أنك قد تقول للرجل: ما أنت إلا سير، وما أنت إلا شرب الإبل وإذا كان كذلك كان المعنى: إن في صدورهم إلا كبر، ما هم ببالغي ما في صدورهم، ويكون المعنى بقوله «ما في صدورهم» : ما كانوا يجادلونه من أمر النبي، صلى الله عليه وعلى آله. كقوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ) «2» ، فمعنى (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) «3» ما هم ببالغي ما يرونه من توهين أمره وتنفير الناس عنه وصدهم عن الدين. قال أبو عثمان المازني: ولا يضاف «ضارب» إلى فاعله، لأنك لا تضيفه إليه مضمرا، وكذلك لا تضيفه إليه مظهرا. قال: وجازت إضافة المصدر إلى الفاعل مظهراً لما جازت إضافته إليه مضمرا. وكأن أبا عثمان إنما اعتبر في هذا الباب المضمر فقدمه وحمل عليه المظهر، / من مثل أن المضمر أقوى حكما في باب الإضافة من المظهر، وذلك أن المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة، وهو التنوين، من

_ (3- 1) غافر: 56. (2) الصف: 8.

المظهر. وكذلك لا يجتمعان فى نحو: ضار بانك، وقاتلونه، من حيث كان المضمر بلطفه وقوة اتصاله، وليس كذلك المظهر لقوته ووفور صورته، ألا ترك تثبت معه التنوين فتنصبه، نحو: ضاربان زيدا، وقاتلون بكرا، فلما كان المضمر مما تقوى معه مراعاة الإضافة حمل المظهر، وإن كان هو الأصل، عليه.

الباب الخامس والخمسون

الباب الخامس والخمسون باب ما جاء في التنزيل في جواب الأمر فمن ذلك قوله تعالى: (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا) «1» ف «يخرج لنا» جزم، لأن التقدير: ادع لنا ربك وقل له أخرج يخرج لنا مما تنبت الأرض. ومنه قوله: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ) «2» أي: أخرجها تخرج. وقال: (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) «3» ، ففي «يقيموا» ثلاثة أقوال: الأول: أن يكون جواب «قل» ، لأنه يتضمن معنى: مرهم بالصلاة يفعلوا، لأنهم آمنوا. والثاني: أن «قل» تقتضى مقولا، وذلك المقول هاهنا «أقيموا» ، فالتقدير: قل لهم أقيموا الصلاة يقيموها، أي: إن قلت أقيموا أقاموا، لأنهم يؤمنون، فيكون جواب أمر محذوف دل عليه الكلام. والثالث: أن يكون بحذف اللام من فعل أمر الغائب، على تقدير: قل لهم ليقيموا الصلاة. وجاز حذف اللام هنا، ولا يجوز ابتداء مع الجزم، لأن لفظ الأمر هاهنا صار عوضا من الجازم، وفي أول الكلام لا يكون له عوض إذا حذف «4» .

_ (1) البقرة: 61. (2) النمل: 12. (3) إبراهيم: 31. (4) البحر (5: 426) . الكتاب (1: 408) .

وفي «التذكرة» في قوله: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) «1» إلى قوله (يَغْفِرْ لَكُمْ) «2» قيل: «تؤمنون» على إرادة «أن» فلما حذفت رفع، كأنه: هل أدلكم على أن تؤمنوا، على أنه بدل من «تجارة» فلما حذف رفع، فيكون المعنى معنى «أن» ، وإن حذفت، وأن يكون بمعنى «آمنوا» / أقوى، لانجزام قوله «يغفر» ، ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون جوابا لقوله: (هَلْ أَدُلُّكُمْ) ، أو يكون جواب «آمنوا» ، فلا يكون جواب «هل أدلكم» لأنه ليست المغفرة تقع بالدلالة، إنما تقع بالإيمان، فإذا لم يمتنع أن يكون جوابا له ثبت أنه بمعنى الأمر. هذا قول سيبويه «3» . وقال قوم: إن قول الفراء أجود، وذا كأن «تؤمنوا» لا يقتضى جوابا مجزوما، لأنه مرفوع والاستفهام يقتضيه، وإذا وجب بالإجماع حمل الكلام على المعنى، فأن يقدر «هل تؤمنوا يغفر» أولى، لارتفاع «تؤمنون» ، ولكون المعنى عليه، ويكون «تؤمنون» بدلا من «أدلكم» . قال أبو عثمان في قوله: (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) «4» : التقدير في «يقولوا» : «قولوا» ، لأنه إذا قال «قل» فقوله لم يقع بعد، فوقوع «يفعل» في موضع «افعلوا» غير متمكنٍ في الأفعال، فلما وقع التمكن وقع «افعلوا» وهكذا تقول في قوله: إذا الدين أودى بالفساد فقل له ... يدعنا ورأساً من معدٍّ نصارمه أي: دعنا. وهذا لا يرتضيه أبو علي، لأن الموجب للبناء في الاسم الواقع موقع المبني لا يكون مثل ذلك في الأفعال، وإنما يكون فى الأسماء.

_ (1) الصف: 10 و 11. (2) الصف: 12. [.....] (3) الكتاب (1: 448) . (4) الإسراء: 53.

الباب السادس والخمسون

الباب السادس والخمسون هذا باب ما جاء في التنزيل من المضاف الذي اكتسى من المضاف إليه بعض أحكامه فمن ذلك قوله تعالى: (فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) «1» ، وقف على «فاقع» ، أنث اللون، لأنه قد اكتسى من المضاف إليه التأنيث. وقال: (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) «2» ، لما أضاف «الأمثال» إلى المؤنث اكتسى منه التأنيث، ولم يقل «عشرة» . وقال: (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) «3» ، في قراءة الحسن «4» بالتاء. ومن ذلك قوله: (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) «5» ، (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) «6» ، (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) «7» . وقوله: (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) «8» ، فيمن فتح، فتحه لأنه بناه حين أضافه إلى «إذ» فاكتسى منه البناء. وربما يكتسى منه الشيوع، ومعنى الشرط، ومعنى الاستفهام. فالشيوع كقوله: (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا) «9» ، لما أضاف «مثل» إلى «اللام» كان بمعنى اللام «10» .

_ (1) البقرة: 69. (2) الأنعام: 160. (3) يوسف: 10. (4) وهي أيضا قراءة مجاهد وقتادة وأبي رجاء. (البحر 5: 284) . (5) هود: 66. (6) النمل: 89. (7) المعارج: 11. (8) المدثر: 9. (9) الجمعة: 5. (10) لم يعرض المؤلف لاكتساء المضاف من المضاف إليه معنى الشرط ومعنى الاستفهام.

فأما قوله تعالى: (قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) «1» ، فليس من هذا الباب، لأنه مضاف إلى المعرب دون المبني، فانتصابه إنما هو على الظرف، أي: هذا واقع يوم ينفع الصادقين أو يكون ظرفا ل «قال» ، أي: قال الله هذا في ذلك اليوم. وقال قوم: (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) «2» : إن قوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ) «3» مبني على الفتح، وهو في موضع الرفع، لأنه بدل من قوله (يَوْمُ الدِّينِ) «4» . وقالوا: إنما بني لأنه أضيف إلى الجملة، والجملة لا يتبين فيها الإعراب، فلما أضيف إلى شيئين كان مبنياًّ. وقالوا في قوله تعالى: (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) «5» فجرى ذكر «الدين» . وهو الجزاء، قال: (يَوْمَ لا تَمْلِكُ) «6» أي: الجزاء يوم لا تملك، فصار (يَوْمَ لا تَمْلِكُ) خبر الجزاء المضمر، لأنه حدث، فيكون اسم الزمان خبرا عنه ويقوى ذلك قوله: (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) «7» . ويجوز النصب على أمرٍ آخر، وهو أن «اليوم» لما جرى في أكثر الأمر ظرفا ترك على ما كان يكون عليه في أكثر أمره ومن الدليل على ذلك ما اجتمع عليه القراء فى قوله تعالى: (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) «8» .

_ (1) المائدة: 119. (4- 3- 2) الذاريات: 12، 13. [.....] (5) الانفطار: 17. (6) الانفطار: 19. (7) غافر: 17. (8) الأعراف: 168.

وقوله تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) «1» . ومثله: (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ) «2» . ومثله: (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) «3» فيمن نصب. ومثله: (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) «4» ، مرتبا للمفعول، لما جرى «بين» في كلامهم منصوبا بقاه على النصب. قال سيبويه: وسألته «5» عن قولهم في الأزمنة: كان ذلك زمن زيدٍ أمير؟ فقال: لما كانت بمنزلة «إذ» أضافوها إلى ما قد عمل بعضه في بعض، كما يدخلون «إذ» على ما قد عمل بعضه في بعض فلا يغيرونه، فشبهوا هذا بذاك. ولا يجوز هذا في الأزمنة حتى تكون بمنزلة «إذ» ، فإن قلت: يكون هذا يوم زيد أمير، خطأ. حدثنا بذلك عن يونس عن العرب في ذلك، لأنك لا تقول: يكون هذا إذا زيد أمير. قال أبو عثمان: جملة هذا الباب: إن الزمان إذا كان ماضيا/ أضيف إلى الفعل أو إلى الابتداء والخبر، لأنه في معنى «إذ» ، فأضيف إلى ما يضاف إليه، وإذا كان لما لم يقع لم يضف إلا إلى الأفعال، لأنه في معنى «إذا» «وإذا» هذه لا تضاف إلّا إلى الأفعال.

_ (1) الجن: 11. (2) القارعة: 3، 4. (3) الأنعام: 94. (4) الممتحنة: 3. (5) يريد: الخليل.

قلت: وفى التنزيل: (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) «1» ، و (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) «2» . وفيما اكتسى المضاف من المضاف إليه التأنيث: (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) «3» و (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ) «4» ، وقوله: (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) «5» ، جاء تأنيث الفعل في هذه الآي وأمثالها، لأن «كلا» لما أضيف إلى المؤنث اكتسى منه التأنيث ليكون حجة لقراءة الحسن (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) «6» و «كل» ك «بعض» و «بعض» ك «كل» .

_ (1) غافر: 16. (2) الذاريات: 13. (3) النحل: 111. (4) غافر: 17. (5) البقرة: 281- آل عمران: 17. [.....] (6) يوسف: 10.

الباب السابع والخمسون

الباب السابع والخمسون هذا باب ما جاء في التنزيل وصار المضاف إليه عوضا من شيء محذوف فمن ذلك قوله تعالى: (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ) «1» ، وأنت تقول: أقمت إقامة، فإذا قلت: إقام الصلاة، حذفت التاء، ويصير المضاف إليه عوضا من التاء. نظيره في الأنبياء: (فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ) «2» . وقد شاع كون المضاف إليه بدلاً من التنوين والألف واللام.

_ (1) النور: 27. (2) الأنبياء: 73.

الباب الثامن والخمسون

الباب الثامن والخمسون هذا باب ما جاء في التنزيل معطوفا وليس المعطوف مغايرا للمعطوف عليه وإنما هو هو أو بعضه فمن ذلك قوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) «1» ، إن حملت الكلام على المعنى وقلت: إن التقدير: أحرص من الناس، كان «الذين أشركوا» داخلين معهم، وخصوا بالذكر لشدة عنادهم. ومثله: (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) «2» . ومثله: (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) «3» . ومثله: (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) «4» ، و «الضياء» في المعنى هو الفرقان. وقال: (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) «5» . فأما قوله: (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) «6» ، فالشافعي يجعله من هذا الباب فيقول، لو قال رجل: والله لا آكل الفاكهة فأكل من هذين يحنث، وجعله من هذا الباب ك «جبريل وميكال» .

_ (1) البقرة: 96. (2) البقرة: 98. (3) الأنفال: 49. (4) الأنبياء: 48. (5) الحجر: 87. (6) الرحمن: 68.

وأبو حنيفة يحمله على أصل العطف من المغايرة دون ما خص بالذكر بعد الواو، إما تعظيماً، وإما لمعنى آخر. ومثله: (الَّذِي/ خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) «1» ، إلى قوله: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) «2» . وحكى سيبويه: مررت بزيد وصاحبك، ولا يجوز: فصاحبك، بالفاء، خلافا لأبي الحسن الأخفش. وقال: (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) «3» . وفي موضع آخر: (تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) «4» . والكتاب والقرآن واحد. فأما قوله، (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ) «5» . فيكون من هذا الباب، فيكون «الذي» في موضع الجر، أي: تلك آيات الكتاب المنزل إليك، ويرتفع «الحق» إذاً بإضمار مبتدأ، ويكون «الذي» مبتدأ، و «الحق» خبرا له.

_ (1) الشعراء: 78، 79. (2) الشعراء: 82. (3) الحجر: 1. (4) النمل: 1. (5) الرعد: 1. [.....]

الباب التاسع والخمسون

الباب التاسع والخمسون هذا باب ما جاء في التنزيل من التاء في أول المضارع فيمكن حمله على الخطاب أو على الغائبة فمن ذلك قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) «1» ، يجوز أن يكون: «تطهرهم أنت» ، وأن يكون التقدير: تطهرهم هي، يعني الصدقة، فيكون الأول حالا من الضمير في «خذ» ، وفي الثانية صفة ل «صدقة» . قال أبو علي: يمكن أن يكون حالا للمخاطب، أي: خذها مطهراً لهم، فإن جعلت «تطهر» صفة ل «صدقة» لم يصح أن يكون «تزكيهم» حالا من المخاطب، فيتضمن ضميره لأنك لو قلت: خذ مزكيا، وأنت تريد الحال، فأدخلت الواو، لم يجز ذلك لما ذكرنا، ويستقيم في «تطهرهم» أن يكون وصفا، وكذلك «تزكيهم» وصفا له، وكذلك «تزكيهم» لمكان «بها» . كما يستقيم فيهما أن تكونا حالين، ولا يستقيم أن تكون الأولى وصفا والأخرى للمخاطب، كما لا يجوز أن تكون الأولى حالا والأخرى وصفا، لمكان الواو. ومن ذلك قوله: (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ) «2» . أي تحل أنت وإن شئت: أو تحل القارعة.

_ (1) التوبة: 103. (2) الرعد: 31.

ومثله: (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ) «1» ، إن شئت: تلقف أنت، وإن شئت: تلقف العصا التي في يمينك، فأنث على المعنى. وقال: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) «2» إن شئت: تحدث أنت، أو: تحدّث هى، يعنى الأرض.

_ (1) طه: 69. (2) الزلزلة: 4.

الباب المتم الستين

الباب المتم الستين هذا باب ما جاء في التنزيل من واو الحال تدخل على الجملة من الفعل والفاعل، والمعروف منها دخولها على المبتدأ والخبر، كقوله: (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) «1» . وقد دخل على الفعل والفاعل في مواضع فمن ذلك قوله: (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) «2» كان سهل «3» يقف على «ذلول» ويبتدى بقوله: «تثير الأرض» فيكون «الواو» في «ولا تسقى الحرث» للحال دون العطف، لأن النفي لا يعطف على الإثبات. ومن ذلك قوله: (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً) ، (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) «4» ، أي: غير مسئول، فهو في موضع الحال، وحمله مرةً أخرى على الإثبات. ومن ذلك قوله تعالى: (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ) «5» ، فيمن خفف النون. قال: وإن شئت كان على لفظ الخبر، والمعنى: معنى الأمر، كقوله: (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) «6» ، (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) «7» ، أي: لا ينبغي ذلك. وإن شئت جعلته حالا من «استقيما» ، وتقديره: استقيما غير متبعين. وأنشد فيه أبياتاً تركتها مع أبيات أخرى.

_ (1) آل عمران: 154. (2) البقرة: 71. (3) سهل: هو أبو حاتم السجستاني سهل بن محمد بن عثمان. بصري: كان إماما في علوم القرآن واللغة والشعر. وله: إعراب القرآن. وكانت وفاته بين الثامنة والأربعين والخامسة بعد المائتين (البقية: 265) . (4) البقرة: 119. (5) يونس: 89. (6) البقرة: 228. (7) البقرة: 233.

فأما قوله: (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ) «1» ، فإنهما كانا طائفتين: طائفة قالت: يا أهل يثرب لا مقام لكم، وطائفة تستأذن النبي. فالواو للاستئناف عطف على «وإذ قالت» . ويجوز أن يكون للحال من «الطائفة» ، أي: وإذ قالت طائفة منهم كيت وكيت، مستأذنا فريق منهم النبي. وجاز لربط الضمير الجملة بالطائفة، أي: قالت كذا، وحال طائفة كذا. ومن ذلك قوله تعالى: (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً) «2» . يجوز أن يكون حالاً من الباغين، أي: يصدون باغين ويجوز أن يكون حالا من «السبيل» . ويجوز الاستئناف، لقوله في الآية الآخرى: (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً) «3» . وحكم تعديته- أعني «تبغون» - إلى أحد المفعولين، أن يكون بحرف الجر، نحو: بغيت لك خيرا، ثم يحذف الجار. ومن ذلك قوله تعالى: (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) «4» . الواو في «اتخذتموه» واو الحال، أي: أرهطي أعز عليكم من الله وأنتم بصفة كذا؟ فهو داخل فى حيز الاستفهام.

_ (1) الأحزاب: 13. (2) الأعراف: 45. (3) الأعراف: 86. [.....] (4) هود: 92.

/ ومن ذلك قوله تعالى: (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ) «1» قيل: لم يقولوا: إن شاء الله. وقيل: لم يستثنوا حق المساكين. فعلى الثاني: الواو للحال، أي: أقسموا غير مستثنين، وعلى الأول: الواو للعطف، أي: أقسموا وما استثنوا، فهو حكاية الحال من باب: (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ) «2» . وإن شئت من باب: (كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ) «3» نظير قوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) «4» ، وقوله: (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ) «5» ، وقوله: (رَبِّ ارْجِعُونِ) «6» . وأما قوله: (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا) «7» . قال الجرجاني «8» : كما لا يجوز أن يكون «لا نكذب» معطوفاً على «نرد» لأنه يدخل بذلك الحتم ويجرى مجرى أن يقال: يا ليتنا لا نكذب، كذلك لا يجوز أن تكون الواو للحال، لأنه يوجب مثل ذلك من دخوله في التمني من حيث كانت الواو إذا كانت للحال ربطت الجملة بما قبلها. فإذا قلت: ليتك تأتيني وأنت راكب، كنت تمنيت كونه راكبا، كما تمنيت الإتيان. فإن قلت ما تقول في مثل قول المتنبي: فليتك ترعاني وحيران معرضٌ «9» لا يتصور أن يكون دنوه من «حيران» متمنًّى، فإن ذلك لا يكون لأن المعنى

_ (1) القلم: 17. (2) الكهف: 18. (3) الحج: 25. (4) الحجر: 9. (5) يونس: 83. (6) المؤمنون: 99. (7) الأنعام: 27. (8) الجرجاني: هو أبو الحسن علي بن عبد العزيز. ومن كتبه: تفسير القرآن. وكانت وفاته سنة 366 هـ. (وفيات الأعيان. معجم الأدباء) . (9) صدر بيت من قصيدة له في مدح كافور، وعجز البيت: فتعلم أني من حسامك حده وحيران: ماء بالشام بالقرب من سلمية، على يوم منها. ومعرض: ظاهر، من أعرض الشيء: إذا بدا للناظر. (الديوان 2: 27) .

في مثل هذا شبيه التوقيف، نحو: ليتك ترعاني حين أعرض حيران، وحين انتهيت إلى حيران، ولا يكون ذلك إلا في الماضي الذي قد كان ووجد، وكلامنا في المستقبل، فهذه زيادة فى آخر الكتاب تجىء على قول الفراء دون سيبويه وأصحابه، من عطف الظاهر المجرور على المضمر المجرور، يذهب إليه في عدة آي: منها قوله: (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) «1» ، يحمل جر «المسجد» على «الهاء» . ومنها قوله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) «2» ، فيمن قرأها بالجر. ومنها قوله: (قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ) «3» ومنها قوله: (لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) «4» ، يحمل «أخي» على «الياء» في «نفسي» . ومنها قوله: (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) «5» ، يحمل «من» على «الكاف والميم» . ونحن ذكرنا الأجوبة في هذا الكتاب وأبطلنا مقالته أن سيبويه «6» لا يجيز: مررت به وزيدٍ، حتى يقول: وبزيد، بإعادة الباء، لأنه لا يقال: بزيد و «ك» ، / حتى تقول: «وبك» فأخذ هذا من ذاك، ولأن حرف الجر لا ينفصل عن المجرور، والتأكيد في هذا مخالف للعطف، لأنه يجيز: مررت بك نفسك، لأنه يجوز: مررت بنفسك، ولا يجوز: مررت

_ (1) البقرة: 217. (2) النساء: 1. (3) النساء: 127. (4) المائدة: 25. [.....] (5) الحجر: 20. (6) الكتاب (1: 389)

بك أنت وزيد، حتى تقول: وبزيد، فالتأكيد ب «أنت» : يخالف التأكيد بالنفس، وللفراء أبياتٌ كلها محمولة على الضرورة. قالوا: والتوكيد بالمضمر المجرور لا يحسن عطف الظاهر عليه كما حسن في المرفوع، لأن المرفوع بالفعل قد يكون غير متصل بالفعل الرافع له الظاهر فيه، وإنما استحسن التوكيد لأن التوكيد خارج عن الفعل، فنصبوه بمنزلة الفاعل الذي ليس متصلا، فيعطف عليه كما يعطف على ما ليس بمتصل من الفاعل، والمجرور لا يكون إلا متصلا بالجار، فلا يخرجه التوكيد إلى شبه ما ليس بمتصل.

الباب الحادي والستون

الباب الحادي والستون باب ما جاء في التنزيل من حذف «هو» من الصلة. وهذا الباب وإن تقدم على التفصيل فينبغي أن يفرد له باب فمن ذلك قوله تعالى: (مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) «1» ، فيمن رفع. وقوله: (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) «2» فيمن رفع أيضا. وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) «3» . فالتقدير في هذه كلها: ما هي بعوضة، وتماما على الذي هو أحسن، وهو الذي هو في السماء إله. فأما قوله: (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) «4» ، فعلى مذهب سيبويه «5» من هذا الباب، والتقدير: أيهم هو أشد، فحذف «هو» ، فلما حذف «هو» دخله نقص فعاد إلى البناء، لأن «أيا» إنما أعرب من جملة أخواته إذ كان بمعنى «الذي» حملاً على البعض، فلما نقص عاد إلى البناء. واستبعد أبو بكر قول سيبويه، وقال: لأنه لو كان مبنيا لكل بناؤه في غير الإضافة أحق وأجوز، ولا يلزم ذلك لأنه على تقدير إضافة لازمة/ مع الحذف، وكلزوم الألف واللام في «الآن» .

_ (1) البقرة: 26. (2) الأنعام: 154. (3) الزخرف: 84. (4) مريم: 69. (5) الكتاب (1: 397) .

فإن قلت: لم استحسن: لأضربن أيهم أفضل، وامرر على أيهم أفضل. ومثله قوله تعالى: (لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ) «1» بإضمار «هو» ، ومثل قوله: إذا ما أتيت بني مالك ... فسلم على أيهم أفضل ولم يستحسن: بالذي أفضل، ولأضربن الذي أفضل، وقال: هذا ضرورة، مثل قول عدي: لم أر مثل الفتيان في غبن ال ... أيام ينسون ما عواقبها «2» أي هو فيمن قال: «ما» خبر، دون أن تجعله زيادة، فالجواب «قال» لأن «أيهم أفضل» مضاف، وكان المضاف إليه قام مقام المحذوف، «والذي» ليس بمضاف، فخالف «أيهم» فأما إذا لم يكن «أي» مضافا فهو في نية الإضافة اللازمة. قال سيبويه: واعلم أن قولهم: فكفى بنا فضلاً على من غيرنا «3» أجود يعنى، الرفع وهو ضعيف، وهو نحو: مررت بأيهم أفضل، وكما قرأ بعض الناس هذه الآية تماما على الذي أحسن. واعلم أنه قبيح أن تقول: هذا من منطلق، إن جعلت «المنطلق» وصفا أو حشوا، فإن أطلت الكلام فقلت: خير منك، حسن في الوصف والحشو. وزعم الخليل أنه سمع من العرب رجلا يقول: ما أنا بالذي قائل لك سوءا، وما أنا بالذي قائل لك قبيحا، إذا أفرده فالوصف بمنزلة الحشو، لأنه يحسن بما بعده، كما أن المحشو إنما يتم بما بعده.

_ (1) مريم: 69. (2) شعراء النصرانية (457) . والرواية في شواهد التوضيح والتصحيح (ص: 124) : «غير» . (3) صدر بيت لحسان، وعجزه: حبي النبي محمد إيانا

فنرى سيبويه رجح في هذا الفصل رفع «غير» ، وإن كان «هو» محذوفا على حده تابعاً ل «من» المذكور. والحديث ذو شجون، جر هذا الحديث ما فيه تدافعٌ يدفع أحدهما صاحبه، فمن ذلك هذا ما نقلته لك. ومنه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) «1» ، يحرك هنا شيئان: الابتداء بالنكرة، أو أن تقدر الجملة تقدير المفرد فتجعله مبتدأ، وإن لم يكن في اللفظ، فإما أن تقدر: الإنذار وترك الإنذار سواء أو تقدر: سواء عليهم الإنذار وتركه. ولما كان هذا الكلام على هذا التجاذب قرأ من قرأ فى سورة يس: (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) «2» ، فجعل «سواء» دعاء، كما كان «ويل» و «ويح» و «ويس» «3» و «جندل وترب» «4» كذا. ومما تجاذبه شيآن من هذا الجنس قوله تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) «5» / فتحمله على حذف الموصوف، أو على حذف «أن» ، وكلاهما عنده كما ترى إلا أن حذف الموصوف أكثر من حذف «أن» . ومنه قوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا) «6» إما أن تقدر: وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا ومن أهل المدينة، أو تقدر: ومن أهل المدينة إن مردوا. ومن ذلك قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) «7» إما أن تقدر «ليس» كصاحب صفته، فتضمر المضاف أو تقدر زيادة «الكاف» . فهذا مما تجاذبه الحذف والزيادة، وكان الحذف أكثر من الزيادة، ومثله: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) «8»

_ (1) البقرة: 6. (2) يس: 10. (3) ويس، بمنزلة: ويل. (4) يقال في الدعاء: تربا له وجندلا. ومنهم من يرفعه، وفيه مع ذلك معنى النصب. [.....] (5) الروم: 24. (6) التوبة: 101. (7) الشورى: 11. (8) البقرة: 137.

الباب الثاني والستون

الباب الثاني والستون هذا باب ما جاء في التنزيل من إجراء غير اللازم مجرى اللازم وإجراء اللازم مجرى غير اللازم فمن ذلك قوله: (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) «1» ، وقوله: (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) «2» . جعلوا «الواو» من قوله «وهو» ، و «الفاء» من قوله «فهي» بمنزلة حرف من الكلمة، فاستجازوا إسكان «الهاء» تشبيها ب «فخذ» و «كبد» ، لأن الفاء والواو لا ينفصلان منهما. ومثله لام الأمر من قوله: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا) «3» . استجازوا إسكانها لاتصالها بالواو، فأما: (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) «4» وقوله (ثُمَّ هُوَ) «5» فمن أسكن «اللام» و «الهاء» معها أجراها مجرى أختيها، ومن حركها فلأنها منفصلة عن اللام والهاء. قال أبو علي: قد قالت العرب: لعمرى، و: رعملى، فقلبوا لما عدوا «اللام» كأنها من الكلمة، كما قلبوا «قسيا» ونحو ذلك، وكذلك قول من قال: «كاء» في قوله: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ) «6» و (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) «7» أبدل الألف من الياء، كما أبدلها فى «طيىء» : «طاء» . ونحو ذلك. ومثل ذلك (وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ) «8» لمّا كان يتقه مثل «علم» «9» .

_ (1) الأنعام: 101. (2) البقرة: 74. (3) الحج: 29. (4) الحج: 15. (5) تكملة يقتضيها السياق. (6) آل عمران: 146. (7) الحج: 48. (8) النور: 52. (9) قال أبو حيان: «وقرى: ويتقه، بالإشباع والاختلاس والإسكان. وقرىء: ويتقه، بسكون القاف وكسر الهاء، من غير إشباع، وكما يسكن علم فيقال: علم. كذلك سكن ويتق، لأن تقه كعلم. (البحر 6: 468.

ومن ذلك قوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) «1» ، وقوله: (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) «2» ولما كان مثلين من كلمتين استجازوا الإدغام كما استجازوه فى نحو: «ردّ» ، و «مدّ» . وقد قالوا: لم يضربها ملق، فامتنعوا من الإمالة لمكان المستعلى، وإن كان منفصلا، كما امتنعوا من إمالة «نافق» ، ونحوه من المتصلة «3» . ومن ذلك قوله: (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ) «4» و (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا) «5» . فهذا بيانه نحوٌ من بيان سبب «تلك» ، و «جعل لك» / إلا أنه أحسن من قوله: الحمد لله العلي الأجلل وبابه، لأن هذا إنما يظهر مثله في صورةٍ، وإظهار نحو «اقتتل» مستحسن، وعن غير ضرورةٍ، وكذلك قوله: (أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ) «6» و (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) «7» و (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) «8» وما أشبه ذلك، وكذلك: يضربونني، وهم يضربانني، أجرى مجرى: «يضربان نعمان» «ويشتمون نافعا» ووجه الشبه بينهما أن نون الإعراب هذه لا يلزم أن يكون بعدها نون الأتراك،

_ (1) البقرة: 22. [.....] (2) الفرقان: 10. (3) الألف تمال إذا كان بعدها حرف مكسور، مثل: عابد. كما تمال في نحو: يضربها لأن الهاء خفية والحرف الذي قبل الحرف الذي يليه مكسور. ويمنع من إمالة الألف حروف سبعة، هي: الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والقاف والخاء. وإذا كان حرف فيها قبل الألف والألف تليه وكذلك إذا كان حرف من هذه الأحرف بعد ألف تليها، مثل: ناقد، وبعد الألف بحرف، نحو: نانف. وبعد الألف بحرفين، نحو: مناشيط. وذلك لأنها حروف مستعلية إلى الحنك الأعلى، والألف إذا خرجت من موضعها استعلت إلى الحنك الأعلى، فإذا وقعت مع هذه الحروف غلبت هذه الحروف عليها. (الكتاب 2: 259- 267) . (5- 4) البقرة: 253. (6) البقرة: 139. (7) النمل: 36. (8) الحجر: 54.

تقول: يضربان زيداً، ويكرمونك ومن أدغم نحو هذا، واحتج بأن المثلين في كلمة واحدة، فقال: يضرباني، وقل أتحاجونا، فإنه يدغم أيضا، نحو «اقتتل» . فيقول: قتل، ومنهم من يقول: اقتتل، فيثبت همزة الوصل مع حركة الفاء لما كانت الحركة عارضة للنقل أو للالتقاء الساكنين، وهذا مبين في فصل الإدغام «1» . ومن ضد ذلك قولهم: ها الله، أجرى مجرى: «دابة» و «شابة» . وكذلك قراءة من قرأ: (وَلا تَيَمَّمُوا) «2» ، (وَلا تَفَرَّقُوا) «3» ، (وَاذْكُرُوا) «4» ، (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ) «5» ، وقوله: (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) «6» ، في نيف وثلاثين موضعا، أدغم التاء الأولى في الثانية، وجعل ما ليس من الكلمة كأنهما واحد. ومثله: (إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) «7» ، هذا كما أنشدوه من قوله: من أي يومي من الموت أفر ... أيوم لم يقدر ام يوم قدر والقول فيه أنه أراد: أيوم لم يقدر أم يوم قدر، ثم خفف همزة «أم» فحذفها. وألقى فتحتها على «لم يقدر» ، فصار تقديره: أيوم لم يقدر، ثم أشبع

_ (1) الكتاب (2: 404- 426) . (2) البقرة: 267. (3) آل عمران: 103. (4) البقرة: 63، 203، 231- آل عمران: 103- المائدة: 7- الأعراف: 69، 74، 86- الأنفال: 26- الجمعة: 10. (5) المائدة: 2. (6) الأنعام: 153. (7) الأنبياء: 109.

فتحة الراء فصار تقديره: لم يقدر ام، فحرك الألف لالتقاء الساكنين، فانقلبت همزة فصار: يقدر أم، واختار الفتحة إتباعا لفتحة الراء. ونحو من هذا التخفيف قولهم في «المرأة» و «الكمأة» إذا خففت الهمزة: «المرأة» و «الكماة» ، وهذا إنما يجوز في المتصل. ومن ذلك قوله: (لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي) «1» . «لكنا» أصله: لكن أنا، فخففت الهمزة فحذفها وألقيت حركتها على نون «لكن» ، فصارت «لكنا» فأجرى غير اللازم مجرى اللازم، فاستثقل التقاء المثلين متحركين. فأسكن الأول وأدغم الثاني، فصار/ «لكنا» كما ترى. وقياس قراءة من قرأ (قالوا الن) «2» فحذف الواو، ولم يحفل بحركة اللام، أن يظهر النونين هناك، لأن حركة الثانية غير لازمة، فقوله «لكننا» بالإظهار كما يقول في تخفيف «حوأبة» و «جيأل» : حوية، وجيل، فيصبح حرفا اللين هنا لا يقلبان، لما كانت حركتهما غير لازمة. ومثله قوله: (قالُوا الْآنَ) «3» ... «4» لأن قوله: (عاداً الْأُولى) «5» من أثبت التنوين

_ (1) الكهف: 38. [.....] (3- 2) البقرة: 71- قرأ الجمهور بإسكان اللام والهمزة بعده، وقرأ نافع بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام، وعنه روايتان: إحداهما حذف واو «قالوا» إذ لم يعتد بنقل الحركة إذ هو نقل عارض، الرواية الأخرى إقرار الواو اعتدادا بالنقل واعتبار العارض لتحريك، لأن الواو لم تحذف إلّا لأجل سكون اللام بعدها، فإذا ذهب موجب الحذف عادت الواو إلى حالها من الثبوت. (البحر 1: 257) . (4) مكان هذه النقط كلمة غير واضحة. (5) النجم: 50- قرأ الجمهور بتنوين «عاد» وكسره لالتقائه ساكنا مع سكون لام «الأولى» وتحقيق الهمزة بعد اللام، وقرأ قوم كذلك غير أنهم نقلوا حركة الهمزة إلى اللام وحذفوا الهمزة، وقرأ نافع وأبو عمرو بإدغام التنوين في اللام المنقول إليها حركة الهمزة، إلى اللام وحذفوا الهمزة. (البحر 8: 169) .

في «عاد» ولم يدغمها في اللام. فلأن حركة اللام غير معتد بها، لأنها نقلت إليها من همزة «أولى» ، فاللام في تقدير السكون وإن تحركت، فكما لا يجوز الإدغام في الحرف الساكن فكذا لا يدغم في هذه اللام. و «عادا» على لغة من قال: «ألحمر» ، فأثبت همزة الوصل مع تحرك اللام، لأنها غير معتد بها. ومن قال: «عاد لولى» ، فأدغم، فإنه قد اعتد بحركة اللام فأدغم، كما أن من قال: (قالوا لان) ، أثبت الواو اعتداداً بحركة اللام. ومثله قوله تعالى: (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) «1» ، من اعتد بحركة اللام أسكن النون، ومن لم يعتد حرك النون. ومن ذلك قوله تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) «2» ، حرك النون من «يكن» لالتقاء الساكنين، ولم يعتد بها لأنها في تقدير السكون، ولو كان الاعتداد بها لأعاد ما حذف من أجله، وهو الواو. وقال أبو علي: فإن قلت: فقد اعتدوا بتحريك التقاء الساكنين في موضع آخر، وذلك قوله: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) «3» ، ألا ترى أن من يقول: لم يك زيد منطلقا، إذا تحرك لالتقاء الساكنين لم يحذف، كما أنه إذا تحرك بحركة الإعراب لم يحذف، فالقول إن ذلك أوجه من الأول من حيث كثر في الاستعمال وجاء به التنزيل، فالاحتجاج به أقوى. فأما حذف الشاعر له مع تحريكها بهذه الحركة، كما يحذفها إذا كانت ساكنة، فإن هذه الضرورة من رد الشيء إلى أصله، نحو- يعنى بحذف الشاعر له- قوله:

_ (1) المائدة: 106. (3- 2) البينة: 1.

لم يك الحق على أن هاجه ... رسم دارٍ قد تعفى بالسرر «1» وقد ذكرنا في «المستدرك» أن هذا ليس بلغة من قال: لم «يكن» ، وإنما من لغة من قال: (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ) «2» و (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ) «3» ، وما أشبه ذلك. ومن ذلك قوله: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) «4» ، و (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) «5» ، و (قُمِ اللَّيْلَ) «6» ، (قُلِ اللَّهُ) «7» ، (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) «8» . يعتد بكسرة اللام والميم فلم يرد المحذوف، كما اعتد بها في قوله: (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً) «9» ، َقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) «10» فرد المحذوف لما اعتد بفتح اللام. ومن قرأ: «فقلا له قولاً لينا» حمله على قوله: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) «11» ، فإن قلت: إنهم قد اعتدوا بحركة التقاء الساكنين في قوله: (عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) «12» و (مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ) «13» و (إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) «14» . فيمن قرأ بضم الهاء، إنما ضموا تبعا لضم الميم. وهي لالتقاء الساكنين، وعلى ما قدمت تلك حركة لا اعتداد بها، فكيف أتبعها الهاء؟ قيل: إن من ضم الهاء أراد الوفاق بين الحركتين. وهم مما يطلبون المطابقة، فكأنهم اعتدوا لأجل هذا المعنى بحركة التقاء الساكنين.

_ (1) السرر: موضع. (2) غافر: 50. (3) النحل: 127. (11- 4) الكهف: 29. (5) آل عمران: 26. (6) المزمل: 2. (7) الأنعام: 19، 64، 91- الكهف: 26- سبأ: 24- الزمر: 14. (8) سبأ: 24. (9) طه: 44. [.....] (10) الشعراء: 16. (12) آل عمران: 112. (13) القصص: 23. (14) يس: 14.

فمن ذلك قوله تعالى: (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) «1» . و (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ) «2» . وقوله: زنت الأمة، وبغت الأمة، فحذفوا الألف المنقلبة عن اللام، لسكونها وسكون تاء التأنيث، ولما حركت التاء لالتقاء الساكنين لم ترد الألف ولم تثبت، كما لم تثبت في حال سكون التاء، وكذلك: لم يخف الرجل، ولم يقل القوم، ولم يبع. ومن ذلك قولهم: اضرب الاثنين، واكتب الاسم، فحركت اللام من «افعل» بالكسرة لالتقاء الساكنين ثم لما حركت لام المعرفة من «الاسم» «والاثنين» لم تسكن اللام من «افعل» كما لم تسكنها في نحو: اضرب القوم، لأن تحريك اللام لالتقاء الساكنين، فهي في تقدير السكون. ومن ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) «3» ، وقوله: (حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) «4» ، وقوله: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ) «5» ، وقوله: (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ) «6» ، فحذفوا النون في هذه المواضع، كما حذفوا الألف والواو والياء السواكن إذا كنّ لا مات من حيث عودلن بالحركة، ولو كانت حركة النون معتدّاً بها لحذفت هي من دون الحرف، كما فعل ذلك بسائر الحروف المتحركة إذا لحقها الجزم، ويدل على

_ (1) الأحقاف: 17. (2) الأحقاف: 21. (3) التوبة: 78. (4) البقرة: 102. (5) المنافقون: 7. (6) يوسف: 80.

ذلك أيضا اتفاقهم على أن المثلين إذا تحركا ولم يكونا للإلحاق، أو شاذا عن الجمهور، أدغموا الأول في الآخر وقالوا، اردد ابنك، واشمم الريحان، فلم يدغموا في الثاني، / إذا تحرك لالتقاء الساكنين، كما لم يدغموه قبل هذا التحريك، فدل ذلك على أن التحريك لا اعتداد به عندهم. ومن ذلك قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) «1» . و (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) «2» . لم يهمزوها كما همزوا: أقتت، وأجوه، لما لم يعتد بحركة التقاء الساكنين. ومن ذلك قوله تعالى: (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) «3» . وقوله: (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) «4» . وقولهم: نوى. قالوا في تخفيف ذلك كله: رويا ونوى، فيصح الواو هنا، وإن سكنت قبل الياء، من قال: إن التقدير فيهما الهمزة، كما صحت في: ضو ونو، تخفيف ضوء ونوء، لتقديرك الهمز وإرادتك إياه. وكذلك أيضا صح نحو: شي، وفى، في: شيء وفيء، كذلك.

_ (1) البقرة: 16. (2) البقرة: 237. (3) يوسف: 5. (4) الصافات: 105. [.....]

الباب الثالث والستون

الباب الثالث والستون باب ما جاء في التنزيل من الحروف المحذوفة تشبيها بالحركات، وذلك يجيء في الواو والياء، وربما يكون في الألف قال الله تعالى: (ما كُنَّا نَبْغِ) «1» ، (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) «2» ، (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي) «3» ، وما أشبه ذلك، حذفت الياء تشبيها بالحركة استخفافا، كما حذفت الحركة لذلك. وذلك قولهم: أخراهم طريق ألاهم، كما قيل: يراد أولاهم. وقال: (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) ، يريد: حاشى. وقال رؤبة: وصاني العجاج فيما وصنى فنظير حذف هذه الحروف للتخفيف حذف الحركات أيضا له، فى نحو قوله: وقد بدا هنك من المئزر «4» وقوله: فاليوم أشرب غير مستحقب «5» وحذف الياء أكثر من حذف الألف لخفاء الألف، ألا تراه قال: ورهط ابن المعل «6» أقلّ من قوله: «نبغ» و «يسر» «7» ، ولهذا لم يحمل البصريون

_ (1) الكهف: 64. (2) الفجر: 4. (3) القصص: 22. (4) صدره: رحت وفي رجليك ما فيهما (سيبويه 2: 297) . (5) عجزه: إثما من الله ولا واغل والبيت لامرىء القيس. (6) جزء من بيت للبيد، والبيت كاملا: وقبيل من لكيز شاهد ... رهط مرجوم ورهط ابن المعل يريد: المعلى. (الكتاب 2: 288) . (7) يريد أن الحذف مع الكسر أكثر منه مع الفتح.

قوله: (قالَ ابْنَ أُمَّ) «1» على أن أصله: يا ابن أمى، فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفا ثم حذفت الألف، لقلة ذلك، ولكن حملوه على باب خمسة عشر، مما جعل الاسمان فيه اسما واحدا، وهكذا قالوا في قوله: (يا أَبَتِ) «2» إنه فتح التاء تبعا للباء، وعلى أنه أقحم التاء، على لغة من قال: يا طلحة، ولم يحملوه على أن أصله «يا أبتا» فحذف الألف «3» . ولكن من قال: يا بني، أدغم ياء التصغير في ياء الإضافة، وياء الإضافة مفتوحة، وحذف لام الفعل. وحذف الألف من هذه الكلمات الثلاث مذهب أبي عثمان. ومن ذلك: إن تاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، نحو: حمزة، وطلحة، وقائمة، ولا يكون/ ساكنا، فإن كانت الألف وحدها من سائر الحروف جازت، وذلك نحو: قطاة، وحصاة، وأرطاة، وحبنطاة، أفلا ترى إلى مساواتهم بين الفتحة والألف حتى كأنها هي هي. وهذا أحد ما يدل على أن أضعف الحروف الثلاثة الألف دون أختيها، لأنها قد خصت هنا بمساواة الحركة دونها. ومن ذلك أنهم قد بينوا الحرف بالهاء، كما بينوا الحركة بها، وذلك قولهم: وا زيداه، وا غلاماه، وا غلامهوه، وا غلامهيه، وانقطاع ظهراه. فهذا نحو من قولهم: أعطيتكه، ومررت بكه، وا غزه، ولا تدعه، والهاء في كله لبيان الحركة «4» . ومن ذلك قراءة من قرأ: (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) «5» بكسر الواو. وقولهم: القود، والحوكه، والخونة. وقد جرت الياء والواو هنا في الصحة لوقوع

_ (1) طه: 13. (2) يوسف: 4. (3) قرا ابن عامر وأبو جعفر والأعرج «يا أبت» بفتح التاء، وباقي السبعة والجمهور بكسرها، ووقف الابنان عليها بالهاء. وهذه التاء عرض من ياء الاضافة فلا يجتمعان، وتجامع الألف التي هي بدل من الياء. ووجه الاقتصار على التاء مفتوحة أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف، ورخم بحذف التاء ثم أقحمت. (البحر 5: 239) . (4) الكتاب (2: 277- 281) . (5) الأحزاب: 13.

الحركة بعدهما مجراهما فيها، لوقوع حرف اللين ساكنا بعدهما، نحو: القواد، والعياب، والصياد، و (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) «1» فهذا إجراء الحركة مجرى الحرف. ومنه: باب «قدر» و «هند» في باب ما لا ينصرف في الثلاثي لمؤنث: الحركة في «قدر» بمنزلة حرف، نحو «زينب» و «عقرب» «2» . ومنه حذف الحرف من «جمزى» ، لما جرى الميم متحركا جرى مجرى الخماسي، نحو: مرتمى، ومرتضى.

_ (1) الأحزاب: 13. (2) الكتاب (2: 22) . [.....]

الباب الرابع والستون

الباب الرابع والستون هذا باب ما جاء في التنزيل أجرى فيه الوصل مجرى الوقف وهو شيء عزيز نادر حتى قالوا: إنه يجوز في ضرورة الشعر، ولكن أبا علي حمل قوله: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) «1» فيمن شدد النون، أن أصله «لمًّا» من قوله: (أَكْلًا لَمًّا) «2» ، فوقف وأبدل من التنوين ألفا، فصار «لما» ثم حمل الوصل على الوقف «3» . ومن ذلك قوله: (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) «4» و (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) «5» فيمن خفف الياء، قال: هذا على الوقف. ومثله قول عمران «6» : قد كنت عندك حولاً لا تروعنى ... فيه روائع من إنس ولا جانى ومن ذلك قراءة من قرأ: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) «7» و: (قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ) «8» هذا على أن الوقف في «هدًى» : «هدى» بالإسكان، وفي «بشراى» «بشرى» ، كما حكاه سيبويه من أنهم يقفون على أفعى، أفعى، ثم لما أدخل ياء الإضافة أدغم الياء في الياء وأجرى الوصل مجرى الوقف «9» . / ومن ذلك قراءة نافع: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) «10» ، (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) «11» ، (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ) «12» . فهذه على لغة من وقف على «أنا» فقال:

_ (1) هود: 111. (2) الفجر: 19. (3) البحر (5: 267) . (4) لقمان: 13. (5) لقمان: 17. (6) هو: عمران بن حطان الحروري. (اللسان: جتن) . (7) البقرة: 38. (8) يوسف: 19. (9) قراءة نافع: يا بشراي، بسكون ياء الإضافة، وقرأ الجحدري، ونفر غيره: يا بشرى، بقلب الألف وإدغامها في ياء الإضافة. (البحر 5: 280) . (10) البقرة: 258. (11) الأعراف: 143. (12) الممتحنة: 1.

(أَنَا) «1» . ومثله: (لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي) «2» ، الأصل: لكن أنا هو الله ربي، فحذف الهمزة وأدغم النون في النون. ومن ذلك قراءة حمزة: (وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ) «3» ، بإسكان الهمزة في الإدراج، فإن ذلك يكون على إجرائها في الوصل مجراها في الوقف، وهو مثل: سيساء، وعيهل، والقصباء، وحسناء، وهو في الشعر كثير. ومما يقوى ذلك أن قوما قالوا في الوقف: أفعى وأفعو، أبدلوا من الألف الواو والياء. ثم أجروها في الوصل مجراها في الوقف، فقالوا: هذا أفعويا. وكذلك حمل حمزة في هذا الموضع، لأنها كالألف في أنها حرف علة، كما أن الألف كذلك، ويقوى مقاربتها الألف أن قوما يبدلون منها الهمزة في الوقف فيقولون: رأيت رجلأ، ورأيت جبلأ. ويحتمل وجها آخر، وهو أن تجعل «يأولا» من قوله: «ومكر السيّء ولا» بمنزلة «إبل» . ثم أسكن الحرف الثاني كما أسكن من «إبل» لتوالي الكسرتين، أجراها وقبلها ياء فخفف بالإسكان، لاجتماع الياءآت والكسرات، كما خففت العرب من نحو «أسيدى» وبالقلب في «رحوى» ، ونزلت حركة الإعراب بمنزلة غير حركة الإعراب، كما فعلوا ذلك في قوله: فاليوم أشرب غير مستحقب «4»

_ (1) قراءة نافع بإثبات ألف «أنا» إذا كان بعدها همزة مفتوحة أو مضمومة. وروى أبو نشيط: إثباتها مع الهمزة المكسورة، وقرأ الباقون بحذف الألف وأجمعوا على إثباتها في الوقف، وإثبات الألف وصلا ووقفا لغة بني تميم، ولغة غيرهم حذفها في الوصل. ولا تثبت عند غير بني تميم وصلا إلّا في ضرورة الشعر. قال أبو حيان: والأحسن أن تجعل قراءة نافع على لغة بني تميم لأنه من إجراء الوصل مجرى الوقف (البحر 2: 288) . (2) الكهف: 38. [.....] (3) فاطر: 43. (4) صدر بيت لامرىء القيس، عجزه: اثما من الله ولا واغل (الكتاب 21: 197) .

وقد بدا هنك من المئزر «1» و «لا يعرفنكم العرب» . وكما أن حركة غير الإعراب نزلت منزلة حركة الإعراب في نحو: رد، وفر، وعض، فأدغم كما أدغم: يعض، ويفر، لما تعاقب حركات الإعراب على لامها، وهي حركة التقاء الساكنين وحركة الهمزة المخففة وحركة النونين، ونزلت هذه الحركات منزلة حركة الإعراب حتى أدغم فيها كما أدغم المعرب، وكذلك نزلت حركة الإعراب منزلة غير حركة الإعراب في أن استجيز فيها من التخفيف كما استجيز في غيرها، وليس تختل بذلك دلالة الإعراب، لأن الحكم في مواضعها معلوم، كما كان معلوما فى المتصل والإسكان للوقف.

_ (1) صدره: رحت وفي رجليك ما فيهما الكتاب (2: 297)

الباب الخامس والستون

الباب الخامس والستون هذا باب ما جاء في التنزيل من بناء النسب فمن ذلك قوله تعالى: (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) «1» ، أي: لاذا عصمة، ليصح استثناء قوله: «من رحم» منه. ويحمل الفراء على: «لا معصوم» . ويحمله غيره على بابه، ويكون «من رحم» بمعنى: «راحم» . / ومن ذلك قوله تعالى: (حِجاباً مَسْتُوراً) «2» ، أي: حجابا ذا ستر، لأن الحجاب ستر لا يستر. ومنه قوله: (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) «3» ، إنه بمعنى: «مرضية» ، والوجه ما قلنا. ومن ذلك: (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) «4» ، أي: ذي دفق. والفراء يقول: من ماء دفوق. فهذا كله محمول على النسب. قال الحطيئة: وغررتني وزعمت أن ... ك لابنٌ في الصيف تامر «5» أي: ذو لبن وذو تمر. ومنه عندي: خير الملك سكة مأبورة أو مهرة مأمورة «6» . أي: ذات كثرة لأن «أمر القوم» : إذا كثروا، فهو مثل قوله: (حِجاباً مَسْتُوراً) . قال: قال أبو عمرو: إنما نعرف «مأمورة» على هذا الوجه، ولا نعرف «أمرته» . أي: كثرته. وحكاه غيره، فإن صح فهو على بابه.

_ (1) هود: 43. (2) الإسراء: 45. (3) الحاقة: 21. (4) الطارق: 6. (5) الرواية في الكتاب (2: 90) : فغرزتني وزعمت أن ... ك لابن بالصيف تامر. (6) لفظ الحديث: «خير المال مهرة مأمورة، وسكة مأبورة» . (النهاية) .

الباب السادس والستون

الباب السادس والستون هذا باب ما جاء في التنزيل أضمر فيه المصدر لدلالة الفعل عليه وذكر سيبويه من ذلك قولهم: من كذب كان شرا له، أي: كان الكذب شرا له. فمن ذلك قوله تعالى: (فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) «1» . أي: فما يزيدهم التخويف. ومنه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) «2» . أي: لا يزيد إنزال القرآن إلّا خسارا. ومنه: (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) «3» . أي: يزيدهم البكاء والخرور على الأذقان. وقد ذكرناه قديما في قوله: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) «4» أن الهاء كناية عن الاستعانة. وفي قوله: (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) «5» . أي: يذرؤكم في الذرء. ومن ذلك قوله: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) «6» . أي: العدل أقرب للتقوى.

_ (1) الإسراء: 60. (2) الإسراء: 82. (3) الإسراء: 109. (4) البقرة: 45. (5) الشورى: 11. [.....] (6) المائدة: 8.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) «1» ، يقرأ بالتاء والياء، فمن قرأ بالتاء فتقديره: لا تحسبن بخل الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله، فحذف «البخل» وأقام المضاف إليه مقامه، وهو «الذين» ، كما قال: (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) «2» . ومعناه: أهل القرية. ومن قرأ بالياء: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله البخل خيرا لهم. وهو في هذه القراءة استشهاد سيبويه. وهو أجود القراءتين في تقدير النحو، وذلك أن الذي يقرأ بالتاء يضمر «البخل» من قبل أن يجرى لفظه تدل عليه، والذي يقرأ بالياء يضمر «البخل» بعد ذكر يبخلون، كما قال: من كذب كان شرّا له.

_ (1) آل عمران: 180. (2) يوسف: 82.

الباب السابع والستون

الباب السابع والستون هذا باب ما جاء في التنزيل ما يكون على وزن «مفعل» بفتح العين ويراد به المصدر ويوهمك أنه مكان فمن ذلك قوله تعالى: (النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها) «1» . المثوى، هاهنا، مصدر، أي: قال: النار ذات ثوائكم، لا بد من هذا ليعمل في الحال، ف «خالدين» حال، والعامل فيه نفس المصدر. وجوز مرة أخرى أن يكون حالا من المضاف إليه، والعامل فيه معنى المضامة والممازجة، كما قال: (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) «2» . وقال: (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) «3» . فيجوز على هذا أن يكون «المثوى» المكان. ومن ذلك قوله: (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) «4» . أي: في مواضع سكناهم، لا بد من هذا، لأنه إذا كان مكانا كان مفردا مضافا إلى الجمع، والأحسن في مثل هذا أن يجمع، فلما أفرد علمت أنه مصدر. ومثله: (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) «5» ، أي: في مواضع قعود صدق، فهو مصدر، والمضاف محذوف. قال سيبويه «6» : وأما ثلاثمائة إلى تسعمائة فإنه شاذ «7» ، كان ينبغي أن يكون مئين أو مئات، ولكنهم شبهوه بعشرين وأحد عشر، حيث جعلوا ما يبين به العدد واحدا، لأنه اسمٌ العدد، كما أن عشرين اسم العدد، وليس بمستنكر

_ (1) الأنعام: 128. (2) الحجر: 47. (3) الحجر: 66. (4) سبأ: 15. (5) القمر: 55. (6) الكتاب (1: 107) . (7) العبارة في الكتاب: «تسعمائة مكان» .

في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جميع، حتى قال بعضهم في الشعر من ذلك ما لا يستعمل في الكلام. قال علقمة بن عبدة: بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيضٌ وأما جلدها فصليب «1» وقال آخر «2» : لا تنكر القتل وقد سبينا ... في حلقكم عظمٌ وقد شجينا «3» ونظير هذا قول حميد: وما هي إلا في إزار وعلقة ... مغار ابن همام على حي خثعما «4» ف «مغار» ليس بزمان لتعلق «على» به، والمضاف فيه محذوف، أي وقت إغارة ابن همام. ومثله: كأن مجر الرامسات ذيولها ... عليه قضيمٌ نمقته الصوانع «5» أي: كان مكان مجر الرامسات، ف «مجر» مصدر، لانتصاب «ذيولها» به، والمضاف محذوف. وكذلك قول ذي الرمة: فظل بملقى واحف جزع المعى «6» نصب «جزع المعى» ب «ملقى» لأنه أراد به المصدر، أي موضع إلقاء واحف جزع المعى.

_ (1) الشاهد فيه موضع الجلد موضع الجلود. (الكتاب 1: 107) . (2) هو: المسيب بن زيد مناة الغنوي. (3) الشاهد فيه وضع الحلق موضع الحلوق. (الكتاب 1: 107) . (4) الكتاب 1: 120) . [.....] (5) الرامسات: الرياح الزافيات التي تنقل التراب من بلد إلى آخر. والقضيم: الجلد الأبيض. والبيت للنابغة. (اللسان: قضم) . (6) الجزع: جانب الوادي. والمعي: سهل بين جبلين.

الباب الثامن والستون

الباب الثامن والستون هذا باب ما جاء في التنزيل من حذف إحدى التاءين في أول المضارع فمن ذلك قوله تعالى: (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) «1» . وقال في سورة الأحزاب: (تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) «2» . وقال: (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) «3» . والأصل: تتظاهرون، و: تتظاهرا، فلما اجتمعت تاآن حذفت إحداهما. وكذلك قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) «4» ، فيمن خفف. وقال: (قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ) «5» ، في جميع التنزيل. وأصله: تتذكرون، فحذفت إحدى التاءين، والمحذوفة الثانية، لأن التكرار بها وقع، وليس الأول بمحذوف، لأن الأول علامة المضارع، والعلامات لا تحذف. ومن ذلك قراءة العامة دون قراءة ابن كثير: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) «6» ، (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) «7» ، (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) «8» ، (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) «9» ، (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) «10» ،

_ (1) البقرة: 85. (2) الأحزاب: 4- وتظاهرون، قرأ عاصم بالتاء للخطاب، والحرميان وأبو عمرو بشد الظاء والهاء. وابن عامر بشد الظاء وألف بعدها، أبو حمزة والكسائي بتخفيف الظاء وألف، وابن رئاب بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء، مضارع أضهر، وفيما حكى الرازي عنه بتخفيف الظاء لحذفهم تاء المطاوعة وشد الهاء، وقرأ الحسن بضم التاء وتخفيف الظاء وشد الهاء. وقرأ هارون بفتح التاء والهاء وسكون الظاء. وفي مصحف أبي: تتظهرون: بتاءين (البحر 7: 211) . (3) التحريم: 4. (4) الأنعام: 152- الأعراف: 57- النمل: 90- النور: 27. (5) النمل: 62. (6) البقرة: 267. (7) النساء: 97. (8) المائدة: 2. (9) الأنعام: 153. (10) الأعراف: 117.

(وَلا تَوَلَّوْا) «1» في الأعراف وطه والشعراء «2» ، (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) «3» فى الأنفال، (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ) «4» في التوبة، (لا تَكَلَّمُ) «5» ، (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ) «6» في هود، (ما نُنَزِّلُ) «7» في الحجر، (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) «8» ، (فَإِنْ تَوَلَّوْا) «9» في النور، (عَلى مَنْ تَنَزَّلُ ... تَنَزَّلُ) «10» في الشعراء، (وَلا تَبَرَّجْنَ) «11» ، (أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ) «12» في الأحزاب، (لا تَناصَرُونَ) «13» في الصافات، (وَلا تَجَسَّسُوا) «14» ، (لِتَعارَفُوا) «15» ، (وَلا تَنابَزُوا) «16» في الحجرات، (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) ، في الممتحنة «17» (تَكادُ تَمَيَّزُ) «18» ، (لَما تَخَيَّرُونَ) «19» في القلم، (عَنْهُ تَلَهَّى) «20» في عبس، (ناراً تَلَظَّى) «21» في الليل، (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) «22» في القدر بتشديد الراء. حذفت العامة إحدى التاءين من هذه الحروف، وأدغم الأولى في الثانية ابن أبي بزة، إجراءً للمنفصل مجرى المتصل، نحو: (اطَّيَّرْنا) «23»

_ (1) الأنفال: 20. (2) كذا في الأصل. [.....] (3) الأنفال: 46. (4) التوبة: 52. (5) هود: 105. (6) هود: 57. (7) الحجر: 8. (8) النور: 15. (9) النور: 54. (10) الشعراء: 221، (11) الأحزاب: 33. (12) الأحزاب: 52. (13) الصافات: 25. (14) الحجرات: 12. (15) الحجرات: 13. (16) الحجرات: 11. [.....] (17) الممتحنة: 9. (18) الملك: 8. (19) القلم: 38. (20) عبس: 10. (21) الليل: 14. (22) القدر: 4. (23) النمل: 47.

(ادَّارَكُوا) «1» . وترى في كتب النحو يقولون: (فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) «2» ، وذلك ليس بمروى في القراءة، إنما قاسوه على هذه الحروف. وزاد بعضهم على ابن كثير: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) «3» ، أي: تتمارى. وروى عن عاصم: (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ) «4» ، أي: تتعلمون، فحذف إحدى التاءين. ومن الحذف الذي جاء في التنزيل قوله: (قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ) «5» ، وقوله: (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) «6» ، وقوله: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي) «7» . منهم من يدغم النون الأولى في الثانية، ومنهم من يحذف، فمن حذف حذف النون الثانية التي يتصل بها ياء الضمير، ويبقى علامة الرفع ويكسرها لمجاورة الياء. والدليل على أن النون الثانية هي المحذوفة حذفها في: ليتى، و، لعلى، و: قدى. وقد جاء في القراءة عن ابن عامر: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي) «8» ، بإثبات النونين. ولم يجىء عن أحد: «تبشروننى» ، ولا «تحاجوننى في الله» ، إلا الإدغام أو الحذف، والحذف ضرب من الإدغام، والفرق بين «تأمروننى» وبين الكلمتين الأخريين: أن الأخريين لما شدد فيه «الجيم» و «الشين» جاء التشديد

_ (1) الأعراف: 38. (2) المجادلة: 9. (3) النجم: 55. (4) آل عمران: 79. (5) الأنعام: 80. (6) الحجر: 54. (8- 7) الزمر: 64. [.....]

فيما بعده للمجاورة، والحذف مثل الإدغام، وليس فى «تأمروننى» إدغام حرف قبله، فلم يدغم. فأما قوله: (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ) «1» فإن أحدا لم يدغم كما أدغم «أتحاجونى» و «تبشرون» ، ولم يحذف أيضا، لأنه جاء على الأصل، وليس كل ما جاز في موضع جاز فى موضع. وروى عن ابن محيصن: (قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ) «2» ، بنون واحدة مشددة، قياسا على ما ذكرناه. قال ابن مجاهد: كان أبو عمرو لا يدغم الحرف إذا لقى مثله في كلمة واحدة وهما متحركان، مثل: (أَتُحَاجُّونَنا) «3» ، و (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) «4» . ومثل قوله: (مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ) «5» و (فِي وُجُوهِهِمْ) ، إلا أن يكون مدغما في الكتاب، مثل قوله: (تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) «6» و (ما مَكَّنِّي) «7» ، و (أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ) إلا قوله: (ما سَلَكَكُمْ) «8» ، و (مَناسِكَكُمْ) «9» فإنه أدغمها. ومثل هذه الآية قوله: (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) لا يدغمها أبو عمرو وغيره جرياً على الأصل، ولأن النون الثانية غير لازمة، ألا تراك تقول: تمدون زيدا. وأدغمها حمزة كما أدغم غيره «أتحاجونى» اعتبارا بسماحة العربية. ومن حذف التاء قوله تعالى: (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) «10» ، تقديره: «تتصدقوا» فأدغمه الجماعة، وحذفها عاصم، كما حذف هو وغيره. (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) «11»

_ (3- 1) البقرة: 83. (2) الأنعام: 80. (4) النمل: 36. (5) النور: 33. (6) الزمر: 64. (7) الكهف: 95. (8) المدثر: 42. (9) البقرة: 200. (10) البقرة: 280. (11) البقرة: 267.

ومنه قوله: (تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) «1» ، أي: تتسوى، فحذف. ومنهم من أدغم فقرأ، «تسوى» ، كما أدغم «تصدقوا» . وقد اختلفوا في حذف هذه التاء أيتها هي، فمن قائل المحذوفة الأولى، ومن قائل المحذوفة الثانية، وهذا هو الأولى، لأنهم أدغموها/ فى نحو «تذكرون» ، و «تزكى» ، ولأنه لو حذف حرف المضارعة لوجب إدخال ألف الوصل في ضروب من المضارع، نحو: يذكرون، ودخول ألف الوصل لا مساغ له هنا، كما لا يدخل على أسماء الفاعلين والمفعولين، لأن حذف الجار أقوى من حذف حرف المضارعة، للدلالة عليه بالجر الظاهر في اللفظ، يعني في: لاه أبوك. فلهذا خفف الثاني في هذا النحو دون حرف المضارعة، لأن الحذف غير سائغ في الأول مما لم يتكرر، لأنك قد رأيت مساغ الحذف من الأول من هذه المكررة.

_ (1) النساء: 42.

الباب التاسع والستون

الباب التاسع والستون هذا باب ما جاء في التنزيل حمل فيه الاسم على الموضع دون اللفظ فمن ذلك قوله تعالى: (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ) «1» فقوله: «إلا الله» رفع محمول على موضع «من إله» ، وخبر «من إله» مضمر، وكأنه قال: الله في الوجود. ولم يجز حمله على اللفظ، إذ لا يدخل «من» عليه. وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل في قوله (لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ) «2» خبر لا مضمر، ولفظة «الله» محمول على موضع «لا إله» . ومثله: (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) «3» ، فيمن قرأه بالرفع في جميع التنزيل. ومثله: (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) «4» ، فيمن رفعه. ومثله: (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) «5» ، هو محمول على موضع الجار والمجرور في أحد الوجوه. وقيل فى قوله: (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) «6» : إن نصبه محمولا على الجار والمجرور ويراد بالمسح، الغسل، لأن مسح الرجلين لما كان محدودا بقوله «إلى الكعبين» حمل على الغسل. وقيل: هو محمول على قوله: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى

_ (1) آل عمران: 62- ص: 65. (2) الصافات: 35- محمد: 19. (3) الأعراف: 59، 65، 73، 85- هود: 50، 61، 84- المؤمنون: 23، 32. [.....] (4) فاطر: 3. (5) هود: 71. (6) المائدة: 6.

الْكَعْبَيْنِ) «1» . ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً) «2» ، ف «دينا» محمول على الجار والمجرور، أي: هدانى دينا قيما. وقيل فيه غير ذلك. ومثله قوله: (وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ) «3» ، إلى قوله: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) «4» ، أي: جاهدوا في دين الله ملة أبيكم، هو محمول على موضع الجار والمجرور، أي: هدانى. وأما قوله: (قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ) «5» ، ففي موضع «من» وجهان: الجر على لفظة «الله» ، والحمل على موضع الجار والمجرور، / أي: كفاك الله ومن عنده علم الكتاب. وهذا قوله: (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ) «6» ، يجوز في موضع «أن» الجر والرفع، فالجر على اللفظ، والرفع على موضع الجار والمجرور، أي: ألم يكف ربك شهادة على كل شىء.

_ (1) المائدة: 6. (2) الأنعام: 161. (4- 3) الحج: 78. (5) الرعد: 43. (6) فصلت: 53.

الباب المتم السبعين

الباب المتم السبعين هذا باب ما جاء في التنزيل حمل فيه ما بعد إلا على ما قبله، وقد تم الكلام فمن ذلك قوله تعالى: (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) «1» . ف «بادى» الرأى، منصوب بقوله «اتبعك» ، وهم لا يجيزون: ما أعطيت أحدا درهما إلا زيدا دينارا، وجاز ذا هاهنا لأن «بادى» ظرف، والظرف تعمل فيه رائحة الفعل. وقيل: هو نصب على المصدر، أي: ابتداء الرأى. قلت: وذكر الأخفش هذه المسائل وفصل فيها، فقال: لو قلت: أعطيت القوم الدراهم إلا عمراً الدرهم، لم يجز، ولكن يجوز في النفي: ما أعطيت القوم الدراهم إلا عمراً الدرهم، فيكون ذلك على البدل لأن البدل لا يحتاج إلى حرف، فلا يعطف بحرف واحد شيئان منفصلان، وكذلك سبيل «إلا» . ومثله: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) «2» ، إلى قوله: (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) «3» ، حمله قوم على «من قبلك» ، لأنه ظرف، وحمله آخرون على إضمار فعل دل عليه «أرسلنا» . ومثله: (ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) «4» ، ف «بصائر» حال من «هؤلاء» ، والتقدير: ما أنزل هؤلاء بصائر إلا رب السموات والأرض، جاز فيه ذا لأن الحال تشبه الظرف من وجه.

_ (1) هود: 27. (3- 2) النحل: 43، 44. (4) الإسراء: 102.

فأما قوله: (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) «1» ، فقد تكلمنا فيه غير مرة في كتب شتى. قال أبو علي: ينبغي أن يكون قوله «أو من وراء حجاب» إذا جعلت «وحيا» على تقدير «أن يوحى» ، كما قال الخليل، ما لم يجز أن يكون على «أن» الأولى من حيث فسد في المعنى، يكون «من وراء حجاب» على هذا متعلق بفعل محذوف في تقدير العطف على الفعل الذي يقدر صلة ل «أن» الموصولة ب «يوحى» ، ويكون ذلك الفعل «يكلم» ، وتقديره: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحى إليه أو يكلم من وراء حجاب، فحذف «يكلم» لجري ذكره أولا، كما حذف الفعل في قوله: (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) «2» لجرى ذكره، والمعنى: / كذلك أنزلناه، وكما حذف في قوله: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ) «3» . قيل: والمعنى، الآن آمنت، فحذف حيث كان ذكر «آمنت» قد جرى. وهذا لا يمتنع حذفه من الصلة، لأنه بمنزلة المثبت، وقد تحذف من الصلة أشياء للدلالة. ولا يجوز أن يقدر تعلق «من» من قوله «من وراء حجاب» إلا بهذا، لأنك إن قدرت تعلقه بغيره فصلت بين الصلة والموصول بأجنبي ولا يجوز أن يقدر فصل بغير هذا، كما قدر في «أو» في قوله: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً) «4» لأن هذا اعتراض يسدد ما قبله، وأنت إذا قدرت «أو من وراء حجاب» متعلقا بشيء آخر كان فصلاً بأجنبي، إذ ليس هو مثل الاعتراض الذي يسدد. وأما من رفع فقال: «أو يرسل رسولا» ، فينبغي أن يكون قوله «أو من

_ (1) الشورى: 51. (2) الفرقان: 32. (3) يونس: 91. [.....] (4) الأنعام: 145.

وراء حجاب» متعلقا بمحذوف، ويكون الظرف في موضع حال، إلا أن قوله «إلا وحيا» ، على هذا التقدير، مصدر في موضع الحال، كأنه: يكلمه الله إلا إيحاء، أي: موحيا، كقولك: جئتك ركضاً ومشياً، ويكون «من» في قوله «أو من وراء حجاب» في أنه في موضع حال، مثل «من» في قوله: (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) «1» ، بعد قوله: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا) «2» . فهذه مواضع وقعت فيها «في» ظرفا في موضع حال، كما وقع سائر حروف الجر. وعلى هذا الحديث المروى: «أدوا عن كل حرٍّ وعبدٍ من المسلمين» ، ف «من المسلمين» حال من الفاعلين المأمورين المضمرين، كما أنه، أدوا كائنين من المسلمين، أي: أدوا مسلمين كما أن قوله: «ومن الصالحين» معناه: يكلمهم صالحا. ومعنى «أو من وراء حجاب» في الوجه الأول: يكلمهم غير مجاهر لهم بالكلام من حيث لا يرى، كما يرى سائر المتكلمين، ليس اله حجاب يفصل موضعا من موضع، ويدل على تحديد المحجوب. هذا كلامه في «التذكرة» . ومن هذا يصلح ما في «الحجة» ، لأنه قال: ذلك الفعل «يرسل» ، وقد أخطأ، والصحيح ذلك الفعل «يكلم» . وقال في موضع آخر: (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ) «3» . قوله: «من وراء حجاب» في موضع نصب ب «أنه» في موضع الحال بدلالة عطفه على «وحيا» ، وكذلك من رفع «أو يرسل رسولا فيوحى» ، «أو يرسل» فى موضع نصب على الحال.

_ (2- 1) آل عمران: 46. (3) الشورى: 51.

فإن قلت: فمن نصب «أو يرسل» كيف القول فيه مع انفصال الفعل ب «أن» وكونه معطوفا على الحال؟ فالقول فيه: إنه يكون المعنى: أو بأن يرسل، فيكون «الفاء» على هذا في تقدير الحال، وإن كان الجار محذوفا. وقد قال أبو الحسن في قوله: (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) «1» . (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) «2» : إن المعنى: وما لكم في أن لا تأكلوا، وأنه في موضع حال كما أن قوله: (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) «3» كذلك، فكذلك يكون قوله: «أو يرسل» فيمن نصب، في موضع الحال لعطفه على ما هو حال. قال أبو علي في موضع آخر: ما بعد حرف الاستثناء لا يعمل فيما قبله، فلا يجوز: ما زيد طعامك إلا أكل لأن «إلا» مضارع لحرف النفي. ألا ترى أنك إذا قلت: جاءنى القوم إلّا زيدا، فقد نفيت المجيء عن «زيد» ب «إلا» ، فكما لا يعمل ما بعد حرف النفي فيما قبله، كذلك لا يعمل ما بعد «إلا» فيما قبلها. فإن قلت: فهلا لم يعمل ما قبلها فيما بعدها فلم يجز: ما زيد آكل إلا طعامك؟ قيل: ما قبلها يجوز أن يعمل فيما بعدها، وإن لم يجز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، ألا ترى أنه قد جاز: علمت ما زيد منطلق. وقوله تعالى: (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) «4» (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا) «5» ، فيعمل ما قبلها فيها، ولم يجز ما بعدها أن يعمل فيما قبلها.

_ (1) البقرة: 246. (2) الأنعام: 119. (3) المدثر: 49. (4) فصلت: 48. (5) الإسراء: 52.

الباب الحادي والسبعون

الباب الحادي والسبعون هذا باب ما جاء في التنزيل وقد حذف منه ياء النسب فمن ذلك قوله تعالى: (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) «1» وجمع «أعجمى» مثل «أشعرى» ، حذف منه ياء النسب في الجمع، وليس جمع «أعجم» ، لأن «أعجم» مثل «أحمر» ، ولا يقال في «أحمر» : أحمرون. ومثله: (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) «2» هو جمع «الياس» ، مثل: أشعرين، في جمع: أشعرى. ومنه قراءة من قرأ: (فسئل العادين) «3» ، بالتخفيف، جمع: عاد، لكن أبدل من حرف التضعيف «ياء» ، مثل: تظنيت، في: تظننت، وكأنه أبدل فى «عد» ، و «عددت» : «عديت» و «عدا» .

_ (1) الشعراء: 198. (2) الصافات: 130. (3) المؤمنون: 163.

الباب الثاني والسبعون

الباب الثاني والسبعون هذا باب ما جاء في التنزيل وقد أبدل المستثنى من المستثنى منه فمن ذلك قوله تعالى: (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) «1» ، رفعوا «قليلا» بالبدل من، «الواو» ، في «فعلوه» ، إلا ابن عامر. ومن ذلك قوله: (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) «2» . رفعه ابن كثير وأبو عمرو على البدل من «أحد» . ومن ذلك قوله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) «3» ، رفعوا «أنفسهم» عن آخرهم، على البدل من، «شهداء» . ومنه قوله: (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) «4» ، ف «من» مبتدأ استفهام بمعنى النفي، وفي «يغفر» ضمير يعود إلى «من» وقوله «إلا الله» رفع بدل من الضمير في «يغفر» وكأنه قال: ما أحد يغفر الذنوب إلا الله. فثبت أن نظر شارحكم الجليل في هذا الباب ساقط، حيث قال: «من» مبتدأ، وقوله «إلا الله» خبره. ومثله: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) «5» . رفع، بدل من الضمير في «يرغب» . فالاختيار في هذه الأشياء إذا كان بعد النفي أن يكون بدلا مما قبله، عند سيبويه وغيره.

_ (1) النساء: 66. (2) هود: 81. (3) النور: 6. [.....] (4) آل عمران: 135. (5) البقرة: 130.

وقال قوم: إذا لم يجز في الاستثناء لفظ الإيجاب لم يجز البدل، فيقولون: ما أتاني إلا زيد، على البدل، لأنه يجوز: أتاني القوم إلا زيدا، ولا يقولون: ما أتاني أحد إلا زيد، لأنه لا يجوز: أتاني أحد. قال أبو سعيد: ولأنه قد أحاط العلم: إنا إذا قلنا: ما أتاني أحد، فقد دخل فيه القوم وغيرهم، فإنما ذكر بعض ما اشتمل عليه أحدهما يستثنى بعضه. وقد «1» احتج عليهم سيبويه ببعض ما ذكرناه، بأن قال: كان ينبغي إن قال ذلك أن يقول: ما أتاني أحد إلا وقد قال ذاك إلا زيدا، والصواب في ذلك نصب «زيد» و، ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا لأنك لما قلت: ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك، صار الكلام موجبا لما استثنى من المنفي، فكأنه قال: كلهم قالوا ذاك، فاستثنى «زيدا» من شيء موجب في الحكم، فنصب، وإنما ذكر هذا لأنه ألزم القائل بما ذكر من جواز: ما أتاني أحد إلا زيد، ومنع: ما أتاني القوم إلا زيد، فإن قال: / إن كان يوجب النصب لأن الذي قيل «إلا» جمع، فقد قال الله تعالى: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) «2» بعد الجمع، وإن كان جواز الرفع والبدل لأن الذي قبل «إلا» واحد، فينبغي أن يجيزوا الرفع في قولهم: ما أتاني إلا أحد إلا قد قال ذاك إلا زيد، فالواجب فيه النصب، وإنما ألجأهم سيبويه، إلا أن يقولوا: الذي يوجب البدل أن يكون ما قبل «إلا» نفيا فقط، جمعا كان أو واحدا.

_ (1) الكتاب (1: 36) . (2) النور: 6.

قال أبو علي: الوجه في قولهم، ما أتاني أحد إلا زيد، الرفع، وهو الأكثر الأشيع في الاستعمال والأقيس، فقوته من جهة القياس أن معنى: ما أتاني أحد إلا زيدا، وما أتاني إلا زيد، واحد، فكما اتفقوا على: ما أتاني إلا زيد، إلا الرفع، وكان: ما أتاني أحد إلا زيد، بمنزلته وبمعناه، اختاروا الرفع مع ذكر «أحد» وأجروا ذلك على: يذر، ويدع، في أن «يذر» لما كان في معنى «يدع» فتح، وإن لم يكن فيه حرف حلق. ومما يقوى ذلك أنهم يقولون: ما جاءني إلا امرأة، فيذكرون حملاً على المعنى ولا يؤنثون، ذلك فيما زعم أبو الحسن، إلا في الشعر، قال: ترى البحر والآجال يأتى عروضها ... فما بقيت إلا الضلوع الجراشع فكما أجروه على المعنى في هذا الوضع فلم يلحقوا الفعل علامة التأنيث، كذلك أجروه عليه في نحو: ما جاءني أحد إلا زيد، فرفعوا الاسم الواقع بعد حرف الاستثناء وأما من نصب فقال: ما جاءني أحد إلا زيدا، فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب، من حيث اجتمعا، في أن كل واحدٍ منهما كلام تام.

الباب الثالث والسبعون

الباب الثالث والسبعون هذا باب ما جاء في التنزيل وأنت تظنه فعلت الضرب في معنى ضربته، وذلك لقلة تأملك في هذه الصناعة فمن ذلك قوله تعالى: (ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) «1» . إذا فسرت «ما» ب «ما» النافية توجه عليك أن تقول: لا يعذبكم الله إن شكرتم وآمنتم. وقوله: لا يعذبكم الله أفصح من قوله: ما يفعل الله بعذابكم. وإذا فسرته بالاستفهام لم يلزمك هذا الطعن. ومن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) «2» فيقال: لك: هلا قال: / والذين هم للمال مزكون، لأن زكيت المال أفصح من فعلت زكاة المال، ولا يعلم هذا الطاعن أن معنى قوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) «3» . الذين هم عاملون لأجل الطهارة والإسلام ويطهرون أنفسهم، كما قال: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) ، «4» فليس هذا من زكاة المال في شيء، أو يعنى: قد أفلح من زكاها، أي: من المعاصي والفجور. ومن ذلك قوله: (وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) «5» قال: معناه: لا تؤذهم، وهو أفصح من: دع أذاهم، إلا أنهم قالوا: معناه: دع الخوف من أذاهم.

_ (1) النساء: 147. (3- 2) المؤمنون: 4. (4) الشمس: 9. (5) الأحزاب: 48.

ومن ذلك: (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) «1» المعنى: من يفعل المذكور منكم لأن قبله (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) «2» ولو لم يفسره بما ذكرنا كان: من يفعل الإلقاء بالمودة، فيقال: لو قال ومن يلق المودة منكم، كان أفصح. فهذه أربع آيات حضرتنا الآن.

_ (2- 1) الممتحنة: 1.

الباب الرابع والسبعون

الباب الرابع والسبعون هذا باب ما جاء في التنزيل مما يتخرج على أبنية التصريف فمن ذلك قوله تعالى: (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) «1» . فسروه مرةً ب «فعيلة» من الذر، و «فعلولة» منه أيضا، من: ذرأ الله الخلق. ومن ذلك قوله تعالى: (كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) . «2» قال أبو علي: من قال: درى، كان «فعيلا» من «الدرء» الذي هو الدفع، وإن خففت الهمزة من هذا قلت: درى. وحكى سيبويه عن أبي الخطاب: كوكب درى، في الصفات، ومن الأسماء: المريق، للعصفر. ومن ذلك: جبريل، وميكائيل، وإسرائيل. قال أبو علي: روينا عن أبي الحسن من طريق أبي عبد الله اليزيدي عن عمه عنه أنه قال: في «جبريل» خمس لغات: جبرايل، وجبرئيل، وجبرال، وجبريل، وجبرين، وهذه أسماء معربة فإذا أتى بها على ما في أبنية العرب مثله كان أذهب في باب التعريب، يقوى ذلك تغييرهم للحروف المفردة التي ليست من حروفهم، لتغييرهم الحرف الذي بين الهاء والباء في قلبهم إياه إلى الباء المحضة أو الفاء المحضة/ كقولهم: البرند، والفرند وكذلك

_ (1) آل عمران: 34. (2) النور: 35.

تحريكهم الحركة التي ليست من كلامهم، كالحركة التي في قول العجم: «زور وأشوب» ، يحصلونها ضمة، فكما غيروا الحرف والحركات إلى ما في كلامهم، فكذلك القياس في أبنية هذه الكلم، إلا أنهم قد تركوا أشياء من العجمة على أبنية العجم، التي ليست من أبنية العرب، كالآجر، والإبريسم، والفرند، وليس في كلامهم على هذه الأبنية، فكذلك قول من قال: جبريل، إذا كسر الجيم كان على لفظ «قنديل» و «برطيل» ، وإذا فتحها فليس لهذا البناء مثل في كلامهم، فيكون هذا من باب: الآجر، والفرند ونحو ذلك من المعرب الذي لم يجىء له مثل في كلامهم، فكلا المذهبين حسن لاستعمال العرب لهما جميعا، وإن كان الموافق لأبنيتهم أذهب في باب التعريب، وكذلك القول فى: ميكال، وميكايل، بزنة: سرداح، وقنطار و «ميكايل» خارج عن أبنية كلام العرب. فأما القول فى زنة «ميكال» فلا يخلو من أن يكون «فيعالا» أو «مفعالا» ، ولا يجوز أن يكون «فيعالا» لأن هذا بناء يختص به المصدر: كالقيتال، والحيقال، وليس هذا الاسم بمصدر، ولا يجوز أن يكون «مفعالا» فيكون من أ «كل» أو «وكل» لأن الهمزة المحذوفة من «ميكايل» محتسب بها في البناء فإذا ثبت لك ذلك صارت الكلمة من الأربعة، وباب الأربعة لا تلحقها الزيادة في أوائلها إلا الأسماء الجارية على أفعالها، وليس هذا على ذلك الحد، فإذا لم يكن كذلك ثبت أن الميم أصل، كما كانت الهمزة في «إبراهيم» ونحوه أصلا ليس بزيادة. ولا يجوز أيضا أن يكون «فعالا» لأن الهمزة المحذوفة من البناء مقدرة فيه، نظير ذلك في حذف الهمزة والاعتداد بها مع الحذف في البناء قولهم: سواية، إنما هي «سوائية» كالكراهية، وكذلك الهمزة المحذوفة من «أشياء» على قول

أبي الحسن مقدرة في البناء، فكذلك الهمزة في «ميكائيل» . فإن قلت: فلم لا تجعلها بمنزلة التي فى «حطايط» و «جرايض» فإن ذلك لا يجوز، لأن الدلالة لم تقم على زيادتها، كما قلت في قولهم: «جرواض» فهو ذا بمنزلة التي في «برائل» وكذلك «جبريل» الهمزة التي تحذف منها ينبغي أن يقدر حذفها للتخفيف، / وحذفها للتخفيف لا يوجب إسقاطها من أصل البناء، كما لم يجز إسقاطها في «سوايه» من أصل البناء. فإذا كان كذلك كانت الكلمة من بنات الخمسة، وهذا التقدير يقوى قول من قرأ «جبرئل» و «ميكائيل» بالهمزة، لأنه يقول: إن الذي قرأ «جبريل» وإن كان في اللفظ مثل «برطيل» فتلك الهمزة عنده مقدرة، وإذا كانت مقدرة في المعنى فهى مثل ما ثبت فى اللفظ، وأما «اسرافيل» فالهمزة فيه أصلى، لأن الكلمة من بنات الأربعة، كما كانت الميم من «ميكايل» كذلك ف «إسرافيل» من الخمسة، كما كان «جبريل» كذلك، والقول في همزة «اسرايل» و «إسماعيل» و «ابراهيم» مثل القول في همزة «اسرافيل» ، فإنها من نفس الكلمة، والكلمة من بنات الخمسة، وقد جاء في أشعارهم الأمران، ما هو على لفظ التعريب، وما هو خارج عن ذلك، قال: عبدوا الصليب وكذبوا بمحمدٍ ... وبجبرئيل وكذبوا ميكالا وقال: وجبريلٌ رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء «1»

_ (1) البيت لحسان بن ثابت.

وقال: شهدنا فما تلقى لنا من كتيبةٍ ... يد الدهر إلا جبرئيل أمامها وقال كعب بن مالك: ويوم بدرٍ لقيناكم لنا مدد ... فيه لذا النصر ميكالٌ وجبريل فأما ما روى عن أبي عمرو أنه كان يخفف «جبريل» و «ميكال» ويهمز «اسرائيل» فما أراه إلا لقلة مجىء «اسرال» وكثرة مجىء «جبريل» و «ميكال» في كلامهم، والقياس فيهما واحد، وقد جاء في شعر أمية: إسرال، قال: لا أرى من يعيشنى في حياتي ... غير نفسي إلا بنو إسرال قال: إن «ايل» و «آل» اسم الله، وأضيف ما قبلهما إليهما، كما يقال: عبد الله وهذا ليس بمستقيم من وجهين: أحدهما: أن «ايل» و «ال» لا يعرفان في اسم الله سبحانه وتعالى في اللغة العربية. والآخر: أنه لو كان كذلك لم ينصرف آخر الاسم في وجوه العربية، ولكان الآخر مجرورا، كما أن آخر «عبد الله» كذلك، ولو كان مضافا لوقع التعريب عليه، / على حد ما وقع في غيره من الأسماء المضاف إليها. ومما يلحق بهذا الباب «زكريا» من قوله عز وجل: (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) «1» . فالقول في همزته أنها لا تخلو من أن تكون للتأنيث أو للإلحاق به، ولا يجوز أن تكون منقلبة، ولا يجوز أن تكون للإلحاق، لأنه ليس في الأصول شيء على وزنه فيكون هذا ملحقا به، ولا يجوز أن تكون منقلبة لأن الانقلاب

_ (1) آل عمران: 37.

لا يخلو من أن يكون من نفس الحرف، أو من الإلحاق، فلا يجوز أن يكون من نفس الحرف، لأن الياء والواو لا يكونان أصلا فيما كان على أربعة أحرف، ولا يجوز أن تكون منقلبة من حرف الإلحاق، لأنه ليس في الأصول شيء على وزنه يكون هذا ملحقا به، فإذا بطل هذا ثبت أنه للتأنيث، وكذلك القول فيمن قصر وقال: زكريا، ونظير القصر والمد في هذا الاسم قولهم: الهيجا، والهيجاء، قال لبيد: إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ... فحسبك والضحاك سيفٌ مهند «1» لما أعربت الكلمة وافقت العربية، وقد حذفوا ألف التأنيث من الكلمة فقالوا: يمشى الجيض والجيضى «2» ، فعلى هذا قالوا: زكريا وزكرى، فمن قال: «زكرى» ، صرف، والقول فيه أنه حذف الياءين اللتين كانتا في «زكريا» وألحق الكلمة ياء النسب، يدلك على ذلك صرف الاسم، ولو كانت الياء في «زكرى» الياءين اللتين كانتا في «زكريا» لوجب ألا ينصرف الاسم للعجمة والتعريف، كما أن «ابراهيم» ونحوه من الأعجمية لا ينصرف، وانصراف الاسم يدل على أن الياءين للنسب، فانصرف الاسم، وإن كان لو لم يلحقه الياء لم ينصرف للعجمة والتعريف، يدلك على ذلك أن ما كان على وزن «مفاعل» لا ينصرف، فإذا لحقته ياء النسب انصرف، كقولك: مدائنى، ومغافرى. وقد جرت تاء التأنيث فقالوا: «صياقل» فلم يصرفوا، وألحقوا التاء فقالوا: صياقلة، فاتفق تاء التأنيث وياء

_ (1) ورد البيت في اللسان «عصا» غير منسوب. وانشقت العصا: وقع الخلاف. والواو في «والضحاك» بمعنى الباء وإن كانت معطوفة على المفعول، لأن المعنى أن الضحاك نفسه هو السيف المهند، وليس المعنى: يكفيك ويكفي الضحاك سيف مهند. [.....] (2) يمشي الجيض والجيضىّ: أي يمشي في اختيال وتبختر.

النسب في هذا، كما اتفقا في: رومى وروم، وشعيرة وشعير، ولحقت الاسم ياءان، وإن لم يكن فيه معنى نسب إلى شيء، كما لم يكن في: كرسى، وقمرى، وثمانى، معنى نسب إلى شيء. / وهذا نظير لحاق التأنيث ما لم يكن فيه معنى تأنيث، كعرفة وطلحة، ونحو ذلك. ويدل على أن الياءين في «زكرى» ليستا اللتين كانتا في «زكريا» أن ياءى النسب لا تلحقان قبل ألف التأنيث، وإن كانتا قد لحقتا قبل التاء في «بصرية» لأن التاء بمنزلة اسم مضموم إلى اسم، والألف ليست كذلك، ألا ترى أنك تيسر عليها الاسم، والتاء ليست كذلك. ذكره الفارس في «الحجة» . ومن ذلك قراءة من قرأ: (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) «1» على «يفعوعل» «صدورهم» بالرفع. بمعنى: تنطوى صدورهم انطواء. وروى أيضا بالياء «يثنونى» من «اثنونى» مثل «احلونى» كررت العين للمبالغة. ومنه: «اخشوشنوا» ، من قول عمر. وروى عن ابن عباس «ليثنون» بلام التأكيد في خبر «إن» ، وأراد «تثنونى» على ما مضى، لكنه حذف الياء تخفيفا. «وصدورهم» كذلك رفع. وروى عن ابن عباس أيضا «يثنون» ووزنه «يفعوعل» من «الثن» وهو ما يبس وهش من العشب، وتكرير العين فيه أيضا للمبالغة، و «صدورهم» رفع. فاعل بالفعل، والمعنى: لأن قلوبهم انقادت لهم للاستخفاء من الله تعالى. فأما تشديد النون فلأنه كان في الأصل «يثنونن» فأدغم، لأن إظهار ذلك شاذ.

_ (1) هود: 5.

وروى أيضا «يثنئن» بالهمزة، مثل «يطمئن» و «صدورهم» كذلك رفع. وهو من باب: وشاح وإشاح، ووسادةٍ وإسادة. وقد قيل: إن «يثنئن» يفعئل، من الثن المقدم، مثل يحمار، ويصفار. فحركت الألف لالتقائهما بالكسر، فانقلبت همزة. وروى: إلا أنهم يثنون صدورهم، من أثنى يثنى، إذا وجده منطويا على العداوة، من باب، أحمدته، أي، وجدته محمودا. ومن ذلك ما جاء في التنزيل من قوله في نحو قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) «1» وقوله: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) «2» ، وقوله: (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) «3» ، وقوله: (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) «4» ، وقوله: (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) «5» . كل مفسر، على قول أبي إسحاق لأن «إياك» عنده مظهر، وهو مضاف إلى الكاف، وعلى قول غيره هو مضمر، فإذا كان مضمرا لم يحكم بوزنه ولا اشتقاقه ولا تصرفه، فأما إذا كان مظهرا وسمى به على قول من قال هو مضمر، فيحتمل ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون من لفظ: «آويت» . والآخر: أن يكون من لفظ «الآية» . والآخر: أن يكون من تركيب «أوو» ، وهو من قول الشاعر: فأو لذكراها إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرضٍ دونها وسماء «6»

_ (1) الفاتحة: 4. (2) البقرة: 40. (3) البقرة: 41. (4) الإسراء: 67. (5) العنكبوت: 56. (6) اللسان «أوا» : «دوننا وسماء» .

فيمن رواه هكذا. «فأو» على هذا بمنزلة: قو زيدا، وهو من مضاعف الواو، ولا يكون «فأو» ، كقولك: سو زيدا، وأو عمرا، و: حوّ حبلا، فإن ذهب إلى أن «أيا» من لفظ «أويت» احتمل ثلاثة أمثلة: أحدها: أن يكون، أفعل. والثاني: فعيلا، وفعولا. والأخير: فعلى. أما «أفعل» فأصله: إيؤى، فقلبت الياء، التي هي لام، ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت «إأوا» قلبت الهمزة الأولى. التي هي فاء الفعل ياء، لسكونها وانكسار الهمزة قبلها، فصارت: «ايوا» ، فلما اجتمعت الياء والواو وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فصارت: إيا. فإن قلت: ألست تعلم أن الياء قبل الواو في «إيوا» ليست بأصلٍ، وإنما هي بدل من الهمزة التي هي ياء الفعل، فهلا لم تقلب لها الواو ياء، إذ كانت غير أصل وبدلا من همزة، كما يقول في الأمر من: أوى يأوى: إيو يا رجل، ولا تقلب الواو ياء، وإن كانت قبلها ياء، لأن تلك الياء أصلها الهمزة؟ فالجواب: أن هذا إنما يفعل في الفعل لا في الاسم، وذلك أن الفعل لا يستقر على حال واحدة، ولا الهمزة المكسورة في أوله بلازمة، وإنما هي ثابتة ما ابتدأت، فإذا وصلت سقطت البتة، ألا تراك تقول: أيو، و: أو، وإن شئت فأو، كما قال: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) «1» وليس كذلك الاسم، لأنه إن

_ (1) الكهف: 16.

كانت في أوله كسرة أو ضمة أو فتحة ثبت على كل حال، وذلك قولك: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) «1» ، وضربت القوم إلا إياك، فالهمزة ثابتة مكسورة في الوصل والوقف، ألا ترى أنهم قالوا في مثل «أحوى» من «أويت» : أيا، فأصله: «أأوا» ، فقلبت الهمزة الثانية/ لاجتماع الهمزتين ياء، فصارت «ايوا» ، وقلبت الواو ياء لوقوع الياء الساكنة المبدلة من الهمزة قبلها، فصار «أيى» فلما اجتمعت ثلاث ياءات على هذه الصفة حذفت الأخيرة تخفيفا، كما حذفت من تصغير «أحوى» في قولك: «أحى» وكذلك قالوا في مثل «أويةٍ» من «أويت» : أياه، وأصله: أوية، فقلبت الهمزة الثانية ياء، وأبدلت لها الواو ياء، وأدغمت الأولى في الثانية، وقلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت «أياه» فهذا حكم الأسماء لأنها غير منقلبة، والأفعال لا تثبت على طريقة واحدة، فليس التغيير فيها بثابت. وأما كونه «فعيلا» من وزن «عرتل» و «طريم» و «عذيم» فأصله على هذا: أويى، ففصلت ياء «فعيل» بين الواو والياء، كما فصلت في المثال بين العين واللام، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء وأدغمت في ياء «فعيل» ، فصارت: «أيى» ، ثم قلبت الياء الأخيرة، التي هي لام ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت: «أيا» . وأما كونه «فعولا» فأصله: «إووى» فقلبت الواو الأولى ياء، التي هي عين لسكونها وانكسار الهمزة قبلها، ثم قلبت الواو الزائدة بعدها ياء، لوقوع الياء ساكنة قبلها، وأدغمت الأولى في الثانية، وقلبت الياء، التي هي لام ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت «إيا» ، كما ترى، فلم تصح الواوان، لأنهما ليستا عينين.

_ (1) الفاتحة: 4.

وأما كونه «فعلى» فأصله «إويا» فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ولوقوع الياء بعدها أيضا، ثم أدغمت في الياء بعدها فصارت «إيا» . فإن سميت به رجلا وهو «أفعل» لم ينصرف معرفة وانصرف نكرة، وحاله فيه حال «إشفى» ، وإن سميت به رجلا وهو «فعلى» فالوجه أن يجعل ألفه للتأنيث بمنزلة ألف «ذكرى» و «ذفرى» ، فإذا كان كذلك لم ينصرف معرفة ولا نكرة، وإن ذهبت إلى أن ألفه للإلحاق وألحقته ب «هجرع» وأجريتها مجرى ألف «مغزى» لم تصرفه معرفة وصرفته نكرة، وجرى حينئذٍ مجرى ألف «حبنطى» و «دلنطى» و «سرندى» . وأما إذا جعلت «أيا» من لفظ «الآية» / فيحتمل أن يكون على واحدٍ من خمسة أمثلة، وهي: أفعل، وفعل، وفعيل، وفعول، وفعلى، وذلك أن عين «الآية» من الياء، كقول الشاعر: لم يبق هذا الدهر من آياته «1» ... غير أثافيه وأرمدائه «2» فظهور الياء عينا في «آياته» يدل على ما ذكرناه من كون العين من «آية» ياء، وذلك أن وزن «آيا» : افعال، ولو كانت العين واوا لقالوا: أواية، إذ لا مانع من ظهور الواو في هذا الموضع، فإذا ثبت وبغيره مما يطول ذكره كون العين من «آية» ياء ثم جعلت «أيا» افعلا. فأوصله: إءيى، فقلبت الهمزة الثانية التي هي فاء ياءً، لاجتماع الهمزتين وانكسار الأولى منهما، ثم أدغمتهما في الياء التي هي عين بعدها فصارت: أي، ثم قلبت

_ (1) وكذا في اللسان (أيى) وفيه في (رمد) 4: «ثريائه» . (2) الأرمداء: الرماد.

الياء التي هى لام فى «آية» و «آي» ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت: أيا، ولم يسغ الاعتراض الذي وقع قديما في إدغام الياء المبدلة من الهمزة التي هي: «فاء» في «افعل» من «اويت» إذ صار لفظها إلى «أيوى» لأن العين هناك واو، فاحتجت إلى قلبها ياء، لوقوع الياء المبدلة من الهمزة قبلها، والانتصار هناك لذاك. وأما إذا جعلتها من «الآيه» والعين في الأصل ياء، ثم وقعت قبلها الياء المبدلة من الهمزة التي هي فاء، فلما اجتمع المثلان وسكن الأول منهما أدغم في الثاني بلا نظرٍ، فقلبت «إيا» ، وجرى ذلك مجرى قوله، عز اسمه (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) «1» فيمن لم يهمز وجعله «فعلا» من «رأيت» وأصله على هذا «رئيا» . قال: وحدثنا أبو علي: أن القراءة فيه على ثلاثة أوجه: رئيا، وريا، وزيا، بالزاي «2» . وإذا جعلته «فعلا» مثل «ألق» و «قنب» فالياء المشددة هي العين المشددة، وأصله: آيى، والياء المبدلة ألفا أخرى هي لام الفعل، فهي منقلبة من الياء التي هي لام «اية» فقلبت الياء الأخيرة، لما ذكرت لك. وإذا جعلته «فعيلا» ، مثل: «عزيم» ، و «حذيم» ، فالياء الثانية في «إيا» هي ياء «فعيل» والياء الأولى هي عين «فعيل» . وإذا جعلته «فعولا» فأصله «إيوى» ، وهو بوزن «خروع» و «جردل» ، فيمن كسر الجيم، فلما اجتمعت الياء والواو/ وسبقت الياء

_ (1) مريم: 74. (2) وزاد أبو حيان على هذه الثلاثة (البحر 5: 210 و 211) . [.....]

بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء التي هي عين «فعول» في الياء التي أبدلت من واوه، وقلبت الياء التي هي لامٌ ألفا- لما ذكرنا- فصارت ألفا. فإذا جعلته «فعلى» فالياء الأولى في «إيا» هي العين والثانية هي اللام، والألف ألف «فعلى» ويجوز أن تكون للتأنيث، ويجوز أن تكون للإلحاق، على ما تقدم، والوجه في هذه الألفات أن تكون للتأنيث، لأنها كذلك أكثر ما جاءت. فأما إذا كان من لفظ «فأوّلذكراها» ، فأصله على ما يثبت لك من تركيب «أوو» فإنه يحتمل أربعة أمثلة، أحدها: افعل، والآخر: فعيل، والآخر: فعول، والآخر: فعلى. فإذا جعلته «افعل» . فأصله «اأوو» فقلبت همزته الثانية، التي هي فاء افعل، ياء لانكسار الهمزة قبلها، فصار في التقدير «ايوو» ، ثم قلبت الواو الأولى، التي هي عين «افعل» ياء، لوقوع الياء الساكنة قبلها على ما تقدم، فصار في التقدير: «ايو» ثم قلبت الواو ياء، لأنها وقعت رابعة كما قلبت في «أغزيت» و «أعطيت» ، فصار في التقدير: «إيى» . ثم قلبت الياء الأخيرة ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار «إيا» ، كما ترى. وإذا جعلته «فعيلا» فأصله حينئذ «اويو» فقلبت الواو الأولى، التي هي عين الفعل: ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ولأنها أيضا ساكنة قبل الإدغام، ثم أدغمت تلك الياء في ياء «فعيل» فصارت «ايو» ثم قلبت الواو ياء، لأنها واقعة طرفا، ثم قلبت تلك الياء ألفا، على ما عمل في المثال الذي قبلها، فصارت «إيا» .

وإذا كان «فعولا» فأصله «إ وو» ، فقلبت الواو الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وقلبت الواو بعدها لوقوع الياء ساكنة قبلها، وأدغمت الأولى، ثم قلبت الواو الأخيرة ياء ثم ألفا، على ما قدمنا. وإذا كانت «فعلى» فأصلها «اوو ى» ، فقلبت الواو الأولى ثم الثانية، ثم أدغمت الأولى فيها، على ما بيّناه آنفا. ولا يجوز أن يكون «إيا» ، إذا جعلتها من لفظ «اوو» فعلا. ويجوز فيه وجه ثالث، وهو أن يكون «فعولا» / قلبت عينه للكسرة، ثم واوه لوقوع الياء قبلها، فقلبت «إيا» . ولا يكون «فعلى» كما جاز فيما قبل، لأنه كان يلزم أن يكون اللفظ به «اوى» . ولا يجوز أن يكون «ايا» فعللا، مضعف اللام، بمنزلة «ضريب» ، لأن ذلك لم يأت في شيء من الكلام، وإن شئت جوزت ذلك فيه وقلت: إنهما ليستا عينين فتلزما وتصحا. ولا يجوز أن يكون «إيا» من لفظ «اآة» ، على أن يجعلهما، فعيلا. منها، ولا «افعلا» ، لأنه كان يلزمك أن تهمز آخر الكلمة، لأنه لام فتقول «إياه» . ولم يسمع فيه همزة البتة، ولا سمع أيضا مخففا بين بين، ولكن يجوز فيه على وجه غريب أن يكون «فعلى» من لفظ «وأيت» ، ويكون أصله على هذا «وييا» ، فهمزت واوه لانكسارها، كما همزت في «اساوة» و «إشاح» ونحو ذلك، فصارت «إييا» ، ثم أبدلت الهمزة ياء لانكسار الهمزة الأولى قبلها، ثم أدغمت الياء المنقلبة عن الهمزة في الياء التي هي لام «وأيت» فصارت «إيا» . ومن ذلك قوله تعالى: (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) «1» ، (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ

_ (1) آل عمران: 3.

فِيها هُدىً وَنُورٌ) «1» . وزن التوراة عندنا «فوعلة» من: ورى الزند يرى، وأصله «وورية» . فأبدل من الواو تاء، كتخمة، وتراث، وتولج، وأنت تقوم. وقيل: أصله: «توراه» تفعلة، فقلب، كما قيل في جارية: جاراة وفي، ناصية: ناصاة. و «إنجيل» إفعيل من «النجل» ، وهو الأصل، إذ هو أصل العلوم والحكم.

_ (1) المائدة: 44.

الباب الخامس والسبعون

الباب الخامس والسبعون هذا باب ما جاء في التنزيل من القلب والإبدال فمن ذلك قوله تعالى: (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) «1» ، وقوله: (أَوِ الْحَوايا) «2» . ف «خطايا» عند الخليل «فعالى» مقلوب من «فعايل» ، قدمت اللام على الهمزة، فصار «خطا أى» ثم أبدلت من الكسرة فتحة ومن الياء ألف، فصار: «خطآ» فلما كثرت الأمثال أبدلت الهمزة ياء فصار «خطايا» وهكذا «الحوايا» أصله «حوايى» ثم «حوايا» . ومن ذلك قوله: (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) «3» . أصلها «هاير» فصار، هار، مثل: قاض، ومثله: شاك السلاح، ولاث، وأنشد: لاث به الأشياء والعبرىّ «4» ومن ذلك قوله تعالى: (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) «5» ، ف «أشياء» أصله: شيئاء، على وزن/ «فعلاء» . يدل على الكثرة كالطرفاء، والحلفاء، قلبت لامه إلى أوله، فصار «لفعاء» . هذا مذهب الخليل. وقال الأخفش: أصله «أشيياء» على وزن أفعلاء، فحذفت لام الفعل. قال الفراء: وزنه «أفعال» ، وقد ذكرت وجه كل قول فى «الخلاف» .

_ (1) البقرة: 58. (2) الأنعام: 146. (3) التوبة: 109. (4) لاث: لبس بعضه بعضا. والأشاء: صغار النحل. والعبري: السدر ينبت على جانب النهر. (5) المائدة: 101.

ومن ذلك قوله تعالى: (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) «1» ، التاء بدل من الواو، التي هي لام في «كلا» ، كما قلنا في «التوراة» و «التراث» من قوله: (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا) «2» . وقيل: هي بدل من التاء. إنهم اختلفوا في لام «كلا» قال الجرمى «3» : التاء زائدة في «كلتا» ، ووزنه «فعتل» ، وليس في الكلام «فعتل» ، وكذلك «التاء» فى «بيت» و «أخت» من قوله تعالى: (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) «4» ، بدل من الواو لقولك: أخوان وإخوان، فأما «البنت» فيجوز أن يكون من الواو، ويجوز أن يكون من الياء. ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) «5» أصله، «وقتت» ، لأنه من «الوقت» أي: جمعت لوقتها. ومنه: (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ) «6» ، فيمن همز. وقوله: (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) «7» . همز الواو لمجاورة الضمة كما همزها إذا انضمت، ولهذا قرأ من قرأ: َ كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) «8» ، بالهمز، كما اعتاد الهمز في «السوق» . ومنه قوله: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) «9» ، الهمزة بدل من الواو، في «وحد» لأنه من «الوحدة» .

_ (1) الكهف: 33. (2) الفجر: 19. (3) الجرمي: صالح بن إسحاق أبو عمرو، توفي سنة خمس وعشرين ومائتين. (البغية) . (4) النساء: 12. (5) المرسلات: 11. (6) ص: 33. (7) الفتح: 29. [.....] (8) النمل: 44. (9) الإخلاص: 1.

الباب السادس والسبعون

الباب السادس والسبعون هذا باب ما جاء في التنزيل من إذا الزمانية وإذا المكانية، وغير ذلك من قسميهما وأعلم أن «إذا» الزمانية اسم في نحو قوله تعالى: (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) «1» ، (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) «2» ، و (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) «3» ، لأنها نقيضة «إذ» . وقد ثبت بالدليل كون «إذ» اسما في نحو قوله: (بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) «4» . والعرب تحمل النقيض على النقيض، كقوله: وقبل غدٍ يا لهف نفسي على غدٍ ... إذا راح أصحابي ولست برائح فأبدله من «غدٍ» والحرف لا يبدل من الاسم، فثبت أنه اسم، وإذا كان اسما كان اسما للوقت. فينضاف إلى ما بعده، وإذا كان مضافا إلى ما بعده كان العامل فيه جوابه إذا كان فعلا، فإن لم يكن فعلا قدر تقدير الفعل، كقوله: (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) ، والتقدير: فإذا نفخ في الصور تنافروا وتجادلوا. / وهكذا كل ما كان بهذه المنزلة. فأما قوله: (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) «5» وأخواتها، فقد قدمنا القول فيه. وقال أبو إسحاق في قوله تعالى: (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) «6» العامل في «إذا» قوله: «مزقتم» ، ويجريه مجرى «أى» في الجزاء، نحو: أيا تضرب أضرب، ومتى تأتنا آتك، لأن «إذا» يجىء بمعنى: «متى» .

_ (1) المؤمنون: 101. (2) المدثر: 8. (3) الصافات: 16. (4) آل عمران: 80. (5) الرعد: 5. (6) سبأ: 7.

قال: وفي التنزيل: (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) «1» . أي: متى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وهذا يقوي قول أبي زيد «2» ومحمد «3» : إن الرجل إذا قال: إذا لم أطلقك فأنت طالق، ثم سكت، طلقت فى الحال لأن «إذا» هاهنا ك «متى» ، كأنه قال: متى لم أطلقك فأنت طالق، وفي «متى» إذا سكت طلقت. ووجدنا لهذا القول حجة في «الكتاب» ، وهو غيلان بن حريث: إذا رأتني سقطت أبصارها ... دأب بكارٍ شايحت بكارها «4» ألا ترى أنه لا يريد أن هذا يقع منها مرة واحدة فى وقت مخصوص، لأن ذلك ينتقض حال المدح، وإنما يقول: كلما رأتني سقطت أبصارها، ألا تراه يقول بعده: دأب بكار شايحت بكارها و «الدأب» لا يستعمل إلا في التكرير دون الإفراد، قال: كأن لها برحل القوم دوًّا ... وما إن طبها إلا الدؤوب وقال: دأبت إلى أن ينبت الظلّ بعد ما ... تقاصر حتى كاد في الآل يمصح «5» وأما قول الهذلي «6» : هزبر عراض الساعدين إذا رمى ... بقرحته صدر الكمى المسربل متى ما يضعك الليث تحت لبانه ... تكن ثعلباً أو ينب عنك فتدخل «7»

_ (1) التوبة: 118. (2) أبو زيد: سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، توفى في سنة خمس عشر ومائتين. على خلاف في ذلك (البغية) . (3) هو: محمد بن يزيد المبرد. (4) شايحت: جدت. وقيل: حاذرت (الكتاب لسيبويه 1: 179) . (5) البيت للراعي. ويمصح: يذهب (الكتاب 1: 191) . (6) هو: إياس بن سهم بن أسامة. [.....] (7) شرح أشعار الهذليين (2: 529) : «تدحل» بالحاء المهملة ولا يتجه بها الشرح بعد.

تدخل: تدهش. غيره: يدخل في الدخل «1» .. فإنه يسأل عن جواب «إذا رمى» وليس في البيت ما يكون جوابا، ولا قبله فعل يكون بدلا من الجواب، ودالا عليه، وفي ذلك جوابان: أحدهما أنه أجرى الصفة مجرى الفعل لما فيها من معنى الفعلية، كقولك: مررت برجل شجاع إذا لقى وكريم إذا سئل، أي: إذا سئل كرم وإذا لقى شجع. وقد تقدم نحو هذا، فتدل الصفة على الجواب دلالة الفعل عليه، فكذلك هذا، كأنه قال: يعظم في العين إذا رمى بقرحته، أي: بجبهته صدر الكمى لأن «هزبرا» / كأنه من لفظ «أزبر» وهو من معناه، وكأن الهاء، وإن كانت هناك أصلا، زائدة وليست معتدة من هاء «هجرع» و «هبلع» لم يبعد أن يعتقد أيضا زيادة هاء «هزبر» و «هبرقى» . وأما «عراض» فصفة من «عرض» ، وأمرها واضح. فهذا جواب. والآخر، وهو أغمض: وهو أن يكون قوله في البيت الثاني: متى ما يضعك الليث تحت لبانه بدلاً من قوله «إذا رمى بقرحته صدر الكمى» ، وإذا كان بدلا منه كان قوله «تكن ثعلبا» جوابا للثاني بدلا من الأول، فصار جواب الثاني جوابا لهما جميعا فيجرى حينئذ مجرى قولهم: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطباً جزلاً ونارا تأججا «2» في البدل، وإن كان حرف الشرط قد أعيد في بيت الهذلى ولم يعد في قوله «تلمم بنا» . فإن قلت: فقد علمنا أن البدل يفيد ما لا يفيد المبدل منه

_ (1) الداخل: ما داخل الإنسان من فساد في عقله. يريد: الخبل. (2) الكتاب (1: 446) .

ويزيد به عليه، فما الذي زاده قوله: متى ما يضعك الليث تحت لبانه على قوله: «إذا رمى بقرحته صدر الكمى» ؟ فالفائدة في ذلك أنه إذا قال: رمى صدر الكمى، فإنما ذكر جنس الكماة إطلاقاً من غير تقيد، وإذا قال: متى ما يضعك الليث تحت لبانه فقد خاطبه بذلك وخصه به وقصره عليه. وفي القول الأول إنما كان يخص المخاطب منه قدر ما يصيبه في جملة الجماعة الذين هو واحد منهم، وفي الثاني من القصد له والتوجه إليه ما قدمناه، وكان ذلك أبلغ وأفخم وأشد إرهابا وتعظيما. واعلم أن «إذا» في هذا البيت على هذا التأويل الثاني ينبغي أن تكون متعلقة بنفس «رمى» ومنصوبة الموضع به، وليست مضافة إليه، بل هو في موضع جزم بها، كما يجزم بالشرط الصريح، كما أن «يضع» في البيت الثاني مجزوم ب «متى» ، وهي منصوبة الموضع ب «يضع» نفسها من غير خلاف، فهو إذاً في الضرورة كقوله: ترفع لي خندف والله يرفع لي ... ناراً إذا أخمدت نيرانهم تقد «1» فإن قيل: فما الذي دعا إلى اعتقاد هذه الضرورة والدخول تحتها، وهلا حملت/ «إذا» على بابها من كونها مضافة إلى الفعل، كقوله تعالى: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) «2» ، وقوله: (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) «3» ، وقول كعب: وإذا ما تشاء تبعث منها ... آخر الليل ناشطا مذعورا «4»

_ (1) البيت للفرزدق. (الكتاب 1: 434) . الديوان (216) . (2) النصر: 1. (3) الإسراء: 83. (4) في الكتاب (1: 434) : «مغرب الشمس ناشطا مذعورا» .

ألا ترى أصحابنا يعتقدون أن الفعل بعد «إذا» هذه في موضع اسم مجرور، ولذلك رفعوه، أعنى لوقوعه موقع الاسم. فالجواب: أنا إنما ركبنا هذه الضرورة في اللفظ محافظة على صحة المعنى، وذلك إن «إذا» هذه واجبة، ألا تراهم يقولون: آتيك إذا احمرّ البسر، ولا يجيزون، آتيك أن احمر البسر، لأن احمرار البسر واقع لا محالة، و «إن» مشكوك في فعلها، يجوز وقوعه ولا يجب، و «متى» كان في ذلك ليست بواجبة الفعل، ألا ترى إلى قول طرفة: متى تأتنا نصبحك كأساً روية ... وإن كنت عنها غانياً فاغن وازدد «1» أي: فاثبت على حال غناك. وإذا كانت «متى» لم يحسن أن تجعلها بدلا من «إذا» ، لأن «إذا» معروفة مقصورة على موضع وواجبة، و «متى» شائعة غير واجبة، فلو أبدلت «متى» من «إذا» ، وهي على ما هي عليه من كونها واجبة مضافة، كنت قد أبدلت الأعم من الأخص، فكما لا يجوز: ضربت رأس زيد زيدا، على أن تبدل «زيدا» من «رأسه» ، لما في ذلك من التراجع عن الخصوص إلى العموم، كذلك لا يحسن أن تبدل «متى» من «إذا» و «إذا» ، على معتاد حالها من كونها خالصة واجبة، فإذا لم يجز ذلك عدلت بها إلى إخلاصها واطرحها وإمحاضها شرطا البتة، فإذا حصلت له شاعت شيوع جميع حروف الشرط، وإذا شاعت فارقت موضعها من الإضافة وخلصت شرطا أن يحكم على موضع الفعل بعدها بالجزم في المعنى، وإن لم يظهر ذلك إلى اللفظ، وإذا كان كذلك حملت «إذا» في بيت «الهذلى» على أنها الجازمة في الضرورة، لما عليك

_ (1) الكتاب (2: 303) .

في ترك ذلك من إبدال الأعم من الأخص، وقد علمت ما يقوله أصحابنا في بيت «الكتاب» «1» : اعتاد قلبك من سلمى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطلل / ربع قواء أذاع المعصرات به ... وكل حيران سارٍ ماؤه خضل من أن قول «ربع» خبر مبتدأ مضمر، أي: هو ربع ولم يكن بدلا من «طلل» ، لما ذكرنا. وأبو حنيفة يجعل «إذا» بمنزلة «إن» فيقول: إنما يقع الطلاق في قوله: «إذا لم أطلقك عند الموت» كما لو قال: «إن لم أطلقك» ، وله قوله: وإذا تصبك خصاصة فتجمل وقوله: إذا ما خبت نيرانهم تقد والأبيات التي في «الكتاب» وأما قوله تعالى: (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) «2» إلى قوله: (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) «3» فقاس عثمان هذا على قوله: إذا راح أصحابى

_ (1) الكتاب (1: 142) . (2) الواقعة: 1. (3) الواقعة: 4.

وزعم أن «إذا» الأولى مبتدأ، والثانية في موضع الخبر، وكنا قديما ذكرنا أن العامل فيه قوله (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) «1» على تقدير: فهي خافضة رافعة، أي: إذا وقعت خفضت قوما ورفعت قوما، وأجزنا فيه أن يعمل فيه (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) «2» ، وأن يعمل فيه «اذكر» ، وأن يكون جوابه (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) «3» . وأما قوله تعالى: (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) «4» ، فالعامل فيه مدلول الكلام، أي: عسر ذلك اليوم يومئذ، أو ذلك النقر يومئذ. وأما قوله تعالى: (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) «5» ، فقد ذكرناه في باب التقديم والتأخير. وكذا: (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) «6» . وأما قوله: (إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى) «7» ، فقد تضع العرب «إذا» موضع «إذ» ، و «إذ» موضع «إذا» ، قال الله تعالى: (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) «8» ، و «إذ» لما مضى، وإنما هذا حديث عما يكون في القيامة، إلا أنه لما حكى الحال قال «إذ» ، حتى كأن المخاطبين بهذا حضور للحال، وفي هذا ضرب من تصديق الخبر، أي: كان الأمر حاضرا لا شك وواقع لا ارتياب به.

_ (1) الواقعة: 3. (2) الواقعة: 2. (3) الواقعة: 8. [.....] (4) المدثر: 8- 9. (5) الأنبياء: 97. (6) مريم: 66. (7) آل عمران: 156. (8) غافر: 71.

وحكاية الحالين الماضية، والآتية كثير في القرآن والشعر: منه قوله تعالى: (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) «1» ، فقال: هذا وهذا، ولم يقل: أحدهما كذا والآخر كذا. وكذا قول البريق الهذلي: ونائحة صوتها رائع ... بعثت إذا ارتفع المرزم «2» فقوله: بعثت إذا ارتفع المرزم، أي: كنت موصوفا بأنني أبعثها إذا ارتفع المرزم. وكذلك قول الشاعر: جارية في رمضان الماضي ... تقطع الحديث بالإيماض فأما قول كثير: / فإذا وذلك ليس إلا حينه ... وإذا مضى شيء كأن لم يفعل حمل أبو الحسن «3» هذا على الواو الزائدة، حتى كأنه قال: فإذا ذلك وليس إلا حينه، وأنشد هذا البيت نفسه، وأنشد معه بيتا آخر، وهو قول الشاعر: فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن ... إلا كلمة حالم بخيال «4» وقال محمد بن يزيد: إن البصريين لا يرون زيادة الواو، وقد كان في الواجب أن يستثنى أبا الحسن. وأعلم أن «إذا» هاهنا هي المكانية التي للمفاجأة، ولا بد لها من ناصب تتعلق به، والناصب ما دل عليه قوله: «ليس

_ (1) القصص: 15. (2) المرزم: الغيث والسحاب الذي لا ينقطع رعده. (3) أبو الحسن: الأخفش الأصغر علي بن سليمان. (4) البيت لابن مقبل. واللمة: الشيء القليل. (اللسان: لمم) .

إلا حينه» ، وكأنه قال: فإذا ذلك ذاهب مختلس، فينصب، و «إذا» بمعنى: ذاهب ومختلس، كما أن قوله سبحانه (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) «1» كذلك ويجوز أن تنصب «إذا» في البيت وتعلقها بمحذوف هو خبر «ذلك» ، وتقديره: فإذا ذلك هالك، كقولك: في الدار زيد جالس، فإذا فعلت هذا جاز لك في قوله «ليس إلا حينه» الأمران: أحدهما: أن تجعله في موضع الحال، فكأنه قال: وإذا ذلك فانيا أو ذاهبا، كقولك: خرجت فإذا زيد واقفا. والآخر: أن تجعله خبرا آخر، فإذا فعلت ذلك علقت «إذا» بمجموع الخبرين لا بأحدهما، كما أنك إذا قلت: شرابك اليوم حلو حامض، علقت «اليوم» بمعنى مجموع الخبرين، فجرى ذلك مجرى قولك: شرابك اليوم، من أي من في هذا اليوم. وأما قولهم: نظرت فإذا زيد بالباب، ف «إذا» في موضع الرفع خبر «زيد» ، و «بالباب» خبر ثان. وقال بعضهم: «إذا» هاهنا حرف ليس باسم، واحتج بأنه ناب عن الفاء في جواب الشرط وأغنى غناه، فيكون حرفا كالفاء، والدليل على ذا قوله تعالى: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) «2» . المعنى: قنطوا، ولا يلزم أن الحرف لا يركب مع الاسم فيكون كلاما، ولو قلت: فإذا زيد، كان كلاما، فثبت أنه اسم، لأنا نقول: فإذا زيد، ليس بكلام،

_ (1) المؤمنون: 101. (2) الروم: 36.

لأن تمامه محذوف، أي: إذا زيد بالحضرة، أو، في الوجود، فلا يكون صحيحا إلا بتقدير الخبر؟ قلنا: إنه اسم، لأنها كلمة تركبت مع الاسم ليس فيها علامات الحرف، موجب أن يكون اسما، قياسا على قولنا: زيد قائم، وهذا لأن التركيب إنما يكون منه كلام إذا كان اسما مع اسم، أو فعلا مع اسم، فأما الحرف مع الاسم فليس بكلام إلا في النداء، وهذا ليس بنداء، ولا «إذا» / فعلا، فوجب أن يكون اسما في موضع الرفع خبر المبتدأ، ولهذا المعنى قلنا في قولهم: كيف زيد؟: إن «كيف» اسم لما أفاد مع «زيد» ، ولو كان حرفا لم يفد، فثبت أنه اسم. وما ذكره من أن الخبر محذوف، قلنا: لا حاجة إلى حذف الخبر فيما ذكرناه، فإذا قلت: فإذا زيد قائم، ف «زيد» مبتدأ، و «إذا» خبره، و «قائم» كذلك. وإن شئت نصبت «قائما» على الحال من الضمير الذي في «إذا» ، فيمن رفع «زيدا» بالابتداء، أو حالا من «زيد» فيمن رفعه بالظرف. وأما قوله: إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت قال عثمان: «إذا» و «إذا» في البيت ففيهما نظر، وذلك أن كل واحدة منهما محتاجة إلى ناصب هو جوابها على شرط «إذا» الزمانية، وكل واحدة منهما فجوابها محذوف يدل عليه ما قبلها، وشرح ذلك أن «إذا» الأولى جوابها محذوف، حتى كأنه قال: إذا أنا لم أطعن وجب طرحى للرمح عن عاتقى أو ساعدي، على اختلاف الروايتين فى «عاتقى» و «ساعدى» فدل قوله: علام تقول الرمح تثقل ساعدى

على ما أراده من وجوب طرح الرمح إذا لم يطعن به، كما قال: فما تصنع بالسيف ... إذا لم تك قتالا ونحو قولك: أشكرك إذا أعطيتني، وأزورك إذا أكرمتني، أي: إذا أعطيتني شكرتك، وإذا أكرمتني زرتك، وقولك: أنت ظالم إن فعلت، أي: إن فعلت ظلمت، ودل «أنت ظالم» على، «ظلمت» وهذا باب واضح، وما ناب عن جوابهما في موضع جواب «إذا» الثانية، أي: نائب عنه ودال عليه، تلخيصه، أنه كأنه قال: إذا الخيل كرت وجب إلقائي الرمح مع تركى الطعن به. ومثله: أزورك إذا أكرمتني إذا لم يمنعني من ذاك مانع. وأما قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا) «1» ، الفاء الأولى تكون جواب «إذا» لأن، «إذا» في اقتضائه الخبر بمنزلة «إن» ، وقوله «فادفعوا» جواب «إن» . ومثل ذلك قوله تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) «2» ، في أن الجزاء وشرطه جواب الشرط. وقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) «3» ، جاز وقوع «إذا» هاهنا، لأن «الذين» ، في موقع يصلح لوقوع الجزاء فيه، ألا ترى أن الفاء يدخل في جوابه/ وكأنه قال: كالذين يقولون.

_ (1) النساء: 6. (2) البقرة: 38. (3) آل عمران: 156. [.....]

وقال في موضع آخر: معنى «إذا» : «متى» ، كأنه: متى ضربوا في الأرض، أي: هذا دأبهم، كلما خرجوا ضاربين في الأرض قالوا هذا الكلام. وقال في قوله: (إِذا فَشِلْتُمْ) «1» بمعنى «متى» وجوابه: (ثُمَّ صَرَفَكُمْ) «2» ، على زيادة «ثم» عند الأخفش، كما قال في قوله: (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) «3» ، والصحيح أن الجواب مضمر.

_ (2- 1) آل عمران: 152. (3) التوبة: 117، 118.

الباب السابع والسبعون

الباب السابع والسبعون باب ما جاء في التنزيل من أحوال النون عند الحروف ولها أربع أحوال «1» : حالة تظهر فيها، وهي عند حروف الحلق، كقوله: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) «2» ، وقوله: (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) «3» ، وقوله: (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) «4» ، وقوله: (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) «5» ، فلا بد من إظهارها هنا. إلا ما رواه المسيبي من إخفائها عند العين والخاء، لما قاربتا من حروف الفم وخالفتا حروف أقصى الحلق أخفاها هناك، وأظهروهما عند الحلقية، لما بين الحلق والذلق من المسافة والبعد. والحالة الثانية: إخفاؤها عند غير حروف «يرملون» ، نحو، (مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ) «6» ، وقوله: (ثَمَناً قَلِيلًا) «7» ، وقوله: (فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا) «8» ، (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) «9» ، وغير ذلك. الحالة الثالثة: أن تقلب، «ميما» عند «الباء» نحو: (فَانْبَجَسَتْ) «10» ، (كافِرٍ بِهِ) «11» ، وقالوا: عنبر، وشنباء. فإذا تحركت عادت إلى حالتها.

_ (1) النشر في القراءات العشر (2: 22- 29) . (2) الرعد: 43. (3) فاطر: 3. (4) الأعراف: 59، 65، 73، 85. (5) التوبة: 109. (6) النحل: 49. (7) البقرة: 41، 79، 174- آل عمران: 77، 187، 199- المائدة: 44- التوبة: 9- النحل: 95. (8) البقرة: 50. (9) الأعراف: 141. (10) الأعراف: 160. (11) البقرة: 41.

والحالة الرابعة: أن تدغم في حروف «يرملون» ، نحو: (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) «1» ، (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) «2» ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) «3» ، (ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) «4» (وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) «5» ، (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) «6» ، وإذا أدغمت أدغمت بغنة، والطاء والضاد والظاء إذا أدغمن أدغمن بإطباق، وقد قلبن إلى لفظ ما أدغمن فيه البتة، وما بقى رائحة الإطباق، ولا يخرج الحرف من أن يكون قد قلب إلى لفظ ما بعده، لأن شرط الإدغام أن يتماثل فيه الحرفان، فجرى الإطباق بعد الإدغام في قلة الاعتداد به مجرى الإشمام الذي لا حكم له، حتى صار الحرف الذي هو فيه في حكم الساكن البتة، فالنون أدغم في الميم لاشتراكهما في الغنة والهوى في الفم، ثم إنهم حملوا الواو على الميم فأدغموا فيها النون، لأن الواو ضارعت الميم بأنها من الشفة، وإن لم تكن النون من الشفة، ثم إنهم أيضا حملوا الياء على الواو في هذا لأنها ضارعتها في المد، وإن لم تكن معها/ من الشفة، فأجازوا إدغام النون في الياء، فالميم نحو قوله: (مِمَّنْ مَعَكَ) «7» ، والواو نحو قوله: (ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) «8» ، والياء نحو قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) «9» ، فلما جاز حمل الواو على الميم، ثم حمل الياء على الواو، فيما ذكرنا، كذلك أيضا جاز أن تحمل الكسرة على الضمة في امتناع إشمامها شيئا من الضمة، فإما إظهارهم النون فى نحو قوله: (قِنْوانٌ دانِيَةٌ) «10»

_ (1) البقرة: 2. [.....] (2) البقرة: 5. (9- 3) البقرة: 8. (8- 4) البقرة: 19. (7- 5) هود: 48. (6) الصافات: 164. (10) الأنعام: 99.

وقوله: (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) «1» ، وقوله: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) «2» ، وقوله: شاة زنماء، وأنملة، وإنما أظهروها مخافة أن يشتبه بالمضاعف. فإن قال قائل: ولم جاز الإدغام في «انمحى» ، وهلا بينت النون، فقيل: انمحى، كما قالوا: زنماء، وزنم وكما قالوا: أنملة، وأنمار، ونحو ذلك؟ قيل: قد كان القياس في زنماء وزنم، وأنملة وأنمار، ونحوها، أن تدغم النون في الميم، لأنها ساكنة قبل الميم، ولكن لم يجز ذلك لئلا تلتبس الأصول بعضها ببعض، فلو قالوا، زماء لالتبس بباب: زممت الناقة، ولو قالوا «أملة» لالتبس بباب «أملت» ، ولو قالوا، أمار، لالتبس بباب «أمرت» ، كما بينوا في نحو: منيه، وأنول، وقنوان، وقنو، لئلا يلتبس منه بباب، «مى» ، و «أنول» يفعول وفوعل، من باب ما فاؤه همزة وعينه واو، و «قنوان» و «قنو» بباب، قو وقوة، فرفض الإدغام في هذا ونحوه مخافة الالتباس، ولم يخافوا في «امحى الكتاب» ، أن يلتبس بشيء، ولأنه ليس في كلام العرب شيء على «افعل» ، ولم يأت في كلامهم «نول» ساكنة بتشديد الفاء، ولهذا قال الخليل في «انفعل» من «وجلت» : أوجل، وقالوا من «رأيت» : ارأى، ومن «لحن» : الحن، لأنه ليس في الكلام «افعل» ، ولم يأت في كلامهم نون ساكنة قبل راء ولا لام، نحو: قنر، وعنل، لأنه إن أظهره ثقل جدا، وإن أدغمه التبس بغيره، ومن أجل ذلك امتنعوا أن يبينوا مثل «عنسل» و «عنبس» ، من شرب وعلم، وما كان مثلها بما عينه راء ولام، لأنه إن بين فقال: شنرب، وعنلم، ثقل جدا، وإن أدغم فقال: شرب، وعلّم، التبس بفعّل.

_ (1) الرعد: 4. (2) آل عمران: 152.

الباب الثامن والسبعون

الباب الثامن والسبعون باب ما جاء في التنزيل وقد وصف المضاف بالمبهم وهي مسألة نازع صاحب «الكتاب» أبو العباس «1» ، نحو: مررت بصاحبك هذا، وهكذا نازعه في العلم: نحو مررت بزيد هذا، فمنع من ذلك خلافا لصاحب «الكتاب» . وقد قال الله تعالى: / (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ) «2» ، فجعل هذا نعتا لقوله «من فورهم» ، وكأنه قال: من فورهم المشار إليه. وقال الله تعالى: (لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) «3» ، وقال: (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا) «4» ، وقال: (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) «5» . فأما قوله: (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) «6» ، فجوزوا أن يكون «ذلك» نعتا لقوله: «لباس التقوى» ، ويجوز أن يكون فصلا، وأن يكون ابتداء وخبرا، أعنى: خبرا. فأما قوله: (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا) » ، فالفراء ذهب فيه إلى أن «هذا» نعت ل «مرقدنا» الحاضر، فقيل له: فما موضع: (ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) » ؟ فقال: ثم ابتداء «ما وعد الرحمن» ، أي: بعثنا وعد الرحمن، فحمل «ما» على المصدرية مرفوعا بفعل مضمر. وليس العجب هذا إنما العجب من «جرجانيكم «9» » جاء بإحدى خطيئات لقمان، فزعم أن «هذا» نعت ل «مرقدنا» ، وأن قوله «ما وعد» موصول،

_ (1) هو: أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، إمام الكوفيين. وكانت وفاته سنة 291 هـ. (2) آل عمران: 125. (3) الكهف: 62. (4) يوسف: 15. (5) التوبة: 28. (6) الأعراف: 26. [.....] (8- 7) يس: 52. (9) يريد: علي بن عبد العزيز الجرجاني المفسر، والمتوفى سنة 366 هـ.

أي: ما وعده الرحمن، ولم يقل: ما موضع «ما» ، وهو يتكلم على كلمات السورة. فهذه آي كما تراها، ولعلها خفيت على أبي العباس والذاب عنه، لما يحملها على البدل. قال أبو العباس: فى هاتين المسألتين: إن المبهم أخص من العلم، فوجب ألا يوصف به العلم، قياسا على قولك: مررت بالرجل أخيك، وذلك أن المضاف عند سيبويه أخص من الألف واللام، فمنع أن يوصف الألف واللام به لما كان أبهم منه، لقربه من النكرة، نحو: إني لأمر بالرجل مثلك وغيرك، فكذلك وجب ألا يوصف بالمبهم العلم، لكونه أخص منه، ولهذا المعنى قال من قال: إن «هذين» ليست تثنية «هذا» ، لما كان في غاية المعرفة، وأجمعوا أن «الزيدين» تثنية «زيد» ، والتثنية لا محالة توجب التنكير، فلما أجمعوا على جواز تثنية «زيد» واختلفوا في تثنية «هذا» علم أن هذا أخص، وجب ألا يجرى صفة على ما ليس بأخص منه، وهذا لأن البداية ينبغي أن تقع بالأخص، فإن عرف وإلا زيد ما هو أعم ليقع به البيان، وفي جواز: مررت بزيد هذا، عكس ذلك المعنى، فوجب ألا يجوز. واحتج سيبويه بأن ذكر هذا وذاك بعد العلم وبعد صاحبك يذهب به مذهب الحاضر والشاهد والقريب، وكذلك مذهب البعيد أو المتنحى، / ولهذا قال سيبويه: وإنما صار المبهم بمنزلة المضاف لأنك تقرب به شيئا أو تباعده وتشير إليه، فإذا قيل: مررت بزيد هذا، وبصاحبك هذا، وكأنه قال: مررت بزيد الحاضر، ولم يغير هذا تعريف «زيد»

ولا تعريف «صاحبك» ، وباقترانه معهما لأنه لا يتغير «زيد» عن تعريف العلم، ولا صاحبك عن تعريف الإضافة باقترانها بهذا، ولأنا نقول: إن وضع الاسم العلم في أول أحواله لشيء بينٌ به من سائر الأشخاص، كوضع هذا في الإشارة لشيء بعينه، فاجتمع في معنى ما وصفنا في المعرفة وفصله العلم بثبات له بذكر حال، أو زوال الاسم عن المشار إليه فى الغيبة.

الباب التاسع والسبعون

الباب التاسع والسبعون باب ما جاء في التنزيل وذكر الفعل وكنى عن مصدره وذكر سيبويه هذا في كتابه، وحكى عنهم: (من كذب كان شرًّا له) وتلا الآية (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) «1» ، فقال: التقدير: البخل خيرا لهم، وكنى عنه بقوله «يبخلون» . وقد تقدم شرح هذا في هذا الكتاب «2» . ومن ذلك قوله: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) «3» أي: العدل هو أقرب للتقوى. وقال: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) «4» ، أي: الاستعانة. وقال: (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) «5» ، في قراءة الدمشقي، أي: اقتد اقتداء. وفى بعض القراآت: َ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) «6» ، بإضافة «كل» إلى «وجهة» . وزعم الفارسي أن الهاء كناية عن المصدر في «موليها» ، أي: مولى التولية. ولا يكونِ كُلٍّ وِجْهَةٌ) «7» لأن الفعل إذا تعدى باللام إلى المفعول لا يتعدى بغير اللام، ولا ما أنشده صاحب «الكتاب» : هذا سراقة للقرآن يدرسه «8»

_ (1) آل عمران: 180. (2) الباب السادس والستون (ص: 841) . (3) المائدة: 8. (4) البقرة: 45. (5) الأنعام: 90. (7- 6) البقرة: 148. (8) صدر بيت، عجزه: والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب (الكتاب 1: 437) .

أي: يدرس الدرس، ولا يكون للقرآن، لما ذكرنا. وبقوله: ولكل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحيه «1» أي: نلت النيل، ولا يكون «لكل» لما ذكرنا. وقيل في قوله تعالى: (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) «2» ، أي: يذرأ الذرء، فالهاء كناية عن المصدر. وقال: (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) «3» . فأما قول القائل لامرأته: إن خرجت من الدار إلا بإذني فأنت طالق، فقد قالوا: إن التقدير: إن خرجت من الدار إلا خروجا بإذني، فأضمر الخروج، فلإن «خرجت» يدل عليه، والباء من صلة المصدر، وكأن التقدير: إلا خروجا/ بإذني، فيحتاج في كل خرجة إلى الإذن. ولو قال: إلا أن آذن، فأبو زكريا يجعله بمنزلة «إلا بإذني» ، «لإن «إن آذن» بمنزلة «إذنى» . وأبو حنيفة يجعل «إلا أن آذن» بمنزلة «حتى آذن» فيكفى المرة الواحدة، لأن «حتى آذن» غاية، فيجرى «إلا أن آذن» مجراه. وأما قوله تعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) «4» فالتقدير، إلا قولا بمشيئة الله، أي: قولا مقترنا بمشيئة الله، وهو أن نقول:

_ (1) البيت لزهير بن جناب الكلبي. (شعراء النصرانية 1: 210) . (2) الشورى: 11. (3) البقرة: 282. (4) الكهف: 23.

أفعل إن شاء الله، ومثل هذا، أعنى إضمار المصدر، قول أبي قيس الأسلت الأنصاري: إذا نهى السفيه جرى إليه ... يخالف والسفيه إلى خلاف «1» أي: جرى إلى السفه. وقال في الحماسة: لم أر قوماً مثلنا خير قومهم ... أقل به منا على قومه فخراً «2» أي: أقل بالخير، فالهاء يعود إلى «الخير» الذي هو مصدر، ولا يعود إلى «خير قومهم» لأنه اسم، ف «قوما» هو المفعول الأول، «ومثلنا» من نعته، و «خير قومهم» بدل و «أقل» هو المفعول الثاني، و «فخرا» تمييز. أي: أقل فخرا بالخير منا على قومنا، يعنى: نحن لا نبكي على قومنا، فليس هناك أقل فخرا بالخيرية على قومه منا.

_ (1) الرواية في شرح الحماسة (1: 239) : «إذا زجر السفيه.. فخالف» . [.....] (2) البيت لزيادة الحارثي. (شرح الحماسة 1: 238) .

الباب المتم الثمانين

الباب المتم الثمانين باب ما جاء في التنزيل عبر عن غير العقلاء بلفظ العقلاء وقد تقدم بعض ذلك في عرض كلامنا. فمن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) «1» . يعني ب «الذين» : الأصنام. والتقدير: إن الذين تدعونهم، فحذف العائد. وقال: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) «2» . يعني: الأصنام. أي: لا تسبوا الذين تدعونهم، أي: يدعوهم المشركون، ف «الواو» ضمير المشركين، فحذف العائد. وقال: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) «3» . يعني: الأصنام، يدعونهم المشركون، فلا يستجيبون للمشركين بشيء. وهكذا: (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) «4» ، أي: الذين يدعوهم المشركون يبتغون إلى ربهم الوسيلة، إلا أنهم هاهنا اختلطوا بالملائكة فغلب جانبهم، / وجرى الفعل في هذه الأشياء صلة على غير من هو له، ولم يبرز الضمير خلاف اسم الفاعل الجاري على غير من هو له حيث يجب إبراز الضمير، فقد صح قوله: إن الفعل لما كان على صيغ مختلفة، وله علامات لم يحتج إلى إبراز الضمير، بخلاف الفاعل، ولمّا عدّوهم

_ (1) الأعراف: 194. (2) الأنعام: 108. (3) الرعد: 14. (4) الإسراء: 57.

معبودين جرى عليهم ما جرى على العقلاء، كما قال الله تعالى: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) «1» ، وقوله: (أَتَيْنا طائِعِينَ) «2» . لما وصفوا بالسجود والطاعة جاز جمعهم بالواو والنون، وقوله: (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) «3» ، وقوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) «4» ، وقوله: (وَالسَّماءِ وَما بَناها) «5» ، وقوله: (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) «6» . فقد تقدم في هذا الكتاب. ومثل ما تقدم قوله: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ) «7» . وقال: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) «8» . وقال: (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) «9» . فهذا بخلاف قوله: (ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) «10» . وقوله: (ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) «11» . فجاء في وصفهم مرة بلفظ العقلاء، ومرة بلفظ غير العقلاء. وقال: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) «12» ، إلى آخر الآية.

_ (1) يوسف: 4. (2) فصلت: 11. (3) النساء: 3. (4) النساء: 24. (5) الشمس: 5. (6) الكافرون: 2 و 3. (7) الأعراف: 197. (8) فاطر: 14. (9) الشعراء: 72 و 73. [.....] (10) مريم: 42. (11) يونس: 106. (12) الأعراف: 195.

الباب الحادي والثمانون

الباب الحادي والثمانون هذا باب ما جاء في التنزيل وظاهره يخالف ما في كتاب سيبويه وربما يشكل على البزل «1» الحذاق فيغفلون عنه فمن ذلك قوله تعالى: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) «2» ، قال سيبويه: ونقول: هؤلاء ثلاثة نفر قرشيون، وثلاثة مسلمون، وثلاثة صالحون، فهذا وجه.. «3» كراهية أن يجعل الصفة كالاسم، إلا أن يضطر شاعرهم. وهذا يدلك على أن، «النسابات» ، إذا قال: ثلاثة نسابات، تجىء كأنه وصف لمذكر، لأنه ليس موضعا تحسن فيه الصفة كما يحسن الاسم، فلما لم يقع إلا وصفا صار المتكلم كأنه قد لفظ بمذكرين ثم وصفهم بها. وقال الله تعالى: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) «4» ، إنما استجاز حذف الموصوف هنا على تقدير: فله عشر حسنات أمثالها، لأنه لما أضيف عشر إلى الأمثال، والأمثال، وإن كان وصفا، فقد جرى مجرى الأسماء حتى يستحسن إقامته مقام الاسم، كقوله تعالى: (ثُمَّ لا يَكُونُوا/ أَمْثالَكُمْ) «5» ، وقال: (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) «6» ، ويقال: مررت بمثلك ومثلك لا يفعل كذا. وفي التنزيل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) «7» لولا ذلك لقبح عنده هذا التقدير. وقد تقدم نبذ من هذا في هذه الأجزاء.

_ (1) البزل: جمع بازل، وهو في الأصل وصف للجمل الذي يبلغ التاسعة، ويوصف به الرجل إذا كمل عقلا وتجربة. (4- 2) الأنعام: 160. (3) مكان هذه النقط كلمة مطموسة. (5) محمد: 38. (6) النساء: 140. (7) الشورى: 11.

ومن ذلك ما أجمع عليه الفراء، غير نافع وأبي عامر. في قوله: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) «1» بالنصب. وقد قال سيبويه: واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله: إن تأتني آتك وأعطيك، ضعيف، وهو نحو من قوله: ... وألحق بالحجاز فأستريحا «2» فهذا يجوز وليس بالجيد، إلا أنه في الجزاء أمثل قليلا، لأنه ليس يوجب أنه «يفعل» ، إلا أن يكون من الأول «فعل» ، فلما ضارع الذي لا يوجبه، كالاستفهام ونحوه، أجازوا فيه هذا على ضعفه، وإن كان معناه كمعنى ما قبله، إذ قال: ولا أعطيك، وإنما هو في المعنى كقوله: أفعل إن شاء الله، فأوجب بالاستثناء. قال الشاعر، فيما جاء منصوبا بالواو في قولك: إن تأتني آتك وأعطيك: ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى ... مصارع مظلومٍ مجراًّ ومسحبا «3» وتدفن منه الصالحات وإن يسىء ... يكن ما أساء النار في رأس كبكبا «4» فإنما نصبوا الميم في «ويعلم» ولم يكن قبيحا، كما ذكره سيبويه، لأنه مع جواز النصب تأتي فيه تبعية اللام، ألا ترى أن اللام مفتوحة، فاجتمع فيه سببان، فحسن ما لم يحسن مع سبب واحد. ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) «5» وقد قال سيبويه بعد أشياء يختار فيها الرفع: وكذلك، إني زيد لقيته، وإنّى عمرو

_ (1) الشورى: 35. (2) عجز بيت صدره: سأترك منزلي لبني تميم (الكتاب 1: 423) . (3) البيتان للأعشى. (الكتاب 1: 449) . (4) كبكب: جبل. (5) القمر: 49. [.....]

ضربته، وليتني عبد الله مررت به، لأنه إنما هو اسم مبتدأ، ثم ابتدئ بعده اسم قد عمل فيه عامل، ثم ابتدئ بعده الكلام في موضع خبره، وإنما جاء منصوبا- أعنى «كل شيء خلقناه» - لأنه يحتمل موضع «خلقناه» لو رفع أن يكون وصفا للمجرور وأن يكون خبرا، وليس الغرض أن يكون «خلقناه» وصفا ل «شىء» ، على تقدير: إنا كل شيء مخلوق لنا بقدر، فيكون «بقدر» خبرا وإنما الغرض أن يكون «خلقناه» الخبر، على تقدير: إنا خلقنا كل شيء بقدر. ومن ذلك قراءة العامة: (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) . «1» قرأها غير ابن كثير بحذف الياء في الوقف والوصل. وقد قال سيبويه في الوقف: فإذا لم يكن في موضع تنوين فإن الإثبات/ أجود في الوقف، وذلك قولك: هذا القاضي، وهذا العمى، لأنها ثابتة في الوصل. ومن العرب من يحذف هذا في الوقف، شبهوه بما ليس فيه ألف ولام، إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين لو لم تكن الألف واللام «2» . قلت: وإنما حذف الجماعة الياء من قوله: «الكبير المتعال» في الوقف، لا لما ذهب إليه سيبويه، ولكنهم شبهوا هذا بالفواصل، إذ هي فاصلة، كقوله: (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) «3» ، و (ما كُنَّا نَبْغِ) «4» تحذف هنا للفاصلة، فإذا انضم إليه ما قال سيبويه، كان الحذف أقوى، فلهذا ذهب إليه الجماعة غير ابن كثير، أعنى اجتماع الشيئين: الفاصلة، وثقل الياء.

_ (1) الرعد: 9. (2) الكتاب (2: 288) . (3) الفجر: 4. (4) الكهف: 64.

ومن ذلك قراءة العامة، نحو: منه، وعنه، بغير إشباع، غير ابن كثير، فإنه أشبع. وقد قال سيبويه «1» : فإن لم يكن قبل هاء التذكير حرف لين أثبتوا الواو والياء في الوصل، نحو: «منه فاعلم» «2» وقد يحذف بعض العرب الحرف الذي بعد الهاء، إذا كان ما قبل الهاء ساكنا، لأنهم كرهوا حرفين ساكنين بينهما حرف خفي، نحو الألف، وكما كرهوا التقاء الساكنين في «أين» ونحوها، كرهوا ألا يكون بينهما حرف قوي، وذلك قول بعضهم: «منه يا فتى» ، و «أصابته جائحة» . قال: والإتمام أجود، لأن هذا الساكن ليس بحرف لين والهاء حرف متحرك. فتراه رجح قراءة «ابن كثير» على قراءة العامة، ألا ترى أن العامة يقرءون: (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ) «3» بلا إشباع، و «ابن كثير» يقرأ «فإن أصابته» بالإشباع، وهو اختيار «سيبويه» ، والعامة تنكبوا ما اختاره لثقل الواو وآخر الكلمة. ومن ذلك ما رواه العامة في اختلاف الهمزتين عن أبي عمرو، نحو: (يا زَكَرِيَّا إِنَّا) «4» و (السُّفَهاءُ أَلا) «5» فإنهم لينوا الثانية وخففوا الأولى، وسيبويه روى عنه عكس ذلك. وقد تقدم في هذه الأجزاء هذا الفصل. ومن ذلك قول سيبويه: إن أبا الخطاب زعم أن مثله «6» قولك: للرجل: سلاما، وأنت تريد: تسلما منك، كما قلت: براءةً منك، [تريد] «7» : لا ألتبس بشيء من أمرك. وزعم أن أبا ربيعة كان يقول: إذا لقيت فلانا فقل سلاما، فزعم أنه سأله ففسر له معنى: براءة منك، وزعم أن هذه الآية (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) «8» بمنزلة ذلك. لأن الآية فيما زعم مكيّة

_ (1) الكتاب (2: 291) . (2) هذه العبارة «نحو: منه فاعلم» لم ترد في «الكتاب» . (3) الحج: 11. (4) مريم: 6. (5) البقرة: 13. (6) يشير إلى قول سيبويه قبل، «وأما ترك التنوين في سبحان، فإنّما ترك صرفه لأنه صار عندهم معرفة، أو انتصابه كنصب الحمد لله» (الكتاب 1: 163) . (7) التكملة من الكتاب. (8) الفرقان: 63.

ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين، ولكنه على قولك: براءةً منكم/ وتسلما. في كتاب «أبي بكر بن السراج» «1» : هذا غلط، وإيضاح هذا ووجهه أنه لم يؤمر المسلمون يومئذ بقتال المشركين إنما كان شأنهم المتاركة، ولكنه على قوله «براءة» . ومن ذلك قوله تعالى، على قراءة من قرأ: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) «2» ، بإضافة «ثلاثمائة» إلى «سنين» . وقد قال سيبويه: إن هذا العدد- أعنى مائة إلى الألف- يضاف إلى المفرد دون الجمع. وإنما جاء هذا هكذا تنبيها على أن الأصل أن يضاف إلى الجمع، وإن جاء الاستعمال بخلافه. وكقوله: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) «3» ، والقياس: استحاذ، وكقولهم: «عسى الغوير أبؤسا» «4» ، والقياس أن يكون خبر «عسى» أن مع الفعل «5» . ومن ذلك قراءة من قرأ: (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ) «6» ، إلى قوله: (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) «7» بكسر التاء من «آيات» بالعطف على قوله: (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ) «8» ، وقال سيبويه: العطف على عاملين لا يجوز. يعني «إن» و، «في» ، ألا ترى أنه جر قوله «واختلاف» بالعطف على «آيات» المنصوبة ب «أن» ، وجاز هذا لأنه ذكرت «آيات» ثانية، على سبيل التكرير والتوكيد، ألا تراه لو قال: «واختلاف الليل والنهار» ، إلى قوله: «وتصريف الرياح» ، ولو لم يقل

_ (1) للسراج أبي بكر محمد بن السري المتوفي سنة 316 هـ، من الكتب المتصلة بهذا الموضوع: شرح سيبويه أو لعله هو الذي يعنيه المؤلف. (2) الكهف: 25. [.....] (3) المجادلة: 19. (4) هذا مثل جرى على لسان الزباء قالته لقصير لما عاد إليها بالجمال محملة بالرجال، وكان قد مر في طريقه بالغوير، وهو ماء لبني كلب. تعني: لعل الشر يأتي من جهته. (5) المغني (1: 130) . (8- 6) الجاثية: 3. (7) الجاثية: 5.

«آيات لقوم يعقلون» لكان حسنا جيدا. ومن ذلك ما جاء من قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً) «1» إذا نصبت «كم» بفعل يفسره «أهلكناها» . وقد قال سيبويه: أزيد أنت رجل تضربه لأن الصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف. فإذاً يجب حمل قوله «كم» على فعل يفسره «فجاءها بأسنا» . وقد تقدمت هذه المسألة. ومن ذلك قوله: (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) «2» إلى قوله، (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ) «3» . أي: كتاب كريم بأن لا تعلوا على. وقد قال سيبويه: إن الفصل بالوصف بالصلة والموصول لا يجوز، فإذا وجهه أن يكون التقدير: هو أن لا تعلوا على، فتحمل «أن» على خبر ابتداء مضمر. ومن ذلك قوله تعالى: (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) «4» فأوقع الجمع بعد «اثنتى عشرة» والذي في «الكتاب» هو «أن» يفسر هذا العدد بالمفرد، كما جاء من نحو: (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) «5» ، و (اثْنا عَشَرَ شَهْراً) «6» . ووجه الآية أن «أسباطا» بدل من (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ) وليس تمييز، والمميز محذوف، والتقدير: «اثنتى عشرة فرقة» ، ومن ذلك الكلام الطويل/ في الحذف من الصلة والصفة والخبر، فحسن الحذف من الصلة، نحو: (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا) «7» وأخواته، وقبح الحذف من الخبر، نحو قولهم: السّمن منوان بدرهم. وألحق الحذف من الصفة بالحذف من الخبر فاستثقله، ولو لم يكثر عنده كثرة حذفه من الصلة، فاسمع إن شئت ما جاء في التنزيل من حذف ذلك في الصفة.

_ (1) الأعراف: 4. (2) النمل: 29. (3) النمل: 31. (4) الأعراف: 160. (5) يوسف: (6) التوبة: 36. (7) الفرقان: 41.

قال الله تعالى: (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) «1» ، أي: كلما نضجت جلودهم منها. وقال: (جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) «2» ، أي: يقال: كلوا من رزق ربكم منها. وقال: (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي) «3» ، أي: لا يضل ربى عنه. وقال: (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) «4» ، أي: الأبواب منها. فهذا ما جاء في الصفة، ويعرض غيره هناك، وإن شئت فاسمع حذفه من الخبر أيضا. قال الله تعالى: (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى) «5» ، أي: وعده، في قراءة ابن عامر حيث رفع. وقال: (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا) «6» ، أي: قل لهم: فادرءوا، فيمن رفع «الذين» بالابتداء. وقال: (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) «7» ، أي: منهم. وقال: (لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) «8» ، أي: منهم. وقال: (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) «9» ، أي: منهم.

_ (1) النساء: 56. (2) سبأ: 15. [.....] (3) طه: 52. (4) ص: 50. (5) النساء: 95. (6) آل عمران: 168. (7) الأعراف: 170. (8) الكهف: 30. (9) يوسف: 56.

واسمع في قوله: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) «1» ، أي: إن ذلك منه. ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) إلى قوله: (مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) «2» . وقوله: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) إلى قوله: (لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) «3» . ومنه: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) «4» . وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) «5» . ظاهر هذه الآي أنه وضع الظاهر موضع المضمر، ألا ترى أنه قال في الأولى: (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) «6» أي: مصدق له، ليعود الهاء إلى قوله (لَما آتَيْتُكُمْ) ، فموضع «ما» موضع «الهاء» . وكذلك في الآي بعدها تقديره، «إنا لا نضيع أجرهم» ، فوضع الظاهر موضع المضمر. وقد قال «7» : وتقول: ما زيد ذاهبا ولا محسنٌ زيدٌ، الرفع أجود وإن كنت تريد الأول، لأنك لو قلت: ما زيد منطلقا، «زيد» لم يكن حد الكلام وكان هاهنا ضعيفا، / ولم يكن كقولك: ما زيد منطلقا، هو لأنك قد استغنيت عن إظهاره، وإنما ينبغي لك أن تضمره ألا ترى أنك لو قلت: ما زيد منطلقا أبو زيد، لم يكن كقولك: ما زيدٌ منطلقا أبوه

_ (1) الشورى: 43. (6- 2) آل عمران: 81. (3) الأعراف: 170. (4) يوسف: 90. (5) الكهف: 30. (7) يريد: سيبويه. (الكتاب 1: 30) .

لأنك قد استغنيت عن إظهاره، فلما كان هذا كذلك أجرى مجرى الأجنبي واستؤنف على حياله، حيث كان ضعيفا فيه. وقد يجوز أن تنصب. قال سوادة بن عدي: لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا «1» فأعاد الإظهار. وقال الجعدي: إذا الوحش ضم الوحش في ظللاتها ... سواقط من حرٍّ وقد كان أظهرا «2» والرفع فيه الوجه. قال أبو الحسن: النصب في لغة أهل الحجاز لا يكون غيره في قوله: ما زيد منطلقا زيد، لأنك إن جعلت «زيدا» بمنزلة الأجنبي لم يكن كلاما، فأنت إذا أعدت «زيدا» ، فكأنك قلت: ما زيد منطلقا هو، ولا يكون على غير ذلك في لغة أهل الحجاز، وإنما رفعت: «ولا يسيء معن» على الإبتداء، وعلى لغة بني تميم لأنك إذا قلت: ما معن بتارك حقه، استغنى الكلام. قلت: فالآية الأولى محمولة على إضمار «به» أي: ثم جاءكم به، والآي الأخر محمولة على إضمار «منهم» ، أي: إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا منهم، وأجر المصلحين منهم، وأجر المحسنين منهم. فأما قوله: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) «3» فليس على: «وهو الذى في السماء هو» ، فوضع الظاهر موضع المضمر، ولكن على حذف المبتدأ، وهو الذي هو

_ (1) الكتاب (1: 30) . [.....] (2) الكتاب (1: 31) . (3) الزخرف: 84.

في السماء إله، فحذف «هو» لطول الكلام، وليس هذا كقوله تعالى: (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) «1» فيمن رفع، ولا: (ما بَعُوضَةً) «2» ، ولا كقوله: ينسون ما عواقبها «3» لأن الكلام لم يطل، مع أنه قد استمر الحذف على مذهبه من صلة «أي» ، نحو: اضرب أيهم أفضل. وقال: (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ) «4» والتقدير: أيهم هو أشد، وهو مستحسن هنا جدا بخلاف: (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) «5» ، على ما قالوا، فهذا يوجب أن قوله: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) «6» وأخواته يكون على: ومن هو عنده، فيكون الظرف جار يا مجراه في قوله: زيد عندك. ولا يصلح الاستدلال به في قيامه مقام الفعل، لأن الموصولة توصل بالجملة، ألا ترى استمرار حذف «هو» في «أيهم أشد» . فهذا ما حضرنا الآن، فإن وقع لي فصل بين «وأيهم» فيما بعد والرجوع نبهتك على ذا إن شاء الله. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) «7» حمل سيبويه نصب قوله «ويعلم» على الصرف «8» ، وهي قراءة الجمهور إلا الحسن، فإنه قرأ: «ويعلم الصابرين» بكسر الميم. وقالوا: إنه مجزوم بالعطف على «يعلم الله» . وهذا الإجماع هنا مخالف لما جاء فى قوله:

_ (5- 1) الأنعام: 154. (2) البقرة: 26. (3) جزء من بيت، وقد مر (ص: 828) . (4) مريم: 69. (6) الرعد: 43. (7) آل عمران: 142. (8) يعني: الصرف عن التشريك لما بعدها في إعراب الفعل الذي قبلها، وليس النصب على الصرف من اصطلاح البصريين. (البحر 3: 375) .

(أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ) «1» حيث أجمعوا على جزم «نمنعكم» بعد قوله «ألم نستحوذ» ، فلعلك تشك أن النصب والجزم هنا متعارضان، وتحتج في كل واحد منهما بآية، فلا بد وأن أبين لك ذا وأقول: إن الجزم أحسن من النصب على ما جاء في «ونمنعكم» ، وإنما نصب «نمنعكم» ابن أبي عبلة، وهو شاذ. فأما قوله تعالى: (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) «2» ، فإنه مجزوم ليس بمنصوب، ولكنه فتح لالتقاء الساكنين تبعا للام، فهذه فتحة بمنزلة الكسرة. فأما قوله تعالى: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ) «3» ، فإنه جاء مرفوعاً مقطوعا عن الأول، إلا ما روى عن ابن ميسرة حيث نصب «ويعلم ما في السماوات» ، حمله إما على الصرف أو على التبعية. قال سيبويه «4» : في قوله «أنت فانظر لأي أمر تصير» وجوها، منها: إن التقدير: أنت الهالك، فحذف الخبر. وقال: ولا يكون على أن تضمر «هذا» لأنك تشير للمخاطب إلى نفسه، ولا يحتاج إلى ذلك، وإنما تشير له إلى غيره، ألا ترى أنك لو أشرت له إلى شخصه فقلت: هذا أنت، لم يستقم. وقال في حد الإضمار فصلا طويلا: «حدثنا يونس تصديقا لقول أبي الخطاب، أن العرب تقول: هذا أنت تقول كذا وكذا، ولم ترد بقولك: هذا أنت، أن تعرفه نفسك، كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره، هذا محال، ولكنه أراد أن ينبهه كأنه قال: الحاضر عندنا أنت، والحاضر القائل كذا وكذا أنت» . وإن شئت لم تعدها فى هذا الباب.

_ (1) النساء: 141. (2) آل عمران: 142. (3) آل عمران: 29. (4) الكتاب (1: 379) .

/ قال الله تعالى: (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) «1» وقد قال أبو سعيد «2» في شرح «هذا» في الفصل الأول: ويجوز هذا أنت. وإذا صرنا إلى ذلك بينا. ثم صار إلى ذلك الموضع، قال: والذي حكاه أبو الخطاب عن العرب من قوله: هذا أنا، وأنا هذا، هو في معنى: ها أنا ذا، ولو ابتدأ إنسان على غير الوجه الذي ذكرناه فقال: هذا أنت، وهذا أنا، يريد أن يعرفه نفسه، كان محالا، لأنه إذا أشار إلى نفسه فالإخبار عنه ثابت لا فائدة فيه، لأنك إنما تعلمه أنه ليس غيره، ولو قلت: ما زيد غير زيد، وليس غير زيد، كان لغواً لا فائدة فيه، وإذا قلت: هذا أنت، والإشارة إلى غير المخاطب جاز، وبمعناه: هذا مثلك، كما تقول: زيد عمرو، على معنى: زيد مثل عمرو. والذي حكاه يونس عن العرب: هذا أنت تقول كذا وكذا، هو مثل قوله: (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) «3» لأن قولهم: هذا أنت، كقولك: أنت هذا، أحدهما مبتدأ والآخر خبره، أيهما شئت جعلته المبتدأ والآخر الخبر. والوجه الآخر في قوله: (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) «4» أن يكون «أنتم» مبتدأ، و «هؤلاء» الخبر، و «تقتلون» في موضع الحال. والكوفيون يزعمون أن التقدير: ثم أنتم تقتلون، ابتداء وخبر، و «هؤلاء» دخل للتقريب. ويجوز أن يكون «هؤلاء» بمعنى «الذين» ، أي: الذين تقتلون أنفسكم، كما جاز: أنت الذي فعلت. وقد ذكرنا أنه لا يحمل على: «ثم أنتم يا هؤلاء»

_ (4- 3- 1) البقرة: 85. [.....] (2) هو: أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله، توفي سنة 368 هـ. ومن كتبه: شواهد سيبويه. والمدخل إلى كتاب سيبويه. (البغية) .

لأنه يقال: يا أي هؤلاء، والأمر موقوف بعد. وإن راجعنا مرة أخرى فربما يتضح لك أكثر من هذا إن شاء الله. ومن ذلك قراءة من قرأ: (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) «1» ، بالنصب. وقوله: (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) «2» بالنصب. وقد قال في الكتاب «3» : لو قلت: مررت برجل سواء أبوه وأمه، ومررت برجلٍ خير منك أبوه وأمه، فتجريه على الأول وتحمله فى الثاني، كان قبيحا، وهي لغة رديئة، قال: والوجه الرفع. انتهت الحكاية عنه. ومعاذ الله أن تحمل قراءة بعض الأئمة على اللغة الرديئة، لا سيما وهم من السبعة. والوجه في ذلك أن تجعل «سواء» . الذي هو مصدر. بمعنى الفاعل، أي: مستويا فيه العاكف والبادي، ومستويا محياهم ومماتهم، قال: وهل كفلائي في الوفاء سواء أي مستوون، لولا ذلك لم يقدم الجار عليه، ولما كان الأمر في نصب «سواء» كما زعمه سيبويه نصب من نصب «محياهم ومماتهم» إلى «سواء» في «محياهم ومماتهم» ، كيلا يرفع به، فيكون على اللغة الرديئة، ولم ير موضع المصدر موضع الفاعل ابن عيسى ولا غيره، ممن نصب «محياهم ومماتهم» . ومن ذلك ما روى عن أبي عمرو. (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) «4» . بإدغام الحاء في العين، بعد إجماعهم على إظهار «عنهم» .

_ (1) الحج: 25. (2) الجاثية: 21. (3) الكتاب (1: 229- 230) . (4) آل عمران: 185.

قال أحمد: وذلك لكثرة الحروف في «زحزح عن النار» . وروى عنه إدغام (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ) «1» . قال سيبويه: «2» ومما قالت العرب تصديقا لهذا في الإدغام قول بني تميم «محم» يريدون: «معهم» ، «ومحاؤلاء» يريدون: مع هؤلاء، ومما قالت العرب في إدغام الهاء مع الحاء قوله: كأنها بعد كلال الزاجر ... ومسحي مر عقاب كاسر يريدون: ومسحه، العين مع الحاء «3» ، كقولك: أقطع حّملا، الإدغام حسن والبيان حسن، لأنهما من مخرج واحد، ولم تدغم الحاء في العين «امدح عرفة» لأن: الحاء قد يفزعون «4» إليها إذا وقعت الهاء «5» مع العين، وهي مثلها في الهمس والرخاوة، ومع قرب المخرجين. فأجريت مجرى الميم مع الباء، فجعلتها بمنزلة الهاء، كما جعلت الميم بمنزلة النون مع الباء، ولم تقو العين على الحاء، إذ كانت هذه قصتها. وهما من المخرج الثاني من الحلق، وليست حروف الحلق بأصل في الإدغام، ولكنك لو قلبت العين حاء فقلت: في «امدح عرفة» : «أمد حّرفة» ، جاز، كما قلت: اجنحة، تريد: اجبه عنبة، حيث أدغمت وحولت العين حاء. ثم أدغمت الهاء فيها.

_ (1) البقرة: 158. (2) الكتاب (2: 413) . (3) يريد أنه أخفى الهاء عند الحاء، وسماه إدغاما لأن الإخفاء عنده ضرب من الإدغام. (4) الكتاب: «يفرون» . (5) الأصل: «أولها» وما أثبتنا من الكتاب.

الباب الثاني والثمانون

الباب الثاني والثمانون هذا باب ما جاء في التنزيل من اختلافهم في لفظة «ما» من أي قسمة هي؟ فمن ذلك قوله تعالى: (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ) «1» . قيل: هي استفهام. وقيل: هي نفي. ونظيره في الأخرى: (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ) . «2» ومن ذلك قوله: (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) «3» . قيل: «ما» نفي، وكرر «يتبعون» . والتقدير: ما يتبعون إلّا الظن. و «شركاء» منتصب. مفعول «يدعون» ، أي: ما يتبع داعو شركاء إلا الظن. وقيل: «ما» استفهام. أي: أي شيء يتبع الكافرون الداعون؟ وقيل: «ما» بمعنى «الذي» . أي: لله من في السموات ومن في الأرض ملكا وملكا، والأصنام التي تدعوهم الكفار شركاء. ف «ما» يريد به الأصنام، وحذف العائد إليه من الصلة. و «شركاء» حال. ومن ذلك قوله: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) «4» . قيل: «ما» بمعنى، الذي. وقيل: «ما» نافية. فحينئذ يكون الابتداء بهما أولى.

_ (1) البقرة: 85. (2) يوسف: 25. (3) يونس: 66. (4) القصص: 68. [.....]

فأما قوله قبل الآية: (كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ/ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) «1» يكون «أن يكون» نفيا. وقيل: هي مصدرية، على تقدير: تبرأنا إليك من عبادتهم إيانا، فيكون الجار محذوفا. والأول الوجه. ومن ذلك قوله: (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) «2» . وقرأ: (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) . فمن حذف الهاء كان «ما» نفيا، ومن أثبت كانت موصولة محمولة على ما قبله، أي: من ثمره ومن عمل أيديهم. فأما قوله تعالى: (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) «3» . فقيل: التقدير: كانوا يهجعون قليلا. و «ما» صلة زائدة. وقيل: بل هي مصدرية، أي: كانوا قليلا يهجعونهم. وقيل: نفي. وقد تقدم ذلك. وأما قوله: (وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) «4» . قرئ بالرفع والنصب. فمن قرأها بالرفع كانت «ما» بمعنى «الذي» . أي: إن الذين اتخذتموهم أوثانا من دون الله مودة بينكم. ومن نصب كانت «ما» كافة، ويكون «أوثانا» مفعولا أول، ويكون «مودة بينكم» مفعولا ثانيا، إن شئت، وإن شئت كان مفعولا له.

_ (1) القصص: 63. (2) يس: 35. (3) الذاريات: 17. (4) العنكبوت: 25.

وأما قوله: (وَالسَّماءِ وَما بَناها) «1» ، وما بعدها، فقيل: «ما» مصدرية، أي: والسماء وبنائها، والأرض ودحوها، ونفس وتسويتها. وقيل: «ما» بمعنى: من، أي: والسماء وخالقها، والأرض وداحيها، ونفس ومسويها. نظيره: (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) «2» . قيل: أي: من على الأرض من الرجال والنساء. قيل: من طاب لكم. وقيل: ما يلحق هذا الجنس. فأما قوله: (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) «3» . فحمله الفارسي على أنها موصولة قياساً على مذهب سيبويه، حين زعم أن الظرف لا يبنى على كلمة الشرط. فقال: إذا قلت: إن عندنا رجل، إن زيد أو عمرو. والتقدير: إن كان زيد. ولم تقدر: إن عندنا زيد. ثم رأيت لعثمان وهو يتكلم على شبه الظرف بالفعل في قوله: ففينا غواشيها فزعم أن الظرف كالفعل حيث عطفه على الفعل في قوله «تقاسمهم» ، ثم قال: ألا تراه، قال: (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) «4» ففصل بكلمة الشرط بالظرف. ولا أدري أنسي قول سيبويه وقول صاحبه في قوله: (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) «5» حين وفقنا بين قول سيبويه والمازني. وأما قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) «6» فحمل الخليل «ما» على الاستفهام. لمكان «من» فى قوله: «من شيء» . وحمله آخرون على «الذي» . ومثله: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) «7» يكون استفهاما ويكون موصولا.

_ (1) الشمس: 5. (2) الكهف: 7. (4- 3) النحل: 53. (5) آل عمران: 81. (6) العنكبوت: 42. (7) السجدة (ألم) : 17.

وأما قوله تعالى: (لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) «1» . فقيل: «ما» بمعنى «الذي» معطوف على «خطايانا» . وقيل: «ما» نافية، والتقدير: ليغفر لنا خطايانا من السحر ولم يكرهنا عليه. فتكون «ما» نافية، فيه تقديم وتأخير. وأظنني قدمت هذه الآية «2» ومثله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) «3» . أي: من استمتعتم به منهن. ومثله: (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) «4» . أي: نسي الله. ومثله: (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) «5» . في الموضعين، يعنى: الله. وحكى أبو زيد: سبحان ما سحركن. وأنشد لأبى داود: سالكاتٍ سبيل قفرة بدا ... ربما ظاعنٌ بها ومقيم. أي: رب إنسان هو ظاعن بها إنسان هو مقيم بها ف «ما» جر ب «رب» ووصفها بالجملة، كما تقول: رب رجل أبوه مقيم.

_ (1) طه: 73. (2) الباب السابع والستون في التقديم. (3) النساء: 24. (4) الزمر: 8. [.....] (5) الكافرون: 3.

الباب الثالث والثمانون

الباب الثالث والثمانون هذا باب ما جاء في التنزيل من تفنن الخطاب والانتقال من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى المتكلم ومن ذلك قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) «1» ثم قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) «2» . وقال: (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ) «3» ، وحق الكلام: وجرين بكم. وقال: (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) «4» . وقال: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) «5» . وهو كثير في التنزيل، والأصل في الكلام البداية بالمتكلم، ثم بالمخاطب، ثم بالغيبة. قال الله تعالى: (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها) «6» . فقدم المخاطب على الغيبة. فبنوا على هذا فقالوا: الوجه في الكلام: أعطانيك، وأعطاكني، لا يجوز، وأعطيتكها، وأعطيتكهوك، قبيح، ومع قبحه قول يونس. واحتج في ذلك قارئهم بقول القطامي: أبلغ ربيعة أعلاها وأسفلها ... أنا وقيساً تواعدنا لميعاد «7»

_ (1) الفاتحة: 1. (2) الفاتحة: 3. (3) يونس: 22. (4) طه: 53. (5) النمل: 60. (6) هود: 28. (7) الديوان (ص: 13) طبعة برلين.

فأخبر عن المتكلم دون الغيبة، وهو «قيس» . والمبرد يقوى قول يونس في القياس، ويجعل إضمار/ الغائب والمتكلم والمخاطب في التقديم والتأخير سواء، ويجيز: أعطاهوك، و: أعطاهونى، و: أعطاكنى، ويستجيزه ويستحسنه في: منحتني نفسي. وسيبويه لا يجيز شيئا من ذلك إلا بالانفصال، نحو: أعطاه إياك، و: أعطاها إياك، و: أعطاه إياكما، و: أعطاها إياكما، و: أعطاك إياي. وهذا الذي ذكره «المبرد» ليس بالسهل لأن ضمير المتكلم أقرب، ثم المخاطب ثم الغائب. وقد رأيت غير سيبويه يجيز بين المتصل والمنفصل وغيرهما، فى: أعطيتكه، و: أعطيتك إياه لأن المفعول الثاني ليس يلاقي الفعل ولا يكترث به. والأول إما أن يلقى ذات الفعل، أو يلقى ضمير الفاعل المجعول معه كشق واحد. وأجاز سيبويه: أعطاه إياك. وتصحيحه لا يقوى ذلك لأن تعلق المفعولين بالفعل من باب واحد، واختلاف المفعولين في ترتيبهما ليس مما يغير حكم تعليقهما بالفعل وعمل الفعل فيهما. ولقائل أن يقول: ما الذي أنكر سيبويه من: «منحتيني» ؟ وهل سبيل «منحتيني» : إلا سبيل «أعطاهوها» ، وهو مستحسن؟ قيل له: المنكر من «منحتيني» عند سيبويه أن في الثانية يؤخر ما هو حقه التقدم على كل ضمير، وليس كذلك «أعطاهوهما» .

الباب الرابع والثمانون

الباب الرابع والثمانون نوع آخر إضمار قبل الذكر قوله تعالى: (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) «1» . يريد: على الأرض. وقال: (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) «2» . يعني: الوادي. وقوله: (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) «3» . يعني: الدنيا والأرض. ومثل ما تقدم: (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) «4» . جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: «وللبسنا» على الملائكة من الثياب ما يلبسه الناس من ثيابهم، ليكونوا على صورتهم، والمعروف: لبس يلبس، في هذا المعنى. وقال غيره: لشبهنا عليهم ما يشبهون على ضعفائهم، و «اللبس» في كلامهم «الشك» . الكلبي: ولخلطنا عليهم ما يخلطون.

_ (1) النحل: 61. (2) العاديات: 4. (3) الشمس: 3. (4) الأنعام: 9.

وقيل: لبسنا عليهم، أي: على قادتهم ما يلبسون كما يلبس القادة على سفلتهم. وذلك أنهم أمروا سفلتهم بالكفر بالله، والشرك له، فالله عز اسمه، يقضى على قادتهم حتى يكونوا على الكفر. ومن ذلك/ قوله تعالى: (إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) «1» ، قيل: الكلمة: قوله: (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً) «2» . الآية. أي: الله قائل هذه الكلمات، فلا يدخلها خلف. عن ابن زيد: أن القائل المشرك، والضمير لكلمة المشرك، وهي قوله: (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) «3» . أي: لا يكون ذلك أبدا. ومن ذلك قوله: (سامِراً تَهْجُرُونَ) «4» ، أي: مستكبرين بحرم الله، ويقولون: إن البيت لنا لا يظفر علينا أحد، وقيل: مستكبرين بالكتاب لا يؤمنون به، وقد تقدم في قوله: (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ) «5» . ومن ذلك قوله تعالى: (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ) «6» ، الضمير في «صدها» ، قيل: لله تعالى، أي صد الله بلقيس عن عبادة غيره. وقيل: صدها سليمان عن ذلك، فعلى هذا «ما» في محل النصب. وقيل «ما» هي الفاعلة، وقد تقدم في الجار والمجرور.

_ (1) المؤمنون: 100. (2) النحل: 61. [.....] (3) المؤمنون: 99. (4) المؤمنون: 67. (5) المؤمنون: 62. (6) النمل: 43.

ومن ذلك قوله: (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) «1» ، ففي فاعل «أحسن» قولان: أحدهما موسى، أي: تماما على إحسان موسى بطاعته. عن الربيع والفراء، كأنه: لتكمل إحسانه الذي يستحق به كمال ثوابه في الآخرة. فيكون مذهب «الذي» مذهب المصدر كقول يونس في قوله تعالى: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) «2» . والثاني: أن يكون الفاعل «ذكر الله» ، أي: تماما على إحسان الله إلى أنبيائه. عن ابن زيد. وقيل: تماما على إحسان الله إلى موسى بالنبوة وغيرها من الكرامة. عن أبي علي. ومن ذلك قوله: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) «3» ، قيل: من العدو، وقيل: من الله. وقوله: (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) «4» . أي: بالماء، وقيل: بالربط على القلوب، كنى عن المصدر، وقيل: بالرسل. ومن ذلك قوله تعالى: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) «5» . قيل: هذا كقوله: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) «6» . كان يسرع القراءة مخافة النسيان.

_ (1) الأنعام: 154. (2) التوبة: 69. (3) الأنفال: 11. (4) الأنفال: 11. (5) القيامة: 16. (6) طه: 114.

وقيل: كان يحب الوحي، فيحرص على التلقن قبل أن يتم الكلام. وقيل: إنما أراد قراءة العبد لكتابه يوم القيامة، لأن ما تقدم هذه الآية وما تأخر عنها يدل على ذلك، ولا يدل على شيء من أمر القرآن، ولا على شيء كان في الدنيا. وكأن هذا القول في معنى قراءة العبد/ كتابه ضرب من التقريع والتوبيخ والإعلام، بأنه صار إلى حيث لا تنفعه العجلة، وإلى موضع التثبت في الأمور، وإقامة جزاء الحسنة والسيئة وهذا حسن. البلخي: إن العبد يسرع إلى الإقرار بذنوبه، وتكلف معاذيره، ظنا بأن ذلك ربما ينفعه، فيقال له: لا تعجل فإن علينا أن نجمع أفعالك في صحيفتك، وقد فعلناه، وعلينا أن نقرأ كتابك، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، أي فاتبع قراءته، هل غادر شيئا واحتوى على زيادة لم تعملها؟ فإذا فعلت ذلك، وجاوب كتابنا أفعالك، فاعلم بعد ذلك أن علينا بيانه، أي إظهار الجزاء عليه. والأول أيضا حسن، لأن الإشارة إلى الشيء في تفريقه، كمتقدم ذكره، فيحسن معها الإضمار، وكان يقرأ عليه القرآن، وأشير إليه فقيل: «لا تحرك به» ، أي بهذا الذي نقرؤه عليك. وهذا المعنى أيضا حسن. فعلى هذا: إن علينا حمعه في قلبك لتقرأه بلسانك. عن ابن عباس، رضى الله عنه.

الباب الخامس والثمانون

الباب الخامس والثمانون هذا باب ما جاء في التنزيل حمل فيه الفعل على موضع الفاء في جواب الشرط فجزم فمن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ) «1» ، فجزم «نكفر» على موضع قوله: (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» ، لأن تقديره: إن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن الإيتاء والإخفاء خير لكم. والرفع فيه أيضا حسن جيد، لما لم يظهر الجزم في الفاء لم يكن به اعتداد. وقد ذكر فارسهم ذلك فقال: إذا قلت: زيدا ضربته وعمراً كلمته/ ربما احتج «الزيادي» بأن قوله «ضربته» لم يظهر فيه الإعراب، فلم يقع به اعتداد، في كلام طويل ذكرته في «الخلاف» . ومن ذلك قوله تعالى: (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) «2» ، جزم «يذرهم» حملا على موضع «الفاء» ، والرفع فيه حسن على ما قلنا. وأما قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) «3» ، فإن القراء السبعة أجمعوا على رفع «ويستخلف» ولم يجزموه، كما جزموا «ويذرهم» «ونكفر» ، إلا رواية عن حفص جزمه كما جزم أولئك في الآيتين، فقال قائلهم: ليس ذا بجزم، وإنما هو اختلاس.

_ (1) البقرة: 271. (2) الأعراف: 186. (3) هود: 57.

ألا ترى أنه أطبق مع الجماعة على إثبات النون. فقرأ: (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) «1» ، فأثبت النون، ولو اعتقد في «يستخلف» الجزم حملاً على موضع «الفاء» لحذف «النون» ولم يثبتها، فثبت أنه ليس بمجزوم، وأنما أطبقوا على الرفع لمكان «النون» في (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) «2» ، إذ وجدوها في المصحف كذلك. ومن ذلك قوله: (لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) «3» ، فحمل «يكن» على موضع «الفاء» في «فأصدق» أي: موضع الفاء جزم، وكأنه في التقدير: إن أمهلتني أصدق وأكن. وأبو عمرو قرأه «وأكون» منصوبا، بالحمل على موضع «فأصدق» ، فهذا في الحمل على موضع الفاء، وربما كان ينشد فارسهم قول أبى داود: فأبلونى بليّتكم «4» لعلّى ... أصالحكم وأستدرج نؤيا فحمل «وأستدرج» على موضع «لعلى» جزم على تقدير: «فلعلي» ، بالفاء محذوفة. فأما ما جاء من نحو قوله: (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) «5» ، وقوله: (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) «6» ، فالجزم هو الجيد بالعطف على الجزاء، وجاز الرفع في مثله. وقد قرئ به في «فيغفر» دون «يخرج» وجاز النصب في «فيغفر» . وقد جاء ذلك في الشواذ، ولم يشذ في قوله: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) «7» بعد (أَوْ يُوبِقْهُنَّ) «8» ، المنجزم بالعطف على قوله

_ (2- 1) هود: 57. [.....] (3) المنافقون: 10. (4) البلية: الناقة تعقل عند قبر صاحبها وتبلى هناك، أي تترك لا تعلف ولا تسقى حتى تموت. (5) محمد: 37. (6) البقرة: 284. (7) الشورى: 35. (8) الشورى: 34.

(إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ) «1» . وإنما لم يكن شاذا لفتح «اللام» قبل «الميم» ، واجتمع فيه كونه تبعا مع جواز الصرف. وقال عز من قائل: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) «2» . فإنه حمل نصبه على الصرف، و «عندى» أنه مجزوم، وكان حقه/ الكسر، لقراءة الحسن «ويعلم الصابرين» لكنه حمله على «اللام» وفتحه لمطابقة ما قبله، كما روى عن ابن عامر «ثم تجعله» بفتح «اللام» تبعا ل «العين» . وأما قوله تعالى: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) «3» . فقدر أبو إسحاق موضع قوله «ظلت» أنه مجزوم بالعطف على «ننزل» ، كقوله «فيغفر» جزم بالعطف على «يحاسبكم» . وأنكر عليه «أبو علي» وزعم أن قوله «ظلت» بعد «الفاء» كقوله «ينتقم الله» بعد «الفاء» كقوله: (فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) «4» . لم يتأمل أبو علي في هذا الكلام، لأن قوله، «فينتقم الله منه» جواب الشرط، وقوله «فظلت» معطوف على «ينزل» كما أن «فيغفر» معطوف على «يحاسبكم» . نعم، لو كان «فظلت» جواب «إن نشأ» لكان كقوله: (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) «5» ، فأما إذا كان في تقدير: إن نشأ ننزل فتظل عناقهم، كان كقوله: «فيغفر» ، والله أعلم.

_ (1) الشورى: 33. (2) آل عمران: 142. (3) الشعراء: 4. (4) الأعراف: 186. (5) المائدة: 95.

الباب السادس والثمانون

الباب السادس والثمانون هذا باب ما جاء في التنزيل وقد رفض الأصل واستعمل ما هو فرع فمن ذلك «الصاد» في «الصراط» من نحو قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ) «1» . جاء الاستعمال وكثرت القراءة بالصاد، وقد رفض فيه السين، إلا في القليل. ومنه قوله: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) «2» ، (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ) «3» و «إليكم» ، و «فيهم» ، و: «فيكم» . الأصل فى كل ذلك: عليهم و، و: إليهمو، و: لديهمو، و: فيهمو، بالواو، لأنها بإزاء: عليهن، و: لديهن، و: إليكن، و: إليهما، وكما أن المثنى المؤنث بالحرفين، فكذلك المذكر وجب أن يكون بحرفين، إلا أنهم حذفوا الواو استخفافا وأسكنوا الميم، فقالوا: عليهم. فإن قلت: فهلا تركوا الميم بالضم بعد حذف الواو؟ فلأن في إبقاء الضم استجلاب الواو، ألا تراهم قالوا: أمشى «4» فأنظور وتنقاد الصياريف «5» فإذا أسكنوها أمنوا ذلك، ألا تراهم لم يصلوا: وأنت من أفنانه معتقد وكانت الهاء فى: «قربها» و «إرثها» رويا، ولم تكن كالهاء فى: أجمالها، و: «بدالها» و: «زال زوالها» . ومن ذلك إبدالهم الميم من النون الساكنة فى قوله: (فَانْبَجَسَتْ) «6» ، و: «من يك» وشنبا، و «عنبر» وقد تقدّم ذلك.

_ (2- 1) الفاتحة: 6، 7. (3) الروم: 32. (4) أي: فأنظر. [.....] (5) جزء من بيت للفرزدق، والبيت كاملا: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدنانير تنقاد الصياريف (الكتاب 1: 10) . (6) الأعراف: 160.

ومن ذلك قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) «1» . الأصل في ألف التثنية أن تكون/ كعصا، ورحا، في الرفع والنصب والجر على صورة واحدة، لأن الحركة فيها مقدرة، كما هي فى ألف «عصا» و «رحا» ، ولكنه جاء الاستعمال على قلبها ياء في النصب والجر حرصاً على البيان، إذ لم يكن هناك ما في المفرد من البيان، ألا تراك تقول: ضرب موسى العاقل عيسى الأديب، فيتبين الرفع بالصفة بعد الفاعل ونصبها بعد المفعول، وهذا المعنى لا يتأتى بالتثنية لو قلت: ضرب الزيدان العاقلان العمران القائمان، لم تتغير الصفة، فجاء قوله: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) «2» على الأصل الذي ينبغي أن يكون عليهم كما «استحوذ» «3» على ذلك. وقوله: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) «4» ولم يكن كقوله: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) «5» ، وكقولهم: «عسى الغوير أبؤسا» ، على الأصل، ولم يكن كالمستعمل في قوله تعالى: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) «6» وكذلك جاء قول: تأبط شرا: فأبت إلى فهمٍ ولم أك آئبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر قال عثمان: وصواب الرواية فيه: وما كدت آئبا، أي: وما كدت أؤوب، فاستعمل الاسم الذي هو فرع، وذلك أن قولك: كدت أقوم، وأصله قائما، فلذلك ارتفع المضارع، أي لوقوعه موقع الاسم، فأخرجه تأبط شرا على المرفوض كما يضطر الشاعر إلى مراجعة الأصول عن مستعمل الفروع، نحو صرف ما لا ينصرف، وإظهار التضعيف، وتصحيح

_ (2- 1) طه: 63. (3) المجادلة: 19. (4) النساء: 141. (5) الفاتحة: 5. (6) النساء: 84.

المعتل، وما جرى مجرى ذلك. ونحو من ذلك ما جاء عنهم من استعمال مفعول «عسى» على أصله، وذلك ما أنشدناه من قول الراجز: أكثرت في العذل ملحاًّ دائما ... لا تكثرن إني عسيت صائما فهذه الرواية الصحيحة في هذا البيت، أعني قوله: وما كدت آئبا، وكذلك وجدتها في شعر هذا الرجل بالخطأ القديم، وهو عتيد عندي إلى الآن، وبعد فالمعنى عليه البتة لا ينصرف به عنه، ألا ترى أن معناه: وأبت وما كدت أؤوب، كقولك: سلمت وما كدت أسلم، وكذلك كل ما يلي هذا الحرف من قبله ومن بعده يدل على ما قلناه، ولا معنى لقولك: وما كدت آئبا، ولا: ولم أك آئبا، وهذا واضح.

الباب السابع والثمانون

الباب السابع والثمانون هذا باب ما جاء في التنزيل من القراءة التي رواها سيبويه في كتابه فمن «1» ذلك ما ذكره في باب «ما» . قال: وأهل الحجاز شبهوها، يعني «ما» ب «ليس» إذ كان معناها كمعناها، كما شبهوا ب «ليس» «لات» في بعض المواضع، وذلك مع «الحين» خاصة، لا تكون «لات» إلا مع «الحين» يضمر فيها مرفوع وينصب «الحين» لأنه مفعول به، ولم يتمكن تمكنها. ولم يستعملوها إلا مضمرا فيها، يعني «لات» وليس ك «ليس» في المخاطبة والإخبار عن غائب، تقول: لست، وليسوا، وعبد الله ليس ذاهبا، فيبنى على المبتدأ ويضمر فيه، وهذا لا يكون فيه ذاك، يعنى فيه «لات» ولا يكون هذا في «لات» لا تقول: عبد الله لات منطلقا، ولا قومك لاتوا منطلقين. ونظير «لات» في أنه لا يكون إلا مضمرا فيه «ليس» ولا يكون في الاستثناء، إذا قلت: أتوني ليس زيدا، ولا يكون بشراً. وزعموا أن بعضهم قرأ (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) «2» وهي قليلة، كما قال بعضهم «3» : من صد عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح فأعمل «لا» عمل «ليس» و «لا» تعمل مع ذلك إلا في نكرةٍ، فجعلها بمنزلة «ليس» فهي بمنزلة «لات» في هذا الموضوع في الرفع، ولا يجاوز بها الحين، رفعت أو نصبت، أي لا تكون «لات» إلا مع «الحين» . قال الأخفش: «لات» لا تعمل شيئا في القياس، لأنها ليست بفعل،

_ (1) الكتاب (1: 28- 33، 354) . (2) ص: 3- قراءة الجمهور: ولات حين، بفتح التاء ونصب النون، عاملة عمل ليس واسمها محذوف، أو عاملة عمل إن والخبر محذوف. وقرأ أبو السمال، ولات حين، بضم التاء ورفع النون. وقرأ عيسى بن عمر بكسر التاء وجر النون (البحر 7: 383- 384) . (3) القائل: سعد بن مالك القيسي.

فإذا كان ما بعدها رفعا فهو على الابتداء، ولم تعمل «لات» في شيء رفعت أو نصبت. قال أبو إسحاق: من رفع «لات» حين يريد: ولات الحين حين مناص، فيكون خبرا مبتدأ محذوف. ويجوز أن يكون ابتداء والخبر محذوف، بخط الوراق «س «1» » . يريد أنه يقدر بعد «لا» ، كأنه قال: لات الحين حين مناص، ثم خزل «الحين» ، و «الحين» فيه مبتدأ، و «حين مناص» خبره، وإنما أظهر المنصوب لأنه يدل على الفعل. وإذا نصبت «لات» نصبت بالظرف، لأنها تعمل، وزعم وهيب عن هارون عن عيسى/ هذا: كسر التاء والنون، وسيبويه يرفع. ومن ذلك ما ذكروه في باب «كان» وزعم أنه سمع رؤبة يقول: ما جاءت حاجتك، فرفع. ومثل قولهم: ما جاءت حاجتك، إذا صارت تقع على مؤنث، قراءة بعض القراء: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) «2» ، و: (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) «3» . قلت قوله: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) «4» بنصب التاء والتأنيث، «تكن» قراءة أبي عمرٍو، وغيره من السبعة أنث «تكن» بأن قوله «أن قالوا» يؤول إلى معنى «الفتنة» وقوله: «تلتقطه بعض السيارة» قراءة الحسن «5» ، فهو خارج عن السبعة. فإما أن يكون لأن البعض من السيارة، أو يكون اكتسى التأنيث عن المضاف إليه. ومن ذلك ما ذكره في باب الأمر والنهي، تقول: أما زيدٌ فسلّم عليه،

_ (1) يريد: سيبويه. (4- 2) الأنعام: 23- قراءة الجمهور «تكن» بالتاء، وحمزة والكسائي بالياء، وحفص «فتنتهم» بالرفع. وفرقة: لم يكن فتنتهم، بالياء وبالنصب. (البحر 4: 95) . (3) يوسف: 10. (5) هذه قراءة الحسن ومجاهد وقتادة وأبي رجاء. (البحر 5: 284) . [.....]

وأما الكافر فلعنة الله عليه، لأن هذا ارتفع بالابتداء. وأما قوله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) «1» ، وقوله: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) «2» فلأن هذا لم يبن على الفعل ولكنه جاء على مثل قوله: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) «3» ، ثم قال بعد: فيها كذا وكذا، وإنما وضع «المثل» للحديث الذي بعده، وذكر بعد أخبار وأحاديث، وكأنه على قوله: ومن القصص أولا مثل الجنة، أي مما يقص عليكم، فهو محمول على هذا الإضمار أو نحوه. والله أعلم. وكذلك (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) «4» كأنه لما قال: (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها) ، «5» قال: في الفرائض الزانية والزاني، ثم قال: (فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ «6» ) أو الزانية والزاني في الفرائض، فجاء بالفعل بعد أن مضى فيهما الرفع، كما قال: وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم فجاء بالفعل بعد أن مضى عمل فيه المضمر، وكذلك: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) كأنه على قوله: وفيما فرض عليكم السارق والسارقة، أو السارق والسارقة فيما فرض عليكم، وإنما جاءت هذه الأشياء بعد قصص وأحاديث، وتحمل على نحو من هذا. ومثل ذلك: (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) «7» وقد يجري هذا في: زيد وعمرو، وعلى هذا الحد إذا كنت تخبر بأشياء أو توصى ثم تقول: زيد، أي زيد/ فيمن أوصى به فأحسن إليه وأكرمه. وقد قرأ الناس (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) و (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) ، وهو في العربية على ما ذكرت من القوة، ولكن أبت القراءة إلا القراءة بالرفع. قلت: الذي قرأ بالنصب في الآيتين هو عيسى

_ (6- 4- 1) النور: 2. (2) المائدة: 38. (3) الرعد: 35. (5) النور: 1. (7) النساء: 16.

ابن عمر الثقفي، ونصب «الزانية» بمضمر دل عليه قوله «فاجلدوا» ، ونصب «السارق» بمضمر دل عليه قوله «فاقطعوا أيديهما» . فأما قوله «واللذان» فلم يرو فيه عن أحدٍ النصب. ومن «1» ذلك ما ذكر في باب «إن» : وأما ما حمل على الابتداء فقولك: إن زيدا ظريف وعمرو، و: إن زيدا منطلق وسعيد، فعمرو وسعيد يرتفعان على الوجهين، فأحد الوجهين حسن والآخر ضعيف. فأما الوجه الحسن فأن يكون محمولا على الابتداء، لأن معنى: إن زيدا منطلق: زيد منطلق، و «إن» دخلت توكيدا، كأنه قال: زيد منطلق وعمرو. وفى القرآن مثله: (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) «2» . وأما الوجه الضعيف فأن يكون محمولا على الاسم المضمر في «المنطلق» و «الظريف» ، فإذا أردت ذلك فأحسنه أن تقول: إن زيدا منطلق هو وعمرو، و: إن زيدا ظريف هو وبشر وإن شئت جعلت الكلام على الأول، فقلت: إن زيدا منطلق وعمرا ظريف، فجعلته على قوله: (وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ) «3» . وقد رفعه قوم على قولك: لو ضربت عبد الله وزيد قائم ما ضرك. أي: لو ضربت عبد الله وزيد في هذه الحال، كأنه قال: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أمره ما نفدت كلمات الله. قلت: هذا مبنى على قراءة الحسن- أي الحسن البصري- أن أبا حاتم روى عنه: «إنّ الله برىء من المشركين» ، أي: بكسر «إن» ، فأما

_ (1) الكتاب (1: 461- 479) . (2) التوبة: 3. (3) لقمان: 27.

قراءة العامة فهو بفتح «أن» وهو مع الاسم وخبره في موضع خبر «أذان» ، على تقدير: وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر كائن بأن الله برىء من المشركين. ونرى «عثمان» قد أقام القيامة، / في قوله: ولا أنا ممن يزدهيه وعيدكم فقال: «إن» و «أن» في هذا الباب عند سيبويه سيان. وظن أن سيبويه بنى كلامه على قراءة العامة، والأمر بخلاف ما ظن. فأما قوله: «والبحر يمده» بالنصب، فقراءة أبي عمرو وحده، والرفع قراءة العامة، على أن يكون الواو واو الحال. ومن ذلك ما ذكره في آخر باب المضمرات «1» ، قال: هذا باب لا تكون «هو» فيه وأخواتها فيه فصلا، ولكن تكون بمنزلة اسم مبتدأ، وذلك قولك: ما أظن أحداً هو خير منك، وما أجعل رجلا هو أكرم منك، وما إخال رجلا هو أكرم منك. فلم يجعلوه فصلا وقبله نكرة، كما أنه لا يكون وصفا ولا بدلا إلا لنكرة كما لا يكون وصفا ولا بدلا إلا لمعرفة. وأما أهل المدينة فينزلون «هو» هاهنا بمنزلته بين المعرفتين ويجعلونها فصلا في هذا الموضع. وزعم يونس أن أبا عمرو رآه لحنا، وقال: احتبى ابن مروان في ذه في اللحن، وذلك أنه كان يقرأ: (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) » . قال عثمان: جعل ابن مروان «هن» خبر المبتدأ، «وأطهر» ، نصب

_ (1) الكتاب (1: 397) . (2) هود: 78.

على الحال. وليس ما قال عثمان بشيء، إذ ليس في قوله «هن» فائدة لم تستفد من المبتدأ. ومن «1» ذلك ما ذكره في باب «أي» في قوله تعالى: (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ) «2» وهي لغة للعرب جيدة، نصبوها كما جروها حين قالوا: امرر على أيهم أفضل، فأجراها هؤلاء مجرى «الذي» إذا قلت: اضرب الذي أفضل، لأنك تنزل «أي» و «من» بمنزلة «الذي» في غير الجزاء والاستفهام. ومن ذلك ما ذكره في باب «إن» «3» . فإذا قلت: إن زيدا منطلق، لم يكن في «إن» . إلا الكسر، لأنك لم تضطر إلى شيء، ولذلك تقول: أشهد أنك ذاهب، إذا لم تذكر اللام. وهذا نظير «هذا» و «هذه» كلمة تتكلم بها العرب في حال اليمين، وليس كل العرب تتكلم بها، تقول: لهنك لرجل صدق. يريدون: «إن» ، ولكنهم أبدلوها الهاء مكان الألف، كقولك: هرقت. ولحقت هذه/ اللام «إن» كما لحقت «ما» حين قلت: إن زيدا لما لينطلقن، فلحقت «إن» اللام في اليمين كما لحقت «ما» ، فاللام الأولى. في «لهنك» ، لام اليمين، واللام الثانية لام «إن» . كما أن اللام الثانية في قولك: إن زيدا لما ليفعلن، لام اليمين. قال أبو علي: يريد أن هذا بمنزلة قوله: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) «4» . يريد أن اللامين في: لهنك لرجل صدق. بمنزلته في قولك: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) ، إذا عكس الحكاية، لأن اللام الأولى في «لهنك» لام اليمين، تقديره: والله

_ (1) الكتاب (1: 397) . (2) مريم: 69. (3) الكتاب (1: 474) . (4) هود: 111. [.....]

لأنك. واللام الثانية في «ليوفينهم» لام اليمين. والأولى ل «أن» ، وإنما دخلت «ما» في قوله: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) «1» ليفصل بين اللامين فلا يلتقيان، فهي وإن كانت زائدة لهذا المعنى، ولو سقطت لم تصلح أن تلى «أن» الناصبة للفعل. وكأنها سهلت وقوع الاسم بعد «أن» الناصبة للفعل، كما سهلت وقوع اللام في «ليوفينهم» بعد لام «أن» وقد تشابها من هذا الوجه، وهذا الذي ذهب إليه سيبويه في «لهنك» لام القسم، فيه بعض البعد ألا ترى أن اللام إذا كانت للقسم فهي التي للابتداء، وقد دخلت على «ان» ولم يجتمعا في موضع، فإذا حكم بما يجىء له نظير. وكان الاستعمال على غيره، ففيه بعض البعد. فإن قال: إنه مما قد رد إلى الأصل، ألا ترى أن الأصل في «اللام» أن تكون لاحقة قبل أن يدلك على ذلك قولك: علمت أن زيدا لمنطلق. وتعليق الفعل عن «ان» ؟ قيل: هذا يمكن أن يقوله قائل، وأحسب أن أبا إسحاق كان يقوله. ويبعد هذا أن اللام في الخبر قد جاء قولهم: لهنك لرجل صدق، وفي قولك: وإنا لهنك من تذكر عهدها ... لعلى شفا يأسٍ وإن لم تيأس فلو كان لام الابتداء لم يكن في الخبر. ويبعد ذلك أيضا أن «ان» قد يلقى القسم كما تلقاه اللام، فإذا كان كذلك فلا حاجة إلى اللام في «ان» ، وقد كنا نقول دهرا: / إن البدل في الهمزة هنا لما غيرت الصورة كان كذلك كالفصل بينهما، فى نحو

_ (1) هود: 111.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) «1» وفي هذا بعض العهد أيضا، لأن البدل يجري مجرى المبدل منه، ألا ترى أن الهمزة في «حمراء» التي هي بدل من الألف، بمنزلة الألف وفي حكمها، وأن أبا الحسن قد قال: في «أصيلال» : إنك لو سميت به رجلا لم تصرف. فإذا كان مذهبهم في البدل هذا المذهب فلا فضل بين البدل والمبدل منه، وإذا لم يكن فعل كان فتح «لهنك» كفتح «لانك» . وذهب أبو زيد في قوله «لهنك» إلى أن المعنى «لا أنه» كأن المعنى: لله أنك، فتحذف الجار كما يحذف في قوله: لاه ابن عمك «2» . «وانك» قد تلقى به القسم. وحذفت الهمزة منه كما حذفت من قوله: ويلمها ... «3» ويا بالمغيرة ... «4» ونحو قوله: إن لم أقاتل فالبسوني برقعا وكما حذفت الألف حذفا في هذه المواضع كذلك حذفت في قوله «لهنك» ، والتقدير: لله أنك. وقد استعملت اللام في القسم في نحو قوله:

_ (1) آل عمران: 49- هود: 77- النحل: 11 و 13 و 65 و 67 و 69- الشعراء: 8 و 67 و 103 و 158 و 174 و 190. (2) جزء من بيت لذي الأصبع، والبيت كاملا: لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخزوني (اللسان، لوه) (3) جزء من بيت لأبي الأسود الدؤلي، والبيت كاملا: يا أبا المغيرة رب أمر معضل ... فرجته بالفكر مني والدها (4) مطلع بيت لكعب بن زهير، والبيت كاملا: ويلمها خلة لو أنها صدقت ... في وعدها أو لو أن النصح مقبول

لله يبقى على الأيام ذو حيد «1» إذا أرادوا التعجب، فكذلك اللام المرادة في «لهنك» الذي تقديره: لله أنك. ويؤكد ذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم: له ربي، قوله «ربي» عطف على «له» أو بدل، كما قال أبو الحسن: قولهم: لاها الله ذا، إنه صفة، فكذلك يكون في المواضع التي لم يوصف فيها الاسم. هو اسم الله، لا على ما قدره سيبويه من المعنى «لأنك» . وأما الألف من «له ربي» فإنها قد حذفت كما حذفت من قول الشاعر: ألا لا بارك الله في سهيل فهذا المثال الذي سلكه أبو زيد أسهل في «له ربي» . ومن ذلك ما ذكره في باب الجمع قال: وقد «2» كسر على «فعل» ، وذلك قليل. كما أن «فعلة» في باب «فعل» قليل، وذلك نحو: «أسد» و «أسد» ، و «وثن» و «وثن» . وبلغنا أنها قراءة. قلت: يعني في قوله تعالى: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) «3» اعلم أن في هذه اللفظة قراءات، منها قراءة الناس: «إلا إناثا» وقرأ: إلا أثنا، الثاء قبل النون، النبي صلى الله عليه وعلى آله وعائشة، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وسعيد ابن المسيب، وعبد الله بن حسين، ومسلم بن جندب، ومجاهد. وقرأ «أنثا» النون قبل الثاء، النبي صلى الله عليه وعلى آله، إن كان ذلك صحيحا.

_ (1) صدر بيت لأمية بن أبي عائذ. وقيل لأبي ذؤيب، وعجز البيت: بمشمخر به الظيان والآس (الكتاب 2: 144- المغني 1: 176) . (2) الكتاب (2: 177) . (3) النساء: 117.

وروى عن عائشة وابن عمر وابن عباس بخلافٍ عنهم فقد رووا هذين الوجهين عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمن ذكرنا معه. وروى عن عطاء: «اثنا» و «أنثا» ، ساكنة، والثاء قبل النون. وعن ابن عباس: «أثنا» و «أنثا» ، وكذلك مسلم بن جندب. فهذه خمسة أوجه مع قراءة الناس «1» . والذي أراد سيبويه ألا أثنا، الثاء قبل النون، مثل أسد وأسد، والهمزة فيها مثلها في: وجوه وأجوه. والضمة والإسكان يرجعان إلى شيء واحد. ومن ذلك ما قال في حد التصريف. قال سيبويه: زعموا أن أبا عمرو قرأ: (يا صالح ايتنا) «2» جعل الهمزة ياء ثم لم يقلبها واوا: لم يقولوا هذا في الحرف الذي ليس متصلا، وهذه لغة ضعيفة «3» لأن قياس هذا أن تقول: غلام وبيك. ومن ذلك ما قاله في باب الإدغام: «وحدثني «4» الخليل وهارون أن ناسا يقولون (مُرْدِفِينَ) «5» . فمن قال هذا فإنه يريد: «مرتدفين» ، وإنما أتبعوا الضمة الضمة حيث حركوا، وهي قراءة لأهل مكة، كما قالوا: «ردّ يا فتى» ، فضموا لضمة الراء، فهذه الراء أقرب. ومن قال:

_ (1) ساق أبو حيان ثماني قراءات وهي: إناثا، أنثى، أنثا، أوثانا، وثنا، وثنا، أثنا، أثنا. (البحر 3: 352) . (2) الأعراف: 77. (3) قال أبو حيان: وقرأ ورش والأعمش، يا صالح ائتنا. وأبو عمر إذا أدرج بإبدال همزة فاء «ائتنا» واوا لضمة حاء «صالح» . (البحر 4: 231- الكتاب 2: 164) . (4) الكتاب (2: 410) . (5) الأنفال: 9.

هذا قال: «مقتلين» ، وهذا أقل اللغات. ومن قال «قتل» قال: «ردف» . ف «ارتدف» يجرى مجرى «اقتتل» ونحوه. قلت: روى أحمد بن عباد عن قنبل أيضا عن ابن كثير «مردفين» ، وهو الذي ذكر أنه قراءة أهل مكة «1» . ومن ذلك ما قاله أيضا في حد الإدغام: قال سيبويه «2» : «وقالوا» : «مصبر» لما امتنعت «الصاد» أن تدخل في الطاء قلبوا «الطاء» «صادا» ، فقالوا: «مصبر» . وحدثنا هارون: أن بعضهم قرأ: (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) «3» . قلت: إنما قرأ بها الجحدري.

_ (1) قال أبو حيان: وقرأ بعض المكيين فيما روى عنه الخليل بن أحمد، وحكاه عن ابن عطية: مردفين، بفتح الراء وكسر الدال مشددة، أصله: مرتدفين، فأدغم. وقال أبو الفضل الرازي: وقد يجوز فتح الراء فرارا إلى أخف الحركات، أو لنقل حركة التاء إلى الراء عند الإدغام. وروى عن الخليل أنه يضم الراء اتباعا لحركة الميم. (البحر 4: 465) . [.....] (2) الكتاب (2: 421) . (3) النساء: 128- ولم يذكر أبو حيان هذه القراءة فيما ذكر من قراءات. (البحر 3: 363) .

الباب الثامن والثمانون

الباب الثامن والثمانون وهذا نوع آخر من القراءات مسألة قوله تعالى: (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ) «1» أسارى «على فعالى» ، و «أسرى» على «فعلى» ، تفرد به حمزة/ ويميلها «أسرى» ويميلان: أبو عمرو والكسائي: «أسارى» فلا يقرآن «أسرى» بلا إمالة. فأما قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) «2» . تفرد به أبو عمرو، وأبو عمرو صاحب الإماله، وليس في السبعة «أسارى» بلا إمالة، فلا يقرآن بها في الصلاة فأما الباقون فيقرءون «من الأسرى» ويميلها حمزة والكسائي. قوله: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) «3» . ونكفر بالنون والجزم، وبالنون والرفع وبالياء والرفع، ثلاثهن في السبعة، وليس في السبعة. «يكفر» بالياء والجزم بتة، لأنه معطوف على قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) «4» ، فلا يجوز الياء مع الجزم. سورة آل عمران: (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) «5» ، بالتشديد، ونصب الألف أبو بكر، وتشديد الياء وقصر «زكريا» حمزة والكسائي وحفص، وتخفيف الياء وضم الهمزة الباقون. وليس في السبعة تخفيف الياء مع قصر الألف.

_ (1) البقرة: 85. (2) الأنفال: 70. (3) البقرة: 271. (4) البقرة: 270. (5) آل عمران: 37.

مسألة

قوله: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ) «1» . بفتح الألف وإسكان الياء، وأبو عمرو وابن كثير يفتحان الألف جميعا، ونافع يكسر الألف ويفتح الياء، وليس في السبعة كسر الألف مع إسكان الياء. قوله: (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) «2» . حمزة والكسائي بالإمالة، «أن يؤتى» بالمد والاستفهام ابن كثير. وليس في السبعة (آان يؤتى) بالاستفهام والإمالة. قوله: (وَلا يَأْمُرَكُمْ) «3» بالهمزة والرفع والنصب في الهمزة، والاختلاس وترك الهمز، تفرد به أبو عمرو. مسألة (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) «4» بالواو وغير الواو، وترك الواو قراءة نافع وابن عامر، والباقون بالواو، والكسائي يميل مع الواو «5» . مسألة (يَغْشى طائِفَةً) «6» بالياء. وحمزة والكسائي «تغشى» بالتاء من غير إمالة، ولا «يغشى» بالياء مع الإمالة. مسألة (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا) «7» بالتاء وكسر السين وفتحها، هشام عن عمار بالياء وفتح السين، وكسر السين مع الياء ليس بمروى.

_ (1) آل عمران: 49. (2) آل عمران: 73. (3) آل عمران: 80. (4) آل عمران: 133. (5) المراد بالواو، الواو العاطفة السابقة. لا واو الضمير اللاحقة. (6) آل عمران: 154. (7) آل عمران: 169. [.....]

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي) «1» بالياء وفتح السين. تفرد به حمزة، وليست كسرة السين مع الياء فى السبعة بتة. وكذا: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) «2» ، وهو مثل الأول. فأما قوله: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) «3» بالتاء، فعاصم والكسائي. إلا أن الكسائي يكسر السين وعاصما يفتح السين. والباقون بالياء وكسر السين، إلا ابن عامر فإنه بالياء وفتح السين. وأما قوله تعالى: (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ) «4» ، ابن كثير وأبو عمرو بالياء وضمة «الباء» ، وضم «الباء» مع «الياء» واجب لم يقرأه أحد. ولا يجوز فتح «الياء» مع الباء، والباقون بالتاء وفتح الباء، إلا أن ابن عامر وحمزة وعاصما والكسائي يفتحون السين، ونافعا يكسر السين مع «التاء» في الثاني والياء مع الأول «5» . سورة النساء: (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) «6» بالتخفيف، كوفى، والباقون بالألف «عاقدت» ، وليس في السبعة «عقدت» كما هو في سورة المائدة (بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) «7» ، بتشديد القاف ابن كثير وأبو عمر ونافع وحفص. أرى أنهم إنما شددوه في «المائدة» لما رأوه مجاورا للتاء المشددة المدغم فيها دال «عقدت» بخلاف ما في «النساء» الذي لم يدغمه أحد ففي النساء اثنان: «عقدت» بالتخفيف، و «عاقدت» بالألف، وفى «المائدة ثلاث

_ (1) آل عمران: 178. (2) آل عمران: 180. (4- 3) آل عمران: 188. (5) البحر (3: 137) . (6) النساء: 33. (7) المائدة: 89.

مسألة

بالتخفيف. وهو مذهب الكوفي غير حفص، وبالألف ابن عامر وحده، وبالتشديد الباقون «1» . مسألة (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) «2» ، بفتح التاء وتشديد السين، نافع وابن عامر بفتحها والتخفيف. حمزة والكسائي يميلانه على أصلهما، والباقون بضمها بالتخفيف. ولا خلاف في تشديد الواو. مسألة (هل تستطيع) بالتاء (ربك) «3» بنصب الباء «4» . سورة الأنعام: (لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) «5» . نصب، حمزة والكسائي بالياء، ورفع «فتنتهم» . ابن كثير وابن عامر وحفص بالتاء ونصب «فتنتهم» نافع وأبو عمرو وأبو بكر «6» . مسألة (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) «7» . فيهما نافع وحفص بالضم. فيهما ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو والباقون «فصل» بالفتح، و «حرم» بالضم. وليس فى القسمة «فصل» بالضم، و «حرم» بالفتح، لأنه يؤدى إلى أن يكون محرما مخالفا لما قبله وما بعده، والمطابقة والمشاكلة يكون ساقطا «8» .

_ (1) البحر (3: 238) . (2) النساء: 42. (3) المائدة: 112. (4) قال أبو حيان: «وهي قراءة علي ومعاذ وابن عباس وعائشة وابن جبير» . (البحر 4: 54) . (5) الأنعام: 23. (6) البحر (4: 95) . (7) الأنعام: 119. (8) البحر (4: 211) . [.....]

مسألة

مسألة (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) «1» بالتاء، ابن ذكوان وأبو بكر، «ميتة» / رفع ابن كثير وابن عامر. وإن جعلتهما مسألة واحدة ففيها أربعة أوجه: قلت: بالياء والرفع، ابن كثير. وابن هشام بالتاء والرفع. وابن ذكوان بالتاء، ونصب أبو بكر، والباقون بالتاء والنصب. مسألة (إلا أن) «2» تكون بالتاء، ابن كثير وحمزة وابن ذكوان. «ميتة» رفع ابن عامر. وإن جعلتهما مسألة واحدة ففيها أربعة أوجه: قلت: بالتاء والرفع ابن ذكوان بالياء والرفع هشام وحده بالتاء والنصب ابن كثير وحمزة الباقون بالتاء والتشديد. وليس فيه التشديد مع التاء، لا يفتح بالياء والتشديد، لم يقرأه أحد. مسألة (مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) «3» ، بالتنوين وسكون الواو ونصب «كيد» ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر بتشديد الواو ونصب «كيد» حجازي وأبو عمرو وحفص يسكن الواو ويضيف إلى «كيد» . وليس في السبعة تشديد الواو والإضافة، لأنه لما اختار التشديد لم يضف، لأنه أراد الإطناب والإسهاب، وكان بالحرى ألّا يشدد ولا يضيف.

_ (1) الأنعام: 139. (2) الأنعام: 145. (3) الأنفال: 18.

مسألة

مسألة في سورة هود: (مَجْراها وَمُرْساها) «1» بضم الميم فيهما وإمالة الراء في «مجراها» دون الميم من «مرساها» أبو عمرو وابن عامرٍ بفتح الميم والإمالة في «الراء» حمزة والكسائي وحفص. زاد حمزة والكسائي إمالة «مرساها» دون حفص، وليس في السبعة ترك الإمالة مع فتح الميم، لأن حفصا وافقهما لما فتح الميم في الإمالة، ولا في القرآن غيره، إنما أمال لأجل الوفاق. مسألة (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) «2» بفتح اللام والنون جميعا مشددة النون ابن كثير وحده بفتحها وكسر النون كسرا غير مشبع وبالتشديد ابن عامر. وقالوا بفتحها والتشديد ووصل النون بياء في الوصل ورش وإسماعيل بسكونها وتخفيف النون ووصلها بياء في الوصل أبو عمرو وحده بسكونها والتخفيف من غير إشباع كسر النون عاصم وحمزة والكسائي. وفيها وجه سادس خارج عن السبعة: يعقوب بسكون اللام/ وتخفيف النون ووصلها بالياء في الحالين. مسألة قوله: (لَعَلَّكَ تَرْضى) «3» ، بضم التاء، الكسائي وأبو بكر، إلا أن الكسائي يميلها والباقون بفتح التاء، إلا أن أبا عمرٍو وحمزة يميلانها «ترضى» ، والآخرون لا يميلون.

_ (1) هود: 41. (2) العنكبوت: 13. (3) طه: 130.

مسألة

مسألة (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) «1» . ممالان بفتح السين، ولم يقرأ «سكارى» بفتح السين غير ممالٍ والباقون «سكارى» . إلا أن أبا عمرٍو وابن عامرٍ يقرآن «سكارى» «2» . مسألة (وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) «3» . نصب عاصم ونافع. غير أن أبا بكر يترك الهمزة مع النصب الباقون بالجر غير أن أبا عمرو يترك الهمزة إذا أدرج، وحمزة إذا وقف ترك الهمزتين. مسألة (أُذِنَ) «4» بضم الألف، نافع وأبو عمرو وعاصم (يُقاتَلُونَ) «5» بفتح التاء، نافع وابن عامر وحفص وإن جمعت بينهما ففيها أربعة أوجه: قلت: بضم الألف وكسر التاء، أبو عمرو وأبو بكر بضمهما وفتح التاء، نافع وحفص بفتحهما جميعا، ابن عامر وحده والباقون بفتح الألف وكسر التاء. مسألة (خَرْجاً فَخَراجُ) «6» بالألف فيهما، حمزة والكسائي. (فَخَراجُ رَبِّكَ) «7» ، بغير الألف، ابن عامر وحده فيهما الباقون: (خَرْجاً فَخَراجُ) «8» . وليس فى السبعة: (خَرْجاً فَخَراجُ) «9» .

_ (1) الحج: 2. (2) البحر: (6: 350) . (3) الحج: 23. (5- 4) الحج: 39. (9- 8- 7- 6) المؤمنون: 72.

مسألة

مسألة (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) «1» . بالكسر مهموز ممدود، الكسائي وأبو عمرو بالضم مهموز، حمزة وأبو بكر والباقون بالضم بلا همز. وليس في السبعة ترك الهمزة مع الكسر. ورواه المفضل عن عاصم (يُوقَدُ) «2» بالياء، ابن عامرٍ ونافع وحفص، والباقون بالتاء، وفتح حروفها أجمع ابن كثير وأبو عمرو ولا خلاف في فتح القاف وليس في السبعة ضم الدال مع فتح سائر الحروف. مسألة (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) «3» . بفتحها، ابن كثير ونافع وأبو عمرو وبفتحها وإسكان الهاء، حفص وحده الباقون بضمها وإسكان الهاء وليس في السبعة ضمها. مسألة (مَوَدَّةَ) «4» رفع غير منونة. (بَيْنِكُمْ) «5» جر على الإضافة، ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالنصب والإضافة، حمزة وحفص الباقون بالنصب والتنوين ولا يجوز مع التنوين إلا النصب، إذ ليس/ في السبعة. مسألة (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً) «6» بالقصر، ابن كثير ولم يختلفوا في قوله: (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) «7» .

_ (2- 1) النور: 35. (3) القصص: 32. (5- 4) العنكبوت: 25. [.....] (7- 6) الروم: 39.

مسألة

مسألة (الظُّنُونَا) «1» و (الرَّسُولَا) «2» و (السَّبِيلَا) «3» ، بغير ألف فيهن في الحالين أبو عمرو وحمزة بألف في الحالين نافع وابن عامر وأبو بكر وحفص والكسائي، بألف في الوقف. مسألة (يُضاعَفْ) «4» (نضعف) بالنون وكسر العين وتشديدها من غير ألف. (الْعَذابُ) «5» نصب ابن كثير وابن عامرٍ والباقون بالياء وفتح العين. «العذاب» رفع على ما لم يسم فاعله، وأبو عمرو بغير ألف. مسألة (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) «6» على فاعل، ورفعها نافع وابن عامرٍ، وليس فيه الرفع مع التشديد. مسألة (فُزِّعَ) «7» بفتح الفاء والزاي جميعا، ابن عامر الباقون بضم الفاء وكسر الزاي، ولا خلاف في فتح العين. مسألة (فَانْظُرْ ماذا تَرى) «8» بفتح التاء والتفخيم، إلا أبا عمرو فإنه يميل الراء حمزة والكسائي يضمان الفاء ويكسران كسرا مشبعا وليس في السبعة ضم التاء وإمالة الراء.

_ (1) الأحزاب: 10. (2) الأحزاب: 66. (3) الأحزاب: 67. (5- 4) هود: 20- الفرقان: 69- الأحزاب: 30. (6) المائدة: 109 و 116- التوبة: 78- سبأ: 48. (7) سبأ: 23. (8) الصافات: 102.

مسألة

مسألة (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي) «1» مخففة النون، نافع بنونين مخففتين ابن عامر وحده الباقون بنون واحدة مشددة وفتح يائها ابن كثير ونافع وترك همزها أبو عمرو وورش. فهذه خمس قراءات، وليس فيها سكون الياء وتخفيف النون، لأن نافعا يفتح التاء ويخفف النون. مسألة (قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ) «2» بتاءين، عاصم وحمزة والكسائي الباقون بالياء والتاء، ولا يدغم الكوفى ولا يخفف كما فعل ذلك في سائر القرآن. مسألة (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) «3» بالياء المضمومة ممال. (مَساكِنُهُمْ) ، رفع حمزة، وافقه عاصم إلا في الإمالة بالتاء وإمالة «مساكنهم» . نصب أبو عمرو وعلي الباقون غير ممال. سورة الطور. مسألة (ذرياتهم) «4» بالألف فيهما، أبو عمرو وابن عامرٍ أبو عمرو وحده بكسر التاء في الأولى، واتفقا على كسرها في الثانية، وتابعهما نافع على «ذرياتهم» الثانية الباقون بغير ألف فيهما، وإن جمعت بينهما في مسألة واحدة ففيهما أربعة أوجه:

_ (1) الزمر: 64. (2) غافر: 58. (3) الأحقاف: 25. (4) الطور: 21.

مسألة

/ قلت: «وأتبعناهم» بقطع الألف، و «ذرياتهم» بالألف فيهما وكسر التاء، أبو عمرو وحده «واتبعتهم» بالوصل والتاء. «ذرياتهم» بالألف فيهما وكسر التاء معها الباقون بالوصل والتاء «ذريتهم» جميعا بغير ألف، وافقوا نافعا وابن عامر على رفع التاء من الأولى وحدها، وفارقوهما في الثانية فنصبوهما. مسألة (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) «1» . على واحدة غير ممال، ابن كثير وافقه أبو عمرٍو ويميل. مسالة (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) «2» . «يفصل» بفتح الياء، عاصم الباقون بضمها وبفتح الياء، ابن عامر وحمزة والكسائي، ولم يشدد الصاد غيرهم الباقون بسكونها وبكسر الصاد عاصم وحمزة والكسائي الباقون بفتحها، وإن شئت قلت: بكسر الصاد والتخفيف عاصم، بكسرها والتشديد حمزة والكسائي بفتحها والتشديد، ابن عامر وحده الباقون، بفتحها والتخفيف، ولم يفتح الياء عاصم، ولم يفتح «الفاء» إلا من شدّد.

_ (1) الحشر: 14- قرأ الجمهور جدري بضمتين، جمع جدار. وأبو رجاء والحسن وابن وثاب بإسكان الدال تخفيفا. وقرأ أبو عمرو وابن كثير وكثير من المكيين «جدار» بالألف وكسر الجيم. وقرأ كثير من المكيين وهارون عن ابن كثير «جدر» بفتح الجيم وسكون الدال. (البحر 8: 249) . (2) الممتحنة: 3. [.....]

مسألة

مسألة (أَنْ كانَ ذا مالٍ) «1» . «أن كان» مستفهم بهمزتين مخففتين، حمزة وأبو بكر بهمزة واحدةٍ ممدودة، ابن عامر الباقون، بهمزة واحدة غير ممدودة، على الخبر. مسألة (أَذْهَبْتُمْ) «2» . بالاستفهام، ابن كثير وابن عامر على أصولهما في الهمز، وهشام يجيز فيها على الوجوه الثلاثة. مسألة (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) «3» . جر، أبو عمر وابن عامر ضده ابن كثير وأبو بكر كلاهما، مرفوعان، نافع وحفص كلاهما. مجروران، حمزة والكسائي. وإن أفردت كل واحد منهما قلت «خضر» رفع. وأبو عمرو وعامر وحفص. «استبرق» ، رفع ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو.

_ (1) القلم: 14. (2) الأحقاف: 20. (3) الإنسان: 21.

الباب التاسع والثمانون

الباب التاسع والثمانون هذا باب ما جاء في التنزيل من ألفاظ استعملت استعمال القسم وأجيبت بجواب القسم فمن ذلك قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) «1» . وقوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) «2» . وقوله: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) «3» . وقوله: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ) «4» . / وقوله: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) «5» . وقوله: (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ) «6» . وقوله: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً) «7» . فيمن كسر «إن» دون من فتح.

_ (1) البقرة: 83. (2) البقرة: 63، 84، 93. (3) البقرة: 102. (4) آل عمران: 81. (5) آل عمران: 187. (6) الأنعام: 12. (7) الأنعام: 54.

وقوله: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) «1» . وقوله: (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) «2» في غير قول الأنباري وسهل. وغير ذلك من الآي أجريت فيهن الجمل مجرى الجمل من المبتدأ والخبر، في نحو قوله تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) «3» . أترى أن التقدير: قسمي، أو: لعمرك ما أحلف به، أو أقسم عليه، كقول الشاعر: فقال فريق القوم لما نشدتهم ... نعم وفريقٌ ليمن الله ما ندرى «4» أي: لا يمن الله قسمي. وقالوا: على عهد الله لأقومن، فاللام و «إن» و «ما» و «لا» كلها أجوبة الأقسام التي هي «أخذنا ميثاقكم» و «علموا» و «كتب على نفسه الرحمة» و «كتب الله لأغلبن» و «ظنوا» إذ معنى «ظنوا» أيقنوا وبلغ أمرهم باليقين كأنهم أقسموا ما لهم من محيص، فهكذا: كتب على نفسه الرحمة وأوجب حتى بلغ الأمر إلى أنه أقسم: إنه من عمل، فكسر. «ان» إنما هو لمكان القسم، لا كما ذهب إليه أحمد بن موسى وفارس الصناعة من أن قوله: «إنه من عمل» فيمن كسر تفسيرٌ للرحمة. كما أن قوله: «لهم» تفسير للوعد، في قوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) «5» فكما لا يجوز الوقف على قوله: (لَعَمْرُكَ) «6» ، وعلى قوله: (مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) «7»

_ (1) المجادلة: 21. (2) حم السجدة: 47. (6- 3) الحجر: 72. (4) البيت لنصيب. (الكتاب 2: 147 و 273) . [.....] (5) المائدة: 9. (7) البقرة: 83.

وعلى قوله: (كَتَبَ اللَّهُ) «1» من قوله: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ) «2» لمكان أجوبة القسم، فكذا لا يجوز الوقف على قوله: (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) «3» من دون قوله: (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) «4» فقوله: (كَتَبَ اللَّهُ) . أي: فرض الله القتال وأوجبه، واقسم عليه لأغلبن، فاللام جواب القسم، كما «إن» فى (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ) «5» ، و «لا» فى قوله: (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) «6» ، و (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) «7» واللام فى (لَمَنِ اشْتَراهُ) «8» و «ما» من قوله: (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) «9» جواب، فليس قوله: (لَأَغْلِبَنَّ) من قوله: (اللَّهُ) كقوله: (الْإِيمانَ) من قوله: (أُولئِكَ/ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) «10» إنما قوله: «كتب» أضمر مفعوله، أي: كتب الله القتال، كقوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) ، و (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) «11» ، و (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) «12» فكيف ظننت أيها الظان أن قوله: «لأغلبن» مفعول «كتب» ومن أين لك أن تقول إن الجمل تكون فاعلات ومفعولات، ولولا تتم الصنعة حتى لا تتوالى عليك الفتوق. قال أبو علي: الألفاظ التي جرت في كلامهم مجرى القسم حتى أجيبت بجوابه تستعمل على ضربين: أحدهما: أن تكون كسائر الأخبار التي يقسم فلا تجاب كما لا تجاب الأخبار. والآخر: أن يجرى مجرى القسم فتجاب كما يجاب القسم.

_ (2- 1) المجادلة: 21. (4- 3) الأنعام: 12. (5) الحجر: 72. (6) البقرة: 83. (7) البقرة: 84. (8) البقرة: 102. (9) فصلت: 48. (10) المجادلة: 22. (11) البقرة: 183. (12) البقرة: 180.

فمّا لم يجب بأجوبة القسم قوله تعالى: (وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) «1» . ومنه قوله: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) «2» . وقال: (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) «3» فمما جاء من ذلك وفيه ذكر من الأول، مما يجوز أن يكون حالا، على ضربين: أحدهما: أن يكون حالا. والآخر: أن يكون قسما. وإنما جاز أن تحمله على الحال دون جواب القسم، لأنه جاز أن يكون معرًّى من الجواب، وإذا جعلت ما يجوز أن يكون حالا فقد عريتها من الجواب. فمما يجوز أن يكون حالا: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا) «4» ، فقوله: «ورفعنا» يجوز أن يكون حالا غير جواب قوله: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) «5» . فهذا يكون حالا، كأنه قال: أخذنا ميثاقهم موخذين، وكذلك: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) ، أي، غير سافكين، فيكون حالا من المخاطبين المضاف إليهم، وإنما جاز كونهما حالا بما ذكرنا، ومن أجل هذا النحو قد يعرى من أن يجاب

_ (1) الحديد: 8. (2) البقرة: 63. [.....] (3) المجادلة: 18. (4) البقرة: 63. (5) البقرة: 83.

بجواب القسم، ألا ترى أن قوله: «خذوا» في الآية ليس بجواب قسم، ولا يجوز أن يكون جوابا له، وكذلك من قرأ: «لا تعبدوا» : فجعل «لا» للنهي. كما كان: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ/ لَتُبَيِّنُنَّهُ) «1» قسما. وكذلك: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ) «2» . وكما أن «لتبيننه» لا يكون إلا جوابا للقسم، يكون قوله: «لا تعبدون» و «ولا تسفكون» يجوز أن يكون جوابا للقسم، ويجوز أن يكون «لا تسفكون» ونحوه في: أن لا تسفكوا، كأن تقديره: أخذنا ميثاقهم بأن لا تسفكوا ولا يكون ذلك جواب قسم كما كان فيمن قدره حالا غير جواب قسم، إلا أنه لما حذف «أن» ارتفع الفعل. واعلم أن ما يتصل بهذه الأشياء الجارية مجرى القسم. في أنها أجيبت بما يجاب به القسم، لا تخلو من أن تكون لمخاطب أو لمتكلم أو لغائب، جاز أن يكون على لفظ المخاطب، وإنما جاز كونه على لفظ المخاطب لأنك تحكى حال الخطاب وقت ما تخاطب به، ألا ترى أنهم قد قرءوا: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) «3» على لفظ الغيبة، وبالتاء على لفظ الخطاب، على حكاية الحال حال الخطاب في وقت الخطاب فإذا كان هذا النحو جاز أن تجىء القراءة بالوجهين جميعا، وجاز أن تجىء بأحدهما، كما جاء قوله: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ) «4» بالوجهين جميعا، ويجوز في قياس العربية في قوله تعالى: (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) «5» على الوجهين اللذين قرئ فيهما

_ (1) آل عمران: 187. (2) النحل: 38. (3) آل عمران: 12. (4) البقرة: 83. (5) الأنفال: 39.

فى «ستغلبون» و «تحشرون» ، فإن كان الكلام على الخطاب لم يجز فيما يكون فى تقدير ما يتلقى به القسم إلا الخطاب، كقوله: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) «1» فهذا لا يجوز أن يكون إلا على الخطاب، لأن المأخوذ ميثاقهم مخاطبون، ولأنك إن حكيت الحال التي تكون للخطاب فيها فيما يأتى لم يجز أن تجعل المخاطبين كالغيب، كما جاز في الغيب الخطاب من حيث قدرت الحال التي يكون فيها الخطاب فيما يستقبل ألا ترى أنه لا يجوز أن تجعل المخاطبين غيباً فتقول: أخذنا ميثاقكم لا يسفكون لأنك إذا قدرت الحكاية كان/ التقدير: أخذنا ميثاقكم فقلنا لكم لا تسفكون، كان بالتاء ولم يجز بالياء، كما لا يجوز أن تقول للمخاطبين: هم يفعلون، وأنت تخاطبهم، وإن لم تقدر الحكاية فهو بالتاء، مذهب إذا قرب في ذلك غير الخطاب، فقوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) «2» لا يخلو قوله: «تعبدون» من أن يكون حالا، أو يكون تلقى قسم، أو يكون على لفظ الخبر، والمعنى فيه معنى الأمر، أو تقدر الجار في «أن» فتحذفه ثم تحذف «أن» . فإن جعلته حالا جعلته على قول من قرأ بالياء، فقال: لا يعبدون، ليكون في الحال ذكر من ذي الحال. فإن قلت: فإذا قرئ بالتاء فالمراد به هو: بنو إسرائيل، والحال مثل الصفة، وقد حملت الصفة في هذا النحو على المعنى. فإن هذا قول، والأول أبين.

_ (1) البقرة: 84. (2) البقرة: 83.

وإن جعلته تلقى قسم، فإن هذا اللفظ الذي هو «أخذنا ميثاق» مجاز ما يقع بعده على ثلاثة أضرب: أحدها: أن لا يتبع شيئا مما يجرى مجرى القسم كقوله: (وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) «1» . والآخر أن يتلقى بما يتلقى به القسم، نحو: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) «2» . والثالث: أن يكون أمراً. نحو: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا) «3» . ولم يجىء شيء من هذا النحو- فيما علمنا- تلقى بجواب القسم ووقع بعده أمر، فإن جعلت «لا يعبدون» جواب قسم، وعطفت عليه الأمر، جمعت بين أمرين لم يجمع بينهما. فإن قلت: لا أحمل الأمر على القسم ولكن أضمر القول، كأنه قال: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله، وقلنا لهم: «وأحسنوا بالوالدين إحسانا» فالقول: إن إضمار القول في هذا النحو لا يضيق، «وقلنا» على هذا معطوف على «أخذنا» ، وأخذ الميثاق قول، وكأنه: قلنا لهم: كذا وكذا. وإن حملته على أن اللفظ في «لا تعبدون» لفظ خبر والمعنى معنى/ الأمر، فإن ذلك تقوية ما زعموا أن في إحدى القراءتين «لا تعبدوا» .

_ (1) الحديد: 8. (2) آل عمران: 187. (3) البقرة: 63، 93.

ومثل ذلك قوله تعالى: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) «1» . يدلك على ذلك قوله: (يَغْفِرْ لَكُمْ) «2» - وزعموا أن في بعض المصاحف «آمنوا» - ويؤكد ذلك أنه قد عطف عليه الأمر، وهو قوله: (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) «3» . وإن حملته على أن المعنى: أخذنا ميثاقهم بأن لا يعبدوا، فإن هذا قول إن حملته عليه كان فيه حذف بعد حذف. وزعم سيبويه أن حذف «إن» من هذا النحو قليل.

_ (1) الصف: 11. [.....] (2) الصف: 112. (3) البقرة: 83.

الباب المتم التسعين

الباب المتم التسعين هذا باب ما جاء في التنزيل من الأفعال المفرغة لما بعد «إلا» ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) «1» فلفظة «الله» منصوبة ب «تعبدون» ، فرغ له. وهكذا قوله: (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) «2» . وقال: (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) «3» . وقال: (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) «4» . وقال: (وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) «5» . وقال: (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) «6» . فالأسماء بعد «إلا» في هذه الآي مرتفعة بفعلٍ قبل «إلا» عند النحاة عن آخرهم، وتنازعهم الآية التي في سورة «والصافات» ، وهي: (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) «7» . ألا ترى أن التقدير: وما منا أحد إلا له مقام معلوم، ف «أحد» مضمر يأتى عود «الهاء» إليه، وكذا: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) «8» ، أي: وإن منكم أحد.

_ (1) البقرة: 83. (2) البقرة: 269. (3) آل عمران: 7. (4) إبراهيم: 9. (5) غافر: 13. (6) غافر: 56. (7) الصافات: 164. (8) مريم: 71.

وقال: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) «1» ، أي: وإن من أهل الكتاب أحد. وقال الشاعر: لو قلت ما في قومها لم تيتم ... يفضلها من أحدٍ وميسم «2» أي: ما في قومها أحد إلا أنهم يقولون: لو صح الاعتبار ب «أحدٍ» مضمر لكان ما بعد «إلا» بدلا مما قبلها، وهو «أحد» وإذا كان بدلا جاز فيه النصب كما لو أظهر «أحد» ، فإنه قد جاء (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) «3» . فما بعد «إلا» بدل من/ قوله: «من في السموات» ، ولا يجوز فيه النصب، ف «أحد» لا يضمرونه قبل «إلا» ولا يجيزون بعد «إلا» الحمل فيه على ما قبل «إلا» . وعند محمد بن الحسن: «أحد» مضمر في هذه الآي، وبنى عليه مسائل، فقال: عبدى حر إن كان في البيت إلا رجل. فإذا كان في البيت رجل وامرأة، أو رجل وصبي، فإنه حانث، لأن المستثنى منه غير مذكور، فوجب إثباته على وفق المستثنى تحقيقا للمجانسة، وذلك أن تجعل المستثنى منه «أحدا» فصار الشرط أن يكون فيه «أحد» غير رجل أو امرأةٍ، والصبي أحد غير رجل، إلا أن يكون نوى الرجال خاصة فلا يحنث، حتى يكون فيه رجلان، ولا يحنث بالصبي والمرأة، ويصدق فيما بينه وبين الله،

_ (1) النساء: 159. (2) الميسم: الجمال. وانظر: الكتاب (1: 375) . (3) النمل: 65.

فأما في القضاء فلا، لأن الظاهر من كلامه أوجب تحقيق المجانسة فيما قصده الحالف، وهو الكون والسكنى في الدار، وبنو آدم كلهم جنس واحد، لأنهم جميعا مقصودون ذلك، فإذا نوى تخصيص الرجال كان ذلك خلاف الظاهر فيه تخفيف فلم يصدقه القاضي ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه نوى المجانسة أيضا، لكنه خلاف المعهود الظاهر. والله أعلم. حرره العبد الضعيف المحتاج إلى رحمة الله تعالى «أبو الحسن سالم بن الحسن بن إبراهيم الخازمى» . وفرغ منه يوم الأربعاء بعد الظهر لليلتين خلتا من شهر الله المبارك رمضان بمدينة شيراز سنة عشر وستمائة، حامدا لله تعالى ومصليا على رسوله.

ملحق

ملحق يضم 1- فهارس الكتاب بأقسامه الثلاثة، وتنتظم: (أ) الآيات القرآنية مع أبوابها. (ب) الأعلام. (ج) الكتب. (د) الشعراء. (هـ) القوافي. (و) أنصاف الأبيات. 2- دراسة تتناول: (أ) تمهيدا يؤرخ للقرآن والعلوم التي حوله. (ب) علم إعراب القرآن ومكان هذا الكتاب منه (ج) دراسة تتناول الكتاب ومؤلفه. (د) منهج التحقيق.

1 - الفهارس

1- الفهارس (1) أبواب الكتاب وأماكنها من السور - الف- فهرست السور «1» 1- إضمار الجمل آل عمران 25: 30 و 38 26: 39 49: 24 50: 24 73: 26 106: 28 113: 18 119: 18 191: 15 إبراهيم 16: 35 و 36 17: 35 و 36 34: 38 52: 39 الإسراء 7: 19 88: 31 الأعراف 7: 39 53: 19 65: 29 73: 29 85: 29 134: 34 135: 34 145: 15 160: 13 171: 14 الأنبياء 96: 28 97: 28 الإنسان 9: 17 الانشقاق 1: 27 و 37 6: 28 الأنعام 35: 26 104: 17 109: 18 145: 13 و 21 152: 27 الانفطار 1- 4: 37 البروج 1: 37

_ (1) ملاحظة: السور مرتبة على حروف الهجاء، والرقم الأول رقم الآية والرقم الثاني رقم الصفحة. [.....]

البقرة: 30: 12 34: 13 54: 22 59: 43 60: 13 63: 14 و 25 73: 20 74: 20 83: 22 89: 27 91: 34 93: 14 97: 21 127: 14 132: 22 135: 14 138: 14 150: 23 و 24 165: 21 173: 20 178: 22 183: 23 184: 13 و 23 196: 93 239: 23 259: 23 التغابن 16: 20 التكاثر 3: 22 5: 22 6: 22 التكوير 1: 37 التوبة 7: 30 و 37 8: 30 و 37 40: 33 63: 30 122: 32 الحاقة 13: 34 الحشر 5: 24 الدهر الإنسان الرعد 3: 19 23: 15 36: 21 الزمر 3: 16 73: 38 سبأ 5: 34 15: 16 45: 33 السجدة 12: 19 الشعراء 17: 39 18: 17 63: 13 ص 23: 35 الصافات 103: 27 العلق 19: 17 العنكبوت 12: 28 الفتح 9: 33 20: 24 ق 23: 38 القصص 47: 36 64: 39 77: 25 الكهف 1: 39 2: 39 المائدة 3: 20 6: 29 31: 40 89: 14

2 - حذف المضاف

محمد 25: 33 مريم 19: 24 20: 24 69: 15 المعارج 16: 34 و 35 النجم 20: 34 النحل 51: 34 81: 19 100: 33 15: 21 النساء 41: 37 62: 30 102: 31 و 32 102: 33 و 34 و 35 128: 37 135: 26 163: 39 166: 39 170: 19 176: 37 النور 33: 19 36: 17 37: 17 هود 3: 38 25: 29 50: 29 61: 29 80: 30 84: 29 86: 17 88: 4 الواقعة 1- 3: 28 4: 29 يوسف 15: 28 21: 24 34: 36 36: 39 100: 25 يونس 90: 20 91: 26 2- حذف المضاف آل عمران 9: 41 و 65 25: 41 28: 65 28: 66 30: 66 31: 66 42: 81 73: 56 87: 47 81: 84 88: 47 117: 84 120: 85 143: 60 144: 72 63: 73 176: 177 178 180 78: 184: 82 إبراهيم 16: 58 18: 47 43: 42 و 56 46: 67 الأحزاب 5: 54 19: 80 الأحقاف 29: 74 الإسراء 34: 91 36: 91 37: 91 47: 76 و 77 86: 70 109: 91 110: 67 الأعراف 20: 65 و 83 29: 92 142: 45 155 و 157: 56 172: 68 177: 68 الأنبياء 5: 71 51: 65 61: 82 87: 61

الإنسان 5: 65 6: 65 67 16: 94 الإنشقاق 6 67 الأنعام 3: 64 4: 54 12: 41 36: 67 46: 64 52: 89 88: 57 122: 89 128: 87 و 90 130: 74 138: 54 139 54: 146: 63 155: 67 156: 67 157: 68 159: 85 الأنفال 20: 82 البقرة 7: 42 15: 42 19: 42 43 22: 43 23: 43 25: 43 26: 43 29: 43 35: 46 41: 44 46: 50 47: 44 51: 44 45 52: 46 58: 46 67: 46 68: 82 72: 87 88 83: 46 123: 44 125: 47 133: 46 134: 47 144: 73 156: 49 167: 47 171: 47 173: 47 177: 48 178: 48 179: 49 193: 78 194: 49 81 197: 49 203: 75 210: 84 219: 50 223: 50 229: 75 249: 50 264: 62 85 271: 53 281: 73 282: 50 51 53 البلد 12: 94 13: 94 البينة 8: 86 التحريم 6: 87 التغابن 7: 76 التكاثر 6: 78 التكوير 12: 88 التوبة 19: 93 56: 94 81: 86 103: 79 80 108: 80 110: 90 121: 90 122: 58 الجاثية 23: 59 24: 76 25: 41 الجمعة 5: 62 68 الجن 8: 77 الحج 37: 85

الحجر 58: 67 الحديد 12: 86 الحشر 9: 58 13: 93 الدخان 21: 54 30: 75 31: 75 الدهر الإنسان الذاريات 56: 57 الرحمن 22: 75 الرعد 10: 64 17: 69 19: 89 22: 83 23: 83 28: 66 الروم 28: 81 الزخرف 15: 58 31: 57 و 75 80: 77 الزمر 3: 56 6: 61 22: 58 و 66 23: 66 29: 62 و 63 45: 66 سبأ 3: 76 5: 58 14: 83 15: 55 45: 42 الشعراء 14: 65 73: 57 169: 54 الشورى 22: 66 29: 74 ص 32: 58 الصافات 8: 77 الطلاق 1: 79 طه 16: 78 72: 55 و 78 77: 81 80: 45 87: 67 06: 46 الطور 30: 71 العلق 17: 71 العنكبوت 58: 68 59: 68 غافر 35: 7 الفاتحة 4: 41 20: 93 27: 93 الفرقان: 12: 62 21: 75 23: 62 52: 85 85: 90 67: 92 77: 56

القدر 4: 94 5: 94 القصص 12: 71 القمر 55: 42 و 55 الكهف 15: 65 18: 88 19: 53 22: 60 25: 65 61: 74 107: 92 المائدة 3: 55 4: 81 13: 76 16: 82 24: 91 26: 91 27: 67 29: 59 52: 57 95: 89 96: 89 97: 76 102: 82 106: 74 107: 59 112: 69 117: 53 المجادلة 6: 77 7: 77 محمد 1: 62 8: 62 13: 93 36: 62 المدثر 4: 81 المرسلات 41: 65 42: 65 43: 65 مريم 25: 55 71: 78 المزمل 17: 91 المطففين 18: 58 المعارج 39: 57 الممتحنة 13: 76 المنافقون 4: 94 المؤمنون 35: 82 57: 94 الناس 4: 72 النجم 23: 77 النحل 15: 59 56: 58 76: 62 92: 83 100: 67 111: 73 112: 62 127: 67 النساء 2: 53 6: 57 34: 78 43: 55 و 80 55: 88 66: 77 84: 85 86: 41 92: 66 93: 86 95: 88 96: 88 102: 58 114: 76 164: 89 176: 59

3 - العطف بالواو والفاء وثم من غير ترتيب

النحل 8: 60 42: 73 44: 92 66: 93 نوح 16: 75 النور 4: 67 و 79 و 84 29: 54 39: 60 و 61 40: 61 و 62 63: 82 هود 3: 90 24: 62 46: 70 81: 54 و 77 88: 83 الواقعة 56: 82 82: 60 يس 13: 63 69: 71 يوسف 18: 90 20: 65 36: 90 75: 84 82: 71 يونس 24: 63 16: 54 37: 41 3- العطف بالواو والفاء وثم من غير ترتيب آل عمران 43: 95 55: 96 59: 104 الأحقاف 13: 103 الإسراء 17: 97 الأعراف 1: 103 2: 98 3: 97 و 99 و 100 4: 101 10: 100 122: 96 161: 95 الانشراح 5: 102 6: 102 الأنعام 2: 100 84: 96 86: 96 151: 104 154: 104 البقرة 28: 103 58: 95 91: 99 و 103 109: 95 البلد 11: 104 17: 104 التكاثر 8: 105 التوبة 118: 103 و 104 الحج 5: 96 33: 105 الحجر 74: 96 الحديد 4: 101 الزلزلة 1: 99 17: 99

4 - حذف حرف الجر

الزمر 6: 100 الشعراء 48: 96 طه 72: 96 82: 102 و 103 الفاتحة 4: 95 الفتح 24: 104 فصلت 3: 103 9: 102 11: 102 القصص 58: 97 القمر 3: 96 16: 96 18: 96 21: 96 المائدة 6: 95 7: 100 93: 102 و 103 95: 103 ن 13: 102 المنازعات 30: 102 النجم 26: 98 النساء 163: 96 النمل 28: 101 و 102 هود 3: 104 82: 96 4- حذف حرف الجر آل عمران 39: 106 و 120 73: 112 و 113 85: 122 99: 122 175: 117 إبراهيم 25: 129 34: 129 الأحزاب 5: 125 الإسراء 9: 106 الأعراف 16: 117 و 119 137: 125 138: 124 143: 125 155: 114 و 125 الأعلى 8: 120

الأنبياء 20: 123 71: 122 الأنعام 119: 112 البقرة 22: 116 25: 106 26: 106 44: 108 67: 108 75: 108 76: 113 90: 108 108: 109 125: 109 130: 109 158: 109 178: 109 184: 129 187: 124 148: 109 و 125 224: 110 233: 110 235: 110 246: 110 258: 132 267: 112 التكاثر 5: 129 5: 117 6: 118 21: 106 44: 119 101: 123 الحاقة 47: 111 الحج 25: 124 الحجر 22: 116 55: 106 الحجرات 2: 129 الحشر 7: 130 الزخرف 5: 123 الشورى 52: 106 الصافات 113: 122 طه 11: 120 12: 120 و 121 13: 121 21: 120 25: 120 26: 120 52: 117 العاديات 1: 114 عبس 1: 121 2: 121 18: 119 19: 119 20: 119 غافر (المؤمن) 43: 127 الفاتحة 5: 106 الفتح 25: 124 الفرقان 4: 114 و 121 22: 116 القصص 23: 123 القلم 13: 114 14: 114 15: 114 و 115

5 - زيادة «لا» و «ما»

القمر 12: 121 القيامة 36: 123 الكهف 2: 106 62: 129 الليل 7: 120 10: 120 المدثر 49: 112 مريم 90: 119 91: 19 97: 106 المزمل 17: 122 الملك 30: 124 النحل 6: 127 62: 127 92: 125 88: 123 109: 127 النساء 24: 123 122: 123 127: 125 138: 106 175: 106 النمل 8: 122 النور 36: 123 43: 116 63: 128 هود 12: 114 72: 127 46: 116 47: 116 52: 116 71: 106 يس 39: 129 يوسف 17: 113 25: 120 يونس 4: 123 71: 123 90: 116 91: 116 5- زيادة «لا» و «ما» آل عمران 159: 137 إبراهيم 25: 136 الأحقاف 26: 139 الأعراف 12: 132 الأنبياء 95: 132 الأنفال 31: 138

6 - أسماء سميت بها الأفعال

الانفطار 8: 138 الأنعام 6: 139 109: 132 البقرة 38: 133 129: 138 الحديد 22: 137 28: 134 29: 131 131 و 134 الدهر 1: 136 الذاريات 17: 138 33: 138 الروم 9: 139 ص 11: 138 الفاتحة 7: 131 فاطر 12: 131 القيامة 1: 133 الكهف 39: 138 المائدة 13: 138 المزمل 2: 138 المؤمنون 4: 138 النساء 154: 137 يوسف 96: 139 6- أسماء سميت بها الأفعال آل عمران 119: 155 الأحزاب 18: 154 الأحقاف 17: 156 الإسراء 23: 156 الأعراف 55: 143

7 - أسماء الفاعلين مضافة إلى ما بعدها بمعنى الحال والاستقبال

الأنبياء 67: 156 الأنعام 150: 154 البقرة 35: 144 158: 153 164: 150 الحاقة 19: 157 الحديد 13: 159 الطارق 17: 158 محمد 38: 155 المائدة 24: 144 105: 152 المؤمنون 36: 159 النساء 24: 152 النمل 25: 155 يس 41: 150 يوسف 23: 153 يونس 28: 144 و 147 88: 142 89: 142 7- أسماء الفاعلين مضافة إلى ما بعدها بمعنى الحال والاستقبال آل عمران 18: 160 الأحزاب 40: 164 الأحقاف 24: 161 162 الأعراف 43: 160 124: 162 و 164 الأنبياء 35: 160 الأنعام 95: 162 96: 162 و 163 البقرة 196: 163 223: 162 الحج 8: 161 9: 161 67: 163

8 - إجراء «غير» فى الظاهر على المعرفة

الزمر 38: 161 الصافات 38: 161 و 163 العنكبوت 33: 163 و 164 97: 162 غافر 56: 163 الفاتحة 3: 160 الكهف 52: 163 المائدة 98: 161 المؤمنون 14: 164 النازعات 45: 162 النحل 7: 162 و 164 125: 164 هود 109: 161 يس 40: 161 و 163 8- إجراء «غير» فى الظاهر على المعرفة الفاتحة 6: 165 فاطر 37: 166 النساء 95: 166 النور 31: 166 9- كاف الخطاب المتصلة ولا موضع لها من الإعراب الإسراء 62: 168 الأعراف 22: 169 43: 169 الأنعام 40: 168 46: 168 البقرة 2: 168 الفاتحة 4: 167 القصص 32: 168 النحل 51: 167 يوسف 32: 169

10 - إضمار المبتدأ وقد أخبر عنه بخبرين

10- إضمار المبتدأ وقد أخبر عنه بخبرين آل عمران 5: 189 10: 194 15: 203 40: 197 45: 205 66: 210 و 214 97: 206 119: 214 151: 182 162: 182 182: 194 196: 175 197: 175 إبراهيم 1: 187 الأحزاب 20: 203 الأحقاف 35: 187 الإسراء 23: 183 الأعراف 2: 187 138: 199 161: 172 193: 172 الأنبياء 3: 183 26: 203 الأنعام 39: 180 59: 184 73: 198 117: 206 137: 198 الأنفال 14: 196 52: 194 البقرة 1: 171 و 174 2: 171 6: 171 18: 180 26: 205 41: 195 58: 172 68: 172 و 205 71: 173 85: 211 و 212 و 213 و 214 90: 173 102: 176 و 177 124: 178 126: 182 171: 180 184: 174 185: 174 196: 174 197: 174 203: 175 217: 200 و 201 219: 191 229: 175 و 181 234: 175 237: 175 240: 175 255: 180 271: 173 272: 181 273: 181 274: 196 البلد 12: 193 13: 193 التوبة 100: 201 الجاثية 1: 187 2: 187 الحاقة 47: 179 الحج 3: 194 32: 194 60: 184 و 194 72: 186 الحشر 8: 202 10: 202 الرعد 23: 209 24: 209

الزخرف 79: 208 85: 179 88: 178 الزمر 1: 187 72: 182 سبأ 3: 184 السجدة 1: 187 2: 187 الشمس 1: 207 2: 207 ص 22: 184 30: 192 44: 182 49: 194 55: 194 57: 194 77: 196 84: 199 85: 199 الصافات 79: 209 109: 209 طه 59: 199 63: 204 غافر (المؤمن) 1: 187 2: 187 فاطر 43: 185 الفتح 10: 185 الفرقان 20: 207 63: 209 فصلت 1: 187 2: 187 ق 17: 206 القارعة 10: 193 11: 193 القصص 37: 206 55: 208 63: 188 85: 206 القمر 2: 194 القيامة 1: 206 الكهف 16: 182 31: 182 85: 182 المائدة 38: 195 71: 183 73: 191 95: 203 المجادلة 3: 181 محمد 21: 186 المدثر 31: 205

11 - الإشمام والروم

مريم 21: 197 33: 209 34: 189 47: 208 64: 190 65: 190 المطففين 7: 191 8: 191 20: 191 المعارج 15: 170 16: 170 المؤمن 76: 182 النحل 29: 182 30: 182 31: 182 40: 176 النساء 38: 196 77: 206 81: 186 92: 181 171: 191 النحل 59: 209 النور 1: 187 36: 198 53: 186 58: 207 الهمزة 5: 193 6: 193 هود 17: 199 69: 208 72: 170 و 182 100: 204 الواقعة 33: 173 48: 206 80: 187 يس 5: 187 يوسف 18: 186 و 208 83: 186 و 208 يونس 23: 184 45: 75 61: 183 و 184 11- الإشمام والروم آل عمران 14: 221 29: 221 55: 221 85: 221 و 227 87: 221 107: 221 161: 221 185: 221 186: 221 190: 221 191: 221 192: 221 193: 221 و 249 194: 221 و 248 إبراهيم 23: 228 49: 228 50: 227 و 228 51: 227 الأحزاب 15: 234 49: 234 53: 234 الأحقاف 25: 238 الإسراء 31: 229 66: 229 75: 229 85: 229 الأعراف 19: 224 27: 224 32: 224 77: 224 100: 224 120: 224 132: 224 153: 224 157: 224 161: 224 169: 224 200: 224 الأنبياء 42: 230 60: 230

الإنسان (الدهر) 1: 242 23: 242 الأنعام 46: 224 61: 223 71: 224 76: 223 99: 244 124: 223 143: 224 151: 223 الأنفال 1: 225 7: 225 48: 225 البروج 1: 243 البقرة 2: 221 30: 220 35: 220 52: 221 58: 220 64: 221 74: 221 92: 221 113: 221 و 244 120: 221 126: 220 127: 220 133: 220 136: 220 138: 220 139: 220 185: 220 191: 220 و 222 230: 221 235: 221 255: 220 266: 220 283: 246 البينة 7: 243 8: 243 التحريم 1: 241 التطفيف 7: 243 18: 243 التكوير 18: 243 التوبة 27: 225 40: 225 49: 225 و 246 52: 225 61: 225 72: 225 101: 225 124: 225 الجاثية 20: 238 21: 238 23: 238 35: 238 الجمعة 2: 241 12: 242 الجن 17: 242 25: 242 الحاقة 40: 241 الحج 1: 231 14: 231 23: 231 25: 231 38: 231 78: 231 الحجر 9: 228 23: 228 65: 228 الحجرات 7: 239 الحشر 24: 240 الذاريات 1: 240 24: 239 44: 240

الرحمن 66: 240 الرعد 3: 227 10: 227 11: 227 13: 227 14: 227 29: 227 42: 227 الروم 50: 233 54: 233 الزخرف 36: 237 الزمر 19: 236 20: 236 26: 236 44: 236 60: 236 69: 236 71: 246 73: 236 و 246 سبأ 39: 234 54: 246 السجدة 21: 234 الشعراء 46: 232 85: 232 93: 232 111: 232 192: 232 الشورى 11: 237 12: 237 21: 237 35: 222 ص 9: 235 32: 235 65: 235 66: 235 الصافات 1: 235 2: 235 31: 235 الطلاق 6: 241 8: 241 طه 69: 230 70: 230 131: 230 132: 230 الطور 37: 240 العاديات 1: 244 2: 244 8: 544 العنكبوت 21: 244 46: 233 57: 233 60: 233 62: 233 غافر (المؤمن) 3: 236 13: 236 15: 236 42: 236 43: 236 49: 236 56: 236 57: 236 64: 236 الفاتحة 4: 249 فاطر 10: 234 الفتح 5: 239 14: 239 29: 239 الفجر 23: 246

الفرقان 11: 232 23: 232 35: 232 43: 230 فصلت 28: 237 32: 249 36: 237 37: 237 41: 237 43: 237 50: 237 ق 29: 139 43: 239 القدر 2: 243 10: 243 قريش 2: 244 3: 244 القصص 35: 233 49: 233 63: 233 82: 233 القلم 33: 241 الكهف 2: 250 10: 250 13: 229 24: 249 28: 229 50: 229 60: 229 65: 250 94: 229 الماعون 1: 244 المائدة 13: 223 15: 223 19: 223 32: 223 39: 223 40: 223 43: 223 56: 223 64: 223 73: 223 75: 223 76: 223 89: 223 93: 223 94: 223 106: 223 119: 223 المجادلة 3: 240 22: 240 محمد 12: 238 20: 239 المدثر 27: 242 28: 242 29: 242 المرسلات 26: 242 30: 242 مريم 4: 230 25: 230 29: 230 40: 229 47: 230 57: 229 73: 230 96: 230 المزمل 20: 242 المطففين 24: 244 الملك 8: 241 الممتحنة 1: 240 4: 240 5: 240 المؤمنون 16: 231 38: 231 45: 231 47: 231 النازعات 3: 243 4: 243 6: 243 7: 243

12 - الجار والمجرور فى موضع الحال محتملا ضميرا من صاحب الحال

النحل 24: 246 28: 228 31: 228 32: 228 33: 228 41: 228 57: 228 72: 228 84: 228 90: 228 92: 228 95: 228 106: 228 110: 228 النساء 57: 222 61: 222 91: 222 92: 222 97: 222 102: 222 122: 222 134: 222 النمل 4: 232 40: 232 42: 232 93: 232 نوح 4: 241 النور 4: 232 13: 232 15: 231 35: 231 37: 231 38: 231 43: 231 47: 232 58: 232 الهمزة 7: 244 هود 44: 246 53: 226 77: 246 78: 226 101: 226 103: 226 106: 226 الواقعة 94: 240 يس 12: 235 76: 235 يوسف 3: 226 9: 227 11: 219 29: 226 98: 226 101: 226 يونس 11: 226 21: 226 27: 226 74: 225 78: 225 90: 225 12- الجار والمجرور في موضع الحال محتملاً ضميراً من صاحب الحال آل عمران 3: 253 7: 255 28: 267 45: 265 46: 265 112: 257 119: 260 الإسراء 1: 261 44: 253 52: 253 59: 268 105: 254 الأعراف 38: 267 و 268 52: 260 171: 253 الأنبياء 49: 251 109: 258 الأنعام 91: 252 114: 254 122: 267 137: 167 159: 267 الأنفال 58: 258

البقرة 3: 251 و 252 4: 252 14: 251 30: 253 63: 253 68: 273 71: 273 89: 255 178: 253 184: 265 234: 253 238: 264 285: 252 الجاثية 24: 252 32: 254 الحج 27: 264 27: 265 الحديد 22: 270 و 271 و 272 و 273 28: 267 الدخان 55: 268 الذاريات 23: 254 الرعد 17: 256 الروم 33: 260 الزخرف 16: 252 19: 252 سبأ 3: 252 الشعراء 193: 254 ص 32: 261 الصافات 137: 265 138: 265 الصف 6: 269 طه 52: 260 78: 264 الفرقان 25: 255 41: 252 فصلت 31: 261 32: 261 ق 33: 251 قريش 4: 269 القصص 29: 161 38: 256 79: 265 الكهف 107: 263 المائدة 6: 265 16: 255 48: 269 61: 254

13 - تقديم خبر المبتدأ

مريم 12: 257 25: 258 المعارج 36: 263 36: 264 37: 263 و 264 المؤمنون 34: 252 النحل 43: 272 النساء 1: 256 103: 265 136: 252 166: 255 النصر 3: 269 النور 34: 265 35: 266 36: 265 الواقعة 32: 273 33: 273 93: 262 و 263 94: 262 يونس 12: 260 45: 257 13- تقديم خبر المبتدأ آل عمران 13: 284 147: 279 الإخلاص 4: 283 الأعراف 37: 276 45: 275 82: 280 الأنعام 23: 279 البقرة 4: 274 و 280 و 285 12: 277 13: 277 177: 279 184: 282 التوبة 17: 274 65: 276 117: 282 و 283 الجاثية 25: 280 الحديد 4: 276 و 278 الذاريات 17: 285 18: 285 الرحمن 29: 280 الروم 20: 281 25: 281 47: 284 الشعراء 197: 280

14 - حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه

غافر (المؤمن) 50: 280 فصلت 39: 281 القصص 37: 284 الكهف 43: 284 المائدة 13: 279 المجادلة 7: 276 7: 278 مريم 30: 276 المطففين 4: 279 الملك 14: 279 النساء 155: 279 النمل 25: 278 النور 51: 280 60: 282 هود 5: 277 8: 277 و 278 19: 275 الواقعة 19: 275 81: 285 يوسف 37: 275 80: 275 80: 279 يونس 78: 284 14- حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه آل عمران 40: 287 47: 287 135: 300 193: 300 196: 295 197: 295 الأحزاب 18: 298 الإسراء 11: 304 24: 303 88: 298 الأعراف 3: 295 10: 295 29: 288 168: 301 205: 301 الأنبياء 56: 297 104: 288

الإنسان (الدهر) 12: 291 14: 291 20: 305 الأنعام 32: 286 34: 29 94: 301 139: 299 160: 290 الأنفال 1: 288 5: 288 البقرة 4: 286 13: 287 41: 302 83: 294 و 295 88: 295 و 296 297 96: 288 و 289 113: 287 126: 295 130: 286 150: 288 151: 288 152: 288 208: 299 البينة 5: 286 و 304 7: 300 التوبة 101: 293 102: 293 106: 293 107: 293 الجن 11: 301 الحاقة 5: 298 6: 299 47: 307 الدخان 37: 304 الذاريات 17: 296 و 297 الرحمن 35: 291 الروم 24: 289 و 301 سبأ 28: 299 الشعراء 54: 295 الشمس 10: 299 ص 44: 294 46: 299 الصافات 164: 291 و 306 و 307 و 308 الصف 3: 293 العنكبوت 13: 303 22: 291 الغاشية 11: 300 غافر (المؤمن) 29: 290 فاطر 10: 297

15 - حذف الجار والمجرور

الفرقان 70: 301 71: 301 ق 9: 287 و 304 106: 304 الكهف 4: 294 5: 293 و 294 7: 494 86: 295 المائدة 12: 293 13: 298 14: 293 41: 289 و 290 63: 302 67: 302 95: 290 مريم 9: 287 71: 292 و 307 و 308 الممتحنة 3: 301 المؤمنون 40: 298 النازعات 10: 300 11: 300 النحل 30: 286 35: 303 67: 303 النساء 19: 300 31: 300 45: 290 46: 289 و 290 52: 296 58: 298 77: 295 90: 290 155: 296 159: 292 و 308 النمل 11: 295 22: 304 النور 26: 302 هود 40: 297 112: 304 الواقعة 2: 300 95: 287 و 304 يوسف 20: 297 15- حذف الجار والمجرور آل عمران 81: 342 إبراهيم 22: 343 44: 341 الأحزاب 13: 339 الأحقاف 28: 331 الإسراء 16: 346 25: 312 و 340 و 342 و 347 34: 340

الأعراف 32: 338 132: 348 170: 311 الأنعام 16: 322 90: 331 93: 339 137: 344 الأنفال 42: 346 البقرة 6: 309 10: 349 26: 309 48: 312 و 344 12: 309 62: 310 85: 337 171: 309 و 336 185: 310 192: 341 196: 319 و 332 و 335 218: 309 226: 318 234: 310 247: 350 التوبة 3: 311 62: 311 63: 320 69: 315 76: 332 الجاثية 24: 341 الحج 17: 309 18: 321 و 322 37: 319 الحجر 94: 322 الحديد 10: 331 الرحمن 31: 332 46: 338 54: 338 62: 338 الرعد 14: 331 35: 310 الروم 3: 346 14: 322 16: 310 الزخرف 33: 340 سبأ 15: 330 الشعراء 109: 344 الشورى 7: 322 23: 315 26: 345 38: 345 43: 312 52: 332 ص 50: 322 و 326 و 331 الصف 13: 319 الضحى 6: 342 الطلاق 2: 317 40: 311 طه 108: 340 108: 341 عبس 19: 329 23: 322

العلق 1: 322 العنكبوت 12: 340 فاطر 10: 341 الفرقان 41: 322 45: 345 46: 345 فصلت 30: 320 القلم 25: 328 الكهف 12: 315 17: 336 و 337 26: 320 28: 340 29: 312 30: 340 37: 329 المائدة 38: 310 56: 311 95: 328 محمد 5: 336 و 337 15: 310 17: 337 22: 332 المرسلات 23: 329 مريم 38: 320 المؤمنون 55: 338 56: 338 و 342 النازعات 39: 325 41: 346 النبأ 19: 326 النحل 22: 341 37: 336 53: 350 النساء 24: 339 و 347 و 349 و 348 44: 340 56: 330 95: 331 97: 341 175: 337 196: 310 النمل 43: 341 النور 2: 310 39: 309 40: 345 هود 56: 319 65: 346 يونس 9: 337 24: 329 45: 317 و 318 و 319

16 - حذف همزة الاستفهام

16- حذف همزة الاستفهام الأنبياء 87: 352 الأنعام 76: 352 77: 352 78: 352 البقرة 6: 352 217: 352 الشعراء 22: 352 الممتحنة 1: 352 يوسف 70: 353 17- اجتماع الهمزتين آل عمران 20: 360 45: 357 47: 367 73: 360 81: 360 ابراهيم 27: 366 28: 366 الأحزاب 24: 363 32: 364 45: 367 50: 364 50: 366 53: 364 55: 364 و 366 الأحقاف 20: 361 32: 365 الإسراء 61: 360 102: 365 الأعراف 23: 360 28: 366 34: 362 50: 369 100: 366 155: 366 188: 367 الأنبياء 45: 367 62: 390 73: 359 99: 366 الأنعام 19: 357 61: 362 143: 361 44: 361 و 367 الأنفال 32: 366 البقرة 6: 359 13: 365 و 366 31: 364 133: 365 و 367 140: 359 142: 367 282: 364 و 366 و 367 التوبة 12: 357 28: 367 37: 366 الحج 5: 367 65: 363

الحجر 61: 363 67: 363 الحجرات 9: 367 الرعد 5: 359 الزخرف 19: 357 58: 361 84: 365 سبأ 9: 364 40: 364 السجدة 5: 365 24: 358 الشعراء 19: 367 41: 357 و 358 49: 360 187: 364 الشورى 27: 368 49: 368 ص 8: 357 15: 365 الصافات 36: 358 52: 358 86: 358 الطلاق 1: 368 طه 70: 360 عبس 22: 363 العنكبوت 28: 359 29: 359 غافر (المؤمن) 78: 363 فاطر 15: 368 28: 368 43: 367 45: 363 الفرقان 17: 360 40: 366 57: 363 67: 360 فصلت 9: 358 28: 366 44: 361 ق 3: 358 القصص 5: 358 41: 358 القمر 25: 357 41: 363 الكهف 102: 367 المائدة 6: 362 14: 367 116: 360 محمد 18: 363 و 368

18 - لفظ: من، وما، والذي، وكل، وأحد، وغير ذلك

مريم 2: 267 7: 367 8: 368 66: 358 الملك 16: 361 و 366 17: 366 الممتحنة 4: 366 12: 368 المنافقون 1: 363 المؤمنون 27: 363 44: 365 و 366 99: 363 النازعات 27: 361 النحل 61: 363 29: 367 32: 366 38: 366 النمل 40: 360 55: 357 و 358 60- 64: 359 67: 359 80: 367 النساء 5: 362 21: 364 24: 364 43: 362 النور 33: 364 45: 367 46: 367 هود 40: 362 58: 362 66: 362 71: 365 72: 360 76: 362 82: 362 87: 366 و 367 94: 362 101: 362 الواقعة 59: 361 66: 358 69: 361 72: 361 يس 10: 360 19: 358 23: 360 يوسف 24: 367 39: 360 43: 366 53: 364 58: 367 76: 365 و 366 10: 358 100: 367 يونس 25: 367 59: 362 66: 367 91: 362 18- لفظ: مَنْ، ومَا، والَّذي، وكُلُّ، وأحَدٍ، وغير ذلك آل عمران 73: 375 الأحزاب 31: 370 الأحقاف 17: 372 18: 372 الأنعام 25: 369 139: 371 الأنفال 17: 374

19 - ازدواج الكلام والمطابقة والمشاكلة

البقرة 8: 369 17: 372 102: 374 112: 369 136: 374 التوبة 69: 373 الحاقة 47: 375 الزمر 33: 372 35: 373 الشعراء 45: 374 الطلاق 11: 370 و 371 طه 69: 374 فصلت 29: 373 القصص 88: 375 مريم 93: 375 95: 375 النحل 21: 373 56: 373 72: 373 73: 373 النمل 87: 375 يس 40: 375 يونس 42: 370 19- ازدواج الكلام والمطابقة والمشاكلة آل عمران 54: 377 142: 393 157: 389 158: 389 إبراهيم 50: 388 58: 388 الأحقاف 17: 392 الإسراء 12: 390 82: 389 106: 389 الأعراف 96: 395 101: 394 160: 377 الإنسان (الدهر) 31: 378 الأنعام 36: 383 37: 389 البقرة 9: 376 14: 376 15: 376 33: 377 34: 380 159: 381 160: 382 194: 376

التغابن 15: 393 التوبة 6: 384 79: 377 الحجر 26: 395 27: 395 الحديد 27: 378 الرحمن 6: 379 7: 379 الزمر 19: 385 21: 392 الشورى 35: 393 40: 377 و 396 العنكبوت 21: 390 غافر (المؤمن) 28: 377 الفاتحة 1: 380 5: 377 فاطر 10: 391 الفرقان 36: 378 39: 378 69: 392 فصلت 17: 383 القمر 3: 381 49: 382 الكافرون 2: 396 3: 396 5: 396 الكهف 63: 392 المائدة 6: 381 3: 381 45: 381 النحل 29: 381 101: 390 102: 390 120: 389 127: 389 النساء 18: 382 81: 390 128: 384 141: 393 152: 382 176: 384 النور 41: 391 هود 94: 388 يس 22: 394 25: 394 27: 394 33: 378 37: 379 39: 379 يوسف 37: 392 يونس 23: 381 73: 395 74: 95 78: 388

20 - حذف المفعول والمفعولين، وتقديم المفعول الثاني على المفعول الأول، وأحوال الأفعال المتعدية إلى مفعوليها

20- حذف المفعول والمفعولين، وتقديم المفعول الثاني على المفعول الأول، وأحوال الأفعال المتعدية إلى مفعوليها آل عمران 15: 411 62: 416 99: 487 111: 447 و 448 161: 433 163: 474 173: 414 178: 428 180: 429 188: 429 و 431 إبراهيم 34: 508 و 607 35: 47 37: 472 و 475 39: 458 40: 444 48: 489 الأحزاب 22: 415 48: 504 الأحقاف 4: 469 10: 509 28: 468 الإسراء 18: 495 32: 497 57: 478 60: 483 67: 458 الأعراف 41: 484 43: 501 51: 480 59: 416 74: 474 134: 480 163: 423 172: 454 175: 479 186: 501 189: 406 201: 505 الأعلى 6: 459 14: 505 الأنبياء 7: 422 و 423 17: 414 49: 464 57: 449 104: 508 الإنسان (الدهر) 8: 486 12: 467 14: 467 الأنعام 1: 406 3: 451 16: 502 18: 484 20: 479 34: 416 41: 458 42: 506 51: 500 54: 430 60: 499 68: 457 71: 479 75: 453 و 469 78: 510 84: 510 87: 495 89: 479 109: 607 111: 607 114: 479 118: 421 121: 421 130: 454 135: 470 الأنفال 7: 441 12: 483 17: 457 20: 448 37: 409 42: 445 59: 431 69: 421 البقرة 9: 405 12: 405 13: 405 17: 405 20: 406 و 466 21: 406 22: 406 31: 409 32: 463 33: 409 34: 413 40: 414 51: 413 54: 413 57: 421 58: 414 و 474 60: 415

61: 412 و 415 و 416 و 422 63: 428 64: 446 68: 426 71: 427 72: 427 74: 457 74: 427 و 489 76: 427 77: 427 78: 427 83: 446 89: 430 96: 438 102: 500 109: 438 121: 479 125: 414 132: 486 128: 444 144: 445 و 446 و 448 146: 479 148: 445 165: 460 و 466 172: 421 173: 486 192: 506 185: 449 189: 455 200: 504 203: 455 و 495 205: 455 211: 423 و 424 247: 414 251: 461 275: 479 284: 456 286: 456 البلد 14: 463 15: 463 التحريم 3: 410 و 498 التغابن 18: 451 التوبة 25: 447 47: 415 58: 475 69: 480 76: 495 94: 412 105: 432 و 497 و 498 126: 471 الجاثية 21: 499 28: 467 34: 457 الجمعة 11: 448 الجن 23: 504 24: 470 26: 476 الحاقة 19: 433 الحج 2: 472 11: 496 26: 472 و 473 36: 504 40: 461 47: 425 52: 509 الحجر 18: 500 49: 411 51: 409 و 410 94: 426 و 480 الحجرات 2: 460 الحديد 16: 416 الحشر 9: 477 12: 447 19: 456 19: 459 الذاريات 22: 482 الرحمن 46: 467 الرعد 6: 425 14: 477 و 478 24: 480 36: 479 39: 482

الروم 1: 461 2: 461 3: 461 الزخرف 16: 414 19: 454 و 455 و 493 45: 423 80: 490 85: 490 و 491 86: 454 و 465 88: 490 و 491 191: 406 الزلزلة 5: 502 7: 498 الزمر 64: 441 74: 475 سبأ 3: 490 7: 413 8: 413 27: 469 السجدة 17: 470 الشعراء 13: 509 60: 500 84: 464 102: 444 111: 500 و 501 الشمس 9: 505 الشورى 23: 480 48: 505 ص 22: 501 24: 460 و 478 و 491 32: 461 و 492 34: 503 46: 463 و 464 و 465 53: 482 الصافات 23: 501 102: 427 و 435 و 436 و 480 الصف 13: 459 الضحى 5: 503 6: 503 الطلاق 1: 462 11: 462 طه 7: 476 14: 460 58: 493 59: 493 64: 502 65: 502 66: 502 72: 470 78: 501 88: 457 114: 459 115: 456 عبس 1: 446 11: 506 12: 506 37: 423 العنكبوت 45: 460 47: 479 54: 425 58: 472 و 473 و 475 غافر 60: 490 الفاتحة 5: 502 فاطر 3: 416 14: 416 42: 415 الفرقان 27: 414 41: 479 62: 506

فصلت 20: 454 21: 454 48: 428 49: 460 و 463 و 478 القصص 23: 483 25: 509 42: 499 62: 412 و 433 و 437 و 496 63: 466 76: 487 القلم 9: 438 و 442 و 443 القمر 10: 439 12: 482 22: 516 45: 447 القيامة 13: 409 16: 459 17: 459 18: 459 الكافرون 2: 503 3: 503 4: 503 الكهف 2: 504 و 505 3: 500 13: 414 15: 494 16: 494 24: 457 33: 482 49: 433 51: 450 و 455 62: 499 63: 457 85: 499 و 500 و 501 89: 499 92: 499 93: 500 و 508 96: 455 و 101: 460 المائدة 3: 488 و 489 و 506 4: 419 16: 502 27: 468 28: 466 29: 466 و 467 30: 466 73: 416 85: 467 الماعون 1: 437 و 438 3: 485 المدثر 54: 506 55: 506 مريم 2: 460 47: 425 48: 494 501: 464 و 508 69: 477 81: 414 المزمل 17: 485 المطففين 3: 476 و 496 المعارج 1: 422 و 424 5: 425 6: 425 10: 422 11: 441 41: 505 الممتحنة 1: 414 2: 438 10: 422 المنافقون 1: 452 2: 414 و 452 المؤمنون 4: 505 35: 430 110: 414 و 458 111: 467 النازعات 42: 424 45: 464 النجم 19: 481 21: 481 26: 480 و 481 29: 446 35: 431 و 496 40: 432 و 434 41: 433 43: 503 44: 503 48: 503 54: 504

21 - الظروف التي يرتفع ما بعدهن بهن على الخلاف وما يرتفع ما بعدهن بهن على الاتفاق

النحل 73: 462 النساء 5: 482 11: 439 و 484 25: 497 32: 416 34: 417 و 497 63: 498 77: 489 102: 442 و 447 105: 435 و 436 135: 448 148: 465 النصر 3: 503 النحل 23: 504 و 607 25: 451 68: 502 72: 472 و 508 82: 494 88: 414 91: 505 النور 6: 454 24: 454 34: 418 35: 430 36: 430 43: 417 57: 431 62: 449 63: 449 هود 39: 470 54: 450 93: 468 99: 499 102: 492 108: 430 116: 500 الواقعة 61: 505 يس 15: 435 16: 435 يوسف 4: 430 35: 439 21: 484 42: 457 68: 494 81: 454 84: 446 يونس 3: 432 35: 501 53: 412 60: 607 71: 477 77: 476 87: 472 و 473 90: 500 93: 472 و 474 21- الظروف التي يرتفع ما بعدهن بهن على الخلاف وما يرتفع ما بعدهن بهن على الاتفاق آل عمران 7: 514 و 518 15: 518 87: 516 144: 534 146: 534 الإسراء 57: 529 الأعراف 59: 524 105: 538 185: 534 الأنبياء 56: 533 الإنسان (الدهر) 19: 532 21: 532

الأنعام 25: 513 70: 534 71: 523 و 524 و 531 و 538 82: 531 99: 520 127: 513 148: 524 154: 529 البقرة 7: 511 8: 511 10: 511 و 516 19: 514 و 517 25: 516 62: 517 78: 511 و 512 و 513 161: 517 165: 513 178: 521 179: 515 و 521 204: 513 226: 522 236: 533 241: 533 264: 535 266: 522 التوبة 49: 513 58: 513 61: 513 101: 513 الحجر 44: 536 الحشر 20: 513 الذاريات 20: 533 21: 533 و 534 الرحمن 10: 535 11: 535 الرعد 43: 514 و 524 الروم 20: 514 الزخرف 84: 527 و 528 الزمر 19: 530 ص 58: 531 و 538 الفرقان 22: 536 فصلت 39: 514 و 538 القمر 4: 524 القيامة 14: 536 و 538 الكهف 44: 524 و 531 و 538 لقمان 6: 513 المائدة 22: 515 41: 532 46: 514 و 526 69: 529 محمد 56: 513 مريم 62: 521 64: 521 69: 529

22 - هو وأنت فصلا، وهو ما يسمى بالعماد

المؤمنون 19: 520 67: 532 88: 524 النحل 62: 515 النساء 11: 519 و 520 النور 24: 536 29: 514 44: 515 هود 12: 513 41: 522 و 523 و 524 و 531 و 538 76: 513 81: 516 106: 514 و 524 الواقعة 11: 532 12: 535 13: 535 22: 531 37: 535 38: 535 39: 535 يوسف 20: 533 يونس 64: 515 68: 524 22- هو وأنت فصلا، وهو ما يسمى بالعماد الأحقاف 35: 541 الأنعام 121: 549 الأنفال 32: 541 البقرة 5: 539 32: 539 37: 540 128: 540 الحج 58: 542 الزخرف 76: 541 سبأ 6: 541 الشعراء 41: 542 الشورى 39: 548 الصافات 60: 541 172: 541 165: 542 طه 14: 540 فاطر 10: 546 الكهف 39: 540

23 - المضمرون إلى أي شىء يعود مما قبلهم

لقمان 33: 545 المائدة 117: 541 المزمل 20: 541 و 543 النحل 92: 547 هود 19: 548 22: 550 78: 543 يوسف 37: 548 75: 547 23- المضمرون إلى أي شىء يعود مما قبلهم آل عمران 81: 566 124: 563 126: 563 180: 554 186: 563 الإخلاص 1: 564 الأعراف 2: 570 145: 572 الأنبياء 23: 572 الإنسان (الدهر) 8: 556 الأنعام 25: 572 84: 562 90: 564 106: 573 121: 555 الأنفال 9: 563 10: 563 33: 576 البقرة 22: 552 23: 552 30: 576 41: 553 45: 553 49: 554 68: 554 74: 573 85: 554 96: 555 102: 567 128: 570 136: 574 143: 553 145: 574 146: 574 148: 565 177: 555 178: 556 و 557 و 558 و 559 198: 567 258: 559 259: 565 التوبة 99: 575 109: 575 110: 575 الجاثية 21: 568 و 569 الجن 6: 566 الحاقة 7: 567

الحج 78: 570 الحجر 9: 562 الرعد 16: 568 الروم 3: 572 49: 567 الزمر 32: 564 33: 564 السجدة 18: 568 23: 572 الشمس 14: 572 15: 572 الشورى 11: 567 43: 563 ص 24: 572 الطارق 8: 566 طه 16: 573 88: 562 110: 576 فاطر 11: 559 و 560 14: 573 الفرقان 49: 563 50: 563 52: 564 فصلت 42: 562 القمر 20: 567 القيامة 18: 573 الكهف 63: 569 المائدة 8: 554 45: 561 67: 562 73: 566 89: 574 المجادلة 3: 558 المدثر 8: 566 9: 566 مريم 25: 571 المؤمنون 21: 552 النحل 66: 552 و 567 و 574

24 - إبدال الاسم من المضمر الذي قبله، والمظهر على سبيل إعادة العامل، أو إبدال إن وأن مما قبله

النساء 2: 555 46: 567 159: 560 النور 35: 573 41: 563 43: 567 هود 117: 576 119: 575 يوسف 21: 565 23: 565 77: 565 110: 571 يونس 42: 572 24- إبدال الاسم من المضمر الذي قبله، والمظهر على سبيل إعادة العامل، أو إبدال إن وأن مما قبله آل عمران 18: 588 19: 588 39: 594 64: 580 و 581 170: 581 178: 581 إبراهيم 35: 590 الأحزاب 21: 592 الأعراف 41: 589 75: 578 الأنعام 12: 592 54: 582 الأنفال 7: 583 41: 583 البقرة 27: 577 61: 589 التوبة 63: 582 و 584 و 588 الجن 28: 588 الحج 4: 583 4: 585 22: 589 40: 591 الروم 10: 594 الزخرف 33: 592 الزمر 17: 590 سبأ 14: 585 طه 11: 595 12: 595 13: 595 66: 585 89: 588

25 - الكلمات التي بها همزة ساكنة يترك همزها أبو عمرو وما لا يترك همزها

عبس 24: 589 25: 589 العنكبوت 1: 586 2: 586 الفتح 25: 587 و 588 القصص 30: 595 الكهف 63: 583 المائدة 38: 590 71: 588 107: 577 114: 578 و 580 محمد 18: 581 المزمل 20: 588 مريم 60: 591 و 61: 591 الممتحنة 8: 582 9: 582 المؤمنون 35: 584 النبأ 1: 580 2: 580 النحل 105: 590 106: 590 النساء 155: 589 161: 589 النمل 29: 592 30: 593 31: 592 51: 593 النور 58: 591 يس 31: 587 يوسف 35: 595 يونس 81: 578 25- الكلمات التي بها همزة ساكنة يترك همزها أبو عمرو وما لا يترك همزها آل عمران 120: 596 إبراهيم 19: 597

الإسراء 14: 597 54: 597 الأعراف 111: 596 الأنعام 143: 598 البقرة 33: 596 88: 596 106: 596 177: 598 البلد 20: 598 التحريم 6: 596 التوبة 50: 596 الحج 45: 598 الحجر 49: 597 51: 597 الحجرات 14: 598 سبأ 9: 597 الشعراء 4: 597 36: 597 الشورى 33: 598 العلق 1: 598 3: 598 القمر 28: 598 الكهف 10: 597 16: 597 محمد 12: 596 مريم 4: 598 74: 597 المعارج 13: 598 المنافقون 4: 596 النجم 36: 598 النساء 104: 596 133: 596 الهمزة 8: 598 يس 43: 598 يوسف 13: 598 36: 597

26 - العطف على الضمير المرفوع

26- العطف على الضمير المرفوع آل عمران 20: 603 الأعراف 71: 599 الأنعام 148: 601 البقرة 35: 599 و 601 الرعد 23: 600 طه 5: 600 المائدة 24: 599 25: 603 45: 601 المزمل 20: 603 النجم 6: 600 7: 600 النمل 67: 600 هود 112: 599 و 601 يوسف 71: 599 27- لحوق إن التي للشرط ما الإسراء 28: 605 110: 606 الأنفال 58: 607 البقرة 38: 604 و 605 148: 606 و 608 الرعد 40: 604 الزخرف 41: 604 42: 604 غافر 77: 604 القيامة 1: 607 مريم 26: 605 النساء 78: 606 يونس 46: 604

28 - الاسمان يكنى عن أحدهما اكتفاء بذكر صاحبه

28- الاسمان يكنى عن أحدهما اكتفاء بذكر صاحبه الأعراف 50: 610 الأنعام 41: 610 البقرة 45: 609 التوبة 62: 610 34: 610 الجمعة 11: 611 طه 66: 611 النساء 12: 609 112: 609 135: 610 29- مجىء الفعل عوضا عن نقصان لحق الكلمة آل عمران 158: 613 و 614 و 615 إبراهيم 50: 612 الأحزاب 52: 613 الأعراف 78: 612 و 613 91: 612 و 613 الأنعام 148: 615 البقرة 48: 412 الحج 46: 613 ص 1: 613 3: 614 و 615 طه 133: 613 الكهف 43: 612 المائدة 24: 615 الممتحنة 12: 613 هود 67: 613 94: 612 112: 615 يونس 71: 615 78: 613

30 - حمل اللفظ على المعنى والحكم عليه بما يحكم على معناه لا على اللفظ

30- حمل اللفظ على المعنى والحكم عليه بما يحكم على معناه لا على اللفظ آل عمران 73: 617 الأحزاب 10: 627 32: 625 67: 626 و 627 الإسراء 64: 626 الأعراف 3: 621 12: 628 56: 619 59: 618 172: 628 185: 620 186: 625 الأنبياء 77: 617 الأنعام 1: 628 78: 619 112: 626 113: 626 150: 628 160: 620 161: 621 البقرة 67 و 96: 626 69: 616 622 181: 623 187: 616 245: 624 271: 625 243: 620 246: 620 258: 620 259: 620 275: 619 التوبة 60: 617 الحج 23: 621 و 622 63: 624 الحجر 20: 623 الحديد 18: 623 الروم 28: 618 الشورى 51: 627 52: 621 53: 621 ص 62: 623 طه 77: 627 غافر 29: 617 الفاتحة 5: 621 فاطر 3: 618 12: 622 الفرقان 45: 620

31 - حذف أن، وحذف المصادر، والفصل بين الصلة والموصول

القيامة 14: 619 المائدة 12: 618 14: 618 52: 627 53: 627 مريم 75: 629 الممتحنة 8: 617 المنافقون 10: 620 المؤمنون 84: 625 85: 625 86: 625 87: 625 النساء 8: 623 21: 616 175: 621 النمل 20: 623 النور 63: 628 هود 78: 628 يس 30: 628 يوسف 36: 622 110: 628 يونس 61: 618 31- حذف أن، وحذف المصادر، والفصل بين الصلة والموصول آل عمران 10 و 11: 641 46: 646 81: 638 86: 630 107: 636 116: 636 126: 647 128: 647 135: 647 168: 642 الإسراء 71: 640 الأعراف 137: 638 الأعلى 4: 643 5: 643 الأنعام 83: 635 145: 646 الأنفال 59: 630 و 633 البقرة 39: 636 81: 636 82: 636 83: 630 84: 630 85: 630 140: 639 120 و 166: 637 177: 642 183: 634 184: 641 217: 636 257: 647 636 275: 636

32 - حذف حرف النداء والمنادى

التوبة 1: 637 3: 637 36: 636 58: 638 79: 638 الحديد 25: 647 الحشر 8: 647 الرحمن 64: 643 الروم 39: 638 الزخرف 86: 644 88: 644 الزمر 56: 633 57: 633 58: 633 60: 633 64: 631 و 632 و 633 71: 639 الشورى 51: 645 و 646 ص 39: 638 الطارق 8: 640 9: 640 10: 640 طه 58: 639 العنكبوت 2: 634 25: 633 غافر 10: 635 و 640 و 645 16: 639 الفرقان 32: 645 فصلت 19: 640 القدر 4: 644 5: 644 الكهف 22: 636 المدثر 6: 638 و 640 النساء 42: 639 90: 636 يونس 27: 643 91: 645 32- حذف حرف النداء والمنادى آل عمران 26: 652 الإسراء 2 و 3: 652 الأنبياء 60: 652 الأنعام 27: 650

33 - حذف المضاف إليه

البقرة 85: 648 286: 648 الرعد 29: 652 الزخرف 38: 650 الزمر 9: 649 و 650 46: 652 طه 84: 649 مريم 26: 648 الممتحنة 5: 649 النساء 109: 650 و 651 النمل 25: 650 و 651 يس 26: 650 يوسف 29: 648 101: 652 33- حذف المضاف إليه آل عمران 154: 655 الأنبياء 33: 654 البقرة 21: 656 89: 653 104: 656 116: 654 148: 653 149: 656 150: 656 285: 655 الجمعة 6: 656 الروم 4: 653 غافر 48: 654 المائدة 41: 656 67: 656 المعارج 11: 658 النساء 11: 655 33: 656 النمل 87: 654 89: 658 هود 66: 658 78: 653

34 - دخول اللام الموطئة للقسم على حروف الشرط

34- دخول اللام الموطئة للقسم على حروف الشرط آل عمران 81: 660 و 661 الأحزاب 6: 662 60: 661 الإسراء 86: 659 88: 659 الأعراف 18: 659 و 661 23: 662 الأنعام 121: 659 و 660 البقرة 102: 660 120: 659 145: 659 و 661 التوبة 75: 663 الحشر 12: 659 الروم 51: 662 58: 661 و 663 الشمس 9: 662 العلق 15: 661 المائدة 3: 662 73: 661 مريم 46: 663 هود 9: 659 و 660 يس 18: 663 يوسف 32: 663 35- التجريد آل عمران 104: 664 و 665 البقرة 120: 664 الرعد 37: 964 الزخرف 60: 665

36 - الحروف الزائدة فى تقدير وهى غير زائدة فى تقدير آخر

الفرقان 59: 666 فصلت 28: 664 و 666 النحل 10: 664 النساء 75: 664 36- الحروف الزائدة في تقدير وهي غير زائدة فى تقدير آخر آل عمران 62: 673 188: 674 الأحزاب 39: 669 الأحقاف 33: 673 الإسراء 72: 670 الأعراف 53: 668 59: 673 65: 673 73: 673 154: 674 172: 671 185: 673 الأنبياء 47: 669 96: 674 97: 674 الإنسان (الدهر) 6: 672 الانشقاق 1: 674 الأنعام 89: 671 البقرة 8: 671 96: 671 105: 668 137: 667 195: 667 196: 671 259: 667 الحج 25: 672 26: 674 الحجر 48: 671 الشورى 11: 673 40: 668 و 671 الصافات 103: 674 العلق 1: 672 14: 672 فاطر 3: 668

37 - التقديم والتأخير

القلم 6: 671 القيامة 18: 672 المائدة 4: 673 19: 668 73: 673 88: 673 مريم 25: 671 38: 670 75: 670 الممتحنة 1: 672 المؤمنون 20: 671 النحل 12: 667 النساء 6: 669 55: 669 79: 668 166: 669 النمل 72: 674 النور 25: 672 هود 50: 673 61: 673 84: 673 يوسف 43: 674 يونس 27: 668 و 671 37- التقديم والتأخير آل عمران 19: 719 26: 689 73: 676 81: 818 86: 707 156: 732 194: 696 199: 675 إبراهيم 10: 721 22: 796 37: 723 الأحقاف 14: 713 الإسراء 70: 711 71: 711 102: 731 110: 712 الأعراف 2: 707 8: 710 10: 693 723 31: 716 32: 698 139: 707 169: 716 177: 707 الأنبياء 20: 675 و 20: 676 56: 716 92: 691 97: 705 103: 723 104: 723

الأنعام 14: 721 52: 716 71: 717 73: 717 100 689 110: 712 و 713 112: 716 113: 716 123: 688 127: 713 137: 681 146: 688 و 721 148: 726 152: 692 153: 692 158: 676 الأنفال 5: 701 الانفطار 7: 725 8: 725 البقرة 3: 677 7: 702 23: 728 24: 728 101: 694 102: 694 و 695 و 696 و 697 و 727 106: 712 124: 676 128: 677 و 678 140: 718 150: 675 152: 675 185: 732 197: 712 206: 727 215: 712 217: 693 و 719 219: 720 220: 720 237: 694 247: 289 259: 713 260: 679 272: 712 273: 712 279: 702 282: 675 التوبة 55: 723 الجمعة 11: 723 الجن 2: 692 3: 692 7: 680 18: 692 27: 701 الحج 2: 725 5: 679 12: 690 13: 690 25: 702 33: 732 الحديد 18: 684 و 686 و 687 و 688 الدخان 1: 726 3: 726 13: 724 16: 731 الذاريات 17: 730 الرحمن 29: 731 46: 702 47: 702 48: 702 54: 702 62: 702 76: 702 الرعد 5: 728 11: 700 26: 732 الروم 17 و 18: 681 25: 724 27: 683 الزخرف 84: 730 الزمر 66: 694 67: 729 سبأ 7: 711 و 728 7: 706 17: 688 29: 712 40: 707 الشعراء 227: 712 الشمس 14: 725 الشورى 51: 720 الصف 13: 717

الطلاق 8: 727 12: 677 و 678 طه 11: 683 12: 683 13: 683 67: 676 73: 676 129: 725 العاديات 3: 685 4: 685 9: 706 و 728 11: 706 العنكبوت 42: 724 غافر 16: 718 83: 718 الفاتحة 4: 717 فاطر 2: 712 الفتح 2: 717 20: 717 24: 718 الفرقان 22: 710 و 729 26: 710 فصلت 18: 711 19: 711 قريش 1: 692 القصص 42: 709 82: 726 القمر 7: 676 الكهف 2: 713 22: 710 96: 679 المائدة 6: 693 26: 715 48: 721 95: 715 و 716 116: 721 المجادلة 3: 682 محمد 18: 724 المدثر 8: 711 9: 711 مريم 21: 732 25: 680 31: 692 34: 686 36: 692 المزمل 2: 704 3: 704 4: 704 17: 714 و 725 المؤمنون 64: 724 77: 724 82: 711 101: 706 الناس 4 و 5 و 6: 682 النبأ 23: 719 24: 719 النجم 8: 725 39: 726 50: 731 51: 731

38 - اسم الفاعل يتوهم فيه جريه على غير ما هو له، ولم يرد فيه الضمير

النحل 63: 702 104: 702 117: 702 النساء 1: 693 3: 689 و 690 4: 698 8: 730 22: 720 33: 721 43: 693 69: 726 83: 714 95: 731 127: 697 و 698 و 712 176: 679 النمل 28: 682 43: 723 44: 723 45: 708 70: 679 النور 6: 679 23: 709 36: 717 37: 717 هود 16: 707 17: 677 71: 677 و 725 99: 709 الواقعة 75: 680 و 686 76: 680 و 686 90: 714 91: 714 يوسف 20: 716 26: 677 يونس 2: 715 و 686 38- اسم الفاعل يتوهم فيه جريه على غير ما هو له، ولم يرد فيه الضمير آل عمران 87: 736 154: 732 199: 738 الأحزاب 53: 740 البقرة 161: 736 البينة 8: 737 التغابن 9: 738 التوبة 72: 739 89: 738 100: 738 الحديد 12: 737 الرعد 14: 739 الزمر 73: 737 الشعراء 4: 740 ص 24: 739 الطلاق 11: 738 غافر 10: 737 فصلت 49: 739 الكهف 3: 739

39 - ما ينصب ويرفع على المدح

المائدة 85: 739 النساء 14: 736 57: 738 122: 738 93: 737 النمل 19: 736 39- ما ينصب ويرفع على المدح آل عمران 15: 742 16: 742 17: 742 البقرة 177: 410 الأحزاب 18: 742 19: 742 60: 741 و 742 61: 741 المسد 3: 742 النساء 143: 742 162: 741 40- المبتدأ المحذوف خبره آل عمران 21: 743 62: 749 الأنبياء 92: 747 البروج 10: 743 البقرة 185: 743 224: 745 234: 744 274: 749 التوبة 3: 747 30: 746 79: 749 الجمعة 8: 743 الحج 13: 746 الرعد 33: 747 35: 744 الزمر 8: 748 9: 747 و 748 19: 748 22: 748 24: 748 الشعراء 78: 745 83: 745 ص 63: 749 الصافات 35: 749 طه 73: 746 فاطر 8: 747 المائدة 38: 744 69: 746

41 - إن المكسورة المخففة من إن

محمد 14: 747 21: 746 النساء 16: 744 النور 2: 744 هود 17: 747 الواقعة 89: 749 93: 749 يوسف 18: 746 83: 746 41- إن المكسورة المخففة من إن آل عمران 158: 753 164: 750 الأحقاف 26: 752 الأعراف 102: 750 و 752 و 755 الأنبياء 17: 762 البقرة 198: 750 الجاثية 32: 750 الزخرف 35: 756 و 757 و 758 و 762 81: 762 الصافات 167: 751 168: 750 و 751 و 752 الطارق 4: 750 و 751 و 756 و 757 الفرقان 42: 750 و 752 و 754 44: 750 فصلت 48: 755 ق 18: 761 المائدة 116: 762 المزمل 20: 754 الملك 20: 750 المؤمنون 82: 761 هود 11: 755 111: 757 يس 32: 750 و 751 و 756 و 757 و 761 يونس 29: 750 و 752 و 753

42 - المفرد يراد به الجمع

42- المفرد يراد به الجمع الإسراء 2: 766 الأعراف 72: 764 الإنسان 19: 764 21: 764 الأنعام 45: 764 البقرة 164: 765 213: 763 257: 763 285: 763 التحريم 12: 763 التين 3: 764 4: 764 الرعد 42: 765 الزمر 17: 763 الشعراء 77: 766 100 و 101: 766 العصر 1: 764 2: 764 3: 764 العلق 17: 764 غافر 67: 765 الفرقان 55: 765 المؤمنون 67: 764 النساء 4: 765 60: 763 69: 765 152: 765 يوسف 80: 766 يونس 22: 765 73: 765 43- المصادر المنصوبة بفعل مضمر دل عليه ما قبله آل عمران 145: 767 195: 767 198: 767 الإسراء 79: 767 البقرة 285: 767

44 - دخول لام إن على اسمها وخبرها أو ما اتصل بخبرها، وهى لام الابتداء دون القسم

الروم 5: 768 الزمر 20: 768 فاطر 43: 768 مريم 34: 767 النساء 23: 767 24: 767 النمل 45: 769 88: 768 44- دخول لام إن على اسمها وخبرها أو ما اتصل بخبرها، وهي لام الابتداء دون القسم آل عمران 13: 769 78: 769 الأنبياء 106: 769 الحجر 72: 770 الزخرف 4: 770 44: 769 61: 769 الشورى 52: 769 الصافات 165: 770 166: 770 172: 770 طه 63: 770 القصص 76: 771 النازعات 26: 769 النساء 72: 771 النمل 6: 769 16: 770 النور 44: 769 يوسف 90: 770 يونس 27: 771

45 - الخلاف بين سيبويه وأبى العباس

45- الخلاف بين سيبويه وأبى العباس آل عمران 30: 779 120: 779 الأنعام 121: 780 البقرة 180: 780 الشورى 22: 780 46- إدخال همزة الاستفهام على الشرط والجزاء آل عمران 144: 782 الأنبياء 34: 782 يونس 51: 782 47- إضمار الحال والصفة جميعا الأحقاف 25: 783 الأنعام 44: 783 66: 783 البقرة 185: 783 و 785 الذاريات 41: 783 طه 74: 784 النساء 11: 783 النمل 23: 783 النور 39: 783 48- الجمع يراد به التثنية الأعراف 149: 790 الأنبياء 78: 790 الإنسان (الدهر) 12: 789 14: 789 التحريم 4: 787

49 - المنصوب على المضاف إليه

الرحمن 17: 788 46: 789 54: 789 القمر 54: 790 55: 790 المائدة 38: 787 67: 788 119: 788 المعارج 40: 788 الملك 4: 789 النساء 11: 787 النور 26: 790 86: 789 49- المنصوب على المضاف إليه الأعراف 43: 791 الأنعام 128: 791 الجن 11: 794 الحجر 66: 791 و 794 المائدة 117: 794 المدثر 49: 793 يونس 4: 791 50- أن بمعنى أي آل عمران 75: 796 إبراهيم 5: 797 الإسراء 2: 797 و 798 23: 799 الأنعام 151: 795 البقرة 155: 796 سبأ 38: 796

51 - المضاعف أبدلت من لامه حرف لين

ص 6: 795 و 798 الصافات 104: 797 105: 797 طه 111: 796 المائدة 120: 796 يونس 10: 797 51- المضاعف أبدلت من لامه حرف لين الأحزاب 33: 802 49: 802 الأعراف 21: 800 البقرة 259: 800 282: 800 الحجر 26: 800 28: 800 33: 800 الشمس 10: 800 طه 120: 800 الفرقان 5: 800 القصص 32: 802 القيامة 33: 800 52- حذف واو العطف آل عمران 116: 803 الأحقاف 140: 803 الأعراف 4: 804 36: 803 41: 803 الأنعام 39: 803 الأنفال 25: 804 البقرة 18: 803 39: 803 81: 803 82: 803 171: 803 217: 803 257: 803 275: 803 التغابن 10: 803 التوبة 92: 803

53 - الحروف التي أقيم بعضها مقام بعض

الرعد 6: 803 23: 803 القصص 63: 803 75: 804 الكهف 25: 803 المائدة 23: 804 المجادلة 17: 803 النمل 18: 804 يونس 26: 803 27: 803 50: 805 53- الحروف التي أقيم بعضها مقام بعض آل عمران 52: 806 طه 71: 806 النازعات 18: 806 النساء 2: 806 54- اسم الفاعل المضاف إلى المكنى الأعراف 135: 807 البقرة 223: 807 الصف 8: 809 العنكبوت 33: 807 و 808 غافر 56: 807 و 808 و 809 القصص 7: 807 النحل 7: 807 55- ما جاء فى جواب الأمر إبراهيم 31: 811 الإسراء 53: 812 البقرة 61: 811 الصف 10: 812 11: 812 12: 812 النمل 12: 811

56 - المضاف الذي اكتسب من المضاف إليه بعض أحكامه

56- المضاف الذي اكتسب من المضاف إليه بعض أحكامه آل عمران 161: 816 الأعراف 168: 814 الأنعام 94: 815 160: 813 الانفطار 17: 814 19: 814 البقرة 69: 813 281: 816 الجمعة 5: 813 الجن 11: 815 الذاريات 12: 814 13: 814 و 816 غافر 16: 816 17: 814 و 816 القارعة 3: 815 4: 815 المائدة 119: 814 المدثر 9: 813 المعارج 11: 813 الممتحنة 3: 815 النمل 89: 813 111: 816 هود 66: 813 يوسف 10: 813 و 816 57- المضاف إليه عوض من محذوف الأنبياء 73: 817 النور 27: 817 58- المعطوف الذي ليس مغايرا للمعطوف عليه وإنما هو أو بعضه الأنبياء 48: 818 الأنفال 49: 818

59 - التاء فى أول المضارع مما يمكن حمله على الخطاب أو على الغائبة

البقرة 96: 818 98: 818 الحجر 1: 819 87: 818 الرحمن 68: 818 الرعد 1: 819 الشعراء 78: 819 79: 819 82: 819 النمل 1: 819 59- التاء فى أول المضارع مما يمكن حمله على الخطاب أو على الغائبة التوبة 103: 820 الزلزلة 4: 821 طه 69: 821 60- واو الحال تدخل على الجملة من الفعل والفاعل آل عمران 154: 822 الأحزاب 19: 823 الأعراف 10: 825 45: 823 86: 823 الأنعام 27: 824 البقرة 71: 822 119: 822 217: 825 228: 822 233: 822 الحج 22: 824 الحجر 9: 824 القلم 17: 824 الكهف 18: 824 المائدة 25: 825 المؤمنون 99: 824 النساء 1: 825 127: 825 هود 92: 823 يونس 83: 824 89: 822

61 - حذف هو من الصلة

61- حذف هو من الصلة الأنعام 154: 727 البقرة 6: 829 26: 827 137: 829 التوبة 101: 829 الروم 24: 829 الزخرف 84: 827 الشورى 11: 829 ص 124: 828 مريم 69: 827 و 828 يس 10: 829 62- إجراء غير اللازم مجرى اللازم وإجراء اللازم مجرى غير اللازم آل عمران 26: 835 103: 832 112: 835 146: 830 الأحقاف 17: 836 21: 836 الأنبياء 109: 832 الأنعام 19: 835 64: 835 910: 835 101: 830 157: 832 البقرة 16: 837 22: 831 63: 832 71: 833 84: 830 102: 836 139: 831 203: 832 231: 832 237: 837 253: 831 267: 832 البينة 1: 834 التوبة 78: 836 الحج 15: 830 29: 830 48: 830 الحجر 54: 831 الزمر 14: 835 سبأ 24: 835 الشعراء 16: 835 الصافات 105: 837

63 - الحروف المحذوفة تشبيها بالحركات

طه 42: 835 غافر 50: 835 الفرقان 10: 831 القصص 23: 835 الكهف 26: 835 29: 835 38: 833 المائدة 2: 832 7: 832 106: 834 المزمل 2: 835 المنافقون 7: 836 النجم 50: 833 النحل 127: 835 النمل 36: 831 النور 52: 830 يس 14: 835 يوسف 5: 837 80: 836 63- الحروف المحذوفة تشبيها بالحركات الأحزاب 13: 839 و 840 طه 13: 839 الفجر 4: 838 القصص 22: 838 الكهف 64: 838 يوسف 4: 839 64- إجراء الوصل مجرى الوقف الأعراف 143: 841 البقرة 38: 841 فاطر 43: 842

65 - بناء النسب

الفجر 19: 841 الكهف 38: 842 لقمان 13: 841 17: 841 الممتحنة 1: 841 هود 111: 841 يوسف 19: 841 65- بناء النسب الإسراء 45: 844 الحاقة 21: 844 الطارق 6: 844 هود 43: 844 66- إضمار الصدر لدلالة الفعل عليه آل عمران 180: 846 الإسراء 60: 845 82: 845 109: 845 البقرة 45: 845 الشورى 11: 845 يوسف 82: 846 67- ما كان على وزن مفعل بفتح العين ويراد به المصدر ويوهمك أنه مكان الأنعام 128: 747 الحجر 47: 847 66: 847 سبأ 15: 847 القمر 55: 847

68 - حذف إحدى التاءين فى أول المضارع

68- حذف إحدى التاءين فى أول المضارع آل عمران 79: 851 الأحزاب 33: 580 22: 850 الأعراف 38: 851 57: 849 117: 849 الأنعام 80: 851 و 852 152: 849 153: 849 الأنفال 20: 850 46: 850 البقرة 85: 849 139: 852 200: 852 267: 849 و 852 280: 852 التحريم 4: 849 التوبة 52: 850 الحجر 8: 850 54: 851 الحجرات 11: 850 12: 850 13: 850 الزمر 64: 851 852 الشعراء 221: 850 222: 850 الصافات 25: 850 عبس 10: 850 القدر 4: 850 القلم 38: 850 الكهف 96: 852 الليل 14: 850 المائدة 2: 849 المجادلة 9: 851 المدثر 42: 852 الملك 8: 850 الممتحنة 9: 850 النجم 55: 851 النساء 42: 853 97: 849

69 - حمل الاسم على الموضع دون اللفظ

النمل 36: 852 47: 850 62: 849 90: 849 النور 15: 850 27: 849 33: 852 54: 850 هود 57: 850 105: 850 69- حمل الاسم على الموضع دون اللفظ آل عمران 62: 854 الأعراف 59: 854 65: 854 73: 854 85: 854 الأنعام 160: 855 الحج 78: 855 الرعد 43: 855 ص 65: 854 الصافات 35: 854 فاطر 3: 854 فصلت 53: 855 المائدة 6: 855 محمد 19: 854 المؤمنون 23: 854 32: 854 هود 50: 854 61: 854 70: 854 84: 854 70- حمل ما بعد إلّا على ما قبله آل عمران 46: 858 الإسراء 52: 859 102: 856 الأنعام 119: 859 145: 857 البقرة 246: 859 الشورى 51: 857 858 الفرقان 32: 857 فصلت 48: 859

71 - حذف ياء النسب

المدثر 49: 859 النحل 43: 856 44: 856 هود 27: 856 يوسف 109: 856 يونس 91: 857 71- حذف ياء النسب الشعراء 198: 860 الصافات 130: 860 المؤمنون 162: 860 72- إبدال المستثنى من المستثنى منه آل عمران 135: 861 البقرة 130: 861 النساء 66: 861 النور 6: 861 862 هود 81: 861 73- فعل الضرب فى معنى ضربت الأحزاب 48: 864 الشمس 9: 864 الممتحنة 1: 865 المؤمنون 4: 864 النساء 147: 864

74 - ما يتخرج على أبنية التصريف

74- ما يتخرج على أبنية التصريف آل عمران 3: 878 34: 866 37: 869 الإسراء 67: 872 البقرة 40: 872 41: 872 العنكبوت 56: 872 الفاتحة 4: 872 874 الكهف 16: 873 المائدة 44: 879 مريم 74: 876 النور 25: 866 هود 5: 871 75- القلب والإبدال الإخلاص 1: 881 الأنعام 146: 880 البقرة 58: 880 التوبة 109: 880 ص 33: 881 الفتح 29: 881 الفجر 19: 881 الكهف 33: 881 المائدة 101: 880 المرسلات 29: 881 النساء 12: 881 النحل 44: 881

76 - إذا الزمانية وإذا المكانية

76- إذا الزمانية وإذا المكانية آل عمران 80: 882 152: 893 156: 888 892 الإسراء 83: 885 الأنبياء 97: 888 البقرة 38: 892 التوبة 117: 893 118: 883، 893 الرعد 5: 882 الروم 36: 890 سبأ 7: 882 الصافات 16: 882 غافر 70: 888 القصص 15: 889 المدثر 8: 882 888 مريم 66: 888 المؤمنون 101: 882 890 النساء 6: 892 النصر 1: 885 الواقعة 1: 887 2: 888 3: 888 4: 887 8: 888 77- أحوال النون عند الحروف آل عمران 77: 894 152: 896 187: 894 188: 894 الأعراف 59: 894 65: 894 73: 894 85: 884 141: 794 161: 894 الأنعام 99: 895 البقرة 2: 895 5: 895 8: 895 19: 895 41: 894 50: 884 79: 892 174: 894 التوبة 9: 894 109: 894

78 - وصف المضاف بالمبهم

الرعد 4: 896 43: 894 الصافات 164: 895 فاطر 3: 894 المائدة 44: 894 النحل 49: 894 95: 894 هود 48: 895 78- وصف المضاف بالمبهم آل عمران 125: 897 126: 897 التوبة 28: 897 الكهف 62: 897 يس 52: 897 يوسف 15: 897 79- ذكر الفعل والتكنية عن مصدره آل عمران 180: 900 الأنعام 90: 900 البقرة 45: 900 148: 900 282: 901 الشورى 11: 901 الكهف 23: 901 المائدة 8: 900 80- التعبير عن غير العقلاء بلفظ العقلاء الإسراء 57: 903 الأعراف 197: 904 194: 903 195: 904 الأنعام 108: 903 الرعد 14: 903

81 - ما خالف ظاهره كتاب سيبويه

الشعراء 72: 904 73: 904 الشمس 5: 904 فاطر 14: 904 فصلت 11: 904 الكافرون 2: 904 3: 904 مريم 42: 904 النساء 3: 904 24: 904 يوسف 4: 904 يونس 106: 904 81- ما خالف ظاهره كتاب سيبويه آل عمران 29: 915 81: 912 141: 914 142: 915 168: 911 185: 917 الأعراف 4: 910 160: 910 170: 911 912 الأنعام 154: 914 160: 905 البقرة 13: 908 26: 914 85: 906 158: 918 الجاثية 3: 909 5: 808 12: 917 الحج 11: 808 25: 917 الرعد 9: 907 43: 914 الزخرف 84: 913 سبأ 15: 911 الشورى 11: 905 35: 906 43: 912 ص 50: 911 طه 52: 911 الفجر 4: 907 الفرقان 41: 910 63: 908 القمر 49: 906 الكهف 25: 909 30: 911 912 64: 807 المجادلة 19: 909

82 - الاختلاف فى لفظة ما

محمد 38: 905 مريم 6: 908 69: 904 النحل 31: 910 النساء 56: 911 95: 911 141: 905 915 النمل 29: 910 يوسف 56: 911 90: 912 82- الاختلاف فى لفظة ما آل عمران 81: 921 البقرة 85: 919 الذاريات 17: 920 الزمر 8: 922 السجدة 17: 921 الشمس 5: 921 طه 73: 2 9 العنكبوت 25: 920 42: 921 القصص 63: 920 68: 919 الكافرون 3: 922 الكهف 7: 921 النساء 24: 922 النمل 53: 921 يس 35: 920 يوسف 25: 919 يونس 66: 919

83 - تفنن الخطاب والانتقال من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى المتكلم

83- تفنن الخطاب والانتقال من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى المتكلم الفاتحة 1: 923 3: 923 ص 13: 923 طه 53: 923 النمل 60: 923 هود 28: 923 يونس 22: 923 84- الإضمار قبل الذكر الأنعام 9: 925 154: 927 الأنفال 11: 927 التوبة 69: 927 الشمس 3: 925 طه 114: 927 العاديات 4: 925 القيامة 16: 927 المؤمنون 62: 926 67: 926 99: 926 100: 926 النحل 61: 925 و 926 النمل 53: 926 85- حمل الفعل على موضع الفاء في جواب الشرط وجزمه آل عمران 142: 931 الأعراف 186: 929 و 931 البقرة 271: 929 284: 930 الشعراء 4: 931 الشورى 33: 931 34: 930 35: 930

86 - رفض الأصل واستعمال ما هو فرع

المائدة 95: 931 محمد 37: 930 المنافقون 10: 930 هود 57: 929 و 930 86- رفض الأصل واستعمال ما هو فرع الأعراف 160: 932 الروم 32: 932 طه 63 933 الفاتحة 5: 933 6: 932 7: 932 المجادلة 19: 933 النساء 84 و 141: 933 87- القراءة التي رواها سيبويه فى كتابه آل عمران 49: 942 الأعراف 77: 944 الأنعام 23: 936 الأنفال 9: 944 التوبة 3: 938 الرعد 35: 936 الشعراء 8: 942 67: 942 103: 942 158: 942 174: 942 190: 942 ص 3: 935 لقمان 27: 938 المائدة 38: 936 مريم 69: 938 و 941 النساء 16: 936 117: 943 128: 945

88 - نوع آخر من القراءات

النحل 11: 942 13: 942 65: 942 67: 942 69: 942 النور 1: 936 2: 936 هود 77: 942 78: 938 111: 938 يوسف 10: 936 88- نوع آخر من القراءات آل عمران 37: 946 49: 947 73: 947 80: 947 133: 947 154: 947 169: 947 178: 948 180: 948 188: 948 الأحزاب 10: 954 30: 954 66: 954 67: 954 الأحقاف 20: 956 25: 955 الإنسان 21: 956 الأنعام 23: 949 119: 949 139: 950 145: 950 الأنفال 18: 950 70: 946 البقرة 85: 946 270: 946 271: 946 التوبة 79: 954 الحج 2: 952 23: 952 39: 952 الحشر 14: 956 الروم 39: 953 الزمر 64: 955 سبأ 23: 954 48: 954 الصافات 105: 954 طه 130: 951 الطور 21: 955 العنكبوت 13: 951 25: 953 الفرقان 69: 954 القصص 32: 953 القلم 14: 956

89 - ألفاظ استعملت استعمال القسم وأجيبت بجواب القسم

المائدة 89: 948 112: 949 و 954 119: 954 الممتحنة 3: 956 المؤمن 58: 955 المؤمنون 72: 952 النساء 33: 948 42: 949 النور 35: 953 هود 20: 954 41: 951 89- ألفاظ استعملت استعمال القسم وأجيبت بجواب القسم آل عمران 12: 962 81: 958 187: 958 962: 964 الأنعام 12: 958 54: 958 الأنفال 39: 962 البقرة 63: 961 و 964 83: 958 و 959 و 960 و 961 و 962 و 963 84: 958 و 960 و 963 93: 958 و 964 83: 965 102: 958 و 960 180: 960 183: 960 الحجر 72: 959 و 960 الحديد 8: 961 و 964 السجدة 48: 959 فصلت 48: 960 الصف 11: 965 112: 965 المائدة 9: 959 المجادلة 18: 961 21: 959 و 960 22: 960 النحل 38: 962 الأنعام 12: 960

90 - الأفعال المفرغة لما بعد إلا

90- الأفعال المفرغة لما بعد إلّا آل عمران 7: 966 ابراهيم 9: 966 البقرة 83: 966 268: 966 الصافات 164: 966 مريم 71: 966 المؤمن 13: 966 56: 966 النساء 157: 967 النمل 65: 967

(ب) فهرس الأعلام

(ب) فهرس الأعلام (أ) إبراهيم (عليه السلام) 14، 453، 562، 570 إبراهيم بن أبى عبلة 352، 393 إبراهيم بن السرى الزجاج أبو إسحاق إبراهيم بن السرى. إبراهيم بن يزيد النخعي إبراهيم بن يزيد. ابن أبى الذبان 176. ابن أبى عبلة إبراهيم بن أبى عبلة. ابن بحر عمرو بن بحر. ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. ابن جرير غزوان بن جرير الضبي. ابن جنى عثمان بن جنى أبو الفتح. ابن دريد محمد بن الحسن بن دريد أبو بكر. ابن ذكوان عبد الله بن أحمد بن بشير. ابن زيد محمد بن زيد بن المهاجر. ابن السراج محمد بن السرى أبو بكر بن السراج. ابن عامر عبد الله بن عامر اليحصبى. ابن عباس عبد الله بن عباس. ابن عمر عبد الله بن عمر. ابن عيسى «1» (على بن عيسى بن على الرماني) 199، 722، 917 ابن فارس أحمد بن فارس بن زكريا. ابن كثير عبد الله بن كثير.

_ (1) ص: 722: «أبو عيسى» تحريف

ابن محيض عمر بن عبد الرحمن بن محيض. ابن مروان 939 ابن مسعود عبد الله بن مسعود. ابن النحاس محمد بن إبراهيم بن النحاس. ابن همام 848 ابن وثاب 17 ابن وهب عبد الله بن وهب. أبو إسحاق الزجاج الزجاج أبو إسحاق إبراهيم بن السرى. أبو بشر 392 أبو بكر بن دريد محمد بن الحسن بن دريد أبو بكر. أبو بكر بن السراج محمد بن السرى أبو بكر بن السراج. أبو بكر الصديق 461 أبو جعفر القارئ 17، 380، 381 أبو جهل 172 أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني أبو حاتم. أبو حريث (رجل بن ثعلبة) 442 أبو الحسن على بن سليمان أبو الحسن الأخفش. أبو حنيفة (النعمان بن ثابت) 31، 80 143 392 901 أبو حيوة شريح بن يزيد. أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد الأخفش الأكبر. أبو ربيعة 209 أبو زكريا 901 أبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس أبو زيد الأنصاري. أبو سعيد الحسن بن عبد الله أبو سعيد السيرافي. أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب أبو العباس. أبو عبد الله اليزيدي 356 أبو عبيد القاسم بن سلام أبو عبيد.

أبو عبيدة معمر بن المثنى أبو عبيدة. أبو عثمان المازني بكر بن محمد أبو عثمان المازني. أبو عصام (زيد) 682 أبو على الحسن بن أحمد أبو على الفارسي. أبو عمر 428 (انظر: أبو عمرو بن العلاء) . أبو عمرو بن العلاء 220، 221، 245، 246، 248، 249، 346، 347، 389، 390، 625، 852، 861، 908، 917، 930، 936، 939، 947، 948، 949، 951، 952، 953، 954، 955، 957 أبو عيسى 722 أبو مسعود الثقفي 57 أبو موسى 732 أبو نصر العجلى عبد الوهاب بن عطاء أبو نصر العجلى. أبو يوسف 80 أحمد بن فارس بن زكريا 136 أحمد بن موسى 676 أحمد بن يحيى ثعلب أبو العباس 213، 346، 347، 608، 632، 633، 652، 653، 779، 802، 897، 898 الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد أبو الخطاب. الأخفش أبو الحسن على بن سليمان الأخفش أبو الحسن. الأخفش بن شريق الثقفي 57 أسماء 88 الأسود (أبو سلام) 57 الأعمش (سليمان بن مهران) 383، 569 (ب) بكر بن محمد أبو عثمان المازني 246، 323، 332، 530، 544، 757، 793، 809، 812، 815، 921 البلخي (الحسن بن عمر بن شقيق) 928

(ت) التوزى (محمد بن الصلت) 136 (ث) ثعلب أحمد بن يحيى ثعلب أبو العباس. (ج) الجاحظ عمرو بن بحر الجاحظ. الجحدري 945 الجرجاني أبو الحسن على بن عبد العزيز «1» 733، 824، 897 الجرمي صالح بن إسحاق أبو عمرو 881 جرير بن عبد الحميد 144 جعفر 783 جويبر 925 (ح) حاتم الطائي 577 الحارثي 267 730 حجاج بن محمد المصيصي 142 الحسن بن أحمد أبو على الفارسي 25، 27، 34، 42، 44، 50، 51، 56، 61، 63، 64، 66، 71، 72، 76، 77، 84، 86، 94، 103، 104، 107، 110، 113، 114، 118، 121، 129، 141، 142، 143، 166، 171، 176، 195، 197، 204، 205، 209، 219، 244، 246، 250، 257، 258، 266، 267، 268، 269، 270، 280، 293، 294، 302، 305، 313، 316، 317، 321، 323، 343، 347، 372، 380، 383، 418، 445، 456، 461، 506، 508، 512، 521، 523، 529، 557، 576، 586، 591، 593، 601، 602، 604، 613، 629، 631

_ (1) ذكر فى المواضع الثلاثة التي ورد فيها اسمه وترجم له فيها أن وفاته كانت سنة 366 هـ. والصواب 392 هـ.

632، 633، 635، 636، 650، 661، 665، 667، 675، 678، 689، 690، 718، 719، 720، 722، 729، 737، 748، 751، 756، 764، 779، 791، 804، 812، 816، 820، 830، 834، 857، 859، 866، 876، 900، 931، 960 الحسن البصري 938 الحسن بن عبد الله أبو سعيد السيرافي 99، 101، 134، 212، 380، 550، 631، 728، 862 حفص 79، 389، 392، 946، 949، 951، 957 الحلواني 392 حمزة 249، 790، 946، 947، 948، 950، 951، 953 حمزة بن عبد المطلب 783 442 (خ) خارجة 85 خالد بن عبد الله القسري 705 خالد بن الوليد 202 الخليل بن أحمد 19، 128، 130، 170، 210، 440، 445، 656، 728، 797، 828، 857، 921، 944 (د) الدمياطي بكر بن سهل 266 الدوري 249 (ذ) الذمارى 267 (ر) الرازي عبد الرحمن بن محمد 16، 132، 249، 476 الربيع 729 رسول الله صلّى الله عليه وسلم محمد صلى الله عليه وسلم.

(ز) الزجاج أبو إسحاق إبراهيم بن السرى 16، 48، 110، 117، 118، 119، 132، 156، 186، 187، 195، 203، 204، 260، 323، 509، 593، 632، 656، 790، 936 الزمخشري 54 الزهري 352 الزيادي (إبراهيم بن سفيان) 379، 380 (س) السجستاني سهل بن محمد أبو حاتم السجستاني. سعد بن أوس أبو زيد الأنصاري 114، 140، 942، 943 سعيد بن جبير 544، 571، 690 سعيد بن المسيب 943 سلمى 887 سليمان (عليه السلام) 73 سهل بن محمد أبو حاتم السجستاني 172، 381، 822 سيبويه 12، 16، 19، 41، 42، 56، 70، 73، 79، 130، 131، 135، 140، 145، 146، 163، 170، 176، 188، 189، 190، 198، 209، 218، 219، 244، 245، 246، 248، 277، 286، 292، 296، 312، 314، 316، 328، 348، 369، 370، 379، 380، 392، 407، 410، 416، 421، 451، 511، 514، 515، 516، 518، 523، 529، 544، 550، 587، 590، 595، 601، 602، 605، 608، 609، 616، 624، 628، 631، 632، 652، 653، 654، 728، 733، 747، 748، 750، 753، 756، 779، 780، 781، 772، 785، 797، 801، 815، 819، 827، 828، 829، 845، 847، 862، 866، 898، 900، 907، 908، 921، 924، 939، 945

(ش) الشافعي (محمد بن إدريس) 35، 558 شريح بن يزيد أبو حيوة 17 شعيب 394 (ص) صالح بن إسحاق الجرمي صالح بن إسحاق. (ض) الضحاك بن مخلد 74، 925 (ط) الطبري 126، 591، 727 (ع) عاصم 250، 389، 394، 851، 948، 951، 953، 955، 956 عامر 957 عائشة 690، 943 العباس 625 عباس 221 عبد الحميد بن عبد المجيد أبو الخطاب الأخفش الأكبر 11، 170، 209، 210، 866، 908 عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان 950 عبد الله بن حسين 943 عبد الله بن عامر اليحصبى 17، 77، 286، 392، 393، 851، 947، 948، 949، 954، 955، 956، 957 عبد الله بن عباس 61، 107، 321، 461، 723، 788، 871، 925، 943

عبد الله بن عمر 79، 461، 694، 943 عبد الله بن كثير 389، 651، 802، 851، 861، 907، 908، 947، 950، 953، 954، 955، 956 عبد الله بن مسعود 694، 943 عبد الله بن وهب 732 عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح 74، 142 عبد الوهاب بن عطاء أبو نصر العجلى 143 عثمان بن جنى أبو الفتح 22، 29، 109، 171، 189، 277، 370، 407، 635، 784، 887، 891، 921، 933، 939 عثمان بن سعيد ورش عثمان بن سعيد. عروه 96 عرين بن ثعلبة 267 عضد الدولة فناخسرو 274 عفراء 961 عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام 142، 690 على بن أبى طالب 153، 158، 461، 783 على بن سليمان أبو الحسن الأخفش 51، 72، 88، 103، 110، 111، 112، 117، 151، 163، 164، 175، 190، 202، 203، 274، 282، 303، 304، 312، 316، 351، 352، 356، 357، 385، 386، 416، 419، 440، 475، 511، 512، 514، 515، 516، 518، 592، 638، 653، 669، 682، 699، 705، 718، 719، 743، 744، 748، 780، 801، 807، 819، 856، 859، 863، 889، 913 على بن عبد العزيز الجرجاني على بن عبد العزيز. عمار بن ياسر 202، 947 عمر بن عبد الرحمن بن محيصن 852 عمرو بن بحر الجاحظ 135، 192، 696 عمرو بن عبيد 143

(غ) غزوان بن جرير الضبي 657، 719 (ف) الفارسي الحسن بن أحمد أبو على الفارسي. العزاء (يحيى بن زياد) 19، 100، 101، 107، 127، 155، 176، 207، 289، 305، 338، 581، 690، 740، 756، 758، 804، 927 (ق) القاسم بن سلام أبو عبيد 689 قبيصة 85 القرطبي (عبد الله بن الحسن) 91 قرة (بن شريك) 461 قطرب (محمد بن المستنير) 146، 198، 267، 631، 756 (ك) كافور 824 الكسائي (على بن حمزة) 19، 152، 176، 249، 305، 308، 419، 511، 588، 756، 790، 946، 947، 948، 950، 951، 952، 953، 955 الكلبي (محمد بن السائب) 46، 63، 85، 507، 925 الكوفي 283 (م) ماروت 695 المازني بكر بن محمد أبو عثمان المازني. المبرد محمد بن يزيد. مجاهد بن جبر 144، 221، 372، 569، 690، 700، 732، 832، 852، 943 محمد (صلى الله عليه وسلم) 79، 191، 202، 253، 289، 333، 424، 461، 552، 573، 734، 795، 806، 768، 943 محمد بن إبراهيم بن النحاس 16 محمد بن الحسن بن دريد أبو بكر 165، 333، 967

محمد بن زيد بن المهاجر 733، 926، 927 محمد بن السرى أبو بكر بن السراج 246، 250، 306، 356، 392، 430، 550، 801، 827، 909، 946، 949، 950، 952، 953، 954، 957 محمد بن كعب 60 محمد بن يزيد المبرد 151، 357، 653 مرة بن واقع الفزاري 214 مسلم بن جندب 943 مصقلة البكري 423 معاوية بن أبى سفيان 461، 734 معمر بن المثنى أبو عبيدة 19، 88، 117، 135، 136، 346، 718 معمر بن زائدة الشيباني 528 المفضل بن محمد الضبي 953 منصور بن المعتمر 144 موسى (عليه السلام) 942 ميمون بن مهران 353 (ن) النعمان بن ثابت أبو حنيفة النعمان بن ثابت. نافع بن عبد الرحمن 393، 947، 948، 953، 954، 955، 956 النخعي إبراهيم بن يزيد 79 نوح (عليه السلام) 562 (هـ) هاروت 695 هارون (عليه السلام) 142 هارون 944، 945 هشام 947

هلال بن يساف 144 (و) ورش عثمان بن سعيد 955 الوليد بن المغيرة 57 (ى) يحيى 250 يعقوب (عليه السلام) 486 يعقوب بن إسحاق بن السكيت 381، 390، 951 يونس بن حبيب 21، 112، 170، 315، 346، 525، 545، 782، 916، 939

(ج) القبائل

(ج) القبائل (ا) الأنصار 201، 202 أهل الحجاز 913 أهل الشام 198 أهل المدينة 154، 544، 939 أهل مكة 944 (ب) البصريون 145، 212، 213، 214، 601، 795، 838، 889 بنو تميم 913 بنو زهرة 57 بنو سعد 325 بنو سلول 133 بنو كلب 909 بنو مرة 41 بنو مروان 665 (خ) خندف 885 خولان 196

(ر) ربيعة 923 الروم 461 (ع) العرب 79، 210، 212، 916 عرينة 267 عقيل 15 (ف) الفرس 461 فزارة 325، 605 (ق) قريش 328، 793 قيس 665، 923 قيس بن ثعلبة 681 (ك) كلاب 15 الكوفيون 212، 795، 897 (م) مازن 645 معد 794 المهاجرون 201، 201 (ى) اليمن 292

(د) للشعراء

(د) للشعراء (ا) ابن احمر 611 ابن الخرع 605 ابن صريم اليشكري 318 ابن مفرغ 213 ابن مقبل 306، 46 ابن هرمة 151، 473 الأحوص 1 الأخطل 423 أبو الأسود الدؤلي 942 أبو حيوة النميري 579 أبو داود 52، 70، 321، 922 أبو ذؤيب 251، 571، 943 أبو قيس الأسلت 902 أبو محمد الفقعسي 492 أبو النجم 43 أسماء بن خارجة 648 الأسود بن يعفر 525 الأعشى 85، 261، 272، 426، 435، 442، 633، 789، 906 أعشى باهلة 665 امرؤ القيس 8، 842 أمية بن عائذ 943 إياس بن سهم الهذلي 883 (ب) البريق الهذلي 888

(ت) تأبط شرا 933 (ج) جرير 135، 267، 274، 481، 519، 619، 637 الجعدي 792، 913 (ح) الحارس بن ظالم 725 حريث بن عتاب الطائي 626 حسان بن ثابت 289، 529، 868 الحطيئة 619، 703، 844 حميد بن ثور 87، 493، 792، 848 (خ) خطام المجاشعي 787 (د) درنا بنت عبعبة 681 (ذ) ذو الإصبع 942 ذو الرمة 11، 87، 216، 681، 848 (ر) الراعي 883 رؤبة 138، 325، 453، 838 (ز) زهير بن أبى سلمى 211، 453 زهير بن جناب 91 زيادة الحارثي 902

(س) ساعدة بن جؤية 119، 135 سالم بن عبادة 214 سحيم 669 سعد بن مالك القيسي 935 سوادة بن عدى 913 سوار بن المضرب 70 سيار بن قصير الطائي 729 (ش) الشماخ 136، 274، 371 (ط) طرفة بن العيد 631، 886 (ع) العباس بن مرداس 783 عبد القيس بن خفاف 320 العجاج 283، 759 هدى بن زيد 137، 209، 828 علقمة بن عبدة 42، 55، 848 عمر بن أبى ربيعة 45 عمران بن حطان 841 عمرو بن معد يكرب 70 (غ) غيلان بن حريث 883 (ف) الفرزدق 151، 370، 450، 474، 528، 577، 611، 681، 724، 733، 788، 793، 885 فروة بن مسيك 139

(ق) القطامي 942، 923 القلاع بن حزن 734 قيس بن الخطيم 611 (ك) كثير 256، 889 كعب بن جعيل 794 كعب بن زهير 885، 942 كعب بن مالك 869 الكميت 432، 784، 789 (ل) لبيد 427، 870 (م) المتنبي 824 المتنخل الهذلي 349 الموار 136 مزرد 204 مسهر بن النعمان 189 المسيب بن زيد مناة الغنوي 55، 790، 848 معاوية بن خليل النصري 633 مقاس العائذى مسهر بن النعمان مليح الهذلي 633 مهلهل 214

(ن) النابغة الذبياني 87، 292، 607 نصيب 959 (هـ) هميان بن قحافة 785

(هـ) القوافي

(هـ) القوافي (د) سواء طويل 645، 917 وسماء طويل 872 سواء وافر 289 كفاء وافر 868 وظباء خفيف 435 ارمدائه رجز 875 (ب) وتحسب طويل 432 لقريب طويل 746 قريب طويل 619 فصليب طويل 42، 55، 848 الثعالب طويل 648 يقاربه طويل 733 طلابها طويل 18 شبوبها طويل 370 أشهبا طويل 189 أرنبا طويل 633 المتعتبا طويل 272 ومسحبا طويل 906 الدؤوب وافر 883 الرقاب وافر 325

الثعلب كامل 119 مثقب كامل 135 ذيب بسيط 900 كواكبها بسيط 270 الخطوب خفيف 435 يخضب متقارب 792، 793 عواقبها منسرح 828، 914 كواكبها مجتث 137 أحبا رجز 492 كلبا رجز 325 تصب رجز 156 شهر به رجز 668 الرقبه رجز 770 (ت) أرنت طويل 729 كرت طويل 891 أتيتا مجزوء الكامل 153 شتى رجز 118 جعتا رجز 214 (ج) تأججا طويل 884 الفراريج بسيط 681 حلاجا وافر 571 تعرجا رجز 456

(ح) أكدح طويل 306 يمصح طويل 883 برائح طويل 882 بمنتزاح وافر 151 فأستريحا وافر 901 لابراح مجزوء الكامل 935 (د) يزيد طويل 140 عميد طويل 771 حمد طويل 784 مهند طويل 870 جده طويل 824 مخلدىّ طويل 94، 440، 631 ما تبدى طويل 251 وازدد طويل 886 فتنهدا طويل 443 مرقدا طويل 794 فقد بسيط 607 الأسد بسيط 681 تقد بسيط 885، 887 لميعاد بسيط 923 يريد وافر 444 القديد وافر 117 بسواد كامل 579، 708، 789 ويشهدا كامل 85

جده خفيف 105 الجلاد سريع 450 والنفد منسرح 427 أيدى رجز 439 معتقد رجز 932 (ر) يتيسر طويل 528 زاهر طويل 703 كاسر طويل 800 تصفر طويل 933 أميرها طويل 705 عامر طويل 15 بكير طويل 633 ماندرى طويل 959 فخرا طويل 902 أظهر طويل 913 صور بسيط 151 بشر بسيط 793 الزفر بسيط 426، 665، 666 إنكار بسيط 453 وارى بسيط 216 هجرا بسيط 724 وتستطارا وافر 258 غدور كامل 611 تامر مجزوء الكامل 844 المئزر سريع 838، 843 تصير خفيف 209

مذعورا خفيف 885 والفقيرا خفيف 913 بالسرر مديد 835 نفرا منسرح 395 نسر متقارب 315 نارا متقارب 52، 70، 321 بكارها رجز 883 كاسر رجز 918 الصوارا رجز 283 قدر رجز 832 (س) المجالس طويل 525 المتقاعس طويل 682 بالنواقيس بسيط 481 والأس بسيط 943 (ص) حميص وافر 790 (ض) بالإيماض رجز 889 وخضا رجز 789 (ع) تقشع طويل 731 أمنع طويل 783 فاجع طويل 133 الطوالع طويل 788

الصوانع طويل 848 الجراشع طويل 863 يمنعا طويل 605 أجمعا طويل 626 الرتاعا وافر 26، 492 المضيع وافر 136 أصنع رجز 434 المعى رجز 848 (ف) وزائف طويل 204 خلف بسيط 442 الصياريف بسيط 151، 932 كاف وافر 88 خلاف وافر 902 مختلف منسرح 611 وفا رجز 759 (ق) طليق طويل 213 صديق طويل 618 فتفرقوا طويل 633 تفلقا طويل 474 تملق رجز 151 (ك) تنسلك بسيط 211 يحمدونكا رجز 152

(ل) قبل طويل 417 عدل طويل 665، 666 يعمل طويل 666 السوائل طويل 703 نبادله طويل 734 نحاوله طويل 519 بلابله طويل 635 مفاصله طويل 11 ذيولها طويل 87 غافل طويل 135 الحجل طويل 332 المسربل طويل 883 نزل بسيط 261 الطلل بسيط 887 الفضل بسيط 789 جبريل بسيط 869 مقبول بسيط 942 ما فعلا بسيط 423 خلل وافر 256 فصول وافر 665 عيالى وافر 619 محمل كامل 320 فتجمل كامل 887 يفعل كامل 889 بخيال كامل 889 ميكالا كامل 868

اسرال خفيف 869 المعل مديد 838 واغل سريع 838، 842 أسهلا سريع 20، 45 أفضل متقارب 828 قتالا هزج 892 الأجلل رجز 831 يقل رجز 114 وبل رجز 485 يتكل رجز 325، 440 تهاله رجز 148 الهباله رجز 648 (م) نصارمه طويل 812 سهامها طويل 451 فدعاهما طويل 681 بالأباهم طويل 450 حاتم طويل 577 موهم طويل 453 واسلم طويل 453 بلئيم طويل 158 البهم طويل 259 سنام طويل 214 خثعما طويل 87، 493، 748، 792 يتندما طويل 176 لماما طويل 274

الأشائما طويل 279 طللاهما طويل 371 أمامها طويل 450، 869 السلم طويل 318 مقيم وافر 174 شامى كامل 604 ومقيم خفيف 922 المرزم متقارب 889 وميسم رجز 292، 967 والأداهم رجز 207 باللجام رجز 682 معلما رجز 605 وابنيما رجز 138 صائما رجز 934 لا يرحمه رجز 190 لامها رجز 468 (ن) رماني طويل 611 سوائنا طويل 136 حين بسيط 135 جانى بسيط 841 فتخزوني بسيط 942 قرابينا بسيط 468 بثن وافر 292 الفرقدان وافر 70، 634 عرين وافر 267، 637 الظنون وافر 274

أردنا وافر 136 آخرينا وافر 139 إيانا كامل 529، 828 المستيقن رجز 453 وصنى رجز 838 شحبينا رجز 55، 790، 848 الترسين رجز 787 (هـ) عيناها سريع 540 كفاه متقارب 349 مبوؤها منسرح 473 غايتاها رجز 204 والدها رجز 942 (ى) هيا طويل 190 ليا طويل 210 ناهيا طويل 669 عياليا كامل 214 والعبرى رجز 880 التحية مجزوء الرجز 901

(و) أنصاف الأبيات

(و) أنصاف الأبيات إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا طويل 709 ألا رب من قلبي له الله ناصح طويل 145 خليلى هل من حيلة تعلمانها طويل 216 طفت علماء علة حاتم طويل 756 فظل بملقى واجف جرع المعى طويل 87 ليبك يزيد ضارع لخصومة طويل 198، 266 وأنت كثير يا ابن مروان طيب طويل 297 وقائلة تخشى على أظنه طويل 642 وقائلة خولان فانكح فتاتهم طويل 196، 937 ولا أنا ممن يزدهيه وعيدكم طويل 939 ولكننى من حبها لعميد طويل 771 وما منهما قد مات حتى رأيته طويل 306 ويوما شهدناه سليما وعامرا طويل 450 إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر بسيط 338 هل سركم فى جمادى أن نصا لحكم بسيط 442 يا لعنة الله والأقوام كلهم بسيط 151 فما تك يا ابن عبد الله فينا وافر 347، 350 وإن يهلك فذلك كان قدرى وافر 492 وقالوا ما تشاء فقلت ألهو وافر 441 ألا لا بارك الله فى سهيل منسرح 943 سألت زيدا بعد بكر حقنا رجز 422 كان جزائى بالعصا أن أجلدا رجز 683

(ز) الأماكن

(ز) الأماكن أرمينية 729 بدر 869 جيران 824 خراسان 705 ساتيدما 468 سلمية 824 الشام 461 الطائف 57 العراق 153 الغوير 909 قنوان 41 المدينة 746 مرعش 729 مكة 57

(ح) الكتب

(ح) الكتب (ا) الاختلاف 171 الاختيار لأبى حاتم 381 الإستدراك (المستدرك) 640، 684، 835 إعراب شواذ القراءات لابن جنى المحتسب فى إعراب شواذ القراءات لابن جنى الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني 593، 632، 684، 699 (ب) بغية الوعاة للسيوطى 51، 135، 883 البحر المحيط لأبى حيان 22، 26، 38.. إلخ البيان 594، 684 لتتمه 595 (ت) التصريف الملوكي لابن جنى 22 التذكرة لأبى على الفارسي 314، 141، 273، 729، 792، 793 تفسير الدمياطي 266 تهذيب التذكرة لابن جنى 273 تهذيب التهذيب لابن حجر 46، 77، 143 (ج) الجامع لأحكام القرآن للقرطبى 79 الجمع والتثنية 127 (ح) الحجة لأبى على الفارسي 50، 120، 684 الحلبيات لأبى على الفارسي 684 الحماسة 729، 902 الخلاف 658

(د) ديوان الأعشى 85، 579 ديوان جرير 135 ديوان الفرزدق 885 (س) شرح أشعار الهذليين 883 شرح ديوان الحماسة 27 الشرح للمبرد 357 شرح المفصل لابن يعيش 11، 12 شعراء النصرانية 828، 901 (ص) الصحاح للجوهرى 44 (ك) الكتاب لسيبويه 11، 12، 42، 52، 55، 70، 87، 118، 135، 136، 137، 138، 139، 140، 141، 152، 170، 189، 273، 302، 330، 331، 339، 351، 370، 372، 407، 409، 435، 450، 485، 525، 540، 579، 589، 604، 605، 609، 635، 648، 665، 681، 724، 744، 782، 787، 789، 790، 793، 794، 801، 811، 831، 832، 839، 843، 848، 862، 870، 872، 875، 887، 897، 900، 917، 943 الكشاف للزمخشري 17، 54، 114 (ل) اللسان لابن منظور 117، 153، 189.. إلخ (م) مجالس ثعلب 626 المحتسب في إعراب شواذ القراءات لابن جني 22، 417 المختلف 128، 159

المخصص لابن سيده 450 المعاني فى التفسير للفراء 127 معجم البلدان لياقوت 41، 729 مغنى اللبيب للسيوطى 105، 139، 140، 943 مفاتيح الغيب للرازى 132 (ن) النهاية لابن الأثير 844 (و) وفيات الأعيان لابن خلكان 46

2 - الدراسة

2- الدراسة (1) تاريخ من الوفاء ذكره منذ أعوام تربى على العشرة وقع للمرحوم الأستاذ الكبير «إبراهيم مصطفى» هذا الكتاب يحمل هذا الاسم «إعراب القرآن للزجاج» وكانت منه نسخة خطية واحدة في دار الكتب المصرية. وكان اسم الكتاب واسم المؤلف جديرين بأن يلفتا إليهما الباحث في علم النحو لا سيما إذا كان هذا النحو يخص الكتاب الأم للعربية أعني القرآن الكريم. فاسم الكتاب يضيف إلى كتب الزجاج أبي إسحاق بن السري كتابا لم يذكر له، كما يضم إلى كتابه في القرآن حول معانيه كتابا في إعرابه. واسم المؤلف يغرى بالرجوع إلى ما ألف، فهو شيخ أبي علي الفارسي وتلميذ المبرد. وحين استهوى هذان أستاذنا المرحوم إبراهيم مصطفى استهوته مادته، فإذا هو يرى نفسه بين آراء خليق بها أن تقرأ وأن يقرأها معه كل متصل بعلم النحو، لم يدفعه عن هذا وذاك أن يكون الكتاب للزجاج أو لغيره، وأن يكون له هذا الاسم أو اسم آخر. وطلب المرحوم الأستاذ إبراهيم مصطفى إلى المجمع- وكان عضوا من أعضائه- أن يصور هذه المخطوطة، فصورها المجمع لتكون بين ما ينشره من التراث العربي- حين كانت للمجمع مشاركة في نشر التراث. وعهد إليّ أستاذنا بتحقيق هذا الكتاب. وحين أبدأ في تحقيقه يخرج نشر التراث من المجمع لينضم إلى نظيره بالإدارة العامة للثقافة وزارة التربية، وبعد أن أمضى في الكتاب إلى أكثره يخرج نشر التراث من إشراف وزارة التربية فيكون في إشراف وزارة الثقافة، وحين يستوى الكتاب للظهور تكون المؤسسة العامة للتأليف والترجمة والنشر قد ظهرت لتحتضن فروع الثقافة، ومنها هذا الفرع المعنى بإحياء التراث. وهذا الكتاب الذي أغرى أستاذي بالقرب منه كاد يدفعني إلى البعد عنه، فلقد رأى فيه آراء يقف عندها معجبة، ورأيت أوراقا مبعثرة لا تتصل ورقة بورقة كما لا تتصل أسطر بأسطر. فلقد نظر إليه قارئا ونظرت إليه محققا، وإذا هان على القارئ أن ينقطع

(2) القرآن منبع دين وعلم

عليه الكلام، أو تضطرب بين يديه الصفحات، فما أعسرها على المحقق، لا سيما إذا لم تكن للكتاب خطيات أخرى تعين. غير أنها كانت رغبة من أستاذي ملحة في أن يخرج الكتاب للناس، فلم أجد بدا من أن أحمل العبء راضيا. وما من مرة لقيت فيها أستاذي إلّا وجدت منه اللهفة إلى أن يرى الكتاب منشورا، وما من مرة جلست فيها إليه إلّا وجدته مشوقا إلى أن يراه وقد انتهيت فيه إلى رأي يصحح اسمه ويصحح نسبته، وما من مرة تحدثت إليه إلّا وجدته يتمنى أن أبلغ هذا قبل أن يبلغ هو أجله. ولكن الأجل كان أسرع إليه، فلقد اختطفه الموت- رحمه الله- قبل أن يخرج القسم الأول من هذا الكتاب، وقبل أن أكتب في هذا القسم الثالث رأيي في اسم الكتاب واسم صاحبه. ولئن غاب عنا الأستاذ عينا فهو حاضر بيننا معنى، والأيام التي تطوي الآجال، تنشر لأصحابها صفحات الأعمال، والخلود في الوجود للثانية لا للأولى، وما كانت الأولى غير صور تتراءى على شاشية الحياة، ما إن تظهر حتى تختفي ويبقى أثرها الذي خلقته لا يزول. والميتة ميتة الذكرى التي لا تنعشها أثرى، والميت من يموت في إثره خبره. ألا رحم الله إبراهيم مصطفى، وأبقى له خير ما عمل. (2) القرآن منبع دين وعلم حين دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه إلى التوجه إلى الله وترك الأصنام دعاهم عن وحي من ربه، وحين أملى عليهم شريعته أملاها عن وحي من ربه. وكان هذا الكتاب المنزل حجة الله على الناس، يؤيد حقه صدق الرسالة، ويزكي بيانه صدق الداعي. ووعت هذا الكتاب صدور المسلمين عند ما وعته الصحف والرقاع وحين كانت الحافزة إلى جمعه في تدوينه عهد أبي بكر لم يشق على المسلمين ما أخذوا فيه، فلقد كانت صدورهم له واعية والصحف لا تزال ندية لم يجف مدادها. واستوى للمسلمين مصحفهم الجامع أيام عثمان، واجتمعوا عليه قاطبة يتدارسونه ليقربوا إلى معانيه وأسلوبه شعوبا لم تكن لها عربية الأمة التي نزل القرآن بلسانها.

(3) إعراب القرآن

وكان القرآن كتاب المسلمين الذي يجمع لهم عقيدتهم في طهر ونقاء. وكان القرآن كتاب العرب الذي يجمع لهم لسانهم في بيان معجز. وكان بهذين شغل المسلمين الشاغل، إنكفأوا عليه يستنبطون منه ما يمس العقيدة وما يمس اللغة، وكانت لهم في ظل هذين علوم كثيرة دينية ولغوية. وكان النحو عماد هذه العلوم كلها، نشأ في ظل علم التفسير، الذي كان أول علم قرآني، وما نظن النحو تخلف عنه كثيرا، بل قد يعد النحو أسبق من التفسير، إذا نظرنا إليهما علمين لا محاولتين. فلقد نشأ التفسير محاولات مع الخلفاء الراشدين ونفر من الصحابة منهم ابن عباس وأنس بن مالك وزيد بن ثابت، وكان آخرهم وفاة عبد الله بن الزبير الذي كانت وفاته سنة 73 هـ. ولقد قضوا هؤلاء جميعا نحبهم ولم يكن التفسير قد استوى علما ولم يتم له ذلك إلّا مع أوائل القرن الثاني الهجري. على حين أخذ النحو يبرز إلى الحياة علما أيام أبي الأسود الدؤلي الذي كانت وفاته سنة 69 هـ. وإذا كان علم النحو هو عماد العلوم القرآنية، فالإعراب هو خلاصته، لا يملك زمام النحو متعلم إلّا إذا ملك الإعراب، وإلّا وقف عند حد الاستظهار ولم يتجاوزه إلى التطبيق الذي هو ثمرة العلم. والعيب الذي لحق هذا الفن الإعرابي من الإسراف فيه لا يصح أن يفوق الأخذ به، فمع كل تطبيق إسراف. ولولا هذا الإسراف لم يكن هذا الذي مكث مما ينفع الناس. والناس مع الجهل والتخلف أضيق ما يكونون بما يردهم عن خطأ ويبصرهم بصواب، من أجل ذلك عاشت فنون الكلام كلها عصر التخلف تعاني أزمات جساما، وكنا على الطريق بعلومنا كمن يحمل أثقالا، كلما أحس كلالا ألقى بثقل، حتى إذا ما أدرك آخر المطاف لم يجد مما يحمل شيئا. وهكذا كنا حين أدركت البلبلة ألسنتنا وتورطنا في جهالة أخذنا نلقي عن كواهلنا علوم العربية علما علما، فحذفنا من مناهجنا البلاغة، وخطونا إلى النحو نمحوه، وكدنا بعده نخطو إلى اللغة نزيفها لولا رحمة من الله ردت الناس من غي إلى رشد. (3) إعراب القرآن وهذا الفن الإعرابي الذي نشأ مع النحو وفي جملته أخذ يستقل، وكان استقلاله في

(4) هذا الكتاب

ظل القرآن كما أرى، تناوله أولا نحويون بنوا استشهادهم على القرآن في الأكثر، وذلك مثل ما فعل سيبويه في كتابه، ثم أخذ إعراب القرآن يخلص وحده ويكون غرضا بذاته، وكان أول من صنف في إعراب القرآن تأليفا خالصا لهذا الغرض- فيما نقل إلينا- هو قطرب أبو علي محمد بن مستنير (206 هـ) ، ثم أبو مروان عبد الملك بن حبيب القرطبي (239 هـ) ، ومن بعدهما أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني (248 هـ) وأبو العباس محمد بن يزيد المبرد (286 هـ) وأبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب (291 هـ) وأبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري (328 هـ) وأبو جعفر محمد بن أحمد بن النحاس (338 هـ) وأبو عبد الله حسين بن أحمد بن خالويه (370 هـ) ومكي بن أبي طالب القيسي (437 هـ) وأبو طاهر إسماعيل بن خلف الصقلي (455 هـ) وأبو زكريا يحيى بن علي التبريزي (502 هـ) وأبو قاسم إسماعيل بن محمد الأصفهاني (535 هـ) وأبو الحسن علي بن إبراهيم الحوفي (562 هـ) وأبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري (616 هـ) ومنتخب الدين حسين بن أبي العز الهمداني (643 هـ) وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد السفاقسي (742 هـ) وأبو أحمد بن مالك بن يوسف الرعيني (777 هـ) . ثم جاء من بعدهم غيرهم كثيرون نمسك عن ذكرهم اكتفاء بمن ذكرنا، إذ كان جهد هؤلاء المتأخرين الذين لم نذكرهم صورة من جهد من سبقوهم. وهؤلاء المؤلفون الذين ذكرنا، منهم من عرض للقرآن الكريم سورة سورة، يتناول كلمات السورة كلها أو يتناول المشكل منها، ومنهم من يعرض أشكال الإعراب ويجعل لكل شكل بابا، على نحو ما فعل مؤلفنا في هذا الكتاب الذي بين أيدينا. (4) هذا الكتاب وهذا الكتاب يضم تسعين بابا استخرجها مؤلفه من التنزيل بعد فكر وتأمل وطول إقامة على الدرس، كما يقول فى مقدمته، وهو يعنى إحدى اثنتين: 1- إما أن تكون هذه الأبواب المتمة للتسعين كانت ملء فكره، وقيد ذكره، وأنه تتبع شواهدها يجمعها من القرآن الكريم. 2- وإما أن تكون هذه الأبواب املاها عليه تصفحه للقرآن الكريم، فإذا هي تستوي له بعناوينها وشواهدها. وأكاد أضم ما بين الاثنين وأقول: إنه دخل إلى هذا التأليف وفي رأسه بعض

الأبواب بشيء من شواهدها، وإذا هو يستقصي وإذا هذا الاستقصاء يملي مزيدا من أبواب ومزيدا من شواهد. يفصح لك عن هذا الذي ارتأيناه قيام أبواب لا أصالة لها في التأليف إلى جانب أبواب لها أصالتها. ونعني بالأولى أبوابه التي لم تنبن على قواعد عامة، أو التي لم يملك هو أن يتوجها بعناوين صريحة، وذلك مثل الباب: الرابع والثمانين، والثامن والثمانين، فأولهما يحمل نوعا آخر من إضمار الذكر، والثاني يحمل نوعا آخر من القراءات. هذا إلى عقده أبوابا على كلمات يكاد يستوعبها جزء من الصفحة، وانكماشه لا عن قلة شواهدها في كتاب الله بل عن هذا الذي قدمناه، من ذلك قوله في نهاية الباب الثالث والسبعين: فهذه أربع آيات حضرتنا الآن. وهذه تدلك على أنه لم يدخل إلى هذا التأليف- كما قلنا- مملوء الرأس بالأبواب كلها وبشواهدها، بل دخله ببعضها. وأبواب هذا الكتاب المتمة تسعين بابا ليست نحوا كلها فتستوي لها أصالتها، بل هي في تنوعها تؤكد لنا هذا الذي ذهبنا إليه، كما تكاد تملي علينا أن المؤلف استملاها من كتب له أخرى في القرآن واقتطعها من هناك ليضمها إلى ما هنا في هذا الكتاب. والناظر في هذه الأبواب يجد من بينها ما يتصل بالقراءات، مثل بابه الذي عقده للإشمام والروم «1» ، ومثل بابيه اللذين عقدهما لأنواع من القراءات «2» كما يجد فيها ما يتصل بالبيان مثل بابه الذي عقده في التقديم والتأخير «3» ، وبابه الذي عقده في المطابقة والمشاكلة «4» . وكما يجد فيه ما يتصل بالصرف مثل بابيه «5» : فيما خرج على أبنية التصريف، وفيما جاء من القلب والإبدال، اللهم إلّا إذا عددت الصرف نحوا فلا اعتراض. ونحن بهذا الذي نلاحظ قد نعني تجريد الكتاب من صفته، وقد نعني تأكيد المعنى الذي سقناه قيل: من أنه كان اجتهادا أملته النظرة أكثر مما أملته الفكرة. غير أنا لا ندع الحديث عن هذا التخالف بين الأبواب في المنحى يمردون أن نقف وقفة قصيرة لنقول كلمة قصيرة هي من الموضوع وليست بعيدة عنه، وهذه الكلمة

_ (1) الباب الحادي عشر. (2) البابان: 84 و 88 (3) الباب: 37 (4) الباب: 18 (5) البابان: 74 و 75.

القصيرة هي في هذا التخالف. فهل ترى أبوابا يفرق بينها التخالف أكثر مما يجمع بينها التآلف ينتظمها عنوان جامع؟ ثم هل ترى أبوابا منها شيء في النحو وشيء في الصرف وشيء في القراءات وشيء في البيان يضمها «إعراب القرآن» ؟ فنحن نعرف هذا الحديث المتنوع يشيع في كلام المفسرين وتضمه كتب التفسير، ولكن حين يخص المؤلف كتابا بغرض يجمع فيه كل ما يتصل بهذا الغرض لا يخرج عنه إلّا في القليل، على أن يكون هذا القليل في حكم البيان لقضيته أو توكيدها. ونحن نعرف أن الذين ألفوا مستقلين في إعراب القرآن كتبا مستقلة عرضوا الإعراب في ظل السور، غير كتابنا هذا الذي عرض السور في ظل الإعراب، غير أنه لم يمض في هذا إلى آخر المطاف، بل ضم إلى هذه الأبواب الإعرابية أبوابا أخرى في أغراض مختلفة، فلم تجىء ملائمة لهذا العنوان الذي توجّها. وأنا بهذا أحب أن أثير شكا حول اسم الكتاب، كما أثرت هذا الشك حول اسم مؤلفه. ولكنا إذا رجعنا إلى الكلمات القليلة التي بقيت لنا من مقدمة المؤلف نجده يقول بعد عرض الأبواب: فهذه تسعون بابا أخرجتها من التنزيل بعد فكر وتأمل وطول الإقامة على درسه ليتحقق للناظر فيه قول القائل: أحبب النحو من العلم فقد ... يدرك المرء به أعلى الشرف إنما النحوي في مجلسه ... كشهاب ثاقب بين السدف يخرج القرآن من فيه كما ... تخرج الدرة من بين الصدف ثم يسوق بعد هذا أبياتا للكسائي في هذا المعنى. ولا نجد له بعد هذا كلاما يكشف عن غرض بذاته. ولكنا نلمس من هذا الاستشهاد الشعري الذي ساقه أن المؤلف كان يعني أن يكون الكتاب كتابا في النحو القرآني، بمعنى هذه الكلمة الواسع، وأنه كان في تأليفه متأثرا بالكتاب لسيبويه، الذي جمع فيه مؤلفه- أعني سيبويه- أغراضا مثل هذه الأغراض من النحو والصرف واللغة. وعلى هذا النمط وفي هذا الغرض الواسع ألف مؤلفنا هذا الكتاب، والفرق بينه وبين سيبويه، هو أن سيبويه لم يخلص كتابه للقرآن على حين خلص مؤلف هذا الكتاب كتابه للقرآن، وكان الإعراب هو ثمرة النحو أو هو النحو تطبيقا، فلم يكن ضير من أن

(5) مؤلف الكتاب

يسمى الكتاب إعراب القرآن، مع ما يضم من أبواب في غير الإعراب (5) مؤلف الكتاب والصفحة الأولى من المخطوطة التي أملت علينا عنوان الكتاب، وقد عرفت الرأي فيه، أملت علينا اسم المؤلف أيضا، أملته علينا لقبا لا اسما ولم تزد عن «الزجاج» . وهاتان الكلمتان، الكلمة التي تشير إلى اسم الكتاب والكلمة التي تشير إلى اسم المؤلف، تحملهما صفحة أولى خطها يباين خط الكتاب. والزجاج أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل النحوي (316 هـ) لم يبعد عن هذا الميدان ميدان التأليف في علوم القرآن، وله في ذلك كتاب: معاني القرآن، كما له في غير هذا الميدان كتب أخرى تتصل باللغة والنحو والشعر. والذين ترجموا للزجاج من القدامى، وهم كثرة، لم يذكروا له كتابا باسم إعراب القرآن، وكان الظن بادىء ذي بدء أن هذا الكتاب أعني «إعراب القرآن» من ذاك الكتاب أعني «معاني القرآن» إذا كان المؤلف واحدا. ولكن سرعان ما انتفى هذا الاحتمال. وعاد الكتاب الذي بين أيدينا يعوزه مؤلف ينضاف إليه. وكان هذا الذي كتب على الصفحة الأولى من المخطوطة شيئا يجب أن يخرج به الكتاب مع الطبع ليشير إلى هذه القضية التي وراءها حديث طويل، وأن هذا الحديث الطويل كله فروض، وأن هذه الفروض قد يرجح فيها فرض ليكون نتيجة صحيحة. من أجل هذا آثرنا أن نقول مع عنوان الكتاب «المنسوب إلى الزجاج» لندلك على أن ثمة شيئا سوف يقال، وأن هذا المقول لم يتبين آخره، وأن عليك أن تأخذ معنا في القضية من حيث بدأت إلى حيث تنتهى. والقارئ للكتاب يجد فيه: 1- نقولا عن أعلام تأخرت وفاتهم عن وفاة الزجاج، نذكر لك منهم: أبا بكر بن دريد، وكانت وفاته سنة 321 هـ. والجرجاني أبا الحسن علي بن عبد العزيز، وكانت وفاته سنة 366 هـ. وأبا سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله، وكانت وفاته سنة 368 هـ.

وأبا على الفارسي الحسن بن أحمد، وكانت وفاته سنة 377 هـ. وابن عيسى الرماني، وكانت وفاته سنة 384 هـ. وابن جنى أبا الفتح عثمان وكانت وفاته سنة 392 هـ. 2- نقولا عن الزجاج نفسه، تستوى مع النقول المعزوة إلى غيره. 3- رجالا كانت وفاتهم متأخرة عن وفاة الزجاج، نذكر لك منهم. عضد الدولة فناخسرو، وكانت وفاته سنة 372 هـ. 4- إشارات إلى كتب يسميها مؤلف الكتاب وينسبها إلى نفسه ويحيل عليها وهى: (ا) كتاب: الاختلاف. (ب) كتاب: المختلف. (ج) كتاب: الخلاف. (د) كتاب: البيان. (هـ) التتمة. (و) الاستدراك (المستدرك) . (5) - إشارات إلى كتب أخرى لم يسمها المؤلف، فيقول: وقد استقصينا هذه المسألة في غير كتاب من كتبنا (113 و 141) . ويقول: وقد ذكرنا في غير موضع من كتبنا (174) . 6- التحامل على المشارقة، فيقول وهو يذكر أبا على الفارسي: فارسهم (790 و 791) . وفارس الصناعة (557) . ونقرأ له وهو ينقل عن الجرجاني: إنما العجب من جارجانيكم (897) . ويعقد بابا، وهو الباب الحادي والثمانون، جاء في التنزيل وظاهره يخالف ما في كتاب سيبويه، ويزيد هذه العبارة اللاذعة: وربما يشكل على البزل الحذاق فيغفلون عنه.

7- وقفته وقفة الند للمشارقة يناقشهم الرأى ويعقب عليهم، وترى من هذا الكثير فى كتابه، فيقول وهو يناقش الكسائي بعد عرض رأى له (152) : هذا عندنا لا يصح. ويقول وهو يعرض بالسيرافي فى شرحه لكتاب سيبويه (279) : ألا ترى أن شارحكم زعم. 8- وقد تنضم إلى هذا عبارة جاءت تعقيبا على الرازي (16) وهى: يا رازى مالك وكتاب الله. وقد كنا أثبتنا هذه العبارة فى الحاشية بعد أن كانت، فى سياق النص، ظنا بأنها من زيادات قارئ. وإنى أعود فأرفع هذه العبارة من الحاشية إلى النص لأضمها إلى أدلة التحامل. وأحب أن أضيف أن الرازي المعنى فى هذه العبارة هو أبو يحيى عبد الرحمن ابن محمد المحدث المفسر، وكانت وفاته سنة 291 هـ، وليس هو الرازي الاخر محمد بن عمر الذي كانت وفاته سنة 606 هـ، إذ هذا الرأى الذي يناقشه المؤلف فى كتابه لم يرد لابن عمر فى تفسيره، ولو أن تفسير عبد الرحمن بين أيدينا للكنا الحجة كاملة، ولكنها على هذا لن تعدو الحقيقة. وفى ضوء هذه الأدلة نستطيع أن نخلص: 1- إلى أن صاحب هذا الكتاب مغربى لا مشرقى، لتحامله على المشارقة هذا التحامل، الذي مر بك شىء منه، والذي يدلك على أن ثمة جبهتين. والغريب أن المشارقة أحسوا هذا من مؤلف الكتاب، وحملت النسخة التي بين أيدينا بعضا من تعليقات القراء، وهم من المشارقة لا شك فى ذلك، معها مثل هذا التيل من المؤلف، ومن هذه العبارات تلك التي جاءت فى

(6) من هو مؤلف الكتاب

(ص: 29) : يا قارئ كتاب عثمان- يريد: ابن جنى- ولا تفهمه أبدا- وهو يدريد المؤلف لا شك. 2- إلى أن صاحب الكتاب كان من العلماء المبرزين وأنه صاحب تواليف عدة، وأن هذه التواليف منها كثرة فى علوم القرآن. 3- إلى أن صاحب الكتاب ليس الزجاج، بل هو رجل آخر، إن لم يكن من مخضرمى القرنين الرابع والخامس الهجريين، فلا أقل من أن يكون قد بلغ نهاية القرن الرابع. (6) من هو مؤلف الكتاب ولقد عدت أستعرض من ألفوا فى إعراب القرآن ونحوه فى هدى هذا الذي انتهيت إليه فإذا أنا أقف عند رجل منهم لا أكاد أجاوزه إلى غيره، هو: مكى ابن أبى طالب حموش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني. وكان الذي وقفنى عنده لا أجاوزه: 1- أن الرجل مغربى لا مشرقى. 2- أنه من أصحاب التواليف الكثيرة، وأن أكثر هذه التواليف فى علوم القرآن. 3- أن هذه المؤلفات التي ذكرت فى الكتاب منسوبة إلى مؤلفه، ذكرت بين مؤلفات مكى. 4- أن مكيا هذا من مخضرمى القرنين الرابع والخامس، فلقد كان مولده سنة 355 هـ، وكانت وفاته سنة 437 هـ. وبقي بعد هذا أن الرجل له كتابان يتنازعان هذا الغرض الذي يتناوله هذا الكتاب، وأول الكتابين: شرح مشكل غريب القرآن، ولا يزال مخطوطا. وحين رجعت إليه تبينت أنه ليس هو.

أما ثانى الكتابين فهو: إعراب القرآن. وما أظن إلّا أنه هو المقصود، وما أظنه إلّا أنه هو الذي بين أيدينا. غير أن هذه الأبيات الثلاثة الفائية القافية التي جاءت فى المقدمة، ولم يعزها المؤلف لقائل، والتي أشرنا فى الحاشية هناك إلى أنها جاءت معزوة إلى جامع العلوم على بن حسين، وعلى بن الحسين هذا كانت وفاته سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة (543 هـ) ، وهذا ما ينفى نسبة الكتاب إلى مكّى، إذ وفاة مكّى كانت كما علمت سنة سبع وثلاثين وأربعمائة (437 هـ) . غير أن صاحب معجم الأدباء بتعقيبه الذي سقناه هناك فى الحاشية عن البيهقي دفع أن تكون الأبيات من إنشاء جامع العلوم على بن الحسين وإنما هى من إنشاده، وهذه تعنى أن الأبيات لسابق. ولكن هذا التعقيب من ياقوت لم يقنع به الأستاذ أحمد راتب نفاخ فى مقاله الذي نشره فى مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق «1» ورأى أن هذا الكتاب لجامع العلوم، وقوّى هذا عنده: 1- أن لجامع العلوم كتابين، هما: الاستدراك، والبيان. 2- وأن هذين الكتابين اسمان لكتابين من كتب جامع العلوم وهما: (أ) الاستدراك على أبى على، (ب) والبيان فى شواهد القرآن. 3- وأن المؤلف هنا فى غير ما موضع يستدرك على أبى على الفارسي فى كتابه الحجة، وهذا يعنى أن الاستدراك (المستدرك) هنا لأبى على الفارسي لا المكىّ. 4- وأنه ثمة كتاب لجامع العلوم، هو: الكشف فى نكت المعاني والاعراب وعلل القراءات المروية عن الأئمة السبعة.

_ (1) انظر مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق (ج 4: م 48) دمشق 1393 هـ (1973 م)

(7) تعريف بمكى

5- وأنه بمراجعته نصوصا من هنا- أعنى فى هذا الكتاب الذي بين أيدينا- ونظائرها فى الكشف وجد ثمه اتفاقا: 6- وأن جامع العلوم يشير فى مواضع من كتابه (الكشف) بقوله: وقد نبهت على الأبيات فى البيان. 7- وأن هذه كلها تعنى أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا لجامع العلوم لا لمكىّ. 8- وأن هذا الكتاب الذي بين أيدينا هو: البيان فى شواهد القرآن والأمر على الرغم من هذا يحتاج إلى مزيد قاطع. (7) تعريف بمكى وأحب الآن أن أعرفك بهذا الرجل الذي أكاد أرجح أنه مؤلف هذا الكتاب. ولقد ترجم له مؤلفون عدة من المغاربة ومن المشارقة. فمن المغاربة: 1- ابن بشكوال فى كتابه: الصلة فى تاريخ أئمة الأندلس (2: 571- 574) 2- الضبي، فى كتابه: بغية الملتمس فى تاريخ رجال الأندلس (396- 397) . 3- الأزدى الحميدي فى كتابه: جذوة المقتبس فى تاريخ علماء الأندلس (الورقة: 151) ومن المشارقة: 1- القفطي فى كتابه: إنباه الرواة (3: 313- 319) . 2- ابن خلكان فى كتابه: وفيات الأعيان (2: 580- 583)

3- ياقوت، فى كتابه: معجم الأدباء (19: 167- 171) 4- السيوطي، فى كتابه: بغية الوعاة (396- 397) وهؤلاء كلهم، وغيرهم ممن لم نذكر، مجمعون على أنه: أبو محمد مكى بن أبى طالب حموش بن محمد بن مختار القيسي، غير ياقوت فإنه تردد فى اسم الأب هل هو، حموش أو محمد؟ وما بعد هذا فالمراجع كلها تحدثنا أنه بالقيروان ولد، وأن مولده كان لسبع بقين من شعبان سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، أو أربع وخمسين وعلى أرض القيروان دب وشب، حتى إذا ما بلغ الثالثة عشرة من عمره سافر إلى مصر حيث اختلف إلى المؤدبين. وكانت رحلته تلك إلى مصر سنة 367 هـ، وبقي بمصر إلى سنة تسع وسبعين، أن نحوا من اثنى عشر عاما، حفظ فى خلالها القرآن واستظهر القراءات وغيرها من الآداب. ثم عاد إلى القيروان. وبقي بها إلى سنة اثنتين وثمانين، أي نحوا من ثلاث سنين. ثم عاد ثانية إلى مصر ليتم تحصيله الذي بدأه فى إقامته الأولى. وقد أقام بمصر إقامته الثانية إلى سنة سبع وثمانين أي نحوا من سنين أربع. ثم خرج إلى مكة فأقام بها إلى آخر سنة تسعين، أي نحوا من سنين أربع، حج فيها أربع حجج متوالية. وفى سنة إحدى وتسعين خرج من مكة قاصدا مصر. ولم يمكث فى مصر هذه المرة كثيرا، فقد تركها إلى القيروان. وفى سنة اثنتين وتسعين كانت رحلته إلى الأندلس. وفى رجب من سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وصل قرطبة حيث جلس للإقراء بجامعها. ولقد كان نزوله أول ما نزل قرطبة فى مسجد النخيلة الذي بالرواقين عند باب العطارين. وبه بدأ يقرئ الناس. ثم نقله المظفر عبد الملك بن أبى عامر إلى جامع الزاهرة، وبقي يقرئ فيه إلى انتهاء دولة آل عامر. ثم نقله محمد بن هشام المهدى إلى المسجد الخارج بقرطبة فأقرأ فيه مدة الفتنة كلها إلى أن قلده الحسن بن جهور الصلاة

والخطبة بالمسجد الجامع. وأقام على ذلك إلى أن مات رحمه الله سنة سبع وثلاثين وأربعمائة (437 هـ) . هذه هى حياة مكى وتلك رحلاته. وأنت ترى معى أنه أقام أكثر ما أقام بمصر والأندلس، فلقد كانت إقامته بمصر فى المرات التي اختلف إليها نحوا من ستة عشر عاما، كما كانت إقامته بالأندلس بعد أن استقر به المطاف فى قرطبة نحوا من خمس وأربعين سنة. ونرى أن إقامته بمصر ثم بمكة كانت للتحصيل، وأن عمره الطويل الذي قضاه بالأندلس كان للتأليف. وللرجل ما يربى على التسعين كتابا ذكرها كلها القفطي فى ثبت. وأكثر هذه الكتب فى علوم القرآن، كما قلت لك. ومن هذه الكتب: 1- الهداية إلى بلوغ النهاية فى معانى القرآن وتفسيره وأنواع علومه. سبعون جزءا 2- منتخب كتاب الحجة لأبى على الفارسي. ثلاثون جزءا. 3- التبصرة فى القراءات. خمسة أجزاء. 4- الموجز فى القراءات: جزآن. 5- المأثور عن مالك فى أحكام القرآن وتفسيره. عشرة أجزاء. 6- الرعاية لتجويد القرآن. أربعة أجزاء. 7- الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه. ثلاثة أجزاء. 8- الزاهي فى اللمع الدالة على مستعملات الإعراب. أربعة أجزاء. 9- الاختلاف فى عدة الأعشار. جزء. 10- مشكل غريب (إعراب) القرآن. ثلاثة أجزاء. 11- الاختلاف بين قالون وأبى عمرو. جزء. 12- الاختلاف بين قالون وابن كثير. جزء. 13- الاختلاف بين قالون وابن عامر. جزء. 14- الاختلاف بين قالون وحمزة جزء.

15- الاختلاف بين قالون وورش. جزء 16- انتخاب كتاب الجرجاني فى نظم القرآن وإصلاح غلطه. يعنى غلط الجرجاني. أربعة أجزاء. 17- بيان إعجاز القرآن. 18- اعراب القرآن. ذكره ياقوت وحده. 19- هجاء المصاحف. جزآن. 20- دخول حروف الجر بعضها مكان بعض. 21- التتمة. 22- (الاستدراك والمستدرك) . 23- المختلف. فهذه جملة قليلة من كتبه الكثيرة، ولكنها على أية حال تصور لك موضوعاتها منهج الرجل، وتصور لك أجزاؤها جهده، ولقد كان جهدا كبيرا، كما ترى، ما نشك فى أن سنى الأندلس التي بلغت خمسا وأربعين أو كادت اتسعت لها كلها، إذا كانت سنوه قبل ذلك التي قضاها فى مصر ومكة للتحصيل والجمع، كما قلت لك. واجب أن أزيدك تعريفا بجامع العلوم الذي ينازع مكى بن حمّوش هذا المؤلف فقد ترجم له: 1- عبد الباقي بن علىّ فى كتابه: إشارة التعيين إلى تراجم النحلة واللغويين (الورقة: 33) 2- وابن مكتوم فى كتابه: تلخيص أخبار اللغويين (ص: 133) . 3- والصفدي فى كتابه نكت الهميان (ص: 211) 4- وياقوت فى كتابه (معجم الأدباء: 5: 182) 5- والقفطي فى كتابه انباء الرواة (2: 247) 6- والسيوطي فى كتابه بغية الوعاة (2: 160) 7- وحاجى خليفة فى كتابه كشف الظنون (ص: 603، 1160) 8- وإسماعيل البغدادي فى كتابه هدية العارفين (1: 697)

(8) كتاب إعراب القرآن

وهو على بن الحسين الضرير النحوي الأصبهانى الباقولى المعروف بجامع العلوم وقد استدرك على أبى على الفارسي وعلى عبد القاهر الجرجاني. وله من الكتب: 1- البيان فى شواهد القرآن. 2- شرح الجمل للجرجانى، وسماه: الجواهر فى شرح جمل عبد القاهر 3- الاستدراك على أبى عليّ الفارسي. 4- شرح اللمع لابن جنى. 5- كشف المعضلات فى نكت المعاني والإعراب وعلل القراءات المروية عن الأئمة السبعة. وكانت وفاة جامع العلوم على بن الحسين سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة (543 هـ) (8) كتاب إعراب القرآن وهذا الكتاب الذي تراه بين يديك مطبوعا تضمه أقسام ثلاثة تبلغ صفحاتها نحوا من سبعين وتسعمائة صفحة، كان من قبل ذلك مخطوطا تضمه خطية تبلغ ورقاتها خمسا وأربعين ومائتى ورقة تنطوى كل ورقة على وجهين، أعنى أنها تقع فى تسعين وأربعمائة صفحة، أسطر كل صفحة واحد وعشرون سطرا، كلمات كل سطر نحو من اثنتي عشرة كلمة وصفحتها الأولى كما وصفتها لك، وتحمل الصفحة الأخيرة منها ما يشير إلى اسم الناسخ، وإلى الوقت الذي فرع فيه من كتابتها، وأن ذلك كان يوم الأربعاء بعد الظهر لليلتين خلتا من رمضان سنة عشر وثلاثمائة كما تحمل أيضا اسم البلد الذي كتبت فيه هذه الخطبة وأنه كان مدينة شيراز. وهذا وذاك يعنيان:

1- أن المخطوطة كتبت بمدينة شيراز. 2- وأنها كتبت بعد وفاة المؤلف بنحو من أربع وسبعين ومائة سنة، وكتابتها بشيراز تعنى أن لها أصلا كان هناك، ولعله باق لم يضل، ولعل ثمة منسوخات أخرى هناك نسخت عنه. وكتابتها فى هذا العام القريب شيئا من وفاة المؤلف تدل على أنها لم تبعد كثيرا عن الأصل الأول، غير أنه ثمة شىء يقفنا عنده: 1- كيف نقلت هذه الخطية إلى شيراز؟ 2- وعن أية خطية نسخت؟ إن الاضطراب الذي فى هذه النسخة يكاد يدلنا على أنها نقلت من أوراق مبعثرة لم تستقم لجامعها. ولا ندرى أين كانت هذه الأوراق المبعثرة المتفرقة التي نقل عنها هذا الأصل الذي بين أيدينا، إذ هو: 1- ناقص غير كامل. 2- مضطرب غير متصل. 3- متداخل الكلام، أعنى يضم أوله شيئا مما فى آخره. وقد اقتضانى هذا: 1- أن أتتبع الأبواب أستقصى تتماتها. 2- أن أعيد ترتيب الصفحات. 3- أن أعيد الأسطر إلى أماكنها. وإنك لواجد أرقام صفحات المخطوطة، التي تحملها هوامش المطبوعة، تفسر لك هذا الاضطراب فى الصفحات والأسطر. ثم إنك لواجد إشارات إلى النقص والتداخل. وإشارات أخرى تفصل بين الأبواب.

(9) الفهارس

(9) الفهارس وحين انتهيت من تحقيق الكتاب معتمدا على هذا الأصل السقيم ألحقت به هذه الفهارس التي تراها. (10) كلمة الختام وانا بعد هذا كله سعيد بأن أكون قد أخرجت إلى النور كتابا من الكتب التي تتصل بكتاب الله، أعنى القرآن الكريم. وهو لا شك كتاب له نفعه وله أثره. وإنى لراج أن أجد به من الناس لفتة إلى علم- وهو النحو- كادوا أن ينسوه، وما علموا أنهم إن أنسوه أنسوا شيئا جليلا تقوم عليه لغتهم الجليلة.

§1/1