إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين

البكري الدمياطي

جمع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر الطبعة الأولى 1418 هـ / 1997 م حارة حربك - شارع عبد النور برقيا: فكسى حسب 7016/ 11 تلفون: 838305/ 838202 / 838136 فاكس 9611837898 بيروت - لبنان دولي: 961186062

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم ـــــــــــــــــــــــــــــ المقدمة الحمد لله الذي أوضح الطريق للطالبين، وسهل منهج السعادة للمتقين، وبصر بصائر المصدقين بسائر الحكم والأحكام في الدين، ومنحهم أسرار الإيمان وأنوار الإحسان واليقين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك، الحق المبين. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، القائل: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فيقول أفقر الورى إلى ربه، ذي العطا، أبو بكر ابن المرحوم محمد شطا: إنه لما وفقني الله تعالى لقراءة شرح العالم العلامة، العارف الكامل، مربي الفقراء والمريدين والأفاضل، الجامع لأصناف العلوم، الحاوي لمكارم الأخلاق مع دقائق الفهوم، الشيخ زين الدين ابن الشيخ عبد العزيز ابن العلامة الشيخ زين الدين مؤلف هداية الأذكياء إلى طريق الأولياء ابن الشيخ علي ابن الشيخ أحمد الشافعي المليباري الفناني المسمى: بفتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين، بمحفل من طلاب العلم العظام تجاه البيت الحرام، كتبت عليه هوامش تحل مبناه وتبين معناه. ثم بعد تمام القراءة طلب مني جملة من الأصدقاء والخلان، أصلح الله لي ولهم الحال والشان، تجريد تلك الهوامش وجمعها، فامتنعت من ذلك لعلمي بأني لست ممن يرقى تلك المسالك، واعترافي بقلة بضاعتي، وإقراري بعدم أهليتي. فلما كرروا علي الطلب، توسلت بسيد العجم والعرب، فجاءت البشارة بالإشارة، وشرعت في التجريد والجمع مستعينا بالملك الوهاب وملتمسا منه التوفيق وللصواب، رجاء أن يكون تذكرة لي وللأحباب. وأن ينفعني به والأصحاب، فالله هو المرجو لتحقيق رجاء الراجين وإنجاح حاجات المحتاجين. وسميته: إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين. واعلم أيها الواقف على الجمع المذكور أنه ليس لي فيه إلا النقل من كلام الجمهور، والإتيان في ذلك بالشئ المقدور. فالميسور - كما قيل - لا يسقط بالمعسور. وأن عمدتي في ذلك التحفة، وفتح الجواد شرح الإرشاد، والنهاية، وشرح الروض، وشرح المنهج، وحواشي ابن قاسم، وحواشي الشيخ علي الشبراملسي، وحواشي البجيرمي، وغير ذلك من كتب المتأخرين. وكثيرا ما أترك العزو خوفا من التطويل، ثم ما رأيته من صواب في أي مطلب فهو من تحرير الأئمة أهل المذهب، وما رأيته من خطأ فمن تخليط حصل مني، أو وهم صدر من سوء فهمي، فالمسؤول ممن عثر على شئ من الخلل أن يصلحه، ويسامح فيما قد يظهر من الزلل. وما أحسن ما قيل: وإن تجد عيبا فسد الخللا فجل من لا عيب فيه وعلا ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا لمرضاته، ويسبل علينا ذيل كراماته، وأن يعيننا على الإكمال، وأن ينفع به كما نفع بأصله، إنه ذو الجود والإفضال، وأن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم وموجبا للفوز لديه بجنات النعيم، وها أنا أشرع في المقصود بعون الملك إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير

بسم الله الرحمن الرحيم ـــــــــــــــــــــــــــــ وها أنا أشرع في المقصود بعون الملك المعبود. فأقول - وبالله التوفيق لأحسن الطريق - (قوله: بسم الله الرحمن الرحيم) قد أفردها بالتأليف من لا يحصى من العلماء، وأبدى فيها وأبدع من لا يستقصى من النبلاء، ومع ذلك ما بلغوا معشار ما انطوت عليه من لطائف الأسرار ونكات التفسير، إذ لا يحيط بتفضيله وجمله إلا اللطيف الخبير، كيف ذلك وقد قال الإمام علي كرم الله وجهه: لو طويت لي وسادة لقلت في الباء من بسم الله الرحمن الرحيم وقر سبعين بعيرا. وفي رواية عنه: لو شئت لأوقرت لكم ثمانين بعيرا من معنى بسم الله الرحمن الرحيم. ولكن ينبغي التكلم عليها من جنس الفن المشروع فيه، وفاء بحقها وبحق الفن المشروع فيه. والآن الشروع في فن الفقه الباحث عن الأحكام الشرعية، فيقال: البسملة مطلوبة في كل أمر ذي بال - أي حال - يهتم به شرعا، بحيث لا يكون محرما لذاته ولا مكروها كذلك، ولا من سفاسف الأمور - أي محقراتها - فتحرم على المحرم لذاته كالزنا، لا لعارض كالوضوء بماء مغصوب. وتكره على المكروه لذاته كالنظر لفرج زوجته، لا لعارض كأكل البصل. ولا تطلب على سفاسف الأمور، ككنس زبل، صونا لاسمه تعالى عن اقترانه بالمحقرات. والحاصل أنها تعتريها الأحكام الخمسة: الوجوب، كما في الصلاة عندنا معاشر الشافعية - والاستحباب عينا: كما في الوضوء والغسل، وكفاية: كما في أكل الجماعة، وكما في جماع الزوجين، فتكفي تسمية أحدهما - كما قال الشمس الرملى أنه الظاهر - والتحريم في المحرم الذاتي، والكراهة في المكروه الذاتي، والإباحة في المباحات التي لا شرف فيها، كنقل متاع من مكان إلى آخر، كذا قيل. وإنما افتتح الشارح كتابه بالبسملة، اقتداء بالكتاب العزيز، وعملا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر أو أقطع أو أجذم. والمعنى - على كل - أنه ناقص، وقليل البركة، وقلة البركة في كل شئ بحسبه. فقلتها في نحو التأليف قلة انتفاع الناس به وقلة الثواب عليه، وفي نحو الأكل قلة انتفاع الجسم به، وفي نحو القراءة قلة انتفاع القارئ بها، لوسوسة الشيطان له حينئذ. وأتبع ذلك بالحمدلة، عملا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر أو أقطع أو أجذم. وقوله في الحديث فهو أبتر إلخ ... هو عند الجمهور من باب التشبيه البليغ. وعلى هذا فالأبتر وما بعده باقية على معانيها الحقيقية، وعند السعد يجوز أن يكون من باب الاستعارة بأن يشبه النقص المعنوي بالنقص الحسي الذي هو قطع الذنب، أو قطع إحدى اليدين، أو الجذم - بفتحتين - ويستعار البتر، أو الجذم، أو القطع، للنقص المعنوي. ويشتق منه أبتر أو أقطع أو أجذم، بمعنى ناقص نقصا معنويا. فإن قلت: بين الحديثين تعارض لأنه إن عمل بحديث البسملة فات العمل بحديث الحمدلة، وإن عمل بحديث الحمدلة فات العمل بالآخر. قلت: قد ذكر العلماء لدفع التعارض أوجها كثيرة، فمن جملتها: أن الابتداء قسمان: حقيقي، وإضافي أي نسبي. والأول هو ما تقدم أمام المقصود ولم يسبقه شئ، والإضافي ما تقدم أمام المقصود وإن سبقه شئ. وقال عبد الحكيم: أنه يشترط في الإضافي أن يسبقه شئ، وحمل حديث البسملة على الأول والحمدلة على الثاني، تأسيا بالكتاب العزيز، وعملا بالإجماع. واعلم أنه جاء في فضل البسملة أحاديث كثيرة، غير الحديث المتقدم، روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أول ما كتب القلم بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا كتبتم كتابا فاكتبوها أوله، وهي مفتاح كل كتاب أنزل. ولما نزل بها جبريل أعادها ثلاثا، وقال: هي لك ولأمتك، فمرهم أن لا يدعوها في شئ من أمورهم، فإني لم أدعها طرفة عين مذ نزلت على أبيك آدم، وكذلك الملائكة. وروي أنها لما نزلت هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الرياح، وهاج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورجمت الشياطين، وحلف الله بعزته وجلاله أن لا يسمى اسمه على مريض إلا شفاه، ولا يسمى اسمه على شئ إلا بارك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه. وروي أن رجلا قال بحضرته - صلى الله عليه وسلم -: تعس الشيطان. فقال له عليه الصلاة والسلام: لا تقل ذلك فإنه يتعاظم عنده - أي عند هذا القول - ولكن قل بسم الله الرحمن الرحيم، فإنه يصغر حتى يصير أقل من ذبابة. وروي: من أراد أن يحيا سعيدا ويموت شهيدا فليقل عند ابتداء كل شئ بسم الله الرحمن الرحيم - أي كل شئ ذي بال - بدليل الحديث المتقدم. وروي: بسم الله الرحمن الرحيم أم القرآن، وهي أم الكتاب، وهي السبع المثاني. قال العلامة الصبان في رسالته على البسملة: لعل وصفها بهذا باعتبار اشتمالها على معاني الفاتحة. اه. وعدد حروف البسملة الرسمية تسعة عشر حرفا، وعدد خزنة النار تسعة عشر خازنا، كما قال الله تعالى: * (عليها تسعة عشر) *. قال ابن مسعود: فمن أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ البسملة، فيجعل الله له بكل حرف منها جنة - بضم الجيم - أي وقاية - من كل واحد منهم، فإنهم يقولونها في كل أفعالهم، فبها قوتهم وبها استضلعوا. وعن علي رضي الله عنه، مرفوعا: ما من كتاب يلقى في الأرض وفيه بسم الله الرحمن الرحيم إلا بعث الله ملائكة يحفون عليها بأجنحتهم، حتى يبعث الله وليا من أوليائه يرفعه. فمن رفع كتابا من الأرض فيه البسملة رفع الله اسمه في أعلى عليين، وغفر له ولوالديه ببركتها. وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وكان مؤمنا، سبحت معه الجبال، إلا أنه لا يسمع تسبيحها. وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم، قالت الجنة: لبيك اللهم وسعديك، إلهي، إن عبدك فلانا قال بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم زحزحه عن النار وأدخله الجنة. وروي أن الكتب المنزلة من السماء إلى الأرض مائة وأربعة، أنزل على شيث ستون، وعلى إبراهيم ثلاثون، وعلى موسى قبل التوراة عشرة، والتوراة والأنجيل والزبور والفرقان. وأن معاني كل الكتب مجموعة في القرآن، ومعانيه مجموعة في الفاتحة ولهذا سميت أم الكتاب ومعانيها مجموعة في البسملة، ومعانيها مجموعة في بائها، ومعناها: بي كان ما كان، وبي يكون ما يكون. والمراد الجمع ولو إجمالا، بطريق الإيماء وإنما جمعت الفاتحة جميع معاني القرآن، لأن كل ما فيه من الحمد والشكر والثناء فهو مندرج تحت قوله الحمد لله، وكل ما فيه من الخلائق فهو تحت كلمة رب العالمين، وكل ما فيه من الرحمة والعطاء فهو تحت كلمة الرحمن، وكل ما فيه من ذكر العفو والمغفرة فهو تحت كلمة الرحيم، وكل ما فيه من أوصاف القيامة فهو تحت كلمة مالك يوم الدين، وكل ما فيه من بيان الهداية والدعاء والثبات على الإسلام فهو تحت كلمة إهدنا الصراط المستقيم، وكل ما فيه من بيان صفات الصالحين فهو تحت كلمة صراط الذين أنعمت عليهم، وكل ما فيه من الغضب فهو تحت كلمة غير المغضوب عليهم، وكل ما فيه من ذكر الأهواء والبدع فهو تحت كلمة ولا الضالين. ووجه بعضهم كون معاني البسملة في الباء، بأن المقصود من كل العلوم وصول العبد إلى الرب، وهذه الباء لما فيها من معنى الإلصاق تلصق العبد بجناب الرب. زاد بعضهم: ومعاني الباء في نقطتها، ومعناها: أنا نقطة

الحمد لله ـــــــــــــــــــــــــــــ الوجود، المستمد مني كل موجود. وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: البسملة فاتحة كل كتاب وفي رواية: بسم الله الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب. فإن قيل: إن هذه الرواية والتي قبلها يفهمان أن كل كتاب أنزل مشتمل على معاني القرآن، لأنه مشتمل على البسملة المشتملة على معاني الفاتحة المشتملة على معاني القرآن، والرواية التي قبلهما تفهم خلاف ذلك، بل تفهم أنها لم توجد في غير القرآن رأسا. فالجواب أن البسملة المفتتح بها كل الكتب المنزلة لم تكن بهذا اللفظ العربي على هذا الترتيب، والمفتتح بها القرآن المجيد، بهذا اللفظ العربي على هذا الترتيب، ويجوز أن يكون لكونها بهذا اللفظ العربي. وهذا الترتيب لها دخل في اشتمالها على معاني القرآن، فلا يلزم حينئذ من اشتمال الكتب عليها بغير هذا اللفظ وهذا الترتيب، اشتمال كل كتاب على معاني القرآن. ولا يرد ما وقع في سورة النمل عن سيدنا سليمان في كتابه لبلقيس من أنها بهذا اللفظ العربي وهذا الترتيب، لأن ذلك كان ترجمة عما في كتابه لها. ومما يتعلق بالبسملة من المعاني الدقيقة ما قيل: إن الباء بهاء الله، والسين سناء الله، والميم مجد الله. وقيل: الباء بكاء التائبين، والسين سهو الغافلين، والميم مغفرته للمذنبين. وقال بعض الصوفية: الله لأهل الصفاء، الرحمن لأهل الوفاء، الرحيم لأهل الجفاء. والحكمة في أن الله سبحانه وتعالى جعل افتتاح البسملة بالباء دون غيرها من الحروف، وأسقط الألف من اسم، وجعل الباء في مكانها، أن الباء حرف شفوي تنفتح به الشفة ما لا تنفتح بغيره، ولذلك كان أول انفتاح فم الذرة الإنسانية في عهد ألست بربكم بالباء في جواب بلى، وأنها مكسورة أبدا. فلما كانت فيها الكسرة، والانكسار في الصورة والمعنى، وجدت شرف العندية من الله تعالى، كما قال: أنا عند المنكسرة قلوبهم بخلاف الألف، فإن فيها ترفعا وتكبرا وتطاولا، فلذلك أسقطت. وخصت التسمية بلفظ الجلالة ولفظ الرحمن، ولفظ الرحيم، ليعلم العارف أن المستحق لأن يستعان به في جميع الأمور هو المعبود الحقيقي، الذي هو مولى النعم كلها، عاجلها وآجلها، جليلها وحقيرها. فيتوجه العارف بجملته حرصا ومحبة إلى جناب القدس، ويتمسك بحبل التوفيق، ويشتغل سره بذكره والاستمداد به عن غيره. والكلام على البسملة من الأسرار والعجائب واللطائف، لا يدخل تحت حصر. وفي هذا القدر كفاية، وبالله التوفيق. (قوله: الحمد لله) آثره على الشكر اقتداء بالكتاب العزيز، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يشكر الله من لم يحمده. والحمد معناه اللغوي الثنا بالجميل لأجل جميل اختياري، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا. ومعناه العرفي فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث أنه منعم على الحامد أو غيره. والشكر لغة: هو الحمد العرفي، وعرفا: صرف العبد جيمع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله، أي أن يصرف جميع الأعضاء والمعاني التي أنعم الله عليه بها في الطاعات التي طلب استعمالها فيها، فإن استعملها في أوقات مختلفة سمى شاكرا، أو في وقت واحد سمي شكورا، وهو قليل، لقوله تعالى: * (وقليل من عبادي الشكور) *. وصور ذلك العلامة الشبراملسي بمن حمل جنازة متفكرا في مصنوعات الله، ناظرا لما بين يديه، لئلا يزل بالميت ماشيا برجليه إلى القبر، شاغلا لسانه بالذكر، وأذنيه باستماع ما فيه ثواب، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأقسام الحمد أربعة: حمدان قديمان، وهما حمد الله نفسه، نحو الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وحمده بعض عباده، كقوله تعالى في أيوب: * (نعم العبد إنه أواب) *. وحمدان حادثان، وهما حمدنا له تعالى، وحمد بعضنا لبعض. وينقسم الحمد إلى: واجب، كالحمد في الصلاة وفي خطبة الجمعة وإلى مندوب، كالحمد في خطبة النكاح، وفي ابتداء الدعاء، وبعد الأكل

الفتاح الجواد، المعين على التفقه في الدين من اختاره من العباد، وأشهد أن لا إله الله، شهادة ـــــــــــــــــــــــــــــ والشرب، وفي ابتداء الكتب المصنفة، وفي ابتداء درس المدرسين، وقراءة الطالبين بين يدي المعلمين. وإلى مكروه، كالحمد في الأماكن المستقذرة، كالمجزرة والمزبلة ومحل الحاجة. وإلى حرام، كالحمد عند الفرح بالوقوع في معصية. واعلم أنه جاء في فضل الحمد أحاديث كثيرة، روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله عزوجل يحب أن يحمده. وأخرج الديلمي مرفوعا أن الله يجب الحمد، يحمد به ليثيب حامده، وجعل الحمد لنفسه ذكرا ولعباده ذخرا. وفي البدر المنير، عنه عليه السلام: حمد الله أمان للنعمة من زوالها. وعنه - صلى الله عليه وسلم -: من لبس ثوبا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه. وأفضل المحامد أن يقول العبد الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. لما ورد إن الله تعالى لما أهبط أبانا آدم إلى الأرض قال: يا رب، علمني المكاسب، وعلمني كلمة تجمع لي فيها المحامد. فأوحى الله إليه أن قل ثلاثا، عند كل صباح ومساء، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. ولهذا لو حلف إنسان ليحمدن الله بمجامع المحامد بر بذلك. وقال بعض العارفين: الحمد لله ثمانية أحرف، كأبواب الجنة، فمن قالها عن صفاء قلب إستحق أن يدخل الجنة من أيها شاء. أي فيخير بينها إكراما له، ولكن لا يختار إلا الذي سبق في علمه أن يدخل منه. (قوله: الفتاح) هو من أسماء الله الحسنى. وهو من صيغ المبالغة، ومعناه: الذي يفتح خزائن الرحمة على أصناف البرية. وقيل: الحاكم بين الخلائق، من الفتح بمعنى الحكم. وقيل: الذي يعينك عند الشدائد وينميك صنوف العوائد. وقيل: الذي فتح على النفوس باب توفيقه، وعلى الأسرار باب تحقيقه. وحظ العبد من هذا الاسم أن يجتهد حتى يفتح على قلبه في كل ساعة بابا من أبواب الغيب والمكاشفات والخيرات والمسرات. ومن قرأه إثر صلاة الفجر إحدى وسبعين مرة ويده على صدره، طهر قلبه وتنور سره ويسر أمره. وفيه سر عظيم لتيسير الرزق وغيره. اه. من شرح أسماء الله الحسنى. (قوله: الجواد) هو السخي، كما في القاموس. ومعناه: الكريم المتفضل على عباده بالنوال قبل السؤال. وفي التحفة ما نصه: الجواد، بالتخفيف، كثير الجود - أي العطاء - واعترض بأنه ليس فيه توقيف، أي واسماؤه تعالى توقيفية على الأصح. وأجيب عنه بأن فيه مرسلا اعتضد بمسند، بل روى أحمد والترمذي وابن ماجة حديثا طويلا، فيه: بأني جواد ماجد. اه. بحذف. (قوله: المعين على التفقه في الدين الخ) أي الموفق لمن اختاره من عباده عليه، لقوله عليه السلام: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين والتفقه التفهم شيئا فشيئا، لأن الفقه معناه لغة الفهم، كما سيأتي. والدين، ما شرعه الله تعالى من الأحكام على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام، سمي دينا لأنا ندين له، أي ننقاد. (قوله: وأشهد إلخ) أي أعترف بلساني وأذعن بقلبي أن لا معبود بحق موجود إلا الله. والشهادة لغة. التحقق بالبصر أو البصيرة، كالمشاهدة. واصطلاحا: قول صادر عن علم بمشاهدة بصر أو بصيرة. ولما كان من شروط الإسلام ترتيب الشهادتين عطف الشهادة الثانية على الأولى فقال: وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله. وأتى بالشهادة لحديث: كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء أي مقطوعة البركة أو قليلتها. ولما قيل أنه يطلب من كل بادئ في فن أربعة أمور على سبيل الوجوب الصناعي: البسملة، والحمدلة، والتشهد، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وثلاثة على سبيل الندب الصناعي: تسمية نفسه، وكتابه، والإتيان ببراعة الاستهلال. وفات الشيخ - رحمه الله تعالى - هنا من الأمور المندوبة تسمية نفسه. (وقوله: شهادة) مصدر مؤكد لعامله.

تدخلنا دار الخلود، وأشهد أن سيدنا محمدا ورسوله، صاحب المقام المحموم، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله: دار الخلود) هي الجنة. (وقوله: المقام المحمود) هو مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء، يحمده فيه الأولون والآخرون. (وقوله: صلى الله الخ) أي اللهم صل عليه وسلم. وأتى بالفعلين بصيغة الماضي رجاء تحقق حصول المسؤول، وإنما صلى وسلم المؤلف في أول كتابه امتثالا لأمر الله تعالى في قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا صلوا) * الآية، ولما قام على ذلك عقلا ونقلا من البرهان. أما نقلا: فقوله تعالى: * (ورفعنا لك ذكرك) *. أي لا أذكر إلا وتذكر معي. وأما عقلا: فلأن المصطفى هو الذي علمنا شكر المنعم، وكان سببا في كمال هذا النوع الإنساني، فاستوجب قرن شكره بشكر المنعم، عملا بالحديث القدسي: عبدي لم تشكرني، إذا لم تشكر من أجريت النعمة على يديه. ولا شك بأنه - صلى الله عليه وسلم - الواسطة العظمى لنا في كل نعمة، بل هو أصل الإيجاد لكل مخلوق، كما قال ذو العزة والجلال: لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك. واعلم أنه جاء في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب. وقوله عليه السلام: من سره أن يلقى الله وهو عنه راض، فليكثر من الصلاة على. وقوله عليه السلام: من أكثر من الصلاة على في حياته أمر الله جميع مخلوقاته أن يستغفروا له بعد موته. وقال عليه السلام: أكثروا من الصلاة على، فإنها نور في القبر، ونور على الصراط، ونور في الجنة. وقال عليه السلام: أكثروا من الصلاة على فإنها تطفئ عضب الجبار، وتوهن كيد الشيطان. وقال عليه السلام: أكثركم صلاة علي أكثركم أزواجا في الجنة. وفي حديث مرفوع: ما جلس قوم فتفرقوا عن غير الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا تفرقوا عن أنتن من جيفة حمار. قال ابن الجوزي في البستان: فإذا كان المجلس الذي لا يصلى فيه يكون بهذه الحالة فلا غرو أن يتفرق المصلون عليه من مجلسهم عن أطيب من خزانة العطار، وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - كان أطيب الطيبين وأطهر الطاهرين، وكان إذا تكلم امتلأ المجلس بأطيب من ريح المسك. وكذلك مجلس يذكر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - تنمو منه رائحة طيبة تخترق السموات السبع حتى تنتهي إلى العرش، ويجد كل من خلقه الله ريحها في الأرض، غير الإنس والجن، فإنهم لو وجدوا تلك الرائحة لاشتغل كل واحد منهم بلذتها عن معيشته. ولا يجد تلك الرائحة ملك أو خلق الله تعالى إلا استغفر لأهل المجلس، ويكتب لهم بعدد هذا الخلق كلهم حسنات، ويرفع لهم بعددهم درجات، سواء كان في المجلس واحد أو مائة ألف، كل واحد يأخذ من هذا الأجر مثل هذا العدد، وما عند الله أكثر. وللصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - فوائد لا تحصى، منها: أنها تجلو القلب من الظلمة، وتغني عن الشيخ، وتكون سببا للوصول، وتكثر الرزق، وأن من أكثر منها حرم الله جسده على النار. وينبغي للشخص إذا صلى عليه أن يكون بأكمل الحالات، متطهرا متوضئا مستقبل القبلة، متفكرا في ذاته السنية، لأجل بلوغ النوال والأمنية، وأن يرتل الحروف، وأن لا يعجل في الكلمات، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: إذا صليتم علي فأحسنوا الصلاة علي، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض علي. وقولوا: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين سيدنا محمد عبدك ورسولك، إمام الخير وقائد الخير، ورسول الرحمة. اللهم ابعثه المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون. رواه الديلمي موقوفا عن ابن مسعود رضي الله عنه. (قوله: وعلى آله) أتى بذلك امتثالا لخبر: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آله. (وقوله: وأصحابه) وجه ندب الإتيان بهم في نحو هذا المقام إلحاقهم بالآل، بقياس الأولى، لأنهم أفضل من الآل الذين لا صحبة لهم. والنظر لما فيهم من البضعة الكريمة إنما يقتضي الشرف من حيث الذات، وكلامنا في أكثرية العلوم والمعارف هذا بناء على ما هو المشهور

الامجاد صلاة وسلاما أفوز بهما يوم المعاد. (وبعد) فهذا شرح مفيد على كتاب المسمى بقرة العين بمهمات الدين، يبين المراد ويتمم المفاد، ويحصل المقاصد ويبرز الفوائد. (وسميته): بفتح بشرح قرة العين بمهمات الدين. وأنا أسأل الله الكريم المنان أن يعم الانتفاع به للخاصة والعامة من الاخوان، وأن يسكنني به الفرودس في دار الامامان، إنه أكرم كريم وأرحم رحيم. ـــــــــــــــــــــــــــــ في معنى الآل، أما على ما قد يراد بهم في نحو هذا المقام - كما سيأتي في كلامه - فالأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين آل، وكذلك غيرهم، وحينئذ فإفرادهم بالذكر للاعتناء بهم لما خصوا به عن غيرهم من الفضل، دفعا لتوهم إرادة المعنى المشهور للآل هنا. اه كردي. (قوله: الأمجاد) جمع ماجد أو مجيد، على غير قياس. والمجد: الشرف والرفعة، وهو وصف لكل من الآل والأصحاب. (قوله: صلاة وسلاما) منصوبان على المفعولية المطلقة بصلى وسلم، وأتى بهما لإفادة التقوية والتأكيد. (قوله: أفوز بهما) أي أظفر وأبلغ المقصود بسببهما. (وقوله: يوم المعاد) بفتح الميم، بمعنى المرجع والمصير - كما في المختار - والمراد يوم القيامة. (قوله: وبعد الخ) أي وبعدما تقدم من البسملة والحمدلة والتشهد والصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وأصحابه، فأقول لكم هذا إلخ. فهي يؤتى بها عند إرادة الانتقال من نوع من الكلام إلى نوع آخر منه، والكلام عليها مما أفرد بالتأليف فلا حاجة إلى الإطالة. (وقوله: بقرة العين) قال في القاموس: قرت العين تقر بالكسر والفتح قرة، وتضم، وقرورا: بردت وانقطع بكاؤها، أو رأت ما كانت متشوقة إليه. اه بتصرف. وهو هنا كناية عن سرور العين لأنه يلزم من برد العين السرور، فهو كناية اصطلاحية. وسماه بهذا الاسم لأنه يحصل به سرور وفرح لمن يطلع عليه: (قوله: يبين المراد) أي يظهر المعنى المراد من ألفاظ المتن. وذلك يكون ببيان الفاعل والمفعول ومرجع الضمير ونحو ذلك. (وقوله: ويتمم المفاد) بضم الميم، اسم مفعول، يعني يكمل المعنى المستفاد مما مر، ويحتمل أن يكون مصدرا ميميا بمعنى الفائدة. ولا يخفى حسن ذكر التبيين في جانب المراد والتتميم في جانب المفاد لاحتياج المراد إلى الكشف والإيضاح لخفائه، والمفاد إلى تكميل وتتميم النقص بذكر نحو قيد. (وقوله: بشرح) متعلق بفتح قبل جعله علما، وأما بعده فهو جزء علم فلا يتعلق بشئ، وهذا العلم مركب من تسع كلمات ليس منها الباء الأولى. وكتب الجمل على قول شرح المنهج بفتح الوهاب ما نصه: متعلق بسميته، وهذه الباء ليست من العلم بخلاف الثانية، فإنها منه متعلقة بفتح بالنظر لحاله قبل العلمية، وأما بالنظر لحاله بعدها فليست متعلقة بشئ، وهذا العلم مركب من ست كلمات، والظاهر أنه إسنادي بجعل فتح الوهاب مبتدأ. وقوله بشرح منهج الطلاب خبرا. ويبعد كونه إضافيا أو مزجيا. اه. (وقوله: وأنا أسأل إلخ) قدم المسند إليه قصدا لتقوية الحكم وتأكيده بتكرر الإسناد، وذلك لأنه لما مدح تصنيفه بأنه مفيد وأنه يبين المراد إلخ، كان مظنة توهم الاعتماد في حصول النفع عليه، فقوى السؤال دفعا لهذا الإيهام، وإن كان بعيدا. وذكر في الأطول من وجوه التقديم أنه يجوز أن يكون للتخصيص إظهارا للوحدة في هذا الدعاء وعدم مشارك له فيه بالتأمين ليستعطف به، فكأنه قال في أثناء السؤال: إلهي أجبني وارحم وحدتي وانفرادي عن الأعوان. اه. انظر السعد وحواشيه. وقوله: (الكريم) من الكرم، وهو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، على وجه ينبغي، لا لغرض وعلة. وقوله (المنان) من المنة، وهي النعمة مطلقا أو بقيد كونها ثقيلة مبتدأة من غير مقابل يوجبها. فنعمته تعالى من محض فضله إذ لا يجب عليه لاحد شئ، خلافا لزعم المعتزلة بوجوب الأصح عليه، تعالى الله عن ذلك. وقيل مأخوذ من المن الذي هو تعداد النعم، وهو من الله حسن ليذكر عباده نعمه عليهم فيطيعوه، ومن غيره مذموم لقوله تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * واستثنى من ذلك النبي والوالد والشيخ فيجوز لهم المن. (وقوله: أن يعم) المصدر المنسبك من

(بسم الله الرحمن الرحيم) أولف: والاسم مشتق من السمو وهو العلو، لا من الوسم وهو العلامة والله ـــــــــــــــــــــــــــــ أن، والفعل مفعول ثان لأسأل. وقوله الانتفاع مرفوع على الفاعلية. وقوله للخاصة: اللام زائدة، وما بعدها منصوب على المفعولية. ويحتمل أن يكون فاعل الفعل ضميرا يعود على الله. والانتفاع منصوب بإسقاط الخافض، أي أسأل أن يعم الله بالانتفاع بالشرح المذكور الخاصة والعامة. وفي القاموس: يقال عمهم بالعطية إلخ. اه. والمراد بالخاصة هنا: المنتهون والمتوسطون، وبالعامة: المبتدئون. (قوله: الفردوس في دار الأمان) هي الجنة، وهي مشتملة على سبع جنان، أفضلها وأوسطها الفردوس. وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة النعيم، وجنة عدن، ودار السلام، ودار الجلال، وإلى ما ذكر ذهب ابن عباس. وقيل أربع، ورجحه جماعة، لقوله تعالى: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * ثم قال: * (ومن دونهما جنتان) *. (وقوله: إنه إلخ) يحتمل أن يكون بفتح الهمزة على حذف لام العلة، ويحتمل أن يكون بكسرها على أنها جملة مستأنفة سيقت لبيان السبب الحامل له على سؤال الله. وقوله: (أكرم كريم وأرحم رحيم)، أي من كل كريم ومن كل رحيم. فحذف من كل اختصارا، وأضيف أفعل إلى ما بعده. وجاز كونه مفردا، مع أن الأصل أن يكون جمعا، لكون أفعل بعض ما يضاف إليه لفهم المعنى وعدم التباس المراد. قوله أي: (أؤلف) هذا بيان لمتعلق الباء، بناء على أنها أصلية، وقدره فعلا مؤخرا خاصا لأن ما ذكر هو الأولى في تقدير المتعلق. أما أولوية كونه فعلا فلأنه هو الأصل في العمل، وأما أولوية كونه خاصا فلرعاية المقام، لأن كل شارع في شئ يضمر في نفسه لفظ ما كانت التسمية مبدأ له، فالكاتب يضمر أكتب، والمؤلف يضمر أؤلف، ولإشعار ما بعد البسملة به فهو قرينة على المحذوف. وأما أولوية كونه مؤخرا فليكون اسمه تعالى مقدما ذكرا فيوافق تقدم مسماه وجودا، وليفيد الاختصاص، لأن تقديم المعمول يفيده عند الجمهور. والمعنى: أن البداءة لا تتم إلا بمعونة اسمه تعالى. ففيه رد على من يعتقد أن البداءة كما تكون باسم الله تكون أيضا باسم آلهتهم، وهذا يسمى قصر إفراد. ورد على من يعتقد أنها لا تكون باسم الله وإنما تكون باسم آلهتهم، كالدهرية المنكرين وجوده تعالى، وهذا يسمى قصر قلب. ورد أيضا على المترددين بين أن تكون باسم الله أو باسم آلهتهم، وهذا يسمى قصر تعيين. قال العلامة الصبان: ثم القصر هنا غير حقيقي لتعذر الحقيقي في قصر الصفة على الموصوف، كما هنا. فإن المعنى قصر الابتداء على كونه باسم الله لا يتعداه إلى كونه باسم غيره، وإن ثبت له أوصاف أخر ككونه في ذي بال. (قوله: والاسم مشتق من السمو) أي مأخوذ منه وفرع عنه. وهو العلو، لأن مسماه يعلو به ويرتفع عن زاوية الهجران إلى محفل الاعتبار والعرفان، لأن محقرات الأشياء ليس شئ منها مما يوضع له اسم خاص بها بل يعبر عنها باسم جنسها أو نوعها. وهذا مذهب البصريين، فأصله عندهم سمو، حذفت لامه تخفيفا، لأن الواضع

علم للذات الواجب الوجود، وهو اسم جنس لكل معبود، ثم عرف بأل وحذفت الهمزة، ثم استعمل في المعبود بحق، وهو الاسم الاعظم عند الاكثر، ولم يسم به غيره ولو تعنتا. والرحمن الرحيم ـــــــــــــــــــــــــــــ علم أنه يكثر استعماله فخففه، ثم سكنت سينه، وأتى بهمزة الوصل توصلا وعوضا عن اللام المحذوفة. فوزنه حينئذ: أفع، فهو من الأسماء المحذوفة الأعجاز، ويشهد لذلك أنهم اتفقوا على أمور، منها أن تصغير اسم سمى أصله سميو، قلبت الواو ياء وأدغمت الياء الأولى فيها. ومنها أن جمعه أسماء، وأصله أسما وقلبت الواو همزة لتطرفها عقب ألف زائدة. ومنها أن الفعل منه سميت وأسميت وتسميت، وأصلها سموت وأسموت وتسموت، قلبت الواو ياء لوقوعها رابعة عقب غير ضم. (وقوله: لا من الوسم) وهو العلامة - أي عند البصريين كما علمت، وأما عند الكوفيين فهو مأخوذ منه. أي من فعله، وأصله عندهم: وسم بفتح الواو وسكون السين، فخفف عند أكثرهم بحذف صدره لكثرة الاستعمال وأتى بهمزة الوصل لما مر، فوزنه على هذا أعل، فهو من الأسماء المحذوفة الصدر. ومذهبهم أقل إعلالا، لكن رد بما تقدم من التصغير والجمع. والفعل ولو كان مأخوذا من الوسم لكان تصغيره وسيما وجمعه أوسام، والفعل منه وسمت، وليس كذلك، كما تقدم. قال بعضهم: إن قول البصريين مبني على أن الله تسمى بأسماء من الأزل، وقول الكوفيين مبني على أن الأسماء من وضع البشر. والمذهب الأول أصح، وهو مذهب أهل السنة. والثاني مذهب أهل الاعتزال، لأنه يقتضي أنه سبحانه كان في الأزل بلا أسماء وصفات، فلما خلق الخلق جعلوا له ذلك، فإذا أفناهم بقي بلا أسماء وصفات. ورد هذا البناء العلامة الصبان في رسالة البسملة، فقال: ليس في المذهبين ما يقتضي هذا البناء، وذلك لأن جميع الأسماء ألفاظ، والألفاظ غير أزلية، بل هي حادثة باتفاق الجمهور من الفريقين. ولهذا حمل قول من قال أسماء الله قديمة على المسامحة. (قوله: والله علم) أي بالوضع الشخصي على التحقيق، لامسماه معين موجود خارجا. لكن لا يجوز أن يقال ذلك إلا في مقام التعليم حذرا من إيهام معنى الشخص المستحيل، وهو من قامت به مشخصات، والواضع هو الله تعالى، وقيل البشر. واعترض بأن ذات الله لا تدرك بالعقل فكيف وضع لها العلم؟. وأجيب بأنه يكفي في الوضع التعقل بوجه ما - كما هنا - فإن الذات أدركت بتعقل صفاتها. (وقوله: الواجب الوجود) بيان وتعيين المسمى وليس معتبرا من المسمى، وإلا لكان المسمى مجموع الذات والصفة، وليس كذلك. ومعنى كون واجب الوجود: أنه لا يجوز عليه العدم، فلا يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم. وخرج بذلك واجب العدم كالشريك وجائز الوجود والعدم كالممكن. ويلزم من كونه سبحانه وتعالى واجب الوجود أن يكون مستحقا لجميع المحامد، وبعضهم صرح به. (قوله: وأصله إله) أي أصله الأول إله، كإمام، وهو اسم جنس لكل معبود، أي سواء كان بحق أو باطل، ثم بعد تعريفه غلب استعماله في الله المعبود بحق غلبة تقديرية، وهي اختصاص اللفظ بمعنى مع إمكان استعمال في غيره بحسب الوضع، لكن لم يستعمل فيه بالفعل كما هنا، فإن لفظ الإله صالح لأن يستعمل في غير الله بحسب الوضع لكن لم يستعمل إلا في الله سبحانه وتعالى. (قوله: ثم عرف بأل) أي فصار الإله، ثم حذفت الهمزة الثانية بعد نقل حركتها إلى اللام فصار أللاه، ثم أدغمت اللام الأولى في الثانية ثم فخمت للتعظيم فصار الله، ففيه خمسة أعمال (قوله: وهو الاسم الأعظم عند الأكثر) واختار النووي رحمه الله أنه الحي القيوم. فإن قيل: إن من شرط الاسم الأعظم أنه إن دعي سبحانه وتعالى به أجاب، وإذا سئل به أعطى، وهذا ليس كذلك، فقد يدعو كثير به ولا يستجاب دعاؤه؟ فالجواب أن للدعاء آدابا وشروطا لا يستجاب الدعاء إلا بها، فأولها إصلاح الباطن باللقمة الحلال، لما قيل: الدعاء مفتاح السماء وأسنانه لقمة الحلال. وآخرها الإخلاص وحضور القلب، كما قال تعالى: * (فادعوا الله مخلصين له الدين) * وكما قال لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام: يا موسى إن أردت أن يستجاب لك دعاؤك فصن بطنك من الحرام وجوارحك عن الآثام. وقال سيدي عبد القادر الجيلاني: الله هو الاسم الأعظم، وإنما يستجاب لك إذا قلت الله وليس في قلبك غيره. ولهذا الاسم خواص

صفتان بنيتا للمبالغة من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، ولقولهم: ـــــــــــــــــــــــــــــ وعجائب، منها أن من داوم عليه في خلوة مجردا بأن يقول الله، الله، حتى يغلب عليه منه حال، شاهد عجائب الملكوت، ويقول - بإذن الله - للشئ كن فيكون. وذكر بعضهم أن من كتبه في إناء - بحسب ما يسع الإناء - ورش به وجه المصروع أحرق بإذن الله شيطانه. ومن ذكره سبعين ألف مرة في موضع خال عن الأصوات، لا يسأل الله شيئا إلا أعطيه. ومن قال كل يوم بعد صلاة الصبح هو الله، سبعا وسبعين مرة، رأى بركتها في دينه ودنياه، وشاهد في نفسه أشياء عجيبة. (قوله: ولم يسم به غيره) أي بل سمى نفسه به قبل أن يعرفه لخلقه، ثم أنزله على آدم ليعرفه لهم. ويدل لذلك قوله تعالى: * (هل تعلم له سميا) * أي هل تعلم أن أحدا غير الله تسمى بهذا الاسم؟. والاستفام للإنكار. (وقوله: ولو تعنتا) أي أنه لا يستطيع أحد التسمية به ولو على وجه التعنت، أي التشدد والتعصب. قال في القاموس: عنته تعنيتا، أي شدد عليه، وألزمه ما يصعب عليه أداؤه. ويقال: جاءه متعنتا أي طالبا زلته. انتهى. ويروى أن امرأة سمت ولدها الله فنزلت صاعقة وأحرقته. (قوله: والرحمن الرحيم صفتان إلخ) أي مشبهتان بحسب الوضع. (وقوله: بنيتا) أي اشتقتا للمبالغة، أي لأجل إفادتها بحسب الاستعمال لا بحسب الصيغة والوضع. وبما ذك يندفع ما قيل إن كونهما للمبالغة ينافي كونهما صفتين مشبهتين، لأن الصفة المشبهة للدوام وصيغة المبالغة للحدوث والتجدد. ويندفع به أيضا ما قيل إن صيغ المبالغة محصورة في خمسة، ورحمن ليس منها، على أن بعضهم منع الحصر المذكور. والمراد بالمبالغة المبالغة النحوية، وهي قوة المعنى، أو كثرة أفراده، لا البيانية وهي أن تثبت للشئ زيادة على ما يستحقه لأنها مستحيلة، إذ جميع أسمائه في نهاية الكمال. (وقوله: من رحم) أي بكسر الحاء بعد نقله من فعل بكسر العين إلى فعل بضمها، أو بعد تنزيله منزلة اللازم، فلا يرد ما يقال أن الصفة المشبة لا تصاغ من المتعدي، ورحم متعد، يقال: رحمك الله. وبعضهم أثبت كونه يستعمل لازما مضموم العين، فيقال رحم كحسن، ومصدره الرحم كالحسن، ومنه قوله تعالى: * (وأقرب رحما) * فعلى هذا لا حاجة للتنزيل والنقل الماريين. (قوله: والرحمن أبلغ من الرحيم) استئناف بياني واقع في جواب سؤال مقدر تقديره: لم قدم الرحمن على الرحيم؟ ومعنى كونه أبلغ أن مدلوله أعظم وأزيد من مدلول الرحيم. وهو مأخوذ من المبالغة لا من البلاغة، لأنها لا يوصف بها لمفرد. (وقوله: لأن زيادة البناء الخ) كما في قطع بالتخفيف وقطع بالتشديد، وكما في كبار وكبار. ومحل هذه القاعدة إذا وجدت شروط ثلاثة أن يكون ذلك في غير الصفات الجبلية، فخرج نحو شره ونهم، لأن الصفة الجبلية لا تتفاوت. وأن يتحد اللفظان في النوع، فخرج نحو حذر وحاذر، إذ الأول صفة مشبهة والثاني اسم فاعل. ويتحدا في الاشتقاق، فخرج نحو زمن وزمان، إذ لا اشتقاق فيهما. (وقوله: ولقولهم) أي السلف، ففيه تصريح بأن هذا ليس بحديث. وقال ابن حجر: إنه حديث، والمبالغة فيه لشمول الرحمن للدنيا والآخرة، والرحيم مختص بالآخرة أو الدنيا، فالأبلغية بحسب كثرة أفراد المرحومين وقلتها، فهي منظور فيها للحكم. وأما ما جاء في الحديث: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما فلا يعارض ما ذكر، لأنه يجوز أن تكون الأبلغية بالنظر للكيف. اه. بجيرمي بتصرف. وفي حاشية الجمل ما نصه: قوله ولقولهم، لم يقل ولقوله عليه الصلاة والسلام لأن كلا مما ذكره غير حديث، لأن حاصل الصيغ التي وردت هنا ست صيغتان: منها حديثان، وهما: الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة، والصيغة الثانية: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما. وأما بقية الصيغ التي من جملتها ما ذكره الشارح فهي غير أحاديث، وهي أربع صيغ: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا،

رحمن الدنيا والاخرة، ورحيم الاخرة: (الحمد الله الذى هدانا) أي دلنا (لهذا) التأليف (وما كنا لنهتدي لولا ـــــــــــــــــــــــــــــ يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، يا رحمن الآخرة ورحيم الدنيا، اه حفني. وقوله: التي من جملتها ما ذكره الشارح، غير ظاهر لأن الصيغتين في الشرح ليس فيهما / حرف النداء صريحا وإن كان مقدرا، بخلاف الأربعة التي ذكرها. وبهذا الاعتبار تكون الصيغ ثمانية، صيغتان حديثان وست غير أحاديث. اه ع ط. اه. واعلم أن الرحمن معناه: المنعم بجلائل النعم، أي أصولها، كنعمة الوجود بعد العدم، والإيمان، والعافية والرزق، والعقل، والسمع، والبصر، وغير ذلك. والرحيم معناه: المنعم بدقائق النعم، أي فروعها، كالجمال، وكثرة المال، وزيادة الإيمان، ووفور العقل، وحدة السمع والبصر، وغير ذلك. وإنما جمع بينهما إشارة إلى أنه تعالى، كما ينبغي أن يطلب منه النعم العظيمة كذلك ينبغي أن يطلب منه النعم الدقيقة. فقد أوحى الله إلى موسى: يا موسى لا تخش مني بخلا أن تسألني حقيرا، اطلب مني الدقة والعلف لشاتك، أما علمت أني خلقت الخردلة فما فوقها، وأني لم أخلق شيئا إلا وقد علمت أن الخلق يحتاجون إليه. فمن سألني مسألة، وهو يعلم أني قادر، أعطي وأمنع، أعطيته مسألته مع المغفرة. والحاصل أن رحمته سبحانه وتعالى عامة على جميع مخلوقاته، فينبغي لكل شخص مريد رحمة الله أن يرحم أخاه. قال كعب الأحبار: مكتوب في الإنجيل: يا ابن آدم كما ترحم كذلك ترحم، فكيف ترجو أن يرحمك الله وأنت لا ترحم عباد الله. ومما ينسب لإبن حجر رحمه الله تعالى: إرحم هديت جميع الخلق إنك ما رحمت يرحمك الرحمن فاغتنما (وله أيضا): إرحم عباد الله يرحمك الذي عم الخلائق جوده ونواله فالراحمون لهم نصيب وافرمن رحمة الرحمن جل جلاله ولهذين الوصفين خواص كثيرة، فمن خواص الرحمن أن من أكثر من ذكره نظر الله إليه بعين الرحمة، ومن واظب على ذكره ملطوفا به في جميع أحواله. روي عن الخضر عليه السلام: إن من قال بعد عصر الجمعة مستقلا: يا ألله يا رحمن، إلى أن تغيب الشمس، وسأله الله شيئا من أمور الدنيا أو الدين أعطاه إياه. ومن خواص الرحيم أن من كتبه في ورقة إحدى وعشرين مرة وعلقها على صاحب الصداع برئ بإذن الله تعالى. ومن كتبه في كف مصروع، وذكره في أذنه سبع مرات، أفاق من ساعته بإذن الله تعالى. اه شرح أسماء الله الحسنى. (قوله: الحمد لله الذي هدانا إلخ) هذا اعتراف منه بأنه لم يصل إلى هذا التأليف العظيم ذي النفع العميم، الموصل إن شاء الله تعالى إلى الفوز بجنات النعيم، بجهده واستحقاق فعله، فاقتدى بأهل الجنة حيث قالوا ذلك في دار الجزاء اعترافا منهم بأنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من حسن تلك العطيات وعظم تلك المراتب العليات بجهدهم واستحقاق فعلهم، بل بمحض فضل الله وكرمه. وما ذكر اقتباس من القرآن، وهو أن يضمن المتكلم كلامه شيئا من القرآن أو الحديث، لا على أنه منه، ولا يضر فيه التغيير لفظا ومعنى، لأن الإشارة في القرآن للنعيم، وهنا للتأليف. بجيرمي بتصرف. ثم إن هداية الله أنواع لا يحصيها عد، لكنها تنحصر في أجناس مرتبة: الأول: إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من الاهتداء إلى مصالحه، كالقوة العقلية - أي العاقلة - والحواس الباطنة، والمشاعر الظاهرة. الثاني: نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد. الثالث: الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب. الرابع: أن يكشف لقلوبهم السرائر ويؤتيهم الأشياء كما هي، بالوحي أو الإلهام أو المنامات الصادقة، وهذا القسم يختص بالأنبياء. (قوله: أي دلنا) اقتصر في تفسير الهداية على الأدلة، فشملت الدلالة الموصلة إلى المقصود وغيرها. والأولى لا تسند إلا إليه

أن هدانا الله) إليه والحمد هو الوصف بالجميل (والصلاة وهي من الله الرحمة المقرونة بالتعظيم (والسلام) أي التسليم من كل آفة ونقض (على سيدنا محمد رسول الله) لكافة الثقلين، الجن والانس ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى، كما في قوله تعالى: * (اهدنا الصراط المستقيم) * وهي المنفية عنه - صلى الله عليه وسلم - في قوله: * (إنك لا تهدي من أحببت) *. والثانية تسند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما في قوله تعالى: * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) *. وإلى القرآن، كما في قوله تعالى: * (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) *. وإلى غيرهما. وهي هنا موصلة بالنسبة لما وجد منه، وهو البسملة والحمدلة ونحوهما، وغير موصلة بالنسبة لما سيوجد، وهذا إذا كانت الخطبة متقدمة، فإن كانت متأخرة عن الكتاب فالدلالة موصلة لا غير. والمشهور أن دل يتعدى بعلى، وهدى يتعدى بإلى، فكيف يفسره به؟ وأجيب بأن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر لا يلزم أن يعدى بما تعدى به ذلك الفعل. (قوله: وما كنا الخ) الواو للحال أو للاستئناف، وكان فعل ماض لنهتدي، اللام زائدة لتوكيد النفي، والفعل منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد لام الجحود. والمعنى: لنهتدي لما عليه من الخير الذي من جملته هذا التأليف، أو لنهتدي لهذا التأليف. ولولا: حرف امتناع لوجود. وأن هدانا الله في تأويل مبتدأ خبره محذوف وجوبا، أي لولا هداية الله لنا موجودة. وجواب لولا محذوف دل عليه ما قبله، أي ما كنا مهتدين. والمعنى: امتنع عدم هدايتنا لوجود هداية الله لنا. اه جمل. (قوله: والحمد هو الوصف بالجميل) أي لغة. وأما عرفا: فهو فعل ينبئ عن تعظيم المنعم إلى آخر ما تقدم. (فائدة) اختلف العلماء في الأفضل، هل الحمد لله أو لا إله إلا الله؟ فذهب طائفة إلى الأول، لأن في الحمد توحيدا وحمدا، وفي لا إله إلا الله توحيدا فقط. واحتجوا بحديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما مرفوعا: من قال لا إله إلا الله كتبت له عشرون حسنة، وحط عنه عشرون سيئة. ومن قال الحمد لله رب العالمين كتبت له ثلاثون حسنة، وحط عنه ثلاثون سيئة. وذهبت طائفة إلى الثاني، لأنها تنفي الكفر، وعنها يسئل الخلق. واحتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: مفتاح الجنة لا إله إلا الله. وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله. وبقوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. وأجابوا عما في حديث أبي هريرة بأن العشرين الحسنة التي ذكرت لقائل لا إله إلا الله، وإن كانت أقل عددا من الثلاثين، هي أعظم كيفا. اه ملخصا من حاشية شيخنا، العارف بربه المنان، السيد أحمد بن زيني دحلان، على متن الزبد. (قوله: وهي من الله الرحمة) أي ومن غيره سبحانه وتعالى الدعاء، ودخل في الغير جميع الحيوانات والجمادات، فإنه ورد أنها صلت وسلمت على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، كما صرح به العلامة الحلبي في السيرة. وما ذكر من أن الصلاة تختلف باختلاف المصلي هو مذهب الجمهور، ومقابله ما ذهب إليه ابن هشام من أن معنى الصلاة أمر واحد وهو العطف، بفتح العين، ولكنه مختلف باختلاف العاطف. فهو بالنسبة لله الرحمة، وبالنسبة لما سواه تعالى - من الملائكة وغيرهم - الدعاء. وينبني على هذا الخلاف أن الصلاة من قبيل المشترك اللفظي على الأول، والمشترك المعنوي على الثاني. (قوله: أي التسليم) إنما قال ذلك لأن السلام من أسمائه تعالى فربما يتوهم أنه المراد، فدفعه بما ذكر فيكون من إطلاق اسم المصدر على المصدر. اه بجيرمي. وفسره بعضهم بقوله: السلام هنا بمعنى الأمان والإعظام وطيب التحية اللائقة بذلك المقام. وجمع بين الصلاة والسلام امتثالا لقوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * وخروجا من كراهة إفراد أحدهما عن الآخر لفظا أو خطا. وشروط كراهة الإفراد - عند القائل بها - ثلاثة: أن يكون الإفراد منا، فلا يكره ذلك في ثناء الله والملائكة والأنبياء، كقوله تعالى: * (إن الله وملائكته يصلون) * ولم يقل ويسلمون. وأن يكون في غير ما ورد فيه الإفراد فلا يكره فيما ورد مفردا، كحديث: من قال يوم الجمعة ثمانين مرة: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك

إجماعا - وكذا الملائكة، على ما قاله جمع محققون. ومحمد، علم منقول من اسم المفعول المضعف موضوع لمن كثرت خصاله الحميدة، سمى به نبينا صلى الله عليه واله وسلم بإلهام من الله لجده. والرسول من البشر ذكر حر، أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه، وإن لم يكن له كتاب ولا نسخ كيوشع عليه السلام، فإن لم يؤمر بالتبليغ فنبي. والرسول أفضل من النبي إجماعا. وصح خبر أن عدد الانبياء عليهم الصلاة والسلام مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، وأن عدد الرسل ثلثمائة وخمسة عشر. (وعلى آله) أي أقاربه المؤمنين من بني هاشم والمطلب. وقيل هم كل مؤمن، أي في مقام الدعاء ونحو، واختير لخبر ضعيف فيه، وجزم به النووي في شرح ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي الأمي، غفر له ذنوب ثمانين سنة. وأن يكون لغير داخل الحجرة الشريفة. أما هو فيقول: السلام عليك يا رسول الله، ولا يكره له الاقتصار. (قوله: لكافة الثقلين الجن والإنس) بل وإلى كافة الخلق من ملك وحجر ومدر، بل وإلى نفسه. وقول العلامة الرملي: لم يرسل إلى الملائكة، أي إرسال تكليف، فلا ينافي أنه أرسل إليهم إرسال تشريف. (قوله: المضعف) أي المكرر العين، وهو أبلغ من اسم مفعول الفعل الغير المضعف، وهو محمود. (قوله: بإلهام من الله لجده) أي انه ألهم التسمية بمحمد بسبب أنه تعالى أوقع في قلبه أنه يكثر حمد الخلق له. كما روي في السير أنه قيل لجده عبد المطلب - وقد سماه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها -: لم سميت ابنك محمدا، وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟ قال: رجوت أن يحمد في السماء والأرض. وقد حقق الله رجاءه. وينبغي إكرام من اسمه محمد تعظيما له - صلى الله عليه وسلم -، ويسن التسمية بهذا الاسم الشريف محبة فيه - صلى الله عليه وسلم -. وقد ورد في فضل التسمية به عدة أحاديث، أصح ما فيها حديث: من ولد له مولود فسماه محمدا حبا لي وتبركا باسمي كان هو ومولوده في الجنة. (قوله: أوحي إليه بشرع) أي أعلم به، لأن الإيحاء الاعلام، سواء كان بإرسال أو بإلهام أو رؤيا منام، فإن رؤيا الأنبياء حق. وسواء كان له كتاب أم لا. (قوله: فإن لم يؤمر بالتبليغ فنبي) أي فقط. والحاصل بينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان فيمن كان نبيا ورسولا، وهو الذي أمر بالتبليغ. وينفرد النبي فيمن لم يؤمر بالتبليغ ولا ينفرد الرسول، فكل رسول نبي ولا عكس. وإن قلنا بانفراد الرسول في الملائكة كان بينهما العموم والخصوص الوجهي، والتحقيق الأول. (قوله: وصح خبر أن عدد إلخ) الصحيح عدم حصرهم في عدد، لقوله تعالى: * (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) *. واعلم أنه يجب الإيمان بهم إجمالا فيمن لم يرد فيه تفصيل، وتفصيلا فيمن ورد فيه التفصيل. والوارد فيه التفصيل منهم خمسة وعشرون، ثمانية عشر مذكورة في قوله تعالى: * (وتلك حجتنا) * الآية، والباقي سبعة مذكورة في بعض السور، وهم آدم وإدريس وهود وشعيب وصالح وذو الكفل وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعليهم أجمعين. وقد نظمها بعضهم فقال: حتم على كل ذي التكليف معرفة بأنبياء على التفصيل قد علموا في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشر ويبقي سبعة وهمو إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا فمن أنكر واحدا منهم بعد أن علمه كفر، بخلاف ما لو سئل عنه ابتداء فقال لا أعرفه فلا يكفر. (قوله: وعلى آله) أعاد العامل فيه ولم يعده مع الصحب، لأن الصلاة عليهم ثبتت بالنص، بخلاف الصحب فإنها بالقياس على الآل، وللرد على الشيعة الزاعمين ورود حديث عنه - صلى الله عليه وسلم - وهو: لا تفصلوا بيني وبين آلي بعلي. وهو مكذوب عليه. (قوله: أي أقاربه المؤمنين) هو بالمعنى الشامل للمؤمنات، ففيه تغليب. والمراد بالبنين في قوله من بني هاشم ما يشمل البنات، ففيه تغليب أيضا. وهاشم جد النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمطلب أخو هاشم، وهو جد الإمام الشافعي، وأبوهما عبد مناف. وخرج بقوله بني هاشم والمطلب بنو عبد شمس ونوفل، فليسوا من الآل وإن كانوا من أولا عبد مناف، وذلك لأنهم كانوا يؤذونه - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: وقيل هم كل مؤمن) أي ولو كان عاصيا، لأنه أحوج إلى الدعاء من غيره، لكن تعليله بالخبر الضعيف، وهو آل محمد كل تقي،

مسلم. (وصحبه) وهو اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي، وهو من اجتمع مؤمنات بنبينا صلى الله عليه واله وسلم ولو أعمى وغير مميز. (الفائزين برضا الله) تعالى، صفة لمن ذكر. (وبعد) أي بعدما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر، (فهذا) المؤلف الحاضر ذهنا (مختصر) قل لفظه وكثر معناه من الاختصار (في الفقه) هو لغة: الفهم. واصطلاحا: العلم بالاحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية. واستمداده من الكتاب والسنة والاجماع والقياس. وفائدته ـــــــــــــــــــــــــــــ يفيد تخصيص المؤمن بغير العاصي إلا أن يراد بالتقي التقي عن الشرك، وهو أول مراتب التقوى. (قوله أي في مقام الدعاء ونحوه) المشتهر أن هذا القيل خاص بمقام الدعاء، ومحل الخلاف عند عدم القرينة، والا فسر بما يناسبها. قال العلامة الصبان: وما اشتهر من أن اللائق في مقام الدعاء تفسير الآل بعموم الأتباع، لست أقول بإطلاقه، بل المتجه عندي التفصيل. فإن كان في العبارة ما يستدعي تفسير الآل بأهل بيته حمل عليهم، نحو: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا. وما يستدعي تفسير الآل بالأتقياء حمل عليهم، نحو: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد الذين ملأت قلوبهم بأنوارك وكشفت لهم حجب أسرارك. فإن خلت مما ذكر حمل على الأتباع، نحو: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد سكان جنتك وأهل دار كرامتك. (قوله: اسم جمع) أي لأجمع، لأن صيغة فعل ليست من أوزان الجموع، وهذا هو التحقيق. وقال الأخفش: إنه جمع لصاحب كركب وراكب. (قوله: بمعنى الصحابي) إنما قال ذلك لأن الصاحب هو من طالت عشرته، والصحابي لا يشترط فيه ذلك. ح ل بجيرمي. (قوله: وهو) أي الصحابي. (وقوله: من اجتمع مؤمنا إلخ) أي بعد البعثة في حال حياته اجتماعا متعارفا ببدنه ولو لحظة، ومات على الإيمان، سواء روى عنه شيئا أم لا. (قوله: فهذا المؤلف الحاضر ذهنا) فالإشارة إلى الألفاظ المرتبة المجتمعة المستحضرة ذهنا لكن على طريق المجاز لا الحقيقة، لأن اسم الإشارة موضوع للمشار إليه المسحوس بحاسة البصر. (قوله: قل لفظة وكثر معناه) ولذلك قال بعضهم: الكلام يختصر ليحفظ ويبسط ليفهم. وقد اختلفت عباراتهم في تفسير المختصر مع تقارب المعنى. فقيل: هو رد الكلام إلى قليله مع استيفاء المعنى وتحصيله. وقيل: هو الإقلال بلا إخلال. وقيل: تكثير المعاني مع تقليل المباني. وقيل: حذف الفضول مع استيفاء الأصول، وقيل: تقليل المستكثر وضم المنتشر. (قوله: هو لغة: الفهم) أي مطلقا، لما دق وغيره. وقيل: فهم ما دق. (قوله: واصطلاحا: العلم بالأحكام) المراد بها هنا النسب التامة، كثبوت الوجوب للنية في الوضوء في قولنا: النية في الوضوء واجبة، وثبوت الندب للوتر في قولنا: الوتر مندوب، وهكذا. وخرج بالعلم بها العلم بالذوات، كتصور إنسان فلا يسمى فقها. (وقوله: الشرعية) خرج بها العلم بالأحكام العقلية، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين. والشرعية نسبة للشرع بمعنى الشارع، وهو الله تعالى أو النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وقوله: العملية) خرج به العلم بالأحكام الشرعية الاعتقادية، كثبوت الوجوب للقدرة في قولنا: القدرة واجبة لله تعالى، وهكذا بقية الصفات. وهذا يسمى علم الكلام وعلم التوحيد. والمراد بالعملية المتعلقة بكيفية عمل، ولو كان قلبيا كالنية، فالصلاة في قولنا: الصلاة واجبة عمل، وكيفيته - أي صفته - الوجوب، والحكم هو ثبوت الوجوب للصلاة. والنية في قولنا: النية في الوضوء واجبة: عمل قلبي، وكيفيتها الوجوب، والحكم هو ثبوت الوجوب للنية. (وقوله: المكتسب)، خرج به علم الله، وعلم جبريل على القول بأنه غير مكتسب بل ضروري خلقه الله فيه، والحق أن علم جبريل مكتسب يكتسبه من اللوح المحفوظ. (وقوله: من أدلتها) خرج به علم المقلد، فهو مستفاد من قول الغير لا من أدلة الأحكام. (وقوله: التفصيلية) الحق أنه لبيان الواقع لا للاحتراز، وكيفية الأخذ من الأدلة التفصيلية أن تقول: أقيموا الصلاة، أمر، والأمر للوجوب. ينتج: أقيموا الصلاة للوجوب. ولا تقربوا الزنا: نهي، والنهي للتحريم، ينتج: لا تقربوا الزنا للتحريم، وهكذا. واعلم أنه يتأكد لكل طالب فن قبل شروعه فيه أن يتصوره بوجه ما ولو باسمه، لاستحالة توجه النفس نحو المجهول المطلق، والأحسن أن يتصوره بتعريفه ليكون على بصيرة في طلبه، وأن يعرف موضوعه ليمتاز عن غيره أتم تمييز، وأن يعرف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غايته وثمرته وفضله ليخرج عن العبث ويزداد جده. وبقية المبادي العشرة المشهورة، وقد نظمها كلها العلامة الخضري في قوله: مبادي أي علم كان حدوموضوع وغاية مستمد مسائل نسبة واسم وحكم وفضل واضع عشر تعد ونظمها أيضا أبو العلاء المعري في قوله: من رام فنا فليقدم أولاعلما بحده وموضوع تلا وواضع ونسبة وما استمدمنه وفضله وحكم يعتمد واسم وما أفاد والمسائل فتلك عشر للمنى وسائل وبعضهم فيها على البعض اقتصرومن يكن يدري جميعها انتصر والشارح - رحمه الله تعالى - ذكر منها أربعة: الحد، والاسم، والاستمداد، والفائدة. وبقي عليه ستة: موضوعه، وحكمه، ومسائله، وواضعه، ونسبته، وفضله. فأما الأول، فهو أفعال المكلفين من حيث عروض الأحكام لها. وأما الثاني، فهو الوجوب العيني أو الكفائي. وأما الثالث، فهو القضايا، كالنية واجبة، والوضوء شرط لصحة الصلاة، ودخول الوقت سبب لها. وأما الرابع، فالأئمة المجتهدون. وأما الخامس، فهو المغايرة للعلوم. وأما السادس، فهو فوقانه على سائر العلوم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: حلق الذكر. قال عطاء: حلق الذكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف تشتري وكيف تصلي وكيف تزكي وكيف تحج وكيف تنكح وكيف تطلق، وما أشبه ذلك. والمراد معرفة كيفية الصلاة والزكاة والحج، وذلك يكون بمعرفة أركانها وشروطها ومفسداتها، إذ العبارة بغير معرفة ذلك غير صحيحة، كما قال إبن رسلان: وكل من بغير علم يعمل أعماله مردودة لا تقبل وعن ابن عمر رضي الله عنهما: مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة. لقوله - صلى الله عليه وسلم -: يسير الفقه خير من كثير العبادة. وما أحسن قول بعضهم: عليك بعلم الفقه في الدين إنه سيرفع فاستدركه قبل صعوده فمن نال منه غاية بلغ المنى وصار مجدا في بروج سعوده (وقوله): تفقه فإن الفقه أفضل قائد إلى البر والتقوى وأعدل قاصد هو العلم الهادي إلى سنن الهدى هو الحصينجي من جميع الشدائد فإن فقيها واحدا متورعا أشد على الشيطان من ألف عابد (وقوله): إذا ما اعتز ذو علم بعلم فعلم الفقه أولى باعتزاز فكم طيب يفوح ولا كمسك وكم طير يطير ولا كباز (وقوله): وخير علوم علم فقه لأنه يكون إلى كل العلوم توسلا فإن فقيها واحدا متورعا على ألف ذي زهد تفضل واعتلى

امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه. (على مذهب الامام) المجتهد أبي عبد الله محمد بن إدريس (الشافعي رحمه الله تعالى) ورضى عنه أي ما ذهب إليه من الاحكام في المسائل. إدريس والده، هو ابن عباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد بن يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف. وشافع، وهو الذي ينسب إليه الامام. وأسلم هو وأبوه السائب يوم بدر. وولد إمامنا رضى الله عنه سنة خمسين ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله): والعمر عن تحصيل كل علم يقصر فابدأ منه بالأهم وذلك الفقه فإن منلا غنى في كل حال عنه واعلم أن الآيات والأحاديث الدالة على فضل العلم مطلقا كثيرة شهيرة، فمن الآيات قوله تعالى: * (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * ومن الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام: من سلك طريقا يبتغي فيها علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر وقوله - صلى الله عليه وسلم -: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم وإن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في الماء، ليصلون على معلمي الناس الخير. قال معاذ رضي الله عنه: تعلموا العلم. فإن تعليمه حسنة، وطلبه عبادة، ومذكراته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وبذله صدقة. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: الناس رجلان، عالم ومتعلم، ولا خير فيما سوى ذلك. ويقال: من ذهب إلى عالم وجلس عنده ولم يقدر على حفظ شئ مما قاله أعطاه الله سبع كرامات، أولها: ينال فضل المتعلمين. وثانيها: ما دام عنده جالسا كان محبوسا عن الذنوب والخطايا. وثالثها: إذا خرج من منزله نزلت عليه الرحمة. ورابعها: إذا جلس عنده نزلت الرحمة على العالم فتصيبه ببركته. وخامسها: تكتب له الحسنات ما دام مستمعا. وسادسها: تحفهم الملائكة بأجنحتهم وهو فيهم. وسابعها: كل قدم يرفعها ويضعها تكون كفارة للذنوب ورفعا للدرجات وزيادة في الحسنات. هذا لمن لم يحفظ شيئا، وأما الذي يحفظ فله أضعاف ذلك مضاعفة. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن الرجل ليخرج من منزله وعليه من الذنوب مثل جبال تهامة، فإذا سمع العلم خاف الله واسترجع من ذنوبه، فينصرف إلى منزله وليس عليه ذنب، فلا تفارقوا مجالس العلماء فإن الله لم يخلق على وجه الأرض أكرم من مجلسهم. قال بعضهم: ولو لم يكن لحضور مجلس العلم منفعة سوى النظر إلى وجه العالم لكان الواجب على العاقل أن يرغب فيه، فكيف وقد أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - العلماء مقام نفسه فقال: من زار عالما فكأنما زارني، ومن صافح عالما فكأنما صافحني، ومن جالس عالما فكأنما جالسني، ومن جالسني في الدنيا أجلسه الله تعالى معي يوم القيامة في الجنة. وما ورد في فضل العلم والعلماء أكثر من أن يحصى، وفي هذا القدر كفاية، فنسأل الله العظيم أن يجعلنا من العلماء العاملين، وأن يمنحنا كمال المتابعة والمحبة لسيدنا محمد سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. (قوله: على مذهب الإمام) صفة للفقه، أي في الفقه الكائن على مذهب الإمام الشافعي. والمذهب في اللغة اسم لمكان الذهاب، ثم استعمل فيما ذهب إليه الإمام من الأحكام مجازا على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، وتقريرها أن تقول شبه اختيار الأحكام بمعنى الذهاب، واستعير الذهاب لاختيار الأحكام، واشتق منه مذهب بمعنى أحكام مختارة، ثم صار حقيقة عرفية. (قوله: ابن عبد مناف) فيجتمع الإمام الشافعي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عبد مناف، لانه - صلى الله عليه وسلم - سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهاشم الذي في نسبه - صلى الله عليه وسلم - عم لهاشم الذي في نسب الإمام. (قوله: وولد إمامنا رضي الله عنه) أي بغزة التي توفي فيها هاشم جد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل بعسقلان، ثم حمل إلى مكة وهو ابن سنتين، ونشأ بها وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، والموطأ وهو ابن

ومائة، وتوفي يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين. (وسميته بقرة العين) ببيان (مهمات) أحكام (الدين) ـــــــــــــــــــــــــــــ عشر، وتفقه على مسلم بن خالد - مفتي مكة - المعروف بالزنجي لشدة شقرته، فهو من باب أسماء الأضداد، وأذن له في الإفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة، مع أنه نشأ يتيما في حجر أمه في قلة من العيش وضيق حال. وكان في صباه يجالس العلماء ويكتب ما يستفيده في العظام ونحوها حتى ملأ منها خبايا، ثم رحل إلى مالك بالمدينة ولازمه مدة، ثم قدم بغداد سنة خمس وتسعين ومائة فأقام بها سنتين واجتمع عليه علماؤها ورجع كثير منهم عن مذاهب كانوا عليها إلى مذهبه، وصنف بها كتابه القديم. ثم عاد إلى مكة فأقام بها مدة، ثم عاد إلى بغداد سنة ثمان وتسعين فأقام بها، ثم خرج إلى مصر، فلم يزل ناشرا للعلم ملازما للاشتغال بجامعها العتيق. ثم انتقل إلى رحمة الله - وهو قطب الوجود - يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين، ودفن بالقرافة بعد العصر من يومه. وانتشر علمه في جميع الآفاق وتقدم على الأئمة في الخلاف والوفاق، وعليه حمل الحديث المشهور: عالم قريش يملأ طباق الأرض علما. لأن الكثرة والانتشار في جميع الأقطار لم يحصلا في عالم قرشي مثله. قال الأئمة ومنهم الإمام أحمد: هذا العالم هو الشافعي. وكان رضي الله عنه يقسم الليل على ثلاثة أقسام، ثلث للعلم، وثلث للصلاة، وثلث للنوم. ويختم القرآن في كل يوم مرة، ويختم في رمضان ستين مرة، كل ذلك في الصلاة. وكان رضي الله عنه يقول: ما شبعت منذ ست عشرة سنة، لأنه يثقل البدن ويقسي القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة. وما حلفت بالله في عمري، لاكاذبا ولا صادقا. وسئل رضي الله عنه عن مسألة فسكت، فقيل له: لم لا تجيب؟ فقال: حتى أعلم، الفضل في سكوتي أو في جوابي. وكان رضي الله عنه مجاب الدعوة، لا تعرف له كبيرة ولا صغيرة. ومن كلامه رضي الله عنه: أمت مطامعي فأرحت نفسي فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتا ففي إحيائه عرضي مصون إذا طمع يحل بقلب عبد علته مهانة وعلاه هون ومن أدعيته رضي الله عنه: اللهم امنن علينا بصفاء المعرفة، وهب لنا تصحيح المعاملة فيما بيننا وبينك على السنة، وارزقنا صدق التوكل عليك وحسن الظن بك. وامنن علينا بكل ما يقربنا إليك مقرونا بعوافي الدارين برحمتك يا أرحم الراحمين. وبالجملة، فما نقل عنه نظما ونثرا لا يحصى، وفضائله وأخباره لا تستقصى، وقد أفردت بالتأليف، وفي هذا القدر كفاية. وحيث تبركنا بذكر نبذة من فضائل إمامنا الشافعي رضي الله عنه فلنتبرك بذكر بعض أخبار بقية الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين. فأقول: الإمام مالك رضي الله عنه، ولد سنة ثلاث وتسعين من الجهرة، وقيل: تسعين. وهو من أتباع التابعين على الصحيح، وقيل: من التابعين. وأخذ العلم عن سبعمائة شيخ، منهم ثلثمائة من التابعين، وعليه حمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تنقضي الساعة حتى تضرب أكباد الإبل من كل ناحية إلى عالم المدينة يطلبون علمه. وفي رواية: يوشك أن تضرب أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة. فكانوا يزدحمون على بابه لطلب العلم. وأفتى الناس وعلمهم نحو سبعين سنة بالمدينة. وكان - رضي الله عنه - يرى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - كل ليلة في النوم. وسئل الإمام أبو حنيفة - رضي الله عنه - عن مالك فقال: ما رأيت أعلم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه. ولم يزل - رضي الله عنه - على حالة مرضية حتى اختاره رب البرية سنة تسع وسبعين ومائة، ودفن بالبقيع، وقبره مشهور. وأما الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، فكانت ولادته في عصر الصحابة سنة ثمانية من الهجرة. وكان رضي الله عنه عابدا زاهدا عارفا بالله تعالى. قال حفص بن عبد الرحمن: كان أبو حنيفة رضي الله عنه يحيي الليل بقراءة القرآن في ركعة ثلاثين سنة. وقال السيد بن عمرو: صلى أبو حنيفة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة. ويروى أنه من شدة خوفه سمع قارئا يقرأ في

انتخبته. وهذا الشرح من الكتب المعتمدة لشيخنا، خاتمة المحققين، شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمى، ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد: * (إذا زلزلت الأرض زلزالها) * فلم يزل قابضا على لحيته إلى الفجر وهو يقول: نجزى بمثقال ذرة. فرحمة الله عليه ورضوانه وتوفي - رضي الله عنه - في رجب أو شعبان سنة خمسين ومائة، وفيه قال بعضهم: إن ترد في أبي حنيفة وصفا فالراوة الثقات عنه تشير كان شمسا يضئ بالعلم حقا وهو في الناس بالعلوم الأمير كان شيخ الإسلام قدوة خلق الله حقا لما اقتضاه القدير لم يزل وجهه جميلا بهيا خاشعا لا يشوبه تكدير معرضا عن حطام دنيا تلهي كل عقل بحبها مأسور قد تساوى لديه تنزيه نفس عن حطام قليلها والكثير وأما الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، فكانت ولادته سنة أربع وستين ومائة. قال إدريس الحداد: كان الإمام أحمد صاحب رواية في الحديث، ليس في زمانه مثله، وكان رضي الله عنه زاهدا ورعا عابدا. قال عبد الله، ولده: كان أبي يقرأ في كل ليلة سبع القرآن، ويختم في كل سبعة أيام ختمة، ثم يقوم إلى الصباح، وكان يصلي في كل يوم ثلثمائة ركعة. قال الشافعي رضي الله عنه: خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد ولا أعلم من الإمام أحمد، وكان يحيي الليل كله من وقت كونه غلاما، وله في كل يوم ختم. وتوفي رضي الله عنه سنة إحدى وأربعين ومائتين. والحاصل أن فضله وفضل سائر الأئمة أشهر من الشمس في رابعة النهار، وقد جمع بعضهم تاريخ ولادتهم وموتهم ومقدار عمرهم في قوله: تاريخ نعمان يكن سيف سطاومالك في قطع جوف ضبطا والشافعي صين ببر ندوأحمد بسبق أمر جعد فاحسب على ترتيب نظم الشعر ميلادهم فموتهم كالعمر فولادة أبي حنفية سنة ثمانين وجمله يكن، ووفاته سنة مائة وخمسين وجمله سيف، وعمره سبعون وجمله سطا. وولادة مالك سنة تعسين وجمله في، ووفاته مائة وتسع وسبعين وجمله قطع، وعمره تسع وثمانون وجمله جوف. وولادة الشافعي سنة مائة وخمسين يوم وفاة أبي حنيفة وجمله صين، ووفاته سنة مائتين وأربع وجمله ببر، وعمره أربع وخمسون وجمله ند. وولادة أحمد سنة أربع وستين ومائة وجمله بسبق، ووفاته سنة إحدى وأربعين ومائتين وجمله أمر، وعمره سبع وسبعون وجمله جعد. رضي الله عنهم وعنا بهم أجمعين. (تنبيه) كل من الأئمة الأربعة على الصواب ويجب تقليد واحد منهم، ومن قلد واحدا منهم خرج عن عهدة التكليف، وعلى المقلد اعتقاد أرجحية مذهبه أو مساواته، ولا يجوز تقليد غيرهم في إفتاء أو قضاء. قال ابن حجر، ولا يجوز العمل بالضعيف بالمذهب، ويمتنع التلفيق في مسألة، كأن قلد مالكا في طهارة الكلب والشافعي في مسح بعض الرأس في صلاة واحدة، وأما في مسألة بتمامها بجميع معتبراتها فيجوز، ولو بعد العمل، كأن أدى عبادته صحيحة عند بعض الأئمة دون غيره، فله تقليده فيها حتى لا يلزمه قضاؤها. وسيأتي بسط الكلام على التقليد في باب القضاء إن شاء الله تعالى. (قوله: وهذا الشرح) معطوف على ضمير انتخبته الواقع مفعولا. (قوله: لشيخنا إلخ) ولد - رضي الله عنه - سنة تسع وتسعمائة في أواخرها، ومات أبوه وهو صغير فكفله جده، ثم لما مات جده كفله شيخا أبيه العارفان الكاملان شهاب الدين أبو الحمائل وشمس الدين الشناوي، ونقله الثاني من بلده إلى مقام سيدي أحمد البدوي، فقرأ هناك في مبادي العلوم،

وبقية المجتهدين مثل وجيه الدين عبد الرحمن بن زياد الزبيدى رضى الله عنهما، وشيخي مشايخنا: شيخ الاسلام المجدد زكريا الانصاري، الامام الامجد أحمد المزجد الزبيدى رحمهما الله تعالى. وغير هم من محققي المتأخرين معتمدا على ما جزم به شيخا المذهب: النووي والرافعي فالنووي فمحققو المتأخرين. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم نقله إلى الجامع الأزهر وعمره أربع عشرة سنة وقرأ فيه على مشايخ كثيرين، منهم شيخ الإسلام زكريا الأنصاري. وكان لا يجتمع به إلا ويقول له، أسأل الله أن يفقهك في الدين، وكان رضي الله عنه يقول: قاسيت في الجامع الأزهر من الجوع ما لا تحتمله الجبلة البشرية لولا معونة الله وتوفيقه، بحيث أني جلست فيه نحو أربع سنين ما ذقت اللحم، وقاسيت أيضا من الإيذاء من بعض أهل الدروس التي كنا نحضرها ما هو أشد من ذلك. ومن كلامه رضي الله تعالى عنه: إذا أنت لا ترضى بأدنى معيشة مع الجد في نيل العلا والمآثر فبادر إلى كسب الغنى مترقبا عظيم الرزايا وانطماس البصائر وتوفي رضي الله تعالى عنه ثالث عشر رجب سنة أربع وسبعين وتسعمائة، وعمره إذ ذاك خمس وستون. وصلي عليه عند الملتزم الشريف بعد العصر، ودفن بالمعلى. طيب الله ثراه وجعل الجنة مقره ومثواه. وفيه أنشد بعضهم حين رأى الرجال تحمل نعشه: انظر إلى جبل تمشي الأنام به وانظر إلى القبر كم يحوي من الشرف وانظر إلى صارم الإسلام منغمدا وانظر إلى درة الإسلام في الصدف (قوله: وشيخي) بصيغة التثنية، معطوف على قوله شيخنا، حذفت منه النون للإضافة. وقوله (مشايخنا) يقرأ بالياء لا بالهمزة لأن ياء المفرد ليست مدا زائدا ثالثا، وإلى ذلك أشار ابن مالك بقوله: والمد زيد ثالثا في الواحد همزا يرى في مثل كالقلائد (قوله: شيخ الإسلام) أي شيخ أهل الإسلام، وهو بدل من المضاف قبله. (قوله: المجدد) يحتمل قراءته بصيغة اسم المفعول ويكون صفة للإسلام، والمراد: الإسلام المجدد، أي الذي جدده النبي - صلى الله عليه وسلم - وأظهره بعد أن اندرس. ويحتمل قراءته بصيغة اسم الفاعل ويكون صفة لشيخ الإسلام، والمراد أنه رضي الله عنه هو المجدد للدين. (قوله: زكريا الأنصاري) بدل مما قبله، وإنما قدم اللقب على الاسم لشهرته به، مثل قوله تعالى: * (إنما المسيح عيسى ابن مريم) * ولد رضي الله عنه سنة ست وعشرين وثمانمائة بسنيكة ونشأ بها، فحفظ القرآن والعمدة ومختصر التبريزي، ثم تحول للقاهرة سنة إحدى وأربعين ومكث بالجامع الأزهر، وأخذ عن مشايخ كثيرين. وكان له بر وإيثار لأهل العلم والفقراء ويخير مجالسهم على مجالس الأمراء، وكان له تهجد وصبر وترك للقيل والقال، وكان مجاب الدعوة رضي الله عنه. حتى إنه يحكى أنه جاءه رجل أعمى وقال له ادع الله أن يرد بصري. فدعا له فرد الله بصره من ثاني يوم. ولم يزل رضي الله عنه في ازدياد من الترقي حتى لحق بربه العلي وعمره نحو مائة سنة. فرحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه جنات تجري من تحتها الأنهار وأمدنا بمدده. (قوله: معتمدا) حال من التاء في انتخبته، أي انتخبته من الكتب المعتمدة لهؤلاء حال كوني معتمدا على ما جزم به إلخ. (وقوله: النووي) نسبة لنوى قرية من قرى دمشق، ولد بها رضي الله عنه سنة ثلاثين وستمائة، وتوفي بها سنة ست وسبعين وستمائة، عن نحو ست وأربعين سنة. عد عمره ومؤلفاته فجاء لكل يوم كراس من يوم الولادة، وما أعظمهما منقبة. ولبعضهم في مدحه - رضي الله عنه -: لقيت خيرا يا نوى ووقيت آلام الجوى فلقد نشا بك عالم لله أخلص ما نوى

رضى الله عنهم، (راجيا من) ربنا (الرحمن أن ينتفع به الاذكياء) أي العلاء، (وأن تقر به) بسببه (عيني غدا) أي اليوم الاخر (بالنظر إلى وجهه الكريم بكرة وعشيا) آمين. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولما رحل الإمام السبكي - رضي الله عنه، مع جلالته - لزيارة الإمام في حياته وجده قد توفي فصار يبكي ويمرغ خده في محل جلوسه، ويقول: وفي دار الحديث لطيف معنى إلى بسط لها أصبو وآوي لعلي أن أنال بحر وجهي مكانا مسه قدم النواوي (قوله: والرافعي) نسبة لرافع بن خديج الصحابي رضي الله عنه، كما حكي عن خط الرافعي نفسه. وكنيته أبو القاسم، واسمه عبد الكريم توفي سنة ثلاث أو أربع وعشرين وستمائة عن نيف وستين سنة. وله كرامات، منها: أن شجرة عنب أضاءت له لفقد ما يسرجه وقت التصنيف. (قوله: فمحققو المتأخرين) أي ومعتمدا على ما جزم به محققو المتأخرين، أي كشيخ الإسلام وابن حجر وابن زياد وغيرهم. واعلم أنه سيذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - في باب القضاء أن المعتمد في المذهب للحكم والفتوى ما اتفق عليه الشيخان، فما جزم به النووي فالرافعي فما رجحه الأكثر فالأعلم والأورع. ورأيت في فتاوي المرحوم بكرم الله الشيخ أحمد الدمياطي ما نصه: فإن قلت ما الذي يفتي به من الكتب وما المقدم منها ومن الشراح والحواشي، ككتب ابن حجر والرمليين وشيخ الإسلام والخطيب وابن قاسم والمحلى والزيادي والشبر املسي وابن زياد اليمني والقليوبي والشيخ خضر وغيرهم، فهل كتبهم معتمدة أو لا، وهل يجوز الأخذ بقول كل من المذكورين إذا اختلفوا أو لا؟ وإذا اختلفت كتب ابن حجر فما الذي يقدم منها؟ وهل يجوز العلم بالقول الضعيف والإفتاء به، والعمل بالقول المرجوح، أو خلاف الأصح، أو خلاف الأوجه، أو خلاف المتجه، أو لا؟ الجواب - كما يؤخذ من أجوبة العلامة الشيخ سعيد بن محمد سنبل المكي، والعمدة عليه -: كل هذه الكتب معتمدة ومعول عليها، لكن مع مراعاة تقديم بعضها على بعض، والأخذ في العمل للنفس يجوز بالكل. وأما الإفتاء فيقدم منها عند الاختلاف التحفة والنهاية، فإن اختلفا فيخير المفتي بينهما إن لم يكن أهلا للترجيح، فإن كان أهلا له ففتى بالراجح. ثم بعد ذلك شيخ الإسلام في شرحه الصغير على البهجة، ثم شرح المنهج له، لكن فيه مسائل ضعيفة. فإن اختلفت كتب ابن حجر مع بعضها فالمقدم أولا التحفة، ثم فتح الجواد ثم الإمداد، ثم الفتاوي وشرح العباب سواء، لكن يقدم عليهما شرح بافضل. وحواشي المتأخرين غالبا موافقة للرملي، فالفتوى بها معتبرة، فإن خالفت التحفة والنهاية فلا يعول عليها. وأعمد أهل الحواشي: الزيادي ثم ابن قاسم ثم عميرة ثم بقيتهم، لكن لا يؤخذ بما خالفوا فيه أصول المذهب، كقول بعضهم: ولو نقلت صخرة من أرض عرفات إلى غيرها صح الوقوف عليها. وليس كما قال. وأما الأقوال الضعيفة فيجوز العمل بها في حق النفس لا في حق الغير، ما لم يشتد ضعفها، ولا يجوز الإفتاء ولا الحكم بها. والقول الضعيف - شامل لخلاف الأصح وخلاف المعتمد وخلاف الأوجه وخلاف المتجه. وأما خلاف الصحيح فالغالب أنه يكون فاسدا لا يجوز الأخذ به، ومع هذا كله فلا يجوز للمفتي أن يفتي حتى يأخذ العلم بالتعلم من أهله المتقين له العارفين به. وأما مجرد الأخذ من الكتب من غير أخذ عمن ذكر فلا يجوز، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما العلم بالتعلم. ومع ذلك لا بد من فهم ثاقب ورأي صائب، فعلى من أراد الفتوى أن يعتني بالتعلم غاية الاعتناء. اه. (قوله: تقر) بكسر القاف وفتحها، كما تقدم. (قوله: بالنظر إلى وجهه الكريم) متعلق بتقر. واعلم أن رؤية الباري جل وعلا جائزة عقلا، دنيا وأخرى، لأنه سبحانه وتعالى موجود وكل موجود يصح أن يرى. فالباري جل وعلا يصح أن يرى، ولسؤال سيدنا موسى إياها حيث قال: * (أرني أنظر إليك) * فإنها لو كانت مستحيلة ما سألها سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يجوز على أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الجهل بشئ من أحكام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الألوهية، خصوص ما يجب وما يجوز وما يستحيل، ولكنها لم تقع فالدنيا إلا لنبينا عليه الصلاة والسلام. وواجبة شرعا في الآخرة، للكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب، فآيات كثيرة، منها قوله تعالى: * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * أي وجوه يومئذ حسنة مضيئة ناظرة إلى ربها، فالجار والمجرور متعلق بما بعده وهو خبر ثان عن وجوه، ويصح أن يكون ناضرة صفة وناضرة هو الخبر. والمراد بنظر الوجوه نظر العيون التي فيها، بطريق المجاز المرسل، حيث ذكر المحل وأريد الحال فيه. ومنها قوله تعالى: * (على الأرائك ينظرون) * ومنها قوله تعالى: * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * فإن الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم، كما قاله جمهور المفسرين. وأما السنة، فأحاديث كثيرة، منها حديث: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر. وأما الإجماع فهو أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مجمعين على وقوع الرؤية في الآخرة، قال الشيخ السنوسي في شرح الكبرى: أجمع أهل السنة والجماعة قاطبة أن المراد من الآية، أعني قوله: * (وجوه) * الآية، رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة. وأجمع الصحابة قاطبة على وقوع الرؤية في الآخرة، وأن الآيات والأحاديث الواردة فيها محمولة على ظواهرها من غير تأويل، كل ذلك كان قبل ظهور أهل البدع. وكان الصحابة والسلف يبتهلون إلى الله تعالى ويسألونه النظر إلى وجهه الكريم، بل ورد ذلك أيضا في بعض أدعية النبي - صلى الله عليه وسلم - اه. وقال الإمام مالك رضي الله عنه: لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه، ولو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعير الكفار بالحجاب. قال تعالى: * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) *. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: لما حجب الله قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا. ثم قال: أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس - يعني نفسه - بأنه يرى ربه في المعاد لما عبده في دار الدنيا. وهذا من كلام المدللين - نفعنا الله بهم - وإلا فالله يستحق العبادة لذاته. ثم أن رؤية الباري جل وعلا بقوة يجعلها الله في خلقه، ولا يشترط فيها مقابلة ولا جهة ولا اتصال أشعة بالمرئي، وإن وجد ذلك في رؤية بعضنا لبعض المعتادة في الدنيا، وغرابة في ذلك لأن الله سبحانه وتعالى يدرك بالعقل منزها، فكذا بالبصر، لأن كلاهما مخلوق. وإلى ذلك كله أشار العلامة اللقاني في جوهرة التوحيد عند ذكر الجائز في حقه تعالى، بقوله: ومنه أن ينظر بالأبصار لكن بلا كيف ولا انحصار للمؤمنين إذ بجائز علقت هذا وللمختار دنيا ثبتت وأشار إليه أيضا صاحب بدء الأمالي بقوله: يراه المؤمنون بغير كيف وإدراك وضرب من مثال فينسون النعيم إذ رأوه فيا خسران أهل الاعتزال (قوله: بكرة وعشيا) ظرفان متعلقان بالنظر. واعلم أن محل الرؤية الجنة بلا خلاف، وتختلف باختلاف مراتب الناس، فمنهم من يراه في مثل الجمعة والعيد، ومنهم من يراه كل يوم بكرة وعشيا وهم الخواص، ومنهم من لا يزال مستمرا في الشهود، حتى قال أبو يزيد البسطامي: إن لله خواص من عباده لو حجبهم في الجنة عن رؤيته ساعة لاستغاثوا من الجنة ونعيمها كما يستغيث أهل النار من النار وعذابها. فنسأله سبحانه وتعالى أن يمتعنا وأهلنا وأحبابنا وسائر المسلمين بالنظر إلى وجهه الكريم بجاه نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. (قوله: آمين) إسم فعل بمعنى استجب يا ألله، ويجوز فيه المد والقصر والتشديد وإن كان المشدد يأتي بمعنى قاصدين. والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب الصلاة

باب الصلاة هي شرعا: أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم وسميت بذلك لاشتمالها على الصلاة لغة، وهي الدعاء. والمفروضات العينية خمس في كل يوم وليلة، معلومة من الدين بالضرورة، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الصلاة الباب معناه لغة: فرجعة في ستائر يتوصل منها من داخل إلى خارج. واصطلاحا: اسم لجملة مخصوصة دالة على معان مخصوصة، مشتملة على فصول وفروع ومسائل غالبا. والفصل معناه لغة: الحاجز بين الشيئين. واصطلاحا: اسم لألفاظ مخصوصة مشتملة على فروع ومسائل غالبا. والفرع لغة: ما انبنى على غيره، ويقابله الأصل. واصطلاحا: اسم لألفاظ مخصوصة مشتملة على مسائل غالبا. والمسألة لغة: السؤال. واصطلاحا: مطلوب خبري يبرهن عليه في العلم. والحاصل عندهم لفظ كتاب، وهو لغة: الضم والجمع. واصطلاحا: اسم لجملة مخصوصة مشتملة على أبواب وفصول وفروع ومسائل غالبا. ولفظ باب ولفظ فصل ولفظ فرع ولفظ مسألة، ومعانيها ما ذكر. وعندهم أيضا لفظ تنبيه، ومعناه لغة: الإيقاظ. واصطلاحا: عنوان البحث اللاحق الذي تقدمت له إشارة في الكلام السابق بحيث يفهم منه إجمالا. ولفظ خاتمة، وهي لغة: آخر الشئ. واصطلاحا: اسم لألفاظ مخصوصة جعلت آخر كتاب أو باب. ولفظ تتمة: وهي ما تمم به الكتاب أو الباب وهو قريب من معنى الخاتمة. واعلم، رحمك الله تعالى، إن الغرض من بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام انتظام أحوال الخلق في المعاش والمعاد، ولا تنتظم أحوالهم إلا بكمال قواهم الإدراكية وقواهم الشهوانية وقواهم الغضبية. فوضعوا لكمال قواهم الإدراكية ربع العبادات، ولقواهم الشهوانية البطنية ربع المعاملات، ولقواهم الشهوانية الفرجية ربع النكاح، ولقواهم الشهوانية الغضبية ربع الجنايات، وختموها بالعتق رجاء العتق من النار. وقدموا ربع العبادات لشرفها بتعلقها بالخالق، ثم المعلامات لأنها أكثر وقوعا. ورتبوا العبادات على ترتيب حديث: بني الإسلام على خمس ... الحديث. وإنما بدأ كتابه بالصلاة - وخالف المتقدمين والمتأخيرين في تقديمهم في كتبهم كتاب الطهارة وما يتعلق بها من وسائلها ومقاصدها - اهتماما بها، إذ هي أهم أحكام الشرع وأفضل عبادات البدن بعد الشهادتين. (قوله: شرعا أقوال وأفعال الخ) واعترض هذا التعريف بأنه غير مانع لدخول سجدتي التلاوة والشكر مع أنهما ليسا من أنواع الصلاة، وغير جامع لخروج صلاة الأخرس والمريض والمربوط على خشبة، فإنها أقوال من غير أفعال في الآخرين، وأفعال من غير أقوال في الأول. وأجيب عن الأول بأن المراد بالأفعال المخصوصة ما يشمل الركوع والاعتدال، فيخرجان حينئذ بقيد مخصوصة. وأجيب عن الثاني بأن المراد بقوله: أقوال وأفعال ما يشمل الحكمية، أو يقال: أن صلاة من ذكر نادرة فلا ترد عليه. (قوله: وسميت) أي الأقوال والأفعال وقوله: بذلك أي بلفظ الصلاة. (قوله: خمس) وذلك لخبر الصحيحين: فرض الله على أمتي ليلة الإسراء خمسين صلاة، فلم أزل أراجعه

فيكفر جاحدها. ولم تجتمع هذه الخمس لغير نبينا محمد (ص)، وفرضت ليلة الاسراء بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر، ليلة سبع وعشرين من رجب، ولم تجب صبح يوم تلك الليلة لعدم العلم بكيفيتها. (إنما تجب المكتوبة) أي الصلوات الخمس (على) كل (مسلم مكلف) أي بالغ عاقل، ذكر أو غيره، (طاهر) فلا تجب على كافر أصلي وصبي ومجنون ومغمى عليه وسكران بلا تعد، لعدم تكليفهم، ولا على حائض ونفساء لعدم صحتها منهما، ولا قضاء عليهما. بل تجب على مرتد ومتعد بسكر (ويقتل) أي (المسلم) ـــــــــــــــــــــــــــــ وأسأله التخفيف حتى جعلها خمسا في كل يوم وليلة، وقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: أخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. والحكمة في كون المكتوبات سبع عشرة ركعة أن زمن اليقظة من اليوم والليلة سبع عشرة ساعة غالبا، اثنا عشر في النهار، ونحو ثلاث ساعات من الغروب، وساعتين من قبيل الفجر، فجعل لكل ساعة ركعة جبرا لما يقع فيها من التقصير. (قوله: ولم تجتمع هذه الخمس لغير نبينا محمد) أي بل كانت متفرقة في الأنبياء. فالصبح صلاة آدم، والظهر صلاة داود، والعصر صلاة سليمان، والمغرب صلاة يعقوب، والعشاء صلاة يونس، كما سيذكره الشارح في مبحث أوقات الصلاة عن الرافعي. (قوله: وفرضت ليلة الإسراء) والحكمة في وقوع فرضها تلك الليلة أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قدس ظاهرا وباطنا، حيث غسل بماء زمزم، وملئ بالإيمان والحكمة، ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهر، ناسب ذلك أن تفرض فيها. ولم تكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما وقع الأمر به من قيام الليل من غير تحديد. وذهب بعضهم إلى أنها كانت مفروضة، ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي. ونقل الشافعي عن بعض أهل العلم أنها كانت مفروضة ثم نسخت. اه بجيرمي بتصرف. (قوله: لعدم العلم بكيفيتها) أي وأصل الوجوب كان معلقا على العلم بالكيفية. وهنا توجيه آخر لعدم وجوب صبح ذلك اليوم، وهو أن الخمس إنما وجبت على وجه الابتداء بالظهر، أي أنها وجبت من ظهر ذلك اليوم. اه سم بتصرف. (قوله: إنما تجب المكتوبة) شروع في بيان من تجب عليه الصلاة وما يترتب عليه إذا تركها. (قوله: على كل مسلم) أي ولو فيما مضى، فدخل المرتد. (قوله: أي بالغ) سواء كان بالسن، أو بالاحتلام، أو بالحيض. (قوله: فلا تجب على كافر) تفريع على المفهوم، والمنفي إنما هو وجوب المطالبة منا بها في الدنيا، فلا ينافي أنها تجب عليه وجوب عقاب عليها في الدار الآخرة عقابا زائدا على عقاب الكفر لأنه مخاطب بفروع الشريعة، وذلك لتمكنه منها بالإسلام، ولنص: * (لم نك من المصلين) * وإنما لم يجب القضاء عليه إذا أسلم ترغيبا له في الإسلام، ولقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * (قوله: بلا تعد) قيد في المجنون والمغمى عليه والسكران، وإن كان ظاهر كلامه أنه قيد في الأخير، فإن حصل منهم تعد وجب عليهم قضاؤها، لأنهم بتعديهم صاروا في حكم المكلفين، فكأنه توجه عليهم الأداء فوجب القضاء نظرا لذلك. (قوله: بل تجب على مرتد) أي فيلزمه قضاء ما فاته فيها بعد إسلامه تغليظا عليه، ولأنه التزمها بالإسلام، فلا تسقط عنه بالجحود كحق الآدمي. (قوله: ومتعد بسكر) أي أو جنون أو إغماء، لما تقدم آنفا. (قوله: ويقتل إلخ) لخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله. واعلم أن الفقهاء اختلفوا في موضع ذكر حكم تارك الصلاة، فمنهم من ذكره عقب فصل المرتد، لمناسبته له من جهة أنه يكون حكمه حكم المرتد إذا تركها جاحدا لوجوبها. ومنهم من ذكره عقب الجنائز، لمناسبته لها من جهة أنه إذا قتل يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، إن كان تركها كسلا. وهذه الأمور تذكر في الجنائز. ومنهم من ذكره قبلها، كالنووي في منهاجه، وكشيخ الإسلام في منهجه، ليكون كالخاتمة لكتاب الصلاة. ومنهم من ذكره قبل الأذان، لمناسبة ذكر حكم تركها الذي هو التحريم، بعد ذكر حكم فعلها الذي هو الوجوب. والمؤلف رحمه الله تعالى اختار هذا الأخير لما ذكر.

المكلف الطاهر حدا بضرب عنقه (إن أخرجها) أي المكتوبة، عامدا (عن وقت جمع) لها، إن كان كسلا مع اعتقاد وجوبها (إن لم يتب) بعد الاستتابة، وعلى ندب الاستتابة لا يضمن من قتله قبل التوبة لكنه يأثم. ويقتل كفرا إن تركها جاحدا وجوبها، فلا يغسل ولا يصلى عليه. (ويبادر) من مر (بفائت) وجوبا، إن فات بلا عذر، فيلزمه القضاء فورا. قال شيخنا أحمد بن حجر رحمه الله تعالى: والذي يظهر أنه يلزمه صرف ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: أي المسلم أي سواء كان عالما أو جاهلا غير معذور بجهله لكونه بين أظهرنا. (قوله: حدا) أي يقتل حال كون قتله حدا، أي لا كفرا. واستشكل كونه حدا بأن القتل يسقط بالتوبة والحدود لا تسقط بالتوبة. وأجيب بأن المقصود من هذا القتل الحمل على أداء ما توجه عليه من الحق وهو الصلاة، فإذا أداه بأن صلى سقط لحصول المقصود، بخلاف سائر الحدود فإنها وضعت عقوبة على معصية سابقة فلا تسقط بالتوبة. وقوله: بضرب عنقه، أي بنحو السيف. ولا يجوز قتله بغير ذلك، لخبر: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة. واعلم أنه إذا قتل من ذكر يكون حكمه حكم المسلمين في الغسل والتكفين والصلاة عليه والدفن في مقابر المسلمين. (قوله: أي المكتوبة) ومثل ترك المكتوبة ترك الطهارة لها، لأن ترك الطهارة بمنزلة ترك الصلاة. ومثل الطهارة الأركان وسائر الشروط التي لا خلاف فيها أو فيها خلاف واه، بخلاف القوي. فلو ترك النية في الوضوء أو الغسل أو مس الذكر أو لمس المرأة وصلى متعمدا لم يقتل، كما لو ترك فاقد الطهورين الصلاة لأن جواز صلاته مختلف فيه. (قوله: عامدا) خرج به ما إذا أخرجها ناسيا فلا يقتل لعذره، ومثل النسيان: ما لو أبدى عذرا في التأخير كشدة برد أو جهل يعذر به أو نحوهما من الأعذار الصحيحة أو الباطلة. (قوله: عن وقت جمع لها) أي فلا يقتل بالظهر حتى تغرب الشمس، ولا بالمغرب حتى يطلع الفجر، هذا إن كان لها وقت جمع وإلا فيقتل بخروج وقتها، كالصبح فإنه يقتل فيها بطلوع الشمس، وفي العصر بغروبها، وفي العشاء بطلوع الفجر، فيطالب بأدائها إن ضاق الوقت ويتوعد بالقتل إن أخرجها عن وقتها بأن نقول له عند ضيق الوقت: صل فإن صليت تركناك وإن أخرجتها عن الوقت قتلناك. وظاهر أن المراد بوقت الجمع في الجمعة ضيق وقتها عن أقل ممكن من الخطبة والصلاة لأن وقت العصر ليس وقتا لها. (قوله: إن كان كسلا) أي يقتل حدا إن كان إخراجه لها كسلا أي تهاونا وتساهلا بها. وقوله: مع اعتقاد وجوبها سيأتي محترزه. (قوله: إن لم يتب) أي بأن لم يمتثل أمر الإمام أو نائبه ولم يصل. وقوله: بعد الاستتابة أي بعد طلب التوبة منه. واختلف فيها، فقيل إنها مندوبة، وقيل إنها واجبة، والمعتمد الأول. ويفرق بينه وبين المرتد، حيث وجبت استتابته بأن تركها فيه يوجب تخليده في النار - إجماعا - بخلاف هذا ويوجد في بعض النسخ الخطية بعد قوله الاستتابة ما نصه: ندبا، وقيل واجبا، وهو الموافق لقوله بعد: وعلى ندب الخ. (قوله: وعلى ندب الاستتابة لا يضمن الخ) قال سم: مفهومه أن يضمنه على الوجوب. ثم نقل عبارة شرح البهجة واستظهر منها عدم الضمان - حتى على القول بالوجوب - لأنه استحق القتل، فهو مهدر بالنسبة لقاتله الذي ليس هو مثله. اه. (قوله: ويقتل) أي تارك الصلاة. فالضمير يعود على معلوم من المقام، ويصح عودة على المسلم المتقدم. ووصفه بالإسلام مع الحكم عليه بالكفر بسبب جحده وجوبها باعتبار ما كان. وقوله: كفرا، أي لكفره بجحده وجوبها فقط، لا به مع الترك. إذ الجحد وحده مقتض للكفر لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة. وقوله: إن تركها أي بأن لم يصلها حتى خرج وقتها، أولم يصلها أصلا. (وقوله: جاحدا وجوبها) مثله جحد وجوب ركن مجمع عليه منها، أو فيه خلاف واه. (قوله: فلا يغسل ولا يصلى عليه) أي ولا يدفن في مقابر المسلمين لكونه كافرا. (قوله: ويبادر من مر) أي المسلم المكلف الطاهر. وقوله: بفائت أي بقضائه. (قوله: والذي يظهر أنه) أي من عليه فوائت فاتته بغير عذر.

جميع زمنه للقضاء ما عدا ما يحتاج لصرفه فيما لا بد منه، وأنه يحرم عليه التطوع، ويبادر به - ندبا - إن فات بعذر كنوم لم يتعد به ونسيان كذلك. (ويسن ترتيبه) أي الفائت، فيقضي الصبح قبل الظهر، وهكذا. (وتقديمه على حاضرة لا يخاف فوتها) إن فات بعذر، وإن خشي فوت جماعتها - على المعتمد -. وإذا فات بلا عذر فيجب تقديمه عليها. أما إذا خاف فوت الحاضرة بأن يقع بعضها - وإن قل - خارج الوقت فيلزمه البدء بها. ويجب تقديم ما فات بغير عذر على ما فات بعذر. وإن فقد الترتيب لانه سنة والبدار واجب. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ما عدا ما يحتاج لصرفه فيما لا بد له منه) كنحو نوم، أو مؤنة من تلزمه مؤنته، أو فعل واجب آخر مضيق يخشى فوته. (قوله: وأنه يحرم عليه التطوع) أي مع صحته، خلافا للزركشي. (قوله: ويبادر به) أي بالقضاء وقوله: إن فات أي الفائت. (قوله: كنوم لم يتعد به) بخلاف ما إذا تعدى، بأن نام في الوقت وظن عدم الاستيقاظ، أو شك فيه، فلا يكون عذرا. وقوله: ونسيان كذلك أي لم يتعد به، وأما إن تعدى به بأن نشأ عن منهي عنه - كلعب شطرنج مثلا - فلا يكون عذرا. (قوله: ويسن ترتيبه) أي إن فات بعذر، بدليل قوله: بعد، ويجب تقديم ما فات بغير عذر على ما فات بعذر، وكان عليه أن يذكر هذا القيد هنا كما ذكره فيما بعد. والتقييد بما ذكر هو ما جرى عليه شيخه ابن حجر. واعتمد م ر سنية ترتيب الفوائت مطلقا، فاتت كلها بعذر أو بغيره، أو بعضها بعذر وبعضها بغير عذر. (قوله: وتقديمه) أي ويسن تقديمه، أي الفائت، لحديث الخندق: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب. (قوله: إن فات بعذر) راجع لسنية التقديم، وسيذكر محترزه. وقوله: وإن خشي فوت جماعتها، أي الحاضرة. (قوله: أما إذا خاف فوت الحاضرة الخ) قال في النهاية: وتعبيره بالفوات يقتضي استحباب الترتيب أيضا إذا أمكنه إدراك ركعة من الحاضرة لأنها لم تفت. وبه جزم في الكفاية، واقتضاه كلام المحرر والتحقيق والروض، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى للخروج من خلاف وجوب الترتيب، إذ هو خلاف في الصحة كما تقدم، وإن قال الأسنوي أن فيه نظرا لما فيه من إخراج بعض الصلاة عن الوقت، وهو ممتنع. والجواب عن ذلك أن محل تحريم إخراج بعضها عن وقتها في غير هذه الصورة. اه. (قوله: بأن يقع بعضها إلخ) صورة فوت الحاضرة بوقوع بعضها وإن قل خارج الوقت. وهو ما جرى عليه ابن حجر، وخلاف ما جرى عليه الرملي كما يعلم من عبارته السابقة. والحاصل: إذا علم لو قدم الفائتة يخرج بعض الحاضرة عن الوقت لزمه تقديم الحاضرة عند ابن حجر، لحرمة إخراج بعضها عن الوقت، واستحب له تقديم الفائتة عند م ر، للخروج من خلاف من أوجب الترتيب. وإذا علم أنه لو قدمها يدرك دون ركعة من الحاضرة في الوقت فباتفاقهما يجب تقديم الحاضرة. (قوله: وإن فقد الترتيب) يفيد فيمن فاته الظهر والعصر بعذر، والمغرب والعشاء بغير عذر، وجوب تقديم الأخيرين عليهما. وهو مخالف لما مشى عليه الرملي من استحباب

ويندب تأخير الرواتب عن الفوائت بعذر، ويجب تأخيرها عن الفوائت بغير عذر. (تنبيه) من مات وعليه صلاة فرض لم تقض ولم تفد عنه، وفي قول أنها تفعل عنه - أوصى بها أم لا ما حكاه العبادي عن الشافعي لخبر فيه، وفعل به السبكي عن بعض أقاربه. (ويؤمر) ذو صبا ذكر أو انثى (مميز) بأن صار يأكل ويشرب ويستنجي وحده. أي يجب على كل من أبويه وإن علا، ثم الوصي. وعلى مالك الرقيق أن يأمر (بها) أي الصلاة، ولو قضاء، وبجميع شروطها (لسبع) أي بعد سبع من السنين، أي عند تمامها، وإن ميز قبلها. وينبغي مع صيغة الامر التهديد. (ويضرب) ضربا غير مبرح - وجوبا - ممن ذكر (عليها) أي على تركها - ولو قضاء - أو ترك شرط من شروطها (لعشر) أي بعد استكمالها، للحديث الصحيح: مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها. (كصوم أطاقه) فإنه يؤمر به لسبع ويضرب عليه لعشر كالصلاة. وحكمة ذلك التمرين على العبادة ليتعودها فلا يتركها. ـــــــــــــــــــــــــــــ تقديم الأول فالأول مطلقا. (قوله: لأنه سنة والبدار واجب) القائل باستحبابه مطلقا يقول: الترتيب المطلوب لا ينافي البدار لأنه مشتغل بالعبادة وغير مقصر، كما أن تقديم راتبة المقضية القبلية عليها لا ينافي البدار الواجب. (قوله: تنبيه: من مات إلخ) ذكر الشارح هذا المبحث في باب الصوم بأبسط مما هنا، ويحسن أن نذكره هنا تعجيلا للفائدة. ونص عبارته هناك: (فائدة) من مات وعليه صلاة فلا قضاء ولا فدية. وفي قول - كجمع مجتهدين - أنها تقضى عنه لخبر البخاري وغيره، ومن ثم اختاره جمع من أئمتنا، وفعل به السبكي عن بعض أقاربه. ونقل ابن برهان عن القديم أنه يلزم الولي إن خلف تركة أن يصلى عنه، كالصوم. وفي وجه - عليه كثيرون من أصحابنا - أنه يطعم عن كل صلاة مدا. وقال المحب الطبري: يصل للميت كل عبادة تفعل، واجبة أو مندوبة. وفي شرح المختار لمؤلفه: مذهب أهل السنة، إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره ويصله. اه. وقوله: لم تقض ولم تفد عنه وعند الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه: تفدى عنه إذا أوصى بها ولا تقضى عنه. ونص عبارة الدر مع الأصل: ولو مات وعليه صلوات فائتة، وأوصى بالكفارة، يعطى لكل صلاة نصف صاع من بر كالفطرة، وكذا حكم الوتر والصوم. وإنما يعطى من ثلث ماله، ولو لم يترك مالا يستقرض وارثه نصف صاع مثلا ويدفعه للفقير ثم يدفعه الفقير للوارث، ثم وثم حتى يتم. ولو قضاها وارثه بأمره لم يجز لأنها عبادة بدنية. اه. وكتب العلامة الشامي ما نصه: قوله: يستقرض وارثه نصف صاع أي أو قيمة ذلك. اه. (قوله: بأن صار يأكل إلخ) هذا أحسن ما قيل في ضابط المميز. وقيل: أن يعرف يمينه من شماله. وقيل: أن يفهم الخطاب ويرد الجواب. والمراد بمعرفة يمينه من شماله معرفة ما يضره وينفعه. ويوافق التفسير الثاني خبر أبي دواد أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل: متى يؤمر الصبي بالصلاة؟ فقال: إذا عرف يمينه من شماله. أي ما يضره مما ينفعه. اه ع ش بتصرف. (قوله: أي يجب على كل من أبويه وإن علا) أي ولو من جهة الأم. والوجوب كفائي فيسقط بفعل أحدهما: لأنه من الأمر بالمعروف، ولذا خوطبت به الأم ولا ولاية لها. (قوله: التهديد) أي إن احتيج إليه. اه سم. (قوله: غير مبرح) بكسر الراء المشددة، أي مؤلم. قال ع ش: أي وإن كثر. خلافا لما نقل عن ابن سريج من أنه لا يضرب فوق ثلاث ضربات، أخذا من حديث: غط جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات في ابتداء الوحي. اه. ولو لم يفد إلا المبرح تركهما وفاقا لابن عبد السلام، وخلافا لقول البلقيني: يفعل غير المبرح

وبحث الاذرعي في قن صغير كافر نطق بالشهادتين أنه يؤمر ندبا بالصلاة والصوم، يحث عليهما من غير ضرب ليألف الخير بعد بلوغه، وإن أبى القياس ذلك. انتهى. ويجب أيضا على من مر نهيه عن المحرمات وتعليمه الواجبات، ونحوها من سائر الشرائع الظاهرة، ولو سنة كسواك، وأمره بذلك. ولا ينتهي وجوب ما مر على من مر إلا ببلوغه رشيدا، وأجرة تعليمه ذلك - كالقرآن والآداب - في ماله ثم على أبيه ثم على أمه. (تنبيه) ذكر السمعاني في زوجة صغيرة ذات أبوين أن وجوب ما مر عليهما فالزوج، وقضيته وجوب ضربها. وبه - ولو في الكبيرة - صرح جمال الاسلام البزري. قال شيخنا: وهو ظاهر إن لم يخش نشوزا. وأطلق الزركشي الندب. ـــــــــــــــــــــــــــــ كالحد. اه تحفة. (قوله: وبحث الأذرعي الخ) عبارة التحفة: نعم، بحث الأذرعي في قن صغير لا يعرف إسلامه أنه لا يؤمر بها، أي وجوبا، لاحتمال كفره، ولا ينهى عنها لعدم تحقق كفره. والأوجه ندب أمره ليألفها بعد البلوغ. واحتمال كفره إنما يمنع الوجوب فقط. اه. وفي ع ش ما نصه: قال الشهاب الرملي في حواشي شرح الروض: إنه يجب أمره بها نظرا لظاهر الإسلام. ومثله في الخطيب على المنهاج. أي ثم إن كان مسلما في نفس الأمر صحت صلاته وإلا فلا. وينبغي أيضا أنه لا يصح الاقتداء به. اه. وقوله: وإن أبى القياس ذلك. أي ندب الأمر، لأنه كافر احتمالا. (قوله: ويجب أيضا على من مر) أي من الأبوين والوصي ومالك الرقيق، ومثلهم الملتقط والمودع والمستعير، فالإمام فصلحاء المسلمين. (قوله: وتعليمه الواجبات) أي كالصلاة والصوم والزكاة والحج، وما يتعلق بها من الأركان والشروط. (قوله: ولو سنة كسواك) وخالف في شرح الروض عن المهمات في ذلك فقال: المراد بالشرائع ما كان في معنى الطهارة والصلاة كالصوم ونحوه، لأنه المضروب على تركه. وذكر نحوه الزركشي. اه. ثم رأيت في شرح العباب ذكر أن ظاهر كلام القمولي الضرب على السنن. اه سم بتصرف. (قوله: وجوب ما مر) أي من الأمر والضرب على من مر، أي كل من الأبوين، الخ. (قوله: في ماله) أي الصبي، ولا يجب ذلك على الأب والأم. ومعنى أن الوجوب في ماله ثبوتها في ذمته ووجوب إخراجها من ماله على وليه، فإن بقيت إلى كماله لزمه إخراجها وإن تلف المال. (قوله: ذكر السمعاني الخ) حاصل ما ذكره أنه يجب على الأبوين ما مر، أي من نحو التعليم والضرب للزوجة الصغيرة، فإن فقدا فالوجوب على الزوج. (قوله: وبه إلخ) أي وبوجوب الضرب، ولو في الزوجة الكبيرة، صرح جمال الإسلام البزري، قال في التحفة في فصل التعزيز: وبحث ابن البزري - بكسر الموحدة - أنه يلزمه أمر زوجته بالصلاة في أوقاتها وضربها عليها. وهو متجه حتى في وجوب ضرب المكلفة، لكن لا مطلقا بل إن توقف الفعل عليه ولم يخش أن يترتب عليه مشوش للعشرة يعسر تداركه. اه. (قوله: إن لم يخش نشوزا) قال في شرح العباب: بخلاف ما لو خشي ذلك لما فيه من الضرر عليه. اه. (قوله: وأطلق الزركشي الندب) أي أنه جري على ندب ضربها مطلقا

(وأول واجب) حتى على الامر بالصلاة كما قالوا (على الآباء) ثم على مر من (تعليمه) أي المميز (أن نبينا محمدا (ص) بعث بمكة) وولد بها (ودفن بالمدينة) ومات بها. ـــــــــــــــــــــــــــــ خشي نشوزا أم لا. (قوله: وأول واجب إلخ) يعني أن أول ما يجب تعليمه للصبي أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلخ، ويكون ذلك مقدما على الأمر بالصلاة. قال في التحفة: يجب تعليمه ما يضطر إلى معرفته من الأمور الضرورية التي يكفر جاحدها ويشترك فيها العام والخاص، ومنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بمكة ودفن بالمدينة، كذا اقتصروا عليهما. وكأن وجهه أن إنكار أحدهما كفر، لكن لا ينحصر الأمر فيهما. وحينئذ فلا بد أن يذكر له من أوصافه - صلى الله عليه وسلم - الظاهرة المتواترة ما يميزه ولو بوجه، ثم ذينك. وأما مجرد الحكم بهما قبل تمييزه بوجه فغير مفيد، فيجب بيان النبوة والرسالة وأن محمدا الذي هو من قريش واسم أبيه كذا واسم أمه كذا وبعث ودفن بكذا نبي الله ورسوله إلى الخلق كافة. ويتعين أيضا ذكر لونه، ثم أمره بها، أي الصلاة ولو قضاء. اه. والحاصل: يجب على الآباء والأمهات أن يعلموا أبناءهم جميع ما يجب على المكلف معرفته، كي يرسخ الإيمان في قلوبهم ويعتادوا الطاعات، كتعليمهم ما يجب لمولانا عزوجل، وما يستحيل، وما يجوز. وجملة ذلك إحدى وأربعون عقيدة فأولها الوجود، ويستحيل عليه العدم. والثاني القدم، ومعناه لا أول لوجوده، ويستحيل عليه الحدوث. والثالث البقاء، ومعناه الذي لا آخر لوجوده، ويستحيل عليه الفناء. والرابع مخالفته تعالى للحوادث في ذاته وصفاته وأفعاله، ويستحيل عليه المماثلة. والخامس قيامه تعالى بالنفس، ومعناه عدم احتياجه إلى ذات يقوم بها، ولا إلى موجد يوجده، ويستحيل عليه أن لا يكون قائما بنفسه. والسادس الوحدانية، بمعنى أنه سبحانه وتعالى واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، ويستحيل عليه التعدد. والسابع القدرة، ويستحيل عليه العجز. والثامن الإرادة، ويستحيل عليه الكراهية. والتاسع العلم، ويستحيل عليه الجهل. والعاشر الحياة، ويستحيل عليه الموت. والحادي عشر السمع، ويستحيل عليه الصمم. والثاني عشر البصر، ويستحيل عليه العمى. والثالث عشر الكلام، ويستحيل عليه البكم. والرابع عشر كونه قادرا، ويستحيل عليه كونه عاجزا. والخامس عشر كونه مريدا، ويستحيل عليه كونه مكرها. والسادس عشر كونه عالما، ويستحيل عليه كونه جاهلا. والسابع عشر كونه حيا، ويستحيل عليه كونه ميتا. والثامن عشر كونه سميعا، ويستحيل عليه كونه أصم. والتاسع عشر كونه بصيرا، ويستحيل عليه كونه أعمى. والعشرون كونه متكلما، ويستحيل عليه كونه أبكم. فهذه أربعون عشرون واجبة، وعشرون مستحيلة، والواحد والأربعون الجائز في حقه تعالى وهو فعل كل ممكن أو تركه. وتعليمهم ما يجب في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام، وما يستحيل، وما يجوز. وجملة ذلك تسع عقائد. فالواجب: الصدق والأمانة، والتبليغ، والفطانة. والمستحيل: الكذب، والخيانة، وكتمان شئ مما أمروا بتبليغه، والبلادة. والجائز في حقهم ما هو من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص مراتبهم العلية، كالأكل والشرب والجماع والمرض الخفيف. فهم عليهم الصلاة والسلام أكمل الناس عقلا وعلما، بعثهم الله وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة، فبلغوا أمره ونهيه ووعده ووعيده. وتعليمهم أن الله سبحانه وتعالى بعث النبي الأمي العربي القرشي الهاشمي سيدنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - برسالته إلى كافة الخلق، العرب والعجم والملائكة والإنس والجن والجمادات. وأن شريعته نسخت الشرائع، وأن الله فضله على سائر المخلوقات. ومنع صحة التوحيد بقول لا إله إلا الله، إلا إن أضاف الناطق إليه محمد رسول الله. وألزم سبحانه وتعالى الخلق تصديقه في كل ما أخبر به عن الله عن أمور الدنيا والآخرة، وتعليمهم أنه ولد بمكة وهاجر إلى المدينة وتوفي فيها، وأنه أبيض مشرب بحمرة، وأنه أكمل الناس خلقا. وتعليمهم نسبه - صلى الله عليه وسلم - من جهة أبيه وأمه. وزاد بعضهم أولاده، لأنهم سادات الأمة. فلا ينبغي للشخص أن يهملهم، وهم سبعة: ثلاثة ذكور وأربعة إناث، وترتيبهم في الولادة: القاسم وهو أول أولاده - صلى الله عليه وسلم -، ثم زينب، ثم رقيه،

(فصل) في شروط الصلاة. الشرط ما يتوقف عليه صحة الصلاة، وليس منها. وقدمت الشروط على الاركان لانها أولى بالتقديم، إذ الشرط ما يجب تقديمه على الصلاة واستمراره فيها. (شروط الصلاة خمسة: أحدها: طهارة عن حدث وجنابة الطهارة: لغة)، النظافة والخلوص من الدنس. وشرعا: رفع المنع المترتب على الحدث أو النجس. (فالاولى) أي الطهارة عن الحدث: (الوضوء) هو - بضم الواو - استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحا بنية. وبفتحها: ما يتوضأ به. وكان ابتداء وجوبه مع ابتداء وجو ب المكتوبة ليلة الاسراء. (وشروطه) أي الوضوء كشروط الغسل خمسة. أحدها: (ماء مطلق)، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم فاطمة، ثم أم كلثوم، ثم عبد الله وهو الملقب بالطاهر وبالطيب، وكلهم من سيدتنا خديخة رضي الله عنها، والسابع إبراهيم، وهو من مارية القبطية. وقد نظم بعضهم أسماء هم متوسلا بهم، فقال: يا ربنا بالقاسم ابن محمد فبزينب فرقية فبفاطمة فبأم كلثوم فبعد الله ثم بحق إبراهيم نجي ناظمه فهذه نبذة من العقائد اللازمة، وقد تكفل بها علماء التوحيد، فيجب على من مر تعليم المميز ذلك حتى تكون نشأته على أكمل الإيمان، وبالله التوفيق. فصل في شروط الصلاة أي في بيان الشروط المتوقف عليها صحة الصلاة. وهي جمع شرط بسكون الراء، وهو لغة: تعليق أمر مستقبل بمثله، أو إلزام الشئ والتزامه. وبفتحها، العلامة. واصطلاحا: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته. اه. تحفة. إذا علمت ذلك تعلم إن قول الشارح: الشرط ما يتوقف عليه صحة الصلاة وليس منها ليس معنى لغويا ولا اصطلاحيا له، وإنما هو بيان لما يراد به هنا - أي في الصلاة - وليس هذا من شأن التعاريف. وقوله: وليس منها قيد لإخراج الركن. (قوله: لأنها أولى بالتقديم) أي لأن الشروط أحق بالتقديم. (قوله: إذ الشرط الخ) أي فهو مقدم طبعا فناسب أن يقدم وضعا. واعلم أن الشروط قسمان: قسم يعتبر قبل الشروع فيها ويستصحب إلى آخرها، وقسم يعتبر بعد الشروع ويستصحب كترك الأفعال وترك الكلام وترك الأكل فقوله: ما يجب تقديمه إلخ هو بالنظر للأول (قوله: شروط الصلاة خمسة) وإنما لم يعد من شروطها الإسلام، والتمييز، والعلم بفرضيتها، وكيفيتها، وتمييز فرائضها من سننها، لأنها غير مختصة بالصلاة. وبعضهم عدها وجعل الشروط تسعة. (قوله: الطهارة لغة إلخ) أي بفتح الطاء، وأما بضمها فاسم لبقية الماء. (قوله: النظافة) أي من الأقذار - ولو طاهرة كالمخاط والبصاق - حسية كانت كالأنجاس، أو معنوية كالعيوب من الحقد والحسد وغيرهما. (وقوله: والخلوص من الدنس) عطف تفسير (قوله: وشرعا رفع المنع إلخ) اعلم أن الطهارة الشرعية لها

فلا يرفع الحدث ولا يزيل النجس ولا يحصل سائر الطهارة - ولو مسنونة - إلا الماء المطلق، وهو ما يقع عليه اسم الماء بلا قيد، وإن رشح من بخار الماء الطهور المغلى، أو استهلك فيه الخليط، أو قيد بموافقة الواقع كماء البحر. بخلاف ما لا يذكر إلا مقيدا كماء الورد، (غير مستعمل في) فرض طهارة، من (رفع حدث) ـــــــــــــــــــــــــــــ وضعان: وضع حقيقي، وهو إطلاقها على الوصف المترتب على الفعل، وهو زوال المنع المترتب على الحدث أو الخبث. وإن شئت قلت: ارتفاع المنع المترتب على ذلك. ومجازي: وهو إطلاقها على الفعل، كتعريف الشارح فهو من إطلاق اسم المسبب على السبب. واعلم أنهم قسموها إلى قسمين، عينية وحكمية. فالأولى: هي ما لا تجاوز محل حلول موجبها كغسل الخبث، والثانية: هي ما تجاوز ما ذكر كالوضوء، فإنه يجاوز المحل الذي حل فيه الموجب وهو خروج شئ من أحد السبيلين. ولها وسائل أربع ومقاصد كذلك، فالأول: الماء، والتراب، والحجر، والدابغ. والثانية: الوضوء، والغسل، والتيمم، وإزالة النجاسة. وأما الأواني والاجتهاد فهما من وسائل الوسائل فإطلاق الوسيلة عليهما مجاز. (قوله: وهو ما يقع عليه اسم الماء) أي ما يطلق عليه اسم الماء لا مصاحبة قيد لازم، فشمل المتغير كيثرا بما لا يضر، أو بمجاور كعود ودهن وقوله: وإن رشح هذه الغاية للرد على الرافعي حيث قال: نازع فيه عامة الأصحاب، وقالوا يسمونه بخارا ورشحا لا ماء. وفي جعله الرشح من البخار نظر، إذ هو من الماء لا منه. وأجيب: بجعل من للتعليل، ومتعلق رشح محذوف، أي وإن رشح من الماء لأجل البخار وقوله: المغلى بضم الميم وفتح اللام من أغلى، أو بفتح الميم وكسر اللام من غلي. (قوله: أو استهلك فيه الخليط) أي بحيث لا يسلبه اسم الماء. والمستهلك فيه الخليط هو الذي لم يغيره ذلك الخليط لا حسا ولا تقديرا. (قوله: أو قيد) بفتح القاف وسكون الياء على أنه مصدر معطوف على قوله بلا قيد، أو بضم أوله وكسر الياء المشددة على أنه فعل مبني للمجهول معطوف على قوله وإن رشح. قوله: إلا مقيدا) أي بإضافة كماء ورد، أو بصفة كماء دافق، أو بلام العهد كالماء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: نعم. إذا رأت الماء. (قوله: غير مستعمل في فرض طهارة) أي غير مؤدي به ما لا بد منه. فالمراد بالفرض ما لا بد منه، أثم الشخص بتركه أم لا، عبادة كان أم لا، فشمل ماء وضوء الصبي ولو غير مميز بأن وضأه وليه للطواف فهو مستعمل لأنه أدى به ما لا بد منه، وإن كان لا إثم عليه بتركه. وشمل أيضا ماء غسل الكافرة لتحل لحليلها المسلم لأنه أدى به ما لا بد منه، وإن لم يكن غسلها عبادة وقوله: من رفع حدث بيان لفرض والمراد برفع الحدث عند مستعمله، فشمل ماء وضوء الحنفي بلا نية لأنه استعمل في رفع حدث عنده، وإن لم يرفع الحدث عندنا لعدم النية. فقوله بعد: ولو من طهر حنفي. إشارة إلى ذلك. وإنما لم يصح اقتداء الشافعي به إذا مس فرجه اعتبارا باعتقاد المأموم لاشتراط الرابطة، أي نية الاقتداء في الصلاة دون الطهارة واحتياطا في البابين. ولذا لا يصح

أصغر أو أكبر، ولو من طهر حنفي لم ينو، أو صبي لم يميز لطواف. (و) إزالة (نجس) ولو معفوا عنه. (قليلا) أي حال كون المستعمل قليلا، أي دون القلتين. فإن جمع المستعمل فبلغ قلتين فمطهر، كما لو جمع المتنجس فبلغ قلتين ولم يتغير، وإن قل بعد بتفريقه. فعلم أن الاستعمال لا يثبت إلا مع قلة الماء، أي وبعد فصله عن المحل المستعمل ولو حكما، كأن جاوز منكب المتوضئ أو ركبته، وإن عاد لمحله أو انتقل من يد لاخرى. نعم، لا يضر في المحدث انفصال الماء من الكف إلى الساعد، ولا في الجنب انفصاله من الرأس إلى نحو الصدر، مما يغلب فيه التقاذف. ـــــــــــــــــــــــــــــ الاقتداء به إذا توضأ بلا نية على الأظهر، مع حكمنا على مائه بالاستعمال، فننظر لمعتقده ونحكم باستعمال الماء، ولمعتقدنا ونحكم بعدم صحة وضوئه لعدم نيته. ولا يخفى ما في ذلك من الاحتياط. وقوله: ولو من طهر الخ أي ولو كان الاستعمال للماء حصل من طهر حنفي، الخ. وقوله: أو صبي الخ أي ولو كان من طهر صبي غير مميز، طهره وليه لأجل أن يطوف به. (قوله: ولو معفوا عنه) أي كقليل دم أجنبي غير مغلظ، أو كثير من نحو براغيث وغير ذلك. (قوله: فعلم) أي من تقييد المستعمل بكونه قليلا. وقوله: أي وبعد فصله عن المحل وذلك لأن الماء ما دام مترددا على العضو لا يثبت له حكم الاستعمال. واعلم أن شروط الاستعمال أربعة، تعلم من كلامه: قلة الماء واستعماله فيما لا بد منه، وأن ينفصل عن العضو، وعدم نية الاغتراف في محلها وهو في الغسل بعد نيته، وعند مماسة الماء لشئ من بدنه. فلو نوى الغسل من الجنابة ثم وضع كفه في ماء قليل ولم ينو الاغتراف صار مستعملا. وفي الوضوء بعد غسل الوجه وعند إرادة غسل اليدين، فلو لم ينو الاغتراف حينئذ صار الماء مستعملا. وفي ع ش ما نصه: (فائدة) لو اغترف بإناء في يده فاتصلت يده بالماء الذي اغترف منه، فإن قصد الاغتراف أو ما في معناه، كملء هذا الإناء من الماء، فلا استعمال. وإن لم يقصد شيئا مطلقا فهل يندفع الاستعمال؟ لأن الإناء قرينة على الاغتراف دون رفع الحدث، كما لو أدخل يده بعد غسلة الوجه الأولى من اعتماد التثليث، حيث لا يصير الماء مستعملا لقرينة اعتياد التثليث، أو يصير مستعملا. ويفرق بأن العادة توجب عدم دخول وقت غسل اليد بخلافه هناك، فإن اليد دخلت في وقت غسلها. فيه نظر ويتجه الثاني. اه. (قوله: كان جاوز) مثال للمنفصل حكما وقوله: منكب المتوضئ أي أو جاوز صدر الجنب، كأن تقاذف الماء من رأسه إلى ساقه. (قوله: مما يغلب فيه التقاذف) بيان لنحو الصدر، أي من كل عضو يصل إليه الماء

(فرع) لو أدخل المتوضئ يده بقصد الغسل عن الحدث أولا بقصد بعد نية الجنب، أو تثليث وجه المحدث، أو بعد الغسلة الاولى، إن قصد الاقتصار عليها، بلا نية اغتراف ولا قصد أخذ الماء لغرض آخر صار مستعملا بالنسبة لغير يده فله أن يغسل بما فيها باقي ساعدها. (و) غير (متغير) تغيرا (كثيرا) بحيث يمنع إطلاق اسم الماء عليه، بأن تغير أحد صفاته من طعم أو لون أو ريح، ولو تقديريا أو كان التغير بما على عضو المتطهر في الاصح، وإنما يؤثر التغير إن كان (بخليط) أي مخالطا ـــــــــــــــــــــــــــــ المتقاذف، أي المتطاير، غالبا. (قوله: لو أدخل المتوضئ) أي أو الجنب، بدليل قوله: بعد نية الجنب. ولو قال المتطهر لكان أولى، لشموله الجنب. (قوله: بعد نية الجنب) متعلق بأدخل. (قوله: أو تثليث الخ) معطوف على نية الجنب، أي أو أدخل يده بعد تثليث الخ. وقوله: أو بعد الغسلة الأولى معطوف على بعد نية الجنب، والأولى حذف بعد، فيكون معطوفا على تثليث. وقوله: إن قصد الاقتصار عليها أي الأولى قيد في الأخير. وقوله: بلا نية اغتراف متعلق بأدخل أيضا، أي بأن أدخلها بقصد غسلها في الإناء وأطلق. أما إذا نوى الاغتراف، أي قصد إخراج الماء من الإناء ليرفع به الحدث خارجه، فلا يصير الماء مستعملا. ونية الاغتراف محلها قبل مماسة الماء فلا يعتد بها بعدها. (قوله: ولا قصد) عطف على بلا نية اغتراف. (وقوله: لغرض آخر أي غير التطهر به خارج الإناء، بأن قصد بأخذ الماء شربه أو غسل إناء به مثلا. وفي سم ما نصه (قوله: لغرض آخر أي كالشرب، بل قد يقال قصد أخذ الماء لغرض آخر من إفراد نية الاغتراف، لأن المراد بها أن يقصد بإدخال يده إخراج الماء أعم من أن يكون لغرض غير التطهر به خارج الإناء أولا، فليتأمل. (قوله: صار مستعملا) جواب له، وإنما صار الماء مستعملا بذلك لانتقال المنع إليه وقوله: بالنسبة لغير يده أي من بقية أعضاء الوضوء بالنسبة للمحدث، أو بقية البدن بالنسبة للجنب. وقوله فله أن يغسل الخ مرتب على محذوف، أي أما بالنسبة ليده فلا يصير مستعملا، فله أن يغسل إلخ. يعني: له إن لم يتم غسلها أن يغسل بقيتها بما في كفه، لأن الماء ما دام مترددا على العضو له حكم التطهير. وقوله: باقي ساعدها في الروض ما نصه: فلو غسل بما في كفه باقي يده لا غيرها أجزأه. اه. (قوله: وغير متغير الخ) معطوف على غير مستعمل. وقوله: بحيث يمنع الخ تصوير لكون التغير كثيرا. وقوله: بأن تغير أحد صفاته تصوير ثان له أيضا، أو تصوير لمنع إطلاق اسم الماء عليه. (قوله: ولو تقديريا) أي ولو كان التغير حاصلا بالفرض والتقدير لا بالحس، وهو ما يدرك بإحدى الحواس التي هي الشم والذوق والبصر، وذلك بأن يقع في الماء ما يوافقه في جميع صفاته، كماء مستعمل، أو في بعضها كماء ورد منقطع الرائحة وله لون وطعم أو أحدهما ولم يتغير الماء به، فيقدر حينئذ مخالفا وسطا، الطعم طعم الرمان واللون لون العصير والريح ريح اللاذن - بفتح الذال المعجمة - فإذا كان الواقع في الماء قدر رطل مثلا من ماء الورد الذي لا ريح له ولا طعم ولا لون، نقول: لو كان الواقع فيه قدر رطل من ماء الرمان هل يغير طعمه أم لا؟ فإن قالوا: يغيره. انتفت الطهورية. وإن قالوا لا يغيره. نقول: لو كان الواقع فيه قدر رطل من اللاذن هل يغير ريحه أو لا؟ فإن قالوا: يغيره. انتفت الطهورية. وإن قالوا: لا يغيره. نقول: لو كان الواقع فيه قدر رطل من عصير العنب هل يغير لونه أو لا؟ فإن قالوا: يغيره. سلبناه الطهورية. وإن قالوا: لا يغيره، فهو باق على طهوريته. وهذا إذا فقدت الصفات كلها، فإن فقد بعضها ووجد بعضها قدر المفقود، لأن الموجود إذا لم يغير فلا معنى لفرضه.

للماء، وهو ما لا يتميز في رأي العين (طاهر) وقد (غني) الماء (عنه) كزعفران، وثمر شجر نبت قرب الماء، وورق طرح ثم تفتت، لا تراب وملح ماء وإن طرحا فيه. ولا يضر تغير لا يمنع الاسم لقلته ولو احتمالا، بأن شك أهو كثير أو قليل. وخرج بقولي بخليط المجاور، وهو ما يتميز للناظر، كعود ودهن ولو مطيبين، ومنه البخور وإن كثر وظهر نحو ريحه، خلافا لجمع. ومنه أيضا ماء أغلي فيه نحو بر وتمر حيث لم يعلم انفصال عين فيه مخالطة، بأن لم يصل إلى حد بحيث له اسم آخر كالمرقة، ولو شك في شئ أمخالط هو أم مجاور، له حكم ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن التقدير المذكور مندوب لا واجب، فلو هجم شخص واستعمل الماء أجزأه ذلك. (قوله: أو كان التغير بما على عضو المتطهر) أي بأن كان عليه نحو سدر أو زعفران فتغير الماء به فإنه يضر. وخرج بقوله: بما على عضو. ما إذا أريد تطهير السدر أو نحوه، وتغير الماء قبل وصوله إلى جيمع أجزائه فإنه لا يضر لكونه ضروريا في تطهيره. اه ع ش بالمعنى. (قوله: وإنما يؤثر التغير) أي في طهورية الماء بحيث لا يصح التطهير به، وإن كان طاهرا في نفسه. (قوله: إن كان بخليط) سيأتي محترزه. (قوله: وهو) أي الخليط. (قوله: ما لا يتميز في رأي العين) أي الشئ الذي لا يرى متميزا عن الماء. وقيل: هو الذي لا يمكن فصله. (قوله: وقد غني) بكسر النون، ومضارعه يغنى بفتحها، بمعنى استغنى. (قوله: كزعفران إلخ) تمثيل للخليط الطاهر المستغنى عنه. (قوله: وثمر شجر إلخ) أي وكثمر شجر. ويضر سقوطه في الماء مطلقا، سواء كان بنفسه أو بفعل الفاعل، بدليل تقييده الورق بالطرح، أي بفعل الفاعل. وكما في النهاية، ونصها: ويضر التغير بالثمار الساقطة بسبب ما انحل منها، سواء أوقع بنفسه أم بإيقاع، كان على صورة الورق كالورد أم لا. اه. (قوله: وورق طرح) خرج به ما إذا لم يطرح بل تناثر بنفسه فلا يضر وإن تفتت كما سيذكره. وقوله: ثم تفتت خرج به ما إذا لم يتفتت فلا يضر لأنه مجاور. والترتيب المستفاد من ثم ليس بقيد بل مثله بالأولى ما إذا تفتت ثم طرح. (قوله: لا تراب) أي لا إن كان التغير بتراب، فإنه لا يضر لموافقته للماء في الطهورية، ولأن تغيره به مجرد كدورة. وقوله: وملح ماء أولا إن كان التغير بملح ناشئ من الماء، فإنه لا يضر أيضا لكونه منعقدا من الماء، فسومح فيه، بخلاف الجبلي فإنه يضر لكونه غير منعقد من الماء، فهو مستغنى عنه. (قوله: وإن طرحا فيه) أي وإن طرح التراب وملح الماء في الماء فإنه لا يضر. والغاية للرد بالنسبة للتراب وللتعميم بالنسبة للملح. (قوله: ولا يضر تغير الخ) محترز قوله كثيرا. وقوله: لقلته أي التغير. وقوله: ولو احتمالا أي ولو كانت قلة التغير احتمالا لا يقينا فإنه لا يضر، لأنا لا نسلب الطهورية بالمحتمل، أي المشكوك فيه. قال في شرح الروض: نعم، لو تغير كثيرا ثم زال بعضه بنفسه أو بماء مطلق، ثم شك في أن التغير الآن يسير أو كثير لم يطهر، عملا بالأصل. قاله الأذرعي. اه. (قوله: المجاور وهو ما يتميز للناظر) وقيل إنه ما يمكن فصله. وقيل فيه وفي المخالط: المتبع العرف. وقوله: ولو مطيبين بفتح الياء المشددة، أي حصل الطيب لهما بغيرهما. وقيل: بكسر الياء، أي مطيبين لغيرهما. (قوله: ومنه) أي المجاور البخور. وفي النهاية: ويظهر في الماء المبخر - الذي غير البخور طعمه أو لونه أو ريحه - عدم سلبه الطهورية، لأنا لم نتحقق انحلال الأجزاء والمخالطة، وإن بناه بعضهم على الوجهين في دخان النجاسة. اه. أي فإن قلنل دخان النجاسة ينجس الماء، قلنا هنا: يسلب الطهورية. وإن قلنا بعدم التنجيس، ثم قلنا بعدم سلبها هنا. لكن المعتمد عدم سلب الطهورية هنا مطلقا. والفرق أن الدخان أجزاء تفصلها النار، وقد اتصلت بالماء فتنجسه ولو مجاورة، إذ لا فرق في تأثير ملاقاة النجس بين المجاور والمخالط. بخلاف البخور فإنه طاهر وهو لا يسلب الطهورية إلا إن كان مخالطا، ولم تتحقق المخالطة. اه ع ش. (قوله: ومنه الخ) أي ومن المجاور أيضا ماء أغلى فيه نحو بر وتمر فإنه لا يضر بالقيد الذي

المجاور. وبقولي غني عنه ما لا يستغنى عنه، كما في مقرة وممره، من نحو طين وطحلب متفتت وكبريت، وكالتغير بطول المكث أو بأوراق متناثرة بنفسها وإن تفتتت وبعدت الشجرة عن الماء. (أو بنجس) وأن قل التغير. (ولو كان) الماء (كثيرا) أي قلتين أو أكثر في صورتي التغيير بالطاهر والنجس. والقلتان بالوزن: خمسمائة رطل بغدادي تقريبا، وبالمساحة في المربع: ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا، بذراع اليد المعتدلة. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره. وفي سم ما نصه: قال الشارح في شرح العباب: والحب كالبر والثمر، إن غير وهو بحاله فمجاور، وإن انحل منه شئ فمخالط، فإن طبخ وغير ولم ينحل منه شئ فوجهان. ثم قال: وأوجه الوجهين أنه لا أثر لمجرد الطبخ، بل لا بد من تيقن انحلال شئ منه بحيث يحدث له بسبب ذلك اسم آخر، لأنه حينئذ مجاور، التغير به لا يضر، وإن حدث بسببه اسم آخر. فالحاصل أن ما أغلي من نحو الحبوب والثمار وما لم يغل، إن تيقن انحلال شئ منه فمخالط، وإلا فمجاورر. وإن حدث له بذلك اسم آخر، ما لم ينسلب عنه اطلاقه اسم الماء بالكلية. اه. (قوله: وبقولي غني عنه) أي وخرج بقولي إلخ، فهو معطوف على بقولي الأول. (قوله: كما في مقره) أي موضع قراره، أي الماء، ومنه كما هو ظاهر القرب التي يدهن باطنها بالقطران - وهي جديدة - لإصلاح ما يوضع فيها بعد من الماء، وإن كان من القطران المخالط. وقوله: وممره أي موضع مروره، أي الماء. وفي النهاية ما نصه: وظاهر كلامهم أن المراد بما في المقر والممر ما كان خلقيا في الأرض، أو مصنوعا فيها بحيث صار يشبه الخلقي، بخلاف الموضع فيها لا بتلك الحيثية، فإن الماء يستغنى عنه. اه. (قوله: من نحو طين) بيان لما، واندرج تحت نحو النورة والزرنيخ ونحوهما. (قوله: وطحلب) بضم أوله مع ضم ثالثه أو فتحه، شئ أخضر يعلو الماء من طول المكث، ولا يشترط أن يكون بمقر الماء أو ممره، وإن أوهمته عبارة الشارح. وقوله: مفتت أي ما لم يطرح، فإن طرح وصار مخالطا ضر. (قوله: وكالتغير بطول المكث) معطوف على كما في مقره، أي فهو لا يضر لعدم الاستغناء عنه. وعبارته صريحة في أنه من المخالط، لكن الذي لا غنى عنه مع أنه لا من المخالط ولا من المجاور. ولو أخرجه بمخالط لكان له وجه، وذلك لأن غير المخالط صادق بالمجاور وبالذي ليس بمجاور ولا مخالط. (قوله: أو بأوراق) معطوف على بطول المكث. وقوله: متناثرة بنفسها أي لا بفعل الفاعل. وهو مفهوم قوله سابقا: طرح. (قوله: أو بنجس) معطوف على بخليط، لكن بقطع النظر عن تقييد التغير فيه بالكثرة. أي وغير متغير بنجس مطلقا، قليلا كان التغير أو كثيرا. (قوله: في صورتي إلخ) قصده بيان أن الغاية راجعة للصورتين، صورة التغير بالطاهر وصورة التغير بالنجس. أي لا فرق في التغير بالطاهر بين أن يكون الماء قليلا أو كثيرا، أو بالنجس كذلك، إلا أنه يشترط في التغير بالأول أن يكون التغير كثيرا كما علمت. (قوله: والقلتان) هما في الأصل الجرتان العظيمتان، فالقلة الجرة العظيمة، سميت بذلك لأن الرجل العظيم يقلها أي يرفعها. وهي تسع قربتين ونصفا من قرب الحجاز، والقربة منها لا تزيد على مائة رطل بغدادي. وفي عرف الفقهاء: اسم للماء المعلوم. (قوله: خمسمائة رطل بغدادي) الرطل البغدادي عند النووي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وعند الرافعي مائة وثلاثون درهما، وهو خلاف المعتمد. وقوله: تقريبا أي لا تحديدا. فلا يضر نقص رطل أو رطلين - على الأشهر في الروضة -. (قوله: وبالمساحة) أي والقلتان بالمساحة. وهي بكسر الميم الذرع. وقوله: في المربع ذراع إلخ بيان ذلك أن كلا من الطول والعرض والعمق يبسط من جنس الكسر، وهو الربع. فجملة كل واحد خمسة أرباع، ويعبر عنها بأذرع

وفي المدور: ذراع من سائر الجوانب بذراع الآدمي، وذراعان عمقا بذراع النجار، وهو ذراع وربع. ولا تنجس قلتا ماء ولو احتمالا، كأن شك في ماء أبلغهما أم لا، وإن تيقنت قلته قبل بملاقاة نجس ما لم يتغير به، وإن استهلكت النجاسة فيه. ولا يجب التباعد من نجس في ماء كثير. ولو بال في البحر مثلا فارتفعت منه رغوة فهي نجسة إن تحقق أنها من عين النجاسة، أو من المتغير أحد أوصافه بها، وإلا فلا. ولو طرحت فيه بعرة، فوقعت ـــــــــــــــــــــــــــــ قصيرة، وتضرب خمسة الطول في خمسة العرض يكون الحاصل خمسة وعشرين، تضرب في خمسة العمق يكون الحاصل مائة وخمسة وعشرين، وكل ربع يسع أربعة أرطال فتضرب في المائة والخمسة والعشرين تبلغ خمسمائة رطل. (قوله: وفي المدور ذراع من سائر الجوانب إلخ) بيان ذلك فيه أن العمق ذراعان بذراع النجار، وهو ذراع وربع بذراع الآدمي، فهما به ذراعان ونصف، وأن العرض ذراع، وإذا كان العرض كذلك، يكون المحيط ثلاثة أذرع وسبعا، لأن محيط كل دائرة ثلاثة أمثال عرضها وسبع مثله. وتبسط كلا من العمق والعرض أرباعا، فيكون العمق عشرة أذرع والعرض أربعة، وإذا كان العرض أربعة كان المحيط اثنى عشر وأربعة أسباع، فتضرب نصف العرض في نصف المحيط يكون الخارج اثنى عشرى وأربعة أسباع، ثم تضرب ما ذكر في عشرة العمق يكون الخارج مائة وخمسة وعشرين وخمسة أسباع. لأن حاصل ضرب اثنتي عشرة في عشرة بمائة وعشرين، وحاصل ضرب أربعة أسباع في عشرة أربعون سبعا خمسة وثلاثون بخمسة صحيحة - ولا تضر زيادة الأسباع - وكل ربع يسع أربعة أرطال، فتضرب في المائة والخمسة والعشرين يبلغ خمسمائة رطل. (قوله: ولا تنجس قلتا ماء) للخبر الصحيح: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث أي لم يقبله. كما صرحت به ر واية: لم ينجس. وهي صحيحة أيضا. (قوله: ولو احتمالا) أي ولو كانت القلتان احتمالا لا يقينا، فلا تنجس لأن الأصل الطهارة. وقوله: كأن شك الخ تمثيل له. (قوله: إن تيقنت قلته) غاية للغاية. وقوله قبل أي قبل الشك بأن كان قليلا يقينا ثم زيد عليه، واحتمل بلوغه وعدمه. (قوله: بملاقاة نجس) متعلق بتنجس. (قوله: ما لم يتغير) أي الماء الذي بلغ قلتين. وقوله: به أي بالنجس. فإن تغير به تنجس، ولا فرق في التغير بين أن يكون حسيا أو تقديريا، بأن وقع في الماء نجس يوافقه في صفاته - كالبول المنقطع الرائحة واللون والطعم - فيقدر مخالفا أشد، الطعم طعم الخل واللون لون الحبر والريح ريح المسك. فلو كان الواقع قدر رطل من البول المذكور مثلا، نقدر ونقول: لو كان الواقع قدر رطل من الخل هل يغير طعم الماء أو لا؟ فإن قالوا: يغيره. حكمنا بنجاسته. وإن قالوا: لا يغيره. نقول: لو كان الواقع قدر رطل من الحبر هل يغير لون الماء أو لا؟ فإن قالوا: يغيره. حكمنا بنجاسته. وإن قالوا: لا يغيره. نقول: لو كان الواقع قدر رطل من المسك هل يغير ريحه أو لا؟ فإن قالوا: يغيره. حكمنا بنجاسته. وإن قالوا: لا يغيره. حكمنا بطهارته. وهذا إذا كان الواقع فقدت فيه الأوصاف الثلاثة، فإن فقدت صفة واحدة فرض المخالف المناسب لها فقط، كما تقدم في الطاهر. (قوله: وإن استهلكت النجاسة فيه) يحتمل ارتباط هذه الغاية بقوله: ولا تنجس قلتا ماء بملاقاة نجس إن لم يتغير به، سواء كان النجس الواقع في الماء متميزا عنه، بحيث يرى بأن كان جامدا، أو استهلك فيه بأن كان مائعا، أو امتزج بالماء بحيث صار لم يبق له طعم ولا لون ولا ريح. ويحتمل ارتباطه بمفهوم قوله: ما لم يتغير، أي فإن تغير به تنجس، سواء استهلكت النجاسة فيه أم لا، والأول أقرب. (قوله: ولا يجب التباعد من نجس في ماء كثير) يعني ولا يجب التباعد من النجس الكائن في ماء كثير حال الاغتراف منه، بل له إن يغترف من حيث شاء، حتى من أقرب موضع إلى النجاسة، كما صرح بذلك في النهاية. قال في الروض: فإن غرف دلوا من ماء قلتين فقط، وفيه نجاسة جامدة لم يغرفها مع الماء، فباطن الدلو طاهر لانفصال ما فيه عن الباقي قبل أن ينقص عن قلتين، لا ظاهر لتنجسه بالباقي المتنجس بالنجاسة لقلته. فإن غرفها مع الماء بأن دخلت معه أو قبله في الدلو انعكس الحكم. اه. (قوله: ولو بال في البحر مثلا) أي أو في ماء كثير. (قوله: فارتفعت منه) أي من البحر بسبب البول. وقوله: رغوة هي الزبد الذي يرتفع على وجه الماء. (قوله: فهي) أي الرغوة، نجسة. وقوله: إن تحقق أنها أي الرغوة، من عين النجاسة، أي البول. كأن كانت برائحة البول أو طعمه أو لونه. وقوله: أو من المتغير الخ أي أو تحقق أنها من الماء المتغير أحد أوصافه بذلك البول. (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يتحقق أنها من ذلك فلا يحكم عليها بالنجاسة. (قوله: ولو طرحت فيه) أي في البحر مثلا. وقوله: بعرة

من أجل الطرح قطرة على شئ لم تنجسه، وينجس قليل الماء - وهو ما دون القلتين - حيث لم يكن واردا بوصول نجس إليه يرى بالبصر المعتدل، غير معفو عنه في الماء، ولو معفوا عنه في الصلاة، كغيره من رطب ومائع، وإن كثر. لا بوصول ميتة لا دم لجنسها سائل عند شق عضو منها، كعقرب ووزع، إلا إن تغير ما أصابته ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ونحوها من كل نجاسة جامدة. (قوله: فوقعت إلخ) في الكلام حذف، أي فارتفعت من أجل قوة الطرح قطرة منه فوقعت على شئ. وقوله لم تنجسه جواب لو. أي لم تنجس تلك القطرة الشئ الذي وقعت عليه لطهارتها. (قوله: وينجس قليل الماء إلخ) أي لمفهوم الحديث المتقدم، إذ مفهومه أن ما دونهما يحمل الخبث، أي يتأثر به. وقوله: حيث لم يكن واردا أي حيث لم يكن الماء واردا على النجس، فإن كان واردا ففيه تفصيل يأتي. وحاصله: أنه إذا ورد الماء على المحل النجس ولم ينفصل عنه فهو طاهر مطهر. فإن انفصل عنه، ولم يتغير ولم يزد وزنه بعد اعتبار ما يأخذه المحل، وطهر المحل، فهو طاهر غير مطهر. فإن فقد واحد من هذه القيود فهو نجس. (قوله: بوصول نجس إليه) أي إلى الماء القليل، وهو متعلق بينجس، وخرج به ما إذا كان بقرب الماء جيفة مثلا وتغير الماء بها فإنه لا يؤثر. وقوله: يرى بالبصر المعتدل خرج به غير المرئي به، فإنه لا يؤثر. وإن كان بمواضع متفرقة، وكان بحيث لو جمع لرؤي، وكان المجموع قليلا ولو من مغلظ وبفعله عند م ر. وقوله: غير معفو عنه في الماء خرج به المعفو عنه فيه. وهو ما أشار إليه بقوله: لا بوصول ميتة. وقوله: ولو معفوا عنه في الصلاة أي ولو كان النجس الذي لا يعفى عنه في الماء معفوا عنه في الصلاة فإنه يضر، وذلك كقليل دم أجنبي غير مغلظ، أو كثير من نحو براغيث. فإن ما ذكر يعفى عنه إذا كان في نحو ثوب المصلي، ولا يعفى عنه في الماء. (قوله: كغيره) أي كغير الماء وهو مرتبط بقوله: وينجس إلخ. أي وينجس قليل الماء بما ذكر، كما أن غيره من المائعات ينجس به أيضا إلا أنه لا يتقيد بالقلة. وقوله: من رطب ومائع بيان للغير ثم إن كان المراد بالرطب الجامد كان عطف ما بعده عليه للمغايرة. إلا أنه يشكل عليه أن الجامد إنما ينجس ظاهره الملاقي للنجس، لا كله، كما سيأتي، وإن كان المراد به ما يعم المائع كان العطف عليه من عطف الخاص على العام، ويشكل عليه أيضا ما ذكر. وظاهر عبارة الروض تخصيص الرطب بالمائع، ونص عبارته مع شرحه: ودونهما - أي القلتين - قليل فينجس هو ورطب غيره كزيت، وإن كثر بملاقاة نجاسة مؤثرة في التنجس وإن لم يتغير. ثم قال: وخرج بالرطب الجامد الخالي عن رطوبة عند الملاقاة، وبالمؤثرة غيرها مما يأتي. اه. وقوله: وإن كثر أي ينجس غير الماء وإن كان كثيرا. والفرق بينه حيث تنجس مطلقا بوصول النجاسة إليه وبين الماء حيث اختص بالقلة، أن غير الماء ليس في معناه لقوة الماء ومشقة حفظه من النجس، بخلاف غيره. (قوله: لا بوصول ميتة الخ) أي لا ينجس قليل الماء وغيره من المائعات بوصول ما ذكر للعفو عنه في الماء. وقوله: لا دم لجنسها سائل تعبيره بذلك أولى من تعبير غيره بقوله لا دم لها سائل، إذ العبرة بجنسها لا بها. فلو فرض أن لها دما يسيل وجنسها ليس له ذلك ألحقت به، ولا يضر وقوعها فيه. أو فرض أنها ليس لها دم يسيل وجنسها له ذلك ألحقت به وضر وقوعها. (فائدة) خبر لا في هذا التركيب محذوف تقديره موجود، وسائل صفة ويجوز فيه الرفع على أنه صفة لاسم لا مراعاة له قبل دخولها لأنه كان مرفوعا بالابتداء، والنصب على أنه صفة له باعتبار محله، إذ محله نصب بلا، ولا يجوز بناؤه على الفتح لوجود الفاصل بينهما. كما قال إبن مالك: وغير ما يلي وغير المفردلا تبن وانصبه أو الرفع اقصد وقوله: عند شق عضو منها متعلق بسائل، أي: سائل عند شق عضو منها في حياتها أو عند قتلها. ويحرم الشق المذكور أو القتل بالقصد للتعذيب، واختلف فيما شك في سيل دمه وعدمه، فهل يجوز شق عضو منه أو لا؟ قال بالأول الرملي تبعا للغزالي، لأنه لحاجة. وقال بالثاني ابن حجر تبعا لإمام الحرمين، لما فيه من التعذيب، وله حكم ما لا يسيل دمه - فيما يظهر من كلامهم - عملا بكون الأصل في الماء الطهارة فلا ننجسه الشك، ويحتمل عدم العفو، لأن العفو رخصة فلا يصار إليها إلا

- ولو يسيرا - فحينئذ ينجس. لا سرطان وضفدع فينجس بهما، خلافا لجمع، ولا بميتة كان نشؤها من الماء كالعلق، ولو طرح فيه ميتة من ذلك نجس، وإن كان الطارح غير مكلف، ولا أثر لطرح الحي مطلقا. واختار كثيرون من أئمتنا مذهب مالك: أن الماء لا ينجس مطلقا إلا بالتغير، والجاري كراكد وفي القديم: لا ينجس قليله بلا تغير، وهو مذهب مالك. قال في المجموع: سواء كانت النجاسة مائعة أو جامدة. والماء القليل إذا تنجس يطهر ببلوغه قلتين - ولو بماء متنجس - حيث لا تغير به، والكثير يطهر بزوال تغيره بنفسه أو بماء زيد عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ بيقين. (قوله: كعقرب ووزغ) تمثيل للميتة التي ليس لجنسها دم سائل. (قوله: إلا إن تغير) استثناء من عدم التنجس بوصول الميتة وقوله: فيحنئذ ينجس أي فحين إذ تغير بها ينجس. والفاء واقعة في جواب الشرط. (قوله: لا سرطان وضفدع) عطف على كقعرب ووزع. وقوله: فينجس بهما أي بالسرطان والضفدع، لأن لجنسهما دما سائلا. (قوله: خلافا لجمع) أي قالوا بعدم التنجس بهما. (قوله: ولا بميتة) عطف على لا بوصول ميتة، أي ولا ينجس أيضا بوصول ميتة، إلخ. وقوله: كالعلق بفتحتين، دود الماء. (قوله: ولو طرح فيه ميتة من ذلك) ظاهره عود اسم الإشارة على المذكور من الميتة التي لا دم لجنسها سائل والتي نشؤها من الماء، وهو ما جرى عليه جمع. وجرى الشيخان على أن ما كان نشؤه من الماء لا يضر طرحه مطلقا. وظاهر كلام ابن حجر تأييده. ونص عبارة التحفة: ولا أثر لطرح الحي مطلقا أو الميتة التي نشؤها منه. كما هو ظاهر كلامهما. وفرض كلامهما في حي طرح فيما نشؤه منه ثم مات فيه بدليل كلام التهذيب ممنوع. اه. وظاهر كلام الرملي يؤيد الأول ونص عبارته، وحاصل المعتمد في ذلك كما اقتضاه كلام البهجة منطوقا ومفهوما، واعتمده الوالد رحمه الله وأفتى به، أنها إن طرحت حية لم يضر، سواء كان نشؤها منه أم لا، وسواء أماتت فيه بعد ذلك أم لا، إن لم تغيره. وإن طرحت ميتة ضر، سواء كان نشؤها منه أم لا. وإن وقوعها بنفسها لا يضر مطلقا، أي حية أو ميتة، فيعفى عنه كما يعفى عما يقع بالريح، وإن كان ميتا ولم يكن نشؤه منه، إن لم يغير، وليس الصبي - ولو غير مميز - والبهيمة كالريح لأن لهما اختيارا في الجملة. اه. وكتب ع ش ما نصه: قوله: والبهيمة كالريح قال ابن حجر: وإن كان الطارح غير مكلف لكن من جنسه، وهي تخرج البهيمة لأنها ليست من جنس الصبي. وقال سم على المنهج: وفي إلحاق البهيمة بالآدمي تأمل. (قوله: ولا أثر لطرح الحي مطلقا) أي سواء كان نشؤه منه أم لا. (قوله: واختار كثيرون الخ) مرتبط بقوله وينجس قليل الماء الخ. (قوله: لا ينجس مطلقا) أي قليلا كان أو كثيرا. قال ابن حجر: وكأنهم نظروا للتسهيل على الناس، وإلا فالدليل ظاهر في التفصيل. (قوله: والجاري كراكد) أي في جميع ما مر من التفرقة بين القليل والكثير، وأن الأول يتنجس بمجرد الملاقاة. لكن العبرة في الجاري بالجرية نفسها لا مجموع الماء. فإذا كانت الجرية - وهي الدفعة التي بين حافتي النهر - في العرض دون قلتين تنجست بمجرد الملاقاة، ويكون محل تلك الجرية من النهر نجسا ويطهر بالجرية بعدها، وتكون في حكم غسالة النجاسة. هذا في نجاسة تجري بجري الماء، فإن كانت جامدة واقفة فذلك المحل نجس وكل جرية تمر بها نجسة إلى أن يجتمع قلتان في حوض. وبه يلغز فيقال: ماء ألف قلة غير متغير وهو نجس، أي لأنه ما دام لم يجتمع فهو نجس، وإن طال محل جري الماء. والفرض أن كل جرية أقل من قلتين. (قوله: لا ينجس قليله) أي الجاري لقوته بوروده على النجاسة، فأشبه الماء الذي نطهرها به. وعليه فمقتضاه أن يكون طاهرا لا طهورا. اه نهاية. (قوله: وهو مذهب مالك) أي ما في القديم من جملة ما ذهب إليه الإمام مالك. (قوله: قال في المجموع إلخ) هذا مرتبط بقوله فيما تقدم وينجس قليل الماء بوصول نجس، فهو تعميم في النجس، أي سواء كان جامدا أو مائعا. (قوله: والماء القليل إذا تنجس) أي بوقوع نجاسة فيه وقوله: يطهر ببلوغه قلتين أي بانضمام ماء إليه لا بانضمام مائع فلا يطهر، ولو استهلك فيه وقوله: ولو بماء متنجس أي ولو كابلوغه ما ذكر بانضمام ماء متنجس إليه، أي أو بماء مستعمل أو متغير أو بثلج أو برد أذيب. قال في التحفة: ومن بلوغهما به ما لو كان النجس أو الطهور بحفرة أو حوض آخر وفتح بينهما حاجز واتسع بحيث يتحرك ما في كل بتحرك الآخر تحركا عنيفا، وإن لم تزل كدورة أحدهما ومضى زمن يزول فيه تغير لو كان. وقوله: حيث لا تغير به أي يطهر بما ذكر، حيث لم يوجد فيه تغير لا حسا ولا تقديرا، فإن وجد فيه ذلك لم يطهر. (قوله: والكثير يطهر بزوال تغيره) أي الحسي والتقديري. وقوله: بنفسه

أو نقص عنه وكان الباقي كثيرا. (و) ثانيها: (جري ماء على عضو) مغسول، فلا يكفي أن يمسه الماء بلا جريان لانه لا يسمى غسلا. (و) ثالثها: (أن لا يكون عليه) أي على العضو (مغير للماء تغيرا ضارا) كزعفران وصندل، خلافا لجمع. (و) رابعها: (أن لا يكون على العضو حائل) بين الماء والمغسول، (كنورة) وشمع ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لا بانضمام شئ إليه، كأن زال بطول المكث. وقوله: أو بماء زيد عليه أي أو زال تغيره بانضمام ماء إليه. أي ولو كان متنجسا أو مستعملا أو غير ذلك، لا إن زال بغير ذلك كمسك وخل وتراب فلا يطهر للشك في أن التغير استتر أو زال، بل الظاهر أنه استتر. وقوله: أو نقص عنه أي أو زال التغير أو بماء نقص عنه. وقوله: وكان الباقي كثيرا قيد في الأخيرة. أي وكان الباقي بعد نقص شئ منه كثيرا، أي يبلغ قلتين. (تتمة) لم يتعرض المؤلف للاجتهاد مع أنه وسيلة للماء، ولنتعرض له تكميلا للفائدة، فنقول: اعلم أنهم ذكروا للاجتهاد شروطا، أحدها: بقاء المشتبهين إلى تمام الاجتهاد. فلو انصب أحدهما أو تلف امتنع الاجتهاد، ويتيمم ويصلي بلا إعادة. ثانيها: أن يتأيد الاجتهاد بأصل الحل، فلا يجتهد في ماء اشتبه ببول وإن كان يتوقع ظهور العلامة، إذ لا أصل للبول في حل المطلوب، وهو التطهير هنا. ثالثها: أن يكون للعلامة فيه مجال، أي مدخل، كالأواني والثياب، فلا يجتهد فيما إذا اشتبهت محرمه بأجنبيات محصورات للنكاح لأنه يحتاط له. رابعها: الحصر في المشتبه به، فلو اشتبه إناء نجس بأوان غير محصورة فلا اجتهاد بل يأخذ منها ما شاء إلى أن يبقى عدد محصور - عند ابن حجر - وزاد بعضهم: سعة الوقت. فلو ضاق الوقت عن الاجتهاد تيمم وصلى، والأوجه خلافه. واشترط بعضهم أيضا أن يكون الإنآن لواحد، فإن كانا لاثنين، لكل واحد، توضأ كل بإنائه، والأوجه - كما في الإحياء - خلافه عملا بإطلاقهم إذا علمت ذلك. فلو اشتبه ماء طاهر أو تراب كذلك بماء متنجس أو تراب كذلك، أو اشتبه ماء طهور أو تراب كذلك بماء مستعمل أو بمتنجس أو تراب كذلك، اجتهد في المشتبهين جوازا إن قدر على طاهر بيقين، ووجوبا إن لم يقدر على ذلك، واستعمل ما ظنه بالاجتهاد طاهرا أو طهورا، ويسن له قبل الاستعمال أن يريق المظنون نجاسته لئلا يغلط فيستعمله أو يتغير اجتهاده فيشتبه عليه الأمر، فإن تركه بلا إراقة وتغير ظنه باجتهاده ثانيا لم يعمل بالثاني من الاجتهادين لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد إن غسل ما أصابه ماء الأول بماء الثاني ويصلي بنجاسة إن لم يغسله. ولا يعمل بالاجتهاد الأول أيضا عند م ر، فلا يصلي بالوضوء الحاصل منه. واعتمد ابن حجر خلافه. أو اشتبه ماء وبول أو ماء وماء ورد فلا يجتهد، بل في الأول يريقهما أو أحدهما، أو يخلط أحدهما أو شيئا منه على الآخر ثم يتيمم ولا إعادة عليه. فلو تيمم قبل ذلك لا يصح تيممه، لأن شرط صحته أن لا يتيمم بحضرة ماء متيقن الطهارة، ويتوضأ بكل مرة في الثاني. ومثل الاجتهاد في الماء والتراب الاجتهاد في الثياب والأطعمة والحيوانات، فلو اشتبه عليه ثوب نجس بثوب طاهر، أو طعام نجس بطعام طاهر، أو اشتبه عليه شاته بشاة غيره، اجتهد في ذلك، فما أداه اجتهاده إلى أنه طاهر أو ملكه، عمل به، وما لا فلا. (قوله: وثانيها) أي وثاني شروط الوضوء. (قوله: على عضو مغسول) أي كالوجه واليدين والرجلين، وخرج به الممسوح كالرأس فلا يشترط فيه الجري. (قوله: فلا يكفي أن يمسه الماء) قال في العباب: ومن ثم لم يجز الغسل بالثلج والبرد إلا إن ذابا وجريا على العضو. (قوله: لأنه لا يسمى غسلا) أي لأن المس المذكور لا يسمى غسلا، مع أن المأمور به في الآية الشريفة الغسل. قال في النهاية: ولا يمنع من عد هذا شرطا كونه معلوما من مفهوم الغسل لأنه قد يراد به - أي الغسل - ما يعم النضح. اه. (قوله: وثالثها) أي ثالث شروط الوضوء. (قوله: تغيرا ضارا) بأن يكون كثيرا بحيث يمنع إطلاق اسم الماء عليه كما تقدم. (قوله: كزعفران وصندل) تمثيل للمغير الذي على العضو. (قوله: خلافا لجمع) أي قالوا: يغتفر ما على العضو. (قوله: ورابعها) أي رابع شروط الوضوء. (قوله: حائل) أي جرم كثيف يمنع وصول الماء للبشرة. (قوله: بين الماء

ودهن جامد وعين حبر وحناء، بخلاف دهن جار أي مائع - وإن لم يثبت الماء عليه - وأثر حبر وحناء. وكذا يشترط - على ما جزم به كثيرون - أن لا يكون وسخ تحت ظفر يمنع وصول الماء لما تحته، خلافا لجمع منهم الغزالي والزركشي وغيرهما، وأطالوا في ترجيحه وصرحوا بالمسامحة عما تحتها من الوسخ دون نحو العجين. وأشار الاذرعي وغيره إلى ضعف مقالتهم. وقد صرح في التتمة وغيرها، بما في الروضة وغيرها، من عدم المسامحة بشئ مما تحتها حيث منع وصول الماء بمحله. وأفتى البغوي في وسخ حصل من غبار بأنه يمنع صحة الوضوء، بخلاف ما نشأ من بدنه وهو العرق المتجمد. وجزم به في الانوار. (و) خامسها: (دخول وقت ـــــــــــــــــــــــــــــ والمغسول) مثله الممسوح كما هو ظاهر. (قوله: كنورة إلخ) تمثيل للحائل. (قوله: بخلاف دهن جار) أي بخلاف ما إذا كان على العضو دهن جار فإنه لا يعد حائلا فيصح الوضوء معه، وإن لم يثبت الماء على العضو لأن ثبوت الماء ليس بشرط. (قوله: وأثر حبر وحناء) أي وبخلاف أثر حبر وحناء فإنه لا يضر. والمراد بالأثر مجرد اللون بحيث لا يتحصل بالحت مثلا منه شئ. (قوله: أن لا يكون وسخ تحت ظفر) أي من أظفار اليدين أو الرجلين. قال الزيادي: وهذه المسألة مما تعم بها البلوى، فقل من يسلم من وسخ تحت أظفار يديه أو رجليه، فليتفطن لذلك. (قوله: خلافا لجمع) أي قالوا بعدم اشتراط ذلك. (قوله: وأطالوا في ترجيحه) أي مستدلين بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بتقليم الأظفار ورمي ما تحتها ولم يأمرهم بإعادة الصلاة. قال في شرح العباب: وما في الإحياء - مما نقله الزركشي عن كثيرين، وأطال هو وغيره في ترجيحه، وأنه الصحيح المعروف من المسامحة عما تحتها من الوسخ دون نحو العجين - ضعيف، بل غريب كما أشار إليه الأذرعي اه. (قوله: بشئ مما تحتها) أي سواء كان من الوسخ أو من العجين. (قوله: حيث منع) أي ذلك الشئ - وسخا أو غيره - وقوله: بمحله أي ذلك الشئ. (قوله: وأفتى البغوي في وسخ إلخ) لا يختص هذا بما تحت الأظفار بل يعم سائر البدن وعبارة ابن حجر: وكوسخ تحت الأظفار، خلافا للغزالي، وكغبار على البدن، بخلاف العرق المتجمد عليه لأنه كالجزء منه. ومن ثم نقض مسه. اه. (قوله: وهو العرق المتجمد) قضيته وإن لم يصر كالجزء ولم يتأذ بإزالته - وهو ظاهر لكثرة تكرره والمشقة في إزالته - لكن في ابن عبد الحق: نعم، هن صار الجرم المتولد من العرق جزءا من البدن لا يمكن فصله عنه فله حكمه، فلا يمنع صحة الوضوء ولا النقض بمسه. اه ع ش. (قوله: وخامسها) أي وخامس شروط الوضوء. وبقي من الشروط: عدم المنافي من حيض ومس ذكر، وعدم الصارف ويعبر عنه بدوام النية حكما، والإسلام، والتمييز، ومعرفة كيفية الوضوء بأن لا يقصد بفرض معين نفلا، وغسل ما لا يتم الواجب إلا به. وقد عد بعضهم شروط الوضوء خمسة عشر شرطا، ونظمها في قوله: أيا طالبا مني شروط وضوئه فخذها على الترتيب، إذ أنت سامع شروط وضوء عشرة ثم خمسة فخذ عدها والغسل للطهر جامع طهارة أعضاء نقاء وعلمه بكيفية المشروع والعلم نافع وترك مناف في الدوام وصارف عن الرفع والإسلام قد تم سابع وتمييزه واستثن فعل وليه إذا طاف عنه وهو بالمهد راضع ولا حال نحو الشمع والوسخ الذي حوى ظفر والرمص في العين مانع وجري على عضو وإيصال مائه وويل لأعقاب من النار واقع وتخليل ما بين الأصابع واجب إذا لم يصل إلا ما هو قالع وماء طهور والتراب نيابة وبعد دخول الوقت إن فات رافع كتقطير بول ناقض واستحاضة وودي ومذي أو مني يدافع وليس يضر البول من ثقبة علت كجرح على عضو به الدم ناقع ونيته للاغتراف محلها إذا تمت الأولى من الوجه تابع ونية غسل بعدها فانو واغترف وإلا فالاستعمال لا شك واقع

لدائم حدث) كسلس ومستحاضة. ويشترط له أيضا ظن دخوله، فلا يتوضأ - كالمتيمم - لفرض أو نفل مؤقت قبل وقت فعله، ولصلاة جنازة قبل الغسل، وتحية قبل دخول المسجد، وللرواتب المتأخرة قبل فعل الفرض، ولزم وضوآن أو تيممان على خطيب دائم الحدث، أحدهما: للخطبتين والآخر بعدهما لصلاة جمعة، ويكفي واحد لهما لغيره، ويجب عليه الوضوء لكل فرض - كالتيمم وكذا غسل الفرج وإبدال القطنة التي بفمه والعصابة، وإن لم تزل عن موضعها. وعلى نحو سلس مبادرة بالصلاة، فلو أخر لمصلحتها كانتظار ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد صححوا غسلا مع البول إن جرى خلاف وضوء خذه والعلم واسع ووشم بلا كره وعظمة جابرتشق بلا خوف ويكشط مانع (وقوله: كسلس) بكسر اللام على أنه اسم فاعل، وبفتحها على أنه مصدر، ويقدر مضاف، أي ذي سلس. وشمل سلس البول وسلس الريح، فلو توضأ قبل دخول الوقت لم يصح لأنه طهارة ضرورة، ولا ضرورة قبل الوقت. (قوله: ويشترط له أيضا إلخ) الأنسب والأخصر أن يقول بعد قوله دخول وقت لدائم الحدث ولو ظنا، أي سواء كان دخوله يقينا أو كان ظنا، فيما إذا اشتبه عليه الوقت أدخل أم لا، فاجتهد فأداه اجتهاده إلى دخوله. وعبارة المنهج القويم: ودخول الوقت لدائم الحدث أو ظن دخوله. اه. وهي ظاهرة، تأمل. (قوله: فلا يتوضأ) أي دائم الحدث. وقوله: كالمتيمم أي حال كونه كالمتيمم، فإنه يشترط في تيممه دخول الوقت سواء كان دائم الحدث أم لا. (قوله: أو نفل مؤقت) كالكسوفين والعيدين. (قوله: قبل وقت فعله) متعلق بيتوضأ. (قوله: ولصلاة جنازة) أي ولا يتوضأ لصلاة جنازة قبل غسل الميت لأن وقتها إنما يدخل بعده. (قوله: وتحية قبل دخول المسجد) أي ولا يتوضأ لصلاة التحية قبل دخول المسجد. (قوله: وللرواتب المتأخرة قبل فعل الفرض) أي ولا يتوضأ قبل فعل الفرض لأجل الرواتب، أي بقصد استباحة فعل الرواتب. فلو توضأ لأجل ذلك لم يصح وضوءه أصلا لأن وقتها إنما يدخل بعد فعل الفرض. واعلم أن دائم الحدث - كالمتيمم - يستباح له بوضوئه للفرض أن يصلي الفرض وما شاء من النوافل، وإذا علم ذلك فلا ينظر لمفهوم قوله ولا يتوضأ للرواتب قبل الفرض من أنه يتوضأ لها بعده. (قوله: أو تيممان) هو ساقط في بعض نسخ الخط، وهو أولى، لأن التيممين يلزمان دائم الحدث والسليم. تأمل. (قوله: أحدهما) أي أحد الوضوأين أو التيممين - على ما في بعض النسخ - يكون للخطبتين لأن الخطبة، وإن كانت فرض كفاية هي قائمة مقام ركعتين فالتحقت بفرائض الأعيان (قوله: والآخر بعدهما) أي والوضوء أو التيمم الآخر يكون بعد الخطبتين لأجل صلاة الجمعة. (قوله: ويكفي واحد لهما لغيره) أي غير دائم الحدث، وهو السليم. وصريحه أنه يكفي وضوء واحد أو تيمم واحد للخطبتين والجمعة لغير دائم الحدث، وليس كذلك بالنسبة للتيمم كما علمت، فيتعين حمل قوله واحد على خصوص الوضوء، (قوله: ويجب عليه الوضوء الخ) أي ويجب على دائم الحدث الوضوء لكل فرض ولو منذورا، فلا يجوز أن يجمع بوضوء واحد بين فرضين، كما أنه لا يجوز أن يجمع بتيمم واحد بينهما. وسيأتي تفصيل ما يستباح للمتيمم من الصلوات وغيرهما بتيممه في بابه، ويقاس عليه دائم الحدث في جميع ما يأتي فيه. (قوله: وكذا غسل الفرج الخ) أي وكذا يجب على دائم الحدث إلخ. وحاصل ما يجب عليه - سواء كان مستحاضة أو سلسا - أن يغسل فرجه أولا عما فيه من النجاسة، ثم يحشوه بنحو قطنة - إلا إذا تأذى به أو كان صائما - وأن يعصبه بعد الحشو بخرقة إن لم يكفه الحشو لكثرة الدم، ثم يتوضأ أو يتيمم، ويبادر بعده إلى الصلاة، ويفعل هكذا لكل فرض وإن لم تزل العصابة عن محلها. وقوله: التي بفمه أي الفرج. وقوله: والعصابة أي وإبدال العصابة، أي تجديدها. وقوله: وإن لم تزل عن موضعها أي يجب تجديدها، وإن لم تنتقل عن موضعها، وإن لم يظهر الدم مثلا من جوانبها. (قوله: وعلى نحو سلس) أي ويجب على نحو سلس. والمقام للإضمار، فلو قال: - كالذي قبله - وعليه مبادرة، لكان أولى. (وقوله: بالصلاة) أطلقها للإشارة إلى أنه لا فرق بين أن تكون فرضا أو نفلا. (قوله: فلو أخر لمصلحتها الخ) مقابل لمحذوف تقديره فإن أخر لغير مصلحتها كأكل ضر ذلك

جماعة أو جمعة وإن أخرت عن أول الوقت وكذهاب إلى مسجد لم يضره. (وفروضه ستة) أحدها: (نية) وضوء أو أداء (فرض وضوء) أو رفع حدث لغير دائم حدث، حتى في الوضوء المجدد أو الطهارة عنه، أو الطهارة لنحو الصلاة، مما لا يباح إلا بالوضوء، أو استباحة مفتقر إلى وضوء كالصلاة ومس المصحف. ولا تكفي نية استباحة ما يندب له الوضوء، كقراءة القرآن أو الحديث، وكدخول مسجد وزيارة قبر. والاصل في ـــــــــــــــــــــــــــــ واستأنف جميع ما تقدم عند فعل الصلاة، فلو أخر إلخ. (قوله: كانتظار إلخ) أي وكإجابة المؤذن والاجتهاد في القبلة وستر العورة. وقوله: جماعة أي مشروعة لتلك الصلاة بأن تكون صلاتها مما يسن لها الجماعة، وإلا كالمنذورة مثلا مما لا تشرع فيه الجماعة، لا يغتفر التأخير لأجلها. وقوله: وإن أخرت أي الجماعة أو الجمعة، عن أول وقتها، فإنه لا يضر انتظارها. (قوله: وكذهاب إلى مسجد) معطوف على كانتظار. (قوله: لم يضره) جواب لو. (قوله: وفروضه الخ) لما أنهى الكلام على شروطه شرع يتكلم على فروضه. وقوله: ستة أي فقط، في حق السليم وغيره. قال في التحفة: أربعة منها ثبتت بنص القرآن واثنان بالسنة. (قوله: أحدها نية) هي لغة: القصد. وشرعا: قصد الشئ مقترنا بفعله. واعلم أن الكلام عليها من سبعة أوجه، نظمها بعضهم بقوله: حقيقة، حكم محل وزمن كيفية شرط ومقصود حسن فحقيقتها - لغة وشرعا - ما تقدم، وحكمها الوجوب، ومحلها القلب، وزمنها أول الواجبات، وكيفيتها تختلف بحسب الأبواب، وشرطها إسلام الناوي وتمييزه وعمله بالمنوي، وعدم الإتيان بما ينافيها بأن يستصحبها حكما. والمقصود بها تمييز العبادة عن العادة، كالجلوس مثلا للاعتكاف أو للاستراحة. (قوله: أو أداء فرض وضوء) أي أو نية ذلك، بأن يقول: نويت أداء فرض الوضوء. (قوله: أو رفع حدث) أي أو نية رفع حدث، بأن تقول: نويت رفع الحدث. والمراد رفع حكمه، وهو المنع من الصلاة. وقوله: لغير دائم حدث قيد في الأخير لا غير، وخرج به دائمه فلا ينوي رفع الحدث لأن حدثه لا يرتفع. (قوله: حتى في الوضوء المجدد) يعني أنه يأتي بالأمور المتقدمة - أعني نية الوضوء أو أداء فرض الوضوء أو نية رفع الحدث - حتى في الوضوء المجدد، قياسا على الصلاة المعادة. وخالف في بعض ذلك الرملي، وعبارته: ومحل الاكتفاء بالأمور المتقدمة في غير الوضوء المجدد. أما هو فالقياس عدم الاكتفاء فيه بنية الرفع أو الاستباحة، وإن ذهب الأسنوي إلى الاكتفاء بذلك، كالصلاة المعادة. اه. إذا علمت ذلك تعلم أن الغاية المذكورة للرد بالنسبة لبعضها، وكان الأولى تأخيرها عن جميع ما يأتي من صيغ النية. (قوله: أو الطهارة عنه) أي أو نية الطهارة عن الحدث. فهو معطوف على قوله وضوء. ولو قال: نويت الطهارة، من غير أن يقول عن الحدث لم يكف، لأن الطهارة لغة: مطلق النظافة. (قوله: أو الطهارة لنحو الصلاة) أي أو نية الطهارة لنحو الصلاة. وقوله: مما الخ بيان لنحو الصلاة. والمراد كل عبادة متوقفة على الوضوء، كالطواف ومس المصحف وحمله. (قوله: أو استباحة مفتقر إلى وضوء) أي أو نية استباحة ما يفتقر إلى وضوء، بأن يقول: نويت استباحة الصلاة أو الطواف أو مس المصحف، فيأتي بإفراد هذه الكلية، ويصح أن يأتي بهذه الصيغة الكلية بأن يقول: نويت استباحة مفتقر إلى وضوء. (قوله: ولا تكفي نية الخ) أي لأنه يستبيحه مع الحدث فلم يتضمن قصده قصد رفع الحدث. اه نهاية. وقال ع ش: وصورة ذلك - أي عدم الاكتفاء بالنية المذكورة - أنه ينوي استباحة ذلك، كأن يقول: نويت استباحة القراءة. أما لو نوى الوضوء للقراءة، فقال ابن حجر: أنه - أي الوضوء، لا يبطل إلا إذا نوى التعليق أولا،

وجوب النية خبر، إنما الاعمال بالنيات. أي إنما صحتها لاكمالها. ويجب قرنها (عند) أول (غسل) جزء من (وجه)، فلو قرنها بأثنائه كفى ووجب إعادة غسل ما سبقها. ولا يكفي قرنها بما قبله حيث لم يستصحبها إلى غسل شئ منه، وما قارنها هو أوله، فتفوت سنة المضمضة إن انغسل معها شئ من الوجه - كحمرة الشفة - بعد النية فالاولى أن يفرق النية بأن ينوي عند كل من غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق سنة الوضوء، ثم فرض الوضوء عند غسل الوجه، حتى لا تفوت فضيلة استصحاب النية من أوله. وفضيلة المضمضة والاستنشاق مع انغسال حمرة الشفة. (و) ثانيها: (غسل) ظاهر (وجهه) لآ ية: * (فاغسلوا وجوهكم) * (وهو) طولا (ما بين ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف ما إذا لم ينوه إلا بعد ذكره الوضوء، لصحة النية حينئذ، فلا يبطلها ما وقع بعد. اه بتصرف. (قوله: إنما الأعمال بالنيات) أي بنياتها، (فأل) عوض عن الضمير. قال بعضهم: وآثر ذكر الأعمال على ذكر الأفعال لأن الأول خاص بذوي العقول، بخلاف الثاني فإنه عام فيهم وفي غيرهم. اه. (قوله: أي إنما صحتها) أي صحة الأعمال. والمراد بها: المعتد بها شرعا ليخرج نحو الأكل والشرب، وخروج بعض الأعمال المذكورة عن اعتبار النية فيه كالأذان والخطبة والعتق والوقف ونحو ذلك مما لا يتوقف على نية لدليل آخر. وقوله: لإكمالها أي ليس المراد إنما كمال الأعمال، كما قاله الإمام أبو حنيفة، فتصح عنده الوسائل بغير نية، كالوضوء والغسل. (قوله: ويجب قرنها) دخول على المتن. وهو غير ملائم لقوله عند أول إلخ. فلو قال: ويجب وقوعها عند أول الخ، لكان أنسب، تأمل. وقوله: عند أول الخ إنما وجب قرنها به لأجل الاعتداد بفعله لا لأجل الاعتداد بالنية، فلا ينافي ما يأتي من أنه لو أتى بها في الأثناء كفى. وإذا سقط غسل وجهه لعلة ولا جبيرة فالأوجه - كما في التحفة - وجوب قرنها بأول مغسول من اليد، فإن سقطتا أيضا فالراس فالرجل، ولا يكتفي بنية التيمم لاستقلاله، كما لا تكفي نية الوضوء في محلها عن التيمم لنحو اليد كما هو ظاهر. (قوله: بأثنائه) أي أثناء غسل الوجه. (قوله: كفى) أي أجزأ قرنها به. (قوله: ووجب إعادة غسل ما سبقها) أي إعادة غسل الجزء الذي غسل قبل النية لعدم الاعتداد به. (قوله: ولا يكفي قرنها بما قبله) أي بما قبل غسل الوجه من السنن، كغسل الكفين وكالمضمضة والاستنشاق. ومحل عدم الاكتفاء بقرنها بهما إن لم ينغسل معهما جزء من الوجه، كحمرة الشفتين، وإلا كفاه. وفاته ثواب السنة، كما سيذكره. وقوله: حيث لم يستصحبها أي النية، إلى غسل شئ منه، أي الوجه، فإن استصحبها كفت. (قوله: وما قارنها هو أوله) أي والجزء الذي قارن غسله النية هو أول الغسل ولو كان وسط الوجه أو أسفله. (قوله: فتفوت سنة المضمضة) أي والاستنشاق، وهو تفريع على كون ما قارن النية هو أول الغسل. (وقوله: إن انغسل معها) أي مع المضمضة، أي ومع الاستنشاق كما علمت، وإنما فاتت السنة بذلك لأنه يشترط في حصولها تقدمهما على غسل الوجه، ولم يوجد. واعلم أن هذا الجزء الذي انغسل مع المضمضة أو الاستنشاق لا تجب إعادة غسله إن غسله بنية الوجه فقط، أما إذا غسله بنية المضمضة أو الاستنشاق، أو بنيتهما مع الوجه، أو أطلق، وجبت إعادته، وهذا هو المعتمد. وقيل: لا يعيده إلا إن قصد السنة فقط لا إن قصد الوجه فقط، أو قصده والسنة، أو أطلق. والحاصل أن الكلام هنا في ثلاثة مقامات: الأول في الاكتفاء بالنية. الثاني في فوات ثواب المضمضة والاستنشاق. الثالث في إعادة ذلك الجزء، وفيه تفصيل قد علمته. (قوله: فالأولى) أي لأجل أن لا تفوت عليه سنة المضمضة والاستنشاق. وقوله: أن يفرق النية أي أو يدخل الماء في محلهما من أنبوبة حتى لا ينغسل معهما شئ من الوجه. (قوله: حتى لا تفوت إلخ) علة للأولوية. وقوله: من أوله أي من أول غسل الوجه. (وقوله: وفضيلة المضمضة الخ) أي حتى لا تفوت فضيلة المضمضة أو الاستنشاق، لما علمت من أن شرط حصولها تقدمهما على غسل الوجه. وقوله: مع انغسال الأولى بانغسال، بباء السببية. (قوله: وثانيهما) أي ثاني

منابت) شعر (رأسه) غالبا (و) تحت (منتهى لحييه) - بفتح اللام - فهو من الوجه دون ما تحته، والشعر النابت على ما تحته، (و) عرضا (ما بين أذنيه). ويجب غسل شعر الوجه من هدب وحاجب وشارب وعنفقة ولحية - وهي ما نبت على الذقن - وهو مجتمع اللحيين - وعذار - هو ما نبت على العظم المحاذي للاذن - وعارض - وهو ما انحط عنه إلى اللحية -. ومن الوجه حمرة الشفتين وموضع الغمم - وهو ما نبت عليه الشعر من الجبهة دون محل التحذيف على الاصح، وهو ما نبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة - ودون وتد الاذن والنزعتين - وهما بياضان يكتنفان الناصية - وموضع الصلع - وهو ما بينهما إذا انحسر عنه الشعر -. ويسن غسل ـــــــــــــــــــــــــــــ فروض الوضوء. وقوله: غسل ظاهر وجهه يعني انغساله ولو بفعل غيره بلا إذنه، أو بسقوطه في نحو نهر إن كان ذاكرا للنية فيهما، كما في التحفة. وخرج بظاهر الوجه الباطن منه، كداخل الفم والأنف والعين، فلا يجب غسله، وإن وجب في النجاسة لغلظ أمرها. نعم، لو قطع أنفه أو شفته وجب غسل ما باشرته السكين فقط، وكذا لو كشط وجهه فيجب غسل ما ظهر بالكشط لأنه صار في حكم الظاهر. (قوله: وهو) أي الوجه، أي حده. وقوله: طولا منصوب على التمييز المحول عن المضاف، والأصل طوله. وكذا يقال في قوله عرضا لأنه معطوف على التمييز. (قوله: ما بين منابت إلخ) هي جمع منبت - بفتح الباء - كمقعد. والمراد به ما نبت عليه الشعر بالفعل، لأجل أن يكون لقوله بعد غالبا فائدة وإلا كان ضائعا. وبيان ذلك أنه إن أريد بالمنبت ما نبت عليه الشعر بالفعل يخرج عنه موضع الصلع، ويدخل بقوله غالبا. وإن أريد به ما شأنه النبات عليه يدخل فيه موضع الصلع، فإن من شأنه ذلك. وأما انحسار الشعر فيه فهو لعارض، ويكون قوله غالبا ضائعا، أي لا فائدة فيه. وخرج بإضافة منابت إلى شعر الرأس موضع الغمم، لأن الجبهة ليست منبته وإن نبت عليها الشعر. (قوله: وتحت) بالجر، لأنه من الظروف المتصرفة، معطوف على منابت. (قوله: بفتح اللام) أي في الأشهر، عكس اللحية فإنها بكسر اللام في الأفصح. (قوله: فهو من الوجه) أي المنتهى الذي هو طرف المقبل من لحييه كائن من الوجه. (قوله: دون ما تحته) أي المنتهى، فهو ليس من الوجه. (قوله: والشعر النابت) معطوف على ما تحته، أي ودون الشعر النابت على ما تحته. (قوله: ما بين أذنيه) أي وتديهما، والوتد الهنية الناشزة في مقدم الأذن، وإنما كان حد الطول والعرض ما ذكر لحصول المواجهة به. (قوله: ويجب غسل شعر الوجه) اعلم أن شعور الوجه سبعة عشر، ثلاثة مفردة وهي: اللحية، والعنفقة، والشارب. وأربعة عشر مثناة وهي: العذاران، والعارضان، والسبالان - وهما طرفا الشارب -، والحاجبان، والأهداب الأربعة، وشعر الخدين. (قوله: من هدب) بضم الهاء مع سكون الدال وضمهما وبفتحهما معا، الشعر النابت على أجفان العين. (قوله: وحاجب) وهو الشعر النابت على أعلى العين، سمي بذلك لأنه يحجب عن العين شعاع الشمس. (قوله: وشارب) وهو الشعر النابت على الشفة العليا، سمي بذلك لملاقاته الماء عند شرب الإنسان فكأنه يشرب معه. (قوله: وعنفقة) بفتح العين، الشعر النابت على الشفة السفلى. (قوله: وهي) أي اللحية. وقوله: ما نبت على الذقن أي الشعر النابت على الذقن، وهو بفتح القاف أفصح من إسكانها. (قوله: وهو) أي الذقن. (وقوله: مجتمع اللحيين) تثنية لحي بفتح اللام، وهما العظمان اللذان ينبت عليهما الأسنان السفلى، يجتمع مقدمهما في الذقن ومؤخرهما في الأذنين، فهما كقوس معوج. (قوله: وعذار) بالذال المعجمة، وهو أول ما ينبت للأمرد غالبا. (قوله: وعارض) وهو الشعر الذي بين اللحية والعذار، سمي بذلك لتعرضه لزوال المرودة. (قوله: وهو) أي العارض. وقوله: ما انحط عنه أي الذي نزل عن العذار. وقوله: إلى اللحية متعلق بمحذوف، أي وانتهى إلى اللحية. (قوله: دون محل التحذيف) وضابطه كما قاله الإمام: أن تضع طرف خيط على رأس الأذن - والمراد به الجزء المحاذي لأعلى العذار - قريبا من الوتد، والطرف الثاني على أعلى الجبهة. ويفرض هذا الخيط مستقيما مما نزل عنه إلى جانب الوجه فهو موضع التحذيف، وسمي بذلك لأن النساء والأشراف يحذفون الشعر عنه ليتسع الوجه. (قوله: ودون وتد الأذن) معطوف على دون محل التحذيف، فهو ليس من الوجه. والوتد بكسر التاء والفتح لغة. (قوله: والنزعتين) بفتح الزاي، ويجوز إسكانها، معطوف على وتد. أي ودون النزعتين فهما ليستا من الوجه لأنهما في حد تدوير الرأس. وقوله: وهما بياضان يكتنفان الناصية أي يحيطان بها. والناصية:

كل ما قيل إنه ليس من الوجه. ويجب غسل ظاهر وباطن كل من الشعور السابقة - وإن كثف - لندرة الكثافة فيها، لا باطن كثيف لحية وعارض - والكثيف ما لم تر البشرة من خلاله في مجلس التخاطب عرفا - ويجب غسل ما لا يتحقق غسل جميعه إلا بغسله، لان ما لا يتم الواجب إلا به واجب. (و) ثالثها: (غسل يديه) من كفيه وذراعيه (بكل مرفق) للآية. ويجب غسل جميع ما في محل الفرض من شعر وظفر، وإن طال. (فرع) لو نسي لمعة فانغسلت في تثليث، أو إعادة وضوء لنسيان له، لا تجديد واحتياط، أجزأه. ـــــــــــــــــــــــــــــ مقدم الرأس حال كونه من أعلى الجبين. (قوله: وموضع الصلع) أي ودونه، فهو ليس من الوجه أيضا: وقوله: وهو أي موضع الصلع. وقوله: ما بينهما أي النزعتين. وعبارة ابن حجر: وهو ما انحسر عنه الشعر من مقدم الرأس. وقوله: إذا انحسر أي زال. (قوله: ويسن غسل إلخ) وذلك كموضع الصلع والتحذيف والنزعتين والصدغين. (قوله: ويجب غسل ظاهر وباطن إلخ) وفي النهاية ما نصه: وحاصل ذلك - أي ما يجب غسله ظاهرا وباطنا، أو ظاهرا فقط - أن شعور الوجه إن لم تخرج عن حده فإما أن تكون نادرة الكثافة - كالهدب والشارب والعنفقة ولحية المرأة والخنثى - فيجب غسلها ظاهرا وباطنا، خفت أو كثفت. أو غير نادرة الكثافة - وهي لحية الرجل وعارضاه - فإن خفت بأن ترى البشرة من تحتها في مجلس التخاطب وجب غسل ظاهرها وباطنها، وإن كثفت وجب غسل ظاهرها فقط، فإن خف بعضها وكثف بعضها فلكل حكمه إن تميز، فإن لم يتميز وجب غسل الجميع. فإن خرجت عن حد الوجه وكانت كثيفة وجب غسل ظاهرها فقط، وإن كانت نادرة الكثافة وإن خفت، وجب غسل ظاهرها وباطنها. ووقع لبعضهم في هذا المقام ما يخالف ما تقرر فاحذره. اه. (قوله: لا باطن كثيف لحية وعارض) أي لا يجب غسل باطن كثيف لحية وعارض. (قوله: والكثيف ما لم تر، إلخ) هذا عند الفقهاء، وعند غيرهم الثخين، الغليظ، مأخوذ من الكثافة، وهي الثخن والغلظ. (واعلم) أن لحيته عليه الصلاة والسلام كانت عظيمة، ولا يقال كثيفة لما فيه من البشاعة، وكان عدد شعرها مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا، بعدد الأنبياء، كما في رواية. وقوله: البشرة أي التي تحت الشعر. وقوله: خلاله أي أثنائه. (قوله: ويجب غسل ما لا يتحقق إلخ) وذلك كجزء من الرأس ومن تحت الحنك ومن الأذنين، وجزء فوق الواجب غسله من اليدين والرجلين. (قوله: وثالثها) أي ثالث فروض الوضوء. وقوله: غسل يديه أي انغسالهما ولو بفعل غيره كما مر. (قوله: من كفيه وذراعيه) أي به. لأن حقيقة اليد من رؤوس الأصابع إلى المنكب، فدفعه بقوله من كفيه إلخ. اه بجيرمي. (قوله: بكل مرفق) أي مع كل مرفق، وهو مجتمع عظم الساعد والعضد. (قوله: للآية) وهي قوله تعالى: * (وأيديكم إلى المرافق) * أي ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه في صفة وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه توضأ فغسل وجهه وأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى شرع في العضد، ثم اليسرى كذلك إلى آخره، ثم قال: هكذا رأيت ر سول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ. (قوله: ويجب غسل جميع إلخ) ويجب أيضا إزالة ما عليه من الحائل - كالوسخ المتراكم وغيره - كما مر في شروط الوضوء. (قوله: من شعر) ظاهرا أو باطنا. أي وإن كثف. قال بعضهم: بل وإن طال وخرج عن الحد المعتاد. (قوله: وظفر) أي وجلدة معلقة في محل الفرض، وأصبع زائدة، فيجب غسلهما. ولو توضأ ثم تبين أن الماء لم يصب ظفره فقلمه لم يجزه بل عليه أن يغسل محل القلم ثم يعيد مسح رأسه وغسل رجليه مراعاة للترتيب. ولو كان ذلك في الغسل كفاه غسل محل القلم لأنه لا ترتيب فيه. وقوله: وإن طال أي الظفر، ويحتمل أن يعود الضمير على المذكور من الشعر والظفر. (قوله: لو نسي) أي المتوضئ. وقوله: لمعة قال في القاموس: بضم اللام، قطعة من النبت والموضع الذي لا يصيبه الماء في الوضوء أو الغسل. اه بالمعنى. (قوله: فانغسلت) أي اللمعة. وقوله: في ثتليث أي للغسل. أي بأن نسيها من الأولى فانغسلت في الثانية أو الثالثة. فيجزئ ذلك لأن الثلاث كطهارة واحدة، فلو انغسلت في رابعة لم يجزئ. قال في فتح الجواد: وفارق أي انغسالها في الثانية أو الثالثة انغسالها في الرابعة بأن قصد الثانية أو الثالثة لا ينافي نيته - أي الوضوء - لتضمنها لهما، بخلاف قصد

(و) رابعها: (مسح بعض رأسه) كالنزعة والبياض الذي وراء الاذن بشر أو شعر في حده، ولو بعض شعرة واحدة، للآية. قال البغوي: ينبغي أن لا يجزئ أقل من قدر الناصية، وهي ما بين النزعتين، لانه (ص) لم يمسح أقل منها، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، والمشهور عنه وجوب مسح الربع. (و) خامسها: (غسل رجليه) بكل كعب من كل رجل، للآية. أو مسح خفيهما بشروطه. ويجب غسل باطن ثقب وشق. ـــــــــــــــــــــــــــــ الرابعة في ظنه، فهي كسجدة التلاوة فلا تحسب عن سجدة الصلاة، وهما كسجدة الركعة الثانية تحسب عن الأولى. اه. (قوله: لنسيان له) أي أو انغسلت في وضوء معاد لنسيان للوضوء الأول، بأن أغفلها في وضوء ثم نسي أنه توضأ فأعاده ظانا وجوبه فيجزئ غسلها فيه. وقوله: لا تجديد واحتياط أي لا إن انغسلت في وضوء مجدد أو في وضوء احتياط، بأن تطهر فشك هل أحدث فتوضأ أحتياطا، فلا يجزئ انغسالها فيهما، فيعيدها حيث علم الحال لأن النية في المجدد لم تتوجه لرفع الحدث أصلا بل هي صارفة عنه، ونية وضوء الاحتياط غير جازمة مع عدم الضرورة بخلاف ما إذا لم يبين الحال فإنه يجزئه للضرورة. اه فتح الجواد. (قوله: أجزأه) جواب لو، أي أجزأه انغسالها فيما ذكر، ولا يجب عليه أن يجدد غسلها. (قوله: ورابعها) أي رابع فروض الوضوء. وقوله: مسح بعض رأسه أي انمساحه، وإن لم يكن بفعله كما مر في نظيره. ولا تتعين اليد في المسح بل يجوز بخرقة وغيرها، ولو بل يده ووضعها على بعض رأسه ولم يحركها جاز لأن ذلك يسمى مسحا، إذ لا يشترط فيه تحريك. ولو كان له رأسان، فإن كانا أصليين كفى مسح بعض أحدهما، وإن كان أحدهما أصليا والآخر زائدا وتميز: وجب مسح بعض الأصلي دون الزائد، ولو سامت أو اشتبه: وجب مسح بعض كل منهما. وقوله: كالنزعة بفتح الزاي، ويجوز إسكانها كما مر. (قوله: والبياض الذي وراء الأذن) أي لأنه من حدود الرأس أي وكالجزء الذي يجب غسله مع الوجه تبعا فإنه يكفي مسحه. (قوله: بشر) بدل من بعض الرأس. وظاهر عدم تقييده بكونه في حد الرأس وتقييده به فيما بعد أنه يكفي المسح على البشرة ولو خرجت عن حد الرأس، كسلعة نبتت فيه وخرجت عنه. وهو أيضا ظاهر عبارة التحفة والنهاية. وقال ع ش: ينبغي أن يأتي تفصيل الشعر المذكور فيما لو خلق له سلعة برأسه أو تدلت. اه. أي فلا يكفي مسح الخارج عن حده من السلعة. (قوله: أو شعر في حده) أي الرأس، بأن لم يخرج عن حده بمده من جهة استرساله، فإن خرج عنه به منها لم يكف المسح على النازل عن حد الرأس ولو بالقوة، كما لو كان متلبدا أو معقوصا، ولو مد لخرج، وإنما أجزأ تقصيره في النسك مطلقا. ولو خرج عن حد الرأس لتعلق فرضه بشعر الرأس وهو صادق بالخارج بخلاف فرض المسح فإنه يتعلق بالرأس، وهو ما ترأس وعلا. والخارج لا يسمى رأسا. (قوله: ولو بعض شعرة واحدة) أي ولو كان الممسوح بعض شعرة واحدة فإنه يكفي. (قوله: للآية) علة لوجوب مسح بعض الرأس، وهي قوله تعالى: * (فامسحوا برؤوسكم) * ووجه دلالتها على الاكتفاء بمسح البعض أن الباء إذا دخلت على متعدد - كما في الآية - تكون للتبعيض، أو على غير متعدد كما في قوله تعالى: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * تكون للإلصاق. وإنما وجب التعميم في التيمم - مع أن آيته كهذه الآية - لثبوت ذلك بالسنة، ولأنه بدل فاعتبر مبدله، ومسح الرأس أصل فاعتبر لفظه. وروى مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح بناصيته وعلى العمامة، فدل ذلك على الاكتفاء بمسح البعض. ولا يقال: إن الناصية متعينة للنص عليها في الحديث. لأنا نقول: صد عن ذلك الإجماع. وأيضا فالمسح اسم جنس يصدق بالبعض والكل، ومسح الناصية فرد من أفراده، وذكر فرد من أفراد العام بحكم العام لا يخصصه. (قوله: قال البغوي: ينبغي إلخ) ضعيف، مخالف للإجماع كما علمت. وقوله: أن لا يجزئ أقل من قدر الناصية أي مسح أقل من قدرها. (قوله: وهي) أي الناصية. (قوله: لأنه الخ) علة لعدم الإجزاء. وقوله: لم يمسح أقل منها أي من قدر الناصية. ولم يذكر الضمير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه. (قوله: وهو) أي عدم إجزاء مسح أقل من الناصية رواية إلخ. (قوله: وخامسها) أي خامس فروض الوضوء. (قوله: غسل رجليه) أي انغسالهما ولو بغير فعله - كما مر - إن لم يكن لابسا للخفين. وينبغي أن يتنبه لما يقع كثيرا أن الشخص يغسل رجليه في محل من الميضأة مثلا - بعد

(فرع) لو دخلت شوكة في رجله وظهر بعضها، وجب قلعها وغسل محلها لانه صار في حكم الطاهر، فإن استترت كلها صارت في حكم الباطن فيصح وضوؤه. ولو تنفط في رجل أو غيره لم يجب غسل باطنه ما لم يتشقق، فإن تشقق وجب غسل باطنه ما لم يرتتق. (تنبيه) ذكروا في الغسل أنه يعفى عن باطن عقد الشعر أي إذا انعقد بنفسه وألحق بها من ابتلي بنحو طبوع لصق بأصول شعره حتى منع وصول الماء إليها ولم يمكن إزالته. وقد صرح شيخ شيوخنا زكريا الانصاري بأنه لا يلحق بها، بل عليه التيمم. لكن قال تلميذه - شيخنا -: والذي يتجه العفو للضرورة. ـــــــــــــــــــــــــــــ غسل وجهه ويديه ومسح رأسه في محل آخر - بنية إزالة الوسخ مع الغفلة عن نية الوضوء فإنه لا يصح، ويجب عليه إعادة غسلهما بنية الوضوء. بخلاف ما إذا ليغفل عن نية الوضوء أو أطلق فإنه لا يضر. (قوله: بكل كعب) الباء بمعنى مع. وقوله: من كل رجل أشار بذلك إلى تعدد الكعب في كل رجل، فإن لكل رجل كعبين، وهما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم. (قوله: للاية) أي وللاتباع (قوله: أو مسح خفيهما) معطوف على غسل رجليه. وقوله: بشروطه أي المسح على الخفين، وهي لبسهما على طهارة كاملة، وأن يكون الخف طاهرا، وأن يكون قويا يمكن متابعة المشي عليه، وأن يكون ساترا لمحل ما يجب غسله. (قوله: ويجب غسل باطن ثقب وشق) محله ما لم يكن لهما غور في اللحم، فإن كان لهما ذلك لم يجب إلا غسل ما ظهر من الثقب والشق. والثقب بفتح المثلثة - وقيل بضمها - ما كان مستديرا. والشق - بفتح الشين - ما كان مستطيلا. (قوله: لو دخلت شوكة) أو نحوها كإبرة. (قوله: في رجله) أي أو نحوها، كيده أو وجهه. (قوله: وظهر بعضها) أي بعض الشوكة. (قوله: وجب قلعها وغسل محلها) ظاهره أنه متى كان بعض الشوكة ظاهرا اشترط قلعها مطلقا وغسل موضعها. وفصل بعضهم فقال: يجب قلعها إن كان موضعها يبقى مجوفا بعد القلع، وإن كان لا يبقى مجوفا بل يلتحم وينطبق بعده لم يجب قلعها، ويصح وضوءه مع وجودها. لكن إن غارت في اللحم واختلطت بالدم الكثير، مع بقاء رأسها ظاهرا، لم تصح الصلاة معها وإن صح الوضوء. (قوله: لأنه) أي لأن محلها صار في حكم الظاهر وهو يجب غسله. (قوله: فإن استترت كلها) محترز قوله وظهر بعضها. وقوله: صارت في حكم الباطن أي وهو لا يجب غسله. وقوله: فيصح وضوؤه أي مع وجودها، وكذا تصح صلاته. (قوله: تنفط) أي بدن المتوضئ، أي ظهر فيه النفط - وهو الجدري - قال في المصباح: يقال نفطت يده نفطا من باب تعب، ونفيطا إذا صار بين الجلد واللحم ماء. الواحدة نفطة ككلمة، والجمع نفط ككلم، وهو الجدري. (قوله: في رجل) حال من مصدر الفعل. قيل: ولو حذف في وجعل ما بعدها فاعلا بالفعل لكان أولى. وقوله: أو غيره أي كيد ووجه. والأولى أو غيرها، بضمير المؤنث للقاعدة: أن ما كان متعددا من الأعضاء يؤنث - كاليد والرجل والعين والأذن -، وما كان غير متعدد كالرأس والأنف يذكر غالبا. (قوله: لم يجب غسل باطنه) أي باطن النفط. (قوله: ما لم يتشقق) أي ينفتح ذلك النفط. (قوله: ما لم يرتتق) أي ما لم يلتحم ويلتئم بعد انفتاحه وتشققه، فإن ارتتق لم يجب غسل باطنه. (قوله: تنبيه: ذكروا في الغسل) أي وما ذكروه في الغسل يجري نظيره في الوضوء. فلو انعقدت لحية المتوضئ غير الكثة لم يجب غسل باطنها، وألحق به من ابتلي بنحو طبوع فيها حتى منع من وصول الماء إلى أصولها ولم يمكن إزالته فيعفى عنه، ولا يجب غسل باطنها. (قوله: عقد الشعر) العقد بضم ففتح جمع عقدة. والاضافة من إضافة الصفة للموصوف، أي الشعر المنعقد. (قوله: إذا انعقد بنفسه) أي وإن كثر، كما في التحفة. فإن عقد بفعل فاعل وجب غسل باطنه، ووجب نقضه إذا لم يصل الماء إلى باطن الشعر إلا به. قال الكردي: وله أي لابن حجر احتمال في الإمداد والإيعاب في العفو عما عقده بفعله. وينبغي كما في الإيعاب ندب قطع المعقود خروجا من خلاف من أوجبه. اه. (قوله: وألحق بها) أي بعقد الشعر. (قوله: طبوع) بوزن تنور، وهو بيض القمل. (قوله: حتى منع وصول الماء إليها) أي إلى أصول الشعر. (قوله: ولم يمكن إزالته) أي نحو الطبوع. (قوله: بأنه لا يلحق بها) أي بعقد الشعر. (قوله: لكن قال تلميذه شيخنا: والذي إلخ) وقال أيضا: فإن أمكنه حلق محله فالذي يتجه أيضا وجوبه ما لم يحصل له به

(و) سادسها: (ترتيب) كما ذكر من تقديم غسل الوجه فاليدين فالرأس فالرجلين للاتباع. ولو انغمس محدث، ولو في ماء قليل بنية معتبرة مما مر أجزأه عن الوضوء، ولو لم يمكث في الانغماس زمنا يمكن فيه الترتيب. نعم، لو اغتسل بنيته فيشترط فيه الترتيب حقيقة، ولا يضر نسيان لمعة أو لمع في غير أعضاء الوضوء، بل لو كان على ما عدا أعضائه، مانع كشمع لم يضر - كما استظهره شيخنا -. ولو أحدث وأجنب أجزأه الغسل عنهما بنيته. ولا يجب تيقن عموم الماء جميع العضو بل يكفي غلبة الظن به. (فرع) لو شك المتوضئ أو المغتسل في تطهير عضو قبل الفراغ من وضوئه أو غسله طهره، وكذا ما بعده في الوضوء، أو بعد الفراغ من طهره، لم يؤثر. ولو كان الشك في النية لم يؤثر أيضا على الاوجه، كما في شرح ـــــــــــــــــــــــــــــ مثلة لا تحتمل عادة. اه. (قوله: وسادسها) أي سادس فروض الوضوء. (قوله: ترتيب) هو وضع كل شئ في مرتبته ومحله. (قوله: كما ذكر) أي ترتيب كائن كما ذكر في عد الأركان. (قوله: من تقديم الخ) بيان لما، ولم يذكر النية لأنه لا ترتيب بينها وبين غسل الوجه لوجوب اقترانها به. (قوله: للاتباع) تعليل لوجوب الترتيب، وهو فعله - صلى الله عليه وسلم - المبين للوضوء المأمور به، فإنه عليه السلام لم يتوضأ إلا مرتبا. وقوله عليه السلام في حجة الوداع، لما قالوا له: أنبدأ بالصفا أو المروة؟ ابدؤا بما بدأ الله به. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومما يدل على وجوب الترتيب أنه تعالى ذكر ممسوحا بين مغسولات في آية الوضوء. وتفريق المتجانس لا ترتكبه العرب إلا لفائدة، وهي هنا وجوب الترتيب، لا ندبه بقرينة الأمر في الخبر، ولأن الآية وردت لبيان الوضوء الواجب. ومحل وجوب الترتيب إن لم يكن هناك حدث أكبر، وإلا سقط الترتيب لاندراج الأصغر في الأكبر. حتى لو اغتسل الجنب إلا أعضاء وضوئه لم يجب عليه ترتيب فيها. ولو اغتسل الجنب إلا رجليه مثلا، ثم أحدث حدثا أصغر ثم توضأ، فله تقديم غسل الرجلين وتأخيره وتوسيطه، فلو غسلهما عن الجنابة ثم توضأ لم يجب غسلهما في الوضوء. وبه يلغز فيقال: لنا وضوء خال عن غسل عضو مكشوف بلا ضرورة؟ (قوله: ولو انغمس محدث) أي حدثا أصغر، لانصرافه إليه عند الإطلاق. وقوله: ولو في ماء قليل غاية لمقدر، أي انغمس في ماء مطلق ولو كان قليلا. لكن محل الاكتفاء بالانغماس فيه كما في الكردي فيما إذا نوى المحدث بعد تمام الانغماس رفع الحدث، وإلا ارتفع الحدث عن الوجه فقط إن قارنته النية، وحكم باستعمال الماء. (قوله: بنية معتبرة مما مر) كنية رفع الحدث، أو نية الوضوء، أو فرض الوضوء. (قوله: أجزأه) أي لأن الترتيب يحصل في لحظات لطيفة. (قوله: ولو لم يمكث إلخ) الغاية للرد على الرافعي القائل بأنه لا بد للإجزاء من إمكان الترتيب، بأن يغطس ويمكث قدر الترتيب. (قوله: نعم، لو اغتسل بنيته) أي نية رفع الحدث ونحوه مما مر. ومراده الاغتسال بالصب بنحو إبريق فهو مقابل للانغماس وعبارة فتح الجواد: وخرج بالإنغماس الاغتسال، فيشترط فيه الترتيب حقيقة. اه. إذا علمت ذلك تعلم أنه لا محل للاستدراك، فلو حذف لفظ نعم وقال: لو الخ، لكان أولى. (قوله: ولا يضر إلخ) أي فيما إذا انغمس أو اغتسل. (قوله: بل لو كان إلخ) إضراب انتقالي وأفاد به أن النسيان ليس بقيد. (قوله: أعضاءه) أي الوضوء. (قوله: مانع) أي يمنع وصول الماء للعضو. (قوله: أجزأه الغسل) أي من غير ترتيب، لاندراج الحدث الأصغر في الأكبر. وقوله: بنيته أي الغسل. (قوله: ولا يجب تيقن الخ) أي في الوضوء وفي الغسل. وقوله: عموم الماء أي استيعابه جميع العضو. (قوله: بل يكفي غلبة الظن به) أي بعموم الماء جميع العضو. (قوله: في تطهير عضو) متعلق بشك، ومثله الظرف الذي بعده. (قوله: أو غسله) أي أو قبل الفراغ من غسله. (قوله: طهره) أي طهر ذلك العضو المشكوك فيه. (قوله: وكذا ما بعده) أي وكذلك طهر ما بعده من الأعضاء. (قوله: في الوضوء) أي بالنسبة له، لاشتراط الترتيب فيه بخلاف الغسل، فلا يعيد غسل ما بعد العضو المشكوك فيه لعدم اشتراط الترتيب فيه. (قوله: أو بعد الفراغ) معطوف على قبل الفراغ، أي أو شك بعد الفراغ من طهره. (قوله: لم يؤثر) أي لم يضر شكه بعد الفراغ استصحابا لأصل الطهر فلا نظر لكونه يدخل الصلاة بطهر مشكوك فيه. اه تحفة.

المنهاج لشيخنا، وقال: فيه قياس ما يأتي في الشك بعد الفاتحة وقبل الركوع: أنه لو شك بعد عضو في أصل غسله لزمه إعادته، أو بعضه لم تلزمه. فليحمل كلامهم الاول على الشك في أصل العضو لا بعضه. (وسن) للمتوضئ - ولو بماء مغصوب على الاوجه - (تسمية أوله) أي أول الوضوء - للاتباع - وأقلها باسم الله، وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم. وتجب عند أحمد، ويسن قبلها التعوذ وبعدها الشهادتان والحمد لله الذي جعل الماء طهورا. ويسن لمن تركها أوله أن يأتي بها أثناءه قائلا: باسم الله أوله وآخره. لا بعد فراغه. وكذا في نحو الاكل والشرب والتأليف، والاكتحال مما يسن له التسمية. والمنقول عن الشافعي وكثير من الاصحاب أن أول السنن التسمية، وبه جزم النووي في المجموع وغيره. فينوي معها عند غسل اليدين. وقال جمع متقدمون: إن أولها السواك ثم بعده التسمية. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ولو كان الشك في النية) كذا نقل عن فتاوى شيخنا الشهاب الرملي، وقاسه على الصوم. لكن الذي استقر رأيه عليه في الفتاوى التي قرأها ولده عليه أنه يؤثر كما في الصلاة. وقال: أن الفرق بين الوضوء والصوم واضح. اه. وسيأتي أن الشك في الطهارة بعد الصلاة لا يؤثر، وحينئذ يتحصل أنه إذا شك في نية الوضوء بعد فراغه ضر، أو بعد الصلاة لم يضر بالنسبة للصلاة، لأن الشك في نيته بعدها لا يزيد على الشك فيه نفسه بعدها. ويضر بالنسبة لغيرها. حتى لو أراد مس المصحف أو صلاة أخرى امتنع ذلك. م ر اهـ سم بالحرف. (قوله: وقال فيه) أي في شرح المنهاج. (قوله: قياس ما يأتي) أي في باب الصلاة. وعبارته هناك: فرع: شك قبل ركوعه في أصل قراءة الفاتحة لزمه قراءتها، أو في بعضها فلا. اه. (قوله: أنه لو شك الخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر خبر قياس. (قوله: في أصل غسله) يعني شك، هل غسله كله أو تركه؟. (قوله: أو بعضه) أي أو شك في غسل بعضه. (قوله: لم تلزمه) أي إعادة غسل ذلك البعض. (قوله: فليحمل كلامهم الأول) وهو أنه إذا شك في تطهير عضو قبل الفراغ. الخ. (قوله: علي الشك إلخ) متعلق بيحمل. (قوله: لا بعضه) أي لا الشك في بعضه فإنه لا يؤثر مطلقا، سواء كان الشك وقع فيه بعد الفراغ من الوضوء أم قبله. (قوله: وسن للمتوضئ الخ) لما أنهى الكلام على شروط الوضوء وفروضه، شرع في بيان سننه، فقال: وسن، الخ. واعلم أن السنة والتطوع والنفل والمندوب والحسن والمرغب فيه: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، فهي ألفاظ مترادفه. لكن قال بعضهم: إن الحسن يشمل المباح، إلا أن يقال إنه مختص بمرادفته للسنة في اصطلاح الفقهاء. وسنن الوضوء كثيرة، أورد منها في الرحيمية ستا وستين، والمصنف أورد بعضها. (قوله: ولو بماء مغصوب) أي سن التسمية ولو كان الوضوء بماء مغصوب، ولا ينافي ذلك حرمة الوضوء به لأنها لعارض، والمحرم لعارض لا تحرم البسملة في ابتدائه - كما مر أول الكتاب -. (قوله: للاتباع) أي وهو ما رواه النسائي بإسناد جيد عن أنس، قال: طلب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وضوءا فلم يجدوا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: هل مع أحد منكم ماء؟ فأتي بماء فوضع يده في الإناء الذي فيه الماء ثم قال: توضؤا باسم الله. فرأيت الماء يفور من بين أصابعه حتى توضأ نحو سبعين رجلا. وقوله: توضؤا باسم الله. أي قائلين ذلك. اه شرح الروض. (قوله: وأقلها) أي التسمية. (قوله: وتجب) أي التسمية عند أحمد، مستدلا بخبر: لا وضوء لمن لم يسم. ورده الشافعية بضعفه أو حمله على الكامل. (قوله: ويسن قبلها) أي قبل التسمية. (قوله: ويسن لمن تركها أوله أن يأتي بها أثناءه) أي بصيغة أخرى. وهي التي ذكرها بقوله: قائلا باسم الله أوله وآخره. (قوله: لا بعد فراغه) أي لا يسن الإتيان بها بعد فراغ الوضوء. (قوله: وكذا في نحو الأكل والشرب، إلخ) أي كذلك يأتي بها في الأول، فإن تركها فيه ففي الأثناء، ولا يأتي بها بعد الفراغ. هكذا يستفاد من صنيعه، وهو الذي جرى عليه ابن حجر في التحفة وفتح الجواد. والمعتمد عند شيخ الإسلام وم ر: سنية الإتيان بها بعد فراغ الأكل والشرب، للأمر بذلك في حديث الترمذي وغيره. ومحل الإتيان بها في الأثناء في غير ما يكره الكلام فيه كالجماع، وإلا فلا يؤتى بها في أثنائه. (قوله: وبه) أي بكون أول السن التسمية، جزم النووي في المجموع وغير المجموع من كتبه. (قوله: فينوي) أي الوضوء،

(فرع) تسن التسمية لتلاوة القرآن، ولو من أثناء سورة في صلاة أو خارجها، ولغسل وتيمم وذبح. (فغسل الكفين) معا إلى الكوعين مع التسمية المقترنة بالنية، وإن توضأ من نحو إبريق أو علم طهرهما - للاتباع - (فسواك) عرضا في الاسنان ظاهرا وباطنا وطولا في اللسان، للخبر الصحيح: لولا أن أشق على ـــــــــــــــــــــــــــــ أو سنن الوضوء وهو الأولى، لئلا تفوته سنية المضمضة والاستنشاق كما مر. (قوله: معها) أي التسمية، فإن قلت: كيف يتصور مقارنة النية للتسمية؟ مع أن التلفظ بكل منهما سنة؟ فالجواب: أن المراد أنه ينوي بقلبه حال كونه مسميا بلسانه، ثم بعد التسمية يتلفظ بما نواه. قال في التحفة: وعليه جريت في شرح الإرشاد لتشمله بركة التسمية. ويحتمل أنه يتلفظ بها قبلها، كما يتلفظ بها قبل التحرم، ثم يأتي بالبسملة مقارنة للنية القبلية، كما يأتي بتكبير التحرم كذلك. اه. (قوله: وقال جمع متقدمون: إن أولها السواك) وجمع بينهما بأن أول السنن القولية التسمية، وأول السنن الفعلية السواك. وإنما يجعل التعوذ أول السنن لأنه ليس مقصودا بالذات. (قوله: تسن التسمية لتلاوة، إلخ) أي ولكل أمر ذي بال - أي شأن - بحيث لا يكون محرما لذاته، ولا مكروها لذاته ولا من سفاسف الأمور، وليس ذكرا محضا، ولا جعل الشارع مبدأ له، كما مر معظم ذلك أول الكتاب. (قوله: وذبح) فإن قلت: إن البسملة مشتملة على الرحمة، والذبح ليس من آثارها؟. أجيب بأنه رحمة بالنسبة للحيوان، لأن موته لا بد منه، وهو بهذا الطريق أسهل. (قوله: فغسل الكفين) بالرفع، عطف على تسمية أي. وسن عقب التسمية غسل الكفين، أي انغسالهما، ولو من غير فعل فاعل كما مر. وقوله: معا أي ويسن غسلهما معا، فلا يسن فيهما تيامن. وكان الأولى أن يقول: ومعا. لأن المعية سنة مستقلة، وليفيد حصول أصل السنة ولو بالغسل مرتبا، أفاده في فتح الجواد. (قوله: إلى الكوعين) أي مع الكوعين، والكوع هو الذي يلي إبهام اليد، وأما البوع فهو العظم الذي يلي إبهام الرجل، وقد نظم بعضهم معناهما مع معنى الكرسوع والرسغ، فقال: وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي لخنصره الكرسوع والرسغ موسط وعظم يلي إبهام رجل ملقب ببوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط قال بعضهم: الغبي هو الذي لا يعرف كوعه من بوعه. (قوله: مع التسمية المقترنة بالنية) أي القلبية، فينوي بقلبه ويبسمل بلسانه مع أول غسل الكفين كما مر. (قوله: وإن توضأ من نحو إبريق) أي يسن الغسل وإن لم يرد إدخالهما في الإناء، كأن صب على كفيه بنحو إبريق، أو تيقن طهرهما، للاتباع. فإن شك في طهرهما كره غمسهما في ماء قليل لا كثير قبل غسلهما ثلاثا، لخبر: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده. رواه الشيخان، إلا قوله: ثلاثا. فمسلم أشار فيما علل به إلى احتمال نجاسة اليد في النوم، وألحق بالنوم غيره في ذلك. أما إذا تيقن طهرهما فلا يكره غمسهما، ولا يسن غسلهما قبله. (قوله: فسواك) معطوف أيضا على تسمية. أي وسن سواك. وهو لغة: الدلك. وشرعا: استعمال عود أو نحوه، كأشنان في الأسنان وما حولها. والأصل فيه قوله عليه السلام: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء. وفي رواية: لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء. وتعتريه أحكام أربعة: الوجوب فيما إذا توقف عليه زوال النجاسة، أو ريح كريه في نحو جمعة، والحرمة فيما إذا استعمل سواك غيره بغير إذنه ولم يعلم رضاه، والكراهة للصائم بعد الزوال، وفيما إذا استعمله طولا في غير اللسان، والندب في كل حال. ولا تعتريه الإباحة لأن القاعدة أن ما كان أصله الندب لا تأتي الإباحة فيه. وله فوائد كثيرة، أوصلها بعضهم إلى نيف وسبعين. منها: أنه يطهر الفم، ويرضي الرب، ويبيض الأسنان، ويطيب النكهة، ويسوي الظهر، ويشد اللثة، ويبطئ الشيب، ويصفي الخلقة، ويزكي الفطنة، ويضاعف الأجر، ويسهل النزع، ويذكر الشهادة عند

أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء. أي أمر إيجاب. ويحصل (بكل خشن) ولو بنحو خرقة أو أشنان، والعود أفضل من غيره، وأولاه ذو الريح الطيب، وأفضله الاراك. لا بأصبعه ولو خشنة، خلافا لما اختاره النووي. ـــــــــــــــــــــــــــــ الموت. وإدامته تورث السعة والغنى وتيسر الرزق، وتطيب الفم، وتسكن الصداع، وتذهب جميع ما في الرأس من الأذى والبلغم، وتقوي الأسنان، وتجلي البصر، وتزيد في الحسنات، وتفرح الملائكة وتصافحه لنور وجهه وتشيعه إذا خرج للصلاة، ويعطى الكتاب باليمين، وتذهب الجذام، وتنمي المال والأولاد، وتؤانس الإنسان في قبره، ويأتيه ملك الموت عليه السلام عند قبض روحه في صورة حسنة. (قوله: عرضا) أي في عرض الأسنان. ولو قال: وعرضا، لكان أولى، إذ هو سنة مستقلة، لخبر: إذا استكتم فاستاكوا عرضا ويجزئ طولا لكنه يكره. وكيفية الاستياك المسنون أن يبدأ بجانب فمه الأيمن فيستوعبه باستعمال السواك في الأسنان العليا ظهرا وبطنا إلى الوسط، ثم السفلى كذلك، ثم الأيسر كذلك، ثم يمره على سقف حلقه إمرارا لطيفا. ويسن أن يكون ذلك باليد اليمنى، وأن يجعل الخنصر من أسفله والبنصر والوسطى والسبابة فوقه والإبهام أسفل رأسه، ثم يضعه بعد أن يستاك خلف أذنه اليسرى، لخبر فيه، واقتداء بالصحابة. واستحب بعضهم أن يقول في أوله: اللهم بيض به أسناني، وشد به لثاتي، وثبت به لهاتي، وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين. ويكره أن يزيد طول السواك على شبر، لما قيل: إن الشيطان يركب على الزائد. (قوله: ظاهرا وباطنا) أي ظاهر الأسنان وهو ما يلي الشفنين، وباطنها وهو ما يلي الحلق. (قوله: وطولا في اللسان) فيكره عرضا. (قوله: للخبر الصحيح) أي دليل سنية السواك. (قوله: أي أمر إيجاب) دفع به ما يقال إنه قد أمرهم أمر ندب. والحديث يقتضي امتناع الأمر. وحاصل الدفع أن الممتنع أمر الإيجاب فلا ينافي أنه أمرهم أمر ندب، أي أن الله تعالى خيره بين الأمرين فاختار الثاني لمشقة الأمة، فجعل الله تعالى الأمر في ذلك مفوضا إليه. فلا يرد أن الآمر هو الله تعالى فكيف نسبه - صلى الله عليه وسلم - لنفسه. اه شرقاوي. (قوله: بكل خشن) أي طاهر، وفاقا للرملي وخلافا لابن حجر حيث قال: يكفي النجس ولو من مغلظ. ورد بقوله عليه السلام: السواك مطهرة للفم. وهذا منجسة، لكنه أجاب: بأن المراد الطهارة اللغوية، وهي تنقية الأوساخ من الأسنان. وخشن بكسرتين كما قاله الأشموني في شرح قوله: وفعل أولى وفعيل بفعل لكن جوز القاموس فيه فتح الخاء وكسر الشين. اه بجيرمي. (قوله: ولو بنحو خرقة) أي ولو كان الاستياك بنحو خرقة. (قوله: وأشنان) بضم الهمزة، وكسرها لغة، وهو الغاسول أو حبه. (قوله، أفضل من غيره) كخرقة وأشنان. (قوله: وأولاه) أي أولى أنواع العود ذو الريح الطيب. (قوله: وأفضله) أي أفضل ذي الريح الطيب الأراك. والحاصل أن الاستياك بالأراك أفضل، ثم بجريد النخل، ثم الزيتون، ثم ذي الريح الطيب، ثم غيره من بقية العيدان وفي معناه الخرقة. فهذه خمس مراتب، ويجري في كل واحد من الخمسة خمس مراتب، فالجملة خمسة وعشرون، لأن أفضل الأراك المندى بالماء، ثم المندى بماء الورد، ثم المندى بالريق، ثم اليابس غير المندى، ثم الرطب بفتح الراء وسكون الطاء، وبعضهم يقدم الرطب على اليابس. وهكذا يقال في الجريد وما بعده. نعم، الخرقة لا يتأتى فيها المرتبة الخامسة، ويستثنى من ذي الريح الطيب عود الريحان فإنه يكره الاستياك به لما قيل من أنه يورث الجذام والعياذ بالله

وإنما يتأكد السواك - ولو لمن لا أسنان له - لكل وضوء. (ولكل صلاة) فرضها ونفلها وإن سلم من كل ركعتين أو استاك لوضوئها، وإن لم يفصل بينهما فاصل حيث لم يخش تنجس فمه، وذلك لخبر الحميدي بإسناد جيد: ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بلا سواك. ولو تركه أولها تداركه أثناءها بفعل قليل، كالتعمم، ويتأكد أيضا لتلاوة قرآن أو حديث أو علم شرعي، أو تغير فم - ريحا أو لونا - بنحو نوم أو أكل كريه، أو سن بنحو صفرة، أو استيقاظ من نوم وإرادته، ودخول مسجد ومنزل، وفي السحر وعند الاحتضار، كما دل عليه خبر ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى. (قوله: لا بأصبعه) أي لا تحصل سنية السواك بأصبعه، أي المتصلة عند حجر ومطلقا عند م ر. وخرج بأصبعه أصبع غيره، فإن كانت متصلة أجزأ الاستياك بها عندهما، وإن كانت منفصلة أجزأ عند حجر لا عند م ر، لوجوب مواراتها عنده. (قوله: خلافا لما اختاره النووي) أي في المجموع، من أن أصبعه الخشنة تجزئ. (قوله: وإنما يتأكد السواك) الأولى أن يحذف أداة الحصر ويقول ويسن، ثم يفسره بقوله أي بتأكد لإيهام عبارته إنه تقدم منه ذكر لفظ يتأكد، وأن التأكد محصور فيما ذكره مع أنه ليس كذلك. (قوله: ولو لمن لا أسنان له) أي ولو لفاقد الطهورين. (قوله: لكل وضوء) متعلق بيتأكد، وذكره مع علمه إذ الكلام في تعداد سنن الوضوء ليعطف عليه قوله: ولكل صلاة، إذ الواو وما دخلت عليه من المتن. ولو قال: ويسن أيضا لكل صلاة، لكان أولى. (قوله: وإن سلم الخ) هو وما بعده غاية لسنية السواك لكل صلاة. (قوله: وإن لم يفصل بينهما) أي بين الوضوء والصلاة. (قوله: حيث لم يخش تنجس فمه) يعني يتأكد السواك لكل صلاة حيث لم يخش ما ذكر، وإلا تركه. وفي التحفة ما نصه: ولو عرف من عادته إدماء السواك لفمه استاك بلطف، وإلا تركه. (قوله: وذلك) أي تأكده في كل صلاة. وقوله: لخبر الحميدي بصيغة التصغير. (قوله: ولو تركه) أي السواك. والذي يستفاد من النهاية أنه لا بد أن يكون الترك نسيانا. ونصها: ولو نسيه ثم تذكره تداركه بفعل قليل. اه. وقوله: أولها أي الصلاة (قوله: تداركه أثناءها) أي عند العلامتين ابن حجر والرملي. ولا يقال إن الكف عن الحركات فيها مطلوب لأنا نقول محله ما لم يعارضه معارض كما هنا وهو طلب السواك لها، وتداركه فيها ممكن، وكما في دفع المار بين يديه في الصلاة، والتصفيق بشرطه، وجذب من وقف عن يساره إلى يمينه. وخالف الخطيب فقال: لا يتدارك. وعلله بما مر. (قوله: كالتعمم) أي كما أنه يسن تداركه فيها بأفعال خفيفة بحيث لا تكون ثلاث حركات متوالية إذا تركه أولها. (قوله: ويتأكد) أي السواك. وقوله أيضا أي كما يتأكد لكل وضوء ولكل صلاة. وقوله: لتلاوة قرآن الخ أي عند قراءة قرآن، ويكون قبل التعوذ. (قوله: أو علم شرعي) عطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص، إذا المراد به التفسير والحديث والفقه، وما تعلق بها من آلاتها كالنحو والصرف. (قوله: أو تغير فم) أي ويتأكد عند تغير فم. وأفهم تعبيره بالفم ندبه لتغير فم من لا سن له، وهو كذلك. وقوله: ريحا أو لونا منصوبان على التمييز المحول عن المضاف، والأصل تغير ريح فم أو لونه. وقوله: بنحو نوم متعلق بتغير ونحوه، كالسكوت وأكل كريه. وقوله: أو أكل كريه معطوف على نحو نوم، من عطف الخاص على العام. والمراد بالشئ الكريه الثوم والبصل وغيرهما. (قوله: أو سن) معطوف على فم، أي أو تغير سن. وقوله: بنحو صفرة متعلق بتغير المقدر. (قوله: أو استيقاظ من نوم) معطوف على لتلاوة قرآن، أي ويتأكد أيضا عند استيقاظه من النوم، أي وإن لم يحصل له تغير به لأنه مظنته، لما فيه من السكوت وترك الأكل وعدمه وسرعة خروج الأنفاس. ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك، أي يدلكه به. (قوله: وإرادته) الواو بمعنى أو، وكان الأولى التعبير بها، وكذا يقال فيما بعده، أي ويتأكد أيضا

الصحيحين. ويقال: إنه يسهل خروج الروح. وأخذ بعضهم من ذلك تأكده للمريض. وينبغي أن ينوي بالسواك السنة ليثاب عليه، ويبلع ريقه أول استياكه، وأن لا يمصه. ويندب التخليل قبل السواك أو بعده من أثر الطعام، والسواك أفضل منه، خلافا لمن عكس. ولا يكره بسواك غير أذن أو علم رضاه، وإلا حرم، كأخذه من ملك الغير، ما لم تجر عادة بالاعراض عنه. ويكره للصائم بعد الزوال، إن لم يتغير فمه بنحو نوم ـــــــــــــــــــــــــــــ عند إرادة النوم، ومثله الأكل فيتأكد عند إرادته. (قوله: ودخول مسجد) أي ويتأكد أيضا عند دخول مسجد ولو كان خاليا. (قوله: ومنزل) أي ويتأكد لدخول منزل ولو كان لغيره. قال في التحفة: ثم يحتمل أن يقيد بغير الخالي، ويفرق بينه وبين المسجد بأن ملائكته أفضل، فروعوا كما روعوا بكراهة دخوله خاليا لمن أكل كريها، بخلاف غيره، أي المسجد. ويحتمل التسوية، والأول أقرب. اه. (قوله: وفي السحر) أي ويتأكد أيضا في وقت السحر، سواء كان نائما واستيقظ فيه أم لا. (قوله: وعند الاحتضار) أي ويتأكد أيضا عند الاحتضار، أي معاينة سكرات الموت. (قوله: كما دل عليه) أي على تأكده عند الاحتضار خبر الصحيحين. (قوله: ويقال إنه) أي السواك، وهو كالتعليل لتأكده عند الاحتضار، (قوله: وأخذ بعضهم من ذلك) أي من كونه يسهل خروج الروح. (وقوله: تأكده للمريض) أي لأنه قد يفجؤه الموت فيسهل عليه خروج الروح. (قوله: وينبغي أن ينوي بالسواك السنة) أي حيث لم يكن في ضمن عبادة، فإن كان في ضمنها كالوضوء لم يحتج لنية لشمول نيتها له. وفي التحفة ما نصه: وينبغي أن ينوي بالسواك السنة كالنسل بالجماع، ويؤخذ منه أن ينبغي بمعنى يتحتم، حتى لو فعل ما تشمله نية ما سن فيه بلا نية السنة لم يثب عليه. اه. (قوله: ويبلع ريقه) بالنصب، عطف على ينوي، أي وينبغي أن يبلع ريقه أول استياكه، أي إلا لعذر. (قوله: وأن لا يمصه) أي وينبغي أيضا أن لا يمص السواك بعد الاستياك. (قوله: ويندب التخليل) أي تخليل الأسنان. ويسن كونه بعود السواك وباليمنى كالسواك ويكره بعود القصب والآس. والتخليل أمان من تسويس الأسنان. ويكره أكل ما خرج من بينها بنحو عود، لا ما خرج بغيره كاللسان. ويندب لمن يصحب الناس التنظف بالسواك ونحوه، والتطيب وحسن الأدب. وقوله: من أثر الطعام متعلق بالتخليل. (قوله: والسواك أفضل منه) أي من التخليل. (قوله: خلافا لمن عكس) أي قال إن التخليل أفضل من السواك، للاختلاف في وجوبه. ويرد بأنه موجود في السواك أيضا مع كثرة فوائده التي تزيد على السبعين. (قوله: ولايكره) أي الاستياك - لكنه خلاف الأولى - إلا لتبرك كما فعلته السيدة عائشة رضي الله عنها حيث استاكت بسواك النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: أذن أي ذلك الغير له في أن يستاك بسواكه. وقوله: أو علم أي أو لم يأذن لكنه علم المستاك رضاه به. (قوله: وإلا حرم) أي وإن لم يأذن ولم يعلم رضاه حرم الاستياك بسواكه. وقوله: كأخذه أي السواك، من ملك الغير فإنه يحرم حيث لم يأذن له ولم يعلم رضاه. وقوله: ما لم تجر عادة أي توجد عادة. وقوله بالإعراض عنه أي عن السواك. فإن جرت عادة بالإعراض عنه لم يحرم أخذه منه. (قوله: ويكره للصائم) أي ولو حكما، فيدخل الممسك. كأن نسي النية ليلا في رمضان فأمسك فهو في حكم الصائم على المعتمد، وإنما كره السواك لأطيبية خلوفه - بضم الخاء، أي ريح فمه - كما في خبر: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. أي أكثر

(فمضمضة فاستنشاق) للاتباع، وأقلهما إيصال الماء إلى الفم والانف. ولا يشترط في حصول أصل السنة إدارته في الفم ومجه منه ونثره من الانف، بل تسن كالمبالغة فيهما لمفطر للامر بها. (و) يسن جمعهما (بثلاث غرف) يتمضمض ثم يستنشق من كل منها. (ومسح كل رأس) للاتباع وخروجا من خلاف مالك وأحمد، فإن ـــــــــــــــــــــــــــــ ثوابا عند الله من ريح المسك المطلوب في نحو الجمعة، أو إنه عند الملائكة أطيب من ريح المسك عندكم. وأطيبيته تفيد طلب إبقائه. وقوله بعد الزوال إنما اختصت الكراهة بما بعده لأن التغير بالصوم إنما يظهر حينئذ. قاله الرافعي بخلافه قبله، فيحال على نوم أو أكل أو نحوهما، ولأنه يدل عليه خبر: أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا ثم قال: وأما الثانية: فإنهم يمسون وخلوف أفواهم أطيب عند الله من ريح المسك فقيد بالمساء، وهو إنما يكون بعد الزوال. ومحل كراهته بعده إذا سوك الصائم نفسه فإن سوكه غيره بغير إذنه حرم على ذلك الغير لتفويته الفضيلة. (قوله: إن لم يتغير فمه بنحو نوم) فإن تغير به لم يكره، وهو خلاف الأوجه، كما في التحفة، ونصها: ولو أكل بعد الزوال ناسيا مغيرا، أو نام أو انتبه، كره أيضا على الأوجه، لأنه لا يمنع تغير الصوم، ففيه إزالة له - ولو ضمنا - وأيضا فقد وجد مقتض هو التغير، ومانع هو الخلوف، والمانع مقدم. إلا أن يقال إن ذلك التغير أذهب تغير الصوم لاضمحلاله فيه وذهابه بالكلية، فيسن السواك لذلك، كما عليه جمع. اه. وقوله: كما عليه جمع أفتى به الشهاب الرملي. اه سم. (قوله: فمضمضة) أي فبعد السواك تسن مضمضة. وقوله: فاستنشاق أي فبعد المضمضة يسن استنشاق. ويعلم من العطف بالفاء المفيدة للترتيب، أن الترتيب بينهما مستحق، أي شرط، في الاعتداد بهما لا مستحب. فلو قدم الاستنشاق على المضمضة حسبت دونه عند ابن حجر لوقوعه في غير محله، وعند الرملي يحسب ما فعل أولا. (فائدة) الحكمة في ندب غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق معرفة أوصاف الماء - من لون وطعم وريح - هل تغيرت أم لا. وقال بعضهم: شرع غسل الكفين للأكل من موائد الجنة، والمضمضة لكلام رب العالمين، والاستنشاق لشم روائح الجنة، وغسل الوجه للنظر إلى وجه الله الكريم، وغسل اليدين للبس السوار في الجنة، ومسح الرأس للبس التاج والأكليل فيها، ومسح الأذنين لسماع كلام رب العالمين، وغسل الرجلين للمشي في الجنة. (قوله: للاتباع) أي وخروجا من خلاف الإمام أحمد في قوله بوجوبهما. (قوله: وأقلهما) أي أقل المضمضة والاستنشاق. والمراد: أقل ما تؤدى به السنة ما ذكر. أي: وأما أكملهما فيكون بأن يدير الماء في الفم ثم يمجه - بالنسبة للمضمضة -، وبأن يجذبه بنفسه إلى أعالي أنفه ثم ينثره - بالنسبة للاستنشاق -. (قوله: ولا يشترط في حصول أصل السنة) أي بقطع النظر عن الكمال: (قوله: إدارته) أي الماء، وقوله: في الفم أي في جوانبه: (وقوله: ومجه) أي إخراجه من الفم بعد الإدارة. (قوله: ونثره من الأنف) أي رميه منه بعد صعوده إلى أعاليه. (قوله: بل تسن) أي المذكورات - الإدارة والمج والنثر - والأنسب في المقابلة أن يقول أما كمالهما فيشترط فيه ذلك. وقوله: كالمبالغة فيهما أي كسنية المبالغة في المضمضة والاستنشاق. وقوله: لمفطر خرج الصائم فلا يبالغ خشية الإفطار، ومن ثم كرهت له. وقوله: للأمر بها أي بالمبالغة، في قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائما والمبالغة في المضمضة أن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثاث، وفي الاستنشاق أن يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم. (قوله: ويسن جمعهما) أي الجمع بين المضمضة والاستنشاق، وضابطه أن يجمع بينهما بغرفة. وفيه ثلاث كيفيات، الأولى: أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرف، يتمضمض من كل منهما ثم يستنشق، وهي التي اقتصر عليها الشارح لأنها الأفضل. الثانية: أن يتمضمض ويستنشق بغرفة، يت مضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها كذلك. الثالثة: أن يتمضمض ويستنشق بغرفة، يتمضمض منها مرة ثم يستنشق منها مرة، وهكذا. وقوله: بثلاث غرف لو قال وبثلاث غرف لكان أولى، ليفيد أن ذلك أفضل من الجمع بينهما بغرفة، أي بالكيفيتين السابقتين. واعلم أن ما ذكر هو الأفضل، وإلا فأصل السنة يتأدى بغير الجمع بينهما: ففيه أيضا ثلاث كيفيات، الأولى: أن يتمضمض ويستنشق بغرفتين، يتمضمض من الأولى ثلاثا ثم يسنتشق من الثانية ثلاثا. الثانية: أن يتمضمض ويستنشق

اقتصر على البعض فالاولى أن يكون هو الناصية، والاولى في كيفيته أن يضع يديه على مقدم رأسه، ملصقا مسبحته بالاخرى وإبهاميه على صدغيه، ثم يذهب بهما مع بقية أصابعه غير الابهامين لقفاه، ثم يردهما إلى المبدأ إن كان له شعر ينقلب، وإلا فليقتصر على الذهاب. وإن كان على رأسه عمامة أو قلنسوة تمم عليها بعد مسح الناصية - للاتباع - (و) مسح كل (الاذنين) ظاهرا وباطنا وصماخيه - للاتباع -، ولا يسن مسح الرقبة إذ لم ـــــــــــــــــــــــــــــ بست غرفات، يتمضمض بواحدة ثم يستنشق بأخرى، وهكذا. الثالثة: أن يتمضمض ويستنشق بست غرفات، يتمضمض بثلاث متوالية ثم يستنشق كذلك، وهذه أضعفها وأنظفها. (قوله: ومسح كل رأس) أي ويسن مسح كل الرأس، أي حتى الذوائب الخارجة عن حد الرأس، كما في سم، ونص عبارته: وأفتى القفال بأنه يسن للمرأة استيعاب مسح رأسها ومسح ذوائبها المسترسلة تبعا. وألحق غيره ذوائب الرجل بذوائبها في ذلك. اه. واعلم أن عندهم مسح جميع الرأس من السنن إنما هو بالنسبة لما زاد على القدر الواجب فلا ينافي وقوع أقل مجزئ منه فرضا، والباقي سنة. لأن القاعدة أن ما تمكن تجزئته - كمسح جميع الرأس وتطويل الركوع والسجود - يقع بعضه واجبا وبعضه مندوبا، وما لا تمكن تجزئته - كبعير الزكاة المخرج عما دون الخمسة والعشرين - يقع كله واجبا: قوله: للاتباع) قال في التحفة: إذ هو أكثر ما ورد في صفة وضوئه - صلى الله عليه وسلم -. اه. (قوله: وخروجا من خلاف مالك وأحمد) أي فإنهما يوجبان مسح كل الرأس. (قوله: فإن اقتصر على البعض) أي فإن أراد الاقتصار على مسح البعض. وقوله: فالأولى أي الأفضل أن يكون هو، أي ذلك البعض الناصية. (قوله: والأولى في كيفيته) أي والأفضل في صفة المسح. وقوله: أن يضع يديه أي بطون أصابع يديه. (قوله: ملصقا) منصوب على الحال، أي يضع يديه حال كونه ملصقا مسبحته بالأخرى. (قوله: وإبهاميه على صدغيه) أي ويضع إبهاميه على صدغيه. ولو عبر بالباء بدل على كما في التحفة لكان أولى، إذ المعنى عليه وملصقا إبهاميه بصدغيه، فيكون مع ما قبله بيانا لهيئة الوضع على مقدم الرأس كما هو قاعدة الحال. (قوله: ثم يذهب بهما) أي بمسبحتيه، كما صرح به في شرح الروض. وقوله: لقفاه متعلق بيذهب. (قوله: ثم يردهما) أي المسبحتين مع بقية الأصابع. (وقوله: إلى المبدأ) أي المحل الذي بدأ به. وقوله: إن كان له شعر ينقلب قال في التحفة: ليصل الماء لجميعه. ومن ثم كانا مرة واحدة، وفارقا نظيرهما في السعي لأن القصد ثم قطع المسافة. (قوله: وإلا فليقتصر على الذهاب) أي وإن لم يكن له شعر ينقلب، بأن لم يكن له شعر أصلا، أو كان ولكن لا ينقلب لنحو صغره أو طوله، فليقتصر على الذهاب ولا يردهما، فإن ردهما لم يحسب ثانية لصيرورة الماء مستعملا لاستعماله فيما لا بد منه وهو غسل البعض الواجب. (قوله: وإن كان على رأسه عمامة أو قلنسوة) أي ولم يرد نزعها: أو عسر نزعها وقوله: تمم عليها أي تمم مسح الرأس على العمامة أو نحوها، وإن كان تحتها عرقية كما في النهاية. قال: ويؤيده ما بحثه بعضهم من إجزاء المسح على الطيلسان ونحوه. قال عميرة: الظاهر أن حكمها - أي العمامة - كالرأس من الاستعمال، برفع اليد في المرة الأولى. فلو مسح بعض الرأس ورفع يده ثم أعادها على العمامة لتكميل المسح صار الماء مستعملا بانفصاله عن الرأس، وهذا ظاهر، ولكنه يغفل عنه كثير عند التكميل على العمامة. ثم ذلك القدر الممسوح من الرأس هل يمسح ما يحاذيه من العمامة؟ ظاهر العبارة: لا. اه. وقوله: ظاهر العبارة: لا أي لأنه المفهوم من التكميل وقوله: بعد مسح الناصية أفهم اشتراط كون التكميل بعد مسح الناصية، وهو كذلك. فلو مسح على العمامة أو نحوها أولا ثم مسح الواجب من الرأس لم تحصل السنة. ويشترط أيضا أن لا يكون عاصيا باللبس لذاته، بأن لا يكون عاصيا أصلا أو عاصيا به لا لذاته، كأن كان غاضبا. فإن كان عاصيا به لذاته كأنه يكون محرما فيمتنع عليه التكميل. وأن لا يكون على العمامة نجاسة معفو عنها، كدم براغيث، وإلا امتنع التكميل لما فيه من التضمخ بالنجاسة. (قوله: للاتباع) وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة. رواه مسلم. (قوله: ومسح كل الأذنين) أي ويسن بعد

يثبت فيه شئ. قال النووي: بل هو بدعة، وحديثه موضوع. (ودلك أعضاء) وهو إمرار اليد عليها عقب ملاقاتها للماء، خروجا من خلاف من أوجبه. (وتخليل لحية كثة) والافضل كونه بأصابع يمناه ومن أسفل، مع تفريقها، وبغرفة مستقلة - للاتباع - ويكره تركه. (و) تخليل (أصابع) اليدين بالتشبيك، والرجلين بأي كيفية كان. والافضل أن يخللها من أسفل بخنصر يده اليسرى، مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى ومختتما بخنصر اليسرى. ـــــــــــــــــــــــــــــ مسح الرأس مسح كل الأذنين. ولو عبر بدل الواو بثم لكان أولى. وقوله: ظاهرا وباطنا. الأول هو ما يلي الرأس، والثاني ما يلي الوجه، لأن الأذن كانت مطبوقة كالبيضة، فلهذا كان ما يلي الوجه هو الباطن لأنه كان مستورا. اه بجيرمي. (قوله: وصماخيه) أي ويسن مسح صماخيه - بكسر الصاد - وهما خرقا الأذن. وكيفية مسحهما مع الأذنين أن يدخل رأس مسبحتيه في صماخيه ويديرهما في المعاطف، ويمر إبهاميه على ظاهر أذنيه، ثم يلصق كفيه وهما مبلولتان بالأذنين. (قوله: للاتباع) وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح في وضوئه برأسه وأذنيه، ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصبعيه في صماخي أذنيه. رواه أبو داود بإسناد حسن. (قوله: إذ لم يثبت فيه شئ) أي لم يرد فيه حديث، وأثر ابن عمر: من توضأ ومسح عنقه وقي الغل يوم القيامة، غير معروف، كما في شرح الروص. (قوله: وحديثه موضوع) وهو: مسح الرقبة أمان من الغل. وهو بضم الغين: طوق حديد يجعل في عنق الأسير، تضم به يداه إلى عنقه. وبكسرها: الحقد. قال تعالى: * (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * (قوله: ودلك أعضاء) أي ويسن دلك أعضاء الوضوء، لكن المغسول منها فقط دون الممسوح، كما في الفشني على الزبد. (قوله: وهو) أي الدلك. (وقوله: إمرار اليد) أي مع الدعك. قال في القاموس: دلكه بيده مرسه ودعكه. اه. وقوله: عقب ملاقاتها أي الأعضاء. (قوله: خروجا الخ) أي ويسن الدلك خروجا من خلاف من أوجبه، وهو الإمام مالك رضي الله عنه. أي واحتياطا وتحصيلا للنظافة. (قوله: وتخليل لحية كثة) أي ويسن تخليل لحية كثة. ومحله إذا كان لرجل واضح، أما لحية المرأة والخنثى فيجب تخليلها كلحية الرجل الخفيفة. واختلفوا في لحية المحرم: هل يخللها أو لا؟ ذهب ابن حجر إلى الأول، لكنه برفق لئلا يتساقط منها شئ. وذهب الرملي إلى الثاني. ومثل اللحية كل شعر يكفي غسل ظاهره. (قوله: والأفضل كونه) أي التخليل. وقوله: بأصابع يمناه ويكفي كونه بغير الأصابع رأسا، وبأصابع غير يمناه. وقوله: ومن أسفل أي والأفضل كونه من أسفل اللحية، ويكفي كونه من أعلاها. وقوله مع تفريقها أي الأصابع. وقوله: وبغرفة مستقلة أي والأفضل كونه بغرفة مستقلة غير غرفة غسل الوجه. (قوله: للاتباع) وهو ما روى الترمذي وصححه: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخلل لحيته الكريمة. وما روى أبو داود: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي واختلفوا في محله هل هو قبل غسل الوجه أو بعد الغسلات الثلاث له؟ أو بعد كل غسلة منه؟ أقوال في ذلك، ونقل بعضهم عن ابن حجر الأخير. (قوله: ويكره تركه) أي التخليل. (قوله: وتخليل أصابع الخ) أي ويسن تخليل أصابع الخ، أي من رجل أو أنثى أو خنثى فلا فرق هنا. ومحل سنيته إن وصل الماء إلى الأصابع من غير تخليل فإن لم يصل الماء إليها - أي إلى باطنها - إلا به - كأن كانت أصابعه ملتفة - وجب، وإن لم يتأت تخليلها لالتحامها حرم فتقها إن خاف محذور تيمم. (قوله: بالتشبيك) أي بأي كيفية وقع. لكن الأولى فيما يظهر في تخليل اليد اليمنى أن يجعل بطن اليسرى على ظهر اليمنى، وفي اليسرى بالعكس، خروجا في فعل العبادة عن صورة العادة في التشبيك، وهذا يفيد طلب تخليل كل يد وحدها. لكن في شرح العباب للشارح في مبحث التيامن: نعم، تخليلهما - أي اليدين - لا تيامن فيه لأنه بالتشبيك. اه. وهو ظاهر. اه كردي نقلا عن العناني. (قوله: والرجلين بأي كيفية كان) أي ويسن تخليل أصابع الرجلين بأي كيفية وجد ذلك. (قوله: والأفضل أن يخللها) أي أصابع الرجلين. وقوله: من أسفل أي أسفل الرجل. وقوله: بخنصر يده اليسرى متعلق بيخللها. وقيل: بخنصر يده اليمنى. وقيل: هما سواء. والمعتمد الأول. وقوله: مبتدئا حال من فاعل الفعل. (قوله:

(وإطالة الغرة) بأن يغسل مع الوجه مقدم رأسه وأذنيه وصفحتي عنقه. (و) إطالة (تحجيل) بأن يغسل مع اليدين بعض العضدين ومع الرجلين بعض الساقين، وغايته استيعاب العضد والساق، وذلك لخبر الشيخين: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء. فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. زاد مسلم: وتحجيله: أي يدعون بيض الوجوه والايدي والارجل. ويحصل أقل الاطالة بغسل أدنى زيادة على الواجب وكمالها باستيعاب ما مر (وتثليث كل) من مغسول وممسوح، ودلك وتخليل وسواك وبسملة، وذكر عقبه، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإطالة الغرة) أي ويسن إطالة إلخ. وقوله: بأن يغسل إلخ تصوير للإطالة الكاملة. وأما أقلها فهو يحصل بغسل أدنى زيادة على الواجب، كما سيذكره، والغرة نفسها اسم للواجب فقط - كما في التحفة - ومثلها التحجيل. (قوله: وإطالة تحجيل) أي ويسن إطالة تحجيل. (وقوله: بأن يغسل إلخ) تصوير لأقل الإطالة: وأما أكملها فهو ما ذكره بقوله: وغايته إلخ. (قوله: وغايته) أي غاية إطالة التحجيل. وذكر الضمير مع كون المرجع مؤنثا لاكتسابه التذكير من المضاف إليه. (قوله: وذلك لخبر) أي ودليل ذلك، أي استحباب إطالة الغرة والتحجيل، خبر الشيخين إلخ. (قوله: يدعون) أي يسمون أو يعرفون أو ينادون إلى الجنة. (قوله: غرا) جمع أغر، وهو حال، أي ذوي غرة، على ما عدا التفسير الأول، أو مفعول ثان على التفسير الأول. وأصلها بياض بجبهة الفرس فوق الدرهم، شبه به ما يكون لهم من النور. وقوله: محجلين من التحجيل. وأصله بياض في قوائم الفرس، شبه به ما يكون لهم من النور أيضا. (قوله: من آثار الوضوء) في رواية: من إسباغ الوضوء. قال ع ش نقلا عن المناوي: وظاهر قوله من إسباغ الوضوء أن هذه السيما إنما تكون لمن توضأ. وفيه رد لما نقله الفاسي المالكي في شرح الرسالة، أن الغرة والتحجيل لهذه الأمة، من توضأ منهم ومن لا. كما يقال لهم أهل القبلة، من صلى منهم ومن لا. (قوله: زاد مسلم: وتحجيله) وعلى الرواية الأولى فالمراد بالغرة ما يشمل التحجيل، أو فيه حذف الواو مع ما عطفت. (قوله: ويحصل أقل الإطالة) أي بالنسبة للغرة والتحجيل. وهذا مكرر بالنسبة للثاني إذ هو قد ذكره بالتصوير. وقوله: وكمالها إلخ مكرر بالنسبة لهما إذ هو قد ذكر ذلك بالتصوير في الأول، وبقوله وغايته إلخ في الثاني. إذا علمت ذلك فالأولى إسقاطه مع ما قبله. نعم، ينبغي أن يذكر أقل الإطالة بالنسبة للغرة عندها. (قوله: وتثليث كل) أي ويسن تثليث كل. وإنما لم يجب لانه - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين. وفي البجيرمي: قال الشوبري: وسئل شيخنا عما لو نذر الوضوء مرتين هل يصح قياسا على إفراد يوم الجمعة بصوم أم لا؟ فأجاب: لا ينعقد نذره، لأنه منهي عنه. اه. وقوله: من مغسول وممسوح بيان للمضاف إليه. وفيه أن المغسول اسم للعضو الذي يغسل، كالوجه واليدين والرجلين. والممسوح اسم لما يمسح، كالرأس والأذنين والجبيرة ونحو العمامة. ولا معنى لتثليث ذلك. وأجيب بأن في الكلام مضافا محذوفا بالنسبة إليهما، ويقدر قبل كل، أي: ويسن تثليث غسل كل أو مسح كل إلخ. والمعتمد أنه لا يسن تثليث مسح الخف لئلا يعيبه. وألحق الزركشي به الجبيرة والعمامة، فلا يسن تثليث مسحهما. وعليه ابن حجر. (قوله: ودلك) معطوف على مغسول، والأولى عطفه مع ما بعده على المضاف الذي قدرته قبل لفظ كل. (قوله: وذكر عقبه) مثله الذي قبله، ولو حذف لفظ عقبه ليشمل ما كان قبله لكان أولى. وفي ع ش ما نصه: (فرع) هل يسن تثليث النية أيضا أو لا؟ لأن النية ثانيا تقطع الأولى فلا فائدة في التثليث؟ يحرر سم منهج قلت: وقضية قول البهجة: وثلث الكل يقينا ما خلامسحا لخفين ... إلخ

- للاتباع - في أكثر ذلك. ويحصل التثليث بغمس اليد مثلا ولو في ماء قليل إذا حركها مرتين، ولو ردد ماء الغسلة الثانية حصل له أصل سنة التثليث - كما استظهره شيخنا - ولا يجزئ تثليث عضو قبل إتمام واجب غسله ولا بعد تمام الوضوء. ويكره النقص عن الثلاث كالزيادة عليها، أي بنية الوضوء، كما بحثه جمع. وتحرم من ماء موقوف على التطهر. ـــــــــــــــــــــــــــــ يقتضي طلبه، فيكون ما بعد الأولى مؤكدا لها، ويفرق بينه وبين تكرير النية في الصلاة، حيث قالوا: يخرج بالأشفاع ويدخل بالأوتار لأنه عهد فعل النية في الوضوء بعد أوله فيما لو فرق النية أو عرض ما يبطلها كالردة، ولم يعهد مثل ذلك في الصلاة. ونقل عن فتاوي م ر ما يوافقه. اه. (قوله: للاتباع في أكثر ذلك) في شرح المنهج: للاتباع في الجميع. أخذا من إطلاق خبر مسلم: أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثا ثلاثا. ورواه أيضا في الأول مسلم، وفي الثاني - في مسح الرأس - أبودواد، وفي الثالث البيهقي، وفي الخامس - في التشهد - أحمد وابن ماجة. اه. نعم، هو لم يذكر في عبارته السواك، فظهر وجه قول الشارح في أكثر ذلك. ورأيت في الكردي بعد نقله عبارة شرح المنهج ما نصه: وقد بين الشيخ في الإمداد ما لم يرد مما قاسوه، فقال: للاتباع في أكثر ذلك، وقياسا في غيره. أعني نحو الدلك والسواك والتسمية. اه. (قوله: مثلا) راجع لليد. (قوله: ولو في ماء قليل) قال في التحفة: وإن لم ينو الاغتراف. على المعتمد لما مر، أنه لا يصير مستعملا بالنسبة لها إلا بالفضل، كبدن جنب انغمس ناويا في ماء قليل. اه. (قوله: إذا حركها مرتين) عبارة غيره: إذا حركها ثلاثا. ويمكن أن يقال مرتين غير المرة الواجبة. ثم إن التحريك إنما هو في الماء الراكد، أما الجاري فيحصل فيه التثليث بمرور ثلاث جريات على العضو. (قوله: كما استظهره شيخنا) عبارته بعد ما نقلته على قوله: ولو في ماء قليل فبحث أنه لو ردد ماء الأولى قبل انفصاله عن نحو اليد عليها لا تحسب ثانية. فيه نظر، وإن أمكن توجيهه بأن القصد منها النظافة والاستظهار، فلا بد من ماء جديد. اه. وإذا علمتها تعلم ما في قوله: كما استظهره شيخنا (قوله: ولا يجزئ تثليث الخ) أي لأن الشرط في حصول التثليث حصول الواجب أولا. قال في التحفة: ولو اقتصر على مسح بعض رأسه وثلثه حصلت له سنة التثليث. كما شمله المتن وغيره. وقولهم: لا يحسب تعدد قبل تمام العضو مفروض في عضو يجب استيعابه بالتطهير. اه. (قوله: ولا بعد تمام الوضوء) أي ولا يجزئ تثليث بعد تمام الوضوء. فلو توضأ مرة مرة إلى تمام غسل الأعضاء، ثم أعاد كذلك ثانيا وثالثا، لم يحصل التثليث. فإن قيل: قد تقرر أنه لو فعل ذلك في المضمضة والاستنشاق حصل له التثليث؟ أجيب بأن الفم والأنف كعضو واحد فجاز ذلك فيهما. قال بعضهم: ومقتضى ما ذكر أنه لو غسل اليمنى من يديه ورجليه مرة ثم اليسرى كذلك، وهكذا في الثانية والثالثة، حصلت فضيلة التثليث، لأن اليدين والرجلين كعضو واحد. (قوله: ويكره النقص الخ) أي لأنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثا وقال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم. وأما وضوءه - صلى الله عليه وسلم - مرة مرة ومرتين مرتين فإنما كان لبيان الجواز. (قوله: كالزيادة عليها) أي ككراهة الزيادة على الثلاث. قال في بداية الهداية: ولا تزد في الغسل على ثلاث مرات، ولا تكثر صب الماء من غير حاجة بمجرد الوسوسة فللموسوسين شيطان يلعب بهم يقال له: الولهان. اه. وفي حاشية الرشيدي على فتح الجواد شرح منظومة ابن العماد في المعفوات ما نصه: واعلم أن الباب الأعظم الذي دخل منه إبليس على الناس - كما قال السبكي - هو الجهل، فيدخل منه على الجاهل بأمان، وأما العالم فلا يدخل عليه إلا مسارقة. وقد لبس على كثير من المتعبدين لقلة علمهم، لأن جمهورهم يشتغل بالتعبد قبل أن يحكم العلم. وقد قال الربيع بن خثيم: تفقه ثم اعتزل. فأول تلبسه عليهم إيثارهم التعبد على

(فرع) يأخذ الشاك أثناء الوضوء في استيعاب أو عدد باليقين، وجوبا في الواجب وندبا في المندوب، ولو في الماء الموقوف. أما الشك بعد الفراغ فلا يؤثر. (وتيامن) أي تقديم يمين على يسار في اليدين والرجلين، ولنحو أقطع في جميع أعضاء وضوئه، وذلك لانه (ص) كان يحب التيمن في تطهره وشأنه كله، أي مما هو من باب التكريم، كاكتحال ولبس نحو قميص ونعل، وتقليم ظفر، وحلق نحو رأس، وأخذ وعطاء، وسواك ـــــــــــــــــــــــــــــ العلم، والعلم أفضل من النوافل. فأراهم أن المقصود من العلم العمل، وما فهموا من العمل إلا عمل الجوارح، وما علموا أن المراد من العمل عمل القلب، وعمل القلب أفضل من عمل الجوارح، فلما تمكن منهم بترك العلم دخل عليهم في فنون العبادة. فمن ذلك الاستطابة والحدث، فيأمرهم بطول المكث في الخلاء، وذلك يؤذي الكبد، فينبغي أن يكون بقدر الحاجة. ومنهم من يحسن لهم استعمال الماء الكثير، وإنما عليه أن يغسل حتى تزول العين. ومنهم من لبس عليه في وضوئه في النية، فتراه يقول: نويت رفع الحدث، ثم يعيد ذلك مرات كثيرة. وسبب هذا: إما الجهل بالشرع، أو خبل في العقل، لأن النية في القلب لا باللفظ، فتكلف اللفظ أمر لا يحتاج إليه. ومنهم من لبس عليه بكثرة استعمال الماء في وضوئه، وذلك يجمع مكروهات أربعا: الإسراف في الماء إذا كان مملوكا أو مباحا، أما إذا كان مسبلا للوضوء فهو حرام. وتضييع العمر الذي لا قيمة له فيما ليس بواجب ولا مستحب. وعدم ركون قلبه إلى الشريعة حيث لم يقنع بما ورد به الشرع. والدخول فيما نهى عنه من الزيادة على الثلاث. وربما أطال الوضوء فيفوت وقت الصلاة أو أول وقتها أو الجماعة، ويقول له الشيطان: أنت في عبادة لا تصح الصلاة إلا بها. ولو تدبر أمره علم أنه في تفريط ومخالفة. فقد حكي عن ابن عقيل أن رجلا لقيه فقال له إني أغسل العضو فأقول ما غسلته، وأكبر فأقول ما كبرت. فقال ابن عقيل: دع الصلاة فإنها لا تجب عليك فقال قوم لابن عقيل: كيف؟ فقال لهم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رفع القلم عن المجنون حتى يفيق ومن يكبر وهو يقول ما كبرت فهذا مجنون، والمجنون لا تجب عليه الصلاة. اه. (قوله: أي بنية الوضوء) راجع للزيادة. وفي المغني ما نصه: قال ابن دقيق العيد: ومحل الكراهة في الزيادة على الثلاث إذا أتى بها على قصد نية الوضوء أو أطلق، فلو زاد عليها بنية التبرد أو مع قطع نية الوضوء عنها لم يكره. اه. (قوله: وتحرم) أي الزيادة. وهذا كالتقييد لكراهة الزيادة، أي محل الكراهة في الزيادة ما لم تكن من ماء موقوف، وإلا حرمت لأنها غير مأذون فيها. وقوله: على التطهر أي المتطهر، فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، أي أنه موقوف على من يريد أن يتطهر به. (قوله: يأخذ الشاك أثناء الوضوء) سيأتي مقابله. وقوله: في استيعاب أي استيعاب غسل عضوه، أي شك هل كمل غسله أم لا؟ فيجب تكميله عملا بالأحوط. وتقدم عن الشارح في مبحث الترتيب أنه نقل عن شيخه أنه لو شك بعد عضو في أصل غسله لزمه إعادته، أو بعضه لم تلزمه. وإن كان قبل فراغ الوضوء، فتنبه له. (قوله: أو عدد) أي أو الشاك في عدد، كأن شك هل غسل ثلاثا أو اثنين؟ فيأخذ بالأقل احتياطا ويأتي بثالثة. ولا يقال: ربما تكون رابعة فيكون بدعة، وتركه سنة أهون من ارتكاب بدعة. لأنا نقول: محل كونها بدعة إذا تيقن أنها رابعة. (قوله: باليقين) متعلق بيأخذ. (قوله: وجوبا في الواجب) كما إذا شك في الغسلة الأولى أو في استيعابها العضو وقوله: وندبا في المندوب كما إذا شك في الغسلة الثانية أو الثالثة. (قوله: ولو في الماء الموقوف) غاية في الأخذ باليقين. (قوله: وتيامن) أي وسن تيامن. (قوله: في اليدين والرجلين) أي فقط، أما غيرهما فيطهر دفعة واحدة كالكفين والخدين والأذنين. (قوله: ولنحو أقطع) معطوف على محذوف تقديره: وتيامن في اليدين والرجلين لغير نحو أقطع ولنحو أقطع. أي وتيامن لنحو أقطع في كل الأعضاء. وقوله: في جميع أعضاء وضوئه أي إن توضأ بنفسه كما هو ظاهر. اه تحفة. (قوله: وذلك) أي كون التيامن سنة ثابت لانه - صلى الله عليه وسلم - إلخ. (قوله: وشأنه كله) أي حاله كله. وعطفه على تطهره من عطف العام على الخاص. (قوله: أي مما هو من باب التكريم) تخصيص لعموم قوله وشأنه كله، أي مما يطلب التيامن في الأمور التي ليس فيها إهانة، بل فيها شرف

وتخليل، ويكره تركه، ويسن التياسر في ضده - وهو ما كان من باب الاهانة والاذى - كاستنجاء وامتخاط، وخلع لباس ونعل. ويسن البداءة بغسل أعلى وجهه وأطراف يديه ورجليه، وإن صب عليه غيره. وأخذ الماء إلى الوجه بكفيه معا، ووضع ما يغترف منه عن يمينه وما يصب منه عن يساره. (وولاء) بين أفعال وضوء السليم بأن يشرع في تطهير كل عضو قبل جفاف ما قبله، وذلك - للاتباع - وخروجا من خلاف من أوجبه، ويجب لسلس. (وتعهد) عقب و (موق) - وهو طرف العين الذي يلي الانف - ولحاظ - وهو الطرف الآخر - بسبابتي شقيهما. ومحل ندب تعهدهما إذا لم يكن فيهما رمص يمنع وصول الماء إلى محله وإلا فتعهدهما واجب - كما في ـــــــــــــــــــــــــــــ وتكرمة، كالأكل والشرب والاكتحال والتقليم وحلق الرأس والخروج من الخلاء. أما ما فيه إهانة فيطلب له اليسار، كما سيأتي. واختلفوا فيما ليس فيه إهانة ولا تكرمة، هل يطلب فيه التيامن أو لا؟ وذكر الشنواني أن المعتمد الثاني. وذكر في التحفة أنه يلحق بما فيه تكرمة، أي فيكون باليمين. (قوله: ويكره تركه) أي ترك التيامن. (قوله: ويسن التياسر في ضده) أي ضد ما هو من باب التكريم. (قوله: وهو) أي الضد. (قوله: ويسن البداءة بغسل أعلى وجهه) أي لكونه أشرف، ولكونه محل السجود، وللاتباع. وقوله: وأطراف يديه ورجليه عبارة بافضل مع شرحه لابن حجر: والبداءة في غسل اليد والرجل - أي كل يد ورجل - بالأصابع إن صب على نفسه، فإن صب عليه غيره بدأ بالمرفق والكعب. هذا ما في الروضة، لكن المعتمد ما في المجموع وغيره من أن الأولى البداءة بالأصابع مطلقا. اه. إذا علمت ذلك فالمراد من الأطراف الأصابع. (قوله: وإن صب عليه غيره) غاية في سنية البداءة بغسل ما ذكر، وهي للرد على ما في الروضة. (وقوله: وأخذ الماء الخ) أي ويسن أخذ الماء ونقله إلى الوجه بكفيه معا. (قوله: ووضع ما يغترف منه) أي الإناء الذي يغترف منه، كقدح. وقوله: عن يمينه متعلق بوضع، وذلك لأن الاغتراف منه حينئذ أمكن له. (قوله: وما يصب منه عن يساره) أي ويسن وضع الإناء الذي يصب منه - كإبريق - عن يساره، أي لأن الصب حينئذ أمكن له. (قوله: وولاء) أي ويسن ولاء، وهو مصدر وإلى يوالي: إذا تابع بين الشيئين فأكثر. (قوله: بين أفعال وضوء السليم) أي بين الغسلات للأعضاء في وضوء السليم. وهو صادق بصورتين: بالموالاة بين الأعضاء في تطهيرها، وبالموالاة بين غسلات العضو الواحد الثلاث. وتصوير الشارح بقوله: بأن يشرع إلخ، قاصر على الصورة الأولى. وبقي صورة ثالثة مستحبة أيضا وهي: الموالاة بين أجزاء العضو الواحد. (قوله: بأن يشرع الخ) أي مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص نفسه والزمان والمكان، ويقدر الممسوح مغسولا. وإذا ثلث فالعبرة في موالاة الأعضاء بآخر غسلة. ولا يحتاج التفريق الكثير إلى تجديد نية عند عزوبها لأن حكمها باق. (قوله: للاتباع) علة لسنية الولاء. (قوله: وخروجا من خلاف من أوجبه) وهو الإمام مالك، وأوجبها القديم عندنا أيضا مستدلا بخبر أبي دواد: أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدميه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد الوضوء. وأجابوا عنه بأن الخبر ضعيف مرسل. قال في المغنى: ودليل الجديد ما روي: أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ في السوق فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه، فدعي إلى جنازة فأتى المسجد فمسح خفيه وصلى عليها. قال الشافعي: وبينهما تفريق كثير. اه. (قوله: ويجب لسلس) أي ويجب الولاء في الوضوء لسلس، تقليلا للحدث. ويجب أيضا عند ضيق الوقت، لكن لا على سبيل الشرطية. فلو لم يوال حينئذ حرم عليه مع الصحة. (قوله: وتعهد عقب) أي ويسن تعهد عقب، أي تفقده والاعتناء به عند غسله، خصوصا في الشتاء. فقد ورد: ويل للأعقاب من النار. قال النووي: معناه: ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها. (قوله: وموق) أي وتعهد موق. قال في المختار: هو بالهمز من مأق. (قوله: ولحاظ) أي وتعهد لحاظ، وهو بفتح اللام، وأما بكسرها فهو مصدر لاحظ. (قوله: بسبابتي شقيهما) متعلق بتعهد بالنسبة للموق واللحاظ. ولعل في العبارة قلبا، والأصل: بشق سبابتيه. ثم وجدت في بعض نسخ الخط: بسبابتيه شقيهما. وهي أولى، وعليه يكون شقيهما بدل بعض من كل. (قوله: ومحل ندب تعهدهما) أي الموق واللحاظ. (قوله: رمص) قال في القاموس: الرمص محركة: وسخ أبيض يجتمع في الموق. اه. وقوله:

المجموع -. ولا يسن غسل باطن العين، بل قال بعضهم: يكره للضرر، وإنما يغسل إذا تنجس لغلظ أمر النجاسة. (واستقبال) القبلة في كل وضوئه. (وترك تكلم) في أثناء وضوئه بلا حاجة بغير ذكر، ولا يكره سلام عليه ولا منه ولا رده. (و) ترك (تنشيف) بلا عذر للاتباع (والشهادتان عقبه) أي الوضوء، بحيث لا يطول فاصل عنه عرفا، فيقول مستقبلا للقبلة، رافعا يديه وبصره إلى السماء - ولو أعمى -: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. لما روى مسلم عن رسول الله (ص): من توضأ فقال أشهد أن لا إله إلا الله - الخ - فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء. زاد الترمذي: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. وروى الحاكم وصححه: من توضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الموق أي أو اللحاظ، أو المراد بالموق وما يشمله، ومثل الرمص نحو الكحل من كل ما له جرم. (قوله: يمنع الخ) الجملة صفة لرمص. وقوله: إلى محله أي محل الرمص من الموق أو اللحاظ. (قوله، وإلا) أي بأن كان فيهما ذلك. وقوله: فتعهدهما واجب أي فغسلهما واجب. قال ع ش: ولا تتأتى ذلك إلا بإزالة ما فيهما من الرمص ونحوه، فيجب إزالته، كما تقدم في غسل الوجه. لكن ينبغي أنه لو لم تتأت إزالة ما فيهما - كالكحل ونحوه - إلا بضرر أنه يعفى عنه حيث استعمل الكحل لعذر كمرض أو للتزيين ولم يغلب على ظنه إضرار إزالته. اه. (قوله: يكره للضرر) أي إن توهم الضرر، فإن تحققه حرم. (قوله: وإنما يغسل) أي باطن العين. وقوله: لغلظ أمر النجاسة أي بدليل أنها تزال عن الشهيد إذا كانت من غير دم الشهيد. (قوله: واستقبال القبلة) أي ويسن استقبالها. قال الكردي: فإن اشتبهت عليه تحرى ندبا، كما في الإيعاب. اه وقوله: في كل وضوئه قال ابن حجر: حتى في الذكر بعده لأنها أشرف الجهات. اه. (قوله: وترك تكلم) أي ويسن ترك تكلم. (قوله: في أثناء وضوئه) أي في خلال وضوئه. وعبارة المنهج القويم: وأن لا يتكلم في جميع وضوئه. اه. قال الكردي: قال في الإيعاب: حتى في الذكر بعده. (قوله: بلا حاجة) أي بلا احتياج للكلام، أما معها كأمر بمعروف ونهي عن منكر فلا يتركه، بل قد يجب الكلام، كما إذا رأى نحو أعمى يقع في بئر. (قوله: بغير ذكر) متعلق بتكلم، أي ويسن ترك التكلم بغير ذكر، أما الذكر فلا يسن ترك التكلم به. قوله: ولا يكره سلام عليه) أي ولا يكره على غير المتوضئ أن يسلم عليه. (قوله: ولا منه) أي ولا يكره صدور السلام منه ابتداء. وقوله: ولا رده أي ولا يكره على المتوضئ رد السلام إذا سلم عليه. وفي ع ش ما نصه: سئل شيخ الإسلام: هل يشرع السلام على المشتغل بالوضوء وليس له الرد أو لا؟. فأجاب: بأن الظاهر أنه يشرع السلام عليه ويجب عليه الرد. اه. وهذا بخلاف المشتغل بالغسل لا يشرع السلام عليه، لأن من شأنه أنه قد ينكشف منه ما يستحي من الاطلاع عليه فلا تليق مخاطبته حينئذ. اه. (قوله: وترك تنشيف) أي ويسن ترك تنشيف - وهو أخذ الماء بنحو خرقة - وذلك لأنه يزيل أثر العبادة فهو خلاف السنة لأنه - صلى الله عليه وسلم - رد منديلا جئ به إليه لأجل ذلك عقب الغسل من الجنابة. (وقوله: بلا عذر) أما بالعذر، كبرد أو خشية التصاق نجس به أو لتيمم عقبه، فلا يسن تركه بل يتأكد فعله. اه تحفة. وقال الرملي: بل يجب إذا خشي وقوع النجس عليه ولا يجد ما يغسله به. اه. (قوله: والشهادتان عقبه) أي ويسن الشهادتان عقبه، أي الوضوء. (قوله: بحيث لا يطول فاصل عنه عرفا) أي فيما يظهر، نظير سنة الوضوء الآتية. ثم رأيت بعضهم قال: ويقول فورا قبل أن يتكلم. اه. ولعله بيان للأكمل. اه تحفة. (قوله: فيقول) أي المتوضئ. وقوله: مستقبلا إلخ أي حال كونه مستقبلا للقبلة، أي بصدره كما في الصلاة. وقوله: رافعا يديه أي كهئية الداعي، حتى عند قوله: أشهد أن لا إله إلا الله. ولا يقيم السبابة خلافا لما يفعله ضعفة الطلبة. وقوله: وبصره إلى السماء أي ورافعا بصره إلى السماء. وقوله: ولو أعمى غاية في رفع البصر. أي فيسن رفع محل بصره إلى السماء كما يسن إمرار الموسى على الرأس الذي لا شعر به. (قوله: فتحت له أبواب الجنة) أي إكراما له. وإلا فمعلوم أنه لا يدخل إلا من واحد، وهو ما سبق في علمه تعالى دخول منه. ع ش. (قوله: سبحانك) مصدر جعل علما للتسبيح، وهو براءة الله من السوء، أي اعتقاد تنزيهه عما

أشهد أن لا إله إلا أنت. أستغفرك وأتوب إليك. كتب في رق، ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة. أي لم يتطرق إليه إبطال كما صح حتى يرى ثوابه العظيم. ثم يصلي ويسلم على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد، ويقرأ * (إنا أنزلناه) * ثلاثا، كذلك بلا رفع يد. وأما دعاء الاعضاء المشهور فلا أصل له يعتد به فلذلك حذفته، تبعا لشيخ المذهب النووي رضي الله عنه. وقيل: يستحب أن يقول عند كل عضو: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. لخبر رواه المستغفري وقال: حسن غريب. (وشربه) من (فضل ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يليق بجلاله. اه تحفة. (قوله: وبحمدك) الواو إما عاطفة جملة أي وسبحتك حالة كوني متلبسا بحمدك، أو زائدة. والجار والمجرور حال من فاعل الفعل النائب عنه المصدر. (قوله: كتب) أي هذا اللفظ ليبقى ثوابه. قال ع ش: ويتجدد ذلك بتعدد الوضوء لأن الفضل لا حجر عليه. فإذا قالها ثلاثا عقب الوضوء كتب عليه ثلاث مرات وما ذلك على الله بعزيز. اه بجيرمي. (قوله: في رق) هو بفتح الراء. وقال في القاموس: وتكسر: جلد رقيق يكتب فيه. اه. (قوله: لم يتطرق إليه إبطال) قال الكردي: لعل فيه من الفوائد أن قائل ذلك يحفظ عن الردة، إذ هي التي تبطل العمل أو ثوابه بعد ثبوته. اه. (قوله: ويقرأ إنا أنزلناه ثلاثا) لما أخرجه الديملي، أن من قرأها في أثر وضوئه مرة واحدة كان من الصديقين، ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء، ومن قرأها ثلاثا حشر مع الأنبياء. وقوله: كذلك أي مستقبلا للقبلة. وقوله: بلا رفع يد أي وبصر. ويسن بعد قراءة السورة المذكورة: اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك في رزقي، ولا تفتني بما زويت عني. اه ع ش. (قوله: وأما دعاء الأعضاء، إلخ) وهو أن يقول عند غسل كفيه: اللهم احفظ يدي عن معاصيك. وعند المضمضة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك. وعند الاستنشاق: اللهم أرحني رائحة الجنة. وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. وعند غسل يده اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا. وعند غسل اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري. وعند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشري على النار. وعند مسح الأذنين: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وعند غسل رجليه: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الأقدم. (قوله: فلا أصل له) أي في الصحة، وإلا فقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - من طرق ضعيفة في تاريخ ابن حبان وغيره، ومثله يعمل به في فضائل الأعمال. (فائدة) قال القيصري: ينبغي للمتطهر أن ينوي مع غسل كفيه تطهيرهما من تناول ما يبعده عن الله تعالى، ونفضهما مما يشغله عنه. وبالمضمضة تطهير الفم من تلويث اللسان بالأقوال الخبيثة. وبالاستنشاق إخراج استرواح روائح محبوبة. وبتخليل الشعر حله من أيدي ما يهلكه ويهبطه من أعلى عليين إلى أسفل سافلين. وبغسل وجهه تطهيره من توجهه إلى اتباع الهوى، ومن طلب الجاه المذموم وتخشعه لغير الله. وبتطهيره الأنف تطهيره من الأنفة والكبر. وبغسل العين التطهر من التطلع إلى المكروهات والنظر لغير الله بنفع أو ضر. وبغسل اليدين تطهيرهما من تناول ما يبعده عن الله. وبمسح الرأس زوال الترأس والرياسة الموجبة للكبر، وبغسل القدمين تطهيرهما من المسارعة إلى المخالفات واتباع الهوى، وحل قيود العجز عن المسارعة في ميادين الطاعة المبلغة إلى الفوز برضا الكبير المتعال. وبما ذكر يصلح الجسد للوقوف بين يدي الله تعالى الملك القدوس. (قوله: وقال: حسن) أي من جهة المعنى. وقوله: غريب أي من جهة النقل، وهو ما انفرد بروايته راو واحد. كما قال في البيقونية:

وضوئه) لخبر: إن فيه شفاء من كل داء ويسن رش إزاره به، أي إن توهم حصول مقذر له، كما استظهره شيخنا. وعليه يحمل رشه (ص) لازاره به. وركعتان بعد الوضوء أي بحيث تنسبان إليه عرفا، فتفوتان بطول الفصل عرفا على الاوجه، وعند بعضهم بالاعراض، وبعضهم بجفاف الاعضاء، وقيل: بالحدث. ويقرأ ندبا في أولى ركعتيه بعد الفاتحة: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) * إلى * (رحيما) *، وفي الثانية: * (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) * إلى * (رحيما) *. (فائدة) يحرم التطهر بالمسبل للشرب، وكذا بماء جهل حاله على الاوجه، وكذا حمل شئ من المسبل إلى غير محله. (وليقتصر) أي المتوضئ، (حتما) أي وجوبا، (على) غسل أو مسح (واجب) أي فلا يجوز تثليث ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقل غريب ما روى راو فقط قال في شرحها: وسمي بذلك لانفراد راويه عن غيره، كالغريب الذي شأنه الانفراد عن وطنه. (قوله: وشربه) أي ويسن شر به. وقوله: من فضل وضوئه بفتح الواو: اسم للماء الذي توضأ به. (قوله: ويسن رش إزاره) أي أو سراويله. وقوله: به أي بفضل وضوئه. (قوله: أي إن توهم حصول مقذر له) أي يسن ذلك إن توهم حصول مقذر له، كرشاش تطاير إليه، دفعا للوسواس. ولذلك قالوا: يسن للمتوضئ الجلوس بمحل لا يناله فيه رشاش من الماء. قال الشرقاوي: لأنه مستقذر غالبا، ولأنه ربما أورث الوسواس. اه. (قوله: وعليه) أي وعلى توهم حصول مقذر له. وقوله: به أي بفضل وضوئه، وهو متعلق برش. قوله: وركعتان بعد الوضوء أي وتسن ركعتان بعده، لما روي: أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل الجنة فرأى بلالا فيها فقال له: بم سبقتني إلى الجنة؟ فقال بلال: لا أعرف شيئا، إلا أني لا أحدث وضوءا إلا أصلي عقبه ركعتين وسيأتي إن شاء الله في فصل في صلاة النفل مزيد بسط في الكلام عليهما. (قوله: أي بحيث تنسبان إليه عرفا) تقييد للبعدية، أي أن محل الاعتداد بهما وحصول الثواب عليهما إذا صليا بعده أن ينسبا إلى ذلك الوضوء في العرف. (قوله: فتفوتان) أي ركعتا الوضوء. وقوله: بطول الفصل أي بين الوضوء وبينهما. قال في التحفة في باب صلاة النفل: وهو أوجه. ويدل له قول الروضة: ويستحب لمن توضأ أن يصلي عقبه. اه. (قوله: وعند بعضهم بالاعراض) أي تفوتان بقصد الإعراض عنهما، ولو لم يطل الفصل. (قوله: وبعضهم بجفاف الأعضاء) أي وعند بعضهم تفوتان بجفاف أعضاء الوضوء. فمتى لم تجف أعضاؤه له أن يصليهما، ولو طال الفصل. (قوله: وقيل: بالحدث) أي تفوتان به. فمتى لم يحدث له أن يصليهما، ولو طال الفصل عرفا. (قوله: يحرم التطهر بالمسبل للشرب) أي أو بالماء الغصوب، ومع الحرمة يصح الوضوء. (قوله: وكذا بماء جهل حاله) أي وكذلك يحرم التطهر بماء لم يدر هل هو مسبل للشرب أو للتطهر. وسيذكر الشارح في باب الوقف أنه حيث أجمل الواقف شرطه اتبع فيه العرف المطرد في زمنه لأنه بمنزلة شرط الواقف. قال: ومن ثم امتنع في السقايات المسبلة غير الشرب ونقل الماء منها ولو للشرب. ثم قال: وسئل العلامة الطنبداوي عن الجوابي والجرار التي عند المساجد فيها الماء إذا لم يعلم أنها موقوفة للشرب أو للموضوء أو الغسل الواجب أو المسنون أو غسل النجاسة؟. فأجاب: أنه إذا دلت قرينة على أن الماء موضوع لتعميم الانتفاع جاز جميع ما ذكر، من الشرب وغسل النجاسة وغسل الجنابة وغيرها. ومثال القرينة جريان الناس على تعميم الانتفاع بالماء من غير نكير من فقيه وغيره، إذ الظاهر من عدم النكير أنهم أقدموا على تعميم الانتفاع بالماء بغسل وشرب ووضوء وغسل نجاسة، فمثل هذا إيقاع يقال بالجواز. وقال: إن فتوى العلامة عبد الله بامخرمة يوافق ما ذكره. اه. (قوله: وكذا حمل شئ الخ) أي وكذلك يحرم نقل شئ من الماء المسبل للتطهر أو للشرب إلى غير محله، ولو للشرب كما علمت. (قوله: وليقتصر إلخ) كالتقييد لما تقدم من المضمضة والاستنشاق والإتيان بسائر السنن. (قوله: على غسل أو مسح)

إتيان سائر السنن (لضيق وقت) عن إدراك الصلاة كلها فيه، كما صرح به البغوي وغيره، وتبعه المتأخرون. لكن أفتى في فوات الصلاة لو أكمل سننها بأن يأتيها، ولو لم يدرك ركعة. وقد يفرق بأنه ثم اشتغل بالمقصود، فكان كما لو مد في القراءة. (أو قلة ماء) بحيث لا يكفي إلا الفرض فلو كان معه ماء لا يكفيه لتتمة طهره. إن ثلث أو أتى السنن أو احتاج إلى الفاضل لعطش محترم، حرم استعماله في شئ من السنن. وكذا يقال في الغسل. (وندبا) على الواجب بترك السنن، (لادراك جماعة) لم يرج غيرها. نعم، ما قيل بوجوبه - كالدلك - ينبغي تقديمه عليها، نظير ما مر من ندب تقديم الفائت بعذر على الحاضرة، وإن فاتت الجماعة. (تتمة) يتيمم عن الحدثين لفقد ماء أو خوف محذور من استعماله بتراب طهور له غبار. وأركانه نية ـــــــــــــــــــــــــــــ يقرآن بالتنوين. (قوله: فلا يجوز تثليث) أي في غسل الأعضاء. (قوله: ولا إتيان سائر السنن) أي ولا يجوز الإتيان بسائر السنن، أي الفعلية: كالمضمضة والاستنشاق، والقولية: كالأذكار الواردة، قبله أو بعده، لكن محل هذا بالنسبة لضيق الوقت فقط. (قوله: لضيق وقت عن إدراك الصلاة كلها فيه) أي بأن لم يدركها رأسا، أو بعضها، في الوقت. فضيق الوقت عن إدراكها كلها فيه صادق بصورتين. والحاصل المراد أنه ثلث، أو أتى بالسنن كلها، لخرج جزء من الصلاة عن وقتها، فيجب عليه حينئذ ترك التثليث وترك الإتيان بالسنن. (قوله: لكن أفتى إلخ) أي لكن يشكل على ما ذكره هنا إفتاء البغوي نفسه في الصلاة بأنه يأتي بجميع سننها ولو خرج جزء منها عن وقتها بسبب ذلك، بل ولو لم يدرك ركعة فيه. وقوله: وقد يفرق إلخ أي بفرق بين ما هنا وبين ما ذكره هناك، بأنه هنا لم يشتغل بالمقصود، وهناك اشتغل بالمقصود الذي هو الصلاة، فاغتفر الإخراج هناك ولم يغتفر هنا. (قوله: كما لو مد في القراءة) أي كما لو طول في قراءة السورة بحيث خرج الوقت وهو لم يدرك ركعة فيه فإنه لا يحرم. (قوله: أو قلة ماء) معطوف على ضيق وقت. وقوله: بحيث لا يكفي إلا الفرض تصوير لقلة ماء. (قوله: إن ثلث) قيد لعدم كفايته. (قوله: أو أتى السنن) أي بالسنن التي تحتاج إلى ماء، كمضمضة واستناق ومسح الأذنين وغير ذلك. (قوله: أو احتاج الخ) أي أو كان معه ماء يكفيه لذلك مع التثليث والإتيان بالسنن، إلا أنه يحتاج إلى الفاضل على الفرض لعطش حيوان محترم. (قوله: حرم) جواب لو. (قوله: وكذا يقال في الغسل) أي مثل ما قيل في الوضوء يقال في الغسل. أي فليقتصر فيه على الواجب عند ضيق الوقت، أو قلة الماء، أو الاحتياج إلى الفاضل لعطش محترم. فلو خالف حرم عليه ذلك. (قوله: وندبا على الواجب) أي وليقتصر ندبا على الواجب، فهو معطوف على حتما. (قوله: بترك السنن) متعلق بيقتصر المقدر. والباء للتصوير، أي ويتصور الاقتصار على ذلك بترك السنن. (قوله: لإدراك جماعة) قال في شرح العباب: إنها أولى من سائر سنن الوضوء. كما جزم به في التحقيق. اه كردي. (قوله: نعم، الخ) تقييد لندب الاقتصار على الواجب بترك السنن، فكأنه قال: ومحله ما لم تكن السنة قيل بوجوبها، فإن كانت كذلك قدمت على الجماعة. (قوله: نظير ما مر من ندب تقديم الخ) أي لأنه قيل بوجوبه. فهذا هو الجامع بين ما هنا وبين ما مر، والله سبحانه وتعالى أعلم. (قوله: تتمة) أي في بيان أسباب التيمم وكيفيته وهي أركانه، وبيان آلته وهي التراب. وقد أفرده الفقهاء بباب مستقل، وإنما ذكر عقب الوضوء لأنه بدل عنه. والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى أو على سفر) * الآية. وخبر مسلم: جعلت لنا الأرض كلها مسجدا وتربتها طهورا. ومعناه في اللغة القصد، يقال تيممت فلانا أي قصدته. ومنه قوله تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * ومنه قول الشاعر: تيممتكم لما فقدت أولي النهى ومن لم يجد ماء تيمم بالتراب وفي الشرع إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشرائط مخصوصة، وله أسباب وشروط وأركان ومبطلات وسنن.

استباحة الصلاة المفروضة مقرونة بنقل التراب، ومسح وجهه ثم يديه. ولو تيقن ماء آخر الوقت فانتظاره أفضل، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الشارح الأسباب والأركان وبعض الشروط إجمالا، ولا بد من بيان ذلك تفصيلا، فيقال: أما الأسباب فشيآن: فقد الماء حسا بأن لم يجده أصلا، أو شرعا بأن وجده مسبلا للشرب أو وجده بأكثر من ثمن مثله. وخوف محذور من استعمال الماء، بأن يكون به مرض يخاف معه من استعماله على منفعة عضو، أو يخاف زيادة مدة المرض، أو يخاف الشين الفاحش من تغير لون ونحول في عضو ظاهر. وفي الحقيقة هذا الثاني يرجع للفقد الشرعي. وأما الشروط فعشرة: أن يكون بتراب على أي لون كان. وأن يكون طاهرا، فلا يصح بمتنجس. وأن لا يكون مستعملا في حدث أو خبث. وقد جمع الشارح هذين الشرطين بقوله: طهور وأن لا يخالطه دقيق ونحوه. وأن يقصده بالنقل لآية: * (فتيمموا صعيدا طيبا) * أي اقصدوه بالنقل. فلو فقد النقل كأن سفته عليه الريح فردده لم يكفه. وأن يمسح وجهه ويديه بنقلتين يحصل بكل منهما استيعاب محله. وأن يزيل النجاسة أولا. وأن يجتهد في القبلة قبل التيمم، فلو تيمم قبل الاجتهاد فيها لم يصح على الأوجه. وإن يقع التيمم بعد دخول الوقت. وأن يتيمم لكل فرض عيني ولو نذرا. وأما الأركان فأربعة: نية استباحة مفتقر إلى التيمم، كصلاة وطواف ومس مصحف. فلا يكفي نية رفع الحدث لأن التيمم لا يرفعه، ولا نية فرض التيمم. قال بعضهم: محله ما لم يضفه لنحو صلاة، ومسح وجهه، ومسح يده، والترتيب. وعد بعضهم النقل من الأركان، فتكون خمسة. وأما مبطلاته، فكل ما أبطل الوضوء، وسيأتي بيانه قريبا. ويزاد على ذلك: توهم وجود الماء إن كان قبل الصلاة، ووجوده فيها إن كانت الصلاة مما لا يسقط فرضها بالتيمم، فإن كانت مما يسقط فرضها به فلا تبطل. والردة - والعياذ بالله - وأما سننه: فجميع سنن الوضوء مما يمكن مجيئه هنا إلا التثليث. ويزاد عليها: نزع الخاتم في الضربة الأولى، وأما الثانية فواجب. وتخفيف التراب من كفيه، وتفريق أصابعه في كل ضربة. وأن لا يرفع يده على العضو حتى يتم مسحه. (قوله: لفقد ماء) أي حسا أو شرعا. ومن الأول ما إذا حال بينه وبين الماء سبع، لأن المراد بالحسي تعذ الوصول للماء. واستعماله في الحس، كذا في التحفة. قال سم: واعلم أنه لا قضاء مع الفقد الحسي. اه. ومحل جواز التيمم عند الفقد: إذا طلبه من رحله ورفقته ونظر حواليه وتردد إن احتاج إلى التردد فلم يجده، أو تيقن فقد الماء. ولا يحتاج عند التيقن إلى ما ذكر لأنه عبث لا فائدة فيه. وقوله: أو خوف محذور أي كمرض أو زيادته، أو إتلاف عضو أو منفعته. (قوله: بتراب) أي ولو كان مغصويا لكنه يحرم كتراب المسجد. وخرج بالتراب غيره كنورة وزرنيخ وسحاقة خزف، ومختلط بدقيق ونحوه. وقوله: طهور خرج به المتنجس والمستعمل. وفي البجيرمي ما نصه: قال الحكيم الترمذي: إنما جعل التراب طهورا لهذه الأمة لأن الأرض لما أحست بمولده - صلى الله عليه وسلم - انبسطت وتمددت وتطاولت وأزهرت وأينعت، وافتخرت على السماء وسائر المخلوقات بأنه نبي خلق مني، وعلى ظهري تأتيه كرامة الله، وعلى بقاعي سجد بجبهته، وفي بطني مدفنه. فلما جرت رداء فخرها بذلك جعل ترابها طهورا لأمته. فالتيمم هدية من الله تعالى لهذه الأمة خاصة لتدوم لهم الطهارة في جميع الأحوال والأزمان. اه. (قوله: له غبار) خرج به ما لا غبار له كتراب مندى. وأما الرمل فإن كان له غبار وكان لا يلصق بالعضو صح التيمم به، وإلا فلا. (قوله: وأركانه) أي التيمم. (قوله: نية استباحة الصلاة) أي ونحوها مما يفتقر إلى طهارة، كطواف وسجود تلاوة وحمل مصحف. ويصح أن يأتي بالنية العامة كأن يقول:

وإلا فتعجيل تيمم. وإذا امتنع استعماله في عضو وجب تيمم وغسل صحيح ومسح كل الساتر الضار نزعه بماء، ولا ترتيب بينهما لجنب. أو عضوين فتيممان، ولا يصلي به إلا فرضا واحدا ولو نذرا. وصح جنائز مع فرض. ـــــــــــــــــــــــــــــ نويت استباحة مفتقر إلى طهر. وقوله: مقرونة بنقل التراب المراد بالنقل تحويل التراب إلى العضو الذي يريده ولو من الهواء. ويجب استدامة هذه النية إلى مسح شئ من الوجه، فلو عزبت قبل مسح منه بطلت لأنه المقصود، وما قبله وسيلة وإن كان ركنا. فعلم من كلامهم بطلانه بعزوبها فيما بين النقل المعتد به والمسح، وهو كذلك، وإن نقل جمع عن أبي خلف الطبري الصحة واعتمده. اه تحفة. وقوله: وإن نقل جمع إلخ اعتمده في النهاية، ونصها: قال في المهمات: والمتجه الاكتفاء باستحضارها عندهما - أي عند النقل وعند المسح - وإن عزبت بينهما. واستشهد له بكلام لأبي خلف الطبري، وهو المعتمد. والتعبير بالاستدامة - كما قاله الوالد - جري على الغالب لأن الزمن يسير لا تعزب فيه النية غالبا. اه. (قوله: ومسح الخ) بالرفع، عطف على نية. أي ومن الأركان مسح وجهه ثم يديه، أي إيصال التراب إليهما ولو بخرقة. ومن الوجه ظاهر لحيته المسترسل والمقبل من أنفه على شفته. وينبغي التفطن لهذا ونحوه، فإنه كثيرا يغفل عنه. ولا يجب إيصال التراب إلى منابت الشعر، بل ولا يندب ولو خفيفا، لما فيه من المشقة بخلاف الماء. (قوله، ولو تيقن ماء) المراد بالتيقن هنا الوثوق بحصول الماء بحيث لا يتخلف عادة لا ما ينتفي معه احتمال عدم حصول الماء عقلا. وقوله: فانتظاره أفضل أي من تعجيل التيمم، لأن التقديم مستحب. والوضوء من حيث الجملة فرض فثوابه أكثر. وقوله: وإلا أي وإن لم يتقين وجوده فتعجيل التيمم أفضل، لأن فضيلة أول الوقت محققة بخلاف فضيلة الوضوء. (قوله: وإذا امتنع استعماله) أي حرم شرعا استعماله، أي الماء، بأن علم أنه يضره بإخبار طبيب عدل بذلك، أو علمه هو بالطب. (قوله: وجب تيمم) أي لئلا يخلو محل العلة عن الطهارة، فهو بدل عن طهارته. (قوله: وغسل صحيح) بالإضافة، وذلك الخبر: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. ويجب أن يتلطف في غسل الصحيح المجاور للعليل بوضع خرقة مبلولة بقربه، ويتحامل عليها لينغسل بالمتقاطر منها ما حواليه من غير أن يسيل الماء إليه. (قوله: ومسح كل الساتر) أي بدلا عما أخذه من الصحيح، ومن ثم لو لم يأخذ شيئا أو أخذ شيئا وغسله لم يجب مسحه على المعتمد. اه شوبري. ولا يجزئه مسح بعض الساتر لأنه أبيح لضرورة العجز عن الأصل، فيجب فيه التعميم، كالمسح في التيمم. والساتر كجبيرة، وهي أخشاب أو قصب تسوى وتشد على موضع الكسر ليلتحم، وكلصوق ومرهم وعصابة. وقوله: الضار نزعه أي بأن يلحقه في نزعه ضرر كمرض أو تلف عضو أو منفعة. أما إذا أمكن نزعه من غير ضرر يلحقه فيجب. قال في التحفة: ويظهر أن محله إن أمكن غسل الجرح، أو أخذت بعض الصحيح، أو كانت بمحل التيمم وأمكن مسح العليل بالتراب، وإلا فلا فائدة في نزعه. اه. وقوله: بماء متعلق بمسح، وخرج به التراب فلا يمسح به لأنه ضعيف فلا يؤثر من وراء حائل، بخلاف الماء فإنه يؤثر من ورائه في نحو مسح الخف. اه نهاية. واعلم أن الساتر إن كان في أعضاء التيمم وجبت إعادة الصلاة مطلقا لنقص البدل والمبدل جيمعا، وإن كان في غير أعضاء التيمم فإن أخذ من الصحيح زيادة على قدر الاستمساك وجبت الإعادة، سواء وضعه على حدث أو وضعه على طهر. وكذا تجب إن أخذ من الصحيح بقدر الاستمساك ووضعه على حدث، وإن لم يأخذ من الصحيح شيئا لم تجب الإعادة، سواء وضعه على حدث أو على طهر. وكذا لا تجب ان أخذ من الصحيح بقدر الاستمساك ووضعه على طهر. وقد نظم بعضهم ذلك فقال: ولا تعدو الستر قدر العلة أو قدر الاستمساك في الطهارة وإن يزد عن قدرها فأعدو مطلقا وهو بوجه أو يد (قوله: ولا ترتيب بينهما لجنب) أي بين التيمم وغسل الصحيح، وذلك لأن بدنه كالعضو الواحد. ومثل الجنب الحائض والنفساء، فالجنب في كلامه إنما هو مثال لا قيد، أي فله أن يتيمم أولا عن العليل ثم يغسل الصحيح، وله أن يغسل أولا الصحيح من بدنه ثم يتيمم عن العليل، لكن الأولى تقديم التيمم ليزيل الماء أثر التراب. وخرج بالجنب

(ونواقضه) أي أسباب نواقض الوضوء أربعة: أحدها: (تيقن خروج شئ) غير منيه، عينا كان أو ريحا، رطبا أو جافا، معتادا كبول أو نادرا كدم باسور أو غيره، انفصل أو لا - كدودة أخرجت رأسها ثم رجعت - (من أحد ـــــــــــــــــــــــــــــ المحدث حدثا أصغر فلا يتيمم إلا وقت غسل العليل لاشتراط الترتيب في طهارته، فلا ينتقل عن عضو حتى يكمله غسلا وتيمما عملا بقضية الترتيب. فإذا كانت العلة في اليد فالواجب تقديم التيمم على مسح الرأس وتأخيره عن غسل الوجه. ولا ترتيب بين التيمم عن عليله وغسل صحيحه، فله أن يتيمم أولا عن العليل ثم يغسل الصحيح من ذلك العضو، وهو الأولى، ليزيل الماء أثر التراب كما تقدم. وله أن يغسل صحيح ذلك العضو أولا ثم يتيمم عن عليله. (قوله: أو عضوين) معطوف على قوله في عضو. أي أو امتنع استعماله في عضوين. وقوله: فتيممان أي يجبان عليه. ومثل ذلك ما إذا امتنع استعماله في ثلاثة أعضاء فإنه يجب عليه ثلاثة تيممات، هكذا. والحاصل أن التيمم يتعدد بعدد الأعضاء إن وجب فيها الترتيب ولم تعمها الجراحة، فإن امتنع استعمال الماء في عضوين وجب تيممان، أو ثلاثة فثلاث، أو في أربعة وعمت الجراحة الرأس فأربع. فإن بقي من الرأس جزء سليم وجب مسحه مع ثلاثة تيممات. فإن وجدت الجراحة في الأعضاء التي لا ترتيب فيها كاليدين والرجلين لم يجب تعدده، بل يندب فقط. وإن عمت الجراحة جميع الأعضاء أجزأ عنها تيمم واحد. واعلم أن هذا في المحدث، وأما نحو الجنب فيكفيه تيمم واحد ولو وجدت الجراحة في جميع الأعضاء. (قوله: ولا يصلي به) أي بالتيمم. وقوله: إلا فرضا واحدا أي إذا نوى استباحة الفرض، وأما إذا نوى استباحة النفل فلا يصلي غيره. والحاصل المراتب ثلاث: المرتبة الأولى: فرض الصلاة ولو منذورة، وفرض الطواف كذلك، وخطبة الجمعة لأنها منزلة منزلة ركعتين فهي كصلاتها عند الرملي. المرتبة الثانية: نفل الصلاة، ونفل الطواف، وصلاة الجنازة لأنها وإن كانت فرض كفاية فالأصح أنها كالنفل: المرتبة الثالثة: ما عدا ذلك، كسجدة التلاوة والشكر وقراءة القرآن ومس المصحف وتمكين الحليل. فإذا نوى واحد من المرتبة الأولى استباح واحدا منها، ولو غير ما نواه استباح معه جميع الثانية والثالثة. وإذا نوى واحدا من الثانية استباح جميعها وجميع الثالثة دون شئ من الأولى. وإذا نوى شيئا من الثالثة استباحها كلها وامتنعت عليه الأولى والثانية. (قوله: ونواقضه. إلخ) أخر المصنف النواقض عن الوضوء نظرا إلى أن الوضوء يوجد أولا ثم تطرأ عليه. وبعض الفقهاء قدمها عليها نظرا إلى أن الإنسان يولد محدثا، أي في حكم المحدث، بمعنى أنه يولد غير متطهر. واعترض التعبير بالنواقص بأن النقض إزالة الشئ من أصله. تقول: نقضت الجدار، إذا أزلته من أصله. فيقتضي التعبير بالنواقض أنها تزيل الوضوء من أصله فيلزم بطلان الصلاة الواقعة به. وأجيب بأن المراد بها الأسباب التي ينتهي بها الطهر، وهي الأحداث. فتفسير الشارح لها بالأسباب إشارة لدفع هذا الاعتراض، لكن يعكر عليه إضافة الأسباب لها فإنها تقتضي المغايرة، إلا أن تجعل الإضافة بيانية. ولو قال: أي الأسباب التي يبطل بها الوضوء لكان أولى. (قوله: أربعة) أي فقط. وهي ثابتة بالأدلة. وعلة النقض بها غير معقولة فلا يقاس عليها غيرها. (قوله: أحدها) أي الأربعة. (قوله: خروج شئ) خرج الدخول فلا ينقض. ولو رأى على ذكره بللا لم ينتقض وضوءه إن احتمل طروه من خارج، فإن لم يحتمل ذلك انتقض. كما لو خرجت منه رطوبة وشك أنها من الظاهر أو الباطن فإنها لا تنقض، كما نص عليه ابن حجر في شرح الإرشاد الكبير. (قوله: غير منيه) أي مني الشخص نفسه وحده الخارج أول مرة، أما هو فلا ينقض، كأن احتلم متوضئ وهو ممكن مقعدته لأنه أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل. أما لو خرج منه مني غيره. ولو مع منيه. أو مني نفسه وحده ثانيا، بأن أدخله في قصبة ذكر ثم خرج منه، فينتقض وضوءه. (قوله: عينا كان الخ) تعميم في الشئ الخارج. وبقي عليه تعميمات أخر، وهي: سواء خرج طوعا أو كرها، عمدا أو سهوا. (قوله: معتادا) المراد به ما يكثر وقوعه بأن يخرج على العادة. والنادر بخلافه، وهو ما لا يكثر وقوعه بأن يخرج على خلاف العادة. (قوله: كدم باسور) أي داخل الدبر، فلو خرج الباسور ثم توضأ ثم خرج منه دم فلا نقض. وكذا لو خرج من الباسور النابت خارج الدبر. وقوله: أو غيره أي غير دم الباسور. كمقعدة المزحور إذا خرجت، فلو توضأ حال

سبيلي) المتوضئ (الحي) دبرا كان أو قبلا. (ولو) كان الخارج (باسورا) نابتا داخل الدبر فخرج أو زاد خروجه. لكن أفتى العلامة الكمال الرداد بعدم النقض بخروج الباسور نفسه بل بالخارج منه كالدم. وعن مالك: لا ينتقض الوضوء بالنادر. (و) ثانيها: (زوال عقل) أي تمييز، بسكر أو جنون أو إغماء أو نوم، للخبر ـــــــــــــــــــــــــــــ خروجها ثم أدخلها لم ينتقض، وإن اتكأ عليها بقطنة حتى دخلت، ولو انفصل على تلك القطنة شئ منها لخروجه حال خروجها. اه تحفة. (قوله: انفصل) أي ذلك الخارج كله من أحد السبيلين. وقوله: أو لا أي أو لم يفصل كله، بأن انفصل بعضه وبقي بعضه، فإنه ينقض. ومحله في غير ولد ظهر بعضه واستتر بعضه فإنه لا يحكم بالنقض به لاحتمال أن يخرج جميع الولد فيجب الغسل. (قوله: كدودة أخرجت رأسها) تمثيل لقوله أو لا: ومثلها باسور خرج من الدبر أو زاد خروجه كما سيذكره. (قوله: ثم رجعت) عبارة فتح الجواد: وإن رجعت. اه. وهي تفيد أن الرجوع ليس بقيد. (قوله: من أحد الخ) متعلق بخروج. وقوله: سبيلي المتوضئ هما القبل والدبر. وسميا بذلك لأن كلا منهما سبيل، أي طريق لخروج الخارج منه. ولو أبدل المتوضئ بالشخص لكان أولى ليشمل الحدث الذي لا يكون عقب وضوء، كالمولود فإنه يقال له محدث من حين الولادة مع أنه لم يسبق منه طهر. ولعله قيد بذلك نظرا للناقض بالفعل. وقوله: الحي خرج به الميت، فلا تنتقض طهارته بخروج شئ منه، وإنما تجب إزالة النجاسة عنه فقط. وكان عليه أن يزيد في كلامه الواضح ليخرج الخنثى المشكل، فإنه إن خرج من فرجيه جميعا نقض لتحقق الخروج من الأصلي، وإلا فلا. (قوله دبرا كان) أي ذلك الأحد الذي خرج منه الخارج. وقوله: أو قبلا معطوف على دبرا، ولا فرق بين أن يتعدد كل منهما، كأن وجد له دبران أصليان، أو أحدهما أصلي والآخر زائد، واشتبه أو تميز وسامت أو لم يتعدد. (قوله: ولو كان، الخ) غاية في النقض بخروج ما ذكر. (قوله: نابتا داخل الدبر) تصريح بما علم من قوله الخارج، أي من الدبر، فإنه يفهم أنه كان داخلا ثم خرج. (قوله: فخرج) أي كله. وقوله: أو زاد خروجه أي بأن خرج منه قبل الوضوء شئ ثم بعده زاد خروجه، فإنه ينقض الوضوء (قوله: لكن أفتى، الخ) استدراك على الغاية. (قوله: بل بالخارج منه) أي بل أفتى بالنقض بالشئ الذي خرج من الباسور. وقوله: كالدم تمثيل للخارج منه. (قوله: بالنادر) أي بالخارج، إذا كان خروجه على سبيل الندور. (قوله: وثانيها) أي ثاني نواقض الوضوء. (قوله: زوال عقل) هو صفة يميز بها بين الحسن والقبيح. وقيل: غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات. ومحله القلب، وله شعاع متصل بالدماغ. وهو أفضل من العلم لأنه منبعه وأسه، والعلم يجري منه مجرى النور من الشمس والرؤية من العين. وقيل: العلم أفضل منه لاستلزامه له، ولأن الله يوصف بالعلم لا بالعقل. ولذلك قال بعض الأكابر حاكيا لذلك عن لسان حالهما. علم العليم وعقل العاقل اختلفا من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا فالعلم قال: أنا أحرزت غايته والعقل قال: أنا الرحمن بي عرفا فأفصح العلم إفصاحا وقال له بأينا الله في فرقانه اتصفا فبان للعقل أن العلم سيده فقبل العقل رأس العلم وانصرفا وقوله: أي تمييزا إنما فسره به لأنه هو الذي يزيله السكر والمرض، والإغماء بخلافه. بمعنى الصفة الغريزية فإنه لا يزيله ذلك، وإنما يزيله الجنون فقط. (قوله: بسكر) متعلق بزوال، وهو خبل في العقل مع طرب واختلال نطق. وقوله: أو جنون هو مرض يزيل الشعور من القلب مع بقاء الحركة والقوة في الأعضاء. وقوله: أو إغماء هو مرض يزيل الشعور مع فتور الأعضاء ومنه ما يقع في الحمام، وإن قل فينقض الوضوء، فليتنبه له فإنه يغفل عنه كثير من الناس. وقوله: أو نوم هو استرخاء أعصاب الدماغ بسبب رطوبة الأبخرة الصاعدة من المعدة. وقال الغزالي: الجنون يزيل العقل، والإغماء يغمره، والنوم يستره. واستثنى من النوم نوم الأنبياء فلا نقض به، وكذا بإغمائهم، وهو جائز عليهم لأنه مرض، لكنه ليس كالإغماء الذي يحصل لآحاد الناس، وإنما هو من غلبة الأوجاع للحواس الظاهرة فقط دون القلب، لأنه إذا حفظت قلوبهم من النوم الذي هو أخف من الإغماء، كما ورد في حديث: تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا فمن الإغماء

الصحيح: فمن نام فليتوضأ. وخرج بزوال العقل النعاس وأوائل نشوة السكر، فلا نقض بهما، كما إذا شك هل نام أو نعس؟ ومن علامة النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه، (لا) زواله (بنوم) قاعد (ممكن مقعده) أي ألييه من مقره، وإن استند لما لو زال سقط أو احتبى، وليس بين مقعده ومقره تجاف. وينتقض وضوء ممكن انتبه بعد زوال أليته عن مقره، لا وضوء شاك هل كان ممكنا أو لا؟ أو هل زالت أليته قبل اليقظة أو بعدها؟ .. وتيقن الرؤيا مع عدم تذكر نوم لا أثر له بخلافه مع الشك فيه لانها مرجحة لاحد طرفيه. (و) ثالثها: ـــــــــــــــــــــــــــــ أولى لشدة منافاته للتعلق بالرب سبحانه وتعالى. وأما الجنون فلا يجوز عليهم لأنه نقص. (قوله: للخبر الصحيح) هو دليل للانتقاض بزوال العقل بالنوم، وأما غيره من السكر والجنون والإغماء فيقاس عليه قياسا أولويا. (قوله: فمن نام فليتوضأ) أول الحديث: العينان وكاء السه فمن نام ... الخ. قال في شرح المنهج: وغير النوم مما ذكر أبلغ منه في الذي هو مظنة لخروج شئ من الدبر. كما أشعر بها - أي بالمظنة - الخبر، إذ السه الدبر، ووكاؤه حفاظه عن أن يخرج منه شئ لا يشعر به، والعينان كناية عن اليقظة. اه. وقوله: والعينان الخ معناه أن اليقظة للدبر كالوكاء للوعاء يحفظ ما فيه. (قوله: وخرج بزوال العقل النعاس) هو ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ فتغطي العين ولا تصل إلى القلب، فإن وصلت إليه كان نوما. (قوله: وأوائل نشوة السكر) أي أوائل مقدمات السكر. وهي بالواو على الأفصح. بخلاف نشأة الصبا فإنها بالهمزة لا غير. (قوله: فلا نقض بهما) أي بالنعاس وأوائل نشوة السكر، وذلك لبقاء نوع من التمييز معهما. (قوله: كما إذا شك الخ) أي فإنه لا نقض به. وقوله: أو نعس قال في شرح الروض: بفتح العين. (قوله: وإن لم يفهمه) الواو للحال، وأن زائدة. أي: والحال أنه لم يفهمه. ولو جعلت للغاية لأفادت أنه لا فرق بين أن يفهمه أم لا، ولا يصح ذلك لأنه إذا فهمه يكون يقظان لا غير. (قوله: لا زواله بنوم الخ) أي لا يكون زوال العقل بنوم من ذكر ناقضا للوضوء لأمن خروج شئ حينئذ من دبره. ولا عبرة بإحتمال خروج ريح من قبله لأنه نادر، ولقول أنس رضي الله عنه: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤن. رواه مسلم. وفي رواية لأبي دواد: ينامون حتى تخفق رؤوسهم الأرض. وحمل على نوم الممكن جمعا بين الأخبار. (قوله: قاعد) قال سم: التقييد بالقاعدة الذي زاده. قد يرد عليه أن القائم قد يكون ممكنا، كما لو انتصب وفرج بين رجليه. وألصق المخرج بشئ مرتفع إلى حد المخرج، ولا يتجه إلا أن هذا تمكن مانع من النقض فينبغي الإطلاق، ولعل التقييد بالنظر للغالب. اه ع ش. (قوله: ممكن) أي ولو احتمالا. وخرج به ما لو نام قاعدا غير متمكن، أو نام قائما، أو نام على قفاه، ولو متمكنا بأن ألصق مقعد بمقره. (قوله: أي ألييه) بفتح الهمزة تثنية ألية، وحذفت التاء في التثنية، وهو تفسير للمقعد. (قوله: من مقره) متعلق بممكن. والمراد به ما يشمل الأرض وغيرها. (قوله: وإن استند) أي الممكن. وهو غاية لعدم الانتقاض بزوال العقل بنوم من ذكر. وقوله: لما لو زال سقط أي لشئ، كعمود، لو زال ذلك الشئ لسقط ذلك المستند إليه. (قوله: أو احتبى) عطف على استند، فهو غاية ثانية. والاحتباء ضم ظهره وساقيه بعمامة أو غيرها. (قوله: وليس، الخ) مرتبط بالمتن. أي: ولا ينقض الوضوء زوال العقل بنوم الممكن بشرط أن لا يكون بين مقعده ومقره تجاف - أي تباعد - فإن كان بينهما ذلك انتقض وضوءه ما لم يخش بقطنة. (قوله: انتبه بعد زوال أليته) أي يقينا، بدليل ما بعد. (قوله: لا وضوء شاك، الخ) أي لا ينتقض وضوء شخص شك هل كان عند النوم ممكنا مقعدته أم لا؟ أو شك هل زالت أليته من مقرها قبل أن يستيقظ من نومه أم بعده؟. (قوله: وتيقن الرؤيا) مبتدأ خبره لا أثر له. وكتب سم على قول التحفة وتيقن الرؤيا الخ، ما نصه: هو صريح في أنه يتصور تيقن الرؤيا من غير تذكر نوم ولا شك فيه، وهو محل وقفة قوية، وكيف يتيقن الرؤيا التي هي من آثار النوم ولا يشك فيه؟ فإن قيل: لأنه يحتمل أنها ليست رؤيا بل حديث نفس مثلا. قلنا: فلم يوجد تيقن الرؤيا مع أن الفرض تيقنها؟ وقد يقال: المتجه أنه إن تيقن رؤيا لا تكون إلا مع النوم وجب الانتقاض بها. وإن لم يتيقنها، كأن وجد ما يحتمل أنها رؤيا النوم التي لا توجد إلا معه، وأنها غير ذلك. فلا نقض للشك، والكلام كله حيث لا تمكين، وإلا فلا نقض مطلقا. (قوله: بخلافه مع الشك فيه) أي بخلاف تيقن الرؤيا مع الشك في النوم فإنه يؤثر، وذلك لأن الرؤيا من علامات

(مس فرج آدمي) أو محل قطعه، ولو لميت أو صغير، قبلا كان الفرج أو دبر امتصلا أو مقطوعا، إلا ما قطع في الختان. والناقض من الدبر ملتقى المنفذ، ومن قبل المرأة ملتقى شفريها على المنفذ لا ما وراءهما كمحل ختانها. نعم، يندب الوضوء من مس نحو العانة، وباطن الالية، والانثيين، وشعر نبت فوق ذكر، وأصل فخذ، ـــــــــــــــــــــــــــــ النوم فهي مرجحة لأحد طرفي الشك وهو النوم. (قوله: وثالثها) أي وثالث نواقض الوضوء. (قوله: مس فرج إلخ) الإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل. أي أن يمس الشخص فرج إلخ. ولا فرق فيه بين أن يكون عمدا أو سهوا. ومثل المس الانمساس، كأن وضع شخص ذكره في كف شخص آخر. وقوله: آدمي أي واضح، سواء كان الماس مشكلا أم لا. فإن كان الممسوس غير واضح وكان الماس واضحا، فإن كان ذكرا ومس منه مثل ما له فينتقض وضوءه، لأنه إن كان ذكرا فقد مس ذكره، وإن كان أنثى فقد لمسها. وكذلك إذا كان أنثى ومست منه مثل ما لها فينتقض وضوءها، لأنه إن كان المشكل أنثى فقد مست فرجه، وإن كان ذكرا فقد لمسته. بخلاف ما إذا مسا منه غير ما لهما فلا نقض، لاحتمال أن يكون عضوا زائدا. وإن كان الماس مشكلا والممسوس كذلك فلا نقض إلا بمس الفرجين معا، كما إذا مس فرجي نفسه. وقد صرح بذلك كله في الروض وشرحه، ونصهما: وإن مس مشكل فرجي مشكل أو فرجي مشكلين، أي آلة الرجال من أحدهما وآلة النساء من الآخر، أو فرجي نفسه، انتقض وضوءه لا بمس أحدهما فقط لاحتمال زيادته. وإن مس رجل ذكر خنثى، أو مست امرأة فرجه، لا عكسه، انتقض الماس، أي وضوءه. لأنه إن كان مثله فقد انتقض وضوءه بالمس وإلا فباللمس. بخلاف عكسه بأن مس الرجل فرج الخنثى والمرأة ذكره، لاحتمال زيادته. ولو مس أحد مشكلين ذكر صاحبه والآخر فرجه أو فرج نفسه انتقض واحد منهما لا بعينه، ولكل أن يصلي. وفائدة الانتقاض لأحدهما لا بعينه أنه إذا اقتدت به امرأة في صلاة لا تقتدي بالآخر. اه بحذف. (قوله: أو محل قطعه) أي أو مس محل قطع الفرج، والمراد به ما باشرته السكين بالقطع، وهو شامل لفرج المرأة والدبر. وخصه بعضهم بالذكر، وقال: لا ينقض محل فرج المرأة ومحل الدبر. (قوله: ولو لميت أو صغير) أي ينقض مس الفرج ولو كان الفرج لميت أو صغير. والصغير شامل للجنين والسقط حيث تحقق كون الممسوس فرجا. (قوله: قبلا كان الفرج إلخ) أي وسواء كان من نفسه أم لا، أصليا كان أو زائدا، اشتبه به أو كان عاملا أو على سمت الأصلي. وتعرف أصالة الذكر بالبول به، فإن بال بهما على السواء فهما أصليان. وقوله: متصلا أي بمحله. وقوله: أو مقطوعا محله حيث يسمى فرجا، فلو لم يسم بذلك كأن قطع الذكر ودق حتى خرج عن كونه يسمى ذكرا فإنه لا ينقض، كما صرح به في النهاية. (قوله: إلا ما قطع في الختان) أي كالقلفة وبظر المرأة، فلا ينقض. (قوله: والناقض من الدبر ملتقى المنفذ) أي وهو حلقة الدبر الكائنة على المنفذ كفم الكيس، لا ما فوقه ولا ما تحته. (قوله: ومن قبل المرأة ملتقى شفريها) بضم الشين، وهما طرفا الفرج. وقوله: على المنفذ أي المحيطين به إحاطة الشفتين بالفم، دون ما عدا ذلك. فلا نقض بمس موضع ختانها من حيث أنه مس، لأن الناقض من ملتقى الشفرين ما كان على المنفذ خاصة لا جميع ملتقى الشفرين، وموضع الختان مرتفع عن محاذاة المنفذ. وخالف الجمال الرملى في ذلك، وذكر ما يفيد أن جميع ملتقى شفريها ناقض لا ما هو على المنفذ فقط. اه كردي بتصرف. (قوله: لا ما وراءهما) أي لا ما عداهما، أي ما عدا ملتقى المنفذ من الدبر كباطن الأليتين وما عدا ملتقى المنفذ من الفرج كمحل الختان. وعود الضمير على ما ذكر أولى، وإن كان ظاهر عبارته - بدليل المثال - رجوعه للشفرين فقط. (قوله: نعم، يندب إلخ) استدراك صوري على قوله لا ما وراءهما. بين به أنه وان لم ينتقض الوضوء بمس ما وراءهما - الشامل للعانة ونحوها مما ذكره - يسن الوضوء له. إلا أن قوله بعد: ولمس صغيرة

ولمس صغيرة وأمرد وأبرص ويهودي، ومن نحو فصد، ونظر بشهوة ولو إلى محرم، وتلفظ بمعصية، وغضب، ـــــــــــــــــــــــــــــ الخ، لا يظهر الاستدراك بالنسبة إليه. وعبارة فتح الجواد بعد قوله: لا ما وراءهما: نعم، يسن الوضوء من مس نحو العانة وباطن الألية. اه. والاستدراك فيها ظاهر. واعلم أن الأمور التي يستحب الوضوء لها كثيرة تبلغ ثمانية وسبعين. وعد الشارح بعضها. قال العلامة الكردي: وقفت على منظومة للعراقي فيما سن له الوضوء، وهي: ويندب للمرء الوضوء فخذ لدي * * مواضع تأتي وهي ذات تعدد قراءة قرآن سماع رواية * * ودرس لعلم والدخول لمسجد وذكر وسعي مع وقوف معرف * * زيارة خير العالمين محمد وبعضهم عد القبور جميعها * * وخطبة غير الجمعة اضمم لما بدي ونوم وتأذين وغسل جنابة * * إقامة أيضا والعبادة فاعدد وإن جنبا يختار أكلا ونومه * * وشربا وعودا للجماع المجدد ومن بعد فصد أو حجامة حاجم * * وقئ وحمل الميت واللمس باليد له أو لخنثى أو لمس لفرجه * * ومس ولمس فيه خلف كأمرد وأكل جزور غيبة ونميمة * * وفحش وقذف قول زور مجرد وقهقهة تأتي المصلي وقصنا * * لشاربنا والكذب والغضب الردي وإنما استحب الوضوء لهذه الأمور للخروج من الخلاف في معظمها، ولتكفير الخطايا في نحو الغيبة من كل كلام قبيح، ولإطفاء الغضب فيه. وينوي في جميع ذلك رفع الحدث أو فرض الوضوء، أو غيرهما من النيات المعتبرة في الوضوء كما مر. ولا يصح بنية السبب، كنويت الوضوء لقراءة القرآن، كما تقدم. وإدامة الوضوء سنة، ولها فوائد، منها: سعة الرزق، ومحبة الحفظة، والتحصن، والحفظ من المعاصي. (قوله: من مس نحو العانة) هي محل الشعر. والشعر يقال له: شعرة، كذا قيل. وسيأتي عن الرحماني في الأغسال المسنونة أن العانة اسم للشعر الذي فوق الذكر وحول قبل الأنثى، وهو المشهور الموافق لما في عبارات الفقهاء من حلق العانة ومن نبات العانة. اه بجيرمي. ولعل المراد بنحو العانة الشعر النابت فوق الدبر. (قوله: وباطن الألية) بفتح الهمزة، المراد به ما انطبق عند القيام مما يلي حلقه الدبر. (قوله: والأنثيين) نقل عن بعض المالكية أنه ينقض مسهما، وعليه فالوضوء للخروج من الخلاف. (قوله: وشعر نبت فوق ذكر) لا حاجة إليه على تفسير العانة بما مر عن الرحماني. (قوله: وأصل فخذ) أي مبدأ فخذ، فهو من الفخذ. وإنما سن الوضوء للخروج من الخلاف، كما في التحفة، ونصها: وخبر: من مس ذكره أو رفغيه - أي بضم الراء وبالفاء والمعجمة: أصل فخذيه - فليتوضأ موضوع، وإنما هو من قول عروة. وحينئذ يسن الوضوء من ذلك خروجا من الخلاف. اه. (قوله: ولمس صغيرة) أي لا تشتهي عرفا. أما التي تشتهي فيجب الوضوء بلمسها بلا خلاف. (قوله: وأمرد) أي ولمس أمرد. أطلقه - كالتحفة - ولم يقيده بكونه حسنا، وقيده في الإيعاب وشرحي الإرشاد بذلك. وكذلك النووي في التحقيق وزوائد الروضة. ويفهم مما ذكرته في الأصل أن الحسن يسن الوضوء من لمسه مطلقا، وغيره يسن إن كان بشهوة. اه كردي. (قوله: وغضب) أي يندب عند غضب. ولو لله، ولو كان متوضئا، وهو ثوران دم القلب عند إرادة الانتقام، وسببه هجوم ما تكرهه النفس ممن دونها، بخلاف الحزن، فإنه ثورانه عند هجوم ما تكرهه ممن فوقها. والأول يتحرك من داخل الجسد إلى خارجه، بخلاف الثاني، ولذا يقتل دون الأول. وإنما يسن الوضوء عنده لقوله عليه الصلاة والسلام: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، وإنما تطفأ النار بالماء. فإن غضب أحدكم فليتوضأ. وهذه حكمة أصل المشروعية، وهي لا تطرد فلا

وحمل ميت ومسه، وقص ظفر وشارب، وحلق رأسه. وخرج بآدمي فرج البهيمة إذ لا يشتهى، ومن ثم جاز النظر إليه. (ببطن كف) لقوله (ص): من مس فرجه، وفي رواية: من مس ذكرا فليتوضأ. وبطن الكف هو بطن الراحتين وبطن الاصابع والمنحرف إليهما عند انطباقهما، مع يسير تحامل دون رؤوس الاصابع وما بينها وحرف الكف. (و) رابعها: (تلاقي بشرتي ذكر وأنثى) ولو بلا شهوة، وإن كان أحدهما مكرها أو ميتا، لكن ـــــــــــــــــــــــــــــ يضر تخلفها فيما إذا كان الغضب له تعالى. أفاده ش ق. (قوله: وحمل ميت) أي ويسن الوضوء من حمله، لخبر: من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ. رواه الترمذي وحسنه. وظاهر أن الوضوء يسن بعد حمله فقط، وليس كذلك بل يسن أيضا قبل الحمل ليكون على طهارة. وأول بعضهم الحديث بقوله: ومن حمله، أي أراد حمله أو فرغ منه. (قوله: ومسه) أي الميت. (قوله: وخرج بآدمي) على حذف مضاف، أي فرج آدمي. وقوله: فرج البهيمة أي فقط، وأما فرج الجني فينقض مسه إذا تحقق مس فرجه، سواء قلنا لا تحل مناكحتهم أم لا، لحرمته بوجوب الستر عليه وتحريم النظر إليه كالآدمي. (قوله: إذ لا يشتهى) أي ليس من شأنه أن يشتهى. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أنه لا يشتهى جاز النظر إليه، أي إلى فرج البهيمة. ومحله إن لم ينظر إليه بشهوة وإلا حرم كما هو ظاهر. (قوله: ببطن كف) متعلق بمس، وإنما سميت كفا لأنها تكف الأذى عن البدن. ولو خلق بلا كف لم يقدر قدرها من الذراع، ولا ينافيه ما ذكروه في الوضوء من أنه لو خلق بلا مرفق أو كعب قدر، لأن التقدير ثم ضروري بخلافه هنا، لأن المدار على ما هو مظنة الشهوة، وعند عدم الكف لا مظنة، فلا حاجة إلى التقدير. كما في ع ش. (قوله: لقوله - صلى الله عليه وسلم - الخ) أي ولقوله عليه الصلاة والسلام: إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ. والإفضاء بها لغة: المس ببطن الكف. ومس الفرج من غيره أفحش من مسه من نفسه لهتكه حرمة غيره، ولهذا لا يتعدى النقض إليه. (قوله: هو بطن الراحتين) سميت بذلك لأن الشخص يرتاح عند الإتكاء عليها. (قوله: وبطن الأصابع) في الفتاوى الفقهية للعلامة ابن حجر: سئل عمن انقلبت بواطن أصابعه إلى ظهر الكف فهل العبرة بما سامت بطن الكف أو بالباطن وإن سامت ظهر اليد؟ فأجاب بقوله: بحث بعضهم أنه لا ينقض باطنها لأنه ظهر الكف، ولا ظاهرها لأن العبرة بالباطن. وقال الشوبري: ينقض الباطن، نظرا لأصله. اه بجيرمي. (قوله: والمنحرف إليهما) أي إلى بطن الكف وبطن الأصابع. (قوله: عند انطباقهما) أي وضع بطن إحدى الكفين على بطن الأخرى. وصورة الوضع في الإبهامين أن يضع باطن إحداهما على باطن الأخرى مع قلبهما. (قوله: مع يسير تحامل) قيد به ليكثر الجزء الناقض من جهة رأس الأصابع ويقل غيره. ومحله في غير الإبهامين، أما هما فلا بد من التحامل الكثير، أو قلبهما بالصورة السابقة، ليقل الجزء غير الناقض فيهما ويكثر الناقض. (قوله: دون رؤوس الأصابع) أي فلا نقض بها. فلو هرش ذكره بها فلا نقض لخروجها عن سمت الكف. (قوله: وما بينها) أي ودون الذي بين الأصابع. وهو ما يستتر عند انضمام بعضها إلى بعض، لا خصوص النقر. (قوله: وحرف الكف) أي ودون حرف الكف، وهو ما لا يستتر عند انطباق ما تقدم، وهو شامل لحرف الراحة وحروف الأصابع. (قوله: ورابعها) أي رابع نواقض الوضوء. (قوله: تلاقي بشرتي إلخ) ذكر للتلاقي الناقض أربعة قيود لا بد منها: تلاقي البشرة، وكونه بين ذكر وأنثى، وكونه مع الكبر، وعدم المحرمية بينهما. وخرج بالأول الشعر والسن والظفر. وأما إذا كان حائل على البشرة كثوب ولو رقيقا. وخرج بالثاني ما إذا لم يكن بين ذكر وأنثى، كأن يكون التلاقي بين رجلين، أو امرأتين، أو خنثيين، أو خنثى ورجل، أو خنثى وامرأة. وخرج بالثالث ما إذا لم يوجد كبر في أحدهما، بأن لم يبلغ حد الشهوة. وخرج بالرابع ما إذا كان هناك محرمية، ولو احتمالا. فلا نقض في جميع ما ذكر. وقوله: ذكر أي واضح مشتهى طبعا يقينا لذوات الطباع السليمة، ولو صبيا وممسوحا. وقوله: وأنثى أي واضحة مشتهاة طبعا يقينا لذوي الطباع السليمة، أي ولو كانت صغيرة أيضا. (قوله: ولو بلا شهوة) أي ولو كان التلاقي بلا شهوة. أي ولو سهوا فإنه ينقض. (قوله: وإن كان أحدهما مكرها) أي أو خصيا أو ممسوحا، أو كان التلاقي بعضو أشل. (قوله: أو ميتا) قال في التحفة: قال

لا ينقض وضوء الميت. والمراد بالبشرة هنا غير الشعر والسن والظفر - قاله شيخنا - وغير باطن العين، وذلك لقوله تعالى: * (أو لامستم النساء) * أي لمستم. ولو شك هل ما لمسه شعر أو بشرة، لم ينتقض، كما لو وقعت يده على بشرة لا يعلم أهي بشرة رجل أو امرأة، أو شك: هل لمس محرما أو أجنبية؟ وقال شيخنا في شرح العباب: ولو أخبره عدل بلمسها له، أو بنحو خروج ريح منه في حال نومه ممكنا، وجب عليه الاخذ بقوله. (بكبر) فيهما، فلا نقض بتلاقيهما مع صغر فيهما، أو في أحدهما، لانتفاء مظنة الشهوة. والمراد بذي الصغر: من لا يشتهى عرفا غالبا. (لا) تلاقي بشرتيهما) (مع محرمية) بينهما، بنسب أو رضاع أو مصاهرة، لانتفاء مظنة الشهوة. ولو اشتبهت محرمه بأجنبيات محصورات فلمس واحدة منهن لم ينتقض، وكذا بغير محصورات على ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم: أو جنيا. وإنما يتجه إن جوزنا نكاحهم. اه. (قوله، لكن لا ينقض الخ) أفاد به أن النقض خاص بالحي اللامس. (قوله: والمراد بالبشرة الخ) عبارة التحفة: والبشرة ظاهر الجلد. وألحق بها نحو لحم الأسنان واللسان، وهو متجه، خلافا لابن عجيل. أي لا باطن العين - فيما يظهر - لأنه ليس مظنة للذة اللمس، بخلاف ما ذكر فإنه مظنة لذلك، ألا ترى أن نحو لسان الحليلة يلتذ بمصه وبمسه، كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - في لسان عائشة رضي الله عنها، ولا كذلك باطن العين. وبه يرد قول جمع بنقضه. اه. (قوله: قال شيخنا: وغير باطن العين) خالف في ذلك الجمال الرملي، فجعله ملحقا بالبشرة فينقض لمسه. قال الشرقاوي: وكذا باطن الأنف. اه. (قوله: وذلك) أي كون تلاقي بشرتي من ذكر ناقضا. (قوله، لقوله تعالى الخ) أي ولأنه مظنة التلذذ المثير للشهوة التي لا تليق بالمتطهر. (قوله: أي لمستم) كما قرئ به، لا جامعتم، كما قال به الإمام أبو حنيفة، لأنه خلاف الظاهر. واللمس معناه الجس باليد وبغيرها. واعلم أن اللمس يخالف المس في أمور، منها: أن اللمس لا يكون إلا بين شخصين، والمس لا يشترط فيه ذلك. ومنها: أن اللمس شرطه اختلاف النوع، والمس لا يشترط فيه ذلك. ومنها: أن اللمس يكون بأي موضع من البشرة، بباطن الكف ومنها أن اللمس يكون في أي موضع من البشرة والمس لا يكون إلا في الفرج خاصة ومنها: أنه في اللمس ينتقض وضوء اللامس والملموس، وفي المس يختص بالماس من حيث المس. (قوله: ولو شك الخ) أفاد به اشتراط تيقن التقاء البشرتين. (قوله: كما لو وقعت يده الخ) أي فإنه لا ينتقض وضوءه بذلك. (قوله: أو شك هل لمس إلخ) الأولى ذكره بعد قوله: لا مع محرمية، إلخ. (قوله: وقال شيخنا في شرح العباب الخ) قال ع ش: والمعتمد خلافه، فلا نقض بإخبار العدل بشئ مما ذكر. اه. أي لأن خبر العدل يفيد الظن، ولا يرتفع يقين طهر وحدث بظن ضده، كما سيأتي. اه بجيرمي. (قوله: بكبر فيهما) أي مع كبر. فالباء بمعنى مع، ويجوز أن تكون للملابسة أي حال كون التلاقي ملتبسا بكبر، والمراد بالكبر بلوغهما حد الشهوة، وإن انتفت لهرم أو نحوه، اكتفاء بمظنتها. ولا بد وأن يكون يقينا، فلو شك هل هي كبيرة أو صغيرة فلا نقض. (قوله: لاكتفاء مظنة الشهوة) أي لانتفاء المحل الذي يظن فيه وجود الشهوة. قال في القاموس: مظنة الشئ بكسر الظاء: موضع يظن فيه وجود الشئ. اه. وضابط الشهوة انتشار الذكر في الرجل وميل القلب في المرأة. (قوله: والمراد بذي الصغر الخ) يعلم منه بيان ذي الكبر وقد عرفته. وقوله: من لا يشتهي عرفا أي عند أرباب الطباع السليمة، ولا يتقيد بسبع سنين لاختلاف ذلك باختلاف الصغار. وقوله، غالبا أي من لا يشتهى في الغالب عند ذوي الطباع السليمة. (قوله: مع محرمية بينهما بنسب إلخ) خرج بذلك المحرمية الحاصلة بلعان أو وطئ شبهة، كأم الموطوءة بشبهة وبنتها. أو اختلاف دين كمجوسية، فإن الوضوء ينتقض مع وجودها. قوله: أو مصاهرة أي توجب التحريم على التأبيد كأم الزوجة، بخلاف ما إذا كانت توجب التحريم لا على التأبيد كأخت زوجته، فإن الوضوء ينتقض بلمسها. (قوله: بأجنبيات محصورات) في حاشية

الاوجه. (ولا يرتفع يقين وضوء أو حدث بظن ضده) ولا بالشك فيه المفهوم بالاولى فيأخذ باليقين استصحابا له. (خاتمة) يحرم بالحدث: صلاة وطواف وسجود، وحمل مصحف، وما كتب لدرس قرآن ولو بعض آية ـــــــــــــــــــــــــــــ الكردي ما نصه: في مبحث الاجتهاد من الإيعاب -: أن نحو الألف غير محصورات ونحو العشرين مما سهل عده بالنظر محصور وبينهما وسائط تلحق بأحدهما بالظن، وما وقع فيه الشك استفتى القلب. اه. وقوله: وكذا بغير محصورات على الأوجه أي وكذلك لا ينتقض وضوءه إذا اشتبهت محرمه بأجنبيات غير محصورات ولمس واحدة منهن. وقال الزركشي: إن اختلطت بغير محصورات انتقض لجواز النكاح، أو بمحصورات فلا. اه. (قوله: ولا يرتفع يقين الخ) قال البجيرمي: ليس المراد هنا باليقين حقيقته، إذ مع ظن الضد لا يقين. اللهم إلا أن يقال إنه يقين باعتبار ما كان. أو يقدر مضاف، أي ولا يرتفع استصحاب يقين طهر، أي حكمه. وعبارة الشمس الشوبري: ليس المراد هنا باليقين حقيقته، إذ مع ظن الضد لا يقين. قال في الإمداد: ليس المراد باليقين في كلامهم هنا اليقين الجازم، لاستحالته مع الظن، بل مع الشك والتوهم في متعلقه. بل المراد أن ما كان يقينا لا يترك حكمه بالشك بعده استصحابا، له لأن الأصل فيما ثبت الدوام والاستمرار. اه. وقوله: وضوء لو قال - كما في المنهج -: طهر، لكان أولى، ليشمل الغسل والتيمم. وقوله: أو حدث أي أو يقين حدث. قوله: بظن ضده متعلق بيرتفع، الضمير فيه يعود على الأحد الدائر بين الطهر والحدث. (قوله: ولا بالشك فيه) أي في الضد. وقوله: المفهوم بالأولى أي لأنه إذا كان اليقين لا يرتفع بالظن الذي هو التردد مع رجحان لأحد الطرفين. فعدم ارتفاعه بالشك الذي هو التردد مع استواء الطرفين أولى. (قوله: فيأخذ باليقين) أي وهو الوضوء في الأولى، والحدث في الثانية. وذلك لنهيه - صلى الله عليه وسلم - الشاك في الحدث عن أن يخرج من المسجد - أي الصلاة - إلا أن يسمع صوتا أو يجد ريحا. (وقوله: استصحابا له) أي لليقين. (تنبيه) محل ما تقدم إذا تيقن أحدهما فقط، فإن تيقنهما معا، كأن وجد منه حدث وطهر بعد الفجر مثلا، ففيه تفصيل. حاصله أننا ننظر إلى ما كان قبلهما، كقبل الفجر مثلا، فإن علم أنه كان محدثا قبلهما فهو الآن متطهر، سواء اعتاد تجديد الطهر أم لا، لأنه تيقن الطهر وشك فيما يرفعه وهو الحدث، والأصل عدمه. وإن علم أنه كان قبلهما متطهرا فهو الآن محدث إن اعتاد التجديد. لأنه تيقن الحدث وشك فيما يرفعه، وهو الطهر المتأخر عنه، والأصل عدمه. فإن لم يعتده فهو الآن متطهر، لأن الظاهر تأخيره طهره عن حدثه. فإن لم يعلم ما قبلهما فيجب عليه الطهر إن اعتاد تجديده، لتعارض الاحتمالين من غير مرجح، ولا سبيل إلى الصلاة مع التردد المحض في الطهر. فإن لم يعتد تجديده عمل بالطهر. والأحسن أن يحدث هذا الشخص ويتوضأ لتكون طهارته عن يقين. (قوله: خاتمة) أي في بيان ما يحرم بالحدث الأصغر والأكبر. (قوله: يحرم بالحدث صلاة) أي ولو نفلا، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ. وهذا في غير دائم الحدث - وقد تقدم حكمة - وغير فاقد الطهورين. أما هو فيصلي لحرمة الوقت ويعيده. (قوله: وطواف) أي بسائر أنواعه، لأنه في معنى الصلاة. فقد روى الحاكم خبر: الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله قد أحل فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير. اه نهاية. (قوله:

كلوح. والعبرة في قصد الدراسة والتبرك بحالة الكتابة دون ما بعدها، وبالكاتب لنفسه أو لغيره تبرعا، وإلا فأمره لا حمله مع متاع، والمصحف غير مقصود بالحمل ومس ورقه، ولو لبياض أو نحو ظرف أعد له وهو فيه، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسجود) أي لتلاوة أو شكر، لأنه في معنى الصلاة أيضا. (قوله: وحمل مصحف) أي لقوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * أي المتطهرون. وهو خبر بمعنى النهي وقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يمسن المصحف إلا طاهر. وقيس الحمل على المس. (قوله: وما كتب لدرس قرآن) خرج ما كتب لغيره كالتمائم، وما على النقد إذ لم يكتب للدراسة، وهو لا يكون قرآنا إلا بالقصد. قال في التحفة: وظاهر عطف هذا على المصحف، أن ما يسمى مصحفا عرفا لا عبرة فيه بقصد تبرك، وأن هذا إنما يعتبر فيما لا يسماه، فإن قصد به دراسة حرم أو تبرك لم يحرم، وإن لم يقصد به شئ نظر للقرينة فيما يظهر، الخ. اه. (قوله: ولو بعض آية) قال في التحفة: ينبغي أن يكون جملة مفيدة. اه. (قوله: كلوح) أي مما يكتب فيه عادة. فلو كبر عادة كباب كبير جاز مس الخالي من القرآن منه، ولا يحرم مس ما محي، بحيث لا يقرأ إلا بكبير مشقة. (قوله: والعبرة في قصد الخ) مرتبط بقوله: وما كتب لدرس. وعبارة التحفة: وظاهر قولهم كتب لدرس أن العبرة في قصد الدراسة. الخ. اه. (قوله: بحالة الكتابة) متعلق بمحذوف خبر العبرة. وفي الكردي ما نصه: وفي فتاوى الجمال الرملي: كتب تميمة ثم جعلها للدراسة، أو عكسه، هل يعتبر القصد الاول أو الطارئ؟ أجاب بأنه يعتبر الأصل، لا القصد الطارئ. اه. وفي حواشي المحلي للقليوبي: ويتغير الحكم بتغير القصد من التميمة إلى الدراسة، وعكسه. اه. وقوله: وبالكتاب إلخ أي والعبرة بقصد الكاتب، سواء كتب لنفسه أو لغيره، إذا كان تبرعا. وقوله: وإلا فآمره أي وإن لم يكن تبرعا فالعبرة بقصد آمره. (قوله: لا حمله) أي لا يحرم حمله مع متاع، إلخ. (قوله: والمصحف غير مقصود بالحمل) أي والحال أن المصحف غير مقصود بالحمل، أي وحده أو مع غيره. بأن كان المقصود به المتاع وحده أو لم يقصد به شئ. فظاهر كلامه أنه يحل في حالتين، وهما: إذا قصد المتاع وحده، أو أطلق. ويحرم في حالتين، وهما إذا قصد المصحف وحده، أو شرك. وهو أيضا ظاهر كلام المنهج وشرحه. والذي جرى عليه ابن حجر على ما هو ظاهر التحفة: أنه يحرم في ثلاثة أحوال، وهي: ما إذا قصد المصحف وحده، أو شرك، أو أطلق. ويحل في حالة واحدة، وهي: ما إذا قصد المتاع وحده. والذي جرى عليه م ر أنه يحل في ثلاثة، وهي: ما إذا قصد المتاع وحده، أو شرك، أو أطلق. ويحرم في حالة واحدة، وهي: ما إذا قصد المصحف وحده. (قوله: ومس ورقه) أي ويحرم مس ورقه. ولا يخفى أن المصحف اسم للورق المكتوب فيه كلام الله تعالى، ولاخفاء أنه يتناول الأوراق بجميع جوانبها حتى ما فيها من البياض، وحينئذ فما فائدة ذكر الورق هنا؟ وقد يقال: فائدة ذلك الإشارة إلى أنه لا فرق بين أن يمس الجملة أو بعض الأجزاء المتصلة أو المنفصلة، فهو من ذكر الجزء بعد الكل. اه جمل بتصرف. (قوله: أو نحو ظرف) بالجر، عطف على ورقه. أي ويحرم مس نحو ظرف كخريطة وصندوق، لكن بشرط أن يكون معدا له وحده، وأن يكون

لا قلب ورقه بعود إذا لم ينفصل عليه، ولا مع تفسير زاد ولو احتمالا. ولا يمنع صبي مميز - محدث ولو جنبا - ـــــــــــــــــــــــــــــ المصحف فيه. فإن انتفى ذلك حل حمله ومسه. قال في التحفة: وظاهر كلامهم أنه لا فرق فيما أعد له، بين كونه على حجمه أو لا، وإن لم يعمثله له عادة. اه. قال الحلبي في حواشي المنهج: وعليه يحرم مس الخزائن المعدودة لوضع المصاحف فيها ولو كبرت جدا. وبه قال شيخنا العلقمي وشيخنا الرملي. اه. وفي التحفة: ومثله - أي الصندوق - كرسي وضع عليه. اه. وفي الكردي: وتردد في الإيعاب في إلحاق الكرسي بالمتاع أو بظرفه، ثم ترجى أقربية إلحاقه بالظرف. اه. وفي البجيرمي: والمعتمد أن الكرسي الصغير يحرم مس جميعه، والكبير لا يحرم إلا مس المحاذي للمصحف. اه. وأما جلد المصحف فيحرم مسه إن كان متصلا به - عند حجر - وعند م ر: يحرم مطلقا، متصلا كان أو منفصلا، لكن بشرط أن لا تنقطع نسبته عنه ولا تنقطع عنه وإلا إن اتصل بغيره. وفي ع ش: وليس من انقطاعها ما لو جلد المصحف بجلد جديد وترك الأول فيحرم مسه. أما لو ضاعت أوراق المصحف أو حرقت فلا يحرم مس الجلد. اه. (قوله: وهو) أي المصحف فيه: أي في نحو الظرف. (قوله: لا قلب ورقه بعود) أي لا يحرم قلب ورقه بعود، لأنه ليس حملا ولا في معناه. وقوله: إذا لم ينفصل - أي الورق - عليه، أي على العود. قال العلامة الكردي: الذي يظهر من كلامهم أن الورقة المثبتة لا يضر قلبها بنحو العود مطلقا، وغير المثبتة لا يضر قلبها إلا إن انفصلت على العود عن المصحف. اه. (قوله: ولا مع تفسير) أي ولا يحرم حمل المصحف مع تفسيره ولا مسه. قال البجيرمي نقلا عن الشوبري: هل وإن قصد القرآن وحده؟ ظاهر إطلاقهم نعم. اه. وقوله: زاد أي على المصحف، يقينا. أما إذا كان التفسير أقل، أو مساويا أو مشكوكا في قلته وكثرته، فلا يحل. وإنما لم يحرم المساوي والمشكوك في كثرته وقلته في باب الحرير لأنه أوسع بابا، بدليل أنه يحل للنساء وللرجال في بعض الأوقات. هذا ما جرى عليه م ر. وجرى ابن حجر على حله مع الشك في الأكثرية أو المساواة، وقال: لعدم تحقق المانع، وهو الاستواء. ومن ثم حل نظير ذلك في الضبة والحرير. وجرى شارحنا على قوله، فلذلك قال: ولو احتمالا. وفي حاشية الكردي ما نصه: رأيت في فتاوي الجمال الرملي أنه سئل عن تفسير الجلالين، هل هو مساو للقرآن أو قرآنه أكثر؟ فأجاب بأن شخصا من اليمن تتبع حروف القرآن والتفسير وعدهما، فوجدهما على السواء إلى سورة كذا، ومن أو اخر القرآن فوجد التفسير أكثر حروفا، فعلم أنه يحل حمله مع الحدث على هذا. اه. وقال بعضهم: الورع عدم حمل تفسير الجلالين، لأنه وإن كان زائدا بحرفين ربما غفل الكاتب عن كتابه حرفين أو أكثر. اه. وفي حاشية الكردي أيضا، قال الشارح في حاشيته على فتح الجواد: ليس منه - أي التفسير - مصحف حشي من تفسير أو تفاسير، وإن ملئت حواشيه وأجنابه وما بين سطوره، لأنه لا يسمى تفسيرا بوجه بل اسم المصحف باق له مع ذلك. وغاية ما يقال مصحف محشي. اه. واعلم أن العبرة في الكثرة والقلة بالخط العثماني في المصحف وبقاعدة الخط في التفسير. والمنظور إليه جملة القرآن والتفسير في الحمل. وأما في المس فالمنظور إليه موضع وضع يده، فإن كان فيه التفسير أكثر حل وإلا حرم. (قوله: ولا يمنع صبي الخ) أي لا يمنعه وليه أو معلمه من حمل ومس نحو مصحف، كلوحه. لأنه يحتاج إلى الدراسة، وتكليفه استصحاب الطهارة أمر تعظم فيه المشقة. كتب ع ش ما نصه: قوله: وإن الصبي المحدث لا يمنع

حمل ومس نحو مصحف لحاجة تعلمه ودرسه ووسيلتهما، كحمله للمكتب والاتيان به للمعلم ليعلمه منه. ويحرم تمكين غير المميز من نحو مصحف، ولو بعض آية، وكتابته بالعجمية، ووضع نحو درهم في مكتوبه، ـــــــــــــــــــــــــــــ إلخ أي بخلاف تمكينه من الصلاة والطواف ونحوهما مع الحدث. والفرق أن زمن الدرس يطول غالبا، في تكليف الصبيان إدامة الطهارة مشقة تؤدي إلى ترك الحفظ في ذلك، بخلاف الصلاة ونحوها. نعم، نظير المسألة ما إذا قرأ للتعبد لا للدراسة بأن كان حافظا أو كان يتعاطى مقدرا لا يحصل به الحفظ في العادة. وفي الرافعي ما يقتضي التحريم، فتفطن لذلك فإنه مهم. في سم: والوجه أنه لا يمنع من حمله ومسه للقراءة فيه نظرا وإن كان حافظا عن ظهر قلب إذا أفادت القراءة فيه نظرا فائدة ما في مقصوده، كالاستظهار على حفظه وتقويته حتى بعد فراغ مدة حفظه، إذا أثر ذلك في ترشيح حفظه. اه. وقد يقول: لا تنافي لإمكان حمل ما في الرافعي على إرادة التعبد المحض. وما نقله سم على ما إذا تعلق بقراءته فيه غرض يعود إلى الحفظ، كما أشعر به قوله كالاستظهار. (فائدة) وقع السؤال في الدرس عما لو جعل المصحف في خرج أو غيره، وركب عليه. هل يجوز أم لا؟ فأجبت عنه بأن الظاهر أن يقال في ذلك أن كان على وجه يعد ازدراء به، كأن وضعه تحته بينه وبين البرذعة، أو كان ملاقيا لأعلى الخرج مثلا من غير حائل بين المصحف وبين الخرج، وعد ذلك ازدراء له. ككون الفخذ صار موضوعا عليه، حرم، وإلا فلا. اه. وقوله: ولو جنيا الغاية للرد. وقوله: حمل ومس مضافان إلى ما بعدهما. وهما منصوبان بإسقاط الخافض. (قوله: لحاجة، إلخ) متعلق بحمل ومس، وإضافتها إلى ما بعدها للبيان. (قوله: ووسيلتهما) أي التعلم والدرس. وقوله: كحمله إلخ تمثيل للوسيلة. (قوله: والإتيان به) أي بنحو المصحف. وقوله: ليعلمه منه أي ليعلمه المعلم منه. ويجب على المعلم الطهارة، ولا يجوز له حمله ومسه من غيرها. نعم، أفتى الحافظ ابن حجر بأنه يسامح لمؤدب الأطفال الذي لا يستطيع أن يقيم على الطهارة في مس الألواح لما فيه من المشقة، لكن يتيمم لأنه أسهل من الوضوء. اه. (قوله: ويحرم تمكين غير المميز) أي على الولي أو المعلم لئلا ينتهكه. قال الكردي: قال في الإيعاب: نعم، يتجه حل تمكين غير المميز منه لحاجة تعلمه إذا كان بحضرة نحو الولي، للأمن من أنه ينتهكه حينئذ. قال في المجموع: ولا تمكن الصبيان من محو الألواح بالأقذار. ومنه يؤخذ أنهم يمنعون أيضا من محوها بالبصاق. وبه صرح ابن العماد. اه. وقوله: من نحو مصحف أي من حمل أو مس نحو مصحف من كل ما كتب لدرس قرآن كلوح. (قوله: ولو بعض آية) غاية لنحو المصحف. (قوله: وكتابته بالعجمية) بالرفع، معطوف على تمكين. أي ويحرم كتابته بالعجمية. ورأيت في فتاوي العلامة ابن حجر أنه سئل هل يحرم كتابة القرآن الكريم بالعجمية كقراءته؟ فأجاب رحمه الله بقوله: قضية ما في المجموع عن الأصحاب التحريم، وذلك لأنه قال: وأما ما نقل عن سلمان رضي الله عنه أن قوما من الفرس سألوه أن يكتب لهم شيئا من القرآن، فكتب لهم فاتحة الكتاب بالفارسية. فأجاب عنه أصحابنا بأنه كتب تفسير الفاتحة لا حقيقتها. اه. فهو ظاهر أو صريح في تحريم كتابتها بالعجمية، وإلا لم يحتاجوا إلى الجواب عنه بما ذكر. فإن قلت: ليس هو جوابا عن الكتابة بل عن القراءة بالعجمية المرتبة على الكتابة بها. فلا دليل لكم فيه؟ قلت: بل هو جواب عن الأمرين. وزعم أن القراءة بالعجمية مرتبة على الكتابة بها ممنوع بإطلاقه. فقد يكتب بالعجمية ويقرأ بالعربية، وعكسه. فلا تلازم بينهما كما هو واضح. وإذا لم يكن بينهما تلازم كان الجواب عما فعله سلمان رضي الله عنه بذلك ظاهرا فيما

وعلم شرعي. وكذا جعله بين أوراقه - خلافا لشيخنا - وتمزيقه عبثا، وبلع ما كتب عليه لا شرب محوه، ومد الرجل للمصحف ما لم يكن على مرتفع. ويسن القيام له كالعالم بل أولى، ويكره حرق ما كتب عليه إلا ـــــــــــــــــــــــــــــ قلناه. على أن مما يصرح به أيضا أن مالكا رضي الله عنه سئل: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى. أي التي كتبها الإمام، وهو المصحف العثماني. قال أبو عمرو: ولا مخالف له في ذلك من علماء الأئمة. وقال بعضهم: الذي ذهب إليه مالك هو الحق، إذ هو فيه بقاء الحالة الأولى إلى أن يتعلمها الآخرون، وفي خلافها تجهيل آخر الأمة أولهم. وإذا وقع الإجماع - كما ترى - على منع ما أحدث اليوم من مثل كتابه الربو بالألف - مع أنه موافق للفظ الهجاء - فمنع ما ليس من جنس الهجاء أولى. وأيضا ففي كتابته بالعجمي تصرف في اللفظ المعجز الذي حصل التحدي به بما لم يرد، بل بما يوهم عدم الإعجاز بل الركاكة، لأن الألفاظ العجمية فيها تقديم المضاف إليه على المضاف، ونحو ذلك مما يخل بالنظم وتشويش الفهم. وقد صرحوا بأن الترتيب من مناط الإعجاز. اه بحذف. (قوله: وضع نحو درهم) بالرفع، معطوف أيضا على تمكين. أي ويحرم وضع نحو درهم. وقوله: في مكتوبه أي فيما كتب فيه مصحف، أي قرآن، كله أو بعضه. وعبارة النهاية: ولا يجوز جعل نحو ذهب في كاغد كتب عليه بسم الله الرحمن الرحيم. اه. قال ع ش: أي وغيرها من كل معظم. كما ذكره ابن حجر في باب الاستنجاء. ومن المعظم ما يقع في المكاتبات ونحوها، مما فيه اسم الله أو اسم رسوله مثلا، فيحرم إهانته بوضع نحو دراهم فيه. اه (قوله: وعلم شرعي) بالجر، عطف على ضمير مكتوبه. أي ويحرم أيضا وضع نحو درهم في مكتوب علم شرعي، أي ما كتب فيه علم شرعي كالتفسير والحديث والفقه. ولو قال: كغيره وكل معظم، لكان أولى. إذ عبارته تقتضي أنه إذا وضع في مكتوب غير العلم الشرعي من بقية العلوم كالنحو والصرف لا يحرم ولو كان فيه معظم، وليس كذلك. (قوله: وكذا جعله بين أوراقه) أي وكذا يحرم جعل نحو درهم بين أوراق المصحف وفيه أن هذا يغني عنه. قوله أولا: ووضع نحو درهم في مكتوبه، إذ هو صادق بما وضع بين أوراقه المكتوب فيها المصحف، وبما وضع في ورقة مكتوب فيها ذلك. ويمكن أن يقال إنه من ذكر الخاص بعد العام. (قوله: خلافا لشيخنا) راجع لما بعد كذا، وفيه أنه لم يذكره في التحفة ولا في شرح الإرشاد الصغير ولا في غيره من كتبه التي بأيدينا حتى يسند الخلاف إليه. وعبارة التحفة: ووضع نحو درهم في مكتوبه به، وجعله وقاية، ولو لما فيه قرآن فيما يظهر. ثم رأيت بعضهم بحث حل هذا، وليس كما زعم. اه. وعبارة شرح الإرشاد، وجعل نحو درهم في ورقة كتب فيها معظم. اه. بل قوله: وضع نحو درهم في مكتوبه صادق بما إذا وضعه بين ورقات كما مر تأمل. (قوله: وتمزيقه) معطوف على تمكين أيضا. أي ويحرم تمزيق المصحف لأنه ازدراء به. وقوله: عبثا أي لا لقصد صيانته. وعبارة فتاوى ابن حجر تفيد أن المعتمد حرمة التمزيق مطلقا، ونصها: سئل رضي الله عنه عمن وجد ورقة ملقاة في طريق فيها اسم الله تعالى، ما الذي يفعل بها؟ فأجاب رحمه الله بقوله: قال ابن عبد السلام: الأولى غسلها، لأن وضعها في الجدار تعرض لسقوطها والإستهانة بها. وقيل: تجعل في حائط. وقيل: يفرق حروفها ويلقيها. ذكره الزركشي. فأما كلام ابن عبد السلام فهو متجه، لكن مقتضى كلامه حرمة جعلها في حائط والذي يتجه خلافه، وأن الغسل أفضل فقط. وأما التمزيق، فقد ذكر الحليمي في منهاجه أنه لا يجوز تمزيق ورقة فيها اسم الله أو اسم رسوله، لما فيه من تفريق الحروف وتفريق الكلمة، وفي ذلك ازدراء بالمكتوب. فالوجه الثالث شاذ إذ لا ينبغي أن يعول عليه. (قوله: وبلع ما كتب عليه) أي ويحرم بلع ما كتب عليه قران، لملاقاته للنجاسة. وقال سم: لا يقال إن الملاقاة في الباطن لا تنجس، لأنا نقول فيه امتهان وإن لم ينجس. كما لو وضع القرآن على نجس جاف، يحرم مع أنه لا ينجس. وقال في النهاية: وإنما جوزنا أكله لأنه لا يصل إلى الجوف إلا وقد زالت صورة الكتابة. اه. ومثله في التحفة، وزاد فيها: ولا تضر ملاقاته للريق لأنه ما دام بمعدنه غير مستقذر، ومن ثم جاز مصه من الحليلة. اه. (قوله: لا شرب محوه) أي لا يحرم شرب ما محي من القرآن. وعبارة المغني: ولا يكره كتب شئ من القرآن في إناء ليسقى ماؤه للشفاء خلافا لما وقع لابن عبد السلام في فتاويه من التحريم. اه. (قوله: ومد الرجل) بالرفع عطف على تمكين أيضا. أي ويحرم مد الرجل لما فيه من الازدراء به. وقال في المغني: ويحرم الوطئ على الفراش أو خشب نقش بالقرآن - كما في الأنوار -

لغرض نحو صيانة، فغسله أولى منه. ويحرم بالجنابة المكث في المسجد وقراءة قرآن بقصده، ولو بعض آية، بحيث يسمع نفسه ولو صبيا - خلافا لما أفتى به النووي -. وبنحو حيض، لا بخروج طلق، صلاة وقراءة وصوم. ويجب قضاؤه لا الصلاة، بل يحرم قضاؤها على الاوجه. (و) الطهارة (الثانية: الغسل) هو لغة: سيلان الماء على الشئ. وشرعا: سيلانه على جميع البدن ـــــــــــــــــــــــــــــ أو بشئ من أسمائه تعالى. وقوله: ما لم تكن أي المصحف، على مرتفع فإن كان كذلك فلا يحرم. (قوله: ويسن القيام له) أي للمصحف. قال في التحفة: صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قام للتوراة، وكأنه لعلمه بعدم تبديلها. اه. وقال سم: ينبغي، ولتفسير حيث حرم مسه وحمله. اه. (قوله: كالعالم) أي كما يسن القيام للعالم. وقوله: بل أولى أي بل القيام للمصحف أولى من القيام للعالم. (قوله: ويكره حرق ما كتب عليه) أي ما كتب القرآن عليه، وعبارة المغني: ويكره إحراق خشب نقش بالقرآن إلا إن قصد به صيانة القرآن فلا يكره. كما يؤخذ من كلام ابن عبد السلام، وعليه يحمل تحريق عثمان رضي الله عنه المصاحف. اه. (قوله: فغسله أولى منه) أي فلا يكره ذلك، ولكن غسله أولى من حرقه. (قوله: ويحرم بالجنابة إلخ) أي زيادة على ما حرم بالحدث. وقوله: المكث خرج به مجرد المرور فلا يحرم، كأن يدخل من باب ويخرج من آخر. قال تعالى: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) *. (قوله: وقراءة قرآن) أي ويحرم قراءة قرآن. وقوله: بقصده أي القرآن، أي وحده أو مع غيره. وخرج بذلك ما إذا لم يقصده. كما ذكر بأن قصد ذكره أو مواعظه أو قصصه أو التحفظ ولم يقصد معها القراءة لم يحرم. وكذا إن أطلق، كأن جرى به لسانه بلا قصد شئ. والحاصل أنه إن قصد القرآن وحده أو قصده مع غيره كالذكر ونحوه فتحرم فيهما. وإن قصد الذكر وحده أو الدعاء أو التبرك أو التحفظ أو أطلق فلا تحرم، لأنه عند وجود قرينة لا يكون قرآنا إلا بالقصد. ولو بما لا يوجد نظمه في غير القرآن، كسورة الإخلاص. واستثنى من حرمة القراءة قراءة الفاتحة على فاقد الطهورين في المكتوبة، وقراءة آية في خطبة جمعة، فإنها تجب عليه لضرورة توقف صحة الصلاة عليها. وقوله: ولو بعض آية قال في بشرى الكريم ولو حرفا منه وحيث لم يقرأ منه جملة مفيدة يأثم على قصده المعصية وشروعه فيها لا لكونه قارئا. اه. وإنما حرم ذلك لخبر الترمذي: ولا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن. ويقرأ - بكسر الهمزة - على النهي، وبضمها على النفي. فهو خبر على الثاني بمعنى النهي. (قوله: بحيث يسمع نفسه) قيد لحرمة القراءة. أي ومحل حرمة القراءة إذا تلفظ بها بحيث يسمع بها نفسه، حيث لا عارض من نحو لغط. فإن لم يسمع بها نفسه بأن أجراها على قلبه أو حرك بها شفتيه - ويسمى همسا - فلا تحرم. (قوله: ولو صبيا) غاية للحرمة. أي تحرم القراءة ولو من صبي. وقوله: خلافا لما أفتى به النووي أي من عدم حرمة قراءة الصبي الجنب، ووافقه كثيرون. قال في بشرى الكريم: ويشترط كونها من مسلم مكلف، فلا يمنع الكافر منها إن لم يكن معاندا ورجي إسلامه، ولا الصبي، ولا المجنون. اه. (قوله: بنحو حيض) معطوف على بالجنابة. أي ويحرم بنحو حيض من نفاس. (قوله، لا بخروج طلق) أي لا يحرم بخروج دم طلق. لأنه ليس حيضا، لأنه الدم الخارج لا مع الطلق، وليس نفاسا لأنه الدم الخارج بعد فراغ الرحم فهو دم فساد. وإنما قدرت لفظ دم لأن الطلق هو الوجع الناشئ من الولادة أو الصوت المصاحب لها. (قوله: صلاة الخ) فاعل يحرم المقدر. ويحرم بنحو الحيض أيضا العبور في المسجد إن خافت تلويثه، فإن أمنته جاز لها العبور كالجنب، مع الكراهة ومباشرة ما بين سرتها وركبتها. والطلاق فيه إذا كانت موطوءة. (قوله: ويجب قضاؤه) أي الصوم، لخبر عائشة رضي الله عنها كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. أي للمشقة في قضائها لأنها تكثر، ولم يبن أمرها على التأخير ولو بعذر بخلاف الصوم. (قوله: بل يحرم قضاؤها) أي الصلاة. ولا يصح عند ابن حجر، ويكره قضاؤها عند الرملي. فعليه يصح وتنعقد الصلاة نفلا مطلقا من غير ثواب. (قوله: والطهارة الثانية) أي الطهارة عن

بالنية. ولا يجب فورا وإن عصى بسببه، بخلاف نجس عصى بسببه. والاشهر في كلام الفقهاء ضم غينه، لكن الفتح أفصح، وبضمها مشترك بين الفعل وماء الغسل. (وموجبه) أربعة: أحدها: (خروج منيه أولا) ويعرف بأحد خواصه الثلاث: من تلذذ بخروجه، أو تدفق، أو ريح عجين رطبا وبياض بيض جافا. فإن فقدت هذه ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنابة. وهو قسيم قوله في أول باب شروط الصلاة: فالأولى - أي الطهارة - عن الحدث الوضوء. (قوله: هو) أي الغسل. (قوله: سيلان الماء) أي إسالته، أو ذو سيلان. وإنما احتجنا لما ذكر لأن الغسل في اللغة فعل الفاعل، والسيلان ليس بفعله بل هو أثره. إلا أن يقال: إنه يستعمل لغة في الأثر أيضا. وقوله: على الشئ أي سواء كان بدنا أم غيره. بنية أم لا. (قوله: وشرعا) عطف على لغة. (قوله: سيلانه) أي الماء. ولا حاجة هنا إلى ما تقدم لأن العبرة هنا بوصول الماء ولو بغير فعل الفاعل. (قوله: بالنية) أي ولو كانت مندوبة، فيدخل غسل الميت. (قوله: ولا يجب فورا) أي ولا يجب الغسل على الفور. والمراد أصالة فلا يرد، ما لو ضاق وقت الصلاة عقب الجنابة أو انقطاع الحيض فإنه يجب فورا، لا لذاته بل لإيقاع الصلاة في وقتها. (قوله: وإن عصى بسببه) غاية في عدم وجوبه على الفور أي لا يجب الغسل فورا وإن عصى بسبب الغسل كأن زنى، وذلك لانقضاء المعصية بالفراغ من الزنا. وقوله: بخلاف نجس عصى بسببه أي كأن تضمخ به عمدا فإنه يجب غسله فورا لبقاء العصيان به ما دام باقيا، فوجب إزالته. وهذا هو الفارق بينه وبين ما قبله. (قوله: والأشهر في كلام الفقهاء ضم غينه) أي للفرق بينه وبين غسل النجاسة، كما في البجيرمي. وقوله: لكن الفتح أفصح أي لغة. لأن فعله من باب ضرب. قال ابن مالك فعل قياس مصدر المعدى إلخ. (قوله: وبضمها مشترك إلخ) لم يظهر التئامه بما قبله، فلو قال: وهو على الثاني اسم للفعل، وعلى الأول مشترك بين الفعل والماء، لكان أنسب وأخصر. وعبارة التحفة: وهو بفتح الغين: مصدر غسل، واسم مصدر لاغتسل. وبضمها: مشترك بينهما وبين الماء الذي يغتسل به. وبكسرها: اسم لما يغسل به من سدر ونحوه. والفتح في المصدر واسمه أشهر من الضم وأفصح لغة. وقيل عكسه، والضم أشهر في كلام الفقهاء. اه. (قوله: وموجبة) بكسر الجيم، أي سببه. وأما الموجب بفتحها فهو المسبب الذي هو الغسل. وقدم الموجب هنا على الفرض عكس ما مر في الوضوء، لأن الغسل لا يوجد إلا بعد تقدم سببه، بخلاف الوضوء فإنه قد يوجد بدون تقدم ذلك ولو في صورة نادرة، كما إذا نزل الولد من بطن أمه ولم يصدر منه ناقض وأراد وليه الطواف به فإنه يجب عليه أن يوضئه مع أنه ليس محدثا وإنما هو في حكم المحدث. أفاده ش ق. (قوله: أربعة) فإن قلت لا مطابقة بين المبتدأ والخبر إذ الأول مفرد والثاني متعدد. أجيب بأن المبتدأ مفرد مضاف فيعم، فهو متعدد تقديرا. فكأنه قال: موجباته أربعة. (قوله: أحدها) أي الأربعة. (قوله: خروج منيه) أي بروز مني نفسه وانفصاله إلى ظاهر الحشفة وظاهر فرج البكر وإلى محل الاستنجاء في فرج الثيب - وهو ما يظهر عند جلوسها على قدميها - سواء كان خروجه من طريقه المعتاد، ولو لم يستحكم بأن خرج لعلة، أو من غير طريقه المعتاد كأن خرج من صلب الرجل وترائب المرأة بشرط أن لا يكون مستحكما أي لا لعلة، إذا كان المعتاد انسداده عارضا، فإن كان أصليا فلا يشترط فيه ذلك. وخرج بمني نفسه مني غيره، كأن وطئت المرأة في دبرها فاغتسلت ثم خرج منها مني الرجل فلا يجب عليها إعادة الغسل. أو وطئت في قبلها ولم يكن لها شهوة كصغيرة، أو كان لها شهوة ولم تقضها كنائمة، فكذلك لا إعادة عليها. وقوله: أولا خرج به ما لو استدخله بعد خروجه ثم خرج ثانيا، فلا غسل. واعلم أن خروج المني موجب للغسل، سواء كان بدخول حشفة أم لا. ودخول الحشفة موجب له، سواء حصل مني أم لا. فبينهما عموم وخصوص وجهي. (قوله: ويعرف) أي المني، وإن خرج على لون الدم. (قوله: بأحد خواصه الثلاث) أي علاماته التي لا توجد في

الخواص فلا غسل. نعم، لو شك في شئ أمني هو أو مذي؟ تخير ولو بالتشهي. فإن شاء جعله منيا واغتسل، أو مذيا وغسله وتوضأ. ولو رأى منيا مجففا في نحو ثوبه لزمه الغسل وإعادة كل صلاة تيقنها بعده، ما لم يحتمل عادة كونه من غيره. (و) ثانيها: (دخول حشفة) أو قدرها من فاقدها، ولو كانت من ذكر مقطوع أو من بهيمة أو ميت. (فرجا) قبلا أو دبرا، (ولو لبهيمة) كسمكة أو ميت، ولا يعاد غسله لانقطاع تكليفه. (و) ثالثها: (حيض) ـــــــــــــــــــــــــــــ غيره. (قوله: من تلذذ بخروجه) أي وإن لم يتدفق لقلته. وهو بيان للمضاف، وهو أحد، بدليل تعبيره في المعاطيف بأو. ويصح جعله بيانا للمضاف إليه وتكون أو بمعنى الواو. (قوله: أو تدفق) هو خروجه بدفعات، وإن لم يتلذ به ولا كان له ريح. (قوله: أو ريح عجين) أي أو كون ريحه كريح العجين، أي أو طلع النخل. وقوله: رطبا قيد في الريح. أي ويعرف المني بكون ريحه كما ذكر حال كون المني رطبا. وقوله: وبياض معطوف على عجين. أي أو ريح بياض بيض. وقوله: جافا قيد في كون ريحه كبياض البيض. أي ويعرف المني بذلك حال كونه جافا. (قوله: فإن فقدت هذه الخواص) أي لا غيرها، كالثخن والبياض في مني الرجل، والرقة والصفرة في مني المرأة، فلا عبرة به لأن ذلك غالب لا دائم. (قوله: نعم، لو شك) كالتقييد لعدم وجوب الغسل عند فقد الخواص. فكأنه قال: ومحله عند تيقن أنه ليس بمني، فإن شك فيه فهو بالخيار. (قوله: تخير ولو بالتشهي) أي لا بالاجتهاد، وذلك لأنه إذا أتى بأحدهما صار شاكا في الآخر، ولا إيجاب مع الشك. وقوله: فإن شاء إلخ وله أن يرجع عما اختاره أولا إذا اشتهت نفسه واحدا منهما غيره. (قوله: ولو رأى منيا مجففا) الذي في التحفة: محققا. وهو الصواب. وقوله: في نحو ثوبه أي كفراش نام فيه وحده، أو مع من لا يمكن كونه منه. (قوله: لزمه الغسل) أي وإن لم يتذكر احتلاما. (قوله: وإعادة كل صلاة) أي ولزمه إعادة كل صلاة. وقوله: تيقنها بعده أي تيقن أنه صلاها بعد ذلك المني الذي رآه في نحو ثوبه. فإن لم يتيقن ذلك ندب له إعادة ما احتمل أنه صلاها بعده. وعبارة النهاية: ويندب له إعادة ما احتمل أنه - أي المني - فيها. كما لو نام مع من يمكن كونه منه ولو نادرا كالصبي بعد تسع، فإنه يندب لهما الغسل. اه. وقوله: ما لم يحتمل عادة كونه من غيره فإن احتمل ذلك، كأن نام مع من يمكن كونه منه، فلا يلزمه الغسل ولا إعادة الصلاة. (قوله: وثانيها) أي الأربعة. (قوله: دخول حشفة) وهي رأس الذكر - أي من واضح أصلي أو شبيه به - لخبر الصحيحين: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل. أي إذا تحاذيا. وإنما يتحاذيان بدخول الحشفة في الفرج. إذ الختان محل القطع، وهو في الرجل ما دون حزة الحشفة، وفي المرأة محل الجلدة المستعلية فوق مخرج البول الذي هو فوق مدخل الذكر. ثم إن ذكر الختانين جري على الغالب، بدليل إيجاب الغسل بإيلاج ذكر لا حشفة فيه لأنه جماع في فرج. وخرج بقولنا من واضح ما إذا كانت من خنثى مشكل، فلا غسل بإيلاج ذكره عليه ولا على المولج فيه، لاحتمال أن يكون أنثى والذكر سلعة زائدة فيه وإيلاج السلعة لا يوجب الغسل على المولج ولا على المولج فيه. (قوله: أو قدرها) أي أو دخول قدر الحشفة. وقوله: من فاقدها أي من مقطوع الحشفة. وهو قيد لا بد منه. وخرج به ما لو أدخل قدرها مع وجودها، كأن ثنى ذكره وأدخله فإنه لا يؤثر، كذا في التحفة، ونصها: ولو ثناه وأدخل قدر الحشفة منه مع وجود الحشفة، لم يؤثر، وإلا أثر على الأوجه. اه. (قوله: ولو كانت الخ) تعميم في الحشفة، والغسل إنما هو على المولج فيه، لا على الميت والبهيمة وصاحب الذكر المقطوع. (قوله: قبلا أو دبرا) أي لأن الفرج مأخوذ من الانفرج، فيشمل الدبر كالقبل، سواء كان فرج آدمي أو جني أو فرج ميت أو بهيمة، ولو لم تشته كسمكة، وإن لم يحصل انتشار ولا إنزال، ولو ناسيا أو مكرها أو بحائل كثيف، لا فرج خنثى لاحتمال زيادته. نعم، وإن أولج وأولج فيه تحققت جنابته. والميت والبهيمة لا غسل عليهما لعدم تكليفهما، وإنما وجب غسل الميت بالموت إكراما له. اه. بشرى الكريم. (قوله: ولو لبهيمة) غاية في الفرج المولج فيه. (قوله: ولا يعاد غسله) أي الميت. (قوله: لانقطاع تكليفه) أي بالموت. (قوله: ثالثها: حيض) قد أفرد الفقهاء الكلام على الحيض والنفاس والاستحاضة في باب مستقل، والأصل فيه قوله تعالى: * (ويسئلونك عن المحيض) * وخبر

أي انقطاعه، وهو دم يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات مخصوصة. (وأقل سنة تسع سنين قمرية) أي استكمالها. نعم، إن رأته قبل تمامها بدون ستة عشر يوما فهو حيض، وأقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوما، كأقل طهر بين الحيضتين. ويحرم به ما يحرم بالجنابة، ومباشرة ما بين سرتها وركبتها. وقيل: لا يحرم غير الوطئ. واختاره النووي في التحقيق، لخبر مسلم: اصنعوا كل شئ إلا النكاح. وإذا انقطع دمها حل لها قبل ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيحين: هذا شئ كتبه الله على بنات آدم. (قوله: أي انقطاعه) يفيد هذا التفسير أن الموجب للغسل انقطاع الحيض لا هو نفسه، وليس كذلك، بل هو الموجب، والانقطاع شرط فيه، وعبارة شرح المنهج: ويعتبر فيه وفيما يأتي - أي من النفاس والولادة - الانقطاع، والقيام للصلاة. اه. بزيادة. وكتب البجيرمي قوله: ويعتبر فيه أي في كونه موجبا للغسل. فهو كغيره سبب للغسل بهذين الشرطين. والأصح أن الانقطاع شرط للصحة، والقيام للصلاة شرط للفورية. اه. (قوله: وهو دم إلخ) هذا معناه شرعا، وأما لغة فهو السيلان. يقال: حاض الوادي: إذا سال. وقوله: يخرج من أقصى رحم المرأة أي يخرج من عرق فمه في أقصى رحم المرأة. والرحم وعاء الولد، وهو جلدة على صورة الجرة المقلوبة، فبابه الضيق من جهة الفرج وواسعه أعلاه، ويسمى بأم الأولاد. اه. بجيرمي. وقوله: في أوقات مخصوصة لو قال في وقت مخصوص لكان أولى، لأنه ليس له إلا وقت واحد وهو كونه بعد البلوغ، وقال بعضهم: لعل المراد بالأوقات أقله وغالبه وأكثره. (وقوله: أقل سنه) أي سن صاحبه، أي أقل زمن يوجد فيه الحيض. وقوله: تسع سنين قمرية أي هلالية، لأن السنة الهلالية ثلثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس يوم وسدسه، بخلاف العددية فإنها ثلثمائة وستون لا تنقص ولا تزيد، والشمسية ثلثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم إلا جزءا من ثلثمائة جزء من اليوم. اه. ع ش. (قوله: أي استكمالها) أي التسع سنين. وقوله: نعم، إن رأته الخ استدراك على اشتراط الاستكمال. وأفاد به أن المراد الاستكمال التقريبي. (قوله: بدون ستة عشر يوما) أي بما لا يسع حيضا وطهرا، فإن رأته بما يسعهما فليس بحيض بل هو دم فساد. (قوله: وأقله) أي الحيض. وقوله: يوم وليلة أي قدرهما مع اتصال الحيض، وهو أربع وعشرون ساعة. والمراد بالاتصال أن يكون نحو القطنة بحيث لو أدخل تلوث، وإن لم يخرج الدم إلى ما يجب غسله في الاستنجاء. (قوله: وأكثره) أي الحيض. وقوله: خمسة عشر يوما أي بلياليها، وإن لم يتصل، لكن بشرط أن تكون أوقات الدماء مجموعها أربع وعشرون ساعة فإن لم يبلغ مجموعها ما ذكر كأن دم فساد، وهو مع نقاء تخلله حيض، لأنه حينئذ يشبه الفترة بين دفعات الدم فينسحب عليه حكم الحيض. وهذا القول يسمى قول السحب وهو المعتمد، ومقابله النقاء طهر ويسمى قول اللقط والتلفيق، فعلى هذا القول تصلي وتصوم في وقت النقاء (قوله: كأقل طهر بين الحيضتين) أي فإنه خمسة عشر يوما بلياليها، وذلك لأن الشهر لا يخلو عن حيض وطهر، وإذا كان أكثر الحيض خمسة عشر لزم أن يكون أقل الطهر كذلك. وخرج ببين الحيضتين الطهر بين حيض ونفاس فإنه يجوز أن يكون أقل من ذلك. قال ع ش: بل يجوز أن لا يكون بينهما طهر أصلا، كأن يتصل أحدهما بالآخر. (قوله: ويحرم به) أي بالحيض. وقوله: ما يحرم بالجنابة قد تقدم التصريح به فهو مكرر معه. فكان الأولى أن يقول: ويحرم به زيادة على ما مر مباشرة، إلخ. (قوله: ومباشرة ما بين سرتها وركبتها) أي ويحرم ذلك، سواء كان بوطئ أو بغير وطئ، وسواء كان بشهوة أو بغيرها. واعلم أنه يحرم على المرأة أن تباشر الرجل بما بين سرتها وركبتها في أي جزء من بدنه ولو غير ما بين سرته وركبته. (قوله: وقيل: لا يحرم غير الوطئ) أي من بقية الاستمتاعات، ولو بما بين السرة والركبة. ويسن لمن وطئ في أول الدم وقوته التصدق بدينار، وفي آخر الدم وضعفه التصدق بنصفه، لخبر: إذا واقع الرجل أهله وهي حائض، إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار، وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار. رواه أبو داود والحاكم وصححه. قال في شرح الروض: وكالوطئ في آخر الدم الوطئ بعد انقطاعه إلى الطهر، ذكره في المجموع. اه. (قوله: واختاره) أي القيل المذكور. (قوله: لخبر مسلم الخ) دليل للقيل المذكور الذي اختاره النووي: (قوله: اصنعوا كل شئ إلا النكاح) وجه الاستدلال به أن لفظه عام شامل لسائر أنواع الاستمتاع، حتى فيما تحت الإزار - أي ما بين سرتها وركبتها - غير الوطئ في الفرج. والمانعون

الغسل صوم لا وطئ، خلافا لما بحثه العلامة الجلال السيوطي رحمه الله. (و) رابعها: (نفاس) أي انقطاعه، وهو دم حيض مجتمع يخرج بعد فراغ جميع الرحم، وأقله لحظة، وغالبه أربعون يوما، وأكثره ستون يوما. ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: إنه عام خصص بمفهوم ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: ما فوق الإزار. وذلك المفهوم هو منع الاستمتاع بما تحت الإزار، فيكون التقدير: اصنعوا كل شئ أي مما فوق الإزار. وإنما منع الاستمتاع بما تحت الإزار عندهم لأنه يدعو إلى الجماع، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. (قوله: حل لها قبل الغسل صوم) أي لأن سبب تحريمه خصوص الحيض، وإلا لحرم على الجنب. اه تحفة. ويحل أيضا طلاقها لزوال مقتضى التحريم وهو تطويل العدة. (قوله: لا وطئ) أي أما هو فيحرم، لقوله تعالى: * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * وقد قرئ بالتشديد والتخفيف. أما قراءة التشديد فهي صريحة فيما ذكر، وأما التخفيف فإن كان المراد به أيضا الاغتسال - كما قال به ابن عباس وجماعة، لقرينة قوله تعالى: * (فإذا تطهرن) * - فواضح، وإن كان المراد به انقطاع الحيض فقد ذكر بعده شرطا آخر وهو قوله تعالى: * (فإذا تطهرن) * فلا بد منهما معا. اه إقناع. (قوله: خلافا لما بحثه العلامة الجلال السيوطي) أي من حل الوطئ أيضا بالانقطاع. (قوله: ورابعها) أي الأربعة التي هي موجبات الغسل. وقوله: نفاس قال الشوبري: لا يقال لا حاجة إليه مع الولادة لأنه يستغنى بها عنه، لأنا نقول: لا تلازم. لأنها إذا اغتسلت من الولادة ثم طرأ الدم قبل خمسة عشر يوما فهذا الدم يجب له الغسل، ولا يغني عنه ما تقدم. تأمل. اه. (قوله: أي انقطاعه) يأتي فيه ما تقدم، فلا تغفل. (قوله: وهو دم حيض مجتمع يخرج بعد فراغ جميع الرحم) أي وقبل مضي خمسة عشر يوما من الولادة، وإلا فهو حيض، ولا نفاس لها أصلا. وإذا لم يتصل الدم بالولادة فابتداؤه من رؤية الدم، وعليه فزمن النقاء لا نفاس فيه، فيلزمها فيه أحكام الطاهرات، لكنه محسوب من الستين. كذا قال البلقيني. قال ابن حجر في شرح العباب: ورد بأن حسبان النقاء من الستين من غير جعله نفاسا فيه تدافع. اه. وقيل: أن ابتداء النفاس من الولادة لا من الدم، وعليه فزمن النقاء من النفاس. وفي البجيرمي ما نصه: والحاصل أن الأقوال ثلاثة: ابتداؤه من الولادة عددا وحكما. الثاني: ابتداؤه من خروج الدم عددا وحكما. الثالث: ابتداؤه من الخروج من حيث أحكام النفاس، وأما العدد فمحسوب من الولادة. وهذه الأقوال فيما إذا تأخر خروجه عن الولد وكان بينهما نقاء، وأما إذا خرج الدم عقب الولادة فلا خلاف فيه. وينبني على الأقوال أنه على الأول يحرم التمتع بها في زمن النقاء، ولا يلزمها قضاء الصلاة. وأما على الثاني فيجوز التمتع بها في مدة النقاء، ويجب عليها قضاء، ويجب عليها قضاء الصلوات في مدة النقاء، وكذا على الثالث. اه. (قوله: وأقله) أي النفاس. وقوله: لحظة في عبارة: مجة. أي دفعة من الدم، وهي لا تكون إلا في اللحظة. وفي عبارة: لا حد لأقله. أي لا يتقدر بقدر بل ما وجد منه عقب الولادة يكون نفاسا ولو قليلا، ولا يوجد أقل من مجة. فمؤدى العبارات الثلاث واحد. (قوله: وغالبه أربعون يوما) أي بلياليها، سواء تقدمت على الأيام كأن طرقتها الولادة عند الغروب، أو تأخرت كأن طرقتها الولادة عند طلوع الفجر، أو تلفقت كأن طرقتها في نصف الليل. (قوله: وأكثره ستون يوما) أي بلياليها على ما مر. واعلم أنه قد أبدى أبو سهل الصعلوكي معنى لطيفا في كون أكثر النفاس ستين يوما، وهو أن الدم يجتمع في الرحم مدة تخلق الحمل وقبل نفخ الروح فيه أربعين يوما نطفة، ثم مثلها علقة، ثم مثلها مضغة، فتلك أربعة أشهر. وأكثر الحيض خمسة عشر يوما في كل شهر، فالجملة ستون يوما. وأما بعد نفخ الروح فيه فيتغذى بالدم من سرته لأن فمه لا ينتفخ ما دام في بطن أمه كما قيل، فلا يجتمع في الرحم دم من حين نفخ الروح فيه، وأنت خبير بأن ذلك لا يظهر إلا بالنسبة لمن كان حيضها خمسة عشر يوما، إلا أنها حكمة لا يلزم اطرادها.

ويحرم به ما يحرم بالحبض، ويجب الغسل أيضا بولادة ولو بلا بلل، وإلقاء علقة ومضغة، وبموت مسلم غير شهيد. (وفرضه) - أي الغسل - شيئان: أحدهما: (نية رفع الجنابة) للجنب، أو الحيض للحائض. أي رفع حكمه. (أو) نية (أداء فرض الغسل) أو رفع حدث، أو الطهارة عنه، أو أداء الغسل. وكذا الغسل للصلاة لا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ويحرم به) أي بالنفاس. ويأتي فيه ما تقدم في قوله: ويحرم به ما يحرم بالجنابة. وقوله: ما يحرم بالحيض حتى الطلاق إجماعا، لأنه دم حيض يجتمع قبل نفخ الروح كما مر. (قوله: ويجب الغسل أيضا بولادة) أي بانفصال جميع الولد. قال سم: الوجه فيما لو خرج بعضه ثم رجع لا يجب الغسل بل يجب الوضوء. اه. وإنما وجب الغسل مما ذكر لأنه مني منعقد. وقوله: ولو بلا بلل الغاية للرد على من قال إنها حينئذ لا توجب الغسل متمسكا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الماء من الماء. (قوله: وإلقاء علقة ومضغة) معطوف على مدخول الباء فهو في حيز الغاية، أي ولو كانت بإلقاء علقة ومضغة. وعبارة التحفة: ولو لعلقة ومضغة. قال القوابل: إنهما أصل آدمي. اه. (قوله: وبموت) معطوف على بولادة. أي ويجب الغسل أيضا بموت مسلم. قال الكردي: ولو لسقط بلغ أربعة أشهر وإن لم تظهر فيه أمارة الحياة، لأن أحد حدود الموت يشمله وهو عدم الحياة عما من شأنه الحياة. اه. وقوله: غير شهيد أما هو فيحرم غسله كما سيذكره في الجنائز. (تتمة) لم يتعرض المؤلف للاستحاضة وأحكامها بالخصوص. وحاصل ذلك أن الاستحاضة هي الدم الخارج في غير أوقات الحيض والنفاس، بأن خرج قبل تسع سنين أو بعدها، ونقص عن قدر يوم وليلة، وبأن زاد على خمسة عشر يوما بلياليها، أو أتى قبل تمام أقل الطهر، أو مع الطلق، ولم يتصل بحيض قبله. وهي حدث دائم فلا تمنع شيئا مما يمتنع بالحيض، من نحو صلاة ووطئ، ولو مع جريان الدم. وإذا أرادت المستحاضة أن تصلي يجب عليها أن تغسل فرجها من النجاسة، ثم تحشوه بنحو قطنة - وجوبا - دفعا للنجاسة أو تحفيفا لها، فإن لم يكفها الحشو تعصب بعده بخرقة مشقوقة الطرفين على كيفية التلجم المشهور، ولا يضر بعد ذلك خروج الدم إلا إن قصرت في الشد. ثم بعد ما ذكر تتوضأ، ثم عقب ذلك تصلي. ويجب إعادة جميع ذلك لكل فرض عيني ولو نذرا. واعلم أنه يجب على النساء تعلم ما يحتجن إليه من هذا الباب وغيره. فإن كان نحو زوجها عالما لزمه تعليمها، وإلا فليسأل لها ويخبرها أو تخرج لتعلم ذلك، وليس لها الخروج لغير تعلم واجب من نحو حضور مجلس ذكر إلا برضاه وبمحرم معها إن خرجت عن البلد. (قوله: وفرضه أي الغسل) و (قوله: شيآن) يأتي فيه ما تقدم في قوله: وموجبه أربعة. وكونه شيئين مبني على طريقة النووي رضي الله عنه من أن إزالة النجاسة ليست فرضا، وهي الراجحة. أما على طريقة الرافعي من أنها فرض فيكون ثلاثة أشياء، وهي مرجوحة. (قوله: أحدهما) أي الشيئين. (قوله: أي رفع حكمه) أي المذكور من الجنابة والحيض وهو المنع من نحو الصلاة - وأفاد بهذا التفسير أنه يحتاج إلى تقدير مضاف بين المضاف والمضاف إليه في قوله: رفع الجنابة ورفع الحيض، ومحل الاحتياج إليه بالنسبة للأول إن أريد بالجنابة الأسباب - كالتقاء الختانين وإنزال المني - لأنها لا ترتفع، فإن أريد بها الأمر الاعتباري القائم بالبدن الذي يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص، أو أريد بها المنع نفسه، فلا يحتاج لتقديره. (قوله: أو نية الخ) بالرفع عطف على نية الأولى، ومثل نية أداء فرض الغسل نية الغسل المفروض أو الغسل الواجب. (قوله: أو رفع حدث) بالجر، معطوف على أداء فرض الغسل. أي أو نية رفع الحدث، أي بغير تقييده بالأكبر. وينصرف إليه بقرينة كونه عليه، أو بتقيده به. (قوله: أو الطهارة عنه) أي أو نية الطهارة عن الحدث. أي أو الطهارة للصلاة، ولا يكفي نية الطهارة فقط. ولو نوى المحدث غير ما عليه، كأن نوى الجنب رفع حدث الحيض أو بالعكس، فإن كان غالطا صح، والمراد بالغلط هنا اعتقاد أن ما عليه هو الذي نواه، على خلاف ما في الواقع. وليس المراد بالغلط سبق لسانه إلى غير ما أراد أن ينطق به، إذ مجرد سبق اللسان لا أثر له لأن الاعتبار بما في القلب. وإن كان متعمدا لم يصح لتلاعبه. (قوله: أو أداء الغسل) أي أو نية أداء الغسل. قال ع ش: فإن قلت: أي فرق بين أداء

الغسل فقط. ويجب أن تكون النية (مقرونة بأوله) - أي الغسل - يعني بأول مغسول من البدن، ولو من أسفله. فلو نوى بعد غسل جزء وجب إعادة غسله. ولو نوى رفع الجنابة وغسل بعض البدن ثم نام فاستيقظ وأراد غسل الباقي لم يحتج إلى إعادة النية. (و) ثانيهما: (تعميم) ظاهر (بدن حتى) الاظفار وما تحتها، و (الشعر) ظاهرا وباطنا وإن كثف، وما ظهر من نحو منبت شعرة زالت قبل غسلها، وصماخ وفرج امرأة عند جلوسها على قدميها، وشقوق (وباطن جدري) انفتح رأسه لا باطن قرحة برئت وارتفع قشرها ولم يظهر شئ مما تحته. ـــــــــــــــــــــــــــــ الغسل والغسل فقط؟ لأنه إن أريد بالأداء معناه الشرعي، وهو فعل العبادة في وقتها المقدر لها شرعا لا يصح، لأن الغسل لا وقت له مقدر شرعا؟ وإن أريد معناه اللغوي، وهو الفعل، ساوى نية الغسل؟ ويجاب: بأن الأداء لا يستعمل إلا في العبادة. اه بجيرمي. (قوله: لا الغسل فقط) أي لا يكفي نية الغسل فقط، وذلك لأنه يكون عادة وعبادة، وبه فارق الوضوء. قال البجيرمي نقلا عن البرماوي وق ل: وقد يكون مندوبا فلا ينصرف للواجب إلا بالنص عليه، لأنه لما تردد القصد فيه بين أسباب ثلاثة - العادي كالتنظيف، والندب كالعيد، والوجوب كالجناية - احتاج إلى التعيين، بخلاف الوضوء فليس له إلا سبب واحد وهو الحدث. فلم يحتج إلى التعيين لأنه لا يكون عادة أصلا ولا مندوبا لسبب، وليست الصلاة بعد الوضوء سببا للتجديد وإنما هي مجوزة له فقط لا جالبة له، ولذلك لم تصح إضافته إليها. اه. (قوله: ويجب أن تكون النية) دخول على المتن. وأفاد أن مقرونة يقرأ بالنصب خبرا لتكون مقدرة، ولا يتعين ذلك بل يصح أن يكون منصوبا على الحال. وقوله: مقرونة بأوله أي الغسل. ويندب أن يقدمها مع السنن المتقدمة كالسواك والبسملة وغسل الكفين ليثاب عليها. لكن إن اقترنت النية المعتبرة بما يقع غسله فرضا فاته ثواب السنن المذكورة وكفته هذه النية. فالأحسن حينئذ أن يفرق النية بأن يقول عند هذه السنن: نويت سنن الغسل. لثياب عليها. ثم ينوي النية المعتبرة عند غسل الواجب غسله، كما في الوضوء. (قوله: فلو نوي) أي الجنب أو الحائض ونحوه. وقوله بعد غسل جزء أي من بدنه. (قوله: وجب إعادة غسله) أي ذلك الجزء الذي لم تقترن النية به، وذلك لعدم الاعتداد به قبل النية. فعلم أن وجوب قرنها بأوله إنما هو للاعتداد به لا لصحة النية، لأنها لا تصح وإن لم تقترن بأول الغسل، لكن تجب إعادته. (قوله: لم يحتج إلى إعادة النية) أي لعدم اشتراط الموالاة فيه، بل هي سنة فقط. كما صرح به في المنهاج في باب التيمم. (قوله: وثانيهما) أي الشيئين. (قوله: تعميم ظاهر بدن) فلو لم يصل الماء إليه لحائل - كشمع أو وسخ تحت الأظفار - لم يكف الغسل، وإن أزاله بعد فلا بد من غسل محله. ولا يجب هنا غسل ما بعده معه لأن بدن الجنب كله كعضو واحد، بخلاف الوضوء كما تقدم. وإنما وجب تعميمه لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: أما أنا فيكفيني أن أصب على رأسي ثلاثا ثم أفيض بعد ذلك على سائر جسدي. ولأن الحدث عم جميع البدن فوجب تعميمه بالغسل. (قوله: حتى الأظفار) بالجر، عطف على ظاهر. وقوله: وما تحتها أي وحتى ما تحت الأظفار فيجب غسله. وقد تقدم الكلام على ما تحت الأظفار من الأوساخ فارجع إليه إن شئت. (قوله: والشعر) أي وحتى الشعر، وهو معطوف على الأظفار المعطوفة على ظاهر البدن لا على البدن، وإلا لزم تسلط لفظ ظاهر على جميع المعاطيف وانحل. المعنى: حتى ظاهر الأظفار وظاهر ما تحتها وظاهر الشعر ظاهرا وباطنا، ولا يخفى ما فيه، تأمل. (قوله: وإن كثف) أي الشعر. وإنما وجب غسل الكثيف هنا ظاهرا وباطنا، بخلافه في الوضوء، لقلة المشقة هنا بسبب عدم تكرره لكل صلاة، وكثرتها في الوضوء لتكرره لكل صلاة. والشعر المضفور إن لم يصل الماء إلى باطنه إلا بالنقض وجب نقضه ليصل الماء إلى باطنه، فإن وصل من غير نقض لم يجب نقضه. (قوله: وما ظهر الخ) أي وحتى ما ظهر إلخ. فهو معطوف على الأظفار أيضا. وقوله: من نحو منبت شعرة لعل نحو ذلك هو منبت ظفر أزيل. (قوله: زالت) أي الشعرة. وقوله: قبل غسلها فإن زالت بعده لا يجب غسله. (قوله: وصماخ) أي وما ظهر من صماخ للأذنين، فهو معطوف على نحو. (قوله: وفرج امرأة) أي وما ظهر من فرج امرأة، بكر أو ثيب. قال الكردي: وما يبدو من فرج البكر دون ما يبدو من فرج الثيب، فيختلف الوجوب في الثيب والبكر. اه. وقوله: عند جلوسها متعلق بظهر المقدر. (قوله: وشقوق) أي وما ظهر من شقوق - أي في البدن -

ويحرم فتق الملتحم (وما تحت قلفة) من الاقلف فيجب غسل باطنها لانها مستحقة الازالة، لا باطن شعر انعقد بنفسه وإن كثر، ولا يجب مضمضة واستنشاق بل يكره تركهما. (بماء طهور) ومر أنه يضر تغير الماء تغيرا ضارا ولو بما على العضو، خلافا لجمع. (ويكفي ظن عمومه) - أي الماء - على البشرة والشعر وإن لم يتيقنه، فلا يجب تيقن عمومه بل يكفي غلبة الظن به فيه كالوضوء. (وسن) للغسل الواجب والمندوب (تسمية) أوله، (وإزالة قذر طاهر) كمني ومخاط، ونجس كمذي، وإن كفى لهما غسلة واحدة، وأن يبول من أنزل قبل أن ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا غور لها. وعبارة النهاية: وما يبدو من شقوق البدن التي لا غور لها. اه. (قوله: وباطن جدري) أي وحتى باطن جدري، فهو بالجر معطوف على مدخول حتى وقوله: انفتح رأسه خرج به ما إذا لم ينفتح فلا يجب شقه وغسل باطنه. (قوله: لا باطن قرحة) بالجر، عطف على باطن جدري. أي فلا يجب تعميمه بالماء. (قوله: وارتفع قشرها) أي عن البشرة. وقوله: لم يظهر شئ مما تحته أي القشر من باطن القرحة. والظاهر أن هذا القيد وما قبله لا مفهوم لهما بل هما لبيان الواقع، وذلك لأنهما لازمان للبرء. تأمل. (قوله: ويحرم فتق الملتحم) أي من أصابع اليدين والرجلين، لأنه ليس من ظاهر البدن. وعبارة النهاية في مبحث سنن الوضوء: ولو كانت أصابعه ملتفة بحيث لا يصل الماء إليها إلا بالتخليل ونحوه وجب، أو ملتحمة حرم فتقها لأنه تعذيب بلا ضرورة. أي إن خاف محذور تيمم فيما يظهر أخذا من العلة انتهت. ولو أخر هذه المسألة عن قوله: وما تحت قلفة، لكان أولى، لتتصل المعاطيف، ولإيهام عبارته أن وما تحت معطوف على فاعل يحرم. (قوله: وما تحت قلفة) أي وحتى ما تحت قلفة من الأقلف، فهو معطوف على مدخول حتى. وإنما وجب غسله لأنه ظاهر حكما وإن لم يظهر حسا، لأنها مستحقة الإزالة. ولهذا لو أزالها إنسان لم يضمنها. ومحل وجوب غسل ما تحتها إن تيسر ذلك بأن أمكن فسخها، وإلا وجبت إزالتها. فإن تعذرت صلى كفاقد الطهورين. وهذا التفصيل في الحي، وأما الميت فحيث لم يمكن غسل ما تحتها لا تزال لأن ذلك يعد إزراء به، ويدفن بلا صلاة، على المعتمد عند الرملي، وعند ابن حجر ييمم عما تحتها ويصلى عليه للضرورة. (قوله: لا باطن شعر) الأولى تقديمه وذكره بعد قوله: وإن كثف، إذا هو مستثنى منه. ولو جعل من المتن لكان ظاهرا. ومثل الشعر المنعقد باطن فم وأنف وعين وفرج وشعر نبت في العين والأنف، فلا يجب غسله. وقوله: انعقد بنفسه فإن عقده هو لا يعفى عنه مطلقا، قل أو كثر. وقال بعضهم: يعفى عن القليل منه. (قوله: ولا يجب مضمضة واستنشاق) أي لأن محلهما ليس من الظاهر، وإن انكشف باطن الفم والأنف بقطع ساترهما. ويغني عن هذا قوله الآتي: فبعد إزالة القذر مضمضة واستنشاق. وقوله: بل يكره تركهما أي خروجا من خلاف أبي حنيفة رضي الله عنه. (قوله: بماء طهور) متعلق بتعميم. (قوله: ومر) أي في شروط الوضوء. وعبارته هناك. وثالثها: أن لا يكون عليه - أي على العضو - مغير للماء تغيرا ضارا، كزعفران وصندل. خلافا لجمع. اه. (قوله: ويكفي ظن عمومه) أي ويكفي في الغسل ظن وصول الماء إلى جميع البشرة والشعر. (قوله: على البشرة والشعر) الأولى حذف على، إذ المصدر يتعدى بنفسه كفعله. يقال: عمك الماء. (قوله: وإن لم يتيقنه) أي العموم. ولا معنى لهذه الغاية بعد قوله: ويكفي ظن إلخ. (قوله: فلا يجب تيقن عمومه) مفرع على قوله: ويكفي إلخ. (قوله: بل يكفي غلبة الخ) هو عين المفرع عليه، فالأولى حذفه. وقوله: به أي بعموم الماء. وقوله: فيه أي في الغسل. وقوله: كالوضوء أي كما أنه يكفي غلبة ظن العموم فيه كما مر. (قوله: وسن إلخ) لما تكلم على الفرائض شرع يتكلم على السنن. (قوله: للغسل الواجب) أي كغسل الجنابة والحيض والنفاس والولادة. وقوله: والمندوب أي كغسل الجمعة والعيدين. (قوله: تسمية) نائب فاعل سن، ولا بد أن يقصد بها الذكر وحده، أو يطلق إن كان محدثا حدثا أكبر. فإن قصد القراءة وحدها أو مع الذكر حرم، ولا بد أن تكون مقرونة بالنية القلبية ليثاب عليها من حيث الغسل. وقوله: أوله أي أول الغسل. وقد ذكر الشارح في الوضوء خلافا في كون أول السنن التسمية أو السواك، وقد تقدم الجمع بينهما بأن من قال بالأول مراده أول السنن القولية، ومن قال بالثاني مراده الفعلية. (قوله: وإزالة قذر) أي وسن إزالة قذر، أي تقديمها على الغسل. قال ش ق: ومحل كون تقديم غسله من سنن الغسل إذا كانت النجاسة غير

يغتسل ليخرج ما بقي بمجراه. (ف) - بعد إزالة القذر (مضمضة واستنشاق ثم وضوء) كاملا - للاتباع -، رواه الشيخان. ويسن له استصحابه إلى الفراغ، حتى لو أحدث، سن له إعادته. وزعم المحاملي اختصاصه ـــــــــــــــــــــــــــــ مغلظة وكانت حكمية، أي لا يدرك لها طعم ولا لون ولا ريح. أو عينية، بأن يدرك لها واحد مما ذكر، وكانت تزول بغسلة واحدة. أما العينية التي لا تزول بذلك فإزالتها قبل الغسل شرط، فلا يصح مع بقائها لحيلولتها بين العضو والماء. وأما المغلظة فغسلها بغير تتريب أو معه قبل استيفاء السبع لا يرفع الحدث - كما في شرح الرملي - فلو كان على بدن الجنب نجاسة مغلظة فغسلها ستا ثم انغمس في ماء كدر كالنيل ناويا رفع الحدث ارتفعت جنابته. اه. (قوله: طاهر) بدل من قذر. (قوله: كمني ومخاط) تمثيل للطاهر. (قوله: ونجس) الواو بمعنى أو، وهو معطوف على طاهر. (قوله: كمذي) تمثيل للنجس، ومثله الودي. (قوله: وإن كفى إلخ) غاية لسنية إزالة القذر، أي سن إزالة القذر وإن كفى لهما - أي للحدث والقذر - غسلة واحدة. قال العلامة الكردي: وهذا هو الراجح في المذهب، لكن يشترط في الطاهر أن لا يغير الماء تغيرا يمنع إطلاق اسم الماء عليه، وأن لا يمنع وصول الماء إلى ما تحته من البشرة. وفي النجاسة العينية أن تزول النجاسة بغسلة، وأن يكون الماء الذي هو دون القلتين واردا على المتنجس، وأن لا تتغير الغسالة ولو تغيرا يسيرا، وأن لا يزيد وزنها بعد اعتبار ما يتشربه المغسول ويعطيه من الوسخ. فإن انتفى شرط من ذلك حكم ببقاء الحدث كالخبث. فعلم أن المغلظة لا يطهر محلها عن الحدث إلا بعد تسبيعها مع التتريب. قال في الإيعاب: فلو انغمس بدون تتريب في نهر ألف مرة مثلا لم يرتفع حدثه. وبه يلغز فيقال: جنب انغمس في ماء طهور ألف مرة بنية رفع الجنابة وليس ببدنه مانع حسي ولم يطهر. اه. (قوله: وإن يبول الخ) أي وسن أن يبول الخ. وقوله: قبل أن يغتسل متعلق بيبول. وقوله: ليخرج ما بقي أي من المني. وقوله: بمجراه أي البول. وذلك لأنه لو لم يبل قبله لربما خرج منه بعد الغسل فيجب عليه إعادة. (قوله: فبعد إزالة القذر الخ) أي فبعد إزالة القذر سن مضمضة واستنشاق، وهما سنتان مستقلتان غير المشتمل عليهما الوضوء. (قوله: ثم وضوء كاملا) أي ثم سن وضوء كاملا. (قوله: رواه) أي الأتباع الشيخان، أي البخاري ومسلم. (قوله: ويسن له) أي المغتسل. وقوله: استصحابه أي الوضوء. وقوله إلى الفراغ أي من الغسل. (وقوله: حتى لو أحدث) أي قبل أن يغتسل. قوله: سن له إعادته أي الوضوء. وهذا ما جرى عليه ابن حجر. وجرى م ر على سنية الإعادة، وعبارته: ولو توضأ قبل غسله ثم أحدث قبل أن يغتسل لم يحتج لتحصيل سنة الوضوء إلى إعادته. كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى. بخلاف ما لو غسل يديه في الوضوء ثم أحدث قبل المضمضة مثلا، فإنه يحتاج في تحصيل السنة إلى إعادة غسلهما بعد نية الوضوء لأن تلك النية بطلت بالحدث. اه. قال ش ق: ويمكن الجمع بينهما بأن مراد الرملي أنه لا تطلب إعادته من حيث كونه من سنن الغسل المأمور بها، فلا ينافي طلب إعادته من حيث الخروج من الخلاف، وهو مراد ابن حجر اه. وعلى ما جرى عليه م ر ألغز السيوطي فيه فقال: قل للفقيه وللمفيد * * ولكل ذي باع مديد ما قلت في متوضئ * * قد جاء بالأمر السديد لا ينقضون وضوءه * * مهما تغوط أو يزيد ووضوءه لم ينتقض * * إلا بإيلاج جديد أجابه بعضهم في قوله: يا مبدئ اللغز السديد * * يا واحد العصر الفريد هذا الوضوء هو الذي * * للغسل سن كما تفيد وهو الذي لم ينتقض إلا بإيلاج جديد (قوله: وزعم المحاملي) مبتدأ خبره ضعيف. وقوله: اختصاصه أي الوضوء بالغسل الواجب، وعبارة ابن

بالغسل الواجب ضعيف، والافضل عدم تأخير غسل قدميه عن الغسل، كما صرح به في الروضة، وإن ثبت تأخيرهما في البخاري. ولو توضأ أثناء الغسل أو بعده حصل له أصل السنة، لكن الافضل تقديمه، ويكره تركه. وينوي به سنة الغسل إن تجردت جنابته عن الاصغر، وإلا نوى به رفع الحدث الاصغر أو نحوه، خروجا من خلاف موجبه القائل بعدم الاندراج. ولو أحدث بعد ارتفاع جنابة أعضاء الوضوء لزمه الوضوء مرتبا بالنية. (فتعهد معاطف) كالاذن والابط والسرة والموق ومحل شق، وتعهد أصول شعر، ثم غسل رأس بالافاضة بعد تخليله إن كان عليه شعر، ولا تيامن فيه لغير أقطع. ثم غسل شق أيمن ثم أيسر، ودلك لما تصله يده من بدنه، ـــــــــــــــــــــــــــــ قاسم: قال في شرح العباب: وقضية كلامهم أن الوضوء إنما يكون سنة في الغسل الواجب. به صرح أبو زرعة وغيره تبعا للمحاملي. ولو قيل بندبه - كغيره من سائر السنن التي ذكروها هنا في الغسل المسنون أيضا - لم يبعد. ثم رأيت المصنف في باب الجمعة جزم بهذا الاحتمال. اه. (قوله: والأفضل عدم تأخير غسل قدميه) هذا لا يلائم قوله: ثم وضوء كاملا. إذ كماله إنما يكون بعدم تأخير غسل قدميه. والأولى في المقابلة أن يقول كما في المنهاج. وفي قول: يؤخر غسل قدميه. (قوله: وإن ثبت تأخيرهما) أي القدمين، أي غسلهما. وقوله: في البخاري فقد روي فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ وضوءه للصلاة غير غسل قدميه. (قوله: ولو توضأ أثناء الغسل أو بعده) في البجيرمي ما نصه: لو اغتسل ثم أراد أن يتوضأ، فهل ينوي بالوضوء الفريضة لأنه لم يتوضأ قبله؟ أو ينوي به السنة لأن وضوءه اندرج في الغسل؟. الجواب: أنه إن أراد الخروج من الخلاف نوى به الفريضة، وإلا نوى به السنة، فيقول: نويت سنة الوضوء للغسل. وكذا يقول إذا قدمه، إن تجردت جنابته عن الحدث وإلا فنية معتبرة. اه. ابن شرف اه. (قوله: لكن الأفضل تقديمه) أي الوضوء على الغسل. (قوله: ويكره تركه) أي الوضوء، خروجا من خلاف موجبه القائل بعدم الاندراج، كما سيذكره. (قوله: وينوي به سنة الغسل) قال في التحفة: أي أو الوضوء كما هو ظاهر. (قوله: إن تجردت جنابته) أي انفردت عنه، كأن نظر فأمنى أو تفكر فأمنى. وقوله: وإلا أي وإن لم تتجرد عنه بل اجتمعت معه كما هو الغالب. نوى به رفع الحدث. وظاهر هذا أنه ينوي ما ذكر وإن أخر الوضوء عن الغسل، وهو كذلك إن أراد الخروج من الخلاف، وإلا نوى به سنة الغسل كما مر قريبا. وفي بشرى الكريم ما نصه: وينوي به رفع الحدث الأصغر، وإن تجردت جنابته عنه وإن أخره عن الغسل، خروجا من خلاف القائل بعدم اندراج الأصغر في الأكبر، ومن خلاف القائل: إن خروج المني ينقض الوضوء. وينبغي لمن يغتسل من نحو إبريق. قرن النية بغسل محل الاستنجاء، إذ قد يغفل عنه فلا يتم طهره، وإن ذكره احتاج إلى لف خرقة على يده وفيها كلفة، أو إلى المس فينتقض وضوءه. فإذا قرنها به يصير على الكف حدث أصغر دون الأكبر، فيحتاج إلى غسلها بنية الوضوء. فالأولى أن ينوي رفع الحدث عن محل الاستنجاء فقط ليسلم من ذلك. اه بزيادة. وهذه المسألة تسمى بالدقيقة ودقيقة الدقيقة. فالدقيقة: النية عند محل غسل الاستنجاء، ودقيقة الدقيقة: بقاء الحدث الأصغر على كفه. والمخلص من ذلك أن يقيد النية بالقبل والدبر، كأن يقول: نويت رفع الحدث عن هذين المحلين. فيبقى حدث يده ويرتفع بالغسل بعد ذلك كبقية بدنه. (قوله: خروجا إلخ) أي ينوي رفع الحدث الأصغر، خروجا من خلاف موجب الوضوء. وقوله: بعدم الاندراج أي اندراج الحدث الأصغر في الأكبر. (قوله: لزمه الوضوء) أي عند إرادة نحو الصلاة، كما هو ظاهر. (قوله: فتعهد معاطف) أي ثم بعد الوضوء سن تعهد معاطفه، وهي ما فيه انعطاف والتواء، كطيات بطن وكإبط وأذن. ويتأكد التعهد في الأذن فيأخذ كفا من ماء ويضع الأذن عليه برفق. قال في التحفة: وإنما لم يجب ذلك حيث ظن وصوله إليها لأن التعميم الواجب يكتفي فيه بغلبة الظن. اه. (قوله: والموق) المراد به ما يشمل اللحاظ، وهو ما يلي الأذن. وعبارة بعضهم: وموق ولحاظ. اه. (قوله: وتعهد الخ) بالرفع، عطف على تعهد معاطف. وقوله: أصول شعر أي منابت شعر. وعبارة المنهج القويم مع الأصل وتخليل أصول الشعر ثلاثا بيده المبلولة، بأن يدخل أصابعه العشرة في الماء ثم في الشعر ليشرب بها أصوله. والمحرم في ذلك كغيره، لكن يتحرى الرفق خشية الانتتاف. (قوله: ثم غسل الخ) أي ثم بعد تعهد ما ذكر سن غسل رأس بإفاضة الماء. (قوله: بعد تخليله)

خروجا من خلاف من أوجبه. (وتثليث) لغسل جميع البدن، والدلك والتسمية والذكر عقبه، ويحصل في راكد بتحرك جميع البدن ثلاثا، وإن لم ينقل قدميه إلى موضع آخر، على الاوجه (واستقبال) للقبلة وموالاة، وترك تكلم بلا حاجة، وتنشيف بلا عذر. وتسن الشهادتان المتقدمتان في الوضوء مع ما معهما عقب الغسل، وأن لا يغتسل لجنابة أو غيرها، كالوضوء في ماء راكد لم يستبحر كنابع من عين غير جار. ـــــــــــــــــــــــــــــ أي الرأس، أي شعره، كما هو ظاهر. ولا حاجة إليه بعد قوله: وتعهد أصول شعر. إذ هو صادق بشعر الرأس وغيره. وتعلم البعدية من تعبيره بثم، تأمل. (قوله: ولا تيامن فيه) أي في الرأس. ومحله إن كان ما يفيضه يكفي كل الرأس، وإلا بدأ بالأيمن، كما في النهاية، ونصها: وظاهر كلامه أنه لا يسن في الرأس البداءة بالأيمن. وبه صرح ابن عبد السلام واعتمده الزركشي وهو ظاهر. إن كان ما يفيضه يكفي كل الرأس وإلا بدأ بالأيمن كما يبدأ به الأقطع وفاعل التخليل. اه. وقوله: لغير أقطع أي أما هو فيسن له التيامن فيه. (قوله: ثم غسل شق أيمن) أي فيبدأ أولا بالجهة اليمنى من جسده ظهرا وبطنا، فيفيض الماء عليها من قدام ثم من خلف، ثم يغسل الجهة اليسرى كذلك. وهذا في غسل الحي، وأما في غسل الميت فيغسل شقه الأيمن من قدام ثم الأيسر كذلك، ثم يحرفه ويغسل شقه الأيمن من خلف ثم الأيسر كذلك، لأنه أسهل على الميت والغاسل. (قوله: ودلك لما تصله يده) أي وسن دلك لذلك. قال البجيرمي: يقتضي هذا أن ما لم تصله يده لا يسن دلكه، وليس كذلك، بل يسن له أن يستعين بعود ونحوه: اه. (قوله: خروجا إلخ) علة لسنية الدلك، بقطع النظر عن قوله لما تصله يده. وذلك لأن الموجب له يوجبه في جميع البدن. وقوله: من خلاف من أوجبه هو الإمام مالك رضي الله عنه، قال في التحفة: دليلنا - أي على عدم الوجوب - أن الآية والخبر ليس فيهما تعرض له، مع أن اسم الغسل شرعا ولغة لا يفتقر إليه. اه. (قوله: وتثليث) أي وسن تثليث. وقوله: لغسل جيمع البدن إلخ فيغسل رأسه أولا ثلاثا، ثم شقه الأيمن ثلاثا من قدام ومن خلف، ثم الأيسر كذلك، ويدلك ثلاثا، ويخلل ثلاثا. (قوله: ويحصل) أي التثليث. وقوله: في راكد أي في الغسل في ماء راكد. (قوله: بتحرك) متعلق بيحصل. (قوله: وإن لم ينقل الخ) غاية لحصول التثليث بما ذكر. وقوله: على الأوجه أي من اضطراب فيه بين الأسنوي والمتعقبين لكلامه، لأن كل حركة توجب مماسة ماء لبدنه غير الماء الذي قبله. ولم ينظر لهذه الغيرية المقتضية للانفصال المقتضى للاستعمال، لأن المدار في الانفصال المقتضي له على انفصال البدن عنه عرفا، وما هنا ليس كذلك، وكأن الفرق أنه يغتفر في حصول سنة التثليث ما لا يغتفر في حصول الاستعمال لأنه إفساد للماء فلا يكفي فيه الأمور الاعتبارية. وقد مر فيمن أدخل يده بلا نية اغتراف أن له أن يحركها ثلاثا ويحصل له سنة التثليث. اه تحفة. (قوله: واستقبال) أي وسن للغسل استقبال للقبلة. (قوله: وموالاة) أي وسن موالاة. قال في التحفة بتفصيلها السابق. اه وهو أنها سنة في حق السليم وواجبة في غيره. (قوله: وترك تكلم) أي وسن للمغتسل ترك تكلم. وقوله: بلا حاجة أما بها فلا يسن تركه، كما مر في الوضوء. (قوله: وتنشيف) بالجر، عطف على تكلم. أي وسن ترك تنشيف. وقوله: بلا عذر أما به فلا يسن تركه، كما مر أيضا. (قوله: وتسن الشهادتان المتقدمتان) وهما: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وقوله: مع ما معهما أي مع ما ذكر معهما هناك، وهو أن يزيد: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وأن يصلي ويسلم على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد، وأن يقرأ * (إنا أنزلناه) * وأن يقول ذلك كله ثلاثا مستقبلا للقبلة، رافعا يديه وبصره إلى السماء، ولو أعمى. وقوله: عقب الغسل متعلق بتسن. (قوله: وأن لا يغتسل لجنابة الخ) عبارة المغني: وأن لا يغتسل في الماء الراكد ولو كثر، أو بئر معينة - كما في المجموع - بل يكره ذلك لخبر مسلم: لا يغتسل أحدكم في الماء الراكد وهو جنب. فقيل لأبي هريرة: الراوي للحديث كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولا. قال في المجموع: قال في البيان: والوضوء فيه كالغسل، وهو محمول - كما قاله شيخنا - على وضوء الجنب، وإنما كره ذلك لاختلاف العلماء في طهورية ذلك الماء، أو لشبهه بالمضاف إلى شئ لازم كماء الورد، فيقال: ماء عرق أو وسخ. وينبغي أن يكون ذلك في

(فرع) لو اغتسل لجنابة ونحو جمعة بنيتهما حصلا، وإن كان الافضل إفراد كل بغسل، أو لاحدهما حصل فقط. (ولو أحدث ثم أجنب كفى غسل واحد) وإن لم ينو معه الوضوء ولا رتب أعضاءه .. (فرع) يسن لجنب وحائض ونفساء بعد انقطاع دمهما غسل فرج ووضوء لنوم وأكل وشرب، ويكره فعل شئ من ذلك بلا وضوء. وينبغي أن لا يزيلوا قبل الغسل شعرا أو ظفرا، وكذا دما، لان ذلك يرد في الآخرة جنبا. (وجاز تكشف له) أي للغسل، (في خلوة) أو بحضرة من يجوز نظره إلى عورته كزوجة وأمة، والستر ـــــــــــــــــــــــــــــ غير المستبحر. اه. (قوله: في ماء راكد) متعلق بيغتسل. (قوله: لم يستبحر) أي يصر كثيرا كالبحر. (قوله: كنابع إلخ) يحتمل أن الكاف لتمثيل الماء الراكد الذي يسن عدم الاغتسال فيه، ويحتمل أنها للتنظير بناء على أن المراد بالماء الراكد غير الجاري وغير النابع، وعلى كل يسن عدم الاغتسال فيه. وقوله: غير جار صفة لنابع. (قوله: لو اغتسل لجنابة) أي أو حيض أو نفاس. وقوله: ونحو جمعة أي مع نحو جمعة، كعيد وكسوف واستسقاء. وقوله: بنيتهما أي الجناية ونحو الجمعة. وقوله: حصلا أي حصل غسلهما، كما لو نوى الفرض وتحية المسجد. (قوله: وإن كان الأفضل إلخ) غاية للحصول. وقوله: إفراد كل بغسل قال ع ش: قال في البحر: والأكمل أن يغتسل للجنابة ثم للجمعة، ذكره أصحابنا. اه عميرة. اه. (قوله: أو لأحدهما) أي أو اغتسل لأحدهما فقط، كأن نوى الجنابة أو الجمعة. وقوله: حصل فقط أي عملا بما نواه. وإنما لم يندرج النفل في الفرض لأنه مقصود، فأشبه سنة الظهر مع فرضه. (قوله: ولو أحدث) أي حدثا أصغر. وقوله: ثم أجنب أي أو أجنب ثم أحدث أو أجنب وأحدث معا. (قوله: كفى غسل واحد) أي عن الحدث والجنابة. قال في النهاية: وقد نبه الرافعي على أن الغسل إنما يقع عن الجنابة، وأن الأصغر يضمحل معه، أي لا يبقى له حكم، فلذا عبر المصنف بقوله: كفى. اه. (قوله: وإن لم ينو معه) أي الغسل، وهو غاية للإكتفاء به. قال ع ش: بل لو نفاه لم ينتف. اه. (قوله: ولا رتب أعضاءه) أي وإن لم يرتب أعضاء الوضوء، فهو غاية ثانية. (قوله: بعد انقطاع دمهما) أي الحائض والنفساء. (قوله: غسل فرج) نائب فاعل يسن. وقوله: ووضوء أي إن وجد الماء، وإلا تيمم. وهذا الوضوء كوضوء التجديد والوضوء لنحو القراءة، فلا بد فيه من نية معتبرة. أفاده في التحفة. (قوله: لنوم إلخ) متعلق بكل من غسل فرج وضوء. وقوله: وشرب أي وجماع ثان أراده. قال في التحفة: وينبغي أن يلحق بهذه الأربعة إرادة الذكر، أخذا من تيممه - صلى الله عليه وسلم - لرد سلام من سلم عليه جنبا. اه. (قوله: ويكره فعل شئ من ذلك) أي من النوم والأكل والشرب. وقوله: بلا وضوء ظاهره أنه يكره ذلك ولو مع غسل الفرج، وليس كذلك، بل يكفي غسل الفرج في حصول أصل السنة، كما في التحفة. ونصها: ويحصل أصل السنة بغسل الفرج إن أراد نحو جماع أو نوم أو أكل أو شرب، وإلا كره. اه. (قوله: وينبغي أن لا يزيلوا الخ) قال في الإحياء. لا ينبغي أن يقلم أو يحلق أو يستحد أو يخرج دما أو يبين من نفسه جزءا وهو جنب، إذ يرد إليه سائر أجزائه في الآخرة فيعود جنبا. ويقال: إن كل شعرة تطالب بجنابتها. اه. وقوله: ويقال إن كل شعرة الخ قال ع ش: فائدته التوبيخ واللوم يوم القيامة لفاعل ذلك. وينبغي أن محل ذلك حيث قصر، كأن دخل وقت الصلاة ولم يغتسل، وإلا فلا، كأن فاجأه الموت. اه. (قوله: لأن ذلك) أي المذكور من الشعر أو الظفر أو الدم المزال حال الجنابة، أو الحيض أو النفاس. وقوله: يرد في الآخرة جنبا قال ق ل: وفي عود نحو الدم نظر، وكذا في غيره، لأن العائد هو الأجزاء التي مات عليها. اه. (قوله: وجاز) أي للمغتسل. وقوله: تكشف أي عدم ستر عورته. (قوله: في خلوة) أي في محل خال عن الذين يحرم عليهم نظر عورة المغتسل والذين يجوز لهم نظرها. (قوله: أو بحضرة الخ) أي أو ليس في خلوة ولكن بحضرة من يجوز له أن ينظر إلى عورة المغتسل. وقوله: كزوجة وأمة تمثيل لمن يجوز له ذلك. (قوله: والستر) أي في الخلوة، أو بحضرة من يجوز له

أفضل. وحرم إن كان ثم من يحرم نظره إليها، كما حرم في الخلوة بلا حاجة وحل فيها لادنى غرض، كما يأتي. (وثانيها) أي ثاني شروط الصلاة. (طهارة بدن) ومنه داخل الفم والانف والعين. (وملبوس) وغيره من كل محمول له، وإن لم يتحرك بحركته. (ومكان) يصلى فيه (عن نجس) غير معفو عنه، فلا تصح الصلاة معه، ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ النظر. وقوله: أفضل أي لقوله - صلى الله عليه وسلم - لبهز بن حكيم: احفظ عورتك من زوجتك أو ما ملكت يمينك. قال: أرأيت إن كان أحدنا خاليا؟. قال: الله أحق أن يستحيى منه من الناس. فإن قيل: الله سبحانه وتعالى لا يحجب عنه شئ، فما فائدة الستر له؟ أجيب: بأن يرى متأدبا بين يدي خالقه ورازقه. اه. مغني. ويسن لمن اغتسل عاريا أن يقول: باسم الله الذي لا إله إلا هو. لأن ذلك ستر عن أعين الجن. قال في التحفة: قال بعض الحفاظ: وأن يخط من يغتسل في فلاة ولم يجد ما يستتر به خطأ كالدائرة، ثم يسمي الله ويغتسل فيها، وإن لا يغتسل نصف النهار ولا عند العتمة، وأن لا يدخل الماء إلا بمئزره فإن أراد إلقاءه فبعد أن يستر الماء عورته. اه. (قوله: وحرم) أي التكشف. وقوله: إن كان ثم أي في محل الغسل. وقوله: من يحرم نظره إليها أي إلى عورته. ولا فرق في حرمة ذلك حينئذ بين أن يغضوا أبصارهم أم لا. ولا يكفي قوله لهم غضوا أبصاركم. خلافا لمن قيدها بما إذا لم يغضوا أبصارهم. (قوله: كما حرم) أي التكشف في الخلوة. وقوله: بلا حاجة، هي كالغسل وتبرد وصيانة ثوب من الدنس. (قوله: وحل) أي التكشف. وقوله: فيها أي الخلوة. وقوله: لأدنى غرض أي لأقل حاجة، وهي ما تقدم. وقوله: كما يأتي أي في مبحث ستر العورة. وعبارته هناك: فرع: يجب هذا الستر خارج الصلاة أيضا ولو بثوب نجس أو حرير لم يجد غيره، حتى في الخلوة. لكن الواجب فيها ستر سوأتي الرجل وما بين سرة وركبة غيره، ويحوز كشفها في الخلوة - ولو من المسجد - لأدنى غرض كتبريد وصيانة ثوب من الدنس، والغبار عند كنس البيت، وكغسل. اه. (تتمة) لم يتعرض المصنف لمكروهات الغسل وشروطه، فمكروهاته هي مكروهات الوضوء، كالزيادة على الثلاث، والإسراف في الماء، وشروطه هي شروط الوضوء، كعدم المنافي وعدم الحائل، إلى غير ذلك. ولا يسن تجديد الغسل لأنه لم ينقل ولما فيه من المشقة، بخلاف الوضوء. ويباح للرجال دخول الحمام، ويجب عليهم غض البصر عما لا يحل لهم النظر إليه، وصون عوراتهم عن الكشف بحضرة من لا يحل له النظر إليها. فقد روي أن الرجل إذا دخل الحمام عاريا لعنه ملكاه. ويكره دخوله للنساء بلا عذر، لأن أمرهن مبني على المبالغة في الستر، ولما في خروجهن من الفتنة والشر، وقد ورد: ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله. وينبغي لداخله أن يقصد التطهير والتنظيف لا التنزه والتنعم، وأن يتذكر بحرارته حرارة جهنم .. أعاذنا الله من النار، ووفقنا لمتابعة النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. (قوله: وثانيها) - مقابل قوله أول الباب أحدها - طهارة عن حدث وجنابة. (قوله أي: ثاني شروط الصلاة) لو حذف لفظ ثاني وجعل ما بعده تفسيرا للضمير لكان أخصر. (قوله: طهارة بدن) هو مرادف للجسم والجسد. وقيل: إن البدن اسم لأعلى الشخص خاصة، أو الرأس والأطراف خاصة، وعلى هذا فالأولى التعبير بالجسم. اه. ش ق. (قوله: ومنه) أي من البدن الذي تجب طهارته داخل الفم، فلو أكل متنجسا لم تصح صلاته ما لم يغسل فمه. وقوله: والأنف والعين أي والأذن، وإنما لم يجب غسل ذلك في الجنابة لغلظ النجاسة. (قوله: وملبوس) أي وطهارة ملبوس، كثوب ونحوه. (قوله: وغيره) أي غير ملبوس كمنديل. (قوله: من كل محمول) بيان للغير، أي أو ملاق للمحمول. وقوله: له أي للمصلي. (قوله: وإن لم يتحرك) أي المحمول. وقوله: بحركته أي المصلي، وذلك كطرف ذيله أو كمه أو عمامته الطويل. وفارق صحة سجوده على ما لم يتحرك بحركته بأن اجتناب النجاسة فيها شرع للتعظيم، وهذا ينافيه. والمطلوب في السجود الاستقرار على غيره، والمقصود حاصل بذلك. (قوله: ومكان يصلى فيه) أي وطهارة مكان يصلى فيه، ويستثنى منه ما لو كثر ذرق الطيور فيه، فإنه يعفى عنه في الفرش والأرض بشروط ثلاثة: أن لا يتعمد الوقوف عليه، وأن لا تكون رطوبة، وأن يشق الاحتراز عنه. (قوله: عن نجس) متعلق بطهارة. وقوله: غير معفو عنه اعلم أن النجس من حيث هو ينقسم أربعة أقسام: قسم لا يعفى عنه في الثوب والماء، كروث وبول. وقسم يعفى عنه فيهما، كما لا يدركه الطرف. وقسم يعفى عنه في

ناسيا أو جاهلا بوجوده، أو بكونه مبطلا، لقوله تعالى: * (وثيابك فطهر) * ولخبر الشيخين. ولا يضر محاذاة نجس لبدنه، لكن تكره مع محاذاته، كاستقبال نجس أو متنجس. والسقف كذلك إن قرب منه بحيث يعد محاذيا له عرفا. (ولا يجب اجتناب النجس) في غير الصلاة، ومحله في غير التضمخ به في بدن أو ثوب، فهو حرام بلا حاجة، وهو شرعا مستقذر، يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص، فهو (كروث وبول ولو) كانا من طائر ـــــــــــــــــــــــــــــ الثوب دو ن الماء، كقليل الدم. وفرق الروياني بينهما بأن الماء يمكن صونه بخلاف الثوب، وبأن غسل الثوب كل ساعة يقطعه بخلاف الماء. وقسم يعفى عنه في الماء دون الثوب، كميتة لا دم لها سائل، وزبل الفيران التي في بيوت الا خلية. (قوله: فلا تصح الخ) مفرع على مفهوم قوله: طهارة بدون إلخ. وقوله: معه أي النجس المذكور في البدن والملبوس والمكان. (قوله: ولو ناسيا أو جاهلا) غاية لعدم صحة الصلاة معه، أي لا تصح معه، ولو كان مع النسيان أو الجهل. وذلك لأن الطهر عن النجس من قبيل الشروط، وهي من باب خطاب الوضع الذي لا يؤثر فيه الجهل أو النسيان. قاله ابن حجر. (قوله: بوجوده أو بكونه مبطلا) تنازعه كل من ناسيا أو جاهلا، والباء فيهما زائدة. فلو صلى بنجس لم يعلمه أو علمه، ونسي ثم تذكر، وجبت الإعادة لكل صلاة صلاها متيقنا فعلها مع ذلك النجس، بخلاف ما احتمل حدوثه بعده. (قوله: لقوله تعالى إلخ) دليل لاشتراط الطهارة عن النجس. وقوله: * (وثيابك فطهر) *) أي على القول بأن معناها الطهارة عن النجاسة، وإنما يتم الاستدلال به للطهارة في البدن بطريق القياس. اه بجيرمي. (قوله: ولخبر الشيخين) هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي. ووجه الاستدلال به أن فيه الأمر باجتناب النجس، وهو لا يجب بغير تضمخ في غير الصلاة، فوجب فيها. والأمر بالشئ يفيد النهي عن ضده، والنهي في العبادات يقتضي فسادها. (قوله: ولا يضر) أي في صحة صلاته، لأنه غير حامل ولا ملاق للنجس. وقيل: يضر، لأنه منسوب إليه لكونه مكان صلاته، فتعين طهارته كالذي يلاقيه. وقوله: محاذاة نجس أي أو متنجس. وقوله: لبدنه أي أو محموله. (قوله: لكن تكره) أي الصلاة. وقوله: مع محاذاته أي النجس. (قوله: كاستقبال إلخ) مثال للمحاذاة التي تكره الصلاة معها. وقوله: نجس أو متنجس أي كائنين أمامه في جهة القبلة. قال في النهاية: وشمل كلامه ما لو صلى ماشيا وبين خطواته نجاسة. قال بعضهم: وعموم كلامهم يتناول السقف، ولا قائل به. ويرد بأنه تارة يقرب منه بحيث يعد محاذيا له عرفا، والكراهة حينئذ ظاهرة. وتارة لا، فلا كراهة. وعلم من ذلك كراهة صلاته بإزاء متنجس في إحدى جهاته إن قرب منه بحيث ينسب إليه، لا مطلقا كما هو ظاهر. اه. (قوله: والسقف كذلك) أي إذا كان نجسا أو متنجسا تكره محاذاته، لكن مع القرب منه لا مع البعد عنه بحيث لا يعد محاذيا له عرفا. (قوله: ولا يجب اجتناب النجس في غير الصلاة) أي إذا كان لحاجة، بدليل التقييد بعد بقوله: ومحله إلخ، كأن بال ولم يجد شيئا يستنجي به فله تنشيف ذكره بيده ومسكه بها، وكمن ينزح الا خلية ونحوها، وكمن يذبح البهائم، وكمن احتاج إليه للتداوي كشرب بول الإبل لذلك، كما أمر - صلى الله عليه وسلم - به العرنيين. فإن كان لغير حاجة وجب اجتنابه، لأن ما حرم ارتكابه وجب اجتنابه. (قوله: ومحله) أي محل عدم وجوب اجتنابه. (قوله: في غير التضمخ به) أي التلطخ بالنجس عمدا. (قوله: أو ثوب) قال في التحفة: على تناقض فيه. اه. (قوله: فهو) أي التضمخ، والفاء للتعليل. وقوله: بلا حاجة أما معها فلا يحرم، وقد علمتها. (قوله: وهو) أي النجس. وقوله: شرعا الخ وأما لغة: فهو كل مستقذر، ولو معنويا كالكبر والعجب، أو طاهرا كالمخاط والمني. (قوله: مستقذر إلخ) عرفه بعضهم بقوله: هو كل عين حرم تناولها على الإطلاق حالة الاختيار مع سهولة التمييز، لا لحرمتها ولا لاستقذارها ولا لضررها في بدن

وسمك وجراد وما لا نفس له سائلة، أو (من مأكول) لحمه على الاصح. قال الاصطخري والروياني من أئمتنا، كمالك وأحمد: إنهما طاهران من المأكول. ولو راثت أو قاءت بهيمة حيا، فإن كان صلبا بحيث لو زرع نبت، فمتنجس يغسل ويؤكل، وإلا فنجس. ولم يبينوا حكم غير الحب. قال شيخنا: والذي يظهر أنه إن تغير عن حاله ـــــــــــــــــــــــــــــ أو عقل. وقوله: على الإطلاق: خرج به ما يباح قليله ويحرم كثيره، كالبنج والأفيون والحشيشة وجوزة الطيب، فهو طاهر. وقوله: حالة الاختيار: هو للإدخال لا للإخراج، لأن الاضطرار إنما أباح تناولها ولم يخرجها من النجاسة. وقوله مع سهولة التمييز: هو للإدخال أيضا، لأن دون الفاكهة والجبن ونحوهما نجس وإن أبيح تناوله، لعسر تمييزه. وقوله: لا لحرمتها: أي تعظيمها، خرج به لحم الآدمي فإنه طاهر، وحرمة تناوله لا لنجاسته بل لحرمته. وقوله: ولا لاستقذارها: خرج به نحو المخالط فإنه طاهر أيضا، وحرمة تناوله لا لنجاسته بل لاستقذاره. وقوله: ولا لضررها في بدن أو عقل: خرج به ما ضر بالبدن كالسميات، أو العقل كالأفيون والزعفران، فإنه طاهر وحرمة تناوله لا لنجاسته بل لضرره. ونفي الاستقذار في هذا التعريف لا ينافي ثبوته في تعريف الشارح لأن المنفي الاستقذار اللغوي، والمثبت الاستقذار الشرعي. على أن قولهم: لا لاستقذارها. لا يقتضي أنها ليست مستقذرة، بل إن حرمة تناولها ليست لأجل استقذارها وإن كان ثابتا. (قوله: يمنع صحة الصلاة) اعترض بأن هذا حكم، وهو لا يجوز دخوله في الحد لأنه يؤدي إلى الدور لتوقف معرفة المعرف - وهو النجس - على معرفة الحكم - وهو المنع من صحة الصلاة؟. وأجيب: بأنه رسم لا حد، والممنوع أخذ الحكم في الحدود. قال في السلم: وعندهم من جملة المردودأن دخل الأحكام في الحدود (قوله: حيث لا مرخص) أي موجود، وهذا القيد للإدخال، فيدخل المستنجي بالحجر فإنه يعفى عن أثر الاستنجاء وتصح إمامته، ومع ذلك محكوم على هذا الأثر بالتنجس إلا أنه عفي عنه. ويدخل أيضا فاقد الطهورين إذا كان عليه نجاسة، فإنه يصلي لحرمة الوقت ولكن عليه الإعادة. (قوله: فهو) أي النجس، والفاء فاء الفصيحة أفصحت عن شرط مقدر، فكأن سائلا سأل عن النجس ما هو؟ فقال: هو إلخ. (قوله: كروث وبول) أي لما رواه البخاري: إنه - صلى الله عليه وسلم - لما جئ له بحجرين وروثة ليستنجي بها أخذ الحجرين ورد الروثة، وقال: هذا ركس والركس: النجس. وللأمر بصب الماء على البول في خبر الأعرابي الذي بال في المسجد. وقيس به سائر الأبوال واستثنى من ذلك فضلات النبي - صلى الله عليه وسلم - فهي طاهرة، كما جزم به البغوي، وصححه القاضي وغيره. وقال ابن الرفعة: إنه الحق الذي أعتقده وألقى الله به. قال الزركشي: وينبغي طرد الطهارة في فضلات سائر الأنبياء، والحصاة التي تخرج عقب البول إن تيقن انعقادها منه فهي نجسة وإلا فمتنجسة. (قوله: ولو كانا) أي الروث والبول، والغاية للرد. وقوله: من طائر أي مأكول، لما علمت أن الغاية للرد وهي لا تكون إلا فيه، لأنه إذا كان غير مأكول فلا خلاف فيه، وقد صرح بالقيد المذكور في النهاية. (قوله: أو من مأكول) من ذكر العام بعد الخاص، إذ الطائر والسمك والجراد من المأكول. ولو لم يذكر الغاية السابقة واستغنى بهذا لكان أولى وأخصر. تأمل. (قوله: قال الاصطخري الخ) هذا مقابل الأصح. (قوله: أنهما) أي الروث والبول. وهو بكسر الهمزة مقول القول. (قوله: فإن كان صلبا الخ) أي فإن كان الحب الذي راثته أو قاءته صلبا، أي جامدا صحيحا. وعبارة النهاية: نعم، لو رجع منه حب صحيح صلابته باقية، بحيث لو زرع نبت، كان متنجسا لا نجسا. ويحمل كلام من أطلق نجاسته على ما إذا لم يبق فيه تلك القوة، ومن أطلق كونه متنجسا على بقائها فيه، كما في نظيره من الروث. اه. (قوله: ولم يبينوا) أي الفقهاء. وقوله: حكم غير الحب أي كالبيض واللوز والجوز ونحو ذلك، إذا قاءته البهيمة أو راثته. قال في النهاية: وقياسه - أي الحب - في البيض لو خرج منه صحيحا بعد ابتلاعه بحيث تكون فيه قوة خروج الفرخ أن يكون متنجسا لا نجسا. اه. (قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد. واعلم أن قوله: ولو راثت، إلى قوله: وإلا فمتنجس. عبارة فتح الجواد: خلافا لما يوهمه صنيعه.

قبل البلع ولو يسيرا فنجس، وإلا فمتنجس. وفي المجموع عن شيخ نصر: العفو عن بول بقر الدياسة على الحب. وعن الجويني: تشديد النكير على البحث عنه وتطهيره. وبحث الفزاري العفو عن بعر الفأرة إذا وقع في مائع وعمت البلوى به. وأما ما يوجد على ورق بعض الشجر كالرغوة فنجس، لانه يخرج من باطن بعض الديدان، كما شوهد ذلك وليس العنبر روثا، خلافا لمن زعمه، بل هو نبات في البحر. (ومذي) بمعجمة، للامر بغسل الذكر منه، وهو ماء أبيض أو أصفر رقيق، يخرج غالبا عند ثوران الشهوة بغير شهوة قوية. (وودي) بمهملة، وهو ماء أبيض كدر ثخين، يخرج غالبا عقب البول أو عند حمل شئ ثقيل. (ودم) حتى ما بقي على نحو عظم، لكنه معفو عنه. واستثنوا منه الكبد والطحال والمسك، أي ولو من ميت، إن انعقد. والعلقة ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: والذي يظهر أنه) أي غير الحب. (قوله: إن تغير عن حاله قبل البلع) أي تغير عن صفته الكائنة قبل البلع. (قوله: فنجس) أي فهو نجس. (قوله: وإلا فمتنجس) أي وإن لم يتغير عن حاله فهو متنجس كالحب. (قوله: العفو عن بول الخ) يعني أنه إذا بالت البقر على الحب حال دياستها عليه يعفى عن بولها للضرورة. (قوله: وعن الجويني تشديد النكير) أي ونقل عن الجويني أنه شدد في النكير، أي أنكر إنكارا شديدا على البحث عن بول بقر الدياسة على الحب. وهو مؤيد لما في المجموع. وقوله: وتطهيره بالجر، عطف على البحث وضميره يعود على الحب الذي فيه بول ما ذكر. أي وتشديد النكير على تطهير الحب عن بول ما ذكر، وذلك لما فيه من المشقة. (قوله: إذا وقع) أي البعر، في مائع، أي ماء أو غيره. (قوله: وعمت البلوى به) أي بوقوعه في المائع. (قوله: وأما ما يوجد الخ) لم يذكر مقابلا لأما، فكان الأولى إسقاطها. وقوله: كالرغوة الجار والمجرور حال من ما، أي حال كون الذي يوجد على الورق كائنا كالرغوة في البياض. وقوله: فنجس انظر هل هو معفو عنه أم لا؟. ومقتضى قوله الآتي أو بين أوراق شجر النارجيل الأول. (قوله: بل هو نبات في البحر) قال في التحفة: فما تحقق منه أنه مبلوع متنجس لأنه متجمد غليظ لا يستحيل. (قوله: ومذي) بالجر عطف على روث. (قوله: للأمر بغسل الذكر منه) أي في خبر الشيخين في قصة سيدنا علي رضي الله عنه لما قال: كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - لقرب ابنته مني، فأخبرت المغيرة، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ. (قوله: وهو) أي المذي. وقوله: ماء أبيض أو أصفر رقيق قال ابن الصلاح: أنه يكون في الشتاء أبيض ثخينا وفي الصيف أصفر رقيقا، وربما لا يحس بخروجه وهو أغلب في النساء منه في الرجال، خصوصا عند هيجانهن. (قوله: وودي) بالجر أيضا، عطف على روث. (قوله: بمهملة) قال في التحفة: ويجوز إعجامها. اه. (قوله: عقب البول) أي حيث استمسكت الطبيعة. (قوله: أو عند حمل شئ ثقيل) أي أو يخرج عند حمل شئ ثقيل. (قوله: ودم) بالجر أيضا، عطف على روث، فهو نجس ولو سال من سمك وكبد وطحال، لقوله تعالى: * (أو دما مسفوحا) * أي سائلا. ولخبر: فاغسلي عنك الدم وصلي. وخرج بالمسفوح في الآية الكبد والطحال فهما طاهران. قال ع ش: وإن سحقا وصارا كالدم. اه. (قوله: حتى ما بقي على نحو عظم) أي حتى الدم الباقي على نحو عظم فإنه نجس. وقيل: إنه طاهر. وهو قضية كلام النووي في المجموع، وجرى عليه السبكي. ويدل له من السنة قول عائشة رضي الله عنها: كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعلوها الصفرة من الدم فيأكل ولا ينكره. والمعتمد الأول لأنه دم مسفوح، ولا ينافيه ما تقدم من السنة، لأنه محمول على العفو عنه، ومعلوم أن العفو لا ينافي النجاسة. (قوله: لكنه) أي ما بقي على نحو عظم. وقوله: معفو عنه أي في الأكل، وإن اختلط بماء الطبخ وغيره وكان واردا على الماء. نعم، إن لاقاه ماء لغسله اشترط زوال أوصافه قبل وضعه في القدر، فما يفعله الجزارون الآن من صب الماء على المذبح لإزالة الدم عنه مضر لعدم إزالة الأوصاف. وقال ابن العماد في منظومته: والدم في اللحم معفو كذا نقلوا فقبل غسل فلا بأس بطبخته وشيخ شيراز لم يسمح بما نقلوا بل عد من واجب تطهير لحمته

والمضغة، ولبنا خرج بلون دم، ودم بيضة لم تفسد. (وقيح) لانه دم مستحيل، وصديد: وهو ماء رقيق يخالطه دم، وكذا ماء جرح. وجدري ونفط إن تغير، وإلا فماؤها طاهر (وقئ معدة) وإن لم يتغير، وهو الراجع بعد الوصول للمعدة ولو ماء، أما الراجع قبل الوصول إليها يقينا أو احتمالا فلا يكون نجسا ولا متنجسا، خلافا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: واستثنوا منه) أي من الدم. (قوله: الكبد والطحال) أي لخبر الصحيحين: أحلت لنا ميتتان ودمان. السمك والجراد، والكبد والطحال. (قوله: والمسك) أي واستثنوا المسك، فإنه طاهر لخبر مسلم: المسك أطيب الطيب. وقوله: ولو من ميت أي ولو انفصل من ظبي ميت، وهذا بخلاف فأرته، فإنها إن انفصلت من ميت فهي نجسة، وإن انفصلت من حي فهي طاهرة. والتفصيل المذكور بين المسك وفأرته هو ما جرى عليه ابن حجر. وجرى شيخ الإسلام في شرح الروض على أنه لا فرق بينهما، بل إن انفصلا في حال الحياة فهما طاهران وإلا فنجسان. ونص عبارته وظاهر كلامه - كالأصل - أن المسك طاهر مطلقا، وجرى عليه الزركشي والأوجه أنه كالأنفحة جريا على الأصل في أن المبان من الميتة النجسة نجس. اه. ووافقه م ر على ذلك. (قوله: إن انعقد) أي المسك، وتجسد. (قوله: والعلقة) أي واستثنوا العلقة، وهي دم غليظ استحالت عن المني. وقوله: والمضغة وهي لحمة صغيرة استحالت عن العلقة. (قوله: ولبنا) أي واستثنوا لبنا فهو طاهر، ومحله إذا كان من مأكول أو من آدمي، فإن كان من غيره فهو نجس. (قوله: ودم بيضة) أي واستثنوا دم بيضة. وقوله: لم تفسد أي لم تصر مذرة بحيث لا تصلح للتفرخ، فإن فسدت فهو نجس. وعبارة النهاية: ولو استحالت البيضة دما وصلح للتخلق فطاهرة، وإلا فلا. وقوله وإلا فلا، قال ع ش: من ذلك: البيض الذي يحصل من الحيوان بلا كبس ذكر، فإنه إذا صار دما كان نجسا لأنه لا يأتي منه حيوان. اه ابن حجر بالمعنى. اه. وعبارة المغني: ولو استحالت البيضة دما فهي طاهرة على ما صححه المصنف في تنقيحه هنا، وصحح في شروط الصلاة منه. وفي التحقيق وغيره أنها نجسة. قال شيخنا: وهو ظاهر على القول بنجاسة مني غير الآدمي، وأما على غيره فالأوجه حمله على ما إذا لم يستحل حيوانا. والأول على خلافه. (فائدة) يقال مذرت البيضة - بالذال المعجمة - إذا والأول على خلافه فست. وفي الحديث: شر النساء المذرة الوذرة. أي الفاسدة التي لا تستحي عند الجماع. اه. والاستثناء في هذه المذكورات متصل، إذ الكبد والطحال دمان تجمد، أو المسك دم استحال طيبا، والعلقة والمضغة أصلهما، وهو المني دم مستحيل، واللبن أصله دم. وإنما حكم عليها بالطهارة لأن الاستحالة تقتضي التطهر كالتخلل. (قوله: وقيح) بالجر، عطف على روث، فهو نجس. (قوله: لأنه دم مستحيل) لك أن تقول: كونه كذلك لا يقتضي نجاسته، بدليل المني واللبن. إلا أن يجاب بأن المراد مستحيل إلى فساد لا إلى صلاح. فتأمل. سم بجيرمي. (قوله: وصديد) بالجر، عطف على قيح أو على روث، فهو نجس. (قوله: وهو) أي الصديد: ماء رقيق، أي ليس بثخين. (قوله: وكذا ماء الخ) أي ومثل الصديد ماء جرح، وماء جدري، وماء نفط. وقوله: إن تغير أي هو نجس إن تغير. (قوله: وإلا) أي وإن لم يتغير. وقوله: فماؤها طاهر الأولى: فهو طاهر، لأن المقام للإضمار. وعبارة شرح الروض: فإن لم يتغير ماء القرح فطاهر كالعرق، خلافا للرافعي. اه. (قوله: وقئ معدة) بالجر، عطف على روث، فهو نجس. ويستثنى منه الغسل بناء على أنه يخرج من فم النحل، وقيل: يخرج من دبرها، وعليه فهو مستثنى من الروث. وقيل: يخرج من ثقتين تحت جناحها، وعليه فلا استثناء إلا بالنظر إلى أنه حينئذ كاللبن، وهو من غير المأكول نجس. (قوله: وإن لم يتغير) أي وإن لم يخرج القئ متغيرا. (قوله: ولو ماء) أي ولو كان ماء. ولو فوق قلتين خلافا للأسنوي. حيث ادعى أن الماء دون القلتين يكون متنجسا لا نجسا يطهر بالمكاثرة، قياسا على الحب. بجيرمي. (قوله: قبل الوصول إليها) أي المعدة. (قوله: خلافا

للقفال. وأفتى شيخنا أن الصبي إذا ابتلي بتتابع القئ عفي عن ثدي أمه الداخل في فيه، لا عن مقبله أو مماسه، وكمرة ولبن غير مأكول إلا الآدمي، وجرة نحو بعير. أما المني فطاهر، خلافا لمالك. وكذا بلغم غير ـــــــــــــــــــــــــــــ للقفال) أي القائل بأن ما رجع من الطعام قبل وصوله للمعدة متنجس. وجرى الجمال الرملي في النهاية على أن ما جاوز مخرج الباطن - وهو الحاء المهملة - نجس وإن لم يصل إلى المعدة. (قوله: وأفتى شيخنا أن الصبي إلخ) عبارة فتاويه: وسئل رضي الله عنه: هل يعفى عما يصيب ثدي المرضعة من ريق الرضيع المتنجس بقئ أو ابتلاع نجاسة أم لا؟ فأجاب رضي الله عنه: ويعفى عن فم الصغير وإن تحققت نجاسته. كما صرح به ابن الصلاح فقال: يعفى عما اتصل به شئ من أفواه الصبيان مع تحقق نجاستها. وألحق بها غيرها من أفواه المجانين. وجزم به الزركشي. ويؤيد ذلك نقل المحب الطبري عن ابن الصباغ، واعتمد أنه يعفى عن جرة البعير فلا تنجس ما شربت منه، ويعفى عما يتطاير من ريقه المتنجس، وألحق به فم ما يجتر من ولد البقر والضأن إذا التقم أخلاف أمه، لمشقة الاحتراز عنه، سيما في حق المخالط لها. ويؤيده ما في المجموع عن الشيخ أبي منصور أنه يعفى عما تحقق إصابة بول ثور الدياسة له. والله سبحانه وتعالى أعلم. اه. وإذا تأملت الجواب المذكور تجد فيه أنه لا فرق في العفو عن فم الصبي بين ثدي أمه الداخل في فيه وغيره من المقبل له، والمماس له، وليس فيه تخصيص بالثدي المذكور. وسينقل الشارح عن ابن الصلاح ما يفيد العموم. فهو موافق لجواب الفتاوي المذكور. ويمكن أن يقال إن لشيخه فتوى غير هذه لم تقيد في الفتاوي. (قوله: عفي إلخ) أي فلها أن تصلي به ولا تغسله. وقوله: عن ثدي أمه هو صادق بغير الحلمة. لكن قوله: الداخل في فيه يخصصه بها، إذ هي التي تدخل ففم الصبي لا غير. (قوله: لا عن مقبله) هو بضم الميم وفتح القاف وتشديد الباء. وقوله: أو مماسة من عطف العام على الخاص. فلو قبل فم الصبي المبتلى بتتابع القئ، أو مسه، ولو من غير تقبيل، لا يعفى عنه فيجب غسله. ونقل سم عن م ر أنه لو تنجس فم الصبي الصغير بنحو القئ، ولم يغب وتمكن من تطهيره، بل استمر معلوم التنجس، عفي عنه فيما يشق الاحتراز عنه، كالتقام ثدي أمه فلا يجب عليها غسله، وكتقبيله في فمه على وجه الشفقة مع الرطوبة فلا يلزم تطهير الفم. اه. (قوله: وكمرة) الأولى حذف الكاف لأنه معطوف على قئ معدة، أو على روث. وهي بكسر الميم وتشديد الراء: ما في المرارة، أي الجلدة. وخرج بما فيها نفسها فإنها متنجسة تطهر بالغسل فيجوز أكلها إن كانت من حيوان مأكول كالكرش - بفتح الكاف وكسر الراء: (قوله: ولبن غير مأكول) ولو من أتان، خلافا للأصطخري. وفارق منيه وبيضه بأنهما أصل حيوان طاهر فكانا طاهرين مثله، واللبن مرباه، والأصل أقوى من المربى. وخرج به المأكول لحمه فإنه طاهر، لقوله تعالى: * (لبنا خالصا سائغا للشاربين) *. وقوله: إلا الآدمي أي فلبنه طاهر ولو من صغير ذكر ميت، لقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * ولا يليق بكرامته أن يكون منشؤه نجسا، ولأنه أولى بالطهارة من المني. (قوله: وجرة نحو بعير) وهي بكسر الجيم، ما يخرجه البعير ونحوه ليجتر عليه، أي ليأكله ثانيا. وأما قلة البعير - وهي ما يخرجه من جانب فمه - فطاهرة لأنها من اللسان. (قوله: أما المني فطاهر) الأولى: والمني طاهر، بحذف أما والفاء لعدم ذكر المقابل. والمجمل وهو طاهر من كل حيوان ما عدا الكلب والخنزير والمتولد منهما، أما مني الآدمي فلحديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تحك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يصلي فيه. وأما مني غيره،

معدة من رأس أو صدر وماء سائل من فم نائم، ولو نتنا أو أصفر، ما لم يتحقق أنه من معدة، إلا ممن ابتلي به فيعفى عنه وإن كثر. ورطوبة فرج، أي قبل على الاصح. وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعرق، يخرج ـــــــــــــــــــــــــــــ فلأنه أصل حيوان طاهر فأشبه مني الأدمي. ومحل طهارة المني. إن كان رأس الذكر والفرج الذي خرج منه المني طاهرا، وإلا كان متنجسا وحرم الجماع، كالمستنجي بالحجر إذا خرج منه مني فإنه يكون متنجسا، وكما إذا خرج منه مذي - كما هو الغالب من سبقه للمني - فإنه يتنجس به. نعم، يعفى عمن ابتلي به بالنسبة للجماع، كما صرح به البجيرمي في باب النجاسة. (قوله: خلافا للمالك) عبارة البجيرمي: وقال الإمام أبو حنيفة ومالك بنجاسة المني من الآدمي. وقال الشافعي وأحمد إنه طاهر. زاد الشافعي: وكذا مني كل حيوان طاهر. وأما حكم التنزه عنه فيجب غسله عند مالك رطبا ويابسا. وعند أبي حنيفة يغسل رطبا ويفرك يابسا كما ورد. اه. (قوله: وكذا بلغم غير معدة) أي فهو طاهر مثل المني بخلاف بلغم المعدة فإنه نجس. (وقوله: من رأس أو صدر) بيان لغير المعدة. (قوله: وماء سائل الخ) أي وكذا مثل المني ماء سائل فهو طاهر. وقوله: من فم نائم هو ليس بقيد بل للغالب. (قوله: ولو نتنا أو أصفر) أي ولو كان الماء السائل خرج نتنا أي له رائحة، أو خرج أصفر. (وقوله: ما لم يتحقق أنه من معدة) بأن تحقق أنه من غيرها، أو شك فيه هل هو من المعدة أو غيرها؟. لكن الأولى غسل ما يحتمل أنه منها. فإن تحقق أنه منها فهو نجس. وقوله: إلا ممن ابتلي به المراد بالابتلاء أن يكثر وجوده بحيث يقل خلوه عنه. وقوله: فيعفى عنه أي في الثوب وغيره، ومثله من ابتلي بالقئ، فيعفى عنه في الثوب والبدن، كما في النهاية. وقد ذكر ابن العماد ثلاثة أقوال فيما سال من فم النائم وهي: قيل: إنه طاهر مطلقا. وقيل: إنه نجس مطلقا. والثالث: التفصيل بين الخارج من المعدة والخارج من الفم. وذكر أيضا ثلاثة أقوال في علامة الخارج من المعدة أو الفم، فقال: ومن إذا نام سال الماء من فمه مع التغير نجس في تتمته قال الجويني ما من بطنه نجس وطاهر ما جرى من ماء لهوته ونص كاف متى ما صفرة وجدت فإنه قد جرى من ماء معدته وقيل ما بطنه إن نام لازمه بأن يرى سائلا مع طول نومته والماء من لهوة بالعكس آيته من بله شفة جفت بريقته وبعضهم إن ينم والرأس مرتفع على الوساد فذا طاهر كريقته وأنكر الطب كون البطن ترسله بو ليث الجنفي أفتى بطهرته وقد رأى عكسه تنجيسه المزني فبلغم عنده رجس كقيئته من دام هذا به مع قولنا نجس في حقه قد عفوا عنه كبثرته (قوله: ورطوبة فرج) معطوف على بلغم. أي فهي طاهرة أيضا، سواء خرجت من آدمي أو من حيوان طاهر غيره.

من باطن الفرج الذي لا يجب غسله، بخلاف ما يخرج مما يجب غسله فإنه طاهر قطعا، وما يخرج من وراء باطن الفرج فإنه نجس قطعا، ككل خارج من الباطن، وكالماء الخارج مع الولد أو قبله، ولا فرق بين انفصالها وعدمه على المعتمد. قال بعضهم: الفرق بين الرطوبة الطاهرة والنجسة الاتصال والانفصال. فلو انفصلت، ففي الكفاية عن الامام أنها نجسة، ولا يجب غسل ذكر المجامع والبيض والولد. وأفتى شيخنا بالعفو عن رطوبة الباسور لمبتلى بها، وكذا بيض غير مأكول، ويحل أكله على الاصح. وشعر مأكول وريشه إذا أبين في ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: على الأصح) مقابله أنها نجسة. (قوله: وهي) أي رطوبة الفرج الطاهرة على الأصح. (قوله: متردد بين المذي والعرق) أي ليس مذيا محضا ولا عرقا كذلك. (قوله: الذي لا يجب غسله) خالف في ذلك الجمال الرملي، وقال: إنها إن خرجت من محل لا يجب غسله فهي نجسة، لأنها حينئذ رطوبة جوفية. وحاصل ما ذكره الشارح فيها أنها ثلاثة أقسام: طاهرة قطعا، وهي ما تخرج مما يجب غسله في الاستنجاء، وهو ما يظهر عند جلوسها. ونجسة قطعا، وهي ما تخرج من وراء باطن الفرج، وهو ما لا يصله ذكر المجامع. وطاهرة على الأصح، وهي ما تخرج مما لا يجب غسله ويصله ذكر المجامع. وهذا التفصيل هو ملخص ما في التحفة. وقال العلامة الكردي: أطلق في شرحي الإرشاد نجاسة ما تحقق خروجه من الباطن، وفي شرح العباب بعد كلام طويل. والحاصل أن الأوجه ما دل عليه كلام المجموع: أنها متى خرجت مما لا يجب غسله كانت نجسة. اه. وفي سم ما نصه: قال - أي في شرح العباب - وتردد ابن العماد في طهارة القصة البيضاء، وهي التي تخرج عقب انقطاع الحيض. والظاهر أنه إن تحقق خروجها من باطن الفرج، أو أنها نحو دم متجمد، فنجسة وإلا فطاهرة. اه. وقوله: وتردد ابن العماد. قال في نظمه للمعفوات: ترية لدماء الحيض معقبة في طهرها نظر تسمى بقصته قال في شرحه: وينبغي أن يقال إن قلنا بنجاسة رطوبة الفرج فهي نجسة، أو بطهارته فوجهان أصحهما طهارتها. قال أحمد بن حنبل: سألت الشافعي رضي الله عنه عن القصة البيضاء فقال: هو شئ يتبع دم الحيض، فإذا رأته فهو طاهر. (قوله: فإنه طاهر قطعا) قال في التحفة: القطع فيه وفيما بعده، ذكره الإمام واعترض بأن المنقول جريان الخلاف في الكل. اه. (قوله: ككل خارج من الباطن) أي فإنه نجس، ما عدا البيض والولد فإنهما طاهران، كما سيصرح به قريبا. (قوله: وكالماء الخارج مع الولد) أي فإنه نجس. وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام. وعبارة التحفة فيها إسقاط حرف العطف، وهو أولى، وعليه فيكون مثالا للخارج من الباطن. (قوله: ولا فرق بين انفصالها وعدمه) أي لا فرق في التفصيل المذكور بين انفصال رطوبة الفرج وعدمه. فالانفصال ليس شرطا في الحكم عليها بأنها نجسة، وعدمه ليس شرطا في الحكم عليها بالطهارة، خلافا لبعضهم. (قوله: قال بعضهم) مقابل المعتمد. (قوله: فلو انفصلت) أي وإذا لم تنفصل فهي طاهرة. وقوله: أنها نجسة قال سم: لأنها ليس لها قوة على الانفصال إلا إذا خرجت من الباطن فتكون نجسة. اه. (قوله: ولا يجب غسل ذكر المجامع الخ) أي من رطوبة الفرج، سواء كانت طاهرة أو نجسة، لأنها على الثاني يعفى عنها فلا تنجس ما ذكر، ولا تنجس أيضا مني المرأة. قال ابن العماد: رطوبة الفرج من يحكي نجاستها قد قال في ولد يعفى وبيضته (قوله: وأفتى شيخنا بالعفو عن رطوبة الباسور) أي فهي نجسة معفو عنها، والمراد بها ما يخرج من دم ونحوه. (قوله: وكذا بيض) معطوف على قوله وكذا بلغم. أي فهو طاهر مثل المني. وقوله: غير مأكول أي من حيوان طاهر. وعبارة الروض وشرحه: والبيض المأخوذ من حيوان طاهر ولو من غير مأكول، وكذا المأخوذ من ميتة إن تصلب، وبزر قز، ومني غير الكلب والخنزير، طاهرة. وخرج بما ذكر بيض الميتة غير المتصلب ومني الكلب وما بعده، وشمل إطلاقه البيض إذا استحال دما. اه بحذف. (قوله: ويحل أكله) قال في التحفة: ما لم يعلم ضرره. (قوله: وشعر مأكول وريشه) معطوف على بيض. أي فهما طاهران. وقوله: إذا أبين أي أزيل كل منهما في حياته. أي أو بعد تذكيته، سواء كان بالجز أو بالتناثر. (قوله:

حياته. ولو شك في شعر أو نحوه، أهو من مأكول أو غيره؟ أو هل انفصل من حي أو ميت؟ فهو طاهر، وقياسه أن العظم كذلك. وبه صرح في الجواهر. وبيض الميتة إن تصلب طاهر وإلا فنجس. وسؤر كل حيوان طاهر طاهر، فلو تنجس فمه ثم ولغ في ماء قليل أو مائع، فإن كان بعد غيبة يمكن فيها طهارته بولوغه في ماء كثير أو جار لم ينجسه ولو هرا وإلا نجسه. قال شيخنا - كالسيوطي، تبعا لبعض المتأخرين - إنه يعفى عن يسير عرفا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقياسه) أي الشعر ونحوه. وقوله: إن العظم كذلك أي فإذا شك فيه، هل هو من المأكول المذكى أو من غيره فهو طاهر وإن كان مرميا، لجريان العادة برمي العظم الطاهر. (قوله: وبيض الميتة الخ) الأنسب تقديم هذا وذكره بعد قوله وكذا بيض إلخ. (قوله: وسؤر) بالهمزة، وتقلب واوا، بقية الشرب من ماء أو مائع، وهو مبتدأ خبره طاهر الثاني. وقوله: حيوان طاهر احترز به عن سؤر الحيوان النجس، وهو الكلب والخنزير، فإنه نج س. (قوله: فلو تنجس فمه) أي الحيوان الطاهر. قال الكردي في شرح العباب: الفم مثال، فمثله غيره من أجزائه. بل الوجه أن نحو يد الآدمي كذلك، ولا نظر لإمكان سؤاله ولا لكونه مما يعتاد الوضوء أم لا، خلافا للزركشي إلخ. وعبر في التحفة بقوله: ولو تنجس آدمي أو حيوان طاهر. اه. (قوله: ثم ولغ) بفتح اللام وكسرها، وبفتحها في المضارع والمصدر، ولغا ولوغا. ويقال: أولفه صاحبه. والولوغ أخذ الماء بطرف اللسان لا بغيره من بقية الجوارح، ويكون للكلب والسباع كالهرة، ولا يكون لشئ من الطيور إلا الذباب - بموحدتين - ويقال: لحس الكلب الإناء إذا كان فارغا، فإن كان فيه شئ قيل: ولغ. وبين الولوغ والشرب عموم وخصوص مطلق، فكل ولوغ شرب ولا عكس، إذ الولوغ خاص باللسان من الكلب والسباع والذباب - كما مر - بخلاف الشرب. ويقال: ولغ الكلب شرابنا وفي شرابنا، فيتعدى بنفسه وبحرف الجر. اه ش ق. (قوله: أو مائع) أي وإن كثر. (قوله: فإن كان الخ) جواب لو. أي ففي ذلك تفصيل. فإن كان ولوغه فيما ذكر بعد غيبة يحتمل فيها عادة طهارة فمه بولوغه في ماء كثير لم ينجسه، وإلا نجسه. (قوله: أو جار) قد تقدم أن حكم الجاري كحكم الراكد في القلة والكثرة، وإذا كان كذلك فلا بد من تقييده بكونه كثيرا أيضا. والأولى إسقاطه لاندراجه فيما قبله. (قوله: لم ينجسه) أي مع حكمنا بنجاسة فمه، لأن الأصل نجاسته وطهارة الماء. وقد اعتضد أصل طهارة الماء باحتمال ولوغه في ماء كثير في الغيبة فرجح. (قوله: ولو هرا) أي ولو كان الذي ولغ فيما ذكر هرا فإنه لا ينجسه. والغاية للرد. قال في التحفة: والنزاع في الهرة بأن ما تأخذه بلسانها قليل لا يطهر فمها، يرده أنه تكرر الأخذ به عند شربها فينجذب إلى جوانب فمها ويطهر جميعه. (قوله: وإلا نجسه) أي وإن لم يكن ولوغه فيما ذكر بعد غيبة يمكن فيها ذلك، بأن لم تغب أصلا أو غابت غيبة لا يمكن فيها ذلك، نجسه. وإلى ذلك كله أشار ابن العماد بقوله: قليل دخ وشعر والغبار وما بفم قط أتى من بعد غيبته وشربه ممكن من ما جرى بقوى أو راكد رامه في حد كثرته إن هرة أكلت من كلبة وغدت فاشرط لها غيبة والما بكدرته

من شعر نجس من غير مغلظ، ومن دخان نجاسة، وما على رجل ذباب، وإن رؤي، وما على منفذ غير آدمي مما خرج منه، وذرق طير وما على فمه، وروث ما نشؤه من الماء أو بين أوراق شجر النارجيل التي تستر بها ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة كقطاط إن يغب سبع وفي البسيط رأى تقييد خلطته كالهر إن أكل المجنون ثم أتى من بعد غيب على أحوال جنته دجاجة خليت ترعى نجاستها في غالب مثلوا أيضا بوزته قولان للأصبحي فيها إذا وردت على الطعام نشا من خوف ضيعته وعندنا إن تغب من بعد ما أكلت نجاسة فلها أحكام قطته فم الطيور كذا وابن الصلاح رأى فم الصبي كذا عفوا بريقته من أجل ذا قبلة في الفم ما منعت قطعا وما نجسوا بزا برضعته وقوله. مما جرى: أي من ماء جار بقوة. وقوله تقييد خلطته: أي الحيوان بالناس، فلا يعفى عنده عن السبع ونحوه لانتفاء مخالطته. وقوله: للأصبحي: أي للإمام مالك بن أنس الأصبحي. وقوله: وعندنا إن تغب إلخ: هذا ضعيف، والمعتمد العفو مطلقا وإن لم تغب أصلا، لأنه يشق الاحتراز عنه. وقوله: فم الطيور كذا: أي كفم الدجاجة أيضا. والمعتمد العفو مطلقا. نص على ذلك كله الشيخ الجمل في حواشيه على شرح النظم المذكور. (قوله: إنه يعفى عن يسير - عرفا - من شعر نجس) ويعفى أيضا عن كثيره في حق القصاص والراكب لمشقة الاحتراز عنه. (قوله: من غير مغلظ) أما هو فلا يعفى عنه منه وإن احتاج إلى ركوبه لغلظ أمره وندرة وقوع مثله. اه ع ش. (قوله: ومن دخان نجاسة) معطوف على قوله من شعر نجس. أي: ويعفى عن يسير - عرفا - من دخان النجاسة، وهو المتصاعد منها بواسطة نار، ولو من بخور يوضع على نحو سرجين. ومنه ما جرت به العادة في الحمامات، فهو نجس لأنه من أجزاء النجاسة تفصله النار منها لقوتها. ويعفى عن يسيره بشرط أن لا توجد رطوبة في المحل وأن لا يكون بفعله، وإلا فلا يعفى مطلقا لتنزيلهم الدخان منزلة العين. وخرج بدخان النجاسة بخارها، وهو المتصاعد منها لا بواسطة نار، فهو طاهر. ومنه الريح الخارج من الكنف أو من الدبر فهو طاهر، فلو ملأ منه قربة حملها على ظهره وصلى بها صحت صلاته. (قوله: وعما على رجل ذباب) أي ويعفى عن النجس الذي على رجل الذباب في الماء وغيره. فهو معطوف على قوله: عن يسير عرفا. (وقوله: وإن رؤي) أي يعفى عنه مطلقا سواء رؤي أم لم ير. فإن قيل: كيف يتصور العلم به وهو لم ير؟ أجيب بأنه يمكن تصويره بما إذا عفى الذباب على نجس رطب ثم وقع على شئ فإنه لا ينجس. ويمكن تصويره أيضا بما إذا رآه قوي البصر، والمنفي رؤية البصر المعتدل. (قوله: وما على منفذ غير آدمي) أي ويعفى عما على منفذه من النجاسة فإذا وقع في الماء لا ينجسه، بخلاف ما على منفذ الآدمي فإنه لا يعفى عنه. (قوله: وذرق طير) أي ويعفى عن ذرق طير بالنسبة للمكان فقط بالشروط المارة. قال ابن العماد في منظومته: وروث طير على حصر المساجد ما في العفو عنه خلاف من مشقته كذا النواوي وابن العيد قد نقلا إطباقهم كأبي إسحاق قدوته قال النواوي لا إن عامدا وطئت أي في الطواف لساع في نسيكته

البيوت عن المفطر حيث يعسر صون الماء عنه. قال جمع: وكذا ما تلقيه الفئران من الروث في حياض الا خلية إذا عم الابتلاء به، ويؤيده بحث الفزاري، وشرط ذلك كله إذا كان في الماء أن لا يغير. انتهى. والزباد طاهر، ويعفى عن قليل شعره كالثلاث. كذا أطلقوه ولم يبينوا أن المراد القليل في المأخوذ للاستعمال أو في الاناء المأخوذ منه. قال شيخنا: والذي يتجه الاول إن كان جامدا، لان العبرة فيه بمحل النجاسة فقط، فإن كثرت في محل واحد لم يعف عنه، وإلا عفي، بخلاف المائع فإن جميعه كالشئ الواحد. فإن قل الشعر فيه عفي عنه وإلا فلا، ولا نظر للمأخوذ حينئذ. ونقل المحب الطبري عن ابن الصباغ واعتمده، أنه يعفى عن جرة البعير ونحوه فلا ينجس ما شرب منه، وألحق به فم ما يجتر من ولد البقرة والضأن إذا التقم أخلاف أمه. وقال ابن ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وما على فمه) أي ويعفى عما على فم الطير من النجاسة إذا نزل في الماء وشرب منه. (قوله: وروث ما نشؤه من الماء) أي ويعفى عن روث ما نشؤه من الماء كالعلق. (قوله: أو بين أوراق إلخ) أي ويعفى عن روث ما نشؤه بين أوراق شجر النارجيل، أي ونحوها من بقية الأشجار. (قوله: حيث يعسر) متعلق بيعفى المقدر، أي ويعفى عنه حيث يعسر إلخ. وقوله: عنه أي عن روث ما نشؤه بين أوراق شجر النارجيل. (قوله: وكذا ما تلقيه الخ) أي وكذا يعفى عما تلقيه الفيران إلخ. وعبارة البجيرمي: (فرع) ما تلقيه الفئران في بيوت الا خلية يرجع فيه للعرف، فما عده العرف قليلا عفي عنه، وما لا فلا ومحله، إذا لم يتغير أحد أوصاف الماء وإلا فلا عفو، وإذا شككنا في أنه من الفئران أو من غيرهم، فالأصل إلقاء الفئران. والفئران بالهمز، كما في القاموس. اه. (قوله: ويؤيده) أي ما قاله جمع. وقوله: بحث الفزاري أي المار. (قوله: وشرط ذلك كله) أي وشرط العفو في ذلك كله، من الشعر النجس وما بعده. وقوله: إذا كان في الماء فإن كان في غيره شرط أن لا يكون بفعله أن لا يكون ثم رطوبة كما مر. وقوله: أن لا يغير أي وأن يكون من غير مغلظ، وأن لا يكون بفعله فيما يتصور فيه ذلك. (قوله: والزباد طاهر) قال في التحفة: هو لبن مأكول بحري - كما في الحاوي - ريحه كالمسك وبياضه بياض اللبن، فهو طاهر. أو عرق سنور بري - كما هو المعروف المشاهد - وهو كذلك عندنا. اه. (قوله: ويعفى عن قليل شعره) أي الزباد. وهذا على أنه عرق سنور بري، وأما على أنه لبن مأكول بحري فهو طاهر. (قوله: كذا أطلقوه) أي العفو عن قليل الشعر. (وقوله: ولم يبينوا إلخ) بيان للإطلاق. (قوله: أن المراد) أي بقليل الشعر المعفو عنه. (قوله: القليل في المأخوذ) أي الشعر القليل الكائن في الزباد الذي يؤخذ لاستعماله. (قوله: أو في الإناء) أي أو المراد القليل في إناء الزباد الذي يؤخذ ذلك الزباد. منه. (قوله: والذي يتجه الأول) أي أن المراد القليل في المأخوذ للاستعمال. وقوله: إن كان أي الزباد، جامدا. (قوله: لأن العبرة فيه) أي في الجامد. وقوله: بمحل النجاسة أي كائنة بمحل النجاسة فقط. بدليل الحديث الوارد في الفأرة الواقعة في إناء السمن حيث قال عليه السلام: ألقوها وما حولها. (قوله: فإن كثرت) أي النجاسة. وهو مفرع على كون العبرة في الجامد بمحل النجاسة أعم من أن تكون الشعر أو غيره. وقوله: في محل واحد أي من الجامد. (قوله: لم يعف عنه) أي عن ذلك المحل الذي كثرت النجاسة فيه. (قوله: وإلا عفي) أي وإن لم تكثر فيه عفي عنه. (قوله: بخلاف المائع) أي الزباد المائع. وهو مقابل قوله: إن كان جامدا. (قوله: فإن جميعه) أي جميع أجزاء المائع كالشئ الواحد. (قوله: فإن قل الشعر فيه) أي في المائع. وقوله: عفي عنه أي عن ذلك المائع الذي فيه الشعر القليل فيجوز استعماله. (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يقل الشعر فيه فلا يعفى عنه. (قوله: ولا نظر للمأخوذ) أي فقط، بل النظر لجميع ما في الإناء. وقوله: حينئذ أي حين إذ كان مائعا. (قوله: يعفى عن جرة البعير) هي بكسر الجيم: ما تخرجه الإبل من كرشها فتجتره. وهي في الأصل نفس المعدة، ثم توسعوا فيها حتى أطلقوها على ما في المعدة. كذا قاله الأزهري. وقوله: ونحوه أي نحو البعير، من كل ما يجتر من الحيوانات. (قوله: فلا ينجس ما شرب منه) أي مع الحكم بنجاسة فمه بالجرة. قال في النهاية: ويعفى عما تطاير من ريقه

الصلاح: يعفى عما اتصل به شئ من أفواه الصبيان مع تحقق نجاستها، وألحق غيره بهم أفواه المجانين. وجزم به الزركشي. (وكميتة) ولو نحو ذباب مما لا نفس له سائلة، خلافا للقفال ومن تبعه في قوله بطهارته لعدم الدم المتعفن، كمالك وأبي حنيفة. فالميتة نجسة وإن لم يسل دمها، وكذا شعرها وعظمها وقرنها، خلافا لابي حنيفة، إذا لم يكن عليها دسم. وأفتى الحافظ ابن حجر العسقلاني بصحة الصلاة إذا حمل المصلي ميتة ذباب إن كان في محل يشق الاحتراز عنه. (غير بشر وسمك وجراد) لحل تناول الاخيرين. وأما الآدمي فلقوله تعالى: ـــــــــــــــــــــــــــــ المتنجس. (قوله: وألحق به) أي بالبعير، ولا حاجة إليه بعد قوله: ونحوه. إذ المراد به كل ما يجتر، فيشمل ولد البقر والضأن وغيره. (قوله: إذا التقم أخلاف أمه) أي ثدي أمه. ومثله إذا التقم غير ثدي أمه، كما في النهاية. (قوله: وقال ابن الصلاح الخ) قد علمت أن هذا موافق للفتوى المارة فلا تغفل. (قوله: مع تحقق نجاستها) أي الأفواه، بقئ ونحوه. (قوله: وألحق غيره) أي غير ابن الصلاح. (وقوله: بهم) أي بالصبيان. أي بأفواههم. ولو قال بها - بضمير المؤنث العائد على الأفواه - كسابقه لكان أولى. (وقوله: أفواه المجانين) أي إذا تحقق نجاستها، فيعفى عما اتصل بها. (قوله: وجزم به) أي بالإلحاق المذكور. (قوله: وكميتة) معطوف على قوله: كروث. وهي ما زالت حياتها لا بذكاة شرعية، فيدخل ما مات حتف أنفه من مأكول وغيره، وما ذكي من غير المأكول، وما ذكي منه مع فقد بعض الشروط. قال تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) * وتحريم ما ليس بمحترم ولا ضرر فيه يدل على نجاسته. اه فشني. (قوله: ولو نحو ذباب) أي ولو كانت الميتة نحو ذباب. والغاية للرد. وقوله: مما الخ بيان لنحو. وقوله: لا نفس له سائلة أي لا دم له سائل عند شق عضو منه، وذلك كنمل وعقرب وزنبور - وهو الدبور - ووزغ وقمل وبرغوث. (قوله: بطهارته) أي ما لا نفس له سائلة. (قوله: لعدم الدم المتعفن) أي وإنما حكم بطهارته لعدم وجود المتعفن فيها. (قوله: كمالك وأبي حنيفة) أي فإنهما قائلان بطهارة ما لا نفس له سائلة، فالقفال موافق لهما. (قوله: فالميتة نجسة وإن لم يسل دمها) تصريح بما علم من عطف قوله وكميتة على كروث، ولو حذفه ما ضره. (قوله: وكذا شعرها وعظمها وقرنها) الضمائر تعود على الميتة. أي فهي نجسة، لأنها أجزاؤها، إذ كل منها تحله الحياة فتتبعها نجاسة وطهارة. (قوله: خلافا لأبي حنيفة، إذا لم يكن عليها دسم) مفاد عبارته أنه رضي الله عنه يقول بطهارتها إذا لم يكن عليها دسم، فإن كان عليها ذلك فهي نجسة. والدسم طاهر فيما عدا الشعر. (قوله: إذا حمل المصلي ميتة ذباب) أي فهي نجسة معفو عنها بالشرط الذي ذكره. (وقوله: يشق الاحتراز عنه) أي عن الذباب، بأن كثر جدا في ذلك المحل الذي صلى فيه. وتقدم في مبحث الماء المطلق أنه لا ينجس بوقوع ميتة لا دم لها سائل إلا إن تغير، ولا بما كان نشؤه من الماء. (قوله: غير بشر) إن أعرب صفة لميتة احتيج إلى تقدير مضاف، أي غير ميتة بشر إلخ. وإن أعرب مضافا إليه لم يحتج إلى ذلك. والأول هو الذي يظهر من حل الشارح. قال ش ق: وكالبشر الجن والملك، بناء على الصحيح من أن كلا منهما أجسام لها ميتة، فهي طاهرة. أما الجن: فلتكليفهم بشرعنا، وإن لم نعلم تفصيل أحكامهم. وأما الملائكة: فلشرفهم. اه. (قوله: لحل تناول الأخيرين) أي السمك والجراد، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال. وقوله - صلى الله عليه وسلم - في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتة. ولا يحل إلا الطاهر. والمراد بالسمك كل ما لا يعيش في البر من حيوان البحر. قال العمريطي في نظم التحرير: وكل ما في البحر من حي يحل وإن طفا أو مات أو فيه قتل فإن يعش في البر أيضا فامنع كالسرطان مطلقا والضفدع وقوله: وإن طفا: أي علا. اه بجيرمي.

* (ولقد كرمنا بني آدم) * وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاستهم بالموت. وغير صيد لم تدرك ذكاته، وجنين مذكاة مات بذكاتها. ويحل أكل دود مأكول معه، ولا يجب غسل نحو الفم منه. ونقل في الجواهر عن الاصحاب: لا يجوز أكل سمك ملح ولم ينزع ما في جوفه، أي من المستقذرات. وظاهره: لا فرق بين كبيره وصغيره. لكن ذكر الشيخان جواز أكل الصغير مع ما في جوفه لعسر تنقية ما فيه. (وكمسكر) أي صالح للاسكار، فدخلت القطرة من المسكر. (مائع) كخمر، وهي المتخذة من العنب، ونبيذ، وهو المتخذ من غيره. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وأما الآدمي إلخ) المناسب لما قبله أن يقول: ولقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * في الأول. (قوله: ولقد كرمنا بني آدم) قال ابن عباس رضي الله عنهما: بأن جعلهم يأكلون بالأيدي وغيرهم يأكل بفيه من الأرض. وقيل: بالعقل. وقيل: بالنطق والتمييز والفهم. وقيل: باعتدال القامة. وقيل: بحسن الصورة. وقيل: الرجال باللحى والنساء بالذوائب. وقيل: بتسليطهم على جميع ما في الأرض وتسخيره لهم. وقيل: بحسن تدبيرهم أمر المعاش. اه. (قوله: وقضية التكريم إلخ) سواء في ذلك المسلم وغيره. وأما قوله تعالى: * (إنما المشركون نجس) * فالمراد به نجاسة الاعتقاد، أي إنما اعتقاد المشركين كالنجاسة في وجوب الاجتناب. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تنجسوا موتاكم، فإن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا فجرى على الغالب. أي لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - عند ذكر الأحكام لا يذكر إلا المسلمين في الغالب، وإن كان الكفار قد يشاركونهم في الحكم. وعند الإمام مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما: ميتة الآدمي نجسة إلا الأنبياء والشهداء، وتطهر بالغسل. (قوله: وغير صيد) بالجر، عطف على غير بشر. وقوله لم تدرك ذكاته أي بأن مات بالجارحة أو بالضغطة، فهو طاهر لأن ذكاته بذلك. ففي الصحيحين: إذا أرسلت كلبك وسميت وأمسك وقتل فكل، وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك لنفسه ومثل الصيد البعير الناد الميت بالسهم لأن ذلك ذكاة شرعية له. وخرج بذلك ما إذا أدركت ذكاته فلم يذك فإنه نجس. وقوله: وجنين مذكاة معطوف على صيد. أي فهو طاهر، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ذكاة الجنين ذكاة أمه. وقوله: مات بذكاتها خرج به ما إذا لم يمت بذكاتها بأن خرج حيا حياة مستقرة ثم مات من غير ذبح فهو نجس. (قوله: ويحل أكل دود مأكول) أي كدود التفاح وسائر الفواكه ودود الخل، فميتته وإن كانت نجسة لكنها لا تنجس ما ذكر، لعسر الاحتراز عنه. وحل أكله لعسر تمييزه. (قوله: ولا يجب غسل نحو الفم منه) أي لأنه لا يتنجس به. (قوله: لا يجوز أكل إلخ) مفعول نقل، أي: نقل هذا اللفظ. وقوله: أي من المستقذرات بيان لما. (قوله: وظاهره) أي ظاهر ما نقله في الجواهر. وقوله: لا فرق أي في عدم الجواز. وقوله: بين كبيره أي السمك. (قوله: لكن ذكر الشيخان جواز أكل الصغير إلخ) وألحق في الروضة الجراد بذلك. وقوله: مع ما في جوفه قال البجيرمي: وإن كان الأصح نجاسته. (قوله: وكمسكر) معطوف أيضا على كروث. وانظر ما فائدة إعادة الكاف فيه وفيما قبله وفيما بعده، ثم ظهر أنه لما كان النجس أنواعا، كل نوع غير الآخر - فما خرج من الجوف كالروث والبول نوع، والميتة نوع، والمسكر نوع - ناسب أن يفصل كل نوع عن الآخر بحرف الجر. (قوله: فدخلت القطرة من المسكر) أي في المسكر. فمن بمعنى في. قال ابن قاسم: في هذا التفريع نظر لأن القطرة لا تصلح للإسكار، فكان الوجه أن يزاد عقب قوله صالح للإسكار قوله ولو بانضمامه لمثله. أو يقول: مسكر ولو باعتبار نوعه. اه. (قوله: مائع) صفة لمسكر. وفي الوصف به إشارة إلى أن المراد بالمسكر هنا المغطي للعقل لا ذو الشدة المطربة، وإلا لم يحتج للوصف المذكور لأن ما فيه شدة مطربة

وخرج بالمائع نحو البنج والحشيش. وتطهر خمر تخللت بنفسها من غير مصاحبة عين أجنبية لها وإن لم تؤثر في التخليل كحصاة. ويتبعها في الطهارة الدن، وإن تشرب منها أو غلت فيه وارتفعت بسبب الغليان ثم نزلت، أما إذا ارتفعت بلا غليان بل بفعل فاعل فلا تطهر، وإن غمر المرتفع قبل جفافه أو بعده بخمر أخرى - على الاوجه. كما جزم به شيخنا. والذي اعتمده شيخنا المحقق عبد الرحمن بن زياد أنها تطهر إن غمر المرتفع قبل الجفاف لا بعده. ثم قال: لو صب خمر في إناء ثم أخرجت منه، وصب فيه خمر أخرى بعد جفاف الاناء وقبل غسله لم ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يكون إلا مائعا. وفي البجيرمي نقلا عن م ر ما نصه: العبرة بكونه مائعا أو جامدا بحالة الإسكار، فالجامد حال إسكاره طاهر، والمائع حال إسكاره نجس وإن كان في أصله جامدا. اه. (قوله: وهي المتخذة الخ) أي إن الخمر هي المتخذة من عصير العنب، وهذا باعتبار حقيقتها اللغوية. وأما باعتبار حقيقتها الشرعية فهي كل مسكر، ولو من نبيذ التمر أو القصب أو العسل أو غيرها، لخبر: كل مسكر خمر وكل خمر حرام. (قوله: ونبيذ) أي وكبوظة حيث وجد فيها شدة مطربة. (قوله: وهو) أي النبيذ. (وقوله: المتخذ من غيره) أي غير العنب كالزبيب. (قوله: وخرج بالمائع نحو البنج والحشيش) أي والأفيون وجوزة الطيب والعنبر والزعفران، فهذه كلها طاهرة لأنها جامدة، وإن كان يحرم تناول القدر المسكر منها. (قوله: وتطهر خمر الخ) أي فهو مستثنى من قولهم ولا يطهر نجس العين. وإنما طهرت بالتخلل لأن علة النجاسة والتحريم الإسكار، وقد زال، ولحل اتخاذ الخل - إجماعا - هو مسبوق بالتخمر غالبا. فلو لم يطهر لتعذر حله وحرم اتخاذه. وقد يصير العصير خلا من غير أن يسبقه تخمر في ثلاث صور. إحداها: أن يصب في الدن المعتق بالخل فينقلب خلا. ثانيتها: أن يصب عليه خل أكثر منه، أو مساو له، فيصير الجميع خلا. ثالثتها: أن تجرد حبات العنب من عناقيده ويملأ الدن منه ويطين رأسه. (قوله: من غير مصاحبة عين أجنبية لها) تفسير لتخللها بنفسها. فلو أتى بأي التفسيرية لكان أوضح. وخرج بذلك ما إذا تخللت بمصاحبتها فلا تطهر - لأن من استعجل بشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه - غالبا، سواء كانت لها دخل في التخلل كبصل وخبز حار، أم لا كحصاة. ولا فرق بين ما قبل التخمر وما بعده، ولا بين أن تكون العين طاهرة أو نجسة. نعم، إن كانت طاهرة ونزعت منها قبل التخلل طهرت، أما النجسة فلا وإن نزعت قبل التخلل، لأن النجس يقبل التنجيس، واحترز بالأجنبية عن غيرها فيعفى عنه ولا تنجس به، كحبات العناقيد. قال العلامة الكردي: يعفى عن حبات العناقيد ونوى التمر وثفله وشماريخ العناقيد على المنقول، وفاقا لحجر وخلافا لشيخ الإسلام وم ر والخطيب. اه. (قوله: وإن لم تؤثر إلخ) غاية للعين المشترط عدم مصاحبتها للخمر. (قوله: ويتبعها في الطهارة الدن) أي ويتبع الخمر المتخللة في الطهارة إناؤها لئلا يعود عليها بالتنجيس فلا يكون لنا خل متخذ من خمر طاهر. أو بحث في ذلك بأن كان يكفي أن يعفى عنه للضرورة، لأنه لا وجه لطهارة الدن فإنه لا يؤثر فيه الاستحالة كما لا يخفى. (قوله: وإن تشرب) أي يطهر الدن تبعا وإن تشرب من الخمر. (قوله: أو غلبت إلخ) أي ويطهر أيضا وإن غلت الخمر في الدن وارتفعت إلى رأس الدن بسبب الغليان، ويحكم بطهارة ما ارتفعت إليه من رأس الدن وغطائه حينئذ. (قوله: فلا تطهر) أي الخمر. والمناسب لما قبله: فلا يطهر الدن ولا تطهر هي أيضا لاتصالها بالمرتفع النجس، لأن من العين المضرة ما تلوث من دنها فوقها بغير غليانها، فيعود عليها بالتنجيس إذا تخللت. وقوله: وإن غمر غاية لعدم الطهارة. أي لا تطهر وإن غمر المرتفع بخمر أخرى، بأن زيد عليه. وقوله: كما جزم به شيخنا أي في فتح الجواد. واعتمد في المغني الطهارة إذا غمر المرتفع بخمر أخرى مطلقا، سواء غمر قبل الجفاف أو بعده. ونص عبارته: ولو ارتفعت بلا غليان بل بفعل فاعل لم يطهر الدن إذ لا ضرورة، ولا الخمر لاتصالها بالمرتفع النجس. فلو غمر المرتفع بخمر طهرت بالتخلل ولو بعد جفافه، خلافا للبغوي في تقييده بقبل الجفاف. اه. (قوله: والذي اعتمده إلخ) اعتمده في النهاية أيضا، وقال إن والده اعتمده. (قوله: ثم قال) أي ابن زياد. (قوله: لو صب خمر في إناء) الصب

تطهر، وإن تخللت بعد نقلها منه في إناء آخر. انتهى. والدليل على كون الخمر خلا. الحموضة في طعمها، وإن لم توجد نهاية الحموضة، وإن قذفت بالزبد. ويطهر جلد نجس بالموت باندباغ نقاه بحيث لا يعود إليه نتن ولا فساد لو نقع في الماء. (وككلب وخنزير) وفرع كل منهما مع الآخر أو مع غيره، ودود ميتتهما طاهر، وكذا نسج عنكبوت على المشهور. كما قاله ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس بقيد بل مثله ما لو تخمر العصير في إنائه. (قوله: ثم أخرجت) أي الخمر. وقوله: منه أي من إنائه. (قوله: وصب فيه) أي في الإناء الذي أخرجت الخمر منه. (قوله: بعد جفاف الإناء) مفاده أنه إن صب فيه قبل جفافه طهرت، وهو كذلك. نظير ما لو صب على الخمر خمر أخرى من غير ارتفاع للأولى فإنها تطهر بالتخلل، كما نص عليه سم. (قوله: لم تطهر) أي الخمرة المصبوبة إذا تخللت لتنجسها بظرفها. وقوله: وإن تخللت الخ أي لا تطهر الخمر التي صبها في إناء الخمر وإن تخللت بعد نقلها من ذلك الإناء إلى إناء آخر طاهر، وذلك لأنها قد تنجست بالإناء الأول، لأن النجس يقبل التنجيس. (قوله: والدليل على كون الخمر خلا) أي على صيرورته خلافا. فالكون هنا مصدر كان بمعنى صار، إذ هي تستعمل فيه كثيرا. قال تعالى: * (فكانت هباء منبثا) * أي صارت كذلك. (قوله: الحموضة) خبر الدليل. (قوله: وإن لم توجد نهاية الحموضة) أي شدتها. وهو غاية لكون الحموضة دليلا على صيرورة الخمر خلا. (قوله: وإن قذفت بالزبد) أي رمت الخمر بالزبد - وهو بفحتين - كالرغوة. وهو غاية ثانية كذلك أيضا. (قوله: ويطهر جلد نجس بالموت) هو مستثنى أيضا من قولهم: ولا يطهر نجس العين. والحاصل: لا يطهر شئ من نجس العين، لا بالغسل ولا بالاستحالة. لكن يستثنى من هذا شيئان لا ثالث لهما في الحقيقة، للنص عليهما ولعموم الاحتياج بل الاضطرار إليهما، وهما: الخمر إذا تخللت بنفسها. والجلد النجس بالموت إذا دبغ، وإنما طهر بالدباغ للأخبار الصحيحة في ذلك، كخبر: إذا دبغ الإهاب فقد طهر. فيجوز حينئذ بيعه، وكذا أكله عند م ر إن كان من مأكول. وخرج بالجلد الشعر. نعم، يطهر قليله تبعا له عند حجر، ويعفى عنه عند الرملي. ثم هو بعد الاندباغ كثوب متنجس، فلا بد لنحو الصلاة فيه أو عليه من تطهيره. وقوله: بالموت خرج به جلد المغلظ، فإنه نجس قبل الموت فلا يطهر بالدباغ. (قوله: باندباغ) متعلق بيطهر. وقوله: نقاه أي من الرطوبات المعفنة له. وإنما تحصل التنقية المذكورة بحريف ولو نجسا، وهو ما يلذع اللسان بحرافته، كقرظ وشب - بالموحدة - وشث - بالمثلثة - وذرق طير. للخبر الحسن: يطهرها - أي الميتة - الماء. والقرظ فلا يكفي بنحو شمس وتراب وملح وإن طاب ريحه، لأنها لا تزيل رطوباته المعفنة، لعود العفونة بنفعه في الماء. (قوله: بحيث لا يعود إليه إلخ) هذه الحيثية للتقييد. أي نقاه تنقية كائنة، بحيث لو نقع في الماء بعد اندباغه لا يعود إليه نتن. والمراد: لا يعود له ذلك عن قرب، أما لو عاد إليه بعد مدة طويلة فلا يضر. لأن الأشياء الصلبة إذا مكثت في الماء مدة طويلة ربما حصل لها العفونة. والنتن مصدر سماعي لنتن، كظرف وسهل، وأما مصدره القياسي فهو نتانة ونتونة، عملا بقول ابن مالك: فعولة فعالة لفعلا (وقوله: ولا فساد) عطف تفسير، أو عام على خاص. وقال ق ل: عطف مرادف. اه بجيرمي. (قوله: وككلب) أي ولو معلما، لخبر مسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب. وجه الدلالة أن الطهارة إما لحدث أو خبث أو تكرمة. ولا حدث على الإناء ولا تكرمة، فتعينت طهارة الخبث فثبتت نجاسة فمه، وهو أطيب أجزائه فبقيتها أولى. اه إقناع. وقوله: وخنزير أي لأنه أسوأ حالا من الكلب، إذ لا ينتفع به بحال ولا يقتنى، ولندب قتله من غير ضرر. بل قيل: يجب. واعتمده حجر في باب اللباس. (قوله: وفرع كل منهما مع الآخر) صادق بما تولد من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلب وخنزيرة، وما تولد من خنزير وكلبة. وعلى كل هو داخل إما في الكلب وإما في الخنزير فلزم التكرار في كلامه. فلو قال وفرع كل منهما مع غيره وحذف لفظ مع الآخر ولفظ أو، لكان أولى. لسلامته من التكرار. فتفطن. (قوله: أو مع غيره) أي وفرع كل منهما مع غير الآخر، ولو كان آدميا. تغليبا للنجس، وذلك لأن الفرع يتبع أخس أبويه في النجاسة. وتحريم الذبيحة والمناكحة وتحريم الأكل وامتناع التضحية وعدم وجوب الزكاة، ويتبع أشرفهما في ثلاثة أشياء: الدين، وإيجاب البدل، وعقد الجزية. وأخفهما في نحو الزكاة والأضحية في متولد بين إبل وبقر مثلا، وأغلظهما في جزاء الصيد. ويمكن إدخال هذا في أشرفهما. ويتبع الأب في النسب وتوابعه، كاستحقاق سهم ذوي القربى، والحرية إذا كان من أمته أو أمة ولده أو ممن غر بحريتها أو ظنها زوجته الحرة أو أمته. ويتبع الأم في الملك، فالولد المتولد بين مملوكين لمالك الأم. وكما لو نزا بهيم على بهيمة فالولد لمالك الأم وقد جمع السيوطي رحمه الله تعالى بعض أفراد هذه المذكورات بقوله: يتبع الفرع في انتساب أباه والأم في الرق والحرية والزكاة الأخف والدين الأعلى والذي اشتد في جزاء ودية وأخس الأصلين رجسا وذبحا ونكاحا والأكل والأضحية وقوله: يتبع الفرع في انتساب أباه: أي وتوابعه. وقوله: والأم في الرق والحرية: أي ويتبع الأم في شيئين، في الرق إذا كان أبوه حرا وأمه رقيقة، إلا في الصور المارة. وفي الحرية، إذا كان أبوه رقيقا وأمه حرة. وقوله: والزكاة الأخف: أي ويتبع في وجوب الزكاة أخفهما. فلو تولد بين بقر وإبل زكى زكاة البقر لأنه أخف، لأنها لا تزكى إلا إذا بلغت ثلاثين. ولو تولد بين زكوي وغيره، كظبي وشاة، فلا زكاة اعتبارا بالأخف. وقوله: والدين لا على: أي ويتبع في الدين أعلاهما. فلو تولد بين مسلم وكافرة فهو مسلم، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. وقوله: وجزاء: أي ويتبع الذي اشتد - أي عظم - منهما في وجوب الجزاء. فلو تولد بين مأكول بري وحشي وغيره وأتلفه المحرم ضمنه. وقوله: ودية: يقرأ بتشديد الياء للوزن. أي: ويتبع الذي اشتد في الدية. فلو تولد بين كتابي ومجوسي وقتله شخص فديته دية الكتابي. ومثل الدية في ذلك الغرة. وقوله: وأخس الأصلين رجسا: أي ويتبع أخسهما في النجاسة، كما هنا. وقوله: وذبحا: أي ويتبع أخسهما في الذبح. فلو تولد بين من تحل ذبيحته ككتابي ومن لا تحل ذبيحته كوثني، لم تحل ذبيحته. وقوله: ونكاحا: أي ويتبع أخسهما في النكاح. فلو تولد بين من تحل مناكحته ككتابي ومن لا تحل مناكحته كوثني لم تحل مناكحته. وقوله: والأكل: أي ويتبع أخسهما في الأكل، فلو تولد بين مأكول وغيره لم يحل أكله. وقوله: والأضحية: أي ويتبع أخسهما في الأضحية، فلو تولد بين ما يضحى به وما لا يضحى به، لم تجز التضحية به، ومثلها العقيقة. (قوله: ودود ميتتهما) أي الكلب والخنزير وقوله: طاهر لا يشكل بما مر من أن المتولد منهما نجس، لأنا نمنع أنه متولد من ميتتهما وإنما تولد فيهما، كدود الخل لا يتولد من نفس الخل وإنما يتولد فيه. وفرق بين المتولد منهما والمتولد فيهما. (قوله: وكذا نسج عنكبوت) أي ومثل دود ميتتهما نسج عنكبوت، فهو طاهر على المشهور. وعلله في التحفة بأن نجاسته تتوقف على تحقق كونه من لعابها وأنها لا تتغذى إلا بذلك - أي الذباب -

السبكي والاذرعي، وجزم صاحب العدة والحاوي بنجاسته. وما يخرج من جلد نحو حية في حياتها كالعرق، على ما أفتى به بعضهم. لكن قال شيخنا: فيه نظر، بل الاقرب أنه نجس لانه جزء متجسد منفصل من حي، فهو كميتته. وقال أيضا: لو نزا كلب أو خنزير على آدمية فولدت آدميا كان الولد نجسا، ومع ذلك هو مكلف بالصلاة وغيرها. وظاهر أنه يعفى عما يضطر إلى ملامسته، وأنه تجوز إمامته إذ لا إعادة عليه، ودخوله المسجد حيث لا رطوبة للجماعة ونحوها. ويطهر متنجس بعينية بغسل مزيل لصفاتها، من طعم ولون وريح. ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن ذلك النسج قبل احتمال طهارة فيها. وأتى بواحد من هذه الثلاثة. (قوله: وجزم صاحب العدة والحاوي بنجاسته) أي نسج العنكبوت. وهذا خلاف المشهور. (قوله: وما يخرج إلخ) مطعوف على نسج العنكبوت. أي ومثل دود ميتتهما ما يخرج من جلد نحو حية - مما يسمى بثوب الثعبان - فهو طاهر. ويحتمل أن يكون مبتدأ خبره قوله كالعرق. (قوله: كالعرق) الكاف للتنظير في طهارة كل. (قوله: قال شيخنا إلخ) عبارته: وأفتى بعضهم فيما يخرج من جلد نحو حية أو عقرب في حياتها بطهارته كالعرق. وفيه نظر لبعد تشبيهه بالعرق، بل الأقرب أنه نجس، لأنه جزء متجسد منفصل من حي، فهو كميتته. اه. (قوله: وقال أيضا) عبارة التحفة: وقضية ما تقرر من الحكم بتبعية أخس أبويه، أن الآدمي المتولد بين آدمي أو آدمية ومغلظ له حكم المغلظ في سائر أحكامه، وهو واضح في النجاسة ونحوها وبحث طهارته، نظرا لصورته بعيد من كلامهم، بخلافه في التكليف لأن مناطه العقل ولا ينافيه نجاسة عينه للعفو عنها بالنسبة إليه، بل وإلى غيره، نظير ما يأتي في الوشم ولو بمغلظ إذا تعذرت إزالته، فيدخل المسجد ويماس الناس - ولو مع الرطوبة - ويؤمهم لأنه لا تلزمه إعادة الخ. اه. إذا علمت ذلك فلعل العبارة التي نقلها عن شيخه في غير التحفة من بقية كتبه. (قوله: لو نزا) أي علا. وقوله: كلب أو خنزير إلخ مثله العكس، وهو ما إذا نزى آدمي على كلبة أو خنزيرة. (قوله: كان الولد نجسا) قال البجيرمي: والمعتمد عند م ر أنه طاهر، فيدخل المسجد ويمس الناس ولو رطبا، ويؤمهم. ولا تحل مناكحته، رجلا كان أو امرأة، لأن في أحد أصليه ما لا تحل مناكحته ولو لمثله. ويقتل بالحر، لا عكسه. ويتسرى ويزوج أمته لا عتيقته. اه. وفي حاشية الكردي: وأفتى م ر بطهارته حيث كان على صورة الآدمي. كما ذكره سم في حواشي المنهج. فإن كان على صورة الكلب، قال سم في حواشي التحفة: ينبغي نجاسته، وأن لا يكلف، وإن تكلم وميز وبلغ مدة بلوغ الآدمي، إذ هو بصورة الكلب، والأصل عدم آدميته. اه. وما تقرر كله: إذا نزا كلب أو خنزير على آدمية والعكس، فإن نزا مأكول على مأكولة فولدت ولدا على صورة الآدمي فإنه طاهر مأكول، فلو حفظ القرآن وعمل خطيبا وصلى بنا عيد الأضحى جاز أن يضحى به بعد ذلك. وبه يلغز فيقال: لنا خطيب صلى بنا العيد الأكبر وضحينا به. (قوله: ومع ذلك) أي مع كونه نجسا. وقوله: وغيرها أي غير الصلاة من بقية العبادات. (قوله: وظاهر أنه يعفى عما يضطر إلى ملامسته) الذي يظهر أن ما واقعة على جزء من أجزائه. ويضطر - يقرأ مبنيا للمجهول - والمعنى: يعفى عن جزئه الذي يحتاج الغير إلى لمسه، وذلك الغير كأمته التي تسراها عند خوف العنت بناء على جواز التسري عند ذلك. وعليه يكون أخص مما في التحفة، فإن الذي فيها - كما يعلم من عبارته السابقة - أنه يعفى عنه مطلقا بالنسبة لنفسه ولغيره المحتاج إلى لمسه وغيره. (قوله: ودخوله المسجد) أي ويجوز دخوله المسجد وقوله: حيث لا رطوبة قيد في الدخول. ولم يقيد به في التحفة كما يعلم من عبارته المارة أيضا. وقوله: للجماعة متعلق بدخ ول. وقوله: ونحوها أي نحو الجماعة، كالطواف والاعتكاف. (قوله: ويطهر متنجس الخ) شروع في بيان كيفية غسل النجاسة، وهي على قسمين: عينية: وهي التي يدرك لها عين أو صفة من طعم أو لون أو ريح. وحكمية: وهي التي لا يدركها لها عين ولا وصف، سواء كان عدم الإدراك لخفاء أثرها بالجفاف كبول جف، أم لا لكون المحل صقيلا لا تثبت عليه النجاسة كالمرآة والسيف. (قوله: بغسل) متعلق بيطهر

ولو من مغلظ، فإن بقيا معا لم يطهر. ومتنجس بحكمية كبول جف لم يدرك له صفة بجري الماء عليه مرة، وإن كان حبا أو لحما طبخ بنجس، أو ثوبا صبغ بنجس، فيطهر باطنها بصب الماء على ظاهرها، كسيف سقي وهو محمى بنجس. ويشترط في طهر المحل ورود الماء القليل على المحل المتنجس، فإن ورد متنجس على ماء قليل لا كثير تنجس، وإن لم يتغير فلا يطهر غيره. وفارق الوارد غيره بقوته لكونه عاملا، فلو تنجس فمه كفى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: مزيل لصفاتها أي بعد إزالة عينها. فإن توقفت الإزالة على نحو صابون وجب إن وجده بثمن مثله فاضلا عما يعتبر في التيمم. (قوله: من طعم إلخ) بيان لصفاتها. (قوله: ولا يضر) أي في الحكم بطهر المحل حقيقة. وقوله: بقاء لون أو ريح خرج بذلك بقاء الطعم فإنه يضر ولا يعفى عنه، إلا إن تعذر إزالته فيعفى عنه ما دام متعذرا، فيكون المحل نجسا معفوا عنه لا طاهرا. وضابط التعذر أن لا يزال إلا بالقطع. فإن قدر بعد ذلك على زواله وجب ولا يجب عليه إعادة ما صلاه به على المعتمد، وإلا فلا معنى للعفو. (قوله: عسر زواله) أي المذكور من اللون أو الريح، وذلك كلون الصبغ بأن صفت غسالته ولم يبق إلا أثر محض، وكريح الخمر للمشقة. وضابط التعسر أن لا يزول بالحت بالماء ثلاث مرات، فمتى حته بالماء ثلاث مرات ولم يزل طهر المحل، فإذا قدر على زواله بعد ذلك لم يجب لأن المحل طاهر. (قوله: ولو من مغلظ) أي ولو كان اللون أو الريح من نجس مغلظ، وهو غاية لعدم ضرر بقائه. (قوله: فإن بقيا) أي اللون والريح. والمراد بقيا في محل واحد من نجاسة واحدة، بخلاف ما لو بقيا في محلين أو محال، أو من نجاستين وعسر زوالهما فإنه لا يضر. وقوله: لم يطهر أي ذلك المحل، لقوة دلالتهما حينئذ على بقاء العين، وندرة العجز عنهما، فيجب زوالهما، إلا إن تعذر، كما مر في بقاء الطعم. والمناسب لقوله ولا يضر أن، يقول هنا ضر بدل لم يطهر. (قوله: ومتنجس الخ) بالرفع، معطوف على متنجس بعينية إلخ، من عطف المفردات. فعليه يكون قوله يجري معطوفا على بغسل المتعلق بيطهر، فيكون هو كذلك متعلقا به. أي ويطهر بجري الماء عليه - أي سيلانه عليه - ولو من غير فعل فاعل كالمطر. قال في الزبد: يكفيك جري الماء على الحكمية وأن تزال العين من عينية (قوله: وإن كان) أي المتنجس بحكمية. والأولى جعل إن غاية. وقوله بعد: فيطهر: تفريع على المفهوم. وعبارة التحفة: ومن ذلك سكين سقيت نجسا، وحب نقع في بول ولحم طبخ به فيطهر الخ. اه. وقوله: طبخ ظاهره أنه صفة لكل من حبا ولحما. والطبخ ليس بقيد، بل مثله بالأولى نقعه في نجس، كما هو ظاهر وقوله: بنجس أي زال جرمه ووصفه، وإلا صار من المتنجس بالعينية، ولا يكفي فيه جري الماء فقط. (قوله: فيطهر باطنها) قال سم: أي حتى لو حملها في الصلاة لم يضر. اه. (قوله: كسيف الخ) الكاف للتنظير، أي فيطهر باطنه بصب الماء على ظاهره. فإن قيل: لم اكتفى بغسل ظاهر السكين ولم يكتف بذلك في الآجر إذا نقع بنجس؟. أجيب بأنه إنما لم يكتف بذلك في الآجر لأن الانتفاع به متأت من غير ملابسة له، فلا حاجة للحكم بطهارة باطنه من غير إيصال الماء إليه، بخلاف السكين. وقال في التحفة: وفارق نحو السكين لبنا عجن بمائع نجس ثم حرق فإنه لا يطهر باطنه بالغسل إلا إذا دق وصار ترابا أو نقع حتى وصل الماء لباطنه، بتيسير رده إلى التراب وتأثير نقعه فيه، بخلاف تلك فإن في رد أجزاء بعضها حتى تصير كالتراب مشقة تامة وضياع مال. وبعضها لا يؤثر فيه النقع وإن طال. نعم، نص الشافعي رضي الله عنه على العفو عما عجن من الخزف بنجس، أي يضطر إليه فيه. واعتمده كثيرون، وألحقوا به الآجر المعجون به. اه. وقال في المغني: واللبن - بكسر الموحدة - إن خالطه نجاسة جامدة كالروث لم يطهر، وإن طبخ بأن صار آجرا، لوجود عين النجاسة. وإن خالطه غيرها كالبول طهر ظاهره بالغسل، وكذا باطنه إن نقع في الماء، ولو مطبوخا، إن كان رخوا يصله الماء كالعجين، أو مدقوقا بحيث يصير ترابا. اه. (قوله: ويشترط في طهر المحل الخ) أي بشرط أن لا يكون جرم النجاسة موجودا في نحو الثوب وإلا فيتنجس الماء بمجرد وروده على المحل. اه بجيرمي. (قوله: على المحل المتنجس) المقام للإضمار، فكان الأولى أن يقول: عليه. (قوله: فإن ورد متنجس الخ) الأخصر أن يقول: وإلا تنجس. وقوله: تنجس أي الماء القليل. (قوله: وإن لم يتغير) أي الماء.

أخذ الماء بيده إليه وإن لم يعلها عليه - كما قال شيخنا - ويجب غسل كل ما في حد الظاهر منه ولو بالادارة، كصب ماء في إناء متنجس وإدارته بجوانبه. ولا يجوز له ابتلاع شئ قبل تطهير فمه، حتى بالغرغرة. (فرع) لو أصاب الارض نحو بول وجف، فصب على موضعه ماء فغمره، طهر، ولو لم ينضب - أي يغور - سواء كانت الارض صلبة أم رخوة. وإذا كانت الارض لم تتشرب ما تنجست به فلا بد من إزالة العين قبل صب الماء القليل عليها، كما لو كانت في إناء. ولو كانت النجاسة جامدة فتفتتت واختلطت بالتراب لم يطهر، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: فلا يطهر غيره) مفرع على تنجسه. يعني إذا تنجس فلا يطهر غيره، فيبقى حينئذ المحل على نجاسته. (قوله: وفارق الوارد) أي على النجاسة حيث لم يتنجس. وقوله: غيره أي غير الوارد حيث تنجس. وقوله: بقوته أي الوارد لكونه عاملا، أي دافعا للنجاسة بسبب وروده عليها، بخلاف ما إذا كان المتنجس واردا عليه فيضعف بسبب قلته مع كونه مورودا عن أن يدفع التنجس عن نفسه وعن غيره بالأولى. (قوله: فلو تنجس فمه الخ) تفريع على كونه الشرط في طهر المحل الورود. فمتى ما وجد طهر المحل ولم ينجس، وبأخذ الماء ووضعه في فمه يتحقق الورود. (قوله: وإن لم يعلها عليه) أي يكفي وصول الماء إلى فمه، وإن لم يجعل يده مرتفعه على فمه بحيث ينزل الماء منحدرا فيه. ويعل مجزوم بحذف الياء، فهو بضم الأول وكسر اللام. (قوله: ما في حد الظاهر منه) أي من الفم ومخرج الخاء منه. (قوله: ولو بالإدارة) غاية لمقدر: أي: ويكفي وصوله إليه ولو بالإدارة، ولو مكث الماء مدة في فمه ثم أداره لم يضر عند حجر، لأنه لا يتنجس بالملاقاة، فلا يضر تأخير الإدارة عنها. وفي ع ش ما نصه: لو تنجس فمه بدم اللثة، أو بما يخرج بسبب الجشاء، فتفله ثم تمضمض وأدار الماء في فمه بحيث عمه ولم يتغير بالنجاسة فإن فمه يطهر ولا يتنجس الماء فيجوز ابتلاعه لطهارته. فتنبه له فإنه دقيق. هذا وبقي ما لو كانت تدمى لثته من بعض المآكل بتشويشها على لحم الأسنان دون بعض، فهل يعفى عنه فيما تدمى به لثته لمشقة الاحتراز عنه أم لا، لإمكان الاستغناء عنه بتناول البعض الذي لا يحصل منه دمي اللثة؟ فيه نظر. والظاهر الثاني، لأنه ليس مما تعم البلوى به حينئذ، وبتقدير وقوعه يمكن تطهير فمه منه وإن حصل له مشقة، لندرة ذلك في الجملة. اه. (قوله: كصب ماء الخ) أي فإنه يكفي في طهارته. وهو مرتبط بقوله: كفى أخذ الماء إلخ، أو بما قدرته. وفي النهاية ما نصه: فلو طهر إناء أدار الماء على جوانبه. وقضية كلام الروضة أنه يطهر قبل أن يصب النجاسة منه، وهو كذلك إذا لم تكن النجاسة مائعة باقية فيه، أما لو كانت مائعة باقية فيه لم يطهر ما دام عينها مغمورا بالماء. اه. (قوله: ولا يجوز له ابتلاع شئ قبل تطهير فمه) شامل للريق على العادة ومحتمل، ويحتمل المسامحة به للمشقة وكونه من معدن خلقته. اه سم. وفي البجيرمي ما نصه: قوله: ولا يبلع طعاما ولا شرابا - أي غير الماء - لأنه يكفي في غسل نجاسة الفم. اه. (قوله: حتى بالغرغرة) غاية لعدم جواز الابتلاع. أي يجوز لمن تنجس فمه ابتلاع شئ ولو بالغرغرة، وهي في اللغة: ترديد الماء في الحلق، كما في القاموس. وفائدة الغاية دفع ما يتوهم من أنه إذا تنجس فمه وصب مائع في حلقه من غير أن يمس جوانب فمه يجوز ذلك، تأمل. (قوله: لو أصاب الأرض نحو بول) أي كخمر. والأولى أن يقول: ولو أصاب موضعا من الأرض نحو بول فصب عليه. بالضمير، ليرتبط الجواب - وهو طهر - بالشرط. (قوله: وجف) أي نحو البول. والظاهر أن الجفاف ليس بقيد، بل الشرط أن لا يكون عين البول باقيا لم تتشربه الأرض، بدليل قوله بعد: وإذا كانت الأرض لم تتشرب إلخ. (قوله: فصب على موضعه) أي موضع نحو البول من الأرض. وقوله: فغمره أي عم موضع البول الماء وستره. قال في المصباح: غمرته أغمره أي سترته أستره. (قوله: طهر) أي ذلك الموضع من الأرض، وهو جواب لو. (قوله: ولو لم ينضب) بضم الضاد، من باب قعد. كما في المصباح. وفاعله ضمير يعود على الماء. وقوله - أي يغور - تفسير له قبل دخول الجازم، وإلا لقال يغر بالجزم. (قوله: سواء كانت إلخ) تعميم لطهارة الموضع بالصب المذكور. (قوله: وإذا كانت الأرض الخ) مقابل قوله وجف. وقد علمت ما فيه. (قوله: لم تتشرب ما تنجست به) أي بأن كان نحو البول باقيا بعينه. (قوله: فلا بد من إزالة العين) أي عين نحو البول. وقوله: قبل صب الماء إلخ فلو صب الماء عليه قبل إزالته لم يطهر، كما يعلم مما سيأتي أن شرط طهارة المحل طهارة

كالمختلط بنحو صديد، بإفاضة الماء عليه. بل لا بد من إزالة جميع التراب المختلط بها. وأفتى بعضهم في مصحف تنجس بغير معفو عنه بوجوب غسله وإن أدى إلى تلفه، وإن كان ليتيم. قال شيخنا: ويتعين فرضه فيما إذا مست النجاسة شيئا من القرآن، بخلاف ما إذا كانت في نحو الجلد أو الحواشي. (فرع) غسالة المتنجس - ولو معفوا عنه كدم قليل - إن انفصلت وقد زالت العين وصفاتها، ولم تتغير ولم يزد وزنها - بعد اعتبار ما يأخذه الثوب من الماء والماء من الوسخ - وقد طهر المحل: طاهرة. قال شيخنا: ويظهر الاكتفاء فيهما بالظن. ـــــــــــــــــــــــــــــ الغسالة، وهي لا تطهر إذا زاد وزنها. ومعلوم أنه إذا كان عين نحو البول باقيا زاد وزنها. (قوله: كما لو كانت) أي عين النجاسة، في إناء فلا بد من إزالتها منه، ثم يصب الماء فيه. وقولهم: الإناء المتنجس إذا وضع فيه ماء وأدير في جوانبه يطهر كله، محله ما لم تكن عين النجاسة فيه ولو مائعة، كما مر. (قوله: ولو كانت النجاسة جامدة) مقابل قوله: نحو بول. (قوله: لم يطهر) أي المحل الذي فيه التراب المختلط. (قوله: كالمختلط الخ) الكاف للتنظير، أي نظير التراب المختلط بنحو صديد من عذرة الموتى. والمراد بالصديد: المتجمد. فإنه هو لا يطهر بالماء، أما إذا كان مائعا فيكون حكمه كالبول وقد علمته. (قوله: بإفاضة الماء) متعلق بيطهر. (قوله: بل لا بد) أي في طهارة المحل الذي فيه التراب المختلط من إزالته قبل إفاضة الماء عليه. (قوله: وأفتى بعضهم في مصحف) قال ع ش: هل مثل المصحف كتب العلم الشرعي أم لا؟ فيه نظر، والأقرب الأول. اه. (قوله: بغير معفو عنه) فإن كان معفوا عنه لا يجب غسله. (قوله: بوجوب غسله) متعلق بأفتى. (قوله: وإن أدى) أي غسله، إلى تلفه أي المصحف. (قوله: وإن كان) أي المصحف ليتيم فإنه يجب غسله. قال ع ش: والعامل له الولي، وهل للأجنبي فعل ذلك في مصحف اليتيم؟ بل وفي غيره، لأن ذلك من إزالة المنكر أو لا؟ فيه نظر، والأقرب عدم الجواز، لعدم علمنا بأن إزالة النجاسة منه مجمع عليه. اه. (قوله: ويتعين فرضه) أي فرض وجوب غسله. (قوله: بخلاف ما إذا كانت) أي النجاسة. (وقوله: في نحو الجلد) ومنه ما بين السطور. اه. ع ش. وقوله: والحواشي أي أطراف مكتوب القرآن التي لا كتابة فيها. (قوله: غسالة المتنجس إلخ) لما بين ما يطهر به المتنجس بنجاسة عينية أو حكمية شرع في بيان حكم غسالته إذا انفصلت. وحاصل الكلام عليها أنها إن كانت قليلة يحكم عليها بالطهارة بقيود ثلاثة: طهر المحل، وعدم تغيرها، وعدم زيادة وزنها بعد اعتبار مقدار ما يتشربه المغسول من الماء وما يمجه من الوسخ الطاهر. فإن فقد واحد من الثلاثة، بأن لم يطهر المحل، أو طهر ولكن كانت متغيرة، أو لم تكن متغيرة ولكن زاد وزنها بعد ما ذكر، فهي نجسة كالمحل، لأن البلل الباقي في المحل بعض الغسالة المنفصلة والماء القليل لا يتبعض طهارة ونجاسة. وإن كانت كثيرة يحكم عليها بالطهارة بقيد واحد وهو عدم التغير، فإن كانت متغيرة فهي نجسة. (قوله: ولو معفوا عنه) منصوب بنزع الخافض. أي ولو كان تنجسه بنجس معفو عنه. ولو صرح بالخافض لكان أولى. وقوله: كدم قليل أي من نفسه أو من غيره، وهو مثال للمعفو عنه. وقوله: إن انفصلت أي عن المحل الذي غسل بها. أما إذا لم تنفصل فهي طاهرة مطلقا، لأن الماء ما دام في المحل المغسول له حكم الطاهر المطهر حتى ينفصل عنه بلا خلاف. (قوله: وقد زالت العين الخ) مكرر مع قوله الآتي وقد طهر المحل، وذلك لأن طهارته بزوال عينها وصفاتها، فالأولى الإقتصار على أحدهما. وقد اقتصر على الثاني في المنهج والمنهاج وغيرهما. وقوله: ولم تتغير أي الغسالة. فإن تغيرت طعما أو لونا أو ريحا فهي نجسة. وقوله: ولم يزد وزنها بعد اعتبار الخ أي كأن كانت الغسالة قبل الغسل بها قدر رطل، وكان مقدار ما يتشربه المغسول من الماء قدر أوقية وما يمجه من الوسخ نصف أوقية، وكانت بعد الغسل رطلا إلا نصف أوقية، فإنه حينئذ لم يزد وزنها. فإن كانت بعد الغسل بها رطلا كاملا فهي نجسة، لأنه زاد وزنها بعد اعبتار ما ذكر. (قوله: من الماء) بيان لما. وقوله والماء معطوف على الثوب. أي وما يأخذه الماء من وسخ المغسول الطاهر. (قوله: وقد طهر المحل) بأن لم يبق فيه

(فرع) إذا وقع في طعام جامد كسمن فأرة مثلا فماتت، ألقيت وما حولها مما ماسها فقط، والباقي طاهر. والجامد هو الذي إذا غرف منه لا يتراد على قرب. (فرع) إذا تنجس ماء البئر القليل بملاقاة نجس لم يطهر بالنزح، بل ينبغي أن لا ينزح ليكثر الماء بنبع أو صب ماء فيه، أو الكثير بتغير به لم يطهر إلا بزواله. فإن بقيت فيه نجاسة كشعر فأرة ولم يتغير فطهور تعذر استعماله إذ لا يخلو منه دلو فلينزح كله. فإن اغترف قبل النزح ولم يتيقن فيما اغترفه شعرا لم يضر وإن ظنه، ـــــــــــــــــــــــــــــ شئ من أوصاف النجاسة. وقد علمت ما فيه فلا تغفل. (قوله: طاهرة) خبر المبتدأ. وهي مع كونها طاهرة غير مطهرة لإزالتها للخبث، وما أزيل به الخبث غير مطهر ولو كان معفوا عنه. (قوله: ويظهر الاكتفاء فيهما) أي فيما يأخذه الثوب من الماء وما يأخذه الماء من الوسخ. وفي حاشية السيد عمر على التحفة ما نصه: قوله فيهما يحتمل عوده لعدم التغير وعدم الزيادة، وللمأخوذ والمعطى، والثاني أقرب. اه. وقوله: بالظن أي ظن مقدار ما يأخذه الخ. ولا يشترط فيه اليقين. (قوله: إذا وقع في طعام جامد) خرج به المائع، فإنه يتعذر تطهيره ولو كان دهنا. وقال في النهاية: ة وقيل: يطهر الدهر بغسله بأن يصب الماء عليه ويكاثره ثم يحركه بخشبة ونحوها، بحيث يظن وصوله لجميعه، ثم يترك ليعلو ثم يثقب أسفله، فإذا خرج الماء سد. ومحل الخلاف إذا تنجس بما لا دهنية فيه كالبول، وإلا لم يطهر، بلا خلاف. اه. (قوله: ألقيت وما حولها) أي لأنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال: إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه. وفي رواية للخطابي: فأريقوه. فلو أمكن تطهيره لم يقل فيه ذلك لما فيه من إضاعة المال. اه. شرح المنهج. (قوله: لا يتراد على قرب) أي لا يرجع بعضه على بعض، بحيث لا يمتلئ محل المأخوذ على قرب، والمائع بضده وهو الذي يتراد بحيث يمتلئ محل المأخوذ على قرب. (قوله: فرع: إذا تنجس الخ) المناسب ذكر هذا الفرع في مبحث الماء المطلق. (قوله: القليل) بالرفع، صفة لماء. وهو ما كان دون قلتين كما مر. (قوله: بملاقاة نجس) متعلق بتنجس. (قوله: لم يطهر بالنزح أي بنزح الماء منه، بل يطهر بالتكثير. (قوله: بل ينبغي) أي يجب وقوله: أن لا ينزح قال في شرح الروض: لأنه وإن نزح فقعر البئر يبقى نجسا، وقد يتنجس جدران البئر أيضا بالنزح. اه. (قوله: ليكثر الماء) أي فيطهر به حينئذ كما علمت. وقوله: بنبع أي نبع الماء من عين في قعر البئر. وقوله: أو صب ماء أي أجنبي. وقوله: فيه أي في البئر. (قوله: أو الكثير إلخ) العطف فيه من عطف المفردات، فالكثير معطوف على القليل، وبتغير معطوف على بملاقاة نجس، ولم يطهر معطوف على لم يطهر الأول. والمعنى: إذا تنجس ماء البئر الكثير بتغير بالنجس لم يطهر إلا بزوال التغير. (قوله: فإن بقيت فيه) أي في الكثير. وقوله: نجاسة أي تفتتت وتحللت أجزاؤها في الماء، لأنه لا يتعذر استعماله إلا حينئذ. وعبارة الروض: وإن كثر الماء وتمعط فيه فأرة. قال في شرحه مثلا: وعبارة الأصل: وتفتت فيه شئ نجس كفأرة تمعط شعرها. اه. وقوله: كشعر فأرة تمثيل للنجاسة. (وقوله: ولم يتغير) أي والحال أنه لم يتغير ببقاء النجاسة فيه أصلا، أو تغير وزال تغيره. (قوله: فطهور) خبر لمبتدأ محذوف، أي فهو طهور. والجملة جواب الشرط، أي فهو طاهر في نفسه مطهر لغيره. وقوله: تعذر استعماله أي باغتراف شئ منه بدلو أو نحوها. اه. شرح الروض. وبه يندفع ما يقال: أن تعذر الاستعمال ينافي كونه طهورا. وحاصل الدفع أن المراد بالاستعمال المتعذر الاستعمال بالاغتراف فقط، وهو لا ينافي أنه يجوز استعماله بغير الاغتراف، كأن يغطس المحدث فيه ناويا رفع الحدث الأصغر أو الأكبر فإن حدثه يرتفع به. (قوله: إذ لا يخلو منه) أي من الشعر، والأولى منها - أي النجاسة - وهو علة لتعذر الاستعمال. أي وإنما تعذر ذلك لأنه إذا نزح منه بدلو فلا يخلو من وجود الشعر فيه فيتنجس ما في الدلوبه، لما تقدم من أنه إن غرف دلوا من ماء قلتين فقط وفيه نجاسة جامدة فإن ليغرفها معه فباطن الدلو طاهر، فإن غرفها مع الماء كان نجسا. (قوله: فلينزح كله) أي ليخرج الشعر كله معه. وهذا إن أمكن، فإن لم يمكن نزح كله بأن كانت العين فوارة، نزح ما يغلب على الظن أن الشعر كله خرج معه. أفاده في شرح الروض. (قوله: لم يضر) أي في الاستعمال. قال في شرح الروض: وبهذا علم أن المراد

عملا بتقديم الاصل على الظاهر. ولا يطهر متنجس بنحو كلب إلا بسبع غسلات بعد زوال العين ولو بمرات، فمزيلها مرة واحدة، إحداهن بتراب تيمم ممزوج بالماء، بأن يكدر الماء حتى يظهر أثره فيه ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل المتنجس. ويكفي في الراكد تحريكه سبعا. قال شيخنا: يظهر أن الذهاب مرة والعود ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتعذر فيما مر التعسر. اه. (قوله: وإن ظنه) أي ظن وجود شئ من شعر فيما اغترفه. (قوله: عملا بتقديم الأصل) وهو هنا عدم وجود شئ من الشعر فيما اغترفه. وقوله: على الظاهر أي الغالب. وهو هنا وجود ذلك. (قوله: ولا يطهر متنجس الخ) شروع في كيفية غسل النجاسة المغلظة، وهي نجاسة الكلب والخنزير. وقد تقدم بيان كيفية غسل النجاسة المتوسطة، ولم يبين كيفية غسل النجاسة المخففة، وهي بول الصبي الذي لم يتناول قبل مضي حولين غير لبن للتغذي وبيانها أنه يكفي في غسله النضح، بأن يرش عليه ماء يعمه ويغلبه من غير سيلان، وذلك لخبر الشيخين عن أم قيس: أنها جاءت بابن لها صغير لم يأكل الطعام فأجلسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجره فبال عليه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله. (قوله: بنحو كلب) متعلق بمتنجس، ونحو الكلب الخنزير. (قوله: إلا بسبع غسلات) الاستثناء مفرغ، والجار والمجرور متعلق بيطهر. (قوله: بعد زوال العين) الظرف متعلق بمحذوف صفة لسبع، أي لسبع معتبرة بعد زوال العين. ومقتضى هذا أن الغسلة أو الغسلات التي تزال العين بها لا تحسب من السبع. ومقتضى قوله: فمزيلها مرة واحدة خلافه. (قوله: ولو بمرات) أي تعتبر السبع بعد زوال عين النجاسة، ولو كانت العين لا تزول إلا بغسلات. (قوله: فمزيلها) أي العين. (قوله: مرة واحدة) أي يحسب مرة واحدة، ولو لم تزل إلا بست غسلات. وإنما حسب العدد المأمور به في الاستنجاء قبل زوال العين لأنه محل تخفيف، وما هنا محل تغليظ، فلا يقاس هذا بذلك. (قوله: إحداهن) أي إحدى السبع، ولو السابعة. كما يدل له رواية: أخراهن بالتراب. والأولى أولى كما يدل له رواية: أولاهن بالتراب. واختار التعبير بإحداهن للإشارة إلى جوازه في أي واحدة، كما يدل له رواية: إحداهن بالتراب. وأما رواية: وعفروه الثامنة بالتراب. فمعناه: أن التراب يكون بمنزلة الثامنة، مع كونه مع الماء في السابعة. (فائدة) عبر بإحداهن بضمير الجماعة ولم يعبر بإحداها بضمير الواحدة، جريا على القاعدة من أن ما لا يعقل إن كان مسماه عشرة فما دونها فالأفصح فيه المطابقة، وإن كان فوق ذلك فالأصح الإفراد. وقد اجتمعا في قوله تعالى: * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) * فأفرد في قوله: * (منها) * لرجوعه للاثني عشر، وجمع في قوله: * (فلا تظلموا فيهن) * لرجوعه للأربعة. (قوله: بتراب تيمم) أي بتراب يصح به التيمم، بأن يكون طاهرا لم يستعمل في. حدث ولا في خبث. (قوله: ممزوج بالماء) أي مخلوط به سواء أمزجهما قبل صبهما عليه، وهو الأولى خروجا من الخلاف، أم سبق وضع الماء أو التراب. وإن كان المحل رطبا لأنه وارد كالماء. وقولهم: لا يكفي ذره عليه ولا مسحه أو دلكه به: المراد بمجرده. اه تحفة. قال الكردي: وأفتى الشهاب الرملي بأنه لو وضع التراب أولا على عين النجاسة لم يكف لتنجسه. وظاهره يخالف ما في التحفة. اه بتصرف. (قوله: بأن يكدر الماء الخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف، صفة لتراب. أي تراب كائن بأن يكدر إلخ. فهو قيد ثان. وعبارة شرح المنهج: والواجب من التراب ما يكدر الماء. اه. ويحتمل أن يكون تصويرا للمزج المجزئ، أي ممزوج مزجا مصورا بأن يكدر الماء. (قوله: حتى يظهر أثره) أي التراب، فيه - أي الماء - وقوله: ويصل، أي التراب. بواسطته، أي الماء. (قوله: ويكفي في الراكد) الجار والمجرور متعلق بتحريكه، والضمير يعود على المحل المتنجس. يعني: يكفي عن السبع غسلات تحريك المحل المتنجس في الماء الراكد سبع مرات، أي - مع تعكيره بالطين - في واحدة. ويحتمل أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمقدر واقع فاعلا للفعل، والاسم الظاهر معطوف عليه على حذف العاطف، أي: ويكفي غمسه في الماء الراكد وتحريكه سبع مرات. وهذا وإن كان فيه تكلف هو

أخرى. وفي الجاري مرور سبع جريات، ولا تتريب في أرض ترابية. (فرع) لو مس كلبا داخل ماء كثير لم تنجس يده، ولو رفع كلب رأسه من ماء وفمه مترطب، ولم يعلم مماسته له، لم ينجس. قال مالك وداود: الكلب طاهر ولا ينجس الماء القليل بولوغه، وإنما يجب غسل الاناء بولوغه تعبدا. (ويعفى عن دم نحو برغوث) مما لا نفس له سائلة كبعوض وقمل، لا عن جلده. (و) دم نحو (دمل) ـــــــــــــــــــــــــــــ المناسب للمعطوف، أعني قوله: وفي الجاري، إلخ. والموافق لعبارة غيره. ونص عبارة فتح الجواد: ويكفي عنها غمسه في ماء كثير مع تحريكه سبعا، أو مرور سبع جريات عليه. اه. فلو غمسه فيه ولم يحركه يحسب مرة واحدة. (قوله: قال شيخنا: يظهر أن الذهاب مرة والعود أخرى) فإن قلت: ما الفرق بينه وبين تحريك اليد بالحك في الصلاة؟ حيث يحسب فيه الذهاب والعود مرة واحدة؟ فالجواب أن المدار ثم على العرف في التحريك، وهو يعد الذهاب والعود مرة. وهنا على جري الماء، والحاصل في العود غير الحاصل في الذهاب. (قوله: وفي الجاري) معطوف على الراكد. وقوله: مرور سبع جريات معطوف على تحريكه. والمناسب هنا في التقدير الاحتمال الثاني المار كما علمت، أي: ويكفي عن السبع غمس المحل المتنجس في الجاري ومرور سبع جريات عليه. ويشترط فيه أن يكون كدرا كماء النيل في أيام زيادته وماء السيل المتترب. (قوله: ولا تتريب في أرض ترابية) أي لا يجب التراب في تطهير أرض ترابية تنجست بنجاسة كلبية، إذ لا معنى لتتريب التراب. لكن لو أصاب نحو ثوب شئ من ذلك وجب تتريبه مع التسبيع، ولا يكون تبعا لها لانتفاء العلة فيه. وهي أنه لا معنى لتتريب التراب ولو أصابة شئ من غسلات غير الأرض الترابية غسل بقدر ما بقي من الغسلات. فإن كان من الأولى وجب غسلها ستا، وإن كان من الثانية وجب خمسا، وهكذا مع التتريب إن لم يكن ترب، وإلا فلا تتريب. فلو جمعت الغسلات كلها في نحو طست ثم تطاير منها شئ إلى نحو ثوب وجب غسله ستا لاحتمال أن المتطاير من الأولى، فإن لم يكن ترب في الأولى وجب التتريب، وإلا فلا. (قوله: لو مس) أي شخص. وقوله: كلبا أي ونحوه كخنزير. (قوله: لم تنجس يده) قال البجيرمي: وينبغي تقييده بما إذا عد الماء حائلا، بخلاف ما لو قبض بيده على نحو رجل الكلب داخل الماء قبضا شديدا بحيث لا يبقى بينه وبينه ماء فلا يتجه إلا التنجيس. اه. قال سم: توهم بعضهم من ذلك - أي من عدم التنجيس بالمماسة داخل ماء كثير - صحة الصلاة مع مس الداخل في الماء الكثير، وهو خطأ، لأنه ماس للنجاسة قطعا. وغاية الأمر أن مصاحبة الماء الكثير مانعة من التنجيس، ومس النجاسة بالصلاة مبطل لها وإن لم ينجس، كما لو مس نجاسة جافة. وتوهم بعض الطلبة منه أيضا أنه لو مس فرجه الداخل في الماء الكثير لا ينتقض وضوءه، وهو خطأ، لأنه ماس قطعا. اه. (قوله: من ماء) أي محل ماء كإناء، فهو على ماء حذف مضاف يدل عليه قوله بعد: ولم يعلم الخ. وعبارة المغني: ولو أدخل رأسه في إناء فيه ماء قليل فإن خرج فمه جافا لم يحكم بنجاستة، أو رطبا فكذا في أصح الوجهين، عملا بالأصل. ورطوبته يحتمل أنها من لعابه. اه. وقوله: ولم يعلم مماسته أي فم الكلب له، أي للماء. وقوله: لم ينجس أي الماء مطلقا. سواء خرج فمه رطبا أو يابسا، عملا بالأصل. (قوله: الكلب الطاهر) مثله الخنزير عند مالك، ورواية عن أبي حنيفة، كما في الإقناع. (قوله: ولا ينجس الماء القليل) معطوف على مقول القول، أي وقالا إنه لا ينجس (قوله: بولوغه) هو أن يدخل لسانه في المائع ويحركه. والشراب أعم منه، فكل ولوغ شرب ولا عكس. اه سم. (قوله: وإنما يجب الخ) معطوف أيضا على المقول. أي وقال: إنما يجب إلخ. وهو كالجواب عما يرد عليهما من أنه إذا كان طاهرا فلاي شئ يجب غسل الإناء إذا ولغ فيه؟ وحاصل الجواب أنه وجب ذلك تعبدا، لا لنجاسته. (قوله: ويعفى الخ) شروع فيما يعفى عنه من النجاسات. قال البجيرمي: حاصل مسائل الدم والقيح بالنظر للعفو وعدمه أنها ثلاثة أقسام. الأول: ما لا يعفى عنه مطلقا، أي قليلا أو كثيرا، وهو المغلظ. وما تعدى بتضمخه، وما اختلط بأجنبي ليس من جنسه. والثاني: ما يعفى عن قليله دون كثيره،

كبثرة وجرح، وعن قيحه وصديده، (وإن كثر) الدم فيهما وانتشر بعرق، أو فحش الاول بحيث طبق الثوب - على النقول المعتمدة - (بغير فعله) فإن كثر بفعله قصدا، كأن قتل نحو برغوث في ثوبه، أو عصر نحو دمل أو ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو الدم الأجنبي والقيح الأجنبي إذا لم يكن من مغلظ ولم يتعد بتضمخه. والثالث: الدم والقيح غير الأجنبيين، كدم الدماميل والقروح والبثرات، ومواضع الفصد والحجامة، بعد سده بنحو قطنة فيعفى عن كثيره كما يعفى عن قليله، وإن انتشر للحجامة، ما لم يكن بفعله ولم يجاوز محله، وإلا عفي عن قليله. اه. وقوله: ما لم يكن بفعله منه. ما يقع من وضع لصوق على الدمل ليكون سببا في فتحه وإخراج ما فيه، فيعفى عن قليله دون كثيره. وقوله: أو يجاوز محله. قال سم العبادي: المراد بمحله محل خروجه، وما انتشر إلى ما يغلب فيه التقاذف، كمن الركبة إلى قصبة الرجل فيعفى عنه حينئذ إذا لاقى ثوبه مثلا في هذه الحالة. اه. (قوله: عن دم نحو برغوث) الإضافة فيه لأدنى ملابسة، لأنه ليس له دم في نفسه وإنما دمه رشحات يمصها من بدن الإنسان ثم يمجها. (قوله: مما لا نفس الخ) بيان لنحو. أي من كل ما لا دم له يسيل (قوله: كبعوض الخ) تمثيل لما لا نفس له سائلة. (قوله: لا عن جلده) أي لا يعفى عن جلد نحو البرغوث في بدن وثوب، ولو بمكة ونحوها أيام ابتلائهم بالذباب. وأفتى بالعفو عنه الحافظ ابن حجر حينئذ، وإليه أشار ابن العماد في منظومته بقوله: ودم قمل كذا البرغوث منه عفواعن القليل ولم يسمح بجلدته فإنها نجست بالموت ما عذروامن حملها ناسكا صلى بصحبته وينبغي عند جهل الحمل معذرة لناسك عم في أثواب لبسته وذلك لأنه يشق على الإنسان تفتيش ثيابه كل ساعة. (قوله: ودم نحو دمل) أي ويعفى عن دم نحو دمل. وقوله: كبثرة تمثيل لنحو الدمل، وهي خراج صغير. (قوله: وعن قيحه وصديده) أي يعفى عن قيح نحو الدمل وصديده، وهو ماء رقيق مختلط بدم أو دم مختلط بقيح. (قوله: وإن كثر الدم) أي أو القيح أو الصديد بالنسبة لنحو الدمل. وقوله: فيهما أي في نحو البرغوث ونحو الدمل. (قوله: وانتشر بعرق) أي وإن انتشر الدم وجاوز البدن إلى الثوب. وقوله: بعرق، أي: أو نحوه. (قوله: أو فحش الأول الخ) أي وإن كثر الأول - وهو دم نحو البرغوث - جدا بحيث طبق الثوب الملبوس، أي ملأه وعمه. وأفهم قوله الأول أن الثاني - وهو دم نحو الدمل - لا يعفى عنه إذا كان كذلك. (قوله: بغير فعله) قيد في الكثير. أي ويعفى عن كثيره حال كونه حاصلا له بغير فعله، ويقيد أيضا بأن لا يجاوز محله، فإن جاوزه عفي عن قليله فقط. وأما عدم اختلاطه بأجنبي فهو قيد للقليل والكثير، فإن خالطه ذلك لم يعف عن شئ منه أصلا. نعم، إن كان ذلك الاجنبي الطارئ من جنس الخارج لم يضر اختلاطه به. وقد ألغز بعضهم في هذا فقال: حي الفقيه الشافعي وقل له ما ذلك الحكم الذي يستغرب نجس عفي عنه ولو خالطه نجس طرا فالعفو باق يصحب وإذا طرا بدل النجاسة طاهرلا عفو يا أهل الذكاء تعجبوا وأجابه بعضهم بقوله: حييت إذ حييتنا وسألتنا مستغربا من حيث لا يستغرب العفو في نجس عراه مثله من جنسه لا مطلقا فستوعبوا والشئ ليس يصان عن أمثاله لكنه للأجنبي يجنب وأراك قد أطلقت ما قد قيدواوهو العجيب وفهم ذاك الأعجب ويستثنى من الأجنبي ماء الطهارة، فإنه يعفى عنه إذا لم يتعمد وضعه عليها وإلا فلا يعفى عن شئ منه. قال الخطيب: وينبغي أن يلحق بماء الطهارة ما يتساقط من الماء حال شربه، أو من الطعام حال أكله، أو جعله على جرحه دواء،

حمل ثوبا فيه دم براغيث مثلا، وصلى فيه أو فرشه وصلى عليه، أو زاد على ملبوسه لا لغرض كتجمل، فلا يعفى إلا عن القليل على الاصح - كما في التحقيق والمجموع - وإن اقتضى كلام الروضة العفو عن كثير دم نحو الدمل وإن عصر. واعتمده ابن النقيب والاذرعي. ومحل العفو - هنا وفيما يأتي - بالنسبة للصلاة لا لنحو ماء قليل، فينجس به وإن قل، ولا أثر لملاقاة البدن له رطبا، ولا يكلف تنشيف البدن لعسره. (و) عن (قليل) ـــــــــــــــــــــــــــــ لقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * اه. وقال الرشيدي: ويلحق أيضا بماء الطهارة ماء الطيب كماء الورد، لأن الطيب مقصود شرعا، خصوصا في الأوقات التي هو مطلوب فيها كالعيدين والجمعة، بل هو أولى بالعفو من كثير مما ذكر. اه. (قوله: فإن كثر بفعله) مفهوم قوله بغير فعله. (قوله: قصدا) خرج ما إذا لم يكن على سبيل القصد، بأن قتل نحو برغوث ناسيا، أو نام في نحو ثوبه وقتله في حال نومه بتقلبه عليه، وكثر الدم فيه فإنه يعفى عنه. لكن محله إن احتاج النوم في نحو الثوب، وإلا التحق بالعمد. صرح به في النهاية، ونصها: ولو نام في ثوبه فكثر فيه دم البراغيث التحق بما يقتله منها عمدا لمخالفة السنة من العري عند النوم. ذكره ابن العماد بحثا، وهو محمول على عدم احتياجه للنوم فيه. اه. (قوله: أو حمل) انظر هو معطوف على أي من الأفعال المتقدمة، لا جائز أن يكون معطوفا على قتل ولا عصر لأنه يصير تمثيلا لما كثر بفعله وهو لا يصح لأنه ليس من أفراده كما هو ظاهر، ولا جائز أن يكون معطوفا على كثر لأنه ليس هنا ما يتفرع عليه ويمكن أن يكون معطوفا عليه. ويلاحظ في الكلام قيد محذوف، أي: وإن كثر بغير فعله بالنسبة لملبوسه ولو للتجمل. فيكون قوله فإن كثر بفعله مفهوم القيد الأول. وقوله: أو حمل ثوبا الخ مفهوم القيد الثاني الملاحظ، تأمل. وعبارة شرح المنهج: والعفو عن الكثير في المذكورات مقيد باللبس لما قال في التحقيق: لو حمل ثوب براغيث أو صلى عليه، أن كثر دمه ضر وإلا فلا. اه. (قوله: أو زاد على ملبوسة) أي أو لبس شيئا زائدا على ملبوسه وفيه دم نحو برغوث فإنه لا يعفى عنه لأنه حينئذ كحمله. وعبارة المغني: ومثله حمل ما لو كان زائدا على تمام لباسه - كما قاله القاضي - لأنه غير مضطر إليه. قال في المهمات: ومقتضاه منع زيادة الكم على الأصابع، ولبس ثوب آخر لا لغرض من تجمل ونحوه. اه. وهذا ظاهر في الثاني دون الأول. اه. وقال سم: قضية كلامهم أن من له ثوبان في أحدهما دم معفو عنه دون الآخر أنه يجوز له لبس الأول والصلاة فيه وإن استغنى عنه بالثاني، لأن منعه من لبس الأول مما يشق، ولأنه لا يشترط في العفو أن يضطر إلى نحو اللبس، وإلا لم تصح صلاة من حمل ثوب براغيث وإن قل دمه، ولأن كلامهم صريح في أنه لا يجب عليه غسل الدم إذا قدر عليه وإذا صحت الصلاة في ثوب البراغيث مع إمكان غسله فلتصح فيه مع القدرة على ثوب آخر لا دم فيه، فليتأمل. اه. (قوله: لا لغرض) أي زاد عليه لغير سبب. وقوله: كتجمل تمثيل للغرض ومثل التجمل الخوف من نحو شدة برد. (قوله: فلا يعفى إلا عن القليل) أي من دم نحو برغوث ودم نحو دمل. وهذا جواب فإن كثر. (قوله: وإن اقتضى كلام الروضة الخ) أي فهو لا يعتد به. (قوله: ومحل العفو هنا) أي في دم نحو البرغوث ودم نحو الدماميل. وقوله: وفيما يأتي أي من الدم الأجنبي ودم نحو الحيض والرعاف. (قوله: بالنسبة للصلاة) أي ونحوها كالطواف، فلو صلى أو طاف به صحت صلاته وطوافه. (قوله: لا لنحو ماء قليل) أي لا يعفى عنه بالنسبة لنحو ماء قليل كمائع. (قوله: فينجس) أي الماء به، أي بما ذكر من دم نحو برغوث ونحوه مما مر. أي إنه لو وقع المتلوث بدم نحو برغوث مثلا في ماء قليل أو مائع تنجس ذلك به فلم يعف عنه بالنسبة إليه. وقوله: وإن قل أي ما ذكر من دم نحو برغوث ونحوه مما مر. (قوله: ولا أثر لملاقاة البدن له) أي لما تقدم من الدم الذي يعفى عنه. وقوله: رطبا حال من البدن أي في حال كون البدن رطبا. وفي المغني ما نصه: واحتلف فيما لو لبس ثوبا فيه دم براغيث وبدنه رطب، فقال المتولي: يجوز. وقال الشيخ أبو علي: لا يجوز، لأنه لا ضرورة إلى تلويث بدنه وبه جزم المحب الطبري تفقها. ويمكن حمل الكلام الأول على ما إذا كانت الرطوبة بماء وضوء أو غسل مطلوب، لمشقة الاحتراز عنه، كما لو كانت بعرق. والثاني على غير ذلك، كما علم مما مر. اه. (قوله: ولا يكلف) أي من يريد لبس ثوب فيه ما مر. قال في فتح

نحو دم (غيره) - أي أجنبي - غير مغلظ، بخلاف كثيره. ومنه كما قال الاذرعي: دم انفصل من بدنه ثم أصابه. (و) عن قليل (نحو دم حيض ورعاف) كما في المجموع. ويقاس بهما دم سائر المنافذ، إلا الخارج من معدن النجاسة كمحل الغائط. والمرجع في القلة والكثرة العرف، وما شك في كثرته له حكم القليل. ولو تفرق النجس في محال - ولو جمع كثر - كان له حكم القليل عند الامام، والكثير عند المتولي والغزالي وغيرهما، ورجحه بعضهم. ويعفى عن دم نحو فصد وحجم بمحلهما وإن كثر. وتصح صلاة من أدمى لثته قبل غسل ـــــــــــــــــــــــــــــ الجواد خلافا لابن العماد. اه. (قوله: وعن قليل نحو دم غيره) أي ويعفى عن قليل نحو دم غير نفسه. واندرج - أي تحت - نحو القيح والصديد. وإنما عفي عن ذلك لأن جنس الدم مما يتطرق إليه العفو فيقع القليل منه في محل المسامحة، وإنما لم يقولوا بالعفو عن قليل نحو البول لغير السلس - مع أن الابتلاء به أكثر - لأنه أقذر، وله محل مخصوص، فسهل الاحتراز عنه، بخلاف نحو الدم فيهما. أفاده في التحفة. (قوله: أي أجنبي) تفسير للمضاف وهو غير. (قوله: غير مغلظ) منصوب على الحال من نحو دم، أي حال كونه غير مغلظ. وفي بعض نسخ الخط: من غير مغلظ. بزيادة من الجارة، والكل صحيح، لأن الدم الخارج من مغلظ كالكلب والخنزير يوصف بالتغليظ. ويصح أن يكون بالجرصفة لأجنبي، والأول أولى، وخرج به الدم المغلظ فلا يعفى عن شئ منه لغلظه. (قوله: بخلاف كثيره) أي بخلاف كثير نحو دم غيره فلا يعفى عنه. (قوله: ومنه) أي من الأجنبي. وقوله: دم انفصل من بدنه ثم أصابه أي ثم عاد إليه، فيعفى عن قليله دون كثيره. قال الكردي: ومثل ذلك أيضا ما جاوز محله من دم الفصد والحجامة. اه. (قوله: وعن قليل نحو دم حيض إلخ) أي ويعفى عن قليل ذلك. قال في التحفة: وإن مضغته بريقها، أي أذهبته به، لقبح منظره. اه. (قوله: ورعاف) أي ويعفى عن قليل دم رعاف. (قوله: كما في المجموع) مرتبط بدم نحو الحيض والرعاف. (قوله: ويقاس بهما) أي بدم نحو الحيض والرعاف. (قوله: دم سائر المنافذ) أي دم خارج من سائر المنافذ كالعين والأنف والأذنين. (قوله: إلا الخارج من معدن النجاسة) أي فلا يعفى عنه أصلا. وفي التحفة ما نصه: فعلم أن العفو عن قليل دم جميع المنافذ هو المنقول الذي عليه الأصحاب. ومحل العفو عن قليل دم الفرجين إذا لم يخرج من معدن النجاسة، كالمثانة ومحل الغائط. ولا تضر ملاقاته لمجراها في نحو الدم الخارج من باطن الذكر لأنها ضرورية. اه. (قوله: والمرجع في القلة والكثرة العرف) أي فما عده العرف قليلا فهو قليل، وما عده كثيرا فهو كثير. وقيل: الكثير ما بلغ حدا يظهر للناظر من غير تأمل وإمعان. وقيل: إنه ما زاد على الدينار. وقيل: إنه قدر الكف فصاعدا. وقيل: ما زاد عليه. وقيل: إن الدرهم البغلي، أي قدره. وقيل: ما زاد عليه. وقيل: ما زاد على الظفر. اه شرح منظومة ابن العماد. (قوله: وما شك في كثرته) أي ما شك هل هو كثير فلا يعفى عنه؟ أو قليل فيعفى عنه؟ وقوله: له حكم القليل أي فيعفى عنه، لأن الأصل في هذه النجاسات العفو، إلا إذا تيقنا الكثرة. (قوله: ولو تفرق النجس) أي الذي يعفى عن قليله. وقوله: في محال أي في مواضع من نحو ثوبه. (قوله: ولو جمع) أي النجس، في موضع واحد. وقوله: كثر أي عد كثيرا. (قوله: كأن الخ) جواب لو الأولى. وقوله: له حكم القليل أي فيعفى عنه، وهو الراجح عند م ر. قال سم: وهذا لا ينافي ما تقدم أول الكتاب، فيما لو تفرقت النجاسة التي لا يدركها الطرف ولو جمعت أدركها، أنه لا يعفى عنها على ما تقدم، لأن العفو في الدم أكثر، والعفو عنه أوسع من العفو عن غير الدم من النجاسة كما هو ظاهر. ولهذا عفي عما يدركه الطرف هنا لا ثم. اه. (قوله: والكثير الخ) أي وله حكم الكثير إلخ، فلا يعفى عنه. (قوله: ويعفى عن دم نحو فصد وحجم) الأولى حذف لفظ نحو، لأن ما يصح اندراجه فيه من دم نحو جرح قد صرح به فيما قبله، قال في التحفة. وتناقض كلام المصنف في دم الفصد والحجامة، والمعتمد حمل قوله بعدم الفو على ما إذا جاوز محله، وهو ما ينسب عادة إلى الثوب أو محل آخر، فلا يعفى إلا عن قليله لأنه بفعله، وإنما لم ينظر لكونه بفعله عند عدم المجاوزة لأن الضرورة هنا أقوى منها في قتل نحو البرغوث وعصر البثرة. اه. (قوله: بمحلهما) الجار والمجرور صفة لما قبله، أي كائنين بمحلهما. ولو أخره عن الغاية لكان أولى لأنه قيد فيها. والمراد بمحلهما ما يغلب السيلان إليه عادة وما حاذاه من الثوب، فإن جاوزه عفي عن المجاوز وإن قل. اه. شوبري. فإن كثر المجاوز فقياس ما تقدم في الاستنجاء أنه إن اتصل المجاوز بغير

الفم، إذا لم يبتلع ريقه فيها، لان دم اللثة معفو عنه بالنسبة إلى الريق. ولو رعف قبل الصلاة ودام فإن رجا انقطاعه والوقت متسع انتظره، وإلا تحفظ - كالسلس - خلافا لمن زعم انتظاره، وإن خرج الوقت. كما تؤخر لغسل ثوبه المتنجس وإن خرج. ويفرق بقدرة هذا على إزالة النجس من أصله فلزمته، بخلافه في مسألتنا. وعن قليل طين محل مرور متيقن نجاسته ولو بمغلظ، للمشقة، ما لم تبق عينها متميزة. ويختلف ذلك بالوقت ـــــــــــــــــــــــــــــ المجاوز وجب غسل الجميع، وإن تقطع أو انفصل عنه وجب غسل المجاوز فقط. اه شيخنا عشماوي. اه بجيرمي. وفي حاشية الكردي ما نصه: قال الشهاب عميرة: الظاهر أن المراد بالمحل الموضع الذي أصابه في وقت الخروج واستقر فيه، كنظيره من البول والغائط في الاستنجاء بالحجر. وحينئذ فلو سال وقت الخروج من غير انفصال لم يضر، ولو انفصل من موضع يغلب فيه تقاذف الدماء فيحتمل العفو كنظيره من الماء المستعمل. أما لو انتقل من البدن وعاد إليه فقد صرح الأذرعي بأنه كالأجنبي. اه. ولو أصاب الثوب مما يحاذي الجرح فلا إشكال في العفو. فلو سال في الثوب وقت الإصابة من غير انفصال في أجزاء الثوب فالظاهر أنه كالبدن. اه. (قوله: لثته) نائب فاعل أدمى. وهو بتثليث اللام: ما حول الأسنان. وقيل: هي اللحم المغروز فيه الأسنان. (قوله: قبل غسل الفم) متعلق بتصح. (قوله: إذا لم يبتلع ريقه فيها) أي في الصلاة، وخرج بذلك ما إذا ابتلع ريقه فيها فلا تصح صلاته لأنه مخالط للدم. (قوله: معفو عنه بالنسبة إلى الريق أي فيعفى عن اختلاط الدم بالريق، ولا يعد أجنبيا بالنسبة له لأنه ضروري. (قوله: ولو رعف قبل الصلاة إلخ) فإن رعف فيها ولم يصبه منه إلا القليل لم يقطعها وإن كثر نزوله على منفصل عنه، فإن كثر ما أصابه لزمه قطعها، ولو جمعة. خلافا لمن وهم فيه. اه تحفة. (قوله: ودام) أي رعافه. (قوله: فإن رجا إلخ) أي ففيه تفصيل، فإن رجا إلخ. وقوله: انقطاعه أي الرعاف. (قوله: والوقت متسع) أي بأن يبقى منه بعد الانقطاع ما يسع الصلاة كاملة. (قوله: انتظره) أي الانقطاع، ويصلي بعده (قوله: وإلا تحفظ) أي وإن لم يرج انقطاعه والوقت متسع تحفظ كالسلس، بأن يغسل محل الدم من أنفه، ثم يحشوه بنحو قطنة ويعصبه بخرقة إن احتاج إليه. (قوله: خلافا) منصوب على الحال، أي حال كون ما ذكر من عدم الانتظار مخالفا لمن زعم انتظاره، أي الانقطاع. وقوله: وإن خرج الوقت غاية للانتظار. (قوله: كما تؤخر الخ) الكاف للتنظير، وهو راجع لمن زعم الانتظار. أي أن هذا الزاعم ما ذكر يقيس مسألة الرعاف على مسألة النجاسة، وهي أنه إذا تنجس ثوبه يؤخر الصلاة إلى أن يغسل ثوبه ولو خرج الوقت. (قوله: ويفرق) أي بين مسألة الرعاف ومسألة النجاسة. وقوله: بقدرة هذا أي الذي تنجس ثوبه. (قوله: فلزمته) أي الإزالة، ولو خرج الوقت. (قوله: بخلافه) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من اسم الإشارة، أو خبر لمبتدأ محذوف، والضمير يعود على من رعف المعلوم من السياق. أي حال كون هذا الذي تنجس ثوبه متلبسا بمخالفة من رعف، أو هذا الذي تنجس ثوبه متلبس بمخالفته. وذلك لأن من رعف ليس له قدرة على إزالة الرعاف فلذلك لم يلزمه إنتظار انقطاعه، ولزمته الصلاة مع التحفظ. وقوله: في مسألتنا أي مسألة الرعاف. (قوله: وعن قليل طين) معطوف على عن دم إلخ. أي ويعفى عن قليل طين إلخ في الثوب والبدن، وإن انتشر بعرق أو نحوه مما يحتاج إليه دون المكان إذ لا يعم الابتلاء به فيه. وخرج بقليل ما ذكر كثيره، فلا يعفى عنه كدم الأجنبي. وضابط القليل هنا هو الذي لا ينسب صاحبه إلى سقطة على شئ، أو كبوة على وجهه، أو قلة تحفظ وإن كثر عرفا. والكثير هو الذي ينسب صاحبه إلى ذلك. وقوله: محل مرور هو أولى من قول غيره شارع، إذ المدار على محل المرور سواء كان شارعا أو غيره. وقوله: متيقن نجاسته صفة لطين. وفي التحفة: ومثل التيقن إخبار عدل رواية به. اه. وخرج بالمتيقن نجاسته: غيره، وهو مظنونها أو المشكوك فيها، فيحكم عليه بالطهارة عملا بالأصل. (قوله: ولو بمغلظ) أي ولو كانت النجاسة بمغلظ، أي من مغلظ، وهو الكلب والخنزير. وعبارة شرح الروض: قال الزركشي: وقضية إطلاقهم العفو عنه ولو مختلطا بنجاسة كلب أو نحوه، وهو المتجه، لا سيما في موضع يكثر فيه الكلاب، لأن الشوارع معدن النجاسات. اه. (قوله: للمشقة) علة للعفو عن الطين المذكور. وعبارة المغني: إذ لا بد للناس من الانتشار في حوائجهم، وكثير منهم لا يملك أكثر من ثوب. فلو أمروا بالغسل كلما أصابتهم عظمت المشقة عليهم. (قوله: ما لم تبق) ما مصدرية ظرفية مرتبطة بيعفى المقدر قبل قوله: وعن قليل طين إلخ.

ومحله من الثوب والبدن. وإذا تعين عين النجاسة في الطريق، ولو مواطئ كلب، فلا يعفى عنها، (وإن عمت الطريق على الاوجه). (وأفتى شيخنا) في طريق لا طين بها بل فيها قذر الادمي وروث الكلاب والبهائم وقد أصابها المطر، بالعفو عند مشقة الاحتراز. (قاعدة مهمة): وهي أن ما أصله الطهارة وغلب على الظن تنجسه لغلبة النجاسة في مثله، فيه قولان معروفان بقولي الاصل. والظاهر أو الغالب أرجحهما أنه طاهر، عملا بالاصل المتيقن، لانه أضبط من الغالب ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: عينها أي النجاسة. وقوله: متميزة أي ظاهرة منفصلة عن الطين، غير مستهلكة فيه. (قوله: ويختلف ذلك) أي المعفو عنه. وقوله: بالوقت أي فيعفى في زمن الشتاء عما لا يعفى عنه في زمن الصيف. وقوله: ومحلة أي محل ذلك المعفو عنه. وقوله: من الثوب والبدن بيان للمحل، أي فيعفى في الذيل والرجل عما لا يعفى في الكم واليد. (قوله: وإذا تعين عين النجاسة) أي وإذا تميزت عين النجاسة إلخ. وهذا محترز قوله: ما لم تبق عينها متميزة. والأولى التعبير بفاء التفريع. (قوله: ولو مواطئ) جمع موطئ، أي ولو كان الطريق محل وطئ الكلاب، أي مرورها. ولم تذكر هذه الغاية في التحفة وفتح الجواد والنهاية والأسنى وغيرها، فالأولى إسقاطها إذ لا معنى لتخصيص الكلاب بالذكر، وأيضا الغاية الثانية تغني عنها. (قوله: فلا يعفى عنها إلخ) وإلى ذلك أشار ابن العماد بقوله: وليس يعفى عن الأرواث إن بقيت أعيانها قاله في نص روضته للعقل فيها مجال عند كثرتها والقول في مسجد قاض بيسرته أي بالعفو عنه. (قوله: وإن عمت الطريق) أي بحيث يشق الاحتراز عن المشي في غير محلها. وفي النهاية: نعم، إن عمتها. فللزركشي احتمال بالعفو، وميل كلامه إلى اعتماده. كما لو عم الجراد أرض الحرم. اه. (قوله: وأفتى شيخنا إلخ) عبارة الفتاوي: سئل عن الشارع الذي لم يكن فيه طين وفيه سرجين وعذرة الآدميين وزبل الكلاب، هل يعفى - إذا حصل المطر - عما يصيب الثوب والرجل منه؟ فأجاب بقوله: يعفى عما ذكر في الشارع مما يتعسر الاحتراز عنه لكونه عم جميع الطريق. ولم ينسب صاحبه إلى سقطة ولا إلى كبوة وقلة تحفظ. اه. (قوله: قاعدة مهمة) قد أشار إليها ابن العماد في منظومته فقال: تقديم أصل على ذي حالة غلبت قال القرافي لنا حكم برخصته أحسن به نظرا واترك سؤالك لا تشغل به عمرا تشقى بضيعته ما عارض الأصل فيه غالب أبدا فتركه ورع دعه لريبته وما استوى عندنا فيه ترددنا أو كان في ظننا ترجيع طهرته فتركه بدعة والبحث عنه رأوا ضلالة تركها أولى لبدعته إن التنطع داء لا دواء له إلا بتركك إياه برمته (قوله: وهي) أي القاعدة. (قوله: أن ما أصله الطهارة الخ) أي إن الشئ الذي أصله الطهارة ولم تتيقن نجاسته، بل غلب على الظن نجاسته كطين الشارع المار وكما سيأتي من الأمثلة. (قوله: فيه قولان) أي فيما أصله الخ. أي في الحكم عليه بالطهارة أو بالنجاسة قولان. وقوله: معروفان أي مشهوران. وقوله: بقولي مثنى حذفت منه النون لإضافته إلى ما بعده. وقوله: أو الغالب أي بدل الظاهر، فالقول الثاني مشهور بالظاهر وبالغالب. (قوله: أرجحهما) أي القولين، أنه طاهر. (قوله: عملا بالأصل) محل العمل به إذا استند ظن النجاسة إلى غلبتها، وإلا عمل بالغالب. فلو بال حيوان في ماء كثير وتغير، وشك في سبب تغيره هل هو البول؟ أو نحو طول المكث؟ حكم بتنجسه عملا بالظاهر، لاستناده إلى سبب معين كخبر العدل، مع أن الأصل عدم غيره. كذا في شرح الروض والمغني. (قوله: لأنه) أي

المختلف بالاحوال والازمان، (وذلك كثياب خمار وحائض وصبيان)، وأواني متدينين بالنجاسة، وورق يغلب نثره على نجس، ولعاب صبي، وجوخ اشتهر عمله بشحم الخنزير، وجبن شامي اشتهر عمله بإنفحة الخنزير. وقد جاءه (ص) جبنة من عندهم فأكل منها ولم يسأل عن ذلك. ذكره شيخنا في شرح المنهاج. (و) يعفى عن ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصل. (وقوله: أضبط من الغالب) أي أكثر ضبطا منه. وقوله: المختلف بالأحوال أي أحوال الناس. فقد يكون غالبا باعتبار حال شخص ونادرا باعتبار حال شخص آخر. وقوله: والأزمان أي فقد يكون في زمن غالبا وفي زمن نادرا. (قوله: وذلك) أي ما كان الأصل فيه الطهارة وغلب على الظن تنجسه. (قوله: كثياب خمار) أي من يصنع الخمر أو يتعاطاه وهو مدمن له، ومثل ثيابه أوانيه. (قوله: وحائض وصبيان) أي ومجانين وجزارين، فيحكم على ثيابهم بالطهارة على الأرجح عملا بالأصل. (قوله: وأواني متدينين بالنجاسة) أي أواني مشركين متدينين باستعمال النجاسة، كطائفة من المجوس يغتسلون بأبوال البقر تقربا. (قوله: وورق يغلب نثره على نجس) في المغني: سئل ابن الصلاح عن الأوراق التي تعمل وتبسط وهي رطبة على الحيطان المعمولة برماد نجس. فقال: لا يحكم بنجاستها، أي عملا بالأصل. (قوله: ولعاب صبي) في القاموس: اللعاب كغراب، ما سال من الفم. اه. أي فهو طاهر بالنسبة للأم وغيرها، وإن كان يحتمل اختلاطه بقيئه النجس عملا بالأصل، ولعموم البلوى به. ومثله لعاب الدواب وعرقها فهما طاهران. (قوله: وجوخ إلخ) في المغني: سئل ابن الصلاح عن الجوخ الذي اشتهر على ألسنة الناس أن فيه شحم الخنزير؟ فقال: لا يحكم بنجاسته إلا بتحقق النجاسة. اه. (قوله: وجبن شامي الخ) أي فهو طاهر عملا بالأصل. (قوله: بإنفحة الخنزير) قال في المصباح: الإنفحة بكسر الهمزة وفتح الفاء وتثقيل الحاء أكثر من تخفيفها. ونقل عن الجوهري أنها هي الكرش. ونقل عن التهذيب أنها لا تكون إلا لكل ذي كرش، وهو شئ يستخرج من بطنه أصفر، يعصر في صوفه مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن. ولا يسمى إنفحة إلا وهو رضيع، فإذا رعى قيل استكرش، أي صارت إنفحته كرشا. اه. (قوله: وقد جاءه - صلى الله عليه وسلم - إلخ) تأييد لكونه يعمل بالأصل بالنسبة للجبن، ويقاس عليه غيره مما مر. (قوله: جبنة) بضم الجيم وسكون الباء وفتح النون. وقوله: من عندهم أي أهل الشام. (قوله: فأكل منها) أي من الجبنة. (قوله: ولم يسأل) أي النبي عليه الصلاة والسلام. وقوله: عن ذلك أي عن كونه عمل بإنفحة الخنزير. (قوله: ذكره شيخنا في شرح المنهاج) أي ذكر معظم ما في هذه القاعدة ونص عبارته. وخرج بالمتيقن نجاسته مظنونها منه، أي طين الشارع، ومن نحو ثياب خمار وقصاب وكافر متدين باستعمال النجاسة، وسائر ما تغلب النجاسة في نوعه فكله طاهر للأصل. نعم، يندب غسل ما قرب احتمال نحاسته. وقولهم: من البدع المذمومة غسل الثوب الجديد، محمول على غير ذلك. اه. وقد ذكر هذه القاعدة وغيرها في الأنوار، ولنسق لك عبارته تكميلا للفائدة، ونصها: فصل: إذا ثبت أصل في الحل أو الحرمة أو الطهارة أو النجاسة فلا يزال إلا باليقين، فلو كان معه إناء من الماء أو الخل أو لبن المأكول أو دهنه فشك في تنجسه، أو من العصير فشك في تخمره، لم يحرم التناول. ولو شك في حيض زوجته أو تطليقه لها لم يحرم الاستمتاع. ولو شك أنه لبن مأكول أو لحم مأكول أو غيره، أو وجد شاة مذبوحة ولم يدر أن ذابخها مسلم أو مجوسي، أو نباتا وشك أنه سم قاتل أم لا، حرم التناول، ولو أخبر فاسق أو كتابي بأنه ذكاها قبل. وإذا تعارض أصل وظاهر فالعمل بالأصل. فثياب مدمني الخمر وأوانيهم، وثياب القصابين والخفافين والصبيان والمجانين الذين لا يحترزون عن النجاسات، وطين الشوارع والمقابر المنبوشة، والحبوبات المدوسة بالثيران، وماء الموازيب، وأواني الكفار المتدينين باستعمال النجاسة - كمجوس الهند يغتسلون ببول البقر - واليهود والنصارى المنهمكين في الخمر والتلوث بالخنزير، وكل ما الغالب في مثله النجاسة طاهرة ما لم يتحقق النجاسة، بشرط أن تكون غلبة الظن مستندة إلى الغالب لا غير. فلو رأى بهيمة تبول في ماء كثير، وهو بعيد فجاءه ووجده متغيرا وشك أنه كان بالبول أم بغيره فهو نجس. ومن القسم الأول حكم الأموال في زماننا، لأن الأصل فيها الحل والظاهر غلبة الحرام. ذكره الغزالي وغيره. اه. وقوله طاهرة خبر عن قوله فثياب مدمني الخمر. وقوله ومن القسم الأول لعله الثاني، وهو ما تعارض فيه أصل وظاهر.

(محل استجماره و) عن (ونيم ذباب) وبول (وروث خفاش) في المكان، وكذا الثوب والبدن، وإن كثرت، لعسر الاحتراز عنها. ويعفى عما جف من ذرق سائر الطيور في المكان إذا عمت البلوى به. وقضية كلام المجموع العفو عنه في الثوب والبدن أيضا، ولا يعفى عن بعر الفأر - ولو يابسا - على الاوجه. لكن أفتى شيخنا ابن زياد - كبعض المتأخرين - بالعفو عنه إذا عمت البلوى به، كعمومها في ذرق الطيور. ولا تصح صلاة من ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المغني ما نصه: (فائدة) قال القاضي حسين: إن مبنى الفقه على أربع قواعد: اليقين لا يزول بالشك، والضرر يزال، والعادة محكمة، والمشقة تجلب التيسير. زاد بعضهم: والأمور بمقاصدها، أي أنها إنما تقبل بنياتها. ونظمها بعضهم فقال: خمس مقررة قواعد مذهب للشافعي بها تكون خبيرا ضرر يزال وعادة قد حكمت وكذا المشقة تجلب التيسيرا والشك لا ترفع به متيقنا والنية اخلص إن قصدت أمورا وقال ابن عبد السلام: يرجع الفقه كله إلى اعتبار المصالح ودرء المفاسد. وقال السبكي: بل إلى اعتبار المصالح فقط لأن درء المفاسد من جملتها. اه. (قوله: ويعفى عن محل استجماره) أي عن أثر محله، وكذا ما يلاقيه من الثوب. ع ش. والعفو عنه في حقه فقط، فلو قبض على بدن مصل أو على ثوبه بطلت صلاته، وبالنسبة للصلاة فقط، فلو أصاب ماء قليلا نجسه. (قوله: وعن ونيم ذباب) أي روثه، ومثله بوله. والذباب مفرد، وقيل: جمع ذبابة، بالباء لا بالنون، لأنه لم يسمع، وجمعه ذبان كغربان، وأذبة كأغربة. قال بعضهم: الذباب مركب من ذب آب، أي طرد رجع، لأنه كلما طرد رجع. ولا يعيش أكثر من أربعين يوما، وكله في النار لتعذيب أهلها لا لتعذيبه. وكان لا يقع على جسده - صلى الله عليه وسلم - ولا على ثيابه، وهو أجهل الخلق، لأنه يلقي نفسه على ما فيه هلاكه، واسمه أبو حمزة. اه. والمراد به ما يشمل النحل والقمل والبق. قال ابن العماد. كذا الونيم إذا قلت إصابته أو عم عنى فخذ حكما بحكمته من الذباب أو الزنبور مثلهما بول الفراش كذا أرواث نحلته فالكل يسمى ذبابا في اللسان كذا في جاحظ نقله فاحكم بقوته (قوله: وبول وروث) يقرآن من غير تنوين لإضافتهما إلى خفاش، وهو بضم الخاء وفتح الفاء المشددة، الوطواط. (قوله: في المكان) أي مكان المصلي، وهو متعلق بيعفى. (قوله: وكذا الثوب والبدن) أي وكذا يعفى عما ذكر فيهما. (قوله: وإن كثرت) غاية للعفو، وضميره المستتر عائد على ونيم الذباب وبول وروث الخفاش. أي أنه لا فرق في ذلك بين كثيره وقليله، ومثله أيضا لا فرق بين رطبه ويابسه. كما في التحفة. (قوله: لعسر الاحتراز عنها) علة العفو، أي ويعفى عما ذكر لأنه مما يشق الاحتراز عنه لكونه مما تعم به البلوى. (قوله: ويعفى عما جف من ذرق سائر الطيور) ذكر شرطين للعفو وهما الجفاف وعموم البلوى، وبقي أن لا يتعمد المشي عليه كما مر. وعبارة التحفة: ويستثنى من المكان ذرق الطيور فيعفى عنه فيه أرضه وكذا فراشه على الأوجه، إن كان جافا ولم يتعمد ملامسته. ومع ذلك لا يكلف تحري غير محله إلا في الثوب مطلقا على المعتمد. اه. (قوله: وقضية كلام المجموع الخ) ضعيف. وقوله: العفو عنه أي عن ذرق الطيور. وقوله: أيضا أي كما يعفى عنه في المكان. (قوله: ولا يعفى عن بعر الفأر) أي بالنسبة للمكان والثوب والبدن. فلا ينافي ما مر من أنه يعفى عنه بالنسبة لحياض الا خلية. (قوله: بالعفو عنه) إن كان المراد في الثوب وما عطف عليه فالأمر ظاهر، وإن كان المراد في المائع فهو أمر معلوم مذكور غير مرة. والمتبادر من عبارته الأول فانظره. (قوله: كعمومها) أي عمت عموما كعمومها في ذرق

حمل مستجمرا أو حيوانا بمنفذه نجس، أو مذكى غسل مذبحه دون جوفه، أو ميتا طاهرا كآدمي وسمك يغسل باطنه، أو بيضة مذرة في باطنها دم. ولا صلاة قابض طرف متصل بنجس وإن لم يتحرك بحركته. فرع: لو رأى من يريد صلاة وبثوبه نجس غير معفو عنه لزمه إعلامه. وكذا يلزم تعليم من رآه يخل بواجب عبادة في رأي مقلده. ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيور، وذلك بأن يشق الاحتراز عنه. (قوله: ولا تصح صلاة إلخ) إذ العفو للحاجة ولا حاجة إلى ما ذكر في الصلاة. وقوله: من حمل مستجمر أي مستنجيا بالحجر. قال ع ش: ومثل الحمل ما لو تعلق المستجمر بالمصلي أو المصلي بالمستجمر، فإنه تبطل صلاته، ووجه البطلان فيهما اتصال المصلي بما هو متصل بالنجاسة. ويؤخذ منه أن المستنجي بالماء إذا أمسك مصليا مستجمرا بطلت صلاة المستجمر لأن بعض بدنه متصل بيد المستنجي بالماء ويده متصلة ببدن المصلي المستجمر بالحجر، فصدق عليه أنه متصل بمتصل نجس، وهو نفسه لا ضرورة لاتصاله به. اه. (قوله: أو حيوانا الخ) أي أو حمل حيوانا بمنفذه نجس. ومثل الحمل ما مر آنفا. (قوله: أو مذكى الخ) أي أو حمل حيوانا مذكى، أي زالت حياته بذكاة شرعية. وقوله: غسل مذبحه أي محل الذبح من نحو الحلق. وقوله: دون جوفه أي لم يغسل. (قوله: أو ميتا طاهرا) أي أو حمل ميتا طاهرا. وإنما بطلت صلاته لحمله لما في جوفه من النجاسة، وإنما لم تبطل إذا حمل حيوانا حيا لأن للحياة أثرا في دفع النجاسة. (قوله: كآدمي وسمك) أي وجراد، وهي أمثلة للميت الطاهر. (قوله: لم يغسل باطنه) أي الميت الطاهر. فإن غسل باطنه بأن شق - وهو بالنسبة للآدمي حرام إلا فيما استثنى لما فيه من انتهاك حرمته - لم تبطل الصلاة بحمله. (قوله: أو بيضة مذرة) أي أو حمل بيضة مذره، أي بأن أيس من مجئ فرخ منها. وقوله: في باطنها دم وإنما بطلت الصلاة بحملها لنجاسة الدم الذي فيها، لما صرح به فيما مر من أنه طاهر إذا لم يفسد. ومفهومه أنها إن فسدت كان نجسا. (قوله: ولا صلاة قابض الخ) أي ولا تصح صلاة قابض، أي أو شاد أو حامل ولو بلا قبض، ولا شدة طرف متصل بنجس. وحاصل المعتمد في هذه المسألة - كما في الكردي -: أنه إن وضع طرف الحبل بغير شد على جزء طاهر من شئ متنجس كسفينة متنجسة، أو على شئ طاهر متصل بنجس كساجور كلب، لم يضر ذلك مطلقا. أو وضعه على نفس النجس ولو بلا نحو شد ضر مطلقا. وإن شده على الطاهر المتصل بالنجس نظر إن انجز بجره ضر وإلا فلا. وخرج بقابض وما بعده ما لو جعله المصلي تحت قدمه فلا يضر وإن تحرك بحركته، كما لو صلى على بساط مفروش على نجس، أو بعضه الذي لا يماسه نجس. (تتمة) تجب إزالة الوشم - وهو غرز الجلد بالإبرة - إلى أن يدمى، ثم يذر عليه نحو نيلة فيخضر لحمله نجاسة هذا إن لم يخف محذورا من محذورات التيمم السابقة في بابه، أما إذا خاف فلا تلزمه الإزالة مطلقا. وقال البجيرمي: إن فعله حال عدم التكليف كحالة الصغر والجنون لا يجب عليه إزالته مطلقا، وإن فعله حال التكليف فإن كان لحاجة لم تجب الإزالة مطلقا وإلا فإن خاف من إزالته محذور تيمم لم تجب وإلا وجبت، ومتى وجبت عليه إزالته لا يعفى عنه ولا تصح صلاته معه. ثم قال: وأما حكم كي الحمصة فحاصله أنه إن قام غيرها مقامها في مداواة الجرح لم يعف عنها ولا تصح الصلاة مع حملها، وإن لم يقم غيرها مقامها صحت الصلاة ولا يضر انتفاخها وعظمها في المحل ما دامت الحاجة قائمة، وبعد انتهاء الحاجة يجب نزعها. فإن ترك ذلك من غير عذر ضر ولا تصح صلاته. اه. (قوله: لزمه إعلامه) أي لأن الأمر بالمعروف لا يتوقف على العصيان. قال ابن عبد السلام: وأفتى به الحناطي، كما لو رأينا صبيا يزني بصبية فإنه يجب المنع. اه. نهاية. (قوله: وكذا يلزمه تعليم إلخ) أي كفاية إن كان ثم غيره يقوم به وإلا فعينا. نعم، إن قوبل ذلك بأجرة لم يلزمه إلا بها على المعتمد. اه تحفة. (قوله: في رأي مقلد) بفتح اللام،

تتمة: يجب الاستنجاء من كل خارج ملوث بماء. ويكفي فيه غلبة ظن زوال النجاسة، ولا يسن حينئذ شم يده، وينبغي الاسترخاء لئلا يبقى أثرها في تضاعيف شرج المقعدة، أو بثلاث مسحات تعم المحل في كل ـــــــــــــــــــــــــــــ أي إمامه. (قوله: تتمة) أي في بيان أحكام الاستنجاء. وفي آداب داخل الخلاء. (قوله: يجب الاستنجاء) أي في حق غير الأنبياء لأن فضلاتهم طاهرة، ووجوبه لا على الفور بل عند إرادة القيام إلى الصلاة مثلا. وقد يندب الاستنجاء كما إذا خرج منه غير ملوث كدود أو بعر، وقد يكره كالاستنجاء من الريح، وقد يحرم كالاستنجاء بالمطعوم، وقد يباح كما إذا عرق المحل فاستنجى لإزالة ذلك العرق. وخالف في هذا بعضهم. واعلم أن أركان الاستنحاء أربعة: مستنج، وهو الشخص. ومستنجى منه، وهو الخارج الملوث. ومستنجى فيه، وهو القبل والدبر. ومستنجى به، وهو الماء أو الحجر. (قوله: من كل خارج) أي من الفرج، ولو نادرا كدم. ويستثنى المني فلا يجب الاستنجاء منه لأنه طاهر. وقوله، ملوث أي ولو قليلا يعفى عنه بعد الحجر. لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، ويكفي فيه الحجر وإن لم يزل منه شيئا. وقد يقال: ما فائدته؟ اللهم إلا أن يقال نظير إمرار الموسى على رأس الأقرع. اه رحماني بجيرمي. (قوله: بماء) متعلق بالاستنجاء. وإنما جاز الاستنجاء به مع أنه مطعوم لأن الماء فيه قوة دفع، بخلاف غيره من المائعات. اه ع ش. وشمل الماء ماء زمزم فيجزئ إجماعا، والمعتمد أنه خلاف الأولى. ومشى في العباب على التحريم مع الإجزاء. وأهل مكة يمتنعون من استعماله في الاستنجاء، ويشنعون التشنيع البليغ على من يفعل ذلك، ومقصودهم بهذا مزيد تعظيمها. ويلحق به ما نبع من أصابعه - صلى الله عليه وسلم - وماء الكوثر. اه بجيرمي. (قوله: ويكفي فيه) أي في الاستنجاء بالماء. (وقوله: غلبة ظن زوال النجاسة) علامة ذلك ظهور الخشونة بعد النعومة في الذكر، وأما الأنثى فبالعكس. (قوله: ولا يسن حينئذ) أي حين إذ غلب على الظن زوال النجاسة. وقوله: شم يده نائب فاعل يسن. فلو شم من يده رائحة النجاسة لم يحكم ببقاء النجاسة على المحل، وإن حكمنا على يده بالنجاسة، فيغسل يده فقط. قال في التحفة: إلا إن يشمها من الملاقي للمحل، فإنه دليل على نجاستهما كما هو ظاهر، اه. وقوله: من الملاقي للمحل: أي وهو باطن الأصبع الذي مس محل النجاسة. وقوله دليل على نجاستهما: أي المحل والملاقي له، فيجب غسلهما. (قوله: وينبغي) أي ويطلب وجوبا. وفي البجيرمي ما نصه: وينبغي - أي وجوبا للمرأة والرجل - الاسترخاء، لئلا يبقى أثر النجاسة في تضاعيف شرج المقعدة، وكذا أثر البول في تضاعيف باطن الشفرين. اه. (وقوله: شرج) بفتحتين، مجمع حلقة الدبر الذي ينطبق. اه كردي. (قوله: أو بثلاث مسحات) معطوف على بماء. وأو هنا مانعة خلو فتجوز الجمع، بل هو أفضل. وهذا شروع في بيان الاستنجاء بغير الماء، وهو رخصة من خصائصنا. واعلم أنه يشترط فيه من حيث كونه بغير الماء أربعة شروط: أن يكون بجامد، فلا يكفي المائع كماء الورد والخل. وأن يكون بطاهر، فلا يكفي النجس كالبعر والمتنجس. وأن يكون بقالع لعين النجاسة، فلا يكفي نحو الفحم الرخو والتراب المتناثر ونحو القصب الأملس ما لم يشق، وإلا أجزأ. وأن يكون بغير محترم، فلا يكفي المحترم كمطعوم الآدميين كالخبز ما لم يحرق، وكمطعوم الجن كالعظم. ويشترط فيه من حيث الخارج ستة شروط: أن يخرج الملوث من فرج، وأن لا يجف، وأن لا يجاوز صفحة في الغائط - وهي ما ينضم من الأليين عند القيام - وحشفة في البول - وهي ما فوق الختان -. وأن لا ينقطع، وأن لا ينتقل عن المحل الذي أصابه عند الخروج واستقر فيه، وأن لا يطرأ عليه أجنبي. فإن فقد شرط من هذه الشروط تعين الماء، ويشترط فيه من حيث الاستعمال ثلاثة شروط: أن يمسح ثلاثا ولو بأطراف حجر واحد، وأن يعم المحل كل مرة، وأن ينقي المحل. فإن لم ينق بالثلاث وجبت الزيادة عليها إلى أن لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء أو صغار الخزف. وعدها بعضهم اثني عشر، وأسقط من شروط الخارج الستة عدم التقطع. ونظمها بقوله: واشرط إذا استنجيت بالأحجار اثنين مع عشر بلا إنكار بطاهر وقالع لا محترم مع النقاء والرطوبة انعدم ولا يجف خارج لا ينتقل لا أجنبي يطرا يجاوز المحل

مرة، مع تنقية بجامد قالع. ويندب لداخل الخلاء أن يقدم يساره، ويمينه لانصرافه، بعكس المسجد. وينحي ما عليه معظم، من قرآن واسم نبي أو ملك، ولو مشتركا كعزيز وأحمد إن قصد به معظم. ويسكت حال خروج ـــــــــــــــــــــــــــــ وثلث المسح وفرج أصلي وهكذا نظافة المحل وذكر الشارح رحمه الله تعالى منها خمسة وهي: تثليث المسح، وتعميم المحل في كل مرة، وتنقيته، وأن يكون المستنجى به جامدا، وأن يكون قالعا. فتنبه. (قوله: تعم المحل في كل مرة) أي ليصدق ويتحقق تثليث المسح. واعلم أن كيفيته الكاملة أن يبدأ بالأول من مقدم الصفحة اليمنى ويديره قليلا قليلا إلى أن يصل إلى الذي بدأ منه. ثم بالثاني من مقدم الصفحة اليسرى كذلك. ثم يمر الثالث على الصفحتين والمسربة معا. وكيفية في الذكر - كما قاله الشيخان - أن يمسحه على ثلاثة مواضع من الحجر. والأولى للمستنجي بالماء أن يقدم القبل، وبالحجر أن يقدم الدبر لأنه أسرع جفافا. (قوله: مع تنقية) أي للمحل، والإنقاء أن يزيل العين حتى لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء أو صغار الخزف، فإن لم ينقه بالثلاث وجب إنقاء بالزيادة عليها إلى أن لا يبقى إلا ما مر. (قوله: بجامد) متعلق بمحذوف، صفة لمسحات. أي مسحات كائنات بجامد. وخرج به الرطب، ومنه المائع فلا يجزئ الاستنجاء به. وقوله: قالع أي لعين النجاسة. قال في النهاية ولو كان حريرا للرجال. كما قال إبن العماد بإباحته لهم كالضبة الجائزة، وليس من باب اللبس حتى يختلف الحكم بين الرجال والنساء. وتفصيل المهمات بين الذكور وغيرهم مردود بأن الاستنجاء به لا يعد استعمالا في العرف وإلا لما جاز بالذهب والفضة. اه. (قوله: ويندب لداخل الخلاء) أي ولو لحاجة أخرى غير قضاء الحاجة، كوضع متاع فيه أو أخذه منه. والخلاء بالمد المكان الخالي نقل إلى البناء المعد لقضاء الحاجة. قال الترمذي: سمي باسم شيطان فيه يقال له خلاء، وأورد فيه حديثا. وقيل: لأنه يتخلى فيه، أي يتبرز. وجمعه أخلية، كرداء وأردية. ويسمى أيضا المرفق والكنيف والمرحاض، وهو ليس بقيد بل المدار على الوصول لمحل قضاء الحاجة ولو بصحراء. ودناءة الموضع فيها قبل قضاء الحاجة تحصل بمجرد قصد قضائها فيه، كالخلاء الجديد قبل أن يقضي فيه أحد. قال في التحفة: وفيما له دهليز طويل يقدمها عند بابه ووصوله لمحل جلوسه. اه. وقوله: إن يقدم يساره أي أو بدلها، وذلك لما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن من بدأ برجله اليمنى قبل يساره إذا دخل الخلاء ابتلي بالفقر. (قوله: ويمينه لانصرافه) أي ويندب لمن دخل الخلاء وأراد الانصراف منه أن يقدم يمينه عند انصرافه. (قوله: بعكس المسجد) خبر لمبتدأ محذوف، أي وهذا ملتبس بعكس المسجد، أي فيقدم يمينه عند دخوله ويساره عند خروجه، وذلك لأن كل ما كان من باب التكريم يبدأ فيه باليمين وخلافه باليسار، لمناسبة اليسار للمستقذر واليمين لغيره. والأوجه فيما لا تكرمة فيه ولا استقذار كالبيوت أنه يكون كالمسجد. وفي النهاية. ولو خرج من مستقذر لمستقذر أو من مسجد لمسجد فالعبرة بما بدأ به في الأوجه. اه. أي ففي الصورة الأولى يقدم اليمنى عند الخروج لأنه بدأ باليسار، وفي الثانية يقدم اليسرى عنده لأنه بدأ باليمنى. وصرح في التحفة في الصورة الثانية بأنه يتخير، أي بين تقديم اليمنى أو اليسرى. وصرح فيها أيضا بأن الأوجه في شريف وأشرف كالكعبة وبقية المسجد مراعاة الأشرف، أي فيقدم اليمنى عند دخوله الكعبة وعند خروجه منها إلى المسجد يقدم اليسرى. وصرح في النهاية بأن الأوجه مراعاتهما معا، فيقدم يمينه دخولا وخروجا. (قوله: وينحي إلخ) أي ويندب له أن ينحي - أي يزيل منه - الشئ الذي كتب عليه معظم. وذلك لما صح: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، وكان نقشه محمد رسول الله، محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر. وفي المغني ما نصه: وهذا الأدب مستحب. قال ابن الصلاح: وليتهم قالوا بوجوبه. قال الأذرعي: والمتجه تحريم إدخال المصحف ونحوه الخلاء من غير ضرورة، إجلالا له وتكريما. اه. قال الأسنوي: وكلام محاسن الشريعة تحريم بقاء الخاتم الذي عليه ذكر الله في اليسار حال الاستنجاء وهو ظاهر إذا أفضى ذلك إلى تنجسه. اه ملخصا. وينبغي حمل كلام الأذرعي على ما إذا خيف عليه التنجيس. اه. (قوله: من قرآن إلخ) بيان للمعظم. وقوله: ولو مشتركا أي ولو كان اللفظ الدال على المعظم مشتركا، أي يطلق على غيره بطريق الاشتراك، كالعزيز فهو يطلق على الله تعالى وعلى من ولي

خارج ولو عن غير ذكر وفي غير حال الخروج عن ذكر. ويبعد ويستتر. وأن لا يقضي حاجته في ماء مباح راكد ما لم يستبحر. ومتحدث غير مملوك لاحد، وطريق. وقيل: يحرم التغوط فيها. وتحت مثمر بملكه، أو مملوك ـــــــــــــــــــــــــــــ مصر، وكأحمد فهو يطلق على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى غيره. (قوله: إن قصد به) أي بذلك المشترك، معظم. قال في النهاية: أو قامت قرينة قوية على أنه المراد به. والأوجه أن العبرة بقصد كاتبه لنفسه أو لغيره متبرعا، وإلا فالمكتوب له. اه. وخرج بذلك ما إذا اقصد به غيره أو أطلق، فلا كراهة. (قوله: ويسكت إلخ) أي ويندب أن لا يتكلم حال خروج الخارج مطلقا، ذكرا كان أو غيره، للنهي عن التحدث على الغائط. فلو عطس حمد بقلبه فقط - كالمجامع - ويثاب عليه، وليس لنا ذكر قلبي يثاب عليه إلا هذا، فلو خالف وجهر به وسمعه اخر لا يطلب منه تشميته لعدم طلب الحمد فيه لفظا، فإن تكلم ولم يسمع نفسه فلا كراهة. وفي حاشية الجمل ما نصه: هل من الكلام ما يأتي به قاضي الحاجة من التنحنح عند طرق باب الخلاء من الغير ليعلم هل فيه أحد أم لا؟ فيه نظر، والأقرب أن مثل هذا لا يسمى كلاما وبتقديره فهو لحاجة، وهي دفع من يطرق الباب عليه لظنه خلو المحل. اه. وقد يجب الكلام فيما إذا خاف وقوع محذور على غيره، كمن رأى أعمى يريد أن يسقط في بئر أو رأى حية تقصده، فيجب أن ينبهه تحذيرا له من الضرر. (قوله: وفي غير حال الخروج إلخ) أي ويندب في غير هذه الحالة أن لا يتكلم بذكر وقرآن فقط، فإن تكلم بغيرهما فلا كراهة. وفي البجيرمي ما نصه: قوله: حال قضاء الحاجة ليس بقيد، فالمعتمد الكراهة حال قضاء حاجته وقبله وبعده لأن الآداب للمحل. وإن كان قضية كلام الشيخين ما مشى عليه الشارح. شوبري. اه. (قوله: ويبعد) أي ويندب أن يبعد عن الناس - ولو في البول - إلى حيث لا يسمع للخارج منه صوت ولا يشم له ريح. وقوله: ويستتر أي ويندب أن يستتر عن أعين الناس، لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستتر به، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم. من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه. ويحصل الستر بمرتفع قدر ثلثي ذراع وقد قرب منه ثلاثه أذرع فأقل، ولو براحلته ونحو ذيله. اه شرح الرملي. (قوله: وأن لا يقضي حاجته إلخ) ويندب أن لا يقضي حاجته - بولا كانت أو غائطا - في ماء مباح راكد، للنهي عن البول في حديث مسلم، ومثله الغائط بل أولى، والنهي في ذلك للكراهة، وإن كان الماء قليلا لإمكان طهره بالكثرة. وفي الليل أشد كراهة، لأن الماء بالليل مأوى الجن. ويشترط في المباح أن لا يكون مسبلا ولا موقوفا، فإن كان كذلك حرم ذلك فيه. ومثل المباح المملوك له. ومثل الموقوف المملوك لغيره. وخرج بالراكد الجاري، فلا يكره ذلك في كثيره لقوته ويكره في القليل منه، كما في المغنى. ومثل البول والغائط البصاق والمخاط ونحوهما من كل ما يستقذر وتعافه الناس. وقوله: ما لم يستبحر مرتبط بمحذوف تقديره فإن فعل ذلك فيه كره ما لم يستبحر. وصرح بهذا المحذوف في التحفة. وكتب سم: قوله: ما لم يستبحر، قال في شرح العباب: فلا كراهة في قضاء الحاجة فيه نهارا ولا خلاف الأولى كما هو ظاهر، ويحتمل أن يقال لا حرمة أيضا إن كان مسبلا أو مملوكا للغير، ويحتمل خلافه. اه. وقوله: نهارا أي لا ليلا، فإنه يكره فيه لما ورد إن الماء ليلا مأوى الجن، والاستعاذة مع التسمية لا تدفع شر عتاتهم. (فائدة) يندب أن يتخذ له إناء ليبول فيه ليلا، لخبر: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - قدح من عيدان - بفتح العين - النخل الطوال. لأن دخول الحشوش ليلا يخشى منه. (قوله: ومتحدث) أي ويندب أن لا يقضي حاجته في متحدث، وهو بفتح الدال مكان التحدث. اه. شرح المنهج. وقال في التحفة: هو محل اجتماع الناس في الشمس شتاء، والظل صيفا. والمراد به هنا كل محل يقصد لغرض كمعيشة أو مقيل، فيكره ذلك إن اجتمعوا لجائز وإلا فلا. اه. وقوله: وإلا فلا. أي وإن لم يجتمعوا لجائز، بأن كان لحرام كغيبة ونميمة

علم رضا مالكه، وإلا حرم. ولا يستقبل عين القبلة ولا يستدبرها، ويحرمان في غير المعد وحيث لا ساتر. فلو ـــــــــــــــــــــــــــــ أو مكروه، فلا يكره قضاء الحاجة فيه حينئذ بل يندب في الحرام. وقال بعضهم: بل قد يجب إن أفضى إلى منع المعصية. اه. (قوله: غير مملوك لأحد) أي من الناس غيره بأن كان مملوك له أو مباحا، فإن كان مملوكا لغيره حرم حيث علم أنه لم يرض بذلك أو لم يأذن له. (قوله: وطريق) أي ويندب أن لا يقضي حاجته في طريق - أي مسلوك - للناس، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: اتقوا اللعانين. قالوا: اوما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم. أي اتقوا سبب لعنهما كثيرا وهو التخلي في طريق الناس أو في ظلهم، ولما تسببا في لعن الناس لهما كثيرا نسب إليهما بصيغة المبالغة، وإلا فهما ملعونان كثيرا من الناس لا لعانان. ولخبر أبي داود بإسناد جيد: اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل. والملاعن: مواضع اللعن، والموارد: طرق الماء. والتخلي: التغوط، وكذا البراز، وهو بكسر الباء على المختار، وقيس بالغائط البول. وخرج بالمسلوك المهجور فلا كراهة فيه. (فائدة) لو زلق أحد في الطريق بسبب الحاجة التي قضاها فيه فتلف لم يضمن الفاعل وإن غطاه بتراب أو نحوه، لأنه لم يحدث في التالف فعلا، وما فعله جائز له. والفرق بينه وبين ما قالوه من الضمان بإلقاء القمامات وقشور البطيخ في الطريق أن وجود الغائط في الطريق إنما هو عن ضرورة قامت بفاعله بخلاف القمامات. أفاده البجيرمي. (قوله: وقيل: يحرم التغوط فيها) أي في الطريق، لما فيه من إيذاء المسلمين. قال الكردي: وصوب هذا القول الأذرعي وأطال في الإنتصار له. وقال في الإيعاب: وهو متجه من حيث الدليل لكن المنقول الكراهة. اه. (قوله: وتحت مثمر) أي ويندب أن لا يقضي حاجته تحت شجرة مثمرة، صيانة للثمرة عن التلويث عند الوقوع فتعافها النفس. ولم يحرموه لأن التنجس غير متيقن. والمراد بالتحتية ما تصل إليه الثمرة الساقطة غالبا، والمراد بالمثمرة ما شأنها أن تثمر، ولا يشترط أن تكون مثمرة بالفعل وإن كان ظاهر العبارة يفيد ذلك. (قوله: بملكه) الباء بمعنى في، والجار والمجرور صفة لمثمر، أي مثمر كائن في ملكه، أي أرض مملوكة له، سواء كان المثمر مملوكا له أم لا، ومثل المملوكة له المباحة. وعبارة البجيرمي: وهذا في شجرة في ملكه، أو بأرض مباحة أو مملوكة وأذن مالكها أو علم رضاه، وإلا حرم. فلو كانت له والثمرة لغيره اتجه عدم الحرمة. اه شوبري. ويكره من جهة الثمرة. اه. (قوله: أو مملوك) معطوف على ملكه. أي أو في محل مملوك للغير. وقوله: علم رضا مالكه أي أو أذن له في ذلك. وقوله: وإلا حرم أي وإن لم يعلم رضاه بقضاء الحاجة في ملكه حرم. (قوله: ولا يستقبل عين القبلة ولا يستدبرها) أي ويندب عدم استقباله عين القبلة وعدم استدبارها. فإن استقبلها أو استدبرها كره ذلك، أي إن كان في غير معد وكان هناك ساتر، فإن لم يكن ساتر حرم، كما نص عليه الشارح. فإن كان في معد فلا حرمة ولا كراهة وإن لم يكن هناك ساتر. والحاصل لهما ثلاثة أحوال: الكراهة، والحرمة، وعدمهما. (قوله: ويحرمان) أي الاستقبال والاستدبار. قال البجيرمي: لا يخفى أن المراد بالاستدبار كشف دبره إلى جهتها حال خروج الخارج منه، بأن يجعل ظهره إليها كاشفا لدبره حال خروج الخارج. وأنه إذا استقبل أو استدبر واستتر من جهتها لا يجب الاستتار أيضا عن الجهة المقابلة لجهتها، وإن كان الفرج مكشوفا إلى تلك الجهة حال الخروج، لأن كشف الفرج إلى تلك الجهة ليس من استقبال القبلة ولا من استدبارها. اه. (قوله: في غير المعد) أي لقضاء الحاجة. قال سم: ولا يبعد أن يصير معدا بقضاء الحاجة فيه. أي وإن لم يكن في بنيان. اه. (قوله: وحيث لا ساتر) أي يبلغ ارتفاعه ثلثي ذراع فأكثر، وقد دنا منه قاضي الحاجة ثلاثة أذرع فأقل، بذراع الآدمي المعتدل. ونفي الساتر كما ذكر صادق بأن لا يوجد أصلا، أو وجد وكان ارتفاعه أقل من ثلثي ذراع، أو بعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع. فإن وجد الساتر كما ذكر فلا حرمة، بل يكره كما علمت. واختلف م ر وحجر في اشتراط عرض الساتر بحيث يستر بدن قاضي الحاجة، فقال به الأول وقال بعدمه الثاني، فيكفي عنده نحو العنزة. ثم إن ظاهر كلامهم تعين كون الساتر يبلغ ارتفاعه ثلثي ذراع فأكثر، ولعله للغالب. فلو كفاه دون الثلثين كأن كان صغيرا اكتفى به أو احتاج إلى زيادة على الثلثين وجبت. ولو بال أو تغوط قائما فلا بد أن يكون ساترا من قدمه إلى سرته لأن هذا حريم العورة. (قوله: فلو استقبلها الخ) لا يظهر هذا التفريع إلا أن يكون لمحذوف ملاحظ عند قوله ولا يستقبل

استقبلها بصدره وحول فرجه عنها ثم بال، لم يضر، بخلاف عكسه. ولا يستاك ولا يبزق في بوله. وأن يقول عند دخوله: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. والخروج: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الاذى وعافاني. وبعد الاستنجاء: اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش. قال البغوي: لو شك بعد الاستنجاء هل غسل ذكره لم تلزمه إعادته. ـــــــــــــــــــــــــــــ عين القبلة ولا يستدبرها، وتقديره بعين الفرج الخارج منه البول أو الغائط. ثم يرجع ضمير يحرمان إلى الاستقبال والاستدبار المقيدين بما ذكر. وتوضيحه أن تقول: ويحرم الاستقبال والاستدبار بعين الفرج الخارج منه البول أو الغائط، ولو عدم ذلك بالصدر. فلو استقبل القبلة بصدره وحول فرجه عنها ثم بال لم يضر ذلك، بخلاف ما لو عكس ذلك بأن استقبلها بفرجه وحول صدره عنها فإن ذلك يضر. (قوله: ولا يستاك) أي ويندب أن لا يستاك حال قضاء الحاجة، أي لأنه يورث النسيان، كما نص عليه في شرح العباب. (قوله: ولا يبزق في بوله) أي ويندب أن لا يبزق في بوله فإنه يخاف منه آفة، كما نقله الأذرعي، ونقل غيره عن الحكيم الترمذي أنه يتولد منه الوسواس وصفرة الأسنان. اه كردي. (قوله: وأن يقول عند دخوله) أي عند إرادة دخول بيت الخلاء في المعد لقضاء الحاجة، أو عند وصوله للمحل الذي أراد الجلوس فيه في الصحراء. وعبارة التحفة: أي وصوله قضاء الحاجة أو لبابه، وإن بعد محل الجلوس عنه، ولو لحاجة أخرى. فإن أغفل ذلك حتى دخل قاله بقلبه. اه. (قوله: اللهم إلخ) في المنهاج وغيره زيادة لفظ بسم الله قبله. وقال في التحفة: ولا يزيد الرحمن الرحيم، وإنما قدم التعوذ عليها عند القراءة لأنها من جملتها. وعن ابن كج أنه إن قصد باسم الله القرآن حرم، وهو مبني على حرمة قراءة القرآن في الخلاء. وهو ضعيف. اه. وقوله: إني أعوذ بك إلخ أي أعتصم وألتجئ بك يا ألله في أن تدفع عني شر الشياطين. وقوله: من الخبث بضم الخاء والباء وتسكن، جمع خبيث. والخبائث جمع خبيثة. والمراد بالأول ذكران الشياطين وبالثاني إناثهم. وزاد في العباب: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم. (قوله: والخروج) أي وأن يقول عند الخروج، أي من بيت الخلاء. وفي حواشي المحلى للقليوبي قوله: خروجه، أي بعد تمامه وإن بعد، كدهليز طويل كما مر. اه. (قوله: غفرانك) أي اغفر لي غفرانك، أو أطلب غفرانك. فهو منصوب على أنه مفعول مطلق على الأول، وعلى أنه مفعول به على الثاني، وعلى كل العامل فيه مقدر. ويسن أن يكرره وما بعده ثلاثا، كما في الدعاء عقب الوضوء. وإنما سن سؤاله المغفرة عند انصرافه لتركه ذكر الله تعالى في تلك الحالة، أو خوفه من تقصيره في شكر نعم الله التي أنعمها عليه، التي من جملتها أن أطعمه ثم هضمه ثم سهل خروجه، وهكذا ينبغي لكل من حصلت له غفلة عن العبادة طلب المغفرة. وأشار إلى ذلك - صلى الله عليه وسلم - بقوله: إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة. فإن الغرض منه إرشاد الأمة لكثرة استغفارهم عند غفلتهم. فإن قيل: كيف يندب له سؤال المغفرة تداركا لما تركه من ذكر الله تعالى في تلك الحالة، مع أن تركه ما ذكر مستحب؟. ويجاب بأنه لامانع من ذلك. فقد أوجب الشارع التدارك على من أوجب عليه الترك وأثابه عليه، كالحائض في ترك الصوم. لأن ملحظ طلب التدارك كثرة الثواب، والإنسان مطلوب منه ذلك. وقوله: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني وزاد بعضهم: الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في قوته، ودفع عني أذاه. قال القليوبي: وما ذكر إنما هو لقاضي الحاجة، وأما غيره فيقول ما يناسبه. اه. (قوله: وبعد الاستنجاء إلخ) أي ويقول بعد الاستنجاء: اللهم إلخ، لمناسبة الحال. (قوله: من النفاق) أي في الاعتقاد والأعمال. (قوله: لو شك بعد الاستنجاء الخ) عبارة التحفة: ولو شك بعد الاستنجاء هل غسل ذكره، أو هل مسح ثنتين أو ثلاثا؟ لم تلزمه إعادته، كما لو شك بعد الوضوء أو سلام الصلاة في ترك فرض. ذكره البغوي. اه. (تتمة) يسن الاستنجاء باليسار للاتباع، فيكره باليمنى. وقيل: يحرم للنهي عنه. وإذا احتاج إلى اليدين في الاستنجاء بالحجر جعل الحجر في يمينه وأخذ ذكره بيساره ثم يحركها وحدها. ويسن الاعتماد على الأصبع الوسطى في الدبر إذا استنجى بالماء لأنه أمكن. وتقديم الماء فيمن يستنجي به للقبل، إذ لو قدم الدبر خشي عود النجاسة إليه، وتقديم الدبر لمن يستنجي

(ثالثها): (أي شروط الصلاة) (ستر رجل) ولو صبيا، (وأمة) ولو مكاتبة وأم ولد. (ما بين سرة وركبة) لهما، ولو خاليا في ظلمة. للخبر الصحيح: لا يقبل الله صلاة حائض - أي بالغ - إلا بخمار. ويجب ستر جزء منهما ليتحقق به ستر العورة. (و) ستر (حرة) ولو صغيرة (غير وجه وكفين) ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحجر لأنه يجف قبل القبل، وتقديم الاستنجاء على الوضوء، ودلك يده التي استنجى بها بالأرض أو نحوها ثم يغسلها بعد ذلك، ونضح فرجه وإزار من داخله بالماء. ويسن أن يستبرئ من البول بنحو تنحنح ونتر ذكر بلطف، إلى أن يظن أنه لم يبق بمجرى الذكر ما يخاف خروجه، ويختلف باختلاف الناس. وقيل: يجب ويسن أن لا يستنجي بماء في محله بل ينتقل عنه لئلا يعود الرشاش فينجسه، إلا في الا خلية المعدة لقضاء الحاجة. ويسن أن لا يأكل ولا يشرب، وأن يضع رداء، وأن يجلس على مرتفع، وأن لا يبول قائما، وأن لا يستقبل الشمس ولا القمر، وأن لا يدخل الخلاء مكشوف الرأس ولا حافيا، ولا يعبث ولا ينظر إلى الخارج إلا لمصلحة كرؤية الحجر في الاستنجاء هل قلع شيئا أو لا، وإن يكشف ثوبه شيئا فشيئا إلا لعذر، وأن يسدل ثوبه كذلك عند انتصابه. (فائدة) من أكثر من الكلام خشي عليه من الجان، ومن أدام نظره إلى ما يخرج منه ابتلي بصفرة الأسنان، ومن امتخط عند قضاء الحاجة ابتلي بالصمم، ومن أكل عند قضائها ابتلي بالفقر، ومن أكثر من التلفت ابتلي بالوسوسة. والله أعلم. (قوله: وثالثها) أي ثالث شروط الصلاة. (قوله: ستر الخ) قال في النهاية: وحكمة وجوب الستر فيها ما جرت به عادة مريد التمثل بين يدي كبير من التجمل بالستر والتطهير، والمصلي يريد التمثل بين يدي ملك الملوك، والتجمل له بذلك أولى. ويجب سترها في غير الصلاة أيضا، لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تمشوا عراة. وقوله: الله أحق أن يستحيا منه. اه. (قوله: ولو صبيا) أشار بهذه الغاية إلى أن المراد بالرجل ما قابل المرأة، فيدخل فيه الصبي. (قوله: وأمة) معطوف على رجل، أي وستر أمة. (قوله: ولو مكاتبة وأم ولد) غاية في الأمة، وهي للتعميم. ومثلهما المدبرة والمبعضة. (قوله: ما بين سرة وركبة) ما اسم موصول مفعول ستر، أي يجب أن يستر الرجل والأمة ما بين السرة والركبة لما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: عورة المؤمن ما بين سرته وركبته. ولخبر البيهقي: إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا تنظر الأمة إلى عورته. والعورة ما بين السرة والركبة. وألحق بالرجل الأمة في ذلك بجامع أن رأس كل منهما ليس بعورة. وقيل: إن عورة الأمة كالحرة إلا رأسها، فهو ليس بعورة فيها وإن كان عورة في الحرة. (قوله: لهما) أي للرجل والأمة. (قوله: ولو خاليا) أي ولو كان منهما في محل خال عن الناس، قال في النهاية: وفائدة الستر في الخلوة - مع أن الله تعالى لا يحجبه شئ فيرى المستور كما يرى المكشوف - أنه يرى الأول متأدبا والثاني تاركا للأدب. (قوله: في ظلمة) لو قال كغيره أو في ظلمة لكان أولى. (قوله: للخبر الصحيح) هو دليل لوجوب مطلق الستر لا لكون العورة ما بين السرة والركبة. (قوله: أي بالغ) هو تفسير مراد للحائض، واندفع به ما يرد على ظاهر الحديث من أن صلاة الحائض لا تقبل مطلقا بخمار وبدونه كما هو معلوم. وحاصل الدفع أن المراد بها هنا البالغة لا من كان في زمن الحيض. وفي النهاية: وظاهر أن غير البالغة كالبالغة، لكنه قيد بها جريا على الغالب. اه. أي من أن الصلاة لا تكون غالبا إلا من البالغات. اه ع ش. (قوله: ويجب ستر الخ) كالاستدراك من مفهوم قوله ما بين سرة وركبة وهو أن نفس السرة والركبة لا يجب سترهما. فكأنه قال: أما نفس السرة والركبة فلا يجب سترهما لكن يجب ستر جزء منهما ليتحقق الستر للعورة، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. (قوله: وستر حرة) معطوف على ستر رجل. (قوله: ولو صغيرة) أي مميزة أو غيرها. (قوله: غير وجه وكفين) مفعول ستر، أي يجب أن تستر سائر بدنها حتى باطن قدمها ما عدا وجهها وكفيها، وذلك لقوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * قال ابن عباس وعائشة: هو الوجه والكفان. ولأنهما لو كانا عورة في العبادات لما وجب كشفهما في الإحرام، ولأن الحاجة تدعو إلى إبرازهما.

(بما لا يصف لونا) أي لون البشرة في مجلس التخاطب. كذا ضبطه بذلك أحمد بن موسى بن عجيل. ويكفي ما يحكي لحجم الاعضاء، لكنه خلاف الاولى، ويجب الستر من الاعلى والجوانب لا من الاسفل (إن قدر) أي كل من الرجل والحرة والامة. (عليه) أي الستر. أما العاجز عما يستر العورة فيصلي وجوبا عاريا بلا إعادة، ولو مع وجود ساتر متنجس تعذر غسله، لا من أمكنه تطهيره، وإن خرج الوقت، ولو قدر على ساتر بعض العورة لزمه الستر بما وجد، وقدم السوأتين فالقبل فالدبر، ولا يصلي عاريا مع وجود حرير بل لابسا له، لانه يباح ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن للحرة أربع عورات: فعند الأجانب جميع البدن. وعند المحارم والخلوة ما بين السرة والركبة، وعند النساء الكافرات ما لا يبدو عند المهنة، وفي الصلاح جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها. (قوله: ظهرهما وبطنهما) بدل من كفين. وقوله: إلى الكوعين متعلق بمحذوف، أي وحد الكفين كائن إلى الكوعين. (قوله: بما لا يصف لونا) متعلق بستر العورة بالنسبة للرجل والأمة والحرة، أي يجب ستر العورة بما - أي بجرم - يمنع إدراك لونها لمعتدل البصر عادة، فلا يكفي ما لا يمنع ذلك كزجاج وقف فيه ومهلهل النسج، ولا يكفي الستر بالألوان كالأصباغ التي لا جرم لها، لأنها ليست بجرم. وقوله: في مجلس التخاطب قال ع ش: هو يقتضي أن ما منع في مجلس التخاطب وكان بحيث لو تأمل الناظر فيه مع زيادة القرب للمصلي جدا لأدراك لون بشرته لا يضر. وهو ظاهر قريب. (قوله: كذا ضبطه) أي الساتر المعلوم من السياق. وقوله: بذلك أي بما لا يصف لون البشرة في خصوص مجلس التخاطب. (قوله: ويكفي ما يحكي لحجم الأعضاء) أي ويكفي جرم يدرك الناس منه قدر الأعضاء كسراويل ضيقة. وقوله: لكنه خلاف الأولى أي للرجل، وأما المرأة والخنثى فيكره لهما. (قوله: ويجب الستر من الأعلى إلخ) هذا في غير القدم بالنسبة للحرة، أما هي فيجب سترها حتى من أسفلها، إذ باطن القدم عورة كما علمت. نعم، يكفي ستره بالأرض لكونها تمنع إدراكه، فلا تكلف لبس نحو خف. فلو رؤي في حال سجودها، أو وقفت على نحو سرير مخرق بحيث يظهر من أخراقه، ضر ذلك، فتنبه له. (قوله: لا من الأسفل) أي فلو رؤيت من ذيله، كأن كان بعلو والرائي بسفل لم يضر. أو رؤيت حال سجوده فكذلك لا يضر، كما في حجر. (قوله: إن قدر الخ) قيد في اشتراط ستر العورة. (قوله: أما العاجز الخ) مقابل قوله إن قدر. وصورة العجز أن لا يجد ما يستر به عورته أصلا، أو وجده متنجسا ولم يقدر على ماء يطهره، أو حبس في مكان نجس وليس معه إلا ثوب يفرشه على النجاسة، فيصلي عاريا في هذه الصور الثلاثة ولا إعادة عليه، ولا يلزمه قبول هبة الثوب للمنة على الأصح، ويلزمه قبول عاريته لضعف المنة، فإن لم يقبل لم تصح صلاته لقدرته على الستر، بل يجب عليه سؤال الإعارة ممن ظن منه الرضا بها، ويحرم عليه أخذ ثوب غيره منه قهرا، لكن تصح الصلاة مع الحرمة. (قوله: ولو مع وجود ساتر متنجس) أي يصلي عاريا من غير إعادة ولو وجد ثوبا متنجسا ولم يجد ماء يغسله به. (قوله: لا من أمكنه تطهيره) أي لا يصلي عاريا مع وجود متنجس يمكنه تطهيره، بل يجب عليه تطهيره ثم يصلي فيه، ولو خرجت الصلاة عن وقتها. (قوله: ولو قدر) أي المصلي، رجلا أو غيره. (قوله: لزمه الستر بما وجد) أي لأنه ميسوره وهو لا يسقط بالمعسور. (قوله: وقدم السوأتين) أي سترهما، وهما القبل والدبر، سميا بذلك لأن كشفهما يسوء صاحبهما، وإنما وجب تقديمهما لفحشهما وللاتفاق على أنهما عورة. (قوله: فالقبل) أي ما تقدم من وجوب سترهما إن وجد ما يكفيهما معا، فإن وجد ما يكفي أحدهما قدم القبل وجوبا لأنه متوجه به للقبلة أو بدلها، كما لو صلى صوب مقصده في نافلة السفر، ولأن الدبر مستتر غالبا بالأليتين. وقوله: فالدبر عبارة المنهاج: فإن وجد كافي سوأتيه تعين لهما، أو أحدهما فقبله. وقيل: دبره. وقيل: يتخير. اه. فلعل في العبارة سقطا من النساخ وأصلها. وقيل: الدبر. ولا يصح إبقاء عبارته على ظاهرها لأن مفاد الترتيب المستفاد من الفاء أنه إذا لم يجد ما يكفي القبل قدم الدبر، ولا معنى له. لأن ما لا يكفي القبل لا يكفي الدبر بالأولى. تأمل. (قوله: ولا يصلي عاريا الخ) أي ولا يصلي حال كونه عاريا مع وجود ثوب حرير، بل يصلي حال كونه لابسا له. ولا يلزمه قطع ما زاد على ستر العورة، ويقدم على المتنجس في الصلاة، ويقدم المتنجس عليه في غيرها مما لا يحتاج إلى طهارة الثوب. (قوله: لأنه يباح

للحاجة. ويلزم التطيين لو عدم الثوب أو نحوه. ويجوز لمكتس اقتداء بعار، وليس للعاري غصب الثوب. ويسن للمصلي أن يلبس أحسن ثيابه ويرتدي ويتعمم ويتقمص ويتطيلس، ولو كان عنده ثوبان فقط لبس أحدهما وارتدى بالآخر إن كان ثم سترة، وإلا جعله مصلى. كما أفتى به شيخنا. (فرع) يجب هذا الستر خارج الصلاة أيضا، ولو بثوب نجس أو حرير لم يجد غيره، حتى في الخلوة، لكن الواجب فيها ستر سوأتي الرجل، وما بين سرة وركبة غيره. ويجوز كشفها في الخلوة، ولو من المسجد، لادنى غرض كتبريد وصيانة ثوب من الدنس، والغبار عند كنس البيت، وكغسل. ـــــــــــــــــــــــــــــ للحاجة) أي لأن لبس الحرير جوز للحاجة، أي ومن الحاجة ستر العورة للصلاة. (قوله: ويلزم التطيين) أي يجب عليه إذا فقد الثوب أن يستر عورته بطين، أي أو حشيش أو ورق أو ماء كدر أو ماء صاف متراكم بخضرة، أمكنه الركوع والسجود فيه. قال البجيرمي: ويجوز بالطين مع وجود الثوب على المعتمد. وهل يجب تقديم التطيين على الثوب الحرير أو لا؟ فيه نظر. وقد يقال: إن أزرى بالمتطين أو لم يندفع عنه به أذى نحو حر أو برد لم يجب تقديمه، وإلا وجب. اه. (قوله: أو نحوه) معطوف على التطيين، أي ويلزم التطيين، أي ستر العورة بطين أو نحوه، كسترها بحشيش ونحوه مما مر. (قوله: ويجوز لمكتس اقتداء بعار) أي لعدم وجوب الإعادة عليه. (قوله: وليس للعاري غصب الثوب) أي لا يجوز أن يأخذ الثوب قهرا من مالكه، فلو أخذه وصلى به صحت صلاته مع الحرمة، كما مر. (قوله: أن يلبس أحسن ثيابه) أي ويحافظ على ما يتجمل به عادة ولو أكثر من اثنين، لظاهر قوله تعالى: * (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) * ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق أن يزين له. (قوله: ويرتدي) أي ويتزر أو يتسرول. قال الدميري في تاريخ أصبهان، عن مالك بن عتاهية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الأرض تستغفر للمصلي بالسراويل. اه ع ش. ويكره أن يصلي في ثوب فيه صورة أو نقش لأنه ربما شغله عن صلاته. وأن يصلي الرجل متلثما والمرأة منتقبة، إلا أن تكون بحضرة أجنبي لا يحترز عن نظره لها فلا يجوز لها رفع النقاب. (قوله: إن كان ثم سترة) أي التي يسن للمصلي أن يتوجه إليها، وهي جدار أو عصا مغروزة أو سارية، كما سيأتي. (قوله: وإلا جعله مصلى) أي وإن لم تكن هناك سترة جعل ما يرتدي به مصلى أو سجادة يصلي عليها. (قوله: يجب هذا الستر) أي للعورة مطلقا، بقطع النظر عن كونها ما بين السرة والركبة أو ما عدا الوجه والكفين، إذ العورة في غير الصلاة ليست كالعورة في الصلاة، كما علم مما مر، وكما يدل عليه الاستثناء الآتي. وإنما وجب ذلك لخبر: لا تمشوا عراة. رواه مسلم. ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لجرهد: غط فخذك فإن الفخذ من العورة. رواه الترمذي وحسنه. ولما مر عن م ر. (قوله: ولو بثوب نجس أو حرير) غاية في وجوب الستر. وقوله: لم يجد غيره أي غير الحرير. فإن وجد غيره - ولو متنجسا - حرم عليه لبسه كما علمت. (قوله: حتى في الخلوة) أي يجب الستر ولو كان في الخلوة. وقد مر عن م ر فائدة الستر فيها. (قوله: لكن الواجب فيها) أي في الخلوة. ودفع بهذا الاستدراك ما يتوهم من قوله يجب هذا الستر، وهو أن المراد الستر المتقدم ذكره، وهو ستر ما بين السرة والركبة في الرجل والأمة وما عدا الوجه والكفين في الحرة. (قوله: وما بين سرة وركبة غيره) أي غير الرجل من الحرة والأمة فهي هنا ملحقة بالحرة لا بالرجل. (قوله: ويجوز كشفها) أي العورة. (قوله: ولو من المسجد) من بمعنى في. أي ولو كانت الخلوة تحصل في المسجد بأن يخلو عن الناس في بعض الأوقات فيجوز كشفها فيه. (قوله: لأدنى غرض) أي لأقل سبب. وهو متعلق بيجوز. وعبارة النهاية: فإن دعت حاجة إلى كشفها لاغتسال أو نحوه جاز، بل صرح صاحب الذخائر بجواز كشفها في الخلوة لأدنى غرض، ولا يشترط حصول الحاجة. وعد من الأغراض: كشفها لتبريد. وصيانة الثوب عن الأدناس، والغبار عند كنس البيت ونحوه. اه. (قوله: كتبريد) تمثيل للغرض. (قوله: وصيانة ثوب) قيده حجر بثوب التجمل. أقول: وله وجه ظاهر. اه ع ش.

(ورابعها: معرفة دخول وقت) يقينا أو ظنا. فمن صلى بدونها لم تصح صلاته وإن وقعت في الوقت، لان الاعتبار في العبادات بما في ظن المكلف، وبما في نفس الامر، وفي العقود بما في نفس الامر فقط. (فوقت ظهر من زوال) الشمس (إلى مصير ظل كل شئ مثله، غير ظل استواء) أي الظل الموجود عنده، إن ـــــــــــــــــــــــــــــ (فائدة) يجوز له أن ينظر إلى عورته في غير الصلاة، ولكن يكره ذلك من غير حاجة. أما في الصلاة فلا يجوز. فلو رأى عورة نفسه في صلاته - من كمه أو من طوق قميصه - بطلت صلاته. (قوله: ورابعها) أي رابع شروط الصلاة. (قوله: معرفة دخول وقت) المراد بالمعرفة هنا مطلق الإدراك، ليصح جعلها شاملة لليقين والظن، وإلا فحقيقتها الإدراك الجازم وهو لا يشمل الظن. وقوله: يقينا حال. أي حال كون تلك المعرفة - أي الإدراك - يقينا. ويحصل اليقين بعلم نفسه، أو بأخذه بقول ثقة يخبر عن علم، وبغير ذلك. وقوله: أو ظنا أي ناشئا عن اجتهاد، بأن اجتهد لنحو غيم. (قوله: فمن صلى بدونها) أي بدون المعرفة المذكورة. وقوله: لم تصح صلاته أي إن كان قادرا، وإلا صلى لحرمة الوقت. اه شوبري. (قوله: وإن وقعت في الوقت) أي وإن اتفق وقوع صلاته في الوقت فلا تصح لتقصيره. قال ح ل: إلا إن كانت عليه فائتة ولم يلاحظ صاحبة الوقت فإنها تصح وتقع عن الفائتة. اه. (قوله: لأن الاعتبار الخ) علة لعدم صحتها من غير معرفة. (قوله: بما في ظن المكلف) أي اعتقاده. وقوله: وبما في نفس الأمر أي مع ما في نفس الأمر. فلو اعتقد دخول الوقت وتبين أنه صلى في غير الوقت لم تصح صلاته. (قوله: وفي العقود بما في نفس الأمر) أي فلو باع عبدا لغيره ثم تبين أنه ملكه عند البيع، بأن مات مورثه وانتقل الملك إليه، صح بيعه. (تتمة) اعلم أن من جهل الوقت - لنحو غيم - ولم يمكنه معرفته أخذ - وجوبا - بخبر ثقة يخبر عن علم، وكإخبار أذان الثقة العارف بالمواقيت في الصحو، وامتنع عليه الاجتهاد حينئذ لوجود النص، فإن أمكنه معرفة الوقت تخير بين الأخذ بخبر الثقة وتحصيل العلم بنفسه، فهما في مرتبة واحدة. فإن لم يجد من ذكر، أو لم يسمع الأذان المذكور، اجتهد إن قدر، بقراءة أو حرفة أو نحو ذلك، من كل ما يظن به دخول الوقت كخياطة وكصياح ديك. ومعنى الاجتهاد بهذه الأمور كما قال ع ش: أنه يجعلها علامة يجتهد بها. كأن يتأمل في الخياطة التي فعلها هل أسرع فيها عن عادته أو لا؟ وهل صرخ الديك قبل عادته أو لا؟ وهكذا. فإن لم يقدر على الاجتهاد قلد ثقة عارفا، ولو كانت معرفته بالاجتهاد. قال الكردي: وحاصل الرتب ست. إحداها: إمكان معرفة يقين الوقت. ثانيتها: وجود من يخبر عن علم. ثالثتها: رتبة دون الإخبار عن علم وفوق الاجتهاد، وهي المناكيب المحررة والمؤذن الثقة في الغيم. رابعتها: إمكان الاجتهاد من البصير. خامستها: إمكانه من الأعمى. سادستها: عدم إمكان الاجتهاد من الأعمى والبصير، فصاحب الأولى يخير بينها وبين الثانية إن وجدت الثانية، وإلا فبينها وبين الثالثة إن وجدت أيضا، وإلا فبينها وبين الرابعة. وصاحب الثانية لا يجوز له العدول، إلى ما دونها. وصاحب الثالثة يخير بينها وبين الاجتهاد. وصاحب الرابعة لا يجوز له التقليد. وصاحب الخامسة يخير بينها وبين السادسة، وصاحبها يقلد ثقة عارفا. ثم قال: فحرر ذلك فإني لم أقف على من حققه كذلك. اه بتصرف. ثم إنه إذا صلى في صورة الاجتهاد بظن دخول الوقت، فإن تبين له مطابقته للواقع فذاك، أو أنها وقعت بعد الوقت صحت قضاء، أو لم يتبين له شئ مضت على الصحة ظاهرا. فإن تيقن وقوع صلاته قبل الوقت وقعت له نفلا مطلقا لعذره، ولم تقع له عن الصلاة التي نواها، ووجب قضاؤها إن علم بعد الوقت في الأظهر، فإن علم في الوقت وجب إعادتها فيه اتفاقا. (قوله: فوقت ظهر) الفاء للفصيحة، أي إذا أردت بيان الوقت الذي تجب معرفته فأقول لك وقت الظهر إلخ. وبدأ بالظهر لأنها أول صلاة ظهرت، ولبدء الله بها في قوله: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * أي زوالها. ولكونها أول صلاة علمها جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

وجد. وسميت بذلك لانها أول صلاة ظهرت. (ف) - وقت (عصر) من آخر وقت الظهر (إلى غروب) جميع ـــــــــــــــــــــــــــــ (فائدة) قد بين إمامنا الشافعي رضي الله عنه أوقات الصلاة نظما، على حسب ما سيذكره المؤلف، فقال: إذا ما رأيت الظل قد زال وقته فصل صلاة الظهر في الوقت تسعد وقم قامة بعد الزوال فإنه أوان صلاة العصر وقت مجدد وصل صلاة للغروب بعيد ما ترى الشمس يا هذا تغيب وتفقد وصل صلاة للأخير بعيد ما ترى الشفق الأعلى يغيب ويفقد ولا تنظرن نحو البياض فإنه يدوم زمانا في السماء ويبعد وإن شئت فيها فانتظر بصلاتها إلى ثلث ليل وهو بالحق يعهد وحقق فإن الفجر فجران عندنا وميزهما حقا فأنت المقلد فأول طلوع منهما يبد شاهقاكما ذنب السرحان في الجو يصعد فذاك كذوب ثم آخر صادق تراه منيرا ضوؤه يتوقد وصل صلاة الفجر عند ابتسامه تنال به الفردوس والله يشهد فلا خير فيمن كان للوقت جاهلا وليس له وقت به يتعبد فذاك من المولى بعيد ومطرد كذا وجهه يوم القيامة أسود (قوله: من زوال الشمس) أي وقت زوالها. والزوال ميل الشمس عن وسط السماء بالنظر لما يظهر لنا لا بالنظر لنفس الأمر، أي لما في علم الله لوجود الزوال فيه قبل ظهوره لنا بكثير. فقد قالوا إن الفلك الأعظم المحرك لغيره يتحرك في قدر النطق بحرف أربعة وعشرين فرسخا. وإذا أردت معرفة الزوال فاعتبره بقامتك بلا عمامة غير منتعل، أو شاخص تقيمه في أرض مستوية وعلم على رأس الظل، فما زال ينقص فهو قبل الزوال، وإن وقف بحيث لا يزيد ولا ينقص فهو وقت الاستواء، وإن أخذ الظل في الزيادة علم أن الشمس زالت. (قوله: إلى مصير إلخ) متعلق بما تعلق به الخبر، أو متعلق بمحذوف: أي ويمتد إلى وقت مصير إلخ. وهو اسم مفعول من صار الناقصة، وظل شئ اسمها ومثله خبرها. والغاية هنا غير داخلة في المغيا، فهي جارية على القاعدة من أنها إن كانت بإلى لا تدخل وإن كانت بحتى دخلت. فوقت المصير من العصر لا من الظهر، ولا ينافيه حديث جبريل بالنسبة لليوم الثاني وهو أنه صلى الظهر حين كان ظله مثله، لأن المراد: فرغ منها حينئذ. (قوله: إن وجد) أي ظل الاستواء. وقد ينعدم في بعض البلدان كمكة وصنعاء في بعض الأيام. (قوله: وسميت) أي الصلاة المعلومة من السياق، بذلك. أي بلفظ الظهر. وقوله: لأنها أول صلاة ظهرت أي في الإسلام. وانظر وقت ظهورها ولعله يوم ليلة الإسراء، فالمراد ظهور وجوبها. ح ل بجيرمي. وقيل: لأنها ظاهرة وسط النهار. وقيل: لأنها تفعل وقت الظهيرة. ولا مانع من مراعاة جميع ذلك. وللظهر ستة أوقات: وقت فضيلة: وهو أول الوقت بمقدار ما يؤذن ويتوضأ ويستر العورة، ويصيلها مع راتبتها، ويأكل لقيمات. ووقت اختيار: وهو يستمر بعد فراغ وقت الفضيلة، وإن دخل معه، إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها فيكون مساويا لوقت الجواز الآتى. وقيل: يستمر إلى ربعه أو نصفه. ووقت جواز: إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها. ووقت حرمة: إلى أن يبقى ما لا يسعها. ووقت ضرورة: وهو آخر الوقت إذا زالت الموانع والباقي من الوقت قدر التكبيرة فأكثر. ووقت عذر: وهو وقت العصر لمن يجمع جمع تأخير. (قوله: فوقت عصر) ولها سبعة أوقات. وقت فضيلة: أول الوقت. ووقت اختيار: وهو وقت الفضيلة، ويستمر إلى مصير الظل مثلين بعد ظل الاستواء. ووقت جواز بلا كراهة: إلى الاصفرار، ثم بها إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها. ووقت حرمة: إلى أن يبقى من الوقت ما لا يسعها. ووقت ضرورة: وهو آخر الوقت بحيث تزول الموانع والباقي منه قدر التكبيرة فأكثر، فتجب هي وما قبلها لأنها تجمع معها. ووقت عذر: وهو وقت الظهر لمن يجمع جمع تقديم. (قوله: من آخر وقت الظهر) أي ابتداء العصر من آخر وقت الظهر، أي من ملاصق آخر وقت الظهر. فلا بد من تقدير مضاف لأن

قرص شمس، (ف) - وقت (مغرب) من الغروب (إلى مغيب الشفق الاحمر، ف) - وقت (عشاء) من مغيب الشفق. قال شيخنا: وينبغي ندب تأخيرها لزوال الاصفر والابيض، خروجا من خلاف من أوجب ذلك. ويمتد (إلى طلوع (فجر) صادق، (ف) - وقت (صبح) من طلوع الفجر الصادق لا الكاذب (إلى طلوع) بعض ـــــــــــــــــــــــــــــ آخر وقت الظهر ليس أول وقت العصر، وذلك الملاصق هو مصير ظل الشئ مثله غير الاستواء. قال في النهاية: ولا يشترط حدوث زيادة فاصلة بينه وبين وقت الظهر. وأما قول الشافعي: فإذا جاوز ظل الشئ مثله بأقل زيادة فقد دخل وقت العصر. فليس مخالفا لذلك بل هو محمول على أن وقت العصر لا يكاد يعرف إلا بها وهي منه. اه. وقوله: وهي: أي الزيادة. وقوله: منه: أي من العصر. (قوله: إلى غروب إلخ) أي إلى تمام غروب إلخ. فالغاية جارية على القاعدة لا وقت التمام ليس من وقت العصر، والمراد غروب ما ذكر غروبا لم تعد بعده، فلو عادت تبين أن وقت العصر باق، وإن كان قد فعله تبين أنه أداء. ويلغز بذلك فيقال: رجل أحرم بصلاة العصر قضاء عالما بفوات الوقت فوقعت أداء؟ ويجب إعادة المغرب لمن كان فعلها. ويدل لما ذكر ما وقع لسيدنا علي رضي الله عنه كما رواه أحمد في مسنده - من أنه - صلى الله عليه وسلم - نام في حجره حتى غابت فكره أن يوقظه ففاتته صلاة العصر، فلما استيقظ ذكر ذلك له - صلى الله عليه وسلم - فقال: اللهم أنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فردها عليه. فرجعت الشمس حتى صلى العصر. وقوله: جميع قرص شمس فلو غرب بعضه دون بعض لم يخرج وقت العصر، بخلاف وقت الصبح فإنه يخرج بطلوع البعض، إلحاقا لما يظهر بما ظهر في الموضعين. (قوله: فوقت مغرب إلخ) ولها خمسة أوقات. وقت فضيلة واختيار وجواز بلا كراهة: أول الوقت. ووقت جواز بكراهة: إلى أن يبقى ما يسعها. ووقت حرمة إلى أن يبقى ما لا يسعها. ووقت ضرورة: لمن زالت منه الموانع. ووقت عذر: وقت العشاء لمن يجمع. (قوله: من الغروب) أي تمامه، لما علمت من أن وقت العصر ينتهي بتمامه. والغروب: البعد. يقال: غرب - من باب دخل - إذا بعد. ويعرف بزوال الشمس من رؤوس الجبال والأشجار، وظهور الظلام من جهة المشرق. ولو غربت الشمس في بلد فصلى المغرب ثم سافر إلى بلد أخرى فوجدها لم تغرب فيها وجبت الإعادة. وقوله: إلى مغيب الشفق الأحمر أي وينتهي وقت المغرب بمغيب ما ذكر، لخبر مسلم: وقت المغرب ما لم يغب الشفق. والمراد الأحمر، لأنه المنصرف إليه الاسم عند الإطلاق، وإطلاقه على الأبيض أو الأصفر مجاز لعلاقة المجاورة. وهذا هو القول القديم لإمامنا رضي الله عنه، وهو المعتمد. وأما الجديد فينقضي بمضي قدر الوضوء وستر العورة والأذان والإقامة ومضي خمس ركعات. وقال في التحفة والنهاية: إن القول الأول جديد، لأن الشافعي رضي الله عنه علق القول به في الإملاء على صحة الحديث، وقد صحت فيه أحاديث من غير معارض. (قوله: فوقت عشاء من مغيب الشفق) أي الأحمر - لما علمت - لا ما بعده من الأصفر والأبيض. ولها سبعة أوقات كالعصر: وقت فضيلة بمقدار ما يسعها وما يتعلق بها. ووقت اختيار إلى ثلث الليل. ووقت جواز بلا كراهة إلى الفجر الكاذب. ووقت جواز بكراهة، وهو ما بعد الفجر الأول حتى يبقى من الوقت ما يسعها. ووقت حرمة إلى أن يبقى ما لا يسعها. ووقت ضرورة، وهو وقت زوال المانع. ووقت عذر، وهو وقت المغرب لمن يجمع جمع تقديم. (قوله: وينبغي ندب تأخيرها) أي العشاء، لزوال الأصفر والأبيض، أي إلى أن يزول كل منهما. وهذا لا ينافي قوله الآتي: يندب تعجيل الصلاة ولو عشاء، لأن المراد تعجيلها بعد زوال الأصفر والأبيض كما هو ظاهر. (قوله: خروجا من خلاف من أوجب ذلك) أي التأخير لزوال ذلك. وعبارة المغني مع الأصل: والعشاء يدخل وقتها بمغيب الشفق الأحمر لما سبق لا ما بعده من الأصفر ثم الأبيض، خلافا للإمام في الأول وللمزني في الثاني. اه. قوله: ويمتد أي وقت العشاء. (وقوله: إلى طلوع فجر صادق) أي لحديث: ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى. رواه مسلم. ولا ترد الصبح فإن وقتها لا يمتد إلى دخول وقت الظهر لأنها خرجت بدليل، فبقي الحديث على مقتضاه في غيرها. (قوله: فوقت صبح إلخ) ولها ستة أوقات. وقت فضيلة أول الوقت. ووقت اختيار يبقى إلى الإسفار. ووقت جواز بلا كراهة يبقى

(الشمس)، والعصر هي الصلاة الوسطى، لصحة الحديث به. فهي أفضل الصلوات، ويليها الصبح، ثم العشاء، ثم الظهر، ثم المغرب، كما استظهره شيخنا من الادلة. وإنما فضلوا جماعة الصبح والعشاء لانها فيهما أشق. قال الرافعي: كانت الصبح صلاة آدم، والظهر صلاة داود، والعصر صلاة سليمان، والمغرب صلاة يعقوب، والعشاء صلاة يونس، عليهم الصلاة والسلام. انتهى. واعلم أن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا، فله التأخير عن أوله إلى وقت يسعها بشرط أن يعزم ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى طلوع الحمرة التي تظهر قبل الشمس. ووقت جواز بكراهة إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها. ووقت تحريم إلى أن يبقى من الوقت ما لا يسعها. ووقت ضرورة لمن زالت منه الموانع. (قوله: من طلوع الفجر الصادق) أي ابتداؤه من طلوع الفجر الصادق، وهو المنتشر ضوؤه معترضا بنواحي السماء. وقوله: لا الكاذب وهو ما يطلع مستطيلا بأعلاه ضوء كذنب السرحان - أي الذنب - ثم تعقبه ظلمة. وشبه بذنب السرحان لطوله. وقيل: لأن الضوء يكون في الأعلى دون الأسفل، كما أن الشعر على أعلى ذنب السرحان دون أسفله. وما أحسن قول بعضهم: وكاذب الفجر يبدو قبل صادقه وأول الغيث قطر ثم ينسكب فمثل ذلك ود العاشقين هوى بالمزح يبدو وبالإدمان يلتهب قوله: إلى طلوع بعض الشمس) أي ويمتد وقتها إلى طلوع ذلك، لحديث مسلم: وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس. وإنما خرج الوقت بطلوع بعض الشمس لما مر، ولأن وقت الصبح يدخل بطلوع بعض الفجر، فناسب أن يخرج بطلوع بعض الشمس. (قوله: والعصر هي الصلاة الوسطى) وقيل: إنها هي الصبح، لقوله تعالى: * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) * إذ لا قنوت إلا في الصبح. ولخبر مسلم: قالت عائشة رضي الله عنها لمن يكتب لها مصحفا: اكتب والصلاة الوسطى وصلاة العصر. ثم قالت: سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. إذ العطف يقتضي التغاير. (قوله: لصحة الحديث به) أي بأن العصر هو الصلاة الوسطى. ولفظه: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر. ومذهب الشافعي اتباع الحديث فصار مذهبا له. ولا يقال في المسألة قولان. ويدل له أيضا قراءة عائشة رضي الله عنها - وإن كانت شاذة -: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر. (قوله: كما استظهره) أي الترتيب المذكور. (قوله: وإنما فضلوا جماعة الصبح والعشاء) أي على جماعة بقية الصلوات، حتى العصر. (قوله: لأنها) أي الجماعة. وقوله: فيهما أي في الصبح والعشاء، أشق. قال سم: لا يقال: المعنى الذي أوجب أنها فيهما أشق موجود في أصل فعلهما لأن هذا ممنوع، لأن المشقة إنما زادت بالذهاب إلى محال الجماعات، وأصل فعلهما لا يقتضي ذلك الذهاب. اه. (قوله: قال الرافعي إلخ) قد نظم ذلك بعضهم فقال: لآدم صبح والعشاء ليونس وظهر لدواد وعصر لنجله ومغرب يعقوب كذا شرح مسند لعبد الكريم فاشكرن لفضيله وتخصيص كل بصلاة في وقت من هذه الأوقات لعله لكونه قبلت فيه توبته، أو حصلت فيه نعمة. وحكمة كون الصبح ركعتين بقاء كسل النوم. وحكمة كون كل من الظهر والعصر أربعا توفر النشاط عندهما. وحكمة كون المغرب ثلاثا الإشارة إلى أنها وتر النهار. وحكمة كون العشاء أربعا جبر نقص الليل عن النهار، إذ فيه فرضان وفي النهار ثلاثة. (قوله: تجب بأول الوقت) أي بأول وقته المحدود شرعا. وقوله: وجوبا موسعا أي موسعا فيه، فلا يجب فعل الصلاة بأول الوقت على الفور. (قوله: فله التأخير عن أوله) مفرع على ما يقتضيه ما قبله. (قوله: إلى وقت يسعها) مرتبط بقوله وجوبا موسعا، أي ويستمر ذلك إلى أن يبقى من الوقت قدر يسعها بأخف ممكن، فيضيق حينئذ فتجب الصلاة فورا.

على فعلها فيه، ولو أدرك في الوقت ركعة لا دونها فالكل أداء وإلا فقضاء. ويأثم بإخراج بعضها عن الوقت وإن أدرك ركعة. نعم، لو شرع في غير الجمعة وقد بقي ما يسعها جاز له - بلا كراهة - أن يطولها بالقراءة أو الذكر حتى يخرج الوقت، وإن لم يوقع منها ركعة فيه - على المعتمد - فإن لم يبق من الوقت ما يسعها، أو كانت جمعة، لم يجز المد، ولا يسن الاقتصار على أركان الصلاة لادراك كلها في الوقت. (فرع) يندب تعجيل صلاة - ولو عشاء - لاول وقتها، لخبر: أفضل الاعمال الصلاة لاول وقتها. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويصح أن يكون مرتبطا بقوله: فله التأخير ويقدر للأول نظيره. وقوله: بشرط الخ مرتبط بقوله: فله التأخير الخ. ولو أخر قوله فله التأخير إلخ عن قوله إلى وقت يسعها، لكان أولى وأنسب. وقوله: أن يعزم على فعلها فيه أي في الوقت، وحينئذ لا يأثم لو مات قبل فعلها ولو بعد إمكانه، بخلاف ما إذا لم يعزم على فعلها فإنه يأثم حينئذ. والعزم المذكور خاص، وهو أحد قسمي العزم الواجب. والثاني العزم العام، وهو أن يعزم الشخص عند بلوغه على فعل الواجبات وترك المحرمات، فإن لم يعزم على ذلك عصى. ويصح تداركه لمن فاته ذلك ككثير من الناس. ولا يخفى أن العزم هو القصد والتصميم على الفعل، وهو أحد مراتب القصد المنظومة في قول بعضهم: مراتب القصد خمس هاجس ذكروا فخاطر فحديث النفس فاستمعا يليه هم فعزم كلها رفعت سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا قوله: ولو أدرك في الوقت ركعة) أي كاملة، بأن فرغ من السجدة الثانية قبل خروج الوقت. (قوله: لا دونها) يغني عنه قوله: وإلا فقضاء. فالأولى إسقاطه. وقوله: فالكل أداء أي لخبر: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. أي مؤداة. (قوله: وإلا فقضاء) أي وإن لم يدرك ركعة من الوقت بأن أدرك دونها فهي قضاء، سواء أخر لعذر أم لا. والفرق بينه وبين من أدرك ركعة: اشتمال الركعة على معظم أفعال الصلاة، إذ غالب ما بعدها تكرير لها، فجعل ما بعد الوقت تابعا لها، بخلاف ما دون الركعة. وفي سم ما نصه: ونقل الزركشي كالقمولي عن الأصحاب: أنه حيث شرع فيها في الوقت نوى الأداء وإن لم يبق من الوقت ما يسع ركعة. وقال الإمام: لا وجه لنية الأداء إذا علم أن الوقت لا يسعها، بل لا يصح. واستوجه في شرح العباب حمل كلام الإمام على ما إذا نوى الأداء الشرعي، وكلام الأصحاب على ما إذا لم ينوه. والصواب ما قاله الإمام، وبه أفتى شيخنا الشهاب الرملي. اه. (قوله: ويأثم الخ) أي بلا خلاف كما يعلم من كلام المجموع، أن من قال بخلاف ذلك لا يعتد به. اه. تحفة. (قوله: نعم، ولو شرع الخ) إستدراك من قوله: ويأثم بإخراج بعضها. (قوله: وقد بقي ما يسعها) وفي الكردي ما نصه: قال في الإمداد بأن كان يسع أقل ما يجزئ من أركانها بالنسبة إلى الوسط من فعل نفسه. اه. (قوله: جاز له بلا كراهة أن يطولها) أي لأنه استغرق الوقت بالعبادة. ولذلك روي عن الصديق رضي الله عنه أنه طول بهم في صلاة الصبح، فقيل له بعد أن فرغ: كادت الشمس أن تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. وهذه صورة المد الجائز، ومع ذلك فالأولى تركه. ثم إن أدرك ركعة فالكل أداء وإلا فقضاء لا إثم فيه. (قوله: وإن لم يوقع منها ركعة فيه) أي في الوقت، لكن يجب القطع عند ضيق وقت الأخرى، فإن استمر لم تبطل صلاته، لأن الحرمة لأمر خارج. اه كردي. (قوله: فإن لم يبق من الوقت ما يسعها) أي فإن شرع فيها ولم يبق من الوقت ما يسعها، وهو محترز قوله: وقد بقي من الوقت ما يسعها. وقوله: أو كانت جمعة محترز قوله: في غير الجمعة. (قوله: ولا يسن الاقتصار على أركان الصلاة) يعني لو بقي من الوقت ما يسع الأركان فقط فلا يسن الاقتصار عليها بل الأفضل له أن يأتي بسننها معها ولو خرج بعضها عن الوقت. وهذه الصورة غير صورة المد الجائز. ولعل المراد بالسنن غير دعاء الافتتاح وإلا لنافاه ما سيأتي في مبحث الفاتحة من أنه يسن بشرط أن يأمن فوت الوقت وإلا تركه. (قوله: يندب تعجيل صلاة الخ) أي لقوله تعالى: * (حافظوا على الصلوات) * ومن المحافظة عليها تعجيلها. ولقوله تعالى:

وتأخيرها عن أوله لتيقن جماعة أثناءه، وإن فحش التأخير ما لم يضق الوقت، ولظنها إذا لم يفحش عرفا، لا لشك فيها مطلقا. والجماعة القليلة أول الوقت أفضل من الكثيرة آخره. ويؤخر المحرم صلاة العشاء - وجوبا - لاجل خوف فوات حج بفوت الوقوف بعرفة لو صلاها متمكنا، لان قضاءه صعب. والصلاة تؤخر لانها أسهل من مشقته، ولا يصليها صلاة شدة الخوف. ويؤخر أيضا - وجوبا - من رأى نحو غريق أو أسير لو أنقذه خرج الوقت. ـــــــــــــــــــــــــــــ * (فاستبقوا الخيرات) * قال البيضاوي: أي فابتدروها انتهازا للفرصة، وحيازة لفضل السبق المتقدم، ولقوله تعالى: * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) * والصلاة من الخيرات وسبب المغفرة. ولخبر ابن مسعود رضي الله عنه: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لأول وقتها. وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وفي آخره عفو الله. قال إمامنا: رضوان الله إنما يكون للمحسنين، والعفو يشبه أن يكون للمقصرين. قال في التحفة: ويحصل - أي التعجيل - باشتغاله بأسبابه عقب دخوله، ولا يكلف العجلة على خلاف العادة، ويغتفر له مع ذلك نحو شغل خفيف وكلام قصير وأكل لقم توفر خشوعه، وتقديم سنة راتبة. بل لو قدمها - أعني الأسباب - قبل الوقت وأخر بقدرها من أوله حصل سنة التعجيل، على ما في الذخائر. اه. (قوله: ولو عشاء) الغاية للرد على القائل بسن تأخيرها، متمسكا بخبر الصحيصحين: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحب أن يؤخر العشاء. وأجيب عنه بأن تعجيلها هو الذي واظب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما التأخير فكان لعذر ومصلحة تقتضي التأخير. (قوله: لأول وقتها) متعلق بتعجيل. (قوله: وتأخيرها عن أوله إلخ) أي ويندب تأخيرها عن أول الوقت لما ذكر، أي ولرمي الجمار ولمسافر سائر وقت الأولى، ولمن تيقن وجود الماء أو السترة آخر الوقت، ولدائم الحدث إذا رجا الانقطاع، ولمن اشتبه عليه الوقت في يوم غيم حتى يتيقنه أو يظن فواتها لو أخرها. والحاصل محل استحباب التعجيل ما لم يعارضه معارض، فإن عارضه - وذلك في نحو أربعين صورة - فلا يكون مطلوبا. (قوله: أثناءه) أي الوقت. (قوله: وإن فحش التأخير) غاية للندب. (قوله: ما لم يضق الوقت) قيد في ندب التأخير، أي محل ندبه مدة عدم ضيق الوقت، فإن ضاق بأن بقي منه ما لا يسع الصلاة كاملة فلا يندب بل يحرم. (قوله: ولظنها) معطوف على قوله: لتيقن. أي ويندب تأخيرها لظن الجماعة. وقوله: إذا لم يفحش أي التأخير، فإن فحش لا يندب. (قوله: لا لشك فيها) أي لا يندب تأخيرها عند الشك في الجماعة مطلقا، أي سواء فحش التأخير أو لا، (قوله: ويؤخر المحرم) أي بالحج، كما يدل عليه السياق. أما المحرم بالعمرة فلا يؤخر الصلاة لها لأنها لا تفوت. نعم، إن نذرها في وقت معين كانت كالحج فيؤخر الصلاة لها عند خوف فوتها عند م ر، تبعا لوالده. وجرى ابن حجر على عدم الفرق بين المنذورة وغيرها، وفرق بين الحج والعمرة بأن الحج يفوت بفوات عرفة والعمرة لا تفوت بفوات ذلك الوقت. (قوله: لو صلاها متمكنا) أي على الهيئة المعتادة، بأن تكون تامة الأركان والشروط. وسيذكر مقابله. (قوله، لأن قضاءه) أي الحج وهو علة لوجوب تأخير الصلاة، أي وتقديم الحج. (قوله: والصلاة تؤخر الخ) الأولى والأخصر أن يقول: بخلاف الصلاة فإن قضاءها هين. وعبارة النهاية: وعلى الأول - أي على الأصح - يؤخر وقت الصلاة وجوبا. ويحصل الوقوف كما صوبه المصنف، خلافا للرافعي، لأن قضاء الحج صعب وقضاء الصلاة هين، وقد عهد تأخيرها بما هو أسهل من مشقة الحج، كتأخيرها للجمع. (قوله: ولا يصليها صلاة شدة الخوف) هي أن يصليها كيف أمكن، راكبا وماشيا ومستقبلا وغير مستقبل. وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: والأصح منعه - أي هذا النوع، وهو صلاة شدة الخوف - لمحرم خاف فوت الحج، أي لو قصد المحرم عرفات ليلا وبقي من وقت الحج مقدار إن صلاها فيه على الأرض فاته الوقوف، وإن سار فيه إلى عرفات فاتته العشاء، لم يجز له أن يصلي صلاة الخوف. اه. (قوله: ويؤخر) أي الصلاة مطلقا، عشاء كانت أو غيرها. وعبارة النهاية: وألحق بعضهم بالمحرم

(فرع) يكره النوم بعد دخول وقت الصلاة وقبل فعلها، حيث ظن الاستيقاظ قبل ضيقه، لعادة أو لايقاظ غيره له، وإلا حرم النوم الذي لم يغلب في الوقت. (فرع) يكره تحريما صلاة لا سبب لها، كالنفل المطلق ومنه صلاة التسابيح، أو لها سبب متأخر كركعتي ـــــــــــــــــــــــــــــ فيما مر: المشتغل بإنقاذ غريق، أو دفع صائل عن نفس أو مال، أو صلاة على ميت خيف انفجاره. اه. (قوله: يكره النوم بعد دخول وقت صلاة) أي عشاء كانت أو غيرها. وفي سم ما نصه: قال الأسنوي: سياق كلامهم يشعر بأن المسألة مصورة بما بعد دخول الوقت. ولقائل أن يقول: ينبغي أن يكره أيضا قبله، وإن كان بعد فعل المغرب للمعنى السابق، أي مخافة استمراره إلى خروج الوقت. اه. وفي القوت قال ابن الصلاح: كراهة النوم تعم سائر الأوقات. وكأن مراده بعد دخول الوقت، كما يشعر به كلامهم في العشاء. ويحتمل أن يكره بعد المغرب، وإن لم يدخل وقت العشاء، لخوف الاستغراق أو التكاسل. وكذا قبيل المغرب، لا سيما على الجديد. ويظهر تحريمه بعد الغروب على الجديد. اه. (قوله: حيث ظن إلخ) متعلق بيكره. وعبارة التحفة: ومحل جواز النوم إن غلبه بحيث صار لا تمييز له، ولم يمكنه دفعه، أو غلب على ظنه أنه يستيقظ وقد بقي من الوقت ما يسعها وطهارتها، وإحرم ولو قبل دخول الوقت. على ما قاله كثيرون. ويؤيده ما يأتي من وجوب السعي للجمعة على بعيد الدار قبل وقتها. اه. وفي سم أن حرمة النوم قبل الجمعة هو قياس وجوب السعي على بعيد الدار. قال: وظاهر أنه لو كان بعيد الدار وجب عليه السعي قبل الوقت، وحرم عليه النوم المفوت لذلك السعي الواجب. اه. (قوله: لعادة) متعلق بظن، أي أن ظنه للاستيقاظ حاصل لأن عادته أنه إذا نام في الوقت يستيقظ قبل خروجه. (قوله: أو لإيقاظ غيره) أي غير النائم. وقوله: له أي للنائم. (قوله: وإلا حرم) أي وإن لم يظن الاستيقاظ - لما ذكر - حرم النوم. وقوله: الذي لم يغلب فإن غلب لا يحرم ولا يكره أيضا. كما صرح به في النهاية، ونصها: ولو غلب عليه النوم بعد دخول الوقت وعزمه على الفعل وأزال تمييزه فلا حرمة فيه مطلقا ولا كراهة. اه. (وقوله: في الوقت) متعلق بالنوم. (تنبيه) يسن إيقاظ النائم للصلاة إن علم أنه غير متعد بنومه أو جهل حاله، فإن علم تعديه بنومه كأن علم أنه نام في الوقت مع علمه أنه لا يستيقظ في الوقت، وجب. وكذا يستحب إيقاظه إذا رآه نائما أمام المصلين، حيث قرب منهم بحيث يعد عرفا أنه سوء أدب، أو في الصف الأول أو محارب المسجد، أو على سطح لا حاجز له، أو بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس وإن كان صلى الصبح، لأن الأرض تصيح - أي ترفع صوتها - إلى الله من نومة عالم حينئذ. أو بعد صلاة العصر، أو خاليا في بيت وحده، فإنه مكروه. أو نامت المرأة مستلقية ووجهها إلى السماء، أو نام رجل أو امرأة منبطحا على وجهه فإنها ضجعة يبغضها الله تعالى. ويسن إيقاظ غيره لصلاة الليل وللتسحر، ومن نام وفي يده غمر - بفتحتين - أي ريح اللحم وما يعلق باليد من دسمه. والحكمة في طلب إيقاظه حينئذ أن الشيطان يأتي للغمر، وربما آذى صاحبه. وإنما خص اليد لما ورد في الحديث: من نام وفي يده غمر فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه. والوضح: البرص. أفاده جمل. (قوله: فرع يكره تحريما) أي كراهة تحريم. وقيل: تنزيها. وعلى كل لا تنعقد الصلاة وذلك لأن النهي إذا رجع لذات العبادة أو لازمها اقتضى الفساد، سواء كان للتحريم أو للتنزيه، ويأثم فاعلها. ولو قلنا بأن الكراهة للتنزيه من

استخارة وإحرام بعد أداء صبح حتى ترتفع الشمس كرمح، وعصر حتى تغرب، وعند استواء غير يوم الجمعة. لا ما له سبب متقدم كركعتي وضوء وطواف وتحية وكسوف، وصلاة جنازة ولو على غائب، وإعادة مع ـــــــــــــــــــــــــــــ حيث التلبس بعبادة فاسدة. ويأثم أيضا من حيث إيقاعها في وقت الكراهة، على القول بأن الكراهة للتحريم، بخلافه على القول بأنها للتنزيه. فهذا هو المترتب على الخلاف. والفرق بين كراهة التحريم وكراهة التنزيه، أن الأولى تقتضي الإثم، والثانية لا تقتضيه. وإنما أثم هنا حتى على القول بأنها للتنزيه لما مر. والفرق بين كراهة التحريم والحرام، مع أن كلا يقتضي الإثم: أن كراهة التحريم ما ثبتت بدليل يحتمل التأويل، والحرام ما ثبت بدليل قطعي لا يحتمل التأويل، من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس. والأصل في النهي ما رواه مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب. ثم إن الكراهة تتعلق بالفعل في وقتين: بعد أداء الصبح، وبعد أداء العصر. وتتعلق بالزمن من غير نظر إلى الفعل في ثلاثة أو قات: عند الإستواء في غير يوم الجمعة ولو لمن يحضرها، وعند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند الاصفرار حتى تغرب. والمؤلف رحمه الله تعالى أسقط من هذه الثلاثة اثنين وأدرجهما في الأولين المتعلقين بالفعل، لأنه جعل ما بعد الصبح إلى الارتفاع وقتا واحدا، وما بعد العصر إلى الغروب كذلك. وفيه نظر، لأن من لم يصل الصبح حتى طلعت الشمس، أو لم يصل العصر حتى غربت الشمس، تكره له الصلاة. ثم إن كراهة الصلاة في هذه الأوقات قيل: تعبدي، وقيل، معقول المعنى. وإلى الأول جنح ابن عبد السلام، وإلى الثاني جنح ابن حجر في التحفة. فانظرها إن شئت. (قوله: لا سبب لها) أي أصلا، لا متقدم ولا متأخر ولا مقارن. (قوله: كالنفل المطلق) أي الذي لم يتقيد بوقت. (قوله: ومنه) أي من النفل المطلق. (قوله: أو لها الخ) أي أو صلاة لها سبب متأخر. (قوله: كركعتي استخارة وإحرام) أي فسببهما - وهو الاستخارة والإحرام - متأخر عن الصلاة. (قوله: بعد أداء) متعلق بيكره. (قوله: حتى ترتفع) أي ويستمر التحريم إلى أن ترتفع الشمس. (قوله: كرمح) أي تقريبا. والرمح من رماح العرب طوله سبعة أذرع، والتقريب فيه أن ينقص قدر ذراع مثلا. (قوله: وعصر) معطوف على صبح. (قوله: حتى تغرب) أي ويستمر التحريم حتى تغرب الشمس. (قوله: وعند استواء) معطوف على بعد أداء صبح. أي وتكره تحريما عند استواء، وهو وقت لطيف لا يسع الصلاة ولا يكاد يشعر به حتى تزول الشمس، إلا أن التحريم قد يمكن إيقاعه فيه فلا تصح حينئذ. وقوله: غير يوم الجمعة أما استواء يوم الجمعة فتصح الصلاة عنده وإن لم يحضرها، لخبر أبي داود وغيره. (قوله: لا ما له سبب متقدم) ما اسم موصول واقعة على صلاة ومعطوفة على نائب فاعل يكره، أي لا تكره صلاة لها سبب متقدم. قال ابن رسلان: أما التي لسبب مقدم كالنذر والفائت لم تحرم واعلم أنه اختلف في التقدم والتأخر، فقيل: هما بالنسبة إلى الصلاة. وقيل: بالنسبة للوقت المكروه. وأظهرهما الأول كما قال الأسنوي، وعليه جرى ابن الرفعة. وعليه لا يتأتى السبب المقارن للصلاة لأنه متقدم أبدا، بخلافه على الثاني فأنه يتأتى. والشارح رحمه الله تعالى جرى على الأول أيضا، ولذلك لم يذكر السبب المقارن، وعد صلاة الكسوف من الذي سببه متقدم. وبعضهم أثبت السبب المقارن مطلقا، وقال: المراد المقارنة ولو دواما، فصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء سببهما - وهو تغير الشمس أو القمر أو الحاجة إلى السقي - وإن كان متقدما على الصلاة هو مقارن لها دواما. (قوله: كركعتي وضوء إلخ) أمثلة لما له سبب متقدم. وبيان ذلك أن ركعتي الوضوء سببهما الوضوء وهو متقدم، وركعتي الطواف سببهما الطواف وهو متقدم، وركعتي تحية المسجد سببهما دخول المسجد وهو متقدم، وركعتي الكسوف سببهما كسوف الشمس أو القمر وهو متقدم على ما فيه، وصلاة الجنازة سببها طهر الميت وهو متقدم، والفائتة سببها التذكر وهو متقدم. وانظر ما سبب الصلاة المعادة المتقدم، فإن كان الجماعة فيرد عليه أنها سبب مقارن، وأيضا هي شرط في الإعادة

جماعة ولو إماما، وكفائتة فرض أو نفل لم يقصد تأخيرها للوقت المكروه ليقضيها فيه أو يداوم عليه. فلو تحرى إيقاع صلاة غير صاحبة الوقت في الوقت المكروه من حيث كونه مكروها فتحرم مطلقا ولا تنعقد، ولو فائتة يجب قضاؤها فورا لانه معاند للشرع. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا سبب. وإن كان إرادة تحصيل الثواب، أو رد عليه أن النفل المطلق كذلك، فيكون مما له سبب متقدم، مع أنهم جعلوه مما لا سبب له أصلا. (قوله: وطواف) معطوف على وضوء، أي وكركعتي طواف. وقوله: وتحية أي وكركعتي تحية للمسجد، فهو معطوف على وضوء. وقوله: وكسوف أي وكركعتي كسوف، فهو معطوف أيضا على وضوء. وقوله: وصلاة جنازة معطوف على كركعتي وضوء، ولو أعاد الكاف فيه لكان أولى. وقوله: وإعادة مع جماعة معطوف على ركعتي أيضا، ولو أعاد الكاف فيه لكان أولى كالذي قبله. وقوله: ولو إماما وتجب نية الإمامة كما سيأتي في شروط المعادة. وقوله: كفائتة الخ معطوف على كركعتي أيضا. (قوله: لم يقصد تأخيرها) ضميره يعود على الفائتة بدليل تعليله، ولولاه لصح رجوعه للمذكورات قبله من ركعتي الوضوء والتحية وصلاة الجنازة والمعادة والفائتة. (قوله: ليقضيها) أي الفائتة، وهو متعلق بتأخيرها. وقوله: فيه أي في الوقت المكروه. (قوله: أو يداوم عليه) ظاهره أنه معطوف على ليقضيها، والمعنى: لم يقصد تأخيرها إلى الوقت المكروه لأجل أن يقضيها، أو لأجل أن يداوم عليه - أي القضاء - ويجعله كأنه ورد، فإن قصد ذلك لا تصح فيه ولا تنعقد. ومقتضى العطف على ما ذكر إنه إذا صلى الفائتة في الوقت المكروه وداوم عليها من غير قصد صحت صلاته، وليس كذلك كما يدل عليه عبارة النهاية، ونصها: وليس لمن قضى في وقت الكراهة أن يداوم عليها ويجعلها وردا، أي لأن ذلك من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم -، فقد داوم - صلى الله عليه وسلم - على قضاء ركعتي الظهر لما فاتتاه. اه. ووجه الخصوصية - كما في التحفة -: حرمة المداومة فيها على أمته وإباحتها له - صلى الله عليه وسلم -، كما يصرح به كلام المجموع، أو ندبها له، على ما نقله الزركشي. ويحتمل أنه معطوف على يقصد، فيكون مجزوما، والمعنى عليه: ويجوز قضاء فائتة في الوقت المكروه ما لم يداوم عليه، فإن داوم عليه لم يصح سواء قصد تأخيرها لذلك أم لا. وعبارة فتح الجواد تقتضي هذا الاحتمال، ونصها - بعد كلام -: فإن قصد تأخير الفائتة للوقت المكروه ليقضيها فيه، أو داوم عليها، أو دخل فيه بنية التحية فقط، لم تنعقد، لأنه حينئذ مراغم للشرع بالكلية. اه. (قوله: فلو تحرى إلخ) انظر هو مفهوم أي شئ قبله؟ فإن قلت: هو مفهوم قوله: لم يقصد تأخيرها للوقت إلخ. فلا يصح، لأن قوله المذكور راجع لخصوص الفائتة كما علمت، وهذا راجع لجميع ما قبله. ثم ظهر أنه مفهوم قيد ملاحظ عند قوله: لا ما له سبب متقدم تقديره: لم يتحره. ويدل عليه عبارة التحفة، ونصها مع الأصل: إلا لسبب لم يتحره متقدم أو مقارن. ثم قال: أما إذا تحرى إلخ انتهى. إذا علمت ذلك ففي عبارة الشارح ترك التصريح بمفهوم قيد مذكور والتصريح بمفهوم قيد مهجور. ولا يخفى ما فيه، فلو اقتصر على قوله: لم يقصد تأخيرها إليه، وزاد بعده: فإن قصد ذلك لم تنعقد ويأثم به، لكان أولى وأخصر. تأمل. (قوله: أيضا فلو تحرى إلخ) بخلاف ما إذا لم يتحر أصلا. وإن وقعت فيه أو تحراه، لا من حيث كونه مكروها بل لغرض آخر، كأن أخر صلاة الجنازة إليه لأجل كثرة المصلين عليها فإنها حينئذ تجوز وتنعقد في ذلك الوقت المكروه. (قوله: غير صاحبة الوقت) أما هي فلا يحرم تأخيرها، كأن أخر العصر ليوقعها وقت الاصفرار. (قوله: فتحرم مطلقا) أي بسبب أو بغيره، وذلك للأخبار الصحيحة كخبر: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها. (قوله: يجب قضاؤها فورا) أي بأن فاتته لغير عذر. (قوله: لأنه معاند للشرع) تعليل للحرمة. قال في التحفة: وهو مشكل بتكفيرهم من قيل له: قص أظفارك. فقال: لا أفعله، رغبة عن السنة. فإذا اقتضت الرغبة عن السنة التكفير فأولى هذه المعاندة والمراغمة. ويجاب بتعين حمل هذا على أن المراد أنه يشبه المراغمة والمعاندة لا أنه موجود فيه حقيقتهما. اه. (تنبيه) محل حرمة الصلاة في الأوقات المذكورة في غير بقعة من بقاع حرم مكة المسجد وغيره مما حرم صيده، للخبر الصحيح: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار. ولزيادة فضلها، فلا يحرم المقيم بها من استكثار الصلاة فيها، ولأن الطواف صلاة بالنص، واتفقوا على جوازه، فالصلاة مثله. ولا يقال إن الخبر

(وخامسها: استقبال) عين (القبلة) أي الكعبة، بالصدر. فلا يكفي استقبال جهتها، خلافا لابي حنيفة رحمه الله تعالى، (إلا في) حق العاجز عنه، وفي صلاة (شدة خوف) ولو فرضا، فيصلي كيف أمكنه ماشيا وراكبا ـــــــــــــــــــــــــــــ السابق مخصوص بسنة الطواف، وهي مما سببها متقدم، لأنا نقول: جاء في رواية صحيحة: لا تمنعوا أحدا صلى من غير ذكر الطواف فلتحمل الصلاة في الرواية الأولى على مطلق صلاة سنة طواف وغيرها. (قوله: وخامسها) أي شروط الصلاة. (قوله: استقبال عين القبلة) أي لقوله تعالى: * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) *. والاستقبال لا يجب في غير الصلاة، فتعين أن يكون فيها. وقد ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للمسئ صلاته - وهو خلاد بن رافع الزرقي الأنصاري -: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة. رواه الشيخان. ورويا أنه - صلى الله عليه وسلم - ركع ركعتين قبل الكعبة - أي وجهها - وقال: هذه القبلة. مع خبر: صلوا كما رأيتموني أصلي. فلا تصح الصلاة بدونه إجماعا، ويجب الاستقبال يقينا في القرب وظنا في البعد. ومن أمكنه علمها ولا حائل بينه وبينها لم يعمل بقول غيره، ومن ذلك قدرة الأعمى على مس حيطة المحراب حيث سهل عليه، فلا يكفي العمل بقول غيره ولا باجتهاده، فإن لم يمكنه اعتمد ثقة يخبر عن علم، كقوله: أنا شاهدت الكعبة هكذا. وليس له أن يجتهد مع وجود إخباره. وفي معناه رؤية بيت الإبرة المعروف، ومحاريب المسلمين ببلد كبير أو صغير فلا يجوز الاجتهاد فيها جهة بل يجوز يمنة أو يسرة. ولا يجوز فيما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى إليه، فإن فقد ما ذكر اجتهد لكل فرض إن لم يذكر الدليل الأول. ومن علامتها القطب المعروف، ويختلف باختلاف الأقاليم. ففي مصر يجعله المصلي خلف أذنه اليسرى، وفي العراق يجعله خلف أذنه اليمنى، وفي اليمن قبالته مما يلي جانبه الأيسر، وفي الشام وراءه. ومن علاماتها أيضا الشمس والقمر والريح. ويجب تعلمها حيث لم يكن هناك عارف سفرا وحضرا. فإن عجز عن الاجتهاد كأعمى البصر أو البصيرة قلد مجتهدا. فتلخص أن مراتب القبلة أربعة: العلم بالنفس، وإخبار الثقة عن علم، والاجتهاد، وتقليد المجتهد. (قوله: أي الكعبة) عبارة المغنى: والقبلة في اللغة: الجهة. والمراد هنا: الكعبة. ولو عبر لها لكان أولى، لأنها القبلة المأمور بها. ولكن القبلة صارت في الشرع حقيقة الكعبة لا يفهم منها غيرها. وسميت قبلة لأن المصلي يقابلها، وكعبة لارتفاعها. وقيل: لاستدارتها. اه. وليس من الكعبة الحجر والشاذروان، لأن ثبوتهما منها ظني، وهو لا يكتفي به في القبلة. وفي الخادم: ليس المراد بالعين الجدار، بل أمر اصطلاحي. أي وهو سمت البيت وهواؤه إلى السماء والأرض السابعة، والمعتبر مسامتتها عرفا لا حقيقة. اه تحفة. (قوله: بالصدر) متعلق باستقبال، أي يشترط الاستقبال بالصدر. وهو حقيقة في الواقف والجالس، وحكما في الراكع والساجد. قال في التحفة: والمراد بالصدر: جميع عرض البدن. فلو استقبل طرفها فخرج شئ من العرض عن محاذاته لم تصح، بخلاف استقبال الركن، لأنه مستقبل بجميع العرض لمجموع الجهتين، ومن ثم لو كان إماما امتنع التقدم عليه في كل منهما. اه. ويجب استقبالها بالصدر والوجه لمن كان مضطجعا، وبالوجه والأخمصين لمن كان مستلقيا. (قوله: فلا يكفي استقبال جهتها) أي للخبر الصحيح: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين في وجهها وقال: هذه القبلة. وأما خبر: ما بين المشرق والمغرب قبلة فمحمول على أهل المدينة ومن داناهم. (قوله: إلا في حق العاجز عنه، الخ) استثناء من اشتراط الاستقبال، والعجز عنه يكون بمرض أو ربط على خشبة، فيصلي المريض أو المربوط ويعيد لندرة عذره. فلو أمكنه أن يصلي إلى القبلة قاعدا وإلى غيرها قائما وجب الأول، لأن فرض القبلة آكد من فرض القيام، بدليل سقوطه في النفل مع القدرة من غير عذر. (قوله: وفي صلاة شدة خوف) أي في قتال مباح، كقتال المسلمين للكفار، وقتال أهل العدل للبغاة، وما ألحق به، كهرب من حريق وسيل وسبع وحية. قال في النهاية: ومن الخوف المجوز لترك الاستقبال أن يكون شخص في أرض مغصوبة ويخاف فوت الوقت، فله أن يحرم ويتوجه للخروج ويصلي بالإيماء. اه. (قوله: فيصلي) أي من اشتد عليه الخوف. وقوله: كيف أمكنه أي على أي حال أمكنه الصلاة

مستقبلا أو مستدبرا، كهارب من حريق وسيل وسبع وحية، ومن دائن عند إعسار، وخوف حبس. (و) لا في (نفل سفر مباح) لقاصد محل معين، فيجوز النفل راكبا وماشيا فيه ولو قصيرا. نعم، يشترط أن يكون مقصده على مسافة لا يسمع النداء من بلده، بشروطه المقررة في الجمعة. وخرج بالمباح سفر المعصية فلا يجوز ترك القبلة في النفل لابق، ومسافر عليه دين حال قادر عليه من غير إذن دائنه. (و) يجب (على ماش إتمام ركوع وسجود) لسهولة ذلك عليه، وعلى راكب إيماء بهما. (واستقبال فيهما وفي تحرم) وجلوس بين السجدتين، فلا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه، وهو مجمل. وقوله: ماشيا إلخ تفصيل له. (قوله: كهارب الخ) تمثيل لمن اشتد عليه الخوف وقوله: من حريق إلخ أي لم يمكنه المنع والتخلص بشئ منه. (قوله: ومن دائن إلخ) أي وكهارب من دائن، فيجوز له أن يصلي كيف أمكن بشرط أن يكون معسرا وخاف من الحبس. (قوله: وإلا في نفل الخ) أي ولو مؤقتا. وخرج بالنفل الفرض - ولو منذورا - وصلاة جنازة، فلا يجوز ترك الاستقبال فيه. فلو صلى الفرض على دابة واقفة وتوجه للقبلة وأتم الفرض جاز، وإن لم تكن معقولة، وإلا فلا يجوز. وقوله: سفر خرج به الحضر، فلا يجوز فيه ترك الاستقبال، وإن احتاج إلى التردد كما في السفر لعدم وروده. والحكمة في التخفيف على المسافر، أن الناس يحتاجون إلى الأسفار، فلو شرط فيها الاستقبال في النافلة لأدى إلى ترك أورادهم أو مصالح معايشهم. وقوله: مباح سيأتي محترزه. (قوله: لقاصد محل معين) المراد به المعلوم من حيث المسافة، بأن يقصد قطع مسافة يسمى فيها مسافرا عرفا، كالشام أو الصعيد، لا خصوص محل معين كدمشق مثلا. فتعين المحل ليس بشرط، بل الشرط أن يقصد قطع المسافة المذكورة. اه. بجيرمي. (قوله: فيجوز النفل راكبا) أي لحديث جابر، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته حيث توجهت به - أي في جهة مقصده - فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة. رواه البخاري. وقوله: وماشيا أي قياسا على الراكب، بل أولى. وقوله: فيه أي في السفر (قوله: ولو قصيرا) أي ولو كان السفر قصيرا، وهو غاية لجواز النفل فيه راكبا وماشيا، فلا يشترط طوله قياسا على ترك الجمعة، ولعموم الحاجة مع المسامحة في النفل. (قوله: نعم يشترط الخ) إستدراك من الغاية دفع به ما يتوهم من أنه يكتفى بمحل يسمع منه النداء. وقوله: لا يسمع متعلقه محذوف، أي منها. وقوله: من بلده متعلق بالنداء، وضميره يعود إليه أو إلى المسافر. (قوله: بشروطه) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من النداء، والضمير يعود عليه. أي حالة كونه متلبسا بشروطه، وهي: أن يكون النداء من شخص صيت يؤذن كعادته في علو الصوت وهو واقف بمستو ولو تقديرا مع سكون الريح والصوت من طرف يليهم. وقوله: المقررة في الجمعة أي فإنهم قرروا فيها أنها تلزم المقيمين وتلزم من بلغهم النداء بالشروط المذكورة، وإلا فلا تلزمهم. ويحتمل على بعد أنه متعلق بقوله فيجوز، والضمير يعود على السفر الذي يجوز الترخص فيه بالقصر والجمع، لأن جميع ما هو شرط هناك شرط إلا طول السفر. وقوله: في الجمعة أي في باب الجمعة. وذلك لأن المؤلف رحمه الله تعالى ذكر شروط القصر والجمع في تتمة آخر باب الجمعة فيها ما ذكر هنا، وهو شرطان: كونه مباحا، وقصده محلا معينا. ومنها: مجاوزة نحو السور، ودوام السفر. فلو وصلت سفينته دار الإقامة أثناء الصلاة لزمه أن يتمها للقبلة. ودوام السير، فلو نزل في أثناء الصلاة عن راحلته لزمه ذلك أيضا. وأن يكون سفره لغرض صحيح، فلا يجوز ترك القبلة لمن سافر لمجرد رؤية البلاد على الأصح. (قوله: ويجب على ماش الخ) أي ويجب على متنفل صلى ماشيا. فهو مرتبط بمفهوم قوله: وإلا في نفل إلخ. (قوله: إتمام ركوع وسجود) قال الشرقاوي: والأوجه أن يكفيه الإيماء حيث كان يمشي في وحل ونحوه أو ماء وثلج، لما في الإتمام من المشقة الظاهرة وتلويث بدنه وثيابه بالطين ونحوه. اه. (قوله: لسهولة ذلك) أي إتمام ما ذكر. (قوله: وعلى راكب إيماء بهما) أي بالركوع والسجود، ومحل ذلك إن كان راكبا فيما لا يسهل فيه إتمام ذلك. والحاصل أن في الراكب تفصيلا، وهو أنه إن كان راكبا في مرقد - كهودج ومحارة - أو في سفينة، أتم وجوبا ركوعه وسجوده وسائر الأركان، أو بعضها إن عجز عن الباقي، واستقبل وجوبا لسهولة ذلك عليه. ومحل ذلك في غير مسير السفينة، أما هو وهو من له دخل في سيرها فلا يلزمه التوجه في جميع صلاته، ولا إتمام الأركان، بل في التحرم فقط إن سهل، وإن لم يكن راكبا في مرقد ولا في سفينة. فإن كان راكبا فيما لا يسهل فيه الاستقبال في جميع الصلاة، وإتمام الأركان استقبل في إحرامه فقط إن سهل عليه، بأن كانت

يمشي إلا في القيام والاعتدال والتشهد والسلام، ويحرم انحرافه عن استقبال صوب مقصده عامدا عالما مختارا إلا إلى القبلة. ويشترط ترك فعل كثير - كعدو وتحريك رجل بلا حاجة - وترك تعمد وطئ نجس - ولو يابسا - وإن عم الطريق، ولا يضر وطئ يابس خطأ، ولا يكلف ماش التحفظ عنه. ويجب الاستقبال في النفل لراكب سفينة غير ملاح. واعلم أيضا أنه يشترط في صحة الصلاة العلم بفرضية الصلاة. فلو جهل فرضية أصل الصلاة، أو صلاته ـــــــــــــــــــــــــــــ الدابة غير صعبة ولا مقطورة، وإلا لم يلزمه في الإحرام أيضا. اه. ملخصا من شرح إبن حجر على متن بافضل. (قوله: واستقبال) معطوف على قوله إتمام، أي ويجب على ماش استقبال. (قوله: فيهما) أي في الركوع والسجود. (قوله: وفي تحرم إلخ) الحاصل أنه يستقبل في أربعة أشياء: الإحرام، والركوع، والسجود، والجلوس بين السجدتين. (قوله: فلا يمشي الخ) مفرع على وجوب إتمام الركوع والسجود فقط: وقوله: إلا في القيام الخ أي لا يمشي في شئ من الأركان إلا في قيامه واعتداله وتشهده وسلامه. والحاصل: يمشي في أربع كما يستقبل في أربع. فإن قلت: إن قيام الاعتدال ركن قصير، فلم جوزتم فيه المشي دون الجلوس بين السجدتين؟ أجيب بأن مشي القائم سهل، فسقط عنه التوجه ليمشي فيه بقدر ذكره المسنون، ومشي الجالس لا يمكن إلا بالقيام، وهو غير جائز، فلزمه التوجه فيه. (قوله: ويحرم الخ) مرتب على قيد محذوف ملاحظ عند قوله: ويجوز النفل راكبا وماشيا وهو إلى صوب مقصده، ولو صرح به كغيره لكان أولى، ولعله سقط من النساخ. ومع الحرمة تبطل صلاته بالانحراف المذكور لأن جهة مقصده صارت بمنزلة القبلة. (قوله: عامدا عالما مختارا) قال في المغنى: وكذا لو انحرف لنسيان أو خطأ طريق أو جماح دابة، إن طال الزمن، وإلا فلا. ولكن يسجد للسهو لأن عمد ذلك مبطل، وفعل الدابة منسوب إليه. ولو انحرفت الدابة بنفسها من غير جماح، وهو غافل عنها ذاكرا للصلاة، ففي الوسيط إن قصر الزمان لم تبطل، وإلا فوجهان. ولو أحرفه غيره قهرا بطلت وإن عاد عن قرب، لندرته. اه بتصرف. (قوله: إلا إلى القبلة) أي إلا إذا انحرف إلى القبلة فلا يحرم وأن كانت خلف ظهره، لأنها الأصل. فله الرجوع إليها وإن تضمن استقبال غير المقصد. (قوله: ويشترط) أي لصحة التنفل راكبا وماشيا. (قوله: ترك فعل كثير) أي بأن يكون ثلاث حركات متوالية فأكثر، وقد يقال: هذا معلوم من مبطلات الصلاة الآتية فلا حاجة إلى ذكره هنا، وقد يجاب بأنه ذكر هنا لدفع توهم أنه يغتفر هنا. (قوله: كعدو) هو الجري. وقوله: وتحريك رجل أي من فوق الدابة، ويعبر عنه بالركض. وقوله: بلا حاجة مرتبط بكل من العدو والتحريك. أي أن محل بطلان الصلاة بهما إذا كانا لغير حاجة، فإن كانا لحاجة فلا بطلان. وعبارة شرح الرملي: وله الركض للدابة، والعدو لحاجة السفر لخوف تخلفه عن الرفقة أو غيرها، كتعلقه بصيد يريد إمساكه، على المعتمد. اه. (قوله: وترك تعمد الخ) أي ويشترط ترك تعمد. وقوله: وطئ نجس خرج إيطاء الدابة، لكن إذا تلوثت رجلها ضر إمساك ما ربط بها، كما في مسألة الساجور. اه سم. (قوله: ولو يابسا) أي ولو كان النجس يابسا فإنه يشترط ترك تعمد الوطئ عليه. وهذه الغاية - كالتي بعدها - راجعة لاشتراط ترك تعمد ما ذكر. (قوله: وإن عم الطريق) عبارة الروض وشرحه: أو وطئها عامدا ولو يابسة فتبطل صلاته، وإن لم يجد مصرفا - أي معدلا - عن النجاسة. اه. (قوله: ولا يضر وطئ يابس) أي ولا معفو عنه، كما في شرح الروض، قال: كذرق طير عمت به البلوى. اه. وقضية ذلك أنه لا يضر وطئ الرطبة المعفو عنها نسيانا. وفي شرح م ر خلافه. اه. سم (قوله: ولا يكلفب ماش التحفظ عنه) أي النجس، لأنه يختل به خشوعه. اه تحفة. (قوله: ويجب الاستقبال إلخ) أي وإتمام جميع الأركان كما تقدم. (وقوله: غير ملاح) الملاح: من له دخل في تسيير السفينة، وإن لم يكن من المعدين ولا رأس الملاحين. قال في النهاية: وألحق صاحب مجمع البحرين اليمني بملاحها مسير المرقد، ولم أره لغيره. اه. (قوله: واعلم أيضا أنه إلخ) مرتبط بقول المصنف أول الكتاب: شروط الصلاة خمسة. وقوله أيضا: أي كما يشترط لها الشروط الخمسة المارة، وهي: الطهارة عن الحدث والجنابة، والطهارة عن النجس، وستر العورة، ومعرفة دخول الوقت، واستقبال القبلة. (قوله: العلم بفرضية الصلاة) أي بأن الصلاة فرض

التي شرع فيها، لم تصح، كما في المجموع والروضة. وتمييز فروضها من سننها. نعم، إن اعتقد العامي، أو العالم على الاوجه، الكل فرضا صحت، أو سنة فلا. والعلم بكيفيتها الآتي بيانها قريبا إن شاء الله تعالى. فصل في صفة الصلاة (أركان الصلاة) أي فروضها: أربعة عشر، بجعل الطمأنينة في محالها ركنا واحدا. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه. (قوله: فلو جهل فرضية أصل الصلاة) أي جهل أن الصلاة مطلقا فرض عليه. (قوله: أو صلاته) بالجر، عطف على أصل. أي أو جهل فرضية خصوص الصلاة التي شرع فيها، كالظهر، لا الصلاة مطلقا. (قوله: وتمييز فروضها من سننها) أي ويشترط أيضا أن يميز ويدرك فروضها وسننها. فلو اعتقد في فرض من فروضها أنه سنة، بطلت صلاته. (قوله: نعم الخ) إستدراك على إشتراط التمييز. وقوله: العامي المراد به من لم يحصل من الفقه شيئا يهتدي به إلى الباقي. وقيل: المراد به أيضا من لم يميز فرائض صلاته من سننها، والعالم من يميز ذلك. (قوله: الكل) أي كل الصلاة، ومثله ما لو اعتقد البعض ولم يميز - كما في شرح المنهج -. (قوله: أو سنة فلا) أي أو اعتقد أن الكل سنة، فلا تصح. (قوله: والعلم بكيفيتها) أي ويشترط العلم بكيفية الصلاة، أي هيئتها. وفيه أن هذا الشرط هو عين الشرطين السابقين، إذ هيئة الصلاة عبارة عن أركانها الأربعة عشر وآدابها. وهو إذا عرف الفرضية وميز الفروض من السنن فقد أدرك الكيفية. ولذلك اقتصر في المنهج على العلم بالكيفية، وقال في شرحه: بأن يعلم فرضيتها ويميز فروضها من سننها. اه. (قوله: إن شاء الله تعالى) إنما قال ذلك امتثالا لقوله تعالى: * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * والسبب في ذلك أن الإنسان إذا قال سأفعل كذا، لم يبعد أن يموت قبل فعله، ولم يبعد أيضا أنه يعوقه عنه - لو بقي حيا - عائق، وحينئذ يصير كاذبا فيما وعد به. فطلب أن يقول إن شاء الله، حتى إذا تعذر الوفاء بذلك الوعد لم يصر كاذبا. وروى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة، أو تسع وتسعين امرأة، كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه: إن شاء الله. فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله عزوجل فرسانا أجمعون. والله سبحانه وتعالى أعلم. (فصل في صفة الصلاة) المراد بالصفة: الكيفية. أي الهيئة الحاصلة للصلاة، لا معناها الحقيقي، وهو ما كان زائدا على الشئ كالبياض، لأن ما سيذكره من الواجب والمندوب هو ذات الصلاة. وهي تنقسم إلى واجب ومندوب. والأول لا يخلو إما أن يكون داخلا في الماهية ويسمى ركنا، أو خارجا عنها ويسمى شرطا. والثاني لا يخلو إما أن يجبر بالسجود ويسمى بعضا، أو لا ويسمى هيئة. وشبهت الصلاة بالإنسان، فالركن كرأسه، والشرط كحياته، والبعض كأعضائه، والهيئات كشعره. (قوله: أركان الصلاة) أي أجزاؤها التي تتركب منها حقيقتها. وقوله: أي فروضها أفاد به أن الأركان والفروض بمعنى واحد، وإنما عبر هنا بالأركان وفي الوضوء بالفروض إشارة إلى أنه لا يجوز تفريق أفعال الصلاة، بخلاف الوضوء. (قوله: أربعة عشر بجعل إلخ) الأكثرون على أنها ثلاثة عشر، بجعل الطمأنينة في محالها الأربعة الآتية هيئة تابعة لها. ويؤيده جعلهم لها في التقدم والتأخر على الإمام مع نحو الركوع ركنا واحدا. وقيل: إنها سبعة عشر بعد الطمأنينة في محالها الأربعة أركانا. والأركان المذكورة ثلاثة أقسام: قلبي: وهو النية. وقولي: وهو خمسة: التكبير،

أحدها: (نية) وهي القصد بالقلب، لخبر: إنما الاعمال بالنيات. (فيجب فيها) أي النية (قصد فعلها) أي الصلاة، لتتميز عن بقية الافعال (وتعيينها) من ظهر أو غيرها، لتتميز عن غيرها، فلا يكفي نية فرض الوقت. (ولو) كانت الصلاة المفعولة (نفلا) غير مطلق، كالرواتب والسنن المؤقتة أو ذات السبب، فيجب فيها التعيين ـــــــــــــــــــــــــــــ والفاتحة، والتشهد، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده، والسلام. وفعلي: وهو سبعة: القيام، والركوع، والاعتدال، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والجلوس في التشهد الأخير، والترتيب. (قوله: أحدها) أي أحد الأركان. نية، لأنها واجبة في بعض الصلاة. وهو أولها، لا في جميعها. فكانت ركنا كالتكبير والركوع. وقيل: هي شرط، لأنها عبارة عن قصد فعل الصلاة، فتكون خارج الصلاة. ولهذا قال الغزالي: هي بالشرط أشبه. وفائدة الخلاف فيمن افتتح النية مع مقارنة مانع من نجاسة أو استدبار مثلا، وتمت النية وقد زال المانع، فإن قيل: هي شرط صحة، أو ركن فلا، كذا قيل والأوجه عدم صحتها مطلقا. (قوله: وهي القصد بالقلب) هذا معنى النية لغة، أما شرعا فهو قصد الشئ مقترنا بفعله، أي قصد الشئ الذي يريد فعله حال كون ذلك القصد مقترنا بفعل ذلك الشئ. (قوله: لخبر الخ) أي ولقوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * قال الماوردي: الإخلاص في كلامهم هو النية، وللإجماع على اعتبار النية في الصلاة. (قوله: فيجب فيها إلخ) اعلم أن الصلاة على ثلاثة أقسام: فرض، ونفل مقيد بوقت أو سبب، ونفل مطلق وما ألحق به مما يندرج في غيره. فالأول يشترط فيه ثلاثة أمور: نية الفعل، والتعيين صبحا أو غيره، ونية الفرضية. وقد نظمها بعضهم فقال: يا سائلي عن شروط النية القصد والتعيين والفرضية والثاني يشترط فيه اثنان: نية الفعل، والتعيين، والثالث يشرط فيه واحد: وهو قصد الفعل. وقد أفاد المؤلف ذلك بقوله: فيجب فيها الخ. وقوله: قصد فعلها أي أيقاعها. فلا يكفي إحضارها في الذهن مع الغفلة عن فعلها لأنه هو المطلوب. (قوله: أي الصلاة) هي هنا ما عدا النية، وإلا لتعلقت بنفسها أو افتقرت إلى نية أخرى، فيلزم التسلسل. وجوز بعضهم تعلقها بنفسها كالعلم فإنه يتعلق بنفسه، فيعلم سبحانه وتعالى بعلمه أن له علما. (قوله: لتتميز عن بقية الأفعال) أي يجب قصد فعلها لأجل أن تتميز عن بقية الأفعال التي لا تحتاج إلى نية، أو لنية غير الصلاة. أفاده كردي. (قوله: وتعيينها) بالرفع، عطف على قصد فعلها. أي ويجب تعيين الصلاة. وقوله: من ظهر من بمعنى الباء، متعلقة بتعيينها. أي يجب تعيينها بالظهر أو العصر مثلا. ولا يصح أن تكون بيانية لتعيين لأنه فعل الفاعل، وهو غير البيان. تأمل. (قوله: لتتميز عن غيرها) أي يجب التعيين لأجل أن تتميز عن غيرها من بقية الصلوات. (قوله: فلا يكفي الخ) تفريع على مفهوم وجوب التعين. وقوله: نية فرض الوقت أي المطلق الصادق بكل الأوقات. (قوله: ولو كانت الخ) غاية في وجوب ما ذكر من قصد الفعل والتعيين. وهي للتعميم، أي يجب ما ذكر في الصلاة مطلقا، سواء كانت فرضا أو نفلا غير مطلق، وهو المقيد بوقت أو سبب. (قوله: كالرواتب) المراد بها سنن الصلوات الخمس، القبلية والبعدية المؤكدة وغير المؤكدة. (قوله: والسنن المؤقتة) معطوف على الرواتب، وهو يفيد أن الرواتب ليست من السنن المؤقتة، وليس كذلك. ويمكن أن يقال أنه من عطف العام على الخاص، إذ السنن المؤقتة صادقة بالرواتب وبغيرها، كالضحى والعيدين. (قوله: أو ذات السبب) معطوف على المؤقتة، أي أو السنن ذات السبب كالكسوفين والاستسقاء. قال في النهاية: ويسنثنى من ذي السبب تحية المسجد، وركعتا الوضوء والإحرام والاستخارة والطواف، وصلاة الحاجة، وسنة الزوال، وصلاة الغفلة بين المغرب والعشاء، والصلاة في بيته إذا أراد الخروج للسفر، والمسافر إذا نزل منزلا وأراد مفارقته، لحصول المقصود بكل صلاة. والتحقيق في هذا المقام عدم الاستثناء، لأن هذا المفعول ليس عين ذلك المقيد، وإنما هو نفل مطلق حصل به

بالاضافة إلى ما يعينها كسنة الظهر القبلية أو البعدية، وإن لم يؤخر القبلية. ومثلها كل صلاة لها سنة قبلها وسنة بعدها، وكعيد الاضحى أو الاكبر أو الفطر أو الاصغر، فلا يكفي صلاة العيد والوتر سواء الواحدة والزائدة عليها، ويكفي نية الوتر من غير عدد. ويحمل على ما يريده على الاوجه، ولا يكفي فيه نية سنة العشاء أو راتبتها، والتراويح والضحى، وكاستسقاء وكسوف شمس أو قمر. أما النفل المطلق فلا يجب فيه تعيين بل يكفي فيه نية ـــــــــــــــــــــــــــــ مقصود ذلك المقيد. اه بحذف. وكتب ع ش ما نصه: قوله: حصل به مقصود ذلك: كشعل البقعة في حق داخل المسجد، وإيقاع صلاة بعد الوضوء في حق المتوضئ. وأشار بقوله المقصود إلى أن المطلوب نفسه لم يحصل، فلا يقال صلى تحية المسجد مثلا، وإنما يقال صلى صلاة حصل بها المقصود من تحية المسجد. اه. وعبارة ابن حجر تفيد الاستثناء، ونصها: نعم، ما تندرج في غيرها لا يجب تعيينها بالنسبة لسقوط طلبها بل لحيازة ثوابها، كتحية مسجد وسنة إحرام واستخارة ووضوء وطواف. (قوله: بالإضافة إلى ما يعينها) عبارة التحفة: وتعيينها إما بما اشتهر به كالتراويح والضحى والوتر، سواء الواحدة والزائدة عليها. أو بالإضافة، كعيد الفطر وخسوف القمر، وسنة الظهر القبلية - وإن قدمها - أو البعدية. وكذا كل ما له راتبة قبلية وبعدية، ولا نظر إلى أن البعدية لم يدخل وقتها، كما لا نظر لذلك في العيد إذ الأضحى أو الفطر المحترز عنه لم يدخل وقته. اه. (قوله: كسنة الظهر) تمثيل للرواتب. (قوله: القبلية أو البعدية) هو محل التعيين، ولا ينافيه قوله بالإضافة، لأن المراد بها اللغوية، وهي النسبة والتعلق. (قوله: وإن لم يؤخر القبلية) أي عن الفرض. والغاية للرد على بعض المتأخرين حيث قال: إن لم يكن صلى الفرض لا يحتاج لنية القبلية لأن البعدية لم يدخل وقتها، فلا يشتبه ما نواه بغيره. قال في النهاية، مع زيادة من ع ش: ووجه - أي اشتراط - التعيين ولو قبل الفرض بأن تعيينها إنما يحصل بذلك، أي بتعيين القبلية والبعدية، لاشتراكهما في الاسم والوقت، كما يجب تعيين الظهر لئلا يلتبس بالعصر، وكما يجب تعيين عيد الفطر لئلا يلتبس بالأضحى، ولأن الوقت لا يعين. اه. (قوله: ومثلها) أي الظهر. وقوله: كل صلاة إلخ أي كالمغرب والعشاء، لأن لكل قبلية وبعدية، فيجب فيهما التعيين بالقبلية والبعدية، بخلاف الصبح والعصر فإنهما ليس لهما إلا قبلية فلا يجب فيها التعيين. (قوله: وكعيد) معطوف على كسنة الظهر، وهو وما عطف عليه تمثيل للسنن المؤقتة. وقوله: الأضحى أو الأكبر هو محل التعيين، ومثله ما بعده. (قوله: فلا يكفي صلاة العيد) أي لعدم التعيين. قال في النهاية: وما بحثه ابن عبد السلام من أنه ينبغي في صلاة العيد أن لا يجب التعرض لكونه فطرا أو نحرا، لأنهما مستويان في جميع الصفات، فيلتحق بالكفارة. رد بأن الصلاة آكد، فإنها عبادة بدنية لا تدخلها النيابة ولا يجوز تقديمها على وقت وجوبها، بخلاف الكفارة. (قوله: والوتر) معطوف على عيد الأضحى. وقد علمت من عبارة التحفة المارة أن هذا وما بعده من القسم الذي حصل التعيين فيه بما اشتهر لا بالإضافة. خلافا لما هو صريح كلام الشارح. (قوله: سواء الواحدة والزائدة عليها) أي لا فرق في كون التعين في صلاة الوتر ليتحقق بما اشتهر، وهو الوتر بين الواحدة والزائدة عليها. (قوله: ويكفي نية الوتر) عبارة المغنى: الوتر صلاة مستقلة فلا يضاف إلى العشاء، فإن أوتر بواحدة أو بأكثر ووصل نوى الوتر، وإن فصل نوى بالواحدة الوتر. ويتخير في غيرها بين نية صلاة الليل ومقدمة الوتر وسنته، وهي أولى، أو ركعتين من الوتر على الأصح. قال الإسنوي: ومحل ذلك إذا نوى عددا، فإن لم ينو فهل يلغو لإيهامه أو يصح. ويحمل على ركعة لأنه المتيقن أو ثلاث لأنها أفضل كنية الصلاة، فإنها تنعقد ركعتين مع صحة الركعة أو إحدى عشرة، لأن الوتر له غاية فحملت حالة الإطلاق عليها بخلاف الصلاة؟ فيه نظر. اه. والظاهر - كما قال شيخنا - أنه يصح، ويحمل على ما يريده من ركعة إلى إحدى عشرة وترا. اه. وقوله: من غير عدد أي من غير تقييد بعدد كثلاث فأكثر. (قوله: ويحمل على ما يريده) أي من الركعة إلى إحدى عشرة، حال كون ذلك بالوتر لا بالشفع. (قوله: ولا يكفي فيه) أي في الوتر. وقوله: نية سنة العشاء أي لعدم التعيين، لما علمت أنه صلاة مستقلة فلا يضاف إلى العشاء. نعم، إن قال: نويت وتر سنة العشاء، صح لحصول التعيين. (قوله: والتراويح والضحى) معطوفان على عيد الأضحى أيضا. (قوله: وكاستسقاء) معطوف على قوله: كسنة الظهر. وهو وما عطف عليه

فعل الصلاة، كما في ركعتي التحية والوضوء والاستخارة، وكذا صلاة الاوابين، على ما قاله شيخنا ابن زياد والعلامة السيوطي رحمهما الله تعالى. والذي جزم به شيخنا في فتاويه أنه لا بد فيها من التعين كالضحى. (و) تجب (نية فرض فيه) أي في الفرض، ولو كفاية أو نذرا، وإن كان الناوي صبيا، ليتميز عن النفل. (كأصلي فرض الظهر) مثلا، أو فرض الجمعة، وإن أدرك الامام في تشهدها. (وسن) في النية (إضافة إلى الله) (تعالى)، خروجا من خلاف من أوجبها، وليتحقق معنى الاخلاص. (وتعرض لاداء أو قضاء) ولا يجب وإن ـــــــــــــــــــــــــــــ تمثيل لذات السبب. (قوله: أما النفل المطلق) محترز قوله: غير مطلق. (قوله: كما في ركعتي التحية الخ) الكاف للتنظير لا للتمثيل للنفل المطلق. أي يكفي في النفل المطلق نية فعل الصلاة، كما يكفي ذلك في ركعتي التحية إلخ. وقد مر ما يؤيده ذلك. (قوله: وكذا صلاة الأوابين) أي ومثل ركعتي التحية صلاة الأوابين، فلا يحتاج إلى تعيين. وهي - كما سيأتي - عشرون ركعة بين المغرب والعشاء. ورويت: ستا، وأربعا، وركعتين، وهما الأقل. (قوله: والذي جزم به شيخنا في فتاويه) عبارتها بعد كلام طويل: بل ينوي بهما سنة الغفلة أو سنة صلاة الأوابين، فإن أطلق وقعتا نافلة مطلقة فلا يثاب عليهما إلا من حيث مطلق الصلاة دون خصوصها. اه. (قوله: أنه لا بد فيها) أي في صلاة الأوابين. أي في حصول خصوص ثوابها. (وقوله: كالضحى) ليس في عبارة الفتاوي، لكن تشبيه صلاة الأوابين بها له وجه، وذلك لأن كلا منهما من السنن المؤقتة، بخلاف تشبيهها بتحية المسجد فليس له وجه، لأن تحية المسجد من ذات السبب وصلاة الأوابين من المؤقتة كما علمت. (قوله: وتجب نية فرض) أي ملاحظته وقصده. فيلاحظ ويقصد كون الصلاة فرضا. قال السيوطي في الأشباه والنظائر: العبادات في التعرض للفرضية على أربعة أقسام: ما يشترط فيه بلا خلاف، وهو الكفارات. وما لا يشترط فيه بلا خلاف، وهو الحج والعمرة والجماعات. وما يشترط فيه على الأصح، وهو الغسل والصلاة والزكاة بلفظ الصدقة. وما لا يشترط فيه على الأصح وهو الوضوء والصوم والزكاة بلفظها والخطبة. اه. (قوله: ولو كفاية أو نذرا) غاية أولى لوجوب نية الفرض. أي تجب نية الفرض، ولو كان فرض كفاية أو كان نذرا. (قوله: وإن كان الناوي صبيا) غاية ثانية لوجوب ما ذكر. وخالف الجمال الرملي واعتمد عدم اشتراط نية الفرضية في حقه، وعلله بوقوع صلاته نفلا، فكيف ينوي الفرضية؟ واعتمد ابن حجر الاشتراط، وقال: المراد بالفرض في حقه صورته، أو حقيقته في الأصل لا في حقه. ويؤيد ذلك أنه لا بد من القيام في صلاته وإن كانت نفلا. (قوله: ليتميز عن النفل) تعليل لوجوب نية الفرض. قال الكردي: أي لأن قصد الفعل والتعيين من حيث هو موجود - إن في النفل - فزيد في الفرض نية الفرضية ليحصل له تمييز عن النفل ورتبة. اه. (قوله: كأصلي فرض الظهر) أي كأن يقصد بقلبه ذلك وإن لم ينطق به. وهذا المثال جامع للثلاثة: قصد الفعل، والتعيين، ونية الفرضية. ومثله أصلي الظهر فرضا. (قوله: أو فرض الجمعة) أي: أو كأصلي فرض الجمعة. (قوله: وإن أدرك الإمام في تشهدها) أي ينوي فرض الجمعة وإن أدرك الإمام في التشهد، ويتمها حينئذ ظهرا. وفيه اللغز المشهور وهو: نوى ولا صلى، وصلى ولا نوى. أي: نوى الجمعة ولا صلاها، وصلى الظهر ولا نواها. (قوله: وسن في النية إضافة إلى الله تعالى) أي استحضارها في ذهنه. والمراد بها الإضافة اللغوية، وهي الإسناد. أي يسن أن يسند ما نواه إلى الله تعالى، أي يلاحظ ذلك. وإنما لم تجب الإضافة لأنها في الواقع لا تكون إلا لله تعالى. (قوله: وليتحقق معنى الإخلاص) تعليل ثان لسنية الإضافة. وجعله في المغني تعليلا لوجوب الإضافة، وعبارته: وقيل: تجب ليتحقق معنى الإخلاص. ومثله في النهاية، والكل صحيح لأن تحقق معنى الإخلاص، كما يصلح أن يكون تعليلا لوجوبها يصلح أن يكون تعليلا لسنيتها. والإخلاص كما ورد في الخبر: العمل لله وحده. والكامل منه إفراد الحق تعالى في الطاعة بالقصد. ومراتبه ثلاث: عليا، وهي أن يعمل لله وحده امتثالا لأمره وقياما بحق عبوديته. ووسطى، وهي أن يعمل لثواب الآخرة. ودنيا، وهي أن يعمل للإكرام في الدنيا والسلامة من آفاتها. وما عدا ذلك رياء وإن تفاوتت أفراده. قال الشيخ زين الدين - جد المؤلف - في هداية الأذكياء:

كان عليه فائتة مماثلة للمؤداة، خلافا لما اعتمده الاذرعي. والاصح صحة الاداء بنية القضاء، وعكسه إن عذر بنحو غيم، وإلا بطلت قطعا لتلاعبه، (و) تعرض (لاستقبال وعدد ركعات) للخروج من خلاف من أوجب التعرض لهما. (و) سن (نطق بمنوي) قبل التكبير، ليساعد اللسان القلب، وخروجا من خلاف من أوجبه. ولو شك: هل أتى بكمال النية أو لا؟ أو هل نوى ظهرا أو عصرا؟ فإن ذكر بعد طول زمان، أو بعد إتيانه بركن - ولو قوليا كالقراءة - بطلت صلاته، أو قبلهما فلا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أخلص وذا أن لا تريد بطاعة * * إلا التقرب من إلهك ذي الكلا قال الغزالي: وعلامة الإخلاص أن يكون الخاطر يألف العمل في الخلوة كما يألفه في الملأ، ولا يكون حضور الغير هو السبب في حضور الخاطر، كما لا يكون حضور البهيمة سببا في ذلك. فما دام يفرق في أحواله بين مشاهدة إنسان ومشاهدة بهيمة فهو خارج عن صفوة الإخلاص، مدنس الباطن بالشرك الخفي من الرياء، وهذا الشرك أخفى في قلب ابن آدم من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء. وقد ورد في الإخلاص آيات كثيرة وأحاديث شهيرة، فمن الآيات قوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * ومن الأحاديث ما رواه الدارقطني: أخلصوا أعمالكم لله فإن الله لا يقبل إلا ما خلص له. وابن المبارك: طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء. رزقنا الله الإخلاص والنجاة حين لا مناص، وجعلنا من عباده الصالحين، بجاه سيدنا محمد أفضل الخلق أجمعين. آمين. (قوله: وتعرض لأداء أو قضاء) أي وسن تعرض لذلك، ولو في النفل، لتمتاز عن غيرها. (قوله: ولا يجب) أي التعرض. وقوله: وإن كان عليه فائتة مماثلة للمؤداة أي أو للمقضية. وتنصرف حينئذ للمؤداة أو للسابقة من المقضيات. أفاده في التحفة. قال سم: لو أعاد المكتوبة في وقتها جماعة أو منفردا حيث يطلب إعادتها كذلك، ولم ينو أداء ولا قضاء، وعليه فائتة، ونوى ما يصلح للأداء والقضاء ولم يتعرض لواحد منهما، فهل يقع فعله إعادة والفائتة باقية بحالها؟ أو يقع عن الفائتة؟ فيه نظر. وقد يرجح الأول أن الوقت للإعادة، وقد يرجح الثاني وجوب الفائتة دون الإعادة. اه. (قوله: خلافا لما اعتمده الأذرعي) أي من وجوب التعرض إذا كان عليه فائتة مماثلة للمؤداة، لأجل التميز. (قوله: وإلا صح صحة الأداء بنية القضاء) كأن قال: نويت أصلي فرض الظهر قضاء، ظانا خروج الوقت مثلا فتبين بعد الصلاة بقاؤه، فتصح صلاته وتقع أداء. (قوله: وعكسه) وهو صحة القضاء بنية الأداء، كأن قال: أصلي فرض الظهر أداء، ظانا بقاء الوقت فتبين خروجه، فتصح صلاته وتقع قضاء. (قوله: إن عذر بنحو غيم) كأن ظن خروج وقتها فنواها قضاء فتبين بقاؤه، أو ظن بقاءه فنواها أداء فتبين خروجه، فعلى كل تصح الصلاة. ومثله ما إذا قصد المعنى اللغوي، إذ كل يطلق على الآخر لغة، تقول: قضيت الدين وأديته، بمعنى واحد. قال الله تعالى: * (فإذا قضيتم مناسككم) * أي أديتم إياها. قال في التحفة: وأخذ البارزي من هذا أن من مكث بمحل عشرين سنة يصلي الصبح لظنه دخول وقته ثم بان خطؤه، لم يلزمه إلا قضاء واحدة، لأن صلاة كل يوم تقع عما قبله إذ لا يشترط نية القضاء. (قوله: وإلا بطلت) أي وإن لم يعذر بما ذكر. أي ولم يقصد المعنى اللغوي، بأن نوى الأداء عن القضاء وعكسه عامدا عالما، لم تصح صلاته لتلاعبه. (قوله: وتعرض لاستقبال وعدد ركعات) أي وسن تعرض لما ذكر، كأن يقول: أصلي فرض الظهر أربع ركعات مستقبلا لله تعالى. (قوله: للخروج من خلاف إلخ) أي ولتمتاز عن غيرها بالنسبة لعدد الركعات. فإن عين عددا أو أخطأ فيه عمدا بطلت لأنه نوى غير الواقع. (قوله: وسن نطق بمنوي) أي ولا يجب، فلو نوى الظهر بقلبه وجرى على لسانه العصر لم يضر، إذ العبرة بما في القلب. (قوله: ليساعد اللسان القلب) أي ولأنه أبعد من الوسواس. وقوله: وخروجا من خلاف من أوجبه أي النطق بالمنوي. قال ع ش: هنا وفي سائر ما يعتبر فيه النية. اه. (قوله: ولو شك إلخ) سيصرح بهذه المسألة في باب مبطلات الصلاة. وقوله: هل أتى بكمال النية أي بتمامها. أي شك هل كمل النية؟ أي أتى بجميع أجزائها من القصد والتعيين ونية الفرضية؟ أم لا؟ ومثله ما لو شك في أصل النية،

(و) ثانيها: (تكبير تحرم) للخبر المتفق عليه: إذا قمت إلى الصلاة فكبر. سمي بذلك لان المصلي يحرم عليه به ما كان حلالا له قبله من مفسدات الصلاة، وجعل فاتحة الصلاة ليستحضر المصلي معناه الدال على عظمة من تهيأ لخدمته حتى تتم له الهيبة والخشوع، ومن ثم زيد في تكراره ليدوم استصحاب ذينك في جميع صلاته. (مقرونا به) أي بالتكبير، (النية) لان التكبير أول أركان الصلاة فتجب مقارنتها به، بل لا بد أن ـــــــــــــــــــــــــــــ هل أتى بها أم لا؟ (قوله: أو هل نوى ظهرا أو عصرا) أي أو شك هل نوى ذلك أم لا؟ وفيه أن الشك فيما ذكر مما يندرج تحت الشك في كمال النية، فلا حاجة إليه. إلا أن يقال إنه من ذكر الخاص بعد العام. (قوله: فإن ذكر) أي تذكر. وهو جواب لو. وقوله: بعد طول زمان أي عرفا. قال ع ش: وطوله بأن يسع ركنا، وقصره بأن لا يسعه. كأن خطر له خاطر وزال سريعا. اه. (قوله: أو بعد إتيانه بركن) أي أو ذكر بعد ذلك. وقوله: ولو قوليا أي لا فرق في الركن بين أن يكون فعليا كالاعتدال، أو قوليا كالفاتحة. وبعض الركن القولي ككله إن طال زمن الشك، كما سيصرح به هناك أيضا. (قوله: أو قبلهما فلا) أي أو ذكر قبل طول الزمن أو إتيانه بركن، فلا تبطل صلاته. واعلم أن الصلاة تبطل بالتلفظ بالمشيئة في النية، أو بنيتها إن قصد التعليق أو أطلق للمنافاة، وبنية الخروج من الصلاة وبالتردد فيه. ولا تبطل بنية الصلاة ودفع الغريم، أو حصول دينار فيما إذا قيل له: صل ولك دينار. بخلاف نية فرض ونفل لا يندرج فيه، للتشريك بين عبادتين مقصودتين. (قوله: وثانيها) أي ثاني أركان الصلاة. (قوله: تكبير تحرم) قال البجيرمي: وفي البحر وجه أنها - أي تكبيرة الإحرام - شرط لأنه لا يدخل إلا بعد تمامها، فليست داخل الماهية. ثم أجاب بأنه بفراغه منها يتبين دخوله في الصلاة من أولها. (قوله: للخبر المتفق عليه: إذا قمت إلى الصلاة فكبر). تمامه: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها. رواه الشيخان. وورد أيضا: مفتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم. (قوله: سمي بذلك) أي سمي التكبير بتكبير التحرم. (قوله: به) أي بتكبير التحرم. (قوله: ما كان حلالا له) أي للمصلي. وقوله: قبله أي قبل تكبير التحرم. وقوله: من مفسدات الصلاة بيان لما، وهي كالأكل والشرب والكلام ونحو ذلك مما يأتي. (قوله: وجعل) أي تكبير التحرم. (قوله: معناه) أي التكبير، وهو اتصاف الله سبحانه وتعالى بالكبرياء والعظمة. (وقوله: الدال) من دلالة الكل على بعض أجزائه. (قوله: من تهيأ لخدمته) الموصول واقع على الباري سبحانه، والضمير المستتر في الفعل عائد على المصلي، والضمير المضاف إليه عائد على الموصول وهو الرابط. (قوله: حتى تتم إلخ) الأظهر أن حتى تفريعية والفعل بعدها مرفوع. أي فتتم له الهيبة والخشوع. (قوله: ومن ثم الخ) أي من أجل أنه إنما جعل فاتحة الصلاة ليستحضر إلخ. وقوله: زيد في تكراره أي التكبير. (قوله: ليدوم استصحاب ذينك) أي الهيبة والخشوع، إذ لا روح ولا كمال للصلاة بدونهما. (قوله: مقرونا به) منصوب على الحال من تكبير المخصص بالإضافة. وقوله: النية نائب فاعله، والمراد بها النية المشتملة على جميع ما يعتبر فيها، من قصد الفعل أو والتعيين، أو والفرضية والقصر في حق المسافر، والإمامة والمأمومية في الجملة. وذلك بأن يستحضر قبيل التكبير في ذهنه ذات الصلاة تفصيلا، وما يجب التعرض له من صفاتها، ثم يقصد فعل ذلك المعلوم، ويجعل قصده مقارنا للتكبير من ابتدائه إلى انتهائه. وما ذكر هو الاستحضار الحقيقي والمقارنة الحقيقية. ونازع في هذا إمام الحرمين وقال أنه لا تحويه القدرة البشرية. واختار الاكتفاء بالاستحضار العرفي والمقارنة العرفية، وذلك بأن يستحضر في ذهنه هيئة الصلاة إجمالا مع ما يجب التعرض له مما مر، ويقرنه بجزء من التكبير. قال العلامة البجيرمي: وهو المعتمد. كما قرره شيخنا ح ف، وهو عن شيخه الخليفي، وهو عن شيخه الشيخ منصور الطوخي، وهو عن شيخه الشوبري، وهو عن شيخه الرملي الصغير، وهو عن شيخ الإسلام. قال: وكان الشيخ الطوخي يقول: هو مذهب

يستحضر كل معتبر فيها مما مر وغيره. كالقصر للقاصر، وكونه إماما أو مأموما في الجمعة، والقدوة لمأموم في غيرها، مع ابتدائه. ثم يستمر مستصحبا لذلك كله إلى الراء. وفي قول صححه الرافعي، يكفي قرنها بأوله. وفي المجموع والتنقيح المختار ما اختاره الامام والغزالي: أنه يكفي فيها المقارنة العرفية عند العوام بحيث يعد مستحضرا للصلاة. وقال ابن الرفعة: إنه الحق الذي لا يجوز سواه. وصوبه السبكي، وقال: من لم يقل به وقع في الوسواس المذموم. وعند الائمة الثلاثة: يجوز تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير. (ويتعين) فيه على ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعي. قال بعضهم: واحذر أن يستفزك الشيطان بشؤم الوسواس، فإذا عرض لك بطلب المحال أو ما ليس في طوقك له قوة بحال فمل عما قالوه للتسهيل الذي قال به الغزالي وإمامه الجليل، واختاره في المجموع والتنقيح، وذلك لقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * اه. وما أحسن قول ابن العماد في منظومته: ولم يجعل الله في ذا الدين من حرج * * لطفا وجودا على أحيا خليقته وما التنطع إلا نزغة وردت * * من مكر إبليس فاحذر سوء فتنته إن تستمع قوله فيما يوسوسه * * أو نصح رأي له ترجع بخيبته القصد خير وخير الأمر أوسطه * * دع التعمق واحذر داء نكبته (قوله: لأن التكبير الخ) تعليل لوجوب اقتران النية بالتكبير. (وقوله: أول أركان الصلاة) يرد عليه أن أولها هو النية لا التكبير. ولو قال: لأنه أول أعمال الصلاة الظاهرة لكان أولى. (قوله: فتجب مقارنتها الخ) لا حاجة إليه إذ هو عين المعلل. (قوله: بل لا بد) بل هنا للانتقال لا للإبطال. (قوله: فيها) أي في النية، وهو متعلق بمعتبر. وقوله: مما مر أي من قصد الفعل والتعيين والفرضية. وقوله: وغيره أي غير ما مر. (قوله: كالقصر إلخ) تمثيل للغير. (قوله: في الجمعة) قيد في الإمامية والمأمومية، ومثل الجمعة المعادة والمنذورة جماعة، كما في الكردي. (قوله: في غيرها) أي الجمعة. (قوله: مع ابتدائه) الظرف متعلق بيستحضر، والضمير يعود على التكبير. (قوله: ثم يستمر) معطوف على يستحضر، فالفعل منصوب. (قوله: لذلك كله) أي لذلك المستحضر في ذهنه، ولا يكفي التوزيع بأن يبتدئ ذلك مع ابتدائه وينهيه مع انتهائه، لما يلزم عليه من خلو معظم التكبير عن تمام النية. (قوله: يكفي قرنها بأوله) أي التكبير، لأن استصحابها دواما لا يجب ذكرا. ورد بأن الانعقاد يحتاط له. اه تحفة. (قوله: عند العوام) أي لا عند الخواص، فإنهم رضي الله عنهم يوسع لهم الزمان، فلهم قدرة على الاستحضار الحقيقي والمقارنة الحقيقية. وفي البجيرمي ما نصه: قوله: عند العوام، هل هو متعلق بالاكتفاء؟ أي يكفي للعوام المقارنة العرفية؟ أو بالعرفية، أي العرفية عند العوام؟ وحينئذ ما المراد بهم؟ وقد أسقط هذه الكلمة في شرح المنهج. فليحرر. شوبري. أقول: الظاهر أنه يصح تعلقه بكل منهما. وعلى الأول فالمراد بالعوام العاميون، وعلى الثاني فالمراد بهم عامة الناس، والثاني هو المعتمد. فليتأمل. مدابغي على التحرير. اه. (قوله: بحيث يعد مستحضرا للصلاة) مرتبط بمحذوف تقديره: ويكفي الاستحضار العرفي أيضا بحيث إلخ. فالحيثية بيان للاستحضار العرفي لا للمقارنة العرفية. لأن المقارنة العرفية معناها أن يوجد اقترانها عند أي جزء، ولا يضر عزوبها بعد. والاستحضار الحقيقي أن يستحضر جميع الأركان تفصيلا. والمقارنة الحقيقية أن يستحضر الأركان من أول التكبيرة إلى آخرها كما مر. (قوله: إنه الحق) أي ما اختاره الإمام هو الحق، أي الصواب الذي لا يجوز غيره. ومقتضاه عدم الاكتفاء بالاستحضار الحقيقي والمقارنة الحقيقية مطلقا وليس مرادا. (قوله: في الوسواس المذموم) هو ناشئ من خبل في العقل أو جهل في الدين. فإن قلت هذا مناف لقول بعضهم أن الوسوسة لا تكون إلا للكاملين. قلت: لا منافاة، لأن الأول محمول على من يسترسل في الوسواس حتى يكاد لا تتم له عبادة، والثاني محمول على من يجاهد الشيطان في وسوسته ليثاب الثواب الكامل.

القادر لفظ: (الله أكبر) للاتباع، أو الله الاكبر. ولا يكفي أكبر الله، ولا الله كبير، أو أعظم، ولا الرحمن أكبر. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال جرير بن عبيدة العدوي: شكوت إلى العلاء بن زياد ما أجد في صدري من الوسوسة، فقال: إنما مثل ذلك البيت الذي تمر فيه اللصوص فإن كان فيه شئ عالجوه وإلا مضوا وتركوه. يعني أن القلب إذا اشتغل بذكر الله تعالى لا يبقى للشيطان عليه سبيل، ولكنه يكثر فيه الوسوسة وقت فتوره عن الذكر ليلهيه عن ذكر الله. فالعبد مبتلى بالشيطان على كل حال لا يفارقه ولكنه يخنس إذا ذكر الله تعالى. قال قيس بن الحجاج: قال لي شيطاني: دخلت فيك وأنا مثل الجزور، وأنا اليوم مثل العصفور. فقلت: لم ذلك؟ قال: لأنك تذيبني بكتاب الله تعالى. وقال عثمان بن العاصي رضي الله عنه: يا رسول الله الشيطان حال بيني وبين صلاتي وقراءتي. فقال: ذلك شيطان يقال له خنزب، إذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا. قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. فمن كثرت وسوسته في الصلاة فليستعذ بالله من الشيطان، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من شيطان الوسوسة خنزب ثلاث مرات، فإن الله يذهبه. وكان الأستاذ أبو الحسن الشاذلي يعلم أصحابه ما يدفع الوسواس والخواطر الرديئة، فكان يقول لهم: من أحس بذلك فليضع يده اليمنى على صدره ويقول: سبحان الملك القدوس الخلاق الفعال، سبع مرات. ثم يقول: إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز. ويقول ذلك المصلي قبل الإحرام. وفي الخبر: إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان، فاستعيذوا بالله منه، فإنه يأتي إلى المتوضئ فيقول له: ما أسبغت وضوءك، ما غسلت وجهك، ما مسحت رأسك، ويذكره بأشياء يكون فعلها. فمن نابه شئ من ذلك فليستعذ بالله من الولهان، فإن الله يصرفه عنه. وقال بعض العلماء: يستحب قول لا إله إلا الله لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء والصلاة وشبههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس - أي تأخر -. ويعيد لا إله إلا الله لأنه رأس الذكر. وقال السيد الجليل أحمد بن الجوزي أبي الحواري: شكوت إلى أبي سليمان الداراني - رضي الله عنه - الوسوسة فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأي وقت أحسست فافرح، فإذا فرحت به انقطع عنك. فإنه ليس شئ أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، فإذا اغتممت به زادك. قال الشيخ محيي الدين النووي: وهذا ما قاله بعض العلماء أن الوسواس إنما يبتلى به من كمل إيمانه، فإن اللص لا يقصد بيتا خرابا. اه. بجيرمي بتصرف. (قوله: ويتعين فيه) أي في التكبير، لأنه المأثور من فعله عليه الصلاة والسلام، مع خبر: صلوا كما رأيتموني أصلي. أي علمتموني. وقوله: على القادر أي على النطق بالتكبير بالعربية. وخرج به العاجز عما ذكر فإنه يترجم وجوبا بأي لغة شاء. ولا يعدل عنه لذكر أو غيره، ويحب تعلمه لنفسه ونحو طفله، ولو بالسفر وإن طال، إن قدر. ويؤخر الصلاة عن أول الوقت للتعلم إن رجاه حتى لا يبقى إلا ما يسعها بمقدماتها، فحينئذ يجب فعلها بحسب حاله، ولا يعيد إلا فيما فرط في تعلمه. واعلم أنه يشترط لتكبيرة الإحرام عشرون شرطا، نظمها بعضهم فقال: شروط لتكبير سماعك أن تقم * * وبالعربي تقديمك الله أولا ونطق بأكبر لا تمد لهمزة * * كباء بلا تشديدها وكذا الولا على الألفات السبع في الله لا تزد كواو ولا تبدل لحرف تأصلا دخول لوقت واقتران بنية * * وفي قدوة أخر وللقبلة اجعلا وصارفا اعدم واقطعن همز أكبر * * لقد كملت عشرون تعدادها انجلا وقوله في النظم: لا تمد لهمزة. أي من الله وأكبر، فتحته شرطان. وقوله كواو، أي قبل لفظ الجلالة أو بعده، وقبل أكبر، فتحته شرطان أيضا. (قوله: لفظ) فاعل يتعين، وهو مضاف لجملة الله أكبر. (قوله: للاتباع) وهو ما مر. (قوله: أو الله الأكبر) معطوف على الله أكبر. ولو قال: ويكفي الله الأكبر لكان أولى. وعبارة المغني مع الأصل: ولا تضر زيادة لا تمنع الاسم - أي اسم التكبير - كالله الأكبر بزيادة الألف واللام، لأنه لفظ يدل على التكبير وعلى زيادة مبالغة في التعظيم، وهو الإشعار بالتخصيص. وكذا لا يضر الله أكبر وأجل، والله الجليل أكبر، في الأصح. وكذا كل صفة من صفاته تعالى إذا لم يطل بها الفصل، كقوله الله عزوجل أكبر، لبقاء النظم والمعنى، بخلاف ما لو تخلل غير صفاته تعالى

ويضر إخلال بحرف من الله أكبر. وزيادة حرف يغير المعنى، كمد همزة الله، وكألف بعد الباء، وزيادة واو قبل الجلالة، وتخلل واو ساكنة ومتحركة بين الكلمتين، وكذا زيادة مد الالف التي بين اللام والهاء إلى حد لا يراه أحد من القراء. ولا يضر وقفة يسيرة بين كلمتيه، وهي سكتة التنفس، ولا ضم الراء. (فرع) لو كبر مرات ناويا الافتتاح بكل: دخل فيها بالوتر وخرج منها بالشفع، لانه لما دخل بالاولى خرج بالثانية، لان نية الافتتاح بها متضمنة لقطع الاولى. وهكذا، فإن لم ينو ذلك، ولا تخلل مبطل كإعادة لفظ النية، فما بعد الاولى ذكر لا يؤثر. ـــــــــــــــــــــــــــــ كقوله: الله هو الأكبر أو طالت صفاته كالله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس أكبر. اه بحذف. (قوله: ولا يكفي أكبر الله) أي بتقديم الخبر على المبتدأ. فإن أتى بلفظ أكبر ثانيا. كأن قال: أكبر الله أكبر، فإن قصد عند لفظ الجلالة الابتداء صح، وإلا فلا. (قوله: ولا الله كبير) أي ولا يكفي الله كبير، لفوات معنى التفضيل وهو التعظيم. وقوله: أو أعظم أي ولا يكفي الله أعظم، لأنه لا يسمى تكبيرا. (قوله: ولا الرحمن أكبر) أي ولا يكفي الرحمن أكبر، لفوات لفظ الجلالة، ولا يكفي بالأولى الرحمن أجل أو أعظم، لفوات اللفظين. (قوله: ويضر إخلال بحرف) المراد بالإخلال عدم الإتيان به على ما ينبغي، بأن لم يأت به أصلا، أو أتى به من غير مخرجه، وهذا في غير الألثغ، أما هو فلا يضر في حقه. قال في النهاية: فإن قيل: لم اختص انعقادها بلفظ التكبير دون لفظ التعظيم؟. قلنا: إنما اختص به لأن لفظه يدل على القدم والتعظيم على وجه المبالغة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: سبحان الله نصف الميزان، والحمد لله تملأ الميزان، والله أكبر ملء ما بين السموات والأرض. وقال - صلى الله عليه وسلم - - حكاية عن الله عزوجل -: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني في شئ منهما قصمته ولا أبالي. استعار للكبرياء الرداء وللعظمة الإزار، والرداء أشرف من الإزار. اه. (قوله: وزيادة الخ) أي ويضر زيادة، فهو معطوف على إخلال. وخرج ب قوله: يغير المعنى ما لا يغيره، كالله الأكبر. فزيادة أل فيه لا تغير المعنى بل تقويه بإفادة الحصر كما مر. وكذا لا يضر ما مر من الله الجليل أكبر، أو الله عزوجل أكبر، لبقاء النظم والمعنى. (قوله: كمد همزة الله) هو وما بعده تمثيل لزيادة الحرف الذي يغير المعنى، وذلك لأنه يصير به استفهاما. (قوله: وكألف بعد الباء) أي فهو يغير المعنى أيضا لأنه يصير بذلك جمع كبر - بفتح أوله - وهو طبل له وجه واحد. (قوله: وزيادة واو قبل الجلالة) بالرفع، معطوف على إخلال، وبالجر معطوف على مد. ولو حذف لفظ زيادة - كما حذفها من الذي قبلها - لكان أولى، وذلك بأن يقول: والله أكبر، فيضر لإفادة الواو العطف، ولم يتقدم هنا ما يعطف عليه. (قوله: وتخليل واو ساكنة) بالرفع، معطوف على إخلال. وهذا مما يؤيد الاحتمال الأول فيما قبله. وعبارة التحفة: يضر زيادة واو ساكنة لأنه يصير جمع لاه، أو متحركة بين الكلمتين كمتحركة قبلهما. اه. (قوله: وكذا زيادة مد الخ) أي وكذا يضر زيادة مد الألف الكائنة بين اللام والهاء إلى حد لا يقول به أحد من القراء. قال ع ش: وغاية مقدار ما نقل عنهم - على ما نقله ابن حجر - سبع ألفات، وتقدر كل ألف بحركتين، وهو على التقريب. اه. (قوله: بين كلمتيه) أي التكبير. (قوله: وهي) أي الوقفة اليسيرة. وقوله: سكتة التنفس قال في التحفة: وبحث الأذرعي أنه لا يضر ما زاد عليها لنحو عي. اه. (قوله: ولا ضم الراء) أي ولا يضر ضم الراء من أكبر. وأما ما روي التكبير جزم فلا أصل له، وبفرض صحته فمعناه عدم التردد فيه. فلا يصح مع التعليق. (قوله: لو كبر مرات) المراد بالجمع ما فوق الواحد، فيصدق بالاثنين فأكثر. (قوله: ناويا الافتتاح بكل) أي بكل مرة. (قوله: دخل فيها) أي في الصلاة. (قوله: لأنه لما دخل بالأولى إلخ) تأمل هذه العلة فإنها عين المعلل أو فرد من أفراده. فلو قال - كما في شرح الروض -: لأن من افتتح صلاة ثم نوى افتتاح صلاة بطلت صلاته، أو اقتصر على العلة الثانية. وأظهر ضمير بها كأن قال: لأن نية الافتتاح بالثانية الخ لكان أولى. (قوله: لأن نية الافتتاح بها متضمنة لقطع الأولى) أي ويصير ذلك صارفا عن الدخول بها لضعفها عن تحصيل أمرين: الخروج والدخول معا. فيخرج بالأشفاع لذلك. هذا إن لم ينو بين كل تكبيرتين خروجا أو افتتاحا، وإلا فيخرج بالنية ويدخل بالتكبير. وفي

(ويجب إسماعه) أي التكبير، (نفسه) إن كان صحيح السمع، ولا عارض من نحو لغط. (كسائر ركن قولي) من الفاتحة والتشهد والسلام. ويعتبر إسماع المندوب القولي لحصول السنة. (وسن جزم رائه) أي التكبير، خروجا من خلاف من أوجبه وجهر به لامام كسائر تكبيرات الانتقالات، (ورفع كفيه) أو إحداهما إن تعسر رفع الاخرى، (بكشف) أي مع كشفهما، ويكره خلافه. ومع تفريق أصابعهما تفريقا وسطا، (خذو) أي ـــــــــــــــــــــــــــــ النهاية ما نصه: ولو شك في أنه أحرم أو لا، فأحرم قبل أن ينوي الخروج من الصلاة لم تنعقد، لأنا نشك في هذه النية أنها شفع أو وتر، فلا تنعقد الصلاة مع الشك. وهذا من الفروع النفيسة. ولو اقتدى بإمام فكبر ثم كبر، فهل يجوز له الاقتداء به، حملا على أنه قطع النية ونوى الخروج من الأولى؟ أو يمنتع لأن الأصل عدم قطعه للنية الأولى؟ يحتمل أن يكون على الخلاف. فيما لو تنحنح في أثناء صلاته، فإنه يحمله على السهو، ولا يقطع الصلاة في الأصح. اه. (قوله: فإن الخ) مفهوم قوله ناويا الافتتاح بكل. وقوله: لم ينو ذلك أي الافتتاح بكل تكبيره، بأن نوى الافتتاح بالأولى فقط، وما عداها لم ينو به شيئا. (قوله: ولا تخلل مبطل) الواو للحال، أي والحال أنه لم يتخلل بين التكبيرات مبطل للصلاة. فإن تخلل ذلك لم يكن ما بعد الأولى ذكرا بل هو تكبير التحرم والأولى باطلة. (قوله: كإعادة إلخ) تمثيل للمبطل. واندرج تحت الكاف ما مر من نية الخروج أو الافتتاح بين كل تكبيرتين. (قوله: فما بعد الأولى) أي من الثانية والثالثة، وهكذا. وقوله: ذكر لا يؤثر أي لا يضر في صحة الصلاة. (قوله: ويجب إسماعه) المصدر مضاف إلى مفعوله بعد حذف الفاعل. وقوله: أي التكبير أي جميع حروفه. وقوله: نفسه مفعول ثان لإسماع. (قوله: إن كان صحيح السمع) قيد لاشتراط الإسماع، وخرج به ما إذا لم يكن صحيح السمع، بأن كان أصم، فلا يجب عليه ذلك، بل يجب عليه أن يرفع صوته بقدر ما يسمعه لو كان صحيح السمع. وقوله: ولا عارض أي مانع من الإسماع موجود، فلو كان هناك عارض لم يجب عليه الإسماع ولكن يجب عليه ما مر. (وقوله: من نحو لغط) بيان للعارض، واللغط ارتفاع الأصوات. (قوله: كسائر ركن قولي) الكاف للتنظير، أي مثل باقي الأركان القولية، فإنه يجب فيها الإسماع. وكان الأولى التعبير بصيغة الجمع لا بالمفرد لأنه نكرة في سياق الإثبات، وهي لا تعم حينئذ. وقوله: من الفاتحة الخ بيان للمضاف أو المضاف إليه. (قوله: المندوب القولي) أي كالسورة والتشهد الأول والتسبيحات، وغير ذلك. (قوله: لحصول السنة) متعلق بيعتبر، أي يعتبر ذلك لأجل حصول السنة، فلو لم يسمعه نفسه لا تحصل له السنة. (قوله: وسن جزم رائه) أي ولا يجب، ومن قال به فقد غلط. (قوله: خروجا من خلاف من أوجبه) متمسكا بالحديث المار، وقد علمت ما مر فيه. (قوله: وجهر به) أي وسن جهر بالتكبير. وقوله: لإمام وكذا مبلغ احتيج إليه، لكن إن نويا الذكر أو والإسماع وإلا بطلت صلاتهما. وخرج بالإمام والمبلغ غيرهما، كالمنفرد والمأموم، فلا يجهران به بل يأتيان به سرا. (قوله: ورفع كفيه) أي وسن رفع كفيه، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة. قال في النهاية: وحكمته - كما قال الشافعي رضي الله عنه - إعظام إجلال الله تعالى، ورجاء ثوابه، والاقتداء بنبيه محمد عليه الصلاة والسلام. ووجه الإعظام ما تضمنه الجمع بين ما يمكنه من انعقاد القلب على كبريائه تعالى وعظمته، والترجمة عنه باللسان، وإظهار ما يمكن إظهاره به من الأركان. وقيل: للإشارة إلى توحيده. وقيل: ليراه من لا يسمع تكبيره فيقتدي به. وقيل: إشارة إلى طرح ما سوى الله والإقبال بكله على صلاته. (قوله: أو إحداهما) أي أو رفع إحدى كفيه. وقوله: إن تعسر رفع الأخرى أي بشلل ونحوه. (قوله: بكشف) كان الأولى أن يقول وكونهما مكشوفتين، لأنه سنة مستقلة. ومثله يقال في قوله: ومع تفريق أصابعهما، وقوله: حذو منكبيه. لأن كل واحد منهما سنة مستقلة. (قوله: أي مع كشفهما) أشار به إلى أن الباء بمعنى مع. (قوله: ويكره خلافه) ضميره راجع للكشف لأنه أقرب مذكور، ويحتمل رجوعه للمذكور من الرفع والكشف وهو أولى. ويكره أيضا ترك التفريق وترك كل سنة طلبت منه. (قوله: ومع تفريق) معطوف على قوله: مع كشفهما. وقوله: أصابعهما أي الكفين. وقوله: تفريقا وسطا أي ليكون لكل عضو استقلال بالعبادة. ويسن عند م ر أن يميل أطرافهما نحو القبلة، ولا يسن عند حجر. (قوله: حذو) ظرف متعلق بمحذوف حال من

مقابل (منكبيه) بحيث يحاذي أطراف أصابعه على أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه، للاتباع. وهذه الكيفية تسن (مع) جميع تكبير (تحرم) بأن يقرنه به ابتداء وينهيهما معا. (و) مع (ركوع) للاتباع الواردد من طرق كثيرة. (ورفع منه) أي من الركوع. (و) رفع (من تشهد أول) للاتباع فيهما. (ووضعهما تحت صدره) وفوق سرته، للاتباع. (آخذا بيمينه) كوع (يساره) وردهما من الرفع إلى تحت الصدر أولى من إرسالهما بالكلية، ثم استئناف رفعهما إلى تحت الصدر. قال المتولي، - واعتمده غيره -: ينبغي أن ينظر قبل ـــــــــــــــــــــــــــــ رفع، أي حال كونه منهيا حذاء منكبيه. وقوله: أي مقابل تفسير لحذو. (وقوله: منكبيه) المنكب مجمع عظم العضد والكتف. والعضد ما بين المرفق إلى الكتف. (قوله: بحيث الخ) تصوير لكونه حذو منكبيه. وعبارة الخطيب: قال النووي في شرح مسلم: معنى حذو منكبيه أن تحاذي أطراف أصابعه، إلخ. وقوله: أطراف أصابعه فاعل تحاذي، والمراد بها غير الإبهامين من بقية الأصابع. وقوله: أعلى أذنيه مفعوله. (قوله: وإبهاماه إلخ) أي ويحاذي إبهاماه شحمتي أذنيه، أي ما لان منهما. (قوله: وراحتاه منكبيه) أي وتحاذي راحتاه - أي ظهرهما - منكبيه. (قوله: للاتباع) دليل لسنية الرفع حذو منكبيه، وهو ما رواه إبن عمر: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة. (قوله: وهذه الكيفية) أي الرفع حذو منكبيه بحيث يحاذي إلخ، مع الكشف وتفريق الأصابع. قوله: بأن يقرنه به تصوير لكون الرفع مع قيوده مصاحبا لجميع التكبير. والضمير الأول البارز يعود على الرفع، والضمير في به للتكبير. وقوله: ابتداء راجع للرفع والتكبير. أي ويقرن ابتداء الرفع بابتداء التكبير. وقوله: وينهيهما أي الرفع والتكبير معا. بأن يفرغ منهما جميعا. واستحباب انتهائهما معا هو المعتمد. وقيل: لا ندب في الانتهاء معا، بل إن فرغ منهما معا فذاك، أو من أحدهما قبل تمام الآخر أتم الآخر. (قوله: ومع ركوع) معطوف على مع تحرم، أي وتسن هذه الكيفية أيضا مع ركوع. لكن هنا لا يسن انتهاء التكبير مع انتهاء الرفع، بل يسن مد التكبير إلى تمام الانحناء، كما في التحفة. (قوله: للاتباع الوارد من طرق كثيرة) دليل لكونها تسن مع الركوع. وعبارة التحفة: كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - من طرق كثيرة، ونقله البخاري عن سبعة عشر صحابيا، وغيره عن أضعاف ذلك. بل لم يصح عن واحد منهم عدم الرفع، ومن ثم أوجبه بعض أصحابنا. اه. (قوله: ورفع منه) بالجر، معطوف على تحرم، أي وتسن هذه الكيفية مع رفع من الركوع للاعتدال. والأكمل أن يكون ابتداء رفع اليدين مع ابتداء رفع رأسه، ويستمر إلى انتهائه ثم يرسلهما. (قوله: ورفع من تشهد أول) أي وتسن هذه الكيفية أيضا عند ارتفاعه من التشهد الأول، أي انتصابه منه. وانظر متى يكون ابتداء رفع اليدين، هل هو عند ابتداء الرفع من التشهد الأول؟ أو بعد وصوله إلى حد أقل الركوع؟ والظاهر الثاني، وإن كان ظاهر عبارته الأول، لأنه في ابتداء رفعه منه يكون معتمدا عليهما. تأمل. (قوله: للاتباع فيهما) أي في الرفع من الركوع والرفع من التشهد الأول. (قوله: ووضعهما الخ) بالرفع، معطوف على جزم رائه، أي وسن وضع الكفين. (قوله: تحت صدره وفوق سرته) أي مائلا إلى جهة يساره، لأن القلب فيها. والحكمة في وضعهما كذلك أن يكونا على أشرف الأعضاء، وهو القلب، لحفظ الإيمان فيه، فإن من احتفظ على شئ جمع يديه عليه. اه ش ق. (قوله: للاتباع) وهو ما رواه إبن خزيمة في صحيحه، عن وائل بن حجر، أنه قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده اليمنى على يده اليسرى تحت صدره. قوله: آخذا بيمينه حال من فاعل وضع المحذوف، أي وضع المصلي كفيه تحت صدره إلخ، حال كونه آخذا بيمينه - أي ببطنها - كوع يساره - أي وبعض ساعدها. وبعض رسغها - وهذا هو الأفضل. وقيل: يتخير بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها صوب الساعد. والحكمة في ذلك تسكين اليدين. وقيل: حفظ الإيمان في قلبه، على العادة فيمن أراد حفظ شئ نفيس. والكوع - كما تقدم -: هو العظم الذي يلي أصل إبهام اليد. والكرسوع: هو الذي يلي الخنصر. والرسغ: هو ما بينهما. (قوله: وردهما) أي الكفين، بعد رفعهما. وقوله: إلى تحت الصدر متعلق برد. (قوله: أولى من إرسالهما الخ) أي لما في ذلك من زيادة الحركة. قال في شرح الروض: بل صرح البغوي بكراهة الإرسال، لكنه محمول على من لم يأمن العبث. وقوله: ثم استئناق هو بالجر معطوف على إرسالهما. (قوله: ينبغي أن ينظر إلخ)

الرفع والتكبير إلى موضع سجوده ويطرق رأسه قليلا ثم يرفع. (و) ثالثها: (قيام قادر) عليه بنفسه أو بغيره (في فرض) ولو مندورا أو معادا. ويحصل القيام بنصب فقار ظهره - أي عظامه التي هي مفاصله - ولو باستناد إلى شئ بحيث لو زال لسقط. ويكره الاستناد - لا بانحناء - إن كان أقرب إلى أقل الركوع، إن لم يعجز عن تمام الانتصاب. (ولعاجز شق عليه قيام) بأن لحقه به مشقة شديدة بحيث لا تحتمل عادة - وضبطها الامام بأن تكون بحيث يذهب معها خشوعه - (صلاة قاعدا) كراكب سفينة خاف نحو دوران رأس إن قام، وسلس لا يستمسك حدثه إلا بالقعود. وينحني القاعد للركوع بحيث تحاذي جبهته ما قدام ركبتيه. ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لاحتمال أن يكون فيه نجاسة أو نحوها تمنعه السجود. اه ع ش. (وقوله: قبل الرفع) أي رفع يديه حذو منكبيه. وقوله: والتكبير أي تكبير التحرم. ويسن للمصلي أن ينظر موضع سجوده في جميع صلاته لأنه أقرب للخشوع. واستثنى الماوردي الكعبة فقال إنه ينظر إليها. وهو ضعيف، والمعتمد عدم الاستثناء. ويسن للأعمى ومن في ظلمة أن تكون حالته حالة الناظر لمحل سجوده. (قوله: وثالثها) أي ثالث أركان الصلاة. (قوله: قيام قادر) هو أفضل الأركان لاشتماله على أفضل الأذكار وهو القرآن، ثم السجود لحديث: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. ثم الركوع، ثم باقي الأركان. ويسن أن يفرق بين قدميه بشبر، ويكره أن يقدم إحدى رجليه على الأخرى وأن يلصق قدميه. اه بجيرمي. وقوله: عليه متعلق بقادر،. وضميره يعود على القيام. (قوله: بنفسه) متعلق بقادر أيضا. (قوله: أو بغيره) أي من معين، ولو بأجرة فاضلة عما يعتبر في الفطرة، أو عكازة. (قوله: في فرض) متعلق بقيام. وخرج به النفل، وسيصرح به. (قوله: ولو منذورا) أي ولو كان ذلك الفرض منذورا أو معادا فيجب فيه القيام. (قوله: ويحصل القيام بنصب فقار ظهره) أي لأن اسم القيام لا يوجد إلا معه، فلا يضر إطراق الرأس بل يسن. (قوله: التي هي مفاصله) أي الظهر. (قوله: ولو باستناد إلخ) أي يحصل القيام بما ذكر ولو مع استناد المصلي لشئ لو زال ذلك الشئ المستند إليه لسقط المصلي، بخلاف ما لو كان بحيث يرفع قدميه إن شاء، فلا يصح، لأنه لا يسمى قائما بل هو معلق نفسه حينئذ. فقوله: بحيث الحيثية للتقييد، وفاعل زال يعود على الشئ، وفاعل سقط يعود على المصلي. (قوله: ويكره الاستناد) أي المذكور. وحمل حيث لا ضرورة إليه. (قوله: بانحناء) معطوف على بنصب، أي لا يحصل القيام بانحناء إلخ. ولا يحصل أيضا إن مال على جنبه بحيث يخرج عن سنن القيام. وقوله: إن كان أقرب إلى أقل الركوع خرج به ما إذا كان أقرب إلى القيام، أو استوى الأمران، فلا يضر. وقوله: إن لم يعجز عن تمام الانتصاب أي لكبر أو مرض أو غير ذلك. فإن عجز عنه لذلك، فعل ما أمكنه وجوبا. (قوله: ولعاجز الخ) مفهوم قوله: قادر عليه. (قوله: بأن لحقه إلخ) تصوير للمشقة. وقوله: به أي بالقيام. وقوله: بحيث لا تحتمل عادة تصوير لشدة المشقة. (قوله: وضبطها الإمام الخ) عبارة النهاية: قال الرافعي: ولا نعني بالعجز - أي عن القيام - عدم الإمكان فقط، بل في معناه خوف الهلاك أو الغرق، أو زيادة المرض، أو لحوق مشقة شديدة، أو دوران الرأس في حق راكب السفينة، كما تقدم بعض ذلك. قال في زيادة الروضة: الذي اختاره الإمام في ضبط العجز أن تلحقه مشقة شديدة تذهب خشوعه. لكنه قال في المجموع: أن المذهب خلافه. اه. وأجاب الوالد - رحمه الله تعالى - بأن إذهاب الخشوع ينشأ عن مشقة شديدة. اه. (قوله: صلاة قاعدا) مبتدأ مؤخر خبره الجار والمجرور قبله. وإذا صلى كما ذكر فلا إعادة عليه. (قوله: كراكب سفينة خاف الخ) تمثيل للعاجز عن القيام. أي فيصلي قاعدا وإن أمكنه الصلاة قائما على الأرض. كما في الكفاية. ولعل محله إذا شق الخروج إلى الأرض أو فوت مصلحة السفر. اه سم. (قوله: وسلس) بكسر اللام، اسم فاعل، أي فله، بل عليه - كما في الأنوار - أن يصلي قاعدا، لكن بالشرط الذي ذكره. ومثل السلس من بعينه ماء وقال له الطبيب إن صليت مستلقيا أمكنت مداواتك، فإن له ترك القيام - على الأصح - من غير إعادة. (قوله: وينحني القاعد) أي العاجز عن القيام، ومثله

(فرع) قال شيخنا: يجوز لمريض أمكنه القيام بلا مشقة لو انفرد، لا إن صلى في جماعة إلا مع جلوس في بعضها، الصلاة معهم مع الجلوس في بعضها، وإن كان الافضل الانفراد. وكذا إذا قرأ الفاتحة فقط لم يقعد، أو والسورة قعد فيها جاز له قراءتها مع القعود، وإن كان الافضل تركها. انتهى. والافضل للقاعد الافتراش، ثم التربع، ثم التورك، فإن عجز عن الصلاة قاعدا صلى مضطجعا على جنبه، مستقبلا للقبلة بوجهه ومقدم بدنه، ويكره على الجنب الايسر بلا عذر. فمستلقيا على ظهره وأخمصاه ـــــــــــــــــــــــــــــ المتنفل قاعدا. وقوله: بحيث تحاذي إلخ تصوير للانحناء. أي ينحني انحناء مصورا بحالة هي أن تحاذي إلخ. وهذا أقل الركوع، وأما أكمله فهو أن تحاذي جبهته موضع سجوده. (قوله: يجوز لمريض) فاعل الفعل قوله بعد: الصلاة معهم. (قوله: أمكنه القيام) أي في جميع الصلاة. وقوله: لو انفرد أي لو صلى منفردا. (قوله: لا: إن صلى الخ) أي لا يمكنه القيام إن صلى في جماعة، لا إن جلس في بعضها. (قوله: الصلاة معهم) أي مع الجماعة. (قوله: مع الجلوس في بعضها) إنما جوز لأجل تحصيل فضيلة الجماعة. قال في التحفة: وكأن وجهه أن عذره اقتضى مسامحته بتحصيل الفضائل، فاندفع قول جمع: لا يجوز له ذلك لأن القيام آكد من الجماعة. اه. وقوله: بتحصيل أي بسبب تحصيل الفضائل، أي لأجلها. فجوز له القعود في بعض الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة. اه ع ش. (قوله: وإن كان الأفضل الانفراد) أي ليأتي بها كلها من قيام. (قوله: وكذا الخ) أي ومثل المريض المذكور الشخص الذي إذا قرأ الخ. وعبارة التحفة: ومن ثم لو كان إذا قرأ الفاتحة فقط الخ. (قوله: أو والسورة) أي أو قرأ الفاتحة والسورة معا. وقوله: قعد فيها أي السورة. (قوله: جاز له قراءتها) أي السورة. قال سم فيه: حيث لم يقل جاز له الصلاة مع القعود تصريح بأنه إنما يقعد عند العجز لا مطلقا، فإذا كان يقدر على القيام إلى قدر الفاتحة ثم يعجز قدر السورة قام إلى تمام الفاتحة ثم قعد حال قراءة السورة، ثم قام للركوع. وهكذا. اه. (قوله: وإن كان الأفضل تركها) أي السورة. (قوله: الافتراش) هو أن يجلس الشخص على كعب اليسرى، جاعلا ظهرها للأرض، وينصب قدمه اليمنى ويضع بالأرض أطراف أصابعها لجهة القبلة. وإنما كان أفضل لأنه قعود عبادة، ولأنه قعود لا يعقبه سلام. قوله: ثم التربع هو أن يجلس على وركيه، ويضع رجله اليمنى تحت فخذه الأيسر ورجله اليسرى تحت فخذه الأيمن. وفي القاموس: تربع في جلوسه: خلاف جثى وأقعى. اه. وقوله: ثم التورك هو كالافتراش، إلا أن المصلي يخرج يساره على هيئتها في الافتراش من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض. (قوله: فإن عجز إلخ) الأصل في ذلك خبر البخاري: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعمران بن حصين رضي الله عنهما وعنا بهما - وكانت به بواسير -: صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب. زاد النسائي: فإن لم تستطع فمستلقيا، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. (قوله: على جنبه) أي الا يمن، بدليل ما سيصرح به من أنه على الأيسر مكروه. (قوله: مستقبلا) حال من فاعل صلى. وقوله: بوجهه لا يرد ما مر من أنه بالصدر، لأن محله في القائم أو القاعد. وقال في التحفة: وفي وجوب استقبالها بالوجه هنا، دون القيام والقعود، نظر، وقياسهما عدم وجوبه، إذ لا فارق بينهما لإمكان الاستقبال بالمقدم دونه، وتسميته مع ذلك مستقبلا في الكل بمقدم بدنه. اه. (قوله: ومقدم بدنه) المراد به الصدر. (قوله: ويكره) أي الاضطجاع. وقوله: بلا عذر فإن وجد عذر لم يمكنه من الاضطجاع على الأيمن اضطجع على الأيسر، بلا كراهة. (قوله: فمستلقيا) معطوف على مضجطعا، أي فإن عجز عن

إلى القبلة، ويجب أن يضع تحت رأسه نحو مخدة ليستقبل بوجهه القبلة، وأن يومئ إلى صوب القبلة راكعا وساجدا، وبالسجود أخفض من الايماء إلى الركوع، إن عجز عنهما. فإن عجز عن الايماء برأسه أومأ بأجفانه. فإن عجز، أجرى أفعال الصلاة على قلبه، فلا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا. وإنما أخروا القيام عن سابقيه - مع تقدمه عليهما - لانهما ركنان حتى في النفل، وهو ركن في الفريضة فقط. (كمتنفل) فيجوز له أن يصلي النفل قاعدا ومضطجعا، مع القدرة على القيام أو القعود. ويلزم المضطجع القعود للركوع والسجود، أما مستلقيا فلا يصح مع إمكان الاضطجاع. وفي المجموع: إطالة القيام أفضل من تكثير الركعات. وفي الروضة: تطويل السجود أفضل من تطويل الركوع. ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة مضطجعا صلى مستلقيا على ظهره. (قوله: وأخمصاه) هو بفتح الميم أشهر من ضمها وكسرها، وبتثليث الهمزة أيضا: وهما المنخفض من القدمين، وهو بيان للأفضل، فلا يضر إخراجهما عنها - أي القبلة - لأنه لا يمنع اسم الاستلقاء. اه بجيرمي. (قوله: ويجب أن يضع الخ) قال في التحفة. إلا إن يكون داخل الكعبة، وهي مسقوفة أو بأعلاها ما يصح استقباله، أي فلا يجب أن يضع ذلك. وله في داخلها أن يصلي منكبا على وجهه ولو مع قدرته على الاستلقاء فيما يظهر، لاستواء الكيفيتين في حقه حينئذ، وإن كان الاستلقاء أولى. اه بزيادة. (قوله: وأن يومئ إلى صوب القبلة) أي ويجب أن يومئ برأسه إلى جهة القبلة. وقوله: راجعا وساجدا الأولى للركوع والسجود لأن الإيماء بالرأس لهما، تأمل. (قوله: وبالسجود إلخ) أي والإيماء بالسجود أخفض، فهو متعلق بمحذوف واقع مبتدأ خبره أخفض. (قوله: إن عجز عنهما) أي يجب أن يومئ إن عجز عن الإتيان بالركوع والسجود. وعبارة التحفة: ثم إن أطاق الركوع والسجود أتى بهما، وإلا أومأ لهما برأسه. ويقرب جبهته من الأرض ما أمكنه، ويجعل السجود أخفض. (قوله: أومأ بأجفانه) ولا يجب فيه إيماء للسجود أخفض، بخلافه فيما مر، لظهور التمييز بينهما في الإيماء بالرأس دون الطرف. (قوله: فإن عجز) أي عن الإيماء بالأجفان. وعبارة النهاية: ثم إن عجز عن الإيماء بطرفه صلى بقلبه، بأن يجري أركانها وسننها على قلبه، قولية كانت أو فعلية، إن عجز عن النطق أيضا بأن يمثل نفسه قائما وقارئا وراكعا لأنه الممكن، ولا إعادة عليه. والقول بندرته ممنوع. اه. (قوله: أجرى أفعال الصلاة على قلبه) أي وأقوالها إن عجز عن النطق، كما علمت. (قوله: فلا تسقط عنه إلخ) وعن الإمام أبي حنيفة ومالك: أنه إن عجز عن الإيماء برأسه سقطت عنه الصلاة. قال الإمام مالك: فلا يعيد بعد ذلك. اه بجيرمي. (قوله: وإنما أخروا القيام الخ) عبارة المغني: فإن قيل لم أخر القيام عن النية والتكبير مع أنه مقدم عليهما؟ أجيب بأنهما ركنان في الصلاة مطلقا، وهو ركن في الفرضية فقط، فلذا قدما عليه. اه. (قوله: عن سابقيه) هما النية وتكبيره الإحرام. وقوله: مع تقدمه أي القيام. (قوله: لأنهما) أي سابقيه. (قوله: وهو) أي القيام. وقوله: ركن في الفريضة أي فانحطت رتبته عنهما. (قوله: كمتنفل) الكاف للتنظير، أي إن العاجز عن القيام كمصلي النافلة. (قوله: فيجوز له أن يصلي النفل قاعدا) أي ولو نحو عيد، وذلك لخبر البخاري: من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما - أي مضطجعا - فله نصف أجر القاعد. وللإجماع، ولأن النفل يكثر، فاشتراط القيام فيه يؤدي إلى الحرج أو الترك. ومحل نقصان أجر القاعد والمضطجع: عند القدرة، وإلا لم ينقص من أجرهما شئ. وفي غير نبينا - صلى الله عليه وسلم -، إذ من خصائصه أن تطوعه غير قائم كهو قائما لأنه مأمون الكسل. (قوله: ومضطجعا) والأفضل أن يكون على شقه الأيمن، فإن اضطجع على الأيسر جاز، مع الكراهة حيث لا عذر، كما مر. وقيل: لا يصح النفل من اضطجاع لما فيه من انمحاق صورة الصلاة. (قوله: ويلزم المضطجع إلخ) وقيل: يومئ بهما. (قوله: أما مستلقيا) أي أما التنفل حال كونه مستلقيا على ظهره. (قوله: فلا يصح) أي الاستلقاء، وإن أتم ركوعه وسجوده، لعدم وروده. (قوله: وفي المجموع الخ) قال في النهاية: ولو أراد عشرين ركعة قاعدا وعشرا قائما ففيه احتمالان في الجواهر. وأفتى بعضهم بأن العشرين أفضل لما فيها من زيادة الركوع وغيره. ويحتمل خلافه

(و) رابعها: (قراءة فاتحة كل ركعة) في قيامها، لخبر الشيخين: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. أي في كل ركعة. (إلا ركعة مسبوق) فلا تجب عليه فيها حيث لم يدرك زمنا يسع الفاتحة من قيام الامام، ولو في كل الركعات لسبقه في الاولى وتخلف المأموم عنه بزحمة أو نسيان أو بطء حركة، فلم يقم من السجود في كل مما بعدها إلا والامام راكع، فيتحمل الامام المتطهر في غير الركعة الزائدة الفاتحة أو بقيتها عنه. ولو تأخر مسبوق لم يشتغل بسنة لاتمام الفاتحة فلم يدرك الامام إلا وهو معتدل لغت ركعته. (مع بسملة) أي مع قراءة ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنها أكمل. وظاهر الحديث الاستواء، والمعتمد - كما أفتى به الوالد رحمه الله - تفضيل العشر من قيام عليها لأنها أشق. فقد قال الزركشي في قواعده: صلاة ركعتين من قيام أفضل من أربع من قعود. ويؤيده حديث: أفضل الصلاة طول القنوت أي القيام. وصورة المسألة ما إذا استوى الزمان، كما هو ظاهر. اه. وكتب ع ش ما نصه. قوله: من قيام عليها: أي على العشرين من قعود، أما لو كانت الكل من قيام، واستوى زمن العشر والعشرين، فالعشرون أفضل لما فيها من زيادة الركوعات والسجودات، مع اشتراك الكل في القيام. اه. (قوله: وفي الروضة: تطويل السجود أفضل) أي لحديث: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. (قوله: ورابعها) أي رابع أركان الصلاة. (قوله: قراءة فاتحة) أي في الفرض والنفل، للمنفرد وغيره، في السرية والجهرية، حفظا أو تلقينا أو نظرا في مصحف. وقوله: في قيامها أي أو بدله، وهو القعود. (قوله: لخبر الشيخين) دليل لوجوب القراءة. (قوله: لا صلاة) أي صحيحة، لأن نفي الصحة أقرب إلى نفي الحقيقة من نفي الكمال. وروي أيضا: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب. (قوله: أي في كل ركعة) وهذا يعلم من خبر المسئ صلاته، في قوله عليه السلام له: إذا استقبلت القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اصنع ذلك في كل ركعة. (قوله: إلا ركعة مسبوق) أي حقيقة أو حكما. كبطء القراءة أو الحركة، ومن زحم عن السجود، أو أنسي أنه في الصلاة، أو شك بعد ركوع إمامه وقبل ركوعه في قراءة الفاتحة وتخلف لقراءتها، فإنه يغتفر له ثلاثة أركان طويلة. فإذا قرأها ولم يسبق بأكثر من ذلك، ومشى على نظم صلاته، ثم قام فوجد الإمام راكعا أو هاويا للركوع، ركع معه، وسقطت عنه الفاتحة. وكون ما ذكر في معنى المسبوق إذا فسر بالذي لم يدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة في الركعة الأولى، وأما إذا فسر بمن لم يدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة في أي ركعة فتكون هذه الصورة منه حقيقية. اه بجيرمي بتصرف. (قوله: فلا تجب عليه فيها) أي لا تجب الفاتحة عليه في الركعة التي سبق فيها أي أنه لا يستقر وجوبها عليه لتحمل الإمام لها عنه، وإلا فهي وجبت عليه ثم سقطت عنه. (قوله: حيث لم يدرك الخ) الأولى أن يقول: وهو الذي لم يدرك إلخ. لأن ما ذكره هو ضابط المسبوق لا قيده، كما تفيده الحيثية. وقوله: من قيام الإمام متعلق بيدرك. (قوله: ولو في كل الركعات) غاية لقوله: فلا تجب عليه الخ. أي لا تجب الفاتحة عليه إذا سبق، ولو سبق في كل الركعات. ويحتمل انه غاية لقوله: لم يدرك زمنا إلخ. أي لم يدرك ذلك ولو في كل الركعات. والأول أظهر. (قوله: لسبقه إلخ) علة لتصور عدم وجوبها عليه في كل الركعات. وإضافة سبق إلى الضمير من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل إن أعيد الضمير للمأموم، أي لسبق الإمام إياه بالفاتحة. أو من إضافة المصدر لفاعله إن أعيد للإمام، ويقدر له مفعول يعود على المأموم. وقوله: في الأولى أي الركعة الأولى. (قوله: وتخلف المأموم) أي ولتخلف المأموم، أي في غير الأولى. وقوله: عنه أي عن إمامه. (وقوله: بزحمة) أي بسبب زحمة عن السجد، وهو متعلق بتخلف. (قوله: أو نسيان) أي للصلاة أو للقراءة، كما يدل عليه إطلاقه. أي فيتخلف لقراءتها ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة كما تقدم. (قوله: فلم يقم من السجود) أي بعد أن جرى على نظم صلاة نفسه. وقوله: في كل مما بعدها أي الأولى. (قوله: المتطهر) خرج به المحدث فليس أهلا للتحمل. فلو تبين للمسبوق أن الإمام كان محدثا قبل القدوة يجب عليه أن يأتي بركعة. وقوله: في غير الركعة الزائدة خرج به ما إذا تبين للمسبوق أن الركعة التي اقتدى به فيها زائدة، فإنه لا تسقط عنه الفاتحة ويجب أن يأتي بركعة. (قوله: ولو تأخر مسبوق ولم يشتغل بسنة) أي كدعاء الافتتاح، فإن اشتغل بها فسيأتي للشارح بيان حكمه في باب صلاة الجماعة. وحاصله أنه يجب عليه أن يقرأ من الفاتحة بقدر ما

البسملة فإنها آية منها، لانه (ص) قرأها ثم الفاتحة وعدها آية منها. وكذا من كل سورة غير براءة. (و) مع (تشديدات) فيها، وهي أربع عشرة، لان الحرف المشدد بحرفين. فإذا خفف بطل منها حرف. (و) مع (رعاية حروف) فيها، وهي على قراءة ملك - بلا ألف - مائة وواحد وأربعون حرفا، وهي مع تشديداتها مائة وخمسة ـــــــــــــــــــــــــــــ قرأه من السنة، فإن قرأه وأدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركعة، فإن لم يدركه فيه فاتته الركعة ولا يركع، لأنه لا يحسب له بل يتابعه في هويه للسجود وإلا بطلت صلاته. (قوله: لغت ركعته) أي لأن شرط عدم إلغائها إدراكه في الركوع. (قوله: مع بسملة) متعلق بمحذوف، صفة لفاتحة. أي قراءة فاتحة كائنة مع البسملة. والمصاحبة فيه من مصاحبة الكل لبعض أجزائه، بناء على ما مر ذكره من أنها آية. (قوله: فإنها آية منها) أي حكما لا اعتقادا، فلا يجب اعتقاد كونها آية منها، وكذا من غيرها، بل لو جحد ذلك لا يكفر. وأما اعتقاد كونها من القرآن من حيث هو فواجب يكفر جاحده. (قوله: لانه - صلى الله عليه وسلم - إلخ) وصح أيضا قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا قرأتم بالفاتحة فاقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم القرآن والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها. وصح أيضا عن أنس: بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما. فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي آنفا سورة. فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر. إلى آخرها. (قوله: وكذا من كل سورة) أي وكذلك هي آية من كل سورة، لحديث أنس المار، ولأن الصحابة أجمعوا على إثباتها في المصحف بخطه في أوائل السور سوى براءة. فلو لم تكن قرآنا لما أجازوا ذلك لكونه يحمل على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا. ولو كانت للفصل لأثبتت أول براءة ولم تثبت أول الفاتحة. وقوله: غير براءة أما هي فليست البسملة آية منها. وتكره أولها. وتسن أثناءها، عند م ر. وعند حجر تحرم أولها وتكره أثناءها. أي لأن المقام لا يناسب الرحمة لأنها نزلت بالسيف. (قوله: مع تشديدات) معطوف على مع بسملة. أي وقراءة فاتحة كائنة مع تشديدات أي مع مراعاتها والإتيان بها. وقوله: فيها أي في الفاتحة المشتملة على البسملة. ولو قال فيهما بضمير التثنية العائد على الفاتحة والبسملة لكان أولى، لفصله فيما سبق البسملة منها، فيوهم عود الضمير على الفاتحة دون البسملة، وليس كذلك. وكذا يقال فيما بعد. وإنما وجب مراعاته لأنه هيئات لحروفها المشددة، فوجوبها شامل لهيئاتها. (قوله: وهي) أي التشديدات. وقوله: أربع عشرة في البسملة منها ثلاث، وفي السورة إحدى عشرة. (قوله: لأن الحرف المشدد الخ) علة لمقدر، أي فتجب عليه رعايتها وعدم الاخلال بشئ منها، لأن الحرف المشدد بحرفين. وعبارة التحفة: لأنه حرفان أولهما ساكن. وقوله: فإذا خفف أي الحرف المشدد. وقوله: بطل منها أي من الفاتحة، حرف. أي وبطلت صلاته إن غير المعنى وعلم وتعمد، كتخفيف إياك، كما سيأتي قريبا. واعلم أن واجبات الفاتحة عشرة: الأول: جميع آياتها. الثاني: وقوعها كلها في القيام إن وجب. الثالث: عدم الصارف. فلو نوى بها نحو ولى وجبت إعادتها، بخلاف ما لو شرك. الرابع: أن تكون قراءتها بحيث يسمع جميع حر وفها. لو لم يكن مانع. الخامس: كونها بالعربية، فلا يعدل عنها. السادس: مراعاة التشديدات، فلو خفف مشددا من الأربع عشرة لم تصح قراءته لتلك الكلمة. السابع: رعاية حروفها، فلو أسقط منها حرفا، ولو همزة قطع، وجبت إعادة الكلمة التي هو منها وما بعدها قبل طول الفصل وركوع وإلا بطلت صلاته. الثامن: عدم اللحن المغير للمعنى. التاسع: الموالاة في الفاتحة، وكذا في التشهد. العاشر: ترتيب الفاتحة، بأن يأتي بها على نظمها المعروف. فلو قدم كلمة أو آية، نظر، فإن غير المعنى أو أبطله بطلت صلاته إن علم وتعمد، وإلا فقراءته. (قوله: ومع رعاية حروف) أي بأن يأتي بها كلها، ويخرج كل حرف من مخرجه. (قوله: وهي) أي الحروف، أي عددها. (قوله: على قراءة إلخ) أي وعلى إسقاط التشديدات. وقوله: مائة وواحد وأربعون حرفا قال في التحفة: تنبيه. ما ذكر من أن حروفها بدون تشديداتها وبقراءة ملك بلا ألف، مائة وواحد وأربعون، هو ما جرى عليه الأسنوي وغيره. وهو مبني على أن ما حذف رسما لا يحسب في العد. وبيانه أن الحروف الملفوظ بها ولو في حالة كألفات الوصل مائة وسبعة

وخمسون من أمكنه التعلم - حرفا بآخر، ولو ضادا بظاء، أو لحن لحنا يغير المعنى، ككسر تاء أنعمت أو ضمها وكسر كاف إياك لا ضمها، فإن تعمد ذلك وعلم تحريمه بطلت صلاته، وإلا فقراءته. نعم. إن أعاده الصواب قبل طول الفصل كمل عليها. أما عاجز لم يمكنه التعلم فلا تبطل قراءته مطلقا، وكذا لاحن لحنا لا يغير المعنى، كفتح دال نعبد، لكنه إن تعمد حرم، وإلا كره. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأربعون. وقد اتفق الرسم على حذف ست ألفات: ألف اسم، وألف بعد لا م الجلالة مرتين، وبعد ميم الرحمن مرتين، وبعد عين العالمين. فالباقي ما ذكره الأسنوي، وخالفه شيخنا في شرح البهجة الصغير فقال - بعد ذكر أنها مائة وواحد وأربعون -: هذا ما ذكره الأسنوي وغيره، وتبعهم في الأصل. والحق أنها مائة وثمانية وثلاثون، بالإبتداء بألفات الوصل. اه. وكأنه نظر إلى أن ألف صراط في الموضعين والألف بعد ضاد الضالين محذوفة رسما. لكن هذا قول ضعيف الخ. اه. (قوله: وهي مع تشديداتها) أي ومع قراءة ملك بدون ألف. (قوله: ومخارجها) أي ومع رعاية مخارجها: وذلك بأن يخرج كل حرف من مخرجه. ولا حاجة إلى ذكر هذا للاستغناء عنه برعاية الحروف إذ هي تستلزمه، فلذلك أسقطه في المنهاج والمنهج والروض. نعم، ذكره في الإرشارد لكن مع إسقاط رعاية الحروف. والحاصل أن أحدهما يغني عن الآخر. (قوله: فلو أبدل قادر الخ) مفرع على مفهوم رعاية الحروف ومخارجها. (قوله: أو من أمكنه) أي أو عاجز أمكنه. (قوله: حرف بآخر) مفعول أبدل، وذلك كأن أبدل ذال الذين بالدال المهملة، أو بدل السين من نستعين بالثاء المثلثة. (قوله: ولو ضادا بظاء) الغاية للرد على من قال بصحة ذلك لعسر التمييز بين الحرفين على كثير من الناس لقرب المخرج. (قوله: أو لحن الخ) هو في حيز التفريع وليس هناك ما يتفرع عليه، ولعله مفرع على قيد ملاحظ في المتن تقديره: ومع الاحتراز عن اللحن. (قوله: يغير المعنى) المراد به نقل الكلمة من معنى إلى معنى آخر، كضم تاء أنعمت أو كسرها، أو نقلها إلى ما ليس له معنى كالدين بالدال بدل الذال. وخرج به ما لا يغير كالعالمون بدل العالمين، والحمد لله بضم الهاء، ونعبد بفتح الدال وكسر الباء والنون، وكالصراط بضم الصاد، فلا تبطل الصلاة بذلك مع القدرة والعلم والتعمد. وخالف بعضهم في المثال الأول وحكم بالبطلان مع التعمد. وعليه فيفرق بينه وبين غيره بأنه صار كلمة أجنبية وفيه إبدال حرف بآخر. (قوله: لا ضمها) أي الكاف، فإنه لا يغير المعنى. (قوله: فإن تعمد ذلك وعلم تحريمه) كل من اسم الإشارة والضمير يعود على المذكور من الإبدال واللحن. وقوله: بطلت صلاته ظاهره مطلقا، ولو لم يتغير المعنى في صورة الإبدال. وفي فتح الجواد تقييد بطلان الصلاة بالمغير، ونص عبارته: فإن خفف القادر، أو العاجز المقصر، مشددا أو أبدل حرفا بآخر، كضاد بظاء وذال الذين المعجمة بالمهملة، خلافا للزركشي ومن تبعه، أو لحن لحنا يغير المعنى كضم تاء أنعمت أو كسرها، فإن تعمد ذلك وعلم تحريمه بطلت صلاته في المغير للمعنى، وقراءته في الإبدال الذي لم يغير. اه. (قوله: وإلا فقراءته) أي وإن يعلم ولم يتعمد ذلك فتبطل قراءته، أي لتلك الكلمة. وفي ع ش ما نصه: فرع: حيث بطلت القراءة دون الصلاة فمتى ركع عمدا قبل إعادة القراءة على الصواب بطلت صلاته كما هو ظاهر، فليتأمل. سم على منهج. اه. (قوله: نعم، إن أعاده) أي ما قرأه باللحن أو الإبدال. وتأمل هذا الاستدراك فإنه لا محل له هنا، فالأولى التعبير بفاء التفريع بدل أداة الاستدراك. وعبارة التحفة: وإلا فقراءته لتلك فلا يبني عليها إلا إن قصر الفصل، ويسجد للسهو فيما إذا تغير المعنى بما سها به مثلا، لأن ما أبطل عمده يسجد لسهوه. اه. وقوله: كمل عليها أي تمم الفاتحة بانيا على قراءته المعادة على الصواب. والحاصل: أنه إذا بطل ما قرأه وأعاده على الصواب، فإن كان قبل طول الفصل بأن تذكر أو علم حالا وأعاده حالا، يجوز أن يبني عليه، ويكمل الفاتحة، ولا يجب عليه استئنافها من أولها، وإلا فيجب عليه لفقد الموالاة الواجبة. (قوله: أما عاجز إلخ) هو مقابل قوله: قادر، مع قوله: أمكنه التعلم. وقوله: مطلقا أي سواء كان متعمدا عالما أم لا. ويشكل عليه أنه لا يظهر الوصف بالتعمد وضده إلا إذا كان قادرا على الصواب فخالف وتعمد غير الصواب. وفي

ووقع خلاف بين المتقدمين والمتأخرين في الهمد لله - بالهاء - وفي النطق بالقاف المترددة بينها وبين الكاف. وجزم شيخنا في شرح المنهاج بالبطلان فيهما إلا إن تعذر عليه التعلم قبل خروج الوقت. لكن جزم بالصحة في الثانية شيخه زكريا، وفي الاولى القاضي وابن الرفعة. ولو خفف قادر - أو عاجز مقصر - مشددا - كأن قرأ ال رحمن بفك الادغام بطلت صلاته إن تعمد وعلم، وإلا فقراءته لتلك الكلمة. ولو خفف إياك، عامدا عالما معناه، كفر لانه ضوء الشمس، وإلا سجد للسهو. ولو شدد مخففا صح، ويحرم تعمده كوقفة لطيفة بين السين والتاء من نستعين. (و) مع رعاية (موالاة) فيها بأن يأتي بكلماتها على الولاء بأن لا يفصل بين شئ منها وما بعده بأكثر من سكتة التنفس أو العي، (فيعيد) قراءة الفاتحة، (بتخلل ذكر أجنبي) لا يتعلق بالصلاة فيها، وإن قل، كبعض آية من غيرها، وكحمد عاطس - وإن سن فيها كخارجها - لاشعاره بالاعراض. (لا) يعيد ـــــــــــــــــــــــــــــ التحفة: أما عاجز فيجزئه قطعا. ومثله في النهاية. وهو أولى، تأمل. (قوله: وكذا لاحن الخ) أي وكذا لا تبطل قراءة لاحن فيها لحنا لا يغير المعنى. وهذا مقابل قوله: لحنا يغير المعنى. (قوله: لكنه إن تعمد) أي اللحن. وقوله: حرم أي اللحن. (قوله: وإلا كره) أي وإن لم يتعمده لم يحرم بل يكره، وفي الكراهة مع عدم التعمد نظر. (قوله: ووقع خلاف الخ) عبارة فتح الجواد: ووقع خلاف بين المتقدمين والمتأخرين في الهمد لله بالهاء، وفي النطق بالقاف مترددة بينها وبين الكاف. والوجه أن فيه تفصيلا يصرح به قول المجموع عن الجويني وأقره، لو أخرج بعض الحروف من غير مخرجه كنستعين بتاء تشبه الدال، والصراط لا بصاد محضة ولا بسين محضة بينهما، فإن كان لا يمكنه التعلم صحت صلاته، وإن أمكنه وجب وتلزمه إعادة كل الصلاة في زمن التفريط. اه. ويجري هذا التفصيل في سائر أنواع الإبدال. انتهت. (قوله: بالبطلان فيهما) أي ببطلان الصلاة في النطق بالهمد لله بالهاء، وبالقاف المترددة. (قوله: لكن جزم بالصحة في الثانية) وهي النطق بالقاف المترددة لكن مع الكراهة، كما في النهاية. ووجه الصحة أن ذلك ليس بإبدال حرف بآخر بل هي قاف غير خالصة. وقوله: وفي الأولى وهي النطق بالهمد لله. (قوله: كأن قرأ ال رحمن بفك الإدغام) قال في التحفة: ولا نظر لكون أل لما ظهرت خلفت الشدة فلم يحذف شيئا لأن ظهورها لحن فلم يمكن قيامه مقامها. اه. (قوله: وإلا) نفي لمجموع قوله: عامدا عالما. أي وإن انتفى كونه عامدا عالما بأن كان ناسيا جاهلا معناه، أو متعمدا جاهلا، أو عالما غير متعمد، فهو صادق بثلاث صور. (قوله: كفر) قال سم: ينبغي إن اعتقد المعنى حينئذ بخلاف من اعتقد خلافه وقصد الكذب، فليراجع. اه. (قوله: لأنه ضوء الشمس) أي لأن معناه بالتخفيف ما ذكر. (قوله: سجد للسهو) أي لأن ما أبطل عمده يسن السجود لسهوه. (قوله: ولو شدد مخففا) أي حرفا مخففا، كأن نطق بكاف إياك مشددة صح ذلك الحرف الذي شدده، أي أجزأه لكن مع الإساءة. وعبارة النهاية: ولو شدد مخففا أساء وأجزأه، كما ذكره الماوردي. اه. (قوله: كوقفة لطيفة) أي فإن الكلمة تصح معها وتجزئه ويحرم تعمدها. وفي فتح الجواد ما نصه: وفي المجموع عن الجويني: تحرم وقفة لطيفة بين السين والتاء من نستعين، وبه يعلم أنه يلزم قارئ الفاتحة وغيرها الإتيان بما أجمع القراء على وجوبه، من مد وإدغام وغيرهما. اه. قال الكردي: ووجه ذلك أن الحرف ينقطع عن الحرف بذلك، والكلمة عن الكلمة، والكلمة الواحدة لا تحتمل القطع والفصل والوقف في أثنائها، وإنما القدر الجائز من الترتيل أن يخرج الحرف من مخرجه ثم ينتقل إلى الذي بعده متصلا بلا وقفة. اه. (قوله: ومع رعاية موالاة) أي للاتباع، مع خبر: صلوا كما رأيتموني أصلي. (قوله: بأن يأتي إلخ) تصوير لرعاية الموالاة. وقوله: على الولاء أي التتابع. (قوله: بأن لا يفصل إلخ) تصوير للولاء. وقوله: بين شئ منها أي من الفاتحة. وقوله: وما بعده أي بعد ذلك الشئ. (قوله: بأكثر من سكتة التنفس أو العي) أما إذا كان بقدرهما فلا يضر، ومثلهما غلبة سعال وعطاس وإن طال. (قوله: فيعيد الخ) مفرع على مفهوم رعاية الموالاة. (قوله: بتخلل ذكر أجنبي) لو اقتصر على أجنبي لكان أولى ليشمل الأجنبي من غير الذكر، وليظهر قوله في المقابل وسجود. (قوله: لا يتعلق بالصلاة) تفسير للأجنبي. وقوله: فيها أي الفاتحة، وهو متعلق بتخلل. (قوله: وإن قل) أي الذكر. وهو غاية لوجوب الإعادة بتخلل الذكر

الفاتحة (ب) - تخلل ما له تعلق بالصلاة، ك (- تأمين وسجود) لتلاوة إمامه معه، (ودعاء) من سؤال رحمة، واستعاذة من عذاب، وقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين (لقراءة إمامه) الفاتحة أو آية السجدة، أو الآية التي يسن فيها ما ذكر لكل من القارئ والسامع، مأموما أو غيره، في صلاة وخارجها. فلو قرأ المصلي - آية - أو سمع آية - فيها اسم محمد (ص) لم تندب الصلاة عليه، كما أفتى به النووي. (و) لا (بفتح عليه) أي الامام إذا توقف فيها بقصد القراءة، ولو مع الفتح، ومحله - كما قال شيخنا - إن سكت، وإلا قطع الموالاة. وتقديم نحو ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكور. (قوله: كبعض إلخ) تمثيل للذكر الذي قل. (قوله: من غيرها) أي الفاتحة. أما إذا كان منها فسيأتي بيانه قريبا. (قوله: وكحمد عاطس) أي قوله: الحمد لله في أثناء الفاتحة، فإنه يقطعها ويجب عليه إعادتها. (قوله: وإن سن إلخ) يعني أن حمد العاطس يقطع الموالاة، وإن كان يسن الحمد في الصلاة كما يسن خارجها. (قوله: لإشعاره) أي تحلل الذكر، وهو علة للإعادة. وعبارة الرملي: لأن ذلك ليس مختصا بها لمصلحتها فكان مشعرا بالإعراض. اه. (قوله: لا يعيد الفاتحة الخ) مقابل قوله: بتخلل ذكر أجنبي. لكن لا يظهر التقابل بالنسبة للسجود لأنه ليس من الذكر. (قوله: لتلاوة إمامه) متعلق بسجود. (قوله: معه) أي مع إمامه، وهو متعلق بسجود أيضا. وخرج به ما إذا لم يسجد إمامه لها فلا يسجد هو، وإلا بطلت صلاته. (قوله: لقراءة إمامه الفاتحة) هو راجع للتأمين. (وقوله: أو آية السجدة) راجع لسجود التلاوة: (وقوله: أو الآية إلخ) راجع للباقي. (وقوله: التي يسن فيها ما ذكر) أي سؤال الرحمة، إلخ. والآية التي يسن فيها سؤال الرحمة مثل قوله تعالى: * (ويغفر لكم والله غفور رحيم) * فيسأل الرحمة بقوله: رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين. والتي يسن فيها الاستعاذة من العذاب مثل قوله: * (ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) * فيسأل الاستعاذة بقوله: رب إني أعوذ بك من العذاب. والتي يسن فيها قوله: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، قوله تعالى: * (أليس الله بأحكم الحاكمين) *. (قوله: لكل إلخ) متعلق بيسن. أي يسن ما ذكر في آية الرحمة أو العذاب لكل من القارئ والسامع، حال كون كل منهما مأموما أو غير مأموم. والتصريح بما ذكر هنا يفيد أن سجود التلاوة والتأمين لا يسنان لكل ممن ذكر، وليس كذلك، بل يسنان له أيضا. نعم، نقل البجيرمي عن ع ش أنه لا يسن التأمين لغير قراءة نفسه أو إمامه، سواء كان في الصلاة أو خارجها. فلو حذف ما ذكر أو عمم لكان أولى. وقوله: في صلاة وخارجها الواو بمعنى أو، أي حال كون كل منهما في صلاة أو خارجها. ولا حاجة إلى هذا بعد قوله: أو غيره. أي المأموم، لأنه صادق بالإمام والمنفرد وغيرهما، ولا يكون الغير إلا خارج الصلاة. تأمل. (قوله: فلو قرأ المصلي الخ) الأولى تقديمه على قوله: لا يعيد الفاتحة إلخ، لأنه تفريع على قوله: فيعيد بتخلل ذكر أجنبي، إذ الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - حينئذ - على ما جرى عليه الشارح - من الذكر الأجنبي. (قوله: أو سمع) أي المصلي. ولو قدم هذا الفعل على المصلي لأغنى عن تكرر لفظ آية. (قوله: لم تندب الصلاة عليه) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعليه فتقطع الموالاة. وفي العباب ما نصه: لو قرأ المصلي آية فيها اسم محمد - صلى الله عليه وسلم - ندب له الصلاة عليه في الأقرب بالضمير كصلى الله عليه وسلم، لا: اللهم صل على محمد. للخلاف في بطلان الصلاة بنقل ركن قولي. اه. ونقله سم عنه، وسلطان عن الأنوار، وأقراه. اه. بشرى الكريم. وعبارة الأنوار: قال العجلي في شرحه: وإذا قرأ آية فيها اسم محمد - صلى الله عليه وسلم - استحب أن يصلي عليه. وفي فتاوى صاحب الروضة أنه لا يصلي عليه. والأول أقرب. اه. وعلى ندبها لا تقطع الموالاة إذ هي من قبيل سؤال الرحمة عند سماع آيتها، كما في ع ش، ونص عبارته: قوله: وسؤاله رحمة واستعاذة من عذاب، ومنه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند قراءة ما فيه اسمه فيما يظهر بناء على استحباب ذلك. اه. (قوله: ولا بفتح عليه) أي لا يعيد الفاتحة بفتحه على إمامه. والمراد بفتحه عليه تلقينه الذي توقف فيه. (قوله: إذا توقف فيها) أي إذا تردد الإمام في القراءة، ولو غير الفاتحة. وهذا قيد خرج به ما إذا لم يتوقف ففتح عليه فتنقطع الموالاة. اه بجيرمي. (قوله: بقصد القراءة) الجار والمجرور متعلق بفتح. وقوله: ولو مع

سبحان الله قبل الفتح يقطعها على الاوجه، لانه حينئذ بمعنى تنبه. (و) يعيد الفاتحة بتخلل (سكوت طال) فيها بحيث زاد على سكتة الاستراحة (بلا عذر فيهما)، من جهل وسهو. فلو كان تخلل الذكر الاجنبي، أو السكوت الطويل، سهوا أو جهلا، أو كان السكوت لتذكر آية، لم يضر، كما لو كرر آية منها في محلها ولو لغير عذر، أو عاد إلى ما قرأه قبل واستمر، على الاوجه. (فرع) لو شك في أثناء الفاتحة هل بسمل، فأتمها ثم ذكر أنه بسمل أعاد كلها على الاوجه. (ولا أثر لشك ـــــــــــــــــــــــــــــ الفتح أي لا فرق في قصد القراءة بين أن يقصدها وحدها أو يقصدها مع الفتح. وخرج به ما إذا قصد الفتح فقط أو أطلق، فإنه يبطل الصلاة. (قوله: ومحله) أي الفتح عليه عند توقفه إن سكت - أي الإمام - وذلك لأن معنى الفتح تلقين الآية التي توقف فيها فلا يرد عليه ما دام يرددها. وقوله: وإلا أي وإلا يسكت بأن كان يرددها فلا يفتح عليه، فإن فتح عليه حينئذ قطع الموالاة ووجبت إعادة الفاتحة، لأنه غير مطلوب حينئذ. (قوله: وتقديم الخ) مبتدأ خبره جملة يقطعها. (قوله: قبل الفتح) أي قبل أن يفتح على إمامه. (قوله: يقطعها) أي الموالاة. وقوله: لأنه حينئذ أي لأن قول سبحان الله حين إذ قدم على الفتح بمعنى تنبه، أي يفيد هذا المعنى، ولا بد أن يقصد الذكر أو والتنبيه وإلا بطلت صلاته، كما تقدم في الفتح. (قوله: ويعيد الفاتحة بتخلل الخ) لو قدم هذا وذكره بعد قوله بتخلل ذكر أجنبي لكان أولى. وقوله: طال أي عرفا. ومثل الطويل القصير إن قصد به قطع القراءة، لاقتران الفعل بنية القطع. قال ابن رسلان: وبالسكوت انقطعت إن كثرا أو قل مع قصد لقطع ما قرا (قوله: بحيث زاد إلخ) تصوير للسكوت الطويل. (قوله: بلا عذر فيهما) أي في تخلل الذكر الأجنبي وتخلل السكوت الطويل. (قوله: من جهل وسهو) بيان للعذر، ومثلهما العي أو تذكر آية، لكن هذان خاصان بالسكوت الطويل. وكان الأولى له زيادتهما لأنه سيذكر الثاني في التفريع. (قوله: فلو كان الخ) تفريع على مفهوم بلا عذر. وقوله: تخلل اسم كان. وقوله: سهوا، خبرها. (قوله: أو كان السكوت لتذكر آية) عبارة المغنى: ويستثنى ما لو نسي آية فسكت طويلا لتذكرها فإنه لا يؤثر. كما قاله القاضي وغيره. اه. (قوله: لم يضر) جواب لو، أي فلا يقطع الموالاة. (قوله: كما لو كرر آية منها) أي من الفاتحة، فإنه لا يضر. وقوله: في محلها صفة لآية، أي كرر آية موصوفة بكونها في محلها. ومراده بذلك أنه كرر الآية التي انتهت قراءته إليها، كأن وصل إلى قوله: * (إهدنا الصراط المستقيم) * وصار يكررها. وعبارة فتح الجواد: ولا يؤثر تكرير آية منها إن كرر ما هو فيه أو ما قبله واستصحب، فيبني على الأوجه. اه. (قوله: أو عاد الخ) مفهوم قوله: في محلها. وفصل فيه بين أن يكون قد استمر فلا يضر، أو لم يستمر فيضر. (قوله: واستمر) أي على القراءة من الموضع الذي عاد إليه إلى تمام السورة، بخلاف ما إذا لم يستمر بأن وصل إلى * (أنعمت عليهم) * فقرأ * (مالك يوم الدين) * فقط، ثم رجع إلى ما انتهى إليه أولا فإنه يضر، ويستأنف الفاتحة من أولها. وفي البجيرمي ما نصه: قال في التتمة: إذا ردد آية من الفاتحة، فإن ردد الآية التي هو في تلاوتها وتلا الباقي فالقراءة صحيحة، وإن أعاد بعض الآيات التي فرغ من تلاوتها، مثل إن وصل إلى قوله: * (صراط الذين أنعمت عليهم) * فعاد إلى قوله: * (مالك يوم الدين) * إن أعاد القراءة من الموضع الذي عاد إليه على الوجه المذكور كانت القراءة محسوبة، وإن أعاد قراءة هذه الآية ثم عاد إلى الموضع الذي انتهى إليه لم تحسب له القراءة وعليه الاستنئاف. (قوله: لو شك في أثناء الفاتحة) أي بأن قرأ نصف الفاتحة ثم شك في أنه هل بسمل أم لا؟. وقوله: فأتمها أي الفاتحة، ولم يقرأ البسملة. وقوله: أعاد كلها على الأوجه أي أعاد الفاتحة كلها لتقصيره بما قرأه مع الشك فصار كأنه أجنبي. اه تحفة. وخالف الأسنوي وقال: يجب عليه إعادة ما قرأه على الشك فقط لاستئنافها. وجزم به في المغني،

في ترك حرف) فأكثر من الفاتحة، أو آية فأكثر منها. (بعد تمامها) أي الفاتحة، لان الظاهر حينئذ مضيها تامة. (واستأنف) وجوبا إن شك فيه (قبله) أي التمام. كما لو شك هل قرأها أو لا؟ لان الاصل عدم قراءتها. وكالفاتحة في ذلك سائر الاركان. فلو شك في أصل السجود مثلا أتى به، أو بعده في نحو وضع اليد، لم يلزمه شئ. ولو قرأها غافلا ففطن عند * (صراط الذين) * ولم يتيقن قراءتها لزمه استئنافها. ويجب الترتيب في الفاتحة بأن يأتي بها على نظمها المعروف لا في التشهد ما لم يخل بالمعنى. لكن يشترط فيه رعاية تشديدات وموالاة كالفاتحة. ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارته: ولو قرأ نصف الفاتحة مثلا وشك هل أتى بالبسملة؟ ثم ذكر بعد الفراغ أنه أتى بها، أعاما قرأه بعد الشك فقط. كما قاله البغوي واعتمده شيخي، خلافا لابن سريج القائل بوجوب الاستئناف. اه. (قوله: ولا أثر لشك) أي لا ضرر فيه. (قوله: من الفاتحة) متعلق بمحذوف، صفة لحرف وما بعده. (قوله: أو آية الخ) أي أو شك في ترك آية أو أكثر. وقوله: منها أي من الفاتحة. (قوله: بعد تمامها) متعلق بشك. (قوله: لأن الظاهر الخ) قال في النهاية: ولأن الشك في حروفها يكثر لكثرتها فعفي عنه للمشقة، فاكتفي فيها بغلبة الظن. اه. وقوله: حينئذ أي حين إذ وقع الشك بعد تمامها. وقوله: مضيها أي الفاتحة. وقوله: تامة حال من المضاف إليه. (قوله: واستأنف) أي الفاتحة من أولها، لكن محله - كما هو ظاهر - إن طال زمن الشك، أو وقع الشك في ترك حرف مبهم. فإن وقع الشك في ترك حرف معين ولم يطل زمنه أعاده فقط وبنى عليه. (قوله: إن شك فيه) أي في ترك حرف أو آية. وقوله: قبله متعلق بشك. (قوله: كما لو شك هل قرأها أو لا) أي كما لو شك في أصل قراءتها فإنه يجب عليه الإتيان بها. (قوله: لأن الأصل عدم قراءتها) لا يظهر علة إلا لقوله كما لو شك الخ، إلا أن يقال المراد عدم قراءتها كلا أو بعضا، فيظهر أن تكون علة لما قبله أيضا. تأمل. (قوله: وكالفاتحة في ذلك) أي في التفصيل المذكور بين أن يكون الشك في أصل الركن أو في صفة من صفاته. وإذا كان في صفة فلا يخلو إما أن يكون قبل التمام فيؤثر، أو بعده فلا يؤثر. وقوله: سائر الأركان أي فيقال فيها - إن وقع الشك في صفة من صفاتها بعدم تمام الركن -: لا يؤثر، وإن وقع قبل التمام أثر. وأتى بها كما لو شك في أصلها. وخالف الجمال الرملي في النهاية في بقية الأركان غير التشهد، ونص عبارته: والأوجه إلحاق التشهد بها في ذلك قبل تمامها - كما قاله الزركشي - لا سائر الأركان فيما يظهر. اه. وقوله: لا سائر الأركان أي فيضر الشك عنده في صفتها مطلقا قبل الفراغ منها وبعده، ويجب عليه إعادتها. (قوله: فلو شك في أصل السجود الخ) تفريع على كون سائر الأركان كالفاتحة. (قوله: أو بعده) أي أو شك بعد السجود. وقوله: في نحو وضع اليد أي من سائر الأعضاء السبعة. وقوله: لم يلزمه شئ أي لا يجب عليه الإعادة. (قوله: ولو قرأها) أي الفاتحة، حال كونه غافلا. وقوله: ففطن أي انتبه من غفلته. وقوله: ولم يتيقن قراءتها أي عن قرب. فإن تيقن عن قرب قراءتها لا يلزمه الاستئناف. (قوله: ويجب الترتيب إلخ) فلو تركه بأن قدم كلمة أو آية، نظر، فإن غير المعنى أو أبطله بطلت صلاته إن علم وتعمد، وإلا فقراءته، وإن لم يغير المعنى ولم يبطله، لم يعتد بما قدمه مطلقا، وكذا بما أخره، إن قصد به عند الشروع فيه التكميل على ما قدمه. وإلا بأن قصد الاستئناف أو أطلق، كمل عليه إن لم يطل الفصل. قال الكردي: والحاصل أنه تارة يبني. وتارة يستأنف، وتارة تبطل صلاته. فيبني في صورتين: إذا سها بتأخير النصف الأول، ولم يطل الفصل بين فراغه من النصف الأول وشروعه في النصف الثاني. وفيما إذا تعمد تأخير النصف الأول ولم يقصد التكميل به على النصف الثاني الذي بدأ به أولا، ولم يطل الفصل عمدا بين فراغه وإرادة التكميل عليه، ولم يغير المعنى. ويستأنف الفاتحة إن انتفى شرط من هذه الشروط الثلاثة، وتبطل صلاته إن تعمد وغير المعنى. اه. (قوله: بأن يأتي إلخ) تصوير للترتيب. (قوله: لا في التشهد الخ) أي لا يجب الترتيب في التشهد، بل يجوز عدمه. وقوله: ما لم يخل فاعله ضمير يعود على معلوم من المقام، أي ما لم يخل عدم الترتيب بالمعنى. فإن أخل به، كأن قدم جزء الجملة على جزء آخر منها، بأن قال أن لا إله أشهد إلا الله، وجب الترتيب وبطلت صلاته بتعمد تركه. وعبارة التحفة: ولا يجب الترتيب بشرط أن لا يغير معناه، وإلا بطلت

ومن جهل جميع الفاتحة ولم يمكنه تعلمها قبل ضيق الوقت، ولا قراءتها في نحو مصحف، لزمه قراءة سبع آيات - ولو متفرقة - لا ينقض حروفها عن حروف الفاتحة، وهي بالبسملة بالتشديدات مائة وستة وخمسون حرفا - بإثبات ألف مالك - ولو قدر على بعض الفاتحة كرره ليبلغ قدرها، وإن لم يقدر على بدل فسبعة أنواع من ذكر كذلك، فوقوف بقدرها. (وسن) وقيل: يجب (بعد تحرم) بفرض أو نفل، ما عدا صلاة جنازة. (افتتاح) أي دعاؤه سرا إن أمن ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاته إن تعمده. اه. (قوله: لكن يشترط فيه) أي التشهد. والأولى حذف أداة الاستدراك إذ لا محل له هنا، إلا أن يقال أتى به لدفع ما عسى أن يقال. كما أنه لا يشترط الترتيب، كذلك لا تشترط الموالاة ورعاية التشديدات، إلخ. (قوله: ومن جهل جميع الفاتحة الخ) عبارة التحفة مع الأصل، فان جهل الفاتحة كلها - بأن عجز عنها في الوقت، لنحو ضيقة أو بلادة أو عدم معلم أو مصحف، ولو عارية أو بأجرة مثل وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة - فسبع آيات يأتي بها الخ. اه. (قوله: ولا قراءتها) أي ولم يمكنه قراءتها. وقوله: في نحو مصحف أي كلوح. (قوله: لزمه قراءة سبع آيات) أي إن أحسنها. وذلك لأن هذا العدد مراعى فيها بنص قوله تعالى: * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) * فراعيناه في بدلها. نعم، تسن ثامنة لتحصل السورة. (وقوله: ولو متفرقة) أي ليست على ترتيب المصحف. والغاية للرد على الرافعي القائل باشتراط التوالي فيها، أي كونها على ترتيب المصحف إن أمكن. (قوله: لا ينقص حروفها) أي السبع الآيات. قال ع ش: وينبغي الاكتفاء بظنه في كون ما أتى به قدر حروف الفاتحة، كما اكتفى به في كون وقوفه قدرها لمشقة عدد ما يأتي به من الحروف، بل قد يتعذر على كثير. اه. (قوله: وهي) أي حروف الفاتحة إلخ، ولا حاجة إلى هذا لعلمه مما سبق. (قوله: ولو قدر على بعض الفاتحة كرره) محل هذا إن لم يحسن للباقي بدلا، فإن أحسنه أتى بما قدر عليه من الفاتحة في محله، ويبدل الباقي من القرآن. فإن كان أول الفاتحة قدمه على البدل، أو الآخر قدم البدل عليه، أو بينهما قدم من البدل بقدر ما لم يحسنه، ثم يأتي بما يحسنه من الفاتحة ثم يبدل الباقي. وعبارة الروض وشرحه: ولو عرف بعض الفاتحة فقط وعرف لبعضها الآخر بدلا أتى ببدل البعض الآخر في موضعه، فيجب الترتيب بين ما يعرفه منها والبدل، حتى يقدم بدل النصف الأول على الثاني. ولو عرف مع الذكر آية من غيرها - أي الفاتحة - ولم يعرف شيئا منها، أتى بها ثم أتى بالذكر. اه. (قوله: وإن لم يقدر على بدل الخ) أي فإن عجز عن بدل الفاتحة من القرآن لزمه قراءة سبعة أنواع من ذكر، ليقوم كل نوع مكان كل آية، ولما في صحيح ابن حبان - وإن ضعف -: أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني لا أستطيع أتعلم القرآن، فعلمني ما يجزيني من القرآن - وفي لفظ الدارقطني: ما يجزيني في صلاتي - قال: قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أشار فيه إلى السبعة بذكر خمسة منها، ولعله لم يذكر له الآخرين لأن الظاهر حفظه للبسملة وشئ من الدعاء. اه تحفة. وقوله: كذلك أي لا ينقص حروفه عن حروف الفاتحة. قال في بشرى الكريم: ومثال السبعة الأنواع من الذكر: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فهذه خمسة أنواع. وما شاء الله كان نوع، وما لم يشأ لم يكن نوع. فهذه سبعة أنواع. لكن حروفها لم تبلغ قدر الفاتحة، فيزيد ما يبلغ قدرها ولو بتكريرها. اه. (قوله: فوقوف بقدرها) أي فإن لم يقدر على الذكر أيضا لزمه وقوف بقدر الفاتحة، أي بالنسبة للوسط المعتدل في ظنه. وذلك لأن القراءة والوقوف كانا واجبين، فإذا تعذر أحدهما بقي الآخر. ويسن له الوقوف بقدر السورة. (قوله: وسن الخ) لما فرغ من شروط الفاتحة شرع يتكلم على سننها، وهي أربع: اثنان قبلها، وهما دعاء الافتتاح والتعوذ. واثنان بعدها، وهما التأمين والسورة. (قوله: بعد تحرم) إنما آثر التعبير ببعد، على التعبير بعقب، للتنبيه على أنه لو سكت بعد التحرم طويلا لم يفت عليه دعاء الافتتاح. (قوله: بفرض أو نفل) متعلق بتحرم. (قوله: ما عدا صلاة الجنازة) أي فلا يسن لها ذلك طالبا للتخفيف. قال ابن العماد: ويتجه فيما لو صلى على غائب أو قبر أن يأتي بالافتتاح، لانتفاء المعنى الذي شرع له التخفيف، وقياسه أن يأتي بالسورة أيضا. ويحتمل خلافه فيهما نظرا للأصل. اه شرح الروض. (قوله: افتتاح) نائب فاعل سن.

فوت الوقت وغلب على ظن المأموم إدراك ركوع الامام، (ما لم يشرع) في تعوذ أو قراءة ولو سهوا. (أو يجلس مأموم) مع إمامه، وإن أمن مع تأمينه. (وإن خاف) أي المأموم، (فوت سورة) حيث تسن له. كما ذكر شيخنا في شرح العباب وقال: لان إدراك الافتتاح محقق، وفوات السورة موهوم، وقد لا يقع. وورد فيه أدعية كثيرة. وأفضلها ما رواه مسلم، وهي: وجهت وجهي - أي ذاتي - للذي فطر السموات والارض حنيفا - أي مائلا عن الاديان إلى الدين الحق - مسلما، وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين. ويسن لمأموم يسمع قراءة إمامه الاسراع به، ويزيد - ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: أي دعاؤه) أفاد به أن في الكلام حذف مضاف تقديره ما ذكر، والمراد دعاء يفتتح به الصلاة. وقال الأجهوري في تسميته: دعاء تجوز، لأن الدعاء طلب وهذا لا طلب فيه، وإنما هو إخبار. فسمي دعاء باعتبار أنه يجازى عليه كما يجازى على الدعاء. اه. وقال الحفناوي: سمي دعاء باعتبار آخره، وهو: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، الخ. (قوله: إن أمن فوت الوقت) أي بحث لو اشتغل بدعاء الافتتاح لا تخرج الصلاة عن وقتها، فإن خاف فوت الوقت لو اشتغل به تركه. والحاصل أن دعاء الافتتاح إنما يسن بشروط خمسة مصرح بها كلها في كلامه: أن يكون في غير صلاة الجنازة، وأن لا يخاف فوت وقت الأداء، وأن لا يخاف المأموم فوت بعض الفاتحة، وأن لا يدرك الإمام في غير القيام فلو أدركه في الاعتدال لم يفتتح - كما في شرح الرملي - وأن لا يشرع المصلي مطلقا في التعوذ أو القراءة. (قوله: وغلب على ظن الخ) فإن لم يغلب على ظنه ما ذكر تركه. (قوله: ما لم يشرع الخ) أي سن الافتتاح مدة عدم شروع في تعوذ أو قراءة. فإن شرع في ذلك فات عليه، فلا يندب له العود إليه لفوات محله. (قوله: أو يجلس الخ) معطوف على يشرع. أي وما لم يجلس مأموم مع إمامه. فإن جلس معه، بأن كان مسبوقا وأدركه في التشهد فلا يسن الإتيان به إذا قام وأراد قراءة الفاتحة. (قوله: وإن أمن مع تأمينه) أي يسن الافتتاح له وإن أمن مع تأمين إمامه، بأن فرغ الإمام من الفاتحة عقب تحرمه فأمن معه، فهو غاية لسنيه الإتيان به. وقوله: وإن خاف - أي المأموم - فوت سورة، غاية ثانية لها أيضا. (قوله: حيث تسن) أالسورة له، بأن كان لا يسمع قراءة إمامه. وأتى بهذا القيد لتظهر الغاية، وذلك لأنه حيث لم تسن له السورة فلا يقال في حقه وإن خاف فوتها. (قوله: لأن إدراك الافتتاح إلخ) علة لسنية الافتتاح مع خوفه فوات السورة. أي يسن له ذلك وإن خاف فواتها، لأن إدراك الافتتاح أمر محقق، وفوات السورة أمر موهوم، ولا يترك المحقق لأجل الموهوم. (قوله: وقد لا يقع) أي فوات السورة. (قوله: وورد فيه) أي في دعاء الافتتاح. (قوله: وهو: وجهت وجهي) أي أقبلت بوجهي، وقيل: أي قصدت بعبادتي. وقوله: أي ذاتي تفسير لوجهي. فالمراد منه الذات على طريق المجاز المرسل من ذكر الجزء وإرادة الكل، وإنما كنى عنها بالوجه إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون كله وجها مقبلا على ربه، لا يلتفت لغيره في جزء منها - أي الصلاة - ويجتهد في تحصيل الصدق خوفا من الكذب في هذا المقام. وقوله: للذي فطر السموات والأرض أي أبدعهما على غير مثال سبق. وقوله: مسلما أي منقادا إلى الأوامر والنواهي. (قوله: ونسكي) أي عبادتي. فهو من عطف العام على الخاص. وقوله: ومحياي ومماتي أي إحيائي وإماتتي. (قوله: وأنا من المسلمين) في رواية للبيهقي: وأنا أول المسلمين، كما هو نظم القرآن. وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول بما فيها تارة لأنه أول مسلمي هذه الأمة، ولا يقولها غيره إلا إن قصد التلاوة. (قوله: ويسن لمأموم يسمع قراءة إمامه) خرج به ما إذا لم يسمع فلا يسن له الإسراع به، لكن إن غلب على ظنه أنه يدرك

ندبا - المنفرد، وإمام محصورين - غير أرقاء ولا نساء متزوجات - رضوا بالتطويل لفظا ولم يطرأ غيرهم، وإن قل حضوره. ولم يكن المسجد مطروقا. ما ورد في دعاء الافتتاح، ومنه ما رواه الشيخان: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس. اللهم اغسلني من خطاياي كما يغسل الثوب بالماء والثلج والبرد. (ف) - بعد افتتاح وتكبير صلاة عيد - إن أتى بهما - يسن (تعوذ) ولو في صلاة الجنازة، سرا ولو في الجهرية. وإن جلس مع إمامه (كل ركعة) ما لم يشرع في قراءة ولو سهوا. وهو في الاولى آكد، ويكره تركه. ـــــــــــــــــــــــــــــ الإمام في الركوع إذا لم يسرع به، كما هو ظاهر. (قوله: الإسراع) نائب فاعل يسن. وقوله: به أي بدعاء الافتتاح. (قوله وإمام محصورين) أي جماعة محصورين. قال البجيرمي: والمراد بالمحصورين من لا يصلي وراءه غيرهم ولو ألفا، كما قاله شيخنا. اه. وعليه، فكان الأولى ذكر قوله بعد: ولم يطرأ غيرهم، بعد قوله: محصورين. ويكون كالتفسير له. (قوله: غير أرقاء ولا نساء متزوجات) أي ولا مستأجرين أجارة عين على عمل ناجز، فإن كانوا أرقاء أو نساء أو متزوجات أو مستأجرين اشترط إذن السيد والزوج والمستأجر. (قوله: رضوا بالتطويل لفظا) أي عند ابن حجر. وعند م ر: لفظا، أو سكوتا إذا علم رضاهم. (قوله: وإن قل حضوره) أي الغير. وعبارة الرملي: وقل حضوره. وهي تفيد التقييد، وعبارة المؤلف تفيد التعميم. (قوله: ولم يكن المسجد مطروقا) فإن كان مطروقا ندب له الإقتصار على ما مر. وكذلك إذا فقد قيد من القيود السابقة. (قوله: ما ورد إلخ) مفعول يزيد. (قوله: ومنه) أي مما ورد. (قوله: اللهم نقني من خطاياك) أي طهرني منها بأن تزيلها عني. وقوله: كما ينقى الثوب أي يطهر. (قوله: والثلج والبرد) أي بعد إذابتهما وصيرورتهما ماء. وأتى بهما بعد الماء تأكيدا للطهارة ومبالغة فيها. (قوله: وتكبير صلاة عيد) الأولى أن يقول: ومثله تكبير صلاة عيد إن أتى به، وذلك لأن عبارته توهم إنه تقدم منه التصريح به. (قوله: يسن تعوذ) اعلم أن التعوذ بعد دعاء الافتتاح سنة بالاتفاق، وهو مقدمة للقراءة. قال الله تعالى: * (فإذا قرأت القرآفاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * معناه عند جماهير العلماء: إذا أردت القراءة فاستعذ. واللفظ المختار في التعوذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وجاء: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. ولا بأس به، ولكن المشهور المختار هو الأول. وروينا في سنن أبي دواد والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قبل القراءة في الصلاة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من نفخه ونفثه وهمزه. وفي رواية: أعوذ بالله السيمع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه. وجاء في تفسيره في الحديث، أن همزه الموتة، وهي الجنون. ونفخه الكبر. ونفثه الشعر. اه من أذكار النووي. ومن لطائف الاستعاذة أن قوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إقرار من العبد بالعجز والضعف، واعتراف بقدرة الباري عز وجل، وأنه الغني القادر على دفع جميع المضرات والآفات. واعتراف أيضا بأن الشيطان عدو مبين. ففي الاستعاذة التجاء إلى الله تعالى القادر على دفع وسوسة الشيطان الغوي الفاجر، وأنه لا يقدر على دفعه عن العبد إلا الله تعالى. (قوله: ولو في صلاة الجنازة) غاية لسنية التعوذ. وسن فيها دون الافتتاح لقصره فلا يفوت به التخفيف المطلوب فيها. (قوله: سرا ولو في الجهرية) أي يسن قراءته بالسر ولو كانت الصلاة جهرية. (قوله: وإن جلس مع إمامه) أي فيما إذا اقتدى به وهو في التشهد فإنه يجلس معه، ومع ذلك إذا قام وأراد أن يقرأ الفاتحة سن له التعوذ، ولا يسقط عنه، بخلاف دعاء الافتتاح فإنه يسقط عنه بالجلوس كما تقدم. (قوله: كل ركعة) منصوب بإسقاط الخافض، أي في كل ركعة، وهو متعلق بتعوذ. (قوله: ما لم يشرع في قراءة) أي وما لم يضق الوقت بحيث يخرج بعض الصلاة عنه لو أتى به، وما لم

(و) يسن (وقف على رأس كل آية) حتى على آخر البسملة، خلافا لجمع (منها) أي من الفاتحة، وإن تعلقت بما بعدها، للاتباع. والاولى أن لا يقف على * (أنعمت عليهم) * لانه ليس بوقف ولا منتهى آية عندنا، فإن وقف على هذا لم تسن الاعادة من أول الآية. (و) يسن (تأمين) أي قوله: آمين. بالتخفيف والمد. وحسن زيادة: رب العالمين، (عقبها) أي الفاتحة - ولو خارج الصلاة - بعد سكتة لطيفة، ما لم يتلفظ بشئ سوى رب ـــــــــــــــــــــــــــــ يغلب على ظنه عدم إدراك الفاتحة قبل ركوع الإمام. فإن شرع في قراءة ولو البسملة، أو ضاق الوقت، أو غلب على ظنه عدم إدراك الفاتحة، لم يسن التعوذ. (قوله: ولو سهوا) أي ولو كان شروعه سهوا فإنه لا يسن التعوذ. وكتب ع ش ما نصه: قوله: ولو سهوا: خرج به ما لو سبق لسانه فلا يفوت، وكذا يطلب إذا تعوذ قاصدا القراءة ثم أعرض عنها بسماع قراءة الإمام حيث طال الفصل باستماعه لقراءة إمامه، بخلاف ما لو قصر الفصل فلا يأتي به. وكذا يعيده لو سجد مع إمامه للتلاوة. اه. (قوله: وهو في الأولى آكد) أي التعوذ في الركعة الأولى آكد للاتفاق عليها. قال النووي في الاذكا: واعلم أن التعوذ مستحب في الركعة الأولى بالاتفاق، فإن لم يتعوذ في الأولى أتى به في الثانية، فإن لم يفعل ففيما بعدها. فلو تعوذ في الأولى هل يستحب في الثانية؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما أنه يستحب، لكنه في الأولى آكد. اه. (قوله: ويكره تركه) أي التعوذ في الأولى وفي غيرها. (قوله: ويسن وقف على رأس الخ) وذلك لما صح: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته آية آية يقول: * (بسم الله الرحمن الرحيم) * ثم يقف، * (الحمد لله رب العالمين) * ثم يقف، * (الرحمن الرحيم) * ثم يقف. (قوله: حتى على آخر البسملة) غاية لسنية الوقف على ما ذكر، وهي للرد. وقوله: خلافا لجمع أي قائلين إنه يسن وصل البسملة بالحمدلة، للإمام وغيره. وتعجب منه في التحفة، للحديث السابق. (قوله: منها) متعلق بمحذوف، صفة لآية. أي آية كائنة من الفاتحة. (قوله: وإن تعلقت) أي الآية. وهي غاية لسنية الوقف على ما ذكر. والمراد بالتعلق التعلق المعنوي، وهو مطلق الارتباط. والآية التي لها تعلق بما بعدها هي: * (اهدنا الصراط المستقيم) * فإن ما بعدها بيان للصراط المستقيم منها. (قوله: للاتباع) هو ما مر. (قوله: لأنه ليس بوقف) أي لتعلقه بما بعده. (قوله: ولا منتهى آية) أي رأسها. وخرج به مثل * (إهدنا الصراط المستقيم) * فإنه وإن كانت متعلقا بما بعده - كما علمت - إلا أنه رأس آية. (قوله: فإن وقف على هذا) أي على * (أنعمت عليهم) * (قوله: لم يسن الإعادة من أول الآية) أي من قوله: * (صراط الذين) * إلخ. وعبارة ع ش: فلو وقف عليه لم يضر في صلاته، والأولى عدم إعادة ما وقف عليه والابتداء بما بعده. لأن ذلك وإن لم يحسن في عرف القراء إلا أن تركه يؤدي إلى تكرير بعض الركن القولي، وهو مبطل في قول، فتركه أولى، خروجا من الخلاف. اه. (قوله: ويسن تأمين) أي لقارئها في الصلاة وخارجها. واختص بالفاتحة لشرفها واشتمالها على دعاء فناسب أن يسأل الله إجابته. (قوله: والمد) أي أو القصر. وحكي التشديد مع القصر أو المد، ومعناها حينئذ: قاصدين. فتبطل الصلاة ما لم يرد قاصدين إليك وأنت أكرم من أن تخيب من قصدك، فلا تبطل، لتضمنه الدعاء. ولو لم يقصد شيئا أصلا بطلت، كما صرح به في التحفة. (قوله: وحسن زيادة رب العالمين) أي بعد آمين لقارئها أيضا. وعبارة الروض: ويستحب لقارئها أن يقول آمين، وحسن أن يزيد رب العالمين. (قوله: عقبها) ظرف متعلق بتأمين. (قوله: ولو خارج الصلاة) غاية لقوله: ويسن تأمين. قوله: بعد سكتة لطيفة أي بقدر سبحان الله، وهو متعلق بتأمين أيضا. ولا يقال إن بين قوله: عقبها، وقوله: بعد سكتة لطيفة، تنافيا ظاهرا، لأنا نقول: المراد بالعقب أن لا يتخلل بينهما لفظ غير: رب اغفر لي. ويقال: إن تعقيب كل شئ بحسبه، كما في م ر. واشتراط عدم تخلل اللفظ لا ينافي سن تخلل السكتة المذكورة. (قوله: ما لم يتلفظ بشئ) ما مصدرية لفظية متعلقة بتأمين، أي يسن تأمين مدة عدم تلفظه بشئ، وهذا هو معنى قوله عقبها بناء على المراد السابق. فلو اقتصر

اغفر لي. ويسن الجهر به في الجهرية، - حتى للمأموم - لقراءة إمام تبعا له. (و) سن لمأموم في الجهرية تأمين (مع) تأمين (إمامه إن سمع) قراءته، لخبر الشيخين: إذا أمن الامام - أي أراد التأمين - فأمنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. وليس لنا ما يسن فيه تحري مقارنة الامام إلا هذا. وإذا لم يتفق له موافقته أمن عقب تأمينه. وإن أخر إمامه عن الزمن المسنون فيه التأمين أمن المأموم جهرا. وآمين اسم فعل بمعنى استجب، مبني على الفتح، ويسكن عند الوقف. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما لكان أولى. (قوله: سوى رب اغفر لي) أي أنه يستثنى من التلفظ بشئ التلفظ برب اغفر لي، فإنه لا يضر للخبر الحسن: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال عقب * (ولا الضالين) *: رب اغفر لي. وقال ع ش: وينبغي أنه لو زاد على ذلك: ولوالدي ولجميع المسلمين. لم يضر أيضا. اه. وانظر هل الذي يقول ما ذكر القارئ فقط؟ أو كل من القارئ والسامع؟ والذي يظهر لي الأول، بدليل قوله في الحديث المار قال عقب: * (ولا الضالين) * أي قال عقب قراءته * (ولا الضالين) *، فليراجع. (قوله: ويسن الجهر به) أي بالتأمين. وقوله: في الجهرية إلخ الحاصل أن المصلي مطلقا - مأموما أو غيره - يجهر به إن طلب منه الجهر، ويسر به إن طلب منه الإسرار. أمام الإمام فلخبر: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته فقال: آمين يمد بها صوته. وأما المأموم فلما رواه ابن حبان عن عطاء قال: أدركت مائتين من الصحابة إذا قال الإمام * (ولا الضالين) * رفعوا أصواتهم بآمين. وصح عنه أن الزبير أمن من ورائه، حتى أن للمسجد للجة - وهي بالفتح والتشديد - اختلاط الأصوات. وأما المنفرد فبالقياس على المأموم. (قوله: وسن لمأموم في الجهرية) أي المشروع فيها الجهر، وخرج بها السرية فلا يؤمن معه فيها. (قوله: إن سمع قراءته) أي قراءة إمامه. قال في بشرى الكريم: ولو سمع جملة مفيدة من قراءة إمامه كفى. اه. (قوله: لخبر الشيخين إلخ) أي وخبرهما أيضا: إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه. (فائدة) روي عن عائشة رضي الله عنها - مرفوعا -: حسدنا اليهود على القبلة التي هدينا إليها وضلوا عنها، وعلى الجمعة، وعلى قولنا خلف الإمام آمين. (قوله: أي أراد التأمين) إنما فسر بما ذكر لتحقق المصاحبة. ويوضحه خبر الشيخين: إذا قال الإمام * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) * فقولوا: آمين. وفسره بعضهم بقوله: أي إذا دخل وقت التأمين فأمنوا، وهو أحسن، ليشمل ما إذا لم يؤمن الإمام بالفعل أو أخره عن وقته المشروع فيه، فإنه يسن للمأموم التأمين في الحالتين. (قوله: فإنه من وافق إلخ) أي ومعلوم من حديث آخر أن الملائكة تؤمن مع تأمين الإمام، فيكون التعليل منتجا للمدعي. قال الجمال الرملي: والمراد: الموافقة في الزمن. وقيل: في الصفات، من الإخلاص وغيره. والمراد بالملائكة: الحفظة. وقيل غيرهم، لخبر: فوافق قوله قول أهل السماء. وأجاب الأول بأنه إذا قالها الحفظة قالها من فوقهم حتى تنتهي إلى السماء. ولو قيل: بأنهم الحفظة وسائر الملائكة لكان أقرب. اه. (قوله: غفر له ما تقدم من ذنبه) أي من الصغائر. وإن قال ابن السبكي في الأشباه والنظائر أنه يشمل الصغائر والكبائر. اه م ر. (قوله: وليس لنا ما يسن الخ) أي وليس لنا في الصلاة فعل أو قول تطلب فيه المقارنة إلا هذا، أي التأمين. وفي المغني: قال في المجموع: ولو قرأ معه وفرغا معا كفى تأمين واحد. أو فرغ قبله - قال البغوي - ينتظره. والمختار أو الصواب أنه يؤمن لنفسه ثم للمتابعة. اه. (قوله: وإذا لم يتفق له) أي للمأموم. وقوله: موافقته أي الإمام في التأمين. (قوله: أمن) أي المأموم. وقوله: عقب تأمينه أي الإمام. ويؤخذ من قوله: عقب، أنه لو طال الفصل لا يؤمن. (قوله: وإن أخر إمامه) إن شرطية، وجوابها أمن إلخ. ومفعول الفعل محذوف، أي التأمين. وأما المذكور فهو نائب فاعل المسنون. وقوله: أمن المأموم جهرا أي قبله، ولا

(فرع) يسن للامام أن يسكت في الجهرية بقدر قراءة المأموم الفاتحة - إن علم أنه يقرؤها في سكتة - كما هو ظاهر، وأن يشتغل في هذه السكتة بدعاء أو قراءة، وهي أولى. قال شيخنا: وحينئذ فيظهر أنه يراعي الترتيب والموالاة بينها وبين ما يقرؤها وبعدها .. (فائدة) يسن سكتة لطيفة بقدر سبحان الله، بين آمين والسورة، وبين آخرها وتكبيرة الركوع، وبين التحرم ودعاء الافتتاح وبينه وبين التعوذ وبينه وبين البسملة. (و) سن آية فأكثر، والاولى ثلاث (بعدها) أي بعد الفاتحة. ويسن لمن قرأها من أثناء سورة البسملة. نص عليه الشافعي. ويحصل أصل السنة بتكرير سورة واحدة في الركعتين، وبإعادة الفاتحة إن لم يحفظ غيرها، وبقراءة البسملة لا بقصد أنها التي هي أول الفاتحة، وسورة كاملة - حيث لم يرد البعض، كما في التراويح - أفضل من ـــــــــــــــــــــــــــــ ينتظره اعتبارا بالمشروع. ومثله إذا لم يؤمن الإمام أصلا فيؤمن المأموم ولا يتركه. (قوله بمعنى استجب) سينه ليست للطلب. وإنما هي مؤكدة، ومعناها: أجب. اه شها ب على البيضاوي. (فائدة) في تهذيب النووي حكاية أقوال كثيرة في آمين، من أحسنها قول وهب بن منبه: آمين أربعة أحرف، يخلق الله تعالى من كل حرف لملكا يقول: اللهم اغفر لمن يقول آمين. اه خطيب. (قوله: ويسكن) أي لفظ آمين. وقوله: عند الوقف خرج به عند الوصل بما بعده فيفتح. (قوله: يسن للإمام أن يسكت) أي بعد آمين. والمراد بالسكوت عدم الجهر لا السكوت عن القراءة، وإن كان هو ظاهر العبارة، إذ المطلوب من الإمام الاشتغال بالذكر والقراءة لا حقيقة السكوت. وقوله: في الجهرية خرج به السرية فلا يسكت فيها. (قوله: إن علم الخ) قيد في سنية السكوت. أي يسن السكوت إن علم الإمام أن المأموم يقرأ الفاتحة في هذه السكتة، فإن علم أنه لا يقرؤها فيها لم يسن له السكوت. (قوله: وإن يشتغل الخ) أي ويسن أن يشتغل الإمام الخ. (قوله: أو قراءة) أي سرا. قوله: وهي أولى أي والقراءة أولى من الدعاء. (قوله: وحينئذ فيظهر إلخ) أي حين إذا اشتغل بالقراءة فيظهر مراعاة الترتيب والموالاة بين القراءة المشتغل بهاسرا وبين ما يقرؤه جهرا بعد هذه القراءة، وذلك لأن السنة القراءة على ترتيب المصحف وموالاته. قال ع ش: أي فيقرأ مثلا بعض السورة التي يريد قراءتها سرا في زمن قراءة المأمومين ثم يكملها جهرا. وفي الركعة الثانية يقرأ مما يلي السورة التي قرأها في الأولى سرا قدر زمن قراءة المأمومين ثم يكملها جهرا. اه. (قوله: يسن سكتة لطيفة إلخ) عد من السكتات المطلوبة خمسا وبقي عليه واحدة، وهي ما بين الفاتحة وآمين، وقد مرت. فجملة السكتات ست. (قوله: وبين آخرها) أي السورة. (قوله: وبينه وبين التعوذ) أي وبين دعاء الافتتاح والتعوذ. (قوله: وبينه) أي التعوذ. (قوله: وسن آية) أي في سرية وجهرية، لإمام ومنفرد، كمأموم لم يسمع في غير صلاة فاقد الطهورين إذا كان جنبا أو نحوه لحرمتها عليه، وصلاة الجنازة لكراهتها فيها، وذلك للأخبار الصحيحة في ذلك، ولم تجب للحديث الصحيح: أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها عوضا منها. اه تحفة. (قوله: والأولى ثلاث) أي ثلاث آيات. قال الكردي: علله في المغنى وغيره بقوله: لأجل أن يكون قدر أقصر سورة. اه. وهذا لا يوافق المعتمد أن البسملة آية من كل سورة، إلا لقالوا: الأولى أربع آيات. فحرره. اه. (قوله: ويسن لمن قرأها) أي الآية. والبسملة نائب فاعل يسن. (قوله: نص عليه) أي على سنيتها أثناء السورة. (قوله: ويحصل أصل السنة بتكرير سورة واحدة) أي ولو حفظ غيرها. وقوله في الركعتين أي الأوليين. (قوله: وبإعادة الفاتحة) أي ويحصل أصل السنة بإعادة الفاتحة. (قوله: إن لم يحفظ غيرها) أي غير الفاتحة. فإن حفظ غيرها لا يحصل أصل السنة بإعادتها لأن الشئ الواحد لا يؤدي به فرضا ونفلا، ولئلا يشبه تكرير الركن. وكتب سم ما نصه: قوله: غيرها: هو شامل للذكر والدعاء فلينظر. اه. (قوله: وبقراءة البسملة) أي ويحصل أصل السنة بقراءة البسملة. (قوله: لا بقصد أنها التي هي أول الفاتحة) فإن

بعض طويلة وإن طال. ويكره تركها رعاية لمن أوجبها. وخرج ببعدها ما لو قدمها عليها فلا تحسب، بل يكره ذلك. وينبغي أن لا يقرأ غير الفاتحة من يلحن فيه لحنا يغير المعنى. وإن عجز عن التعلم، لانه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة. وترك السورة جائز. ومقتضى كلام الامام: الحرمة. (و) تسن (في) الركعتين (الاوليين) من رباعية أو ثلاثية، ولا تسن في الاخيرتين إلا لمسبوق بأن لم يدرك الاوليين مع إمامه فيقرؤها في باقي صلاته إذا تداركه ولم يكن قرأها فيما أدركه، ما لم تسقط عنه لكونه مسبوقا ـــــــــــــــــــــــــــــ كان بقصد ذلك لم تحصل به السنة، بل تبطل به الصلاة إن قلنا بأن تكرير بعض الركن القولي مبطل. اه ع ش. قال الكردي: وقياس ما تقدم في البسملة، أنه لو قال: الحمد لله رب العالمين، ولم يقصد الذي في الفاتحة، ويحصل له بذلك أصل السنة، وهو ظاهر. اه. (قوله: وسورة كاملة) مبتدأ خبره أفضل من بعض طويلة. (قوله: حيث لم يرد البعض) أي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويرد يقرأ بفتح الياء وكسر الراء، من الورود. وقوله: كما في التراويح. تمثيل لما ورد فيه البعض، وذلك لأن السنة فيها القيام بجميع القرآن. ومثلها سنة الصبح، فإنه ورد فيها قراءة آية البقرة وآية آل عمران. (قوله: أفضل) أي من حيث الاتباع الذي قد يربو ثوابه على زيادة الحروف، نظير صلاة ظهر يوم النحر للحاج بمنى دون مسجد مكة في حق من نزل إليه لطواف الإفاضة، إذ الاتباع. ثم يربو على زيادة المضاعفة. ولأن الابتداء بها والوقف على آخرها صحيحان بالقطع، بخلافهما في بعض السورة، فإنهما قد يخفيان. (قوله: وإن طال) أي وإن كان بعض السورة أطول من السورة فإنها أفضل. قال سم: المعتمد أنه إنما هي أفضل من قدرها من طويلة. اه م ر. (قوله: ويكره تركها) أي الآية. ومحله في غير صلاة الجنازة لكراهتها فيها، وفي غير صلاة فاقد الطهورين إذا كان جنبا لحرمتها عليه كما مر. (قوله: وخرج ببعدها) أي وخرج بقراءة الآية بعد الفاتحة. وقوله: ما لو قدمها أي في الآية. وقوله: عليها أي الفاتحة. (قوله: فلا تحسب) أي الآية المقدمة، لأنه خلاف ما ورد في السنة. ويعيدها بعدها إأراد تحصيل السنة. (قوله: بل يكره ذلك) أي التقديم. (قوله: وينبغي) ظاهر قوله بعد: ومقتضى كلام إلخ، أن المراد من الانبغاء الاستحباب، ومقتضاه صحة صلاته إذا قرأ ولحن لحنا يغير المعنى. وفيه نظر، إذ هو حينئذ كلام أجنبي، وهو مبطل للصلاة مع التعمد والعلم، كما هو مقتضى قوله الآتي: لأنه يتكلم بما ليس بقرآن. وصريح التحفة ونصها: متى خفف مشددا، أو لحن، أو أبدل حرفا بآخر ولم يكن الإبدال قراءة شاذة، أو ترك الترتيب - سواء كان في الفاتحة أو في السورة - فإن غير المعنى وعلم وتعمد بطلت صلاته، وإلا فقراءته لتلك الكلمة. اه بتصرف. (قوله: من يلحن) فاعل يقرأ. وقوله: فيه أي في غير الفاتحة من السورة. (قوله: وإن عجز عن التعلم) أي ينبغي عدم القراءة، ولو كان عاجزا عن التعلم لبلادته أو لكبر سنه. (قوله: لأنه) أي القارئ مع اللحن. وهو تعليل لقوله: ينبغي إلخ. (قوله: بما ليس بقرآن) أي لأن الملحون ليس بقرآن. (قوله: بلا ضرورة) متعلق بيتكلم. أي يتكلم بذلك من غير احتياج إليه. (قوله: وترك السورة جائز) كالتعليل لعدم ضرورة. فكأنه قال: وإنما لم تكن هناك ضرورة إليه لأن ترك السورة جائز من أصله. (قوله: ومقتضى كلام الإمام) وهو أيضا مقتضى كلام ابن حجر كما علمت. وقوله: الحرمة أي حرمة قراءة غير الفاتحة على من يلحن فيه لحنا يغير المعنى. (قوله: وتسن) أي الآية. (قوله: في الركعتين الأوليين) أي ولو من متنفل أحرم بأكثر من ركعتين، وذلك للاتباع في المكتوبات، وقيس بها غيرها. (قوله: ولا تسن في الأخيرتين) أي في الرباعية، ولا في الأخيرة في الثلاثية. وأما قراءته - صلى الله عليه وسلم - لها في غير الأوليين فهي لبيان الجواز. (قوله: بأن لم يدرك الأوليين مع إمامه) تصوير للمسبوق، وأفاد به أن المراد به ما ذكر لا من لا يدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة. (قوله: فيقرؤها) أي الآية. وقوله: فمن باقي صلاته أي في الثالثة والرابعة. ونقل عن شرح العباب أنه يكرر السورة مرتين في ثالثة المغرب. ح ل. أي بأن أدرك الإمام في الثالثة ولم يتمكن من قراءة السورة معه فيها، وتركها في ثانيته أيضا، فإنه يسن له قراءة سورتين في ثالثته. كما قالوا في صبح يوم الجمعة: لو ترك * (الم تنزيل) * في الأولى فإنه يسن له قراءتها مع * (هل أتى) * في الثانية. اه

فيما أدركه، لان الامام إذا تحمل عنه الفاتحة فالسورة أولى. ويسن أن يطول قراءة الاولى على الثانية، ما لم يرد نص بتطويل الثانية. وأن يقرأ على ترتيب المصحف، وعلى التوالي، ما لم تكن التي تليها أطول ولو تعارض الترتيب، وتطويل الاولى كأن قرأ الاخلاص، فهل يقرأ الفلق نظرا للترتيب؟ أو الكوثر نظرا لتطويل الاولى؟ كل محتمل، والاقرب الاول. قاله شيخنا في شرح المنهاج. وإنما تسن قراءة الآية (ل) - لامام ومنفرد و (غير مأموم سمع) قراءة إمامه في الجهرية فتكره له. وقيل: تحرم. أما مأموم لم يسمعها، أو سمع صوتا لا يميز حروفه، ـــــــــــــــــــــــــــــ بجيرمي. (قوله: إذا تداركه) أي وقت تدارك الباقي. فإذا مجردة عن الشرطية. (قوله: ولم يكن قرأها فيما أدركه) الواو للحال، وهو قيد لقوله فيقرؤها. فإن قرأها فيه - بأن كان سريع القراءة والإمام بطيئها - فلا يقرؤها في باقي صلاته. وفي شرح المهذب أن المدار على إمكان القراءة وعدمها، فمتى أمكنت القراءة ولم يقرأ، لا يقرأ في الباقي، لأنه مقصر بترك القراءة. وفي كلام الشهاب عميرة: لو تركها عمدا في الأوليين فالظاهر تداركها في الأخيرتين. واعتمد ح ف كلام شرح المهذب، وهو الذي اقتصر عليه زي. اه بجيرمي بتصرف. (قوله: ما لم تسقط عنه) مرتبط بيقرؤها. فيقرأ الآية مدة عدم سقوطها عنه، فإن سقطت عنه لكونه مسبوقا فيما أدركه فلا يقرؤها في باقي صلاته. ولو قال: ولم تسقط عنه، عطفا على ولم يكن الخ، لكان أولى. (قوله: لأن الإمام إذا تحمل الخ) تعليل لاشتراط عدم سقوطها عنه. ونظر فيه الشيخ عميرة بأن الإمام لا تسن له السورة في الأخيرتين فكيف يتحملها عن المأموم؟ وأجاب ح ل: بأن سقوطها عنه لسقوط متبوعها، وهو الفاتحة، لا لتحمل الإمام لها عنه. وهذا الجواب واضح في سقوطها في الأولى التي سبق فيها. وما صورة سقوطها في الركعتين الأوليين معا؟ وصورها بعضهم بما إذا اقتدى بالإمام في الثالثة وكان مسبوقا - أي لم يدرك زمنا يسع قراءة الفاتحة - للوسط المعتدل - ثم ركع مع إمامه، ثم حصل له عذر - كزحمة مثلا - ثم تمكن من السجود فسجد. وقام من سجوده فوجد الإمام راكعا، فيجب عليه أن يركع معه وسقطت عنه الفاتحة في الركعتين، فكذلك تسقط عنه السورة تبعا. اه بجيرمي ملخصا. (قوله: ويسن أن يطول إلخ) أي للاتباع، ولأن النشاط فيها أكثر، فخفف في غيرها حذرا من الملل. (قوله: ما لم يرد نص بتطويل الثانية) وذلك كما في مسألة الزحام، فإنه يسن للإمام تطويل الثانية ليلحقه منتظر السجود، وكما في سبح وهل أتاك، في صلاة الجمعة والعيد، وكما في صلاة ذات الرقاع للإمام، فيستحب له التخفيف في الأولى والتطويل في الثانية حتى تأتي الفرقة الثانية. (قوله: وأن يقرأ الخ) أي ويسن أن يقرأ. (قوله: على ترتيب المصحف) أي بأن يقرأ الفلق ثم قل أعوذ برب الناس، فلو عكس كان خلاف الأولى. وقوله: وعلى التوالي قال ع ش: فلو تركه، كأن قرأ في الأولى الهمزة والثانية لإيلاف قريش، كان خلاف الأولى، مع أنه على ترتيب المصحف. ومنه يعلم أن ما يفعل الآن في صلاة التروايح من قراءة ألهاكم ثم سورة الإخلاص إلخ، خلاف الأولى أيضا لترك الموالاة وتكرير سورة الإخلاص. اه. (قوله: ما لم تكن التي تليها أطول) فإن كانت أطول كالأنفال وبراءة لم يكن تركه خلاف الأولى، لئلا تطول الثانية على الأولى، وهو خلاف السنة. (قوله: وإلا قرب الأول) أي فيقرأ الفلق. وقال البجيرمي: المعتمد أنه يقرأ في الثانية بعض سورة الفلق أقل من سورة الإخلاص، جمعا بين الترتيب وتطويل الأولى على الثانية. (قوله: وإنما تسن قراءة الآية) دخول على المتن. (قوله: وغير مأموم سمع قراءة إمامه) أما هو فلا يقرأ بل يستمع لقراءة إمامه، لقوله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له) * الآية. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا كنتم خلفي فلا تقرؤا إلا بأم القرآن. حسن صحيح. والاستماع مستحب. وقيل: واجب. وجزم به الفارقي في فوائد المهذب. اه مغنى. (قوله: في الجهرية) متعلق بسمع، ومقتضاه أنه إذا سمع قراءة إمامه في السرية بأن جهر بها، قرأ ولا يستمع. وهو ما صححه في الشرح الصغير اعتبارا بالمشروع. لكن الذي في الروضة - اقتضاء والمجموع تصريحا - اعتبار فعل الإمام، فعليه لا يقرأ بل يستمع. أفاده في التحفة: (قوله: فتكره له) أي للمأموم، وذلك للنهي عن قراءتها خلفه. (قوله: وقيل تحرم) قال في التحفة: واختير إن آذى غيره. اه. (قوله: أما مأموم الخ) مفهوم قوله: سمع الخ. وقوله: لم يسمعها أو سمع صوتا

فيقرأ سرا. لكن يسن له كما في أوليي السرية تأخير فاتحته عن فاتحة إمامه إن ظن إدراكها قبل ركوعه، وحينئذ يشتغل بالدعاء لا القراءة. وقال المتولي، وأقره ابن الرفعة: يكره الشروع فيها قبله ولو في السرقة، للخلاف في الاعتداد بها حينئذ، ولجريان قول بالبطلان إن فرغ منها قبله. (فرع) يسن لمأموم فرغ من الفاتحة في الثالثة أو الرابعة، أو من التشهد الاول قبل الامام، أن يشتغل بدعاء فيهما، أو قراءة في الاولى وهي أولى. (و) يسن للحاضر (في) صلاته (جمعة وعشائها) سورة (الجمعة والمنافقون أو سبح وهل أتاك و) في (صبحها) - أي الجمعة - إذا اتسع الوقت (آلم تنزيل) السجدة (وهل أتى. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يميز حروفه أي لبعده، أو لكونه به صمم وإن قرب. (قوله: لكن يسن له) أي للمأموم المذكور. ولا محل لهذا الاستدراك هنا لأن شرطه تقديم كلام يوهم ثبوت شئ أو نفيه، ولا إيهام في الكلام المتقدم، إذ هو في قراءة الآية بعد الفاتحة والاستدراك في قراءة الفاتحة. فلو حذف أداة الاستدراك وقدم ما بعده وذكره في الفرع الذي قبيل الفائدة، بأن يقول: ويسن للمأموم الذي لم يسمع قراءة إمامه الفاتحة تأخير الخ، لكان أولى. تأمل. (قوله: كما في أوليي السرية) أي كما يسن له في أوليي السرية. وقوله: تأخير نائب فاعل يسن. (قوله: إن ظن إدراكها) أي الفاتحة. فلو ظن أو علم أنه لا يمكنه قراءة الفاتحة بعد تأمينه مع إمامه سن له أن يقرأها معه. ولا يجب، كما في بشرى الكريم. (قوله: وحينئذ يشتغل) أي حين إذ أخر فاتحته عن فاتحة الإمام يشتغل بالدعاء مدة قراءة الإمام الفاتحة. وقوله: لا القراءة أي لا يشتغل بقراءة قرآن غير الفاتحة، قال في التحفة: لكراهة تقديم السورة على الفاتحة. اه. (قوله: يكره الشروع فيها) أي في الفاتحة. وقوله: قبله أي الإمام. (قوله: للخلاف في الاعتداد بها) أي بالفاتحة. وقوله: حينئذ أي حين إذ شرع فيها قبله. وظاهره عدم الاعتداد بها إذا شرع قبله، ولو تأخر فراغ فاتحته عن الإمام. فانظره. (قوله: ولجريان قول بالبطلان) أي بطلان الصلاة. وظاهره البطلان ولو أعادها بعد. وهو خلاف ما في المنهاج، ونصه مع التحفة: ولو سبق إمامه بالتحرم لم تنعقد صلاته، أو بالفاتحة أو التشهد بأن فرغ من أحدهما قبل شروع الإمام فيه لم يضره، ويجزئه الإتيان به في غير محله من غير فحش مخالفة. وقيل: تجب إعادته مع فعل الإمام أو بعده، وهو الأولى. فإن لم يعده بطلت لأن فعله مترتب على فعله فلا يعتد بما يسبقه به. ويسن مراعاة هذا الخلاف، بل يسن ولو في أوليي السرية تأخير جميع فاتحته عن فاتحة الإمام إن ظن أنه يقرأ السورة. اه. وسيأتي للشارح في مبحث القدوة نظير ما فيهما، ونص عبارته هناك: وإن سبقه بالفاتحة أو التشهد، بأن فرغ من أحدهما قبل شروع الإمام فيه، لم يضر. وقيل: تجب الإعادة مع فعل الإمام أو بعده، وهو أولى. فعليه: إن لم يعده بطلت، ويسن مراعاة هذا الخلاف. اه. (قوله: يسن إلخ) نائب الفاعل أن يشتغل الخ. (قوله: في الثالثة أو الرابعة) أي في الركعة الثالثة أو الركعة الرابعة. (قوله: أو من التشهد) معطوف على من الفاتحة. (قوله: قبل الإمام) متعلق بفرغ. (قوله: أن يشتغل بدعاء) قال سم: الذي أفتى به شيخنا الشهاب الرملي، فيما إذا فرغ المأموم من التشهد الأول قبل الإمام، أنه يسن له الإتيان بالصلاة على الآل وتوابعها. اه. وقوله: فيهما أي في الثالثة أو الرابعة، وفي التشهد الأول. (قوله: أو قراءة) أي أو يشتغل بقراءة. وقوله: في الأولى أي الثالثة أو الرابعة بعد الفراغ من فاتحتها. وقوله: وهي أولى أي القراءة فيها أولى من الدعاء. (قوله: ويسن للحاضر) سواء كان منفردا أو إماما لمحصورين وغيرهم، لأن ما ورد يأتي به وإن طال ولم يرضوا به. وخرج بالحاضر المسافر، وسيذكر ما يسن قراءته له. وقوله: سورة الجمعة والمنافقون أي لما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ في عشاء ليلة الجمعة بالجمعة والمنافقون، وفي مغربها بالكافرون والإخلاص. (وقوله: وفي صبحها الخ) أي ويسن في صبحها ما ذكر. لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر يوم الجمعة: * (الم تنزيل) * في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية: * (هل أتى) * وتسن المداومة عليهما. والقول بأنه يترك ذلك في بعض الأحيان - لئلا يعتقد العامة وجوبه - مخالف للوارد، ويلزم عليه ترك أكثر السنن. وقوله: إذا اتسع الوقت فإن ضاق الوقت أتى بسورتين قصيرتين، كما سيذكره. وقوله:

و) في مغربها (الكافرون والاخلاص). ويسن قراءتهما في صبح الجمعة وغيرها للمسافر، وفي ركعتي الفجر والمغرب والطواف والتحية والاستخارة والاحرام، للاتباع في الكل. (فرع) لو ترك إحدى المعينتين في الاولى أتى بهما في الثانية، أو قرأ في الاولى ما في الثانية قرأ فيها ما في الاولى. ولو شرع في غير السورة المعينة، ولو سهوا، قطعها وقرأ المعينة ندبا. وعند ضيق وقت: سورتان قصيرتان أفضل من بعض الطويلتين المعينتين، خلافا للفارقي. ولو لم يحفظ إلا إحدى المعينتين قرأها ويبدل الاخرى بسورة حفظها وإن فاته الولاء. ولو اقتدى في ثانية صبح الجمعة مثلا، وسمع قراءة الامام * (هل أتى) * ـــــــــــــــــــــــــــــ الم تنزيل بضم اللام - على الحكاية - نائب فاعل يسن المقدر. (قوله: وفي مغربها الخ) أي ويسن في مغرب الجمعة الكافرون والإخلاص. (قوله: ويسن قراءتهما) أي الكافرون والإخلاص. (وقوله: للمسافر) قال في التحفة لحديث فيه، وإن كان ضعيفا. وورد أيضا أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في صبح السفر بالمعوذتين. وعليه فيصير المسافر مخيرا بين ما في الحديثين، بل قضية كون الحديث الثاني أقوى، وإيثارهم التخفيف للمسافر في سائر قراءته، أن المعوذتين أولى. اه. وكتب ع ش ما نصه، قوله: للمسافر، هو شامل لما لو كان سائرا أو نازلا ليس متهيئا في وقت الصلاة للسير ولا متوقعا له. ولو قيل: إذا كان نازلا كما ذكر، لا يطلب منه خصوص هاتين السورتين لاطمئنانه في نفسه. لم يبعد. اه. (قوله: وفي ركعتي الفجر) أي ويسن قراءتهما في ركعتي الفجر، أي سنته. وسيذكر الشارح في فصل صلاة النفل أنه ورد أيضا * (ألم نشرح) * و * (وألم تر) *. وقوله: والمغرب إلخ أي وركعتي المغرب. إلخ (قوله: للاتباع في الكل) دليل لسنيتهما في صبح الجمعة وغيرها للمسافر، وفي ركعتي الفجر وما عطف عليه. (تنبيه) يسن قراءة قصار المفصل في المغرب، وطواله في الصبح، وقريب من الطوال في الظهر وأوساطه في العصر والعشاء. والحكمة فيما ذكر: أن وقت الصبح طويل وصلاته ركعتان، فناسب تطويلها. ووقت المغرب ضيق فناسب فيه القصار. وأوقات الظهر والعصر والعشاء طويلة، ولكن الصلوات طويلة أيضا، فلما تعارضا رتب عليه التوسط في غير الظهر وفيها قريب من الطوال. واختلف في طواله وأوساطه، فقال ابن معن: من الحجرات إلى عم. ومنها إلى والضحى أوساطه، ومنها إلى آخر القرآن قصاره. وجرى عليه المحلى، وم ر في شرح البهجة ووالده في شرح البهجة ووالده في شرح الزبد، واقتصر عليه في التحفة لكن مع التبري منه، فقال: على ما اشتهر. وإلا صح أن طواله كقاف والمرسلات، وأوساطه كالجمعة، وقصاره كالعصر والإخلاص. وفي البجيرمي ما نصه: وعبارة بعضهم تعرف الطوال من غيرها بالمقايسة، فالحديد وقد سمع مثلا طوال، والطور مثلا قريب من الطوال، ومن تبارك إلى الضحى أوساطه، ومن الضحى إلى آخره قصاره. اه. (قوله: لو ترك إحدى المعينتين) أي إحدى السورتين المعينتين بالنص. (قوله: أتى بهما) أي بالمعينتين معا، وإن كان يلزم عليه تطويل الثانية على الأولى. فإذا ترك في الركعة الأولى السجدة أتى بها، وبهل أتى في الركعة الثانية، لئلا تخلو صلاته عنهما. (قوله: أو قرأ في الأولى الخ) أي كأن قرأ فيها هل أتى، فيقرأ حينئذ في الثانية السجدة، لما مر. (قوله: قطعها) أي غير المعينة. وقوله: وقرأ المعينة أي محافظة على الوارد. (قوله: وعند ضيق وقت) متعلق بأفضل بعده. وقوله: سورتان قصيرتان أفضل هذا عن ابن حجر، وعند م ر بعضهما أفضل، وعبارته: ولو ضاق الوقت عن قراءة جميعها، قرأ ما أمكن منها ولو آية السجدة، وكذا في الأخرى يقرأ ما أمكنه من هل أتى، فإن قرأ غير ذلك كان تاركا للسنة. قاله الفارقي وغيره، وهو المعتمد وإن نوزع فيه. انتهت. (قوله: خلافا للفارقي) عبارة المغني: قال الفارقي: ولو ضاق الوقت عنهما أتى بالممكن، ولو آية السجدة وبعض هل أتى على الإنسان. اه. (قوله: إلا إحدى المعينتين) أي كسبح مثلا. (قوله: قرأها) أي إحدى المعينتين. (قوله: ويبدل الأخرى) أي كهل أتاك. (قوله: وإن فاته الولاء) أي كأن كان يحفظ بدل هل أتاك، والشمس، قرأها. (قوله: مثلا) مرتبط بصبح الجمعة. أي وكأن اقتدى به في ثانية صلاة

فيقرأ في ثانيته - إذا قام بعد سلام الامام - الم تنزيل. كما أفتى به الكمال الرداد وتبعه شيخنا في فتاويه. لكن قضية كلامه في شرح المنهاج أنه يقرأ في ثانيته إذا قام هل أتى، وإذا قرأ الامام غيرها قرأهما المأموم في ثانيته. وإن أدرك الامام في ركوع الثانية فكما لو لم يقرأ شيئا فيقرأ السجدة وهل أتى في ثانيته. كما أفتى به شيخنا. (تنبيه) يسن الجهر بالقراءة لغير مأموم في صبح وأوليي العشاءين وجمعة، وفيما يقضي بين غروب ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمعة وسمع قراءة الإمام هل أتاك فإنه يقرأ في ثانية نفسه سبح. (قوله: فيقرأ في ثانيته) أي الركعة الثانية له. (قوله: إذا قام) أي للثانية. (قوله: الم تنزيل) مفعول يقرأ. (قوله: كما أفتى به) أي بالمذكور من قراءة الم تنزيل في ثانيته إذا قام بعد سلام الإمام. (قوله: وتبعه شيخنا في فتاويه) عبارته: سئل عمن اقتدى به في ثانية صبح الجمعة، هل يقرأ إذا قام لثانيته ألم تنزيل؟ أو هل أتى؟ أو غيرهما؟ فأجاب بقوله: يؤخذ حكم هذا من قولهم: لو ترك سورة الجمعة أو سبح في أولى الجمعة عمدا أو سهوا أو جهلا، وقرأ بدلها المنافقين أو الغاشية، قرأ الجمعة أو سبح في الثانية، ولا يعيد المنافقين أو الغاشية كي لا تخلو صلاته عنهما. ولا نظر لتطويل الثانية على الأولى، لأن محله فيما لم يرد الشرع بخلافه كما هنا، إذ المنافقون والغاشية أطول من الجمعة وسبح. اه. فقضية هذا أنه إن قرأ في أولاه - التي مع الإمام بأن لم يسمع قراءته - هل أتى، قرأ في ثانيته ألم تنزيل، ولا يعيد هل أتى، ولو سمع قراءة الإمام في أولاه - أعني المأموم - فهو كقراءته. فإن كان الإمام قرأ هل أتى قرأ المأموم في ثانيته ألم تنزيل، وإن كان قرأ غيرها قرأ المأموم ألم تنزيل وهل أتى لأن قراءة الإمام التي يسمعها المأموم بمنزلة قراءته. فإن أدركه في ركوع الثانية فكما لو لم يقرأ شيئا فيقرأ ألم تنزيل وهل أتى في الثانية، أخذا من قولهم كيلا تخلو صلاته عنهما. هذا ما يظهر من كلامهم. اه بحذف. (قوله: لكن قضية كلامه في شرح المنهاج إلخ) عبارته: فإن ترك ألم في الأولى أتى بهما في الثانية، أو قرأ هل أتى في الأولى قرأ ألم في الثانية، لئلا تخلو صلاته عنهما، انتهت. وإذا تأملت علته مع قولهم إن السامع كالقارئ، وجدت قضية كلامه، هو ما أفتى به الكمال الرداد وتبعه فيه ابن حجر في فتاويه، من أنه يقرأ في ثانيته السجدة، لأن سماعه لقراءة الإمام هل أتى بمنزلة قراءته إياها، فيبقى عليه قراءة السجدة، فيقرؤها في ثانيته إذا قام، لئلا تخلو صلاته عنهما. تأمل. (قوله: وإذا قرأ الإمام غيرها) أي غير هل أتى في الثانية. (قوله: قرأهما) أي السجدة وهل أتى في ثانيته، لعدم سماعهما من الإمام حتى يكون بمنزلة القراءة. (قوله: وإن أدرك الإمام في ركوع إلخ) تأمل هذا مع ما سبق من أن محل تداركه للسورة في باقي صلاته إذا لم تسقط عنه الفاتحة، لأن الإمام إذا تحمل الفاتحة فالسورة أولى، وإذا أدركه في الركوع فقد سقطت عنه الفاتحة، فمقتضاه أن السورة كذلك. ولا يقرأ إلا سورة الركعة الثانية إذا تداركها. (قوله: كما أفتى به شيخنا) قد علمته. (قوله: يسن الجهر) أي ولو خاف الرياء. قال ع ش: والحكمة في الجهر في موضعه: أنه لما كان الليل محل الخلوة ويطيب فيه السمر شرع الجهر فيه طلبا للذة مناجاة العبد لربه، وخص بالأوليين لنشاط المصلي فيهما. والنهار لما كان محل الشواغل والاختلاط بالناس، طلب فيه الإسرار لعدم صلاحيته للتفرغ للمناجاة. وألحق الصبح بالصلاة الليلية لأن وقته ليس محلا للشواغل. (قوله: في صبح) متعلق بالجهر. (قوله: وأوليي العشاءين) أي ويسن الجهر في الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، دون الركعة الثالثة من المغرب والأخيرتين من العشاء، فإنه يسر فيها. فإن قيل: هلا طلب الجهر فيها لأنها من الصلاة الليلية؟. أجيب: بأن ذلك رحمة لضعفاء الأمة، لأن تجلي الله على قلوبهم بالعظمة يزداد شيئا فشيئا فيكون في آخر الصلاة أثقل منه في أولها، ولذلك خفف في آخرها ما لم يخفف في أولها. ولو ترك الجهر في أولتي ما ذكر لم يتداركه في الباقي، لأن السنة فيه الإسرار. ففي الجهر تغيير صفته، بخلاف ما لو ترك السورة في الأوليين يتداركها في الباقي لعدم تغيير صفته. (قوله: وفيما يقضي بين الخ) أي ولو كانت الصلاة سرية. وأما فيما يقتضي بعد طلوع الشمس فيسر فيه، ولو كانت جهرية. وذلك لأن العبرة بوقت القضاء لا الأداء على المعتمد. إلا في صلاة العيدين فإنه يجهر بها مطلقا عملا بأصل أن القضاء يحكى الأداء، ولأن الشرع ورد بالجهر فيها في محل الإسرار، فيستصحب. (قوله: وفي

الشمس وطلوعها، وفي العيدين - قال شيخنا: ولو قضاء - والتراويح ووتر رمضان وخسوف القمر. ويكره للمأموم الجهر، للنهي عنه. ولا يجهر مصل - وغيره - إن شوش على نحو نائم أو مصل، فيكره. كما في المجموع. وبحث بعضهم المنع من الجهر بقرآن أو غيره بحضرة المصلي مطلقا، لان المسجد وقف على المصلين - أي أصالة - دون الوعاظ والقراء، ويتوسط بين الجهر والاسرار في النوافل المطلقة ليلا (و) سن لمنفرد وإمام ومأموم (تكبير في كل خفض ورفع) للاتباع، (لا) في رفع (من ركوع)، بل يرفع منه قائلا: سمع الله لمن حمده، (و) سن (مده) - أي التكبير - إلى أن يصل إلى المنتقل إليه، وإن فصل بجلسة ـــــــــــــــــــــــــــــ العيدين) أي ويسن الجهر في صلاة العيدين. (قوله: قال شيخنا: ولو قضاء) أي يجهر في صلاة العيدين ولو كانت قضاء، لما علمت آنفا. (قوله: والتراويح) أي ويسن الجهر في التراويح. (قوله: ووتر رمضان) أو يسن الجهر في وتر رمضان، ولو لمنفرد، وإن لم يأت بالتروايح. (قوله: وخسوف القمر) أي ويسن الجهر في خسوف القمر، بخلاف كسوف الشمس فيسن الإسرار فيها. ويسن الجهر أيضا في صلاة الاستسقاء، سواء كانت ليلا أو نهارا، وفي ركعتي الطواف ليلا أو وقت الصبح. (قوله: ويكره للمأموم الخ) مفهوم قوله: لغير مأموم. (قوله: للنهي عنه) أي عن الجهر خلف الإمام. (قوله: ولا يجهر مصل وغيره) أي كقارئ وواعظ ومدرس. (قوله: إن شوش على نحو نائم أو مصل) لفظ نحو، مسلط على المعطوف والمعطوف عليه، ونحو الثاني، الطائف والقارئ والواعظ والمدرس. وانظر ما نحو النائم. ويمكن أن يقال نحوه المتفكر في آلاء الله وعظمته، بجامع الاستغراق في كل. وقوله: فيكره أي التشويش على من ذكر. وقضية عبارته كراهة الجهر إذا حصل التشويش ولو في الفرائض، وليس كذلك لأن ما طلب فيه الجهر - كالعشاء - لا يترك فيه الجهر لما ذكر، لأنه مطلوب لذاته فلا يترك لهذا العارض. أفاده ع ش. (قوله: مطلقا) أي سواء شوش عليه أو لا. (قوله: لأن المسجد الخ) هذه العلة تخصص المنع من الجهر مطلقا بما إذا كان المصلي يصلي في المسجد لا في غيره. (قوله: ويتوسط بين الجهر والإسرار) أي إن لم يشوش على نائم أو نحو مصل، ولم يخف رياء، فإن شوش أو خاف رياء أسر. واختلفوا في تفسير التوسط فقيل: هو أن يجهر تارة ويسر أخرى، وهو الأحسن. وقال بعضهم: حد الجهر أن يسمع من يليه، والإسرار أن يسمع نفسه، والتوسط يعرف بالمقايسة بينهما. كما أشار إليه قوله تعالى: * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) *. (واعلم) أن محل ما ذكر من الجهر والتوسط في حق الرجل، أما المرأة والخنثى فيسران إن كان هناك أجنبي، وإلا كانا كالرجل، فيجهران ويتوسطان، ويكون جهرهما دون جهر الرجل. (قوله: تكبير في كل خفض) أي لركوع أو سجود. وقوله: ورفع أي من السجود، أو من التشهد الأول. والحاصل: يسن كل ركعة خمس تكبيرات. قال ناصر الدين: الحكمة في مشروعية التكبير في الخفض والرفع أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير، وكان من حقه أن يصحب النية إلى آخر الصلاة. فأمر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي هو شعار النية. اه. (قوله: لا في رفع من ركوع) أي لا يسن التكبير في رفع رأسه من الركوع، ولو لثاني قيام كسوف. (قوله: بل يرفع منه) أي من الركوع. (قوله: قائلا سمع الله لمن حمده) أي حال كونه قائلا ذلك، ويكون عند ابتداء الرفع من الركوع. وأما عند انتصابه فيسن ربنا لك الحمد. والسبب في سن سمع الله لمن حمده: أن الصديق رضي الله عنه ما فاتته صلاة خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط، فجاء يوما وقت صلاة العصر فظن أنه فاتته مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاغتم بذلك وهرول ودخل المسجد فوجده - صلى الله عليه وسلم - مكبرا في الركوع، فقال: الحمد لله. وكبر خلفه - صلى الله عليه وسلم -. فنزل جبريل والنبي - صلى الله عليه وسلم - في الركوع، فقال يا محمد، سمع الله لمن حمده. وفي رواية: اجعلوها في صلاتكم. فقال:

الاستراحة. (و) سن (جهر به) - أي بالتكبير - للانتقال كالتحرم (لامام) وكذا مبلغ احتيج إليه، لكن إن نوى الذكر أو والاسماع، وإلا بطلت صلاته. كما قال شيخنا في شرح المنهاج. قال بعضهم: إن التبليغ بدعة منكرة، باتفاق الائمة الاربعة، حيث بلغ المأمومين صوت الامام. (وكره) أي الجهر به. (لغيره) من منفرد ومأموم. (و) خامسها: (ركوع بانحناء بحيث تنال راحتاه) وهما ما عدا الاصابع من الكفين، فلا يكفي وصول ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الرفع من الركوع، - وكان قبل ذلك يركع بالتكبير ويرفع به - فصارت سنة من ذلك الوقت ببركة الصديق رضي الله عنه. اه بجيرمي. (قوله: وسن مده) أي مد لام لفظ الجلالة فيه، للاتباع، ولئلا يخلو جزء من صلاته عن الذكر. وقوله: أي التكبير تفسير للضمير. ومثله: سمع الله لمن حمده. فيمده إلى الانتصاب. ولو قال أي الذكر لشملها. (قوله: إلى المنتقل إليه) أي إلى الركن الذي ينتقل الشخص إليه. (قوله: وإن فصل بجلسة الاستراحة) أي يسن المد إلى ما ذكر، وإن فصل بين الركن المنتقل عنه والركن المنتقل إليه بجلسة الاستراحة. قال الكردي: وفي الأسنى والمغني: لا نظر إلى طول المد. وكذلك أطلق الشارح في شروح العباب والإرشاد، وشيخ الإسلام في شرح البهجة، والشهاب الرملي في شرح الزبد، وسم العبادي في شرح أبي شجاع. قال في التحفة: لكن بحيث لا يتجاوز سبع ألفات إلخ، فيحمل ذلك الإطلاق على هذا التقييد. (قوله: كالتحرم) أي كما يسن جهر في التكبير للتحرم. (قوله: لإمام) متعلق بجهر، أي سن جهر به لإمام. (قوله: وكذا مبلغ) أي ويسن جهر لمبلغ أيضا كالإمام. فاسم الفاعل يقرأ بالجر عطف على إمام، والجار والمجرور قبله حال منه مقدمة عليه. ويصح قراءته بالرفع على أنه مبتدأ مؤخر، والجار والمجرور خبر مقدم. (وقوله: احتيج إليه) أي إلى المبلغ. بأن لم يسمع المأمومون صوت الإمام. (قوله: لكن الخ) كالتقييد لسنية الجهر به للإمام والمبلغ. وقوله: إن نوى الذكر أي فقط. وقوله: أو والإسماع أي أو نوى الذكر مع الإسماع. (قوله: وإلا) أي بأن نوى الإسماع فقط، أو لم ينو شيئا. وقوله: بطلت صلاته لأن عروض القرينة أخرجه عن موضوع الذكر إلى أن صيره من قبيل كلام الناس. (قوله: قال بعضهم إلخ) من كلام شيخه في شرح المنهاج، خلافا لما توهمه العبارة. ونص كلامه: بل قال بعضهم إن التبليغ بدعة منكرة باتفاق الأئمة الأربعة حيث بلغ المأمومين صوت الإمام، لأن السنة في حقه حينئذ أن يتولاه بنفسه. ومراده بكونه بدعة منكرة أنه مكروه، خلافا لمن وهم فيه فأخذ منه أنه لا يجوز. اه. (قوله: أي الجهر به) أي بالتكبير. وقوله: لغيره أي الإمام. وقوله: من منفرد بيان للغير. وقوله: ومأموم أي غير مبلغ احتيج إليه، كما علم مما مر. (قوله: وخامسها) أي خامس أركان الصلاة. وقوله: ركوع أي لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اركعوا) * الآية، ولخبر المسئ صلاته. وهو لغة: الانحناء. وشرعا: انحناء خاص، وهو ما ذكره بقوله: بانحناء بحيث إلخ. وقيل: معناه لغة: الخضوع. وهو من خصائص هذه الأمة، فإن الأمم السابقة لم يكن في صلاتهم ركوع. وأما قوله تعالى: * (واركعي مع الراكعين) * فمعناه: صلي مع المصلين. من باب إطلاق اسم الجزء على الكل. كذا قيل. ونظر فيه بأنه إذا لم يكن في صلاتهم ركوع فكيف يقال بأنه من إطلاق الجزء وإرادة الكل مع أنه لم يكن الركوع جزءا من صلاتهم؟ فالأحسن التأويل بأن المراد: اخضعي مع الخاضعين، كما هو المعنى اللغوي على القول الثاني. (قوله: بانحناء) أي ويتحقق الركوع بانحناء، أي خالص عن الانخناس، وهو أن يخفض عجيزته ويرفع أعلاه ويقدم صدره، وإلا بطلت وقوله: بحيث تنال إلخ أي يقينا. قال في النهاية: فلو شك هل انحنى قدرا تصل به راحتاه ركبتيه لزمته إعادة الركوع لأن الأصل عدمه. اه. (قوله: وهما) أي الراحتان. (قوله: من الكفين) بيان لما. (قوله: فلا يكفي) تفريع على تعريف الراحتين بما ذكر. قال في المغني: وظاهر تعبيره بالراحة - وهي بطن الكف - أنه

الاصابع (ركبتيه) لو أراد وضعهما عليهما عند اعتدال الخلقة. هذا أقل الركوع. (وسن) في الركوع (تسوية ظهر وعنق) بأن يمدهما حتى يصيرا كالصفيحة الواحدة، للاتباع. (وأخذ ركبتيه) مع نصبهما وتفريقهما (بكفيه) مع كشفهما وتفرقة أصابعهما تفريقا وسطا (وقول سبحان ربي العظيم وبحمده، ثلاثا) للاتباع. وأقل التسبيح فيه وفي السجود مرة، ولو بنحو سبحان الله، وأكثره إحدى عشرة. ويزيد من مر ندبا: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري، وما استقلت به قدمي - أي جميع جسدي - لله رب العالمين. ويسن فيه وفي السجود: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يكتفي بالأصابع. وهو كذلك، وإن كان مقتضى كلام التنبيه الاكتفاء بها. اه. وقوله: ركبتيه مفعول تنال. (قوله: لو أراد وضعهما) أي الراحتين. وقوله: عليهما أي الركبتين. وجواب لو محذوف، أي لوصلتا. وأتى بذلك لئلا يتوهم أنه لا بد من وضعهما بالفعل. (قوله: عند اعتدال الخلقة) متعلق بتنال، أي تنال مع كونه معتدل الخلقة، فإن لم يكن معتدل الخلقة، كأن كان قصير اليدين أو طويلهما، قدر معتدلا. وعبارة التحفة: فلا نظر لبلوغ راحتي طويل اليدين، ولا أصابع معتدلهما، وإن نظر فيه الأسنوي، ولا لعدم بلوغ راحتي القصير. اه. (قوله: هذا) أي انحناؤه بحيث إلخ. هو أقل الركوع: أي وأما أكمله فما ذكره بعد بقوله: وسن في الركوع تسوية إلخ. (قوله: وسن في الركوع إلخ) بيان لأكمل الركوع، وكان الأنسب للشارح أن يقول بعده: وهذا أكمل الركوع. (قوله: تسوية ظهر وعنق) أي ورأس. والاضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل، أي تسوية الراكع ظهره وعنقه ورأسه، سواء كان ذكرا أو أنثى أو خنثى، وهذا في ركوع القائم. أما القاعد فأقل الركوع في حقه محاذاة جبهته ما أمام ركبتيه، وأكمله محاذاتها محل سجوده. وقوله: بأن يمدهما تصوير للتسوية وبيان لضابطها. وقوله: كالصفيحة الواحدة أي كاللوح الواحد الذي لا اعوجاج فيه. (قوله: وأخذ ركبتيه) أي وسن أخذ ركبتيه، أي قبضهما بالفعل، للاتباع. والأقطع يرسل يديه إن كان مقطوعهما، أو يرسل إحداهما إن كان مقطوع واحدة. ومثل الأقطع قصير اليدين. (قوله: مع نصبهما) أي الركبتين، ويلزم من نصبهما نصب ساقيه وفخذيه. قال البجيرمي: والظاهر أن في تعبيره بنصب الركبتين تسمحا لأن الركبة لا تتصف بالانتصاب وإنما يتصف به الفخذ والساق، لأن الركبة موصل طرفي الفخذ والساق. اه. (قوله: وتفريقهما) أي قدر شبر. (قوله: بكفيه) متعلق بأخذ. (قوله: مع كشفهما) أي الكفين. (قوله: وتفرقة أصابعهما) أي لجهة القبلة لأنها أشرف الجهات. قال ابن النقيب: ولم أفهم معناه. قال الولي العراقي: احترز بذلك عن أن يوجه أصابعه إلى غير جهة القبلة من يمنة أو يسرة. اه مغني. وقوله: تفريقا وسطا قال ع ش: واعتبر في التفريق كونه وسطا لئلا يخرج بعض الأصابع عن القبلة. اه. (قوله: وقول سبحان) أي وسن في الركوع قول إلخ. وقوله: العظيم أي الكامل ذاتا وصفات. وأما الجليل: فهو الكامل صفات. والكبير: الكامل ذاتا. قاله الفخر الرازي. وقوله: وبحمده أي وسبحته حال كوني متلبسا بحمده. فالواو للعطف أو زائدة. (قوله: وأقل التسبيح فيه) أي الركوع. يعني أن أصل السنة فيه يحصل بمرة. وأدنى الكمال ثلاث، ثم خمس، ثم سبع، ثم تسع، ثم إحدى عشرة وهو الأكمل للمنفرد وإمام محصورين بشرطهم. أما إمام غيرهم فلا يزيد على الثلاث، أي يكره له ذلك للتخفيف على المقتدين. كذا في شرح الرملي (قوله: ويزيد من مر) أي المنفرد، وإمام محصورين بشرطهم. (قوله: لك ركعت إلخ) قدم الظرف في الثلاث الأول لأن فيها ردا على المشركين حيث كانوا يعبدون معه غيره، وأخره في قوله: خشع لك، لأن الخشوع ليس من العبادات التي ينسبونها إلى غيره حتى يرد عليهم فيها. اه ع ش. (قوله: خشع الخ) قال البجيرمي: يقول ذلك وإن لم يكن متصفا بذلك لأنه متعبد به. وفاقا ل م ر. وقال حجر: ينبغي أن يتحرى الخشوع عند ذلك وإلا يكن لئلا يكون كاذبا ما لم يرد أنه بصورة من هو كذلك. اه. (قوله: ومخي) في المصباح: المخ: الودك الذي في العظم. وخالص كل شئ مخه. وقد يسمى الدماغ مخا. اه. (قوله: وما استقلت به) أي حملته. وهو من ذكر الكل بعد الجزء. وقوله: قدمى مفرد مضاف لا مثنى، وإلقال قدماي. ولا يقال إن الألف تقلب ياء عند هذيل، فهو مثنى والياء مشددة، لأنا نقول ذاك خاص بالمقصور عندهم. كما قال إبن مالك.

لي. ولو اقتصر على التسبيح أو الذكر فالتسبيح أفضل، وثلاث تسبيحات مع اللهم لك ركعت إلى آخره أفضل من زيادة التسبيح إلى إحدى عشرة. ويكره الاقتصار على أقل الركوع والمبالغة في خفض الرأس عن الظهر فيه. ويسن لذكر أن يجافي مرفقيه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، في الركوع والسجود. ولغيره أن يضم فيهما بعضه لبعض. (تنبيه) يجب أن لا يقصد بالهوي للركوع غيره، فلو هوي لسجود تلاوة فلما بلغ حد الركوع جعله ركوعا لم يكف، بل يلزمه أن ينتصب ثم يركع، كنظيره من الاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين. ولو شك غير مأموم وهو ساجد هل ركع؟ لزمه الانتصاب فورا ثم الركوع، ولا يجوز له القيام راكعا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وألفا سلم وفي المقصور عن هذيل انقلابها ياء حسن وقوله: أي جميع جسدي بيان لما هو مراد من قوله: وما استقلت به قدمي. وقوله: لله رب العالمين بدل من قوله: لك. أو خبر عن ما في قوله: وما استقلت. وهو أولى، لما يلزم على الأول من إبدال الظاهر من الضمير من غير إفادة إحاطة أو بعض أو اشتمال، وهو لا يصح. كما قال في الخلاصة: ومن ضمير الحاضر الظاهر لا تبدله إلا ما إحاطة جلا أو اقتضى بعضا أو اشتمالا (قوله: ويسن فيه وفي السجود الخ) قال ع ش: وينبغي أن يكون ذلك قبل الدعاء لأنه أنسب بالتسبيح، وأن يقوله ثلاثا. اه. (قوله: ولو اقتصر الخ) أي ولو أراد الاقتصار على واحد منهما فالتسبيح أولى. (قوله: وثلاث تسبيحات) مبتدأ خبره أفضل. (قوله: مع اللهم الخ) أي مع الإتيان بما ذكر. وقوله: أفضل من زيادة الخ أي لأن فيه جمعا بين سنتين، بخلاف ما لو اقتصر على الأكمل. (قوله: والمبالغة إلخ) أي وتكره المبالغة في خفض رأسه عن ظهره، وهذا مفهوم التسوية المارة. وقوله: فيه أي في الركوع. (قوله: ويسن لذكر أن يجافي مرفقيه الخ) أي إن يرفع مرفقيه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وذلك للاتباع. ويستثنى العاري فالأفضل له الضم. (قوله: ولغيره الخ) أي ويسن لغيره - أي الذكر - من امرأة وخنثى: الضم، وذلك لأنه أستر لها وأحوط له. (قوله: يجب أن لا يقصد بالهوي للركوع غيره) أي غير الركوع، بأن يهوي بقصد الركوع وحده أو مع غيره، أو لا بقصد شئ. (قوله: فلو هوي لسجود تلاوة) أي أو لقتل نحو حية. (قوله: فلما بلغ) أي وصل حد الركوع ولو أقله. (قوله: جعله ركوعا) أي قصد أن يجعل هذا الحد الذي انتهى إليه عن الركوع الواجب عليه. (قوله: لم يكف) جواب لو، أي لم يغن عن الركوع لوجود الصارف. واختلف فيما لو قرأ إمامه آية سجدة ثم ركع عقبها، فظن المأموم أنه هوي لسجدة التلاوة فهوى لذلك معه، فرآه لم يسجد فوقف عن السجود. فقال الجمال الرملي: الأقرب أنه يحسب له هذا عن الركوع، ويغتفر ذلك للمتابعة. وقال ابن حجر: رجح شيخنا زكريا أنه يعود للقيام ثم يركع. وهو أوجه. اه. (قوله: بل يلزمه إلخ) إضراب انتقالي لا إبطالي. وقوله: أن ينتصب أي أن يرجع لما كان عليه من قيام أو جلوس. (قوله: كنظيره) أي الركوع. أي فيشترط فيه ما اشترط في الركوع من أنه لا يقصد به غيره. وقوله: من الاعتدال الخ بيان لذلك النظير، أي فلو رفع رأسه من الركوع فزعا من شئ، لم يكف عن الاعتدال لوجود الصارف، أو سقط من الاعتدال على وجهه لم يكف عن السجود لما ذكر. أو رفع رأسه من السجود فزعا من شئ لم يكف عن الجلوس لما ذكر أيضا. (قوله: ولو شك غير مأموم) أي من إمام ومنفرد، أما المأموم فإنه يأتي بعد سلام الإمام بركعة ولا يعود له، كما سيذكره فيما إذا شك في إتمام الاعتدال. (قوله: وهو ساجد) أي شك في حال سجوده. (قوله: هل ركع) أي أو لا. (قوله: لزمه الانتصاب فورا) فإن مكث ليتذكر بطلت صلاته. كما يأتي في نظيره في الاعتدال. (قوله: ثم الركوع) أي ثم بعد الانتصاب يلزمه الركوع. (قوله: ولا يجوز له القيام راكعا) أي

(و) سادسها (اعتدال) ولو في نفل، على المعتمد. ويتحقق (بعود) بعد الركوع (لبدء) بأن يعود لما كان عليه قبل ركوعه، قائما كان أو قاعدا. ولو شك في إتمامه عاد إليه غير المأموم فورا وجوبا وإلا بطلت صلاته. والمأموم يأتي بركعة بعد سلام إمامه. (ويسن أن يقول في رفعه) من الركوع (سمع الله لمن حمده) أي تقبل منه حمده، والجهر به لامام ومبلغ لانه ذكر انتقال. (و) أن يقول (بعد انتصاب) للاعتدال: (ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شئ بعد) أي بعدهما، كالكرسي والعرش. وملء بالرفع صفة، وبالنصب حال. أي مالئا بتقدير كونه جسما، وأن يزيد من مر: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يجوز له أن ينتصب إلى حد الركوع فقط. قال في التحفة: وإنما لم يحسب هويه عن الركوع لأنه صرف هويه المستحق للركوع إلى أجنبي عنه في الجملة، إذ لا يلزم من السجود من قيام وجود هوى الركوع. اه بتصرف. (قوله: وسادسها) أي أركان الصلاة. (قوله: اعتدال) أي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ثم ارفع حتى تعتدل قائما. (قوله: ولو في نفل، على المعتمد) مقابله يقول: لا يجب الاعتدال في النافلة. ومثله فيها الجلوس بين السجدتين. (قوله: ويتحقق) أي الاعتدال شرعا بما ذكر، أما لغة: فهو الاستقامة والمماثلة ونحوهما. (قوله: بأن يعود إلخ) تصوير لعوده لبدء وقوله: لما كان عليه قبل ركوعه يؤخذ منه أنه لو صلى نفلا قاعدا مع القدرة، فركع وهو قائم واعتدل وهو جالس، لم يكف لأنه لم يعد لما كان عليه قبل. (قوله: قائما كان أو قاعدا) الأولى أن يقول بدله: من قيام أو قعود. ويكون بيانا لما. (قوله: ولو شك في إتمامه) أي الاعتدال، أي بأن شك بعد السجود هل اطمأن فيه أم لا؟ فيجب عليه حينئذ العود. حالا. (قوله: والمأموم الخ) محترز قوله غير المأموم. (قوله: أي تقبل منه حمده) فالمراد سمعه سماع قبول لا رد، ويكون بمعنى الدعاء، كأنه قيل: اللهم تقبل حمدنا. فاندفع ما يقال أن سماع الله مقطوع به فلا فائدة في الإخبار به. اه بجيرمي. (وقوله: والجهر به) أي ويسن الجهر بسمع الله لمن حمده، لكن بالشرط السابق، وهو نية الذكر وحده أو مع الإسماع. (قوله: ومبلغ) أي احتيج إليه، كما مر. (قوله: لأنه) أي ما ذكر من سمع الله إلخ. وقوله: ذكر انتقال أي وهو يسن فيه الجهر لمن ذكر. (قوله: وإن يقول الخ) أي ويسن أن يقول بعد انتصاب: ربنا لك الحمد. وهو أفضل الصيغ. ويندب أن يزيد: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، لما روي عن رفاعة بن رافع قال: كنا نصلي وراء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده. فقال رجل وراءه: ربنا لك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. فلما انصرف قال: من المتكلم آنفا؟ قال: أنا. قال: رأيت بضعة وثلاثين يبتدرونها أيهم يكتبها أول. وفي رواية: يتسابق إليها ثلاثون ملكا يكتبون ثوابها لقائلها. (قوله: وملء ما شئت من شئ بعد) أي وملء شئ شئت أن تملأه بعد السموات والأرض، أي غيرهما. وقوله: كالكرسي والعرش تمثيل له. وقد ورد أن: السموات بالنسبة للكرسي كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وكذا كل سماء بالنسبة للأخرى. (قوله: وملء بالرفع صفة) أي للحمد. يصح أن يكون خبر مبتدأ محذوف. وقوله: وملء بالنصب حال أي من الحمد أيضا. وفيه أنه معرفة، والحال لا تكون إلا نكرة غالبا. وأيضا ملء مصدر، ومجيئه حالا سماعي. (قوله: أي مالئا) التفسير به على أنه حال وعلى أنه صفة، يقال: مالئ بالرفع. (قوله: بتقدير كونه حسما) هذا جواب عما يقال: الحمد من المعاني، فكيف يكون مالئا للسموات والأرض؟ وحاصل الجواب أنه يقدر كونه جسما. قال القليوبي: أي من نور. كما أن السيآت تقدر جسما من ظلمة. ولا بد من ذلك التقدير على أنه صفة أيضا. اه. والمعنى عليه: نثني عليك ثناء لو كان مجسما لملأ السموات والأرض وما بعدهما. (قوله: وأن يزيد من مر) أي المنفرد وإمام قوم محصورين. (قوله: أهل الثناء والمجد) أي يا أهل المدح والعظمة، فهو منصوب على النداء. ويصح أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، أي أنت أهل الثناء والمجد. (قوله: أحق ما قال العبد) هو مبتدأ خبره قوله: لا مانع لما أعطيت. وجملة: وكلنا لك عبد، اعتراضية. قال في النهاية: ويحتمل، كما قاله ابن الصلاح، كون أحق خبرا لما قبله وهو ربنا

عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. (و) سن (قنوت بصبح) أي في اعتدال ركعته الثانية، بعد الذكر الراتب على الاوجه، وهو إلى من شئ بعد (و) اعتدال آخره (وتر نصف أخير من رمضان) للاتباع، ويكره في النصف الاول، كبقية السنة. (وبسائر مكتوبة) من الخمس في اعتدال الركعة الاخيرة، ولو مسبوقا قنت مع إمامه (لنازلة) نزلت بالمسلمين. ولو واحدا تعدى نفعه - كأسر العالم أو الشجاع - ـــــــــــــــــــــــــــــ لك الحمد إلخ. أي هذا الكلام أحق الخ. يعني أنه خبر لمبتدأ محذوف يدل عليه ما قبله. (قوله: لا مانع) بترك التنوين فيه، وفي معطي بعده، مع أنهما من قبيل الشبيه بالمضاف لأنهما عاملان فيما بعدهما، وهو مشكل على مذهب البصريين الموجبين تنوين الشبيه بالمضاف. وقد يجاب بمنع عملهما فيما بعدهما ويقدر له عامل. أي لا مانع يمنع لما أعطيت، ولا معطي يعطي لما منعت. واللام فيهما زائدة للتقوية، وعليه يكونان مبنيان على الفتح. والمعنى على كل: أنه لا أحد يمنع الشئ الذي أعطيته يا الله لأحد من عبيدك، ولا أحد يعطي الشئ الذي منعته من أحد من عبيدك. - وهذا مقتبس من قوله تعالى: * (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده) *. وينبغي للعبد أن لا يحجبه المنع والعطاء عن مولاه، لقول ابن عطاء رضي الله عنه: ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك. أي ربما أعطاك شيئا من الدنيا ولذتها فمنعك التوفيق بطاعته والإقبال عليه والفهم عنه، وربما منعك من الأول فأعطاك الثاني. (قوله: ولا ينفع ذا الجد) بفتح الجيم في الموضعين، بمعنى الغنى والحظ أو النسب. وقوله: منك أي عندك. وقوله: الجد فاعل ينفع. والمعنى: لا ينفع صاحب الغنى أو الحظ أو النسب ذلك، وإنما ينفعه عندك رضاك عنه. وروي بالكسر فيهما، بمعنى الاجتهاد. وقيل: إن فاعل ينفع ضمير مستتر يعود على العطاء المفهوم من معطي، وذا الجد منادى حذف منه ياء النداء، ومنك الجد مبتدأ أو خبر. والمعنى عليه: ولا ينفع عطاؤه لو أعطى كما لا يضر منعه يا صاحب الجد، أي الغنى، الجد كائن منك لا من غيرك. (قوله: وسن قنوت بصبح) أي لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - ما زال يقنت حتى فارق الدنيا. والقنوت لغة: الدعاء بخير أو شر. وشرعا: ذكر مخصوص مشتمل على دعاء وثناء. (قوله: أي في اعتدال الخ) أفاد به أن الباء بمعنى في، وأن في الكلام حذفا تقديره ما ذكر. وإنما اختص القنوت بالصبح لشرفها، مع قصرها، فكانت بالزيادة أليق، ولأنها خاتمة الصلوات التي صلاها جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - عند البيت، والدعاء يستحب في الخواتيم. وإنما اختص باعتداله لما صح - من أكثر الطرق - أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله للنازلة بعد الركوع، فقسنا عليه هذا. وجاء بسند حسن أن أبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - كانوا يفعلونه بعد الركوع. فلو قنت شافعي قبله لم يجزه ويسجد للسهو. (قوله: بعد الذكر الراتب) متعلق بقنوت أو بسن. (قوله: وهو إلى من شئ بعد) أي الذكر الراتب من سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد إلى من شئ بعد، ففي الكلام حذف معلوم من المقام. قال الكردي: واعتمد هذا في التحفة وشرحي الإرشاد، واعتمد في الإيعاب أنه لا يزيد على سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد. وقال الجمال الرملى في النهاية: يمكن حمل الأول على المنفرد وإمام من مر، والثاني على خلافه. اه. وبه يجمع بين الكلامين. اه. (قوله: واعتدال الخ) معطوف على بصبح، أي وسن قنوت في اعتدال إلخ. وقوله: آخره بلا تنوين مضاف لوتر، وهو أيضا مضاف إلى نصف. وقوله: أخير صفة للنصف. (وقوله: من مضان) صفة ثانية له، أو متعلق بأخير. (قوله: للاتباع) راجع لقنوت الصبح وما بعده. (قوله: ويكره) أي القنوت. (قوله: كبقية السنة) أي ككراهته في اعتدال آخر الوتر بقية السنة، ولا يحرم وإن طال. ولا تبطل به الصلاة عند ابن حجر. (قوله: وبسائر مكتوبة) أي وسن أيضا القنوت في باقي المكتوبات، لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرا يدعو على قاتلي أصحابه القراء ببئر معونة. ويقاس بالعدو غيره. (قوله: في اعتدال الركعة الأخيرة) متعلق بقنوت مقدرا. (قوله: ولو مسبوقا) غاية لسنيته في الركعة الأخيرة. وقوله: قنت مع إمامه صفة لمسبوقا. (قوله: لنازلة) أي لرفعها، ولو لغير من نزلت به، فيسن لأهل ناحية لم تنزل بهم فعل ذلك لمن نزلت به. اه

وذلك للاتباع، وسواء فيها الخوف ولو من عدو مسلم، والقحط والوباء. وخرج بالمكتوبة النفل - ولو عيدا - والمنذورة، فلا يسن فيهما. (رافعا يديه) حذو منكبيه ولو حال الثناء، كسائر الادعية، للاتباع، وحيث دعا لتحصيل شئ، كدفع بلاء عنه في بقية عمره، جعل بطن كفيه إلى السماء. أو لرفع بلاء وقع به جعل ظهرهما إليها. ويكره الرفع لخطيب حالة الدعاء، (بنحو: اللهم اهدني فيمن هديت، إلى آخره) أي وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، أي معهم لا ندرج في سلكهم. وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت فإنك ـــــــــــــــــــــــــــــ بجيرمي. (قوله: ولو واحدا) غاية لمقدر، أي أو بعضهم ولو كان واحدا. وعبارة المنهج القويم: نزلت بالمسلمين أو بعضهم. اه. (قوله: كأسر العالم أو الشجاع) تمثيل للمتعدي نفعه الذي نزلت به النازلة. (قوله: وذلك) أي سنية قنوت النازلة. وقوله للاتباع هو ما مر قريبا. (قوله: وسواء فيها) أي النازلة. (قوله: ولو من عدو مسلم) غاية لمقدر، أي من كل عدو ولو من عدو مسلم. (قوله: والقحط) هو احتباس المطر، والوباء هو كثرة الموت من غير طاعون، وبعضهم فسره به. (قوله: وخرج بالمكتوبة النفل) أي وصلاة الجنازة. (قوله: ولو عيدا) أي ولو كان النفل عيدا، أي ونحوه من كل ما تسن فيه الجماعة. (قوله: فلا يسن) أي قنوت النازلة. أي: ولا يكره، كما نص عليه في التحفة، ونصها: أما غير المكتوبات، فالجنازة يكره فيها مطلقا لبنائها على التخفيف، والمنذورة والنافلة التي تسن فيها الجماعة وغيرهما لا يسن فيها، ثم إن قنت فيها لنازلة لم يكره، وإلا كره. وقول جمع: يحرم، وتبطل في النازلة. ضعيف، وكذا قول بعضهم: تبطل إن أطال. لإطلاقهم كراهة القنوت في الفرائض وغيرها لغير النازلة، المقتضى أنه لا فرق بين طويله وقصيره. (قوله: رافعا يديه) حال من محذوف معلوم من المقام وهو القانت. أي حال كونه رافعا يديه - أي إلى جهة السماء - مكشوفتين. (قوله: ولو حال الثناء) غاية لسنية رفع يديه حذو منكبيه، أي يسن رفعهما ولو في حال إتيانه بالثناء، وهو قوله: فإنك تقتضي إلخ. (قوله: للاتباع) دليل لسنية رفع اليدين. (قوله: وحيث دعا إلخ) حيث ظرف متعلق بجعل بعده. وقوله: لتحصيل شئ متعلق بدعا، واللام فيه بمعنى الباء، أي طلب من الله تحصيل شئ. والمراد بالشئ ما كان خيرا. وقوله: كدفع بلاء الخ يحتمل أنه تنظير، ويحتمل أنه تمثيل للشئ الذي طلب تحصيله. وقوله: في بقية عمره أي في المستقبل. (قوله جعل بطن الخ) أي سن له ذلك. (قوله: أو لرفع بلاء وقع به) اللام بمعنى الباء أيضا، أي وحيث طلب من الله رفع بلاء حل به بالفعل. وقوله: جعل ظهرهما إليها أي يسن له ذلك. وقضيته أنه يجعل ظهرهما إلى السماء عند قوله: وقنا شر ما قضيت. وهو كذلك عند الجمال الرملي، وأفتى والده بأنه لا يسن ذلك لأن الحركة في الصلاة ليست مطلوبة. ورد بأن محله فيما لم يرد، وقد ورد ما ذكر. والحكمة في جعل ظهرهما إليها عند ذلك أن القاصد دفع شئ يدفعه بظهور يديه، بخلاف القاصد حصول شئ فإنه يحصله ببطونهما. (قوله: ويكره الرفع لخطيب حالة الدعاء) مثله في فتح الجواد، وزاد فيه: ولا يسن مسح الوجه وغيره بعد القنوت. بل قال جمع: يكره مسح نحو الصدر. ولعل ما ذكر من كراهة الرفع له في غير خطبة الاستسقاء، أماهي فقد صرحوا بسنية ذلك له. (قوله: بنحو الخ) متعلق بقنوت. (قوله: اللهم اهدني) أي دلني دلالة موصولة إلى المقصود. وقوله: وعافني أي من محن الدنيا والآخرة، فيمن عافيته من ذلك. وقوله: وتولني أي قربني إليك، أو انصرني في جميع أحوالي، فيمن توليته، أي قربته أو نصرته. (قوله: أي معهم) أشار به إلى أن في - الداخلة على الأفعال الثلاثة - بمعنى مع، ويحتمل أنها باقية على معناها وتجعل متعلقة بمحذوف. والتقدير: اهدني يا الله واجعلني مندرجا فيمن هديت، وكذا يقال في الاثنين بعده. (قوله: لا ندرج في سلكهم) أي لأدخل في طريقتهم (قوله: وبارك لي فيما أعطيت) أي أنزل يا الله البركة - وهي الخير الإلهي - فيما أعطيته لي. وفي هنا على حقيقتها. (قوله: وقني شر ما قضيت) أي القضاء أو المقضي، فما على الأول مصدرية، وعلى الثاني موصولة. والمراد: قني أي احفظني مما يترتب على القضاء أو المقضي من الشر الذي هو السخط والتضجر. وإلا فالقضاء بمعنى الإرادة الأزلية، والمقضي الذي تعلقت إرادة الله بوجوده لا يمكن الوقاية منهما. ولذلك قال بعض العارفين: اللهم لا نسألك دفع ما تريد ولكن نسألك التأييد فيما تريد.

تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت. تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك. وتسن آخره الصلاة والسلام على النبي (ص) وعلى آله، ولا تسن أوله. ويزيد فيه - من مر - قنوت عمر الذي كان يقنت به في الصبح، وهو: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونستهديك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد، ولك ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أنه يجب الرضا بالقضاء مطلقا، لأنه حسن بكل حال. وأما المقضي فإن كان واجبا أو مندوبا فكذلك، وإن كان مباحا أبيح، وإن كان حراما أو مكروها حرم، وإن كان من ملائمات النفوس أو منفراتها سن الرضا به. اه بشرى الكريم بتصرف. (قوله: فإنك تقضي ولا يقضى عليك) أي تحكم على جميع الخلق ولا يحكم أحد عليك. وهذا أول الثناء، وما تقدم كله دعاء. وقوله: وأنه لا يذل بفتح الياء وكسر الذال، وفي رواية: بضم الياء وفتح الذال، والمعنى: لا يحصل لمن واليته ذل من أحد. اه بجيرمي بتصرف. ومفاده جريان الوجهين في يعز. (قوله: ولا يعز من عاديت) أي لا تحصل عزة لمن عاديته وأبعدته عن رحمتك وغضبت عليه. (فائدة) سئل السيوطي: هگل هو بكسر العين أو فتحها أو ضمها؟ فأجاب بقوله: هو بكسر العين مع فتح الياء، بلا خلاف بين العلماء من أهل الحديث واللغة والتصريف. قال: وألفت في ذلك مؤلفا. قال: وقلت في آخره نظما: يا قارئا كتب الآداب كن يقظا وحرر الفرق في الأفعال تحريرا عز المضاعف يأتي في مضارعه تثليث عين بفرق جاء مشهورا فما كقل وضد الذل مع عظم كذا كرمت علينا جاء مكسورا وما كعز علينا الحال أي صعبت فافتح مضارعه إن كنت نحريرا وهذه الخمسة الأفعال لازمة واضمم مضارع فعل ليس مقصورا عززت زيدا بمعنى قد غلبت كذا أعنته فكلا ذا جاء مأثورا وقل إذا كنت في ذكر القنوت ولا يعز يا رب من عاديت مكسورا واشكر لأهل علوم الشرع أن شرحوا لك الصواب وأبدوا فيه تذكيرا (قوله: تباركت ربنا وتعاليت) أي تزايد خيرك وبرك، وارتفعت عما لا يليق بك. (قوله: فلك الحمد على ما قضيت) أي على قضائك، فالحمد عليه ثناء بجميل أو على مقضيك ومنه جميل كالعافية والخصب والطاعة. والحمد عليه ظاهر لأنه ثناء بجميل ومنه غير جميل كالآلام والمعاصي. والحمد عليه غير ظاهر؟ ويجاب بأن جميع مقضياته بالنظر إليه سبحانه وتعالى جميلة وحسنة قطعا لأنه لا يصدر عنه إلا الجميل، وإنما يكون شرا بإضافته إلينا. (قوله: أستغفرك وأتوب إليك) أي أطلب منك يا الله غفران الذنوب والتوبة منها. (قوله: وتسن آخره الصلاة الخ) أي حتى لجمع بين هذا القنوت وقنوت سيدنا عمر جعلها آخرهما لا أولا ولا وسطا. ولا يشكل على التأخير قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تجعلوني كقدح الراكب، إجعلوني في أول كل دعاء وآخره. لأنه محمول على غير الوارد، وما هنا من الوارد. وقوله: كقدح الراكب، أي لا تجعلوني خلف ظهوركم لا تذكروني إلا عند حاجتكم، كما أن الراكب لا يتذكر قدحه الذي خلف ظهره إلا عند عطشه. (قوله: ولا تسن) أي الصلاة وما عطف عليها. والأولى: ولا يسنان، بضمير التثنية العائد على الصلاة والسلام. وقوله: أوله أي القنوت. (قوله: ويزيد فيه) أي القنوت. وقوله: من مر أي المنفرد وإمام محصورين بشرطهم. (قوله: قنوت عمر) مفعول يزيد. (قوله: وهو) أي قنوت عمر. (قوله: اللهم إنا نستعينك إلخ) السين والتاء في الأفعال الثلاثة للطلب. والمعنى: نطلب منك يا الله العون والمغفرة والهداية. (وقوله: ونؤمن بك) أي نصدق. وقوله: ونتوكل أي نعتمد ونظهر العجز لك. وقوله: ونثني عليك الخير كله أي الثناء الخير، فيكون مفعولا مطلقا، أو بالخير

نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد - أي نسرع - نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق. ولما كان قنوت الصبح المذكور أولا ثابتا عن النبي (ص) قدم على هذا، فمن ثم لو أراد أحدهما فقط اقتصر على الاول، ولا يتعين كلمات القنوت، فيجزئ عنها آية تضمنت دعاء إن قصده - كآخر البقرة - وكذا دعاء محض ولو غير مأثور. قال شيخنا: والذي يتجه أن القانت لنازلة يأتي بقنوت الصبح ثم يختم بسؤال رفع ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكون منصوبا بنزع الخافض. والمراد إنشاء الثناء على الله بقدر الاستطاعة، لأن الشخص لا يقدر أيثني عليه بكل خير تفصيلا. وقوله: نشكرك المراد بالشكر ضد الكفر بدليل المقابلة. وقوله: ولا نكفرك أي لا نجحدك نعمتك بعدم الشكر عليها. وقوله: ونخلع أي نترك. فعطف ما بعده عليه للتفسير. وفي التعبير به إشارة إلى أن الكافر كالنعل التي تخلع من الرجلين. وقوله: من يفجرك أي يخالفك بالمعاصي. وقوله: وإليك نسعى أي إلى طاعتك نسعى. وقوله: ونحفد بضم النون وفتحها مع كسر الفاء، وفسره بقوله: أي نسرع. قال سم: سئل الجلال السيوطي عن قوله فيه: ونحفد. هل هو بالمهملة أو بالمعجمة؟ فأجاب بقوله: هو بالمهملة. وألفت في ذلك كتابا الخ. اه. وقوله: إن عذابك الجد أي الحق. (قوله: بالكفار) متعلق بما بعده. (وقوله: ملحق) بكسر الحاء، أي لاحق. أو فتحها على معنى أن الله يلحقه بهم. وبقي من قنوت سيدنا عمر: اللهم عذب الكفرة والمشركين الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسولك، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم. إله الحق واجعلنا منهم. (قوله: المذكور أولا) أي وهو: اللهم اهدني إلخ. (قوله: ثابتا) أي واردا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أي بخلاف قنوت سيدنا عمر، فإنه من مخترعاته وليس ثابتا عنه - صلى الله عليه وسلم -، (قوله: قدم) أي القنوت المذكور أولا. وقوله: على هذا أي على قنوت سيدنا عمر رضي الله عنه. (قوله: فمن ثم) أي ومن أجل ثبوت الأول دون الثاني. (قوله: لو أراد أحدهما) أي قنوت النبي أو قنوت عمر. (قوله: اقتصر على الأول) أي قنوت النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: ولا يتعين) أي للقنوت المطلوب منه. وقوله: كلمات القنوت أي السابقة. ومحل عدم تعينها ما لم يشرع فيها، وإلا تعينت لأداء القنوت. ويسجد للسهو لترك شئ منها أو لإبدال كلمة بأخرى. كما سيأتي في فصل سجود السهو. (قوله: فيجزئ عنها) أي عن كلمات القنوت السابقة. (قوله: آية تضمنت دعاء) أي وثناء، كما سيذكره، وذلك كقوله تعالى: * (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) * (قوله: إن قصده) أي الدعاء وحده، بخلاف ما إذا لم يقصده فلا يجزئ، بل يكره الإتيان بالآية مع قصد القرآن وذلك لكراهة القراءة في غير القيام. (قوله: وكذا دعاء محض) أي وكذلك يجزئ عن كلمات القنوت دعاء محض. وفي سم ما نصه: قال في العباب: وتحصل سنة القنوت بكل دعاء. قال في شرحه: ولو بغير مأثور. كما في المجموع عن الماوردي. قال الأذرعي: وفي إطلاقه نظر، ويظهر أنه لا يكفي الدعاء المحض، ولا سيما بأمور الدنيا فقط، بل لا بد من تمجيد ودعاء. اه. والأوجه الأول، فيكفي الدعاء فقط، لكن بأمور الآخرة أو أمور الدنيا. اه ما في شرح العباب. وقد وافق الأذرعي شيخنا الشهاب الرملي حيث أفتى بأنه لا بد في بدل القنوت أن يكون دعاء وثناء، وقضية إطلاقه اعتبار ذلك أيضا في الآية. اه. وفي النهاية: ويشترط في بدله أن يكون دعاء وثناء. كما قاله البرهان البجوري وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى: (قوله: قال شيخنا: والذي إلخ) عبارته بعد قول الأصل: وشرع القنوت في سائر المكتوبات النازلة. قال بعضهم: وليس المراد به هنا ما مر في الصبح، لأنه لم يرد في النازلة، وإنما الوارد الدعاء برفعها فهو المراد هنا. قال: ولا يجمع بينه وبين الدعاء برفعها لئلا يطول الاعتدال، وهو

تلك النازلة. (وجهر به) أي القنوت، ندبا، (إمام) ولو في السرية، لا مأموم لم يسمعه ومنفرد فيسران به مطلقا، (وأمن) جهرا (مأموم) سمع قنوت إمامه للدعاء منه. ومن الدعاء: الصلاة على النبي (ص)، فيؤمن لها على الاوجه. أما الثناء وهو: فإنك تقضي - إلى آخره - فيقوله سرا. أما مأموم لم يسمعه أو سمع صوتا لا يفهمه فيقنت سرا. (وكره لامام تخصيص نفسه بدعاء) أي بدعاء القنوت، للنهي عن تخصيص نفسه بالدعاء. فيقول الامام: اهدنا، وما عطف عليه بلفظ الجمع. وقضيته أن سائر الادعية كذلك، ويتعين حمله على ما لم يرد ـــــــــــــــــــــــــــــ مبطل. اه. وظاهر المتن وغيره خلاف ذلك، بل هو صريح، إذ المعرفة إذا أعيدت بلفظها كانت عين الأولى غالبا. وقوله: وهو مبطل خلاف المنقول، فقد قال القاضي: لو طول القنوت المشروع زائدا على العادة كره، وفي البطلان احتمالان. وقطع المتولي وغيره بعدمه، لأن المحل محل الذكر والدعاء. ثم قال: إذا تقرر هذا فالذي يتجه أنه يأتي يقنوت الصبح ثم يختم بسؤال رفع تلك النازلة، له فإن كانت جدبا دعا ببعض ما ورد في أدعية الاستسقاء. اه. (قوله: وجهر به، أي القنوت) لا فرق فيه بين قنوت الصبح وغيره، من قنوت النازلة وقنوت آخر الوتر من نصف رمضان. (قوله: إمام) فاعل جهر. (قوله: ولو في السرية) أي يجهر به مطلقا، في الصلاة الجهرية والسرية - كما في قنوت النازلة - في الظهر والعصر. ويجهر به أيضا في المؤداة والمقضية. (قوله: لا مأموم) أي لا يجهر به مأموم. وقوله: لم يسمعه أي قنوت إمامه. (قوله: ومنفرد) أي ولا يجهر به منفرد. (قوله: فيسران) أي المأموم الذي لم يسمع والمنفرد، وهو مفرع على مفهوم ما قبله. وقوله: مطلقا أي سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، وسواء كان في قنوت الصبح أو في غيره. وذكرته من التعميم، هو مقتضى كلام الشارح وكلام شيخه في التحفة أيضا، لكن صرح في النهاية بأنه يسن الجهر بقنوت النازلة مطلقا للإمام والمنفرد، ولو سرية. وقال: كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى. وفرق ع ش بينه وبين قنوت الصبح بشدة الحاجة لرفع البلاء الحاصل، فطلب الجهر إظهارا لتلك الشدة. (قوله: وأمن) بفتح الهمزة وتشديد الميم المفتوحة، فعل ماض فاعله ما بعده. قال في الروض وشرحه: ويؤمن المأموم للدعاء كما كانت الصحابة يؤمنون خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك. رواه أبو داود بإسناد حسن صحيح، ويجهر به كما في تأمين القراءة. اه. (قوله: للدعاء) متعلق بأمن. وسيذكر مقابله بقوله: أما الثناء. وقوله: منه أي من القنوت. (قوله: ومن الدعاء) أي لا من الثناء. وقوله: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ معناها طلب زيادة الرحمة للنبي عليه الصلاة والسلام، وهو دعاء. (قوله: فيؤمن لها) أي للصلاة عليه. وقوله: على الأوجه أي المعتمد عند حجر وم ر. قال في التحفة: وقول الشارح: يشارك - أي يصلي على النبي - مع الإمام وإن كانت دعاء، للخبر الصحيح: رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل علي. يرد بأن التأمين في معنى الصلاة عليه مع أنه الأليق بالمأموم لأنه تابع للداعي، فناسبه التأمين على دعائه، قياسا على بقية القنوت. اه بزيادة. وفي الكردي ما نصه: وفي شرح البهجة للجمال الرملي: ويتخير في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بين إتيانه بها وبين تأمينه، ولو جمع بينهما فهو أحب. اه. وهذا فيه العمل بالرأيين، فلعله أولى. اه. (قوله: أما الثناء) مقابل قوله: للدعاء، كما علمت. (قوله: وهو) أي الثناء. وقوله: فإنك تقضي إلى آخره. ظاهره دخول نستغفرك ونتوب إليك في الثناء، فانظره. (قوله: فيقول سرا) أي أو يقول: أشهد، أو: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، أو نحو ذلك، أو يستمع. والأول أولى. اه شرح بافضل لحجر. (قوله: أما مأموم الخ) مقابل قوله: مأموم سمع. وقوله: لم يسمعه إلخ أي لإسرار إمامه، أو لنحو بعد أو صمم. (قوله: للنهي عن تخصيص نفسه بالدعاء) أي في خبر الترمذي وهو: لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم. (قوله: فيقول الإمام الخ) مفرع على مفهوم كراهة التخصيص. (قوله: بلفظ الجمع) متعلق بيقول، والمراد: اللفظ الدال على جماعة كنا، فإنها تدل على متعدد كما تدل على المعظم نفسه، وليس المراد الجمع الاصطلاحي كما هو ظاهر. (قوله: وقضيته) أي النهي المذكور. وقوله: كذلك أي يكره التخصيص فيها. (قوله: ويتعين حمله) أي النهي. وقوله: على ما لم يرد الخ أي على غير الوارد عنه - صلى الله عليه وسلم - بلفظ الإفراد إذا كان إماما، أما الوارد فيه الإفراد كرب اغفر لي وارحمني إلخ وكاللهم نقني اللهم اغسلني - الدعاء المعروف - إذا كثر

عنه (ص) وهو إمام بلفظ الافراد وهو كثير. قال بعض الحفاظ: إن أدعيته كلها بلفظ الافراد، ومن ثم جرى بعضهم على اختصاص الجمع بالقنوت. (و) سابعها: (سجود مرتين) كل ركعة، (على غير محمول) له، (وإن تحرك بحركته) ولو نحو سرير يتحرك بحركته لانه ليس بمحمول له فلا يضر السجود عليه، كما إذا سجد على محمول لم يتحرك بحركته كطرف من ردائه الطويل. وخرج بقولي: على غير محمول له، ما لو سجد على محمول يتحرك بحركته، كطرف من عمامته، فلا يصح، فإن سجد عليه بطلت الصلاة إن تعمد وعلم تحريمه، وإلا أعاد السجود. ويصح ـــــــــــــــــــــــــــــ في الصلاة فلا يكره. وقوله: وهو إمام الواو للحال، والضمير يعود عليه - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: بلفظ الإفراد متعلق بيرد. (قوله: وهو كثير) أي الوارد بالإفراد كثير. (قوله: قال بعض الحفاظ: إن أدعيته كلها) أي إن أدعية النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها بلفظ الإفراد، والمراد غير القنوت، بدليل العلة بعده. وقد صرح به في بشرى الكريم. (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن أدعيته كلها وردت بلفظ الإفراد - على ما قاله بعض الحفاظ - جرى بعضهم على اختصاص الجمع بالقنوت، جمعا بين كلامهم وبين خبر الترمذي المتقدم. وفرق هذا البعض بين القنوت وغيره، بأن كل المصلين مأمورون بالدعاء إلا في القنوت فإن المأموم مأمور بالتأمين فقط. قال الكردي: وقد ورد الجمع في القنوت في رواية صحيحة للبيهقي حملت على الإمام. اه. وفي التحفة ما نصه: والذي يتجه ويجتمع به كلامهم والخبر، أنه حيث اخترع دعوة كره الإفراد، وهذا هو محمل النهي، وحيث أتى بمأثورا تبع لفظه. اه. (قوله: وسابعها) أي سابع أركان الصلاة. (قوله: سجود إلخ) أي للكتاب والسنة وإجماع الأئمة. وكرر دون غيره لأنه أبلغ في التواضع، ولأنه لما ترقى فقام ثم ركع ثم سجد وأتى بنهاية الخدمة أذن له في الجلوس، فسجد ثانيا شكرا على استخلاصه إياه، ولأن الشارع لما أمر بالدعاء فيه وأخبر بأنه حقيق بالإجابة سجد ثانيا شكرا على إجابته تعالى لما طلبه، كما هو المعتاد فيمن سأل ملكا شيئا فأجابه. ذكر ذلك القفال. وجعل المصنف السجدتين ركنا واحدا، هو ما صححه في البيان. والموافق لما يأتي في مبحث التقدم والتأخر أنهما ركنان، وهو ما صححه في البسيط. اه تحفة. وقال الجمال الرملي: إنما عدا ركنا واحدا لكونهما متحدين، كما عد بعضهم الطمأنينة في محالها الأربعة ركنا واحدا لذلك. اه. قال ع ش: فإن قلت: يخالف هذا عدهما في شروط القدوة ركنين في مسألة الزحمة ومسألة التقدم والتأخر. قلت: لا مخالفة، لأن المدار ثم على ما يظهر به فحش المخالفة، وهي تظهر بنحو الجلوس وسجدة واحدة، فعدا ركنين ثم، والمدار على الإتحاد في الصورة فعدا ركنا واحدا. اه. والسجود لغة: التطامن والميل. وقيل: الخضوع والتذلل. وشرعا: مباشرة بعض جبهة المصلي ما يصلي عليه من أرض أو غيرها. ولا بد لصحته من شروط سبعة: الطمأنينة، وأن لا يقصد به غيره، وأن تستقر الأعضاء كلها دفعة واحدة، والتحامل على الجبهة، والتنكيس، وكشف الجبهة، وأن لا يسجد على متصل يتحرك بحركته. (قوله: كل ركعة) منصوب بإسقاط الخافض، أي في كل ركعة. (قوله: على غير محمول) متعلق بسجود. وقوله: له أي للمصلي. (قوله: وإن تحرك) أي غير المحمول له. والغاية للتعميم، أي يسجد على غير محمول له. ولا فرق فيه بين أن يتحرك بحركته أو لا. (قوله: ولو نحو سرير) لو قال: كنحو سرير، تمثيلا لغيره المحمول المتحرك بحركته لكان أولى لأنه لا معنى للغاية. (قوله: لأنه ليس بمحمول له) تعليل لمحذوف، أي وإنما اكتفى بالسجود على نحو السرير المتحرك بحركته لأنه ليس بمحمول له. والمؤثر إنما هو المحمول له. (قوله: كما إذا سجد الخ) أي فلا يضر لأنه في حكم المنفصل. (قوله: على محمول يتحرك بحركته) أي بالفعل لا بالقوة، كما في التحفة. ووافقها الخطيب في المغني فقال: لو صلى من قعود فلم يتحرك بحركته، ولو صلى من قيام لتحرك، لم يضر. وقال: إنه لم ير من تعرض له. والجمال الرملي خالف فقال: لو صلى قاعدا وسجد على متصل به لا يتحرك بحركته إلا إذا صلى قائما، لم يجزه السجود عليه لأنه كالجزء منه. كما أفتى الوالد رحمه الله تعالى. (قوله: فلا يصح) أي السجود، لأنه كالجزء منه، وكل ما كان كذلك ضر. (قوله: فإن سجد عليه الخ)

على يد غيره، وعلى نحو منديل بيده لانه في حكم المنفصل، ولو سجد على شئ فالتصق بجبهته صح، ووجب إزالته للسجود الثاني. (مع تنكيس) بأن ترتفع عجيزته وما حولها على رأسه ومنكبيه، للاتباع. فلو انعكس أو تساويا لم يجزئه. نعم، إن كان به علة لا يمكنه معها السجود إلا كذلك أجزأه، (بوضع بعض جبهته ـــــــــــــــــــــــــــــ مرتب على عدم صحته، والأنسب والأخصر أن يقول بعد قوله: فلا يصح، وتبطل الصلاة إن تعمد وعلم تحريمه، وإلا أعاد السجود فقط. (قوله: بطلت الصلاة) في ع ش ما نصه: لا يبعد أن يختص البطلان بما إذا رفع رأسه قبل إزالة ما يتحرك بحركته من تحت جبهته، حتى لو أزاله ثم رفع بعد الطمأنينة لم تبطل، وحصل السجود. فتأمل. اه سم على المنهج. وينبغي أن محل ذلك ما لم يقصد ابتداء أنه يسجد عليه ولا يرفعه، فإن قصد ذلك بطلت صلاته بمجرد هويه للسجود، قياسا على ما إذا عزم أن يأتي بثلاث خطوات متواليات ثم شرع، فإنها تبطل بمجرد ذلك لأنه شروع في المبطل. ونقل بالدرس عن الشيخ حمدان ما يوافق ذلك فراجعه. اه. (قوله: ويصح) أي السجود. وقوله: على يد غيره أي لأنها غير محمولة له. (قوله: وعلى نحو منديل بيده) أي ويصح السجود على نحو منديل كائن بيده. وفي البجيرمي ما نصه: قال ع ش: سواء ربطه بيده أم لا. اه. لكن قال بعض مشايخنا أن الربط يضر لأنه أشد اتصالا من وضع شاله على كتفه. واعتمد شيخنا ح ف الأول، لأنه وإن ربطه بيده لا يراد به الدوام كالملبوس. اه. وخرج بكونه بيده ما إذا كان على عمامته أو على عنقه فإنه يضر السجود عليه. كما في النهاية، ونصها: ويصح السجود على نحو عود أو منديل بيده - كما في المجموع - ويفارق ما مر - أي طرف كمه أو عمامته - بأن اتصال الثياب به نسبتها إليه أكثر لاستقرارها وطول مدتها، بخلاف هذا، وليس مثله المنديل الذي على عمامته والملقى على عاتقه، لأنه ملبوس له بخلاف ما في يده، فإنه كالمنفصل. اه. (قوله: لأنه في حكم المنفصل) تعليل لصحة السجود على نحو منديل. (قوله: ولو سجد على شئ) أي كورق. وقوله: فالتصق بجبهته قال ع ش: ومنه التراب، حيث منع مباشرة جميع الجبهة محل السجود. (قوله: صح) أي السجود. (قوله: ووجب إزالته للسجود الثاني) فلو لم يزله لم يصح. وفي ع ش ما نصه: فلو رآه ملتصقا بجبهته ولم يدر في أي السجدات التصق، فعن القاضي: أنه إن رآه بعد السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة وجوز أن التصاقه فيما قبلها أخذ بالأسوأ، فإن جوز أنه في السجدة الأولى من الركعة الأولى قدر أنه فيها، ليكون الحاصل له ركعة إلا سجدة، أو فيما قبله قدره فيليكون الحاصل له ركعة بغير سجود، أو بعد فراغ الصلاة. فإن احتمل طروه بعد فالأصل مضيها على الصحة، وإلا فإن قرب الفصل بنى وأخذ بالأسوأ كما تقدم، وإلا استأنف. اه سم. أي وإن احتمل أنه التصق في السجدة الأخيرة لم يعد شيئا. اه. (قوله: مع تنكيس) متعلق بمحذوف، صفة لسجود. أي سجود كائن مع تنكيس. ولو لم يتمكن منه إلا بوضع نحو وسادة وجب إن حصل منه التنكيس، وإلا سن ولا يجب لعدم حصول مقصود السجود حينئذ. اه نهاية. (قوله: بأن ترتفع إلخ) تصوير للتنكيس. (قوله: على رأسه ومنكبيه) قضيته أنه لا يشترط الارتفاع على اليدين. لكن في التحفة ما نصه: (تنبيه) اليدان من الأعالي كما علم من حد الأسافل، وحينئذ فيجب رفعها على اليدين أيضا. اه. (قوله: فلو انعكس) أي بأن ارتفع رأسه ومنكباه على عجيزته وما حولها. وقوله: أو تساويا أي العجيزة وما عطف عليها، والرأس وما عطف عليه. (قوله: لم يجزئه) أي في الانعكاس قطعا، وفي المساواة على الأصح. اه ع ش. قال الجمال الرملي: نعم، لو كان في سفينة ولم يتمكن من ارتفاع ذلك لميلها صلى على حسب حاله، ووجبت عليه الإعادة، لندرته. اه. (قوله: نعم، إن كان الخ) استدراك على عدم الإجزاء. وهو يفيد تقييد ما في المتن بالقادر. وقوله: لا يمكنه معها أي مع العلة. وقوله: إلا كذلك أي منعكسا أو متساويا. (قوله: أجزأه) أي ولا إعادة عليه وإن شفي بعد ذلك. وينبغي أن مراده بقوله: لا يمكنه، أن يكون فيه مشقة شديدة، وإن لم تبح التيمم، أخذا مما تقدم في العصابة. اه ع ش. (قوله: بوضع جبهته) متعلق بسجود، والباء فيه للتصوير، ولا بد من تقدير متعلق له أي على ما مر. ولو قدم هذا وما بعده على قوله: على غير محمول، لاستغنى عن تقديره. قال ابن العربي: لما جعل الله لنا الأرض ذلولا نمشي في مناكبها، فهي تحت أقدامنا نطؤها وهو غاية الذلة، أمرنا الله أن نضع

بكشف) أي مع كشف. فإن كان عليها حائل كعصابة لم يصح، إلا أن يكون لجراحة وشق عليه إزالته مشقة شديدة، فيصح. (و) مع (تحامل) بجبهته فقط على مصلاه، بأن ينال ثقل رأسه، خلافا للامام. (و) وضع بعض (ركبتيه و) بعض (بطن كفيه) من الراحة وبطون الاصابع (و) بعض بطن (أصابع قدميه) دون ما عدا ذلك، كالحرف وأطراف الاصابع وظهرهما. ولو قطعت أصابع قدميه وقدر على وضع شئ من بطنهما لم يجب، كما اقتضاه كلام الشيخين. ولا يجب التحامل عليها بل يسن، ككشف غير الركبتين. (وسن) في السجود (وضع أنف) بل يتأكد لخبر صحيح، ومن ثم اختير وجوبه. ويسن وضع الركبتين أولا متفرقتين قدر ـــــــــــــــــــــــــــــ أشرف ما عندنا وهو الوجه، وأن نمرغه عليها، جبرا لانكسارها بوضع الشريف عليها الذي هو وجه العبد، فانجبر كسرها. ولذا كان العبد أقرب في حالة السجود من سائر أحوال الصلاة. اه. (قوله: بكشف) متعلق بمحذوف حال من بعض، أي حال كون ذلك البعض متلبسا بكشفه. واعتبر كشف الجبهة دون بقية الأعضاء لسهولته فيها دون البقية، ولحصول مقصود السجود - وهو غاية التواضع - بكشفها، ولحديث خباب بن الأرت: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يزل شكوانا. فلو لم تجب مباشرة المصلي بالجبهة لأرشدهم إلى سترها. (قوله: أي مع كشف) أفاد به أن الباء بمعنى مع. (قوله: فإن كان عليها) أي على بعض الجبهة. وأنث الضمير - مع أن مرجعه مذكر - لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه، وهذا مفهوم قوله بكشف. (قوله: كعصابة) مثال للحائل. (قوله: لم يصح) أي السجود. (قوله: إلا إن يكون) أي الحائل. (وقوله: لجراحة) أي لأجلها. (قوله: وشق عليه إزالته) أي الحائل. (قوله: مشقة شديدة) قال البجيرمي: ويظهر ضبطها بما يبيح ترك القيام وإن لم تبح التيمم. قاله في الإمداد. وفي التحفة: تقييدها بما يبيح التيمم. شوبري. اه. (قوله: فيصح) أي السجود، ولا إعادة عليه إلا إن كان تحته نجس غير معفو عنه. اه ح ل. (قوله: ومع تحامل) معطوف على بكشف. والمناسب أن يقول: وبتحامل، بالباء وإن كانت بمعنى مع، وذلك لخبر: إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقرا. (قوله: بجبهته فقط) أي فلا يجب بغيرها من بقية الأعضاء، كما سيصرح به. خلافا لشيخ الإسلام في شرح منهجه حيث قال بوجوب التحامل في الجميع. (قوله: على مصلاه) أي محل سجوده. (قوله: بأن يناله إلخ) تصوير للتحامل. ومعنى الثقل: أن يكون يتحامل بحيث لو فرض أنه سجد على قطن أو نحوه لا نوك. (قوله: خلافا للإمام) أي القائل بعدم وجوب التحامل. وعبارة شرح الروض: واكتفى الإمام بإرخاء رأسه، قال بل هو أقرب إلى هيئة التواضع من تكلف التحامل. اه. (قوله: ووضع بعض ركبتيه) معطوف على وضع بعض جبهته، وذلك لخبر الشيخين: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين. قال في فتح الجواد: واكتفى ببعض كل وإن كره، لصدق اسم السجود به. اه. (قوله: وبعض بطن كفيه) معطوف هو وما بعده على وضع بعض جبهته أيضا. (قوله: من الراحة إلخ) بيان لبطن كفيه. (قوله: دون ما عدا ذلك) مرتبط بجميع ما قبله، خلافا لما يوهمه ظاهر العبارة من رجوعه للأخير فقط. أي أن الواجب وضع بعض الجبهة وبعض الركبتين وبعض بطن الكفين وبعض بطن أصابع القدمين دون غيرها من بقية الرأس، وحرف الكف وأطراف الأصابع والجبين والأنف والخد. (قوله: ولو قطعت أصابع الخ) عبارة النهاية: ولو تعذر شئ من هذه الأعضاء سقط الفرض بالنسبة إليه. فلو قطعت يده من الزند لم يجب وضعه، ولا وضع رجل قطعت أصابعها، لفوات محل الفرض. اه. (قوله: من بطنهما) أي القدمين. (قوله: لم يجب) أي وضع شئ من بطنهما، لفوات محل الفرض كما علمت. (قوله: كما اقتضاه أي عدم الوجوب. (قوله: ولا يجب التحامل عليها) أي على هذه الأعضاء، غير الجبهة. وعبارة التحفة: ولا يجب التحامل عليها، بل يسن - كما تصرح به عبارة التحقيق والمجموع والروضة - بخلاف الجبهة، لأنها المقصود الأعظم، كما يجب كشفها والإيماء بها وتقريبها من الأرض عند تعذر وضعها، دون البقية. اه. (قوله: ككشف غير الركبتين) أي كما أنه يسن كشف غير الركبتين، وأما الركبتان فيكره كشفهما لأنه يفضي إلى كشف العورة. (قوله: ووضع أنف) أي على محل سجوده مكشوفا. (قوله: بل يتأكد) إضراب انتقالي. (قوله: لخبر صحيح) دليل

شبر، ثم كفيه حذو منكبيه، رافعا ذراعيه عن الارض وناشرا أصابعه مضمومة للقبلة، ثم جبهته وأنفه معا، وتفريق قدميه قدر شبر ونصبهما موجها أصابعهما للقبلة، وإبرازهما من ذيله. ويسن فتح عينيه حالة السجود - كما قاله ابن عبد السلام، وأقره الزركشي -. ويكره مخالفة الترتيب المذكور وعدم وضع الانف، (وقول: سبحان ربي الاعلى وبحمده ثلاثا) في السجود للاتباع. ويزيد من مر ندبا: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ـــــــــــــــــــــــــــــ لسنية وضع الأنف، وهذا الخبر رواه أبو داود. قال في المغنى: وإنما لم يجب وضع الأنف كالجبهة، مع أن خبر: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ظاهره الوجوب، للأخبار الصحيحة المقتصرة على الجبهة. قالوا: وتحمل أخبار الأنف على الندب. (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل ورود خبر صحيح فيه اختير وجوبه. (قوله: ويسن وضع الركبتين أولا) أي قبل وضع الكفين والجبهة، والسنية فيه وفيما بعده من حيث الترتيب، فلا ينافي أن وضع هذه الأعضاء واجب. (قوله: متفرقين) حال من الركبتين. وينبغي أن يكون ذلك في الرجل غير العاري. اه بجيرمي. (قوله: قدر شبر) صفة لمصدر محذوف، أي تفريقا قد شبر، أو حال من مصدر الوصف، أي حال كون ذلك التفريق قدر شبر. والمراد بالشبر: الوسط المعتدل. (قوله: ثم كفيه) أي ثم وضع كفيه. (قوله: حذو منكبيه) حال من الكفين، أي حال كونهما محاذيين لمنكبيه. أو ظرف لغو متعلق بوضع، أي وضع كفيه في محل محاذ لمنكبيه. (قوله: رافعا ذراعيه) حال من فاعل المصدر المقدر، أي ثم وضع الساجد كفيه حال كونه رافعا إلخ. (قوله: وناشرا) أي لا قابضا. وقوله: مضمومة أي لا مفرجة. (قوله: ثم جبهته وأنفه) بالجر، عطف على كفيه. أي ثم وضع جبهته وأنفه. وقوله: معا خالف الغزالي في المعية المذكورة وقال: هما كعضو واحد يقدم أيهما شاء. (قوله: وتفريق قدميه) معطوف على وضع، أي ويسن تفريق قدميه قدر شبر. وقوله: ونصبهما أي القدمين. (قوله: موجها أصابعهما) أي حال كونه موجها أصابعهما، أي ظهورهما، للقبلة. (قوله: وإبرازهما) أي ويسن إبراز القدمين. أي إخراجهما من ذيله. قال البجيرمي: هو واضح في غير المرأة والخنثى لأن ذلك مبطل لصلاتهما. اه. (قوله: ويسن فتح عينيه حالة السجود) الذي صرحوا به أنه يسن إدامة النظر إلى موضع سجوده في جميع صلاته، وعللوه بأن جمع النظر في موضع أقرب إلى الخشوع. وأنه يكره تغميض عينيه وعللوه بأن اليهود تفعله، وأنه لم ينقل فعله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. إذا تقرر هذا تعلم أن قوله حالة السجود ليس بقيد بل مثله جميع الصلاة. (قوله: ويكره مخالفة الترتيب المذكور) أي من وضع الركبتين ثم الكفين ثم الجبهة والأنف. وخالف المالكية في الأولين فقالوا: يضع يديه أولا ثم ركبتيه. نص عليه ش ق. (قوله: وقول سبحان ربي الأعلى) أي وسن أن يقول في سجوده: سبحان إلخ. لما صح عن عقبة بن عامر أنه قال: لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال - صلى الله عليه وسلم -: اجعلوها في ركوعكم. ولما نزلت: سبح اسم ربك الأعلى، قال: اجعلوها في سجودكم. قال الخطيب: والحكمة في اختصاص العظيم بالركوع، والأعلى بالسجود - كما في المهمات -: أن الأعلى أفعل تفضيل، والسجود في غاية التواضع لما فيه من وضع الجبهة التي هي أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام، ولهذا كان أفضل من الركوع، فجعل الأبلغ مع الأبلغ. اه. وقوله: فجعل الأبلغ، وهو الأعلى. مع الأبلغ، وهو السجود. ومن الحكمة أيضا للتخصيص أنه لما ورد: أقرب ما يكون إلخ. فربما يتوهم قرب المسافة، فسن فيه سبحان ربي الأعلى ليكون أبلغ في التنزيه عن قرب المسافة. وفي البجيرمي ما نصه: قال البرماوي: ومن دوام على ترك التسبيح في الركوع والسجود سقطت شهادته. ومذهب الإمام أحمد أن من تركه عامدا بطلت صلاته، فإن كان ناسيا جبر بسجود السهو. اه. (قوله: ويزيد من مر) أي المنفرد وإمام محصورين بشرطهم. (قوله: اللهم إلخ) مفعول يزيد. (قوله: لك سجدت) قدم الجار والمجرور لإفادة الاختصاص. ولو قال: سجدت لله في طاعة الله لم تبطل صلاته. وكذا لو قال: سجد الفاني للباقي. لم يضر على المعتمد، لأن المقصود به الثناء على الله، خلافا لمن قال بالضرر لأنه خبر. قال ع ش: ومحل عدم الضرر إذا قصد به الثناء. اه بجيرمي بتصرف. (قوله: وبك آمنت) أي آمنت وصدقت وأذعنت بك يا ألله لا بغيرك.

ولك أسلمت. سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين. ويسن إكثار الدعاء فيه. ومما ورد فيه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك. وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره. قال في الروضة: تطويل السجود أفضل من تطويل الركوع. (و) ثامنها: (جلوس بينهما) أي السجدتين، ولو في نفل على المعتمد. ويجب أن لا يقصد برفعه غيره، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ولك أسلمت) أي انقدت لك يا الله، أو فوضت أمري إليك لا إلى غيرك. (قوله: سجد وجهي) أي وكل بدني. وخص الوجه بالذكر لأنه أشرف أعضاء الساجد، وفيه بهاؤه وتعظيمه، فإذا خضع وجهه فقد خضع باقي جوارحه. أو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، على طريق المجاز المرسل. (قوله: للذي خلقه) أي أوجده من العدم وصوره على هذه الصورة العجيبة، بأن جعل له فما وعينين وأنفا وأذنين ورأسا ويدين وبطنا ورجلين، إلى غير ذلك. وحينئذ فعطف التصوير على الخلق مغاير. (قوله: وشق سمعه وبصره) أي منفذهما، إذ السمع والبصر من المعاني لا يتصور فيهما شق. ويسن أن يزيد بعده: بحوله وقوته. (قوله: تبارك الله) أي تعالى الله في صفاته وأفعاله، وتكاثر خيره. فالتبرك: العلو والنماء. وقوله: أحسن الخالقين أي المصورين. وإلا فالخلق: وهو الإخراج من العدم إلى الوجود، لا يشاركه فيه أحد. وأفعل التفضيل ليس على بابه، لأن المصورين ليس فيهم حسن من حيث تصويرهم، لأنهم يعذبون عليه. (قوله: ويسن إكثار الدعاء فيه) أي في السجود، لخبر: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء فقمن أن يستجاب لكم. (قوله: ومما ورد فيه) أي السجود. (قوله: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك) أي أعتصم وألتجئ برضاك من حلول سخطك بي. والمراد: أستعين برضاك على دفع ذلك. (قوله: وبمعافاتك من عقوبتك) أي وأعوذ بمعافاتك أو عفوك من حلول عقوبتك بي. والمراد: أستعين بذلك على دفع غضبك. اه ع ش. (قوله: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) أنت توكيد للكاف فيكون في محل جر، عملا بقول ابن مالك: ومضمر الرفع الذي قد انفصل أكد به كل ضمير اتصل والكاف بمعنى مثل، وهي صفة لثناء. وما مصدرية مؤولة مع مدخولها بمصدر. والمعنى: لا أقدر على إحصاء ثناء عليك مثل ثنائك على نفسك، وإذا كان لا يقدر على إحصائه فلا يطيقه. وكتب بعضهم: لا أحصي ثناء عليك: أي لا أطيق ثناء، أو لا أضبط ثناء عليك، فلا يطيقه. وكتب بعضهم: لا أحصي ثناء عليك: أي لا أطيق ثناء، أو لا أضبط ثناء عليك، بمعنى لا أقدر على ثناء عليك. والتنوين للتنويع، أي نوعا مخصوصا من الثناء، وهو الذي يليق بك. وما - في كما - مصدرية، أي كثنائك على نفسك. أو موصولة، أي ثناء مثل الذي أثنيت به على نفسك في كونه قطعيا تفصيليا غير متناه. أو موصوفة، أي مثل ثناء أثنيت به. اه. (قوله: دقة وجله) بكسر الدال والجيم، أي دقيقه وجليله. أي حقيره وعظيمه. وهو كالتأكيد لما قبله، وإلا فقوله كله يشمل جميع ذلك، ومثله يقال فيما بعده. (قوله: قال في الروضة: تطويل السجود إلخ) قد نص على هذا قبيل الرابع من الأركان فهو مكرر معه، فالأولى الإقتصار على أحدهما. (قوله: وثامنها: جلوس) أي ثامن الأركان جلوس، لخبر المسئ صلاته. وأقل الجلوس أن يستوي جالسا، وأكمله أن يأتي فيه بالدعاء المشروع فيه، وهو: رب اغفر لي الخ. (قوله: ولو في نفل) غاية في وجوب الجلوس، وهي للرد. وقوله: على المعتمد مقابله يقول: لا يجب في النفل. وقال أبو حنيفة: يكفي أن يرفع رأسه من الأرض أدنى رفع كحد السيف. لكن في الصحيحين: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه لم يسجد حتى يستوي جالسا. ففيه رد على أبي حنيفة رضي الله عنه. (قوله: ويجب أن لا يقصد برفعه الخ) أي إن لا يقصد برفع رأسه من السجود غير الجلوس، بأن يقصد الجلوس

فلو رفع فزعا - من نحو لسع عقرب - أعاد السجود. ولا يضر إدامة وضع يديه على الارض إلى السجدة الثانية اتفاقا، خلافا لمن وهم 2 فيه. (ولا يطوله، ولا اعتدالا) لانهما غير مقصودين لذاتهما بل شرعا للفصل، فكانا قصيرين. فإن طول أحدهما فوق ذكره المشروع فيه - قدر الفاتحة في الاعتدال أقل التشهد في الجلوس - عامدا عالما بطلت صلاته. (وسن فيه) الجلوس بين السجدتين، (و) في (تشهد أول) وجلسة استراحة، وكذا في تشهد أخير إن تعقبه سجود سهو. (افتراش) بأن يجلس على كعب يسراه بحيث يلي ظهرها الارض، (واضعا كفيه) على فخذيه قريبا من ركبتيه بحيث تسامتهما رؤوس الاصابع، ناشرا أصابعه، (قائلا: رب اغفر لي، إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو مع غيره، أو يطلق كما تقدم. (قوله: فلو رفع الخ) مفرع على مفهوم ما قبله، أي فلو قصد غير الجلوس بأن رفع رأسه فزعا إلخ لم يجز عنه، بيجب عليه العود إلى السجود ثم يرفع رأسه للجلوس. (قوله: فزعا) يجوز فيه فتح الزاي على أنه مفعول لأجله، ويجوز كسرها على أنه حال. اه م ر. وقال في التحفة: أن الفتح هو المتعين، فإن المضر الرفع لأجل الفزع وحده، لا الرفع المقارن للفزع من غير قصد الرفع لأجله. اه. (قوله: ولا يضر إدامة الخ) المناسب ذكر هذا بعد قوله: واضعا كفيه على فخذيه. (قوله: إلى السجدة الثانية) مقابله محذوف، أي من السجدة الأولى إلى السجدة الثانية. فيكون في حال الجلوس واضعا يديه حواليه على الأرض. وعبارة الروض: وتركهما على الأرض حواليه كإرسالهما في القيام. اه. أي وهو لا بأس به إن أرسلهما بلا عبث. (قوله: خلافا لمن وهم فيه) أي فقال إن ادامتهما على الأرض تبطل الصلاة. اه. ع ش. (قوله: ولا يطوله) أي الجلوس بين السجدتين. (وقوله: ولا اعتدالا) أي ولا يطول اعتدالا. (قوله: لأنهما) أي الجلوس والاعتدال. وقوله: غير مقصودين لذاتهما قال الكردي: ومن قال أنهما مقصودان في أنفسهما أراد أنهما لا بد من وجود صورتهما للفصل. (قوله: بل شرعا للفصل) أي فالاعتدال شرع للفصل بين الركوع والسجود، والجلوس شرع للفصل بين السجدتين. (قوله: فكانا) أي الجلوس والاعتدال. (وقوله: قصيرين) أي ركنين قصيرين. قال الكردي: وهذا هو المعتمد، وإن صحح في التحقيق هنا أن الجلوس بين السجدتين ركن طويل. وعزاه في المجموع إلى الأكثرين. وسبقه إليه الإمام، وكذا الاعتدال ركن طويل أيضا. على ما اختاره النووي من حيث الدليل في كثير من كتبه، لصحة الأحاديث لتطويله. فيجوز تطويله بذكر غير الفاتحة والتشهد لا سكوت ولا بأحدهما. بل قال الأذرعي وغيره أن تطويله مطلقا هو الصحيح مذهبا أيضا، بل هو الصواب. وأطالوا فيه، ونقلوه عن النص وغيره. اه. (قوله: فإن طول أحدهما) أي الاعتدال أو الجلوس. (قوله: فوق إلخ) صفة لمصدر محذوف، أي طوله تطويلا زائدا على ذكره المشروع فيه. وقوله: قدر منصوب بإسقاط الخافض، متعلق بطول. أي طوله بقدر الفاتحة في الاعتدال، سواء كان بسكوت أو بذكر غير مشروع. أما هو كتسبيح في صلاة التسابيح فلا يضر. (قوله: وأقل التشهد) أي وبقدر أقل التشهد. (قوله: عامدا عالما) حالان من فاعل طول، أي طولهما حال كونه عامدا عالما، فإن كان ناسيا أو جاهلا فلا تبطل صلاته ولكن يسجد للسهو، كما سيأتي في بابه. (قوله: بطلت صلاته) جواب إن. وفي حاشية الباجوري: تبطل إلا في محل طلب فيه التطويل، كاعتدال الركعة الأخيرة، لأنه طلب فيه التطويل في الجملة بالقنوت. اه. (قوله: وسن) أي للاتباع. (قوله: وكذا في تشهد أخير) أي وكذا سن في تشهد أخير. وقوله: إن تعقبه سجود سهو قيد. وخرج به ما إذا لم يتعقبه ما ذكر، فيسن فيه التورك كما سيذكره. (قوله: افتراش) وإنما سن في المذكورات لما مر، ولأنه جلوس يعقبه حركة فكان الافتراش فيه أولا. سمي بذلك لأنه جعل رجله كالفراش له. (قوله: بأن يجلس إلخ) تصوير للافتراش المسنون. (قوله: بحيث الخ) تصوير لمحذوف، أي ويضجعها بحيث يلي ظهرها الأرض. وعبارة التحفة مع الأصل: ويسن الافتراش فيجلس على كعب يسراه بعد أن يضجعها بحيث يلي ظهرها الأرض، وينصب يمناه - أي قدمه اليمنى - ويضع أطراف بطون أصابعها منها على الأرض متوجها للقبلة. اه. والكعب: العظم الناتئ عند مفصل الساق والقدم، ولكل رجل كعبان. (قوله: واضعا كفيه على فخذيه) حال من اسم الفاعل المأخوذ من المصدر، أي حال كون

آخره) تتمته: وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني، واهدني، وعافني. للاتباع. ويكره: اغفر لي، ثلاثا. (و) سن (جلسة استراحة) بقدر الجلوس بين السجدتين - للاتباع -، ولو في نفل، وإن تركها الامام - خلافا لشيخنا - (لقيام) أي لاجله، عن سجود لغير تلاوة. ويسن اعتماد على بطن كفيه في قيام من سجود وقعود. (و) تاسعها: (طمأنينة في كل) من الركوع والسجودين، والجلوس بينهما، والاعتدال، ولو كانا في ـــــــــــــــــــــــــــــ المفترش واضعا. إلخ. وقوله: قريبا من ركبتيه منصوب بإسقاط الخافض، وهو متعلق بواضعا. أي واضعا كفيه في محل قريب من ركبتيه. والحكمة في ذلك منع يديه من العبث، وأن هذه الهيئة أقرب إلى التواضع. (قوله: بحيث تسامتهما) الباء للملابسة، وهي متعلقة بمحذوف حال من مصدر واضعا، أي حال كون الوضع المذكور متلبسا بحالة هي أن تسامت - أي تحاذي - رؤوس الأصابع الركبتين. (قوله: ناشرا أصابعه) أي لا قابضا لها، وهو حال ثانية مرادفة مما جاء منه واضعا، أو حال متداخلة من الضمير المستتر في واضعا. (قوله: قائلا إلخ) حال ثالثة مرادفة أو متداخلة على ما مر. (قوله: واجبرني) أي أغنني، من جبر الله مصيبته أي رد عليه ما ذهب منه أو عوضه عنه، وأصله من جبر الكسر. كذا في النهاية. وفي الصحاح: الجبر أن يغنى الرجل من فقر أو يصلح عظمه من كسر. اه زي. (قوله: وارزقني) أي من خزائن فضلك، ما قسمته لأوليائك. (قوله: وعافني) أي ادفع عني كل ما أكره من بلاء الدنيا والآخرة. زاد الغزالي: واعف عني. وزاد المتولي أيضا: رب هب لي قلبا تقيا نقيا من الشرك، بريا لا كافرا ولا شقيا. (قوله: وسن جلسة استراحة) أي جلسة خفيفة لأجل الاستراحة، وهي فاصلة، وليست من الأولى ولا من الثانية. وقبل: من الأولى، وقيل: من الثانية. قال في شرح الروض: وفائدة الخلاف تظهر في التعليق على ركعة. اه. (قوله: بقدر الجلوس بين السجدتين) فإن زاد على ذلك كره، إذ هي من السنن التي أقلها أكملها، كسكتات الصلاة. فإن بلغت ما يبطل في الجلوس بين السجدتين بطلت صلاته عند حجر. وفي الكردي ما نصه: وحاصل ما اعتمده الشارح فيها أنها كالجلوس بين السجدتين، فإذا طولها زائدا على الذكر المطلوب في الجلوس بين السجدتين بقدر أقل التشهد بطلت صلاته. وأقر شيخ الإسلام المتولي على كراهة تطويلها على الجلوس بين السجدتين في شرح البهجة والروض. وأفتى الشهاب الرملي بعدم الإبطال أيضا، وتبعه الخطيب في شرحي التنبيه والمنهاج، والجمال الرملي في النهاية، وغيرهم. اه. (قوله: للاتباع) دليل لسنية جلسة الاستراحة. قال في شرح الروض: وأما خبر وائل بن حجر: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من السجود استوى قائما. فغريب، أو محمول على بيان الجواز. اه. (قوله: ولو في نفل) قال في التحفة بعده: وإن كان قويا. اه. وهما غايتان في السنية. (قوله: وإن تركها الإمام) غاية أيضا فيها، أي تسن جلسة الاستراحة وإن تركها الإمام، فيتخلف المأموم لأجلها ندبا. قال في شرح الروض: فلو تركها - أي جلسة الاستراحة - الإمام فأتى بها المأموم لم يضر تخلفه لأنه يسير، وبه فارق ما لو ترك التشهد الأول. اه. وقوله: لم يضر بل يسن، كما قاله ابن النقيب وغيره. اه. نهاية. (قوله: خلافا لشيخنا) راجع للغاية الأخيرة. وعبارة فتح الجواد له: ويكره تخلف المأموم لأجلها، ويحرم إن فوتت بعض الفاتحة. كما بحثه الأذرعي. اه. وعبارة المنهج القويم له أيضا، قال الأذرعي: وقد تحرم إن فوتت بعض الفاتحة لكونه بطئ النهضة أو القراءة والإمام سريعها. اه. وكتب الكردي ما نصه: قوله: إن فوتت إلخ، نقله في الإمداد عن الأذرعي وأقره. وفي فتح الجواد على ما بحثه الأذرعي، وفي شرح العباب: فيه نظر، بل الأوجه عدم المنع مطلقا، وأنه يأتي في متخلف لها ما يجئ في التخلف لافتتاح أو تعوذ أو لإتمام التشهد الأول. اه. (قوله: لقيام) متعلق بسن. (قوله: أي لأجله) أفاد به أن اللام للتعليل، أي لأجل قصد القيام وإرادته. وإن خالف المشروع فتسن في محل التشهد الأول عند تركه ولا تسن إذا تشهد (قوله: عن سجود) متعلق بقيام. وعن بمعنى من، أي قيام من سجود. (قوله: لغير تلاوة) أما سجود التلاوة فلا تسن جلسة الاستراحة للقيام منه لأنها لم ترد فيه. (قوله: ويسن اعتماد على بطن كفيه إلخ) وذلك لأنه أعون على القيام وأشبه بالتواضع، مع ثبوته عنه - صلى الله عليه وسلم -. فقد ثبت: أنه كان يقوم كقيام العاجز. وفي رواية: العاجن. (قوله: وتاسعها) أي تاسع أركان الصلاة. (قوله: طمأنينة في كل) إنما عدها ركنا واحدا في محالها الأربعة

نفل، خلافا للانوار. وضابطها أن تستقر أعضاوه بحيث ينفصل ما انتقل إليه عما انتقل عنه .. (و) عاشرها: (تشهد أخير، وأقله) ما رواه الشافعي والترمذي: (التيحات لله إلى آخره) تتمته: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا ـــــــــــــــــــــــــــــ لتجانسها، كما عدو السجدتين ركنا لذلك. (قوله: من الركوع الخ) بيان لكل. (قوله: ولو كانا في نفل) ضمير التثنية راجع للجلوس والاعتدال. وخصهما - مع أن الطمأنينة ركن من ركوع النفل وسجوده أيضا - لأن الخلاف إنما هو في طمأنينة الجلوس والاعتدال في النفل كهما نفسهما، وأما الركوع والسجود فلا خلاف فيهما، ولا في طمأنينتهما أصلا، فلا يحتاجان إلى التخصيص. وعبارة التحفة: ويجب الاعتدال والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة فيهما، ولو في النفل. كما في التحقيق وغيره. فاقتضاء بعض كتبه عدم وجوب ذينك، فضلا عن طمأنينتهما، غير مراد أو ضعيف خلافا لجزم الأنوار ومن تبعه بذلك الاقتضاء غفلة عن التصريح المذكور في التحقيق كما تقرر. اه. وكتب سم ما نصه: قوله غفلة إلخ. الجزم بالغفلة ينبغي أن يكون غفلة، فإنه يجوز إن يكونوا اختاروا الاقتضاء على الصريح مع الاطلاع عليه، لنحو ظهور الاقتضاء عندهم. وقد تقدم الاقتضاء على الصريح في مواضع في كلام الشيخين وغيرهما كما لا يخفى. اه. (قوله: خلافا للأنوار) عبارته: لو ترك الاعتدال والجلوس بين السجدتين في النافلة لم تبطل. اه. وإذا علمتها تعلم أنها راجعة لأصل الاعتدال والجلوس لطمأنينتهما، خلافا لظاهر الشارح. نعم، يقال إنه يعلم عدم قوله بالبطلان إن ترك الطمأنينة بالأولى، فلعل مراد الشارح ذلك. (قوله: وضابطها) أي الطمأنينة. (قوله: أن تستقر أعضاؤه) أي تسكن من حركة الهوي، وهذا بمعنى قولهم: هي سكون بين حركتين، أي حركة الهوي للركوع مثلا وحركة الرفع منه. (قوله: بحيث ينفصل إلخ) تصوير للاستقرار، أي تستقر استقرارا مصورا بحالة هي أن ينفصل الركن الذي انتقل إليه عن الركن الذي انتقل عنه. (قوله: وعاشرها) أي عاشر أركان الصلاة. (قوله: تشهد أخير) هو في الأصل اسم للشهادتين فقط، ثم أطلق على التشهد المعروف لاشتماله على الشهادتين، فهو من إطلاق اسم الجزء على الكل. ويدل على فرضيته خبر ابن مسعود: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل عباده. السلام على جبريل، السلام على ميكائيل. السلام على فلان. فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام. ولكن قولوا: التحيات، إلخ. فالتعبير بالفرض في قوله: قبل أن يفرض. والأمر في قوله: ولكن قولوا. ظاهران في الوجوب. (قوله: وأقله إلخ) أما أكمله فأشار إليه بقوله: ويسن لكل زيادة المباركات إلخ. (قوله: التحيات لله) أي مستحقة لله. والتحيات جمع تحية. وهي ما يحيا به من قول أو فعل. وجمعت لأن كملك كان له تحية معروفة يحيا بها. فملك العرب كانت رعيته تحييه بأنعم صباحا قبل الإسلام، وبعده بالسلام عليكم. وملك الأكاسرة كانت رعيته تحييه بالسجود له وتقبيل الأرض، وملك الفرس كانت رعيته تحييه بطرح اليد على الأرض قدامه ثم تقبيلها، وملك الحبشة كانت رعيته تحييه بوضع اليدين على الصدر مع السكينة، وملك الروم كانت رعيته تحييه بكشف الرأس وتنكيسه، وملك النوبة كانت رعيته تحييه بجعل اليدين على الوجه، وملك حمير كانت رعيته تحييه بالإيماء بالدعاء بالأصابع، وملك اليمامة كانت رعيته تحييه بوضع اليد على كتفه. والقصد من ذلك الثناء على الله بأنه مالك لجميع التحيات الصادرة عن الخلق للملوك. (قوله سلام عليك) قال الكردي في الإيعاب للشارح: وخوطب - صلى الله عليه وسلم - كأنه إشارة إلى أنه تعالى يكشف له عن المصلين من أمته حتى يكون كالحاضر معهم، ليشهد لهم بأفضل أعمالهم وليكون تذكر حضوره سببا لمزيد الخشوع والحضور. ثم رأيت الغزالي قال في الإحياء: قبل قولك السلام عليك أيها النبي أحضر شخصه الكريم في قلبك، وليصدق أملك في أنه يبلغه ويرد عليك ما هو أوفى منه. اه. (قوله: ورحمة الله وبركاته) أي عليك. ومعنى وبركاته: خيراته. لأن معنى البركة الخير الإلهي فالشئ. (قوله: سلام علينا) الضمير للحاضرين، من إمام ومأموم وملائكة وإنس وجن، أو لجميع الأمة. وقوله: وعلى عباد الله الصالحين أي القائمين بحقوق الله وحقوق عباده. لأن الصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق العباد. وقال البيضاوي: هو الذي صرف عمره في طاعة الله، وماله في مرضاته، وهو ناظر للصالح الكامل. فلا ينافي أن من صرف مدة عمره في عمل

رسول الله. ويسن لكل زيادة: المباركات الصلوات الطيبات، وأشهد الثاني، وتعريف السلام في الموضعين، لا البسملة قبله، ولا يجوز إبدال لفظ من هذا الاقل ولو بمرادفه، كالنبي بالرسول وعكسه، ومحمد بأحمد وغيره، ويكفي: وأن محمدا عبده ورسوله، لا وأن محمدا رسوله. ويجب أن يراعي هنا التشديدات، وعدم إبدال حرف بآخر، ـــــــــــــــــــــــــــــ المعاصي ثم تاب توبة صحيحة وسلك طريق السلوك وقام بخدمة ملك الملوك يسمى صالحا. (قوله: أشهد أن لا إله إلا الله) أي أقر وأذعن بأنه لا معبود بحق ممكن إلا الله. ويتعين لفظ أشهد، فلا يقوم غيره مقامه لأن الشارع تعبدنا به. وقوله: وإن محمدا رسول الله الأولى ذكر السيادة، لأن الأفضل سلوك الأدب. وحديث: لا تسودوني في صلاتكم. باطل. (قوله: ويسن لكل) أي من الإمام والمنفرد والمأموم. وهذا شروع في بيان أكمل التشهد، وقد ورد فيه أخبار صحيحة. فقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم -: لما جاوز سدرة المنتهى ليلة الإسراء غشيته سحابة من نور، فيها من الألوان ما شاء الله. فوقف جبريل ولم يسر معه، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: أتتركني أسير منفردا؟ فقال له جبريل: وما منا إلا له مقام معلوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: سر معي ولو خطوة. فسار معه خطوة فكاد أن يحترق من النور والجلال والهيبة، وصغر وذاب حتى صار قدر العصفور، فأشار على النبي بأن يسلم على ربه إذا وصل مكان الخطاب. فلما وصل النبي إليه قال: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله. فقال الله تعالى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فأحب النبي أن يكون لعباد الله الصالحين نصيب من هذا المقام، فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. فقال جميع أهل السموات: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. قوله: المباركات أي الناميات. أي الأشياء التي تنمو وتزيد. وقوله: الصلوات أي الخمس. وقيل: مطلق الصلوات. والطيبات: أي الأعمال الصالحة. (فائدة) ذكر الفشني في شرح الأربعين إن في الجنة شجرة اسمها التحيات، وعليها طائر اسمه المباركات، وتحتها عين اسمها الطيبات، فإذا قال العبد ذلك في كل صلاة نزل ذلك الطائر من فوق الشجرة وانغمس في تلك العين ثم خرج منها وهو ينفض أجنحته فيتقطر الماء من عليه، فيخلق الله من كل قطرة ملكا يستغفر له إلى يوم القيامة. (قوله: وأشهد الثاني) معطوف على مدخول زيادة، أي ويسن زيادة أشهد الثاني أي الداخل على وأن محمدا رسول الله. وعليه، فالمناسب أن يقول: وأشهد في الثاني، بزيادة في الظرفية. ويحتمل أنه معطوف على زيادة، أي ويسن أشهد الثاني، وهو المناسب للمعطوف الذي بعده. لكن يرد عليه إنه يقتضي أنه تقدم منه ذكره، مع أنه ليس كذلك. إلا إن يقال إن أل الداخلة على الثاني للعهد الذهني، أي المعروف عندهم. (قوله: وتعريف السلام) معطوف على زيادة، أي ويسن تعريف السلام لكثرته في الأخبار. وكلام الشافعي: ولزيادته وموافقته سلام التحلل. وعبارة المغني: وتعريف السلام أفضل - كما قال المصنف - من تنكيره. وصحح الرافعي أنهما سواء. وقيل: تنكيره أفضل. اه بحذف. (قوله: لا البسملة قبله) أي لا تسن البسملة قبل التشهد لعدم ثبوتها. وعبارة المغني: ولا يسن في أول التشهد بسم الله على الأصح، والحديث فيه ضعيف. اه. (قوله: ولا يجوز إبدال لفظ من هذا الأقل) أي من الألفاظ الثابتة في أقل التشهد، ولو أتى بالأكمل، اقتصارا على الوارد. (قوله: ولو بمرادفه) غاية لمقدر، أي بلفظ آخر ولو كان مرادفا له. (قوله: كالنبي بالرسول) أي كإبدال النبي بالرسول، في قوله: السلام عليك أيها النبي، وهو من الإبدال بالمرادف، بناء على أنهما مترادفان. وإلا فهو من الإبدال بالأخص منه، إذ الرسول أخص من النبي على الأصح. وقوله: وعكسه أي وإبدال الرسول بالنبي في قوله: وأشهد أن محمدا رسول الله. وإنما لم يجزئ ذلك لأن الرسالة أخص من النبوة على الأصح، فلا يلزم من كونه نبيا كونه رسولا، فيحتاج للتنصيص على كونه رسولا ليظهر فضله على من ليس له مقام الرسالة من النبيين. (قوله: ومحمد بأحمد) أي وإبدال محمد بأحمد، وهذا من الإبدال بالمرادف لا غير. (قوله: وغيره) أي وكغير ذلك، فهو معطوف على مدخول الكاف، وذلك كإبدال أشهد بأعلم فلا يجزئ، لأن الشارع تعبدنا بالأولى ويحتمل أنه معطوف على أحمد، أي وإبدال محمد بغير أحمد من بقية أسماء النبي. (قوله: ويكفي وأن محمدا عبده ورسوله) أي بزيادة عبده، والإتيان بالضمير في رسوله بدل الاسم الظاهر. (قوله: لا وأن محمدا رسوله) أي لا يكفي

والموالاة لا الترتيب إن لم يخل بالمعنى. فلو أظهر النون المدغمة في اللام في أن لا إله إلا الله أبطل لتركه شدة منه، كما لو ترك إدغام دال محمد في راء رسول الله. ويجوز في النبي الهمزة والتشديد. (و) حادي عشرها: (صلاة على النبي) (ص) (بعده) أي بعد تشهد أخير، فلا تجزئ قبله. (وأقلها: اللهم ـــــــــــــــــــــــــــــ بالضمير مع إسقاط عبده، لأنه لم يرد وليس فيه ما مقام يقوم زيادة العبد، بخلاف وأن محمدا رسول الله فإنه يكفي وإن لم يرد، لأنه ورد إسقاط لفظ أشهد. والإضافة للظاهر تقوم مقام زيادة عبد، كذا في التحفة. وخالف الرملي فجوز وأن محمدا رسوله. والحاصل: يكفي وأن محمدا رسول الله، وأن محمدا عبده ورسوله. وأما وأن محمدا رسوله ففيه خلاف. وذكر الواو بين الشهادتين لا بد منه، وإنما لم يجب في الأذان لأنه طلب فيه إفراد كل كلمة بنفس، وذلك يناسب ترك العطف. وتركها في الإقامة لا يضر إلحاقا لها بأصلها وهو الأذان. (قوله: ويجب أن يراعي هنا) أي في التشهد، كما في الفاتحة. وقوله: التشديدات في الإمداد نقلا عن افتاء الرافعي: من خفف تشديد التحيات بطلت صلاته. اه كردي. (قوله: وعدم إبدال حرف بآخر) أي ويجب عدم إبدال حرف بحرف آخر، وهذا يغني عنه قوله: ولا يجوز إبدال لفظ إلخ إذ اللفظ صادق بالحرف الواحد. (قوله: والموالاة) أي بأن لا يفصل بين كلماتها بأكثر من سكتة التنفس. نعم، يغتفر زيادة الكريم بعد أيها النبي، وزيادة يا قبله، وزيادة والملائكة المقربين بعد الصالحين، وزيادة وحده لا شريك له بعد إلا الله. ويجب في التشهد أيضا أن يسمع نفسه، وأن يكون بالعربية عند القدرة عليها ولو بالتعلم، وعدم الصارف. وعبارة الأنوار: وشرط التشهد رعاية الكلمات والحروف والتشديدات، والإعراب المخل - أي تركه - والموالاة، والألفاظ المخصوصة، وإسماع النفس كالفاتحة والقراءة قاعدا، ولو قرأ ترجمته بلغة من لغات العرب أو بالعجمية قادرا على التعلم بطلت صلاته، كالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. اه. سم. (قوله: لا الترتيب) أي لا يجب الترتيب بالقيد الذي ذكره. (قوله: إن لم يخل بالمعنى) فاعل الفعل يعود على معلوم من السياق، أي إن لم يخل ترك الترتيب، كأن قال: السلام عليك أيها النبي التحيات لله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. فإن أخل بالمعنى لم يصح وتبطل به الصلاة إن تعمد، كأن قال: التحيات عليك السلام لله. (قوله: فلو أظهر الخ) تفريع على وجوب مراعاة التشديدات. (قوله: أبطل لتركه شدة) أي إن لم يعده على الصواب بل استمر إلى السلام، ولا نظر لكون النون لما ظهرت خلفت الشدة لأن في ذلك ترك شدة أو إبدال حرف بآخر، وهو مبطل إن غير المعنى، بل وإن لم يتغير المعنى كما هنا. كذا في التحفة والنهاية. ونازع سم في الإبطال من القادر وقال: لأنه لا يزيد على اللحن الذي لا يغير المعنى، سيما وقد جوز بعض القراء الإظهار في مثل ذلك. قال ابن الجزري في أحكام النون الساكنة والتنوين، وخير البزي بين الإظهار والإدغام فيهما - أي النون والتنوين - عندهما، أي عند اللام والراء الخ. اه. (قوله: كما لو ترك إدغام دال محمد في راء رسول الله) أي فإنه يبطل لتركه شدة، ويأتي فيه ما مر. وقال بعضهم: ينبغي أنه يغتفر ذلك للعوام. اه. (قوله: ويجوز في النبي الهمز والتشديد) أي فهو مخير بين الإتيان بالأول أو بالثاني، ولا يجوز تركهما معا وصلا ووقفا على المعتمد، خلافا للزيادي القائل بجوازه وقفا، وهو ضعيف. (قوله: وحادي عشرها) أي أركان الصلاة. وهذا التركيب ونحوه يقرأ بفتح الجزأين لأنه مركب، وهو إذا أضيف يبقى بناؤه، ويجوز كسر الراء على الإعراب، لكنه قليل. قال ابن مالك: وإن أضيف عدد مركب يبقى البنا وعجز قد يعرب (قوله: صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده) أي لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) * فدل ذلك على الوجوب، لأن الأمر للوجوب. وقد أجمع العلماء على أنها لا تجب في غير الصلاة، وللأخبار الصحيحة في ذلك، منها حديث: أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك إذا صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وآله. ومنه، قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه، وليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليدع بما شاء. والمناسب لها من الصلاة آخرها، ووجه المناسبة أن المصلي قد قارب الفراغ من مناجاة الحق فالتفت إلى سيد الخلق فخاطبه بالسلام عليه، فناسب أن يصلي عليه بعده، أن الصلاة عليه دعاء، والدعاء بالخواتيم أليق. والأولى أن يستدل على كونها بعد

صل) أي ارحمه رحمة مقرونة بالتعظيم، أو صلى الله (على محمد)، أو على رسوله، أو على النبي، دون أحمد. (وسن في) تشهد (أخير) وقيل: يجب. (صلاة على آله) فيحصل أقل الصلاة على الآل بزيادة وآله، مع أقل الصلاة لا في الاول على الاصح، لبنائه على التخفيف، ولان فيها نقل ركن قولي على قول، وهو مبطل على قول. واختير مقابله لصحة أحاديث فيه. (ويسن أكملها في تشهد) أخير، وهو: اللهم صل على محمد ـــــــــــــــــــــــــــــ التشهد بما أخرجه الحاكم بسند قوي عن ابن مسعود قال: يتشهد الرجل، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو لنفسه. (قوله: أي بعد تشهد أخير) أي بعد تشهد يعقبه سلام، وإن لم يكن للصلاة تشهد أول. فقوله: أخير المفيد تقدم أول ليس بقيد بل هو جري على الغالب من أن للصلاة تشهدين. (قوله: فلا تجزئ) أي الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبله، أي التشهد، لأنه لا بد من الترتيب بينها وبين التشهد. (قوله: وأقلها) أي أقل الصلاة الواجبة. وسيذكر أكملها. (قوله: اللهم صل إلخ) لا يقال: لم يأت بما في آية صلوا عليه، إذ فيها السلام. ولم يأت به لأنا نقول قد حصل بقوله السلام عليك إلى آخره. (قوله: أي ارحمه إلخ) تفسير لمعنى الصلاة. ولا يقال: الرحمة حاصلة له عليه الصلاة والسلام فطلبها طلب لما هو حاصل. لأنا نقول: المقصود بصلاتنا عليه - صلى الله عليه وسلم - طلب رحمة لم تكن حاصلة له، فإنه ما من وقت إلا وهناك نوع من رحمة لم يحصل له، فلا يزال يترقى في الكمالات إلى ما لا نهاية له. فهو - صلى الله عليه وسلم - ينتفع بصلاتنا عليه على الصحيح. لكن لا ينبغي للمصلي أن يقصد ذلك، بل يقصد أنه مفتقر له عليه الصلاة والسلام، وأنه يتوسل به إلى ربه في نيل مطلوبه، لأنه الواسطة العظمى في إيصال النعم إلينا. وقد تقدم في أول الكتاب نحوه. (قوله: أو صلى الله) أي أو يقول: صلى الله. فهو مخير بين الإتيان بصيغة الأمر أو بالماضي. (قوله: على محمد إلخ) تنازعه كل من صل وصلى. (قوله: دون أحمد) فلا يجزئ الإتيان به لعدم وروده. وكذلك لا يجزئ - صلى الله عليه وسلم - أو على الحاشر، أو العاقب، أو البشير، أو النذير. وإنما أجزأت دون عليه في الخطبة لأنها أوسع من الصلاة. واعلم أنه يشترط في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - شروط التشهد، من رعاية الكلمات والحروف، ورعاية التشديدات، وإسماع نفسه، وكونها بالعربية. (قوله: وسن في تشهد أخير) المراد به ما مر. (قوله: وقيل: يجب) أي الإتيان بالصلاة على الآل فيه، وهو على القول القديم لإمامنا رضي الله عنه. واستدل له بقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق: قولوا اللهم صل على محمد وآله والأمر يقتضي الوجوب. وللإمام الشافعي رضي الله عنه: يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم القدر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له فقوله: لا صلاة له. يحتمل أن المراد صحيحة، فيكون موافقا للقول القديم بوجوب الصلاة على الآل، ويحتمل أن المراد لا صلاة كاملة، فيوافق أظهر قوليه وهو الجديد. (قوله: صلاة على آله) نائب فاعل سن. (قوله: فيحصل أقل الصلاة على الآل الخ) أي ويحصل الأكمل بما يأتي في الصلاة الإبراهيمية. (قوله: بزيادة وآله) أي زيادة هذا اللفظ. (قوله: مع أقل الصلاة) الأولى التعبير بعلى بدل مع. (قوله: لا في الأول) أي لا تسن الصلاة على الآل في التشهد الأول لما ذكره. وفي سم ما نصه: لو فرغ المأموم من التشهد الأول والصلاة على النبي (ص قبل فراغ إمام سن له الإتيان بالصلاة على الآل وتوابعها. كما أفتى به شيخنا الشهاب الرملي. (قوله: لبنائه) أي التشهد الأول على التخفيف. أي والملائم له عدم الإتيان بالصلاة على الآل فيه. (قوله: ولأن فيها) أي في الصلاة على الآل في التشهد الأول. وقوله: على قول مرتبط بركن قولي، أي كونها ركنا قوليا قيل به، فعليه إذا أتى بها في التشهد الأول صدق عليه أنه نقل ركنا قوليا، أي أتى به في غير محله. وقوله: وهو مبطل على قول، أي نقل الركن القولي مبطل في قول. (قوله: واختير مقابله) أي الأصح، وهي أنها تسن في الأول. (قوله: لصحة أحاديث فيه) أي في المقابل. (قوله: ويسن أكملها) أي الصلاة على

وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. والسلام تقدم في التشهد فليس هنا إفراد الصلاة عنه، ولا بأس بزيادة سيدنا قبل محمد. (و) سن في تشهد أخير (دعاء) بعد ما ذكر كله. وأما التشهد الاول فيكره فيه الدعاء لبنائه على التخفيف، إلا إن فرغ قبل إمامه فيدعو حينئذ. ومأثوره أفضل، وآكده ما أوجبه بعض العلماء، وهو: ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي وعلى آله. ولو قال: أكملهما، بضمير التثنية العائد على الصلاة على النبي والصلاة على الآل، لكان أنسب بعبارته. إذ فيها فضل الصلاة على الآل عن الصلاة على النبي. وفي الكردي ما نصه: قال في الإيعاب: ومحل ندب هذا الأكمل لمنفرد وإمام راضين بشرطهم، وإلا اقتصر على الأقل. كما بحثه الجويني وغيره. اه. (قوله: وهو اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم الخ) قال في شرح البهجة الكبير ما نصه: وفي الأذكار وغيره: الأفضل أن يقول: اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. في العالمين إنك حميد مجيد. اه ع ش. وإنما خص إبراهيم بالذكر لأن الرحمة والبركة لم يجتمعا في القرآن لنبي غيره. قال الله تعالى: * (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) * وآل سيدنا محمد بنو هاشم وبنو المطلب، وقد تقدم الكلام عليه. وآل سيدنا إبراهيم إسماعيل وإسحاق وأولادهما، وكل الأنبياء بعد إبراهيم من ولد إسحاق إلا نبينا - صلى الله عليه وسلم - فمن ولده إسماعيل. وقد استشكل التشبيه في هذه الصيغة بأن سيدنا محمدا أفضل من سيدنا إبراهيم فتكون الصلاة والبركة المطلوبتان أفضل وأعظم من الصلاة والبركة الحاصلتين لإبراهيم، فكيف شبه ما يتعلق بالنبي بما يتعلق بإبراهيم؟ مع أن المشبه به يكون أعلى من المشبه. وأجيب عن ذلك بأجوبة، منها: أن التشبيه من حيث الكمية أي العدد، دون الكيفية أي القدر. ومنها: أن التشبيه راجع للآل فقط، ولا يشكل أن آل النبي ليسوا بأنبياء، فكيف يساوون آل إبراهيم وهم أنبياء. مع أن غير الأنبياء لا يساوونهم مطلقا، لأنه لا مانع من مساواة آل النبي وإن كانوا غير أنبياء لأل إبراهيم وإن كانوا أنبياء، بطريق التبعية له - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: في العالمين - على الرواية الثانية - متعلق بمحذوف، أي وأدم ذلك فيهم. ومعنى حميد: محمود. ومعنى مجيد: ماجد، وهو من كمل شرفا وعلما. (قوله: ولا بأس بزيادة إلخ) بل هي الأولى كما يقدم. (قوله: وسن في تشهد أخير) الأولى حذف الجار والمجرور والاقتصار على قوله بعد ما ذكر كله إذ هو صادق بالتشهد والصلاة على النبي وآله، اللهم إلا أن يحمل على الجلوس على طريق المجاز المرسل من ذكر الحال وإرادة المحل. وقوله: دعاء أي بما شاء، من ديني أو دنيوي، كاللهم ارزقني جارية حسناء لخبر: إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله، إلخ، ثم ليتخير من المسألة ما شاء أو ما أحب. رواه مسلم. وروى البخاري: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به. اه شرح الرملي. وقوله: بعد ما ذكر كله أي من التشهد الأخير والصلاة على النبي والصلاة على الآل، سواء أتى بالأكمل منها أو بالأقل كما علمت. (قوله: وأما التشهد الأول) مقابل قوله في التشهد الأخير. ولو اقتصر على ما مر لقال هنا: أما التشهد الأول فيكره الدعاء بعده، وكان هو الأولى. قال في التحفة: ويلحق به - أي التشهد الأول - كل تشهد غير محسوب للمأموم، بل هذا داخل في الأول لأن المراد به غير الأخير. اه. (قوله: فيدعو حينئذ) أي حين إذ فرغ. والمناسب لما قبله فلا يكره الدعاء بعده حينئذ. وتقدم عن سم أنه إذا فرغ قبل إمامه يسن له الإتيانه بالصلاة على الآل وتوابعها، فلا تغفل. (قوله: ومأثوره أفضل) أي المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من غيره، لانه - صلى الله عليه وسلم - هو المحيط باللائق بكل محل بخلاف غيره. (قوله: وآكده) أي المأثور ما أوجبه بعض العلماء. وفي الكردي ما نصه: في شرح مسلم للنووي قوله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم

اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. ويكره تركه. ومنه: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني. أنعت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت. رواهما مسلم. ومنه أيضا: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، إنك أنت الغفور الرحيم. رواه البخاري. ويسن أن ينقص دعاء الامام عن قدر أقل التشهد، والصلاة على النبي (ص). قال شيخنا: تكره الصلاة على النبي (ص) بعد أدعية التشهد. ـــــــــــــــــــــــــــــ السورة من القرآن، وأن طاوسا رحمه الله تعالى أمر ابنه بإعادة الصلاة حين لم يدع بهذا الدعاء فيها، إلى أن قال: وظاهر كلام طاوس أنحمل الأمر به على الوجوب، فأوجب إعادة الصلاة لفواته. وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب، ولعل طاوسا أراد تأديب ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده، لا أنه يعتقد وجوبه. اه. ونقل القول بالوجوب عن ابن حزم. اه. (قوله: وهو اللهم إلخ) أي الآكد الذي أوجبه بعض العلماء هو ما ذكر، وذلك لما رواه أبو هريرة: إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنه المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. (قوله: ومن فتنة المحيا والممات) أي الحياة والموت. قال القليوبي: وفتنة المحيا بالدنيا والشهوات ونحوهما، كترك العبادات. وفتنة الممات بنحو ما عند الاحتضار أو فتنة القبر. اه. وقال ع ش: يحتمل أن المراد بفتنة الممات الفتنة التي تحصل عند الاحتضار، وإضافتها للممات لاتصالها به. أو أن المراد بها ما يحصل بعد الموت، كالفتنة التي تحصل عند سؤال الملكين. وهذا أظهر، لأن ما يحصل عند الموت شملته فتنة المحيا. اه. (قوله: ومن فتنة المسيح الدجال) بالحاء المهملة، لأنه يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس. وبالخاء المعجمة، لأنه ممسوخ العين. والدجال: الكذاب. من الدجل، وهو التغطية، لأنه يغطي الحق بالباطل. ومن خبره ما قيل أنه يأتي والناس في ضيق عظيم، ومعه جبلان واحد من لحم وآخر من خبز، ومعه جنة ونار، ومعه ملكان واحد على يمينه وآخر عن يساره، فيقول: أنا ربكم. فيقول الملك الذي عن يمينه: كذبت. فيجيبه الآخر الذي عن شماله: صدقت. ولم يسمع أحد إلا قول الملك الذي عن شماله: صدقت. وهذه فتنة عظيمة أعاذنا الله منها. (قوله: ويكره تركه) ظاهر العبارة أن الضمير راجع لهذا الآكد فقط، ومقتضاه أنه يكره تركه وإن أتى بدعاء غيره. وصريح التحفة أنه يكره ترك الدعاء مطلقا، هذا وغيره، ونصها مع الأصل: وكذا الدعاء بعده - أي بعد ما ذكر كله - سنة، ولو للإمام، للأمر به في الأحاديث الصحيحة. بل يكره تركه للخلاف في وجوب بعضه الآتي. اه. فلو قدمه وذكره قبل قوله: وأما التشهد الأول، لكان أولى. (قوله: ومنه) أي المأثور. (قوله: اللهم اغفر لي ما قدمت) أي ما تقدم مني من الذنوب. (قوله: وما أخرت) أي ما يقع من الذنوب آخرا، فاغفر لي إياه عند وقوعه. وهذا لا استحالة فيه لأنه طلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع، وإنما المستحيل طلب المغفرة الآن لما سيقع، وهذا ليس مرادا. وقوله: وما أسرفت أي جاوزت به الحد. (قوله: أنت المقدم) أي الذي تقدم الأشياء وتضعها في مواضعها. (قوله: وأنت المؤخر) أي الذي تؤخر الأشياء إلى مكانها. فهو سبحانه وتعالى يضع الأشياء في محالها، فمن استحق التقديم قدمه، ومن استحق التأخير أخره. (قوله: رواهما) أي الدعاءين المذكورين. (قوله: ومنه أيضا اللهم الخ) أي ومن المأثور أيضا: اللهم إني ظلمت نفسي - أي أسأت إليها - بمخالفتك وطاعة عدونا وعدوك، وفيه اعتراف على نفسه بالذنب والندم على ذلك. (قوله: مغفرة من عندك) أي لا يقتضيها سبب من العبد من العمل ونحوه. اه بجيرمي. (قوله: ويسن أن ينقص دعاء الإمام الخ) قال في التحفة: بل الأفضل أن ينقص عن ذلك - كما في الروضة وغيرها - لأنه تبع لهما، فإن ساواهما كره. أما المأموم فهو تابع لإمامه، وأما المنفرد فقضية كلام الشيخين أنه كالإمام. لكن أطال المتأخرون في أن المذهب أنه يطيل ما شاء ما لم يخف وقوعه في سهو. ومثله إمام من مرأى محصورين رضوا بالتطويل. وظاهر أن محل الخلاف فيمن لم يسن له

(و) ثاني عشرها: (قعود لهما) أي للتشهد والصلاة، وكذا للسلام. (وسن تورك فيه) أي في قعود التشهد الاخير، وهو ما يعقبه سلام. فلا يتورك مسبوق في تشهد إمامه الاخير، ولا من يسجد لسهو. وهو كالافتراش، لكن يخرج يسراه من جهة يمناه ويلصق وركه بالارض. (ووضع يديه في) قعود (تشهديه على طرف ركبتيه) بحيث تسامته رؤوس الاصابع، (ناشرا أصابع يسراه) مع ضم لها، (وقابضا) أصابع (يمناه إلا المسبحة) - بكسر الباء، وهي التي تلي الابهام - فيرسلها. (و) سن (رفعها) - أي المسبحة - مع إمالتها قليلا (عند) همزة (إلا الله) للاتباع. (وإدامته) أي الرفع. فلا يضعها بل تبقى مرفوعة إلى القيام أو السلام، والافضل ـــــــــــــــــــــــــــــ انتظار، نحو داخل. اه. وقال في فتح الجواد: ويسن الجمع بينها، أي هذه الأدعية المأثورة هنا وفي غيره. نعم، يسن لغير المنفرد أن يكون الدعاء هنا أقل من أقل التشهد والصلاة، فإن زاد لم يضر، إلا أن يكون إماما فيكره له التطويل. اه. (قوله: قال شيخنا إلخ) لعله في غير التحفة وفتح الجواد من بقية كتبه، أما فيهما فلم يذكره. (قوله: وثاني عشرها) أي أركان الصلاة. وقوله: قعود لهما إنما وجب لأنه محلهما، فيتبعهما في الوجوب. (قوله: أي للتشهد والصلاة) تفسير لضمير لهما. (قوله: وكذا للسلام) أي وكذا يجب القعود للسلام، أي التسليمة الأولى. (قوله: وسن تورك فيه) أي ولو لمن يصلي من جلوس. ومثله الافتراش في محله. (قوله: أي في قعود التشهد الأخير) قال الشوبري: ومثله سجود التلاوة والشكر خارج الصلاة، فالسنة فيهما أن يجلس متوركا. اه. (قوله: وهو ما يعقبه سلام) أي التشهد الأخير هو الذي يعقبه سلام وإن لم يسبقه تشهد أول. (قوله: فلا يتورك مسبوق) أي لأن تشهده لم يعقبه سلام، بل يفترش لأن الافتراش هيئة المستوفز، فيسن في كل جلوس تعقبه حركة لأنها أسهل عنه، والتورك هيئة المستقر. (قوله: ولا من يسجد لسهو) أي ولا يتورك من عليه سجود سهو ولم يرد تركه بأن أراد فعله أو أطلق، بل يفترش. فإن قصد تركه تورك. (قوله: وهو) أي التورك. وقوله: كالافتراش أي في الهيئة. (قوله: لكن يخرج الخ) أتى به دفعا لما يوهمه التشبيه من اتحادهما مطلقا. أي - لكن في الافتراش - يجلس على كعب يسراه، وفي التورك يجلس على وركه الأيسر. (قوله: ويلصق) بضم الياء، من ألصق. وقوله: وركه بفتح فكسر، أي أليته. والمراد اليسرى. وقوله: بالأرض أي بمقره. أي وينصب رجله اليمنى واضعا أطراف أصابعها بالأرض متوجهة للقبلة. (قوله: ووضع يديه) أي وسن وضع يديه، أي كفيه الراحة وبطون الأصابع. (قوله: في قعود تشهديه) أي الأول والأخير. وكعقودهما غيره من بقية جلسات الصلاة. ولو قال: في جميع جلسات الصلاة لكان أولى. (قوله: على طرف ركبتيه) متعلق بوضع، وفيه أنه إذا وضع يديه عليه لزم زيادة الأصابع عليه، وحينئذ لا يصح قوله بعد بحيث إلخ. ويمكن أن يقال: إن المراد على قرب طرف ركبتيه، فيكون في الكلام مضاف مقدر. وعبارة غيره: وضع يديه قريبا من ركبيته. اه. وهي ظاهرة. (قوله: بحيث الخ) الباء للملابسة، وهي متعلقة بمحذوف حال من يديه. أي حال كونهما ملتبستين بحالة، هي مسامته رؤوس أصابعهما لطرف الركبة. (قوله: ناشرا الخ) حال من فاعل المصدر المقدر، أي حال كون الواضع يديه ناشرا أصابع يسراه. وسيأتي مقابله. (قوله: مع ضم لها) أي جمع للأصابع، ولا يفرق بينها. (قوله: وقابضا أصابع يمناه) قال ش ق: أي بعد وضعها منشورة، لا معه ولا قبله على المعتمد، خلافا لظاهر كلام بعضهم من أن القبض مقارن للوضع. فالواو في عبارة المنهج وغيره للبعدية لا للمعية، ولعل في تأخير المصنف القبض عن الوضع إشارة إلى ذلك. اه. (قوله: إلا المسبحة) إنما سميت مسبحة لأنها يشار بها للتوحيد والتنزيه عن الشريك، وخصصت بذلك لاتصالها بنياط القلب أي العرق الذي فيه، فكأنها سبب لحضوره. وتسمى أيضا سبابة، لأنه يشار بها عند السب والمخاصمة. (قوله: وهي) أي المسبحة. وقوله: التي تلي الإبهام أي الأصبع التي محلها بعد الإبهام. (قوله: فيرسلها) أي ينشرها ولا يقبضها. وهو تفريع على الاستثناء. (قوله: وسن رفعها) هو خاص بهذا المحل تعبدا فلا يقاس به غيره، كما سيذكره الشارح. فما يفعل بعد الوضوء وعند رؤية الجنازة لا أصل له. (قوله: مع إمالتها قليلا) أي لئلا تخرج عن سمت القبلة. (قوله: عند همزة إلا

قبض الابهام بجنبها، بأن يضع رأس الابهام عند أسفلها على حرف الراحة، كعاقد ثلاثة وخمسين. ولو وضع اليمنى على غير الركبة يشير بسبابتها حينئذ، ولا يسن رفعها خارج الصلاة عند إلا الله. (و) سن (نظر إليها) أي ـــــــــــــــــــــــــــــ الله) متعلق برفعها عند الابتداء بالهمزة من ذلك لأنه حال إثبات الوحدانية لله تعالى. ويكون قاصدا بذلك أن المعبود واحد، ليجمع في توحيده بين اعتقاده وقوله وفعله. قال ابن رسلان: وعند إلا الله فالمهلله ارفع لتوحيد الذي صليت له وتكره الإشارة بغير المسبحة وإن قطعت. (قوله: للاتباع) دليل لسنية رفعها عند ما ذكر (قوله: وإدامته) أي وسن إدامته، أي استمراره. (قوله: فلا يضعها) أي المسبحة، وهو تفريع على مفهوم الإدامة. (قوله: بل تبقى مرفوعة) اضراب انتقالي، ولا حاجة إليه، فلو حذفه لكان أولى. (قوله: إلى القيام) متعلق بتبقى أو بإدامته في المتن. والمراد إلى الشروع في القيام، كما هو ظاهر. (قوله: أو السلام) قال ع ش: هل المراد به تمام التسليمتين؟ أو تمام التسليمة الأولى لأنه يخرج بها من الصلاة؟ أو لا؟ فيه نظر، والأقرب الأول، لأن الثانية من توابع الصلاة، ومن ثم لو أحدث بعد الأولى حرم الإتيان بالثانية. لكن في حجر ما نصه: ولا يضعها إلى آخر التشهد. اه. وهي ظاهرة في أنه يضعها حيث تم التشهد قبل شروعه في التسليمة الأولى. ويمكن رد ما قاله الشارح إلى ما قاله حجر بجعل السلام في كلام الشارح خارجا بناء على الأرجح من أن الغاية غير داخلة في المغيا، وإنما سن استمرار ذلك إلى ما ذكر لأن الأواخر والغايات هي التي عليها المدار، فطلب منه إدامة استحضار التوحيد والإخلاص حتى يفارق آخر صلاته لتكون خاتمتها على أتم الأحوال. وهذا هو المعنى الذي رفعت لأجله. اه ش ق. (قوله: بجنبها) أي المسبحة. والمراد به طرفها من تحت. (قوله: بأن يضع إلخ) تصوير لقبض الإبهام بجنبها. وقوله: عند أسفلها أي المسبحة. والظرف متعلق بمحذوف حال من حرف الراحة بعده. (وقوله: على حرف الراحة) متعلق بيضع، أي يضع ذلك على حرف الراحة حال كونه كائنا عند أسفلها. (قوله: كعاقد ثلاثة وخمسين) خبر لمبتدأ محذوف، أي وهو - أي الواضع إبهامه على ما ذكر - كائن كعاقد إلخ. أو متعلق بمحذوف حال من ضمير يضع، أي يضع ذلك حال كونه كعاقد إلخ، وهذا أولى، وإنما كانت هذه الكيفية ثلاثا وخمسين لأن في الإبهام والمسبحة خمس عقد، وكل عقدة بعشرة فذلك خمسون، والأصابع المقبوضة ثلاثة. وهذه طريقة لبعض الحساب، وأكثرهم يسمونها تسعة وخمسين بجعل الأصابع المقبوضة تسعة نظرا إلى عقدها. فالخلاف إنما هو في المقبوضة أهي ثلاثة أو تسعة؟. وفي الكردي ما نصه: فائدة في كيفية العدد بالكف والأصابع المشار إلى بعضه بقولهم: كعاقد ثلاثة وخمسين. كما نقل عن بعض كتب المالكية قالوا: إن الواحد يكنى عنه بضم الخنصر لا قرب باطن الكف منه، والاثنين بضم البنصر معها كذلك، والثلاثة بضم الوسطى معها كذلك والأربعة برفع الخنصر عنهما، والخمسة برفع البنصر معه مع بقاء الوسطى، والستة بضم البنصر وحده، والسبعة بضم الخنصر وحده على لحمة الإبهام، والثمانية بضم البنصر معه كذلك، والتسعة بضم الوسطى معهما كذلك، والعشرة بجعل السبابة على نصف الإبهام، والعشرين بمدهما معا، والثلاثين بلصوق طرفي السبابة والإبهام، والأربعين بمد الإبهام بجانب السبابة، والخمسين بعطف الإبهام كأنها راكعة، والستين بتحليق السبابة فوق الإبهام، والسبعين بوضع طرف الإبهام على الأنملة الوسطى من السبابة مع عطف السبابة عليها قليلا، والثمانين بوضع طرف السبابة على ظهر الإبهام، والتسعين بعطف السبابة حتى تلتقي مع الكف وضم الإبهام إليها، والمائة بفتح اليد كلها. اه. (قوله: ولو وضع اليمنى) أي كفه اليمنى. وقوله: على غير الركبة أي غير قرب الركبة. وإنما احتجنا لتقدير هذا المضاف لما علمت مما مر أن الوضع إنما هو على الفخذ مسامته رؤوس الأصابع طرف الركبة، وذلك الغير كالأرض أو فخذه بعيدا عن ركبتيه. (وقوله: يشير بسبابتها) أي اليمنى. وقوله: حينئذ أي حين إذ قال: إلا الله. (قوله: ولا يسن

قصر النظر إلى المسبحة حال رفعها، ولو مستورة بنحو كم، كما قال شيخنا. (و) ثالث عشرها: تسليمة أولى، (وأقلها: السلام عليكم) للاتباع، ويكره عليكم السلام، ولا يجزئ ـــــــــــــــــــــــــــــ رفعها) أي السبابة، لعدم وروده في غير التشهد. (قوله: وسن نظر إليها) أي ويستمر ذلك إلى السلام أو القيام. وهذا مستثنى من قولهم يسن إدامة نظره إلى موضع سجوده. (قوله: أي قصر النظر إلى المسبحة) أي لا يجاوز نظره المسبحة. (قوله: حال رفعها) منصوب بإسقاط الخافض، متعلق بنظر في المتن. (قوله: ولو مستورة) غاية لسنية النظر. (قوله: بنحوكم) أي كمنديل. (قوله: كما قال شيخنا) مرتبط بالغاية. وعبارته: نعم، السنة أن يقصر نظره على مسبحته عند رفعها - ولو مستورة - في التشهد، لخبر صحيح فيه. (قوله: وثالث عشرها) أي أركان الصلاة. (قوله: تسليمة أولى) لخبر مسلم: تحريمها التكبير وتحليلها التسليم. قال القفال في المحاسن: في السلام معنى، وهو أنه كان مشغولا عن الناس، وقد أقبل عليهم. اه. (واعلم) أنه يشترط في السلام عشرة شروط: الأول: التعريف بالألف واللام، فلا يكفي سلام عليكم بالتنوين، ولا سلامي عليكم، ولا سلام الله عليكم، بل تبطل بذلك إذا تعمد وعلم. والثاني: كاف الخطاب. فلا يكفي السلام عليه، أو عليهما، أو عليهم، أو عليها، أو عليهن. والثالث: وصل إحدى كلمتيه بالأخرى. فلو فصل بينهما بكلام لم يصح. نعم، يصح السلام الحسن أو التام عليكم. والرابع: ميم الجمع. فلا يكفي نحو السلام عليك أو عليه، بل تبطل به الصلاة - إن تعمد وعلم - في صورة الخطاب لا في صورة الغيبة لأنه دعاء لا خطاب فيه. والخامس: الموالاة. فلو لم يوال بأن سكت سكوتا طويلا أو قصيرا قصد به القطع ضر. كما في الفاتحة. السادس: كونه مستقبلا للقبلة بصدره. فلو تحول به عن القبلة ضر، بخلاف الالتفات بالوجه فإنه لا يضر، بل يسن أن يلتفت به في الأولى يمينا حتى يرى خده الأيمن، وفي الثانية يسارا حتى يرى خده الأيسر. وسيذكره في قوله: ومع الالتفات فيهما حتى يرى خده إلخ. والسابع: أن لا يقصد به الخبر فقط. بل يقصد به التحلل فقط أو مع الخبر أو يطلق، فلو قصد به الخبر لم يصح. والثامن: أن يأتي به من جلوس. والتاسع: أن يسمع به نفسه حيث لا مانع. والعاشر: أن لا يزيد أو ينقص ما يغير المعنى. وعدها بعضهم تسعة ونظمها في قوله: شروط تسليم تحليل الصلاة إذا أردتها تسعة صحت بغير مراش عرف وخاطب وصل واجمع ووال وكن مستقبلا ثم لا تقصد به الخبرا واجلس واسمع به نفسا فإن كملت تلك الشروط وتمت كان معتبرا قوله: وأقلها السلام عليكم) فلا يجوز إسقاط حرف من هذا الأقل ولا إبدال حرف بغيره. نعم، إن قال: السلم وقصد به السلام كفى على المعتمد، وأن كان يطلق على الصلح كما في قوله تعالى: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) *

سلام عليكم - بالتنكير - ولا سلام الله - أو سلامي - عليكم. بل تبطل الصلاة إن تعمد وعلم. كما في شرح الارشاد لشيخنا. (وسن) تسليمة (ثانية) وإن تركها إمامه، وتحرم إن عرض بعد الاولى مناف، كحدث وخروج وقت جمعة ووجود عار سترة. (و) يسن أن يقرن كلا من التسليمتين (برحمة الله) أي معها، دون: وبركاته، على المنقول في غير الجنازة. لكن اختير ندبها لثبوتها من عدة طرق. (و) مع (التفات فيهما) حتى يرى خده الايمن في الاولى والايسر في الثانية. (تنبيه) يسن لكل من الامام والمأموم والمنفرد أن ينوي السلام على من التفت هو إليه ممن عن يمينه ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز: والسلام عليكم، بالواو، لأنه سبقه ما يصلح للعطف عليه، بخلاف التكبير. ويجزئ: عليكم السلام، مع الكراهة. كما نقله في المجموع عن النص، فلا يشترط ترتيب كلمتيه لتأدية المعنى ولو من غير ترتيب، وهو: الأمان عليكم. (قوله: للاتباع) دليل وجوب التسليمة الأولى. (قوله: ويكره: عليكم السلام) أي بتقديم الخبر، ومع الكراهة هو مجزئ لأنه بمعنى ما ورد. (قوله: ولا يجزئ سلام عليكم) أي لعدم وروده، بخلافه في قوله: سلام عليك أيها النبي، وقوله: سلام علينا، لوروده فيه. (قوله: ولا سلام الله أو سلامي عليكم) أي ولا يجزئ ذلك. (قوله: بل تبطل الصلاة) أي به، وهو اضراب انتقالي راجع للصيغ الثلاثة قبله. (قوله: كما في شرح الإرشاد لشيخنا) عبارته: لا سلام عليكم، بالتنكير، فلا يجزئ بل تبطل به الصلاة، وأجزأ في التشهد لوروده فيه. والتنوين لا يقوم مقام أل في العموم والتعريف وغيره. ومثله السلام عليكم - بكسر السين - لأنه يأتي بمعنى الصلح. نعم، إن نوى به السلام لم يبعد إجزاؤه، ولأنه يأتي بمعناه. ويبطل أيضا تعمد: سلام، أو سلام الله عليكم، أو عليك، أو عليكما، لأنه خطاب. اه. (قوله: وسن تسليمة ثانية) أي للاتباع. رواه مسلم. قال ق ل: وهي من ملحقات الصلاة، لا من الصلاة على المعتمد. اه. (قوله: وإن تركها إمامه) أي فتسن للمأموم. (قوله: وتحرم إن عرض الخ) أي ولا تبطل صلاته لفراغها بالأولى، وإنما حرمت الثانية حينئذ لأنه انتقل إلى حالة لا تقبل فيها الصلاة فلا تقبل فيها توابعها. (قوله: كحدث إلخ) تمثيل للمنافي. (قوله: وخروج وقت جمعة) أي بخلاف وقت غيرها من بقية الصلوات، فلا تحرم لو خرج الوقت. والفرق أن الجمعة يشترط فيها بقاء الوقت من أولها إلى آخرها، بخلاف غيرها. (قوله: ووجود عار سترة) فيه نظر، لأنه لو استتر أتى بالمطلوب، ولا تحرم إلا أن يقال المراد: وجد سترة ولم يستتر بها فتحريمها حينئذ واضح، كما في سم. (قوله: ويسن أن يقرن الخ) هذا بيان لأكمل السلام، فهو مقابل قوله: وأقلها السلام عليكم. (قوله: كلا من التسليمتين) أي المتقدمتين، وهي الأولى والثانية. (قوله: برحمة الله) متعلق بيقرن. (وقوله: أي معها) بيان لمعنى الباء بالنظر للمتن وبالنظر للفعل الذي دخل به وهو يقرن، فالباء على معناها إذ هو يتعدى بها. (قوله: دون وبركاته) أي فلا يقر كلا من التسليمتين بها. وقوله: على المنقول في غير الجنازة أي أما فيها فتسن زيادته. وكتب سم ما نصه: قوله إلا في الجنازة، كذا قيل. ويؤخذ من قول المصنف في الجنائز كغيرها عدم زيادة وبركاته فيها أيضا. اه. (قوله: لكن اختير ندبها) أي لكن اختار بعضهم ندب وبركاته في غير الجنازة أيضا. وهو استدراك دفع به ما يتوهم من قوله: على المنقول، أنه متفق عليه. وحكى السبكي فيها ثلاثة أوجه، أشهرها: لا تسن ثانيها تسن ثالثها، تسن في الأولى دون الثانية. (قوله: لثبوتها) أي لفظة وبركاته. وهو علة الاختيار. وقوله: من عدة طرق أي من طرق عديدة. (قوله: ومع التفات) معطوف على برحمة الله. والأولى التعبير بالباء كما مر في نظيره. وقوله: فيهما أي في التسليمتين. (قوله: حتى يرى) بالبناء للمجهول، وهو غاية للالتفات. وقوله: خده الأيمن أي فقط، ولا يشترط رؤية خديه. وعبارة شرح مسلم: ويلتفت في كل تسليمة حتى يرى من عن جانبه خده. وهذا هو الصحيح. وقال بعض أصحابنا: حتى يرى خديه من عن جانبه. اه. (وقوله: في الأولى) أي التسليمة الأولى: وهو متعلق بيرى. وقوله: والأيسر في الثانية أي وحتى يرى خده الأيسر في التسليمة الثانية. (قوله: يسن لكل من الإمام الخ) أي لخبر علي رضي الله عنه: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل العصر أربع

بالتسليمة الاولى، وعن يساره بالتسليمة الثانية، من ملائكة ومؤمني إنس وجن، وبأيتهما شاء على من خلفه وأمامه وبالاولى أفضل. وللمأموم أن ينوي الرد على الامام بأي سلاميه شاء إن كان خلفه، وبالثانية إن كان عن يمينه، وبالاولى إن كان عن يساره. ويسن أن ينوي بعض المأمومين الرد على بعض، فينويه من على يمين المسلم بالتسليمة الثانية ومن على يساره بالاولى، ومن خلفه وأمامه بأيتهما شاء، وبالاولى أولى. (فروع) يسن نية الخروج من الصلاة بالتسليمة الاولى خروجا من الخلاف في وجوبها، وأن يدرج ـــــــــــــــــــــــــــــ ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن معهم من المسلمين والمؤمنين وخبر سمرة: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نرد على الإمام، وأن نتحاب، وأن يسلم بعضنا على بعض. رواه أبو داود وغيره. (قوله: أن ينوي السلام) أي ابتداءه. وأما نية الرد فقط فقد ذكرها بقوله: وللمأموم أن ينوي الرد، الخ. (قوله: على من التفت هو) أي على شخص التفت هو. أي كل ممن ذكر إليه - أي إلى ذلك الشخص - ولو غير مصل. ومع ذلك لا يجب على غير المصلي الرد عليه وإن علم أنه قصده بالسلام، كما في ع ش. وقوله: ممن إلخ بيان لمن، أو بدل منه بدل بعض من كل. وقوله: عن يمينه أي يمين كل ممن ذكر. وقوله: بالتسليمة الأولى متعلق بينوي المذكور. أو بعامل البدل على جعل الجار والمجرور بدلا. (قوله: وعن يساره بالتسليمة الثانية) أي ويسن أن ينوي السلام على من التفت إليه ممن عن يساره بالتسليمة الثانية. وقوله: من ملائكة إلخ بيان لمن الثانية أو الأولى. (وقوله: وبأيتهما شاء إلخ) أي وينوي السلام بما شاءه من التسليمة الأولى أو الثانية على من كان خلفه أو كان أمامه. وأي هنا وفيما بعده موصولة، صلتها الفعل بعدها، وعائدها محذوف. (قوله: وبالأولى أفضل) أي ونية السلام على من ذكر بالتسليمة الأولى أفضل من الثانية. (قوله: وللمأموم الخ) أي ويسن للمأموم الخ، معطوف على لكل. (قوله: بأي سلاميه) متعلق بينوي، والضمير يعود على المأموم. وقوله: شاء صلة، أي والعائد إليها محذوف، أي بالذي شاءه من السلامين. (قوله: إن كان) أي المأموم. وقوله: خلفه أي الإمام. (قوله: وبالثانية إن كان عن يمينه) أي وينوي الرد على الإمام بالتسليمة الثانية إن كان المأموم عن يمين الإمام. (قوله: وبالأولى إلخ) أي وينوي الرد عليه بالتسليمة الأولى إن كان المأموم عن يساره. قال في المغنى: فإن قيل: كيف ينوي من على يسار الإمام الرد عليه بالأولى؟ مع أن الرد إنما يكون بعد السلام، والإمام إنما ينوي السلام على من عن يساره بالثانية، فكيف يرد عليه؟ أجيب بأن هذا مبني على أن المأموم إنما يسلم الأولى بعد فراغ الإمام من التسليمتين، كما سيأتي. اه. قوله: ويسن أن ينوي الخ) ذكره أولا مجملا ثم فصله بقوله: فينويه إلخ ليكون أوقع في النفس. (قوله: فينويه) أي الرد. وقوله: من على إلخ فاعل ينوي. وقوله: المسلم بكسر اللام، أي على الراد. وقوله: بالتسليمة الثانية متعلق بينوي أي تسليمة الراد الثانية. وذلك لأن المسلم ينوي ابتداء السلام بالأولى فيكون الرد بالثانية. (قوله: ومن علي يساره بالأولى) أي وينوي الرد من على يسار المسلم بالأولى. (قوله: ومن خلفه وأمامه إلخ) أي وينوي الرد من كان خلف المسلم أو أمامه، بأيهما شاء. ومحله: إذا تقدم سلام المسلم على من كان خلفه أو أمامه، وإلا فلا ينوي الرد عليه. كما في البجيرمي. (قوله: وبالأولى أولى) أي ونية الرد ممن كان خلف أو أمام تكون بالأولى أولى. (تنبيه) قال سم: هل يشترط مع نية السلام أو الرد فيما ذكر على من ذكر نية سلام الصلاة؟ حتى لو نوى مجرد السلام أو الرد ضر للصارف. وقد قالوا: يشترط فقد الصارف أو لا يشترط، فيكون هذا مستثنى من اشتراط قصد الصارف لوروده. فيه نظر، ولعل الأوجه الأول، ولا يقال هذا مأمور به فلا يحتاج لفقد الصارف لأن نحو التسبيح لمن نابه شئ والفتح على الإمام مأمور به، مع أنه لو قصد فيه مجرد التفهيم ضر وبطلت صلاته. اه. (قوله: فروع) أي خمسة. (قوله: يسن نية الخروج من الصلاة بالتسليمة الأولى) أي عند ابتدائها. فإن نوى قبلها بطلت صلاته، أو مع الثانية، أو أثناء الأولى فاتته الثانية. اه. نهاية. (قوله: خروجا من الخلاف في وجوبها) أي نية

السلام، وأن يبتدئة مستقبلا بوجهه القبلة، وأن ينهيه مع تمام الالتفات، وأن يسلم المأموم بعد تسليمتي الامام. (و) رابع عشرها: (ترتيب بين أركانها) المتقدمة كما ذكر. فإن تعمد الاخلال بالترتيب بتقديم ركن فعلي، كأن سجد قبل الركوع، بطلت صلاته. أما تقديم الركن القولي فلا يضر إلا السلام. والترتيب بين السنن كالسورة بعد الفاتحة، والدعاء بعد التشهد والصلاة، شرط للاعتداد بسنيتها، (ولو سها غير مأموم) في الترتيب (بترك ركن) كأن سجد قبل الركوع، أو ركع قبل الفاتحة، لغا ما فعله حتى يأتي بالمتروك. فإن تذكر قبل بلوغ مثله أتى به، وإلا فسيأتي بيانه. (أو شك) هو - أي غير ـــــــــــــــــــــــــــــ الخروج. والقائل به هو ابن سريج وغيره. (قوله: وأن يدرج السلام) أي ويسن أن يدرجه - أي يسرع به - ولا يمده. فما يفعله المبلغون من مده خلاف الأولى. (قوله: وأن يبتدئه) أي ويسن أن يبتدئ السلام، أي الأول والثاني. (قوله: مستقبلا إلخ) أي حال كونه مستقبلا بوجهه القبلة، وأما بالصدر فهو واجب. (قوله: وأن يسلم المأموم) أي ويسن ذلك. وقوله: تسليمتي الإمام أي بعد فراغه منهما، ولو قارنه جاز كبقية الأركان إلا تكبيرة الإحرام، لكن المقارنة مكروهة مفوتة لفضيلة الجماعة فيما قارن فقط. (قوله: ورابع عشرها) أي أركان الصلاة. (قوله: ترتيب) قال ع ش ق: وعده من الأركان إن كان بمعنى الأجزاء صحيح، لأنه إن فسر بجعل كل شئ في مرتبته فهو من الأفعال، أو بوقوع كل شئ في مرتبته فهو صورة للصلاة، وصورة الشئ جزء منه، فلا تغليب على كلا الأمرين في عده منها بذلك المعنى، خلافا لما قال بعضهم. اه. (قوله: بين أركانها) أي الصلاة. وخرج به الترتيب بين سننها كالافتتاح والتعوذ فإنه ليس بركن كما سيذكره الشارح. (قوله: كما ذكر) أي على الوجه الذي ذكر في عد الأركان. ويستثنى منه النية مع تكبيرة الإحرام فلا يجب الترتيب بينهما، بل تجب مقارنة النية لتكبيرة الإحرام. وكذا جعلهما مع القراءة في القيام، وكذلك التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الجلوس. وقال في النهاية: ويمكن أن يقال بين النية وتكبيره الإحرام والقيام والقراءة والجلوس والتشهد ترتيب، لكن باعتبار الابتداء لا باعتبار الانتهاء، لأنه لا بد من تقديم القيام على القراءة، والجلوس على التشهد، واستحضار النية قبيل التكبير. اه. (قوله: فإن تعمد الإخلال الخ) مفرع على مفهوم وجوب الترتيب. (قوله: بتقديم ركن فعلي) بدل من الجار والمجرور قبله، ويصح جعله متعلقا بالإخلال وتجعل الباء سببية فرارا من تعلق حرفي جر بمعنى واحد بعامل واحد. أي تعمد الإخلال به بسبب تقديم ركن فعلي، أي ولو على قولي. والحاصل أن المصلي إما أن يقدم فعليا على فعلي أو على قولي، أو قوليا على قولي أو على فعلي، والأولان مبطلان لأنهما يخرمان هيئة الصلاة، بخلاف الأخيرين إذا كان القولي المتقدم غير السلام لأنهما لا يخرمان هيئتها. (قوله: كأن سجد قبل الركوع) مثال لتقديم ركن فعلي مثله، ومثال تقديمه على قولي تقديم الركوع على القراءة. (قوله: بطلت صلاته) جواب إن. (قوله: أما تقديم الركن القولي) أي على فعلي أو قولي، كتقديم التشهد على السجود، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - على التشهد. وقوله: فلا يضر أي وإن كان عامدا عالما، لكن لا يعتد بالمقدم فيعيده في محله، ولا يسجد للسهو في تقديم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - على التشهد. وقوله: إلا السلام أي أما هو فتقديمه على محله عمدا مبطل للصلاة. (قوله: والترتيب بين السنن) أي بعضها مع بعض، كدعاء الافتتاح والتعوذ، أو بينها وبين الأركان كالفاتحة والسورة. وقوله: شرط للاعتداد بسنيتها أي لا في صحة الصلاة، فإذا قدم المتأخر لا يعتد به فيما إذا قدم السنة على الفرض بل يعيده في محله، أو يفوت المتأخر فيما إذا قدم السنة على السنة. (قوله: ولو سها الخ) الأولى التعبير بفاء التفريع بدل الواو إذ المقام له، وهو مقابل لمحذوف بينه الشارح بقوله: فإن تعمد إلخ. وقوله: غير مأموم أي وهو الإمام والمنفرد. أما المأموم فيتابع إمامه ويأتي بركعة بعد سلامه، كما سيصرح به. (قوله: في الترتيب) أي في الإخلال به. (قوله: بترك ركن) متعلق بسها. (قوله: كأن سجد إلخ) تمثيل للسهو بترك ركن. (قوله: لغا ما فعله) جواب لو أي لغا جميع ما أتى به من الأركان لوقوعه في غير محله. (قوله: حتى يأتي

المأموم - في ركن هل فعل أم لا، كأن شك راكعا هل قرأ الفاتحة، أو ساجدا هل ركع أو اعتدل، (أتى به) فورا وجوبا (إن كان) الشك (قبل فعله مثله) أي مثل المشكوك فيه من ركعة أخرى (وإلا) أي وإن لم يتذكر حتى فعل مثله في ركعة أخرى (أجزأه) عن متروكه، ولغا ما بينهما. هذا كله إن علم عين المتروك ومحله، فإن جهل عينه وجوز أنه النية أو تكبيرة الاحرام بطلت صلاته. ولم يشترط هنا طول فصل ولا مضي ركن، أو أنه السلام يسلم، وإن طال الفصل على الاوجه. أو أنه غيرهما أخذ بالاسوأ وبنى على ما فعله، (وتدارك) الباقي من صلاته. نعم، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمتروك) غاية في إلغاء ما أتى به. أي ويستمر إلغاء ما أتى به إلى أن يأتي بالمتروك، فإذا أتى به انقطع الإلغاء ويحسب له جميع ما أتى به من بعد تإيانه بالمتروك. (قوله: فإن تذكر) أي غير المأموم المتروك. والتذكر ليس بقيد، بل مثله الشك فيه كما سيصرح به. (قوله: قبل بلوغ مثله) أي وقبل وصوله إلى ركن مثل المتروك من ركعة أخرى. وقوله: أتى به أي بعد تذكره فورا وجوبا وإلا بطلت صلاته. (قوله: وإلا) أي وإن لم يتذكر ذلك قبل بلوغ مثله بأن تذكره بعده. وقوله: فسيأتي بيانه أي قريبا، في قوله: وإن لم يتذكر حتى فعل مثله الخ. (قوله: أو شك) معطوف على سها. وقوله: أي غير المأموم أما هو فلا يأتي به، بل يتابع الإمام ويأتي بعد سلامه بركعة، كالذي مر. (قوله: في ركن) متعلق بشك. أي شك فيه بعد تلبسه بآخر. (قوله: أتى به فورا وجوبا) وفي ع ش ما نصه: وعلى هذا لو كان الشاك إماما فعاد بعد ركوع المأمومين معه أو سجودهم، فهل ينتظرون في الركن الذي عاد منه الإمام وإن كان قصيرا كالجلوس بين السجدتين؟ أو يعودون معه حملا على أنه لم يقرأ الفاتحة؟ أو تتعين نية المفارقة؟ فيه نظر، ولا يبعد الأول حملا له على أنه عاد ساهيا، لكن ينبغي إذا عاد والمأموم في الجلوس بين السجدتين أن يسجد وينتظره في السجود حذرا من تطويل الركن القصير. اه. (قوله: إن كان الشك إلخ) قيد للإتيان بالمشكوك فيه. (قوله: أي وإن لم يتذكر إلخ) مقتضى هذا الحل أن قوله أولا: فإن تذكر قبل بلوغ مثله إلخ، من المتن وفي النسخ التي بأيدينا هو من الشرح. وعلى ما فيها فالمناسب في الحل أن يقول: وإن لم يشك إلخ. ولا بد على حله من تقدير مفهوم قوله: إن كان الشك قبل فعل مثله، زيادة على قوله: أي وإن لم يتذكر، وهو: أو لم يشك حتى فعل مثله. (قوله: أجزأه) أي مثل المتروك. أي أو المشكوك فيه. وقوله: عن متروكه أي أو المشكوك فيه. (قوله: ولغا ما بينهما) أي لم يحسب ما أتى به من الأركان بين المتروك أو المشكوك فيه وبين المثل الذي أتى به من ركعة أخرى. (قوله: هذا كله إلخ) أي هذا التفصيل كله بين ما لو تذكر أو شك قبل بلوغ مثله فيأتي به، وبين ما لو كان ذلك بعده فلا يأتي به، بل يجزئه إن علم عين الركن المتروك - أي أو المشكوك فيه - كركوع أو سجود، وعلم محله ككونه من الركعة الأولى أو الثانية مثلا. (قوله: فإن جهل عينه الخ) مفهوم قوله: إن علم عين المتروك. وسكت عن مفهوم قوله: وعلم محله، وهو ما إذا جهل محله وعلم عينه. وحاصله أنه يأخذ فيه بالأحوط، فإذا علم أنه ترك سجدة ولم يعلم أهي من الركعة الأخيرة أم من غيرها جعلها منه وأتى بركعة، أو علم ترك سجدتين وجهل محلهما أتى بركعتين، فإنه يقدر أنه ترك سجدة من الأولى وسجدة من الثانية فيجبران بالثانية والرابعة ويلغو باقيهما. وعلى هذا فقس. (قوله: وجوز أنه) أي المتروك، ومثله المشكوك فيه. (قوله: بطلت صلاته) جواب إن. (قوله: ولم يشترط) أي في البطلان. وقوله: هنا أي في هذه المسألة، وهي ما إذا جوز أنه النية أو تكبيرة الإحرام بعد تيقن ترك ركن وجهل عينه. والاحتراز بلفظ هنا عما إذا شك ابتداء في النية أو تكبيرة الإحرام فإنه مبطل للصلاة بشرط مضي ركن أو طول فصل، كما تقدم. والفرق هنا تيقن ترك انضم لتجويز ما ذكر، وهو أقوى من مجرد الشك في النية أو التكبيرة وكتب سم ما نصه: قوله: ولم يشترط هنا طول، هذا يفيد البطلان وإن تذكر في الحال أن المتروك غيرهما، فتلراجع المسألة فإن الظاهر أن هذا ممنوع، بل يشترط هنا الطول أو مضي ركن أيضا. وقد ذكرت ما قاله ل: م ر فأنكره. اه. (قوله: أو أنه السلام) أي أو جوز أن المتروك السلام. (قوله: يسلم) أي ولا يسجد للسهو لفوات محله بالسلام المأتي به، كما في التحفة. وقوله: وإن طال الفصل قال في شرح الروض: فيما يظهر لأن غايته أنه سكوت طويل، وتعمد طول السكوت لا يضر، كما مر. اه. (قوله: أو أنه غيرهما) أي أو جوز أن المتروك وغير النية أو تكبيرة الإحرام والسلام، فثنى الضمير باعتبار عد النية وتكبيره الإحرام شيئا واحدا وعد السلام شيئا واحدا. وقوله:

إن لم يكن المثل من الصلاة كسجود تلاوة لم يجزئه. أما مأموم علم أو شك قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أنه ترك الفاتحة فيقرؤها ويسعى خلفه، وبعد ركوعهما لم يعد إلى القيام لقراءته الفاتحة بل يتبع إمامه ويصلي ركعة بعد سلام الامام. (فرع) (سن دخول صلاة بنشاط) لانه تعالى ذم تاركيه بقوله: * (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) * ـــــــــــــــــــــــــــــ أخذا بالأسوأ أي بالأحوط. فلو تيقن ترك شئ من الأركان وجوز أنه سجدة أو سجدتان، أخذ بالأحوط وجعله سجدتين. وهكذا. (قوله: وبنى على ما فعله) أي وبنى صلاته على ما أتى به من الأركان. فإن كان في حالة سجوده مثلا جوز أن المتروك الفاتحة، قام وأتى بها وبنى صلاته عليها، أي تمم صلاته بانيا على الفاتحة بأن يركع ويعتدل. وهكذا. (قوله: وتدارك الباقي) معطوف على أجزأه. أي أجزأه ذلك المثل وتدارك الباقي من صلاته لأنه ألغى ما بينهما. ويسن أن يسجد للسهو آخرها لأن ما أبطل عمده يسجد لسهوه. (قوله: نعم، الخ) إستدراك على قوله: أجزأه. أي محل الإجزاء بالمثل عن المتروك إن كان ذلك المثل من الصلاة. فإن لم يكن من الصلاة، كأن ترك السجدة الأخيرة وقام وقرأ آية السجدة وسجد، فإنه لا يجزئه سجود التلاوة عن المتروك لأنه ليس مما تشمله الصلاة. وقوله: لم يجزئه أي سجود التلاوة عن المتروك. (قوله: أما المأموم الخ) مقابل قوله فيما تقدم غير مأموم. والتفصيل الذي ذكره فيه مخصوص بما إذا كان المتروك الفاتحة، أما إذا كان غيرها من بقية الأركان فلا يتأتى فيه بل يتابع الإمام فيما هو فيه ويأتي بعد سلامه بركعة، كما مر التنبيه عليه. (قوله: فيقرؤها) أي يتخلف لقراءتها، ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة كما سيأتي. (قوله: وبعد ركوعهما) أي وإذا علم أو شك في ذلك بعد ركوعه وركوع إمامه. وقوله: لم يعد بفتح الياء من عاد، وهو جواب الشرط المقدر. (قوله: فرع: سن دخول صلاة إلخ) قال حجة الإسلام الغزالي: واعلم أن تخصيص الصلاة من الشوائب والعلل، وإخلاصها لله تعالى، وأداءها بالشروط الظاهرة والباطنة من خشوع وغيره، سبب لحصول أنوار القلب، وتلك الأنوار مفاتيح علوم المكاشفة. فأولياء الله المكاشفون بملكوت السموات والأرض وأسرار الربوبية إنما يكاشفون في الصلاة، لا سيما في السجود، إذ يتقرب العبد من ربه عزوجل بالسجود. ولذلك قال تعالى: * (واسجد واقترب) * فليحذر الإنسان مما يفسدها ويحبطها، فإنها إذا فسدت فسدت جميع الأعمال، إذ هي كالرأس للجسد. وورد أنها عرس الموحدين، لأنه يجتمع فيها أنواع العبادة، كما أن العرس يجتمع فيه أنواع الطعام. فإذا صلى العبد ركعتين يقول الله: عبدي، مع ضعفك أتيتني بألوان العبادة قياما وركوعا وسجودا وقراءة وتحميدا وتهليلا وتكبيرا وسلاما، فأنا مع جلالتي وعظمتي لا يجمل مني أن أمنعك جنة فيها ألوان النعيم. أوجبت لك الجنة بنعيمها كما عبدتني بألوان العبادة، وأكرمك برؤيتي كما عرفتني بالوحدانية. فإني لطيف أقبل عذرك وأقبل الخير منك برحمتي، فإني أجد من أعذبه من الكفار وأنت لا تجد إلها غيري يغفر سيئاتك. عندي لك بكل ركعة قصر في الجنة وحوراء، وبكل سجدة نظرة إلى وجهي. وهذا لا يكون إلا لمن أخلص فيها لله وحده. اه. قال بعض العارفين: ينبغي لمن أراد الصلاة الكاملة أن يستعد لها قبل دخول الوقت بالوضوء، وإذا دخل الوقت صلى السنة الراتبة، لأن العبد ربما تشعب باطنه وتفرق همه - من نحو المخالطة وأمر المعاش - فتحصل له كدورة. فإذا قدم السنة زال ذلك، ثم يجدد التوبة عند الفريضة من كل ذنب عمله، ومن الذنوب عامة وخاصة، ويستقبل القبلة بظاهره والحضرة الإلهية بباطنه، ويقرأ قل أعوذ برب الناس، ثم يرفع يديه ويستحضر في تحرمه عظمة الإله وكبرياءه، ويعلم أن معنى أكبر أنه أكبر من أن يتعاظمه شئ أو يكون في جنب عظمته، وليس معناه أنه أكبر مما سواه من المخلوقين إذ ليس له مشابه.

والكسل: الفتور والتواني. (وفراغ قلب) من الشواغل لانه أقرب إلى الخشوع. (و) سن (فيها) أي في صلاته كلها، (خشوع بقلبه) بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه وإن تعلق بالآخرة. (وبجوارحه) بأن لا يعبث بأحدها، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي العوارف: سئل أبو سعيد الخراز: كيف الدخول في الصلاة؟ فقال: هو أن تقبل عليه تعالى كإقبالك عليه يوم القيامة، ووقوفك بين يديه ليس بينك وبينه ترجمان، وهو مقبل عليك وأنت تناجيه. قال في الأربعين: الأصل ما معناه: ولا تقل الله أكبر إلا وفي قلبك ليس أكبر منه. ولا تقل وجهت وجهي إلا وقلبك متوجه بكله إليه تعالى ومعرض عن غيره. ولا تقل الحمد لله إلا وقلبك طافح بشكر نعمته عليك، فرح به. ولا تقل إياك نعبد وإياك نستعين إلا وأنت مستشعر ضعفك وعجزك، فإنه ليس إليك ولا إلى غيرك من الامر شئ. وكذلك في جميع الأذكار والأعمال. روي عنه عليه السلام أنه قال: يقول الله عزوجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم. قال الله عزوجل: مجدني عبدي. فإذا قال: الحمد لله رب العالمين. قال: حمدني عبدي. فإذا قال: الرحمن الرحيم. قال: أثنى علي عبدي. فإذا قال: مالك يوم الدين. قال: فوض إلي عبدي. فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم. قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل. (قوله: بنشاط) أي بهمة ورغبة. (قوله: ذم تاركيه) أي النشاط. (قوله: بقوله إلخ) متعلق بذم. وقوله: وإذا قاموا أي المنافقون. وقوله: قاموا كسالى أي متثاقلين. وأنشد أبو حيان في ذم من ينتمي إلى الفلاسفة: وما انتسبوا إلى الإسلام إلا لصون دمائهم أن لا تسالا فيأتون المناكر في نشاط ويأتون الصلاة وهم كسالى (قوله: والكسل: الفتور والتواني) أي وهو ضد النشاط. (قوله: وفراغ قلب) بالجر، معطوف على نشاط. أي خلوه وتجرده. وقوله: من الشواغل أي الدنيوية، لأن ذلك أدعى لتحصيل الغرض. فإذا كانت صلاته كذلك انفتح له فيها من المعارف ما يقصر عنه فهم كل عارف، ولذلك قال عليه السلام: وجعلت قرة عيني في الصلاة. ومثل هذه هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر. اه م ر. وفي المغني: قال القاضي: يكره أن يفكر في صلاته في أمر دنيوي أو مسألة فقهية، أما التفكر في أمر الآخرة فلا بأس به، وأما فيما يقرؤه فمستحب. (فائدة) فيها بشرى، روى ابن حبان في صحيحه، من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا، إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه فوضعت على رأسه، أو على عاتقه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه، أي حتى لا يبقى منها شئ إن شاء الله تعالى. اه. (قوله: لأنه) أي فراغ القلب. وقوله: أقرب إلى الخشوع أي إلى تحصيله. (قوله: وسن فيها خشوع) اختلفت آراء العلماء فيه، فذهب بعضهم إلى أنه غض البصر وخفض الصوت، ومحله القلب. وعن على: أن لا يلتفت يمينا وشمالا. وعن ابن جبير: أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره. وعن عمرو بن دينار: هو السكون وحسن الهيئة. وعن ابن سيرين: هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك. وعن عطاء: هو أن لا تعبث بشئ من جسدك في الصلاة. وقيل: هو جمع الهمة والإعراض عماسوى الصلاة. وقال في النهاية: وقد اختلفوا هل الخشوع من أعمال الجوارح كالسكون؟ أو من أعمال القلوب كالخوف؟ أو هو عبارة عن المجموع على أقوال للعلماء؟ اه. (قوله: بأن لا يحضر فيه إلخ) تصوير للخشوع بالقلب. (قوله: غير ما هو فيه) أي غير ما هو متلبس به وبصدده، من الصلاة وما تشتمل عليه. وقوله: وإن تعلق بالآخرة أي وإن تعلق ذلك الغير بالآخرة، كذكر الجنة والنار وغيرهما من الأحوال السنية التي لا تعلق لها بذلك المقام. قال ع ش: وهذا قد يشكل عليه استحباب كثرة الدعاء في السجود والركوع والاستغفار وطلب الرحمة إذا مر بآية استغفار أو رحمة، والاستجارة من العذاب إذا مر بآية عذاب، إلى غير ذلك مما يحمل على طلب الدعاء في

وذلك لثناء الله تعالى في كتابه العزيز على فاعليه بقوله: * (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) * ولانتفاء ثواب الصلاة بانتفائه، كما دلت عليه الاحاديث الصحيحة. ولان لنا وجها اختاره جمع أنه شرط للصحة. ومما يحصل الخشوع استحضاره أنه بين يدي ملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى. يناجيه، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاته، فإن ذلك فرع عن التفكر في غير ما هو فيه، ولا سيما إذا كان الدعاء بطلب أمر دنيوي، اللهم إلا أن يقال إن هذا نشأ من التسبيح والدعاء المطلوبين في صلاته أو القراءة فليس أجنبيا عما هو فيه. اه. وفي الأحياء: واعلم أن من مكايده - أي الشيطان - أن يشغلك في صلاتك بذكر الآخرة وتدبير فعل الخيرات ليمنعك عن فهم ما تقرأ. فاعلم أن كل ما يشغلك عن فهم معاني قراءتك فهو وسواس. فإن حركة اللسان غير مقصودة بل المقصود معانيها. (قوله: وجوارحه) أي وخشوع بجوارحه. وقوله: بأن لا يعبث بأحدها تصوير للخشوع بالجوارح. (قوله: وذلك لثناء الله تعالى الخ) أي وإنما كان الخشوع سنة لثناء الله تعالى على فاعلي الخشوع، أي المتصفين به. ولقوله عليه الصلاة والسلام: ما من عبد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وقد أوجب الله له الجنة. (قوله: ولانتفاء ثواب الصلاة بانتفائه) أي الخشوع. (قوله: كما دلت عليه) أي على انتفاء ما ذكر. وقوله: الأحاديث الصحيحة سيأتي بيان بعضها. (قوله: ولأن لنا وجها اختاره جمع أنه شرط للصحة) قال حجة الإسلام الغزالي في بيان اشتراط الخشوع والحضور: اعلم أن أدلة ذلك كثيرة. فمن ذلك قوله تعالى: * (وأقم الصلاة لذكري) * وظاهر الأمر الوجوب، والغفلة تضاد الذكر. فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيما للصلاة لذكره. وقوله تعالى: * (ولا تكن من الغافلين) * فهي وظاهره التحريم. وقوله. عزوجل: * (حتى تعلموا ما تقولون) * تعليل لنهي السكران. وهو مطرد في الغافل المستغرق بالوسواس وأفكار الدنيا. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الصلاة تمسكن وتواضع. حصر بالألف واللام. وكلمة إنما للتحقيق والتوكيد. قوله - صلى الله عليه وسلم -: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا. وصلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء والمنكر. وقال - صلى الله عليه وسلم -: كم من قائم حظه من صلاته التعب والنصب. وما أراد به إلا الغافل. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها. والتحقيق فيه أن المصلي مناج ربه عزوجل، كمورد به الخبر. والكلام مع الغفلة ليس بمناجاة ألبتة. وأطال الكلام في الاستدلال على ذلك، ثم قال: فإن قلت إن حكمت ببطلان الصلاة وجعلت حضور القلب شرطا في صحتها خالفت إجماع الفقهاء، فإنهم لم يشترطوا إلا حضور القلب عند التكبير. فاعلم أنه قد تقدم في كتاب العلم أن الفقهاء لا يتصرفون في الباطن ولا يشقون عن القلوب ولا في طريق الآخرة، بل يبنون ظاهر أحكام الدين على ظاهر أعمال الجوارح. على أنه لا يمكن أن يدعى الإجماع، فقد نقل عن بشر بن الحارث فيما رواه عنه أبو طالب المكي عن سفيان الثوري أنه قال: من لم يخشع فسدت صلاته. وروي عن الحسن أنه قال: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع. وعن معاذ بن جبل: من عرف من على يمينه وشماله متعمدا وهو في الصلاة فلا صلاة له. وروي أيضا مسندا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها، وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها. وهذا لو نقل عن غيره لجعل مذهبا فكيف لا يتمسك به، وقال عبد الواحد بن زيد أجمعت العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، فجعله إجماعا. وما نقل من هذا الجنس عن الفقهاء المتورعين وعن علماء الآخرة أكثر من أن يحصى. والحق الرجوع إلى أدلة الشرع، والأخبار والآثار ظاهرة في هذا الشرط، إلا أن مقام الفتوى في التكليف الظاهر يتقدر بقدر قصور الخلق، فلا يمكن أن يشترط على الناس إحضار القلب في جميع الصلاة فإن ذلك يعجز عنه كل

وأنك ربما تجلى عليه بالقهر لعدم القيام بحق ربوبيته فرد عليه صلاته. وقال سيدي القطب العارف بالله محمد البكري رضي الله عنه: إن مما يورث الخشوع إطالة الركوع والسجود (وتدبر قراءة) أي تأمل معانيها. قال تعالى: * (أفلا يتدبرون القرآن) * ولان به يكمل مقصود ـــــــــــــــــــــــــــــ البشر إلا الأقلين وإذا لم يمكن اشتراط الاستيعاب للضرورة فلا مرد له إلا أن يشترط منه ما ينطلق عليه الاسم، ولو في اللحظة الواحدة، وأولى اللحظات به لحظة التكبير، فاقتصرنا على التكليف بذلك. اه. (قوله: ومما يحصل الخشوع إلخ) أي ومما يقتضي الخشوع ويكون سببا فيه، استحضاره أنه بين يدي ملك الملوك. ومما يحصله أيضا: الهمة. قال حجة الإسلام: اعلم أن حضور القلب سببه الهمة، فإن قلبك تابع لهمتك فلا يحضر إلا فيما يهمك. ومهما أهمك أمر حضر القلب فيه شاء أم أبى، فهو مجبول على ذلك ومسخر فيه. والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلا بل جائلا فيما الهمة مصروفة إليه من أمور الدنيا. فلا حيلة ولا علاج لإحضار القلب إلا بصرف الهمة إلى الصلاة، والهمة لا تتصرف إليها ما لم يتبين أن الغرض المطلوب منوط بها. وذلك هو الإيمان والتصديق بأن الآخرة خير وأبقى وأن الصلاة وسيلة إليها. فإذا أضيف هذا إلى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهماتها، حصل من مجموعها حضور القلب في الصلاة. وبمثل هذه العلة يحضر قلبك إذا حضرت بين يدي بعض الأكابر ممن لا يقدر على مضرتك ومنفعتك، فإذا كان لا يحضر عند المناجاة مع ملك الملوك الذي بيده الملك والملكوت والنفع والضر فلا تظنن أن له سببا سوى ضعف الإيمان، فاجتهد الآن في تقوية الإيمان. انتهى. ولله در العلامة الفقيه إسماعيل المقري رحمه الله تعالى حيث قال: تصلي بلا قلب صلاة بمثلها يكون الفتى مستوجبا للعقوبة تظل وقد أتممتها غير عالم تزيد احتياطا ركعة بعد ركعة فويلك تدري من تناجيه معرضا وبين يدي من تنحني غير مخبت تخاطبه إياك نعبد مقبلا على غيره فيها لغير ضرورة ولو رد من ناجاك للغير طرفه تميزت من غلط عليه وغيرة أما تستحي من مالك الملك أن يرى صدودك عنه يا قليل المروءة إلهي اهدنا فيمن هديت وخذ بنا إلى الحق نهجا في سواء الطريقة (وقوله: استحضاره) أي المصلي. وقوله: أنه بين يدي الخ أي أنه قائم بين يدي ملك الملوك الذي يعلم السر، أي ما يسرونه، وأخفى منه. وقوله: يناجيه أي يكلمه ويخاطبه. والجملة في محل نصب حال من اسم أن أو خبر بعد خبر لها. (قوله: وأنه ربما إلخ) أي استحضاره أن الله سبحانه وتعالى ربما تجلى عليه، أي على من ترك الخشوع بصفة القهر، فيعاقبه ويرد عليه صلاته. (قوله: وتدبر قراءة) أي وسن تدبر القراءة. وقوله: أي تأمل معانيها أي إجمالا لا تفصيلا كما هو ظاهر، لأنه يشغله عما هو بصدده. ويسن ترتيلها أيضا، وهو التأني فيها. فإفراط الإسراع مكروه، وحرف الترتيل أفضل من حرفي غيره. (قوله: قال تعالى: * (أفلا يتدبرون القرآن) *) قال في حاشية الجمل على الجلالين: هو إنكار واستقباح لعدم تدبرهم القرآن، وإعراضهم عن التأمل فيما فيه من موجبات الإيمان. وتدبر الشئ تأمله والنظر في أدباره وما يؤول إليه في عاقبته ومنتهاه، ثم استعمل في كل تفكر ونظر. والفاء للعطف على مقدر، أي أيعرضون عن القرآن فلا يتأملون فيه؟. اه. (قوله: ولأن به إلخ) اسم أن، ضمير الشأن محذوفا، وضمير به يعود على

الخشوع. (و) تدبر (ذكر) قياسا على القراءة، (و) سن (إدامة نظر محل سجوده) لان ذلك أقرب إلى الخشوع، ولو أعمى، وإن كان عند الكعبة أو في الظلمة، أو في صلاة الجنازة. نعم، السنة أن يقصر نظره على مسبحته عند رفعها في التشهد لخبر صحيح فيه، ولا يكره تغميض عينيه إن لم يخف ضررا. (فائدة) يكره للمصلي الذكر وغيره ترك شئ من سنن الصلاة. قال شيخنا: وفي عمومه نظر. والذي يتجه تخصيصه بما ورد فيه نهي أو خلاف في الوجوب. ـــــــــــــــــــــــــــــ التدبر. وقوله: مقصود الخشوع الإضافة للبيان، أي مقصود للصلاة هو الخشوع. (قوله: وتدبر ذكر) أي وسن تدبر ذكر كتسبيح ودعاء. (قوله: قياسا على القراءة) قال في المغنى: وقد يفهم من هذا أن من قال: سبحان الله مثلا غافلا عن مدلوله، وهو التنزيه، يحصل له ثواب ما يقوله. وهو كذلك، وإن قال الأسنوي فيه نظر. اه. (قوله: وسن إدامة نظر محل سجوده) أي بأن يبتدئ النظر إلى موضع سجوده من ابتداء التحرم، ويديمه إلى آخر صلاته، إلا فيما يستثنى. وينبغي أن يقدم النظر على ابتداء التحرم ليتأتى له تحقق النظر من ابتداء التحرم. وخص موضع السجود لأنه أشرف وأسهل. (قوله: لأن ذلك) أي إدامة النظر إلى محل سجوده. وقوله: أقرب إلى الخشوع أي إلى تحصيله، كما مر. (قوله: ولو أعمى) أي وسن إدامة نظره ولو كان أعمى. والمراد بنظره موضعه، إذ لا نظر للأعمى. (قوله: وإن كان عند الكعبة إلخ) الغاية للرد على من استثنى الكعبة فقال إنه ينظر إليها. وفي المغني، وعن جماعة: أن المصلي في المسجد الحرام ينظر إلى الكعبة. لكن صوب البلقيني أنه كغيره. وقال الأسنوي: إن استحباب نظره إلى الكعبة في الصلاة وجه ضعيف. (قوله: أو في الظلمة) أي وسن إدامة النظر وإن كان المصلي في الظلمة. (قوله: أو في صلاة الجنازة) أي وسن ذلك وإن كان في صلاة الجنازة. وهذه الغاية للرد على من استثنى صلاة الجنازة فقال: إنه ينظر إلى الميت. قال الجمال الرملى في النهاية: واستثنى بعضهم أيضا ما لو صلى خلف ظهر نبي فنظره إلى ظهره أولى من نظره لموضع سجوده، وما لو صلى على جنازة فإنه ينظر إلى الميت. ولعله مأخوذ من كلام الماوردي القائل بأنه لو صلى في الكعبة نظر إليها. اه. وكتب ع ش: قوله: ولعله، أي الاستثناء. وقوله: مأخوذ أي وهو مرجوح. اه. (قوله: نعم، الخ) استدراك على سنية إدامة النظر محل سجوده، وهذا قد مر ذكره قريبا. (قوله: ولايكره تغميض عينيه) أي لأنه لم يرد فيه نهي: قال ع ش: لكنه خلاف الأولى، وقد يجب التغميض إذا كان العرايا صفوفا، وقد يسن كأن صلى لحائط مزوق ونحوه مما يشوش فكره. قاله العز بن عبد السلام. اه م ر. (قوله: إن لم يخف) أي من التغميض ضررا، فإن خافه كره. (قوله: يكره للمصلي) أي مطلقا إماما أو مأموما أو منفردا. (قوله: الذكر) بالجر، بدل مما قبله. (قوله: وغيره) أي وغير الذكر من أنثى أو خنثى. (قوله: قال شيخنا إلخ) عبارته مع الأصل: قلت يكره للمصلي الذكر وغيره ترك شئ من سنن الصلاة. وفي عمومه نظر، والذي يتجه تخصيصه بما ورد فيه نهي أو خلاف في الوجوب فإنه يفيد كراهة الترك، كما صرحوا به في غسل الجمعة وغيره. اه. وعبارته على بافضل: قال النووي: ويكره ترك سنة من سنن الصلاة. اه. أي فينبغي الاعتناء بسننها، لأن الكراهة تنافي الثواب أو تبطله. اه. وكتب العلامة الكردي ما نصه: قوله: قد تنافي الثواب. كأن المراد إذا قارنت العمل أو تبطله، أي إذا طرأت عليه. وأشار بقد إلى أنها قد لا تنافيه. اه. وقوله: وفي عمومه نظر، أي وفي عموم ما ذكر من كراهة الترك لكل السنن، أي جعل ذلك عاما في كل السنن، نظر. ووجهه أنه لا يلزم من طلب الشئ كراهة تركه، بل بعضه مكروه وبعضه خلاف الأولى. (قوله: والذي يتجه تخصيصه) أي ما ذكر من كراهة الترك. وقوله: بما ورد فيه نهي إن أوقعت ما على ترك، أي ترك ورد فيه نهي أشكل عليه قوله، أو خلاف في الوجوب، إذ الترك ليس فيه ذلك وإن أوقعت على سنن أشكل أن السنن لم يرد فيها نهي. والذي يظهر الثاني، ويكون ضمير فيه عائدا على ما بتقدير مضاف بالنسبة للأول، وأما بالنسبة للثاني فلا تقدير، أي سنن ورد في تركها نهي وورد فيها نفسها خلاف في الوجوب. والسنة التي ورد في تركها نهي مثل النظر إلى محل سجوده، فقد ورد: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في

(و) سن (ذكر ودعاء سرا عقبها) أي الصلاة. أي يسن الاسرار بهما لمنفرد ومأموم وإمام لم يرد تعليم ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاتهم، لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم. والسنة التي قيل بوجوبها مثل الصلاة على الآل في التشهد الأخير، والسنة التي لم يرد في تركها نهي ولا قيل بوجوبها، مثل رفع اليدين حذو منكبيه، فهذه تركها خلاف الأولى. (قوله: وسن ذكر ودعاء) عطف الدعاء على الذكر من عطف الخاص على العام. كما يدل لذلك قول ابن حجر في خطبة متن المنهاج عند قول المصنف: من الأذكار. ونص عبارته: جمع ذكر، وهو لغة: كل مذكور. وشرعا: قول سيق لثناء أو دعاء. وقد يستعمل شرعا لكل قول يثاب قائله. اه. واعلم أن المأثور منهما أولى من غيره، وهو كثير يضيق نطاق الحصر عنه، فينبغي أن يعتنى به لمزيد بركته وظهور غلبة رجاء استجابته ببركته - صلى الله عليه وسلم -. فمن ذلك: أستغفر الله ثلاثا، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شئ قدير. لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله مخلصين له الدين وله كره الكافرون. سبحان من لا يعلم قدره غيره ولا يبلغ الواصفون صفته. سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب. ثم: سبحان الله، ثلاثا وثلاثين، والحمد لله مثلها، والله أكبر مثلها. وقال: تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير. ثم يدعو بعد ذلك بالجوامع الكوامل، وهي: اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار. اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل والفشل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال. اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء. اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم ارزقني طيبا واستعملني صالحا. اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي. اللهم إني أسألك ك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي. اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي واجعل علانيتي صالحة. اللهم إني أسألك علما نافعا، وأسألك رزقا طيبا، وأسألك عملا متقبلا. اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم لقائك. اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا. اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وينبغي للداعي أن يراعي شروط الدعاء وآدابه ما أمكنه. وسيذكر الشارح قريبا بعضا من ذلك. (فائدة قال النووي في الأذكار. وروينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قضى صلاته مسح وجهه بيده اليمنى. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. اللهم أذهب عني الهم والحزن. اه. وفي رواية: بسم الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم أذهب ... إلخ. (فائدة) أخرى، ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله تعالى عنه، في كتابه المسمى بالدلالة على الله عز وجل، عن سيدنا أبي العباس الخضر عن نبينا عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين السلام، أنه قال: سألت أربعة وعشرين ألف نبي عن استعمال شئ يأمن العبد به من سلب الإيمان، فلم يجبني أحد منهم حتى اجتمعت بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فسألته عن ذلك فقال: حتى أسأل جبريل عليه السلام. فسأله عن ذلك فقال: حتى أسأل رب الغزة عن ذلك. فسأل رب العزة عن ذلك، فقال الله عزوجل: من واظب على قراءة آية الكرسي وآمن الرسول، إلى آخر السورة، وشهد الله إلى قوله الإسلام، وقل اللهم مالك الملك إلى قوله بغير حساب، وسورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة عقب كل صلاة، أمن من سلب الإيمان. (وقوله: سرا) منصوب بإسقاط الخافض، أي بالسر، وهو ضد الجهر. وقوله: عقبها أي الصلاة. أفهم التعبير

الحاضرين ولا تأمينهم لدعائه بسماعه. وورد فيهما أحاديث كثيرة ذكرت جملة منها في كتابي إرشاد العباد فاطلبه فإنه مهم. وروى الترمذي عن أبي أمامة قال: قيل لرسول الله (ص): أي الدعاء أسمع؟ أي أقرب إلى الاجابة؟ قال: جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبات. وروى الشيخان عن أبي موسى قال: كنا مع النبي (ص) فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبي (ص): يأيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنه حكيم سميع قريب. احتج به البيهقي وغيره للاسرار بالذكر والدعاء. وقال الشافعي في الام: أختار للامام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد السلام من الصلاة، ويخفيا الذكر، إلا أن يكون إماما يريد أن يتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه ثم يسر، فإن الله تعالى يقول: * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) * يعني - والله أعلم - الدعاء، ولا تجهر حتى تسمع غيرك، ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك. انتهى. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالعقبية أنهما يقدمان على النافلة راتبة كانت أو غيرها، وأنه لو قدمها عليهما فاتا عليه. وسيذكر خلافه. وعبارة ع ش: وفي سم على المنهج: السنة أن يكون الذكر والدعاء قبل الإتيان بالنوافل بعدها، راتبة كانت أو غيرها. شرح الروض: أي فلو أتى به بعد الراتبة فهل يحصل أو لا؟ فيه تردد نقله الزيادي. أقول: والأقرب الثاني لطول الفصل. اه. وقوله: والأقرب الثاني. سيأتي عن سم على حجر أن الأفضل تقديم الذكر والدعاء على الراتبة، فيفيد أنه لو قدمها عليهما كان التقديم مفضولا مع حصولهما. (قوله: أي يسن الخ) تفسير مراد لقوله سرا. (قوله: بهما) أي بالذكر والدعاء. (قوله: لم يرد إلخ) في محل جر، صفة لإمام، فإن أراد ذلك جهر بهما. قال ع ش: وينبغي جريان ذلك في كل دعاء وذكر فهم من غيره أنه يريد تعلمهما، مأموما كان أو غيره، من الأدعية الواردة أو غيرها، ولو دنيويا. اه. وقوله: تعليم الحاضرين أي الذكر والدعاء. (وقوله: ولا تأمينهم) أي ولم يرد تأمين الحاضرين لدعائه. (قوله: وورد فيهما) أي في فضلهما والحث عليهما - أي مطلقا - عقب الصلاة وغيره. وقوله: أحاديث كثيرة من جملة ما ورد في الدعاء ما رواه الحاكم عن علي رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض. وروي عن عائشة رضي الله عنها إنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. وروى ابن ماجه عن أبي هريرة: من لم يسأل الله يغضب عليه. ومن جملة ما ورد في الذكر قوله عليه الصلاة والسلام: من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين. ثم قال: تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير. غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر. (قوله: وروى الترمذي إلخ) هذا مما ورد في الدعاء والحديث الذي بعده في الذكر، وهو متضمن لبعض الآداب. (قوله: جوف الليل) منصوب على الظرفية بمقدر، أي الدعاء في جوف الليل أسمع. ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هو جوف الليل. وعليه فيقدر في السؤال مضاف محذوف أي: أي وقت الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل. وقوله: ودبر معطوف على جوف. ويجري فيه الاحتمالان في سابقه. (قوله: أشرفنتا على واد) أي اطلعنا. (قوله: اربعوا على أنفسكم) هو بفتح الباء، ومعناه: ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم. (قوله: أنه) أي الله عزوجل. (قوله: احتج به) أي استدل بهذا الخبر. وقوله: للإسرار أي لندبه. (قوله: أختار) هو بصيغة المضارع، مقول القول. (قوله: للإمام والمأموم) أي المنفرد. (قوله: أن يذكر الله تعالى) المراد بالذكر ما يشمل الدعاء. (قوله: إلا إن يكون إماما الخ) استثناء من قوله: ويخفيا الذكر. واسم يكون يعود على أحد المذكورين وهو الإمام، ويحتمل عوده على الذاكر المفهوم من الذكر. ولو حذف أن يكون وقال: إلا الإمام الخ لكان أولى. (وقوله: أن يتعلم) بالبناء للمجهول. (وقوله: منه) نائب فاعله، أي أن يتعلم الحاضرون منه. (قوله: فإن الله يقول إلخ) دليل الاختيار. (قوله: ولا تخافت بها) يقال: خفت الصوت من بابي

(فائدة) قال شيخنا: أما المبالغة في الجهر بهما في المسجد بحيث يحصل تشويش على مصل فينبغي حرمتها. (فروع) يسن افتتاح الدعاء بالحمد لله والصلاة على النبي (ص)، والختم بهما وبآمين. وتأمين مأموم سمع دعاء الامام، وإن حفظ ذلك. ورفع يديه الطاهرتين حذو منكبيه، ومسح الوجه بهما بعده. واستقبال القبلة حالة ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرب وجلس إذا سكن. ويعدى بالباء فيقال: خفت الرجل بصوته، إذا لم يرفعه. وخافت بقراءته مخافتة إذا لم يرفع صوته بها، وخفت الزرع ونحوه فهو خافت. اه. مصباح ومختار. (قوله: يعني والله أعلم بالدعاء) أي أن المراد من الصلاة الدعاء، وهذا القول لعائشة رضي الله عنها. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد بالصلاة القراءة فيها. وقال: نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مختف بمكة، وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به. فقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: * (ولا تجهر بصلاتك) * أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، * (ولا تخافت بها) * عن أصحابك فلا تسمعهم * (وابتغ بين ذلك سبيلا) * زاد في رواية: أي أسمعهم ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن. (قوله: في الجهر بهما) أي بالذكر والدعاء. (قوله: بحيث يحصل إلخ) تصوير للمبالغة. (قوله: يسن افتتاح الدعاء إلخ) قد نظم ابن العماد آداب الدعاء في قوله: واجلس إلى قبلة بالحمد مبتدئا وبالصلاة على المختار من رسل وامدد يديك وسل فالله ذو كرم واطلب كثيرا وقل يا منجح الأمل ببسط كف خذ الأقوال ثالثها عند البلاء بظهر الكف وابتهل برفع كف أم الإطراق قد ذكروا قولين أقواهما رفع بلا حول إن السما قبلة الداعين فاعن بهاكما دعا سادة فاختره وانتحل وقوله: بالحمد لله والصلاة الخ قال في الأذكار: وينافي سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولو يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عجل هذا. ثم دعاه فقال له، أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه سبحانه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو بعد بما شاء. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شئ حتى يصلى على نبيك - صلى الله عليه وسلم -. اه. وينبغي أن يتحرى مجامع الحمد، وأفضلها: الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على كحال، حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. ومجامع الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفضلها صلاة التشهد، لكن لا سلام فيها فيزيد آخرها: وسلم تسليما كثيرا طيبا مباركا فيه. (قوله: والختم بهما) أي بالحمد لله والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويسن أيضا الختم بربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. (قوله: وبآمين) أي وسن الختم بآمين أيضا. (قوله: وتأمين مأموم) أي وسن تأمين مأموم سمع دعاء إمامه، فإن لم يسمعه دعا بنفسه. (قوله: وإن حفظ ذلك) أي وسن له التأمين وإن حفظ الدعاء. (قوله: ورفع يديه) أي وسن رفع يديه عند الدعاء. ولو فقدت إحدى يديه أو كان علة رفع الأخرى. (قوله: الطاهرتين) خرج بهما المتنجستان فإنه يكره رفعهما ولو بحائل. (وقوله: حذو منكبيه) أي إلا إذا اشتد الأمر فإنه يجاوز المنكب. قال الكردي: وفي شرح العباب للشارح: قال الحليمي: وغاية الرفع حذو المنكبين. وقال الغزالي: حتى يرى بياض إبطيه. ثم قال في الإيعاب:

الذكر أو الدعاء، إن كان منفردا أو مأموما. أما الامام إذا ترك القيام من مصلاه الذي هو أفضل له فالافضل جعل يمينه إلى المأمومين ويساره إلى القبلة. قال شيخنا: ولو في الدعاء. وانصرافه لا ينافي ندب الذكر له عقبها لانه يأتي به في محله الذي ينصرف إليه، ولا يفوت بفعل الراتبة، وإنما الفائت به كماله لا غيره. وقضية كلامهم حصول ثواب الذكر وإن جهل معناه، ونظر فيه الاسنوي. ولا يأتي هذا في القرآن للتعبد بلفظه فأثيب قارئه وإن ـــــــــــــــــــــــــــــ وينبغي حمل الثاني على ما إذا اشتد الأمر. ويؤيده ما في مسلم من رفعه - صلى الله عليه وسلم - يديه في الاستسقاء حتى رؤي بياض إبطيه. وحكمة الرفع إلى السماء أنها قبلة الدعاء، ومهبط الرزق والوحي والرحمة والبركة. اه. (قوله: ومسح الوجه بهما) أي وسن مسح الوجه بيديه، أي كفيه. وقوله: بعده أي الدعاء. (قوله: واستقبال القبلة) أي وسن استقبال القبلة، أي للاتباع. (قوله: إن كان) أي الداعي الذي فرغ من صلاته. (قوله: الذي هو) أي القيام. وقوله: أفضل له أي للإمام. ومحل ذلك إذا لم يكن خلفه نساء. وقال ابن العماد: إن جلوسه في المحراب حرام لأنه أفضل بقعة في المسجد، فجلوسه هو أو غيره فيه يمنع الناس من الصلاة فيه، ولا يكون إمام المصلين فيشوش عليهم. وزيفه ابن حجر في شرح العباب بمنع كون المحراب أفضل، وبأن للإمام حقا فيه حتى يفرع من الدعاء والذكر المطلوبين عقبها. (قوله: فالأفضل جعل يمينه إلى المأمومين) أي في غير محراب المسجد النبوي، أما هو فيجعل يمينه إليه تأدبا معه - صلى الله عليه وسلم -. هذا معتمد الجمال الرملي، وأما معتمد ابن حجر فهو يجعل يمينه إلى المأمومين وإن كان في المسجد النبوي. قال: كما اقتضاه إطلاقهم. ويؤيده أن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم كانوا يصلون بمحرابه - صلى الله عليه وسلم - ولم يعرف عن أحد منهم خلاف ما عرف منه، فبحث استثنائه فيه نظر وإن كان له وجه وجيه، لا سيما مع رعاية أن سلوك الأدب أولى من امتثال الأمر. واستثناه الدميري مع الكعبة المشرفة فقال: إنه يستقبلها وقت الدعاء. وقد نظم ذلك فقال: وسن للإمام أن يلتفتا بعد الصلاة لدعاء ثبتا ويجعل المحراب عن يساره إلا تجاه البيت في أستاره ففي دعائه له يستقبل وعنه للمأموم لا ينتقل وإن يكن في مسجد المدينة فليجعلن محرابه يمينه لكي يكون في الدعا مستقبلا خير شفيع ونبي أرسلا (قوله: ولوفي الدعاء) أي الأفضل جعل يمينه إلخ ولو في حالة الدعاء. (قوله: وانصرافه) أي الإمام من مصلاه الذي هو أفضل. وقوله: لا ينافي الخ فيه أنه لا يتم هذا إلا لو عبر كغيره ببعدها بدل عقبها، إلا أن يقال أنه في كل شئ بحسبه. والمراد بالعقبية هنا أن لا يتكلم بعد الصلاة بغيرهما، وإن قام من مصلاه وجلس في غيره. وقوله: الذي ينصرف إليه أي الذي ينتقل إليه. ومقتضى هذا أن جميع الأذكار في سائر الأوقات يقرؤها في المحل المنتقل إليه. ثم رأيت في سم ما نصه: ينبغي أن يستثنى من ذلك الأذكار التي طلب الإتيان بها قبل تحوله. ثم رأيته في شرح العباب قال: نعم، يستثنى من ذلك - أعني قيامه بعد سلامه - الصبح، لما صح: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح جلس حتى تطلع الشمس. واستدل في الخادم بخبر: من قال دبر صلاة الفجر، وهو ثان رجله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له. الحديث السابق، قال: ففيه تصريح بأنه يأتي بهذا الذكر قبل أن يحول رجليه. ويأتي مثله في المغرب والعصر لورود ذلك فيهما. اه. (قوله: ولا يفوت) أي الذكر، بفعل الراتبة فيه، أنه لا يتم ذلك إلا لو عبر ببعدها بدل عقبها، كما علمت. وعبارة التحفة: على أنه يؤخذ من قوله بعدها أنه لا يفوت بفعل الراتبة. اه. وقوله: بفعل الراتبة قال سم: ظاهره وإن طولها، وفيه نظر إذا فحش التطويل بحيث صار لا يصدق على الذكر أنه بعد الصلاة. وقد يقال وقوعه بعد توابعها وإن طالت لا يخرجه عن كونه بعدها. اه. (قوله: وإنما الفائت به كماله) يفيد أن الأفضل تقديم الذكر والدعاء على الراتبة. اه سم. (قوله: وقضية كلامهم) أي الفقهاء. (قوله: ونظر فيه) أي في حصول الثواب مع جهل المعنى. (قوله: ولا

لم يعرف معناه، بخلاف الذكر لا بد أن يعرفه ولو بوجه. انتهى. ويندب أن ينتقل لفرض أو نفل من موضع صلاته ليشهد له الموضع حيث لم تعارضه فضيلة، نحو صف أول، فإن لم ينتقل فصل بكلام إنسان. والنفل لغير المعتكف في بيته أفضل إن أمن فوته، أو تهاونا به، إلا في نافلة المبكر للجمعة، أو ما سن فيه الجماعة، أو ورد في المسجد كالضحى، وأن يكون انتقال المأموم بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ يأتي هذا) أي التنظير المذكور. (قوله: للتعبد بلفظه) أي القرآن. (قوله: فأثيب قارئه) أي القرآن. (قوله: بخلاف الذكر) خبر لمبتدأ محذوف، أي وهذا بخلاف الذكر. (قوله: لا بد الخ) الأولى زيادة فاء التفريع. وقوله: أن يعرفه أي معنى الذكر. (قوله: ولو بوجه) أي بأن يعرف أن في التسبيح والتحميد ونحوهما تعظيما لله وثناء عليه. (قوله: انتهى) لعله زائد من النساخ، أو مؤخر من تقديم، لأن عبارة شيخه انتهت عند قوله: لا غير. (قوله: ويندب أن ينتقل) أي المصلي مطلقا، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا. (قوله: لفرض أو نفل) أي لأجل صلاة فرض أو نفل. وقوله: من موضع صلاته متعلق بينتقل. أي يندب أن ينتقل من الموضع الذي صلى فيه إلى موضع آخر يريد أن يصلي فيه فرضا أو نفلا. ويكره ملازمة المكان الواحد لغير الإمام في المحراب، أما هو فلا يكره له، خلافا للسيوطي حيث قال: إنها بدعة مفوتة فضيلة الجماعة له ولمن ائتم به. (قوله: ليشهد له الموضع) أي الذي صلى فيه ثانيا كالموضع الذي صلى في أولا. قال في النهاية: ليشهد له، ولما فيه من إحياء البقاع بالعبادة. اه. (قوله: حيث لم تعارضه) الظرف متعلق بيندب، والضمير البارز يعود على مصدره. أي يندب الانتقال حيث لم يعارض الندب تحصيل فضيلة، نحو الصف الأول كالقرب من الإمام، فإن عارضه ذلك ترك الانتقال، ومثله ما لو عارضه مشقة خرق الصفوف. قال في النهاية: واستثنى بعض المتأخرين بحثا من انتقاله ما إذا قعد مكانه يذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس لأن ذلك كحجة وعمرة. رواه الترمذي عن أنس. اه. (قوله: فصل) أي للنهي - في مسلم - عن وصل صلاة بصلاة إلا بعد كلام أو خروج. اه تحفة. أي من محل صلاته الأولى. وقوله: بكلام إنسان انظر: هل هو قيد أو ليس بقيد؟ بل مثله كلام الله والذكر. ثم رأيت ع ش في باب صلاة النفل في مبحث الاضطجاع، كتب على قول النهاية: أو فصل بنحو كلام، ما نصه: ولو من الذكر أو القرآن، لأن المقصود منه تمييز الصلاة التي فرغ منها من الصلاة التي شرع فيها. اه. ووافقه على ذلك ش ق. ومقتضاه أن كلام الإنسان هنا ليس بقيد، بل مثله الذكر أو القرآن. تأمل. (قوله: والنفل) أي والانتقال للنفل إلى بيته أفضل، ولو عبر به لكان أولى. وعبارة المنهاج مع المغني: وأفضله، أي الانتقال للنفل من موضع صلاته إلى بيته. اه. (قوله: لغير المعتكف) لو أخره مع المستثنيات لكان أولى. (قوله: في بيته) متعلق بالنفل أو بما بعده. وقوله: أفضل أي لخبر الصحيحين: صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة. ولخبر مسلم: إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده فليجعل لبيته من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته، خيرا. ولكونه في البيت أبعد عن الرياء. (قوله: إن أمن فوته) أي النفل. وعبارة التحفة: إن لم يخف بتأخيره للبيت فوت وقت أو تهاونا. اه. وهي أولى من عبارة الشارح، لأن التهاون ينشأ عنه الفوات فيكون عين ما قبله. (قوله: إلا في نافلة المبكر للجمعة) أي فإنها ليست أفضل في البيت، بل هي في المسجد أفضل. وقوله: أو ما سن في الجماعة أي كالتراويح والاستسقاء والكسوفين والعيدين، فهذه فعلها في المسجد أفضل. وقوله: أو ورد في المسجد أي وإلا السنة التي ورد فعلها في المسجد، كالضحى أي وكركعتي إحرام بميقات فيه مسجد، وركعتي الطواف فيه. وقد نظم جميع المستثنيات من أفضلية الصلاة في البيت العلامة الشيخ منصور الطبلاوي فقال: صلاة نفل في البيوت أفضل إلا التي جماعة تحصل

انتقال إمامه. (وندب) لمصل (توجه لنحو جدار) أو عمود من كل شاخص طول ارتفاعه ثلثا ذراع فأكثر. وما بينه وبين عقب المصلي ثلاثة أذرع فأقل، ثم إن عجز عنه (ف) - لنحو (عصا مغروزة) كمتاع، (ف) - إن لم يجده ندب (بسط مصلى) كسجادة، ثم إن عجز عنه خط أمامه خطا في ثلاثة أذرع عرضا أو طولا، وهو أولى، لخبر أبي داود: إذا صلى أحدكم فليجعل أمام وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا، ثم لا يضره ما مر أمامه. وقيس بالخط المصلى، وقدم على الخط لانه أظهر في المراد. والترتيب ـــــــــــــــــــــــــــــ وسنة الإحرام والطواف ونفل جالس للاعتكاف ونحو علمه لإحيا البقعة كذا الضحى ونفل يوم الجمعة وخائف الفوات بالتأخر وقادم ومنشئ للسفر ولاستخارة وللقبلية لمغرب ولا كذا البعديه وقوله: ونفل يوم الجمعة المراد به سنته القبلية، أما البعدية فصلاتها في البيت أفضل. كما صرح به ع ش. (قوله: وأن يكون انتقال الخ) معطوف على نائب فاعل يندب، أي ويندب أن يكون انتقال المأموم بعد انتقال إمامه أي فيمكث في مصلاه حتى يقوم الإمام منه، ويكره له الانصراف قبل ذلك حيث لا عذر. (قوله: وندب لمصل) أي لمريد الصلاة، ولو صلاة جنازة. وينبغي أن يعد النعش ساترا إن قرب منه، فإن بعد منه اعتبر لحرمة المرور أمامه سترة بالشروط. اه ع ش. (قوله: توجه لنحو جدار) نائب فاعل ندب. (قوله: أو عمود) معطوف على جدار، وهو مما اندرج تحت نحو، ولو أخره عن البيان وجعله تمثيلا له لكان أولى. (قوله: من كل شاخص) بيان لنحو الجدار، وهذا البيان أعم من المبين إذا لا يختص بنحو الجدار بل نحو العصا كذلك. فلو أخره عن قوله فلنحو عصا، وجعله بيانا لهما لكان أولى. (قوله: وما بينه) أي الشاخص. والأولى حذف ما. وقوله: وبين عقب المصلي قال الكردي: مثله من أحرم بسجود تلاوة أو شكر. وقوله: ثلاثه أذرع فأقل قال في النهاية: وهل تحسب الثلاثة من رؤوس الأصابع أو من العقب؟ فيه احتمالان، والأوجه الأول. اه. وجزم حجر بالثاني، وما ذكر إذا كان المصلي قائما. أما إذا كان جالسا فينبغي أن يكون من الأليتين. كذا في ع ش. (قوله: ثم إن عجز عنه) أي نحو الجدار. والمراد بالعجز عدم السهولة. كما في البجيرمي. (قوله: فلنحو عصا) أي فندب له توجه لنحو ذلك. وقوله: كمتاع تمثيل لنحو العصا. والمراد يجمعه ويجعله كالسترة. (قوله: فإن لم يجده) أي نحو العصا. وقوله: ندب بسط مصلى أي فرشه، ومصلى يقرأ بصيغة اسم المفعول. (قوله: كسجادة) هو بفتح السين. اه شرح المنهج. (قوله: ثم إن عجز عنه) أي عن المصلى، خط أمامه خطا. قال في شرح الروض: وكلامه كالأصل، والمنهاج يقتضي التخيير بينهما، أي بين المصلى والخط. (قوله: في ثلاثة أذرع) لا معنى للظرفية إذا المراد - كما هو ظاهر العبارة - أن الخط يكون ثلاثة أذرع، فالأولى حذف في. ويكون قوله ثلاثة أذرع بدلا من خطا. ثم إن الثلاث الأذرع ليست بقيد، فيكفي أقل منها، وإن تخصيصه بالخط ليس بظاهر، بل مثله المصلى. ولو أخره عن قوله وهو أولى لصح رجوعه لجميع ما قبله من نحو العصا والمصلى والخط، وتحسب هذه الثلاثة الأذرع فأقل من رؤوس الأصابع أو العقب على ما مر إلى أعلى الخط الذي من جهة القبلة. ومثله المصلى - أي السجادة - كما نص عليه البجيرمي وعبارته: يعني أننا نحسب الثلاثة أذرع التي بين المصلي والمصلى، أو الخط من رؤوس الأصابع إلى آخر السجادة مثلا، حتى لو كان فارشها تحته كفت، لاأننا نحسبها من رؤوس الأصابع إلى أولها. فلو وضعها قدامه وكان بينه وبين أولها ثلاثة أذرع لم يكف، كما قرره شيخنا. اه. (قوله: عرضا أو طولا) عبارة الروض: طولا. وقال في شرحه: لا عرضا. اه. (قوله: وهو أولى) أي كون الخط طولا أولى من كونه عرضا. (قوله: لخبر أبي دواد) تعليل لقوله: ندب الخ. (قوله: ثم لا يضره ما مر أمامه) أي في كمال ثوابه. اه ع ش. وقال الشوبري: أي في إذهابه خشوعه. وقوله: ما مر، لم يقل: من مر، لأنه شيطان فأشبه غير العاقل. اه بجيرمي. (قوله: وقيس بالخط) أي على الخط الكائن في الخبر. (قوله: وقدم على الخط) أي قدم المصلى على الخط في الترتيب. والقياس أن يقدم الخط عليه لكون المصلى

المذكور هو المعتمد، خلافا لما يوهمه كلام ابن المقري. فمتى عدل عن رتبة إلى ما دونها مع القدرة عليها كانت كالعدم. ويسن أن لا يجعل السترة تلقاء وجهه بل عن يمينه أو يساره، وكل صف سترة لمن خلفه إن قرب منه. قال البغوي: سترة الامام سترة من خلفه. انتهى. ولو تعارضت السترة والقرب من الامام أو الصف الاول فما الذي يقدم؟ قال شيخنا: كل محتمل وظاهر قولهم يقدم الصف الاول في مسجده (ص) وإن كان خارج مسجده المختص بالمضاعفة تقديم نحو الصف الاول. انتهى. ـــــــــــــــــــــــــــــ مقيسا عليه. وقوله: لأنه أي المصلى. وقوله: أظهر في المراد أي من الخط. وذلك المراد هو منع مرور الناس عليه الذي هو سبب في التشويش. (قوله: والترتيب المذكور) أي من تقديم نحو الجدار، ثم نحو العصا، ثم المصلى، ثم الخط. (قوله: خلافا لما يوهمه كلام ابن المقري) أي من عدم ندب الترتيب، ونص عبارته: وجاز، بل ندب، لمصل دنا ثلاثة أذرع من شاخص أو مصلى أو خط دفع مار. اه. (قوله: فمتى عدل) أي المصلي. وهو مفرع على اشتراط الترتيب المذكور في أداء سنية التوجه إلى السترة. وقوله: عن رتبة إلى ما دونها أي كأن ترك التوجه لنحو الجدار وغرز عصا. وقوله: مع القدرة عليها أي على الرتبة التي عدل عنها. وفي الكردي ما نصه: قال في الإيعاب: لو رآه مستترا بالأدون، وشك في قدرته على ما فوقه، حرم المرور فيما يظهر إلخ. ونحوه في الإمداد. وقال الشوبري: وهو قريب إن قامت قرينة عليه أو لم تقم قرينة على خلافه. اه. (قوله: كانت) أي الرتبة الثانية التي عدل إليها. وقوله: كالعدم أي فلا تحصل له سنة الاستتار، ولا يحرم المرور بين يديه. (قوله: ويسن أن لا يجعل إلخ) وحينئذ يحتاج إلى الجواب عما تقدم في الخبر، وهو: إذا صلى أحدكم فليجعل أمام وجهه شيئا. اه ح ل. إلا أن يقال المراد بالأمام ما قابل الخلف، فيصدق بجعلها عن يمينه أو شماله. والأولى أن تكون على اليسار لأن الشيطان يأتي من جهتها. وقال ع ش: الأولى عن يمينه لشرف اليمين. اه بجيرمي. (قوله: وكل صف سترة لمن خلفه) خالف في ذلك م ر، وقال: الأوجه أن بعض الصفوف لا يكون سترة لبعض، كما هو ظاهر كلامهم. اه. (قوله: إن قرب منه) أي بحيث يكون بين الصفين ثلاثة أذرع فأقل. (قوله: قال البغوي الخ) لم يتعرض له في التحفة والنهاية والأسنى وشرح المنهج. (قوله: سترة من خلفه) وانظر هل المراد جميع من خلفه من المأمومين؟ أو الصف الذي يليه فقط؟ الظاهر الثاني. (قوله: ولو تعارضت السترة والقرب من الإمام) يعني أنه لو قرب من الإمام لا يتسير له السترة، وإذا بعد عنه تيسرت له. وقوله: أو الصف الأول أي أو تعارضت السترة والصف الأول، وكان الأولى أن يقول: أو والصف بزيادة الواو كما هو ظاهر. وهي ثابتة في الكردي نقلا عن التحفة. (قوله: فما الذي يقدم) أي هل السترة مع البعد عن الإمام أو مع كونه في غير الصف الأول أو القرب من الإمام أو الصف الأول مع عدم السترة؟ (قوله: كل محتمل) فيحتمل الأول، ويحتمل الثاني، إذا كل منهما مطلوب. (قوله: وظاهر الخ) مبتدأ خبره قوله تقديم نحو الصف الأول. (قوله: يقدم الصف الأول) مقول قولهم. (قوله: في مسجده) المراد به هنا ما كان في عهده - صلى الله عليه وسلم - وما زيد عليه بدليل الغاية. (قوله: وإن كان) أي الصف الأول. وقوله: ارج مسجده المختص بالمضاعفة أي مضاعفة الثواب، وذلك لأنها مختصة بمسجده الذي كان في زمنه، لقوله عليه السلام: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام. الحديث. فاسم الإشارة

وإذا صلى إلى شئ منها فيسن له ولغيره دفع مار بينه وبين السترة المستوفية للشروط، وقد تعدى بمروره لكونه مكلفا. ويحرم المرور بينه وبين السترة حين يسن له الدفع، وإن لم يجد المار سبيلا ما لم يقصر بوقوف في طريق أو في صف مع فرجة في صف آخر بين يديه فلداخل خرق الصفوف وإن كثرت حتى يسدها. (وكره فيها) أي الصلاة، (التفات) بوجه بلا حاجة. وقيل: يحرم. واختير للخبر الصحيح: لا يزال الله مقبلا على العبد في مصلاه - أي برحمته ورضاه - ما لم يلتفت، فإذا التفت أعرض عنه. فلا يكره لحاجة، كما لا يكره مجرد لمح العين (ونظر نحو سماء) مما يلهي، كثوب له أعلام، لخبر البخاري: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم ـــــــــــــــــــــــــــــ يخصص المضاعفة بما كان في زمنه، وأما الزائد عليه فلا مضاعفة فيه. وقوله: نحو الصف الأول هو القرب من الإمام. (قوله: وإذا صلى إلى شئ منها) أي من الجدار فالعصا فالمصلى فالخط. (قوله: فيسن له إلخ) وإنما لم يجب على خلاف القياس احتراما للصلاة، لأن وضعها عدم العبث ما أمكن، وتوفير الخشوع، والدفع ولو من غيره قد ينافيه. اه تحفة. وقوله: ولغيره أي غير المصلي المتوجه للسترة المذكورة. وشمل الغير من هو في صلاة وخارجها، وقيده ابن حجر بمن ليس في صلاة. وقال ع ش: ومفهومه - أي القيد المذكور - أن من في صلاة لا يسن له ذلك. لكن قضية قول الشارح في كف الشعر وغيره، ويسن لمن رآه كذلك ولو مصليا آخر إلخ، خلافه. اللهم إلا أن يقال إن دفع المار فيه حركات، فربما يشوش خشوعه بخلاف حل الثوب ونحوه. اه. وقوله: دفع مار أي للخبر الصحيح: إذا صلى أحدكم إلى شئ ستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان. أي معه شيطان، أو هو شيطان. قال في النهاية: ويدفع بالتدريج كالصائل، وإن أدى دفعه إلى قتله. ومحله إذا لم يأت بأفعال كثيرة وإلا بطلت. وعليه يحمل قولهم: ولا يحل المشي إليه لدفعه لامره - صلى الله عليه وسلم - بذلك. اه. وقوله: المستوفية للشروط وهي أن يكون طول ارتفاعها ثلثي ذراع، وأن يكون ما بينه وبين السترة ثلاثة أذرع، وأن تكون على الترتيب المتقدم. (قوله: وقد تعدى بمروره لكونه مكلفا) هكذا في التحفة، واعتمد م ر أنه لا فرق بين المكلف وغيره لأن هذا من باب دفع الصائل، وهو يدفع مطلقا. اه. (قوله: ويحرم المرور) أي على المكلف العالم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خريفا خيرا له من أن يمر بين يديه. (قوله: حين يسن له الدفع) وذلك بأن وجدت شروط السترة، فإن لم توجد حرم الدفع، كما صرح به في التحفة. وقيد الحرمة سم بما إذا حصل منه أذية، وإلا بأن خف وسومح به عادة لم يحرم. (قوله: ما لم يقصر) أي المصلي. وهو قيد لحرمة المرور وقوله: بوقوف بيان للتقصير، فالباء للتصوير أي ويتصور التقصير بوقوفه في الطريق - أي محل مرور الناس - أو في صف مع وجود فرجة في صف آخر أمامه. (قوله: فلداخل) أي محل الصلاة. (قوله: خرق الصفوف) أي لتقصيرهم بعدم سدها المفوت لفضيلة الجماعة. وقوله: وإن كثرت أي الصفوف. وقوله: حتى يسدها أي الفرجة. وحتى هنا تعليلية، أي لأجل أن يسدها. (قوله: وكره فيها الخ) شروع في بيان مكروهات الصلاة. (قوله: التفات بوجهه) أي يمينا أو شمالا. وخرج به ما إذا التفت بصدره وحوله عن القبلة فإنها تبطل، وتبطل أيضا إذا قصد الالتفات بوجهه اللعب، كذا في م ر وحجر. (قوله: وقيل يحرم) أي الالتفات. (قوله: واختير) أي هذا القيل. وفي المغني: وقال الأذرعي: والمختار أنه إن تعمد مع علمه بالخبر حرم، بل تبطل إن فعله لعبا. اه. (قوله: للخبر الصحيح الخ) مرتبط بالمتن، فهو دليل الكراهة. وصح أيضا أن عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة، فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد. رواه البخاري. وقوله اختلاس: أي سبب اختلاس، أي اختطاف يختطفه الشيطان من ثواب صلاة العبد. (قوله: فلا يكره لحاجة) محترز قوله بلا حاجة. وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر فأرسل فارسا في الشعب من أجل الحرس، فجعل يصلي وهو يلتفت إلى الشعب. اه نهاية. (قوله: كما لا يكره مجرد لمح العين) أي لأنه ليس فيه التفات. وعبارة المغنى: وخرج بما ذكر اللمح بالعين دون الالتفات فإنه لا بأس به. ففي صحيح ابن حبان من حديث على بن شيبان

إلى السماء في صلاتهم. فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم. ومن ثم كرهت أيضا في مخطط أو إليه أو عليه لانه يخل بالخشوع. (وبصق) في صلاته، وكذا خارجها، (أماما) أي قبل وجهه، وإن لم يكن من هو خارجها مستقبلا، كما أطلقه النووي (ويمينا) لا يسارا، لخبر الشيخين: إذا كان ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلينا معه، فلمح بمؤخر عينيه رجلا لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فقال: لا صلاة لمن لا يقيم صلبه. اه. (قوله: ونظر نحو سماء) أي وكره نظره إلى نحو السماء، ولو بدون رفع رأسه، وعكسه وهو رفع رأسه بدون نظر كذلك على ما بحثه الشوبري، فيشمل الأعمى كما قاله البرماوي. اه بجيرمي. (قوله: مما يلهي) أي يشغل عن الصلاة، وهو بيان لنحو سماء. (قوله: كثوب له أعلام) أي خطوط. وهو مثال لما يلهي. (قوله: لخبر البخاري) دليل لكراهة النظر إلى السماء فقط. (قوله: ما بال أقوام) أي ما حالهم؟ وأبهم الرافع لئلا ينكسر خاطره، لأن النصيحة على رؤوس الأشهاد فضيحة. وقوله: فاشتد أي قوي قول النبي في ذلك، أي في رفع البصر، أي في الإنكار في ذلك. وقوله: لينتهن جواب قسم محذوف، وهو مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال. والأصل والله لينتهونن. (وقوله: عن ذلك) أي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة. وقوله: أو لتخطفن أبصارهم بضم الفوقية وفتح الفاء مبنيا للمفعول وأو للتخيير، تهديدا لهم. وهو خبر بمعنى الأمر. والمعنى: ليكونن منهم الانتهاء عن رفع البصر إلى السماء أو خطف الأبصار عند رفعها من الله تعالى. أما رفع البصر إلى السماء في غير الصلاة لدعاء ونحوه فجوزه الأكثرون، كما قاله القاضي عياض، لأن السماء قبلة الدعاء، كالكعبة قبلة الصلاة. وكرهه آخرون. اه شرح البخاري شيخ الإسلام ع ش بزيادة. (قوله: ومن ثم كرهت الخ) أي ومن أجل ورود الخبر المذكور دليلا لكراهة النظر إلى السماء كرهت أيضا إلخ، بجامع الإلهاء عن الصلاة في كل. وكان الأولى والأنسب أن يقول كعادته: ويقاس بما في الخبر ما في معناه من كل ما يلهي. وذلك لأنه قد نص على كراهة النظر إلى السماء وإلى نحوها من كل ما يلهي كالثوب المخطط. والخبر الذي ساقه لا يصلح دليلا إلا لكراهة النظر إلى السماء ولا يصلح دليلا لغيره، وساق في شرح المنهج والمغنى والنهاية حديث عائشة دليلا لكراهة النظر لنحوها بعد أن ساقوا الخبر الذي ساقه الشارح دليلا لكراهة رفع البصر إلى السماء. وحديث عائشة هو: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وعليه خميصة ذات أعلام، فلما فرغ قال: ألهتني هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانيته. قوله: في مخطط أي ثوب فيه خطوط، سواء كانت تصاوير أو غيرها. وقوله: أو إليه أي بأن يكون أمامه ثوب فيه ذلك. وقوله: أو عليه كسجادة وقوله: لأنه يخل بالخشوع علة للمعلل مع علته، أي وإنما كرهت في مخطط للخبر المذكور لأنه يخل بالخشوع. قال في التحفة: وزعم عدم التأثر به حماقة، فقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - مع كماله الذي لا يداني، لما صلى في خميصة لها أعلام نزعها وقال: ألهتني أعلام هذه. وفي رواية: كادت أن تفتنني أعلامها. اه. قال العلامة الكردي: وظاهر أن محل ذلك في البصير. اه. (قوله: وبصق في صلاته إلخ) أي وكره بصق إلخ، وهو بالصاد والسين والزاي. ومحل الكراهة إذا كان في غير المسجد، أما فيه فيحرم. فإذا كان فيه وأراد أن يبصق فليكن في ثوب، وليكن عن يساره. وعبارة النهاية: ومحل ما تقرر في غير المسجد، فإن كان فيه بصق في ثوبه في الجانب الأيسر وحك بعضه ببعض، ولا يبصق فيه فإنه حرام. كما صرح به في المجموع والتحقيق لخبر: البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها. ويجب الإنكار على فاعله. ويحصل الغرض ولو بدفنها في ترابه أو رمله، بخلاف المبلط فدلكها فيه ليس بدفن بل زيادة في تقديره. ويسن تطييب محله. وإنما لم تجب إزالته منه - مع كون البصاق محرما فيه - للاختلاف في تحريمه. اه. وقوله: ويحصل الغرض أي وهو كفارتها. اه ع ش. وسنقل الشارح عن حجر ذلك أيضا، لكن قيده ببقاء جرم البصاق. (قوله: وكذا خارجها) أي وكذا يكره البصق أماما خارج الصلاة. (قوله: أماما) بفتح الهمزة، ظرف متعلق ببصق. (قوله: وإن لم يكن من هو خارجها مستقبلا) تبع في هذه الغاية شيخه ابن حجر، وهو خلاف ما عليه الرملي فإنه قيد ذلك بما إذا كان مستقبلا إكراما للقبلة. ونقله أيضا سم عن شرح البهجة لشيخ الإسلام، ونصه: وظاهر أن محل كراهة ذلك - أي البصق أمامه - على قول النووي - أي وهو الكراهة خارجها - إذا كان

أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه عزوجل، فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه، بل عن يساره أو تحت قدمه اليسرى أو في ثوب من جهة يساره. وهو أولى. قال شيخنا: ولا بعد في مراعاة ملك اليمين دون ملك اليسار إظهارا لشرف الاول، ولو كان على يساره فقط إنسان بصق عن يمينه، إذا لم يمكنه أن يطأطئ رأسه، ويبصق لا إلى اليمين ولا إلى اليسار. وإنما يحرم البصاق في المسجد إن بقي جرمه لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة وأصاب جزءا من أجزائه دون هوائه. وزعم حرمته في هوائه وإن لم يصب شيئا من أجزائه بعيد غير معول عليه، ـــــــــــــــــــــــــــــ متوجها إلى القبلة. اه. (قوله: كما أطلقه النووي) عبارة منهاجه: وأن يبصق قبل وجهه أو عن يمينه. اه. (قوله: ويمينا) معطوف على أماما. (قوله: لا يسارا) أي لا يكره البصق لجهة اليسار. قال الجمال الرملي: ومحل ذلك كما قاله بعض المتأخرين في غير مسجده - صلى الله عليه وسلم -، أما فيه فبصاقه عن يمينه أولى لان النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يساره. اه. وقوله: فبصاقه عن يمينه أي في ثوب عن جهة يمينه، لا في أرض المسجد فإنه حرام كما علمت. وتردد حجر في التحفة في استثناء مسجده - صلى الله عليه وسلم -، ونص عبارته: أو عن يمينه ولو في مسجده - صلى الله عليه وسلم -، على ما اقتضاه إطلاقهم، لكن بحث بعضهم استثناءه. وقد يؤيده الأول أن امتثال الأمر خير من سلوك الأدب، على قول. فالنهي أولى لأنه يشدد فيه دون الأمر. اه. (قوله: لخبر الشيخين) دليل لكراهة البصق أماما ويمينا لا يسارا في خصوص الصلاة. (قوله: فإنه يناجي ربه) مأخوذ من المناجاة، وهي بحسب الأصل المساررة بين اثنين، والمراد بها هنا المخاطبة. أي فإنما يخاطب ربه. (قوله: فلا يبزقن الخ) أي وإذا كان يناجي ربه فلا ينبغي أن يبزق أمامه ولا عن يمينه، بل يكون على أحسن الحالات وأكملها من إخلاص القلب وحضوره وتفريغه لذكر الله. (قوله: بل عن يساره الخ) عبارة المغني: فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه. زاد البخاري: فإن عن يمينه ملكا، ولكن عن يساره أو تحت قدمه. انتهى. وظاهرها أن ما ذكره الشارح من قوله: بل عن يساره إلى قوله: وهو أولى، ليس من الحديث. ولعله سرى له من عبارة التحفة المرتبطة بالمتن، فانظرها. وعبارة مختصر ابن أبي جمرة: عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى نخامة في القبلة فحكها بيده، ورؤي منه كراهية - أو رؤي كراهيته لذلك وشدته عليه. وقال: أن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه، أو ربه بينه وبين القبلة، فلا يبزقن في قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه. ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ورد بعضه على بعض، وقال: أو يفعل هكذا. اه. (قوله: وهو أولى) أي البصق في ثوب من جهة يساره أولى من البصق لا في ثوب عن اليسار أو تحت القدم. (قوله: قال شيخنا: ولا بعد في مراعاة الخ) عبارة التحفة: ولا بعد في مراعاة ملك اليمين دون ملك اليسار، إظهارا لشرف الأول. وقضية كلامهم أن الطائف يراعي ملك اليمين دون الكعبة وهو محتمل. نعم إن أمكنه أن يطأطئ رأسه ويبصق لا إلى اليمين ولا إلى اليسار فهو الأولى، وكذا في مسجده - صلى الله عليه وسلم -. ولو كان على يساره فقط إنسان بصق عن يمينه إذا لم يمكنه ما ذكر، كما هو ظاهر. سواء من بالمسجد وغيره، لأن البصاق إنما يحرم فيه إن بقي جرمه لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة وأصاب جزءا من أجزائه دون هوائه، سواء من به وخارجه، إذ الملحظ التقدير وهو منتف فيه. اه. وقوله: أن يطاطئ رأسه أي يرخي رأسه ويميله. والظاهر أن الطأطأة المذكورة اعتبرها لأجل أن لا يكون البصاق قبل وجهه فإنه مكروه عنده، ولو إلى غير جهة القبلة، ولأجل أن يتيسر له البصاق تحت قدمه إن أراده. وقوله: ويبصق لا إلى اليمين ولا إلى اليسار أي بل تحت قدمه، أو في منديل بيده. وعبارة النهاية: ولم يراع ملك اليسار لأن الصلاة أم الحسنات البدنية، فإذا دخل فيها تنحى عنه ملك اليسار إلى فراغه منها إلى محل لا يصيبه شئ من ذلك، فالبصاق حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان. اه. وهذه الحكمة لا تظهر في البصاق خارج الصلاة فإن ملك اليسار لم يتنح عنه حينئذ. (قوله: وإنما يحرم البصاق في المسجد إلخ) ليس لفظ التحفة كما يعلم من لفظها السابق، فالشارح رحمه الله تصرف فيها بما لا ينبغي. (قوله: لا إن استهلك) أي البصاق، في نحو ماء مضمضمة. أي فلا يحرم مج الماء المستهلك فيه البصاق في المسجد لذهاب جرمه. (قوله: وأصاب جزءا) معطوف على بقي جرمه. وقوله: من أجزائه أي المسجد. (قوله: دون هوائه) أي فلا يحرم البصاق فيه إلى خارج المسجد، أو في نحو ثوب، سواء كان الفاعل داخله أم خارجه. لأن الملحظ التقدير،

ودون تراب لم يدخل في وقفه. قيل: ودون حصره، لكن يحرم عليها من جهة تقذيرها كما هو ظاهر. اه. ويجب إخراج نجس منه فورا عينيا على من علم به، وإن أرصد لازالته من يقوم بها بمعلوم، كما اقتضاه إطلاقهم. ويحرم بول فيه ولو في نحو طشت. وإدخال نعل متنجسة لم يأمن التلويث. ورمي نحو قملة فيه ميتة وقتلها في أرضه وإن قل دمها، وأما إلقاؤها أو دفنها فيه حية، فظاهر فتاوي النووي حله، وظاهر كلام الجواهر تحريمه، وبه صرح ابن يونس. ويكره فصد وحجامة فيه بإناء، ورفع صوت، ونحو بيع وعمل صناعة فيه. ـــــــــــــــــــــــــــــ كالفصد في إناء أو قمامة به، وإن لم يكن ثم حاجة. وما زعمه بعضهم من حرمته في هوائه وإن لم يصب شيئا من أجزأئه، وأن الفصد مقيد بالحاجة إليه فيه، مردود. (قوله: ودون تراب الخ) معطوف على دون هوائه، أي فلا يحرم البصاق فيه. قال سم: ينبغي إلا إذا كان يبقى هو أو أثره ويتأذى به المصلون والمعتكفون، ولو بنحو إصابة أثوابهم أو أبدانهم، واستقذار ذلك. اه. وقوله: لم يدخل في وقفه فإن دخل فيه حرم لأنه صار من أجزاء المسجد. (قوله: قيل: ودون حصره) حكاه بقيل تبعا لحجر، وجزم به في النهاية، ونصها: ولا يحرم البصق على حصر المسجد إن أمن وصول شئ منه له حيث البصاق في المسجد. اه. (قوله: فورا من جهة تقديرها) أي من جهة أن في البصاق فيها تقديرا لها مع أنها كفاية حق للغير. وهو المالك لها إن وضعها في المسجد لمن يصلي عليها من غير وقف، ومن ينتفع بالصلاة عليها إن كانت موقوفة للصلاة. أفاده ع ش. (قوله: يجب إخراج نجس منه) أي من المسجد. (قوله: فورا عينيا الخ) أي فإن أخر حرم عليه، فلو علم به غيره صارت فرض كفاية عليهما، ثم إن أزالها الأول سقط الحرج. وينبغي دفع الإثم عنه من أصله، على نظير ما تقدم في البصاق. أو أزالها الثاني سقط الحرج ولم تنقطع حرمة التأخير عن الأول إذ لم يحصل منه ما يكفرها. اه ع ش. (قوله: وإن أرصد لإزالته) أي أعد وهيئ لإزالة النجس منه. وقوله: من يقوم بها نائب فاعل أرصد. وضمير بها يعود على الإزالة. وقوله: بمعلوم أي بأجرة. (قوله: ويحرم بول فيه) أي في المسجد. وقوله: ولو في نحو طشت أي لما في ذلك من الازدراء بالمسجد، ولأنه ربما يقع منه شئ فيه. (قوله: وإدخال نعل متنجسة) أي ويحرم إدخال نعل متنجسة في المسجد. وقوله: لم يأمن التلويث قيد للحرمة، فإن أمن تلويثها المسجد لم يحرم إدخالها. (قوله: ورمي نحو قملة فيه) أي ويحرم رمي نحو قملة، كبرغوث وبق وبعوض، في المسجد إذا كانت ميتة لنجاستها حينئذ. (قوله: وقتلها في أرضه) أي ويحرم قتل القملة، أي ونحوها، في أرض المسجد، أي لأن فيه قصده بالمستقذر. (قوله: وإن قل دمها) غاية للحرمة. (قوله: وأما إلقاؤها أو دفنها) أي القملة، أي ونحوها. ويصح عود الضمير على نحوها. وتأنيث الضمير لاكتساب المضاف إياه من المضاف إليه وقوله: فيه أي في المسجد. وقوله: حية حال من المضاف إليه إلقاء ودفن. وساغ ذلك لوجود شرطه. (قوله: فظاهر فتاوى الخ) عبارة التحفة: وأما إلقاؤها أو دفنها فيه حية، فظاهر فتاوي المصنف حله. ويؤيده ما جاء عن أبي أمامة وابن مسعود ومجاهد أنهم كانوا يقتلون في المسجد ويدفنون القمل في حصاه. وظاهر كلام الجواهر تحريمه، وبه صرح ابن يونس، ويؤيده الحديث الصحيح: إذا وجد أحدكم القملة في المسجد فليصرها في ثوبه حتى يخرج من المسجد. والأول أوجه مدركا لأن موتها فيه وإيذاءها غير متيقن، بل ولا غالب. ولا يقال رميها فيه تعذيب لها لأنها تعيش بالتراب. مع أن فيه مصلحة كدفنها، وهي الأمن من توقع إيذائها لو تركت بلا رمي أو بلا دفن. اه. (قوله: وبه صرح) أي بالتحريم صرح، إلخ. (قوله: ويكره فصد وحجامة فيه) أي في المسجد. (وقوله: بإناء) أي حال كونهما واقعين في إناء. فالباء بمعنى في، والجار والمجرور حال من كل مما قبله، وصح ذلك على قول من يجيز مجئ الحال من النكرة، ويصح أن يكون بدل اشتمال من الجار والمجرور قبله. ولو قدمه على الجار والمجرور قبله لكان أولى، وعليه يكون قوله فيه صفة لإناء، ومحل الكراهة إذا أمن التلويث والإحرام. والفرق بين البول حيث حرم في المسجد ولو في إناء، وبين الفصد والحجامة حيث كرها، أن الدماء أخف من البول، بدليل العفو عنها في محلها وإن كثرت إذا لم تكن بفعله. (قوله: ورفع صوت) أي ويكره رفع الصوت فيه،

(وكشف رأس ومنكب) واضطباع ولو من فوق القميص. قال الغزالي في الاحياء: لا يرد رداءه إذا سقط، أي إلا لعذر، ومثله العمامة ونحوها. (و) كره (صلاة بمدافعة حدث) كبول وغائط وريح، للخبر الآتي، ولانها تخل بالخشوع. بل قال جمع: إن ذهب بها بطلت. ويسن له تفريغ نفسه قبل الصلاة وإن فاتت الجماعة، وليس له الخروج من الفرض إذا طرأت له فيه، ولا تأخيره إذا ضاق وقته. والعبرة في كراهة ذلك بوجودها عند التحرم. وينبغي أن يلحق به ما لو عرضت له قبل التحرم فزالت وعلم من عادته أنها تعود إليه في الصلاة. وتكره بحضرة طعام أو شراب يشتاق إليه، لخبر مسلم: لا صلاة - أي كاملة - بحضرة طعام، ولا صلاة وهو يدافعه الاخبثان ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحله ما لم يشوش على المصلين، وإلا حرم. (قوله: نحو بيع) أي ويكره نحو بيع كسلم وقراض، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك. وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا: لا رد الله عليك. قال الترمذي: حديث حسن. (قوله: وعمل صناعة فيه) أي ويكره عمل صناعة في المسجد، كخياطة وتجارة. قال في الروض وشرحه: وكذا يكره عمل صناعة فيه - أي في المسجد - إن كثر. كما ذكره في الاعتكاف، هذا كله، إذا لم تكن خسيسة تزري بالمسجد، ولم يتخذ حانوتا يقصد فيه بالعمل، وإلا فيحرم. ذكره ابن عبد السلام في فتاويه. اه. (قوله: وكشف رأس ومنكب) أي وكره كشف رأس ومنكب، لأن السنة التجمل في صلاته بتغطية رأسه وبدنه كما مر. (قوله: واضطباع) بالرفع، عطفا على كشف. أي وكره اضطباع، وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر. وإنما كره لأنه أدب أهل الشطارة، والمطلوب فيها الخشوع. (قوله: ولو من فوق القميص) أي ولو كان الاضبطاع من فوق القميص فإنه يكره. قال ع ش: ولو كان لغير رجل. اه. وقال في التحفة: ويسن لمن رآه كذلك أن يحله حيث لا فتنة. اه. قال سم: فلو حله فسقط منه شئ وضاع أو تلف ضمنه، كما أفتى بذلك شيخنا الشهاب الرملي: اه. (قوله: قال الغزالي في الإحياء: لا يرد الخ) أي فلو رده كره لأنه ينافي الخشوع. وقوله: أي إلا لعذر أي كشدة حر أو برد، أو خوف ضياع لو تركه ملقى في الأرض. (قوله: ومثله) أي الرداء. وقوله: ونحوها أي نحو العمامة، كالطيلسان والطاقية. (قوله: وكره صلاة بمدافعة حدث) أي غلبته. (قوله: كبول إلخ) تمثيل للحدث، والكاف هنا استقصائية. (قوله: للخبر الآتي) وهو: لا صلاة بحضرة طعام، ولا صلاة وهو يدافعه الأخبثان. (قوله: ولأنها) أي مدافعة الحدث. وقوله: تخل بالخشوع أي تنقص الخشوع. (قوله: بل قال جمع الخ) عبارة المغني: ونقل عن القاضي حسين أنه قال: إذا انتهى به مدافعة الأخبثين إلى أن يذهب خشوعه لم تصح صلاته. اه. (قوله: إن ذهب) أي الخشوع. وقوله: بها أي بالمدافعة. وقوله: بطلت أي الصلاة. (قوله: ويسن له تفريغ نفسه) أي من الحدث. ومحله كما يعلم من قوله الآتي ولا تأخيره الخ. إن كان الوقت متسعا، فإن ضاق وجبت الصلاة مع ذلك. (قوله: وليس له الخروج الخ) أي لا يجوز له ذلك. ومحله ما لم يظن بكتمه ضررا يبيح له التيمم، وإلا فله الخروج منه، وله تأخيره عن الوقت، كما في التحفة والنهاية. وقوله: من الفرض خرج به النفل فلا يحرم الخروج منه، وإن نذر إتمام كل نفل دخل فيه لأن وجوب الإتمام لا يلحقه بالفرض، وينبغي كراهته عند طرو ذلك. أفاده ع ش. (قوله: ولا تأخيره الخ) أي وليس له تأخير الفرض إذا ضاق وقته بأن لم يبق منه إلا ما يسع الفرض فقط، ومحله أيضا إن لم يظن بكتمه ضررا يبيح له التيمم، وإلا فله ذلك. (قوله: والعبرة في كراهة ذلك) أي الصلاة بمدافعته. وقوله: بوجودها أي المدافعة. (قوله: أن يلحق به) أي بوجودها عند التحرم في الكراهة. وقوله: ما لو عرضت أي مدافعة الحدث. وقوله: فزالت أي برده لها. (قوله: وتكره بحضرة طعام أو شراب) قال في النهاية: وتوقان النفس في غيبة الطعام بمنزلة حضوره إن رجي حضوره عن قرب، كما قيد به في الكفاية، وهو مأخوذ من كلام ابن دقيق العيد. وتعبير المصنف بالتوق يفهم أنه يأكل ما يزول به ذلك، لكن الذي جرى عليه في شرح مسلم في الأعذار المرخصة في ترك الجماعة أنه يأكل حاجته بكمالها، وهو الأقرب، ومحل ذلك حيث كان الوقت متسعا. اه. (قوله: يشتاق إليه) أي

- أي البول والغائط -. (و) كره صلاة في طريق بنيان لا برية، وموضع مكس، و (بمقبرة) إن لم يتحقق نبشها، سواء صلى إلى القبر أم عليه أم بجانبه، كما نص عليه في الام. وتحرم الصلاة لقبر نبي أو نحو ولي تبركا أو إعظاما. وبحث الزين العراقي عدم كراهة الصلاة في مسجد طرأ دفن الناس حوله، وفي أرض مغصوبة. وتصح بلا ثوب كما في ثوب مغصوب، وكذا إن شك في رضا مالكه لا إن ظنه بقرينة. وفي الجيلي: لو ضاق الوقت وهو بأرض مغصوبة أحرم ماشيا. ورجحه الغزي. قال شيخنا: والذي يتجه أنه لا يجوز له صلاة شدة ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن لم يشتد جوعه ولا عطشه فيما يظهر، أخذا مما ذكروه في الفاكهة. ونقل عن بعض أهل العصر التقييد بالشديدين، فاحذره. اه ع ش. (قوله: أي كاملة) يجوز نصبه صفة لصلاة باعتبار المحل، ورفعه صفة لها قبل دخول لا وقوله: بحضرة طعام خبر. وقوله: ولا صلاة وهو يدافعه خبر لا محذوف، والواو للحال. أي لا صلاة كاملة حال مدافعة الأخبثين. (قوله: وكره صلاة في طريق بنيان) الإضافة على معنى في أي طريق في البنيان، أي العمران. وإنما كره فيه للنهي عن الصلاة في قارعة الطريق وهي أعلاه. وقيل: صدره. وقيل: ما برز منه. والكل متقارب، والمراد بها نفس الطريق، ولإشغال القلب بمرور الناس فيها. وبه يعلم أن مدار الكراهة على كثرة مرور الناس، ومدار عدمها على عدم كثرة مرور الناس، سواء كان في بنيان أو في غيره، وسواء كان طريقا أو غيره كالمطاف. فقوله: لا برية ضعيف، أو جري على الغالب. وعبارة حجر: والطريق في صحراء أو بنيان وقت مرور الناس به كالمطاف لأنه يشغله. اه. (قوله: وموضع مكس) أي وكره صلاة في موضع مكس، أي محل أخذ المعشرات، وذلك لأنه مأوى الشياطين. ومثله كل محل معصية كموضع الخمر والقمار. (قوله: وبمقبرة) أي وكره صلاة في مقبرة - بتثليث الباء - ولا فرق فيها بين الجديدة والقديمة. وعلة الكراهة محاذاته للنجاسة، فلو انتفت المحاذاة انتفت الكراهة. ومنه يؤخذ عدم الكراهة في مقبرة الأنبياء والشهداء لأنهم أحياء في قبورهم فليس يحصل لبدنهم صديد ولا شئ من النجاسة أبدا. واعترض ذلك بأنه يؤدي إلى اتخاذها مساجد، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عنه بقوله: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. وأجيب بأن المنهي عنه قصد استقبالها للتبرك ونحوه، كما سيذكره قريبا. وقوله: إن لم يتحقق نبشها أي لطهارتها حينئذ. فإن تحقق نبشها لم تصح الصلاة أصلا إن لم يفرش عليها طاهر كسجادة، وإلا صحت مع الكراهة. (قوله: سواء صلى الخ) تعميم في الكراهة. وقوله: أم عليه أي أم صلى فوق القبر. والكراهة حينئذ من جهتين: محاذاة النجاسة، والوقوف على القبر. (قوله: وتحرم الصلاة) أي مع كونها صحيحة. وقوله: لقبر نبي أي مستقبلا فيها قبر نبي. وقوله: أو نحو ولي أي كعالم وشهيد. (وقوله: تبركا أو إعظاما) قيد في الحرمة. أي إنما تحرم بقصد التبرك أو الإعظام لذلك القبر، فلو لم يقصد ذلك بل وافق في صلاته أن أمامه قبر نبي، كمن يصلي خلف قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأغاوات وغيرهم، فلا حرمة ولا كراهة. (قوله: وبحث الزين العراقي، إلخ) عبارة الكردي. وفي التحفة: لو دفن ميت بمسجد كان كذلك، يعني تكره الصلاة. ونقل ما يخالفه في الإمداد عن الزين العراقي، وأقره. قال: وكأنه اغتفر محاذاة النجاسة حينئذ لسبق حرمة المسجد، وإلا لزم تنفير الناس منه. (قوله: وفي أرض مغصوبة) هو معطوف على لقبر نبي، أي وتحرم الصلاة فيها. (قوله: كما في ثوب مغصوب) أي فإنها تحرم فيه مع صحتها بلا ثواب. (قوله: وكذا إن شك الخ) أي وكذلك تحرم مع صحتها بلا ثواب إن شك هل مالك الأرض أو الثوب يرضى بذلك أم لا؟ فقوله: مالكه الضمير يعود على المذكورين من الأرض والثوب. وقوله: لا إن ظنه أي الرضا، فلا تحرم. (قوله: لو ضاق الوقت) أي بأن لم يبق منه إلا ما يسعها. (قوله: أحرم ماشيا) أي كالهارب من حريق. قال ع ش: أي وجوبا. وظاهره أنه لا يفعلها بالإيماء في هذه الحالة، ولا يكلف عدم إطالة القراءة، وهو ظاهر، لأن هذه صفة صلاة شدة الخوف. وقد جوزناها له للتخلص من المعصية والمحافظة على فعل الصلاة في وقتها. اه. وفي سم ما نصه: قال في شرح العباب: قال - يعني الأذرعي - وهذا إن صح فينبغي وجوب الإعادة لتقصيره. اه. (قوله: ورجحه الغزالي) أي بأن المنع الشرعي كالحسي. وأيده بتصريح القاضي به في ستر

الخوف وأنه يلزمه الترك حتى يخرج منها، كما له تركها لتخليص ماله لو أخذ منه، بل أولى. (فصل) في أبعاض الصلاة ومقتضي سجود السهو. (تسن سجدتان قبيل سلام) وإن كثر السهو، وهما ـــــــــــــــــــــــــــــ العورة. وفيه نظر. اه تحفة. (قوله: قال شيخنا) أي في آخر باب صلاة شدة الخوف. (قوله: صلاة شدة الخوف) وهي أن يصلي كيف شاء، راكبا أو ماشيا، مستقبلا أو غير مستقبل. (قوله: وأنه يلزمه الترك) أي ترك الصلاة. وقوله: حتى يخرج منها أي إلى أن يخرج من الأرض المغصوبة. (قوله: كما له تركها الخ) أي كما أنه يجوز له ترك الصلاة لأجل تخليص ماله لو أخذ منه. (قوله: بل أولى) أي بل تركها في الأرض المغصوبة أولى من تركها لتخليص ماله، لان الاول للتخليص من المعصية بخلاف الثاني. قال في التحفة: ومن ثم صرح بعضهم بأن من رأى حيوانا محترما يقصده ظالم، أي ولا يخشى منه قتالا أو نحوه، أو يغرق، لزمه تخليصه وتأخيرها وإبطالها إن كان فيها، أو مالا جاز له ذلك وكره له تركها. اه. (تتمة) بقي من مكروهات الصلاة أمور منها: الإقعاء، وهو أن يجلس كالكلاب. بأن تكون أليتاه مع يديه في الأرض وينصب ساقيه. ومنها: كف شعره أو ثوبه بلا حاجة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بأن لا يكفهما ليسجدا معه. ووضع يديه على فمه بلا حاجة، للنهي عنه، أما إذا كان لحاجة كالتثاؤب فسنة، لخبر صحيح فيه. والصلاة خلف أقلف وموسوس وولد زنا، وافتراش السبع في السجود، والإسراع بأن يقتصر على أقل الواجب، والتلثم للرجل والتنقب لغيره. وقد نظم معظم المكروهات ابن رسلان في زبده بقوله: مكروهها بكف ثوب أو شعر * * ورفعه إلى السماء بالبصر ووضعه يدا على خاصرته * * ومسح ترب وحصى عن جبهته وحطه اليدين في الأكمام * * في حالة السجود والإحرام والنقر في السجود كالغراب * * وجلسة الإقعاء كالكلاب تكون أليتاه مع يديه * * بالأرض لكن ناصبا ساقيه والالتفات لا لحاجة له * * والبصق لليمين أو للقبله والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل في أبعاض الصلاة أي في بيان السنن التي تجبر بالسجود. وإنما سميت أبعاضا لأنها لما تأكدت بالجبر أشبهت البعض الحقيقي، كما سيذكره. وقد نظمها ابن رسلان في قوله: أبعاضها تشهد إذ تبتديه * * ثم القعود وصلاة الله فيهش على النبي وآله في الآخر * * ثم القنوت وقيام القادر في الاعتدال الثان من صبح وفي * * وتر لشهر الصوم إن ينتصف (قوله: ومقتضي) بكسر الضاد، أي سببه. وهو مفرد مضاف فيعم أسبابه الخمسة وهي: ترك بعض، وسهو ما يبطل عمده فقط، ونقل قولي غير مبطل، والشك في ترك بعض معين هل فعله أم لا، وإيقاع الفعل مع الشك في زيادته. وقوله: سجود السهو الإضافة فيه من إضافة المسبب إلى السبب، أي سجود سببه السهو. وهذا جري على الغالب، وإلا فقد يكون سببه عمدا. وقد صار الآن حقيقة عرفية لجبر الخلل الواقع في الصلاة، سواء كان سهوا أو عمدا. قال سم على حجر: هو - أعنى السهو - جائز على الأنبياء بخلاف النسيان لأنه نقص. وما في الأخبار من نسبة النسيان إليه عليه أفضل الصلاة والسلام فالمراد بالنسيان فيه السهو. وفي شرح المواقف: الفرق بين السهو والنسيان أن الأول زوال الصورة

والجلوس بينهما كسجود الصلاة والجلوس بين سجدتيها في واجباتها الثلاثة ومندوباتها السابقة، كالذكر فيها. وقيل: يقول فيهما: سبحان من لا ينام ولا يسهو. وهو لائق بالحال. وتجب نية سجود السهو بأن يقصده عن السهو عند شروعه فيه، (لترك بعض) واحد من أبعاض ولو عمدا. فإن سجد لترك غير بعض عالما عامدا ـــــــــــــــــــــــــــــ عن المدركة مع بقائها في الحافظة، والنسيان زوالها عنهما معا. فيحتاج في حصولها إلى سبب جديد. اه. فإن قيل: كيف سها - صلى الله عليه وسلم - مع أنه لا يقع السهو إلا من القلب الغافل اللاهي؟ أجيب بأنه غاب عن كل ما سوى الله، فسها عن غيره تعالى واشتغل بتعظيم الله فقط. وما أحسن قول بعضهم: يا سائلي عن رسول الله كيف سها * * والسهو من كل قلب غافل لاهي قد غاب عن كل شئ سره فسها * * عما سوى الله فالتعظيم لله (قوله: تسن سجدتان) أي إلا لإمام جمع كثير يخشى التشويش عليهم بعدم سجودهم معه، وإنما لم تجب لأنه ينوب عن المسنون دون المفروض، والبدل إما كمبدله أو أخف منه، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: فليسجد سجدتين. فمصروف عن الوجوب لظاهر الخبر الآتي: وإنما وجب جبران الحج لأنه بدل عن واجب فكان واجبا. (قوله: وإن كثر السهو) أي تعدد، سواء كان في فرض أو نافلة، ما عدا صلاة الجنازة فلا يسن فيها، بل إن فعله فيها عامدا عالما بطلت صلاته. وشمل ذلك ما لو سها في سجدة التلاوة خارج الصلاة فيسجد للسهو، ولا مانع من جبران الشئ بأكثر منه. ومثلها سجدة الشكر. (قوله: وهما) أي سجدتا السهو. وقوله: بينهما أي السجدتين. (قوله: كسجود الخ) لو قال كسجدتي الصلاة والجلوس بينهما لكان أخصر. (قوله: واجباتها الثلاثة) المقام للإضمار. فالأولى في واجباتها وهي الطمأنينة، وأن يسجد على سبعة أعظم، وأن يستقر جالسا. (قوله: ومندوباتها) أي الثلاثة. وقوله: السابقة صفة لكل من الواجبات والمندوبات. (قوله: كالذكر فيها) تمثيل للمندوبات. أي كالذكر الوارد في الثلاثة، من التسبيحات ورب اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني واعف عني. (قوله: وقيل يقول) أي بدل الذكر الوارد. وقوله: فيهما أي في السجدتين فقط. (قوله: وهو) أي التسبيح المذكور. وقوله: لائق بالحال أي مناسب لحال الساهي. قال في التحفة: لكن، إن سها لا إن تعمد، لأن اللائق حينئذ الاستغفار. اه. (قوله: وتجب نية الخ) كالاستدراك من التشبيه السابق، لأن مقتضاه عدم وجوبها، وهي واجبة على الإمام والمنفرد دون المأموم. كما صرح به في التحفة، ونصها: وقضية التشبيه إنه لا تجب نية سجود السهو، وهو قياس عدم وجوب نية سجدة التلاوة، لكن الوجه الفرق، فإن سببها القراءة المطلوبة في الصلاة فشملتها نيتها ابتداء من هذه الحيثية. وأما سجود السهو فليس سببه مطلوبا فيها، وإنما هو منهي عنه، فلم تشمله نيتها ابتداء فوجبت، أي على الإمام والمنفرد دون المأموم كما هو واضح، لأن أفعاله تنصرف لمحض المتابعة بلا نية منه. وقد أمر أنه يلزمه موافقته فيه وإن لم يعرف سهوه، فكيف تتصور نيته له حينئذ. اه بحذف. (قوله: بأن يقصده) أي السجود بقلبه، ولا يجوز له أن يتلفظ بما قصده، فلو تلفظ به بطلت صلاته. كما استوجهه في التحفة والنهاية وعلله بعدم الاضطرار إليه. وقوله: عن السهو أي وعما تعمده من الترك. وقوله: عند شروعه فيه يعني أن النية تجب مقارنتها للشروع في السجود إذ لا تكبير فيه للتحرم حتى يجب قرنها به. (قوله: لترك بعض) أي يقينا كما يدل عليه قوله الآتي ولشك فيه. وإنما سن السجود حينئذ لأن الأبعاض من الشعائر الظاهرة المختص طلبها بالصلاة. (قوله: ولو عمدا) الغاية للرد على من يقول بعدم سجوده حين إذ تركه عمدا لتقصيره بتفويته السنة على نفسه. قال في التحفة: وردوا هذا القيل بأن خلل العمد أكثر فكان إلى الجبر أحوج، كالقتل العمد بالنسبة إلى الكفارة. اه. (قوله: فإن سجد الخ) مفهوم قوله لترك بعض. وقوله: لترك غير بعض أي من الهيآت، كتسبيحات الركوع والسجود، وتكبيرات الانتقالات، وقراءة السورة والتعوذ ودعاء الافتتاح. وقوله: عالما عامدا خرج به ما إذا سجد جاهلا بعدم سنية السجود لترك الهيآت، أو ناسيا ذلك، فإنه لا تبطل صلاته، لكن يحصل بهذا السجود خلل في الصلاة فيجبره بسجود آخر، لأنه لا يجبر نفسه وإنما يجبر ما قبله وما بعده وما فيه. وصورة جبره لما قبله أن يتكلم كلاما قليلا ناسيا ثم يسجد. وصورة جبره لما بعده أن يسجد

بطلت صلاته. (وهو تشهد أول) أي الواجب منه في التشهد الاخير، أو بعضه، ولو كلمة. (وقعوده) وصورة تركه وحده كقيام القنوت أن لا يحسنهما، إذ يسن أن يجلس ويقف بقدرهما. فإذا ترك أحدهما سجد، (وقنوت راتب) أو بعضه، وهو قنوت الصبح. ووتر نصف رمضان، دون قنوت النازلة. (وقيامه) ويسجد تارك القنوت تبعا لامامه الحنفي، أو لاقتدائه في صبح بمصلي سنتها على الاوجه فيهما. (وصلاة على النبي) (ص) (بعدهما) ـــــــــــــــــــــــــــــ للسهو السابق ثم يتكلم بكلام قليل ناسيا. وصورة جبره لما يحصل فيه من السهو أن يسجد له ثم يتكلم فيه بكلام قليل ناسيا فلا يسجد ثانيا لأنه لا يأمن من وقوع مثل ذلك في السجود الثاني، وهكذا فيتسلسل. وكذلك لو سجد ثلاث سجدات ناسيا فلا يسجد ثانيا للتعليل المذكور. وهذه المسألة هي التي سأل عنها أبو يوسف صاحب أبي حنيفة الكسائي إمام أهل الكوفة حين ادعى أن من تبحر في علم اهتدى به إلى سائر العلوم، فقال له أبو يوسف: أنت إمام في النحو والأدب، فهل تهتدي إلى الفقه؟ فقال: سل ما شئت. فقال: لو سجد سجود السهو ثلاثا هل يسجد ثانيا؟ قال: لا، لأن المصغر لا يصغر. وتوجيهه أن المصغر زيد فيه حرف التصغير، كدريهم في درهم، ونصوا على أن المصغر لا يصغر ثانيا. ومعلوم أن سجود السهو سجدتان فإذا زيد فيه سجدة فقد أشبه المصغر في الزيادة، فيمتنع السجود ثانيا كما يمتنع التصغير ثانيا. (قوله: وهو تشهد أول) أي ذلك البعض الذي يسن السجود لتركه تشهد أول، وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - تركه ناسيا وسجد للسهو قبل أن يسلم. (قوله: أي الواجب الخ) تفسير مراد، أي أن المراد بالتشهد الأول هنا ألفاظه الواجبة في التشهد الأخير، وهي التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فلو ترك من هذه شيئا سجد للسهو، ولو ترك مما زاد على هذه لا يسجد له. (قوله: أو بعضه) أي بعض الواجب. وقوله: ولو كلمة كالواو من وأن محمدا، إلخ. (قوله: وقعوده) أي التشهد، فهو بعض من الأبعاض قياسا على التشهد. (قوله: وصورة تركه وحده إلخ) ذكر ذلك ليدفع به ما قد يقال إنه لا يحتاج لعد القعود للتشهد من الأبعاض، إذ يلزم من ترك القعود ترك التشهد، إذ لا يجزئ في غيره. ومثله قيام القنوت. وحاصل الدفع أنه لا يلزم ذلك بل قد يتصور طلب السجود لأجل ترك قعود التشهد، أو قيام القنوت وحده فيما إذا لم يحسن التشهد أو القنوت، فيسن في حقه حينئذ أن يجلس ويقف بقدرهما. فإن فعل ذلك لم يسجد للسهو، وإلا سجد لترك القيام أو الجلوس وحده. وقوله: كقيام القنوت أي كصورة ترك قيام القنوت وحده. وقوله: أي لا يحسنهما أي التشهد والقنوت. (قوله: بقدرهما) أي التشهد والقنوت. (قوله: فإذا ترك أحدهما) أي الجلوس في التشهد أو القيام في القنوت. (قوله: وقنوت راتب) معطوف على تشهد أول، فهو من الأبعاض. (قوله: أو بعضه) أي بعض القنوت، ولو حرفا واحدا كالفاء في فإنك، والواو في وأنه. فإن قلت إن كلمات القنوت ليست متعينة بحيث لو أبدلها بآية لكفى. قلت: إنه بشروعه في القنوت يتعين لأداء السنة ما لم يعدل إلى بدله، ولأن ذكر الوارد على نوع من الخلل يحتاج إلى الجبر، بخلاف ما يأتي به من قبل نفسه، فإن قليله ككثيرة. (قوله: وهو) أي القنوت الراتب. (قوله: دون قنوت النازلة) مفهوم قوله: راتب. وإنما لم يسن السجود لتركه لأنه سنة عارضة في الصلاة يزول بزوال تلك النازلة، فلم يتأكد شأنه بالجبر. اه م ر. (قوله: وقيامه) أي القنوت، فهو من الأبعاض تبعا له. (قوله: ويسجد تارك القنوت تبعا لإمامه الحنفي) مقتضاه أنه لو أتى المأموم به وأدرك الإمام في السجود لا يسجد وليس كذلك بل يسجد أيضا لترك إمامه له. ومثله ما لو اقتدى شافعي بحنفي في إحدى الخمس فإنه يسجد للسهو لترك إمامه الصلاة على النبي في التشهد الأول لأنها عنده منهي عنها. وقوله: أو لاقتدائه في صبح إلخ أي ويسجد تارك القنوت في صبح لاقتدائه بمصلي السنة. ومقتضاه أنه لو تمكن من القنوت وأتى به لا يسجد، وهو كذلك لأن الامام لا قنوت عليه في هذه الصورة فلم يوجد منه خلل يتطرق للمأموم، بخلافه في الصورة الأولى فإنه عليه باعتبار اعتقاد المأموم. وقوله: على الأوجه فيهما أي يسجد تارك القنوت

أي بعد التشهد الاول والقنوت. (وصلاة على آل بعد) تشهد (أخير وقنوت). وصورة السجود لترك الصلاة على الآل في التشهد الاخير أن يتيقن ترك إمامه لها، بعد أن سلم إمامه وقبل أن يسلم هو، أو بعد أن سلم وقرب الفصل. وسميت هذه السنن أبعاضا لقربها بالجبر بالسجود من الاركان، (ولشك فيه) أي في ترك بعض مما مر معين، كالقنوت هل فعله؟ لان الاصل عدم فعله. (ولو نسي) منفرد أو إمام (بعضا) كتشهد أول أو قنوت، ـــــــــــــــــــــــــــــ على الأوجه في الصورتين. وهذا ما جرى عليه م ر. وصرح ابن حجر في فتح الجواد في الصورة الثانية بعدم السجود، وعلله بأن الإمام يتحمله ولا خلل في صلاته. وكلامه في التحفة محتمل، والمتبادر من عبارته عدم السجود مطلقا سواء ترك القنوت أو أتى به. ولفظ التحفة: ولو اقتدى شافعي بحنفي في الصبح وأمكنه أن يأتي به ويلحقه في السجدة الأولى فعله، وإلا فلا. وعلى كل يسجد للسهو على المنقول المعتمد بعد سلام إمامه، لأنه بتركه له لحقه سهوه في اعتقاده، بخلافه في نحو سنة الصبح إذ لا قنوت يتوجه على الإمام في اعتقاد المأموم فلم يحصل منه ما ينزل منزلة السهو. اه. وكتب سم: قوله: بخلافه في نحو سنة الصبح، يحتمل أن معناه أنه لا سجود هنا مطلقا، وهو المتبادر من عبارته. وكأن وجهه أنه إذا أتى به بأن أمكنه مع الإتيان به إدراك الإمام في السجدة الأولى فواضح، وإلا فالإمام يتحمله، ولا خلل في صلاة الإمام لعدم مشروعية القنوت له، ويحتمل أن معناه أنه إذا أتى به فلا سجود لعدم الخلل في صلاته بالإتيان به، وفي صلاة الإمام بعدم مشروعيته له. اه. (قوله: وصلاة على النبي الخ) معطوف على تشهد أول، فهي من الأبعاض. والمراد الواجب منها في التشهد الأخير، أخذا مما مر في التشهد الأول. وإنما سن السجود بتركها لأنها ذكر يجب الإتيان به في الأخير فسجد لتركه في الأول. وقيس به القنوت والجلوس لها في التشهد. والقيام لها في القنوت كالقعود للتشهد الأول والقيام للقنوت، فيكونان من الأبعاض. (قوله: وصلاة على آل) أي فهي من الأبعاض، ومثلها القيام لها في القنوت والجلوس لها في التشهد الأخير، فهما من الأبعاض أيضا. (قوله: وقنوت) أي وبعد قنوت. فهو بالجر معطوف على تشهد أخير. (قوله: وصورة السجود لترك الصلاة على الآل إلخ) دفع به استشكال تصوره بأنه إن علم تركها قبل السلام أتى بها، إذ محلها قبل السلام كسجود السهو، أو علم تركها بعد السلام فات محل السجود. كما نص عليه ع ش، وعبارته: وجه تصويره بذلك كما وافق عليه م ر: أنه تركه هو - أي المأموم - فإن كان عمدا أتى به ولا سجود، أو سهوا فإن تذكره قبل السلام فكذلك، وإن سلم قبل تذكره فلا جائز أن يعود إليه، لأنا لم نرهم جوزوا العود لسنة غير سجود السهو. ولا أن يعود إلى السجود السهو عنه لأنه إذا عاد صار في الصلاة فينبغي أن يأتي بالمتروك، ولا يتأتى السجود لتركه. فليتأمل. اه سم على المنهج. اه. (قوله: لقربها بالجبر) أي بسببه. فالباء سببية. وقوله: بالسجود قال البجيرمي: لعل الأولى حذفه كما صنع م ر، لأن الجامع مطلق الجبر. اه. وذلك لأن جبر الأركان بالتدارك وجبر الأبعاض بالسجود، فاختلف المجبور به. وقوله: من الأركان متعلق بقربها، وهي أبعاض للصلاة حقيقة. (قوله: ولشك الخ) معطوف على لترك بعض، أي تسن سجدتان لشك في ترك ... إلخ. وقوله: مما مر أي من التشهد الأول وقعوده، والقنوت وقيامه، ونحو ذلك. وقوله: معين كالقنوت أي أو التشهد. فإذا شك هل أتى بالقنوت أو لا؟ أو هل أتى بالتشهد أو لا؟ سجد للسهو، لأن الأصل عدم الفعل. وخرج بالمعين المبهم، وهو صادق بثلاث صور: بما إذا تيقن ترك بعض وشك هل هو القنوت أم لا، وبما إذا شك هل أتى بجيمع الأبعاض أم لا، وبما إذا شك في ترك مندوب وشك هل هو من الأبعاض أو من الهيآت. ومفاده أنه لا يسجد فيها كلها، وليس كذلك. بل يسجد في الصورة الأولى بالاتفاق، لعلمه بمقتضى السجود فيها. ولا

(وتلبس بفرض) من قيام أو سجود، لم يجز له العود إليه. (فإن عاد) له بعد انتصاب، أو وضع جبهته عامدا عالما بتحريمه (بطلت) صلاته، لقطعه فرضا لنفل. (لا) إن عاد له (جاهلا) بتحريمه. وإن كان مخالطا لنا لان هذا مما يخفى على العوام، وكذا ناسيا أنه فيها فلا تبطل لعذره، ويلزمه العود عند تعلمه أو تذكره. (لكن يسجد) للسهو لزيادة قعود أو اعتدال في غير محله. (ولا) إن عاد (مأموما) فلا تبطل صلاته إذا انتصب أو سجد وحده (سهوا، بل عليه) أو على المأموم الناسي (عود) لوجوب متابعة الامام. فإن لم يعد بطلت صلاته إن لم ـــــــــــــــــــــــــــــ يسجد في الصورة الثالثة بالاتفاق، وأما الصورة الثانية ففيها خلاف، فقيل بالسجود وقيل بعدمه. انظر ع ش والبجيرمي على شرح المنهج. (قوله: لأن الأصل عدم فعله) علة لسنية السجود عند الشك في ترك بعض. (قوله ولو نسي منفرد أو إمام) جعله الفاعل ما ذكر لا يلاقي قوله الآتي ولا إن عاد مأموما، لانحلال المعنى عليه، ولا إن عاد منفرد أو إمام مأموما. ولا معنى له، فالمناسب أن يجعله المصلي مطلقا، أو يقول فيما يأتي، أما المأموم إلخ، ليصير مقابلا له، فتنبه. (قوله: بعضا) مفعول نسي. وقوله: كتشهد الخ تمثيل له. (قوله: وتلبس بفرض) أي بأن وصل إلى حد يجزئه في القيام أو في السجود. (قوله: من قيام) أي انتصاب. وهو بيان للفرض المتلبس به. وفي البجيرمي ما نصه: قال الشوبري: قوله: من قيام، أي أو بدله. كأن شرع في القراءة من يصلي قاعدا في الثالثة فتبطل صلاته بالعود للتشهد. اه. (قوله: لم يجز له) أي لمن نسي بعضا، وهو جواب لو. وقوله: العود إليه أي إلى ذلك البعض المنسي. وإنما لم يجز العود لما صح من الأخبار، ولتلبسه بفرض فعلي يقطعه لأجل سنة. (قوله: فإن عاد له) أي لذلك البعض المنسي. وقوله: بعد انتصاب أي بالنسبة للتشهد. وقوله: أو وضع جبهته أي بالنسبة للقنوت. وقوله: بتحريمه أي العود. (قوله: لقطعه فرضا لنفل) أي لأجل نفل. أي ولأنه زاد فعلا من غير عذر، وهو مخل بهيئة الصلاة. (قوله: لا إن عاد له الخ) أي لا تبطل إن عاد لذلك البعض جاهلا تحريمه. (قوله: وإن كان مخالطا لنا) أي لا تبطل بعوده إذا كان جاهلا، وإن لم يكن معذورا بأن كان مخالطا لنا، أي لعلمائنا. أي أو لم يكن قريب عهد بالإسلام. (قوله: لأن هذا) أي بطلان الصلاة بالعود المذكور، وهو تعليل للغاية. وقوله: مما يخفى على العوام أي لأنه من الدقائق. قال ح ل: ولا نظر لكونهم مقصرين بترك التعلم. اه. (قوله: وكذا ناسيا) أي وكذلك لا تبطل إن عاد ناسيا أنه في الصلاة، أي أو ناسيا حرمة عوده، واستشكل عوده للتشهد أو للقنوت مع نسيانه للصلاة، لأن يلزم من عوده للتشهد أو للقنوت تذكر أنه فيها، لأن كلا منهما لا يكون إلا فيها. وأجيب بأن المراد بعوده للتشهد أو القنوت عوده لمحلهما، وهو ممكن مع نسيان أنه فيها. (قوله: فلا تبطل لعذره) أي بالجهل أو بالنسيان. (قوله: ويلزمه العود الخ) أي أنه إذا عاد جاهلا أو ناسيا للتشهد أو للقنوت. ثم تذكر فيهما، أو علم أن العود حرام، يجب عليه فورا أن يرجع لما كان عليه قبل العود ناسيا أو جاهلا، وهو القيام في صورة التشهد والسجود في صورة القنوت. وكتب البجيرمي ما نصه: قوله: ويلزمه العود، أي فورا. أي لما كان عليه قبل العود ناسيا، ومقتضاه أنه يعود للسجود وإن اطمأن أو لا، مع أنه يلزم عليه تكرير الركن الفعلي. اه. تأمل. (قوله: لكن يسجد) مرتبط بقوله لا إن عاد له جاهلا، أي يسجد للسهو فيما إذا عاد جاهلا. ومثله ما إذا كان ناسيا. (قوله: لزيادة قعود الخ) أي وهي مما يبطل عمده، فيسن السجود لسهوه. وقوله: أو اعتدال أي انتصاب للقنوت. (وقوله: في غير محله) أي لأن محل القعود قبل القيام، فلما قام زال محله. ومحل القنوت قبل السجود فلما سجد زال محله. (قوله: ولا إن عاد مأموما) أي ولا تبطل إن عاد مأموما. وقد علمت ما فيه فلا تغفل. (قوله: فلا تبطل صلاته إذا انتصب أو سجد وحده، إلخ) حاصل الكلام عليه أن المأموم إذا ترك التشهد وحده وانتصب أو ترك القنوت وسجد ثم عاد له لا تبطل صلاته، بل يتعين عليه العود إن كان انتصابه أو سجوده نسيانا لمتابعة الإمام لأنها فرض، وهي آكد من تلبسه بالفرض. وإن كان عمدا لا يتعين عليه ذلك بل يسن. والفرق بين العامد والناسي أن الأول له غرض صحيح بانتقاله من واجب إلى واجب فاعتد بفعله وخير بين العود وعدمه. بخلاف الثاني فإن فعله وقع من غير قصد فكأنه لم يفعل شيئا. فإن ترك الإمام التشهد وانتصب قائما يجب على المأموم أن ينتصب معه وإلا بطلت صلاته لفحش المخالفة، فإن عاد الإمام بعد انتصابه لم تجز

ينو مفارقته، أما إذا تعمد ذلك فلا يلزمه العود بل يسن له. كما إذا ركع مثلا قبل إمامه، ولو لم يعلم الساهي حتى قام إمامه لم يعد. قال البغوي: ولم يحسب ما قرأه قبل قيامه. وتبعه الشيخ زكريا، قال شيخنا في شرح المنهاج: وبذلك يعلم أن من سجد سهوا أو جهلا وإمامه في القنوت لا يعتد له بما فعله، فيلزمه العود للاعتدال، وإن فارق الامام، أخذا من قولهم: لو ظن سلام الامام فقام ثم علم في قيامه أنه لم يسلم لزمه القعود ليقوم منه، ولا يسقط عنه بنية المفارقة وإن جازت، لان قيامه وقع لغوا، ومن ثم لو أتم جاهلا لغا ما أتى به فيعيده ويسجد للسهو. وفيما إذا لم يفارقه إن تذكر أو علم وإمامه في القنوت فواضح أنه يعود إليه، أو وهو في ـــــــــــــــــــــــــــــ موافقته لأنه إما عامد فصلاته باطلة، أو ساه وهو لا يجوز موافقته. بل يقوم المأموم إن لم يكن قد قام فورا وينتظره قائما حملا لعوده على السهو أو الجهل، أو يفارقه وهي أولى، أو ترك القنوت لا يجب على المأموم أن يتركه بل له إن يتخلف ليقنت إذا علم أنه يلحقه في السجدة الأولى. والفرق بين القنوت والتشهد أنه في الأول لم يحدث في تخلفه وقوفا لم يفعله إمامه، بخلافه في الثاني فإنه أحدث جلوسا للتشهد لم يفعله إمامه. (قوله: سهوا) مرتبط بكل من قوله انتصب وقوله: أو سجد. (قوله: بل عليه) أي بل يجب عليه، إلخ. (قوله: لوجوب متابعة الإمام) تعليل لوجوب العود على المأموم الناسي. (قوله: بطلت صلاته إن لم ينو مفارقته) مفهومه أنه إن نواها ولم يعد لا تبطل صلاته مطلقا، سواء كان في التشهد أو القنوت، كما هو سياق كلامه. فإنه عام فيهما، وحينئذ يخالف ما سينقله عن شيخه بالنسبة للقنوت من أنه يعود وإن نوى المفارقة. ويمكن أن يخص هذا المفهوم بالتشهد، والمفهوم إذا كان فيه تفصيل لا اعتراض عليه. (قوله: أما إذا تعمد ذلك) أي الانتصاب أو السجود، وهو مقابل قوله: سهوا وقوله: فلا يلزمه العود، أي لما تعمد تركه من التشهد أو القنوت. وقد علمت الفرق بين العامد والساهي فتنبه له. (قوله: بل يسن) أي العود، والإضراب انتقالي. وقوله: له أي لمن تعمد تركه. (قوله: كما إذا ركع مثلا قبل إمامه) أي فإنه يسن له العود إذا تعمد الركوع قبله. فالكاف للتنظير في سنية العود في هذه الحالة. أما إذا ركع قبله ناسيا فلا يلزمه العود ولا يسن منه بل يتخير. (قوله: ولو لم يعلم الساهي) أي ولو لم يتذكر أنه ترك التشهد حتى قام إمامه منه لم يعد له. قال سم: فإن عاد عامدا عالما بطلت صلاته. اه. (قوله: ولم يحسب ما قرأه) أي من الفاتحة، فيجب عليه إعادته. قال سم: جزم بذلك في شرح الروض، واعتمده م ر. وخرج من تعمد القيام، فظاهره أنه يحسب له ما قرأه قبل إمامه. اه. (قوله: وبذلك يعلم) أي بعدم حسبان ما قرأه قبل قيام الإمام يعلم، الخ. وقوله: فيلزمه العود للاعتدال مفرع على عدم الاعتداد بما فعله. والمراد لزوم العود عليه مطلقا ولو فارق الإمام موضع القنوت. فإن قلت إن هذا يخالف قولهم: ولو لم يعلم الساهي حتى قام إمامه من التشهد لم يعد. قلت: يفرق بأن ما نحن فيه المخالفة فيه أفحش فلم يعتد بفعله مطلقا، بخلاف قيامه قبله وهو في التشهد، فلم يلزمه العود إلا حيث لم يقم الإمام. وقوله: وإن فارق الإمام أي أو بطلت صلاته، كما في سم. والمعتمد عند الرملي أنه يجب عليه العود إذا لم ينو المفارقة. ولا فرق في ذلك بين التشهد والقنوت. قال الكردي: وكلام المجموع والتحقيق والجواهر يؤيد كلام الرملي. اه. (قوله: أخذا من قولهم إلخ) مرتبط بالغاية. وقوله: لو ظن أي المسبوق. فضميره يعود على معلوم من المقام، ومثله ضمير الفعلين بعده. وقوله: أنه أي الإمام. (وقوله: لزمه) جواب لو. (قوله: ولا يسقط) أي القعود. وهو محل الأخذ. وقوله: وإن جازت أي نية المفارقة، ولكنها لا تفيده شيئا. (قوله: لأن قيامه إلخ) علة للزوم القعود عليه. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن قيامه وقع لغوا وأن القعود لازم له. وقوله: لو أتم أي المسبوق، صلاته ولم يعد للقعود حال كونه جاهلا لغا جميع ما أتى به فيعيده، ويسجد للسهو لكونه فعل ما يبطل عمده. (قوله: وفيما إذا لم يفارقه) مرتبط بقوله: فيلزمه العود للاعتدال وإن فارق الإمام. وهو تقييد له فكأنه قال: ومحل لزوم العود إليه فيما إذا لم ينو المفارقة إذا لم يتذكر أو يعلم وإمامه فيما بعد السجدة الأولى، وإلا فلا يعود بل يتابع ويأتي بركعة. وحاصل مفاد كلامه أنه إذا فارق الإمام يلزمه العود مطلقا، سواء تذكر أو علم، وإمامه في القنوت أو في السجدة

السجدة الاولى عاد للاعتدال وسجد مع الامام، أو فيما بعدها. فالذي يظهر أنه يتابعه ويأتي بركعة بعد سلام الامام. انتهى. قال القاضي: ومما لا خلاف فيه قولهم: لو رفع رأسه من السجدة الاولى قبل إمامه ظانا أنه رفع، وأتى بالثانية ظانا أن الامام فيها، ثم بان أنه في الاولى لم يحسب له جلوسه ولا سجدته الثانية ويتابع الامام. أي فإن لم يعلم بذلك إلا والامام قائم أو جالس أتى بركعة بعد سلام الامام. وخرج بقولي، وتلبس بفرض ما إذا لم يتلبس به غير مأموم، فيعود الناسي ندبا قبل الانتصاب أو وضع الجبهة، ويسجد للسهو، إن ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى أو الثانية. وإذا لم يفارقه يعود إذا كان الإمام في القنوت أو في السجدة الأولى، وإلا فلا يعود. (قوله: إن تذكر أو علم) أي ترك القنوت. وقوله: وإمامه في القنوت أي والحال أن إمامه في القنوت. فالواو للحال. (قوله: فواضح) خبر مقدم. وقوله: أنه يعود إليه مبتدأ مؤخر، والجملة جواب إن الشرطية. (قوله: أو وهو في السجدة الأولى) أي أو أن تذكر أو علم وإمامه في السجدة الأولى. (قوله: عاد للاعتدال) جواب أن المقدرة. وكان الأخصر والأولى أن يقول فكذلك، أي واضح، أنه يعود إليه. وقوله: وسجد مع الإمام أي لما تقرر من إلغاء ما فعله ناسيا أو جاهلا. (قوله: أو فيما بعدها) أي أو أن تذكر أو علم وإمامه فيما بعد السجدة الأولى من الجلوس والثانية. (قوله: فالذي يظهر أنه يتابعه الخ) قال في التحفة: ولا يمكن هنا من العود للاعتدال لفحش المخالفة حينئذ. اه. (قوله: انتهى) لو أخره عن قول القاضي المذكور بعده لكان أولى، لأن قول القاضي مذكور في شرح المنهاج. (قوله: قال القاضي: ومما لا خلاف فيه الخ) أي بناء على الحمل الآتي في عبارة سم التي سأنقلها عنه. (قوله: ظانا) حال من فاعل رفع. وقوله: أنه أي الإمام. (قوله: وأتى) أي المأموم. وقوله: بالثانية أي السجدة الثانية. وقوله: ظانا أن الإمام المقام للإضمار، فلو قال أنه لكان أولى. (قوله: ثم بأن الخ) أي ثم تبين للمأموم أن الإمام في السجدة الأولى. (قوله: لم يحسب له) أي للمأموم. وهو جواب لو. وقوله: جلوسه ولا سجدته الثانية أي فيكونان لاغيين. قال في التحفة: ويوجه إلغاء ما أتى به هنا مع أنه ليس فيه فحش مخالفة فإن فيه فحشا من جهة أخرى وهي تقدمه بركن وبعض آخر، بخلافه في مسألة الركوع وما قبلها. اه. وفي سم ما نصه: سيأتي أن الصحيح أن التقدم بركنين هو أن ينفصل عنهما والإمام فيما قبلهما. وحينئذ فمفهوم الكلام أنه إذا لم ينفصل عنهما بأن تلبس بالثاني منهما والإمام فيما قبل الأول لا تبطل صلاته عند التعمد ويعتد له بهما وإن لم يعدهما. فالموافق لذلك في مسألة القاضي المذكورة أنه إن بان الحال له بعد رفع رأسه من السجدة الثانية والإمام في الأولى، فإن عاد إلى الإمام أدرك الركعة، وإن لم يعد سهوا أو جهلا أتى بعد سلام الإمام بركعة. وإن بان له الحال قبل رفعه من السجدة الثانية، وعاد إلى الإمام أو استمر في الثانية إلى أن أدركه الإمام فيها، أو رفع رأسه منها بعد رفع الإمام من الأولى، بحيث لم يحصل سبقه بركنين فقد أدرك هذه الركعة. ويمكن حمل كلام القاضي على ذلك بأن يريد أنه بأن له ذلك بعد رفعه من الثانية ولم يعد إلى الإمام في الأولى إلى أن وصل إليه، بخلاف كلام الشارح لتصريحه بالإلغاء في التقديم بركن وبعض ركن. اه بحذف. (قوله: ويتابع الإمام) أي في الجلوس والسجدة الثانية. (قوله: أي فإن لم يعلم الخ) مقابل قوله: ثم بان أنه في الأولى. (قوله: بذلك) أي بما ذكر من رفع رأسه من السجدة الأولى قبل إمامه، وإتيانه بالسجدة الثانية وإمامه في الأولى. وقوله: إلا والإمام الخ استثناء من عموم الأحوال. أي لم يعلم به في حال من الأحوال إلا في حال كون الإمام في القيام أو في جلوس التشهد. (قوله: أتى بركعة بعد سلام الإمام) قال سم: فإن قلت: هلا جاز له المشي على نظم صلاته لأنه معذور بظنه المذكور، وقد تخلف بركنين لعدم الاعتداد بما فعله، فهو بمنزلة المتخلف نسيانا بركنين، وحكمه جواز المشي على نظم صلاته ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان. قلت: ليس هذا متخلفا بل هو متقدم بركنين، وحكمه عدم الاعتداد له بهما. اه. (قوله: وخرج بقولي وتلبس بفرض) أي في قوله أولا في المتن: ولو نسي بعضا وتلبس بفرض. وقوله: ما إذا الخ فاعل خرج. وقوله: لم يتلبس به أي بالفرض. قال ع ش: بأن لم يصر إلى القيام أقرب منه إلى الركوع في مسألة التشهد، ولم يضع الأعضاء السبعة في مسألة القنوت. وقوله: غير مأموم فاعل الفعل. والمناسب لما مر عنه أن يقول هنا في بيان الفاعل كل من الإمام والمنفرد، وخرج به

قارب القيام في صورة ترك التشهد، أو بلغ حد الركوع في صورة ترك القنوت. ولو تعمد غير مأموم تركه فعاد عالما عامدا بطلت صلاته إن قارب أو بلغ ما مر، بخلاف المأموم. (ولنقل) مطلوب (قولي غير مبطل) نقله إلى غير محله - ولو سهوا - ركنا كان كفاتحة وتشهد أو بعض أحدهما، أو غير ركن كسورة إلى غير القيام وقنوت إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ المأموم فيجب عليه العود ولو تلبس بفرض كما مر. (قوله: فيعود الخ) بيان لحكم ما إذا لم يتلبس به. وقوله: الناسي أي للتشهد أو للقنوت. وقوله: ندبا محله إذا لم يشوش الإمام بعوده على المأمومين، وإلا فالأولى له عدم العود، كما قيل به في سجود التلاوة. أفاده ح ل. (قوله: قبل الانتصاب) متعلق بيعود. ولا حاجة إليه، إذ قوله فيعود مرتبط بما إذا لم يتلبس بفرض. وقوله: أو وضع الجبهة أي وقبل وضع الجبهة. أي ووضع بقية الأعضاء السبعة. وعبارة التحفة والنهاية مع الأصل: أو ذكره قبله. أي قبل تمام سجوده، بأن لم يكمل وضع الأعضاء السبعة بشروطها. ومثله في المغنى، ونص عبارته مع الأصل: أو قبله بأن لم يضع جميع أعضاء السجود حتى لو وضع الجبهة فقط، أو مع بعض أعضائه، عاد - أي جاز له العود - لعدم التلبس بالفرض. وإن كان ظاهر كلام ابن المقري أنه لو وضع الجبهة فقط أنه لا يعود. اه. (قوله: ويسجد للسهو إن قارب القيام) أي لأنه فعل فعلا يبطل عمده وهو النهوض مع العود فالسجود لهما لا للنهوض وحده لأنه غير مبطل. (قوله: أو بلغ حد الركوع إلخ) أي ويسجد للسهو إن بلغ حد الركوع، أي أقله. وذلك لأنه زاد ركوعا سهوا وتعمد الوصول إليه، ثم العود مبطل بخلاف ما إذا لم يبلغه فلا يسجد. (قوله: ولو تعمد الخ) مفهوم قوله في المتن: ولو نسي. وكان المناسب أن يقول: وخرج بقولي نسي إلخ. ويكون على اللف والنشر المشوش. (قوله: إن قارب أو بلغ) أي غير المأموم من إمام أو منفرد. أما إذا لم يقارب أو لم يبلغ ما ذكر فلا تبطل صلاته. (قوله: ما مر) تنازعه كل من قارب وبلغ، وهو القيام في صورة التشهد، أو الركوع في صورة القنوت. وقوله: بخلاف المأموم أي فلا يبطل عوده بل يسن كما مر. واعلم أن حاصل ما أفاده كلامه مما يتعلق بالتشهد والقنوت من الأحكام عند تركهما: أن التارك لهما إما أن يكون مستقلا أو لا. فإن كان الأول - وأعني به الإمام والمنفرد - فإما أن يكون الترك نسيانا أو عمدا، فإن كان نسيانا وتلبس بفرض فلا يجوز له العود بعده، فإن عاد عامدا عالما بطلت صلاته، وإن كان ناسيا أو جاهلا فلا تبطل ولكن يسجد للسهو. وإن كان الترك عمدا فلا يجوز له العود أيضا، سواء تلبس بفرض أو لا، ولكن قارب حد القيام أو بلغ حد الركوع، فإن عاد عالما عامدا بطلت صلاته، وإلا فلا. وإن كان الثاني - وأعني به المأموم - فلا يخلو أيضا تركه إما أن يكون نسيانا أو عمدا. فإن كان الأول فيجب عليه العود، فإن لم يعد بطلت صلاته. ومحل وجوب العود إذا تذكر أو علم وإمامه في التشهد في مسألة التشهد، فإن لم يتذكر أو يعلم إلا والإمام قائم لا يعود، ولكن يجب عليه إعادة ما قرأه. وفي مسألة القنوت يجب عليه العود إن تذكر أو علم وإمامه في القنوت أو في السجدة الأولى، فإن تذكر أو علم وإمامه بعدها وجب عليه متابعته ويأتي بركعة بعد السلام. وإن كان عمدا لا يجب عليه العود بل يسن له كما إذا ركع قبل إمامه. (قوله: ولنقل الخ) معطوف على لترك بعض، أي وتسن سجدتان لنقل مطلوب قولي، عمدا كان ذلك النقل أو سهوا، لتركه التحفظ المأمور به. ويكون هذا مستثنى من قولهم: ما لا يبطل عمده لا يسجد لسهوه. (قوله: نقله) فاعل بمبطل. (وقوله: إلى غير محله) إما متعلق به أو بنقل في المتن. (قوله: ولو سهوا) غاية لسنية السجود لنقل ما ذكر. أي يسن السجود لذلك مطلقا، عمدا كان ذلك النقل أو سهوا. (قوله: ركنا كان الخ) تعميم في المطلوب القولي. والحاصل أن المطلوب القولي المنقول عن محله إما أن يكون ركنا أو بعضا أو هيئة. فالركن يسجد لنقله مطلقا، ومثله البعض إن كان تشهدا، فإن كان قنوتا فإن نقله بنيته سجد أو بقصد الذكر فلا. والهيئة إن كانت تسبيحا لا يسجد لنقلها

ما قبل الركوع أو بعده في الوتر في غير نصف رمضان الثاني، فيسجد له. أما نقل الفعلي فيبطل تعمده. وخرج بقولي غير مبطل ما يبطل، كالسلام وتكبير التحرم بأن كبر بقصده. (ولسهو ما يبطل عمده لا هو) أي السهو. كتطويل ركن قصير، وقليل كلام، وأكل، وزيادة ركن فعلي، لانه (ص) صلى الظهر خمسا وسجد للسهو. ـــــــــــــــــــــــــــــ عند م ر والخطيب، ويسجد لها عند ابن حجر وشيخ الإسلام. وإن كانت الهيئة السورة سجد لنقلها عند الجميع. (قوله: كفاتحة وتشهد) تمثيل للركن أي كنقلهما إلى غير محلهما، وهو غير القيام في الأول وغير الجلوس في الثاني. (قوله: أو بعض أحدهما) أفاد به أنه لا فرق في الركن المنقول إلى غير محله بين كله أو بعضه. (قوله: أو غير ركن) معطوف على قوله ركنا. وقوله: كسورة تمثيل لغير الركن. وقوله: إلى غير القيام متعلق بمحذوف، أي منقولة إلى غير القيام من ركوع أو اعتدال أو سجود فإن نقل السورة إلى ما قبل الفاتحة لم يسجد لأن القيام محلها في الجملة. وقياسه أنه لو صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل التشهد لم يسجد لأن القعود محلها في الجملة. قال الأسنوي: وقياسه السجود للتسبيح في القيام. والمعتمد عند الشهاب الرملي عدم السجود. اه. قال سم: وقد يوجه بأن جميع الصلاة قابلة للتسبيح غير منهي عنه في شئ منها، بخلاف القراءة ونحوها فإنه منهي عنها في غير محلها. اه. (قوله: وقنوت) أي كلا أو بعضا، ولو كلمة منه. وقد علمت أنه لا بد من نيته. (وقوله: إلى ما قبل الركوع) متعلق بمحذوف كالذي قبله. (قوله: أو بعده الخ) أي أو قنوت منقول إلى ما بعد الركوع في الوتر، غير نصف رمضان الأخير، بناء على الصحيح أنه مختص بوتر نصف رمضان الأخير. فإذا قنت في غيره سجد لسهوه ولعمده ولا تبطل به الصلاة، لكن إذا لم يطل به الاعتدال. وإلا بطلت عند م ر. وتقدم عن ابن حجر عدم البطلان. ومثل الوتر في غير نصف رمضان بقية الصلوات كالظهر فيسجد له، كما في سم. (قوله: أما نقل الفعلي إلخ) المناسب لما بعده أن يقول: وخرج بقولي قولي الفعلي، وبقولي غير مبطل ما يبطل الخ. وعبارة شرح المنهج: وخرج بما ذكر نقل الفعلي والسلام وتكبيرة الإحرام، فمبطل. وفارق نقل الفعلي نقل القولي غير ما ذكر، بأنه لا يغير هيئة الصلاة بخلاف نقل الفعلي. اه. (قوله: ما يبطل) فاعل خرج. (قوله: كالسلام وتكبير التحرم) تمثيل للمبطل. أي فنقلهما إلى غير محلهما مبطل. وفي سم: لو أتى به - أي بالسلام - سهوا سجد للسهو كما هو ظاهر مأخوذ مما يأتي فيما لو سلم الإمام فسلم معه المسبوق سهوا. ومثله ما لو أتى بتكبيرة الإحرام بنيته إذ عمدها مبطل، فيسجد لسهوها على القاعدة. اه. (قوله: بأن كبر بقصده) أي التحرم، وهو قيد في التكبير. وأما السلام فيبطل وإن لم يقصده، لما فيه من الخطاب. فلو قصد بالتكبير الذكر لم تبطل. (قوله: ولسهو ما يبطل عمده) معطوف على لترك أيضا. أي وتسن سجدتان لسهو ما يبطل عمده، أي للإتيان بما يبطل عمده سهوا. ويستثنى منه ما لو حول المتنفل دابته عن القبلة سهوا وردها فورا فلا يسجد عند حجر، مع أن عمده مبطل لكن خفف عنه لمشقة السفر مع عدم تقصيره. وما لو سها فسجد للسهو ثم سها قبل سلامه فإنه لا يسجد للسهو إذ سجود السهو يجبر ما قبله وما بعده وما فيه، كما مر، لا نفسه. كأن ظن سهوا فسجد فبان أن لا سهو فيسجد ثانيا لسهوه بالسجود. وقوله: لا هو عبارة غيره: دون سهوه. وهي أولى. (قوله: كتطويل ركن قصير) تمثيل لما يبطل عمده. وضابط التطويل أن يزيد على قدر ذكر الاعتدال المشروع فيه في تلك الصلاة بالنسبة للوسط المعتدل لا لحال المصلي فيما يظهر قدر الفاتحة ذاكرا كان أو ساكتا، وعلى قدر ذكر الجلوس بين السجدتين المشروع فيه، كذلك قدر التشهد الواجب. اه تحفة. (قوله: وقليل كلام) أي كالكلمتين والثلاث. وفي الصوم من التحفة أنهم ضبطوا القليل بثلاث أو أربع. وتضبط الكلمة بالعرف لا بما ضبطها به النحاة واللغويون. اه كردي. (قوله: وأكل) أي وقليل أكل. وهو بضم الهمزة لأن المراد المأكول، ولا يصح فتحها على إرادة الفعل، أي المضغ. لأن القليل منه وهو ما دون الثلاث لا يبطل الصلاة وإن تعمده. والمراد هنا ما يبطل عمده دون سهوه. (قوله: وزيادة ركن فعلي) معطوف على تطويل، أي وكزيادة ركن فعلي كسجود أو ركوع، فيسجد لسهوه لأن تعمده مبطل. (قوله: لانه - صلى الله عليه وسلم - إلخ) دليل لسنية السجود لسهوه بزيادة ركن فعلي. وهو متفق عليه. وفي الكردي ما نصه: هذا دليل على أن زيادة الركعة سهوا لا تبطل الصلاة وإن أبطل عمدها، وأنه يسجد لسهوها. فقيس عليها زيادة كل ما يبطل عمده دون

وقيس به غيره، وخرج بما يبطل عمده ما يبطل سهوه أيضا، ككلام كثير. وما لا يبطل سهوه ولا عمده، كالفعل القليل والالتفات، فلا يسجد لسهوه ولا لعمده. (ولشك فيما صلاه واحتمل زيادة) لانه إن كان زائدا فالسجود للزيادة وإلا فلتردد الموجب لضعف النية. فلو شك أصلى ثلاثا أم أربعا مثلا أتى بركعة لان الاصل عدم فعلها، ويسجد للسهو، وإن زال شكه قبل سلامه بأن تذكر قبله أنها رابعة، للتردد في زيادتها. ولا يرجع في فعلها إلى ظنه ولا إلى قول غيره أو فعله، وإن كانوا جمعا كثيرا ما لم يبلغوا عدد التواتر. وأما لا يحتمل زيادة، كأن شك ـــــــــــــــــــــــــــــ سهوه. اه. (قوله: وقيس به) أي بما في الحديث. وقوله: غيره أي من كل ما يبطل عمده لا سهوه. (قوله: وخرج بما يبطل عمده الخ) المناسب أن يكون الإخراج للصورة الأولى بقوله: لا هو. أي السهو. وللصورة الثانية بقوله: ما يبطل عمده. فلو قال: وخرج بما يبطل عمده لا هو، ويكون الإخراج على التوزيع لكان أولى. وعبارة شرح المنهج: وخرج بما يبطل عمده ما لا يبطل عمده، كالتفات وخطوتين، فلا يسجد لسهوه ولا لعمده لعدم ورود السجود له. وخرج بلفظ ما يبطل عمده وسهوه ككلام كثير الخ. اه. وهي ظاهرة. وقوله: أيضا أي كما يبطل عمده. وقوله: ككلام كثير أي أو أكل كثير أو فعل كثير، فلا سجود في ذلك لأنه ليس في صلاة. (قوله: وما لا يبطل الخ) أي وخرج ما لا يبطل سهوه ولا عمده. وقوله: كالفعل القليل أي كخطوتين. وقوله: والالتفات أي بالوجه كما هو ظاهر. (قوله: فلا يسجد لسهوه ولا لعمده) أي لعدم ورود السجود له، ولأن عمده في محل العفو فسهوه أولى. اه مغنى. (قوله: ولشك فيما صلاه الخ) معطوف على لترك بعض أيضا. أي وتسن سجدتان لشك فيما صلاه إلخ. والواو في هذا وفيما قبله من المعطوفات بمعنى أو كما هو ظاهر. وإنما سن السجود لذلك لخبر مسلم: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أصلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم. فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى تماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان. ومعنى شفعن له صلاته: ردتها السجدتان مع الجلوس بينهما لأربع لجبرهما خلل الزيادة كالنقص، لا أنهما صيراها ستا. وقد أشار في الخبر إلى أن سبب السجود هنا التردد في الزيادة لأنها إن كانت واقعة فظاهر، وإلا فوجود التردد يضعف النية ويحوج للجبر، ولهذا يسجد، وإن زال تردده قبل سلامه. أفاده في النهاية. (قوله: واحتمل زيادة) أي بالنسبة للركعة التي يريد أن يأتي بها، كما ستعرفه. (قوله: لأنه) أي ما صلاه مع الشك. وقوله: إن كان زائدا أي باعتبار الواقع. وقوله: وإلا فللتردد الخ أي وإن لم يكن زائدا فالسجود يكون لتردده الموجب لضعف النية، وذلك لأنه حال التردد لا يكون جازما بأنه من الصلاة وهذا خلل فيسجد لجبره. (قوله: فلو شك أصلى إلخ) أي شك أهذا الذي صليته ثلاثا وهي - أي الركعة - التي يأتي بها رابعة، أو أربعة وهي خامسة؟ اه ح ل. وأشار بهذا إلى أن قوله: واحتمل زيادة، أي بالنسبة للركعة التي يأتي بها، وإلا فقبل الإتيان بها لا يحتمل ما صلاه للزيادة، لأن كلا من الثالثة والرابعة لا بد منه. اه بجيرمي. (قوله: وإن زال شكه قبل سلامه) هو غاية لسنية السجود. وقوله: بأن تذكر الخ تصوير لزوال الشك. أي بأن تيقن أن الركعة التي أتى بها رابعة. (قوله: للتردد في زيادتها) أي يسجد للسهو وإن زال ما ذكر للتردد في زيادتها، أي حال القيام لها، فقد أتى بزائد على تقدير دون تقدير. (قوله: ولا يرجع) أي الشاك. وقوله: في فعلها أي الركعة التي شك فيها. وقوله: إلى ظنه متعلق بيرجع. (قوله: ولا إلى قول غيره) أي ولا يرجع إلى قول غيره. (وقوله: أو فعله) أي الغير. (قوله: وإن كانوا) أي غيره. والأولى وإن كان بإفراد الضمير، وهو غاية لعدم الرجوع. ولا يرد على هذا مراجعة النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة وعوده للصلاة في خبر ذي اليدين لأنه ليس من باب الرجوع إلى قول غيره، وإنما هو محمول على تذكره بعد مراجعته، أو أنهم بلغوا عدد التواتر. (قوله: ما لم يبلغوا عدد التواتر) أي فإن بلغوا عدده بحيث يحصل العلم الضروري بأنه فعلها رجع لقولهم لحصول اليقين له، لأن العمل بخلاف هذا العلم تلاعب. كما ذكر ذلك الزركشي، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى. ويلحق بما ذكر ما لو صلى في جماعة وصلوا إلى هذا الحد فيكتفي بفعلهم فيما يظهر. لكن أفتى الوالد رحمه الله بخلافه، ووجهه أن الفعل لا يدل بوضعه. اه نهاية. وجزم ابن حجر في التحفة بالاكتفاء بفعلهم، ومثله الخطيب في الإقناع والمغنى. (قوله: وأما ما لا يحتمل زيادة) محترز قوله: واحتمل

في ركعة من رباعية أهي ثالثة أم رابعة؟ فتذكر قبل القيام للرابعة أنها ثالثة فلا يسجد، لان ما فعله منها مع التردد لا بد منه بكل تقدير، فإن تذكر بعد القيام لها سجد لتردده حال القيام إليها في زيادتها. (و) سن للمأموم سجدتان (لسهو إمام) متطهر وإمامه، ولو كان سهوه قبل قدوته، (وإن فارقه) أو بطلت صلاة الامام بعد وقوع السهو منه، (أو ترك) الامام السجود جبرا للخلل الحاصل في صلاته، فيسجد بعد سلام الامام وعند سجوده يلزم المسبوق والموافق متابعته، وإن لم يعرف أنه سها، وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد ويعيده المسبوق ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة. (قوله: فتذكر قبل القيام إلخ) يؤخذ منه تقييد الشاك المار بما إذا استمر إلى أن قام للرابعة. والحاصل أنه إذا كان التذكر في الركعة التي شك فيها قبل أن ينتقل إلى غيرها لا سجود. وأما إذا تذكر بعد القيام لركعة أخرى غير التي شك فيها فإنه يسجد. (قوله: لأن ما فعله الخ) علة لعدم السجود. وقوله: منها أي من الرباعية. وقوله: مع التردد أي مع الشك. (قوله: لا بد منه بكل تقدير) أي سواء قدر أنها ثالثة أو قدر أنها رابعة، فلا تردد هنا في الزيادة حتى يسجد له. (قوله: فإن تذكر بعد القيام لها) أي للرابعة. وهو مقابل قوله: قبل القيام. وهذا يغني عنه قوله السابق: وإن زال شكه قبل سلامه بأن تذكر إلخ. (قوله: لتردده إلخ) علة للسجود. (قوله: في زيادتها) متعلق بالتردد. أي للتردد في زيادتها حال القيام، فقد أتى وقته بزائد على تقدير دون تقدير، وهو الذي أضعف النية وأحوج إلى الجبر. (قوله: سن للمأموم سجدتان الخ) لما أنهى الكلام على سنية السجود لجبر الخلل الحاصل في صلاة نفسه شرع يتكلم على سنيته لجبر الخلل الحاصل في صلاة إمامه لتطرقه منه إليه. (قوله: لسهو إمام) أي أو عمده. وقوله: متطهر خرج المحدث بأن اقتدى به ولم يعلم أنه محدث، وسها في صلاته فلا يسجد لسهوه إذ لا قدوة في الحقيقة. قال في المغنى: فإن قيل: الصلاة خلف المحدث صلاة جماعة على المنصوص المشهور حتى لا يجب عند ظهوره في الجمعة إعادتها إذا تم العدد بغيره. أجيب: بأن كونها جماعة لا يقتضي لحوق السهو، لأن لحوقه تابع لمطلوبيته من الإمام، وهي منتفية لأن صلاة المحدث لبطلانها لا يطلب منه جبرها، فكذا صلاة المؤتم به. اه. (قوله: وإمامه) أي إمام الإمام، فهو بالجر معطوف على إمام وضميره يعود عليه. وصورة ذلك أن يكون قد اقتدى مسبوق بمن سها، فلما قام المسبوق ليتم صلاته اقتدى به آخر، وهكذا فالخلل يتطرق من الإمام الأول إلى من اقتدى به، وإلى من اقتدى بمن اقتدى به، وهكذا. (قوله: ولو كان سهوه قبل قدوته) غاية لسنية السجود للمأموم، أي يسن له السجود ولو كان سهو الإمام وجد قبل اقتدائه به. (قوله: وإن فارقه) غاية ثانية لها. أي يسجد المأموم وإن نوى مفارقة الإمام. (قوله: أو بطلت صلاة الإمام) أي كأن أحدث قبل إتمامه وبعد وقوع السهو منه. (قوله: بعد وقوع السهو منه) ظرف متعلق بكل من فارق وبطلت. (قوله: أو ترك الإمام السجود) غاية ثالثة. أي يسجد المأموم وإن ترك إمامه السجود. (قوله: جبرا للخلل إلخ) علة لسنية السجود للمأموم مطلقا. قوله: الحاصل أي من الإمام. وقوله: في صلاته أي الإمام، أي ويتطرق للمأموم، ويحتمل عوده على المأموم. أي الحاصل في صلاة المأموم بطريق السراية له من الإمام. وقضية التعليل المذكور أنه لو اقتدى به بعد سجوده للسهو لم يسجد المسبوق آخر صلاته إذ لم يبق خلل في صلاة الإمام يتطرق لصلاة المأموم. فانظره. ثم رأيت في ع ش ما نصه: قوله: ويلحقه سهو إمامه. ظاهره ولو اقتدى به بعد فعل الإمام للسجود، ويحتمل خلافه، وهو الأقرب لأنه لم يبق في صلاة الإمام خلل حين اقتدى به. لكن في فتاوى الشارح أنه سئل عما لو سجد للسهو فاقتدى به شخص قبل شروعه في السلام من الصلاة، هل يسجد آخر صلاة نفسه للخلل المتطرق له من صلاة الإمام أم لا؟ فأجاب أنه يندب له السجود آخر صلاته لتطرق الخلل من صلاة إمامه. اه. ويتأمل قوله: لتطرق الخلل، فإن الخلل انجبقبل اقتدائه. اه. (قوله: فيسجد بعد سلام الإمام) أي فيما لو ترك الإمام السجود فهو مرتبط بالغاية الأخيرة. (قوله: وعند سجوده) أي الإمام المتطهر. وظاهره أنه يسجد عند سجوده مطلقا سواء فرغ من تشهده أم لا. وسيصرح بهذا قريبا، وسننقل ما يؤيده وما يخالفه هناك. وقوله: يلزم المسبوق الخ أي لخبر: إنما جعل الإمام ليؤتم به. (قوله: وإن لم يعرف أنه سها) أي يوافقه وإن لم يعرف سهوه، حملا على أنه سها. (قوله: وإلا بطلت صلاته) أي وإن لم يتابعه بطلت صلاته. أي بمجرد

- ندبا - آخر صلاة نفسه، (لا لسهوه) أي سهو المأموم (حال القدوة خلف إمام) فيتحمله عند الامام المتطهر، لا المحدث ولا ذو خبث خفي، بخلاف سهوه بعد سلام الامام فلا يتحمله لانقضاء القدوة. ولو ظن المأموم سلام الامام فسلم فبان خلاف ظنه سلم معه ولا سجود، لانه سهو في حال القدوة. ـــــــــــــــــــــــــــــ سجود الإمام إذا قصد عدم السجود، وإلا فتبطل بتخلفه بركنين، كأن هوى الإمام للسجدة الثانية فإن تخلف لعذر كزحمة لم تبطل، فإن زال عذره والإمام في السجدة الثانية سجد فورا حتما، أو بعدها فإن كان موافقا سجد لأنه يستقر عليه بسجود الإمام، أو مسبوقا فات هذا السجود عليه لأنه لمحض المتابعة وقد فاتت. (قوله: ويعيده) أي السجود. (قوله: لا لسهوه) معطوف على قوله لسهو إمام. أي لا يسن السجود للمأموم للسهو الحاصل من نفسه حال الاقتداء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: الإمام ضامن. رواه أبودواد وصححه ابن حبان. قال الماوردي: يريد بالضمان والله أعلم أنه يتحمل سهو المأموم، ولأن معاوية شمت العاطس خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسجد ولا أمره - صلى الله عليه وسلم - بالسجود. (قوله: أي سهو المأموم الخ) أفاد بهذا التفسير أن مرجع الضمير في سهوه معلوم من المقام، وهو المأموم. لا ما يتوهم من المتن من عوده على الإمام لعدم صحته. (قوله: حال القدوة) أي الحسية، كأن سها عن التشهد الأول. أو الحكمية، كأن سهت الفرقة الثانية في ثانيتها من صلاة ذات الرقاع. اه. مغني، وقوله في ثانيتها: أي بأن فرقهم فرقتين وصلى بفرقة ركعة من الثنائية ثم تتم لنفسها، ثم تجئ الأخرى فيصلي بها الركعة الباقية وينتظرها في التشهد لتسلم معه، فهي مقتدية به حكما في الركعة الثانية. (قوله: خلف إمام) ظرف متعلق بسهو، وهو يغني عن قول الشارح حال القدوة، فلو حذفه أو أخره عنه وجعله تفسيرا له لكان أولى. (قوله: فيتحمله الخ) مفرع على مفهوم قوله لا لسهوه. أي يتحمل سهوه عنه الإمام. قال ع ش: فيصير المأموم كأنه فعله حتى لا ينقص شئ من ثوابه. اه. وقد نظم بعضهم الأشياء التي يتحملها عنه الإمام فقال: تحمل الإمام عن مأموم في تسعة تأتيك في المنظوم قيامه فاتحة مع جهر كذاك سورة لذات الجهر تشهد أول مع قعود فاتهما الإمام مع سجود إذا سها المأموم حال الاقتدا أو كان في ثانية قد اقتدى تحمل الإمام عنه أو لا تشهدا كذا قنوتا حملا وقوله: مع سجود: أي للتلاوة. كأن قرأ المأموم آية سجدة فلا يسجد لها بل يتحملها عنه الإمام. (قوله: المتطهر) أي عن الحدثين وعن الخبث. (قوله: لا المحدث الخ) تصريح بمفهوم المتطهر، أي لا يتحمل الإمام المحدث وذو خبث خفي لأنه لا قدوة في الحقيقة، وإنما أثيب على الجماعة خلفهما لوجود صورتها، إذ يغتفر في الفضائل ما لا يغتفر في غيرها كالتحمل المستدعي لقوة الرابطة. وقد مر عن المغني نحوه فلا تغفل. والخبث الخفى هو النجاسة الحكمية، والظاهر هو العينية، ولا فرق في ذلك بين الأعمى والبصير. (قوله: بخلاف سهوه بعد سلام الإمام) محترز قوله خلف إمام، أو قوله حال القدوة. ومثل السهو بعد القدوة سهوه قبل القدوة، كما اعتمده في التحفة والنهاية والمغنى. وإنما لحقه سهو إمامه ولو قبل القدوة به لأنه عهد تعدي الخلل من صلاة الإمام إلى المأموم، كأن كان الإمام أميا فيتطرق بطلان صلاته إلى صلاة المأموم، دون عكسه. (قوله: فلا يتحمله) أي لا يتحمل سهوه الإمام فيسجد آخر صلاة نفسه. وقوله: لانقضاء القدوة أي انتهائها، وهو علة لعدم التحمل. (قوله: ولو ظن الخ) الأولى التفريع بالفاء لاقتضاء المقام له. (قوله: فسلم) أي المأموم قبل إمامه، بناء على الظن المذكور. (قوله: فبان خلاف ظنه) أي ظهر للمأموم خلاف ظنه، وهو أن الإمام لم يسلم. (قوله: سلم) جواب لو. وقوله: معه أي أو بعده، وهو أولى. والسلام المذكور واجب لعدم الاعتداد بالسلام الأول لتقدمه على سلام الإمام. (قوله: ولا سجود) أي لسلامه الأول وإن أبطل عمده. كما لو نسي نحو الركوع، فإنه يأتي بعد سلام الإمام بركعة، ولا يسجد سواء تذكر قبل سلامه أم بعده. (قوله:

(فرع) لو تذكر المأموم في تشهده ترك ركن غير نية وتكبيرة، أو شك فيه، أتى بعد سلام إمامه بركعة ولا يسجد في التذكر لوقوع سهوه حال القدوة. بخلا ف الشك لفعله بعدها زائدا بتقدير. ومن ثم لو شك في إدراك ركوع الامام، أو في أنه أدرك الصلاة معه كاملة أو ناقصة ركعة، أتى بركعة وسجد فيها لوجود شكه المقتضي للسجود بعد القدوة أيضا. ويفوت سجود السهو إن سلم عمدا، وإن قرب الفصل، أو سهوا وطال عرفا. وإذا سجد صار عائدا إلى الصلاة فيجب أن يعيد السلام، وإذا عاد الامام لزم المأموم الساهي العود، وإلا بطلت ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه) أي سلامه المذكور. (وقوله: سهو في حال القدوة) أي فيتحمله عنه الإمام. (قوله: لو تذكر المأموم) خرج به غيره من إمام أو منفرد. وتقدم حكمه في مبحث الترتيب، ولا بأس بإعادته هنا. وحاصله أنه إن تذكر ترك ركن قبل أن يأتي به أتى به فورا وجوبا، وإن تذكره بعد الإتيان بمثله أجزأه ذلك المثل عن متروكه ولغا ما بينهما. (قوله: في تشهده) أي في جلوس تشهد، أو هو ليس بقيد بل مثله ما إذا تذكره قبله أو بعده. (قوله: ترك ركن) أي كركوع وسجدة، لكن من غير الركعة الأخيرة. أما إذا تذكر ترك سجدة منها فيأتي بها ويعيد تشهده. (قوله: غير نية وتكبيرة) أما هما فتذكره ترك أحدهما، أو شكه فيه أو في شرط من شروطه إذا طال الشك، أو مضى معه ركن يبطل الصلاة. (قوله: أو شك فيه) أي في ترك ركن غير ما ذكر. (قوله: أتى بعد سلام إمامه بركعة) أي ولا يجوز له العود لتداركه، لما فيه من ترك المتابعة الواجبة. (قوله: ولا يسجد في التذكر) أي ولا يسجد للسهو في صورة التذكر. وقوله: لوقوع سهوه حال القدوة أي وإذا كان كذلك يتحمله عنه الإمام فلا يسجد. (قوله: بخلاف الشك إلخ) أي بخلافه في صورة الشك، فإنه يسجد بعد الإتيان بركعة. قال الرشيدي في حاشية النهاية: والحاصل أنه إذا ذكر في صلب الصلاة ترك ركن غير ما مر تداركه بعد سلام الإمام، ولا سجود عليه لوقوع سببه الذي هو السهو وزواله حال القدوة بالتذكر، فيتحمله الإمام. بخلاف ما لو شك في ذلك واستمر شكه إلى انقطاع القدوة فإنه يسجد بعد التدارك لهذا الشك المستمر معه بعد القدوة لعدم تحمل الإمام له، لأنه إنما يتحمل الواقع حال القدوة. وإيضاحه أن أول الشك الواقع حال القدوة تحمله الإمام، والسجود إنما هو لهذه الحصة الواقعة منه بعد القدوة، وإن كان ابتداؤها وقع حال القدوة. اه. وقوله: لفعله إلخ علة للسجود. أي أنه يسجد لأنه فعل أمرا زائدا بتقدير بعد انقضاء القدوة. والإمام إنما يتحمل ما وقع حال القدوة. وقوله: بعدها أي القدوة. وقوله: زائدا مفعول المصدر المضاف لفاعله. وذلك الزائد هو الركعة التي يأتي بها. وقوله: بتقدير أي احتمال. أي أن الزيادة محتملة، لأن ترك الركن المقتضي للإتيان بالركعة مشكوك فيه. (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن سبب سجوده في صورة الشك المذكور كونه فعل بعد القدوة زائدا بتقدير، يسجد بعد إتيانه بركعة فيما لو شك في أنه هل أدرك ركوع الإمام أو لا. أو في أنه هل أدرك الصلاة مع الإمام كاملة أو ناقصة ركعة. وذلك لفعله بعد القدوة أمرا زائدا بتقدير. (قوله: أتى بركعة) أي وجوبا. وقوله: وسجد فيها أي ندبا. (قوله: لوجود شكه إلخ) علة للسجود. وقوله: المقتضي للسجود الأولى تأخيره عن الظرف لأن المقتضي للسجود كونه بعد القدوة، لا مطلقا. وقوله: بعد القدوة متعلق بوجود. وقوله: أيضا أي كوجود الشك حال القدوة. ويحتمل أن المراد كوجوده بعدها في الصورة المتقدمة على قوله: ومن ثم. (قوله: ويفوت سجود السهو إن سلم عمدا) أي ذاكرا لمقتضى السجود، عالما بأن محله قبل السلام، لفوات محله. وقوله: وإن قرب الفصل أي لعدم عذره. (قوله: أو سهوا) أي أو سلم سهوا، أي ناسيا لمقتضى سجود السهو. ومثله كما في النهاية ما لو سلم جاهلا بأنه عليه ثم علم. وقوله: وطال عرفا أي وطال الفصل بين سلامه وتذكره، وهو قيد لفواته في صورة السهو، وإنما فاته حينئذ لتعذر البناء بالطول، كما لو مشى على نجاسة، أو أتى بفعل أو كلام كثير. (قوله: وإذا سجد الخ) مرتبط بمحذوف هو مفهوم قوله: وطال عرفا، تقديره: وإذا سلم سهوا وقصر الفصل بين السلام، وتذكر الترك، ولم يعرض عنه بعد التذكر، يندب له العود للسجود. وإذا عاد وسجد - أي مكن جبهته في الأرض - صار عائدا إلى الصلاة. أي بأن أنه لم يخرج منها. لاستحالة حقيقة: الخروج منها ثم العود إليها، فيحتاج لسلام ثان، وتبطل بطرو مناف حينئذ، كحدث بعد العود، وتصير الجمعة ظهرا إن خرج وقتها بعد العود. (قوله: وإذا عاد

صلاته إن تعمد وعلم. ولو قام المسبوق ليتم فيلزمه العود لمتابعة إمامه إذا عاد. (تنبيه) لو سجد الامام بعد فراغ المأموم الموافق من أقل التشهد وافقه وجوبا في السجود، أو قبل أقله تابعه وجوبا، ثم يتم تشهده. (ولو شك بعد سلام في) إخلال شرط أو ترك (فرض غير نية و) تكبير (تحرم لم يؤثر) وإلا لعسر وشق، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإمام) أي بعد أن سلم ناسيا أن عليه مقتضى سجود السهو. وقوله: لزم المأموم الساهي العود أي لزم المأموم الذي سلم معه ناسيا أن يعود مع الإمام. قال في شرح الروض: لموافقته له في السلام ناسيا. اه. ومحل لزوم العود حيث لم يوجد منه ما ينافي السجود، كحدث أو نية إقامة، وهو قاصر. وخرج بالساهي العامد، فإنه إذا عاد الإمام لم يوافقه لقطعه القدوة بسلامه عمدا. (قوله: وإلا بطلت صلاته) أي وإن لم يعد مع الإمام بطلت صلاته للزوم المتابعة لإمامه في ذلك. وقوله: إن تعمد وعلم قيد في البطلان. أي ومحل البطلان إن كان متعمدا عدم العود عالما بوجوبه عليه، وإلا فلا بطلان. ومحل البطلان أيضا ما لم يعلم خطأ إمامه في العود، وما لم ينو مفارقته قبل تخلف مبطل. وإلا فلا بطلان. (قوله: ولو قام المسبوق) أي بعد أن سلم إمامه نسيانا. وقوله: ليتم أي صلاته. وقوله: فيلزمه العود أي يلزم المسبوق أن يعود إلى الجلوس ليسجد مع إمامه. وقوله: لمتابعة إمامه أي لأجلها. وقوله: إذا عاد أي الإمام. (قوله: بعد فراغ المأموم الموافق) خرج به المسبوق، فيتابع إمامه مطلقا فرغ أو لم يفرغ، لأن تشهده هذا غير محسوب له ولا يحب عليه إتمامه، بدليل أنه لو سلم إمامه قبل أن يتمه له أن يقوم قبله ويأتي بما عليه. (قوله: من أقل التشهد) أي مع الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: وافقه وجوبا في السجود) فإن تخلف يأتي فيه ما مر. (قوله: أو قبل أقله) أي أو سجد الإمام قبل أن يفرع من أقل تشهده. وقوله: تابعه إلخ في الكردي ما نصه: قوله: يلزم المأموم متابعته. استثنى الشارح في الإيعاب من ذلك مسألة، وهي لو سجد الإمام قبل فراغ المأموم الموافق من أقل التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تلزمه متابعته. قال: بل لا يجوز. كما لا يخفى. اه. وخالفه في التحفة فقال: تابعه وجوبا، ثم يتم تشهده. وعليه فهل يعيد السجود؟ رأيان: قضية الخادم: نعم. والذي يتجه أنه لا يعيد. اه. ملخصا. وفي نهاية الجمال الرملي - بعد كلام التحفة الذي أفتى به الوالد -: أنه يجب عليه إتمام كلمات التشهد الواجبة ثم يسجد. اه. وفي البجيرمي، ومحل سجوده معه إن كان المأموم فرغ من التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - الواجبة، وإلا لم تجز له متابعته، ويتعين عليه السجود في هذه بعد فراغ تشهده، ولو بعد سلام الإمام. كما اعتمده شيخنا م ر. فإن سلم من غير سجود بطلت صلاته. ق ل. اه. (وقوله: ثم يتم تشهده) أي كما لو سجد إمامه للتلاوة وهو في الفاتحة فإنه يسجد معه ثم يتم فاتحته. ولا فرق بين هذه الصورة والتي قبلها لا في هذا. فلو جمع بين الصورتين ثم استثنى هذا من الصورة الثانية، كأن قال بعد قوله: من أقل التشهد أو قبله، وافقه وجوبا، لكن يتم تشهده في الثاني. لكان أخصر. (قوله: ولو شك) المراد بالشك هنا وفي معظم أبواب الفقه: مطلق التردد الشامل للوهم والظن، ولو مع الغلبة. وليس المراد خصوص الشك المصطلح عليه، وهو التردد بين أمرين على السواء. وقوله: بعد سلام أي لم يحصل بعده عود للصلاة. فإن شك بعد سلام حصل بعده عود للصلاة، كأن سلم ناسيا لسجود السهو ثم عاد عن قرب. وشك في ترك ركن لزمه تداركه، لأنه بان بعوده أن الشك في صلب الصلاة. وبذلك يلغز ويقال: لنا سنة عاد لها فلزمه فرض. وخرج بكون الشك وقع بعد السلام ما إذا وقع قبل السلام، وقد مر بيان حكمه مفصلا. وحاصله أنه إن كان في ترك ركن لم يأت بمثله أتى به، وإلا أجزأه عن المتروك ولغا ما بينهما وتدارك الباقي وسجد للسهو فيهما. هذا إن كان غير المأموم، فإن كان مأموما أتى بركعة بعد سلام إمامه إن كان المتروك غير السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة. وخرج به أيضا ما إذا وقع في السلام نفسه، فيجب تداركه ولو بعد طول الفصل ما لم يأت بمبطل.

ولان الظاهر مضيها على الصحة. أما الشك في النية وتكبيرة الاحرام فيؤثر على المعتمد، خلافا لمن أطال في عدم الفرق. وخرج بالشك ما لو تيقن ترك فرض بعد سلام فيجب البناء ما لم يطل الفصل، أو يطأ نجسا، وإن استدبر القبلة أو تكلم أو مشى قليلا. قال الشيخ زكريا في شرح الروض: وإن خرج من والمسجد. والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف. وقيل: يعتبر القصر بالقدر الذي نقل عن النبي (ص) في خبر ذي اليدين، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: في إخلال شرط) أي تركه كالطهارة والشك فيها صادق، بما إذا تيقن وجود الطهارة وشك في رافعها، وبما إذا تيقن وجود الحدث وشك في وجود الطهارة بعدها. لا يقال إن الأصل فيما إذا تيقن الحدث بقاؤه، لأنا نقول محله ما لم يوجد معارض له كما هنا، فإن هذا الأصل قد عارضه أن الأصل أنه لم يدخل الصلاة إلا بطهارة، لكن يمتنع عليه استئناف صلاة أخرى بهذه الطهارة ومن الشك في الطهارة بعد السلام. كما في سم، الشك في نية الطهارة بعده لأنه لا يزيد على الشك بعده في نفس الطهارة فلا يؤثر في صحة الصلاة، وإن أثر الشك بعد الطهارة في نيتها بالنسبة للطهارة، حتى لا يجوز له افتتاح صلاة بها. وما ذكر في الشرط هو المعتمد عند ابن حجر وم ر والخطيب. وعبارة المغني له: وقد اختلف فيه - أي في الشرط - فقال في المجموع: في موضع لو شك هل كان متطهرا أم لا أنه يؤثر، فارقا بأن الشك في الركن يكثر بخلافه في الطهر، وبأن الشك في الركن حصل بعد تيقن الانعقاد. والأصل الاستمرار على الصحة، بخلافه في الطهر، فإنه شك في الانعقاد، والأصل عدمه. ومقتضى هذا الفرق أن تكون الشروط كلها كذلك. وقال في الخادم: وهو فرق حسن. لكن المنقول عدم الفرق مطلقا، وهو المتجه. وعلله بالمشقة، وهذا هو المعتمد كما هو ظاهر كلام ابن المقري. اه. بتصرف. (قوله: أو ترك فرض) أي أو شك بعد السلام في ترك فرض. (قوله: غير نية) صفة لفرض. (قوله: لم يؤثر) جواب لو. أي لم يضر في صحة الصلاة. (قوله: وإلا) أي بأن أثر فيها. (قوله: لعسر وشق) أي الأمر على الناس، لكثرة عروض الشك في ذلك. (قوله: ولأن الظاهر إلخ) انظر المعطوف عليه، فلو حذف الواو وقدمه على قوله وإلا الخ لكان أولى. (قوله: أما الشك في النية الخ) مفهوم قوله: غير نية وتكبير تحرم. (قوله: فيؤثر على المعتمد) أي فيضر في صحة الصلاة لشكه في أصل الانعقاد من غير أصل يعتمده، فتلزمه الإعادة ما لم يتذكر أنه أتى بهما، ولو بعد طول الزمان. وإنما لم يضر الشك بعد فراغ الصوم في نيته لمشقة الإعادة فيه، ولأنه يغتفر في النية فيه ما لم يغتفر فيها هنا. ومن الشك في النية ما لو شك هل نوى فرضا أو نفلا، لا الشك في نية القدوة في غير جمعة ومعادة ومجموعة مطر. (قوله: خلافا لمن أطال في عدم الفرق) أي بين النية وتكبيره الإحرام وبين بقية الأركان. (قوله: ما لو تيقن ترك فرض) سكت عما إذا تيقن ترك شرط لوضوح حكمه، وهو أنه يأتي به ويستأنف الصلاة لتبين عدم صحتها. (قوله: فيجب البناء) أي على ما فعله من الصلاة. وفي وجوب البناء نظر لجواز استئناف الصلاة من أولها. وعبارة الروض ليس فيها لفظ الوجوب، ونصها: فلو تذكر بعده - أي السلام - أنه ترك ركنا بنى على ما فعله إن لم يطل الفصل ولم يطأ نجاسة. اه. ومثله في المغني. وقوله: ما لم يطل الفصل أي بين سلامه وتذكر الترك، فإن طال الفصل بينهما استأنف الصلاة من أولها. وقوله: أو يطأ نجسا أي وما لم يطأ نجاسة بعد سلامه. ولا بد أن تكون غير معفو عنها، فإن وطئها استأنف الصلاة أيضا. (قوله: وإن استدبر القبلة أو تكلم أو مشى قليلا) غاية لوجوب البناء. أي يجب وإن كان قد استدبر القبلة أو تكلم قليلا أو مشى، كذلك فلا تؤثر هذه الأمور في صحت البناء، وتفارق وطئ النجاسة باحتمالها في الصلاة في الجملة (قوله: وإن خرج من المسجد) أي فلا يؤثر أيضا إذا كانت الأفعال قليلة. (قوله: إلى العرف) أي فما عده العرف طويلا فهو طويل، وما عده قصيرا فهو قصير. (قوله: في خبر ذي اليدين) وهو ما رواه أبو هريرة قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر أو العصر فسلم من ركعتين، ثم أتى خشبة بالمسجد واتكأ عليها كأنه غضبان، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال لأصحابه: أحق ما يقول ذو اليدين؟. قالوا: نعم. فصلى

والطول بما زاد عليه. والمنقول في الخبر أنه قام ومضى إلى ناحية المسجد، وراجع ذا اليدين، وسأل الصحابة. انتهى. وحكى الرافعي عن البويطي أن الفصل الطويل ما يزيد على قدر ركعة، وبه قال أبو إسحاق. وعن أبي هريرة أن الطويل قدر الصلاة التي كان فيها. (قاعدة): وهي أن ما شك في تغيره عن أصله يرجع به إلى الاصل، وجودا كان أو عدما، ويطرح الشك، فلذا قالوا: كمعدوم مشكوك فيه. (تتمة) تسن سجدة التلاوة لقارئ وسامع جميع آية سجدة، ويسجد مصل لقراءته، إلا مأموما فيسجد هو ـــــــــــــــــــــــــــــ ركعتين أخريين، ثم سجد سجدتين. (قوله: والطول بما زاد عليه) أي ويعتبر الطول بما زاد على هذا القدر المنقول. (قوله: والمنقول في الخبر) أي خبر ذي اليدين. ووقوله: أنه أي النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: وراجع ذا اليدين) المناسب: وراجعه ذو اليدين. (قوله: عن البويطي) بضم الباء وفتح الواو، وسكون الياء، وهو أبو يعقوب يوسف بن يحيى القرشي البويطي، من بويط قرية من قرى صعيد مصر الأدنى، وكان خليفة للشافعي رضي الله عنه بعده. قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من أبي يعقوب. وكان كثير الصيام وقراءة القرآن، وكان ابن أبي الليث السمرقندي قاضي مصر فحسده، فسعى به إلى الواثق أيام المحنة بالقول بخلق القرآن. فأمر بحمله إلى بغداد، فحمل إليها على بغل مغلولا، وجلس على تلك الحالة إلى أن مات ببغداد سنة إحدى وثلاثين ومائتين. اه. سبكي. (قوله: وبه) أي بما حكاه الرافعي. (قوله: وعن أبي هريرة) لعله غير الصحابي المشهور، فانظره. (قوله: قدر الصلاة التي كان فيها) أي سواء كانت ثنائية أو ثلاثية أو رباعية. (قوله: قاعدة إلخ) هذه القاعدة تجري في سائر أبواب الفقه. (قوله: وهي أن ما شك الخ) عبارة الروض: ما كان الأصل وجوده أو عدمه وشككنا في تغيره، رجعنا إلى الأصل واطرحنا الشك. اه. (قوله: يرجع به) أي بما شك في تغيره. (قوله: وجودا كان) أي ذلك الأصل، كما إذا تيقن وجود الطهارة وشك في رافعها فإنه يأخذ بالطهارة لأن الأصل وجودها. وقوله: أو عدما أي أو كان ذلك الأصل عدما، كما إذا تيقن عدم الطهارة وشك في وجودها، فإنه يأخذ بالعدم لأنه الأصل. وكما إذا شك: هل أتى بالقنوت أو لا، فإنه يسجد للسهو لأن الأصل عدم الإتيان به. أو شك: هل سجد السجدة الثانية أو لا فإنه يأتي بها، لأن الأصل عدمها. وهكذا فقس. (قوله: كمعدوم) خبر مقدم. وقوله: مشكوك فيه مبتدأ مؤخر. أي أن المشكوك فيه كالمعدوم، فلا يعتبر بل يرجع فيه إلى الأصل. قال في فتح الجواد: ويستثنى من ذلك الأصل: الشك في ترك ركن غير نية وتحرم بعد السلام، فإنه لا يؤثر لأن الظاهر وقوعه - أي السلام - عن تمام. اه. (قوله: تتمة) أي في بيان سجود التلاوة. (قوله: تسن سجدة التلاوة إلخ) أي للإجماع على طلبها، ولخبر مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويلتى، أمر ابن آدم بالسجود فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار. ولخبر ابن عمر رضي الله عنهما: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه رواه أبودواد والحاكم. وإنما لم تجب عندنا لأنه - صلى الله عليه وسلم - تركها في سجدة والنجم. متفق عليه. وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما التصريح بعدم وجوبها على المنبر، وهذا منه في هذا الموطن العظيم مع سكوت الصحابة دليل إجماعهم. وأما ذمه تعالى من لم يسجد بقوله: * (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) * فوارد في الكفار بدليل ما قبله وما بعده. واعلم أن سجدات التلاوة أربع عشرة سجدة: سجدتان في الحج، وثلاث في المفصل في النجم والانشقاق واقرأ، والبقية في الأعراف والرعد والنحل والإسراء ومريم والفرقان والنمل وألم تنزيل وحم السجدة. واحتج لذلك خبر أبي دواد بإسناد حسن، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة سجدة في

لسجدة إمامه فإن سجد إمامه وتخلف هو عنه، أو سجد هو دونه، بطلت صلاته، ولو لم يعلم المأموم سجوده بعد رفع رأسه من السجود لم تبطل صلاته ولا يسجد، بل ينتظر قائما. أو قبله هوى، فإذا رفع قبل سجوده رفع معه ـــــــــــــــــــــــــــــ القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان، ومنها سجدة ص. إلا أنها ليست من سجدات التلاوة وإنما هي سجدة شكر لله تعالى. ينوي بها سجود الشكر على توبة سيدنا دواد عليه الصلاة والسلام من خلاف الأولى الذي ارتكبه مما لا يليق بكمال شأنه. ومحال هذه السجدات معروفة، لكن اختلف في أربع منها: إحداها: سجدة النحل، فالأصح أنها عند قوله: * (ويفعلون ما يؤمرون) * وقال المارودي: إنها عند قوله: * (وهم لا يستكبرون) * وهو ضعيف. وثانيتها: سجدة النمل فالأصح أنها عند قوله: * (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) * وقيل: إنها عند قوله: * (ويعلم ما تخفون وما تعلنون) *. وثالثتها: سجدة حم فصلت، فالأصح أنها عند قوله: * (وهم لا يسأمون) * وقيل: عند قوله: * (إن كنتم إياه تعبدون) *. ورابعتها: سجدة الانشقاق، فالأصح أنها عند قوله: * (لا يسجدون) * وقيل: إنها في آخر السورة. (قوله: لقارئ) قال في التحفة: ولو صبيا وامرأ، ومحدثا تطهر على قرب، وخطيب أمكنه بلا كلفة على منبره أو أسفله إن قرب الفصل. اه. (وقوله: وسامع) أي سواء قصد السماع أم لا. لكن تتأكد للقاصد له بسجود القارئ للاتفاق على استحبابه في هذه الحالة. (قوله: جميع آية سجدة) تنازعه الاسمان قبله، فلو قرأها إلا حرفا واحدا حرم السجود. ويشترط أيضا أن تكون القراءة مشروعة بأن لا تكون محرمة ولا مكروهة لذاتها، كقراءة جنب مسلم آية السجدة بقصدها، ولو مع نحو الذكر. وكقراءتها في غير القيام من الصلاة. وأن تكون من قارئ واحد وفي زمان واحد عرفا، وأن لا تكون في غير صلاة الجنازة، وأن لا يطول فصل عرفا بين آخر الآية والسجود. وإن كان القارئ مصليا اشترط أيضا أن لا يكون مأموما، وأن لا يقصد بقراءته السجود، كما يأتي. (قوله: ويسجد مصل) أي إماما أو منفردا. وقوله: لقراءته أي لقراءة نفسه فقط. فلا يسجد لقراءة غيره. قال في المغنى: فإن فعل عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته. اه. (قوله: إلا مأموما) استثناء متصل من مطلق مصل. (قوله: فيسجد هو) أي المأموم. وقوله: لسجدة إمامه أي فقط فلا يسجد لقراءة نفسه ولا لقراءة غيره ولا لقراءة إمامه إذا لم يسجد، فلو خالف وسجد لذلك عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته. (قوله: فإن سجد إمامه الخ) مفرع على قوله: فيسجد هو إلخ. وأفاد بهذا التفريع وجوب سجود المأموم إذا سجد إمامه للمتابعة. (قوله: وتخلف هو) أي المأموم عنه، أي الإمام. أي لم يسجد مع إمامه. (قوله: أو سجد) أي شرع في السجود بأن هوى. اه. شوبري. وقوله: هو أي المأموم. وقوله: دونه أي الإمام. (قوله: بطلت صلاته) أي عند التعمد والعلم بالتحريم. كما في شرح الروض، لما في ذلك من المخالفة الفاحشة. وكتب البجيرمي ما نصه: قوله: بطلت. أي إذا رفع الإمام رأسه من السجود في الأولى، إلا إذا ترك السجود قصدا، فبمجرد الهوى للسجود. اه ز ي وع ش. وعبارة الشوبري: قوله: وتخلف إن كان قاصدا عدم السجود بطلت بهوى الإمام، وإلا برفع الإمام رأسه من السجود. اه. (قوله: ولو لم يعلم المأموم الخ) تقييد لقوله: وتخلف إلخ، بالتعمد وبالعلم. وقوله: وسجوده الضمير فيه وفيما بعده يعود على الإمام. (قوله: لم تبطل صلاته) أي المأموم، وهو جواب لو. (قوله: ولا يسجد) قال

ولا يسجد. ويسن للامام في السرية تأخير السجود إلى فراغه. بل بحث ندب تأخيره في الجهرية أيضا في الجوامع العظام، لانه يخلط على المأمومين. ولو قرأ آيتها فركع بأن بلغ أقل الركوع ثم بدا له السجود لم يجز لفوات محله. ولو هوي للسجود فلما بلغ حد الركوع صرفه له لم يكفه عنه. وفروضها لغير مصل: نية سجود التلاوة، وتكبير تحرم، وسجود كسجود الصلاة، وسلام. ويقول فيها ـــــــــــــــــــــــــــــ البجيرمي: فإن سجد عالما عامدا بطلت صلاته. (قوله: بل ينتظر) أي إمامه. وقوله: قائما حال من فاعل الفعل المستتر. (قوله: أو قهوى) عطف الظرف على لفظ بعد يوجب ركاكة في التقدير، فالأولى جعله متعلقا بفعل مقدر ويكون عطفه على ما قبله من عطف الجمل. والتقدير: ولو علم قبل رفع رأس الإمام من السجود هوى المأموم للسجود مع إمامه. (قوله: فإذا رفع) أي الإمام (وقوله: قبل سجوده) أي المأموم (قوله: رفع معه) أي رفع المأموم رأسه مع الإمام. والمراد: رجع إلى الحالة التي كان عليها قبل الهوى من قيام أو جلو س. (قوله: ولا يسجد) أي ولا يتمم الهوي للسجود وحده. قال في التحفة: إلا إن يفارقه، وهو فراق بعذر. اه. ومثله في النهاية. (قوله: تأخير السجود إلى فراغه) أي من الصلاة. قال في النهاية: ومحله إذا قصر الفصل. اه. قال ع ش: أما إذا طال فلا يطلب تأخيره بل يسجد وإن أدى إلى التشويش المذكور. اه. وفي التحفة: واعترض، أي ندب التأخير بما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - سجد في الظهر للتلاوة. ويجاب بأنه كان يسمعهم الآية فيها أحيانا، فلعله أسمعهم آيتها مع قلتهم فأمن عليهم التشويش، أو قصد بيان جواز ذلك. اه. (قوله: بل بحيث ندب تأخيره الخ) عبارة النهاية: ويؤخذ من التعليل - أعني قوله: لئلا يشوش - أن الجهرية كذلك إذا بعد بعض المأمومين عن إمامه بحيث لا يسمع قراءته ولا يشاهد أفعاله، أو أخفى جهره، أو وجد حائل أو صمم أو نحوها، وهو ظاهر من جهة المعنى. اه. (قوله: في الجوامع العظام) متعلق بما بعد بل، كما هو صريح عبارة التحفة. ولم يقيد به في النهاية كما يعلم من عبارته السابقة. (قوله: لأنه يخلط على المأمومين) علة لسنية التأخير في الصورتين. قال في النهاية: ولو تركه الإمام سن للمأموم بعد السلام إن قصر الفصل لما يأتي من فواتها بطوله، ولو مع العذر، لأنها لا تقضى على الأصح، اه. ومثله في التحفة والمغني. (قوله: ولو قرأ) أي المصلي غير المأموم من إمام أو منفرد. وقوله: آيتها أي السجدة. (قوله: بأن بلغ أقل الركوع) قال سم: قال في شرح الروض: فلو لم يبلغ حد الراكع جاز. اه. فانظر هل يسجد من ذلك الحد؟ أو يعود للقيام ثم يسجد؟ والسابق إلى الفهم منه الأول. اه. (قوله: ثم بدا له السجود) أي ثم بعد وصوله إلى أقل الركوع طرأ له أن يتمم الهوي إلى أن يصل إلى حد السجود ويجعله عن سجود التلاوة. (قوله: لفوات محله) أي المحل الذي يشرع السجود منه، وهو القيام وما قاربه. وعلله في شرح الروض بأن فيه رجوعا من فرض إلى سنة. (قوله: ولو هوي للسجود) أي لأجل سجود التلاوة. (قوله: صرفه) أي الهوي وقوله: له أي للركوع. (قوله: لم يكفه) أي هويه للسجود. وقوله: عنه أي عن الركوع. وذلك لأنه صارف. (قوله: وفروضها) أي سجدة التلاوة. وقد تعرض للفروض ولم يتعرض للشروط، وهي كشروط الصلاة من نحو الطهارة والستر والتوجه للقبلة ودخول الوقت. وهو بالفراغ من آيتها. وقوله: لغير مصل أما المصلي إذا أراد أن يسجد فليسجد من غير نية وتكبير تحرم وسلام. ويندب له أن يكبر للهوي إليها والرفع منها، ولا يندب له رفع اليدين عند تكبيره للهوي والرفع بل يكره، ولا تندب جلسة الاستراحة بعدها. وقيل: إن النية واجبة من غير تلفظ بها لأن نية الصلاة لا تشملها. (قوله: نية سجود التلاوة) هو وما عطف عليه خبر عن فروضها، وأفادت إضافة سجود للتلاوة أنه لا يكفي نية السجود فقط. واستوجهه البجيرمي ثم قال: وانظر هل معنى وجوب نية السجود للتلاوة نية السجود لخصوص الآية؟ كأن ينوي السجود لتلاوة الآية المخصوصة. أو معناه نية التلاوة من غير تعرض لخصوص الآية؟ قياس وجوب التعيين في النفل ذي الوقت. والسبب ذلك وهو قريب. اه. وقوله: ذلك أي التعرض لخصوص الآية. (قوله: وتكبير تحرم) قال في النهاية: ولا يسن له أن يقوم ليكبر من قيام لعدم ثبوت شئ فيه. اه. قال ع ش: أي فإذا قام كان مباحا كما يقتضيه قوله: لا يسن دون

ندبا: سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين. (فائدة) تحرم القراءة بقصد السجود فقط في صلاة أو وقت مكروه، وتبطل الصلاة به. بخلافها بقصد السجود وغيره مما يتعلق بالقراءة فلا كراهة مطلقا. ولا يحل التقرب إلى الله تعالى بسجدة بلا سبب، ولو بعد الصلاة. وسجود الجهلة بين يدي مشايخهم حرام اتفاقا. ـــــــــــــــــــــــــــــ سن أن لا يقوم. اه. (قوله: وسجود كسجود الصلاة) أي في واجباته ومندوباته لا في عدده، فإن سجدة التلاوة واحدة بخلاف سجود الصلاة فإنه اثنان. (قوله: وسلام) أي كسلام الصلاة، قياسا على التحرم. قال في التحفة: وقضية كلامهم أن الجلوس للسلام ركن، وهو بعيد، لأنه لا يجب لتشهد النافلة وسلامها، بل يجوز مع الاضطجاع، فهذا أولى. نعم، هو سنة. اه. ومثله في النهاية. (قوله: ويقول فيها) أي في سجدة التلاوة، سواء كان في الصلاة أو خارجها. قال في شرح المنهج: ويسن أن يقول أيضا: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وضع عني بها وزرا، واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود. رواه الترمذي وغيره بإسناد حسن. اه. وقوله: كما قبلتها: أي السجدة، لا بقيد كونها سجدة تلاوة. كما في ع ش. أو المعنى: كما قبلت نوعها. وإلا فالتي قبلها من داود هي خصوص سجدة الشكر. اه بجيرمي. (قوله: تحرم القراءة بقصد السجود) أي في غير صبح يوم الجمعة بألم تنزيل، وإلا فلا تحرم. فإن قرأ فيها بغير ألم تنزيل بقصد السجود، وسجد عامدا عالما، بطلت صلاته عند م ر. ولا تبطل عند حجر، لأنها محل السجود في الجملة. وقوله: في صلاة أو وقت مكروه خرج بذلك ما إذا قرأها في غير هذين المحلين بقصد السجود فقط فإنه لا يحرم. قال في التحفة: وإنما لم يؤثر قصد السجود فقط خارج الصلاة والوقت المكروه لأنه قصد عبادة لا مانع منها هنا بخلافه ثمة. اه. (قوله: وتبطل الصلاة به) أي بالسجود بالفعل ومحله إن كان عامدا عالما لأنه زاد فيها ما هو من جنس بعض الأركان تعديا. (قوله: بخلافها) أي القراءة بقصد السجود مع غيره من مندوبات القراءة أو الصلاة، فإنه لا حرمة ولا بطلان لمشروعية القراءة والسجود حينئذ. (قوله: فلا كراهة مطلقا) أي سواء كان ذلك في الوقت المكروه أو الصلاة أو لا. (قوله: ولا يحل التقرب إلى الله تعالى بسجدة) أي فهو حرام. قال في شرح الروض. كما يحرم بركوع مفرد ونحوه لأنه بدعة، وكل بدعة ضلالة إلا ما استثنى. (قوله: بلا سبب) أما بالسبب فلا تحرم بل تسن، وذلك السبب كالتلاوة. وقد تقدم الكلام على سجود التلاوة، أو هجوم نعمة كحدوث ولد أو جاه، أو قدوم غائب، أو نصر على عدو، أو اندفاع نقمة كنجاة من غرق حرق، لا لاستمرارها لأن ذلك يؤدي إلى استغراق العمر في السجود. لذلك شكر الله تعالى على ما أعطاه من النعم أو دفع عنه من النقم. والحاصل: تستحب سجدة الشكر لذلك خارج الصلاة ولا تدخل الصلاة إذ لا تتعلق بها، فإن سجدها في الصلاة عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته. والأصل فيها خبر: سألت ربي وشفعت لأمتي، فأعطاني ثلث أمتي، فسجدت لربي شكرا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فسجدت شكرا لربي. ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي، فأعطاني الثلث الآخر، فسجدت شكرا لربي. رواه أبو داود بإسناد حسن. وروى البيهقي بإسناد صحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - سجد لما جاءه كتاب علي رضي الله عنه من اليمن بإسلام همدان. وتستحب أيضا لرؤية مبتلى ببلية، من زمانة ونحوها، للاتباع وشكر الله تعالى على السلامة. أو لرؤية مبتلى بمعصية يجاهر بها، لأن المصيبة في الدين أشد منها في الدنيا، ويظهرها للعاصي تعييرا أو لعله يتوب، لا للمبتلى لئلا يتأذى. (قوله: حرام اتفاقا) قال في شرح الروض: ولو إلى القبلة، أو قصده لله تعالى. وفي بعض صوره ما يقتضي الكفر، عافانا الله تعالى من ذلك. وقوله تعالى: * (وخروا له سجدا) * منسوخ أو مؤول، والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في مبطلات الصلاة (تبطل الصلاة) فرضها ونفلها لا صوم واعتكاف (بنية قطعها) وتعليقه بحصول شئ ولو محالا عاديا. (وتردد فيه) أي القطع، ولا مؤاخذة بوسواس قهري في الصلاة كالايمان وغيره، (وبفعل كثير) يقينا من غير ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في مبطلات الصلاة وهي إما فقد شرط من شروط الصلاة، أو فقد ركن من أركانها. كما قال إبن رسلان: ويبطل الصلاة ترك ركن أو فوات شرط من شروط قد مضوا (قوله: تبطل الصلاة) أي ولو كانت جنازة أو سجدة تلاوة أو شكر. (قوله: فرضها) بدل من الصلاة. (قوله: لا صوم واعتكاف) أي لا يبطل صوم واعتكاف بما ذكره، ومثلهما الوضوء والنسك. والفرق أن الصلاة أضيق بابا من الأربعة. (قوله: بنية قطعها) أي حالا، أو بعد مضي ركن، ولو بالخروج إلى صلاة أخرى وذلك لمنافاة ذلك للجزم بالنية المشروط دوامه فيها، وخرج بنية قطعها نية الفعل المبطل، فلا تبطل بها حتى يشرع في ذلك المنوي. (قوله: وتعليقه) الواو بمعنى أو، ومدخولها يحتمل أن يكون معطوفا على قطعها المضاف إليه والضمير فيه يعود عليه، والتقدير: وتبطل الصلاة بنية تعليق القطع على حصول شئ، كما إذا نوى: إن جاء فلان قطعت صلاتي. ويحتمل عطفه على المضاف - أعني نية - والتقدير: وتبطل بتعليقه وهو صادق بما إذا كان بقلبه أو باللفظ. والأول أولى لأن الكلام هنا في الإبطال من حيث التعلق لا من حيث اللفظ، لأنه من هذه الحيثية سيأتي الكلام عليه. وقوله: بحصول شئ أي ولو لم يحصل. (قوله: ولو محالا عاديا) أي ولو كان الشئ المعلق عليه محالا عاديا، كصعود السماء وعدم قطع السكين. وخرج بالعادي العقلي، كالجمع بين الضدين، فتعليق القطع بحصوله لا يبطل. والفرق بينهما أن الأول ينافي الجزم بالنية لإمكان وقوعه، بخلاف الثاني. قال الكردي: واعلم أن المحال قسمان: لذاته، ولغيره، فالمحال لذاته هو الممتنع عادة وعقلا، كالجمع بين السواد والبياض. والمحال لغيره قسمان: ممتنع عادة لا عقلا، كالمشي من الزمن والطيران من الإنسان. ثانيهما: الممتنع عقلا لا عادة كالإيمان ممن علم الله أنه لا يؤمن. اه. (قوله: وتردد فيه) معطوف على نية قطعها. أي وتبطل الصلاة بتردد في القطع. قال ش ق: وكالتردد في قطعها التردد في الاستمرار فيها، فتبطل حالا لمنافاته الجزم المشروط دوامه كالإيمان والمراد بالتردد أن يطرأ شك مناقض للجزم، ولا عبرة بما يجري في الفكر، فإن ذلك مما يبتلى به الموسوسون، بل يقع في الإيمان بالله تعالى. اه. (قوله: ولا مؤاخذة) أي لا ضرر في ذلك. وقوله: بوسواس قهري وهو الذي يطرق الفكر بلا اختيار. قال في الإيعاب: بأن وقع في فكره أنه لو تردد في الصلاة ما حكمه فلا مؤاخذة به قطعا، وبه يعلم الفرق بين الوسوسة والشك. فهو أن يعدم اليقين، وهي أن يستمر اليقين ولكنه يصور في نفسه تقدير التردد. ولو كان كيف يكون الأمر فهو من الهاجس الآتي. وكذا في الإيمان بالله تعالى، لأن ذلك مما يبتلى به الموسوسون، فالمؤاخذة به من الحرج. اه كردي: (قوله: كالإيمان) أي بالله تعالى. وهو بكسر الهمزة. يعني كما أنه لا يؤاخذ بالوسواس القهري في الإيمان بالله. وقوله: وغيره أي غير الإيمان من بقية العبادات. (قوله: بفعل كثير) أي وتبطل الصلاة بصدور فعل كثير منه. وقوله: يقينا منصوب بإسقاط الخافض، أو على الحال. وهو قيد في الكثرة المقتضية للبطلان. أي أن كثرة الفعل لا بد أن تكون يقينية وإلا فلا بطلان. والحاصل ذكر للفعل المبطل ستة شروط: أن

جنس أفعالها إن صدر ممن علم تحريمه أو جهله ولم يعذر حال كونه (ولاء) عرفا في غير شدة الخوف ونفل السفر، بخلاف القليل كخطوتين وإن اتسعتا حيث لا وثبة، والضربتين. نعم، لو قصد ثلاثا متوالية ثم فعل واحدة أو شرع فيها بطلت صلاته، والكثير المتفرق بحيث يعد كل منقطعا عما قبله. وحد البغوي بأن يكون بينهما قدر ركعة ضعيف، كما في المجموع. (ولو) كان الفعل الكثير (سهوا) والكثير (كثلاث) مضغات ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون كثيرا، وأن تكون كثرته بيقين، وأن يكون من غير جنس أفعالها، وأن يصدر من العالم بالتحريم، وأن يكون ولاء، وأن لا يكون في شدة الخوف ونفل السفر. (قوله: من غير جنس أفعالها) متعلق بمحذوف، صفة لفعل. أي فعل كائن من غير جنس أفعالها، كالمشي والضرب. فإذا كان من جنسها ففيه تفصيل، وهو أنه إن كان عمدا بطلت، ولو كان فعلا واحدا كزيادة الركوع عمدا. وإن كان سهوا فلا تبطل، وإن زاد على الثلاثة كزيادة ركعة سهوا. وسيذكر في أواخر الفصل. (قوله: إن صدر) أي ذلك الفعل الكثير. وقوله: ممن علم تحريمه أي من مصل علم تحريم الفعل الكثير في الصلاة. وقوله: أو جهله هو مفهوم العلم. وقوله: ولم يعذر أي في جهله، بأن يكون بين أظهر العلماء وبعيد عهد بالإسلام. وهو قيد في الجهل، وخرج به المعذور فلا يبطل فعله الكثير. (قوله: حال كونه) أي الفعل الكثير. وأفاد به أن ولاء منصوب على الحال، ثم إنه يحتمل أنه حال من ضمير كثير المستتر لأنه صفة مشبهة، ويحتمل أن حال من فعل وسوغ مجئ الحال منه مع أنه نكرة وصفه بكثير بعده. (قوله: عرفا) منصوب بإسقاط الخافض وهو مرتبط بقوله: كثير. يعني أن المعتبر في الكثرة العرف. فما يعده العرف كثيرا كثلاث خطوات ضر، وما يعده العرف قليلا كخلع الخف، ولبس الثوب الخفيف، وكإلقاء نحو القملة، وكخطوتين وضربتين، لم يضر. ويصح أن يكون مرتبطا بقوله: ولاء بناء على أن المعتبر فيه العرف. لكن يحتاج حينئذ إلى تقدير نظيره في الأول. وفي متن المنهج تقديمه على قوله ولاء، وهو أولى. (قوله: في غير شدة الخوف ونفل السفر) أي وتبطل الصلاة بفعل كثير في غير ما ذكر أي وفي غير صيال نحو حية عليه. فالأفعال الكثيرة في ذلك لا تبطل لشدة الحاجة إليها. (قوله: بخلاف القليل) محترز قوله كثير. أي بخلاف الفعل القليل فلا يبطل، لأنه عليه الصلاة والسلام فعل القليل وأذن فيه. فخلع نعليه في الصلاة ووضعهما عن يساره، وغمز رجل عائشة في السجود، وأشار برد السلام، وأمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب، وأمر بدفع المار، وأذن في تسوية الحصى. ولأن المصلي يعسر عليه السكون على هيئة واحدة في زمان طويل، ولا بد من رعاية التعظيم، فعفي عن القليل الذي لا يخل به دون الكثير. ومحل عدم البطلان بالفعل القليل إن لم يقصد به اللعب وإلا أبطل. (قوله: كخطوتين) تمثيل للقليل. (قوله: وإن اتسعتا) أي الخطوتان. وخالف الخطيب في المغنى والإقناع وقيدهما بالمتوسطتين. وهو تابع في ذلك إمام الحرمين. ، فإنه قال: لا أنكر البطلان بتوالي خطوتين واسعتين جدا فإنهما يوازيان الثلاث عرفا. اه. (قوله: حيث لا وثبة) قيد في الغاية، فإن وجدت الوثبة أبطلتا من جهتها. قال ع ش: ما لم يكن فزعا من نحو حية، وإلا فلا تبطل لعذره. (قوله: والضربتين) معطوف على خطوتين، فهو تمثيل للقليل أيضا. (قوله: نعم، لو قصد إلخ) تقييد لجعل الخطوتين والضربتين من القليل وأنهما لا يبطلان فكأنه قال: كل ذلك ما لم يقصد من أول الأمر ثلاث خطوات أو ثلاث ضربات متواليات، فإن قصد ذلك بطلت صلاته بمجرد شروعه في واحدة لأنه قصد المبطل وشرع فيه، أما لو نواه من غير شروع فلا بطلان. (قوله: والكثير المتفرق) محترز قوله ولاء، وهو بالجر معطوف على القليل. أي وبخلاف الكثير المتفرق فإنه لا يبطل، لأنه عليه الصلاة والسلام صلى وهو حامل أمامة، فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها. (قوله: بحيث يعد إلخ) الحيثية للتقييد، أي أن محل عدم تأثير الفعل الكثير المتفرق إذا كان يعد عرفا، أن كل فعل منقطع عما قبله فيعد الثاني منقطعا عن الأول، والثالث منقطعا عن الثاني، فإن لم يعد كما ذكر أثر. وقوله: وحد البغوي أي ضبطه للمتفرق. وهو مبتدأ خبره ضعيف. وقوله: بأن يكون بينهما أي بين كل فعل وما بعده. وضبطه بعضهم أيضا بأن يطمئن بين الفعلين، وهو ضعيف أيضا. (قوله: ولو كان الفعل الكثير سهوا) أي فإنه يبطل لأن الحاجة لا تدعو إليه، أما لو دعت الحاجة إليه كصلاة شدة الخوف فلا يبطل كما مر. (قوله: والكثير) أفاد به أن الجار والمجرور

و (خطوات توالت) وإن كانت بقدر خطوة مغتفرة، وكتحريك رأسه ويديه ولو معا والخطوة - بفتح الخاء - المرة، وهي هنا نقل رجل الامام أو غيره، فإن نقل معها الاخرى ولو بلا تعاقب فخطوتان. كما اعتمده شيخنا في شرح المنهاج. لكن الذي جزم به في شرح الارشاد وغيره أن نقل رجل مع نقل الاخرى إلى محاذاتها ولاء خطوة ـــــــــــــــــــــــــــــ بعده خبر لمبتدأ محذوف تقديره ما ذكر. (قوله: كثلاث مضغات وخطوات) لا يشترط في الثلاث أن تكون من جنس واحد، بل إذا كانت من جنسين كخطوتين وضربة أو من ثلاثة كخطوة وضربة وخلع نعل، أبطلت الصلاة أيضا. (قوله: توالت) أي الثلاث. وضابط التوالي يعلم من ضابط التفريق السابق. (قوله: وإن كانت) أي الثلاث. وهي غاية في البطلان بالثلاث. وقوله: مغتفرة صفة كاشفة، إذ الخطوة لا تكون إلا مغتفرة. إلا أن يقال احترز به عن الخطوة المصحوبة بالوثبة فإنها تكون مؤسسة. (قوله: وكتحريك رأسه ويديه) أي لأن المجموع ثلاث حركات، وهي لا يشترط فيها أن تكون من عضو واحد. بل مثله إذا كانت من عضوين أو من ثلاثة أعضاء. (قوله: ولو معا) غاية في البطلان بتحريك الرأس واليدين. أي أنها تبطل بذلك، سواء وقع تحريكها في آن واحد أو على التوالي. وفي الكردي ما نصه: قوله: ولو معا. ينبغي التنبيه لذلك عند رفع اليدين للتحرم أو الركوع أو الاعتدال، فإن ظاهر هذا بطلان صلاته إذا تحرك رأسه حينئذ. ورأيت في فتاوي الشارح ما نصه: قد صرحوا بأن تصفيق المرأة في الصلاة، ودفع المصلي للمار بين يديه، لا يجوز أن يكون بثلاث مرات متواليات - مع كونهما مندوبين - فيؤخذ منه البطلان فيما لو تحرك حركتين في الصلاة ثم عقبهما بحركة أخرى مسنونة. وهو ظاهر لأن الثلاث لا تغتفر في الصلاة لنسيان ونحوه مع العذر، فأولى في هذه الصورة. إلى آخر ما في فتاويه. وفيه من الحرج ما لا يخفى. لكن اغتفر الجمال الرملي توالي التصفيق والرفع في صلاة العيد، وهذا يقتضي أن الحركة المطلوبة لا تعد في المبطل. ونقل عن أبي مخرمة ما يوافقه. اه. (قوله والخطوة بفتح الخاء المرة) أي أن الخطوة إذا كانت بفتح الخاء يكون معناها المرة، وأما إذا كانت بضمها يكون معناها ما بين القدمين. والأول هو المراد هنا، والثاني هو المراد في صلاة المسافر. كما نص عليه في شرح الروض، وعبارته: والخطوة بفتح الخاء المرة الواحدة، وهي المراد هنا. وبضمها ما بين القدمين، وهو المراد في صلاة المسافر. (قوله: وهي) أي الخطوة بمعنى المرة. وقوله: هنا انظر ما فائدة التقييد به، فإن قيل أنه للاحتراز عنها في صلاة المسافر فلا يصح، لأنها هناك بضم الخاء وهي هنا مقيدة بالفتح - كما يعلم من عبارة شرح الروض السابقة - فكان الأولى أن يقدم لفظ هنا على قوله بفتح الخاء ليكون له فائدة. وهي الاحتراز عنها في باب صلاة المسافر كما علمت. وعبارة التحفة: والخطوة بفتح الخاء المرة، وبضمها ما بيد القدمين. وقضية تفسير الفتح الأشهر هنا بالمرة. وقولهم: إن الثاني ليس مرادا هنا حصولها بمجرد نقل الرجل لأمام أو غيره، فإذا نقل الأخرى حسبت أخرى وهكذا. وهو محتمل. اه. وهي ظاهرة. (قوله: لأمام) بفتح الهمزة، أي قدام. (قوله: أو غيره) أي غير الأمام من خلف ويمين وشمال. (قوله: فإن نقل معها الأخرى) أي نقل الرجل الأخرى مع الرجل الأولى. ولفظ معها ساقط من عبارة التحفة المارة، وهو أولى، لأن المعية لا تناسب الغاية بعدها، ولإيهامها ما سنذكره قريبا. (قوله: ولو بلا تعاقب) المناسب ولو مع التعاقب، أي التوالي. لأنه يؤتى في الغاية بالطرف البعيد. (قوله: فخطوتان) قال في التحفة: ومما يؤيده جعلهم حركة اليدين على التعاقب أو المعية مرتين مختلفتين، فكذا الرجلان. اه. (قوله: كما اعتمده شيخنا في شرح المنهاج) اعتمده أيضا في النهاية، ونص عبارتها. واضطرب المتأخرون في تعريف الخطوة. والذي أفتى به الوالد رحمه الله أنها عبارة عن نقل رجل واحدة إلى أي جهة كانت. فإن نقل الأخرى عدت ثانية، سواء أساوى بها الأولى أم قدمها عليها أم أخرها عنها، إذ المعتبر تعدد الفعل. اه. (قوله: لكن الذي جزم به في شرح الإرشاد) عبارته: والخطوة بفتح الخاء وبضمها: ما بين القدمين. وهي هنا نقل رجل مع نقل الأخرى إلى محاذاتها. كما بينته في الأصل. أما نقل كل على التعاقب إلى جهة التقدم على الأخرى أو التأخر عنها فخطوتان بلا شك. اه. ومثله في شرحه على مختصر بافضل، ونص عبارته: والخطوة بفتح الخاء المرة، وهي المرادة هنا إذ هي عبارة عن نقل رجل واحدة فقط. حتى يكون نقل الأخرى إلى أبعد عنها أو أقرب خطوة أخرى، بخلاف

فقط، فإن نقل كلا على التعاقب فخطوتان بلا نزاع. ولو شك في فعل أقليل أو كثير فلا بطلان. وتبطل بالوثبة وإن لم تتعدد. (لا) تبطل (بحركات خفيفة) وإن كثرت وتوالت، بل تكره، (كتحريك) أصبع أو (أصابع) في حك أو سبحة مع قرار كفه، (أو جفن) أو شفة أو ذكر أو لسان، لانها تابعة لمحالها المستقرة كالاصابع. ولذلك بحث أن حركة اللسان إن كانت مع تحويله عن محله أبطل ثلاث منها. قال شيخنا: وهو محتمل. وخرج ـــــــــــــــــــــــــــــ نقلها إلى مساواتها. اه. (قوله: إن نقل رجل مع نقل الأخرى) ليس المراد أن ينقل الرجلين في آن واحد وإن كانت المعية توهمه، لأنه لا يتصور ذلك إلا على هيئة الوثبة المبطلة للصلاة بل المراد أنه ينقل إحدى رجليه أولا وينقل الأخرى إلى محاذاتها من غير تراخ. فالمعية في مطلق النقل. (قوله: فإن نقل كلا) أي من غير محاذاة لتغاير هذه الصورة السابقة، وكما هو صريح عبارة شرح الإرشاد. وقوله: على التعاقب أي التوالي. ومثله بالأولى ما إذا كان النقل على غير التعاقب. والحاصل أن الذي اعتمده ابن حجر في التحفة، والشهاب الرملي وابنه والخطيب وغيرهم، أن نقل الرجل الأخرى خطوة ثانية، سواء نقلت إلى محاذاة الأولى أو إلى أبعد منها أو أقرب. والذي اعتمده ابن حجر في شرحي الإرشاد وشرح بافضل أن نقل الرجل الأخرى إلى محاذاة الأولى مع التوالي ليس خطوة ثانية، بل هو مع النقل الأول خطوة واحدة، وإن لم يكن إلى محاذاة الأول أو كان ولكن ليس على التوالي فخطوة ثانية. واختلف أيضا فيما لو رفع الرجل لجهة العلو ثم لجهة السفل، فقيل: يعد ذلك خطوة واحدة. قال البجيرمي: وهو المعتمد. وقال سم: ينبغي أن يعد ذلك خطوتين. (قوله: ولو شك في فعل أقليل إلخ) هو محترز قوله فيما تقدم يقينا. وكان المناسب ذكره قبل الغاية التي في المتن، ويكون بلفظ: وبخلاف ما لو شك إلخ، كبقية المحترازت. وقوله: فلا بطلان أي لأن الأصل استمرار الصلاة على الصحة، وهذا هو المعتمد. وقيل: تبطل الصلاة به. وقيل: يوقف إلى بيان الحال. (قوله: وتبطل بالوثبة) أي النطة. ولم يقيدها بالفاحشة لأنها لا تكون إلا كذلك. قال في فتح الجواد: لما فيها من الانحناء المخرج عن حد القيام، بخلاف ما لا يخرج عن حده. وكأن من قيد بالفاحشة احترز عن هذه. اه. ويلحق بالوثبة حركة جميع البدن فتبطل الصلاة بها، كما أفتى به الشهاب الرملي. وفي ع ش: وليس من حركة جميع البدن ما لو مشى خطوتين. قال م ر في فتاويه ما حاصله: وليس من الوثبة ما لو حمله إنسان فلا تبطل صلاته بذلك. اه. وظاهره وإن طال حمله. وهو ظاهر حيث استمرت الشروط موجودة من استقبال القبلة وغير ذلك. اه. (قوله: وإن لم تتعدد) أي الوثبة، وهي غاية للبطلان. (قوله: لا تبطل بحركات خفيفة) معطوف على قوله: تبطل الصلاة بنية قطعها. وهو كالتقييد للبطلان بالفعل الكثير. فكأنه قال: ومحل البطلان بذلك إن كان بعضو ثقيل كاليد والرجل، فإن كان بعضو خفيف كما لو حرك أصابعه في سبحة من غير تحريك كفه ولو مرارا متعددة فلا بطلان، إذ لا يخل بهيئة الخشوع والتعظيم، فأشبه الفعل القليل. (قوله: وإن كثرت وتوالت) أي الحركات الخفيفة. (قوله: بل تكره) قال في الروض: والأولى تركه، أي ترك ما ذكر من الحركات الخفيفة. قال في شرحه: قال في المجموع: ولا يقال مكروه لكن جزم في التحقيق بكراهته، وهو غريب. اه. (قوله: كتحريك أصبع الخ) تمثيل لما يحصل به الحركات الخفيفة. وقوله: في حك أي أو حل أو عقد (قوله: مع قرار كفه) أي استقرارها وعدم تحريكها، وسيأتي حكم تحريكها. (قوله: أو جفن أي أو تحريك جفن، ومثله يقدر فيما بعده. (قوله: لأنها) أي المذكورات، من الجفن والشفة والذكر واللسان. وقوله: تابعة أي فلا يضر تحريكها مع استقرار محالها وعدم تحريكها. (قوله: كالأصابع) أي فإنها تابعة لمحلها، وهو الكف. ولو حذفه وجعل ضمير أنها يعود على الأصابع وما بعدها لكان أخصر. (قوله: ولذلك بحث) أي ولكون العلة في عدم البطلان بتحريك المذكورات تبعيتها لمحالها المستقرة، بحث بعضهم أنه لو حرك لسانه مع تحويله عن محله ثلاث مرات بطلت صلاته، وذلك لعدم تبعيته حينئذ لمحله. وقوله: إن كانت أي حركة اللسان. وقوله: مع تحويله عن محله أي إخراجه عن محله الذي هو الفم. وقوله: أبطل ثلاث منها أي من الحركات. (قوله: قال شيخنا) أي في التحفة. وأما في شرح بأفضل وفتح الجواد فأطلق عدم البطلان. قال الكردي: وظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين أن يخرجه إلى خارج الفم أو يحركه داخله.

بالاصابع الكف، فتحريكها ثلاثا ولاء مبطل، إلا أن يكون به جرب لا يصبر معه عادة على عدم الحك فلا تبطل للضرورة. قال شيخنا: ويؤخذ منه أن من ابتلي بحركة اضطرارية ينشأ عنها عمل كثير سومح فيه. وإمرار اليد وردها على التوالي بالحك مرة واحدة، وكذا رفعها عن صدره ووضعها على موضع الحك مرة واحدة. أي إن اتصل أحدهما بالآخر، وإلا فكل مرة، على ما استظهره شيخنا. (وبنطق) عمدا ولو بإكراه (بحرفين) إن تواليا ـــــــــــــــــــــــــــــ واعتمده الشهاب الرملي وولده. قال: وإن كثر، خلافا للبلقيني في الإيعاب للشارح. يمكن الجمع بالفرق بين مجرد التحريك فلا بطلان به مطلقا، وهو ما قالوه. وبين إخراجه إلى خارج الفم فتبطل بإخراجه إلى خارج الفم وتحركه ثلاث حركات لفحش حركته حينئذ وعليه يحمل كلام البلقيني. اه ملخصا بمعناه. انتهى. وقوله: وهو أي البحث المذكور، محتمل. (قوله: وخرج بالأصابع الكف) لو أخذ محترز القيد الذي ذكره في الشرح، وهو مع قرار كفه، بأن قال: وخرج بقولي مع قرار كفه ما إذا حركها مع الكف فيبطل ثلاث منها، لكان أنسب. (قوله: فتحريكها ثلاثا ولاء مبطل) وقيل: لا يبطل، لأن أكثر البدن ساكن. كما في الكردي. (قوله: إلا إن يكون به) أي بالمصلي، وهو استثناء من بطلانها بتحريك الكف ثلاثا. وقوله: لا يصبر معه عادة أي لا يطيق الصبر مع ذلك الجرب على عدم الحك. أي ولم يكن له حالة يخلو فيها من هذا الحك زمنا يسع الصلاة قبل ضيق الوقت، فإن كان وجب عليه انتظاره. كما في سم. وقوله: على عدم الحك أي بالأصابع مع تحريك الكف. (قوله: فلا تبطل) أي الصلاة. وهو تصريح بالمفهوم. وقوله: للضرورة أي الحاجة إلى ذلك الحك، وهو علة عدم البطلان. (قوله: ويؤخذ منه) أي من تعليلهم عدم البطلان بتحريك الكف ثلاثا، إذا كان به جرب لا يصير معه على عدم الحك بالضرورة. (قوله: بحركة اضطرارية) أي كحركة المرتعش. وقوله: ينشأ عنها أي الحركة المذكورة. وقوله: عمل كثير أي ثلاث حركات فأكثر. وقوله: سومح فيه أي في العمل الكثير للضرورة. والجملة المذكورة خبر إن بناء على جعل من موصولة، فإن جعلت شرطية وجعل اسم أن ضمير الشأن محذوفا كانت الجملة جواب الشرط. وكتب ع ش قوله: سومح فيه. أي حيث لم يخل منه زمن يسع الصلاة، قياسا على ما تقدم في السعال. اه. (قوله: وإمرار اليد إلخ) أي ذهابها. ولو عبر به لكان أنسب بمقابله. وقوله: وردها أي رجوعها. وقوله: على التوالي أي على الاتصال. وخرج به ما إذا لم يكن كذلك، فلا يعد ذلك مرة بل مرتين. وقوله: بالحك متعلق بكل من المصدرين قبله. وقوله: مرة واحدة خبر عنهما. (قوله: وكذا رفعها عن صدره) أي أو غيره من كل موضع كانت اليد عليه. والتقييد به ساقط من عبارة التحفة. (قوله: على موضع الحك) قيد لا بد منه، كما يستفاد من عبارة التحفة، ونصها: ووضعها لكن على موضع الحك. اه. فقوله: لكن إلخ، يفيد ذلك. (قوله: أي إن اتصل الخ) قيد في حسبان ذلك مرة واحدة. (قوله: وإلا فكل مرة) أي وإن لم يكن ذلك على التوالي في الصورة الأولى، ولم يتصل أحدهما بالآخر في الثانية، عد الذهاب مرة والرد مرة ثانية. وكذا الرفع عن الصدر مرة والوضع على موضع الحك مرة ثانية. ولو حذف قوله أولا على التوالي، واستغنى عنه بقوله أي إن اتصل إلخ، أو حذف هذا واستغنى بذاك، ويستفاد التقييد بالتوالي في الصورة الثانية من قوله: وكذا، لكان أولى وأخصر. ولم يصرح في التحفة بالثاني، ولا في فتح الجواد بالأول. ونص عبارة الثاني: وذهابها ورجوعها ووضعها ورفعها حركة واحدة. أي إن اتصل أحدهما بالآخر، وإلا فكل مرة فيما يظهر. اه. (قوله: وبنطق) معطوف على قوله: بنية قطعها. أي وتبطل الصلاة أيضا بالنطق، لخبر مسلم عن زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: * (وقوموا لله قانتين) * فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. ولما روي عن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله إذ عطس رجل من القوم، فقلت له: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتونني سكت. فلما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أن هذه الصلاة لا يصلح فيها

- كما استظهره شيخنا - من غير قرآن وذكر أو دعاء لم يقصد بها مجرد التفهيم، كقوله لمن استأذنوه في الدخول: * (ادخلوها بسلام آمنين) * فإن قصد القراءة أو الذكر وحده أو مع التنبيه لم تبطل، وكذا إن أطلق. على ما قاله جمع متقدمون. لكن الذي في التحقيق والدقائق البطلان، وهو المعتمد. وتأتي هذه الصور الاربعة في الفتح على الامام بالقرآن أو الذكر، وفي الجهر بتكبير الانتقال من الامام والمبلغ. وتبطل بحرفين، (ولو) ظهرا (في ـــــــــــــــــــــــــــــ شئ من كلام الناس. اه شرح الروض. (قوله: عمدا) حال من فاعل المصدر المحذوف. أي بنطقه حال كونه عمدا، أي عامدا. ولا بد أيضا أن يكون عالما بالتحريم وبأنه في الصلاة، فإن لم يكن متعمدا أو لم يكن عالما بذلك فلا بطلان إن كان ما أتى به قليلا عرفا كما سيذكره. (قوله: ولو بإكراه) أي تبطل بالنطق ولو صدر منه بإكراه، لندرة الإكراه في الصلاة بذلك. (قوله: بحرفين) متعلق بنطق. (قوله: إن تواليا) قيد في البطلان بالنطق بالحرفين، أي تبطل بذلك بشرط توالي الحرفين، سواء أفهما أم لا. لأن الحرفين من جنس الكلام، وهو يقع على المفهم وغيره، وتخصيصه بالمفهم اصطلاح للنحاة. (قوله: من غير قرآن الخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لحرفين، أو حال من ضمير تواليا. أي حرفين كائنين من غير إلخ، أو حالة كونهما من غير إلخ. واندرج في غير ما ذكر كلام البشر والحديث القدسي، والمنسوخ لفظه، وكتب الله المنزلة على الأنبياء، فيبطل النطق بحرفين منها ما لم يكن من الذكر أو الدعاء. (قوله: وذكر) قال الكردي: بحث في الإمداد أنه ما ندب الشارع إلى التعبد بلفظه، والدعاء أنه ما تضمن حصول شئ وإن لم يكن اللفظ نصا فيه، كقوله: كم أحسنت إلي وأسأت، وقوله: أنا المذنب. اه. ولا بد من تقييد الذكر بغير المحرم ليخرج ما لو أتى بألفاظ لا يعرف معناها ولم يضعها العارفون. ومن تقييد الدعاء بذلك أيضا ليخرج ما لو دعا على إنسان بغير حق، وما لو دعا بقوله: اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم. فتبطل بذلك الصلاة مطلقا لأنه محرم. (قوله: لم يقصد بها) أي بالقرآن والذكر والدعاء، مجرد التفهيم فإن قصد بها ذلك بطلت صلاته، لأن عروض القرينة أخرجه عن موضعه من القراءة والذكر والدعاء إلى أن صيره من كلام الناس. (قوله: فإن قصد القراءة أو الذكر وحده) أي أو الدعاء (قوله: أو مع التنبيه) معطوف على وحده، أي أو قصد القراءة أو الذكر مع التنبيه. (قوله: لم تبطل) أي لبقاء ما تكلم به على موضوعه. (قوله: وكذا إن أطلق) أي وكذلك لا تبطل إن لم يقصد شيئا. (قوله: على ما قاله جمع متقدمون) تبرأ منه بتعبيره بعلى لكونه ضعيفا جدا. (قوله: لكن الذي في التحقيق والدقائق) هما للإمام النووي. وساق في المغني عبارة الدقائق، ونصه: قال في الدقائق: يفهم من قول المنهاج أربع مسائل: إحداها: إذا قصد القراءة. الثانية: إذا قصد القراءة والإعلام. الثالثة: إذا قصد الإعلام فقط. الرابعة: أن لا يقصد شيئا. ففي الأولى والثانية لا تبطل، وفي الثالثة والرابعة تبطل. وتفهم الرابعة من قوله وإلا بطلت، كما تفهم منه الثالثة. وهذه الرابعة لم يذكرها المحرر، وهي نفيسة لا يستغنى عن بيانها. وسبق مثلها في قول المنهاج: وتحل أذكاره لا بقصد قرآن. اه. (وقوله: البطلان) قال في النهاية: لأن القرينة متى وجدت صرفته إليها ما لم ينو صرفه عنها. وفي حالة الإطلاق لم ينو شيئا فأثرت. اه. (قوله: وهو) أي الذي في التحقيق والدقائق من البطلان في حالة الإطلاق المعتمد. (قوله: وتأتي هذه الصور الأربعة) وهي قصد الفتح فقط، وقصد الذكر أو القراءة فقط، وقصدهما معا، والإطلاق. فتبطل في الأولى بلا خلاف، وتصح في الثانية والثالثة بلا خلاف، ويجري الخلاف في الرابعة. وبقي صورة خامسة وهي: ما إذا ش ك في الحالة المبطلة. كأن شك هل قصد بذلك تفهيما أو قراءة أو أطلق أولا؟ والأوجه فيها عدم البطلان، لأنا تحققنا الانعقاد وشككنا في المبطل، والأصل عدمه. (قوله: بالقرآن أو الذكر) أي أو الدعاء. ويتصور فيما إذا أرتج على الإمام في القنوت ووقف عند نحو قوله: وتولنا فيمن توليت. (قوله: وفي الجهر الخ) معطوف على في الفتح. أي وتأتي أيضا هذه الأربعة في الجهر بتكبير الانتقال. فإن قصد الذكر وحده أو مع الإعلام صحت الصلاة، وإن قصد الإعلام فقط أو أطلق بطلت. وفي الكردي ما نصه: في فتاوى م ر: لا بد من النية، أي نية الذكر وحده، أو مع الإعلام في كل واحدة فإن أطلق بطلت صلاته. قال القليوبي في حواشي المحلي: اكتفى الخطيب بقصد ذلك في جميع الصلاة عند أول تكبيرة. اه. وجرى سم العبادي في شرحه على

تنحنح لغير تعذر قراءة واجبة) كفاتحة، ومثلها كل واجب قولي كتشهد أخير وصلاة فيه فلا تبطل بظهور حرفين في تنحنح لتعذر ركن قولي، (أو) ظهرا في (نحوه) كسعال وبكاء وعطاس وضحك. وخرج بقولي لغير تعذر قراءة واجبة، ما إذا ظهر حرفان في تنحنح لتعذر قراءة مسنونة، كالسورة أو القنوت أو الجهر بالفاتحة، فتبطل. وبحث الزركشي جواز التنحنح للصائم لاخراج نخامة تبطل صومه. قال شيخنا: ويتجه جوازه للمفطر أيضا ـــــــــــــــــــــــــــــ مختصر أبي شجاع على صحة صلاة نحو المبلغ، والفاتح على الإمام بقصد التبليغ والفتح فقط، للجهل بامتناع ذلك. وإن علم امتناع جنس الكلام، وإن لم يقرب عهده بالإسلام ولا نشأ بعيدا عن العلماء. وذكر نحوه في حواشي شرح المنهج أيضا. اه. (قوله: ولو ظهرا) أي الحرفان. وهو غاية للبطلان. ومثل ظهور الحرفين ظهور الحرف المفهم فيه، لأن الكل مبطل من غير تنحنح، فمعه كذلك إذا لا مزية للتنحنح ونحوه على عدمه. والأولى تأخير هذه الغاية عن قوله: أو بنطق بحرف مفهم. (قوله: لغير تعذر الخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لتنحنح، أي تنحنح صادر منه لغير تعذر قراءة واجبة بأن لم يوجد هناك تعذر لقراءة مطلقا، أو وجد تعذر لها وهي مسنونة، فهاتان صورتان مندرجتان تحت منطوق قوله: لغير إلخ. وبقي صورة المفهوم وهي ما إذا صدر منه لتعذر القراءة الواجبة، وتبطل الصلاة في الأوليين لا في الثالثة. (قوله: كفاتحة) تمثيل للقراءة الوجبة. والكاف استقصائية، إذ المراد بالقراءة الواجبة قراءة خصوص ما كان من القرآن وهو هنا الفاتحة. ويدل على هذا قوله بعد: ومثلها إلخ. ثم ظهر صحة كونها تمثيلية أيضا أن لوحظ أنه قد يعجز عن الفاتحة لأنه ينتقل حينئذ إلى سبع آيات من القرآن بدلها فتكون الكاف أدخلت هذه الصورة. (قوله: ومثلها) أي مثل القراءة الواجبة. (وقوله: كل واجب قولي) أي في الصلاة. (قوله: كتشهد أخير) أي أقله. وقوله: وصلاة فيه أي صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير. والمراد أقلها أيضا. (قوله: فلا تبطل الخ) مفرع على مفهوم قوله: لغير تعذر إلخ. وقوله: بظهور حرفين أي أو حرف مفهم كما علمت. وفي فتح الجواد: ويتجه اغتفار الزيادة عليهما، أي الحرفين، حيث سمى الجميع قليلا عرفا. اه. وقوله: في تنحنح أي وإن كثر وظهر بكل واحدة حرفان فأكثر. اه بجيرمي بالمعنى. وقوله: لتعذر ركن قولي المناسب أي يقول: لتعذر ما ذكر، أي من القراءة الواجبة وما كان مثلها. والمراد بالتعذر أن لا تمكنه القراءة مع عدم التنحنح. (قوله: أو ظهرا في نحوه) معطوف على الغاية قبله، أي وتبطل الصلاة أيضا بالنطق بحرفين ولو ظهرا في نحو التنحنح. وقوله: كسعال الخ تمثيل لنحو التنحنح. ومحل البطلان بظهور الحرفين في المذكورات إذا لم تغلب عليه، وإلا فلا بطلان إن كانت يسيرة، كما سيأتي قريبا. وقوله: وبكاء أي ولو من خوف الأخرة. ومثله الأنين والنفخ ولو من الأنف إن تصور. وقوله: وضحك خرج به التبسم فلا يبطل الصلاة لأنه لا يظهر معه حروف. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تبسم فيها، فلما سلم قال: مر بي ميكائيل فضحك لي فتبسمت له. (قوله: وخرج بقولي لغير تعذر الخ) لا يخفي عدم مناسبة الإخراج بما ذكر، لأن هذه الصورة المخرجة مما اندرجت تحت لفظ غير كما علمت، فلا حاجة لإخراجها. نعم، لو قال في المتن: ولا تبطل بظهور حرفين في تنحنح لتعذر قراءة واجبة لكان ما ذكره مناسبا، إلا أنه يسقط منه لفظ غير بأن يقول: وخرج بقولي لتعذر إلخ. إذا علمت ذلك فكان حقه أن يقول: وخرج بقولي لغير تعذر الخ ما إذا ظهر حرفان في تنحنح لتعذر قراءة واجبة فإنها لا تبطل. ويحذف قوله سابقا فلا تبطل بظهور حرفين إلخ. وعبارة المنهج: ولا تبطل بتنحنح لتعذر ركن قولي. وقال في شرحه: لا لتعذر غيره كجهر الخ. اه. وهي ظاهرة. (قوله: كالسورة إلخ) تمثيل المسنونة. وقوله: أو الجهر ظاهره أنه معطوف على السورة، فيكون تمثيلا للقراءة. وهو لا يصح إذ الجهر صفة القراءة لا نفسها. (قوله: فتبطل) أي لأنه لا ضرورة إلى التنحنح لأجلها. قال في شرح الروض: لكن المتجه في المهمات جواز التنحنح للجهر بأذكار الانتقال عند الحاجة إلى إسماع المأمومين. اه. ووافقه ابن حجر في الاستثناء المذكور، وخالفه الخطيب وم ر. (قوله: وبحث الزركشي الخ) استوجهه في التحفة، ونصها: والأوجه في صائم نزلت نخامة لحد الظاهر من فمه واحتاج في إخراجها لنحو حرفين اغتفار، ذلك لأن قليل الكلام يغتفر فيها - أي الصلاة - لأعذار لا يغتفر في نظيرها نزول المفطر للجوف. اه. (قوله: تبطل صومه) أي لو بلعها. (قوله: قال شيخنا)

لاخراج نخامة تبطل صومه. قال شيخنا: ويتجه جوازه للمفطر أيضا لاخراج نخامة تبطل صلاته بأن نزلت لحد الظاهر ولم يمكنه إخراجها إلا به. ولو تنحنح إمامه فبان منه حرفان لم يجب مفارقته لان الظاهر تحرزه عن المبطل نعم، إن دلت قرينة حاله على عدم عذره وجبت مفارقته، كما بحثه السبكي. ولو ابتلي شخص بنحو سعال دائم بحيث لم يخل زمن من الوقت يسع الصلاة بلا سعال مبطل. قال شيخنا: الذي يظهر العفو عنه، ولا قضاء عليه لو شفي. (أو) بنطق (بحرف مفهم) ك: ف وع وف، أو بحرف ممدود، لان الممدود في الحقيقة حرفان. ولا تبطل الصلاة بتلفظه بالعربية بقربة توقفت على اللفظ كنذر وعتق، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي في فتح الجواد. وقال أيضا فيه: وبحث الأذرعي جوازه عند تزاحم البلغم بحلقه إذا خشي أن ينخنق. اه. وقوله: ويتجه جوازه أي التنحنح الظاهر معه حرفان. (قوله: تبطل صلاته) أي لو دخلت إلى جوفه. (قوله: بأن تزلت) أي النخامة من رأسه. وهو تصوير لبطلان الصلاة بها لو وصلت إلى جوفه. وقوله: لحد الظاهر هو مخرج الحاء المهملة. وقيل: الخاء المعجمة. وقوله: ولم يمكنه أي المصلي. وقوله: إخراجها أي النخامة من حد الظاهر. وقوله: إلا به أي بالتنحنح الظاهر معه حرفان. (قوله: ولو تنحنح إمامه) قال ع ش: أي ولو مخالفا، لأنه إما ناس وهو منه لا يضر، أو عامد فكذلك. لأن فعل المخالف الذي لا يبطل في اعتقاده ينزل منزلة السهو. اه. (قوله: فبان) أي ظهر من إمامه. (قوله: لم يجب مفارقته) أي لم يجب على المأموم أن ينوي المفارقة. (قوله: لأن الظاهر الخ) علة عدم الوجوب. ولو قال: لاحتمال عذره لأن الظاهر الخ. لكان أنسب بقوله بعد: على عدم عذره. وعبارة النهاية: حملا له على العذر، لأن الظاهر الخ. اه. وقوله: تحرزه أي الإمام. (قوله: نعم إلخ) تقييد لعدم وجوب نية المفارقة. (قوله: إن دلت قرينة حاله على عدم عذره) أي بأن كان شأن هذا الإمام التقصير في الصلاة وفعل المبطلات كثيرا. (قوله: وجبت مفارقته) أي على المأموم. فإن لم يفارقه بطلت صلاته. (قوله: ولو ابتلي شخص بنحو سعال دائم) دخل تحت نحو السعال العطاس والبكاء والضحك. فلو ابتلي بذلك على الدوام بحيث لا يقدر على دفعه ولا يخلو عنه زمنا يسع الصلاة عفي عنه. (قوله: بحيث الخ) تصوير لدوام السعال. وقوله: لم يخل زمن الخ قال ع ش: فإن خلا من الوقت زمن يسعها بطلت بعروض السعال الكثير فيها، والقياس أنه إن خلا من السعال أول الوقت، وغلب على ظنه حصوله في بقيته، بحيث لا يخلو منه ما يسع الصلاة وجبت المبادرة للفعل. وأنه إن غلب على ظنه السلامة منه في وقت يسع الصلاة قبل خروج وقتها وجب انتظاره. اه. (قوله: قال شيخنا الخ) جواب لو، ونص عبارته: فالذي يظهر العفو عنه ولا قضاء عليه لو شفي. نظير ما يأتي فيمن به حكة لا يصبر معها على عدم الحك. اه. ومثله في الخطيب والنهاية. وقوله: العفو عنه أي عن السعال الدائم في الصلاة. (قوله: ولا قضاء) عبارة النهاية: ولا إعادة عليه. وهي أولى لشمول الإعادة لما لو شفي في الوقت أو خارجه، بخلاف القضاء فإنه خاص بالثاني، إلا أن يحمل على اللغوي. (قوله: أو بنطق الخ) معطوف على قوله: وبنطق بحرفين. وقد علمت أنه كان الأولى تقديم هذا على الغاية وتأخير الغاية عنه لترجع الغاية له أيضا. وقوله: بحرف مفهم قال سم: ظاهره وإن أطلق، فلم يقصد المعنى الذي باعتباره صار مفهما ولا غيره. وقد يقال قصد ذلك المعنى لازم لشرط البطلان، وهو التعمد وعلم التحريم. ولو قصد بالحرف المفهم الذي لا يفهم كأن نطق بف قاصدا به أول حرفي لفظة في، فيحتمل أنه لا يضر. اه. (قوله: ك: ق إلخ) أمثلة للحرف المفهم. وإنما بطلت الصلاة بالنطق بها لأن كل واحد منها كلام تام لغة وعرفا، إذ هو فعل أمر وفاعله مستتر فيه. والأول مأخوذ من الوقاية، والثاني من الوعي، والثالث من الوفاء. (قوله: أو بحرف ممدود) معطوف على بحرف مفهم. أي وتبطل بنطقه بحرف ممدود وإن لم يفهم نحو آومحل البطلان - كما في ع ش - إن أتى بحرف ممدود من غير القرآن، بخلاف ما لو زاد مدة على حرف قرآني ولم يغير المعنى فإنه لا يبطل. (قوله: لأن الممدود إلخ) علة البطلان. وقيل: لا تبطل به لأن المدة قد تتفق لإشباع الحركة ولا تعد حرفا. (قوله: ولا تبطل الصلاة بتلفظه) أي المصلي. وقوله: بالعربية إلخ ذكر خمسة شروط لعدم البطلان، وهي: أن يكون ما تلفظ به بالعربية، وأن يكون قربة، وأن يخلو عن التعليق، وعن الخطاب المضر، وأن تتوقف القربة على اللفظ. فلو

كأن قال: نذرت لزيد بألف أو أعتقت فلانا. وليس مثله التلفظ بنية صوم أو اعتكاف لانها لا تتوقف على اللفظ فلم تحتج إليه، ولا بدعاء جائز ولو لغيره بلا تعليق، ولا خطاب لمخلوق فيهما، فتبطل بهما عند التعليق كإن شفى الله مريضي فعلي عتق رقبة، أو اللهم اغفر لي إن شئت. وكذا عند خطاب مخلوق غير النبي (ص) ولو عند ـــــــــــــــــــــــــــــ فقد واحد منها - بأن كان بغير العربية أو كان ليس قربة، أو كان لم يخل عن التعليق أو الخطاب، أو كانت القربة لم تتوقف على التلفظ بها -، بطلت الصلاة به. نعم، محله في الأول كما في التحفة والنهاية إذا لم يكن المترجم عنه واردا، أو كان واردا ولكنه يحسن العربية. (قوله: كنذر) أي لأنه مناجاة لله فهو من جنس الدعاء إلا ما علق منه. قال في فتح الجواد: وألحق الأسنوي به - أي بالنذر - الوصية والصدقة وسائر القرب المنجزة. وتبعه المصنف، واعترضه جمع بما رددته في الأصل. اه. (قوله: وليس مثله) أي المذكور من النذر والعتق في عدم البطلان. والمناسب التعبير بفاء التفريع لأن المقام يقتضيه. وقوله: بنية صوم أو اعتكاف أي أو نحوهما من كل ما لا يتوقف على التلفظ بالنية، كالنسك. (قوله: لأنها) أي نية الصوم وما عطف عليه، وهو علة انتفاء المثلية. وقوله: لا تتوقف على اللفظ أي لأنهما يحصلان بالنية القلبية. (وقوله: فلم تحتج) أي النية إليه، أي اللفظ. ولا حاجة إلى هذا التفريع لأن عدم التوقف يستلزم عدم الاحتياج. (قوله: ولا بدعاء جائز) عطف على بقربة، من عطف الخاص على العام، إذ القربة تشمل الدعاء، أي ولا تبطل بتلفظه بالعربية بدعاء جائز. وخرج به غير الجائز، وقد مر بيانه، فتبطل به الصلاة. وفي فتاوي الرملي جواز اللهم ارزقني جارية أو زوجة فرجها قدر كذا. اه. (قوله: ولو لغيره) أي ولو كان الدعاء ليس لنفسه بل لغيره فإنه لا يبطل الصلاة، فالغاية لعدم البطلان. (قوله: بلا تعليق ولا خطاب) صفة لكل من قوله: بقربة. وقوله: ولا بدعاء. ولو قدمهما الشارح وذكرهما بعد قوله: توقفت على اللفظ، وحذف لفظ: لا، من قوله: ولا بدعاء، كأن قال: بقربة توقفت على اللفظ بلا تعليق ولا خطاب كنذر وعتق، ثم قال عطفا عليهما، ودعاء، لكان أخصر وأولى، لتنضم الشروط إلى بعضها، ولسلامته من إيهام المغايرة المستفاد من عطف قوله: ولا بدعاء على بقربة. فتنبه. (قوله: لمخلوق) أي غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما سينص عليه. وقوله: فيهما أي في القربة والدعاء. (قوله: فتبطل) أي الصلاة. وقوله: بهما أي بالقربة والدعاء. (قوله: عند التعليق) لا معنى للعندية، فكان عليه أن يقول: مع التعليق. ومثله يقال في قوله: وكذا عند خطاب الخ. تأمل. (قوله: فعلى عتق رقبة) أي أفعبدي حر، والأول تمثيل لتعليق النذر، وما ذكرته تمثيل لتعليق العتق. وقوله: أو اللهم اغفر لي إلخ تمثيل الدعاء بالمشيئة. (قوله: وكذا عند خطاب الخ) أي وكذلك تبطل الصلاة بالنذر إذا كانا مشتملين على خطاب مخلوق غير النبي - صلى الله عليه وسلم - من إنس وجن وملك وغيرهم، كقوله لغيره: سبحان ربي وربك. أو لعبده: لله علي أن أعتقك. (قوله: ولو عند سماعه لذكره) هكذا في التحفة، والذي يظهر أن هذه الغاية مرتبطة بمحذوف هو مفهوم قوله غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، تقديره: أما خطاب مخلوق هو النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يبطل الصلاة، ولو كان ذلك الخطاب عند سماع المصلي لذكره، أي النبي - صلى الله عليه وسلم -، كأن سمع إنسانا يقول: قال النبي كذا، فقال المصلي: صلى الله وسلم عليك يا رسول الله. ويدل على ذلك عبارة حجر على بافضل، ونصها: ولا يبطل خطاب الله وخطاب رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولو في غير التشهد. اه. وكتب الكردي: قوله: ولو في غير التشهد، هذا هو المعتمد. اه. ونازع الأذرعي في عدم بطلانها بخطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير التشهد. وقال: إن الأرجح بطلانها به من العالم لمنعه من ذلك. وفي إلحاقه بما في التشهد نظر، لأنه خطاب غير مشروع. ورده في المغنى وقال: أن الأوجه عدم البطلان إلحاقا بما في التشهد. ونص عبارته: أما خطاب الخالق كإياك نعبد، وخطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كالسلام عليك، في التشهد فلا تبطل به. قال الأذرعي: وقضيته أنه لو سمع بذكره - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليك، أو الصلاة عليك يا رسول الله، أو نحوه، لم تبطل صلاته. ويشبه أن يكون الأرجح بطلانها من العالم لمنعه من ذلك. وفي إلحاقه بما في التشهد نظر لأنه خطاب غير مشروع. اه. والأوجه عدم البطلان إلحاقا بما في التشهد. اه. ومثله في شرح الروض، ونصه بعد أن ساق كلام الأذرعي السابق وفي قوله: ويشبه أن يكون الأرجح بطلانها إلخ، وقفة. اه. وتقدم عن الشارح

سماعه لذكره على الاوجه، نحو نذرت لك بكذا، أو رحمك الله، ولو لميت. ويسن لمصل سلم عليه الرد بالاشارة باليد أو الرأس ولو ناطقا، ثم بعد الفراغ منها باللفظ. ويجوز الرد بقوله: عليه السلام، كالتشميت برحمة الله. ولغير مصل رد سلام تحلل مصل، ولمن عطس فيها أن يحمد ويسمع نفسه. (لا) تبطل (بيسير نحو تنحنح) عرفا (لغلبة) عليه، (و) لا بيسير (كلام) عرفا كالكلمتين والثلاث. قال شيخنا: ويظهر ضبط الكلمة هنا ـــــــــــــــــــــــــــــ في مبحث الفاتحة أنه لو قرأ المصلي آية، أو سمع آية، فيها اسم محمد - صلى الله عليه وسلم - لم تندب الصلاة عليه. وتقدم فيما كتبته عليه أن العجلي قال باستحباب الصلاة عليه عند قراءة آية فيها اسم محمد - صلى الله عليه وسلم -. فارجع إليه إن شئت. (قوله: نحو نذرت لك) تمثيل للقربة المشتملة على الخطاب. ومثله أعتقتك يا عبدي. وقوله: أو رحمك الله تمثيل للدعاء المشتمل على الخطاب. وقوله: ولو لميت أي ولو قال: رحمك الله لميت، فإنها تبطل. والغاية للرد على المستثني لهذه الصورة من البطلان بالخطاب. واستثنى مسائل غيرها أيضا ذكرها في شرح الروض، وعبارته: واستثنى الزركشي وغيره مسائل، إحداها دعاء فيه خطاب لما لا يعقل، كقوله: يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما دب عليك. وكقوله إذا رأى الهلال: آمنت بالذي خلقك ربي وربك الله. ثانيتها: إذا أحس بالشيطان فإنه يستحب أن يخاطبه بقوله ألعنك بلعنة الله، أعوذ بالله منك. لانه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك في الصلاة. ثالثتها: لو خاطب الميت في الصلاة عليه فقال: رحمك الله، عافاك الله، غفر الله لك. لأنه لا يعد خطابا، ولهذا لو قال لامرأته: إن كلمت زيدا فأنت طالق فكلمته ميتا لم تطلق. اه. وساق في المغنى أيضا هذه المسائل المستثناة، ثم قال: والمعتمد خلاف ما ذكر من الاستثناء. اه. (قوله: ويسن لمصل) مثله المؤذن والمقيم، فالرد منهم سنة، وإن كان السلام عليهم غير مندوب، وذلك للاتباع. (قوله: سلم عليه) الجار والمجرور نائب فاعل سلم والضمير يعود على المصلي. أي سلم غيره عليه. وقوله: الرد نائب فاعل يسن. (وقوله: بالإشارة) متعلق بالرد. وقوله: باليد متعلق بالإشارة. (وقوله: ولو ناطقا) أي ولو كان المصلي الراد ناطقا. (قوله: ثم بعد الخ) ظاهر صنيعه هنا أنه يجمع بين الرد بالإشارة والرد باللفظ، وسيأتي عنه في باب الجهاد أنه إن لم يرد بالإشارة في الصلاة يرد بعد الفراغ باللفظ. وعبارته هناك: ويسن الرد لمن في الحمام وملب باللفظ، ولمصل ومؤذن ومقيم بالإشارة، وإلا فبعد الفراغ، أي وإن قرب الفصل، ولا يجب عليهم. اه. وصنيع التحفة يؤيد الأول فانظره. (قوله: باللفظ) متعلق بمحذوف كالظرف الذي قبله، تقديره يرد، أن يرد بعد الفراغ باللفظ. (قوله: ويجوز الرد) أي من المصلي، لانتفاء الخطاب فيه. (وقوله: بقوله) أي المصلي. (وقوله: وعليه السلام) أي بضمير الغيبة. (وقوله: كالتشميت برحمة الله) أي كما أنه يجوز للمصلي تشميت العاطس برحمه الله، أي بضمير الغيبة. (قوله: ولغير مصل الخ) معطوف على قوله لمصل سلم عليه. أي ويسن لغير مصل رد إلخ. وإنما لم يجب لأن سلام المصلي إنما ينصرف للتحليل دون التأمين المقصود من السلام الواجب رده، ولأنه حين سلم غير متأهل لخطاب غير الله تعالى حتى يلزم الرد عليه. (قوله: ولمن عطس الخ) معطوف أيضا على لمصل. أي ويسن لمن عطس في الصلاة أن يحمد الله تعالى ويسمع نفسه. قال ع ش: لكن إذا وقع ذلك في الفاتحة قطع الموالاة. اه. وفي التحفة ما نصه: وبحث ندب تشميت مصل عطس وحمد جهرا. اه. وقال سم: هل يسن له أي المصلي إجابة هذا التشميت بلا خلاف. اه. (قوله: لا تبطل بيسير نحو تنحنح) أي من ضحك وسعال وعطاس، وإن ظهر به حرفان، ولو من كل نفخة. اه. نهاية. (وقوله: عرفا) مرتبط بقوله: يسير. أي أن العبرة في كونه يسيرا أي قليلا العرف. والمراد أن ما يظهر في نحو التنحنح من الحروف يشترط أن يكون قليلا في العرف. فالقلة ومثلها الكثرة - كما سيأتي - راجعان لذلك، لا لنحو التنحنح. إذ مجرد الصوت لا يضر مطلقا. أفاده سم. (قوله: لغلبة عليه) أي قهر منه. قال القليوبي: المراد من الغلبة عدم قدرته على دفعه. اه. وخرج بها ما لو قصد التنحنح ونحوه، كأن تعمد السعال لما يجده في صدره فحصل منه حرفان مثلا من مرة، أو ثلاث حركات متوالية، فتبطل الصلاة به. وهذا خصوصا في شربة التنباك كثيرا. كذا في بشرى الكريم. (قوله: ولا بيسير الخ) أي ولا تبطل بكلام يسير في العرف. فإضافة يسير إلى ما بعده من إضافة الصفة للموصوف، وذلك ست

بالعرف (بسهو)، أي مع سهوه عن كونه في الصلاة بأن نسي أنه فيها، لانه (ص) لما سلم من ركعتين تكلم بقليل معتقدا الفراغ وأجابوه به مجوزين النسخ، ثم بنى هو وهم عليها. ولو ظن بطلانه بكلامه القليل سهوا فتكلم كثيرا لم يعذر. وخرج بيسير تنحنح لغلبة وكلام بسهو كثيرهما فتبطل بكثرتهما، ولو مع غلبة وسهو وغيره، (أو) مع (سبق لسان) إليه، (أو) ـــــــــــــــــــــــــــــ كلمات عرفية فأقل، أخذا من حديث ذي اليدين حيث قال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ مع قوله: بل بعض ذلك قد كان يجعل، أم نسيت كلمة واحدة عرفا، وكذا قد كان. ومنه أيضا ما صدر من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه قال كل ذلك لم يكن، والتفت للصحابة عند قول ذي اليدين. بل بعض ذلك قد كان، فقال: أحق ما يقول ذو اليدين. فقالوا: نعم. ومجموع ذلك ست كلمات عرفية. فقول الشارح: كالكلمتين والثلاث، ليس بقيد. ثم رأيت سم كتب على قول ابن حجر: كالكلمتين والثلاث، ما نصه: ينبغي أن مما يغتفر القدر الواقع في خبر ذي اليدين. (قوله: قال شيخنا إلخ) عبارته. ويظهر ضبط الكلمة هنا بالعرف بدليل تعبيرهم ثم بحرف وهنا بكلمة، ولا تضبط الكلمة عند النحاة ولا عند اللغويين. اه. (قوله: بسهو) متعلق بمحذوف، حال من يسير كلام. أي حال كونه كائنا بسهو. (قوله: أي مع سهوه) أفاد به أن الباء بمعنى مع. (وقوله: عن كونه) أي نفس المصلي. (قوله: بأنه نسي أنه فيها) تصوير لسهوه أنه فيها. ولا حاجة إليه. واحترز بذلك عما إذا نسي تحريمه فلا يعذر. (قوله: لانه - صلى الله عليه وسلم - إلخ) دليل لعدم البطلان بيسير الكلام سهوا. (قوله: معتقدا الفراغ) هو وما بعده بيان لوجه الدلالة. وفي المغني ما نصه: وجه الدلالة أنه تكلم معتقدا أنه ليس في الصلاة، وهم تكلموا مجوزين النسخ. اه. وفي القسطلاني شرح البخاري: وإنما بنى عليه الصلاة والسلام على الركعتين بعد أن تكلم لأنه كان ساهيا لظنه عليه الصلاة والسلام أنه خارج الصلاة، والكلام سهوا لا يقطعها خلافا للحنيفة. وأما كلام ذي اليدين والصحابة فلأنهم لم يكونوا على اليقين من البقاء في الصلاة لتجويزهم نسخ الصلاة من الأربع إلى الركعتين. وتعقب بأنهم تكلموا بعد قوله عليه الصلاة والسلام: لم تقصر. أو أن كلامهم كان خطابا له عليه الصلاة والسلام، وهو غير مبطل عند قوم. أو أنهم لم يقع منهم كلام إنما أشاروا إليه أي نعم. كما في سنن أبي داود بإسناد صحيح، بلفظ: أومؤا. اه. وقوله: وإن كلامهم معطوف على قوله فلأنهم لم يكونوا، وليس معطوفا على ما بعد تعقب كما هو ظاهر. (قوله: وأجابوه) أي أجاب الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: به أي بقليل الكلام. وقوله: مجوزين النسخ أي نسخ الرباعية إلى الركعتين. (قوله: ثم بنى هو) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وقوله: وهم) أي الصحابة. وقوله: عليها أي على الصلاة. والأولى عليهما، بضمير التثنية العائد على الركعتين. قوله: ولو ظن أي المصلي. وقوله: بطلانها أي الصلاة. وقوله: فتكلم كثيرا أي بعد الكلام اليسير الصادر منه سهوا، وخرج ما إذا تكلم بعده بكلام يسير فإنه يعذر ولا تبطل صلاته. لكن قال ع ش: محل عدم البطلان حيث لم يحصل من مجموع الكلامين كلام كثير متوال وإلا بطلت صلاته لأنه لا يتقاعد عن الكلام الكثير سهوا. وقوله: لم يعذر أي فتبطل صلاته، وذلك لأن الكثير يبطل مطلقا، عمدا أو سهوا. (قوله: وكلام بسهو) أي يسير كلام مصحوب بسهو. وقوله: كثيرهما فاعل خرج، والضمير يعود على التنحنح والكلام. (قوله: فتبطل) أي الصلاة. وقوله: بكثرتهما أي بكثرة التنحنح لغلبته، وكثرة الكلام سهوا. والكثرة في الأول إنما هي باعتبار ما يظهر فيه من الحروف، لأن مجرد الصوت لا يضر مطلقا كما مر. وفي البجيرمي ما نصه: وحاصل تقرير المسألة كما يؤخذ من شرح م وغيره أنه يعذر في التنحنح اليسير ونحوه للغلبة، وإن ظهر حرفان. ويعذر في التنحنح فقط لتعذر ركن قولي، وإن كثر التنحنح والحروف. ولا يعذر في تنحنح ونحوه لغلبة إن كثر التنحنح ونحوه وكثرت الحروف لأن ذلك يقطع نظم الصلاة وهيئتها. هكذا يجب أن يفهم. وأيد ذلك بعض مشايخنا بقوله: سمعت ذلك من ح ل. اه بزيادة. (قوله: ولو مع غلبة وسهو) هذه الغاية تستدعي ركاكة في الكلام، إذ ضمير بكثرتهما يعود على التنحنح المقيد بالغلبة، وعلى الكلام المقيد بالسهو، فيكون الحل هكذا: فتبطل بكثرة التنحنح لغلبة ولو مع غلبة، وبكثرة الكلام سهوا ولو سهوا. إلا أن يدعي أن الضمير يعود عليهما بقطع النظر عن قيديهما فلا ركاكة لكنه بعيد. وبالجملة فلو حذفها لكان أولى. (وقوله: وغيره) أي غير المذكورين من الغلبة والسهو، وذلك كسبق اللسان والجهل بالتحريم. (قوله: أو مع سبق لسان) معطوف

مع (جهل تحريمه) أي الكلام فيها (لقرب إسلام) وإن كان بين المسلمين، (أو بعد عن العلماء) أي عمن يعرف ذلك. ولو سلم ناسيا ثم تكلم عامدا - أي يسيرا - أو جهل تحريم ما أتى به مع علمه بتحريم جنس الكلام أو كون التنحنح مبطلا مع علمه بتحريم الكلام، لم تبطل لخفاء ذلك على العوام. ـــــــــــــــــــــــــــــ على بسهو. والأولى كما تقدم غير مرة التعبير بالباء فيه وفيما بعده، وإن كانت بمعنى مع. وقوله: إليه أي إلى الكلام اليسير. (قوله: أو مع جهل تحريمه) معطوف على بسهو أيضا. وقوله: أي الكلام تفسير لضمير تحريمه. والمراد تحريم الكلام مطلقا، ما أتى به وغيره. أما تحريم ما أتى به فقط فسيذكره. وقوله: فيها أي في الصلاة. (قوله: لقرب إسلام) أي لأن معاوية بن الحكم رضي الله عنه تكلم جاهلا بذلك، ومضى في صلاته بحضرته - صلى الله عليه وسلم -. وهو مع ما بعده قيد في عدم البطلان مع جهل التحريم. أي أن محل ذلك إذا عذر في جهله بأن قرب الخ، بخلاف ما لو بعد إسلامه وقرب من العلماء فتبطل صلاته لعدم عذره بسبب تقصيره بترك التعلم. واعلم أن أعذار الجاهل من باب التخفيف لا من حيث جهله، وإلا كان الجهل خيرا من العلم إذا كان يحط عن العبد أعباء التكليف أي ثقله، ويريح قلبه عن ضروب التعنيف. مع أنه لا عذر للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ والتمكين. (قوله: وإن كان بين المسلمين) أي وإن كان نشأ بين المسلمين. والغاية للرد. قال في التحفة: وبحث الأذرعي أن من نشأ بيننا ثم أسلم لا يعذر وإن قرب إسلامه لأنه لا يخفى عليه أمر ديننا. اه. ويؤخذ من علته أن الكلام في مخالط قضت العادة فيه بأنه لا يخفى عليه ذلك. اه. (قوله: أو بعد إلخ) هو بصيغة المصدر، معطوف على قرب، أي أو لعبد عنهم. قال في التحفة: ويظهر ضبط البعد بما لا يجد مؤنة يجب بذلها في الحج توصله إليه. ويحتمل أن ما هنا أضيق لأنه واجب فوري أصالة، بخلاف الحج. وعليه فلا يمنع الوجوب إلا الأمر الضروري لا غير، فيلزمه مشي أطاقه وإن بعد، ولا يكون نحو دين مؤجل عذرا له، ويكلف بيع نحو قنه الذي لا يضطر إليه. اه. والمراد بالعلماء هنا العالمون بذلك الحكم المجهول، وإن لم يكونوا علماء عرفا. فقول الشارح: أي عمن يعرف ذلك، بيان للمراد بالعلماء هنا. (قوله: ولو سلم ناسيا) أي لشئ من صلاته، كأن سلم من ركعتين ظانا كمال صلاته. (وقوله: ثم تكلم عامدا) أي بناء على ظن أنها كملت. وقوله: أي يسيرا لا حاجة للفظ أي فالأولى حذفها. (قوله: أو جهل الخ) معطوف على سلم ناسيا. وقوله: تحريم ما أتى به أي من الكلام اليسير. وخرج بجهله تحريم ذلك ما لو علمه وجهل كونه مبطلا فتبطل به. كما لو علم تحريم شرب الخمر دون إيجابه الحد فإنه يحد، إذ كان حقه بعد العلم بالتحريم الكف. (قوله: مع علمه بتحريم جنس الكلام) قال سم على حجر: يؤخذ من ذلك بالأولى صحة صلاة نحو المبلغ والفاتح بقصد التبليغ، والفتح فقط الجاهل بامتناع ذلك وإن علم امتناع جنس الكلام. فتأمله. اه. ثم إن في الكلام مضافين محذوفين، أي مع علمه بتحري بعض أفراد جنس الكلام، وبه يندفع ما استشكله بعضهم من أن الجنس لا تحقق له إلا في ضمن أفراده. فكيف يتصور جهله بتحريم ما أتى مع علمه بذلك؟ ويمكن أن يندفع أيضا بأن المراد بالجنس الحقيقة في ضمن بعض مبهم. (قوله: أو كون التنحنح مبطلا) معطوف على تحريم ما أتى به، أي أو جهل كون التنحنح مبطلا، أي وإن كان مخالطا للمسلمين، كما في الكردي. (قوله: لم تبطل) أي الصلاة، وهو جواب لو. (قوله: لخفاء ذلك على العوام) تعليل لعدم البطلان. وظاهر صنيعه أنه تعليل له بالنسبة للمسائل الثلاث، أعني ما لو سلم ناسيا، وما لو جهل تحريم ما أتى به، وما لو جهل كون التنحنح مبطلا. وأن اسم الإشارة فيه راجع للمذكور منها كلها، وذلك لا يصح. أما بالنسبة للمسألة الأولى فواضح، إذ ليس فيها جهل أصلا حتى يعلل ما تضمنته بخفائه على العوام. وكذا بالنسبة للمسألة الثانية، فيتعين أن يكون تعليلا له بالنسبة للمسألة الأخيرة فقط، وعليه يكون اسم الإشارة راجعا لمجموع ما تقدم منها. نعم إن كان ما أتى به مما يجهله أكثر العوام، وجرينا على عدم اشتراط قربه من الإسلام أو بعده عن العلماء، حينئذ فإنه يصح بالنسبة للمسألة

(و) تبطل (بمفطر) وصل لجوفه وإن قل، وأكل كثير سهوا وإن لم يبطل به الصوم، فلو ابتلع نخامة نزلت من رأسه لحد الظاهر من فمه، أو ريقا متنجسا بنحو دم لثته، وإن ابيض، أو متغيرا بحمرة نحو تنبل، بطلت. أما الاكل القليل عرفا - ولا يتقيد بنحو سمسمة - من ناس، أو جاهل معذور، ومن مغلوب، كأن نزلت نخامته لحد الظاهر وعجز عن مجها، أو جرى ريقه بطعام بين أسنانه وقد عجز عن تمييزه ومجه، فلا يضر للعذر. (و) تبطل ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية أيضا. وكتب الكردي ما نصه: قوله: وكالجاهل من جهل تحريم ما أتى به إلخ، قضيته اشتراط كونه قريب عهد بالإسلام، أو نشأ بعيدا عن العلماء، وهو كذلك في بعض نسخ شرح الروض. ويصرح به كلام شرح المنهج. وظاهر كلام أصل الروضة عدم اشتراط ذلك. وبحث في التحفة الجمع بينهما بحمل الثاني على أن يكون ما أتى به مما يجهله أكثر العوام فيعذر مطلقا، والأول على أن يكون مما يعرفه أكثرهم فلا يعذر إلا بأحد الشرطين المتقدمين. اه. واقتصر في المغني على المسألة الأخيرة، وعللها بالتعليل المذكور. ونص عبارته: لو جهل بطلانها بالتنحنح مع علمه تحريم الكلام فمعذور لخفاء حكمه على العوام. اه. وذلك مؤيدا لما قلناه، فتفطن. (قوله: وتبطل بمفطر وصل لجوفه) أي لشدة منافاته لها، لأن ذلك يشعر بالإعراض عنها. وتبطل بذلك ولو بلا حركة فم إذ هي وحدها فعل يبطل كثيره. (قوله: وإن قل) أي المفطر، كسمسمة، وكأن نكش أذنه بشئ فوصل باطنها فتبطل الصلاة به. والغاية للرد على القائل بعدم بطلانها القليل كسائر الأفعال القليلة. (قوله: وأكل) بضم الهمزة بمعنى مأكول، وعطفه على مفطر من عطف المغاير إن نظر للقيد، أعني قوله سهوا. فإن لم ينظر إليه كان من عطف الخاص على العام. وفي البجيرمي قال ع ش: ولا يضر عطفه على المفطر لأنه يضر، وإن لم يكن مفطرا فلا يستفاد منه، فتعين ذكره. اه. (وقوله: سهوا) أي أو جهلا بتحريمه، ولو عذر فيه. (وقوله: وإن لم يبطل به الصوم) الواو للحال، وأن زائدة. أي والحال أن الصوم لا يبطل به. والفرق أن للصلاة حالة تذكر بها، بخلاف الصوم. (قوله: فلو ابتلع الخ) تفريع على بطلانها بمفطر (وقوله: نخامة) هي الفضلة الغليظة يلفظها الشخص من فيه، ويقال لها أيضا نخاعة بالعين. (قوله: نزلت من رأسه) أي وأمكنه مجها ولم يفعل. ونزولها من الرأس ليس بقيد، بل مثله ما لو طلعت من جوفه ووصلت لحد الظاهر (وقوله: من فمه) حال من حد الظاهر. (قوله: أو ريقا متنجسا) معطوف على نخامة. أي أو ابتلع ريقا متنجسا. (وقوله: بنحو دم لثته) متعلق بمتنجسا. واندرج تحت نحو القئ وأكل شئ نجس. (قوله: وإن ابيض) هو بتشديد الضاد، فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر يعود على الريق. وفي بعض نسخ الخط: وإن كان أبيض. وعليه يحتمل أن يكون وصفا خبر كان، وأن يكون فعلا والجملة خبر. (قوله: أو متغيرا) معطوف على متنجسا. أي أو ابتلع ريقا متغيرا. (وقوله: بحمرة نحو تنبل) أي أو بسواد نحو قهوة، أو خضرة نحو قات. واستقرب ع ش عدم بطلانها بتغيره بسواد القهوة، وقياسه يقال في المتغير بحمرة وخضرة ما مر. ونص عبارته: مجرد الطعم الباقي من أثر الطعام لا أثر له لانتفاء وصول العين إلى جوفه، وليس مثل ذلك الأثر الباقي بعد شرب القهوة مما يغير لونه أو طعمه فيضر ابتلاعه، لأن تغير لونه يدل على أنه عينا، ويحتمل أن يقال بعدم الضرر لأن مجرد اللون يجوز أن يكون اكتسبه الريق من مجاورته الأسود مثلا. وهذا هو الأقرب أخذا مما قالوه في طهارة الماء إذا تغير بمجاور. اه ببعض تغيير. (قوله: بطلت) جواب لو. وإنما بطلت بذلك للقاعدة أن كل ما أبطل الصوم أبطل الصلاة. (قوله: أما الأكل القليل) مفهوم قوله كثير. (قوله: ولا يتقيد) أي القليل بنحو سمسمة، بل المعتبر العرف. فما يعده العرف قليلا فهو قليل وما يعده كثيرا فهو كثير. (قوله: من ناس) متعلق بمحذوف خال من الأكل، أي حال كونه واقعا من ناس الخ. (قوله: أو جاهل معذور) أي بأن قرب عهده بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء. (قوله: ومن مغلوب) معطوف على من ناس. والمراد به المقهور على وصوله للجوف. وقوله: كأن نزلت الخ تمثيل له. وقوله: لحد الظاهر هو مخرج الخاء عند النووي، والحاء عند الرافعي. اه بجيرمي. (قوله: وعجز عن مجها) أي بأن لم يمكنه إمساكها وقذفها. قال ع ش: أو أمكنه ونسي كونه في الصلاة، أو جهل تحريم ابتلاعها. اه. (قوله: أو

(بزيادة ركن فعلي عمدا) لغير متابعة، كزيادة ركوع أو سجود وإن لم يطمئن فيه. ومنه - كما قال شيخنا -: أن ينحني الجالس إلى أن تحاذي جبهته ما أمام ركبتيه ولو لتحصيل توركه، أو افتراشه المندوب، لان المبطل لا يغتفر للمندوب. ويغتفر القعود اليسير بقدر جلسة الاستراحة قبل السجود، وبعد سجد التلاوة، وبعد سلام إمام مسبوق في غير محل تشهده. أما وقوع الزيادة سهوا أو جهلا عذر به فلا يضر، كزيادة سنة نحو رفع اليدين ـــــــــــــــــــــــــــــ جرى الخ) معطوف على نزلت. أي وكأن جرى ريقه بالطعام الذي بين أسنانه إلى جوفه قهرا عنه. (قوله: وقد عجز عن تمييزه) أي تمييز الطعام من الريق، أو المراد به فصله من فمه. وقوله: ومجه عطفه على ما قبله مغاير على الأول ومرادف على الثاني. وخرج بذلك ما إذا أمكنه ذلك وبلعه فإنه يضر. (قوله: وتبطل بزيادة إلخ) أي وبتقديمه على غيره أيضا لتلاعبه، ولأنه يخل بنظم الصلاة. وقوله: ركن إلخ ذكر للبطلان أربعة قيود: كون ما زاده ركنا، وكون الركن فعليا، وكونه عمدا، ولغير المتابعة. وبقي عليه قيود ثلاثة: أن لا يكون جلوسا خفيفا عهد في الصلاة، وهذا يستفاد من قوله: ويغتفر القعود اليسير إلخ. وأن يكون عالما بالتحريم، وهذا يستفاد من ذكر محترزه بقوله: أو جهلا عذر به، ولعله سقط من النساخ. وأن يكون ما أتى به أولا معتدا به، وخرج بهذا الأخير ما لو سجد على ما يتحرك بحركته ثم رفع وسجد ثانيا فإنه لا يضر لعدم الاعتداد بالأول. قال البجيرمي: وينبغي إن محل عدم الضرر فيه إذا لم يطل زمن سجوده على ذلك، وإلا ضر. اه. (قوله: عمدا) حال من زيادة. أي حال كون تلك الزيادة وقعت عمدا. (قوله: لغير متابعة) متعلق بزيادة، أو متعلق بمحذوف حال منها. (قوله: كزيادة ركوع الخ) قال ع ش: مفهومه أنه لو انحنى إلى حد لا تجزئه فيه القراءة بأن صار إلى الركوع أقرب منه للقيام عدم البطلان لأنه لا يسمى ركوعا. ولعله غير مراد، وأنه متى انحنى حتى خرج عن حد القيام عامدا عالما بطلت صلاته، ولو لم يصل إلى حد الركوع، لتلاعبه. ومثله يقال في السجود. اه. (قوله: وإن لم يطمئن فيه) أي في المذكور من الركوع والسجود، والغاية للبطلان بذلك. (قوله: ومنه) أي ومن المبطل. وقوله: أن ينحني إلخ خالف الرملي وغيره في كون هذا الانحناء مبطلا، كما في الكردي. ونص عبارته: رأيت في فتاوي الجمال الرملي: لا تبطل صلاته بذلك إلا إن قصد به زيادة ركوع. اه. وقال القليوبي: لا يضر وجوده، أي صورة الركوع في توركه وافتراشه في التشهد، خلافا لابن حجر. اه. وقوله: أي صورة الركوع أي للمصلي جالسا. (قوله: ولو لتحصيل توركه أو افتراشه) أي تبطل بالانحناء المذكور، ولو كان صادرا منه لأجل تحصيل إلخ. وقوله: المندوب صفة لكل من توركه أو افتراشه. وإفراد الصفة لكون العطف بأو. والتورك المندوب يكون في تشهد يعقبه سلام، والافتراش المندوب يكون في تشهلا يعقبه ذلك كما مر. (قوله: لأن المبطل إلخ) علة لبطلانها به إذا كان لتحصيل ما ذكر. قال في التحفة: ولا ينافي ذلك ما يأتي في الانحناء لقتل نحو الحية، لأن ذاك لخشية ضرره صار بمنزلة الضروري. وسيأتي اغتفار الكثير الضروري، فأولى هذا. اه. (قوله: ويغتفر القعود) قال م ر: وإنما اغتفر لأن هذه الجلسة عهدت في الصلاة غير ركن بخلاف نحو الركوع لم يعهد فيها إلا ركنا، فكان تأثيره في تغيير نظمها أشد. اه. ومثله في فتح الجواد والمغنى. وقوله: اليسير هو ما يسع الذكر الوارد في الجلوس بين السجدتين ودون أقل التشهد. فقوله: بقدر جلسة الاستراحة بيان له، فهو خبر لمبتدأ محذوف. أي وهو بقدر إلخ. ولو صرح به أو قال بأن كان بقدر الخ لكان أولى، لإيهام عبارته أنه قيد لا بيان، مع أنه ليس كذلك. وعبارة التحفة: كأن كان بقدر الخ، اه. وهي ظاهرة. (قوله: قبل السجود) متعلق بمحذوف حال من القعود، أي حال كون القعود واقعا منه قبل السجود. وعبارة التحفة: بعد هويه وقبل سجوده، أو عقب سجود تلاوة أو سلام إمام في غير محل جلوسه، بخلافه قبل الركوع مثلا، فإنه بمجرده، بل بمجرد خروجه عن حد القيام في الفرض تبطل وإن لم يقم. اه. وقوله: بخلافه أي تعمد الجلوس. اه سم. (قوله: وبعد سجدة التلاوة) أي عقبها. والأولى التعبير به. (قوله: وبعد سلام إمام إلخ) أي ويغتفر القعود اليسير لمسبوق بعد سلام إمامه في غير محل تشهده الأول، فإن طوله بطلت صلاته. وقوله: في غير محل تشهده قيد في الأخير، وهو

في غير محله، أو ركن قولي كالفاتحة، أو فعلي للمتابعة، كأن ركع أو سجد قبل إمامه ثم عاد إليه. (و) تبطل (باعتقاد) أو ظن (فرض) معين من فروضها (نفلا) لتلاعبه، لا إن اعتقد العامي نفلا من أفعالها فرضا، أو علم أن فيها فرضا ونفلا ولم يميز بينهما، ولا قصد بفرض معين النفلية، ولا إن اعتقد أن الكل فروض. ـــــــــــــــــــــــــــــ متعلق بالقعود اليسير، كما يعلم من الحل السابق. وخرج به ما إذا قعد بعد سلام إمامه في محل تشهد فيغتفر مطلقا، ولا يتقيد بيسير ولا كثير. نعم يكره تطويله، كما نص عليه في النهاية قبيل باب شروط الصلاة، ونصها: أما المسبوق فيلزمه أن يقوم عقب تسليمتيه فورا إن لم يكن جلوسه مع الإمام محل تشهده، فإن مكث عامدا عالما بالتحريم قدرا زائدا على جلسة الاستراحة بطلت صلاته، أو ناسيا أو جاهلا فلا، فإن كان محل تشهده لم يلزمه ذلك لكن يكره تطويله. اه. (قوله: أما وقوع الزيادة الخ) شروع في أخذ محترزات القيود السابقة على اللف والنشر المشوش. ولو قال كعادته: وخرج بقولي كذا الخ، لكان أولى. وقوله: سهوا حال من الزيادة. قال ع ش: ومن ذلك ما لو سمع المأموم وهو قائم تكبيرا فظن أنه إمامه فرفع يديه للهوي وحرك رأسه للركوع ثم تبين له الصواب فكف عن الركوع فلا تبطل صلاته، لأن ذلك في حكم النسيان. ومن ذلك ما لو تعددت الأئمة بالمسجد فسمع المأموم تكبيرا فظنه تكبير إمامه فتابعه، ثم تبين له خلافه فيرجع إلى إمامه، ولا يضره ما فعله للمتابعة لعذره فيه، وإن كثر. اه. (قوله: عذر به) أي بالجهل بأن كان قريب عهد بالإسلام أو بعد عن العلماء كما مر. وذلك لأنه حينئذ كالنسيان. (قوله: فلا يضر) جواب أما. وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر خمسا ولم يعد الصلاة بل سجد للسهو. (قوله: كزيادة الخ) الكاف للتنظير في عدم الضرر، وهذا محترز قوله: سنة ركن. وقوله: مضاف لما بعده وهي للبيان. وقوله: نحو رفع اليدين انظر ما اندرج تحت نحو، فإن كان المراد به جلسة الاستراحة بعد سجدة التلاوة أو قبل السجود فقد تقدمت، فالأولى حذف لفظ نحو. ومحل عدم الضرر برفع اليدين - كما في سم - إذا لم يكثر ويتوال، وإلا ضر. وقوله: في غير محله متعلق بزيادة ومحل الرفع عند التحرم، وعند الركوع، وعند الاعتدال، وعند القيام من التشهد الأول. كما مر. (قوله: أو ركن قولي) محترز قوله: فعلي. وهو معطوف على سنة. أي وكزيادة ركن قولي. والمراد به ما عدا تكبيرة الإحرام والسلام، أما هما فزيادتهما مبطلة. (قوله: أو فعلي للمتابعة) أي أو زيادة ركن فعلي لأجل متابعة إمامه. (قوله: كأن ركع إلخ) أي وكأن رفع المصلي منفردا رأسه من الركوع فاقتدى بمن لم يركع ثم أعاد الركوع معه فإنه لا تبطل به صلاته. وقوله: ثم عاد إليه أي إلى إمامه ليركع معه أو يسجد. والعود سنة إن صدر منه ذلك على سبيل العمد، فإن صدر منه على سبيل السهو تخير بين العود وعدمه كما مر. (قوله: وتبطل باعتقاد إلخ) يشترط لبطلان الصلاة في الركن الفعلي ثلاثة شروط. أن يعتقده أو يظنه نفلا، وأن يفعله على هذا الاعتقاد أو الظن، وأن يكون ذلك اعتقاد الشخص نفسه. فلا يبطل صلاة المأموم اعتقاد إمامه. وفي الركن القولي يزاد شرط رابع وهو: شروعه في فعلي بعده. أما لو أعاده في محله لا بينة نفل فلا بطلان، كما في فتح الجواد. اه. كردي. وقوله: معين لبيان الواقع لا للاحتراز، إذ لا يتصور اعتقاد أو ظن فرض مبهم نفلا. وقوله: من فروضها أي الصلاة. وقوله: نفلا مفعول لكل من اعتقاد ومن ظن. (قوله: لتلاعبه) علة البطلان. (قوله: لا إن اعتقد الخ) أي لا تبطل إن اعتقد. وقوله: العامي هو من لم يحصل من الفقه شيئا يهتدي به إلى الباقي. وقيل: المراد به هنا من لم يميز فرائض صلاته من سننها، والعالم من يميز ذلك. وقيل: هو من يشتغل بالعلم زمنا تقضي العادة بأن يميز فيه بين الفرض والنفل، وبالعالم من اشتغل بالعلم زمنا تقضي العادة فيه بأن يميز الفرض والنفل. وقوله: نفلا من أفعالها، أي الصلاة. وقوله: فرضا مفعول ثان لاعتقد. (قوله: أو علم الخ) معطوف على اعتقد، وفاعل الفعل يعود على العامي. أي ولا تبطل إن علم العامي أن في الصلاة فرضا ونفلا. وقوله: ولم يميز بينهما أي بين الفرض والنفل. والجملة حال من فاعل علم. (قوله: ولا قصد الخ) معطوف على ولم يميز، فهو حال ثانية إذ المعطوف على الحال حال. قوله: ولا إن اعتقد الخ أي ولا تبطل إن اعتقد العامي أن أفعال الصلاة كلها فروض. ومثل العامي في هذه الصورة العالم على

(تنبيه) ومن المبطل أيضا حدث ولو بلا قصد، واتصال نجس لا يعفى عنه إلا إن دفعه حالا، وانكشاف عورة إلا إن كشفها ريح فستر حالا، وترك ركن عمدا، وشك في نية التحرم أو شرط لها مع مضي ركن قولي أو فعلي أو طول زمن. وبعض القولي ككله مع طول زمن شك، أو مع قصره، ولم يعد ما قرأه فيه. ـــــــــــــــــــــــــــــ الوجه، كما تقدم للشارح في أواخر شروط الصلاة. وعلل عدم البطلان من العالم في هذه الصورة - في الفتح - بأنه ليس فيها أكثر من أنه أدى سنة باعتقاد الفرض، وذلك لا يؤثر. (قوله: ومن المبطل أيضا حدث الخ) لو قال في المنهج عروض مناف لها لكان أولى، ليشمل كل ما يبطلها من انتهاء مدة الخف والرد واستدبار القبلة وغيذلك. (قوله: ولو بلا قصد) أي ولو خرج منه الحدث بغير قصد فإنه يبطل الصلاة للخبر الصحيح: إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته. (قوله: واتصال نجس) أي ومن المبطل أيضا اتصال نجس - أي بالمصلى - بدنا وثوبا ومكانا. وخرج بالاتصال المحاذاة فلا يضر نجس يحاذيه لعدم ملاقاته له، فصار كما لو صلى على بساط طرفه نجس فإن صلاته صحيحة، وإن عد ذلك مصلاه. وخرج بالجار والمجرور الذي زدته اتصاله بما هو متصل بالمصلي، فإن فيه تفصيلا مر، وحاصله أنه إن كان مع حمل لذلك بطلت، وإلا فلا. كما لو وضع أصبعه على حجر تحته نجاسة ونحاها به من غير حمل له. وقوله: لا يعفى عنه خرج به المعفو عنه، كذرق الطيور في المكان بالشروط المارة من عموم البلوى، وعدم تعمد الصلاة عليه، وعدم وجود رطوبة. (قوله: إن دفعه حالا) أي إلا إن دفع المصلي النجس عنه حالا فإنه لا بطلان. وصورة دفعه حالا أن يلقي الثوب فيما إذا كان النجس رطبا، وأن ينفضه فيما إذا كان يابسا. ولا يجوز له أن ينحيها بيده أو كمه أو بعود على أصح الوجهين، فإن فعل بطلت صلاته. وفي ابن قاسم صورة إلقاء الثوب في الرطب أن يدفع الثوب من مكان طاهر منه إلى أن يسقط، ولا يرفعه بيده ولا يقبضه بيده ويجره. وصورة نفضه في اليابس أن يميل محل النجاسة حتى تسقط. اه. (قوله: وانكشاف عورة) أي ومن المبطل انكشاف عورة المصلي. (قوله: إلا إن كشفها الخ) أي فلا بطلان. وقوله: ريح أي أو حيوان أو آدمي غير مميز، أما المميز فيؤثر كشفه لها، وذلك لأن له قصدا فيبعد إلحاقه بالريح. بخلاف غير المميز فإنه لما لم يكن له قصد أمكن إلحاقه به. كذا في ع ش. (قوله: وترك ركن عمدا) أي ومن المبطل أيضا ترك ركن عمدا، ولو قوليا، لما مر من إخلاله بنظم الصلاة. وخرج بقوله عمدا الترك سهوا فلا يبطل لعذره، وإنما يتداركه إن لم يفعل مثله من ركعة أخرى، وإلا قام مقامه ولغا ما بينهما وأتى بركعة كما تقدم غير مرة. (قوله: وشك في نية التحرم) أي ومن المبطل أيضا شك المصلي في نية التحرم، كأن شك هل نوى أو لا؟ والشك في التحرم كالشك في النية. (قوله: أو شرط لها) أي أو شك في شرط للنية فيبطلها. وشروطها ثلاثة، نظمها بعضهم في قوله: يا سائلي عن شروط النية القصد والتعيين والفرضيه وقد مر ذلك. فلو شك هل عين أو لا؟ أو هل نوى الفرض أو لا؟ ضر ذلك بالقيود الآتية. (قوله: مع مضي إلخ) قيد لبطلان الصلاة بالشك في النية أو شرطها. فلو فقد بأن تذكر الإتيان بما شك فيه قبل مضي ركن وقبل طول زمن فلا بطلان. وقوله: ركن قولي أي كالفاتحة. وقوله: أو فعلي أي كالاعتدال. (قوله: أو طول زمن) أي أو مع طول زمن الشك. قال الشرقاوي: وطوله بأن يسع ركنا، وقصره بأن لا يسعه، كأن خطر له خاطر فزال سريعا. اه. (قوله: وبعض القولي إلخ) أي ومضي بعض الركن القولي كمضي كله فتبطل به الصلاة، لكن إن طال زمن الشك أو لم يطل، ولكنه لم يعد ما قرأه فيه. (قوله: ولم يعد ما قرأه فيه) أي في زمن الشك القصير. قال في فتح الجواد: وقول ابن عبد السلام: يعتد بما قرأ مع الشك. ضعيف. اه. والحاصل أن الصلاة تبطل إذا شك في النية أو في شرطها بأحد ثلاثة أشياء. بمضي ركن مطلقا، أو طول زمن وإن لم يتم معه ركن، أو لم يعد ما قرأه في حالة الشك وإن لم يطل الزمن ولم يمض ركن. وتصح فيما إذا تذكر قبل إتيانه بركن. أو قبل طول الزمن، وأعاد ما قرأه في حالة الشك، لكثرة عروض مثل ذلك. (قوله:

(فرع) لو أخبره عدل رواية بنحو نجس أو كشف عورة مبطل لزمه قبوله، أو بنحو كلام مبطل فلا. (وندب لمنفرد رأى جماعة) مشروعة (أن يقلب فرضه) الحاضر لا الفائت (نفلا) مطلقا، (ويسلم من ركعتين) إذا لم يقم لثالثة، ثم يدخل في الجماعة. نعم، إن خشي فوت الجماعة إن تمم ركعتين استحب له قطع الصلاة واستئنافها جماعة. ذكره في المجموع. وبحث البلقيني أنه يسلم ولو من ركعة، أما إذا قام لثالثة أتمها ـــــــــــــــــــــــــــــ عدل رواية) الفرق بينه وبين عدل الشهادة: أن الأول شامل للعبد والمرأة، بخلاف الثاني فإنه خاص بالحر الذكر. (قوله: بنحو نجس) أي كحدث. (قوله: أو كشف عورة) عطف على نحو، أي أو أخبره عدل بكشف عورته. وقوله: مبطل صفة لكل من النجس وكشف العورة. واحترز به عن النجس غير المبطل وهو المعفو عنه، وعن كشف العورة غير المبطل كأن كشفها الريح فسترها حالا، فإنه لا فائدة في الإخبار به وقبوله. (قوله: أو بنحو كلام مبطل) معطوف على نحو نجس أيضا. أو أخبره عدل بكلام مبطل ونحوه، كالنطق بحرفين أو حرف مفهم، وكالفعل المبطل. وقوله: فلا أي فلا يلزمه قبوله. قال في التحفة: والفرق - أي بين نحو الكلام ونحو النجس -: أن فعل نفسه لا يرجع فيه لغيره، وينبغي أن محله فيما لا يبطل سهوه، لاحتمال أن ما وقع منه سهو. أما هو كالفعل أو الكلام الكثير فينبغي قبوله فيه لأنه حينئذ كالنجس. اه. (قوله: وندب لمنفرد) أي بشروط يعلم معظمها من كلامه: الأول: أن يكون منفردا، فلو كان في جماعة لا يجوز له قلبها نفلا والدخول في جماعة أخرى. أما لو نقل نفسه إلى الأخرى من غير قلب فإنه يجوز من غير كراهة إن كان بعذر، وإلا كره. كما سيصرح به في فصل صلاة الجماعة. الثاني: أن يرى جماعة يصلي معهم، فلو لم يرها حرم القلب. الثالث: أن تكون الجماعة مشروعة، أي مطلوبة. فلو لم تكن مشروعة، كما لو كان يصلي الظهر فوجمن يصلي العصر فلا يجوز له القلب، كما ذكره في المجموع. الرابع: أن لا يكون الإمام ممن يكره الاقتداء به لبدعة أو غيرها، كمخالفة في المذهب، فإن كان كذلك لم يندب القلب بل يكره. الخامس: أن يكون في ثلاثية أو رباعية. فلو كان في ثنائية لم يندب القلب بل يباح. السادس: أن لا يقوم لثالثة، فلو قام لها لم يندب القلب بل يباح كالذي قبله. السابع: أن يتسع الوقت بأن يتحقق إتمامها فيه لو استأنفها، فإن علم وقوع بعضها خارجة، أو شك في ذلك، حرم القلب. فعلم مما تقرر أن القلب تعتريه الأحكام الخمسة ما عدا الوجوب. (قوله: لا الفائت) مفهوم الحاضر. فلو كان يصلي فائتة والجماعة القائمة حاضرة أو فائتة ليست من جنس التي يصليها حرم القلب، فإن كانت من جنسها كظهر خلف ظهر لم يندب بل يجوز. كذا في الروض وشرحه. (قوله: نفلا مطلقا) أي غير معين. فلو قلبها نفلا معينا كركعتي الضحى لم يصح. (قوله: ويسلم من ركعتين) هذا يفيد اشتراط كون الصلاة ثلاثية أو رباعية، إذ لا يتصور السلام من ركعتين إلا إذا كانت كذلك. (قوله: إذا لم إلخ) متعلق بيقلب، وهو قيد لا بد منه كما علمت. (قوله: ثم يدخل) معطوف على يسلم. (قوله: نعم، إن خشي إلخ) تقييد لندب القلب والسلام من ركعتين. فكأنه قال: محل ذلك إذا لم يخف فوت الجماعة التي رآها لو قلب وسلم من ركعتين، فإن خاف ذلك لم يفعل بل يقطعها ويصليها مع الجماعة. (قوله: وبحث البلقيني أنه يسلم) أي بعد قلبها نفلا. وقوله: ولو من ركعة وعليه

ندبا إن لم يخش فوت الجماعة، ثم يدخل في الجماعة. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يشترط أن تكون ثلاثية أو رباعية. (قوله: أما إذا قام لثالثة إلخ) محترز إذا لم يقم لثالثة. (قوله: أتمها ندبا) فلو خالف وقلبها نفلا وسلم لم يندب ولكنه يجوز كما مر. (قوله: إن لم يخش فوت الجماعة) فإن خشي فوتها قطعها واستأنفها مع الجماعة. (قوله: ثم يدخل في الجماعة) معطوف على جملة أتمها. (تتمة) لو كان يصلي الفائتة وخاف فوت الحاضرة قلبها نفلا وجوبا واشتغل بالحاضرة. ولو كان يصلي في النافلة وخاف فوت الجماعة قطعها ندبا. نعم، إن رجا جماعة غيرها تقام عن قرب، والوقت متسع، فالأولى إتمام نافلته ثم يصلي الفريضة معها. والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في الاذان والاقامة هما لغة: الاعلام. وشرعا: ما عرف من الالفاظ المشهورة فيهما. والاصل فيهما الاجماع المسبوق برؤية ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في الأذان والإقامة أي في بيان حكمهما وشروطهما وسننهما. (قوله: هما لغة: الإعلام) فيه أن الاذ فقط لغة: الإعلام. قال تعالى: * (وأذن في الناس بالحج) * أي أعلمهم به. وأما الإقامة فهي لغة: مصدر أقام، أي حصل القيام. فهما مختلفان لغة، كما في التحفة والنهاية والمغنى. فكان الأولى أن يزيد. وتحصيل القيام. ويكون على التوزيع الأول للأول والثاني للثاني. ثم رأيت في فتح الجواد مثل ما ذكره الشارح فلعله تبعه في ذلك. ولكن الإيراد باق ويكون عليهما. واعلم أن الأذان والإقامة من خصوصيات هذه الأمة، كما قال السيوطي. وشرعا في السنة الأولى من الهجرة، كما في ع ش. وهما مجمع عليهما. والأذان أفضل من الإقامة وإن ضمت إليها الإمامة على الراجح. فإن قيل: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يؤم ولم يؤذن. أجيب: بأنه عليه السلام كان مشغولا بما هو أهم، أو أنه لو أذن لوجب الحضور على كل من سمعه. وإنما كان الأذان أفضل من الإمامة لأنه ورد أن المؤذن أمين والإمام ضمين، والأمين أشرف. وسيأتي الكلام على ذلك. واختلفوا في كيفية مشروعيتهما، فقيل: فرضا كفاية لأنهما من الشعائر الظاهرة، وفي تركهما تهاون بالدين، وعليه فيقاتل أهل بلد تركوهما. والأصح أنها سنة عين للمنفرد وكفاية للجماعة، كالتسمية عند الأكل وعند الجماع، والتضحية من أهل بيت، وابتداء سلام، وتشميت عاطس، وما يفعل بالميت من المندوب. وقد نظم سنن الكفاية بعضهم بقوله: أذان وتشميت وفعل بميت إذا كان مندوبا وللأكل بسملا وأضحية من أهل بيت تعددواوبدء سلام والإقامة فاعقلا فذي سبعة إن جابها البعض يكتفي ويسقط لوم عن سواه تكملا (قوله: وشرعا) معطوف على لغة. وقوله: ما عرف من الألفاظ المشهورة وهي: الله أكبر الله أكبر، إلخ. وهي كما قال القاضي عياض: كلمات جامعة لعقيدة الإيمان، مشتملة على نوعيه العقلية والسمعية، فأولها فيه إثبات ذاته تعالى وما تستحقه من الكمال، بقوله: الله أكبر. أي أعظم من كل شئ. ثم الشهادة بالوحدانية له تعالى بقوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وبالرسالة لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بقوله: أشهد أن محمدا رسول الله. ثم الدعاء إلى الصلاة بقوله: حي على الصلاة. أي أقبلوا عليها ولا تكسلوا عنها، فحي اسم فعل أمر بمعنى أقبلوا. ثم الدعاء إلى الفلاح بقوله: حي على الفلاح. أي أقبلوا على سبب الفلاح وهو الفوز والظفر بالمقصود، وسببه هو الصلاة. فهو تأكيد لما قبله بعد تأكيد وتكرير بعد تكرير، وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء لتضمن الفلاح لذلك. ثم كرر التكبير لما فيه من التعظيم له تعالى، وختم بكلمة التوحيد لأن مدار الأمر عليه، جعلنا الله وأحبتنا عند الموت ناطقين بها عالمين بمعناها. وقوله: فيهما أي في الأذان والإقامة.

عبد الله بن زيد المشهورة ليلة تشاوروا فيما يجمع الناس، وهي كما في سنن أبي داود: عن عبد الله أنه قال: (لما أمر النبي (ص) بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أو لا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى. فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر، إلا آخر الاذان. ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: وتقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر الله أكبر، إلى آخر الاقامة ... فلما أصبحت أتيت النبي (ص) فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله. قم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك. ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أنه اختلف في الأذان هل شرع للإعلام بدخول الوقت؟ أو شرع للإعلام بالصلاة المكتوبة؟ على قولين للإمام الشافعي رضي الله عنه، والراجح الثاني، وأما الأول فهو مرجوح، وينبني على القولين أنه لا يؤذن للفائتة على المرجوح لأن وقتها قد فات، ويؤذن لها على الراجح لأن الأذان حق للصلاة لا للوقت. (قوله: والأصل فيهما) أي الدليل على مشروعية الأذان والإقامة. وقوله: الإجماع إلخ هكذا في التحفة. والذي في النهاية والمغنى والأسنى الأصل فيهما قبل الإجماع، قوله تعالى: * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) * وقوله تعالى: * (وإذا ناديتم إلى الصلاة) * وما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أقيمت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم. اه. وقوله: المسبوق صفة للإجماع. وقوله: برؤية عبد الله إلخ فإن قيل: رؤية المنام لا يثبت بها حكم. أجيب بأنه ليس مستندا لأذان الرؤيا فقط، بل وافقها نزول الوحي. فالحكم ثبت به لا بها. ويؤيده رواية عبد الرازق وأبي داود في المراسيل، من طريق عبيد بن عمير الليثي، أحد كبار التابعين، أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي (ص فوجد الوحي قد ورد بذلك، فما راعه إلا أذان بلال، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: سبقك بذلك الوحي. (قوله: ليلة تشاوروا) الظرف متعلق برؤية، وواو الجماعة عائد على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الصحابة. وقوله: فيما يجمع الناس أي في الأمر الذي يكون سببا لجمع الناس للصلاة. (قوله: وهي) أي رؤية الأذان من حيث هي، بقطع النظر عن كونها صدرت من عبد الله، وإلا لحصل ركة بقوله بعد عن عبد الله. (قوله: لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي بعد اتفاقهم عليه. وكتب ع ش ما نصه: قوله: لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلخ. عبارة حجر تفيد عدم أمره - صلى الله عليه وسلم -، ويوافقه ما في سيرة الشامي حيث قال: اهتم - صلى الله عليه وسلم - كيف يجمع الناس للصلاة، فاستشار الناس فقيل: انصب راية. ولم يعجبه ذلك، فذكر له القنع - وهو البوق - فقال: هو من أمر اليهود. فذكر له الناقوس فقال: هو من أمر النصارى. فقالوا: لو رفعنا نارا؟. فقال: ذاك للمجوس. فقال عمر: أو لا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: يا بلال قم فناد بالصلاة. قال النووي: هذا النداء دعاء إلى الصلاة غيالاذان، كأن شرع قبل الأذان. قال الحافظ ابن حجر: وكان الذي ينادي به بلال: الصلاة جامعة. اه. وهو كما ترى مشتمل على النهي عن الناقوس والأمر بالذكر. اه. (قوله: بالناقوس) قال في المصباح: هو خشبة طويلة يضربها النصارى إعلاما للدخول في صلاتهم. (قوله: يعمل) أي يصنع. (قوله: ليضرب به للناس) عبارة غيره: ليضرب به الناس، بحذف لام الجر. وعليها يكون الناس فاعل يضرب، وعلى عبارة شارحنا يكون الفعل مبنيا للمجهول، وبه نائب فاعل، وللناس متعلق بالفعل. وقوله: لجمع الصلاة أي لاجتماع الناس لها. فالإضافة لأدنى ملابسة. والجار والمجرور إما بدل من الجار والمجرور قبله أو متعلق بالفعل، وتجعل اللام للتعليل، وبه يندفع ما يقال إنه يلزم عليه تعلق حرفي جر بمعنى واحد بعامل واحد. وهو لا يصح. وحاصل الدفع أن الحرفين ليسا بمعنى واحد، لأن الثاني للتعليل والأول للتعدية. (قوله: طاف إلخ) جواب لما. وقوله: وأنا نائم الجملة حالية، وهي معترضة بين الفعل وفاعله وهو رجل. (قوله: فقال) أي الرجل لعبد الله. وقوله: وما تصنع به أي بالناقوس. (قوله: ثم استأخر) أي الرجل. (قوله: فقال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: أنها أي رؤيتك يا عبد الله. وقوله: حق أي صادقة. وهو بالرفع صفة لرؤيا أو بالجر على أنه

فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه فيؤذن به. فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى. فقال (ص): فلله الحمد. قيل: رآها بضعة عشر صحابيا. وقد يسن الاذان لغير الصلاة، كما في أذن المهموم والمصروع والغضبان، ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة، وعند الحريق، وعند تغول الغيلان - أي تمرد الجن -. وهو والاقامة في أذني المولود وخلف المسافر ـــــــــــــــــــــــــــــ مضاف إليه ما قبله، وهي من إضافة الموصوف للصفة. (قوله: فألق عليه ما رأيت) أي لقنه ما رأيته منامك. (قوله فليؤذن به) أي فليؤذن بلال بما رأيت. وفي ع ش ما نصه: ذكر بعضهم في مناسبة اختصاصه - أي بلال - بالأذان دون غيره، كونه لما عذب ليرجع عن الإسلام فلم يرجع وجعل يقول: أحد أحد. جوزي بولاية الأذان المشتمل على التوحيد في ابتدائه وانتهائه. اه حواشي المواهب لشيخنا الشوبري. (قوله: فإنه) أي بلالا. وقوله: أندى صوتا منك أي أرفع وأعلى. وقيل: أحسن وأعذب. وقيل: أبعد. (قوله: فقمت مع بلال) أي فامتثلت أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلخ، وقمت مع بلال. وقوله: فجعلت ألقيه أي ما رأيته. وقوله: عليه أي على بلال. (قوله: فيؤذن) أبلال. (فائدة) لم يؤذن بلال لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مرة لعمر حين دخل الشام فبكى الناس بكاء شديدا. وقيل: إنه أذن لأبي بكر إلى أن مات، ولم يؤذن لعمر. وقيل: أنه كان في الشام فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما أن لك أن تزورني. فشد على راحلته إلى أن أتى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل يبكي ويمرغ وجهه عليه، ثم اشتهى عليه الحسن والحسين أن يسمعا أذانه فأذن في محله الذي كان يؤذن فيه من سطح المسجد. فما رؤي بعد موته - صلى الله عليه وسلم - أكثر باكيا ولا باكية من ذلك اليوم. وروي أنه لم يؤذن لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا هذه المرة، وأنها بطلب من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وأنه لم يتم الأذان لما غلبه من البكاء والوجد. (قوله: فسمع ذلك) أي الأذان الذي ألقي على بلال رضي الله عنه. (قوله: لقد رأيت مثل ما رأى) أي بعد ما أخبر بالرؤيا المتقدمة، فلا يقال من أين عرف ذلك. اه ع ش. (قوله: فقال - صلى الله عليه وسلم -: فلله الحمد) في رواية: سبقك به الوحي. وبها يندفع الإيراد السابق بأن الأحكام لا تثبت بالرؤيا. (قوله: قيل: رآها) أي رؤيا عبد الله المشهورة. قال في التحفة: في رواية: أنه - صلى الله عليه وسلم - سمى تلك الرؤية وحيا. اه. (قوله: وقد يسن إلخ) قد للتحقيق لا للتقليل. وقوله: لغير الصلاة أي كما يسن لها. (قوله: كما في أذن المهموم) أي لأن همه يزول بالأذان، ولو لم يزل بمرة طلب تكريره. وكذا يقال في الذي بعده. (قوله: والمصروع) أي من الجن. فإذا أذن في أذنه يزول عنه صرعه ويذهب عنه الجن. (فائدة) من الشنواني ومما جرب لحرق الجن أن يؤذن في أذن المصروع سبعا، ويقرأ الفاتحة سبعا، والمعوذتين، وآية الكرسي، والسماء والطارق، وآخر سورة الحشر من * (لو أنزلنا هذا القرآن) * إلى آخرها، وآخر سورة الصافات من قوله: * (فإذا نزل بساحتهم) * إلى آخرها. وإذا قرئت آية الكرسي سبعا على ماء ورش به وجه المصروع فإنه يفيق. اه. (قوله: والغضبان، ومن ساء خلقه) أي لما ورد: من ساء خلقه من إنسان أو بهيمة فإنه يؤذن في أذنه. (قوله: وعندد تغول الغيلان) أي تصور مردة الجن والشياطين بصور مختلفة بتلاوة أسماء يعرفونها هم، وإنما سن الأذان عند ذلك لأنه يدفع الله شرهم به، لأن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر. (قوله: وهو والإقامة الخ) أي ويسن الأذان والإقامة في أذني المولود، ويكون الأذان في اليمنى والإقامة في اليسرى. وذلك لما قيل: إن من فعل به ذلك لم تضره أم الصبيان، أي التابعة من الجن، وليكون أول ما يقرع سمعه حال دخوله في الدنيا الذكر. ويشترط في المؤذن أن يكون ذكرا مسلما،

(يسن) على الكفاية. ويحصل بفعل البعض (أذان وإقامة) لخبر الصحيحين: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم. (لذكر ولو) صبيا، و (منفردا وإن سمع أذانا) من غيره على المعتمد، خلافا لما في شرح مسلم. نعم، إن سمع أذان الجماعة وأراد الصلاة معهم لم يسن له على الاوجه (لمكتوبة) ولو فائتة دون غيرها، كالسنن ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المولود أن يكون ولد مسلم، لأن الأذان من جملة أحكام الدنيا وأولاد الكفار معاملون معاملة آبائهم فيها وإن ولدوا على الفطرة. واعلم أنه لا يسن الأذان عند دخول القبر، خلافا لمن قال بنسبته قياسا لخروجه من الدنيا على دخوله فيها. قال ابن حجر: ورددته في شرح العباب، لكن إذا وافق إنزاله القبر أذان خفف عنه في السؤال. (قوله: وخلف المسافر) أي ويسن الأذان والإقامة أيضا خلف المسافر، لورود حديث صحيح فيه. قال ع ش: أقول: وينبغي أن محل ذلك ما لم يكن سفر معصية، فإن كان كذلك لم يسن. اه. (قوله: يسن على الكفاية) هذا لا يناسب قوله بعد: ولو منفردا، لأنه يقتضي أن يكون سنة كفاية في حقه، وليس كذلك لأنه لا معنى له، ولما تقدم من أنهما سنتا عين في حقه. فكان عليه أن يزيد: أو على العين، أو يحذف قوله: ولو منفردا. (قوله: ويحصل بفعل البعض) الأولى التعبير بفاء التفريع لأن المقام يقتضيه، أي ويحصل المذكور من الأذان والإقامة - أي سنيتهما - بفعل البعض، كابتداء السلام من جماعة. وأقل ما تحصل به السنة في الأذان بالنسبة لأهل البلد أن ينتشر في جميعها، حتى إذا كانت كبيرة أذن في كل جانب واحد، فإن أذن واحد في جانب فقط لم تحصل السنة إلا لأهل ذلك الجانب دون غيرهم. (قوله: أذان) نائب فاعل يسن. (قوله: لخبر الصحيحين) دليل لسنية ما ذكر على الكفاية، لكن يحمل الأمر فيه على الندب بدليل الإجماع، كما في القسطلاني، ونصه: واستدل به على وجوب الأذان، لكن الإجماع صارف للأمر عن الوجوب. اه. وساق الخبر المذكور في التحفة دليلا على القول بأنهما فرض كفاية. وكتب سم: قوله: فليؤذن. الأمر يدل على الوجوب. وقوله: لكم أحدكم: على الكفاية. اه. (قوله: إذا حضرت الصلاة إلخ) أتى بمحل الاستدلال من الحديث، وقد ذكره في البخاري بتمامه، وهو: حدثنا معلى بن أسد قال: حدثنا وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيما رفيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا قال: ارجعوا فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكن أحدكم وليؤمكم أكبركم. وقوله: فليؤذن استعمل الأذان فيما يشمل الإقامة، أو تركها للعلم بها. اه ع ش. (قوله: لذكر) متعلق بيسن، وهو قيد بالنسبة للأذان لا الإقامة، لما سيصرح به قريبا أنها سنة للأنثى، ولا بد من كونه مسلما. وإن نصبه الإمام للأذان اشترط تكليفه وأمانته ومعرفته بالوقت، لأن ذلك ولاية فاشترط كونه من أهلها. (قوله: ولو صبيا) أي مميزا، فلا يصحان من غيره كمجنون وصبي غير مميز وسكران إلا في أول نشوته. (قوله: ومنفردا) أي يسن الأذان والإقامة للذكر، ولو صلى منفردا. أي من غير جماعة، سواء كان بعمران أو صحراء. (قوله: وإن سمع أذانا من غيره) غاية ثانية لسنية الأذان فقط. وكان المناسب أن يزيد بعد قوله. أذانا وإقامة، لتكون الغاية لهما معا. أي يسن الأذان لذكر، ولو سمع أذانا من غيره، لكن بشرط أن لا يكون مدعوا به، فإن كان مدعوا به بأن سمعه من مكان وأراد الصلاة فيه وصلى مع أهله بالفعل فلا يندب له الأذان حينئذ. وقد استفيد الشرط المذكور من قوله بعد: نعم، إن سمع إلخ. فهو تقييد للغاية المذكورة. وفي سم: إذا وجد الأذان لم يسن لمن هو مدعو به إلا إن أراد إعلام غيره، أو انقضى حكم الأذان بأن لم يصل معهم. اه. (قوله: خلافا لما في شرح مسلم) أي من أنه إذا سمع أذان الجماعة لا يشرع له الأذان. وفي النهاية: ما في شرح مسلم يحمل على ما إذا أراد الصلاة معهم. اه. قال ع ش: أي وصلى معهم. اه. (قوله: نعم، إن سمع الخ) قد علمت أنه تقييد لقوله وإن سمع أذانا من غيره، فكأنه قال: محل سنيته إن سمع أذان الغير إذا لم يبلغه أذان الجماعة ولم يرد الصلاة معهم، فإن بلغه ذلك وأرادها لم يسن الأذان له. وقوله: وأراد الصلاة معهم أي وصلى بالفعل، كما مر. وأما لو أراد

وصلاة الجنازة والمنذورة. ولو اقتصر على أحدهما لنحو ضيق وقت فالاذان أولى به. ويسن أذانان لصبح واحد قبل الفجر، وآخر بعده، فإن اقتصر فالاولى بعده. وأذانان للجمعة، أحدهما بعد صعود الخطيب المنبر. والآخر الذي قبله إنما أحدثه عثمان رضي الله عنه لما كثر الناس، فاستحبابه عند الحاجة كأن توقف حضورهم عليه، وإلا لكان الاقتصار على الاتباع أفضل. (و) سن (أن يؤذن للاولى) فقط (من صلوات توالت) كفوائت وصلاتي ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك لكن لم يتفق له أن يصلي معهم، بأن حضر محل الصلاة بعد انقضائها، سن له الأذان. وقوله: لم يسن أي الأذان. وهو جواب إن. وقوله: له أي لمن سمع ذلك وأراد الصلاة. (قوله: لمكتوبة) متعلق بكل من الأذان والإقامة على سبيل التنازع، أي يسن الأذان لمكتوبة والإقامة لها. قال سم على حجر: هل المراد ولو أصالة فتدخل المعادة؟. وعلى هذا فيتجه أن محل الأذان لها ما لم تفعل عقب فعل الفرض، وإلا كفى أذانه عن أذانه، كما في الفائتة والحاضرة وصلاتي الجمع، أو لا. وتدخل المعادة في النفل الذي تسن له الجماعة، فيقال فيها: الصلاة جامعة. فيه نظر. اه. (قوله: ولو فائتة) الغاية للرد على الجديد القائل بعدم سنية الأذان لها لزوال الوقت. قال في المنهاج: ويقي للفائتة ولا يؤذن في الجديد. قلت: القديم أظهر، والله أعلم. ودليل القديم ما ثبت في خبر مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - نام وهو وأصحابه عن صلاة الصبح في الوادي حتى طلعت الشمس، ثم لما انتبهوا أمرهم بالانتقال منه لأن فيه شيطانا. فساروا حتى ارتفعت الشمس، ثم نزل فتوضأ وأمر بلالا بالأذان، وصلى ركعتي الفجر ثم الصبح. (قوله: دون غيرها) أي المكتوبة، فلا يسن الأذان والإقامة له بل يكرهان لعدم ورودهما فيه. (قوله: كالسنن وصلاة الجنازة والمنذورة) أمثلة لغير المكتوبة، وهذا بناء على أن المراد بالمكتوبة المفروضة في اليوم والليلة. أما إن أريد بها المفروضة مطلقا فصلاة الجنازة والمنذورة يكونان داخلين فيهما، فلا بد من زيادة قيدين لإخراجهما، وهما: أصالة، وعلى الأعيان. فخرج بالأول المنذورة، وبالثاني صلاة الجنازة. (قوله: ولو اقتصر) أي أراد الإقتصار على أحدهما. إما الأذان وإما الإقامة. وقوله: فالأذان أولى به أي بالاقتصار. (قوله: ويسن أذانان لصبح) المناسب تأخيره عن قوله: ووقت لغير أذان صبح. وكما يسن الأذانان يسن مؤذنان يؤذن واحد قبل الفجر وآخر بعده، لخبر الصحيحين: إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا آذان ابن أم مكتوم. (قوله: فإن اقتصر) أي أريد الاقتصار. وقوله: فالأولى بعده أي فالأولى الإقتصار على ما بعد الفجر. قال ع ش: يؤخذ من هذا أن ما يقع للمؤذنين في رمضان من تقديم الأذان على الفجر كاف في أداء السنة، لكنه خلاف الأولى. وقد يقال ملاحظة منع الناس من الوقوع فيما يؤدي إلى الفطر، إلا إن أخر الأذان إلى الفجر مانع من كونه خلاف الأولى لا يقال، لكنه يؤدي إلى مفسدة أخرى وهي صلاتهم قبل الفجر، لأنا نقول: علمهم باطراد العادة بالأذان قبل الفجر مانع من ذلك، وحامل على تحري تأخير الصلاة لتيقن دخول الوقت أو ظنه. اه. (قوله: وأذانان للجمعة) معطوف على قوله: أذانان لصبح - أي ويسن أذانان للجمعة. وقوله: أحدهما أي أحد الأذانين. وقوله: والآخر الذي قبله إنما أحدثه المناسب في التعبير أن يقول: والآخر قبله، وهذا إنما أحدثه إلخ، فيحذف اسم الموصول ويزيد اسم الإشارة بعد الظرف. وفي البخاري: كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر حين يجلس الإمام على المنبر، فلما كثر الناس في عهد عثمان أمرهم بأذان آخر على الزوراء، واستقر الأمر على هذا. وقوله: فاستحبابه عند الحاجة تفريع على كون سيدنا عثمان أحدثه لما كثر الناس. وقوله: وكأن توقف الخ تمثيل للحاجة. وقوله: حضورهم أي الناس للجمعة. وقوله: عليه متعلق بتوقف، وضميره يعود على الأذان الآخر المحدث. وقوله: وإلا الخ أي وإن لم توجد حاجة إليه فلا يكون مستحبا، لأن الاقتصار على الاتباع أفضل. ولا يخفى في العبارة المذكورة من عدم السبك ومن اقتضائها سنية أذانين للجمعة. والذي يصرح به كلامهم أنها لا يسن لها إلا أذان واحد، وهو الذي عند طلوع الخطيب المنبر. وأما الثاني فلم يصرح أحد بسنيته، بل المصرح به أنه أحدثه عثمان لما كثر الناس. وغاية ما يستفاد منه أنه مباح لا سنة. وأنا أسرد ذلك بعض ما اطلعت عليه ممن عباراتهم. فعبارة فتح الجواد مع الأصل: وسن لها - أي الصبح وحدها - أذانان ولو من واحد، أذانان قبل الفجر وآخر بعده للاتباع. اه. فقوله: وحدها. أي لا غيرها من بقية

جمع وفائتة، وحاضرة دخل وقتها قبل شروعه في الاذان. (ويقيم لكل) منها للاتباع. (و) سن (إقامة لانثى) سرا، وخنثى فإن أذنت للنساء سرا لم يكره، أو جهرا حرم. (وينادي لجماعة) مشروعة (في نفل) كعيد وتراويح ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلوات، الجمعة وغيرها. وعبارة التحفة في باب الجمعة بعد كلام: وأما الأذان الذي قبله على المنارة فأحدثه عثمان رضي الله عنه - وقيل: معاوية رضي الله عنه - لما كثر الناس. ومن ثم كان الاقتصار على الاتباع أفضل، أي إلا لحاجة، كأن توقف حضورهم على ما بالمنائر. اه. وقوله: إلا لحاجة. أي فليس حينئذ الاقتصار على الاتباع أفضل، بل يأتي بالأذان الآخر المحدث للحاجة. وفي شرح الروض - بعد أن نقل حديث البخاري السابق - ما نصه: قال في الأم: وأيهما كان فالأمر الذي على عهده - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي. اه. وبالجملة فالأولى والأخصر للشارح أن يقول: بخلاف الجمعة فليس لها إلا أذان واحد بعد صعود الخطيب المنبر. وأما الأذان الذي قبله فإنما أحدثه سيدنا عثمان رضي الله عنه لأجل الحاجة، واستقر الأمر عليه. تأمل. (قوله: وسن أن يؤذن للأولى فقط إلخ) أي للاتباع، ولأن ولاء ما عدا الأولى صيره كالجزء منها، فاكتفى لها كلها بأذان واحد. وبه يندفع استشكال بعضهم بأن المرجح في المذهب أن الأذان حق للفريضة فكان مقتضاه طلبه لكل فريضة. واعلم أن حاصل ما يفهم من كلامه أن الصلاة أربعة أقسام يؤتى فيه بالأذان والإقامة، وهو الخمس. وقسم يقام له فقط، وهو الصلوات المتوالية غير الأولى. وقس لا يؤتى فيه بهما، لكن ينادى له بنحو الصلاة جامعة، وهو العيد، ونحوه مما سيأتي. وقسم لا ينادى له أيضا، وهو النذر والنفل وصلاة الجنازة. وقوله: من صلوات توالت خرج به ما إذا كانت متفرقة. فإن طال فصل بين كل عرفا أذن لكل. قال ع ش: وهل يضر في الموالاة رواتب الفرائض أم لا؟ فيه نظر. ويؤخذ من كلام ابن حجر أن الفصل بالرواتب لا يضر في الموالاة لأنها مندوبة. اه بتصرف. (قوله: كفوائت) أي قضاها متوالية. (قوله: وصلاتي جمع) أي تقديما أو تأخيرا. (قوله: وفائتة وحاضرة) أي فيكفي أذان واحد لهما، سواء قدم الفائتة على الحاضرة أو قدم الحاضرة عليها، لكن بشرط التوالي، وبشرط أن يكون شرع في الأذان بعد دخول وقت الحاضرة. وقد صرح بالشرط الثاني بعد: ويعلم الشرط الأول من قوله: توالت. فلو والى بين فائتة ومؤداة أذن لأولاهما، إلا أن يقدم الفائتة ثم بعد الأذان لها يدخل وقت المؤداة فيؤذن لها أيضا. (قوله: دخل وقتها) أي الحاضرة. وقوله: قبل شروعه في الأذان فإن شرع في الأذان قبل دخول وقت الحاضرة فلا يكفي أذان واحد بل يؤذن لكل، كما مر. (قوله: ويقيم لكل) أي من الصلوات. وقوله: للاتباع أي وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين. رواه الشيخان من رواية جابر. ويقاس بما فيه الفوائت التي والاها والفائتة والحاضرة. (قوله: وسن إقامة لأنثى) أي لنفسها وللنساء، لا للرجال والخناثى. ولا يسن لها الأذان مطلقا. والفرق بين الإقامة وبينه - كما في شرح المنهج -: أنها لاستنهاض الحاضرين فلا تحتاج إلى رفع الصوت. والأذان لإعلام الغائبين فيحتاج فيه إلى الرفع. والمرأة يخاف من رفع صوتها الفتنة، وألحق بها الخنثى. (قوله: سرا) هذا إن لم تقم للنساء، فإن أقامت لهن ترفع صوتها بقدر ما يسمعن إن لم يكن هناك غير محرم. قال في فتح الجواد: وتقيم المرأة للنساء إن لم يسمع غير المحرم. اه. (قوله: وخنثى) معطوف على أنثى. أي وسن إقامة الخنثى لنفسه أو للنساء، لا للرجال ولا لمثله. (قوله: فإن أذنت للنساء) مفرع على محذوف مفهوم مما قبله، تقديره: أما الأذان فلا يندب للمرأة مطلقا، فإن أذنت إلخ. وقوله: للنساء. خرج الرجال والخناثى. فلو أذنت لهما لم يصح أذانها وأثمت لحرمة نظرهما إليها. قال الجمال الرملى في النهاية: ولا يشكل حرمة أذانها بجواز غنائها مع استماع الرجل، لأن الغناء يكره للرجل استماعه وإن أمن الفتنة، والأذان يستحب له استماعه، فلو جوزناه للمرأة لأدى إلى أن يؤمر الرجل باستماع ما يخشى منه الفتنة، وهو ممتنع، ولأن فيه تشبيها بالرجال. بخلاف الغناء فإنه من شعار النساء. ولأن الغناء ليس بعبادة والأذان عبادة، والمرأة ليست من أهلها فيحرم عليها تعاطيها كما يحرم عليها تعاطي العبادة الفاسدة. ولأنه يستحب النظر إلى المؤذن حالة أذانه، فلو استحببناه للمرأة لأمر السامع بالنظر إليها، وهذا مخالف لمقصود الشارع. ولأن الغناء منها إنما يباح للأجانب الذين يؤمن افتتانهم

ووتر أفرد عنها برمضان وكسوف. (الصلاة) بنصبه إغراء، ورفعه مبتدأ، (جامعة) بنصبه حالا، ورفعه خبرا للمذكور. ويجزئ: الصلاة الصلاة، وهلموا إلى الصلاة. ويكره: حي على الصلاة. وينبغي ندبه عند دخول الوقت وعند الصلاة ليكون نائبا عن الاذان والاقامة وخرج بقولي لجماعة ما لا يسن فيه الجماعة، وما فعل ـــــــــــــــــــــــــــــ بصوتها، والأذان مشروع لغير معين فلا يحكم بالأمن من الافتتان، فمنعت منه. اه. وقوله: سرا الخ عبارة فتح الوهاب: بقدر ما يسمعن، لم يكره، وكان ذكر الله أو فوقه كره بل حرم إن كان ثم أجنبي. اه. فعلم أن المراد بقوله: سرا قدر ما يسمعن، والجهر ما زاد على ذلك. وقوله: لم يكره أي وكان ذكر الله، فتثاب عليه من هذه الحيثية لا من حيث إنه أذان. إذا علمت ذلك، فقوله: لم يكره، لا ينافي قولهم: لا يندب لها الأذان مطلقا. لأن قولهم المذكور من حيث كونه أذانا، وأيضا هو مع عدم الكراهة مباح لا مندوب، فلا تنافي. وقد صرح بالإباحة ابن حجر في شرحه على بافضل وفي الإمداد. (قوله: أو جهرا حرم) أي فإن أذنت للنساء جهرا، أي فوق ما يسمعن، حرم. وقيد الحرمة في شرح الروض وفي المغنى وفي التحفة، بما إذا كان هناك أجنبي يسمع. ونقل البجيرمي عن م ر ما نصه: المعتمد الحرمة، وإن لم يكن هناك أجنبي. لأن رفع الصوت بالأذان من وظيفة الرجال، ففي رفع صوتها به تشبه بالرجال، وهو حرام. اه. (قوله وينادى) أي ندبا. وفي سم: هل يسن إجابة ذلك - أي النداء -، لا يبعد سنها بلا حول ولا قوة إلا بالله. اه. وقوله: لجماعة قيد. وقوله: مشروعة أي مطلوبة، قيد ثان. وقوله: في نفل قيد ثالث. فجملة ما ذكره لندب النداء ثلاثة قيود، وسيذكر الشارح مفاهيمها. (قوله: كعيد إلخ) تمثيل للنفل الذي تشرع له الجماعة. (قوله: وتراويح) أي سواء فعلت عقب العشاء أم لا. (قوله: ووتر أفرد عنها) أي عن التراويح، فأن لم يفرد عنها بأن صلي عقبها فلا يندب له النداء، لأن النداء للتراويح نداء له حينئذ. قال سم: وقد يقال هذا ظاهر إن كان قوله: الصلاة جامعة بمنزلة الأذان. فإن كان بمنزلة الإقامة فقد يتجه أنه لا فرق بين تراخي فعله عنها وعدمه. وقياس كونه بمنزلة الإقامة الإتيان به لكل ركعتين من التراويح. اه. (قوله: وكسوف) أي للشمس أو للقمر، أي واستسقاء. (قوله: الصلاة جامعة) حاصل ما قيل في هذين الجزأين من جهة الإعراب أنه يجوز نصبهما ورفعهما، ورفع أحدهما ونصب الآخر. فعلى الأول: يكون نصب الجزء الأول على الإغراء بفعل محذوف جوازا، والثاني على الحالية. أي احضروا الصلاة أو الزموها حال كونها جامعة. وعلى الثاني: يكون رفعهما على الابتداء والخبر. وعلى الثالث: إن كان المرفوع هو الجزء الأول فهو مبتدأ، والخبر محذوف، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي هذه الصلاة، أو الصلاة هذه، وإن كان الجزء الثاني، فهو خبر لمبتدأ محذوف لا غير. أي هي جامعة. ونصب الآخر على الإغراء إن كان الجزء الأول، وعلى الحالية إن كان الجزء الثاني. (قوله: بنصبه إغراء) أي بدال الإغراء، والإغراء تنبيه المخاطب على أمر محمود ليفعله، كقوله: أخاك أخاك، أي الزمه. (قوله: ورفعه مبتدأ) أي وبرفعه على أنه مبتدأ، أي أو خبر محذوف كما تقدم. (قوله: جامعة) معنى ذلك أنها تجمع الناس، أو ذات جماعة. (قوله: بنصبه حالا) أي يقرأ بنصبه على أنه حال. (قوله: خبرا للمذكور) أي وهو الصلاة، على رفعها. ولا يتعين ذلك بل يجوز أن يكون خبرا لمحذوف كما علمت. (قوله: ويجزئ الخ) أي في أداء أصل السنة. وإلا فالأول أفضل لوروده عن الشارع. (وقوله: الصلاة الصلاة) أي أو الصلاة فقط، على ما يفيده كلام المنهج، والصلاة رحمكم الله. (قوله: وهلموا إلى الصلاة) أي احضروا إليها. (قوله: ويكره حي على الصلاة) أي عند ابن حجر، وأما عند م ر فلا يكره. (قوله: وينبغي ندبه) أي النداء بما ذكر. وفي البجيرمي ما نصه: وانظر هل يشترط فيه شروط المؤذن لأن نائب عن الأذان والإقامة، فيكون المنادي المذكور ذكرا مثلا. أو لا يشترط ذلك. فليراجع. شوبري. (وقوله: عند دخول الوقت وعند الصلاة) أي فيكون النداء مرتين. وفي ع ش: والمعتمد أنه لا يقال إلا مرة واحدة بدلا عن الإقامة، كما يدل عليه كلام الأذكار للنووي رملي. اه. زيادي هذا. وقد يقال في جعلهم إياه بدلا عن الإقامة نظر، فإنه لو كان بدلا عنها لشرع للمنفرد، بل الظاهر أنه ذكر شرع لهذه الصلاة استنهاضا للحاضرين وليس بدلا عن شئ. اه. (قوله: وخرج بقولي لجماعة ما لا يسن فيه الجماعة) هذا خرج بقوله مشروعة. وقوله بعد: وما فعل فرادى خرج بقوله المذكور. فكان الأولى

فرادى، وبنفل منذورة وصلاة جنازة. (وشرط فيهما) أي في الاذان والاقامة. (ترتيب) أي الترتيب المعروف فيهما، للاتباع. فإن عكس ولو ناسيا لم يصح وله البناء على المنتظم منهما. ولو ترك بعضهما أتى به مع إعادة ما بعده. (وولاء) بين كلماتهما. نعم، لا يضر يسير كلام وسكوت ولو عمدا. ويسن أن يحمد سرا إذا عطس، وأن يؤخر رد السلام وتشميت العاطس إلى الفراغ. (وجهر) إن أذن أو أقام (لجماعة)، فينبغي إسماع واحد ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يقول: وخرج بقولي لجماعة ما فعل فرادى، وبمشروعة ما لا تشرع فيه الجماعة مثل الضحى. فلا يندب النداء فيما ذكر. تأمل. (قوله: وبنفل) أي وخرج بنفل. وقوله: منذورة وصلاة جنازة قال في المغنى: أما غير الجنازة فظاهر، وأما الجنازة فلأن المشيعين لها حاضرون فلا حاجة للإعلام. اه. ومثله في التحفة والنهاية. قال ع ش: ويؤخذ منه - أي من التعليل المذكور - أن المشيعين لو كثروا ولم يعلموا وقت تقدم الإمام للصلاة سن ذلك لهم، ولا بعد فيه. اه. ويؤخذ منه أيضا - كما في الكردي -: أنه لو لم يكن معها أحد، أو زادوا بالنداء، سن النداء حينئذ لمصلحة الميت. ومحل عدم ندب النداء في المنذورة إذا لم تطلب فيها الجماعة قبل نذرها، كالضحى. وإلا بقي حكمها على ما كانت فيندب النداء. (قوله: وشرط فيهما إلخ) ذكر أربعة شروط، وهي: الترتيب، والولاء، والجهر لجماعة، ودخول الوقت. وبقي من الشروط: الإسلام، والتمييز، والذكورة بالنسبة للأذان. وتقدم أن منصوب الإمام يشترط فيه التكليف والأمانة ومعرفة الوقت. وقد نظم معظمها ابن رسلان في قوله: شرطهما الولاء ترتيب ظهر * * وفي مؤذن مميز ذكر أسلم والمؤذن المرتب * * معرفة الأوقات لا المحتسب (قوله: للاتباع) ولأن ترك الترتيب يوهم اللعب ويخل بالإعلام. (قوله: فإن عكس) أي بأن قدم النصف الثاني على الأول. وقوله: لم يصح أي ما عكسه من الأذان والإقامة. (قوله: وله البناء الخ) أي يجوز للمؤذن أو المقيم إن عكس أن يبني على ما انتظم من الأذان والإقامة، فيبني على النصف الأول الذي أخره ويتمم الأذان أو الإقامة، والاستئناف أفضل، ومحل جواز البناء - كما هو ظاهر - حيث لم يطل الفصل بين الأول وما ينبني عليه وإلا لم يجز (قوله: ولو ترك بعضهما) أي بعض الأذان والإقامة. (وقوله: أتى به) أي المتروك. ومحله أيضا حيث لم يطل الفصل. وقوله: مع إعادة ما بعده أي بعد المتروك. (قوله: وولاء) أي وشرط ولاء. فلا يفصل بينهما بسكوت طويل أو كلام طويل للاتباع، ولأن تركه يخل بالإعلام. فلو تركه ولو ناسيا بطل. ويشترط أيضا أن لا يطول الفصل عرفا بين الإقامة والصلاة، ولا يشترط لهما نية، بل الشرط عدم الصارف. فلو ظن أنه يؤذن أو يقيم للظهر فكانت العصر صح. أفاده ح ل. (قوله: نعم، لا يضر الخ استدراك على اشتراط الولاء الموهم عدم جواز الفصل مطلقا. وقوله: يسير كلام) أي كلام يسير. (وقوله: وسكوت) بالجر، عطف على كلام. أي ولا يضر يسير سكوت. ومثله يسير نوم أو إغماء أو جنون، لعدم إخلال ذلك به. ويسن أن يستأنف الأذان والإقامة في غير الأولين، أعني الكلام والسكوت اليسيرين. أما فيهما فيسن أن يستأنف الإقامة فقط، لأنها لقربها من الصلاة وتأكدها لم يسامح فيها بفاصل البتة، بخلاف الأذان. (قوله: ويسن أن يحمد) أي كل من المؤذن والمقيم. وقوله: سرا أي بقلبه. وقوله: إذا عطس بفتح الطاء. (قوله: وأن يؤخر الخ) أي ويسن أن يؤخر رد السلام. وسيذكر الشارح في باب الجهاد أنه يرد بالإشارة في حالة الأذان أو الإقامة. فإن لم يرد بها رد بعد الفراغ باللفظ إن لم يطل الفصل. وقوله: وتشميت العاطس أي ويسن أن يؤخر المؤذن أو المقيم تشميت من عطس. وقوله: إلى الفراغ متعلق بيؤخر. أي ويسن أن يؤخر ما ذكر إلى الفراغ من الأذان أو الإقامة، إذ السنة أن لا يتكلم أثناءهما ولو لمصلحة. قال في النهاية: وإن طال الفصل، كما هو مقتضى كلامهم. ووجهه أنه لما كان معذورا سومح له في التدارك مع طوله لعدم تقصيره بوجه، فإن لم يؤخر ذلك للفراغ فخلاف السنة، كالتكلم ولو لمصلحة. اه. وقوله: وإن طال الفصل. مثله في شرح إبن حجر على بافضل. ونظر شيخ الإسلام في الأسنى فيه، وعبارته: وظاهره أنه لا فرق بين طول

جميع كلماته. أما المؤذن أو المقيم لنفسه فيكفيه إسماع نفسه فقط. (ووقت) أي دخوله (لغير أذان صبح) لان ذلك للاعلام، فلا يجوز ولا يصح قبله. أما أذان الصبح فيصح من نصف ليل. (وسن تثويب) لاذاني (صبح، وهو أن يقول بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم، مرتين). ويثوب لاذان فائتة صبح، وكره لغير صبح. ـــــــــــــــــــــــــــــ الفصل وقصره، وفيه نظر. اه. وهو أيضا خلاف ما جرى عليه الشارح من التقييد بعدم الطول كما علمت كلامه. (قوله: وجهر) أي وشرط جهر للحديث الآتي. قال في فتح الجواد: فلا يجزئ الإسرار ولو ببعضه، ما عدا الترجيع لفوات الإعلام، اه. قوله: فينبغي أي يجب، كما عبر به في فتح الجواد. وقوله: إسماع واحد أي بالفعل، وأما الباقون فيكفي إسماعهم بالقوة بحيث لو أصغوا لسمعوا. قال ش ق: هذا بالنسبة لأصل السنة، أما كمالها فلا يحصل إلا بسماع كلهم بالفعل. ومحل هذا في غير ما يحصل به الشعار، أما هو فشرطه أن يظهر في البلد بحيث يبلغ جميعهم بالفعل. فيكفي في القرية الصغيرة في موضع، وفي الكبيرة في مواضع، بحيث يظهر الشعار بها. فلو أذن واحد في جانب فقط حصلت السنة فيه دون غيره. اه. (وقوله: جميع كلماته) أي المذكور من الأذان والإقامة. (قوله: فيكفيه لسماع نفسه فقط) أي لأن الغرض منه الذكر لا الإعلام. اه فتح الجواد. (قوله: ووقت) أي وشرط فيهما وقت، وهو في الإقامة عند إرادة فعل الصلاة أداء أو قضاء، وفي الأذان المضروب لها شرعا، فيصح في أي جزء منه. والأفضل وقوعه في وقت الاختيار. (وقوله: أي دخوله) أفاد به أن في الكلام مضافا محذوفا، والمراد دخوله ولو بحسب الواقع. فإذا هجم وأذن جاهلا بدخوله وصادفه أجزأ، والفرق بينه وبين التيمم والصلاة حيث لا يصحان حينئذ، وإن تبين وقوعهما في الوقت توقفهما على نية، بخلافه. ومثل الصلاة خطبة الجمعة على المعتمد، لأنها قائمة مقام ما يتوقف على نية، إذ هي في مقام ركعتين. (قوله: لأن ذلك الخ) علة لاشتراط دخول الوقت فيهما. واسم الإشارة عائد على المذكور من الأذان الإقامة. (وقوله: للإعلام) أي بالصلاة، أو بالوقت، على الخلاف المار. ولا معنى للإعلام قبل دخول وقتها. (قوله: فلا يجوز الخ) تفريع على اشتراط الوقت. أي فلا يجوز كل من الأذان والإقامة ولا يصح قبل دخول الوقت، أي للتلبس بعبادة فاسدة، ولأنه قد يؤدي إلى التلبيس على غيره، ويكون صغيرة لا كبيرة. ومثل وقوعهما قبله وقوعهما بعده، فلا يجوز أن كانت الصلاة فعلت في الوقت. (قوله: أما أذان الصبح الخ) محترز قوله: لغير أذان الصبح. وخرج بالأذان الإقامة، فإنها لا تصح قبل الوقت ولو للصبح. وقوله: فيصح من نصف ليل أي شتاء كان أو صيفا، لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. وحكمته أن الفجر يدخل وفي الناس الجنب والنائم فجاز بل ندب تقديمه ليتهيؤا لإدراك فضيلة أول الوقت. وفي ش ق ما نصه: قال سم: لو فاتت صلاة الصبح وأرادوا قضاءها فهل يسن تعدد الأذان لأن القضاء يحكي الأداء، ولهذا يسن التثويب في الأذان في القضاء؟ أو لا لأن الأذان لمعنى، كتهيؤ الناس لصلاة الصبح، وقد فات بخروج وقته، ويفارق التثويب بأنه جزء من الأذان، والتعدد خارج عنه؟ فيه نظر. فإن قلنا بالأول فقياسه أنه لو ترك الأذان حتى طلع الفجر أن يطلب تعدده، وإلا فما الفرق؟ فليتأمل. اه. (قوله: وسن تثويب) أي لما صح: أن بلالا أذن للصبح فقيل له: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نائم. فقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، الصلاة خير من النوم. فقال - صلى الله عليه وسلم -: اجعله في تأذينك للصبح. والتثويب مأخوذ من ثاب إذا رجع، لأن المؤذن دعا إلى الصلاة بالحيعلتين، ثم عاد فدعا إليها بذلك. وخص بالصبح لما يعرض للنائم من التكاسل بسبب النوم. وقوله: لأذاني صبح جرت عادة أهل مكة بتخصيصه بالأذان الثاني ليحصل التمييز بينه وبين الأول. (قوله: الصلاة خير من النوم) فيه أنه لا مشاركة بين الصلاة والنوم، لأنه مباح وهي عبادة، إلا أن يقال أنه قد يكون عبادة كما إذا كان وسيلة إلى تحصيل طاعة أو ترك معصية، أو لأنه راحة في الدنيا والصلاة راحة في الآخرة، والراحة في الآخرة أفضل. أو أن في الكلام حذفا، أي اليقظة للصلاة خير من راحة النوم. فالمفاضلة بين اليقظة والراحة لا بين الصلاة والنوم. ويندب أن يقول مرتين في نحو الليلة ذات المطر ألا صلوا في رحالكم. ومن سمع ذلك يجيبه بلا حول ولا قوة إلا بالله. قياسا على الحيعلتين، بجامع الطلب في كل. (قوله: ويثوب لأذان فائتة صبح) أي في كل من أذاني الصبح، ويوالي بين أذانيه. اه ع ش. (قوله:

(وترجيع) بأن يأتي بكلمتي الشهادتين مرتين سرا، أي بحيث يسمع من قرب منه عرفا قبل الجهر بهما للاتباع، ويصح بدونه. (وجعل مسبحتيه بصماخيه) في الاذان دون الاقامة، لانه أجمع للصوت. قال شيخنا: إن أراد رفع الصوت به، وإن تعذرت يد جعل الاخرى، أو سبابة سن جعل غيرها من بقية الاصابع. (و) سن (فيهما) أي في الاذان والاقامة (قيام) وأن يؤذن على موضع عال، ولو لم يكن للمسجد منارة سن بسطحه ثم ببابه. (واستقبال) للقبلة، وكره تركه. (وتحويل وجهه) لا الصدر (فيهما يمينا) مرة (في حي على الصلاة) في المرتين، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكره) أي التثويب، لخبر الصحيحين: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. (قوله: وترجيع) معطوف على تثويب، أي وسن ترجيع، وهو مختص بالأذان كالتثويب. قال في الأذكار: والترجيع عندنا سنة، وهو أنه إذا قال بعالي صوته: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، قال سرا بحيث يسمع نفسه ومن بقربه: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله. ثم يعود إلى الجهر وإعلاء الصوت فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله. اه. (قوله: بأن يأتي إلخ) تصوير للترجيع. واختلف في الذي يسمى بالترجيع هل الذي يقوله سرا أو الذي يقوله جهرا أو هما معا؟ فقال بعضهم بالأول، وهو مقتضى التصوير المذكور. وقيل بالثاني، وقيل بالثالث. (قوله: أي بحيث يسمع إلخ) تصوير مراد للسر. وعبارة المغني: والمراد بالإسرار بهما - أي بالشهادتين - أي يسمع من بقربه أو أهل المسجد، أي أو نحوه، إن كان واقفا عليهم والمسجد متوسط الخطة. كما صححه ابن الرفعة ونقله عن النص وغيره وهذا تفسير مراد، وإلا فحقيقة الإسرار هو أن يسمع نفسه، لأنه ضد الجهر. اه. (قوله: للاتباع) دليل لسنية الترجيع، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - علمه لأبي محذورة. (قوله: ويصح بدونه) أي ويصح الأذان بدون الترجيع، لأنه سنة فيه لا شرط، ومثله التثويب. (قوله: وجعل مسبحتيه الخ) معطوف على تثويب. أي وسن جعل مسبحتيه - أي طرفهما - في صماخية - أي خرقي أذنيه - لما صح من فعل بلال ذلك بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: لأنه أجمع للصوت) أي لأنه أبلغ في رفع الصوت المطلوب في الأذان. أي ولأنه يستدل به الأصم والبعيد. قال في التحفة: وقضيتهما أنه لا يسن لمن يؤذن لنفسه بخفض الصوت. اه. (قوله: قال شيخنا: إن أراد) أي لا يسن الجعل المذكور إن أراد رفع الصوت به، أي بالأذان. والقيد المذكور ليس مذكورا في التحفة ولا في فتح الجواد فلعله في غيرهما من بقية كتبه. (قوله: وإن تعذرت يد) أي جعل يد. والمراد بتعذر ذلك تعذر جعل كل أصبع من أصابعها المسبحة وغيرها من بقية الأصابع، بدليل ما بعده، لقيام علة باليد كنحو شلل. (قوله: جعل الأخرى) أي اليد الأخرى، والمراد مسبحتها كما هو ظاهر. (قوله: أو سبابة) أي أو لم تتعذر اليد، أي كل أصابعها بل السبابة فقط. وقوله: جعل غيرها أي غير السبابة. وقوله: من بقية الأصابع بيان للغير. قال ع ش: قضيته استواؤها في حصول السنة بكل منها، وأنه لو فقدت أصابعه الكل لم يضع الكف. اه. (قوله: وسن فيهما الخ) أي لخبر الصحيحين: يا بلال قم فناد. فيكرهان للقاعد وللمضطجع أشد كراهة، وللراكب المقيم بخلاف المسافر. (قوله: وأن يؤذن على موضع عال) أي وسن أن يؤذن على ذلك لأنه أبلغ في الإعلام. وخرج بالأذان الإقامة، فلا تسن على موضع عال إلا لحاجة ككبر المسجد. (قوله: ولو لم يكن للمسجد منارة) هذا مرتبط بمحذوف، وهو أنه يسن أن يكون على منارة المسجد، فلو لم الخ. (قوله: سن بسطحه) أي المسجد. وقوله: ثم ببابه أي ثم إذا لم يكن له سطح سن أن يكون على باب المسجد. (قوله: واستقبال للقبلة) أي وسن فيهما استقبال القبلة، أي لأنها أشرف الجهات، ولأن توجهها هو المنقول سلفا وخلفا. وفي بشرى الكريم ما نصه: قال الأطفيحي: قال م ر: وعلم من سن التوجه حال الأذان أنه لا يدور على ما يؤذن عليه من منارة أو غيرها. اه. ونقل سم عن م ر أنه لا يدور، فإن دار كفى إن سمع آخره من سمع أوله، وإلا فلا. اه. والراجح كراهة الدوران مطلقا، كبرت البلد أو صغرت، وإذا لم يسمع من بالجانب الآخر سن أن يؤذن فيه. اه شيخنا ع ش. لكن كتب ب ج على شرح المنهج ما نصه: قوله: وتوجه للقبلة. إن لم يحتج لغيرها، وإلا كمنار وسط البلد فيدور حولها. اه. (قوله: وكره تركه) أي الاستقبال، لأنه مخالف للمنقول سلفا وخلفا. (قوله: وتحويل وجهه)

ثم يرد وجهه للقبلة (وشمالا) مرة (في حي على الفلاح) في المرتين، ثم يرد وجهه للقبلة. ولو لاذان الخطبة أو لمن يؤذن لنفسه. ولا يلتفت في التثويب، على نزاع فيه. (تنبيه) يسن رفع الصوت بالاذان لمنفرد فوق ما يسمع نفسه، ولمن يؤذن لجماعة فوق ما يسمع واحدا منهم، وأن يبالغ كل في جهر به للامر به، وخفضه به في مصلى أقيمت فيه جماعة وانصرفوا، وترتيله، وإدراج ـــــــــــــــــــــــــــــ أي وسن تحويل وجهه، أي المذكور من المؤذن والمقيم، لأن بلالا كان يفعل ذلك في الأذان. وقيس به الاقامة، واختص بالحيعلتين لأنهما خطاب آدمي، كالسلام من الصلاة، بخلاف غيرهما فإنه ذكر الله تعالى. (قوله: لا الصدر) عبارة النهاية: ويسن أن يلتفت في الأذان والإقامة بوجهه لا بصدره، من غير أن ينتقل عن محله، ولو على منارة، محافظة على الاستقبال. اه. (قوله: فيهما) أي الأذان والإقامة. (قوله: يمينا) منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بتحويل. أي تحويله إلى جهة اليمين. وقوله: مرة حال من تحويل، أو ظرف متعلق به. (قوله: في حي على الصلاة) متعلق بتحويل، أو بدل بعض من فيهما. وقوله: في المرتين بدل من الجار والمجرور قبله، أو متعلق بتحويل. وهذا في الأذان، أما الإقامة فليس فيها إلا مرة واحدة. (قوله: وشمالا) معطوف على يمينا. أي ويسن تحويل وجهه إلى جهة الشمال. وقوله: مرة حال من تحويل المقدر، أو ظرف متعلق به، كما في الذي قبله. (قوله: في حي على الفلاح) متعلق بتحويل المقدر، أو بدل من مقدر أيضا. وقوله: في المرتين بدل مما قبله، أو متعلق بتحويل المقدر. ويقال فيه أيضا ما مر، من إن هذا في الأذان، أما الإقامة فليس فيها إلا مرة واحدة. ولو زاد الشارح هنا: وفيما مر، بعد قوله: في المرتين أو في المرة الواحدة، لكان أولى. وعبارة المنهج وشرحه: وأن يلتفت بعنقه فيهما يمينا مرة في حي على الصلاة مرتين في الأذان ومرة في الإقامة، وشمالا مرة في حي على الفلاح كذلك. اه. (قوله: ولو لأذان الخطبة إلخ) غاية لسنية التحويل المذكور. أي يسن تحويل وجهه ولو لأذان الخطبة. وقوله: أو لمن يؤذن لنفسه أي ويسن التحويل ولو لمن يؤذن لنفسه. لأنه قد يسمعه من لا يعلم به وقد يريد الصلاة معه، فمظنة فائدة التحويل موجودة. فإن كان بمحل يقطع بعدم إتيان الغير له فيه لم يحول بل يتوجه للقبلة في كل أذانه. ويسن التحويل المذكور في الأذان لتغول الغيلان، لأنه أبلغ في الإعلام وأدفع لشرهم بزيادة الإعلام، ولذا يسن فيه رفع الصوت. أما الأذان في أذن المولود فلا يطلب فيه رفع ولا التفات لعدم فائدته. أفاده ش ق. (قوله: ولا يلتفت في التثويب) قال الكردي: ارتضاه شيخ الإسلام في الأسنى، والخطيب في شرح التنبيه، والمغني والشارح في الإمداد، والجمال الرملي في النهاية، وغيرهم. وفي التحفة: قال ابن عجيل: لا. وغيره: نعم. الخ. اه. وقوله: على نزاع أي خلاف. وقوله: فيه أي في عدم الالتفات. ووجه النزاع أن التثويب في المعنى دعاء إلى الصلاة كالحيعلتين، والالتفات فيهما مطلوب، فكذلك هو يطلب فيه ذلك. (قوله: يسن رفع الصوت بالأذان لمنفرد) أي لما روى البخاري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن صعصعة، أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة. سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أي سمعت جميع ما قلته لك بخطاب من النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومحل سنية رفع الصوت به في غير مصلى أقيمت فيه جماعة وذهبوا. ويؤخذ ذلك من قوله بعد: وخفضه به الخ. وقوله: فوق ما يسمع نفسه أما بقدر ما يسمع نفسه فهو شرط. (قوله: ولمن يؤذن لجماعة الخ) أي ويسن لمن يؤذن لجماعة أن يرفع صوته فوق ما يسمع واحدا منهم، أما بقدر ما يسمع واحدا منهم فقط فهو شرط كما مر. (قوله: وإن يبالغ كل إلخ) أن ويسن أي يبالغ كل من المنفرد ومن أذن لجماعة في الجهر بالأذان. قال في النهاية: ما لم يجهد نفسه. اه. والحاصل: يحصل له أصل السنة بمجرد الرفع فوق ما يسمع نفسه. أو واحدا من المصلين. وكمال السنة بالرفع طاقته. وقوله: للأمر به أي برفع الصوت في الخبر المتقدم في قوله: فارفع صوتك إلخ. فهو تعليل لسنية رفع الصوت للمؤذن لنفسه أو لجماعة، لا لسنية المبالغة إذ لم

الاقامة، وتسكين راء التكبير الاولى. فإن لم يفعل فالافصح الضم. وإدغام دال محمد في راء رسول الله لان تركه من اللحن الخفي. وينبغي النطق بهاء الصلاة، ويكرهان من محد ث وصبي وفاسق. ولا يصح نصبه، وهما ـــــــــــــــــــــــــــــ يؤمر بها في الخبر المذكور. نعم، تؤخذ سنيتها من قوله فيه: فإنه لا يسمع الخ. تأمل. (قوله: وخفضه به) أي ويسن خفض الصوت بالأذان لئلا يوهمهم دخول وقت صلاة أخرى أو يشككهم في وقت الأولى، لا سيما في الغيم، فيحضرون مرة ثانية، وفيه مشقة شديدة. وقوله: في مصلى متعلق بمحذوف حال من ضمير به العائد على الأذان، أي حال كونه في مصلى، مسجدا كان أو غيره. (قوله: أقيمت فيه جماعة) ليس بقيد، بل مثله ما لو صلوا فيه فرادى. (قوله: وانصرفوا) هكذا قيد به في التحفة، ولم يقيد به في النهاية، وقال فيها: وقول الروضة، كأصلها: وانصرفوا، مثال لا قيد. فلو لم ينصرفوا فالحكم كذلك، لأنه إن طال الزمن بين الأذانين توهم السامعون دخول وقت صلاة أخرى، وإلا توهموا وقوع صلاتهم قبل الوقت، لا سيما في يوم الغيم. اه. (قوله: وترتيله) معطوف على رفع الصوت: والضمير فيه يعود على الأذان. أي ويسن ترتيل الأذان. أي التأني فيه بأن يأتي بكلماته مبينة. وقوله: وإدراج الإقامة أي ويسن إدراج الإقامة، أي الإسراع فيها. وذلك للأمر بهما، ولأن الأذان للغائبين، فالترتيل فيه أبلغ. والإقامة للحاضرين فالإدراج فيها أشبه، ولذا كانت أخفض منه صوتا. (قوله: وتسكين الخ) أي ويسن تسكين راء التكبيرة الأولى من الأذان، ومثلها راء التكبيرة الثانية، بل أولى، لأنه يسن الوقف عليها. قال الكردي: وعبارة الإمداد: السنة تسكين راء التكبيرة الثانية، وكذا الأولى، فإن لم يفعل ضم أو فتح الخ. اه. (قوله: فإن لم يفعل) أي التسكين. وقوله: فالأفصح الضم أي أفصح من الفتح. قال ابن هشام في مغنيه: قال جماعة منهم المبرد: حركة راء أكبر - أي الأولى - فتحة: وأنه وصل بنية الوقف. ثم اختلفوا فقيل: هي حركة الساكنين، وهي حركة الهمزة نقلت. وهذا خروج عن الظاهر لغير داع، والصواب أن حركة الراء ضمة إعراب. اه. والحاصل أن الوقف أولى لأنه المروي، ثم الرفع وإن الرفع أولى من الفتح لأنه حركة الإعراب الأصلية، فالإتيان به أولى من اجتلاب حركة أخرى لالتقاء الساكنين، وإن كان جائزا. ولا ينافي الأول أنه يندب قرن كل تكبيرتين في صوت لأنه يوجد مع الوقف على الراء الأولى بسكتة لطيفة جدا. (قوله: وإدغام الخ) أي ويسن إدغام دال محمد في راء رسول الله. وقوله: لأن تركه أي الإدغام المذكور. وقوله: من اللحن الخفي ولهذا لو تركه في التشهد أبطل الصلاة، كما مر في الركن العاشر من أركان الصلاة. (قوله: وينبغي النطق بهاء الصلاة) أي في الحيعلتين وفي كلمة الإقامة. قال حجر في فتح الجواد: وليحترز من أغلاط تبطل الأذان، بل يكفر متعمد بعضها، كمد باء أكبر وهمزته، وهمزة أشهد، وألف ألله، وعدم النطق بهاء الصلاة، وغير ذلك. ويحرم تلحينه إن أدى لتغيير معنى أو إيهام محذور، ولا يضر زيادة لا تشتبه بالأذان، ولا الله الأكبر. اه. (قوله: ويكرهان) أي الأذان والإقامة. وقوله: من محدث أي غير فاقد الطهورين. وإنما كره للمحدث لخبر الترمذي: لا يؤذن إلا متوضئ. وقيس بالأذان الإقامة، والكراهة للجنب أشد منها للمحدث، لغلظ الجنابة. وهي في إقامة منهما أغلظ منها في أذانهما لقربها من الصلاة. وقوله: وفاسق أي لأنه لا يؤمن أن يأتي بهما في غير الوقت، والصبي مثله. (قوله: ولا يصح نصبه) الضمير يعود على المذكور من الفاسق والصبي، وإن كان صنيعه يقتضي أنه عائد على الفاسق فقط. ولو قال: نصبهما - بضمير التثنية - لكان أولى. والمعنى: لا يصح للإمام أن ينصب للأذان الفاسق - كالصبي - لما مر من اشتراط التكليف والأمانة في منصوب الإمام. (قوله: وهما) أي الأذان والإقامة. أي مجموعهما أفضل، أي لأنه علامة على الوقت، فهو أكثر نفعا منها، ولما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه. أي اقترعوا. وقوله: إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله تعالى. وقوله: المؤذنون أطول أعناقا يوم القيامة. أي أكثر رجاء، لأن راجي الشئ يمد عنقه. وقيل بكسر الهمزة، أي إسراعا إلى الجنة. وقوله: الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن. اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين. والأمانة أعلى من الضمان، والمغفرة أعلى من الإرشاد، وخبر: المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس. قال في المغنى: فإن قيل: كيف فضل المصنف الأذان مع موافقته للرافعي على تصحيحه

أفضل من الامامة لقوله تعالى: * (ومن أحسن قو ممن دعا إلى الله) * قالت عائشة رضي الله عنها: هم المؤذنون. وقيل: هي أفضل منهما، وفضلت من أحدهما بلا نزاع. (و) سن (لسامعهما) سماعا يميز الحروف، وإلا لم يعتد بسماعه - كما قال شيخنا -. آخرا (أن يقول ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه سنة وتصحيحه فرضية الجماعة، إذ يلزم من ذلك تفضيل سنة على فرض، وإنما يرجحه - أي الأذان - عليها من يقول بسنيتها. أجيب بأنه لا مانع من تفضيل سنة على فرض. فقد فضل إبتداء السلام على الجواب، وإبراء المعسر على إنظاره، مع أن الأول فيهما سنة والثاني واجب. اه. (قوله: ومن أحسن قولا) أي لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى الله بالتوحيد. (قوله: قالت عائشة الخ) قال في التحفة: ولا ينافيه قول ابن عباس: هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه الأحسن مطلقا، وهو الأحسن بعده. ولا كون الآية مكية، والأذان إنما شرع بعد الهجرة في المدينة، لأنه لا مانع من أن المكي يشير إلى فضل ما يشرع بعد. اه بزيادة. (قوله: هم المؤذنون) أي أن المراد بمن دعا إلى الله المؤذنون. وفي حاشية الجمل ما نصه في الخازن: وللدعوة إلى الله مراتب، الأولى: دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الله تعالى بالمعجزات وبالحجج والبراهين وبالسيف، وهذه المرتبة لم تتفق لغير الأنبياء. المرتبة الثانية: دعوة العلماء إلى الله تعالى بالحجج والبراهين فقط. المرتبة الثالثة: دعوة المجاهدين إلى الله بالسيف، فهم يجاهدون الكفار حتى يدخلوهم في دين الله وطاعته. المرتبة الرابعة: دعوة المؤذنين إلى الصلاة، فهم أيضا دعاة إلى الله، أي إلى طاعته. اه. (قوله: وقيل هي) أي الإمام أفضل منهما، أي الأذان والإقامة. وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم. رواه الشيخان. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين واظبوا على الإمامة دون الأذان، وإن كان - صلى الله عليه وسلم - قد أذن في السفر راكبا، ولأن القيام بالشئ أولى من الدعاء إليه. (قوله: وفضلت) أي الإمامة. وقوله: من أحدهما أي الأذان والإقامة. (قوله: بلا نزاع) أي خلاف. وفيه أن العلامة الجمال الرملي خالف، وعبارته بعد كلام: وسواء انضم إليه - أي الأذان - الإقامة أم لا، خلافا للمصنف في نكت التنبيه. اه. ومثله الخطيب، ونص عبارته: تنبيه الأذان وحده أفضل من الإمامة. وقيل: إن الأذان مع الإقامة أفضل من الإمامة. وصحح النووي هذا في نكته. اه. وعبارة التحفة مع الأصل: قلت: الأصح انه - أي الأذان - مع الإقامة، لا وحده - كما اعتمده، خلافا لمن نازع فيه - أفضل. والله أعلم. اه. وقوله: خلافا لمن نازع فيه. يثبت النزاع. فلو عبر به الشارح لكان أولى. (قوله: وسن لسامعهما) أي الأذان والإقامة. قال ع ش: هو شامل للأذان للصلاة ولغيرها، كالأذان في أذن المولود وخلف المسافر. ويوافقه عموم حديث: إذا سمعتم المؤذن إلخ. فإن المتبادر أن اللام فيه للاستغراق، فكأنه قيل: إذا سمعتم أي مؤذن، سواء أذن للصلاة أو لغيرها. لكن نقل عن م ر أنه لا يجيب إلا أذان الصلاة. وعليه فاللام في قوله: إذا سمعتم المؤذن، للعهد. فليراجع. اه. وقوله: فليراجع. في سم: فرع. لا تسن إجابة أذان نحو الولادة وتغول الغيلان. اه. (قوله: سماعا يميز الحروف) أي ولو في البعض، بدليل قوله بعد: ولو سمع بعض الأذان أجاب فيه. (قوله: وإلا) أي وإن لم يسمع سماعا يميز الحروف. (وقوله: لم يعتد بسماعه) أي فلا يسن له أن يقول مثل قولهما. (قوله: كما قال شيخنا آخرا) هو الذي في التحفة. والذي في شرح بأفضل. وفتح الجواد، وكذلك الإيعاب والإمداد، خلافه. وهو أنه يجيب ولو لم يسمع إلا مجرد الصوت من غير أن يميز حروفه. فلابن حجر قولان: القول الأول ما في غير التحفة من كتبه، والقول الآخر ما فيها. (قوله: أن يقول الخ) لخبر الطبراني: إن المرأة إذا أجابت الأذان أو الإقامة كان لها بكل حرف ألف ألف درجة، وللرجل ضعف ذلك. اه شرح حجر. ولخبر مسلم: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي. ويؤخذ من قوله: فقولوا. أن يأتي بكل كلمة عقب فراغه منها. وأخذوا من قوله: مثل ما يقول ولم يقل: مثل ما تسمعون. أنه يجيب في الترجيع وإن لم يسمعه. (قوله: ولو غير

غير متوضئ) أو جنبا أو حائضا - خلافا للسبكي فيهما - أو مستنجيا فيما يظهر، (مثل قولهما إن لم يلحنا لحنا يغير المعنى). فيأتي بكل كلمة عقب فراغه منها، حتى في الترجيع وإن لم يسمعه. ولو سمع بعض الاذان أجاب فيه وفيما لم يسمعه. ولو ترتب المؤذنون أجاب الكل ولو بعد صلاته. ويكره ترك إجابة الاول. ويقطع ـــــــــــــــــــــــــــــ متوضئ) أي يسن للسامع أن يقول مثل قولهما، ولو كان ذلك السامع غير متوضئ بأن كان محدثا حدثا أصغر. وقوله: أو جنبا أو حائضا أي ولو كان جنبا أو حائضا فإنه يسن له أن يقول مثل قولهما. قال سم: قضيته عدم كراهة إجابة المحدث والجنب والحائض، ويشكل عليه كراهة الأذان لهم. وفرق شيخ الإسلام بأن المؤذن والمقيم مقصران حيث لم يتطهرا عند مراقبتهما الوقت، والمجيب لا تقصير منه لأن إجابته تابعة لأذان غيره، وهو لا يعلم غالبا وقت أذانه. اه. قال في شرح العباب: وهو حسن متجه. اه. (قوله: خلافا للسبكي فيهما) أي في الجنب والحائض، فإنه قال: لا يجيبان، لخبر: كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر. ولخبر: كان عليه السلام يذكر الله على كل أحيانه إلا لجنابة. وهما صحيحان. ووافقة ولده التاج في الجنب لإمكان طهره حالا، لا الحائض لتعذر طهرها مع طول أمد حدثها. اه تحفة. (قوله: أو مستنجيا) معطوف على جنبا، أي ويسن للسامع أن يقول مثل قولهما ولو كان في حال استنجائه. ومحله إذا استنجى في غير نحو بيت الخلاء، وإلا فلا يسن ذلك، لأن الذكر بمحل النجاسة مكروه. (قوله: مثل قولهما) مفعول مطلق ليقول. أي يقول قولا مثل المؤذن والمقيم، وفي سم: قال في العباب: ولو ثنى حنفي الإقامة أجيب مثنى. قال في شرحه: كما نقله الأذرعي عن ابن كج، لأنه هو الذي يقيم، فأدير الأمر على ما يأتي به. ثم أبدى احتمالا أنه لا يجيب في الزيادة، أي أنه قال في توجيه هذا الاحتمال: وكما لو زاد في الأذان تكبيرا أو غيره فإن الظاهر أنه لا يتابعه. اه. ويجاب بأنها سنة في اعتقاد الآتي الخ. اه. (قوله: إن لم يلحنا) أي المؤذن والمقيم، فإن لحنا لحنا يغير المعنى، كمد همزة أكبر ونحوهما مما مر في الأغلاط التي تقع للمؤذنين، لا تسن إجابتهما. قال في بشرى الكريم: ولو كان المؤذن يغير معنى بعض كلماته فيظهر أنه لا تسن إجابته. لكن نقل سم عن العباب وشرحه سن إجابته، ثم قال: وقد يتوقف فيه بل في إجزائه، فليتأمل. اه. (قوله: فيأتي بكل كلمة الخ) تفريع على أنه يسن للسامع أن يقول مثل قولهما: وفي الكردي ما نصه: قوله: عقب كل كلمة. مثله المغنى وغيره. قال في التحفة: هو الأفضل، فلو سكت حتى فرغ كل الأذان ثم أجاب قبل فاصل طويل عرفا كفى في أصل سنة الإجابة كما هو ظاهر. اه. ونحوه في الإمداد وغيره. نعم، قد يقال إن غفران الذنوب ودخول الجنة الآتيين في كلامه نقلا عن خبر مسلم يتوقفان على الإجابة عقب كل كلمة، إذ الذي فيه: إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله. الحديث اه. وقوله: عقب فراغه، أي المذكور من المؤذن والمقيم. وأفهمت العقبية أنه لا يتقدم عليه ولا يتأخر ولا يقارن. وقوله: منها أي الكلمة. (قوله: حتى في الترجيع) أي فيأتي به عقب فراغ المؤذن منه، وإن لم يسمعه، تبعا لما سمعه. (قوله: أجاب فيه وفيما لم يسمعه) أي سن أن يجيب المؤذن في البعض الذي سمعه والبعض الذي لم يسمعه. قال ع ش: سواء ما سمعه من الأول أو الآخر. وفي الكردي قال في الإمداد: مبتدئا من أوله وإن كان ما سمعه آخره. اه. (قوله: ولو ترتب المؤذنون أي أذن واحد بعد واحد. وقوله: أجاب الكل قال العز بن عبد السلام: أن إجابة الأول أفضل إلا أذاني الصبح فلا أفضلية فيهما لتقدم الأول ووقوع الثاني في الوقت، وإلا أذاني الجمعة لتقدم الأول ومشروعية الثاني في زمنه عليه الصلاة والسلام. وخرج بقوله: ترتب ما إذا أذنوا معا فإنه تكفي إجابة واحدة. كذا في فتح الجواد. وقال في النهاية: ومما عمت به البلوى ما إذا أذن المؤذنون واختلطت أصواتهم على السامع وصار بعضهم يسبق بعضا. وقد قال بعضهم: لا يستحب إجابة هؤلاء. والذي أفتى به الشيخ عز الدين أنه يستحب إجابتهم. اه. وكتب ع ش: قوله: يستحب إجابتهم أي إجابة واحدة. ويتحقق ذلك بأن يتأخر بكل كلمة حتى يغلب على ظنه أنهم أتوا بها بحيث تقع إجابته متأخرة أو مقارنة. اه. (قوله: ولو بعد صلاته) أي أنه تسن الإجابة له ولو بعد أن صلى، كأن سمع أذان بعضهم فصلى، ثم سمع أذان الباقي أجابه أيضا. (قوله: ويكره ترك إجابة الأول) أي المؤذن الأول، لأن

للاجابة القراءة والذكر والدعاء. وتكره لمجامع وقاضي حاجة، بل يجيبان بعد الفراغ، كمصل إن قرب الفصل، لا لمن بحمام، ومن بدنه ما عدا فمه نجس وإن وجد ما يتطهر به. (إلا في حيعلات فيحوقل) المجيب، أي يقول فيها: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أي لا تحول عن معصية الله إلا به ولا قوة على طاعته إلا بمعونته. (ويصدق) أي يقول: صدقت وبررت، مرتين. أي صرت ذا بر، أي خير كثير. (إن ثوب) أي ـــــــــــــــــــــــــــــ إجابته متأكدة. ومفهومه أنه لا يكره ترك إجابة غير الأول. (قوله: ويقطع الخ) أي إذا كان السامع يقرأ ويذكر أو يدعو سن له الإجابة وقطع ما هو مشتغل به، ولو كان المصلي يقرأ الفاتحة فأجابه قطع موالاتها ووجب عليه أن يستأنفها. ولو سمع المؤذن وهو في الطواف أجابه فيه. كما قاله الماوردي. (فائدة) قال القطب الشعراني في العهود المحمدية: أخذ علينا العهد العام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نجيب المؤذن بما ورد في السنة، ولا نتلاهى عنه قط بكلام لغو ولا غيره أدبا مع الشارع - صلى الله عليه وسلم -. فإن لكل سنة وقتا يخصها، فلإجابة المؤذن وقت، وللعلم وقت، وللتسبيح وقت، ولتلاوة القرآن وقت. كما أنه ليس للعبد أن يجعل موضع الفاتحة استغفارا، ولا موضع الركوع والسجود قراءة، ولا موضع التشهد غيره. وهكذا فافهم. وهذا العهد يبخل به كثير من طلبة العلم فضلا عن غيرهم، فيتركون إجابة المؤذن، بل ربما تركوا صلاة الجماعة حتى يخرج الناس منها وهم يطالعون في علم نحو أو أصول أو فقه، ويقولون: العلم مقدم مطلقا، وليس كذلك فإن المسألة فيها تفصيل، فما كل علم يكون مقدما في ذلك الوقت على صلاة الجماعة كما هو معروف عند كل من شم رائحة مراتب الأوامر الشرعية. وكان سيدي علي الخواص رحمه الله تعالى إذا سمع المؤذن يقول: حي على الصلاة. يرتعد ويكاد يذوب من هيبة الله عزوجل، ويجيب المؤذن بحضور قلب وخشوع تام، رضي الله تعالى عنه. فاعلم ذلك والله يتولى هداك. اه. (قوله: وتكره) أي الإجابة وهذا تقييد لقوله: وسن لسامعهما. فكأنه قال: ومحل سنية ذلك له ما لم يكن في حال سماعه مجامعا أو قاضي حاجة، فإن كان كذلك لا يسن ذلك بل يكره. (قوله: بل يجيبان) أي المجامع وقاضي الحاجة. وقوله: بعد الفراغ أي من الجماع وقضاء الحاجة. وقوله: كمصل فيه حوالة على مجهول لأنه لم يذكر فيما مر حكم المصلي، وذكره في التحفة، فلعله سقط هنا من النساخ، وعبارتها: وتكره لمن في صلاة إلا الحيعلة أو التثويب أو صدقت، فإنه يبطلها إن علم وتعمد. ولمجامع وقاضي حاجة، بل يجيبان بعد الفراغ كمصل إن قرب الفصل. اه. وقوله: إن قرب الفصل قيد لسنية الإجابة بعد ما ذكر، فإن طال لم تستحب الإجابة للمذكورين، من المجامع وما بعده. قال في المغنى وفارق هذا تكبير العيد المشروع عقب الصلاة، حيث يتدارك وإن طال الفصل بأن الإجابة تنقطع مع الطول بخلاف التكبير. اه. (قوله: لا لمن بحمام) أي ولا تكره الإجابة لمن سمع الأذان وهو بحمام. (قوله: ومن بدنه الخ) أي ولا تكره الإجابة أيضا لمن بدنه نجس ما عدا فمه، فإن كان فمه نجسا كرهت له الإجابة قبل تطهيره، فإذا طهره أجاب إن قرب الفصل، على قياس ما مر. (قوله: وإن وجد) أي من بدنه نجس، وهو غاية لعدم كراهة الإجابة له. (قوله: إلا في حيعلات) إستثناء من قوله: مثل قولهما. والمراد بالجمع ما فوق الواحد إذ ليس هناك إلا حيعلتان فقط، وهما حي على الصلاة وحي على الفلاح. وعبارة المنهاج: إلا في حيعلتيه، بالتثنية. (قوله: فيحوقل) أي أربع مرات في الأذان ومرتين في الإقامة، وإنما سنت الحوقلة لقوله في خبر مسلم: وإذا قال حي على الصلاة. قال: - أي سامعه - لا حول ولا قوة إلا بالله. وإذا قال: حي على الفلاح. لا حول ولا قوة إلا بالله. ولما في الخبر الصحيح: من قال ذلك مخلصا من قلبه دخل الجنة. (قوله: أي يقول فيها) قال في النهاية: يقول ذلك بدل كل منهما للخبر السابق، ولأن الحيعلتين دعاء إلى الصلاة. فلا يليق بغير المؤذن، إذ لو قاله السامع لكان الناس كلهم دعاة. فمن المجيب؟. فيسن للمجيب ذلك لأنه تفويض محض إلى الله تعالى. اه. ونقل الكردي عن الإيعاب أنه يطلب الإتيان بهما من السامع أيضا لكن مع الحوقلة. فانظره. (قوله: إلا به) أي بالله. (قوله: ولا قوة على طاعته) منها ما دعوتني يا الله إليه. (قوله:

أتى بالتثويب في الصبح. ويقول في كلمتي الاقامة: أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها. (و) سن (لكل) من مؤذن ومقيم وسامعهما (أن يصلي) ويسلم (على النبي) (ص) (بعد فراغهما)، أي بعد فراغ كل منهما إن طال فصل بينهما، وإلا فيكفي لهما دعاء واحد. (ثم) يقول كل منهم رافعا يديه: (اللهم رب هذه الدعوة) أي الاذان والاقامة، (إلى آخره). تتمته: التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته. والوسيلة هي أعلى درجة في الجنة. والمقام المحمود مقام الشفاعة في فصل القضاء يوم القيامة. ويسن أن يقول بعد أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي. وتسن الصلاة على النبي (ص) قبل الاقامة، على ما قاله النووي في شرح الوسيط، واعتمده شيخنا ابن زياد، وقال: أما قبل الاذان فلم أر في ذلك شيئا. وقال الشيخ الكبير البكري أنها تسن قبلهما، ولا يسن محمد رسول الله بعدهما. قال الروياني في البحر: يستحب أن يقرأ بين الاذان والاقامة آية الكرسي لخبر: إن من قرأ ذلك بين الاذان والاقامة لم يكتب عليه ما بين الصلاتين. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويصدق) الأولى أن يقول: وإلا في التثويب فيصدق. (قوله: أي يقول: صدقت وبررت) بكسر الراء الأولى، وحكي فتحها. زاد في العباب: وبالحق نطقت. وقيل: يقول: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: وسن لكل من مؤذن إلخ) وذلك لخبر مسلم: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صل علي فإنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه وسلم بها عشرا، ثم اسألوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة. أي غشيته ونالته. وحكمة سؤال ذلك - مع كونه واجب الوقوع بوعد الله تعالى - إظهار شرفه وعظم منزلته. (قوله: بعد فراغهما) أي الأذان والإقامة. (قوله: أي بعد فراغ الخ) أشار بهذا إلى سنية الصلاة والسلام بعد تمام كل واحد منهما بالقيد الآتي، لا بعد تمام مجموعهما مطلقا كما يتوهم من الإضافة. (قوله: إن طال فصل بينهما) أي بين الأذان والإقامة. ولم أر هذا القيد في التحفة والنهاية وفتح الجواد والأسنى وشرح المنهج والمغنى والإقناع، فانظره. (قوله: وإلا) أي وإن لم يطل الفصل بينهما بأن قرب. وقوله: فيكفي لهما أي بعد الإقامة. وقوله: دعاء واحد المراد به الصلاة والسلام لأنهما دعاء، ويحتمل أن المراد به ما يشملهما ويشمل الدعاء الآتي، وهو بعيد. ولو قال: فيكفي لهما صلاة واحدة وسلام واحد، لكان أنسب. (قوله: كل منهم) أي المؤذن والمقيم والسامع. (قوله: التامة) أي السالمة من تطرق الخلل إليها لاشتمالها على معظم شرائع الإسلام. وقوله: الصلاة القائمة أي التي ستقام قريبا. (قوله: والفضيلة) عطف تفسير، أو أعم. تحفة. (قوله: الذي) منصوب بدلا مما قبله، أو بتقدير أعني، أو مرفوع خبرا لمبتدأ محذوف. اه شرح المنهج. وقوله: وعدته أي بقولك: * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) *. (قوله: بعد أذان المغرب) أي وبعد إجابة المؤذن والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكل من هذه سنة مستقلة فلا يتوقف طلب شئ منها على فعل غيره. ويسن أن يقول أيضا بعد أذان الصبح: اللهم هذا إقبال نهارك وإدبار ليلك، الخ. قال ع ش: وإنما خص المغرب والصبح بذلك لكون المغرب خاتمة عمل النهار والصبح خاتمة عمل الليل ومقدمة عمل النهار. اه. (قوله: وأصوات دعاتك) أي وهذه أصوات دعاتك، وهي بضم الدال جمع داع. (قوله: وتسن الصلاة إلخ) أي غير الصلاة والسلام بعد فراغ الأذان. (قوله: إنها) أي الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: قبلهما أي الأذان والإقامة. (قوله: ولا يسن محمد رسول الله بعدهما) أي الأذان والإقامة، بأن يقول بعد لا إله إلا الله فيهما. محمد رسول الله.

(فرع) أفتى البلقيني فيمن وافق فراغه من الوضوء فراغ المؤذن، بأنه يأتي بذكر الوضوء لانه للعبادة التي فرغ منها، ثم بذكر الاذان. قال: وحسن أن يأتي بشهادتي الوضوء ثم بدعاء الاذان لتعلقه بالنبي (ص)، ثم بالدعاء لنفسه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ما بين الصلاتين) أي ما يقع بينهما من الذنوب. (قوله: أفتى البلقيني إلخ) ولا تعارض إجابة الأذان وذكر الوضوء، بأن فرغ منه وسمع الأذان، بدأ بذكر الوضوء لأنه للعبادة التي باشرها وفرغ منها. اه سم. (قوله: بأنه يأتي إلخ) متعلق بأفتى. وقوله: لأنه للعبادة التي فرغ منها أي وباشرها، وهي مقدمة على العبادة المباشر لها غيره. (قوله: قال) أي البلقيني. (قوله: وحسن أن يأتي بشهادتي الوضوء) أي وهما: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. (قوله: ثم بدعاء الأذان) أي بعد الشهادتين يأتي به. (قوله: لتعلقه) أي دعاء الأذان، بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. أي وما كان متعلقا به - صلى الله عليه وسلم - مقدم على ما كان متعلقا به نفسه. وقوله: ثم بالدعاء لنفسه أي الذي بعد الوضوء، وهو: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين. (فوائد) ذكر في هامش مقامات الحريري ما نصه: من قال حين يسمع المؤذن مرحبا بالقائل عدلا، مرحبا بالصلاة أهلا. كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألفي ألف سيئة، ورفع له ألفي ألف درجة. اه. وفي الشنواني ما نصه: من قال حين يسمع قول المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله: مرحبا بحبيبي وقرة عيني محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم يقبل إبهاميه ويجعلهما على عينيه لم يعم ولم يرمد أبدا. وذكر أبو محمد بن سبع في شفاء الصدور: وأن من قال إذا فرغ المؤذن من أذانه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل شئ هالك إلا وجهه. اللهم أنت الذي مننت علي بهذه الشهادة وما شهدتها إلا لك، ولا يقبلها مني غيرك، فاجعلها لي قربة عندك وحجابا من نارك، واغفر لي ولوالدي ولكل مؤمن ومؤمنة برحمتك، إنك على كل شئ قدير. أدخله الله الجنة بغير حساب. والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في صلاة النفل وهو لغة: الزيادة. وشرعا: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه. ويعبر عنه بالتطوع والسنة والمستحب والمندوب. وثواب الفرض يفضله بسبعين درجة، كما في حديث صححه ابن خزيمة. وشرع ليكمل نقص الفرائض بل وليقوم في الآخرة لا في الدنيا مقام ما ترك منها لعذر، كنسيان، كما نص عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في صلاة النفل أي في بيان حكمها، وبيان ما هو مؤكد منها وغيره. وما يسن له الجماعة من ذلك وما لا يسن. (قوله: وهو) أي النفل. وقوله لغة: الزيادة. قال الله تعالى: * (ويعقوب نافلة) * أي زيادة على المطلوب. (قوله: وشرعا الخ) سمي المعنى الشرعي به لنفله، أي زيادته على ما فرضه الله علينا. (وقوله: ما يثاب الخ) قال ابن رسلان في زبده: والسنة المثاب من قد فعله * * ولم يعاقب امرؤ إن أهمله وهذا التعريف هو معنى قولهم: هو ما رجح الشرع فعله على تركه وجوز تركه. (قوله: ويعبر عنه) أي عما يثاب إلخ. وجملة ما ذكره من الألفاظ المترادفة على معنى واحد خمسة، ومثلها الإحسان. والأولى، وقيل: التطوع: ما ينشئه الإنسان بنفسه. والسنة ما واظب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمستحب ما فعله أحيانا، أو أمر به. (قوله: وثواب الفرض يفضله) أي النفل. والمراد يفضله من حيث ذاته، فلا ينافيه أن المندوب قد يفضله - كما في إبراء المعسر وإنظاره - وابتداء السلام ورده، لأن ذلك لعارض وهو اشتمال المندوب على مصلحة الواجب، وزيادة، إذ بالإبراء زاد الإنظار وبالابتداء حصل أمن أكثر مما في الجواب. (قوله: وشرع) أي النفل. وقوله: ليكمل إلخ أي للخبر الصحيح: إن فريضة الصلاة والزكاة وغيرهما إذا لم تتم تكمل بالتطوع. ولخبر ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أول ما افترض الله على أمتي الصلوات الخمس، وأول ما يرفع من أعمالهم الصلوات الخمس، وأول ما يسألون من أعمالهم الصلوات الخمس. فمن كان ضيع شيئا منها يقول الله تبارك وتعالى: انظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صلاة تتمون بها ما نقص من الفريضة؟ وانظروا في صيام عبدي شهر رمضان، فإن كان ضيع شيئا منه فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صيام تتمون بها ما نقص من الصيام؟ وانظروا في زكاة عبدي، فإن كان ضيع شيئا منها فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صدقة تتمون بها ما نقص من الزكاة؟ فيؤخذ ذلك على فرائض الله، وذلك برحمة الله وعدله. فإن وجد فضل وضع في ميزانه، وقيل له ادخل الجنة مسرورا. وإن لم يوجد له شئ من ذلك أمرت به الزبانية تأخذه بيديه ورجليه ثم يقذف به في النار. وفي سم ما نصه: عبارة العباب: وإذا انتقص فرض كمل من نفله، وكذا باقي الأعمال. اه. وقوله: نفله. قد يشمل غير سنن ذلك الفرض من النوافل، ويوافقه ما في الحديث: فإن انتقص من فريضته شيئا قال الرب سبحانه: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما انتقص من الفريضة؟. اه. بل قد يشمل هذا تطوعا ليس من جنس الفريضة. اه. وقوله: نقص الفرائض. أي الخلل الواقع فيها، كترك خشوع وتدبر قراءة. (قوله: بل وليقوم الخ) يعني أنه إذا ترك

والصلاة أفضل عبادات البدن بعد الشهادتين، ففرضها أفضل الفروض، ونفلها أفضل النوافل. ويليها الصوم، فالحج، فالزكاة، على ما جزم به بعضهم، وقيل: أفضلها الزكاة. وقيل: الصوم. وقيل: الحج. وقيل غير ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ فريضة من الفرائض لعذر ومات قبل قضائها قام النفل مقامها، ويكون كل سبعين منه بركعة منها. كما في ش ق. وقوله: لا في الدنيا أما فيها فإذا تذكرها يجب عليه قضاؤها، ولا يقوم النفل مقامها. وقوله: مقام ما ترك منها أي من الفرائض. أي ومات قبل تذكرها. (قوله: كما نص عليه) أي على قيامه في الآخرة مقام ما ترك منها. (قوله: والصلاة أفضل إلخ) وذلك لقول الله تعالى: * (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) * الآية. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ما افترض الله على العباد بعد التوحيد شيئا أحب إليه من الصلاة. ولو كان شئ أحب منها لتعبد به ملائكته، فمنهم راكع وساجد وقائم وقاعد. ولخبر الصحيحين: أي الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة لوقتها. وقوله عليه الصلاة والسلام: استقيموا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة. ولأنها تجمع من القرب ما تفرق في غيرها، من ذكر الله تعالى ورسوله والقراءة والتسبيح واللبس والاستقبال والطهارة والسترة وترك الأكل والكلام وغير ذلك، مع اختصاصها بالركوع والسجود وغيرهما. وقوله: عبادات البدن خرج بها عبادات القلب، فإنها أفضل من الصلاة، وذلك كالإيمان والمعرفة والتفكر في مصنوعات الله تعالى التي يستدل بها على كمال قدرته، والصبر وهو حبس النفس على الطاعة ومنعها عن المعصية، والتوكل وهو التفويض إلى الله في الأمور كلها، والإعراض عما في أيدي الناس، والرضا والخوف والرجاء، ومحبة الله ومحبة رسوله وأهل بيته، والتوبة والتطهر من الرذائل. وأفضلها الإيمان. ورأيت في هامش فتح الجواد ما نصه: قال الفارقي: وهذا - أي قوله عبادات البدن - احتراز من عبادات المال، فإنها أفضل من عبادات البدن على ما وردت به الأخبار، ولأن نفعها يتعدى إلى الغير ونفع عبادات البدن قاصر على العابد، ونفع العباد أفضل الطاعات، ولهذا قرن - صلى الله عليه وسلم - بين نفع العباد وبين الإيمان بالله، وسوى بين الشرك بالله وبن ظلم العباد فقال عليه السلام: ليس بعد الإيمان أفضل من نفع العباد، وليس بعد الشرك بالله أعظم من ظلم العباد. اه. من فوائد المهذب لابن أبي عصرون. انتهى. والظاهر أن المراد بعبادات المال ما يعم الصدقة الواجبة كالزكاة، والمستحبة. لكن قول الشارح الآتي، وقيل: أفضلها الزكاة. يقتضي أن الزكاة من عبادات البدن، لأن أفعل التفضيل بعض من المضاف إليه. ثم رأيت القسطلاني نص على أن الزكاة من العبادات المالية، وعبارته فيما كتبه على حديث: بني الإسلام على خمس إلخ: ووجه الحصر في الخمسة أن العبادات إما قولية أو غيرها، الأولى: الشهادتان. والثانية: إما تركية أو فعلية، الأولى: الصوم. والثانية: إما بدنية أو مالية، الأولى الصلاة، والثانية الزكاة، أو مركبة منهما. وهي الحج. اه. وعلى ما قاله الفارقي تكون الزكاة أفضل مطلقا، فتدبر. وقوله: بعد الشهادتين منه تعلم أن المراد بالعبادات البدنية ما يشمل اللسانية. اه كردي. (قوله: ففرضها) أي الصلاة. وقوله: أفضل الفروض أي من سائر العبادات البدنية. (قوله: ونفلها أفضل النوافل) لا يرد حفظ غير الفاتحة من القرآن والاشتغال بالعلم، حيث نص الشافعي على أنهما أفضل من صلاة التطوع لأنهما فرض كفاية. (قوله: ويليها) أي الصلاة، في الفضيلة. (قوله: على ما جزم به) أي بالترتيب المذكور بعضهم. وقيل أن الذي يلي الصلاة الزكاة، ثم الصوم، ثم الحج. (قوله: وقيل أفضلها) أي عبادات البدن وهذا مقابل قوله: والصلاة أفضل عبادات البدن. (قوله: وقيل الصوم) أي أفضلها، لخبر الصحيحن: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. وإنما اختص الصوم به سبحانه وتعالى لأنه لم يتقرب لأحد بالجوع والعطش إلا لله تعالى، ولأنه مظنة الإخلاص لخفائه، دون سائر العبادات. فإنها أعمال ظاهرة يطلع عليها فيكون الرياء أغلب فيها. وقيل إن كان بمكة فالصلاة أفضل، أو بالمدينة فالصوم أفضل. (قوله: وقيل الحج) أي أفضلها، لاشتماله على المال والبدن، ولأنا دعينا إليه ونحن في الأصلاب. كما أخذ علينا العهد بالإيمان حينئذ. ولأن الحج يجمع معاني العبادات كلها. فمن حج فكأنما صام وصلى واعتكف وزكى ورابط في سبيل الله وغزا. كما قاله الحليمي. (قوله: وقيل غير ذلك) منه ما قاله بعضهم أن الجهاد أفضل، ومنه ما قاله في الإحياء.

والخلاف في الاكثار من واحد - أي عرفا - مع الاقتصار على الآكد من الآخر، وإلا فصوم يوم أفضل من ركعتين. وصلاة النفل قسمان: قسم لا تسن له جماعة كالرواتب التابعة للفرائض، وهي ما تأتي آنفا. (يسن) للاخبار الصحيحة الثابتة في السنن (أربع ركعات قبل عصر، و) أربع قبل (ظهر و) أربع (بعده، وركعتان بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ العبادات تختلف أفضليتها باختلاف أحوالها وفاعليها، فلا يصح إطلاق القول بأفضلية بعضها على بعض، كما لا يصح إطلاق القول بأن الخبر أفضل من الماء، فإن ذلك مخصوص بالجائع والماء أفضل للعطشان، فإن اجتمعا نظر للأغلب. فتصدق الغني الشديد البخل بدرهم أفضل من قيام ليلة وصيام ثلاثة أيام لما فيه من دفع حب الدنيا، والصوم لمن استحوذت عليه شهوته من الأكل والشرب أفضل من غيره. اه. (قوله: والخلاف في الإكثار الخ) أي إن الخلاف بين كون الصلاة مثلا أفضل أو الصوم مثلا أفضل مفروض فيما إذا أراد مثلا أن يكثر من الصوم ويقتصر على الآكد من الصلاة أو العكس. فهل الأفضل الأول أو الثاني؟. فمنهم من جنح إلى الأول، ومنهم من جنح إلى الثاني، وأنت خبير بأن ما ذكره لا يظهر إلا بين الصلاة والصوم، أما بينهما وبين غيرهما من الزكاة والحج فلا يظهر، إذ الزكاة ليس فيها آكد وغيره حتى يصح أن يقال يكثر من الصلاة مثلا مع الاقتصار على الآكد من الزكاة، أو يكثر من الزكاة مع الاقتصار على الآكد من الصلاة مثلا. ومثلها الحج، ويدل عليه اقتصاره على الصوم والصلاة في قوله: وإلا فصوم يوم أفضل من ركعتين. ثم رأيت عبارة الدميري صريحة فيما قلناه، ونصها: قال المصنف: وليس المراد من قولهم: الصلاة أفضل من الصوم، أن صلاة ركعتين أفضل من صوم أيام أو يوم، فإن صوم يوم أفضل من ركعتين، وإنما معناه أن من أمكنه الاستكثار من الصوم ومن الصلاة وأراد أن يستكثر من أحدهما ويقتصر من الآخر على المتأكد منه فهذا محل الخلاف، والصحيح تفضيل جنس الصلاة. اه. ومثلها عبارة شرح الروض فانظرها. نعم، يتجه أن يقال بالنسبة للنسك لو أراد أن يصرف الزمن الذي يريد أن يشتغل فيه بالنسك تطوعا في الصلاة أو الصوم، فهل الأفضل ذلك أو الأفضل اشتغاله بالنسك مع اقتصاره على الآكد من الصلاة أو الصوم؟. فعلى أنهما أفضل منه كان الاشتغال بهما أفضل، وعلى أنه أفضل منهما كان الاشتغال به أفضل. بقي ما إذا تساوى الصوم والصلاة في الكثرة فمقتضى ما تقدم أن هذه الصورة ليست محل الخلاف وأن الصلاة أفضل من الصوم. وقوله: مع الاقتصار على الآكد قال سم: ومنه الرواتب غير المؤكدة، ومن ثم عبر بالآكد دون المؤكد، فليتأمل. اه. (قوله: وإلا فصوم الخ) أي وإن لم يكن الخلاف مفروضا في الإكثار من أحدهما مع الاقتصار على الآكد من الآخر، بأن جعل بين الصلاة من حيث هي والصوم من حيث هو فلا يصح، لأن صوم يوم أفضل من صلاة ركعتين بلا شك. (قوله: وصلاة النفل قسمان) أي ذات قسمين، وإلا لم يصح الإخبار. (قوله: قسم لا تسن له جماعة) أي دائما وأبدا بأن لم تسن له أصلا، أو تسن في بعض الأوقات كالوتر في رمضان. قال في النهاية: ولو صلى جماعة لم يكره. اه. ونقل ع ش عن سم أنه يثاب عليها. وقال ح ل: لا يثاب عليها. قال البجيرمي: واعتمد شيخنا ح ف كلام ح ل. اه. (قوله: كالرواتب) تمثيل للذي لا تسن فيه جماعة، أي وكالوتر وصلاة الضحى وتحية المسجد. وقوله: التابعة للفرائض أي في المشروعية، فيشمل القبلية والبعدية، فهي تابعة لها في الطلب حضرا وسفرا. (قوله: وهي) أي الرواتب. (قوله: آنفا) بمد الهمزة بمعنى الزمن الذي يقرب منك. سواء كان سابقا أو لاحقا، كما نص عليه ش ق في باب الغسل، وعبارته: وآنفا بمد الهمزة بمعنى قريبا، وتطلق على السابق واللاحق. اه. وعبارة القاموس: وقال: آنفا كصاحب وكتف، وقرئ بهما، أي مذ ساعة، أي في أول وقت يقرب منها. انتهت. وقوله في أول وقت يقرب منها سواء كان ماضيا أو مستقبلا، فلا ينافي ما مر. (قوله: الثابتة في السنن) أي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجة والترمذي، وقد نظمهم بعضهم في قوله: أعني أبا داود ثم الترمذي * * كذا النسائي وابن ماجة فاحتذي (قوله: أربع ركعات قبل عصر) أي لخبر: رحم الله امرءا صلى قبل العصر أربعا وله جمعها بإحرام واحد، وسلام كذلك بتشهد أو تشهدين. وفصلها بإحرامين وسلامين، وهو الأفضل. (قوله: وأربع قبل ظهر إلخ) وذلك لخبر:

مغرب) وندب وصلهما بالفرض. ولا يفوت فضيلة الوصل بإتيانه قبلهما الذكر المأثور بعد المكتوبة. (و) بعد (عشاء) ركعتان خفيفتان (وقبلهما)، إن لم يشتغل بهما عن إجابة المؤذن. فإن كان بين الاذان والاقامة ما يسعهما فعلهما، وإلا أخرهما. (و) ركعتان قبل (صبح)، ويسن تخفيفهما. وقراءة الكافرون والاخلاص فيهما، لخبر مسلم وغيره، وورد أيضا فيهما ألم نشرح لك وألم تر كيف، وأن من داوم على قراءتهما فيهما زالت عنه علة ـــــــــــــــــــــــــــــ من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار. رواه الترمذي وصححه، وله هنا أيضا ما مر من جمعها بسلام واحد وفصلها، ولا بد هنا من نية القبلية والبعدية، ككل صلاة لها قبلية وبعدية. (قوله: وركعتان بعد مغرب) أي لخبر: من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن يتكلم كتبتا في عليين. ويسن أن يقرأ فيهما بسورتي الكافرون والإخلاص. (قوله: وندب وصلهما) أي ركعتي المغرب به لضيق وقته، ولخبر: عجلوا الركعتين بعد المغرب لترفعا مع العمل. وندب تطويلهما حتى ينصرف أهل المسجد، ومحل ندب الكافرون والإخلاص فيهما حيث لم يرد تطويلهما. (قوله: ولا يفوت فضيلة الوصل) أي وصل ركعتي المغرب به. وقوله: بإتيانه متعلق بيفوت، والمصدر مضاف إلى فاعله. وقوله: قبلهما أي الركعتين. وقوله: الذكر المأثور مفعول المصدر. وتقدم في أواخر صفة الصلاة عن سم أن الأفضل تقديم الذكر والدعاء على الراتبة فلا تغفل. وقوله: بعد المكتوبة متعلق بالمأثور. (قوله: بعد عشاء ركعتان خفيفتان) أي لما رواه الشيخان عن محمد بن المنكدر قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد العشاء. (قوله: وقبلهما) أي قبل المغرب وقبل العشاء، وذلك لحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة. قال في الثالثة: لمن شاء رواه البخاري ومسلم. والمراد بالأذانين الأذان والإقامة، باتفاق العلماء. (قوله: إن لم يشتغل بهما) أي بالركعتين قبلهما. وهذا تقييد لكونه يصليهما قبلهما. أي محل كونه يصلي الركعتين قبل المغرب وقبل العشاء إن لم يكن إذا صلاهما يشتغل بهما عن إجابة المؤذن، فإن كان يشتغل بهما عنها لو صلاهما أجاب المؤذن ثم بعد الفراغ من الإجابة إن كان هناك زمن يسعهما فعلهما قبل الصلاة، وإلا أخرهما عنها. فقوله: فإن كان الخ مفرع على مفهوم النفي قبله، وهو أنه إن اشتغل بهما تركهما وأجاب المؤذن، فإن كان بين إلخ. (قوله: روكعتان قبل صبح) أي لخبر مسلم: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها. ولخبر البيهقي: لا يحافظ على ركعتي الفجر إلا أواب قال في النهاية: وله في النية كيفيات سنة الصبح سنة الفجر سنة البرد سنة الوسطى - على القول بأنها الوسطى - سنة الغداة. وله أن يحذف لفظ السنة ويضيف فيقول: ركعتي الصبح وركعتي الفجر وركعتي البرد وركعتي الوسطى وركعتي الغداة. اه. قال بعضهم: معناه أن الناس عند قيامهم من نومهم يبتدرون إلى معاشهم وكسبهم، فأعلمهم أنها خير من الدنيا وما فيها، فضلا عما عساه يحصل لكم، فلا تتركوهما وتشغلوا به. (قوله: ويسن تخفيفهما) أي لما رواه ابن السني عن والد أبي المليح: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين خفيفتين، ثم سمعته يقول وهو جالس: اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل ومحمد النبي - صلى الله عليه وسلم - أعوذ بك من النار. ثلاث مرات. (قوله: وقراءة الكافرون والإخلاص فيهما) أي السورة الأولى في الركعة الأولى والثانية في الثانية. (قوله: لخبر مسلم وغيره) من الغير ما رواه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها: نعم السورتان هما تقرآن في الركعتين قبل الفجر، قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد. (قوله: وورد أيضا فيهما) أي في الركعتين قبل الصبح، وورد أيضا فيهما آية البقرة وهي قوله تعالى: * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) *. وآية آل عمران، وهي قوله تعالى: * (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) * (قوله: وأن من داوم على قراءتهما) أي: ألم نشرح وألم تر. وقوله فيهما: أي في

البواسير، فيسن الجمع فيهما بينهن لتتحقق الاتيان بالوارد، أخذا مما قاله النووي في: إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا. ولم يكن بذلك مطولا لهما تطويلا يخرج عن حد السنة والاتباع، كما قاله شيخنا ابن حجر وزياد. ويندب الاضطجاع بينهما وبين الفرض إن لم يؤخرهما عنه، ولو غير متهجد. والاولى كونه على الشق الايمن، فإن لم يرد ذلك فصل بنحو كلام أو تحول. ـــــــــــــــــــــــــــــ الركعتين وقوله: زالت عنه علة البواسير وقيل: إن من دوام عليهما فيهما لا يرى شرا ذلك اليوم أصلا. ولذا قيل: من صلاهما بألم وألم لم يصبه في ذلك اليوم ألم. وقال الغزالي في كتاب وسائل الحاجات: بلغنا عن غير واحد من الصالحين من أرباب القلوب. أن من قرأ في ركعتي الفجر ألم نشرح لك وألم تر قصرت عنه يد كل عدو، ولم يجعل لهم عليه سبيلا. وهذا صحيح مجرب بلا شك. اه. (قوله: فيسن الجمع فيهما) أي في ركعتي الصبح. وقوله: بينهن أي بين السور الأربع. وذلك بأن يقرأ في الركعة الأولى ألم نشرح والكافرون، وفي الثانية ألم تر والإخلاص. ويزيد عليهن أيضا الآيتين المتقدمتين، فيقدم آية البقرة على ألم نشرح في الأولى وآية آل عمران على ألم تر في الثانية. وقوله: ليتحقق الإتيان بالوارد أي ليحصل العمل بالوارد كله. (قوله: أخذا مما قاله النووي) يعني أن سنية الجمع بين السور فيهما مأخوذة - أي مقيسة - على ما قاله النووي في: إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا. وحاصله أنه ورد ظلما كثيرا بالثاء المثلثة، وورد ظلما كبيرا بالباء الموحدة. فقال النووي رضي الله عنه: يسن الجمع بينهما ليتحقق الوارد، - أي كله - فكذلك هنا يسن الجمع بين السور ليتحقق الوارد كله. (قوله: ولم يكن) عطف على فيسن. وقوله: بذلك أي الجمع. وهذا جواب عن سؤال وارد على سنية الجمع، وحاصله: كيف يسن الجمع مع أن تخفيفهما سنة؟ وحاصل الجواب أن المراد بتخفيفهما عدم تطويلهما على الوارد، فبالإتيان بالوارد لا يكون مطولا بل مخففا لهما. (قوله: ويندب الاضطجاع) وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه. رواه أبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة. ويحصل بأي كيفية كان، والأولى كونه على الهيئة التي يكون عليها في القبر. قال في النهاية: ولعل من حكمته أنه يتذكر بذلك ضجعة القبر حتى يستفرغ وسعه في الأعمال الصالحة يتهيأ لذلك. اه. وقوله: بينهما أي بين الركعتين وبين الفرض. ويسن أن يقول في اضطجاعه: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل محمد - صلى الله عليه وسلم - أجرني من النار، ثلاثا. وفي رسالة الصدق والتحقيق لمن أراد أن يسير بسير أهل الطريق، للشيخ أحمد الجنيدي، ما نصه: وإن يقول في اضطجاعه: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أجرني من النار. ويقول: اللهم أجرني من النار سبعا، اللهم أدخلني الجنة سبعا. ويقول: الموت الموت، اللهم كما حكمت علي بالموت أن تكفيني شر سكرات الموت. ويسكت سكتة لطيفة يتذكر فيها أنه في القبر. اه. وظاهر ما ذكر أنه يقول ذلك بعد الاضطجاع، لكن الذي في الحصن الحصين وغيره كالأذكار أنه يقول: اللهم رب جبريل إلخ، وهو جالس، ثم يضطجع على شقه الأيمن. ويؤيد ما فيه الحديث المار عن ابن السني. (فائدة) لتثبيت الإيمان مجربة عن كثير من العارفين بإعلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره بذلك في المنام بين سنة الصبح والفريضة: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت، أربعين مرة. وعن الترمذي الحكيم قال: رأيت الله في المنام مرارا فقلت له: يا رب أني أخاف زوال الإيمان. فأمرني بهذا الدعاء بين سنة الصبح والفريضة إحدى وأربعين مرة. وهو هذا: يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا الله لا إله إلا أنت، أسألك أن تحيي قلبي بنور معرفتك، يا الله يا الله يا ألله، يا أرحم الراحمين. (فائدة أخرى) وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث صحيحة كثيرة، أمر بها بعض أصحابه لتوسعة الرزق، قال بعض العارفين: وهي مجربة لبسط الرزق الظاهر والباطن، وهي هذه: لا إله إلا الله الملك الحق المبين، كل يوم مائة مرة. سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أستغفر الله، كل يوم مائة مرة. واستحسن كثير من الأشياخ أن تكون بين سنة

(تنبيه) يجوز تأخير الرواتب القبلية عن الفرض وتكون أداء. وقد يسن كأن حضر والصلاة تقام أو قربت إقامتها بحيث لو اشتغل بها يفوته تحرم الامام فيكره الشروع فيها، لا تقديم البعدية عليه لعدم دخول وقتها، وكذا بعد خروج الوقت على الاوجه. والمؤكد من الرواتب عشر، وهو ركعتان قبل صبح وظهر وبعده وبعد مغرب وعشاء. ـــــــــــــــــــــــــــــ الصبح والفريضة، فإن فاتت في ذلك فبعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس، فإن فاتت في ذلك فعند الزوال. فلا ينبغي للعبد أن يخلي يومه عنها. اه. (قوله: إن لم يؤخرهما عنه) ظاهر صنيعه انه قيد لندب الاضطجاع، أي يندب الاضطجاع بين السنة وبين الفرض إن لم يؤخرها عنه، فيفيد أنه إذا أخر السنة عن الفرض لا يندب الاضطجاع، وليس كذلك، بل يندب الاضطجاع مطلقا، قدمها عليه أو أخرها عنه. كما صرح بذلك في التحفة والنهاية، وعبارتهما بعد ذكرهما سنية الاضطجاع بينهما وبين الفرض: ويأتي هذا في المقضية، وفيما لو أخر سنة الصبح عنها، كما هو ظاهر. اه. ويمكن جعله قيدا لكون الاضطجاع بينهما وبين الفرض، أي محل كونه يكون كذلك إن لم يؤخرهما عنه، فإن أخرهما اضطجع بعد أن يصليهما معا لا بينهما. وعبارة ش ق صريحة فيه، ونصها: قوله: بينهما. محل ذلك إذا قدم السنة على الفرض، فإن أخرها اضطجع بعد أن يصليهما معا، لا بينهما. اه. لكن استظهر ع ش أنه إذا أخر السنة يضطجع بينها وبين الفرض لا بعد السنة، ونص عبارته: قوله: ويأتي، إلخ. قضيته أنه إذا أخر سنة الصبح ندب له الاضطجاع بعد السنة، لا بين الفرض وبينها. والظاهر خلافه، لأن الغرض من الاضطجاع الفصل بين الصلاتين، كما يشعر به قوله، فإن لم يرد ذلك فصل بينهما الخ. اه. وعلى ما ذكره ع ش: لو لم يذكر الشارح القيد المذكور لشملت عبارته الصورة المذكورة، وذلك لأن كونه بينهما وبين الفرض صادق بتقديم السنة على الفرض وبتأخيرها عنه. تأمل. (قوله: ولو غير متهجد) غاية في ندب الاضطجاع. (قوله: والأولى كونه) أي الاضطجاع. وقوله: على الشق الأيمن أي كهيئته التي يكون عليها في القبر، كما مر. (قوله: فإن لم يرد ذلك) أي الاضطجاع، وهو مقابل لمحذوف، أي ويندب الاضطجاع إن أراده، فإن لم يرده إلخ. وقوله: فصل بنحو كلام قال ع ش: ظاهره ولو من الذكر أو القرآن، لأن المقصود منه تمييز الصلاة التي فرغ منها من الصلاة التي شرع فيها. اه. (قوله: أو تحول) بصيغة الماضي عطف على فصل. ويحتمل قراءته بصيغة المصدر عطف على بنحو كلام، أي أو فصل بتحول - أي انتقال - من المكان الذي صلى فيه السنة إلى مكان آخر. (قوله: يجوز تأخير الرواتب القبلية عن الفرض) وعليه يجوز عند م ر أن يجمع بينها وبين البعدية بسلام واحد. ونظر فيه في التحفة، ونصها: وبحث بعضهم أنه لو أخر القبلية إلى ما بعد الفرض جاز له جمعها مع البعدية بسلام واحد. فيه نظر ظاهر لاختلاف النية. اه بتصرف. (قوله: وتكون أداء) أي لأن وقتها يدخل بدخول وقت الفرض ويمتد بامتداده، فمتى فعلها فيه فهي أداء، سواء فعلها قبله أو بعده. بخلاف الرواتب البعدية ولو وترا، فإن وقتها إنما يدخل بفعل الفرض، وقد أشار ابن رسلان في زبده إلى هذه المسألة والتي بعدها بقوله: وجاز تأخير مقدم أدا * * ولم يجز لما يؤخر ابتدا ويخرج النوعان جمعا بانقضا * * ما وقت الشرع لما قد فرضا (قوله: وقد تسن) أي تأخير الرواتب القبلية. (قوله: كأن حضر) أي إلى محل الجماعة. (قوله: بحيث لو إلخ) تصوير لقرب الإقامة. أي قربت قربا مصورا بحيث لو اشتغل بالسنة لفاته تحرم الإمام. (قوله: فيكره الشروع) أي عند الإقامة أو قربها. وقوله: فيها أي في الرواتب القبلية. (قوله: لا تقديم البعدية عليه) معطوف على تأخير الرواتب، أي لا يجوز تقديمها على الفرض، وذلك لأن صحتها مشروطة بفعل الفرض، ولو قضاء ولو تقديما فيمن يجمع. (قوله: لعدم دخول وقتها) أي لأنه إنما يدخل بفعل الفرض. (قوله: وكذا بعد خروج الوقت) أي وكذلك لا يجوز تقديم البعدية

(وتر) (و) يسن أي صلاته، بعد العشاء، لخبر: الوتر حق على كل مسلم. وهو أفضل من جميع الرواتب للخلاف في وجوبه. (وأقله ركعة)، وإن لم يتقدمها نفل من سنة العشاء أو غيرها. قال في المجموع: وأدنى الكمال ثلاث، وأكمل منه خمس فسبع فتسع. (وأكثره إحدى عشرة) ركعة. فلا يجوز الزيادة عليها بنية الوتر، وإنما يفعل الوتر أوتارا. ولو أحرم بالوتر ولم ينو عددا صح، واقتصر على ما شاء منه على الاوجه. قال شيخنا: وكأن بحث بعضهم إلحاقه بالنفل المطلق من أن له إذا نوى عددا أن يزيد وينقص توهمه من ذلك، وهو ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه إذا خرج وقته وأراد أن يقضيه فيجب فعلها بعد قضائه لما علمت. ولذا يلغز فيقال: لنا صلاة خرج وقتها ولم يدخل، وهي الراتبة المتأخرة إذا خرج وقت الفرض. (قوله: والمؤكد من الرواتب عشر) أي بناء على عدم عد الوتر منها، نظرا إلى أنه لا يصح أن ينوي فيه سنة العشاء. وعده في المنهج منها، نظرا إلى توقف فعله على فعلها. وعليه فتزيد الرواتب المؤكدة على عشر. وخرج بالمؤكد منها غيره، هو اثنا عشرة ركعة: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعده، وأربع قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، وركعتان قبل العشاء. (قوله: وهو) أي المؤكد من الرواتب. (قوله: وظهر) بالجر عطف على صبح. أي وقبل ظهر. (قوله: وبعده) أي وركعتان بعد ظهر. (قوله: وبعد مغرب) أي وركعتان بعد مغرب. وقوله: وعشاء أي وبعد عشاء. (قوله: ويسن وتر) بكسر الواو وفتحها. (قوله: أي صلاته) أشار به إلى مضاف محذوف، ولا حاجة إليه لأنه أشهر الوتر في الصلاة. وقوله: بعد العشاء أي وقبل طلوع الفجر، كما سيصرح به في بيان وقته. (قوله: لخبر: الوتر حق على كل مسلم). دليل لسنية الوتر. وتمام الخبر المذكور: فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، أو بثلاث فليفعل، أو بواحدة فليفعل. رواه أبو داود بإسناد صحيح. وصححه الحاكم، وهو واجب عند أبي حنيفة رضي الله عنه. والصارف عن وجوبه عندنا قوله تعالى: * (والصلاة الوسطى) * إذ لو وجب لم يكن للصلوات وسطى. وقوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. (قوله: وهو) أي الوتر، أفضل. وقوله: للخلاف في وجوبه أي وللخبر السابق وغيره من الأخبار، كخبر: أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر. (قوله: وأقله ركعة) أي لخبر مسلم من حديث ابن عمر وابن عباس: الوتر ركعة من آخر الليل. وفي الكفاية عن أبي الطيب أنه يكره الإتيان بركعة، وفيه وقفة إذ لا نهي. اه. مغني. وفي الشرقاوي: الاقتصار عليها خلاف الأولى، والمداومة عليها مكروهة. اه. (قوله: وإن لم يتقدمها نفل) الغاية للرد على من يشترط لجواز الإيتار بركعة سبق نفل بعد العشاء، وإن لم يكن من سننها، لتقع هي موترة لذلك النفل. والقائل بالأول يرده بأنه يكفي كونها وترا في نفسها، أو موترة لما قبلها، ولو فرضا. كما في التحفة والنهاية. وقوله: من سنة إلخ بيان للنفل. (قوله: وأدنى الكمال الخ) أي إن الكمال في الوتر له مراتب، وأدناها ثلاث ثم خمس ثم سبع ثم تسع. فكل مرتبة أعلى من التي قبلها وأدنى من التي بعدها. والأصل في ذلك خبر: أوتروا بخمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة. (قوله: وأكثره إحدى عشرة) للخبر المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة. وقيل: أكثره ثلاث عشرة، للخبر الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث عشرة. لكن حمل على أنها حسبت سنة العشاء. (قوله: فلا يجوز الزيادة إلخ) فلو زاد على الإحدى عشرة بنية الوتر لم يصح الكل في الوصل، ولا الإحرام الأخير في الفصل إن علم وتعمد وإلا صحت نفلا مطلقا. اه تحفة. (قوله: وإنما يفعل الوتر أوتارا) أي ثلاثا فخمسا فسبعا فتسعا فإحدى عشرة. ولا حاجة إلى ذكر الشارح هذا لأنه قد علم من قوله: وأقله ركعة. وقوله: قال في المجموع إلخ. ولعله سرى له من عبارة الإرشاد وشرحه، ونصهما: فوتر من ركعة إلى إحدى عشرة. وإنما يفعل أوتارا ثلاثا، وهي أدنى الكمال، فخمسا فسبعا فتسعا. اه. (قوله: ولم ينو عددا) أي بأن قال: نويت الوتر، وأطلق. (قوله: صح) أي إحرامه. (قوله: واقتصر على ما شاء منه) أي من الوتر. أي فإن شاء أن يقتصر على واحدة فله ذلك، وإن شاء أن يقتصر على ثلاث فله ذلك، وهكذا. وقال سم: الذي اعتمده شيخنا الشهاب الرملي إن إحرامه ينحط على ثلاث. اه. (قوله: إلحاقه) أي الوتر. (قوله: من أن له) أي للموتر. (قوله: توهمه) الجملة خبر كأن. (وقوله: من

غلط صريح. وقوله: إن في كلام الغزالي عن الفوراني ما يؤخذ منه ذلك، وهم أيضا، كما يعلم من البسيط. ويجري ذلك فيمن أحرم بسنة الظهر الاربع بنية الوصل فلا يجوز له الفصل بأن يسلم من ركعتين، وإن نواه قبل النقص، خلافا لمن وهم فيه أيضا. انتهى. ويجوز لمن زاد على ركعة الفصل بين كل ركعتين بالسلام - وهو أفضل من الوصل - بتشهد أو تشهدين في الركعتين الاخيرتين، ولا يجوز الوصل بأكثر من تشهدين. والوصل خلاف الاولى، فيما عدا الثلاث، وفيها مكروه للنهي عنه في خبر: ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب. ويسن ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك) أي من قولهم: لو أحرم بالوتر ولم ينو عددا، له أن يقتصر على ما شاء. وقوله: وهو غلط أي التوهم المذكور غلط صريح، لأن الصورة السابقة مفروضة فيما إذا لم ينو عددا، وصورة البعض فرضها فيما إذا نوى عددا، وبينهما بون كبير. (قوله: وقوله) أي هذا البعض. وهو مبتدأ خبره وهم. وهو بفتح الهاء مصدر وهم، كغلط وزنا ومعنى. وأما الوهم بإسكان الهاء، فمصدر وهمت في الشئ، بالفتح، من باب وعد، إذا سبق إلى قلبك وأنت تريد غيره. أفاده في المصباح. (قوله: ما يؤخذ منه ذلك) أي أنه إذا نوى عددا له أن يزيد وينقص. (قوله: ويجري ذلك الخ) إسم الإشارة يعود على عدم جواز الزيادة والنقص فيما إذا نوى عددا. المفهوم من الحكم على ما بحثه بعضهم في الوتر من إلحاقه بالنفل المطلق، وأنه إذا نوى عددا فله أن يزيد أو ينقص عنه بأنه غلط صريح والحاصل أنه إذا نوى عددا في الوتر فليس له أن يزيد عنه أو ينقص، ومثله ما إذا نوى عددا في سنة الظهر بأن قال: نويت سنة الظهر الأربع، فليس له أن ينقص عنه. ويقاس عليه ما إذا نوى ركعتين فليس له أن يزيد عليهما. وفي حواشي التحفة للسيد عمر البصري ما نصه: وهل له أن ينوي بغير عدد ثم يفعل ركعتين أو أربعا؟ مقتضى ما مر في الوتر. نعم، وليس ببعيد. والله أعلم. ثم رأيت المحشي قال: فرع: يجوز أن يطلق في سنة الظهر المتقدمة مثلا، ويتخير بين ركعتين أو أربع. اه. وقوله: بنية الوصل لا فائدة فيه بعد قوله: أحرم بسنة الظهر الأربع. (قوله: وإن نواه) أي الفصل قبل النقص، أي قبل أن يسلم بالفعل. (قوله: خلافا لمن وهم فيه) أي فيما إذا أحرم بسنة الظهر الأربع فقال إنه يجوز السلام من ركعتين. (قوله: ويجوز لمن زاد) أي في الوتر. (قوله: الفصل بين كل ركعتين) قال سم: هذا هو الأفضل، ولو صلى كل أربع بتسليم واحد، أو ستا بتسليم واحد، جاز. كما اعتمده شيخنا الشهاب الرملي خلافا لبعض المتأخرين. اه. (قوله: وهو) أي الفصل. وقوله: أفضل من الوصل أي إذا استوى العددان، وإلا فالإحدى عشرة مثلا وصلا أفضل من ثلاث مثلا فصلا. وقد يكون الوصل أفضل مع التساوي فيما إذا لم يسع الوقت إلا ثلاثا موصولة فهي أفضل من ثلاث مفصولة، لأن في صحة قضاء النوافل خلافا. وإنما كان الفصل أفضل لأن أحاديثه أكثر، كما في المجموع. منها الخبر المتفق عليه: كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة. ولأنه أكثر عملا، والمانع له الموجب للوصل مخالف للسنة الصحيحة فلا يراعي خلافه. ومن ثم كره بعض أصحابنا الوصل، وقال غير واحد منهم أنه مفسد للصلاة للنهي الصحيح عن تشبيه صلاة الوتر بالمغرب، وحينئذ فلا يمكن وقوع الوتر متفقا على صحته أصلا. اه تحفة. (قوله: بتشهد) أي في الأخيرة. وقدمه على ما بعده لأنه أفضل منه لما فيه من التشبيه بالمغرب. وقوله: أو بتشهدين في الركعتين الأخيرتين. أي على هيئة صلاة المغرب. (قوله: ولا يجوز الوصل بأكثر من تشهدين) أي لعدم وروده. وكذلك لا يجوز فعل أولهما قبل الأخيرتين. (قوله: والوصل خلاف الأولى فيما عدا الثلاث الخ) الذي يظهر من صنيعه إن المراد أن الوصل في غير الثلاث من بقية الركعات خلاف الأولى، وأن الوصل في الثلاث الركعات مكروه، سواء صلاها فقط أو صلى أكثر منها، وهذا هو مقتضى التشبيه بصلاة المغرب، لكن في بعض العبارات ما يدل على أن الوصل مكروه إذا أتى بثلاث ركعات فقط، فإن أتى بأكثر فخلاف الأولى. ومن ذلك عبارة الأستاذ أبي الحسن البكري، ونصها: ويكره الوصل عند الإتيان بثلاث ركعات، فإن زاد ووصل فخلاف الأولى. اه. (واعلم) أن ضابط الوصل والفصل - كما في بشرى الكريم وغيره - أن كل إحرام جمعت فيه الركعة الأخيرة مع

لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الاولى سبح، وفي الثانية الكافرون، وفي الثالثة الاخلاص والمعوذتين للاتباع. فلو أوتر بأكثر من ثلاث فيسن له ذلك في الثلاثة الاخيرة إن فصل عما قبلها، وإلا فلا. كما أفتى به البلقيني. ولمن أوتر بأكثر من ثلاث قراءة الاخلاص في أولييه، فصل أو وصل. وأن يقول بعد الوتر ثلاثا سبحان الملك ـــــــــــــــــــــــــــــ ما قبلها وصل، وإن فصل فيما قبلها بأن سلم من كل ركعتين مثلا. وكل إحرام فصل فيه الركعة الأخيرة عما قبلها فصل، وعليه فينبض الوتر فصلا ووصلا، فلو صلى عشرا بإحرام ففضل لفصلها عن الركعة الأخيرة. (قوله: للنهي عنه) أي عن الوصل. (وقوله: في خبر: ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب). قال ش ق: لا يقال التشبيه لا يظهر إلا فيما إذا أوتر بثلاث ركعات، فإن أوتر بخمس أو سبع مثلا فلا تشبيه. لأنا نقول هو موجود أيضا من حيث الإتيان بتشهدين أحدهما قبل الأخيرة والآخر بعدها. اه. (قوله: ويسن لمن أوتر بثلاث أن يقرأ الخ) أي لما رواه النسائي وابن ماجة: سئلت عائشة رضي الله عنها بأي شئ كان يوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: كان يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بقل هو الله أحد والمعوذتين. وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: سئل رضي الله عنه عمن نسي قراءة سبح وقل يأيها الكافرون في الوتر، فهل يقرؤه إذا تذكر في الثالثة فيما إذا أوتر بثلاث ركعات أو لا؟ فأجاب بقوله: إن وصلها فالقياس أنه يتدارك في الثالثة، نظير ما لو ترك سورتي أولتي المغرب، فإن القياس كما بينته في شرح العباب أنه يتداركهما في ثالثتها، وأما إذا فصلها فالظاهر أنه لا تدارك. ويفرق بأن الأولى صارت الثلاثة فيها صلاة واحدة فلحق بعضها نقص بعض فشرع فيها التدارك جبرا لذلك النقص. بخلاف الثانية، فإن الثالثة بالفصل صارت كأجنبية عن الأوليين فلم يشرع تدارك فيها. اه. (قوله: فلو أوتر بأكثر من ثلاث) أي كخمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة. (قوله: فيسن له ذلك) أي المذكور من قراءة سبح في الأولى والكافرون في الثانية والإخلاص والمعوذتين في الثالثة. (قوله: إن فصل) قيد في السنية. والفعل يقرأ بالبناء للفاعل، ومفعوله محذوف، أي الثلاثة الأخيرة. وفي بعض نسخ الخط: إن فصلها (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يفصلها عما قبلها فلا يقرأ ذلك في الثلاثة الأخيرة لئلا يلزم خلوما قبلها عن السورة، أو تطويلها على ما قبلها، أو القراءة على غير ترتيب المصحف أو على غير تواليه، وكل ذلك خلاف السنة. قال في التحفة: نعم، يمكن أن يقرأ فيما لو أوتر بخمس مثلا: المطففين والانشقاق في الاولى، والبروج والطارق في الثانية، وحينئذ لا يلزم شئ من ذلك. اه. وأطلق في النهاية قراءة ما ذكر في الثلاثة الأخيرة، ونصها: ويسن لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة الأعلى، وفي الثانية الكافرون، وفي الثالثة الإخلاص ثم الفلق ثم الناس، مرة مرة. ولو أوتر بأكثر من ثلاث قرأ في الثلاثة الأخيرة ما ذكر فيما يظهر. اه. وظاهره وإن وصلها بما قبلها. ومثلها المغني. (قوله: ولمن أوتر بأكثر الخ) معطوف على لمن أوتر بثلاث. أي ويسن لمن أوتر بأكثر من ثلاث أن يقرأ سورة الإخلاص في أولييه، وعبارة إرشاد العباد للمؤلف ليس فيها التقييد بأكثر من ثلاث، ونصها: ويسن أن يقرأ في كل من أولتي الوتر الإخلاص. اه. وانظر إذا قرأ ذلك في الأوليين ما يقرؤه فيما بعدهما من بقية الركعات؟ فإن كان يقرأ سبح وما بعدها نافاه قوله أولا، وإلا فلا. وإن كان يقرأ المعوذتين فهما في ركعتين، فما يقرأ في الخامسة مثلا؟ وانظر أيضا: هل سنية قراءة الإخلاص مقيدة بما إذا عجز عن غيرها أو مطلقا؟ فإني لم أر هذه المسألة منصوصا عليها في الأذكار والإحياء ولا في الكتب التي بأيدينا من التحفة والنهاية والأسنى والمغنى وغيرها، فلتراجع. ثم رأيت في المسلك القريب ما نصه: ويصلي الوتر إحدى عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعتين مقرأين أو ثلاثة أو أقل أو أكثر، إن كان حافظا للقرآن يبتدئ من أوله إلى أن يختمه، وإن لم يحفظ قرأ ما يحفظه كالسجدة ويس والدخان والواقعة وتبارك الملك، وإلا كرر من الإخلاص ما تيسر عشرا أو أقل أو أكثر، حسب النشاط والهمة. هذا في الثمان الركعات، وأما الثلاث الأخيرة فلا يقرأ فيها إلا ما ورد، وهو سبح اسم ربك الأعلى والإخلاص والمعوذتين والكافرون. اه. وقوله: وإلا كرر من الإخلاص صريح في أنه لا يقرأ الإخلاص إلا عند العجز عن غير ها. وقوله: وأما الثلاث الأخيرة إلخ ظاهره ولو وصلها بما قبلها. (قوله: وأن يقول الخ) أي ويسن أن يقول بعد الوتر ثلاثا: سبحان الملك القدوس. لما رواه أبو داود

القدوس، ويرفع صوته بالثالثة، ثم يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. ووقت الوتر كالتراويح بين صلاة العشاء، ولو بعد المغرب في جمع التقديم وطلوع الفجر، ولو خرج الوقت لم يجز قضاؤها قبل العشاء كالرواتب البعدية، خلافا لما رجحه بعضهم. ولو بان بطلان عشائه بعد فعل الوتر أو التراويح وقع نفلا مطلقا. (فرع) يسن لمن وثق بيقطته قبل الفجر بنفسه أو غيره أن يؤخر الوتر كله لا التراويح عن أول الليل وإن ـــــــــــــــــــــــــــــ والترمذي عن أبي بن كعب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم في الوتر قال سبحان الملك القدوس، ثلاث مرات يرفع في الثالثة صوته. وفي الإحياء: يستحب بعد التسليم من الوتر أن يقول: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح، جللت السموات والأرض بالعظمة والجبروت، وتعززت بالقدرة، وقهرت العباد بالموت. وقوله: ثم يقول الخ أي لما رواه أبو داود والترمذي، عن علي رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأن يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك إلخ. وقوله: وبك منك أي وأستجير بك من غضبك. (قوله: ووقت الوتر كالتروايح إلخ) وذلك لنقل الخلف عن السلف. وروى أبو داود وغيره خبر: إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر، فجعلها لكم من العشاء إلى طلوع الفجر. قال المحاملي: ووقته المختار إلى نصف الليل. اه. شرح الروض. (قوله: ولو بعد المغرب الخ) أي إن وقته يكون بعد صلاة العشاء، ولو صلى بعد أن صلى المغرب فيما إذا جمعها مع المغرب جمع تقديم. قال ع ش: وظاهره وإن صار مقيما قبل فعله وبعد فعل العشاء، كأن وصلت سفينته دار إقامته بعد فعل العشاء، أو نوى الإقامة. لكن نقل عن العباب أنه لا يفعله في هذه الحالة بل يؤخره حتى يدخل وقته الحقيقي. وهو ظاهر لأن كونه في وقت العشاء انتفى بالإقامة. اه. (قوله: وطلوع الفجر) معطوف على صلاة العشاء، أي أن وقت الوتر بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، أي يمتد من بعدها إلى طلوع الفجر، أي الصادق (قوله: ولو خرج الوقت) أي وقت الوتر المذكور، بأن طلع الفجر الصادق وهو لم يصل الوتر ولا العشاء. وقوله: لم يجز قضاؤها أي صلاة الوتر. وقوله: قبل العشاء أي التي فاتته. وذلك لما علمت أن وقت الوتر إنما يدخل بعد فعل العشاء، فهو متوقف عليه قضاء كالأداء. وقوله: كالرواتب البعدية أي نظير الرواتب البعدية، فإنها - كما مر - لا يجوز تقديمها على الفرض فيما إذا فاتت مع الفرض وأراد قضاءهما. (قوله: خلافا لما رجحه بعضهم) أي من أنه لو خرج الوقت يجوز قضاؤه قبل العشاء كالرواتب البعدية. قال في التحفة: قصرا للتبعية على الوقت، هو كالتحكم، بل هي موجودة خارجة أيضا. إذ القضاء يحكي الأداء، فالأوجه أنه لا يجوز تقديم شئ من ذلك على الفرض في القضاء كالأداء. ثم رأيت ابن عجيل رجح هذا أيضا. اه. وقوله: قصرا للتبعية على الوقت. معناه أن الوتر مثلا إنما يكون تابعا لفعل العشاء إذا كان الوقت باقيا، فإن خرج الوقت زالت التبعية. (قوله: ولو بأن بطلان عشائه) أي كأن تذكر ترك ركن منها بعد فعل الوتر أو فعل التروايح. (قوله: وقع) أي ما صلاه من الوتر والتروايح وقوله: نفلا مطلقا قال في شرح الروض: كما لو صلى الظهر قبل الزوال غالطا. (قوله: يسن لمن وثق بيقظته) أي أمن من نفسه أن يستيقظ بأن اعتادها. واليقظة بفتح القاف، كما في شرح المنهج. وقوله: بنفسه أو غيره متعلق بيقظته. أي لا فرق فيها بين أن تحصل له بنفسه أو بغيره. (قوله: أن يؤخر الوتر كله) المصدر المؤول نائب فاعل يسن، أي يسن لمن ذكر تأخير الوتر إلى آخر الليل. قال في الإحياء: وليوتر قبل النوم إن لم يكن عادته للقيام. فقال أبو هريرة رضي الله عنه: أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أنام إلا على وتر. وإن كان معتادا صلاة الليل فالتأخير أفضل، قال - صلى الله عليه وسلم -: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة. وقالت عائشة رضي الله عنها: أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول الليل وأوسطه وآخره، وانتهى وتره إلى السحر. اه. وقوله: لا التروايح أي لا يسن لمن وثق بيقظته أن يؤخر التروايح، بل السنة أن يقدمها. (قوله: عن أول الليل) متعلق بيؤخر، أي يؤخره عن أول الليل إلى آخره. (قوله: وإن

فاتت الجماعة فيه بالتأخير في رمضان، لخبر الشيخين: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا. وتأخيره عن صلاة الليل الواقعة فيه، ولمن لم يثق بها أن يعجله قبل النوم. ولا يندب إعادته. ثم إن فعل الوتر بعد النوم حصل له به سنة التهجد أيضا وإلا كان وترا لا تهجدا. وقيل: الاولى أن يوتر قبل أن ينام مطلقا، ثم يقوم ويتهجد، لقول أبي هريرة رضي الله عنه: أمرني رسول الله (ص) أن أوتر قبل أن أنام. رواه الشيخان. وقد كان أبو بكر رضي عنه يوتر قبل أن ينام ثم يقوم ويتهجد، وعمر رضي الله عنه ينام قبل أن يوتر ويقوم ويتهجد ويوتر. فترافعا إلى رسول الله (ص) فقال: هذا أخذ بالحزم - يعني أبا بكر - وهذا أخذ بالقوة - يعني عمر -. وقد روي عن عثمان مثل فعل أبي بكر، وعن علي مثل فعل عمر، رضي الله عنهم. قال في الوسيط: واختار الشافعي فعل أبي بكر رضي الله عنه. وأما الركعتان اللتان يصليهما الناس جلوسا بعد الوتر فليستا من السنة، كما صرح به الجوجري والشيخ زكريا. قال في المجموع: ولا تغتر بمن يعتقد سنية ذلك ويدعو إليه لجهالته. ـــــــــــــــــــــــــــــ فاتت إلخ) غاية لسنية تأخيره. وقوله: فيه أي في الوتر. وقوله: بالتأخير الباء سببية متعلق بفاتت. (قوله: لخبر الشيخين إلخ) دليل لسنية تأخيره إلخ. ولو أخره عن قوله: وتأخيره إلخ، وجعله دليلا له لكان أولى. (قوله: وتأخيره عن صلاة الليل) معطوف على أن يؤخر، أي ويسن تأخيره عن صلاة ليل من نحو راتبة أو تراويح أو تهجد، وهو صلاة بعد النوم أو فائتة أراد قضاءها ليلا. (قوله: ولمن لم يثق بها) أي باليقظة. وقوله: أن يعجله أي لخبر مسلم: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل. (قوله: ولا يندب إعادته) أي لا تطلب إعادته، فإن أعاده بنية الوتر عامدا عالما حرم عليه ذلك، ولم ينعقد لخبر: لا وتران في ليلة. اه نهاية. ومثله في التحفة. (قوله: ثم إن فعل الخ) أي ثم إن أخره وفعله بعد النوم حصل له بالوتر سنة التهجد، لما مر من أن التهجد هو الصلاة بعد النوم. (قوله: وإن كان وترا) أي وإن لم يفعله بعد النوم بل فعله قبله كان وترا لا تهجدا، فليس كل وتر تهجدا كعكسه، فبينهما العموم والخصوص الوجهي، فيجتمعان في صلاة بعد النوم بنية الوتر، وينفرد الوتر بصلاة قبل النوم، والتهجد بصلاة بعده من غير نية الوتر. (قوله: وقيل الأولى إلخ) مقابل للقول بالتفصيل بين الوثوق باليقظة وعدمه. (قوله: مطلقا) أي سواء وثق بيقظته أم لا. (قوله: ثم يقوم) أي من النوم. (قوله: لقول أبي هريرة الخ) دليل لكون الأولى الإيتار قبل النوم. (قوله: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلخ) الذي في الأسنى والمغنى والإحياء ومختصر ابن أبي جمرة: أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام. فلعل ما ذكره الشارح رواية بالمعنى. وحملوا الخبر المذكور على من لم يثق بيقظته آخر الليل، جمعا بين الأخبار. قال بعضهم: ويمكن حمله أيضا على النومة الثانية آخر الليل المأخوذة من قوله - صلى الله عليه وسلم -: أفضل القيام قيام داود. كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه. أي فقوله أن أوتر قبل أن أنام، أي النومة الثانية لا الأولى. (قوله: وقد كان أبو بكر رضي الله عنه الخ) شروع في بيان اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في تقديمه قبل النوم وتأخيره بعده. فأبو بكر رضي الله عنه عمل بالأول وتبعه جمع من الصحابة وغيرهم، وسيدنا عمر رضي الله عنه عمل بالثاني وتبعه جمع من الصحابة وغيرهم، ولكل وجهة. (قوله: فترافعا) أي سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما. (قوله: فقال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: هذا الخ أي فأقرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - وصوب فعل كل منهما. وقال مشيرا لأبي بكر: هذا أخذ بالحزم أي بالاحتياط والإتقان، ومشيرا إلى سيدنا عمر: هذا أخذ بالقوة. قال في الإحياء: فالأكياس يأخذون أوقاتهم من أول الليل، والأقوياء من آخره. والحزم التقديم له، فإنه ربما لا يستيقظ أو يثقل عليه القيام، إلا إذا صار ذلك عادة له فآخر الليل أفضل. اه. (قوله: فليستا) أي

(و) يسن (الضحى) لقوله تعالى: * (يسبحن بالعشي والاشراق) * قال ابن عباس: صلاة الاشراق صلاة الضحى. روى الشيخان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي (ص) بثلاث، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام. وروى أبو داود أنه (ص) صلى سبحة الضحى - أي صلاتها - ـــــــــــــــــــــــــــــ الركعتان من السنة، أي سنة - صلى الله عليه وسلم - وطريقته، وعليه فلو صلاهما مع الوتر لم يصح وتره أصلا إن أحرم بالجميع دفعة واحدة وكان عالما عامدا، وإلا انعقد نفلا مطلقا. فإن سلم من كل ركعتين صح، ما عدا الإحرام السادس فإنه لا يصح إن كان عامدا عالما، وإلا صح نفلا مطلقا. (قوله: كما صرح به) أي بكونهما ليستا من السنة. وقوله: الجوجري والشيخ زكريا لم يصرح الشيخ زكريا في الأسنى وشرح المنهج بأنهما ليستا من السنة، بل الذي صرح به فيهما أنه لو زاد على الإحدى عشرة لم يجز ولم يصح، ثم نقل القول بأن أكثر الوتر ثلاث عشرة ركعة. ونص عبارة الأسنى: فلو زاد عليها لم يجز ولم يصح وتره بأن أحرم بالجميع دفعة واحدة، فإن سلم من ثنتين صح إلا الإحرام السادس فلا يصح وترا، ثم إن علم المنع وتعمد فالقياس البطلان، وإلا وقع نفلا مطلقا كإحرامه قبل الزوال غالطا. وقيل: أكثر الوتر ثلاث عشرة ركعة، وفيه أخبار صحيحة تأولها الأكثرون بأن ركعتين منها سنة العشاء. قال النووي: وهو تأويل ضعيف مضاد للأخبار. قال السبكي: وأنا أقطع بحل الإيتار بذلك وصحته، لكن أحب الاختصار على إحدى عشرة فأقل لأنه غالب أحواله - صلى الله عليه وسلم -. اه. ويمكن أن يقال المراد صرح بما يفيد ذلك، ولا شك أن ما ذكره يفيد أنهما ليستا من السنة، أو صرح بذلك في غير الأسنى وشرح المنهج من بقية كتبه. وقوله: وفيه أخبار صحيحة. أورد بعضها في الإحياء، ونصه: جاء في الخبر: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا. وفي بعضها: متربعا. وفي بعض الأخبار: إذا أراد أن يدخل فراشه زحف إليه وصلى فوقه ركعتين قبل أن يرقد، يقرأ فيهما إذا زلزلت الأرض وسورة التكاثر. وفي رواية أخرى: قل يا أيها الكافرون. اه. (قوله: قال) أي النووي في المجموع. (قوله: سنية ذلك) أي ما ذكر من الركعتين بعد الوتر. (قوله: ويدعو) أي الناس، فمفعول الفعل محذوف. وقوله: لجهالته اللام تعليلية متعلقة بيعتقد أو بتغتر. (قوله: ويسن الضحى) بضم الضاد والمد أو القصر، أي الصلاة المفعولية في الضحى. وهو اسم لأول النهار، فسميت الصلاة باسم وقت فعلها. قال القطب الغوث الحبيب عبد الله الحداد في النصائح: ومن السنة المحافظة على صلاة الضحى، وأقلها ركعتان، وأكثرها ثمان ركعات. وقيل: اثنتا عشرة. وفضلها كبير، ووقتها الأفضل أن تصلى عند مضي قريب من ربع النهار. قال عليه السلام: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، وكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة. يجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى. وقال عليه السلام: من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر. والشفعة هي الركعتان، والسلامى هو المفصل، وفي كل إنسان ثلاثمائة وستون مفصلا بعدد أيام السنة. وتسمى صلاة الضحى. اه. (قوله: لقوله تعالى: * (يسجن بالعشي والإشراق) * ساقه دليلا لسنية صلاة الضحى، وهو لا يتم إلا إن أريد بالتسبيح الصلاة الحقيقة، وهو خلاف ما في الجلال، ونصه: * (يسبحن) * أي الجبال بتسبيحه. اه. أي فإذا سبح داود أجابته بالتسبيح. ثم قال: بالعشي، أي وقت صلاة العشاء. والإشراق وقت الصلاة الضحى، وهو أن تطلع الشمس ويتناهى ضوؤها. اه. فهو صريح في أن المراد بالتسبيح حقيقته لا الصلاة، فلا يتم دليلا لما نحن فيه. (قوله: قال ابن عباس: صلاة الإشراق صلاة الضحى) هو المعتمد. وقيل غيرها. قال في العباب: ركعتا الإشراق غير الضحى، ووقتها عند الارتفاع. اه ش ق. (قوله: روى الشيخان إلخ) مؤيد لما مر آنفا من أن ما ساقه أولا رواية بالمعنى. وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه: إن في الجنة بابا يقال له الضحى، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين كانوا يديمون على صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوه برحمة الله. وروى الديلمي عن عبد الله بن جراد: المنافق لا يصلي صلاة الضحى، ولا يقرأ قل يا أيها الكافرون. اه إرشاد العباد للمؤلف. (قوله: صيام ثلاثة أيام) بجر صيام بدل من ثلاث. وقوله: وركعتي الضحى)

ثماني ركعات، وسلم من كل ركعتين. (وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان) كما في التحقيق والمجموع، وعليه الاكثرون. فتحرم الزيادة عليها بنية الضحى، وهي أفضلها على ما في الروضة، وأصلها: فيجوز الزيادة عليها بنيتها إلى ثنتي عشرة، ويندب أن يسلم من كل ركعتين. ووقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الزوال، ـــــــــــــــــــــــــــــ عطف على صيام. أي أوصاني بصلاة ركعتي الضحى. زاد الإمام أحمد: في كل يوم. وقوله: وأن أوتر، معطوف على صيام أيضا. أي أوصاني بصلاة الوتر قبل أن أنام. قال الشنواني: وليست هذه الوصية خاصة بأبي هريرة، فقد وردت وصيته عليه الصلاة والسلام بالثلاث أيضا لأبي ذر كما عند النسائي، ولأبي الدرادء كما عند مسلم. وقيل في تخصيص الثلاث للثلاثة لكونهم فقراء لا مال لهم، فوصاهم بما يليق بهم وهو الصوم والصلاة، وهما من أشرف العبادات البدنية. اه. (قوله: صلى سبحة الضحى) هي بضم السين، تطلق على خرزات تعد للتسبيح، وعلى الدعاء وصلاة التطوع. وبالفتح على ثياب من جلود، وفرس للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وغير ذلك. اه قاموس بتصرف. (قوله: ثماني ركعات) مفعول مطلق لصلى. (قوله: وأقلها) أي صلاة الضحى. وقوله: ركعتان أي لحديث أبي هريرة السابق. وحديث: يصبح على كل سلامى إلخ المار أيضا. (قوله: وأكثرها) أي صلاة الضحى. وقوله: ثمان أي ثمان ركعات) وهو منقوص كقاض، فهو مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين. وقيل: مرفوع بضمة ظاهرة على النون، كما في قول الشاعر: لها ثنايا أربع حسان * * وأربع فثغرها ثمان (قوله: وعليه الأكثرون) أي وعلى أن أكثرها ثمان جرى الأكثرون، واعتمده الجمال الرملي، قال: وأفتى به الوالد رحمه الله. (قوله: فتحرم الزيادة عليها) أي الثمان، ثم إن أحرم بالجميع دفعة واحدة بطل الجميع، أو سلم من كل ركعتين بطل الإحرام الآخر فقط، ومحل البطلان في الصورتين إن علم المنع وتعمده وإلا وقع نفلا مطلقا. (قوله: وهي أفضلها الخ) أي إن الثمان أفضلها لا أكثرها، أما هو فثنتا عشرة، وهو معتمد ابن حجر كشيخ الإسلام، وذلك لخبر أبي ذر رضي الله عنه: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين، أو أربعا كتبت من المحسنين، أو ستا كتبت من القانتين، أو ثمانيا كتبت من الفائزين، أو عشرا لم يكتب عليك ذلك اليوم ذنب، أو ثنتي عشرة بنى الله لك بيتا في الجنة. رواه البيهقي. وقد نظم الشيخ عبد السلام بن عبد الملك ما تضمنه هذا الحديث في قوله: صلاة الضحى يا صاح سعد لمن يدري * * فبادر إليها يا لك الله من حر ففيها عن المختار ست فضائل * * فخذ عددا قد جاءنا عن أبي ذر فثنتان منها ليس تكتب غافلا * * وأربع تدعى مخبتا يا أبا عمرو وست هداك الله تكتب قانتا * * ثمان بها فوز المصلي لدى الحشر وتمحى ذنوب اليوم بالعشر فاصطبر * * وإن جئت ثنتي عشرة فزت بالقصر فيا رب وفقنا لنعمل صالحا * * ويا رب فارزقنا مجاورة البدر محمد الهادي وصل عليه ما * * حدا نحوه الحادي وأصحابه الغر قال في التحفة: ما ذكر من أن الثمان أفضل من اثنتي عشرة لا ينافي قاعدة أن كل ما كثر وشق كان أفضل، لخبر مسلم: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة، أجرك على قدر نصبك. وفي رواية: نفقتك لأنها أغلبية لتصريحهم بأن العمل القليل يفضل العمل الكثير في صورة، كالقصر أفضل من الإتمام بشروطه. اه. (قوله: على ما في الروضة) هي للنووي. وقوله: وأصلها هو للرافعي، ويسمى العزيز شرح الوجيز. (قوله: فيجوز الزيادة عليها) أي على الثمان، وهو مفرع على كون الثمان أفضل فقط لا أكثر. وقوله: بنيتها أي الضحى. وقوله: إلى ثنتي عشرة متعلق بالزيادة. إي وتنتهي الزيادة إلى اثنتي عشرة. (قوله: ويندب أن يسلم من كل ركعتين) أي لخبر أم هانئ قالت: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سبحة الضحى ثمان ركعات، يسلم من كل ركعتين. ولو جمع بين الثمان أو الاثنتي عشرة بإحرام واحد جاز. (قوله: ووقتها)

والاختيار فعلها عند مضي ربع النهار لحديث صحيح فيه، فإن ترادفت فضيلة التأخير إلى ربع النهار وفضيلة أدائها في المسجد إن لم يوءخرها، فالاولى تأخيرها إلى ربع النهار وإن فات به فعلها في المسجد، لان الفضيلة المتعلقة بالوقت أولى بالمراعاة من المتعلقة بالمكان. ويسن أن يقرأ سورتي والشمس والضحى. وورد أيضا قراءة الكافرون والاخلاص. والاوجه أن ركعتي الاشراق من الضحى، خلافا للغزالي ومن تبعه. (و) يسن (ركعتا تحية) لداخل مسجد وإن تكرر دخوله أو لم يرد الجلوس، خلافا للشيخ نصر. وتبعه ـــــــــــــــــــــــــــــ أي صلاة الضحى. وقوله: من إرتفاع الشمس أي ابتداء وقتها من ارتفاع الخ، وهذا هو المعتمد. وقيل: من الطلوع. ويسن أن تؤخر إلى الارتفاع. وعلى هذا القول فلا يؤثر فيها وقت الكراهة لأنها صاحبة وقت. أفاده ق ل. (قوله: إلى الزوال) متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله. (قوله: والاختيار فعلها عند مضي ربع النهار) أي ليكون في كل ربع من النهار صلاة، ففي الربع الأول الصبح، وفي الثاني الضحى، وفي الثالث الظهر، وفي الرابع العصر. (قوله: لحديث صحيح فيه) أي في أن وقتها المختار إذا مضى ربع النهار، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: صلاة الأوابين - أي صلاة الضحى - حين ترمض الفصال - أي تبرك من شدة الحر - في خفافها. (قوله: فإن ترادفت الخ) يعني إذا تعارضت فضيلة التأخير وفضيلة أدائها في المسجد، بأن كان إذا أخرها لم يمكنه أن يفعلها في المسجد، وإذا فعلها في المسجد لم يمكن تأخيرها، فهل يؤخرها من غير أن يفعلها في المسجد أو يقدمها مع فعلها في المسجد؟ فقال الشارح: الأولى تأخيرها ليدرك فضيلتها، لأن الفضيلة المتعلقة بالوقت أولى بالمراعاة من الفضيلة المتعلقة بالمكان. (قوله: إن لم يؤخرها) قيد في أدائها في المسجد. ولو قال مع عدم تأخيرها لكان أنسب. (قوله: فالأولى إلخ) جواب الشرط. (قوله: وإن فات به) أي بالتأخير. ولا معنى للغاية لأن موضوع المسألة أنه تعارض تأخيرها من غير فعلها في المسجد وتقديمها مع فعلها في المسجد. ويمكن جعل الواو للحال، وما بعدها جملة حالية. أي والحال أنه يفوت بسبب تأخيرها فعلها في المسجد. (قوله: لأن الفضيلة إلخ) تعليل للأولوية. وقوله: المتعلقة بالوقت وهي هنا تأخيرها إلى ربع النهار. وقوله: أولى بالمراعاة من المتعلقة بالمكان وهي هنا فعلها في المسجد. (قوله: ويسن أن يقرأ إلخ) في حواشي الخطيب، ذكر الجلال السيوطي أن الأفضل أن يقرأ في الركعة الأولى منها بعد الفاتحة سورة والشمس بتمامها، وفي الثانية الفاتحة وسورة والضحى للمناسبة ولما ورد في ذلك. وتبعه ابن حجر. لكن الذي ذهب إليه م ر واعتمده أنه يقرأ في الأولى الكافرون، والثانية الإخلاص، ويفعل ذلك في كل ركعتين منها. قال: وهما أفضل في ذلك من الشمس والضحى وإن وردتا أيضا، إذ السورة الأولى تعدل ربع القرآن والثانية ثلث القرآن. اه. وعلى هذا فالجمع بين القولين أولى بأن يقرأ في الأولى سورة والشمس والكافرون، وفي الثانية والضحى والإخلاص، ثم باقي الركعات يقتصر على الكافرون والإخلاص. اه. ملخصا. (فائدة) إذا فرغ من صلاتها دعا بهذا الدعاء، وهو: اللهم إن الضحاء ضحاؤك، والبهاء بهاؤك، والجمال جمالك، والقوة قوتك، والقدرة قدرتك، والعصمة عصمتك. اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان معسرا فيسره، وإن كان حراما فطهره، وإن كان بعيدا فقربه، بحق ضحائك وبهائك وجمالك وقوتك وقدرتك آتني ما آتيت عبادك الصالحين. قال في المسلك القريب: ويضيف إليه: اللهم بك أصاول وبك أحاول وبك أقاتل. ثم يقول: رب اغفر لي وارحمني وتب علي إنك أنت التواب الرحيم. مائة مرة أو أربعين مرة. (قوله: خلافا للغزالي ومن تبعه) أي في قولهم أنها غيرها. ومما ينبني عليه أنها تحصل حينئذ بركعتين فقط، ولا تتقيد بالعدد الذي لصلاة الضحى، وأيضا تفوت بمضي وقت شروق الشمس وارتفاعها، ولا تمتد للزوال. (قوله: ويسن ركعتا تحية) أي ركعتان للتحية للمسجد، أي تعظيمه، إذ التحية شرعا ما يحصل به التعظيم، فعلا كان أو قولا. والمراد

الشيخ زكريا في شرحي المنهج والتحرير بقوله: إن أراد الجلوس، لخبر الشيخين: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين. وتفوت التحية بالجلوس الطويل، وكذا القصير إن لم يسه أو يجهل. ويلحق بهما على الاوجه ما لو احتاج للشرب فيقعد له قليلا ثم يأتي بها، لا بطول قيام أو إعراض عنها. ولمن أحرم بها قائما القعود لا تمامها. وكره تركها من غير عذر. نعم، إن قرب قيام مكتوبة جمعة أو غيرها، وخشي لو اشتغل ـــــــــــــــــــــــــــــ تعظيم رب المسجد، إذ لو قصد تعظيمه بها لم تنعقد، إذ المسجد من حيث ذاته لا يقصد بالعبادة شرعا وإنما يقصد لإيقاع العبادة فيه لله تعالى، لكن لا تشترط ملاحظة المضاف وهو رب، بل لو أطلق صح. (فائدة) قال الأسنوي: التحيات أربع: تحية المسجد بالصلاة، والبيت صح بالطواف، والحرم بالإحرام، ومنى بالرمي. وزيد عليه تحية عرفة بالوقوف، وتحية لقاء المسلم بالسلام. (قوله: لداخل مسجد) أي خالص، عند حجر. ولا يشترط ذلك عند م ر. فلو كان مشاعا أي بعضه مسجد وبعضه غيره، وإن قل البعض الذي جعل مسجدا، تسن التحية فيه عنده. والمراد بالمسجد غير المسجد الحرام، أما هو فإن كان داخله يريد الطواف سن له الطواف، وهو تحية البيت. فإن صلى ركعتي الطواف حصلت تحية المسجد بهما أيضا، كما يفيده قوله بعد: ولمريد طواف الخ. (قوله: وإن تكرر دخوله) أي ولو مع تقارب ما بين الدخولين، أو كان معتكفا وخرج ثم دخل، سواء قلنا اعتكافه باق أم لا، لوجود الدخول منه. (قوله: أو لم يرد الجلوس) أي تسن التحية له، سواء أراد الجلوس أم لا. كما يسن لداخل مكة الإحرام سواء أراد الإقامة بها أم لا. وذلك لأن العلة فيها تعظيم المسجد وإقامة الشعار. (قوله: خلافا للشيخ نصر) مرتبط بالغاية الثانية، وهو منصوب على الحالية من مجموع الكلام السابق. أي تسن التحية وإن لم يرد الجلوس حال كون ذلك مخالفا للشيخ نصر. (قوله: وتبعه) أي الشيخ نصر. (وقوله: في شرحي المنهج والتحرير) عبارة شرح المنهج مع الأصل وكتحية مسجد غير المسجد الحرام لداخله متطهرا مريدا الجلوس فيه لم يشتغل بها عن الجماعة ولم يخف فوت راتبة، وإن تكرر دخوله عن قرب. لوجود المقتضي. اه. وعبارة شرح التحرير مع الأصل ومنه تحية المسجد لداخله إن أراد الجلوس فيه. اه. (قوله: بقوله) متعلق بخلافا، والباء بمعنى في، والضمير يعود على الشيخ نصر. أي خلافا للشيخ نصر ومن تابعه في تقييد سنية التحية لداخل المسجد بما إذا أراد الجلوس فيه. (قوله: لخبر الشيخين) علة لقوله ويسن ركعتا تحية. (قوله: فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) هذا يؤيد ما قاله الشيخ نصر. قال الزركشي: لكن الظاهر أن التقييد بذلك خرج مخرج الغالب، وأن الأمر بذلك معلق على مطلق الدخول، تعظيما للبقعة وإقامة للشعار. اه شرح الروض. (قوله: وتفوت التحية بالجلوس) أي متمكنا مستوفزا كعلى قدميه ومعرضا عنها لا يستريح قليلا ثم يقوم لها. (وقوله: الطويل) قال العلامة الكردي: هل طوله بمقدار ركعتين بأقل مجزئ، حرره فإنه غير بعيد. اه. (قوله: وكذا القصير) أي وكذا تفوت بالجلوس القصير. (قوله: إن لم يسه أو يجهل) قيد في فواتها بالجلوس القصير. أي فإن جلس قصيرا ساهيا أو جاهلا أنها تفوت به تندب له التحية ولا تفوت به، وذلك لخبر الصحيحين: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال - وهو قاعد على المنبر يوم الجمعة - لسليك الغطفاني لما قعد قبل أن يصلي: قم فاركع ركعتين. (قوله: ويلحق بهما) أي بالسهو والجهل. (وقوله: ما لو احتاج للشرب) أي لعطشه. (وقوله: فيقعد له) أي للشرب، لكراهته للقائم. وخالف م ر في النهاية فجرى على الفوات بجلوسه للشرب. وفي التحفة: ولو دخل المسجد محدثا وجلس للوضوء فاتت التحية به لتقصيره مع عدم احتياجه للجلوس. اه. وقوله: ثم يأتي بها أي بالتحية بعد الشرب جالسا. (قوله: لا بطول قيام) أي لا تفوت به. قال سم: اعتمد شيخنا الشهاب الرملي الفوات إذا طال القيام. كما في نظائره، كما لو طال الفصل بين قراءة آية سجدة وسجودها، أو بين السلام سهوا من سجود السهو وتذكره. اه. وقوله: (أو إعراض عنها) أي ولا تفوت بالإعراض عنها، لكن بشرط القيام. وعبارة التحفة: ولا بقيام وإن طال أو أعرض عنها. اه. وهي أولى من عبارة شارحنا كما هو ظاهر. (قوله: ولمن أحرم بها قائما الخ) أي ويجوز لمن أحرم بالتحية حال كونه قائما أن يقعد لا تمامها قال في التحفة: لأن المحذور الجلوس في غير الصلاة. اه. وله نيتها

بالتحية فوات فضيلة التحرم انتظره قائما. ويسن لمن لم يتمكن منها ولو بحدث أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أربعا. وتكره لخطيب دخل وقت الخطبة، ولمريد طواف دخل المسجد، لا لمدرس، خلافا لبعضهم. (و) ركعتا (استخارة) وإحرام وطواف ووضوء. ـــــــــــــــــــــــــــــ جالسا حيث جلس ليأتي بها، كما في النهاية، إذ ليس لنا نافلة يجب التحرم بها قائما. (قوله: وكره تركها) أي التحية، للخبر السابق. وقوله: من غير عذر أما به، كأن كان مريضا أو خطيبا دخل وقت الخطبة أو مريد طواف، فلا يكره له تركها بل يكره له فعلها في الأخيرة (قوله: نعم، إن قرب الخ) إستدراك من كراهة الترك. وفيه أنه إذا انتظره قائما فلا ترك لاندراجها في الفرض، فلا معنى حينئذ للاستدراك. وقوله: قيام مكتوبة أي وإن كان قد صلاها جماعة أو فرادى على الأوجه. اه تحفة. وقوله: انتظره قائما أي انتظر قيام المكتوبة حال كونه قائما، وتندرج التحية حينئذ في المكتوبة. فإن صلاها حينئذ أو جلس كره. قال الكردي: وجرى في الإمداد على أن الداخل لو كان صلى المكتوبة جماعة لا كراهة، لكن الأولى له الاشتغال بالجماعة لا بالتحية. اه. (قوله: ولو بحدث) أي ولو كان عدم التمكن بسبب الحدث. قال ع ش: وينبغي إن محل الإكتفاء بذلك - أي بقوله سبحان الله إلخ - حيث لم يتيسر له الوضوء فيه قبل طول الفصل، وإلا فلا تحصل لتقصيره بترك الوضوء مع تيسره. اه. (وقوله: فيه) أي في المسجد: ولا بد من تقييده بكونه مع غير الجلوس. (قوله: أن يقول سبحان الله والحمد لله الخ) قال في التحفة: لأنها الطيبات والباقيات الصالحات وصلاة الحيوانات والجمادات. اه. قال الكردي: وأقول كأن وجه المناسبة أن الداخل حيث لم يتمكن من فعل صلاة الآدميين فلا ينزل رتبة عن الحيوانات والجمادات، فليصل صلاتها. وفي التحفة والنهاية وغيرهما أنها تعدل صلاة ركعتين. وفي حواشي المحلى للشهاب القليوبي ما نصه: (فرع): يقوم مقام السجود للتلاوة أو الشكر ما يقوم مقام التحية لمن لم يرد فعلها ولو متطهرا، وهو سبحان الله إلخ. (قوله: وتكره إلخ) ويحرم الاشتغال بها عن فرض ضاق وقته فيعتريها من الأحكام الخمسة الندب والكراهة والحرمة. (قوله: دخل وقت الخطبة) أي بشرط التمكن منها، كما في التحفة. (وقوله: ولمريد طواف) أي وتكره لمريد طواف، لكن بشرط التمكن منه - كما في الذي قبله - وذلك لحصولها بركعتيه. قال سم: ولو بدأ بالتحية في هذه الحالة فينبغي انعقادها لأنها مطلوبة منه في الجملة. غاية الأمر أنه طلب منه تقديم الطواف لحصولها بسنته، ولو بدأ بالطواف كما هو الأفضل، ثم نوى بالركعتين بعده التحية، فينبغي صحة ذلك، ويندرج فيهما سنة الطواف، لأن التحية لم تسقط بالطواف بل اندرجت في ركعتيه، فجاز أن ينوي خصوصها ويندرج فيها سنة الطواف. (قوله: لا لمدرس) أي لا تكره لمدرس. (وقوله: خلافا لبعضهم) هو الزركشي، نقلا عن بعض مشايخه. فجرى على أنه كالخطيب بجامع التشوف إليه، وهو ضعيف لأن كلام مقدمة شرح المهذب مصرح بخلافه، وعبارته: وإذا وصل مجلس الدرس صلى ركعتين، فإن كان مسجدا تأكد الحث على الصلاة. انتهت. (قوله: وركعتا استخارة) أي ويسن ركعتان للاستخارة، أي طلب الخير فيما يريد أن يفعله. ومعناها في الخير الاستخارة في تعيين وقته. ويكررها إلى أن ينشرح صدره لشئ، ثم يمضي فيما انشرح له صدره. فإن لم ينشرح أخر إن أمكن، وإلا شرع فيما تيسر، ففيه الخير إن شاء الله تعالى. قال في الإحياء: فمن هم بأمر وكان لا يدري عاقبته، ولا يعرف أن الخير في تركه أو في الإقدام عليه، فقد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يصلي ركعتين، يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الفاتحة وقل هو الله أحد. فإذا فرغ دعا وقال: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي، في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فقدره لي وبارك لي فيه، ثم يسره لي. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي، في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فاصرفني عنه واصرفه عني، واقدر لي الخير أينما كان، إنك على كل شئ قدير. رواه جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها. كما يعلمنا السورة من القرآن. وقال - صلى الله عليه وسلم -: إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين، ثم ليسم الأمر ويدعو - بما ذكرناه - وقال بعض العلماء: من أعطى أربعا لم يمنع أربعا، من

وتتأدى ركعتا التحية وما بعدها بركعتين فأكثر من فرض أو نفل آخر، وإن لم ينوها معه، أي يسقط طلبها بذلك. أما حصول ثوابها فالوجه توقفه على النية، لخبر: إنما الاعمال بالنيات. كما قاله جمع متأخرون، واعتمده شيخنا. لكن ظاهر كلام الاصحاب حصول ثوابها وإن لم ينوها معه، وهو مقتضى كلام المجموع. ويقرأ ندبا في أولى ركعتي الوضوء بعد الفاتحة: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) * إلى * (رحيما) * والثانية: * (ومن يعمل سوءا ـــــــــــــــــــــــــــــ أعطى الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطى التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطى الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطى المشورة لم يمنع الصواب. اه. (قوله: وإحرام) بالجر، عطفا على استخارة. أي وتسن ركعتان للإحرام، ويكونان قبله. (قوله: وطواف) بالجر، عطف على استخارة أيضا. أي ويسن ركعتان للطواف، ويكونان بعده. (قوله: ووضوء) بالجر، عطف أيضا على استخارة. أي وتسن ركعتان للوضوء، ويكونان بعده أيضا بحيث تنسبان إليه عرفا، فتفوتان بطول الفصل عرفا على الأوجه، وعند بعضهم بالأعراض. وبعضهم بجفاف الأعضاء. وقيل بالحدث كما مر عن الشارح في مبحث الوضوء، وإنما سنتا بعده. قال في الإحياء: لأن الوضوء قربة، ومقصودها الصلاة، والأحداث عارضة. فربما يطرأ الحدث قبل صلاة فينتقض الوضوء ويضيع السعي، فالمبادرة إلى ركعتين استيفاء لمقصود الوضوء قبل الفوات. وعرف ذلك بحديث بلال، إذ قال - صلى الله عليه وسلم -: دخلت الجنة فرأيت بلالا فيها، فقلت لبلال: بم سبقتني إلى الجنة؟. فقال بلال: لا أعرف شيئا إلا أني لا أحدث وضوءا إلا أصلي عقبه ركعتين. اه. (قوله: وتتأدى ركعتا التحية إلخ) أي تحصل بذلك لأنها سنن غير مقصودة، بخلاف نية سنة مقصودة مع مثلها أو فرض فلا يصح. قال ع ش: ينبغي أن محل ذلك - أي حصول ركعتي التحية وغيرها بركعتين - حيث لم ينذرها، وإلا فلا بد من فعلها مستقلة، لأنها بالنذر صارت مقصودة فلا يجمع بينها وبين فرض ولا نفل، ولا تحصل بواحد منهما. اه. (وقوله: وما بعدها) الأولى وما بعدهما بضمير التثنية، وهو ركعتا الاستخارة والإحرام والطواف والوضوء. (وقوله: بركعتين) متعلق بتتأدى، فلا تتأدى بأقل منهما، ولا بصلاة جنازة، ولا بسجدتي تلاوة وشكر. (وقوله: من فرض أو نفل آخر) بيان لما قبله. (قوله: وإن لم ينوها معه) غاية لتأدية ركعتي التحية وما بعدهما بما ذكر، أي تتأدى بذلك سواء نوى التحية وما بعدها مع ذلك أم لا. (قوله: أي يسقط إلخ) تفسير لقوله وتتأدى إلخ. والمراد يسقط ما ذكر من غير نيتها. وقوله: طلبها أي المذكورات من ركعتي التحية وما بعدها. (وقوله: بذلك) أي بالركعتين فأكثر. وقوله: أما حصول ثوابها أي المذكورات. وقوله: فالأوجه توقفه أي حصول الثواب على النية. (قوله: لخبر: إنما الأعمال بالنيات). قال سم: قد يقال هذا الحديث يشكل على حصولها بغيرها إذا لم ينوها، ويجاب بأن مفاد الحديث توقف العمل على النية أعم من نيته بخصوصه. وقد حصلت النية ههنا وإن لم يكن المنوي خصوص التحية. فتدبر. اه. (قوله: واعتمده شيخنا) عبارته: أما حصول ثوابها فالوجه توقفه على النية لحديث: إنما الأعمال بالنيات. وزعم أن الشارع أقام فعل غيرها مقام فعلها فيحصل وإن لم تنو بعيد، وإن قيل كلام المجموع يقتضيه. اه. (قوله: لكن ظاهر الخ) جرى عليه م ر والخطيب، ومحل الخلاف إذا لم ينو عدمها، وإلا فلا يحصل له فضلها، بل لا يسقط عنه طلبها اتفاقا لوجود الصارف. (قوله: وهو) أي حصول ثوابها وإن لم ينوها. (قوله: ويقرأ ندبا إلخ) قال الحبيب طاهر بن حسين باعلوي في المسلك القريب: ويقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة. * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) * ويقول: أستغفر الله، ثلاثا. ثم يقرأ الكافرون. وفي الثانية بعد الفاتحة * (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) * ويقول: أستغفر الله، ثلاثا. ثم يقرأ الإخلاص، فإذا فرغ قال: الله أكبر عشرا. الحمد لله عشرا، لا إله إلا الله عشرا، أستغفر الله عشرا، سبحان الله وبحمده عشرا، سبحان الملك القدوس عشرا، اللهم إن أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة عشرا. اه. (وقوله: في أولى ركعتي الوضوء) قد ذكر في فصل في صفة الصلاة بيان ما يقرؤه في

أو يظلم نفسه) * إلى * (رحيما) *. ومنه صلاة الاوابين، وهي عشرون ركعة بين المغرب والعشاء، ورويت ستا وأربعا، وركعتين، وهما الاقل. وتتأدى بفوائت وغيرها، خلافا لشيخنا، والاولى فعلها بعد الفراغ من أذكار المغرب. وصلاة التسبيح وهي أربع ركعات بتسليمة أو تسليمتين. وحديثها حسن لكثرة طرقه، وفيها ثواب ـــــــــــــــــــــــــــــ البقية، وهو الكافرون في أولاها والإخلاص في ثانيتها. وذكر بعضهم أنه يقرأ في الاستخارة ما ذكر، أو يقرأ في الركعة الأولى * (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) * وفي الثانية * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) *. (قوله: ومنه صلاة الأوابين) أي ومن القسم الأول الذي لا تسن فيه الجماعة صلاة الأوابين، أي الراجعين إلى الله في أوقات الغفلة. قال في النصائح الدينية: ومن المستحب المتأكد إحياء ما بين العشاءين بصلاة، وهو الأفضل، أو تلاوة قرآن، أو ذكر الله تعالى من تسبيح أو تهليل أو نحو ذلك. قال النبي عليه السلام: من صلى بعد المغرب ست ركعات لا يفصل بينهن بكلام عدلن له عبادة اثنتي عشرة سنة. وورد أيضا: أن من صلى بين المغرب والعشاء عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة. وبالجملة فهذا الوقت من أشرف الأوقات وأفضلها، فتتأكد عمارته بوظائف الطاعات ومجانبة الغفلات والبطالات. وورد كراهة النوم قبل صلاة العشاء فاحذر منه، وهو من عادة اليهود. وفي الحديث: من نام قبل صلاة العشاء الآخرة فلا أنام الله عينيه. اه. (قوله: ورويت) أي صلاة الأوابين. (قوله: وركعتين) أي ورويت ركعتين. (فائدة) قال الفشني: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أحب أن يحفظ الله عليه إيمانه فليصل ركعتين بعد سنة المغرب، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ست مرات والمعوذتين مرة مرة. اه وقال في المسلك: فإذا سلم رفع يديه وقال بحضور قلب: اللهم إني أستودعك إيماني في حياتي وعند مماتي وبعد مماتي، فاحفظه علي إنك على كل شئ قدير، ثلاثا. (قوله: وتتأدى إلخ) أي تحصل صلاة الأوابين بفوائت وغيرها من الفرائض المؤداة والنوافل، وهذا بناء على أنها كتحية المسجد. (وقوله: خلافا لشيخنا) أي في فتاويه، كما صرح به في أول فصل في صفة الصلاة، وعبارته هناك: وكذا صلاة الأوابين، على ما قال شيخنا ابن زياد والعلامة السيوطي رحمهما الله تعالى، والذي جزم به شيخنا في فتاويه أنه لا بد فيها من التعيين كالضحى. اه. وقد نقلت بعض عبارة الفتاوي هناك فارجع إليه إن شئت. (قوله: وصلاة التسبيح) بالرفع. عطف على صلاة الأوابين أي ومنه صلاة التسبيح. قال في الإحياء: وهذه الصلاة مأثورة على وجهها، ولا تختص بوقت ولا بسبب. ويستحب أن لا يخلو الأسبوع عنها مرة واحدة، أو الشهر مرة، فقد روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للعباس بن عبد المطلب: ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك بشئ إذا أنت فعلته غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، سره وعلانيته؟ تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشر مرات، ثم ترفع من الركوع فتقولها قائما عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا، ثم ترفع من السجود فتقولها جالسا عشرا، ثم تسجد فتقولها وأنت ساجد عشرا، ثم ترفع من السجود فتقولها عشرا، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة. تفعل ذلك في أربع ركعات. إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي السنة مرة. وفي رواية أخرى أنه يقول في أول الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، وتقدست

لا يتناهى. ومن ثم قال بعض المحققين: لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين. ويقول في كل ركعة منها خمسة وسبعين سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خمسة عشر بعد القراءة وعشرا في كل من الركوع، والاعتدال، والسجودين، والجلوس بينهما بعد الذكر الوارد فيها، وجلسة الاستراحة. ويكبر عند ابتدائها دون القيام منها، ويأتي بها في محل التشهد قبله. ويجوز جعل الخمسة عشر قبل القراءة، وحينئذ ـــــــــــــــــــــــــــــ أسماؤك، ولا إله غيرك. ثم يسبح خمس عشرة تسبيحة قبل القراءة وعشرا بعد القراءة، والباقي كما سبق عشرا عشرا، ولا يسبح بعد السجود الأخير قاعدا. وهذا هو الأحسن، وهو اختيار ابن المبارك. والمجموع من الروايتين ثلاثمائة تسبيحة، فإن صلاها نهارا فبتسليمة واحدة، وإن صلاها ليلا فبتسليمتين أحسن، إذ ورد أن صلاة الليل مثنى مثنى. وإن زاد بعد التسبيح قوله: ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فهو حسن. اه. وقال السيوطي رحمه الله تعالى في كتاب الكلم الطيب والعمل الصالح، كيفية صلاة التسبيح: أربع ركعات يقرأ فيها ألهاكم والعصر والكافرون والإخلاص، وبعد ذلك: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة في القيام، وعشرا في الركوع والاعتدال والسجدتين والجلوس بينهما والاستراحة والتشهد - ترمذي - أو يضم إليها لا حول ولا قوة إلا بالله، وبعدها قبل السلام: اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى، وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وجد أهل الخشية، وطلب أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع، وعرفان أهل العلم، حتى أخافك. اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك عملا أستحق به رضاك، وحتى أناصحك بالتوبة خوفا منك، وحتى أخلص لك النصيحة حياء منك، وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن ظن بك. سبحان خالق النار. اه. وفي رواية: النور. وظاهره أنه لا يكرر الدعاء، ولو قيل بالتكرار لكان حسنا. ثم قوله: وبعدها قبل السلام الخ ينبغي أن المراد أنه يقول مرة إن صلاها بإحرام واحد، ومرتين إن صلى كل ركعتين بإحرام. اه ع ش. (قوله: وهي) أي صلاة التسبيح. (وقوله: أربع ركعات بتسليمة أو تسليمتين) قد تقدم في كلام الغزالي أنه إن صلاها نهارا فبتسليمة واحدة، وإن صلاها ليلا فبتسليمتين. وقال النووي في الأذكار، عن ابن المبارك: فإن صلاها ليلا فأحب إلي أن يسلم من كل ركعتين، وإن صلاها نهارا فإن شاء سلم وإن شاء لم يسلم. اه. وعلى أنها بتسليمة واحدة له أن يفعلها بتشهد واحد، وله أن يفعلها بتشهدين كصلاة الظهر. (قوله: وحديثها) أي الحديث الوارد في صلاة التسبيح، وهو ما مر عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقوله: لكثرة طرقه أي رواياته. (قوله: وفيها) أي صلاة التسبيح. (وقوله: ثواب لا يتناهى) أي ليس له نهاية، وهو كناية عن كثرته. (قوله: ومن ثم) أي من أجل أن حديثها حسن وأن ثوابها لا يتناهى. (قوله: إلا متهاون بالدين) أي مستخف به. (قوله: ويقول) أي مصليها. (وقوله: في كل ركعة منها) أي من الأربع الركعات. (قوله: خسمة عشر) بدل بعض من خمسة وسبعين. (قوله: بعد القراءة) أي قراءة الفاتحة والسورة، والظرف متعلق بمحذوف حال من خمسة عشر، أو متعلق بيقول مقدرا. (قوله: وعشرا) معطوف على خمسة عشر. (قوله: في كل من الخ) متعلق بمحذوف صفة لعشرا، أو حال على قول، أو متعلق بيقول مقدرا. قوله: بينهما أي السجودين. (قوله: بعد الذكر) متعلق بما تعلق به ما قبله. (وقوله: الوارد فيها) أي في الركوع وما بعده. (قوله: وجلسة الاستراحة) معطوف على الركوع. (قوله: ويكبر عند ابتدائها) أي جلسة الاستراحة. والمراد أنه ينهي التكبير الذكر شرع فيه عند رفع رأسه من السجدة الثانية بابتداء جلسة الاستراحة لأنه يريد أن يسبح فيها. (وقوله: دون القيام منها) أي ولا يكبر عند القيام منها. والمراد أنه لا يشرع في التكبير عند القيام من جلسة الاستراحة، لأن التكبير إنما يشرع عند رفع رأسه من السجدة بل يقوم ساكتا. (قوله: ويأتي بها) أي بالتسبيحات العشر. (وقوله: في محل التشهد) هو الجلوس. وقوله: قبله أي قبل التشهد. وهو ظرف متعلق بيأتي، وكونه قبله ليس بشرط فيجوز بعده، لكن الأول أقرب كما نص عليه في التحفة، وعبارتها: تنبيه: هل يتخير في جلسة التشهد بين كون التسبيح قبله أو بعده؟ كهو في القيام أو لا يكون إلا قبله كما يصرح به كلامهم؟ ويفرق بأنه إذا جعل قبل الفاتحة يمكنه نقل ما في الجلسة الأخيرة، بخلافه هنا. كل محتمل، والأقرب

يكون عشر الاستراحة بعد القراءة. ولو تذكر في الاعتدال ترك تسبيحات الركوع لم يجز العود إليه ولا فعلها في بالاعتدال لانه ركن قصير، بل يأتي بها في السجود. ويسن أن لا يخلي الاسبوع منها أو الشهر. والقسم الثاني ما تسن فيه الجماعة، (و) هو: (صلاة العيدين) أالعيد الاكبر والاصغر، بين طلوع شمس وزوالها. وهي ركعتان، ويكبر ندبا في أولى ركعتي العيدين - ولو مقضية على الاوجه بعد افتتاح ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول. اه. (قوله: ويجوز جعل الخمسة عشر) أي التي يقولها بعد القراءة. وقوله: قبل القراءة أي قراءة الفاتحة والسورة. (قوله: وحينئذ) أي حين إذ جعلها قبل القراءة. (وقوله: يكون عشر الاستراحة بعد القراءة) أي يجعل العشر التي يقرؤها في جلسة الاستراحة بعد القراءة ولا يأتي بها في جلسة الاستراحة. (قوله: لم يجز العود إليه) أي إلى الركوع ليأتي بتسبيحاته. (قوله: ولا فعلها في الاعتدال) أي ولم يجز فعل التسبيحات المتروكة في الاعتدال. (قوله: لأنه) أي الاعتدال. وهو علة لعدم جواز فعلها في الاعتدال. (وقوله: ركن قصير) أي وهو لا يجوز الزيادة فيه على ما ورد. (قوله: بل يأتي بها) أي بتسبيحات الركوع المتروكة، والاضراب انتقالي. قال ع ش: وبقي ما لو ترك التسبيح كله أو بعضه ولم يتداركه، هل تبطل به صلاته أو لا؟ وإذا لم تبطل فهل يثاب عليها ثواب صلاة التسبيح أو النفل المطلق؟ فيه نظر، والأقرب أنه إن ترك بعض التسبيح حصل له أصل سنتها، وإن ترك الكل وقعت له نفلا مطلقا. اه. (قوله: ويسن أن لا يخلي الأسبوع منها) أي من صلاة التسبيح. (وقوله: أو الشهر) أي أو السنة أو العمر، كما ورد في حديثها. (تنبيه) سئل ابن حجر رضي الله عنه عن صلاة التسبيح، هل هي من النوافل المطلقة؟ أو من المقيدة باليوم أو الجمعة أو الشهر أو السنة أو العمر؟ وإذا قلتم أنها من النوافل المقيدة، هل يكون قضاؤها مستحبا وتكرارها في اليوم أو الليلة غير مستحب أم لا؟ وإذا قلتم أنها من النوافل المطلقة، هل يكون قضاؤها غير مستحب وتكرارها في اليوم والليلة مستحب أم لا؟ وهل التسبيح فرض أو بعض أو هيئة؟. فأجاب رضي الله عنه: الذي يظهر من كلامهم أنها من النفل المطلق، فتحرم في وقت الكراهة. ووجه كونها من المطلق أنه الذي لا يتقيد بوقت ولا سبب، وهذه كذلك، لندبها كل وقت من ليل أو نهار - كما صرحوا به - ما عدا وقت الكراهة لحرمتها فيه. كما تقرر وعلم من كونها مطلقة أنها لا تقضى، لأنها ليس لها وقت محدود حتى يتصور خروجها عنه وتفعل خارجه، وأنه يسن تكرارها ولو مرات متعددة في ساعة واحدة. والتسبيحات فيها هيئة كتكبيرات العيدين، بل أولى، فلا يسجد لترك شئ منها، ولو نواها ولم يسبح فالظاهر صحة صلاته بشرط أن لا يطول الاعتدال ولا الجلوس بين السجدتين ولا جلسة الاستراحة، إذ الأصح المنقول أن تطويل جلسة الاستراحة مبطل، كما حررته في شرح العباب وغيره. وإنما اشترطت أن لا يطول هذه الثلاثة لأنه إنما اغتفر تطويلها بالتسبيح الوارد. فحيث لم يأت به امتنع التطويل وصارت نافلة مطلقة بحالها، لكنها لا تسمى صلاة التسبيح. اه، من الفتاوي بتصرف. (قوله: وهو) أي القسم الثاني الذي تسن فيه الجماعة. (وقوله: صلاة العيدين) هي من خصوصيات هذه الأمة، ومثلها صلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوفين. وأول عيد صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وكذلك عيد الأضحى شرع في السنة المذكورة، وصلاة عيد الأضحى أفضل من صلاة الفطر لثبوتها بنص القرآن وهو قوله تعالى: * (فصل لربك وانحر) * أي صل صلاة الأضحى وانحر الأضحية. والعيد مأخوذ من العود لتكرره وعوده كل عام، أو لأن الله تعالى يعود على عباده فيه بالسرور. قال في الإتحاف: وإنما كان يوم العيد من رمضان عيدا لجميع هذه الأمة إشارة لكثرة العتق قبله، كما أن يوم النحر هو العيد الأكبر لكثرة العتق في يوم عرفة قبله، إذ لا يرى أكثر عتقا منه، فمن أعتق قبله فهو الذي بالنسبة إليه عيد، ومن لا فهو في غاية الإبعاد والوعيد. اه. (قوله: أي العيد الأكبر) هو عيد الأضحى. (وقوله: والأصغر) هو عيد الفطر. (قوله: بين طلوع شمس وزوالها)

- سبعا، وفي الثانية خمسا، قبل تعوذ فيهما، رافعا يديه مع كل تكبيرة ما لم يشرع في قراءة. ولا يتدارك في الثانية إن تركه في الاولى. وفي ليلتهما من غروب الشمس إلى أن يحرم الامام مع رفع صوت، وعقب كل صلاة، ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ خبر لمبتدأ محذوف. أي ووقتها بين طلوع الشمس وزوالها، أي الزمن الذي بين ذلك. ويكفي طلوع جزء من الشمس لكن يسن تأخيرها حتى ترتفع الشمس كرمح، للاتباع وللخروج من خلاف من قال لا يدخل وقتها إلا بالارتفاع فهي مستثناة من سن فعل العبادة في أول الوقت، ولو فعلها فقيل خلاف الأولى، وهو المعتمد. وقال شيخ الإسلام أنه مكروه، وهو ضعيف. ويسن البكور لغير الإمام ليأخذ مجلسه وينتظر الصلاة، وأما الإمام فيحضر وقت الصلاة. ويسن أن يعجل الحضور في الاضحى ليتسع وقت التضحية، ويؤخره قليلا في الفطر ليتسع وقت صدقة الفطر قبل الصلاة. ولو ارتفعت الشمس لم يكره النفل قبل الصلاة لغير الإمام، وأما بعدها فإن لم يسمع الخطبة فكذلك وإلا كره، لأنه يكون معرضا عن الخطيب بالكلية. وأما الإمام فيكره له النفل قبلها وبعدها لمخالفته فعله - صلى الله عليه وسلم - ولاشتغاله بغير الأهم. ويسن قضاؤها إن فاتت لأنه يسن قضاء النفل المؤقت إن خرج وقته. نعم، إن شهدوا بعد الغروب أو عدلوا بعده برؤية الهلال في الليلة الماضية صليت من الغد أداء لتقصيرهم في تأخير الشهادة أو التعديل. (قوله: وهي ركعتان) أي بالإجماع. وهي كسائر الصلوات في الأركان والشروط والسنن. وأقلها ركعتان كسنة الوضوء، وأكملها ركعتان بالتكبير الآتي. ويجب في نيتها التعيين من كونها صلاة عيد فطر أو صلاة أضحى، في كل من أدائها وقضائها. ويسن أن يقرأ فيها بعد الفاتحة في الأولى ق وفي الثانية اقتربت، أو سبح اسم ربك الأعلى في الأولى والغاشية في الثانية، جهرا. (قوله: ويكبر ندبا) أي مع الجهرية وإن كان مأموما، ولو في قضائها. وليس التكبير المذكورر فرضا ولا بعضا، وإنما هو هيئة كالتعوذ ودعاء الافتتاح فلا يسجد لتركه. (قوله: ولو مقضية) سواء قضاها في يوم العيد أو في غيره، لأن القضاء يحكى الأداء. وقال العجلي: لا تسن فيها لأنها شعار للوقت وقد فات، فالغاية للرد عليه. (قوله: بعد افتتاح) أي دعائه، وهو متعلق بيكبر. (وقوله: سبعا) مفعول مطلق ليكبر، أو تكبيرات سبعا، أي غير تكبيرتي الإحرام والركوع. وقوله: وفي الثانية خمسا أي غير تكبيرتي القيام والركوع. ولو نقص إمامه التكبيرات تابعه ندبا، فلو اقتدى بحنفي كبر ثلاثا، أو مالكي كبر ستا، تابعه ولم يزد عليه. ويستحب بين كل ثنتين منها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. (قوله: قبل تعوذ) متعلق بيكبر. ولو قال وقبل تعوذ، بزيادة الواو، عطفا على بعد افتتاح لكان أولى. وكونه قبل العوذ ليس بقيد، وإنما هو مطلوب. فلو تعوذ قبل التكبير ولو عمدا كبر بعده ولا يفوت بالتعوذ. (وقوله: فيهما) أي في الركعة الأولى والركعة الثانية. (قوله: رافعا يديه) حال من فاعل يكبر، أي يكبر حال كونه رافعا يديه حذو منكبيه. ولو والى الرفع مع موالاة التكبير لم تبطل صلاته، وإن لزم هذه الأعمال الكثيرة، لأن هذا مطلوب فلا يضر. نعم، لو اقتدى بحنفي ووالى الرفع مع التكبير تبعا لإمامه الحنفي بطلت صلاته على المعتمد، لأنه عمل كثير في غير محله عندنا، لأن التكبير عندهم بعد القراءة في الركعة الثانية، وأما في الأولى فقبل القراءة كما هو عندنا. وقيل لا تبطل لأنه مطلوب في الجملة، فاغتفر ولو في غير محله. (قوله: ما لم يشرع) أي يسن التكبير ما لم يشرع في القراءة. فإن شرع فيها قبل التكبيرات فإن كانت تلك القراءة التعوذ أو السور قبل الفاتحة لم تفت. وإن كانت الفاتحة فاتت لفوات محلها فلا يسن العود إليها، فإن عاد إليها قبل الركوع عامدا عالما لا تبطل صلاته، أو بعد الركوع بأن ارتفع ليأتي بها بطلت صلاته. (قوله: ولا يتدارك في الثانية) الفعل مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير يعود على التكبير، أي لا يؤتي به مع تكبيرات الركعة الثانية. وهذا معتمد ابن حجر. وجزم الرملي على سنية تداركها في الثانية مع تكبيرها قياسا على قراءة الجمعة في الركعة الأولى من صلاة الجمعة، فإنه إذا تركها فيها سن له أن يقرأها في الثانية مع المنافقين. (قوله: وفي ليلتهما) معطوف على قوله في أولى، أي ويسن أن يكبر في ليلة عيد الفطر وليلة عيد الأضحى. وقوله: من غروب الشمس أي أن ابتداء التكبير من حينئذ (وقوله: إلى أن يحرم الإمام) أي إلى أن ينطق بالراء من التحرم. وهذا في حق من صلى جماعة، وأما من صلى منفردا فالعبرة في حقه بإحرامه. فإن لم يصل أصلا فقيل يستمر في حقه إلى الزوال. وقيل إلى أول وقت يطلب من الإمام الدخول للصلاة فيه.

جنازة، من صبح عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وفي عشر ذي الحجة حين يرى شيئا من بهيمة الانعام أو يسمع صوتها. (و) صلاة (الكسوفين) أي كسوف الشمس والقمر. وأقلها ركعتان كسنة الظهر، وأدنى كمالها زيادة قيام وقراءة وركوع في كل ركعة، والاكمل أن يقرأ بعد الفاتحة في القيام الاول البقرة أو قدرها، وفي الثاني كمائتي آية منها، والثالث كمائة وخمسين، والرابع كمائة. وأن يسبح في أول ركوع وسجود كمائة من ـــــــــــــــــــــــــــــ ويسن أن يكون ذلك التكبير في الطرق والمنازل والمساجد والأسواق وغيرها، ماشيا وراكبا وقاعدا ومضطجعا في جميع الأحوال إلا في نحو بيت الخلاء، ودليله في الأول قوله تعالى: * (ولتكملوا العدة) * أي عدة صوم رمضان * (ولتكبروا الله) * أي عند إكمالها. وفي الثاني القياس على الأول. وهذا التكبير يسمى مرسلا ومطلقا إذ لا يتقيد بصلاة ولا نحوها. وما ذكر لغير الحاج، أما هو فلا يكبر هذا التكبير لأن التلبية شعاره. (قوله: مع رفع صوت) أي لغير المرأة، أما هي فلا ترفع صوتها مع غير محارمها. (قوله: وعقب كل صلاة) معطوف على قوله في أولى أيضا. أي ويسن أن يكبر أيضا عقب كل صلاة، أي فرضا كانت أو نفلا، أداء أو قضاء. وهذا التكبير يسمى مقيدا، وهو خاص بعيد الأضحى. (قوله: من صبح عرفة) متعلق بيكبر المقدر، أي ويكبر عقب كل صلاة من عقب فعل صبح يوم عرفة. وقوله: إلى عصر آخر أيام التشريق أي إلى عقب فعل عصر آخرها. وهذا معتمد ابن حجر. واعتمد م ر أنه يدخل بفجر يوم عرفة وإن لم يصل الصبح، وينتهي بغروب آخر أيام التشريق. وعلى كل يكبر بعد صلاة العصر آخر أيام التشريق، وينتهي به عند ابن حجر، وعند م ر بالغروب. وهذا لغير الحاج، أما هو فيكبر من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر أيام التشريق، لأن أول صلاة يصليها بعد تحلله الظهر وآخر صلاة يصليها بمنى قبل نفره الثاني الصبح، وهذا معتمد ابن حجر تبعا للنووي. واعتمد م ر أن العبرة بالتحلل تقدم أو تأخر، فمتى تحلل كبر. وكتب الرشيدي على قول المنهاج: ويختم بصبح آخر التشريق. ما نصه: هذا من حيث كونه حاجا كما يؤخذ من العلة، وإلا فمن المعلوم أنه بعد ذلك كغيره فيطلب منه التكبير المطلوب من كل أحد إلى الغروب، فتنبه له. اه. وصيغة التكبير المحبوبة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. واستحسن في الأم أن يزيد بعد التكبيرة الثالثة: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. لا إله إلا الله والله أكبر. (قوله: وفي عشر ذي الحجة) معطوف على في أولى أيضا. أي ويكبر ندبا في عشر ذي الحجة، لقوله تعالى: * (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * قال في الأذكار: قال ابن عباس والشافعي والجمهور: هي أيام العشر. (قوله: أو يسمع صوتها) معطوف على يرى، أي أو يكبر حين يسمع صوت الأنعام. (قوله: وصلاة الكسوفين) معطوف على صلاة العيدين. أي وهو صلاة الكسوفين، أي كسوف الشمس وكسوف القمر. ويعبر عنهما في قول بالخسوفين، وفي آخر بالكسوف للشمس والخسوف للقمر، وهو أشهر. وهي من السنن المؤكدة، للأخبار الصحيحة في ذلك. منها قوله عليه الصلاة والسلام: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة. قال ذلك لما مات ولده سيدنا إبراهيم وكسفت الشمس، فقال الناس: إنما كسفت لموته. (قوله: وأقلها ركعتان كسنة الظهر) فلو نواها كسنة الظهر ثم عن له بعد الإحرام أن يزيد ركوعا في كل ركعة لم يجز، وهذا هو المعتمد. برماوي بجيرمي. (قوله: وأدنى كمالها زيادة قيام) ويجب قراءة الفاتحة في القيام الزائد. (قوله: والأكمل) أي وأعلى الكمال ما ذكر، فتلخص أن لها ثلاث كيفيات. (قوله: أن يقرأ بعد الفاتحة) أي وسوابقها من الافتتاح والتعوذ. (وقوله: البقرة) هي أفضل لمن يحسنها. (وقوله: أو قدرها) أي قدر البقرة من القرآن. وفي الإحياء ما نصه: فيقرأ في الأولى من قيام الركعة الأولى الفاتحة والبقرة، وفي الثانية الفاتحة وآل عمران، وفي الثالثة الفاتحة وسورة النساء، وفي الرابعة الفاتحة وسورة المائدة، أو مقدار ذلك من القرآن من حيث أراد. ولو اقتصر على الفاتحة في كل قيام أجزأه، ولو اقتصر على سور قصار فلا بأس. ومقصود التطويل دوام الصلاة إلى الانجلاء. ويسبح في الركوع الأول قدر مائة آية، وفي الثاني قدر ثمانين آية، وفي الثالث قدر سبعين، وفي الرابع قدر خمسين. ولكن السجود على قدر الركوع في كل ركعة.

البقرة، وفي الثاني من كل منهما كثمانين، والثالث منهما كسبعين، والرابع كخمسين. (بخطبتين) أي معهما (بعدهما) أي يسن خطبتان بعد فعل صلاة العيدين - ولو في غد فيما يظهر والكسوفين ويفتتح أولى خطبتي العيدين لا الكسوف - بتسع تكبيرات، والثانية بسبع ولاء. وينبغي أن يفصل بين الخطبتين بالتكبير، ويكثر منه في فصول الخطبة. قاله السبكي. ولا تسن هذه التكبيرات للحاضرين. (و) صلاة (استسقاء) عند الحاجة للماء ـــــــــــــــــــــــــــــ (تتمة) اعلم أن الشارح اقتصر على بيان كيفية صلاة الكسوفين ولم يبين وقتها: وبيانه أنه من ابتداء الكسوف إلى تمام الانجلاء، فتفوت صلاة كسوف الشمس بالانجلاء للمنكسف وبغروبها كاسفة، فلا يشرع فيها بعده. وأما لو حصل غروبها كاسفة في أثناء الصلاة أتمها وتفوت صلاة خسوف القمر بالانجلاء وبطلوع الشمس لا بطلوع الفجر، لأن ما بعد الفجر ملحق بالليل. (قوله: بخطبتين) متعلق بمحذوف حال من كل من صلاة العيدين وصلاة الكسوفين، أي تسن صلاة العيدين وصلاة الكسوفين حال كونهما مصحوبتين بخطبتين بعدهما، وهما كخطبتي الجمعة في أركانهما، أما شروط خطبتي الجمعة - كالقيام فيهما، والجلوس بينهما، والطهارة والستر - فلا تشترط هنا. نعم، يعتبر من الشروط لأداء السنة الإسماع والسماع، وكون الخطبة عربية، ويسن أن يعلمهم في خطبة عيد الفطر أحكام زكاة الفطر، وفي عيد الأضحى أحكام الأضحية. ويسن أن يأمر الناس في خطبة الكسوفين بالتوبة من الذنوب، وبفعل الخير من صدقة وعتق ونحو ذلك. (قوله: أي معهما) أفاد به أن الباء بمعنى مع. (قوله: بعدهما) أي بعد صلاة العيدين وبعد صلاة الكسوفين، والظرف متعلق بمحذوف صفة لخطبتين، واحترز به عما لو قدمتا على الصلاة فإنه لا يعتد بهما، كالسنة الراتبة البعدية لو قدمت. (قوله: أي يسن خطبتان الخ) أفاد بهذا التفسير أن الخطبتين بعدهما سنة مستقلة. (قوله: ولو في غد) أي ولو كان فعلها في الغد، وذلك فيما إذا شهدوا بعد الغروب برؤية الهلال الليلة الماضية فإنها تصلى أداء من الغد كما تقدم. (قوله: والكسوفين) معطوف على العيدين، أي وبعد فعل صلاة الكسوفين. (قوله: لا الكسوف) أي لا يفتتح أولى خطبتي الكسوف بما ذكر، أي ولا الثانية أيضا. ولو أخره عن قوله والثانية بسبع ولاء لكان أولى، وظاهر سياقه أنه لا يبدله بالتسبيح ولا بالإستغفار. وفي ع: وهل يحسن أن يأتي بدله بالإستغفار قياسا على الاستسقاء أم لا؟ فيه نظر، والأقرب الأول، لأن صلاته مبنية على التضرع، والحث على التوبة والاستغفار من أسباب الحمل على ذلك. وعبارة الناشري: يحسن أن يأتي بالإستغفار إلا أنه لم يرد فيه نص. اه. (قوله: بتسع تكبيرات) متعلق بيفتتح. (قوله: والثانية) أي ويفتتح ثانية الخطبتين بسبع تكبيرات. (وقوله: ولاء) حال من كل من التسع التكبيرات ومن السبع. (قوله: ويبنغي أن يفصل) أي الخطيب. وفي شروح الزبد ما نصه: ولو فصل بينهما بالحمد والتهليل والثناء جاز. اه. (قوله: ويكثر منه في فصول الخطبة) أي وينبغي أن يكثر الخطيب من التكبير في فواصل الخطبة، أي رؤوس سجعاتها. (قوله: قاله) أي ما ذكر من الفصل بينهما بالتكبير والإكثار منه في الفصول. (قوله: ولا تسن هذه التكبيرات للحاضرين) أي بل يسن لهم استماع ذلك من الخطيب. (قوله: وصلاة استسقاء) الأصل فيها الاتباع، واستأنسوا لها بقوله تعالى: * (وإذ استسقى موسى لقومه) * وإنما كان هذا استئناسا لا استدلالا، لأن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا على الراجح، وإن ورد في شرعنا ما يقرره. والاستسقاء معناه لغة: طلب السقيا مطلقا من الله أو من غيره. وشرعا: طلب سقيا العباد من الله عند حاجتهم إليه. قال حجة الإسلام الغزالي في بيان صلاة الاستسقاء: فإذا غارت الأنهار وانقطعت الأمطار، أو انهارت قناة، فيستحب للإمام أن يأمر الناس أولا بصيام ثلاثة أيام، وما أطاقوا من الصدقة، والخروج من المظالم، والتوبة من المعاصي، ثم يخرج بهم في اليوم الرابع وبالعجائز والصبيان متنظفين في ثياب بذلة واستكانة متواضعين، بخلاف

لفقده أو ملوحته أو قلته بحيث لا يكفي. وهي كصلاة العيد، لكن يستغفر الخطيب بدل التكبير في الخطبة، ويستقبل القبلة حالة الدعاء بعد صدر الخطبة الثانية، أي نحو ثلثها. (و) صلاة (التراويح)، وهي عشرون ركعة ـــــــــــــــــــــــــــــ العيد. وقيل يستحب إخراج الدواب لمشاركتها في الحاجة، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: لولا صبيان رضع ومشايخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا. ولو خرج أهل الذمة أيضا متميزين لم يمنعوا، فإذا اجتمعوا في المصلى الواسع من الصحراء نودي: الصلاة جامعة. فصلى بهم الإمام ركعتين مثل صلاة العيد بغير تكبير، ثم يخطب خطبتين وبينهما جلسة خفيفة، وليكن الاستغفار معظم الخطبتين. وينبغي في وسط الخطبة الثانية أن يستدبر الناس ويستقبل القبلة، ويحول رداءه في هذه الساعة تفاؤلا بتحويل الحال. هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فيجعل أعلاه أسفله وما على اليمين على الشمال وما على الشمال على اليمين، وكذلك يفعل الناس، ويدعون في هذه الساعة سرا، ثم يستقبلهم فيختم الخطبة ويدعون وأرديتهم محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوا الثياب، ويقول في الدعاء: اللهم إنك أمرنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا. اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في سقيانا وسعة أرزاقنا. ولا بأس بالدعاء أدبار الصلوات في الأيام الثلاثة قبل الخروج. اه. وقوله: في صدر العبارة بغير تكبير، لعله رأي له، أو بيان لغير الأكمل في صلاة الاستسقاء، فتنبه. (قوله: عند الحاجة للماء) خرج بذلك ما لو لم تكن حاجة فلا تجوز صلاة الاستسقاء بل ولا تصح. (قوله: لفقده) أي الماء. (وقوله: أو ملوحته) أي بحيث لا يشرب. (وقوله: أو قلته) أي الماء. (وقوله: لا يكفي) أي أهل البلدة أو القرية. (قوله: وهي) أي صلاة الاستسقاء. (وقوله: كصلاة العيد) أي في الأركان وغيرها، فيكبر بعد افتتاحه قبل التعوذ والقراءة سبعا في الأولى وخمسا في الثانية، ويرفع يديه عند كل تكبيرة، ويقف بين كل تكبيرة كآية معتدلة، ويقرأ في الأولى جهرا سورة ق وفي الثانية اقتربت - في الأصح -، أو يقرأ في الأولى سبح وفي الثانية الغاشية - لوروده بسند ضعيف - ولا تختص صلاة الاستقساء بركعتين بل تجوز الزيادة عليهما، بخلاف العيد. ولا بوقت العيد في الأصح، بل يجوز فعلها متى شاء ولو في وقت الكراهة على الأصح، لأنها ذات سبب فدارت معه، كصلاة الكسوف. (قوله: لكن يستغفر الخطيب) لعل في العبارة سقطا من النساخ قبله، وهو: يخطب كالعيد. وعبارة متن المنهاج: وهي ركعتان كالعيد - إلى أن قال - ويخطب كالعيد، لكن يستغفر الله تعالى بدل التكبير. اه. ويمكن أن يقال لا سقط، والخطبة تفهم من التشبيه. أي وهي كصلاة العيد في الأركان والسنن وفي سنية خطبتين بعدها. (وقوله: بدل التكبير) يعلم منه أنه يستغفر الله في أولهما تسعا وفي ثانيتهما سبعا، والأولى أن يقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. وإنما سن الاستغفار هنا لأنه أليق بالحال، ولخبر الترمذي وغيره: من قاله غفر له وإن كان فر من الزحف. وينبغي أن يكثر منه ومن قوله تعالى: * (استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) * (قوله: ويستقبل القبلة حالة الدعاء الخ) عبارة المنهاج: ويدعو في الخطبة الأولى ويقول اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا طبقا دائما. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا. ويستقبل القبلة بعد صدر الخطبة الثانية ويبالغ في الدعاء سرا وجهرا ويحول رداءه عند استقباله فيجعل يمينه يساره وعكسه وينكسه - في الجديد - فيجعل أعلاه أسفله وعكسه، ويحول الناس مثله. اه. قوله: أي نحو ثلثها تفسير مراد للصدر. قال في النهاية: فإن استقبل للدعاء في الأولى لم يعده في الثانية. اه. (تنبيه) ما ذكره من كيفية صلاة الاستسقاء هو أكمل كيفيات الاستسقاء، وثانيتها - وهي أدناها - مجرد الدعاء. وثالثتها - وهي أوسطها - الدعاء خلف الصلوات ولو نفلا، وفي نحو خطبة الجمعة. (قوله: وصلاة التراويح) الأصل فيها ما روى الشيخان: أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج من جوف الليل ليالي من رمضان وصلى في

بعشر تسليمات، في كل ليلة من رمضان، لخبر: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. ويجب التسليم من كل ركعتين، فلو صلى أربعا منها بتسليمة لم تصح، بخلاف سنة الظهر والعصر والضحى والوتر. وينوي بها التراويح أو قيام رمضان، وفعلها أول الوقت أفضل من فعلها أثناءه بعد النوم، خلافا لما وهمه الحليمي. وسميت تروايح لانهم كانوا يستريحون لطول قيامهم بعد كل تسليمتين، وسر العشرين أن الرواتب ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد وصلى الناس بصلاته فيها، وتكاثروا فلم يخرج لهم في الرابعة وقال لهم صبيحتها: خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها. وروى البيهقي بإسناد صحيح أنهم يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة. وروى مالك في الموطأ بثلاث وعشرين. وجمع البيهقي بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاث. واستشكل قوله - صلى الله عليه وسلم -: خشيت أن تفرض عليكم. بقوله تعالى في ليلة الإسراء: هن خمس والثواب خمسون، لا يبدل القول لدي. وأجيب بأجوبة أحسنها أن ذلك في كل يوم وليلة فلا ينافي فرضية غيرها في السنة. (قوله: وهي) أي صلاة التراويح. (وقوله: عشرون ركعة) أي لغير أهل المدينة على مشرفها أفضل الصلاة وأزكى السلام، أما هم فلهم فعلها ستا وثلاثين، وإن كان اقتصارهم على العشرين أفضل، ولا يجوز لغيرهم ذلك، وإنما فعل أهل المدينة هذا لأنهم أرادوا مساواة أهل مكة، فإنهم كانوا يطوفون سبعا بين كل ترويحتين، فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات. قال السيوطي: وما كانوا يطوفون بعد الخامسة، وإنما خص أهل المدينة بذلك لأن لهم شرفا بهجرته - صلى الله عليه وسلم - ومدفنه. (قوله: بعشر تسليمات) أي وجوبا، لأنها وردت هكذا، وأشبهت الفرائض بطلب الجماعة فيها، فلا تغير عما وردت عليه. (قوله: في كل ليلة) أي بعد صلاة العشاء، ولو مجموعة مع المغرب جمع تقديم. (قوله: ويجب التسليم) الأولى التعبير بفاء التفريع، إذ المقام يقتضيه لأنه مفرع على قوله بعشر تسليمات. (قوله: فلو صلى أربعا منها) أي أو أكثر. (وقوله: لم تصح) أي أصلا إن كان عامدا عالما، وإلا صحت له نفلا مطلقا. (قوله: بخلاف سنة الظهر الخ) أي فإنه يجوز جمع الأربع القبلية أو البعدية بتحريم واحد وسلام واحد، وكذلك الضحى يجوز أن يجمع فيه بين ركعاته كلها بتحرم واحد وسلام واحد. وقد تقدم أنه لو أخر القبلية لا يجوز له جمعها مع البعدية بسلام واحد، على معتمد ابن حجر، وقال: لعل بحث الجواز مبني على الضعيف إنه لا تجب نية القبلية ولا البعدية. ويجوز ذلك على معتمد م ر. (قوله: وينوي بها التروايح إلخ) أي وينوي في صلاة التروايح، أو ينوي قيام رمضان، وأفاد بذلك أنه لا بد من التعيين في النية. وظاهر كلامه أنه لا يشترط التعرض للعدد فيها، وهو المعتمد، لأن التعرض للعدد لا يجب. كما لو قال: أصلي الظهر أو العصر. (قوله: وفعلها أول الوقت) قد بين وقتها في قوله في مبحث الوتر: ووقت الوتر كالتروايح بين صلاة العشاء وطلوع الفجر. فلا يعترض بأنه كان المناسب أن يقول أولا ووقتها كذا ثم يقول وفعلها أول إلخ. (قوله: أفضل إلخ) في بشرى الكريم خلافه، ونص عبارته: قال عميرة: وفعلها - أي التروايح - عقب العشاء أول الوقت من بدع الكسالى. وفي الإمداد: ووقتها المختار يدخل بربع الليل. اه. ولو تعارض فعلها مع العشاء أول الوقت، أو في جوف الليل بعد نوم، قدمتا لكراهة النوم قبل العشاء. (قوله: أثناءه) أي الوقت. (قوله: بعد النوم) متعلق بفعلها أثناءه، ومقتضى التقييد به أن فعلها أول الوقت لا يكون أفضل من فعلها أثناءه مع عدم النوم، فانظره. (قوله: خلافا لما وهمه الحليمي) أي من أن فعلها أثناءه بعد النوم أفضل. (قوله: وسميت) أي العشرون ركعة التي يصليها في رمضان. (وقوله: لأنهم) أي الصحابة. (قوله: كانوا يستريحون لطول قيامهم) يؤخذ من التعليل المذكور أنه ينبغي طول القيام بالقراءة مع الحضور والخشوع، خلافا لما يعتاده كثيرون في زماننا من تخفيفها ويتفاخرون بذلك، قال قطب الإرشاد سيدنا عبد الله بن علوي الحداد في النصائح: وليحذر من التخفيف المفرط الذي يعتاده كثير من الجهلة في صلاتهم للتراويح، حتى ربما يقعون بسببه في الإخلال بشئ من الواجبات مثل ترك الطمأنينة في الركوع والسجود، وترك قراءة الفاتحة على الوجه الذي لا بد منه بسبب العجلة، فيصير أحدهم عند الله لا هو صلى ففاز بالثواب ولا هو ترك فاعترف بالتقصير وسلم من الإعجاب. وهذه وما أشبهها من أعظم مكايد الشيطان لأهل الإيمان، يبطل عمل العامل منهم عمله مع فعله للعمل، فاحذروا من

المؤكدة في غير رمضان عشر فضوعفت فيه لانه وقت جد وتشمير. وتكرير قل هو الله أحد ثلاثا ثلاثا في الركعات الاخيرة من ركعاتها بدعة غير حسنة لان فيه إخلالا بالسنة، كما أفتى به شيخنا. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك وتنبهوا له معاشر الإخوان. وإذا صليتم التروايح وغيرها من الصلوات فأتموا القيام والقراءة والركوع والسجود والخشوع والحضور وسائر الأركان والآداب، ولا تجعلوا للشيطان عليكم سلطانا فإنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون فكونوا منهم، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون فلا تكونوا منهم. اه. (قوله: بعد كل تسليمتين) متعلق بيستريحون. (قوله: وسر العشرين) أي الحكمة فيها. (قوله: في غير رمضان) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من عشر، لأن نعت النكرة إذا تقدم عليها يعرب حالا منها، أي أن الرواتب عشر ركعات حال كونها كائنة في غير رمضان. ويصح أن يكون حالا من الرواتب، والمراد أنها عشر في غير رمضان مثل رمضان. (قوله: فضوعفت فيه) أي في رمضان. واعترض بأن التضعيف أن يزاد على الشئ مثله فيقتضي أن التراويح عشر ركعات، لأنه إذا زيد على العشر ركعات المؤكدات مثلها صارت عشرين، عشرة منها هي المؤكدة من الرواتب، والعشرة الأخرى هي التروايح. وأجيب - كما في سم - بأن المعنى: فزيد قدرها وضعفه، لا فزيد عليها قدرها فقط، لأنه ليس كذلك. أي زيد قدر الرواتب العشرة، وضعف هذا القدر الزائد أي مثله وهو عشرة، فيصير الجميع ثلاثين ركعة، الرواتب عشرة، والتراويح عشرون. وهذا كما ترى مبني على أن ضعف الشئ مثله، أما إذا قيل إن ضعفه مثلاه فلا تأويل، وهذا الأخير هو المشهور، كما في ع ش. وفي الرشيدي ما نصه: فقوله: فضوعفت، أي وجعلت بتضعيفها زيادة في رمضان. وإلا فالرواتب مطلوبة أيضا، وأنه مبني على أن ضعف الشئ مثلاه. اه. (قوله: وتكرير قل هو الله أحد، إلى: كما أفتى به شيخنا) عبارة الفتاوي له: سئل - رضي الله عنه ومتع بحياته -: في تكرير سورة الإخلاص في التراويح هل يسن؟ وإذا قلتم لا، فهل يكره أم لا؟ وقد رأيت في المعلمات لابن شهبة أن تكرير سورة الإخلاص في التراويح ثلاثا كرهها بعض السلف، قال لمخالفتها المعهود عمن تقدم، ولأنها في المصحف مرة فلتكن في التلاوة مرة. اه. فهل كلامه مقرر معتمد أم لا؟ بينوا ذلك وأوضحوه لا عدمكم المسلمون. فأجاب فسح الله في مدته: تكرير قراءة سورة الإخلاص أو غيرها في ركعة أو في كل ركعة من التراويح ليس بسنة، ولا يقال مكروه على قواعدنا لأنه لم يرد فيه نهي مخصوص. وقد أفتى ابن عبد السلام وابن الصلاح وغيرهما بأن قراءة القدر في التراويح - وهو التجزئة المعروفة - بحيث يختم القرآن جميعه في الشهر أولى من سورة قصيرة. وعللوه بأن السنة القيام فيها بجميع القرآن. واقتضاه كلام المجموع، واعتمد ذلك الأسنوي وغيره. قال الزركشي وغيره: ويقاس بذلك كل ما ورد فيه الأمر ببعض معين، كآية البقرة وآل عمران في سنة الصبح إلخ، انتهت. وإذا تأملت العبارة المذكورة تعلم ما في قوله كما أفتى به شيخنا، فإنها ليس فيها التقييد بقوله في الركعات الأخيرة، ولا التقييد بسورة الإخلاص، وليس فيها قوله بدعة غير حسنة، بل الذي فيها أن قراءة القرآن في جميع الشهر أولى وأفضل، وأن تكرير سورة الإخلاص أو غيرها في ركعة ما خلاف الأولى فقط، وليس بسنة ولا بمكروه. إلا أن يقال أفتى بذلك في فتوى لم تقيد في الفتاوي. لكن عبارة الروض مصرحة بما في الفتاوى، إلا أنه قيد فيها بسورة الإخلاص، ونصها: وفعلها بالقرآن في جميع الشهر أفضل من تكرير سورة الإخلاص. اه. ومثلها عبارة النهاية والمغني. والحاصل الذي يظهر من كلامهم أن الوارد قراءة القرآن كله بالتجزئة المعلومة، فهو الأولى والأفضل، وأن غير ذلك خلاف الأولى والأفضل، سواء قرأ سورة الإخلاص أو غيرها، في كل الركعات أو في بعضها، الأخير منها أو الأول، وسواء كررها ثلاث أو لا. فما يعتاده أهل مكة من قراءة قل هو الله أحد في الركعات الأخيرة، وقراءة ألهاكم إلى المسد في الركعات الأول، خلاف الأفضل. وكذلك ما يعتاده بعضهم من قراءة جزء كامل في ست عشرة ركعة وتكرير قل هو الله أحد في الباقي. ثم رأيت عبارة بعض المتأخرين ناطقة بما قلناه، ونصها: وفعلها بالقرآن في جميع الشهر بأن يقرأ فيها كل ليلة جزءا أفضل من تكرير سورة الرحمن أو هل أتى على الإنسان أو سورة الإخلاص بعد كل سورة من التكاثر إلى

ويسن التهجد إجماعا، وهو التنفل ليلا بعد النوم. قال الله تعالى: * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * وورد في فضله أحاديث كثيرة، وكره لمعتاده تركه بلا ضرورة. ويتأكد أن لا يخل بصلاة في الليل بعد النوم ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ المسد كما اعتاده أهل مصر. اه. ومعلوم أن محل ذلك كله إذا كان يحفظ القرآن كله أو يحفظ بعضه. ويقرأ على ترتيب المصحف مع التوالي، فإن لم يحفظ إلا سورة واحدة فقط، الإخلاص أو غيرها، أتى بما حفظه ويبعد في حقه أن يقال أنه خلاف الأفضل والأولى، فتدبر. (قوله: ويسن التهجد) هو لغة: رفع النوم بالتكلف. واصطلاحا: ما ذكره الشارح. (قوله: فتهجد به نافلة لك) قال بعضهم: الباء للظرفية، أي فتهجد فيه. وفي التفسير: فتهجد به، أي صل به، أي بالقرآن، أي اقرأه في صلاتك فريضة نافلة لك، أي زائدة على الصلوات الخمس. كما في الجلال. فنافلة صفة لموصوف محذوف واقع مفعولا لتهجد وهو فريضة، لأن التهجد كان واجبا في صدر الإسلام. اه بجيرمي. (قوله: وورد في فضله) أي التهجد. (وقوله: أحاديث كثيرة)، منها: قوله عليه الصلاة والسلام: أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل. وقوله عليه الصلاة والسلام: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة لكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام. ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: يحشر الناس في صعيد واحد، فينادي مناد: أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون - وهم قليل - فيدخلون الجنة بغير حساب. وروي أن الجنيد رؤي في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك فقال: طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم ونفدت تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها عند السحر. ومعنى طاحت تلك الإشارات: أن إشاراته التي يشير بها للناس هلكت فلم يجد ثوابها. ومعنى غابت تلك العبارات: أن عباراته التي يعبر بها للمريدين تلاشت واضمحلت فلم يجد ثوابها أيضا. ومعنى فنيت تلك العلوم: أن العلوم التي يعلمها للتلامذة انعدمت فلم يجد ثوابها أيضا. ومعنى نفدت تلك الرسوم: أن الرسوم التي يرسمها للمبتدئين فرغت فلم يجد لها ثوابها. ومعنى وما نفعنا إلخ: أنه وجد ثوابها. والمقصود من ذلك أن هذه الأمور لم يجد لها ثوابا لاقترانها في الغالب بالرياء ونحوه، إلا الركيعات المذكورة للإخلاص فيها. وإنما قال رضي الله عنه ذلك حثا على التهجد وبيانا لشرفه، وإلا فيبعد على مثله اقتران عمله برياء أو نحوه مع كونه سيد الصوفية. قال القطب الغوث الحبيب عبد الله الحداد في نصائحه: واعلم أن قيام الليل من أثقل شئ على النفس، ولا سيما بعد النوم. وإنما يصير خفيفا بالاعتياد والمداومة والصبر على المشقة والمجاهدة في أول الأمر، ثم بعد ذلك ينفتح باب الأنس بالله تعالى وحلاوة المناجاة له ولذة الخلو به عزوجل، وعند ذلك لا يشبع الإنسان من القيام فضلا عن أن يستثقله أو يكسل عنه. كما وقع ذلك للصالحين من عباد الله حتى قال قائلهم: إن كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه بالليل إنهم لفي عيش طيب. وقال آخر: منذ أربعين سنة ما غمني شئ إلا طلوع الفجر. وقال آخر: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم. وقال آخر: لولا قيام الليل وملاقاة الإخوان في الله ما أحببت البقاء في الدنيا. وأخبارهم في ذلك كثيرة مشهورة. وقد صلى خلائق منهم الفجر بوضوء العشاء، رضي الله عنهم. أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده. فعليك رحمك الله بقيام الليل وبالمحافظة عليه وبالاستكثار منه، وكن من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما. واتصف ببقية أوصافهم التي وصفهم الله بها في هذه الآيات إلى آخرها. وإن عجزت عن الكثير من القيام بالليل فلا تعجز عن القليل منه، قال الله تعالى: * (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) * أي في القيام من الليل. وقال عليه السلام: عليكم بقيام الليل ولو ركعة وما أحسن وأجمل الذي يقرأ القرآن

ركعتين لعظم فضل ذلك. ولا حد لعدد ركعاته، وقيل: حدها ثنتا عشرة، وأن يكثر فيه من الدعاء والاستغفار. ونصفه الاخير آكد، وأفضله عند السحر لقوله تعالى: * (وبالاسحار هم يستغفرون) * وأن يوقظ من يطمع في تهجده. ويندب قضاء نفل مؤقت إذا فات كالعيد والرواتب والضحى، لا ذي سبب ككسوف وتحية وسنة ـــــــــــــــــــــــــــــ الكريم بالغيب أن يقرأ كل ليلة في قيامه بالليل شيئا منه، ويقرأه على التدريج من أول القرآن إلى آخره، حتى تكون له في قيام الليل ختمة إما في كل شهر أو في كل أربعين أو أقل من ذلك أو أكثر، على حسب النشاط والهمة. اه. (قوله: وكره لمعتاده تركه) أي التهجد، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنه: يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل ثم تركه. وحكى اليافعي عن الشيخ أبي بكر الضرير قال: كان في جواري شاب حسن يصوم النهار ولا يفطر، ويقوم الليل ولا ينام، فجاءني يوما وقال: يا أستاذ إني نمت عن وردي الليلة، فرأيت كأن محرابي قد انشق، وكأني بجوار قد خرجن من المحراب لم أر أحسن وجها منهن، وإذا فيهن واحدة شوهاء فوهاء لم أر أقبح منها منظرا، فقلت: لمن أنتن؟ ولمن هذه؟ فقلن: نحن لياليك التي مضين، وهذه ليلة نومك، ولو مت في ليلتك هذه لكانت هذه حظك. فشهق شهقة وخر ميتا، رحمة الله عليه. وحكي عن بعض الصالحين أنه قال: رأيت سفيان الثوري في النوم بعد موته فقلت له: كيف حالك يا أبا سعيد؟ فأعرض عني وقال: ليس هذا زمان الكنى. فقلت له: كيف حالك يا سفيان؟ فأنشأ يقول: نظرت إلى ربي عيانا فقال لي * * هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد لقد كنت قواما إذ الليل قد دجا * * بعبرة مشتاق وقلب عميد فدونك فاختر أي قصر تريده * * وزرني فإني عنك غير بعيد (قوله: ويتأكد أن لا يخل الخ) أي إن لا يتركها. اه ع ش. (قوله: لعظم فضل ذلك) أي الصلاة في الليل بعد النوم. (قوله: ولا حد لعدد ركعاته) أي لا تعيين لعدد ركعات التهجد. (قوله: وقيل حدها) أي ركعاته. (قوله: وأن يكثر فيه) أي ويتأكد أن يكثر في الليل من الدعاء والاستغفار، لخبر مسلم: إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيرا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه. وذلك كل ليلة، ولأن الليل محله الغفلة. (قوله: ونصفه) أي الليل. (وقوله: آكد) أي بالدعاء فيه والاستغفار. (قوله: وأفضله عند السحر) أي وأفضل ما ذكر من الدعاء والاستغفار أن يكون عند السحر. (وقوله: لقوله تعالى الخ) أي وللخبر الصحيح: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟. ومعنى ينزل: ينزل أمره أو ملائكته أو رحمته، أو هو كناية عن مزيد القرب المعنوي. (قوله: وأن يوقظ إلخ) أي ويتأكد أن يوقظ من يطمع في تهجده ليتهجد معه، لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * ولخبر الإمام أحمد وأبي داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه: رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء. رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقضت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء. ولخبر أبي داود والنسائي، عن أبي هريرة: إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ أهله وصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات. وإذا تأكد الإيقاظ للتهجد فللراتبة أولى، لا سيما إن ضاق وقتها. وعن عائشة رضي الله عنها: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بين يديه، فإذا بقي الوتر أيقظني فأوترت. (قوله: ويندب قضاء نفل مؤقت) وذلك لعموم خبر: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها. ولانه - صلى الله عليه وسلم - قضى بعد الشمس ركعتي الفجر، وبعد العصر الركعتين اللتين بعد الظهر. رواهما مسلم وغيره. ولخبر أبي داود بإسناد حسن: من نام عن وتره أو سنته فليصل إذا ذكره. اه شرح الروض. (قوله: لا ذي

وضوء. ومن فاته ورده - أي من النفل المطلق - ندب له قضاؤه، وكذا غير الصلاة، ولا حصر للنفل المطلق، وله أن يقتصر على ركعة بتشهد مع سلام بلا كراهة، فإن نوى فوق ركعة فله التشهد في كل ركعتين وفي ثلاث وأربع فأكثر، أو نوى قدرا فله زيادة ونقص إن نويا قبلهما وإلا بطلت صلاته. فلو نوى ركعتين فقام إلى ثالثة ـــــــــــــــــــــــــــــ سبب) أي لا يندب قضاء نفل ذي سبب، وذلك لأن فعله لعارض السبب وقد زال فلا يقضى. وقوله: ككسوف هو تمثيل لذي السبب على تقديره مضاف، أي صلاته. ويحتمل أن يكون تمثيلا للسبب نفسه، لكن يعكر عليه ما بعده فإنهما لذي السبب. ومثلها صلاة الاستسقاء. قال في فتح الجواد: وسنها فيما لو سقوا قبلها إنما هو لطلب الاستزادة لا للقضاء. اه. (قوله: ندب له قضاؤه) أي لئلا تميل نفسه إلى الدعة والرفاهية. (قوله: وكذا غير الصلاة) أي وكذلك يندب قضاء الورد الفائت من غير الصلاة لما قدمنا. (قوله: ولا حصر للنفل المطلق) هو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: الصلاة خير موضوع استكثر منها أو أقل رواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما. (قوله: وله) أي للمنتفل نفلا مطلقا. (قوله: أن يقتصر على ركعة) قال ع ش: بأن ينويها أو يطلق في نيته ثم يسلم منها. اه. (قوله: بلا كراهة) عبارة الروض وشرحه: وفي كراهة الاقتصار على ركعة فيما لو أحرم مطلقا وجهان، أحدهما: نعم. بناء على القول بأنه إذا نذر صلاة لا تكفيه ركعة. والثاني: لا. بل قال في المطلب الذي يظهر استحبابه: خروجا من خلاف بعض أصحابنا، وإن لم يخرج من خلاف أبي حنيفة من أنه يلزم بالشروع ركعتان. اه. (قوله: فإن نوى فوق ركعة) مقابل لمحذوف، أي له الإقتصار على ركعة إن نواها وأطلق، فإن نوى فوق ركعة - أي نوى عددا فوق ركعة - فله أن يتشهد بلا سلام في كل ركعتين، وهو أفضل، كالرباعية، وفي كل ثلاث وكل أربع أو أكثر، لأن ذلك معهود في الفرائض في الجملة. فإن قلت: عهد التشهد عقب الثانية كالصبح، وعقب الثلاثية كالمغرب، وعقب الرابعة كالعصر، وأما عقب الخامسة فلم يعهد! قلت: ذلك مدفوع بقولهم: في الجملة. وأفهم قول الشارح: فله أن يتشهد: أن له الإقتصار على تشهد واحد آخر صلاته، وهو كذلك. لأنه لو اقتصر عليه في الفريضة لجاز. وهذا التشهد ركن كسائر التشهدات الأخيرة، فإن أتى بتشهدين قرأ السورة فيما قبل التشهد الأول، أو بتشهد واحد قرأها في جميع الركعات. وأفهم أيضا قوله: في كل ركعتين: أنه لا يجوز له التشهد من غير سلام في كل ركعة، وهو كذلك إذ لم يعهد له نظير أصلا. وقوله: في كل ركعتين أي بعد كل ركعتين. ومثله يقال فيما بعده كما هو ظاهر. قال ع ش: ولا يشترط تساوي الأعداد قبل كل تشهد، فله أن يصلي ركعتين ويتشهد، ثم ثلاثا ويتشهد، ثم أربعا. وهكذا. اه. (قوله: أو نوى قدرا) أي عددا معينا. ولو حذفه وقال وله زيادة ونقص. عطفا على قوله فله التشهد، لكان أولى. لأن العطف يقتضي أن نيته قدرا مغايرا لنيته فوق ركعة، مع أنه عينه ثم ظهر أنه ليس عينه بل هو أعم منه، لأن نيته قدرا صادق بركعة وبأكثر، بخلاف نيته فوق ركعة فإنه خاص بما زاد عليها. فتنبه. (وقوله: إن نويا) أي الزيادة والنقص. وقوله: قبلهما أي للزيادة والنقص، وهو على التوزيع. أي نوى الزيادة قبل الإتيان بها، ونوى النقص قبل أن يشرع فيه، كأن نوى ركعتين ثم قبل السلام نوى الزيادة فقام وأتى بها، أو نوى أربعا عند رفع رأسه من السجدة الثانية نوى الاقتصار على ركعتين، فإنه يصح ذلك، بخلاف ما لو فعل الزيادة قبل أن ينويها أو فعل النقص قبل أن ينويه فإنه يبطل الصلاة. وعبارة الروض وشرحه: فإن نوى أربعا وسلم من ركعتين أو من ركعة، أو قام إلى خامسة عامدا قبل تغيير النية، بطلت صلاته لمخالفته ما نواه بغير نية، لأن الزيادة صلاة ثانية فتحتاج إلى نية. ولهذا لو كان المصلي متيمما ورأى الماء لم يجز له الزيادة. اه. (قوله: وإلا بطلت صلاته) أي وإن لم ينوهما قبلهما بطلت صلاته، أي إن كان عامدا عالما. (قوله: فلو نوي ركعتين الخ) تفريع على قوله وإلا بطلت صلاته. وهو كالتقييد له، فكأنه قال: محل البطلان إذا فعل

سهوا ثم تذكر فيقعد وجوبا، ثم يقوم للزيادة إن شاء ثم يسجد للسهو آخر صلاته. وإن لم يشأ قعد وتشهد وسجد للسهو وسلم. ويسن للمتنفل ليلا أو نهارا أن يسلم من كل ركعتين، للخبر المتفق عليه: صلاة الليل مثنى مثنى. وفي رواية صحيحة: والنهار. قال في المجموع: إطالة القيام أفضل من تكثير الركعات. وقال فيه أيضا: أفضل النفل عيد أكبر، فأصغر، فكسوف. فخسوف، فاستسقاء، فوتر، فركعتا فجر، فبقية الرواتب، فجميعها في مرتبة واحدة. فالتراويح، فالضحى، فركعتا الطواف والتحية والاحرام، فالوضوء. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك عمدا، فإن كان سهوا بأن قام من نوى ركعتين لثالثة سهوا فلا تبطل صلاته، لكن يجب عليه عند التذكر أن يقعد، ثم إن شاء الزيادة نواها وقام. (وقوله: ثم تذكر) أي أنه لم ينو إلا ركعتين، وأن قيامه هذا سهو. (وقوله: فيقعد وجوبا) أي لأن ما أتى به وقع لغوا. (وقوله: إن شاء) مفعوله محذوف، أي شاء الزيادة قبل قيامه. (وقوله: ثم يسجد للسهو آخر صلاته) لأنه أتى بما يبطل عمده. (قوله: وإن لم يشأ) أي الزيادة. (وقوله: قعد) أي دام على قعوده. ولو حذفه واقتصر على قوله تشهد وما بعده لكان أولى. (قوله: ويسن للمتنفل) أي نفلا مطلقا. ولو قال كما في الروض: والأفضل له أن يسلم الخ لكان أولى، لأنه مرتبط بقوله وله أن يقتصر إلخ. وليفيد الأفضلية. (وقوله: أن يسلم من كل ركعتين) قال في التحفة: بأن ينويهما ابتداء أو يقتصر عليهما فيما إذا أطلق أو نوى أكثر منهما بشرط تغيير النية، لكن في هذه تردد، إذ لا يبعد أن يقال بقاؤه على منويه أولى. اه. (قوله: مثنى مثنى) أي اثنان اثنان. والثاني تأكيد لدفع توهم إرادة اثنين فقط. اه ق ل. (قوله: وفي رواية صحيحة والنهار) أي زيادة على الليل. (قوله: إطالة القيام) أي في كل الصلوات. (وقوله: أفضل من تكثير الركعات) أي للخبر الصحيح: أفضل الصلاة طول القنوت، أي القيام. ولأن ذكره القرآن، وهو أفضل من ذكر غيره. فلو صلى شخص عشرا وأطال قيامها، وصلى آخر عشرين في ذلك الزمن، كانت العشر أفضل. وقيل إن العشرين أفضل. ويرجحه قاعدة أن الفرض أفضل من النفل، وأن ما يتجزأ من الواجب يقع القدر المجزئ منه فرضا، وما عداه نفلا. وهي كلها أو غالبها يقع واجبا بخلاف العشر. أفاده ابن حجر وباعشن في شرحي بافضل. وتقدم عن ع ش في مبحث ركن القيام أن العشرين أفضل، ونص عبارته بعد كلام: أما لو كانت الكل من قيام، واستوى زمن العشر والعشرين، فالعشرون أفضل لما فيها من زيادة الركوعات والسجودات مع اشتراك الكل في القيام. اه. (قوله: وقال) أي النووي. (وقوله: فيه) أي في المجموع. (قوله: أفضل النفل عيد أكبر فأصغر) أفاد أن العيدين أفضل مما بعدهما وذلك لشبههما الفرض في ندب الجماعة وتعين الوقت، وللخلاف في أنهما فرضا كفاية. وأما خبر مسلم: أفضل صلاة بعد الفريضة صلاة الليل فمحمول على النفل المطلق. وأفاد أيضا أن العيد الأكبر وهو عيد الأضحى، أفضل من العيد الأصغر. قال في شرح الروض: وعن ابن عبد السلام أن عيد الفطر أفضل. وكأنه أخذه من تفضيلهم تكبيره على تكبير الأضحى، لأنه منصوص عليه بقوله تعالى: * (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) * قال الزركشي: لكن الأرجح في النظر ترجيح عيد الأضحى، لأنه في شهر حرام وفيه نسكان، الحج والأضحية. وقيل لأن عشره أفضل من العشر الأخير من رمضان. اه. (قوله: فكسوف الخ) أي ثم يتلو العيدين في الأفضلية الكسوفان، وذلك للاتفاق على مشروعيتهما، بخلاف الاستسقاء فإن أبا حنيفة ينكره. (وقوله: فخسوف) أي ثم يتلو الكسوف الخسوف، وإنما كان الأول أفضل من الثاني لتقدم الشمس على القمر في القرآن، ولأن الانتفاع بها أكثر من الانتفاع به. (وقوله: فاستسقاء) أي ثم يتلو الكسوفين في الفضيلة الاستسقاء، لتأكد طلب الجماعة فيها. (قوله: فوتر) أي ثم يتلو الاستسقاء فيها الوتر، لأنه قيل بوجوبه. (قوله: فركعتا فجر) أي ثم يتلو الوتر فيها ركعتا الصبح، أي سنته، لما صح من شدة مثابرته - صلى الله عليه وسلم - عليهما أكثر من غيرهما. ومن قوله: إنهما خير من الدنيا وما فيها. (قوله: فبقية الرواتب) أي ثم يتلو ما ذكر بقية الرواتب، الصلاة القبلية والبعدية، لمواظبته - صلى الله عليه وسلم - عليها. (قوله: فجميعها في مرتبة واحدة) أي أن الرواتب الباقية كلها في مرتبة

(فائدة) أما الصلاة المعروفة ليلة الرغائب ونصف شعبان ويوم عاشوراء فبدعة قبيحة، وأحاديثها موضوعة. ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدة. ولو قال وهي - أي البقية - في مرتبة واحدة لكان أولى، إذ عبارته توهم أن ضمير جميعها يعود على الرواتب لا على البقية. (قوله: فالتراويح) أي ثم يتلو بقية الرواتب التراويح، لمشروعية الجماعة فيها. (قوله: فالضحى) أي ثم يتلو التراويح الضحى، لشبهها بالفرض في تعيين الوقت. (قوله: فركعتا الطواف الخ) أي ثم يتلو الضحى ركعتا الطواف والتحية والإحرام، وظاهر عبارته أن الثلاثة في مرتبة واحدة، وليس كذلك، بل ركعتا الطواف أفضل من ركعتي الإحرام والتحية للخلاف في وجوبهما، وركعتا التحية أفضل من ركعتي الإحرام أيضا لتقدم سببهما وهو دخول المسجد. فلو قال كالذي قبله فركعتا الطواف فالتحية فالإحرام لكان أولى، لكون الفاء تفيد الترتيب بينها في الأفضلية. (قوله: فالوضوء) أي ثم يتلو الجميع سنة الوضوء. وسكت عن النفل المطلق، وهو يتلو سنة الوضوء كما صرح به في التحفة والنهاية. (قوله: فائدة: أما الصلاة المعروفة ليلة الرغائب إلخ) قال المؤلف في إرشاد العباد: ومن البدع المذمومة التي يأثم فاعلها ويجب على ولاة الأمر منع فاعلها: صلاة الرغائب اثنتا عشرة ركعة بين العشاءين ليلة أول جمعة من رجب. وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة، وصلاة آخر جمعة من رمضان سبعة عشر ركعة، بنية قضاء الصلوات الخمس التي لم يقضها. وصلاة يوم عاشوراء أربع ركعات أو أكثر. وصلاة الأسبوع، أما أحاديثها فموضوعة باطلة، ولا تغتر بمن ذكرها. اه. وممن ذكرها الغزالي في الإحياء، ونص عبارته: أما صلاة رجب فقد روي بإسناد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما من أحد يصوم أول خميس من رجب، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات وقل هو الله أحد اثنتي عشرة، فإذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة، ويقول: اللهم صل على النبي الأمي وعلى آله. ثم يسجد ويقول في سجوده، سبعين مرة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح. ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، فإنك أنت العلي الأعظم. ثم يسجد سجدة أخرى ويقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى. ثم يسأل حاجته في سجوده، فإنها تقضى. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يصلي أحد هذه الصلاة إلا غفر له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزن الجبال وورق الأشجار، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار. فهذه صلاة مستحبة، وإنما أوردناها في هذا القسم لأنها تتكرر بتكرر السنين، وإن كان لا تبلغ رتبتها رتبة صلاة التراويح وصلاة العيدين، لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد. ولكن رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها ولا يسمحون بتركها فأحببت إيرادها. وأما صلاة شعبان فهي أن يصلي في ليلة الخامس عشر منه مائة ركعة، كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة. وإن شاء صلى عشر ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد مائة مرة، فهذه أيضا مروية في جملة الصلوات، كان السلف يصلون هذه الصلاة ويسمونها صلاة الخير، ويجتمعون فيها، وربما صلوها جماعة. وروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: حدثني ثلاثون من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من صلى هذه الصلاة في هذه الليلة نظر الله تعالى إليه سبعين نظرة، وقضى له بكل نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة. اه. قال العلامة الكردي: واختلف العلماء فيها، فمنهم من قال لها طرق إذا اجتمعت وصل الحديث إلى حد يعلم به في فضائل الأعمال. ومنهم من حكم على حديثها بالوضع، ومنهم النووي، وتبعه الشارح في كتبه. وقد أفرد الشارح الكلام على ذلك في تأليف مستقل سماه الإيضاح والبيان فيما جاء في ليلة الرغائب والنصف من شعبان. وقد أشبع الكلام فيه على ذلك، فراجعه منه إن أردته. اه. (قوله: فبدعة قبيحة) في الأذكار ما نصه: ذكر الشيخ الإمام أبو محمد بن عبد السلام رحمه الله. في كتابه القواعد، أن البدع على خمسة أقسام: واجبة، ومحرمة، ومكروهة، ومستحبة، ومباحة. قال: ومن أمثلة البدع المباحة

قال شيخنا: كابن شبهة وغيره. وأقبح منها ما اعتيد في بعض البلاد من صلاة الخمس في الجمعة الاخيرة من رمضان عقب صلاتها زاعمين أنها تكفر صلوات العام أو العمر المتروكة، وذلك حرام. (والله أعلم). وصلى الله على سيدنا محمد النبي الامي وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين. وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ـــــــــــــــــــــــــــــ المصافحة عقب الصبح والعصر. والله أعلم. اه. وقوله: واجبة. من أمثلتها تدوين القرآن والشرائع إذا خيف عليها الضياع. فإن التبليغ لمن بعدنا من القرون واجب إجماعا، وإهماله حرام إجماعا. وقوله: ومحرمة. من أمثلتها المحدثات من المظالم كالمكوس. وقوله: ومكروهة. من أمثلتها زخرفة المساجد، وتخصيص ليلة الجمعة بقيام. وقوله: ومستحبة. من أمثلتها فعل صلاة التراويح بالجماعة، وبناء الربط والمدارس، وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول. وقوله: ومباحة. من أمثلتها ما ذكره. وقال ابن حجر في فتح المبين، في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، ما نصه: قال الشافعي رضي الله عنه: ما أحدث وخالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو أثرا فهو البدعة الضالة، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئا من ذلك فهو البدعة المحمودة. والحاصل أن البدع الحسنة متفق على ندبها، وهي ما وافق شيئا مما مر، ولم يلزم من فعله محذور شرعي. ومنها ما هو فرض كفاية، كتصنيف العلوم. قال الإمام أبو شامة شيخ المصنف رحمه الله تعالى: ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل في كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده - صلى الله عليه وسلم -: من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء يشعر بمحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه وجلالته في قلب فاعل ذلك، وشكر الله تعالى على ما من به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين - صلى الله عليه وسلم -. وأن البدع السيئة، وهي ما خالف شيئا من ذلك صريحا أو التزاما، قد تنتهي إلى ما يوجب التحريم تارة والكراهة أخرى، وإلى ما يظن أنه طاعة وقربة. فمن الأول الانتماء إلى جماعة يزعمون التصوف ويخالفون ما كان عليه مشايخ الطريق من الزهد والورع وسائر الكمالات المشهورة عنهم، بل كثير من أولئك إباحية لا يحرمون حراما، لتلبيس الشيطان عليهم أحوالهم الشنيعة القبيحة، فهم باسم الكفرة أو الفسق أحق منهم باسم التصوف أو الفقر. ومنه الصلاة ليلة الرغائب أول جمعة من رجب، وليلة النصف من شعبان. ومنه الوقوف ليلة عرفة أو المشعر الحرام، والاجتماع ليالي الختوم آخر رمضان، ونصب المنابر والخطب عليها، فيكره ما لم يكن فيه اختلاط الرجال بالنساء بأن تتضام أجسامهم. فإنه حرام وفسق. قيل: ومن البدع صوم رجب، وليس كذلك بل هو سنة فاضلة، كما بينته في الفتاوي وبسطت الكلام عليه. اه. بحذف. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. وقد تم تحرير الجزء الأول من الحاشية المباركة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، يوم الأحد المبارك في التاسع والعشرين من شهر ذي القعدة عام ثمانية وتسعين بعد الألف والمائتين، على يد مؤلفها راجي الغفران من ربه ذي العطا أبي بكر ابن المرحوم محمد شطا الدمياطي الشافعي، غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولمحبيه ولجميع المسلمين. المشعر الحرام، والاجتماع ليالي الختوم آخر رمضان، ونصب المنابر والخطب عليها، فيكره ما لم يكن فيه اختلاط الرجال بالنساء بأن تتضام أجسامهم. فإنه حرام وفسق. قيل: ومن البدع صوم رجب، وليس كذلك بل هو سنة فاضلة، كما بينته في الفتاوي وبسطت الكلام عليه. اه. بحذف. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. وقد تم تحرير الجزء الأول من الحاشية المباركة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، يوم الأحد المبارك في التاسع والعشرين من شهر ذي القعدة عام ثمانية وتسعين بعد الألف والمائتين، على يد مؤلفها راجي الغفران من ربه ذي العطا أبي بكر ابن المرحوم محمد شطا الدمياطي الشافعي، غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولمحبيه ولجميع المسلمين. وأرجو الله الكريم المنان بجاه سيدنا محمد سيد ولد عدنان أن يرزقنا رضاه، وأن يصحح منا ما أفسدناه، وأن يمن علينا بقربه، وأن يتحفنا بحقائق حبه، وأن لا يجعل أعمالنا حسرة علينا وندامة. وأن يجعلنا مع ساداتنا في أعلى فراديس الكرامة. وأن يعيننا على التمام كما أعاننا على الابتداء. فإنه مجيب الدعاء، لا يرد من قصده واعتمد عليه، ولا من عول في جميع أموره عليه. ولذة الخلو به عزوجل، وعند ذلك لا يشبع الإنسان من القيام فضلا عن أن يستثقله أو يكسل عنه. كما وقع ذلك للصالحين من عباد الله حتى قال قائلهم: إن كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه بالليل إنهم لفي عيش طيب. وقال آخر: منذ أربعين سنة ما غمني شئ إلا طلوع الفجر. وقال آخر: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم. وقال آخر: لولا قيام الليل وملاقاة الإخوان في الله ما أحببت البقاء في الدنيا. وأخبارهم في ذلك كثيرة مشهورة. وقد صلى خلائق منهم الفجر بوضوء العشاء، رضي الله عنهم. أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده. فعليك رحمك الله بقيام الليل وبالمحافظة عليه وبالاستكثار منه، وكن من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما. واتصف ببقية أوصافهم التي وصفهم الله بها في هذه الآيات إلى آخرها. وإن عجزت عن الكثير من القيام بالليل فلا تعجز عن القليل منه، قال الله تعالى: * (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) * أي في القيام من الليل. وقال عليه السلام: عليكم بقيام الليل ولو ركعة وما أحسن وأجمل الذي يقرأ القرآن الكريم بالغيب أن يقرأ كل ليلة في قيامه بالليل شيئا منه، ويقرأه على التدريج من أول القرآن إلى آخره، حتى تكون له في قيام الليل ختمة إما في كل شهر أو في كل أربعين أو أقل من ذلك أو أكثر، على حسب النشاط والهمة. اه.

فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين لزين الدين بن عبد العزيز المليباري الفناني الجزء الثاني دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر الطبعة الاولى 1418 هـ / 1997 م حارة حربك - شارع عبد النور - برقيا: فكسي - صحب 7061/ 11 تلفون: 838305/ 838202 / 838136 فاكس 009611837898 دولي: 009611860962

" من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " " حديث شريف " بسم الله الرحمن الرحيم فصل في صلاة بالجماعة (1) ـــــــــــــــــــــــــــــ بسم الله الرحمن الرحيم فصل في صلاة الجماعة (1) أي في بيان ما يتعلق بالصلاة من حيث الجماعة، من: شروطها، وآدابها، ومكروهاتها، ومسقطاتها، وحقيقة الجماعة هنا: الارتباط الحاصل بين الإمام والمأموم، ولو واحدا، وهي من خصائص هذه الأمة، كالجمعة والعيدين، والكسوفين، والاستسقاء. قال المناوي: وحكمة مشروعيتها: قيام نظام الألفة بين المصلين، ولذا شرعت المساجد في المحال ليحصل التعاهد باللقاء في أوقات الصلاة بين الجيران، ولأنه قد يعلم الجاهل من العالم ما يجهله من أحكامها، ولأن مراتب الناس متفاوتة في العبادة، فتعود بركة الكامل على الناقص، فتكمل صلاة الجميع. اه. وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة، منها: الخبر المتفق عليه الآتي، ومنها: ما رواه الطبراني عن أنس: من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة: فهي كحجة، ومن مشى إلى الصلاة تطوع: فهي كعمرة نافلة. ومنها: ما رواه الترمذي عن أنس أيضا: من صلى أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان، براءة من النار، وبراءة من النفاق. وفي (المنح السنية على الوصية المتبولية) للقطب الشعراني ما نصه: وقد كان السلف يعدون فوات صلاة الجماعة مصيبة. وقد وقع أن بعضهم خرج إلى حائط له - يعني حديقة نخل - فرجع وقد صلى الناس صلاة العصر، فقال: إنا لله فاتتني صلاة الجماعة أشهدكم علي أن حائطي على المساكين صدقة. وفاتت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما صلاة العشاء في الجماعة، فصلى تلك الليلة حتى طلع الفجر جبرا لما فاته من صلاة العشاء في الجماعة. وعن عبيد الله بن عمر القواريري رحمه الله تعالى قال: لم تكن تفوتني صلاة في الجماعة، فنزل بي ضيف، فشغلت بسببه عن صلاة العشاء في المسجد، فخرجت أطلب المسجد لأصلي فيه مع الناس، فإذا المساجد كلها قد

_ (1) ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم كثير من الاحاديث في فضل صلاة الجماعة والحث عليها وبيان فضلها " عن أبي سعيد الخدرى أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " أخرجه البخاري في صحيحه الحديث رقم 646 ط دار الفكر. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحديث الذي تقدم، رواه البخاري الحديث رقم 645 ط دار الفكر وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الجميع تژيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة فان أحدكم المسجد كان في صلاة ما كانت تحبه وتصلي يعنى عليه الملائكة ما دام فص مجلسه الذي يصلي فيه اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه " اخرجه الخاري في صحيحه الحديث رقم 477 ط دار الفكر. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه " صلاة في الجماعة تضعف فئ صلاته في بيته الحديث " أخرجه البخاري في صحيحه الحديث رقم 647

وشرعت بالمدينة. وأقلها إمام ومأموم، وهي في الجمعة، ثم في صبحها، ثم الصبح، ثم العشاء، ثم العصر، ثم الظهر، ثم المغرب أفضل. (صلاة الجماعة في أداء مكتوبة) لا جمعة (سنة مؤكدة) للخبر المتفق عليه: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة. والافضلية تقتضي الندبية فقط، وحكمة ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى أهلها وغلقت، فرجعت إلى بيتي وأنا حزين على فوات صلاة الجماعة، الجماعة تزيد على صلاة الفذ سبعا وعشرين. فصليت العشاء سبعا وعشرين مرة، ثم نمت، فرأيتني في المنام على فرس مع قوم على خيل، وهم أمامي وأنا أركض فرسي خلفهم فلا ألحقهم، فالتفت إلي واحد منهم وقال: تتعب فرسك فلست تلحقنا. فقلت: ولم يا أخي؟ قال: لأنا صلينا العشاء في الجماعة، وأنت قد صليت وحدك فاستيقظت وأنا مهموم حزين. وقال بعض السلف: ما فاتت أحدا صلاة الجماعة إلا بذنب أصابه. وقد كانوا يعزون أنفسهم سبعة أيام إذا فاتت أحدهم صلاة الجماعة، وقيل ركعة، ويعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى مع الإمام، فاعلم ذلك يا أخي. اه. (قوله: وشرعت) أي الجماعة. وقوله: بالمدينة أي لا بمكة، لقهر الصحابة بها. وفي المغني ما نصه: مكث - صلى الله عليه وسلم - مدة مقامه بمكة ثلاث عشرة سنة يصلي بغير جماعة، لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مقهورين يصلون في بيوتهم، فلما هاجر إلى المدينة أقام الجماعة وواظب عليها، وانعقد الإجماع عليها. اه. واستشكل ذلك بصلاته - صلى الله عليه وسلم - والصحابة صبيحة الإسراء جماعة مع جبريل، وبصلاته - صلى الله عليه وسلم - بعلي وبخديجة، فكان أول فعلها بمكة، وكان يصلي بها - صلى الله عليه وسلم - جماعة. وأجيب بأن المراد يصلي بغير جماعة، أي ظاهرة أو مع المواظبة. (قوله: وأقلها) أي الجماعة. وقوله: إمام ومأموم هذا مأخوذ من قوله - صلى الله عليه وسلم -: الجماعة إمام ومأموم. أي سواء كان الرجل مع ولده أو زوجته أو رقيقه. قال ابن الرفعة: لا يقال المشهور من مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه أن أقل الجمع ثلاث، لأنا نقول الحكم هنا على الاثنين بالجماعة أمر شرعي مأخذه التوقيف. وأقل الجمع ثلاثة بحث لغوي مأخذه اللسان. اه. ثم إن محل كون أقلها ما ذكر: في غير جماعة الجمعة، أما هي: فلا بد فيها من أربعين. (قوله: ثم في صبحها) أي ثم الجماعة في صبح الجمعة أفضل، لخبر: ما من صلاة أفضل من صلاة الفجر يوم الجمعة في جماعة، وما أحسب من شهدها منكم إلا مغفورا له. رواه الطبراني وصححه. وفي سم على المنهج: ولا يبعد أن كلا من عشاء الجمعة ومغربها وعصرها جماعة آكد من عشاء ومغرب وعصر غيرها - على قياس ما قيل في صبحها. اه. (قوله: ثم الصبح) أي في سائر الأيام، وذلك لأن الجماعة فيه أشق منها في بقية الصلوات، وللخبر الآتي. (قوله: ثم العشاء) أي لأنها أشق بعد الصبح، ولما رواه مسلم: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله. (قوله: ثم العصر) أي لأنها الصلاة الوسطى عند الجمهور. (قوله: صلاة الجماعة) أي الصلاة من حيث الجماعة، وبما ذكر اندفع ما قيل إن الصلاة واجبة مطلقا، سواء وقعت في جماعة أم لا، فلا يصح الإخبار بأنها سنة .. وحاصل الدفع أن المراد أنها سنة من حيث الجماعة، لا من حيث ذاتها. (قوله: في أداء مكتوبة) سيذكر محترز قوله في أداء، وقوله: مكتوبة. وإنما قيد بالثاني، مع أن الجماعة تسن في غيرها أيضا كالعيدين، والتروايح، لأجل الخلاف الذي سيذكره، فإنه لا يجرى إلا فيها. وأما في غيرها فهي سنة بالاتفاق. (قوله: لا جمعة) أما الجماعة فيها ففرض عين، كما يعلم من بابها. (قوله: سنة) أي سنة عين حتى على النساء، إلا أنها لا تتأكد في حقهن كتأكدها على الرجال، كما سيأتي. (قوله: للخبر المتفق عليه) دليل للسنية. (قوله: من صلاة الفذ) بالفاء والذال المعجمة، أي المنفرد. (قوله: بسبع وعشرين) في رواية: بخمس وعشرين. قال في شرح الروض: ولا منافاة، لأن القليل لا ينفي الكثير، أي الأخبار بالقليل لا ينافي الإخبار بالكثير، أو أنه أخبر أولا بالقليل. ثم أخبره الله بزيادة الفضل فأخبر بها، أو أن ذلك يختلف باختلاف أحوال المصلين. (قوله: درجة) قال ابن دقيق العيد: الأظهر أن المراد بالدرجة الصلاة، لأنه

السبع والعشرين: أن فيها فوائد تزيد على صلاة الفذ بنحو ذلك. وخرج بالاداء القضاء. نعم، إن اتفقت مقضية الامام والمأموم سنت الجماعة، وإلا فخلاف الاولى، كأداء خلف قضاء، وعكسه، وفرض خلف نفل، وعكسه، وتراويح خلف وتر، وعكسه. وبالمكتوبة: المنذورة، والنافلة، فلا تسن فيهما الجماعة، ولا تكره. قال النووي: والاصح أنها فرض كفاية للرجال البالغين الاحرار المقيمين في المؤاداة فقط، بحيث يظهر شعارها ـــــــــــــــــــــــــــــ ورد كذلك في بعض الروايات. وفي بعضها التعبير بالضعف، وهو مشعر بذلك أيضا. (قوله: تقتضي الندبية فقط) أي ولا تقتضي الفرضية. (قوله: وحكمة السبع والعشرين الخ) قال في النهاية: وحكمة كونها سبعا وعشرين - كما أفاده السراج البلقيني - أن الجماعة ثلاثة، والحسنة بعشر أمثالها، فقد حصل لكل واحد عشرة، فالجملة ثلاثون، لكل واحد رأس ماله واحد، يبقى تسعة، تضرب في ثلاثة بسبع وعشرين، وربنا جل وعلا يعطي كل إنسان ما للجماعة، فصار لكل واحد سبعة وعشرون. وحكمة أن أقل الجماعة اثنان: أن ربنا جل وعلا يعطيهما بمنه وكرمه ما يعطي الثلاثة. اه. (قوله: إن فيها) أي في الجماعة. (وقوله: فوائد تزيد على صلاة الفذ) وهي تعيين الأسباب المقتضية للدرجات إجابة المؤذن بنية الصلاة في جماعة، والتبكير إليها في أول الوقت، والمشي إلى المسجد بالسكينة، ودخول المسجد داعيا، وصلاة التحية عند دخوله، كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة. وانتظار الجماعة، وصلاة الملائكة عليه وشهادتهم له، وإجابة الإقامة والسلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة، والوقوف منتظرا إحرام الإمام، وإدراك تكبيرة الإمام معه، وتسوية الصفوف وسد فرجها، وجواب الإمام عند قوله: سمع الله لمن حمده، والأمن من السهو غالبا، وتنبيه الإمام إذا سها، وحصول الخشوع، والسلامة مما يلهي غالبا، وتحسين الهيئة غالبا، واحتفاف الملائكة به، والتدرب على تجويد القرآن، وتعلم الأركان والأبعاض، وإظهار شعار الإسلام، وإرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة، والتعاون على الطاعة، ونشاط المتكاسل، والسلامة من صفة النفاق، ومن إساءة الظن به أنه ترك الصلاة، ونية رد السلام على الإمام، والانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر، وعود بركة الكامل على الناقص، وقيام نظام الألفة بين الجيران، وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات. فهذه خمس وعشرون خصلة، ورد في كل منها أمر أو ترغيب. وبقي أمران يختصان بالجهرية، وهما: الإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها، والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة. وبهذا يترجح أن رواية السبع تختص بالجهرية. أفاده في الكردي نقلا عن الحافظ ابن حجر. (قوله: وخرج بالأداء القضاء) أي فلا تسن فيه الجماعة. (قوله: نعم، إن اتفقت مقضية الإمام والمأموم) تقييد لعدم سنية الجماعة في القضاء، والمراد باتفاق ذلك: اتفاق شخصه كظهر وظهر، لا ظهر وعصر أو عشاء، لأنهما مختلفان شخصا وإن اتفقا عددا. (وقوله: سنت الجماعة) أي لما في الصحيحين: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بالصحابة جماعة حين فاتتهم في الوادي. (قوله: وإلا) أي وإن لم تتفق مقضيتهما شخصا فهي خلاف الأولى ولا تكره. (قوله: كأداء خلف الخ) الكاف للتنظير في أن الجماعة في ذلك خلاف الأولى. (قوله: المنذورة) أي إلا إن كانت الجماعة فيها مندوبة قبل النذر - كالعيد - فتستمر على سنيتها، وتحب الجماعة فيها إذا نذرها. اه بجيرمي. (قوله: والنافلة) أي التي لا تسن الجماعة فيها كالرواتب والضحى. (قوله: قال النووي الخ) مقابل قوله سنة، ودليله خبر: ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيها الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان أي غلب. رواه ابن حبان وغيره وصححوه، ففي الحديث الوعيد على ترك الجماعة. ودل قوله: لا تقام فيهم الجماعة على أنها فرض كفاية، ولو كانت فرض عين لقال: لا يقيمون. وقوله: فرض كفاية أي في الركعة الأولى فقط، لا في جميع الصلاة وفرض الكفاية هو عبارة عن كل مهم يقصد حصوله من المكلف من غير نظر بالذات إلى فاعله، فخرج فرض العين، فإنه منظور فيه بالذات إلى فاعله، حيث قصد حصوله من كل مكلف، ولم يكتف فيه بقيام غيره به عنه. اه بجيرمي. (قوله: للرجال إلخ) خرج بهم النساء والخناثى. وقوله: البالغين خرج بهم الصبيان. وقوله: الأحرار خرج بهم الأرقاء. وقوله: المقيمين خرج بهم المسافرون. وقوله: في المؤداة خرج بها ما عداها. وزيد على ذلك شرطان: أن يكونوا مستورين، وأن يكونوا غير معذورين. وخرج بذلك العراة والمعذورون بشئ من أعذار الجماعة.

بمحل إقامتها، وقيل إنها فرض عين - وهو مذهب أحمد - وقيل شرط لصحة الصلاة، ولا يتأكد الندب للنساء تأكده للرجال، فلذلك يكره تركها لهم، لا لهن. والجماعة في مكتوبة - لذكر - بمسجد أفضل، نعم، إن وجدت في بيته فقط فهو أفضل، وكذا لو كانت فيه أكثر منها في المسجد - على ما اعتمده الاذرعي وغيره -. قال شيخنا: والاوجه خلافه، ولو تعارضت فضيلة الصلاة في المسجد والحضور خارجه: قدم - فيما يظهر - لان الفضيلة ـــــــــــــــــــــــــــــ ففي الجميع ليست الجماعة فرض كفاية. (قوله: بحيث يظهر شعارها) أي الجماعة. والجار والمجرور متعلق بمحذوف، أي ويحصل فرض الكفاية بحيث - أي بحالة هي - ظهور الشعار. وفي التحفة: الشعار، بفتح أوله وكسره لغة: العلامة، والمراد به هنا - كما هو ظاهر - ظهور أجل علامات الإيمان وهي الصلاة، بظهور أجل صفاتها الظاهرة، وهي الجماعة اه. وقوله: بمحل إقامتها أي الجماعة. ويختلف ظهور الشعار فيه باختلافه كبرا وصغرا. ففي القرية الصغيرة عرفا يكفي إقامتها في محل، وفي الكبيرة والبلد تقام في محال بحيث يمكن قاصدها أن يدركها من غير كثير تعب. والمدار على ظهور الشعار ولو بطائفة قليلة، ولا يشترط إقامتها بجمهورهم، فإن أقاموها في الأسواق أو في البيوت وإن ظهر بها الشعار، أو في غيرهما ولم يظهر، أثم الكل، وقوتلوا. (قوله: وقيل إنها فرض عين) أي لخبر الشيخين: ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار. ورد بأنه ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون. (قوله: وقيل شرط لصحة الصلاة) في النهاية ما نصه: وعلى القول بأنها فرض عين فليست شرطا في صحة الصلاة، كما في المجموع اه. وعليه يكون القول المذكور مفاده غير مفاد القول بأنها فرض عين. (قوله: ولا يتأكد الندب للنساء إلخ) وذلك لمزية الرجال عليهن، قال تعالى: * (وللرجال عليهن درجة) * (1) وهذا جار على القول بأنها سنة للرجال. ولو قدمه على قوله قال النووي: كان أولى. (قوله: فلذلك) أي لما ذكر من عدم تأكدها لهن كتأكدها لهم، بل تأكدها في حقهم أكثر من تأكدها في حقهن. وقوله: يكره تركها أي الجماعة. وقوله: لهن أي للرجال. وقوله: لا لهن أي لا للنساء. (قوله: والجماعة في مكتوبة لذكر بمسجد أفضل) وذلك لخبر: صلوا - أيها الناس - في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. أي فهي في المسجد أفضل لأنه مشتمل على الشرف، وكثرة الجماعة غالبا، وإظهار الشعار. وخرج بالذكر المرأة، فإن الجماعة لها في البيت أفضل منها في المسجد، لخبر: لا تمنعوا نساءكم المسجد، وبيوتهن خير لهن. نعم، يكره لذوات الهيئات حضور المسجد مع الرجال، لما في الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل ولما في ذلك من خوف الفتنة. وعبارة شرح م ر: ويكره لها - أي للمرأة - حضور جماعة المسجد إن كانت مشتهاة - ولو في ثياب بذلة - أو غير مشتهاة - وبها شئ من الزينة أو الريح الطيب. وللإمام أو نائبه منعهن حينئذ، كما له منع من تناول ذا ريح كريه من دخول المسجد. ويحرم عليهن بغير إذن ولي أو حليل أو سيد أوهما في أمة متزوجة، ومع خشية فتنة منها أو عليها. اه. (قوله: نعم، إن وجدت) أي الجماعة. وقوله: في بيته فقط أي من غير وجودها في المسجد. وقوله: فهو أفضل أي فالبيت أفضل من المسجد. والمراد أن الصلاة مع الجماعة في البيت أفضل من الصلاة في المسجد مع الانفراد، وذلك لخبر: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى. رواه ابن حبان وصححوه، ولما يأتي من أن الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أفضل من الفضيلة المتعلقة بمكانها أو زمانها. (قوله: وكذا لو كانت الخ) أي وكذلك الجماعة في البيت أفضل إذا كانت فيه أكثر من الجماعة في المسجد، للخبر المتقدم. ويستثنى من ذلك المساجد الثلاثة، فإن الجماعة فيها - ولو قلت - أفضل، بل قال المتولي: إن الانفراد فيها أفضل من الجماعة في غيرها. (قوله: على ما اعتمده إلخ) راجع لما بعد كذا. (قوله: والأوجه خلافه) أي خلاف ما اعتمده الأذرعي، وهو أنها في المسجد ولو قلت، أفضل منها في البيت وإن كثرت،

_ البقرة: 228

المتعلقة بذات العبادة أولى من الفضيلة المتعلقة بمكانها أو زمانها، والمتعلقة بزمانها أولى من المتعلقة بمكانها. وتسن إعادة المكتوبة بشرط أن تكون في الوقت، وأن لا تزاد في إعادتها على مرة - خلافا لشيخ شيوخنا أبي ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك لأن مصلحة طلبها في المسجد تربو على مصلحة وجودها في البيت، ولأن اعتناء الشارع بإحياء المساجد أكثر. (قوله: ولو تعارضت فضيلة الصلاة في المسجد والحضور خارجه) المتبادر من السياق أن المراد من الحضور حضور الجماعة خارج المسجد، فيكون المعنى: تعارضت فضيلة المسجد وحضور الجماعة خارجه، فإن صلى في المسجد تكون من غير جماعة ولكنه يحوز فضيلة المسجد، وإن صلى خارجه يحوز فضيلة الجماعة ولكنه تفوته فضيلة المسجد، فالمقدم حضور الجماعة. ويرد عليه أن هذا قد علم من قوله: نعم إن وجدت في بيته فقط فهو أفضل، ويحتمل على بعد أن المراد حضور القلب. وتفرض المسألة فيما إذا كانت صلاته في البيت وفي المسجد بالجماعة، ولكنه إذا صلى في المسجد لا يحصل له حضور وخشوع، وإذا صلى في البيت يكون بالحضور والخشوع، فالمقدم الصلاة في غير المسجد مع الحضور، وإن فاتته فضيلة المسجد، لأن الفضيلة المتعلقة بالعبادة - وهو الحضور - أولى من المتعلقة بالمكان - وهو الصلاة في المسجد -. ولكن يرد على هذا أنه سيأتي التنبيه عليه في قوله: ولو تعارض الخشوع والجماعة فهي أولى، إلا أن يقال أن ما سيأتي مفروض فيما إذا تعارضت الصلاة منفردا مع الخشوع والصلاة جماعة بدونه. تأمل. (قوله: والمتعلقة بزمانها أولى إلخ) كما إذا تعارضت عليه صلاة الضحى في المسجد أول النهار، وصلاتها خارج المسجد قريب ربع النهار، فالمقدم الصلاة خارجه - كما تقدم - (قوله: وتسن إعادة الخ) أي لأنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح فرأى رجلين لم يصليا معه، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: صلينا في رحالنا، فقال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلياها معهم، فإنها لكما نافلة. وقد جاء رجل بعد صلاة العصر إلى المسجد، فقال عليه السلام: من يتصدق على هذا فيصلي معه؟. فصلى معه رجل. رواهما الترمذي وحسنهما. وقوله: صليتما، يصدق بالانفراد والجماعة. (تنبيه) قال في المغني: المراد بالإعادة، الإعادة اللغوية، لا الإصلاحية. وهي التي سبقت بأداء مختل، أي بترك ركن أو شرط. (قوله: المكتوبة) أي على الأعيان، وخرج بها المنذورة، فلا تسن إعادتها، ولا تنعقد لو أعيدت، لعدم سن الجماعة فيها. نعم، لو نذر صلاة تسن الجماعة فيها - كتراويح - سنت إعادتها. وخرج صلاة الجنازة، فلا تسن إعادتها، فإن أعيدت انعقدت نفلا مطلقا. وقولهم في صلاة الجنازة لا يتنفل بها: المراد لا يؤتى بها على جهة التنفل ابتداء من غير ميت، وخرج أيضا النافلة التي لا تسن الجماعة فيها. أما ما تسن فيها فتسن إعادتها، ولو وترا، خلافا لمر، فإن الوتر عنده لا تصح إعادته. ودخل في المكتوبة صلاة الجمعة، فمقتضاه أنها تسن إعادتها. ومحله عند جواز تعددها، بأن عسر اجتماعهم في مكان واحد، أو عند انتقاله لبلد أخرى رآهم يصلونها، خلافا لمن منع ذلك، وإلا فلا تعاد لأنها لا تقام مرة بعد أخرى. (قوله: بشرط أن تكون في الوقت) أي بأن يدرك في وقتها ركعة. فالمراد وقت الأداء، ولو وقت الكراهة. فلو خرج الوقت لا تسن إعادتها قطعا. وقوله: وأن لا تزاد في إعادتها على مرة هذا في غير صلاة الاستسقاء، أما هي فتطلب إعادتها أكثر من مرة إلى أن يسقيهم الله من فضله. وحاصل ما ذكره صراحة من شروط سن الإعادة ثلاثة: كونها في الوقت، وعدم زيادتها على مرة، وسيذكر الثالث، وهو نية الفرضية. وبقي من الشروط: كون المعادة مؤداة لا مقضية. وكون الأولى صحيحة وإن لم تغن عن القضاء كمتيمم لبرد. فلو تذكر خللا في الأولى لم تصح المعادة، أي لم تقع عن الأولى، بل تجب الإعادة، وأن تقع جماعة من أولها إلى آخرها عند م ر، فلا يكفي وقوع بعضها في جماعة، حتى لو أخرج نفسه فيها من القدوة، أو سبقه الإمام ببعض الركعات، لم تصح. وقضية ذلك أنه لو وافق الإمام من أولها وتأخر سلامه عن الإمام بحيث يعد منقطعا عنه بطلت، ولو رأى جماعة وشك: هل هم في الأولى أو الثانية مثلا؟ امتنعت الإعادة معهم. واكتفى ابن حجر فيها بركعة كالجمعة وحصول ثواب الجماعة ولو عند التحرم، فلو أحرم منفردا عن الصف لم

الحسن البكري رحمه الله تعالى - ولو صليت الاولى جماعة مع آخر ولو واحدا، إماما كان أو مأموما، في الاولى أو الثانية، بنية فرض. وإن وقعت نفلا فينوي إعادة الصلاة المفروضة. واختار الامام أن ينوي الظهر أو العصر ـــــــــــــــــــــــــــــ تصح، وأن لا تكون في شدة الخوف، وأن تكون الجماعة مطلوبة في حقه، بخلاف نحو العاري، فإنها لا تنعقد منه. وأن لا تكون إعادتها للخروج من الخلاف، فإن كانت إعادتها لذلك تنعقد منه، إلا أنها ليست الإعادة الشرعية المرادة هنا، وذلك كما لو مسح الشافعي بعض رأسه وصلى، أو صلى في الحمام، أو بعد سيلان الدم من بدنه، فصلاته باطلة عند مالك في الأولى، وعند أحمد في الثانية، وعند الحنفي في الثالثة، فتسن إعادتها في الأحوال الثلاثة بعد وضوئه على مذهب المخالف، خروجا من الخلاف، ولو منفردا، ولا تسمى إعادة بالمعنى المراد هنا. وأن تكون من قيام للقادر عليه، فلا تصح صلاة قاعد قادر على القيام. وأن ينوي الإمام في المعادة الإمامة - كما في الجمعة - وقد نظم معظم ذلك بعضهم في قوله: ثمان شروط للمعادة قد أتت * * فصحة الأولى نية الفرض أولا وينوي إمامة إعادة مرة * * ومكتوبة، ثم القيام فحصلا جماعتها فيها جميعا، ووقتها * * ولو ركعة فيه فكن متأملا ونفي انفراد الشخص عن صف جنسه * * فقد زاده بعض المشايخ فانقلا وقال العلامة الكردي: ومما ينسب لشيخنا العلامة الشيخ عبد الوهاب الطندتائي المصري قوله: شرط المعادة أن تكون جماعة * * في وقتها والشخص أهل تنفل مع صحة الأولى وقصد فريضة * * تنوي بها صفة المعاد الأول فضل الجماعة سادس وغيره * * قيل ونفلا مثل فرض فاجعل كالعيد، لا نحو الكسوف فلا تعد * * وجنازة لو كررت لم تهمل ومع المعادة إن يعد بعدية * * تقبل ولا وتر إن صح فعول ومتى رأيت الخلف بين أئمة * * في صحة الأولى أعد بتجمل لو كنت فردا بعد وقت أدائها * * فاتبع فقيها في صلاتك تعدل وقوله: خلافا لشيخ شيوخنا أبي الحسن البكري أي في قوله أنها تعاد من غير حصر ما لم يخرج الوقت. (قوله: ولو صليت الأولى جماعة) غاية في سنية الإعادة، وهي للرد. (قوله: مع آخر) الظرف متعلق بإعادة، أي تسن إعادة المكتوبة مع شخص آخر، ويشترط فيه أن يري جواز الإعادة، وأن لا يكون ممن يكره الاقتداء به، فلا تصح الإعادة خلف الفاسق، والمبتدع، ومعتقد سنية بعض الأركان. (قوله: ولو واحدا) أي ولو كان ذلك الآخر واحدا. وفيه أن الآخر وصف للمفرد المذكر، فينحل المعنى ولو كان ذلك الواحد الآخر واحدا، ولا معنى له. ولو قال - كما في المنهج - بدل قوله مع آخر: مع غيره، ثم قال ولو واحدا: لكان أولى وأنسب. والمعنى أنه تسن الإعادة مع واحد أو مع جماعة، ويشترط فيها أن تكون غير مكروهة، فلو كانت الجماعة مكروهة - كما إذا كانت في مسجد غير مطروق له إمام راتب بغير إذنه - فتحرم الإعادة معهم، ولا تنعقد. (قوله: إماما كان) أي ذلك المعيد. (قوله: في الأولى أو الثانية) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لكل من إماما ومأموما، والمراد بالأولى التي صلاها أولا، وبالثانية التي صلاها ثانيا. (قوله: بنية فرض) متعلق بإعادة، أي تسن الإعادة بشرط نية الفرض في المعادة، وذلك لأنه إنما أعادها لينال ثواب الجماعة في فرض، وإنما ينال ذلك إذا نوى الفرض. (قوله: وإن وقعت نفلا) غاية في اشتراط نية الفرضية. (قوله: فينوي إعادة الصلاة المفروضة) هو جواب عن سؤال مقدر تقديره: كيف ينوي الفرض مع أنها تقع نفلا؟ وحاصل الجواب أن المراد أنه ينوي إعادة الصلاة المفروضة لأجل أن لا تكون نفلا مبتدأ، أي لم يسبق له اتصاف بالفرضية، وليس المراد إعادتها

مثلا ولا يتعرض للفرض، ورجحه في الروضة، لكن الاول مرجح الاكثرين، والفرض الاولى، ولو بان فساد الاولى لم تجزئه الثانية - على ما اعتمده النووي وشيخنا، خلافا لما قاله شيخه زكريا، تبعا للغزالي وابن العماد - أي إذا نوي بالثانية الفرض (وهي بجمع كثير أفضل) منها في جمع قليل، للخبر الصحيح: وما كان أكثر، فهو أحب إلى الله تعالى (إلا لنحو بدعة إمامه) أي الكثير: كرافضي، وفاسق، ولو بمجرد التهمة. فالاقل جماعة ـــــــــــــــــــــــــــــ فرضا. وعبارة المغنى: واستشكله الإمام بأنه كيف ينوي الفرضية مع القطع بأن الثانية ليست فرضا؟ قال: بل الوجه أنه ينوي الظهر أو العصر ولا يتعرض للفرضية، ويكون ظهره نفلا كظهر الصبي وأجاب عنه السبكي بأن المراد أنه ينوي إعادة الصلاة المفروضة حتى لا تكون نفلا مبتدأ، لا إعادتها فرضا. وقال الرازي: ينوي ما هو فرض على المكلف، لا الفرض عليه - كما في صلاة الصبي - ورجح في الروضة ما اختاره الإمام. وجمع شيخي بين ما في الكتاب وما في الروضة بأن ما في الكتاب إنما هو لأجل محل الخلاف وهو: هل فرضه الأولى أو الثانية أو يحتسب الله إليه ما شاء منهما؟ وما في الروضة على القول الصحيح وهو أن فرضه الأولى والثانية نفل فلا يشترط فيها نية الفرضية، وهذا جمع حسن. اه. (قوله: والفرض الأولى) لخبر: إذا صليتما المار، ولسقوط الخطاب بها. (قوله: ولو الخ) الأولى فلو - بفاء التفريع - لأن المقام يقتضيه. وقوله: بأن فساد الأولى أي باختلال شرط فيها أو ركن. وقوله: لم تجزئه الثانية، أي لأنها نفل محض، وهو لا يقوم مقام الفرض. (قوله: على ما اعتمده الخ) أي إن عدم الإجزاء بالثانية مبني على ما اعتمده النووي، وتبعه شيخنا، وعبارة شيخنا في التحفة: ولو بان فساد الأولى لم تجزئه الثانية على المنقول المعتمد عند المصنف في رؤوس المسائل وكثيرين. وقال الغزالي: تجزئه. وتبعه ابن العماد، وتبعه شيخنا في منهجه، غافلين عن بنائه على رأيه أن الفرض أحدهما، كذا قيل، وفيه نظر، بل الوجه البطلان على القولين. أما على الثاني فواضح، لأنه صرفها عن ذلك بنية غير الفرض، وكذا على الأول، لأنه ينوي به غير حقيقة الفرض. اه. وقوله: كذا قيل ممن قال به: الخطيب في مغنيه، وعبارته: ولو تذكر - على الجديد - خللا في الأولى وجبت الإعادة. كما نقله المصنف في رؤوس المسائل عن القاضي أبي الطيب وأقره، معللا بأن الثانية تطوع محض. وما أفتى به الغزالي وترجاه السبكي، من عدم وجوب الإعادة، يحمل على أن الفرض أحدهما، لا بعينه. اه. (قوله: خلافا لما قاله الخ) أي من إجزاء الثانية. وقوله: أي إذا نوي بالثانية الفرض أي أن الإجزاء: محله إذا نوي بالثانية الفرض، وقد علمت تنظير ابن حجر فيه، فلا تغفل، (قوله: وهي) أي الصلاة. وقوله: بجمع كثير أي مع جمع كثير، فالباء بمعنى مع. وقوله: أفضل أي للمصلي، سواء كان في المساجد أو غيرها، فالصلاة مع الجمع الكثير في المساجد أفضل منها مع الجمع القليل فيها، وكذا الصلاة في البيوت مع الجمع الكثير أفضل منها مع الجمع القليل. نعم، الجماعة في المساجد الثلاثة أفضل مطلقا - كما تقدم - وقوله: منها أي من الصلاة نفسها. (قوله: للخبر الصحيح) دليل الأفضلية. (قوله: وما كان الخ) هذا عجز الحديث، وقد تقدم ذكره بتمامه، وما: موصوله، مبتدأ، وهي واقعة على جمع. وجملة فهو أحب إلى الله، خبر المبتدأ، أي والجمع الكثير أحب إلى الله من الجمع القليل. (قوله: إلا لنحو بدعة إمامه) استثناء من محذوف، أي إن الصلاة مع الجمع الكثير أفضل في كل حال إلا حالة كون إمام الجمع الكثير ذا بدعة، والمراد بها التي لم يكفر مرتكبها - كالمجسمة - أي القائلين بأنه تعالى جسم، على المعتمد، فإن كفر بها - كمنكر البعث والحشر للأجسام، وعلم الله تعالى بالجزئيات - فلا تصح القدوة خلفه. (قوله: أي الكثير) تفسير للضمير. (قوله: كرافضي) تمثيل لذي البدعة، ومثله الشيعي، والزيدي. قال الكردي: الرافضة والشيعة والزيدية متقاربون. قال في المواقف: الشيعة: اثنان وعشرون فرقة يكفر بعضهم بعضا، أصولهم ثلاث فرق: غلاة، وزيدية، وإمامية. أما الغلاة فثمانية عشر. ثم قال: وأما الزيدية فثلاث فرق: الجارودية إلخ. والزيدية منسوبون إلى زيد بن علي زين العابدين بن الحسين. اه. (قوله: ولو بمجرد التهمة) غاية في الفاسق، أي لأنه لا فرق في الفاسق بين أن يكون فسقه متحققا أو متهما به. وقيد في التحفة التهمة بأن يكون لها نوع قوة، وقال: كما هو واضح. (قوله: فالأقل جماعة) تفريع على مفهوم الاستثناء، وهو صفة لموصوف محذوف، أي فالإمام أو الصلاة

- بل الانفراد - أفضل، كذا قاله شيخنا تبعا لشيخه زكريا - رحمهما الله تعالى -. وكذا لو كان لا يعتقد وجوب بعض الاركان أو الشروط، وإن أتى بها، لانه يقصد بها النفلية، وهو مبطل عندنا. (أو) كون القليل بمسجد متيقن حل أرضه، أو مال بانيه، أو (تعطل مسجد) قريب أو بعيد (منها) - أي الجماعة - بغيبته عنه لكونه إمامه، أو يحضر الناس بحضوره، فقليل الجمع في ذلك أفضل من كثيره في غيره. بل بحث بعضهم أن الانفراد بالمتعطل عن الصلاة فيه بغيبته أفضل، والاوجه خلافه. ولو كان إمام القليل أولى بالامامة - لنحو علم - كان ـــــــــــــــــــــــــــــ أو المسجد الأقل جماعة أفضل. والمناسب للمتن أن يقول: فهي مع الجمع القليل الذي إمامه غير مبتدع أفضل. وقوله: بل الانفراد الذي اعتمده الجمال الرملي أن الصلاة خلف الفاسق والمخالف ونحوهما أفضل من الانفراد، وتحصل له فضيلة الجماعة. قال البجيرمي: والكراهة لا تنفي الفضيلة والثواب لاختلاف الجهة، وإن توقف في ذلك الزيادي، بل الحرمة لا تنفي الفضيلة، كالصلاة في أرض مغصوبة. اه. وقوله: أفضل خبر كل من: فالأقل، والانفراد. (قوله: كذا قاله الخ) مرتبط بقوله بل الانفراد. وعبارة شرح المنهج: بل الانفراد في الأولى أفضل. كما قاله الروياني. اه. (قوله: وكذا لو كان الخ) أي وكذلك الصلاة مع الأقل جماعة، بل مع الانفراد أفضل منها مع الأكثر جماعة، إذا كان إمام الأكثر لا يعتقد وجوب بعض الأركان - كالحنفي - فإنه لا يعتقد وجوب البسملة. وقوله: أو الشروط أي أو لا يعتقد وجوب بعض الشروط عندنا، كاستقبال عين القبلة عند الحنفي، فإنه ليس بشرط، بل الشرط عنده استقبال الجهة، وكستر ما بين السرة والركبة عند الإمام أحمد، فإنه ليس بشرط، بل الشرط عنده ستر السوأتين فقط. (قوله: وإن أتى بها) أي ببعض الأركان والشروط. وإنما أنث الضمير مع كون مرجعه مذكرا لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه، ومع ذلك فالأولى التذكير. (قوله: لأنه) أي إمام الجمع الكثير غير المعتقد وجوب بعض الأركان أو بعض الشروط. وهو تعليل لأفضلية الصلاة مع الجمع القليل، بل مع الانفراد إذا كان الإمام للجمع الكثير أتى بذلك البعض غير معتقد وجوبه. وقوله: يقصد بها أي بذلك البعض، ويأتي فيه ما مر. (قوله: وهو مبطل) أي قصد النفلية في الفرض مبطل. قال في التحفة بعده: ومن ثم أبطل الاقتداء به مطلقا بعض أصحابنا، وجوزه الأكثر رعاية لمصلحة الجماعة، واكتفاء بوجود صورتها - وإلا لم يصح اقتداء بمخالف، وتعطلت الجماعات. ومثله في النهاية. اه. (قوله: أو كون القليل) بالجر عطف على نحو، أي أو إلا لكون الجمع القليل في مسجد متيقن حل أرضه، والجمع الكثير في مسجد ليس كذلك. وقوله: أو مال بانيه - بالجر، معطوف على أرضه، أي أو متيقن حل مال من بناه. (قوله: أو تعطل مسجد) معطوف على نحو، أي أو إلا لتعطل مسجد قريب أو بعيد لو لم يحضر هو فيه، فمتى كان يلزم على الذهاب لكثير الجمع تعطيل قليل الجمع صلى فيه، سواء كان قريبا منه أو بعيدا. ومحل ذلك إذا سمع أذانه، وإلا فلا عبرة بتعطله. ح ل. وقال عميرة: لو كان بجواره مسجدان واستويا في الجماعة راعى الأقرب. وبحث الأسنوي العكس، لكثرة الخطا، أو التساوي للتعارض، وهو أن للقريب حق الجوار، والبعيد فيه أجر بكثرة الخطا. اه. بجيرمي. وقوله: منها متعلق بتعطل. والمناسب للمتن أن يقول: منه، بتذكير الضمير العائد على الجمع. وقوله: بغيبته متعلق بتعطل أيضا، والباء سببية. (قوله: لكونه إمامه أو يحضر الناس بحضوره) علة لتعطله بغيبته، فإن لم يتعطل بذلك، بأن لم يكن إماما، أو لم يحضر بحضوره الناس، فالذهاب لمسجد كثير الجماعة أولى. (قوله: فقليل الجمع الخ) تفريع على مفهوم قوله أو كون القليل الخ. وقوله: في ذلك أي فيما ذكر من المسجد المتيقن حل أرضه أو مال بانيه ومن المسجد الذي يتعطل لو لم يحضر. وقوله: له أفضل من كثيره أي الجمع. وقوله: في غيره أي غير ما ذكر من المسجد المتيقن حل أرضه أو مال الباني له، ومن المسجد الذي يتعطل لو لم يحضر بأن كان المسجد مشكوكا في حل أرضه أو مال الباني له. بأن يعلم أن المتولي عليه ظالم، فإن تيقن أن محل الصلاة بعينه حرام حرمت الصلاة فيه - كما مر - وبأن لم يتعطل لو لم يحضر. (قوله: أن الانفراد بالمتعطل الخ) أي إن الصلاة منفردا في المسجد المتعطل بسبب غيبته أفضل من الصلاة مع الجماعة. وقوله: والأوجه خلافه وهو أن الصلاة مع الجماعة أولى. (قوله: ولو كان إمام إلخ) هذا أيضا مستثنى من

الحضور عنده أولى. ولو تعارض الخشوع والجماعة فهي أولى. كما أطبقوا عليه حيث قالوا: إن فرض الكفاية أفضل من السنة. وأفتى الغزالي، وتبعه أبو الحسن البكري في شرحه الكبير على المنهاج بأولوية الانفراد لمن لا يخشع مع الجماعة في أكثر صلاته. قال شيخنا: وهو كذلك، إن فات في جميعها. وإفتاء ابن عبد السلام بأن الخشوع أولى مطلقا إنما يأتي على قول أن الجماعة سنة. ولو تعارض فضيلة سماع القرآن من الامام مع قلة الجماعة وعدم سماعه مع كثرتها، كان الاول أفضل. ويجوز لمنفرد أن ينوي اقتداء بإمام أثناء صلاته، وإن اختلفت ركعتهما لكن يكره ذلك له، دون مأموم خرج من الجماعة لنحو حدث إمامه فلا يكره له الدخول في ـــــــــــــــــــــــــــــ كون الصلاة مع الجمع الكثير أفضل. وقوله: أولى بالإمامة أي أحق بها. وقوله: لنحو علم متعلق بقوله أولى. ونحو العلم ما يأتي في صفات الأئمة: ككونه أورع، أو أقرأ، أو أقدم في الإسلام. وقوله: كان الحضور أي حضور الصلاة. وقوله: عنده أي عند إمام الجمع القليل. وقوله: أولى أي من الحضور عند إمام الجمع الكثير. ويستثنى أيضا من ذلك ما لو كان قليل الجمع يبادر إمامه بالصلاة في الوقت المحبوب فإن الصلاة معه أولى، وما لو كان إمام الجمع الكثير سريع القراءة والمأموم بطيئها لا يدرك معه الفاتحة ويدركها مع إمام الجمع القليل فإن الصلاة معه أولى. (قوله: ولو تعارض الخشوع والجماعة) يعني لو صلى منفردا خشع، ولو صلى مع جماعة لم يخشع. وقوله: فهي أي الجماعة، أي حضورها من غير خشوع. وقوله: أولى أي من الصلاة منفردا مع الخشوع. (قوله: كما أطبقوا عليه) الظاهر أن الكاف تعليلية بمعنى اللام، أي لما اتفق الفقهاء عليه من أن فرض الكفاية أفضل من السنة والجماعة من فروض الكفاية. وقوله: حيث قالوا الخ بيان لما أطبقوا عليه. ولو قال لما أطبقوا عليه من أن فرض الكفاية أفضل من السنة لكان أوضح وأخصر. وقال في التحفة بعده: وأيضا فالخلاف في كونها فرض عين وكونها شرطا لصحة الصلاة أقوى منه في شرطية الخشوع. اه. قوله: وأفتى الغزالي إلخ صرح في التحفة بعد أن نقل عنه الإفتاء المذكور بأنه رأى له إفتاء آخر فيمن لازم الرياضة في الخلوة حتى صارت طاعاته تتفرق عليه بالاجتماع بأنه رجل مغرور، إذ ما يحصل له في الجماعة من الفوائد أعظم من خشوعه. اه. (قوله: لمن لا يخشع مع الجماعة في أكثر صلاته) لم يقيد به في المغنى، وعبارته: وأفتى الغزالي أنه لو كان إذا صلى منفردا خشع ولو صلى في جماعة لم يخشع فالانفراد أفضل، وتبعه ابن عبد السلام. قال الزركشي: والمختار، بل الصواب، خلاف ما قالاه، وهو كما قال. اه. ومثله شرح الروض. (قوله: قال شيخنا الخ) لم أره في التحفة ولا في فتح الجواد، بل الذي صرح به في فتح الجواد خلافه، وهو أنه لو فاته الخشوع فيها رأسا تكون الجماعة أولى. وعبارته وأفتى الغزالي أولا وابن عبد السلام بأولوية الانفراد لمن لا يخشع مع الجماعة في أكثر صلاته، وهو حقيق بتصويب خلافه الذي سلكه الأذرعي والزركشي وأطالا فيه، بل الأوجه أنه لو فاته فيها من أصله تكون الجماعة أولى، لأنها أكثر منه، إذ هي فرض عين أو شرط للصحة عند جماعة، وشعار الإسلام قائم بها أكثر منه، فلتكن مراعاته أحق، ولو فتح ذلك لتركها الناس واحتجوا، لا سيما جهلة الصوفية، بأنهم لا يحصل لهم معها خشوع، فتسقط عنهم، فوجب سد هذا الباب عنهم بالكلية. اه. وقوله: وهو أي إفتاء الغزالي بأولوية الانفراد. وقوله: كذلك أي صحيح، كما أفتى به. لكن إن فات الخشوع في جميعها. (قوله: أولى مطلقا) أي سواء فات الخشوع مع الجماعة في جميعها أو في بعضها. (قوله: إنما يأتي) الجملة خبر المبتدأ وهو إفتاء. وقوله: أن الجماعة سنة مقول القول. (قوله: ولو تعارض إلخ) هذا من جملة ما استثنى من قولهم الجمع الكثير أفضل. (قوله: وعدم سماعه) معطوف على فضيلة، فهو بالرفع. (قوله: كان الأول) أي سماع القرآن من الإمام مع قلة الجماعة. وقوله: أفضل أي من عدم سماعه مع كثرتها. (قوله: ويجوز لمنفرد الخ) لا يناسب ذكره هنا لأنه من متعلقات نية القدوة، فلو أخره وذكره عند قوله وشرط القدوة نية اقتداء أو جماعة مع تحرم لكان أنسب. (قوله: أثناء صلاته) أي صلاة نفسه، بأن صلى ركعتين ثم نوى القدوة بالإمام. (قوله: وإن اختلفت ركعتهما) أي الإمام والمأموم، كأن كان الإمام في الأولى والمأموم في الثانية. (قوله: لكن

جماعة أخرى. فإذا اقتدى في الاثناء لزمه موافقة الامام. ثم إن فرغ أولا كمسبوق، وإلا فانتظاره أفضل. وتجوز المفارقة بلا عذر، مع الكراهة، فتفوت فضيلة الجماعة. والمفارقة بعذر: كمرخص ترك جماعة، وتركه سنة مقصودة كتشهد أول، وقنوت، وسورة، وتطويله وبالمأموم ضعف أو شغل لا تفوت فضيلتها. وقد تجب المفارقة، كأن عرض مبطل لصلاة إمامه وقد علمه فيلزمه نيتها فورا وإلا بطلت، وإن لم يتابعه اتفاقا، كما في المجموع. (وتدرك جماعة) في غير جمعة، أي فضيلتها، للمصلي (ما لم يسلم إمام) أي لم ينطق بميم عليكم ـــــــــــــــــــــــــــــ يكره) أي ولا يحصل له فضل الجماعة حتى فيما أدركه مع الإمام. اه. شرح الرملي. (وقوله: ذلك) أي نية الاقتداء في الأثناء. (قوله: له) أي للمنفرد الذي شرع في صلاته حال كونه منفردا. (قوله: دون مأموم خرج من الجماعة) أي بنية المفارقة. (وقوله: لنحو حدث إمامه) أي وقد علمه. واندرج تحت نحو كل مبطل عرض للإمام، فتلزمه المفارقة إذا علمه، كما سيصرح به. (قوله: فإذا اقتدى) أي المنفرد. وقوله: في الأثناء أي أثناء صلاته. (قوله: لزمه موافقة الإمام) أي الجري على نظم صلاته. (قوله: ثم إن فرغ) أي الإمام من صلاته. وقوله: أولا أي قبل فراغ المأموم، بأن أتى بركعة منفردا واقتدى بالإمام وهو في الركعة الثالثة مثلا. وقوله: أتم أي المأموم، صلاته كمسبوق. (قوله: وإلا) أي وإن لم يفرغ الإمام أولا، بل فرغ المأموم أولا. وقوله: فانتظاره أفضل أي من المفارقة، أي ليسلم معه. قال ع ش: وإنما كان الانتظار أفضل نظرا لبقاء صورة الجماعة، وقد نهي عن الخروج من العبادة، وإن انتفى ثواب الجماعة بالاقتداء المذكور، لأنه من القدوة في خلال الصلاة، لكن يحصل له فضيلة في الجملة بربط صلاته بصلاة الإمام، فكان انتظاره أفضل ليحوز الفضيلة بمجرد الربط. اه. (قوله: وتجوز المفارقة) هذا كلام مستأنف وليس مرتبطا بقوله وإلا فانتظاره أفضل، لأن المفارقة فيه جائزة بلا كراهة، كما صرح به في شرح المنهج. والمعنى: يجوز للمأموم أن ينوي المفارقة بقلبه، ولكن مع الكراهة إن لم يكن عذر، ومحل جواز المفارقة: في غير الركعة الأولى من الجمعة في حق الأربعين، لأن الجماعة فيها شرط. وقال في النهاية: ولو ترتب على خروجه من الجماعة تعطيلها وقلنا أنها فرض كفاية اتجه عدم الخروج منها، لأن فرض الكفاية إذا انحصر في شخص تعين عليه. (قوله: فتفوت) أي المفارقة فضيلة الجماعة. (قوله: والمفارقة بعذر) هو مبتدأ خبره قوله لا تفوت فضيلتها. (قوله: كمرخص ترك جماعة) خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك بعذر كمرخص ترك جماعة، وهو كمرض، ومدافعة حدث، وخوف من ظالم على نفس أو مال أو غيرهما. (قوله: وتركه) أي الإمام، وهو بالجر معطوف على مرخص. وقوله: سنة مقصودة قال في التحفة: الذي يظهر في ضبط المقصودة أنها ما جبرت بسجود السهو، أو قوي الخلاف في وجوبها، أو وردت الأدلة بعظم فضلها. اه. قال البجيرمي: ومما قوي الخلاف في وجوبه التسبيحات، وليس مثلها تكبير الانتقالات ولا جلسة الاستراحة، ولا رفع اليدين من قيام التشهد الأول، لعدم التفويت فيه على المأموم، لأنه يمكنه الإتيان به وإن تركه إمامه. اه. (قوله: وتطويله) بالجر معطوف أيضا على مرخص، أي وكتطويل الإمام. (قوله: بالمأموم ضعف) أي والحال أن بالمأموم ضعفا أو شغلا. قال في التحفة: ولو خفيفا بأن يذهب خشوعه فيما يظهر. اه. (قوله: وقد تجب المفارقة) أي بالنية القلبية إزالة للقدوة الصورية. ومحل وجوب نية المفارقة حيث بقي الإمام على صورة المصلين، أما لو ترك الصلاة وانصرف أو جلس على غير هيئة المصلين أو مات لم يحتج لنية المفارقة. (قوله: كأن عرض مبطل لصلاة إمامه) وذلك كحدث، أو تنحنح، أو ضحك، أو كلام مبطل. وقوله: فيلزمه أي المأموم نيتها، أي المفارقة. (قوله: وإلا بطلت) أي وإن لم ينو المفارقة فورا بطلت صلاته. وقوله: وإن لم يتابعه أي في ركن من أركان الصلاة. وقوله: اتفاقا راجع لقوله بطلت، أي بطلت اتفاقا. (قوله: وتدرك جماعة) اعلم أن الأقسام الناشئة من القدوة أربعة: إدراك فضيلة الجماعة، وإدراك الجمعة، وإدراك فضيلة التحرم، وإدراك الركعة. وتستفاد من كلامه. (قوله: في غير جمعة) قال البجيرمي: قال شيخنا: لا يخفى أن هذا القيد ومفهومه المذكور بعده، وهو قوله أما الجمعة إلخ غير مستقيم، لأن الكلام في إدراك الجماعة، وإن لم تدرك الجمعة. فتأمل. اه. (قوله: أي فضيلتها) بيان لمعنى إدراك الجماعة. (قوله: ما لم يسلم إمام) ما

في التسليمة الاولى، وإن لم يقعد معه بأن سلم عقب تحرمه لادراكه ركنا معه، فيحصل له جميع ثوابها وفضلها، لكنه دون فضل من أدركها كلها. ومن أدرك جزءا من أولها، ثم فارق بعذر أو خرج الامام بنحو حدث، حصل له فضل الجماعة. أما الجمعة، فلا تدرك إلا بركعة - كما يأتي - ويسن لجمع حضروا والامام قد فرغ من الركوع الاخير أن يصبروا إلى أن يسلم ثم يحرموا - ما لم يضق الوقت -. وكذا لمن سبق ببعض الصلاة ورجا جماعة ـــــــــــــــــــــــــــــ مصدرية ظرفية، أي تدرك مدة عدم سلام الإمام، وهذا هو الصحيح، ومقابله أنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة. (قوله: أي لم ينطق بميم عليكم) تفسير مراد لما قبله، وهذا هو ما جرى عليه شيخه ابن حجر، واعتمد م ر - تبعا لوالده - أن المراد ما لم يشرع الإمام في التسليمة الأولى، فعلى الأول: إذا شرع في التحرم بعد شروع الإمام في السلام وأتمه قبل النطق بالميم، صح اقتداؤه وأدرك الفضيلة. وعلى الثاني: تنعقد فرادى، وقيل: لا تنعقد أصلا. (قوله: وإن لم يقعد) أي المأموم. وقوله: معه أي الإمام، أي يدرك فضيلة الجماعة باقتدائه به قبل السلام وإن لم يجلس معه. وقوله: بأن سلم أي الإمام، وهو تصوير لعدم قعوده معه. قال ع ش: ويحرم عليه حينئذ القعود، لأنه كان للمتابعة وقد فاتت بسلام الإمام، فإن قعد عامدا عالما بطلت صلاته، وإن كان ناسيا أو جاهلا لم تبطل. ويجب عليه القيام فورا إذا علم ويسجد للسهو في آخر صلاته، لأنه فعل ما يبطل عمده. اه بتصرف. وقوله: عقب تحرمه أي المأموم، فإن لم يسلم الإمام عقب تحرمه قعد وجوبا، فإن لم يقعد عامدا عالما بأن اسمتر قائما إلى أن سلم، بطلت صلاته، لما فيه من المخالفة الفاحشة. (قوله: لإدراكه ركنا) علة لإدراك الجماعة ما لم يسلم الخ، أي وإنما أدرك الجماعة إذا اقتدى به قبل السلام لإدراكه ركنا مع الإمام، وهو تكبيرة الإحرام. قال البجيرمي: فيه أنه أدرك ركنين، وهما النية، والتكبيرة، إلا أن يراد بالركن الجنس، أو أن النية لما كانت مقارنة للتكبير عدهما ركنا. اه. وعبارة التحفة: لإدراكه معه ما يعتد له به من النية وتكبيرة الإحرام. اه. (قوله: فيحصل له الخ) تفريع على كونه يدرك الجماعة ما لم يسلم الإمام، وهذا يغني عنه قوله أولا أي فضيلتها، إلا أن يقال أتى به للاستدراك بعده. وقوله: جميع ثوابها وفضلها هما بمعنى واحد، وهو السبع والعشرون، أو الخمس والعشرون. وقوله: لكنه دون فضل إلخ أي كيفا لا عددا، فلا ينافي ما قبله. وفي النهاية: ومعنى إدراكها حصول أصل ثوابها. وأما كماله: فإنما يحصل بإدراكها مع الإمام من أولها إلى آخرها، ولهذا قالوا لو أمكنه إدراك بعض جماعة ورجا إقامة جماعة أخرى فانتظارها أفضل، ليحصل له كمال فضيلتها تامة. اه. وقوله: وأما كماله أي كيفا، كما علمت. (قوله: ومن أدرك إلخ) هو مما شمله قوله وتدرك جماعة ما لم يسلم، لأن المراد تدرك الجماعة بإدراك جزء من الصلاة مع الإمام من أولها أو أثنائها، بأن بطلت صلاة الإمام عقب اقتدائه، أو فارقه بعذر. أو من آخرها بأن اقتدى به قبيل السلام. (قوله: أما الجمعة الخ) مفهوم قوله غير جمعة. وقوله: فلا تدرك إلا بركعة قال ع ش: وعليه فلو أدرك الإمام بعد ركوع الثانية صحت قدوته، وحصلت فضيلة الجماعة، وإن فاتته الجمعة وصلى ظهرا. فقوله أو لا في غير الجمعة، لعل مراده أن الجمعة لا تدرك بما ذكر من الاقتداء به قبيل السلام، لا أن فضيلة الجماعة لا تحصل له. وإن كان ذلك هو الظاهر من عبارته. اه. وقوله: لعل مراده إلخ: يدفع به اعتراض البجيرمي السابق. (قوله: ويسن لجمع حضروا الخ) عبارة المغني: (فرع) دخل جماعة المسجد والإمام في التشهد الأخير؟ فعند القاضي حسين يستحب لهم الاقتداء به، ولا يؤخرون الصلاة. وجزم المتولي بخلافه، وهو المعتمد. بل الأفضل للشخص - إذا سبق ببعض الصلاة في الجماعة، ورجا جماعة أخرى يدرك معها الصلاة جميعها في الوقت - التأخير ليدركها بتمامها معها. وهذا إذا اقتصر على صلاة واحدة، وإلا فالأفضل أن يصليها مع هؤلاء، ثم يعيدها مع الآخرين. اه. (قوله: إن يصبروا) قال في فتح الجواد: وإن خرج وقت الاختيار، على الأوجه. (قوله: إلى أن يسلم) أي الإمام. (قوله: ثم يحرموا) أي ثم بعد السلام يحرم الذين حضروا. (قوله: ما لم يضق الوقت) قيد لسنية الصبر، أي محل سنية ذلك إذا لم يضق الوقت، فإن ضاق الوقت بصبرهم، بأن يخرج جميع الصلاة أو بعضها به عن الوقت، فلا يسن لهم الصبر، بل يحرم حينئذ. (قوله: وكذا لمن سبق الخ) أي وكذلك يسن لمن سبق ببعض الصلاة بأن أدرك جماعة لا من أولها، ورجا جماعة

يدرك معهم الكل. لكن قال شيخنا إن محله ما لم يفت بانتظارهم فضيلة أول الوقت، أو وقت الاختيار، سواء في ذلك الرجاء واليقين. وأفتى بعضهم بأنه لو قصدها فلم يدركها كتب له أجرها، لحديث فيه. (و) تدرك فضيلة (تحرم) مع إمام (بحضوره) - أي المأموم - التحرم (واشتغال به عقب تحرم إمامه) من غير تراخ، فإن لم يحضره أو تراخى فاتته فضيلته. نعم، يغتفر له وسوسة خفيفة وإدراك تحرم الامام فضيلة مستقلة مأمور بها لكونه صفوة الصلاة، ولان ملازمه أربعين يوما يكتب له براءة من النار وبراءة من النفاق - كما في الحديث - وقيل: يحصل فضيلة التحرم بإدراك بعض القيام. ويندب ترك الاسراع وإن خاف فوت التحرم، وكذا الجماعة ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرى، أن يصبر إلى أن يسلم ويصلي مع الأخرى. وقوله: ورجا جماعة أي غلب على ظنه وجودهم، وكانوا مساوين لهذه الجماعة في جميع ما مر، فمتى كان في هذه صفة مما يقدم بها الجمع القليل كانت أولى. اه. فتح الجواد. وقوله: كانت أولى أي من الجماعة الأخرى. (قوله: لكن قال شيخنا الخ) مرتبط بقوله وكذا لمن سبق الخ، وقوله: إن محله أي محل كونه يسن لمن سبق ورجا جماعة، أن يصبر ليصلي معهم. وقوله: ما لم يفت بانتظارهم أي الجماعة الأخرى. والاضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل، أي بانتظاره إياهم. فإن فات ذلك فالأولى الاقتداء بالأولى. (قوله: سواء في ذلك) أي في تقييد سنية الانتظار بعدم فوات فضيلة أول الوقت أو وقت الاختيار. وقوله: الرجاء واليقين أي رجاء جماعة أخرى أو تيقنها. (قوله: وأفتى بعضهم بأنه لو قصدها) أي الجماعة، فلم يدركها. كأن خرج من بيته مثلا ليصلي مع الجماعة في المسجد، فلما وصل المسجد وجدهم قد أتوا صلاتهم. وقوله: كتب الخ قال في التحفة والنهاية بعده: وهو ظاهر دليلا لا نقلا. اه. (قوله: لحديث فيه) أي لورود حديث فيما ذكر من كتابة الأجر لمن قصد الجماعة ولم يدركها، وهو ما رواه أبودواد بإسناد حسن: من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عزوجل مثل أجر من صلاها أو حضرها، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئا. (قوله: وتدرك فضيلة تحرم إلخ) لو تعارض في حقه الصف الأول وتكبيرة الإحرام مع الإمام، قدم الصف الأول، أو الصف الأول وآخر ركعة مع الإمام، قدم آخر ركعة - عند الزيادي - والصف الأول عند الرملي الكبير. اه ش ق. وسيأتي في الشرح التصريح بما قاله الزيادي. (قوله: بحضوره) متعلق بتدرك، والإضافة فيه من إضافة المصدر لفاعله. وقوله: التحرم أي تحرم الإمام، وهو مفعول حضور. (قوله: واشتغال به) بالجر عطف على حضوره، أي وتدرك فضيلة التحرم بحضوره تحرم الإمام واشتغاله بالتحرم عقب تحرم الإمام لخبر: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا. والفاء للتعقيب. (قوله: من غير تراخ) متعلق باشتغاله، ولا حاجة إليه بعد قوله عقب. (قوله: فإن لم يحضره) أي فإن لم يحضر المأموم تحرم الإمام. وقوله: أو تراخى أي أو حضر تحرم الإمام، لكن لم يحرم عقب تحرمه بل تأخر عنه. وقوله: فضيلته أي التحرم. (قوله: نعم، يغتفر له الخ) استثناء من اشتراط العقبية. وقوله: وسوسة خفيفة وهي التي لا يؤدي الاشتغال بها إلى فوات ركنين فعليين، ولو طويلا وقصيرا من الوسط المعتدل، وإلا كانت ثقيلة. هكذا ذكره الحلبي وع ش في حواشي المنهج. والمعتمد ما ذكره في حواشي الرملي من أنها ما لا يطول الزمان بها عرفا، حتى لو أدت الوسوسة إلى فوات القيام أو معظمه، فاتت بها فضيلة التحرم. (قوله: فضيلة مستقلة) أي غير فضيلة الجماعة، فيندب الحرص على إدراكها. (قوله: لكونه) أي التحرم. وقوله: صفوة الصلاة أي لما ورد: إن لكل شئ صفوة، وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى، فحافظوا عليها. وإنما كانت صفوة الصلاة - أي خالصها - لأن الانعقاد يتوقف عليها على النية. (قوله: ولأن ملازمه) أي تحرم الإمام. (قوله: كما في الحديث) وهو: من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان، براءة من النار، وبراءة من النفاق. وهذا الحديث - كما في النهاية - منقطع، غير أنه من الفضائل التي يتسامح فيها. (قوله: وقيل: يحصل الخ) مقابل قوله وتدرك بحضوره إلخ. (قوله: بإدراك بعض القيام) أي لأنه محل التحرم. وقيل: تحصل بإدراك أول ركوع، لأن حكمه حكم القيام. ومحل ما ذكر من الوجهين - كما في التحفة والنهاية - فيمن لم

- على الاصح - إلا في الجمعة، فيجب طاقته إن رجا إدراك التحرم قبل سلام الامام. ويسن لامام ومنفرد انتظار داخل محل الصلاة مريدا الاقتداء به في الركوع والتشهد الاخير لله تعالى - بلا تطويل -، وتمييز بين الداخلين، ـــــــــــــــــــــــــــــ يحضر إحرام الإمام، وإلا بأن حضره وأخر، فاتته عليهما أيضا، وإن أدرك الركعة. (قوله: ويندب ترك الإسراع) أي في المشي ليدرك تكبيرة الإحرام، وذلك لخبر: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا. قال ع ش: وفي فضل الله تعالى حيث قصد امتثال أمر الشارع بالتأني أن يثيبه على ذلك قدر فضيلة التحرم أو فوقها. وقوله: وإن خاف أي لو لم يسرع، وهو غاية لندب ترك الإسراع. (قوله: وكذا الجماعة) أي وكذلك يندب ترك الإسراع وإن خاف فوت الجماعة. وقوله: على الأصح مقابلة يقول إذا خاف فوتها ندب له الإسراع. (قوله: إلا في الجمعة فيجب) أي الإسراع. والمناسب أن يقول إلا في الجمعة فلا يندب ترك الإسراع بل يجب. وفي النهاية: فإن ضاق الوقت وخشي فواته إلا به أسرع كما لو خشي فوات الجمعة. قال الأذرعي: ولو امتد الوقت وكانت لا تقوم إلا به، ولو لم يسرع لتعطلت، أسرع أيضا. وكتب ع ش: قوله أسرع أي وجوبا، وقوله: وكانت أي الصلوات. وقوله أسرع أيضا أي وجوبا. (قوله: ويسن لإمام ومنفرد انتظار الخ) أي بشروط تسعة، ذكر معظمها: أن يكون الانتظار في الركوع أو التشهد الأخير، وأن لا يخشى فوت الوقت، وأن يكون الذي ينتظره داخل محل الصلاة دون من هو خارجها، وأن ينتظره لله تعالى لا لتودد ونحوه وإلا كره، وأن لا يبالغ في الانتظار، وأن لا يميز بين الداخلين، وأن يظن أن يقتدي به ذلك الداخل، وأن يظن أنه يرى إدراك الركعة بالركوع، وأن يظن أن يأتي بالإحرام على الوجه المطلوب من كونه في القيام. فإن اختل شرط من هذه الشروط كره الانتظار. نص عليه في التحفة. وفصل الخطيب في مغنيه، فقال: إن خالف في اشتراط الركوع والتشهد، بأن انتظر في غيرها كره، وإن خالف في غير ذلك فخلاف الأولى لا مكروه. قال: نبه على ذلك شيخي. اه. بالمعنى. (قوله: داخل) أي متلبس بالدخول وشارع فيه بالفعل. وخرج به ما لو أحس الإمام به قبل شروعه في الدخول فلا يسن له الانتظار. وقوله: محل الصلاة أي وإن اتسع جدا، إذا كان مسجدا أو بناء. فإن كان فضاء فلا بد أن يقرب من الصف الآخر عرفا إن تعددت الصفوف. (قوله: مريد الاقتداء به) حال من داخل أو من الضمير المستتر فيه، أي حال كونه مريدا الاقتداء بالإمام، أي بحسب ظنه بأن عرف من عادته ذلك، فإن لم يرد الاقتداء به بحسب ذلك لم يسن له انتظاره. (قوله: في الركوع والتشهد الأخير) الجار والمجرور متعلق بانتظار. وإنما سن في الأول إعانة على إدراك الركعة، وفي الثاني إعانة على إدراك الجماعة. ومحل سنية الانتظار في الركوع إذا لم يكن الركوع الثاني من صلاة الكسوف، وإلا فلا ينتظر فيه لأن الركعة لا تحصل بإدراكه. وقوله: لله تعالى متعلق بانتظار. ومعنى كونه لله تعالى أن لا يكون له غرض في الانتظار إلا إدراك الركعة أو الفضيلة. (قوله: بلا تطويل) متعلق بانتظار أيضا. والمراد به أنه لو وزع على القيام والركوع والسجود ونحوها من أفعال الصلاة لعد كل منها طويلا في عرف الناس، وهذا القيد بالنسبة للإمام فقط. أما المنفرد فلا يكره التطويل في حقه مطلقا، بل ينتظره، ولو مع التطويل، لانتفاء المشقة على المأمومين المعلل بها كراهة التطويل. كذا في التحفة وغيرها. وفي سم ما نصه: لا يبعد أنه - أي المنفرد - ينتظر أيضا غير الداخل، ولو مع نحو تطويل لتحصل الجماعة. اه. وعليه فيكون قوله داخل محل الصلاة قيد في الإمام فقط أيضا، ولو اقتصر الشارح - كغيره - على الإمام في قوله ويسن لإمام ومنفرد، لكان أولى. فتدبر. ولو انتظر الإمام واحدا بلا مبالغة وجاء آخر وانتظره كذلك - أي بلا مبالغة - وكان مجموع الانتظارين فيه مبالغة: فإنه يكره بلا شك كما في التحفة والنهاية وغيرهما. وقوله: وتمييز أي وبلا تمييز بين الداخلين، بل يسوي بينهم في الانتظار، فإن ميز، ولو لعلم، أو شرف، أو أبوه، كره ذلك. وفي البجيرمي مانصه: وانظر ما صورة الانتظار لله مع التمييز لأنه متى ميز لم يكن الانتظار لله. وذكر في الروضة أن الانتظار لغير الله هو التمييز، فليحرر. ح ل. ويمكن أن يكون أصل الانتظار لله لكنه انتظر زيدا مثلا لخصاله الحميدة. ولم ينتظر عمرا مثلا لفقد تلك الخصال فيه، فالانتظار لله وجد مع التمييز. ألا ترى أنه إذا كان يتصدق لله ويعطي زيدا لكونه فقيرا ولم يعط عمرا لكونه غنيا فوجد هنا التمييز مع كون

ولو لنحو علم. وكذا في السجدة الثانية ليلحق موافق تخلف لاتمام فاتحة، لا خارج عن محلها، وأن صغر المسجد، ولاداخل يعتاد البطء. وتأخير الاحرام إلى الركوع، بل يسن عدمه زجرا له. قال الفوراني: يحرم الانتظار للتودد، ويسن للامام تخفيف الصلاة مع أبعاض وهيئات بحيث لا يقتصر على الاقل، ولا يستوفي الاكمل، إلا أن رضي بتطويله محصورون. وكره له تطويل، وإن قصد لحوق آخرين. ولو رأى مصل نحو ـــــــــــــــــــــــــــــ التصدق لله؟ شيخنا. اه. (قوله: ولو لنحو علم) غاية للتمييز المنفي، أي لا يميز ولو كان لأجل نحو علم كشرف وأبوة وأخوة، فإنه لا يسن الانتظار. (قوله: وكذا في السجدة الثانية الخ) أي وكذلك يسن الانتظار في السجدة الثانية ليلحق الموافق المتخلف لإتمام فاتحته، إعانة له على إدراك الركعة. (قوله: لا خارج عن محلها) بالجر عطف على قوله داخل، أي لا يسن له انتظار خارج عن محل الصلاة، لأنه إلى الآن لم يثبت له حق. وهذا محترز قوله داخل محل الصلاة. ولم يأت إلا بهذا المحترز فقط، وكان الأولى له أن يأتي بجميع المحترزات. (قوله: ولا داخل يعتاد الخ) هذا ليس محترز الشئ من القيود المادة وإنما هو استثناء من سنية الانتظار، فكان الأولى أن يأتي بصيغة الاستدراك بأن يقول: نعم، لو كان الداخل يعتاد إلخ. واستثنى في المعنى صورا منها هذه الصورة، وعبارته: ويستثنى من استحباب الانتظار صور، منها إذا خشي خروج الوقت بالانتظار، ومنها إذا كان الداخل لا يعتقد إدراك الركعة أو فضيلة الجماعة بإدراك ما ذكر إذ لا فائدة في الانتظار، ومنها إذا كان الداخل، يعتاد البطء وتأخير التحرم إلى الركوع، ومنها إذا كان صلاة المأموم تجب عليه إعادتها، كفاقد الطهورين، بناء على أن صلاة المحدث في جماعة كلا جماعة. والمتجه في هذه استحباب انتظاره. اه. (قوله: وتأخير الإحرام) الواو بمعنى أو، أي أو لم يعتد البطء، أي في المشي، ولكن يعتاد تأخير الإحرام إلى الركوع. (قوله: بل يسن عدمه) أي الانتظار، والإضراب انتقالي. وقوله: زجرا له أي نهيا عما اعتاده من البطء أو تأخير الإحرام إلى الركوع. قال ع ش: ينبغي أنه لو لم يفد ذلك معه لا ينتظره أيضا، لئلا يكون انتظاره سببا لتهاون غيره. اه. قوله: قال الفوراني: يحرم الخ عبارة التحفة: فإن ميز بعضهم ولو لنحو علم، أو شرف، أو أبوة، أو انتظرهم كلهم لا لله بل للتودد، كره. وقال الفوراني: يحرم للتودد. اه. وإذا علمت ذلك تعلم أن في عبارة الشارح سقطا من النساخ. (قوله: ويسن للإمام تخفيف الصلاة) وذلك لخبر: إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف، والسقيم، وذا الحاجة. وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطل ما شاء. وخبر أنس رضي الله عنه قال: ما صليت خلف أحد قط أخف صلاة ولا أتم من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وما أحسن قول بعضهم: رب إمام عديم ذوق * قد أم بالناس وهو مجحف خالف في ذاك قول طه: * * من أم بالناس فليخفف (قوله: مع فعل أبعاض وهيئات) أي أن التخفيف المسنون لا يكون بترك الأبعاض والهيئات، بل يكون مع فعلهما. (قوله: بحيث لا يقتصر) هذا تصوير للتخفيف المطلوب. (وقوله: على الأقل) كتسبيحة واحدة. وقوله: ولا يستوفي الأكمل كالإحدى عشرة تسبيحة، بل يأتي بأدنى الكمال كثلاث تسبيحات. ويستثنى ما ورد بخصوصه ك آلم السجدة، وهل أتى في صبح يوم الجمعة فيأتي بهما. وكتب ع ش ما نصه: قوله ولا يستوفي الأكمل .. لعله غير مراد بالنسبة للأبعاض، فإنه لا يترك شيئا من التشهد الأول ولا من القنوت، ولا من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه. اه. (قوله: إلا أن رضي إلخ) أي لفظا أو سكوتا مع علمه برضاهم عند م ر. وعند ابن حجر: لا بد من اللفظ ولا يكتفي عنده بالسكوت. (وقوله: محصورون) هذا صادق بكون المحصورين الراضين بعض الجملة الغير المحصورة، فيفيد حينئذ أنه إن رضي قوم محصورون من جماعة غير محصورين، راعى المحصورين وطول، وليس كذلك، فلا بد من تخصيصهم بكونهم ليس هناك غيرهم. وزاد في التحفة لفظ جميع، بعد قول المتن إلا أن يرضى، لدفع هذا الإيهام. وزاد أيضا قيودا آخر، وعبارته مع الأصل .. إلا أن يرضى الجميع بتطويله باللفظ لا بالسكوت، وهم محصورون بمسجد

حريق خفف، وهل يلزم أم لا؟ وجهان، والذي يتجه أنه يلزمه لانقاذ حيوان محترم، ويجوز له لانقاذ نحو مال كذلك، ومن رأى حيوانا محترما يقصده ظالم أو يغرق لزمه تخليصه وتأخير صلاة، أو إبطالها إن كان فيها، أو مالا جاز له ذلك. وكره له تركه. وكره ابتداء نفل بعد شروع المقيم في الاقامة، ولو بغير إذن الامام، فإن كان فيه ـــــــــــــــــــــــــــــ غير مطروق لم يطرأ غيرهم، ولا تعلق بعينهم حق كأجراء عين على عمل ناجز، وأرقاء، ومتزوجات - كما مر - فيندب له التطويل، كما في المجموع عن جمع. واعتمده جمع متأخرون، وعليه تحمل الأخبار الصحيحة في تطويله - صلى الله عليه وسلم - أحيانا. أما إذا انتفى شرط مما ذكر فيكره له التطويل، وإن أذن ذو الحق السابق في الجماعة، لأن الإذن فيها لا يستلزم الإذن في التطويل، فاحتيج للنص عليه. نعم، أفتى ابن الصلاح فيما إذا لم يرضى واحد أو اثنان أو نحوهما لعذر بأنه يراعي في نحو مرة لا أكثر رعاية لحق الراضين، لئلا يفوت حقهم بواحد، أي مثلا. وفي المجموع أنه حسن متعين. اه. ومثله في النهاية. (قوله: وكره له تطويل) أي إلا إن رضي به محصورون، كما يؤخذ مما قبله. (قوله: وإن قصد لحوق آخرين) أي لما في ذلك من ضرر الحاضرين مع تقصير من لم يحضر بعدم المبادرة. وأشار بالغاية المذكورة إلى أن الكراهة لا تختص بقصد لحوق الآخرين بل هي ثابتة مطلقا إلا أن رضي المحصورون، كما تقدم. (قوله: ولو رأى مصل) أي مطلقا منفردا، أو إماما، أو مأموما. (قوله: خفف) جواب لو. وانظر: هل المراد بالتخفيف هنا ما مر، وهو أن لا يقتصر على الأقل ولا يستوفي الأكمل؟ أو المراد به الاقتصار على الواجبات فقط. (قوله: وهل يلزم أم لا؟) أي وهل يلزمه التخفيف أم لا؟ وفي بعض نسخ الخط: وهل يلزمه القطع أم لا؟ وهذا هو الموافق لما في التحفة والنهاية. لكن يرد عليه شيآن: الأول عدم ملاءمته لما قبله، خصوصا على ما في ع ش من أن التخفيف مندوب، لأنه إذا كان التخفيف مندوبا فمثله بالأولى القطع فيكون مندوبا بلا تردد. الثاني أن تردده في لزوم القطع ينافيه كلامه بعد، حيث جزم فيه بلزوم الإبطال إن كان في الصلاة. ويمكن دفع الأول بحمل التخفيف على الوجوب لا على الندب، كما قال ع ش: وأما الثاني فلا يندفع أصلا. تأمل. (وقوله: والذي يتجه أنه) أي أن التخفيف أو القطع على ما مر. (وقوله: يلزمه الخ) قال ع ش: هل محله إذا لم يمكنه إنقاذه إذا صلى، كشدة الخوف؟ أو يجب القطع وإن أمكنه ذلك؟ فيه نظر. ولا يبعد الأول قياسا على ما قالوه فيمن خطف نعله في الصلاة. (وقوله: ويجوز) أي التخفيف أو القطع على ما مر. قال ع ش: قضية التعبير بالجواز عدم سنه، والأقرب خلافه. اه. (قوله: ومن رأى) أي سواء كان مصليا أو غيره. وهذه المسألة لم يذكرها في التحفة ولا في النهاية هنا، فلو أسقطها الشارح لم يرد عليه الشئ الثاني المار. ثم رأيته في التحفة في باب صلاة شدة الخوف نقلها عن بعضهم. ونص عبارته هناك، وفي الجيلي: لو ضاق الوقت وهو بأرض مغصوبة أحرم ماشيا، كهرب من حريق. وفيه نظر. والذي يتجه أنه لا تجوز له صلاتها صلاة شدة الخوف، ومن ثم صرح بعضهم بأن من رأى حيوانا محترما يقصده ظالم أي ولا يخشى منه قتالا أو نحوه أو يغرق، لزمه تخليصه، وتأخيرها أو إبطالها إن كان فيها، أو مالا جاز له ذلك، وكره له تركه. اه. بحذف. إذا علمت ذلك تعلم أن ضم الشارح هذه المسألة لما هنا موجب للتنافي وعدم الالتئام بين المسائل، فكان الأولى عدم ذكرها هنا. (قوله: حيوانا محترما) المراد بالمحترم ما يحرم قتله، وبغيره ما لا يحرم قتله كمرتد، وزان محصن، وتارك الصلاة. والكلب ثلاثة أقسام: عقور، وهذا لا خلاف في عدم احترامه. والثاني محترم بلا خلاف، وهو ما فيه نفع من صيد أو حراسة. والثالث ما فيه خلاف، وهو ما لا نفع فيه ولا ضرر. والمعتمد عند م ر أنه محترم يحرم قتله. (قوله: أو مالا) معطوف على حيوانا. أي أو رأى مالا يقصده ظالم أو يغرق. (وقوله: جاز له ذلك) أي التخليص وتأخير الصلاة أو

أتمه، إن لم يخش بإتمامه فوت جماعة، وإلا قطعه ندبا ودخل فيها، ما لم يرج جماعة أخرى. (و) تدرك (ركعة) لمسبوق أدرك الامام راكعا بأمرين: (بتكبيرة) الاحرام، ثم أخرى لهوي، فإن اقتصر على تكبيرة اشترط أن يأتي بها (لاحرام) فقط، وأن يتمها قبل أن يصير إلى أقل الركوع، وإلا لم تنعقد إلا لجاهل فتنعقد له نفلا، بخلاف ما لو نوى الركوع وحده، لخلوها عن التحرم، أو مع التحرم للتشريك، أو أطلق لتعارض قرينتي الافتتاح ـــــــــــــــــــــــــــــ إبطالها إن كان فيها. (قوله: وكره له) أي لمن رأى مالا. (وقوله: تركه) أي ما ذكر من التخليص وما بعده. (قوله: وكره ابتداء نفل) أي كراهة تنزيه لمن أراد أن يصلي مع الجماعة، وذلك للخبر الصحيح: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. ومثل النفل الطواف كما في التحفة. (وقوله: بعد شروع إلخ) وكذا عند قرب شروعه فيها إن أراد الصلاة، (قوله: ولو بغير إذن الإمام) أي يكره ذلك، ولو كان المقيم شرع في الإقامة بغير إذن إمامه. (قوله: فإن كان فيه إلخ) اسم كان يعود على معلوم من المقام، وهو مريد الجماعة، وضمير فيه يعود على النفل، وفي الكلام حذف الواو مع ما عطفت، أي فإن كان من ذكر متلبسا بالنفل وشرع المقيم في الإقامة. (وقوله: أتمه) أي ندبا، سواء الراتبة والمطلقة، إذا نوى عددا، فإن لم ينوه اتجه الاقتصار على ركعتين. اه. تحفة. (قوله: إن لم يخش بإتمامه) أي النفل. (وقوله: فوت جماعة) أي بسلام الإمام. (قوله: وإلا) أي وإلا لم يخش بأن خشي بإتمامه فوت جماعة بأن سلم الإمام قبل فراغه من النفل. (وقوله: قطعة) أي النفل، لأن الجماعة أولى منه. (وقوله: ندبا) أي في غير الجمعة. أما فيها: فقطعة واجب لإدراكها بإدراك ركوعها الثاني. اه. نهاية. (قوله: ودخل فيها) أي في الجماعة. (قوله: ما لم يرج جماعة أخرى) أي محل ندب قطعه ما لم يغلب على ظنه تحصيل جماعة أخرى، وإلا فلا يندب، بل يتمه. (قوله: وتدرك ركعة لمسبوق) وهو من لم يدرك زمنا يسع الفاتحة مع الإمام. (قوله: راكعا) حال من الإمام. (قوله: بأمرين) متعلق بتدرك، أي تدرك الركعة بأمرين، أي مجموعهما. وهما تكبيرة الإحرام وإدراك ركوع الإمام، وذلك لقوله عليه السلام: من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدركها. (قوله: بتكبيرة الإحرام) بدل بعض من الجار والمجرور قبله، وهذه التكبيرة واجبة في القيام أو بدله. (قوله: ثم أخرى لهوي) أي ثم تكبيرة أخرى للهوي، وهذه التكبيرة مندوبة، لأن الركوع محسوب له، فندب له التكبير. (قوله: فإن اقتصر على تكبيرة) أي فإن أراد الاقتصار على تكبيرة. (وقوله: اشترط أن يأتي بها الإحرام) أي اشترط أن يقصد بها تكبيرة الإحرام فقط. (قوله: وإن يتمها إلخ) أي واشترط أن يتم هذه التكبيرة إلخ، فهو شرط ثان. (قوله: قبل أن يصير إلى أقل الركوع) صادق بما إذا أتمها وهو قريب من الركوع، فيفيد أنه حينئذ يدرك الركعة، وليس كذلك، بل يشترط في إدراك الركعة أن يتمها، وهو إلى القيام أقرب منه إلى أقل الركوع - كما صرح بذلك في التحفة والنهاية -. ثم رأيت في فتح الجواد ما نصه: قبل أن يصير أقرب إلى الركوع. اه. فلعل لفظه أقرب ساقطة من الناسخ، وبقي ما إذا صار بينهما على السواء. فمقتضى عبارة الفتح أنه لا يضر، ومقتضى عبارة التحفة والنهاية أنه يضر. (قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يتمها قبل إلخ، بأن أتمها بعد أن صار إلى أقل الركوع. وقد علمت ما فيه. (قوله: لم تنعقد) أي أصلا، لا فرضا ولا نفلا. (قوله: إلا لجاهل) أي بأنه يشترط تمام تكبيرته قبل أن يصير أقرب إلى الركوع. (قوله: فتنعقد له نفلا) الظاهر من كلامهم أنها لا تنعقد منه أيضا، كما في البجيرمي، ونص عبارته: فإن أتمها أو بعضها وهو إلى الركوع أقرب، أو إليهما على حد سواء، لم تنعقد له فرضا ولا نفلا. وظاهر كلامهم: ولو جاهلا، وهو مما تعم به البلوى ويقع كثيرا للعوام. وفي شرح الإرشاد: وتنعقد نفلا للجاهل. اه. (قوله: بخلاف الخ) شروع في مفاهيم قوله أن يأتي بها الإحرام فقط، فالأول والثالث مفهوم قوله يأتي بها لإحرام، والثاني مفهوم قوله فقط. (قوله: لخلوها عن التحرم) تعليل لمحذوف، أي فلا تنعقد لخلوها عن التحرم. (قوله: أو مع التحرم) أي أو نوى الركوع مع التحرم. (قوله: للتشريك) أي فلا تنعقد للتشريك بين فرض وسنة مقصودة، فأشبه نية الظهر وسنته. (قوله: أو أطلق) أي لم ينو شيئا، لا الإحرام ولا الركوع، ومثله ما لو نوى أحدهما مبهما. زاد في التحفة: ما لو شك: أنوى بها التحرم

والهوي، فوجبت نية التحرم لتمتاز عما عارضها من تكبيرة الهوي. (و) بإدراك (ركوع محسوب) للامام وإن قصر المأموم فلم يحرم إلا وهو راكع. وخرج بالركوع غيره، كالاعتدال وبالمحسوب غيره كركوع محدث، ومن في ركعة زائدة. ووقع للزركشي في قواعده، ونقله العلامة أبو المسعود وابن ظهيرة في حاشية المنهاج: أنه يشترط أيضا أن يكون الامام أهلا للتحمل، فلو كان الامام صبيا لم يكن مدركا للركعة، لانه ليس أهلا للتحمل. (تام) بأن يطمئن قبل ارتفاع الامام عن أقل الركوع، وهو بلوغ راحتيه ركبتيه (يقينا)، فلو لم يطمئن فيه قبل ـــــــــــــــــــــــــــــ وحده أم لا؟ قال في فتح الجواد: وفي هذه الأحوال لا تنعقد فرضا مطلقا ولا نفلا إلا لجاهل. اه. قال سم: والنظر قوي جدا في نحو نية الركوع وحده كما لا يخفى، بل يجب أن لا يكون هذا مرادا. اه. (قوله: لتعارض الخ) أي فلا تنعقد لتعارض قرينتين، وهما الافتتاح والهوي. قال في التحفة: لأن قرينة الافتتاح تصرفها إليه، وقرينة الهوي تصرفها إليه، فاحتيج لقصد صارف عنهما وهو نية التحرم فقط لتعارضهما. وبه يرد استشكال الأسنوي له بأن قصد الركن لا يشترط، لأن محله حيث لا صارف، وهنا صارف كما علمت. اه. (قوله: فوجبت نية التحرم) أي بالتكبيرة. (وقوله: لتمتاز) أي تكبيرة التحرم. (وقوله: عما عارضها) متعلق بتمتاز، والضمير البارز عائد على تكبيرة التحرم. (وقوله: من تكبيرة الهوى) بيان لما. (قوله: وبإدراك ركوع) معطوف على تكبيرة الإحرام. (وقوله: محسوب) أي بأن يكون متطهرا في ركعة أصلية غير الثاني في الكسوف. اه. كردي. (قوله: وإن قصر المأموم) غاية في إدراك الركعة بما ذكر، أي يدرك المسبوق الركعة بما ذكر، وإن قصر الخ. (وقوله: إلا وهو) أي الإمام راكع. (قوله: وخرج بالركوع) أي بإدراك الإمام في الركوع. (وقوله: غيره) أي غير الركوع. (وقوله: كالاعتدال) تمثيل للغير. (قوله: وبالمحسوب) أي وخرج بالركوع المحسوب. (وقوله: غيره) أي غير المحسوب له. (وقوله: كركوع محدث) أي أو متنجس. قال الكردي: ولو أحدث الإمام في اعتداله أدرك الركعة، كما في المغنى والنهاية، بل في شرحي الإرشاد والعباب: أنه إذا أحدث الإمام بعد أن اطمأن معه المأموم يكون مدركا للركعة. اه. بتصرف. (وقوله: ومن ركعة زائدة) معطوف على محدث، أي وكركوع من في ركعة زائدة قام إليها سهوا. ومثله الركوع الثاني من صلاة الكسوفين، لأنه تابع للركوع الأول، فلا يدرك الركعة إذا أدركه. (قوله: أنه يشترط) أي في إدراك الركعة، والمصدر المؤول من أن والفعل فاعل وقع. (قوله: لم يكن) أي المأموم المقتدي به وهو راكع. (قوله: لأنه) أي الصبي: (قوله: تام) صفة ثانية لركوع. (قوله: بأن يطمئن) أي المأموم. وهو تصوير الركوع التام الذي أدركه المسبوق، ودخول على المتن - أعني قوله يقينا -. (قوله: وهو) أي أقل الركوع بلوغ الخ. أي مع اعتدال الخلقة. (قوله: يقينا) منصوب بإسقاط الخافض، أي يطمئن مع الإمام بيقين، بأن يرى البصير الإمام، والأعمى يضع يده على ظهر الإمام أو يسمع تسبيح الإمام، فلا يكفي الظن، ولا سماع صوت المبلغ. وكتب العلامة الكردي ما نصه: قوله إلا بيقين: هذا منقول المذهب. وقال سم في حواشي التحفة، نفلا عن بحث م ر، أنه يكفي الاعتقاد الجازم. وعبارة القليوبي على الجلال .. ومثل اليقين ظن لا تردد معه، كما هو ظاهر في نحو بعيد أو أعمى. واعتمده شيخنا الرملي. ونظر العلامة المنلا إبراهيم الكوراني في منقول المذهب بما بينته في الأصل، وكذلك نظر الزركشي، ولا يسع الناس إلا هذا، وإلا لزم أن المقتدي بالإمام في الركوع مع البعد لا يكون مدركا للركعة مطلقا. اه. وقد وقفت على سؤال وجواب في ذلك لبعض المحققين. وصورة السؤال (سئل) رضي الله عنه عن المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع ولم يره لمانع، هل تحسب له تلك الركعة أم لا. (وصورة الجواب) قال الزركشي في الخادم. عند قول الشارح. ولو شك في إدراك الحد المعتبر، ما نصه: فإن غلب على ظنه شئ اتبع. اه. فعليه: إن غلب على ظنه إدراك الحد المعتبر من الركوع مع الإمام تحسب له تلك الركعة، وإلا فلا. وأطال في الجواب. ونظر في قول التحفة لا بد من أن يكون ذلك يكفي يقينا، فلا يكفي الشك ولا الظن،

ارتفاع الامام منه، أو شك في حصول الطمأنينة، فلا يدرك الركعة، ويسجد الشاك للسهو - كما في المجموع - لانه شاك بعد سلام الامام في عدد ركعاته، فلا يتحمل عنه. وبحث الاسنوي وجوب ركوع أدرك به ركعة في الوقت. (ويكبر) ندبا (مسبوق انتقل معه) لانتقاله، فلو أدركه معتدلا كبر للهوي وما بعده، أو ساجدا مثلا - غير سجدة تلاوة - لم يكبر للهوي إليه، ويوافقه - ندبا - في ذكر ما أدركه فيه من تحميد، وتسبيح، وتشهد، ودعاء، وكذا صلاة على الآل، ولو في تشهد المأموم الاول. قاله شيخنا. (و) يكبر مسبوق للقيام (بعد سلاميه إن كان) ـــــــــــــــــــــــــــــ بل ولا غلبة الظن، إلى أن قال: ويزيد ما قلناه تأييدا قوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * وإلزام من لا يرى الإمام تيقن الإدراك فيه حرج كبير منفي في الدين. اه. (قوله: فلو لم يطمئن الخ) أي بأن لم يطمئن أصلا، أو اطمأن بعد ارتفاع الإمام من أقل الركوع. (وقوله: فيه) أي الركوع. (قوله: أو شك الخ) هذا مفهوم قوله يقينا، وما قبله مفهوم قوله قبل ارتفاع الإمام. (قوله: فلا يدرك الركعة) جواب لو. أي فيجب عليه حينئذ أن يأتي بعد سلام الإمام بركعة. (قوله: ويسجد الشاك للسهو) عبارة الإمداد: وحيث أتى الشاك بالركعة بعد سلام الإمام يسجد للسهو. كما استظهره في المجموع، وعلله بأنه شاك بعد سلام الإمام في عدد ركعاته، فلا يتحمل عنه. اه. (قوله: وبحث الأسنوي وجوب ركوع إلخ) صورة المسألة: أن يضيق الوقت، ويجد مصليا راكعا، ولو اقتدى به يدرك ركعة في الوقت ولو لم يقتد به، بل صلى منفردا، لا يدركها فيه، فيجب عليه حينئذ أن يقتدي به، لأجل إدراك ركعة في الوقت. (فقوله: وجوب ركوع) في العبارة اختصار، أي وجوب الاقتداء بالإمام الراكع، والركوع معه لأجل إدراك ركعة في الوقت. وعبارة التحفة والنهاية: ولو ضاق الوقت وأمكنه إدراك ركعة بإدراك ركوعها مع من يتحمل عنه الفاتحة لزمه الاقتداء به، كما هو ظاهر. انتهت. (قوله: ويكبر ندبا مسبوق) أي موافقة لإمامه في التكبير وإن لم يحسب له ذلك الفعل. (وقوله: انتقل معه) الجملة صفة مسبوق، وضمير معه يعود على الإمام. (قوله: لانتقاله) متعلق بيكبر. واللام تعليلية. (قوله: فلو أدركه) أي أدرك المأموم الإمام. (وقوله: معتدلا) حال من الضمير البارز. (قوله: كبر للهوي) أي للمتابعة. (قوله: وما بعده) أي وما بعد الهوي من الأركان. (قوله: أو ساجدا) معطوف على معتدلا، أي أو أدرك الإمام حال كونه ساجدا. (قوله: غير سجدة تلاوة) أما هي فيكبر لها للمتابعة لأنها محسوبة له، كما قال الأذرعي. قال في التحفة بعد نقله كلام الأذرعي: وفي كون التلاوة محسوبة له نظر ظاهر، إذ من الواضح أنه إنما يفعلها للمتابعة، فحينئذ الذي يتجه أنه لا يكبر للانتقال إليها. اه. (قوله: لم يكبر للهوي إليه) أي السجود، وذلك لأنه لم يتابعه في الهوي ولا هو محسوب له. وعبارة الروض وشرحه: لو أدركه في السجود الأول أو الثاني أو الجلوس بينهما أو التشهد الأول والأخير لم يكبر للهوي إليه، لأنه لم يتابعه فيه ولا هو محسوب له، بخلاف انتقاله معه بعد ذلك من ركن إلى آخر، وبخلاف الركوع. اه. (قوله: ويوافقه) أي ويوافق المأموم الإمام. (وقوله: في ذكر ما أدركه) أي في ذكر الفعل الذي أدرك الإمام فيه، سواء كان ذلك الذكر واجبا أو مندوبا. (وقوله: من تحميد إلخ) بيان لذكر، لا لما. وكتب البجيرمي ما نصه: قوله من تحميد: أي في الإعتدال، وهو قوله: ربنا لك الحمد، ولا يقول سمع الله لمن حمده. كما أفاده شيخنا. اه. (قوله: وتسبيح) أي في الركوع والسجودين، (قوله: وتشهد) قال في التحفة: واعترض ندب الموافقة في التشهد بأن فيه تكرير ركن قولي، وفي إبطاله خلاف. ويرد بشذوذه أو منع جريانه هنا، لأنه لصورة المتابعة. اه. (قوله: ودعاء) أي حتى عقب التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن الصلاة لا سكوت فيها. (قوله: وكذا صلاة على الآل) أي وكذا يوافقه في الصلاة على الآل. (قوله: ولو في تشهد المأموم لأول) أي يوافقه المأموم في الصلاة على الآل ولو كان في تشهده الأول. وخالف م ر ذلك وقيد الموافقة فيها بما إذا كان في غير محل تشهده، فخرج به ما إذا كان في محل تشهده بأن كان تشهدا أول له فلا يأتي بالصلاة على الآل. قال البجيرمي: وهو

_ (1) الحج: 78

المحل الذي جلس معه فيه (موضع جلوسه) لو انفرد، كأن أدركه في ثالثة رباعية، أو ثانية مغرب، وإلا لم يكبر للقيام، ويرفع يديه تبعا لامامه القائم من تشهده الاول، وإن لم يكن محل تشهده، ولا يتورك في غير تشهده الاخير. ويسن له أن لا يقوم إلا بعد تسليمتي الامام. وحرم مكث بعد تسليمتيه - إن لم يكن محل جلوسه - فتبطل صلاته به إن تعمد وعلم تحريمه. ولا يقوم قبل سلام الامام، فإن تعمده بلا نية مفارقة بطلت. والمراد مفارقة حد القعود، فإن سها أو جهل لم يعتد بجميع ما أتى به حتى يجلس، ثم يقوم بعد سلام الامام. ومتى ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهر، لإخراجه التشهد الأول عما طلب فيه، وليس هو حينئذ لمجرد المتابعة. اه. (قوله: قاله شيخنا) أي في التحفة، وقال فيها: ولا نظر لعدم ندبها فيه لما تقرر أن ملحظ الموافقة رعاية المتابعة لا حال المأموم. (قوله: ويكبر مسبوق للقيام). الواو من المتن، فأدخلها الشارح على مقدر معلوم مما قبله هو متعلق الظرف بعده، أي ويسن للمسبوق أن يكبر إذا أراد أن يأتي بما عليه عند قيامه بعد سلامي الإمام إن كان الخ. (قوله: بعد سلاميه) أي الإمام. (قوله: إن كان الخ) قيد في ندب التكبير للقيام بعد سلام الإمام. وقوله: المحل الذي جلس أي المأموم. وقوله: معه أي الإمام. وقوله: فيه أي في المحل. (قوله: موضع جلوسه) أي المأموم. (قوله: لو انفرد) أي لو صلى منفردا. (قوله: كأن أدركه إلخ) الكاف استقصائية، ولو أتى بباء التصوير لكان أولى. (قوله: وإلا لم يكبر) أي وإن لم يكن موضع جلوسه لو انفرد لم يكبر للقيام، كأن أدركه في ثانية أو رابعة رباعية، أو ثالثة ثلاثية، وذلك لأنه ليس محل تكبيرة، وليس فيه موافقة لإمامه. (قوله: ويرفع يديه إلخ) يعني يرفع المسبوق ندبا، عند قيام الإمام من تشهده الأول تبعا في ذلك. ومقتضى التعليل بالتبعية أنه لو لم يأت به الإمام لا يأتي هو به. لكن نقل ع ش عن حجر أنه يأتي به ولو لم يأت به إمامه. فتنبه. (قوله: وإن لم يكن الخ) الواو للحال، وإن زائدة، لأن التبعية لإمامه في الرفع لا تكون إلا إذا لم يكن محل تشهده. أي يرفع يديه تبعا في حال أنه لم يكن المحل الذي قام منه المأموم محل تشهده، كأن اقتدى بالإمام في ركعته الثانية. (قوله: ولا يتورك) أي لا يسن للمسبوق أن يتورك، وإنما أتى به لدفع ما يتوهم من موافقته أيضا في كيفية الجلوس. وتقدم معنى التورك وهو أن يخرج يسراه من جهة يمناه، ويلصق وركه بالأرض. وقوله: في غير تشهده أي تشهد نفسه. وقوله: الأخير هو ما يعقبه سلام، كما تقدم (قوله: ويسن له) أي للمسبوق. وهذا ليس مكررا مع قوله سابقا: ويكبر مسبوق للقيام بعد سلاميه، لأن ذلك في سنية التكبير للقيام بعد سلاميه، وهذا في سنية القيام بعد ذلك. فتنبه. وقوله: إن لا يقوم إلا بعد تسليمتي الإمام أي فيسن له انتظار سلامه الثاني، لأنه من لواحق الصلاة، وهذا هو محل انصباب السنية. أما انتظار سلامة الأول فهو واجب كما يستفاد من قوله بعد: ولا يقوم قبل سلام إلخ. (قوله: وحرم مكث بعد تسليمتيه) أي فيجب عليه القيام فورا. قال الكردي: المخل بالفورية ما يبطل في الجلوس بين السجدتين، وهو الزيادة على الوارد فيهما بقدر أقل التشهد، هذا عند الشارح، وعند الجمال الرملي على طمأنينة الصلاة، فمتى مكث بعد تسليمتي الإمام زائدا على ذلك بطلت صلاته عنده. اه. (قوله: إن لم يكن محل جلوسه) أي لو كان منفردا، فإن مكث في محل جلوسه لو كان منفردا جاز وإن طال. اه. نهاية. (قوله: ولا يقوم قبل سلام الإمام) أي ولا يجوز أن يقوم قبل سلام الإمام ولا معه، كما صرح به في شرح البهجة حيث قال: ويجوز أن يقوم عقب الأولى، فإن قام قبل تمامها عامدا بطلت صلاته. قال ع ش: وظاهره ولو عاميا. وينبغي خلافه حيث جهل التحريم، لما تقدم من أنه لو قام قبل سلام الإمام سهوا لا تبطل صلاته، لكن لا يعتد بما فعله، فيجلس وجوبا ثم يقوم. اه. (قوله: فإن تعمده) أي تعمد القيام قبل سلام الإمام. (قوله: بلا نية مفارقة) خرج به ما لو نوى المفارقة ثم قام فلا تبطل صلاته. (قوله: بطلت) أي صلاته. ولا يقال: كيف تبطل مع أنه إنما سبق بركن فقط، وهو لا يبطل؟ لأنا نقول هنا قد تمت الصلاة بما وقع السبق به وهو السلام. ومحل عدم البطلان إذا وقع السبق قبل التمام. (قوله: والمراد مفارقة إلخ) أي والمراد بالقيام المخل مفارقة حد القعود، لا الانتصاب قائما. قال سم: يقال ينبغي البطلان بمجرد الأخذ في النهوض وإن لم يفارقه حد القعود، لأنه شروع في المبطل وهو مبطل كما لو قصد ثلاث فعلات متوالية، فإن مجرد الشروع في الأولى مبطل. فليتأمل. اه. (قوله: فإن سها

علم ولم يجلس بطلت صلاته. وبه فارق من قام عن إمامه في التشهد الاول عامدا، فإنه يعتد بقراءته قبل قيام الامام لانه لا يلزمه العود إليه، (وشرط لقدوة) شروط منها: (نية اقتداء، أو جماعة)، أو ائتمام بالامام الحاضر، ـــــــــــــــــــــــــــــ الخ) الأولى التعبير بالواو، لأن ما دخلت عليه مقابل قوله فإن تعمده، لا مفرع عليه حتى يعبر بالفاء. والمراد أنه قام قبل السلام ساهيا أنه في الصلاة أو جاهلا تحريم قيامه قبل السلام. (قوله: لم يعتد بجميع ما أتى به) أي من الأركان. والمناسب في الجواب أن يقول: وجب عليه الجلوس ولا يعتد الخ. (قوله: حتى يجلس) قال سم: أي وإن سلم الإمام قبل أن يجلس، وإذا جلس قبل سلام الإمام وكان موضع جلوسه كما هو الفرض لم يجب قيامه فورا بعد سلام الإمام كما لو لم يقم، وكذا إذا جلس بعد سلام الإمام فيما يظهر، لأن قيامه لغو، فكأنه باق في الجلوس، وهو لو بقي في الجلوس لم يلزمه القيام فورا بعد سلام الإمام. اه. (قوله: ومتى علم) أي أو تذكر أنه قام قبل سلام الإمام. (قوله: بطلت صلاته) أي لعدم الإتيان بالجلوس الواجب عليه. اه ع ش. (قوله: وبه فارق) أي وبلزوم جلوسه المفهوم من قوله حتى يجلس ثم قيامه فارق من قام إلخ، وذلك لأنه لا يلزم الجلوس والقيام حتى لا يعتد بما قرأه. (قوله: لأنه لا يلزمه العود إليه) أي إلى التشهد. (قوله: وشرط لقدوة) أي لصحتها المستلزمة صحة الصلاة. وقوله: شروط أي سبعة، نظمها ابن عبد السلام بقوله: وسبعة شروط الاقتداء: * * نية، قدوة بلا امتراء كذا اجتماع لهما في الموقف * * مع المساواة أو التخلف وعلم مأموم بالانتقال * * توافق النظمين في الأفعال توافق الإمام في السنة إن * * كان بخلفه تفاحش يبن تتابع الإمام فيما فعلا * * تأخر المأموم عنه أولا ونظمها بعضهم في بيتين فقال: وافق النظم وتابع واعلمن * * أفعال متبوع مكان يجمعن واحذر لخلف فاحش تأخرا * * في موقف مع نية - فحررا (قوله: منها نية اقتداء) أي نية المأموم الاقتداء، وذكر خمس كيفيات لنية القدوة. وإنما اشترطت النية لصحة القدوة لأنها عمل، فافتقرت للنية. (قوله: أو جماعة) أي أو نية جماعة، ويصح للإمام نيتها أيضا، فيكون معناها في حقه غير معناها في حق المأموم. ولا يضر ذلك في حالة الإطلاق لأنها تنزل في كل على ما يليق به، لأن قرائن الأحوال قد تخصص النيات. (قوله: أو ائتمام) أي أو نية ائتمام. (قوله: بالإمام) متعلق بكل من الاقتداء والجماعة والائتمام. قال

أو الصلاة معه، أو كونه مأموما (مع تحرم) أي يجب أن تكون هذه النية مقترنة مع التحرم. وإذا لم تقترن نية نحو الاقتداء بالتحرم لم تنعقد الجمعة، لاشتراط الجماعة فيها، وتنعقد غيرها فرادى. فلو ترك هذه النية، أو شك فيها، وتابع مصليا في فعل، كأن هوى للركوع متابعا له، أو في سلام بأن قصد ذلك من غير اقتداء به وطال عرفا انتظاره له، بطلت صلاته. (ونية إمامة) أو جماعة (سنة لامام في غير جمعة) لينال فضل الجماعة، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكردي: ذكر في الإيعاب في اشتراط ذلك خلافا طويلا اعتمد منه الاكتفاء بنية الائتمام أو الاقتداء أو الجماعة، وهو كذلك في شرحي الإرشاد والتحفة والنهاية. واعتمد الخطيب في المغني خلافه، فقال: لا يكفي كما قاله الأذرعي، إطلاق نية الاقتداء من غير إضافة إلى الإمام. اه. وقوله: الحاضر أي الذي وصفه هذا في الواقع، لا أنه ملحوظ في نيته، فلا ينافي أنه لا يجب تعيين الإمام باسمه أو صفته التي منها الحاضر. (قوله: أو الصلاة معه) بالجر معطوف على اقتداء، أي أو نية الصلاة معه، أي مع الإمام. (قوله: أو كونه مأموما) أي أو نية كونه مأموما. (قوله: مع تحرم) الظرف متعلق بمحذوف حال من نية اقتداء، أي حال كونها كائنة مع التحرم. قال سم: ينبغي الانعقاد إذا نوى في أثناء التكبيرة أو آخرها. اه. (قوله: أي يجب أن تكون الخ) هذا إن أراد الاقتداء به ابتداء، فلا ينافي ما مر أنه لو صلى منفردا ثم نوى القدوة في أثناء صلاته جاز. وقوله: مقترنة مع التحرم المناسب مقترنة بالتحرم، بالباء بدل مع، ثم إن وجوب الاقتران بالنسبة للجمعة لأجل انعقادها، لأن الجماعة شرط فيها، وبالنسبة لغيرها لأجل تحصيل فضيلة الجماعة، كما يفيده كلامه بعد. (قوله: وإذا لم تقترن إلخ) المناسب التعبير بالفاء، لأن المقام يفيد التفريع. وقوله: نية نحو الاقتداء أي كالجماعة والائتمام. وقوله: بالتحرم متعلق بتقترن. (قوله: لم تنعقد الجمعة) مثلها المعادة والمجموعة بالمطر والمنذورة جماعتها لاشتراط الجماعة فيها. (قوله: لاشتراط الجماعة فيها) أي في الجمعة. (قوله: وتنعقد) الأولى وينعقد بياء الغيبة. (وقوله: غيرها) أي الجمعة. (قوله: فلو ترك هذه النية) أي تحقق عدم الإتيان بها، ولو لنسيان أو جهل. اه. برماوي. (قوله: أو شك فيها) أي في هذه النية. وفي هذه الحالة هو منفرد، فليس له المتابعة. (قوله: وتابع إلخ) هذا في غير الجمعة، أما فيها فيؤثر الشك إن طال زمنه وإن لم يتابع ومضى معه ركن، كما لو شك في أصل النية. وقوله: مصليا مفعول تابع، وهو صادق بمن كان إماما لجماعة وبغيره. (قوله: في فعل) أي ولو بالشروع فيه، كما يفيده قوله بعد: كأن هوى الخ: (قوله: أو في سلام) معطوف على في فعل، أي بأن وقف سلامه على سلام غيره من غير نية قدوة. وخرج بالسلام غيره من الأقوال، فلا تضر المتابعة فيه. (قوله: بأن قصد ذلك) أي تعمد ما ذكر من المتابعة في فعل أو سلام، والجار والمجرور حال من فاعل تابع، أي تابع حال كونه متلبسا بقصد المتابعة، فلو تابع اتفاقا لا يضر، وقال ع ش: هو تصوير للمتابعة. (قوله: من غير اقتداء به) متعلق بقصد. (قوله: وطال عرفا انتظاره له) أي لما ذكر من الفعل أو السلام لأجل أن يتبعه فيه. وخرج به ما إذا تابعه من غير انتظار أو بعد انتظار لكنه غير طويل فلا يضر، ومثله إذا طال ولكنه لم يتابعه. والتقييد في مسألة الشك بالطول والمتابعة هو المعتمد - كما في التحفة والنهاية والمغني - خلافا لجمع منهم الأسنوي، والأذرعي، والزركشي - جعلوا الشك في نية القدوة كالشك في أصل النية، فأبطلوا الصلاة بالطويل وإن لم يتابع، وباليسير حيث تابع. (قوله: بطلت صلاته) أي لأنه متلاعب لكونه وقفها على صلاة غيره بلا رابط بينهما. قال في النهاية: هل البطلان عام في العالم بالمنع والجاهل أو مختص بالعالم؟ قال الأذرعي: لم أر فيه شيئا، وهو محتمل، والأقرب أنه يعذر. لكن قال في الوسيط: إن الأشبه عدم الفرق. وهو الأوجه. اه. (قوله: ونية إمامة) مبتدأ، خبره سنة. قال في الزبد: ونية المأموم أولا تجب * * وللإمام غير جمعة ندب قال في التحفة: ووقتها - أي نية الإمامة، عند التحرم، وما قيل أنها لا تصح معه - لأنه حينئذ غير إمام - قال الأذرعي: غريب، ويبطله وجوبها على الإمام في الجمعة عند التحرم. (قوله: أو جماعة) قد تقدم أنها صالحة له، كما

وللخروج من خلاف من أوجبها. وتصح نيتها مع تحرمه وإن لم يكن خلفه أحد، إن وثق بالجماعة على الاوجه، لانه سيصير إماما، فإن لم ينو، ولو لعدم علمه بالمقتدين، حصل لهم الفضل دونه، وإن نواه في الاثناء، حصل له الفضل من حينئذ، أما في الجمعة فتلزمه مع التحرم. (و) منها: (عدم تقدم) في المكان يقينا ـــــــــــــــــــــــــــــ هي صالحة للمأموم والتعيين بالقرائن. (قوله: سنة لإمام) أي ولو كان راتبا. وفي البجيرمي: وإذا لم ينو الإمام الإمامة استحق الجعل المشروط له، لأنه لم يشرط عليه نية الإمامة، وإنما الشرط ربط صلاة المأمومين بصلاته، وتحصل لهم فضيلة الجماعة، ويتحمل السهو وقراءة المأمومين على المعتمد. وصرح به سم، خلافا للشبراملسي. اه. (قوله: في غير جمعة) سيأتي محترزه. (قوله: لينال فضل الجماعة) أي ليحوز ثواب الجماعة، وهو تعليل لسنية نية الإمامة للإمام. (قوله: وتصح نيتها) أي الإمامة. (قوله: إن وثق بالجماعة) قيد لصحة نيتها إذا لم يكن خلفه أحد، ومفاده أنه إذا لم يثق بها لا تصح نيته للإمامة، فإن نوى بطلت، لتلاعبه. وبه صرح سم، وعبارته: (فرع) المتبادر من كلامهم أن من نوى الإمامة وهو يعلم أن لا أحد يريد الاقتداء به لم تنعقد صلاته، لتلاعبه، وأنه لا أثر لمجرد احتمال اقتداء جني أو ملك به. نعم، إن ظن ذلك لم يبعد جواز نية الإمامة أو طلبها. اه. (وقوله: على الأوجه) مقابله أنها لم تصح، وأن وثق بالجماعة. (قوله: لأنه سيصير إماما) تعليل لصحة نية الإمامة إذا لم يكن خلفه أحد. (قوله: فإن لم ينو) أي الإمامة أصلا. (قوله: دونه) أي الإمام، أي فلا يحصل له فضل الجماعة، إذ ليس للمرء من عمله إلا ما نوى. (قوله: وأن نواه) أي ما ذكر من الإمامة أو الجماعة. والأولى أن يقول نواها بضمير المؤنث. (قوله: في الأثناء) أي أثناء الصلاة. (قوله: حصل له الفضل من حينئذ) أي من حين النية. فإن قلت: مر أن من أدرك الجماعة في التشهد الأخير حصل له فضلها كلها فما الفرق؟. قلت: انعطاف النية على ما بعدها هو المعهود، بخلاف عكسه، ويرد عليه الصوم، فإنه إذا نواه في النفل قبل الزوال تنعطف نيته على ما قبله. ويمكن الفرق بأن الصلاة يمكن فيها التجزي، أي يقع بعضها جماعة وبعضها فرادى، بخلاف الصوم. (فإن قلت): نية المأموم الجماعة في الأثناء لا يجوز بها الفضيلة، بل هي مكروهة. فما الفرق بينه وبين الإمام. قلت: الفرق أن الإمام مستقل في الحالتين، والمأموم كان مستقلا وصار تابعا، فانحطت رتبته، فكره في حقه ذلك. (قوله: أما في الجمعة فتلزمه مع التحرم) أي فتلزمه نية الإمامة مقترنة بالتحرم، فلو تركها معه لم تصح جمعته، سواء كان من الأربعين أو زائدا عليهم، وإن لم يكن من أهل وجوبها. نعم، إن لم يكن من أهل الوجوب ونوى غير الجمعة لم تجب عليه نية الإمامة. ومثل الجمعة: المعادة، والمجموعة جمع تقديم بالمطر، فتلزمه نية الإمامة فيهما. وقال في النهاية: ومثلها في ذلك المنذورة جماعة إذا صلى فيها إماما. اه. أي فتلزمه فيها نية الإمامة، فلو لم ينوها لا تنعقد. وقال ع ش: فيه نظر، لأنه لو صلاها منفردا انعقدت، وأثم بعدم فعل ما التزمه. فالقياس انعقادها حيث لم ينو الإمامة فرادى، لأن ترك نية الإمامة لا يزيد على فعلها منفردا ابتداء. اه. (قوله: ومنها) أي من شروط صحة القدوة. (وقوله: عدم تقدم الخ) أي لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما جعل الإمام ليؤتم به الائتمام: الاتباع. والمتقدم غير تابع فإن تقدم عليه - بما سيأتي في غير صلاة شدة الخوف - في جزء من صلاته بشئ مما ذكر لم تصح صلاته. وفي الكردي ما نصه: في الإيعاب بحث بعضهم أن الجاهل يغتفر له التقدم، لأنه عذر بأعظم من هذا، وإنما يتجه في معذور لبعد محله أو قرب إسلامه. وعليه، فالناسي مثله. اه. ونقله الشوبري في حواشي المنهج، والهاتفي في حواشي التحفة. اه.

(على إمام - بعقب) وإن تقدمت أصابعه. أما الشك في التقدم فلا يؤثر ولا يضر مساواته، لكنها مكروهة. (وندب وقوف ذكر) ولو صبيا لم يحضر غيره، (عن يمين الامام) وإلا سن له تحويله - للاتباع - (متأخر) عنه (قليلا)، بأن تتأخر أصابعه عن عقب إمامه. وخرج بالذكر الانثى، فتقف خلفه، مع مزيد تأخر. (فإن جاء) ذكر ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: بعقب) هو ما يصيب الأرض من مؤخر القدم. (وقوله: وإن تقدمت أصابعه) أي أن الشرط عدم تقدمه بالعقب فقط، سواء تقدمت الأصابع أو تأخرت، فإنه لا يضر ذلك. وذلك لأن فحش التقدم إنما يظهر بالعقب. قال في التحفة: فلا أثر لتقدم أصابع المأموم مع تأخر عقبه ولا للتقدم ببعض العقب المعتمد على جميعه إن تصور فيما يظهر ترجيحه من خلاف. حكاه ابن الرفعة عن القاضي. وعلل الصحة بأنها مخالفة لا تظهر، فأشبهت المخالفة اليسيرة في الأفعال. اه. واعتبار التقدم المضر بالعقب هو في حق القائم، وكذا الراكع. أما القاعد فبألييه. والمضطجع بجنبه وفي المستلقي احتمالان. قال ابن حجر: العبرة فيه بالعقب. وقال غيره برأسه. قال في التحفة: ومحل ما ذكر في العقب وما بعده إن اعتمد عليه، فإن اعتمد على غيره وحده، كأصابع القائم وركبة القاعد، اعتبر ما اعتمد عليه على الأوجه. حتى لو صلى قائما معتمدا على خشبتين تحت أبطه فصارت رجلاه معلقتين في الهواء، أو مما ستين للأرض من غير اعتماد بأن لم يمكنه غير هذه الهيئة، اعتبرت الخشبتان فيما يظهر. ويتردد النظر في مصلوب اقتدى بغيره، لأنه لا اعتماد له على شئ، إلا أن يقال اعتماده في الحقيقة على منكبيه، لأنهما الحاملان له. فليعتبر. اه. (قوله: أما الشك إلخ) هذا محترز قوله يقينا. (قوله: لكنها مكروهة) أي كراهة مفوتة لفضيلة الجماعة فيما ساواه فيه فقط. وكذا يقال في كل مكروه من حيث الجماعة. قال في التحفة - كالنهاية - الفائت هنا فيما إذا ساواه في البعض السبعة والعشرون في ذلك البعض الذي وقعت فيه المساواة. لكن قال السيد عمر البصري أن أراد فضيلة السبعة والعشرين، من حيث ذلك المندوب الذي فوته فواضح، أو مطلقا فعدم الإتيان بفضيلة لا يخل بفضيلة ما أتى به. وسبقه إلى ذلك سم والطبلاوي. ويجري ذلك في غيره من المكروهات الآتية وغيرها. اه. بشرى الكريم. (قوله: وندب وقوف ذكر) التعبير بالوقوف هنا وفيما سيأتي للغالب، فلو لم يصل واقفا كان الحكم كذلك. (قوله: لم يخضر غيره) خرج به ما إذا حضر غيره معه إلى الصف، فيندب لهما الوقوف معا خلفه. وسيصرح به. (قوله: عن يمين الإمام) متعلق بوقوف. قال الكردي: رأيت في شرح البخاري للقسطلاني ما نصه: وقال أحمد: من وقف على يسار الإمام بطلت صلاته. (قوله: وإلا سن) أي وإن لم يقف على يمينه بأن وقف على يساره، سن للإمام تحويله من غير فعل كثير. وعبارة المغني: فإن وقف عن يساره أو خلفه سن له أن يندار مع اجتناب الأفعال الكثيرة، فإن لم يفعل، قال في المجموع: سن للإمام تحويله. اه. وقال سم: فإن خالف ذلك كره، وفاتته فضيلة الجماعة. كما أفتى به شيخنا الرملي. اه. وقوله: للأتباع دليل لندب وقوف الذكر عن يمينه، ولندب التحويل. وذلك ما رواه الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل، فقمت عن يساره، فأخذ برأسي فحولني عن يمينه. قال في النهاية: ويؤخذ منه أنه لو فعل أحد من المقتدين خلاف السنة استحب للإمام إرشاده إليها بيده أو غيرها، إن وثق منه بالامتثال. ولا يبعد أن يكون المأموم مثله في الإرشاد المذكور. اه. (قوله: متأخرا) حال من ذكر، أي حال كونه متأخرا عن الإمام، وهو سنة مستقلة. (وقوله: قليلا) صفة لمصدر محذوف، أي تأخر قليلا، وهو سنة أيضا. فهاتان سنتان، فكان الأولى أن يقول: ويسن تأخره عنه، وكونه قليلا. (قوله: بأن تتأخر أصابعه) تصوير للقلة. وهذا هو ما في التحفة. وصوره في الإيعاب بخروجه عن المحاذاة، وفي فتح الجواد بأن لا يزيد ما بينهما على ثلاثة أذرع. قال: ويحتمل ضبطه بالعرف. ومحل سنية التأخر هنا، وفيما سيأتي، إذا كان الإمام مستورا، فإذا كان عاريا وكان المأموم بصيرا في ضوء وقفا متحاذيين. (قوله: وخرج بالذكر الأنثى) أي والخنثى. (قوله: فتقف) أي الأنثى. وقوله: خلفه أي الإمام. (وقوله: مع مزيد تأخر) ظاهره ولو زاد على ثلاثة أذرع.

(آخر، أحرم عن يساره)، ويتأخر قليلا، (ثم) بعد إحرامه (تأخرا) عنه ندبا، في قيام أو ركوع، حتى يصيرا صفا وراءه. (و) وقوف (رجلين) جاءا معا (أو رجال) قصدوا الاقتداء بمصل (خلفه) صفا، (و) ندب وقوف (في صف أول) وهو ما يلي الامام، وإن تخلله منبر أو عمود، (ثم ما يليه) وهكذا. وأفضل كل صف يمينه. ولو ترادف ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم رأيت في فتاوى ابن حجر ما يفيد ذلك، ونص عبارتها: سئل - نفع الله به - عن قولهم: يستحب أن لا يزيد ما بين الإمام والمأمومين على ثلاثة أذرع، فلو ترك هذا المستحب هل يكون مكروها؟ كما لو ساواه في الموقف وتفوت به فضيلة الجماعة أم لا تفوت؟ وكذلك لو صف صفا ثانيا قبل إكمال الأول، هل يكون كذلك مكروها تفوت به فضيلة الجماعة أم لا؟ فأجاب بقوله: كل ما ذكر مكروه مفوت لفضيلة الجماعة. فقد قال القاضي وغيره، وجزم به في المجموع، السنة التي لا يزيد ما بين الإمام ومن خلفه من الرجال على ثلاثة أذرع تقريبا، كما بين كل صفين. أما النساء فيسن لهن التخلف كثيرا. اه. بحذف. (قوله: فإن جاء ذكر آخر) أي بعد اقتداء الجائي أولا بالإمام. (قوله: أحرم عن يساره) أي الإمام. هذا إن كان بيساره محل، وإلا أحرم خلفه ثم تأخر عنه من هو على اليمين. (قوله: ثم بعد إحرامه تأخرا) أي أو تقدم الإمام، والتأخر أفضل، فإن لم يمكن إلا أحدهما فعل، وأصل ذلك خبر مسلم عن جابر رضي الله عنه: قمت عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأدارني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فأقامه عن يساره، فأخذ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه. وخرج بقوله بعد إحرامه، ما إذا تأخر من على يمين الإمام قبل إحرام الثاني. وبقول تأخرا: ما إذا لم يتأخرا. وبقوله في قيام أو ركوع: ما إذا تأخرا في غير ذلك. ففي الجميع يكره ذلك، ويفوت به فضل الجماعة. (قوله: ووقوف رجلين جاءآ معا) أي وندب وقوف رجلين حضرا ابتداء، أي أو مرتبا. ولو قال ذكرين لكان أولى، لشمولهما الصبيين والرجل والصبي. (وقوله: خلفه) ظرف متعلق بوقوف. وكذا إذا حضرت المرأة وحدها أو النسوة وحدهن فإنها تقوم، أو يقمن خلفه، لا عن اليمين ولا عن اليسار. ولو حضر ذكر وامرأة قام الذكر عن يمينه، والمرأة خلف الذكر. أو ذكران وامرأة صفا خلفه، والمرأة خلفهما. أو ذكر وامرأة وخنثى، وقف الذكر عن يمينه، والخنثى خلفهما، والمرأة خلف الخنثى. (قوله: وندب وقوف في صف أول) قال القطب الغوث سيدنا الحبيب عبد الله الحداد في نصائحه: ومن المتأكد الذي ينبغي الاعتناء به، والحرص عليه، الملازمة للصف الأول، والمداومة على الوقوف فيه، لقوله عليه السلام: إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المقدمة. ولقوله عليه السلام: لو يعلم الناس ما في الآذان والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا. ومعنى الاستهام: الاقتراع. ويحتاج من يقصد الصلاة في الصف الأول لفضله إلى المبادرة قبل ازدحام الناس وسبقهم إلى الصف الأول، فإنه مهما تأخر ثم أتى وقد سبقوه ربما يتخطى رقابهم فيؤذيهم، وذلك محظور، ومن خشي ذلك فصلاته في غير الصف الأول أولى به، ثم يلوم نفسه على تأخره حتى يسبقه الناس إلى أوائل الصفوف. وفي الحديث: لا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله تعالى. ومن السنن المهملة المغفول عنها تسوية الصفوف والتراص فيها، وقد كان عليه الصلاة والسلام يتولى فعل ذلك بنفسه، ويكثر التحريض عليه والأمر به، ويقول: لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم. ويقول: إني لأرى الشياطين تدخل في خلل الصفوف. يعني بها: الفرج التي تكون فيها. فيستحب إلصاق المناكب مع التسوية، بحيث لا يكون أحد متقدما على أحد ولا متأخرا عنه، فذلك هو السنة. ويتأكد الاعتناء بذلك، والأمر به من الأئمة، وهم به أولى من غيرهم من المسلمين فإنهم أعوان على البر والتقوى، وبذلك أمروا، قال تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) * فعليك - رحمك الله تعالى - بالمبادرة إلى الصف الأول، وعليك برص الصفوف وتسويتها ما استطعت، فإن هذه سنة مثبتة من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من أحياها كان معه في الجنة، كما ورد. اه.

_ (1) المائدة: 2 (

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في الروض وشرحه: ويستحب قبل التكبير للإحرام أن يأمرهم الإمام بتسوية الصفوف، كأن يقول: استووا رحمكم الله، أو سووا صفوفكم، لخبر الصحيحين: اعتدلوا في صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من ورائي. قال أنس - رواية - فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه. ولخبر مسلم: كان يسوي صفوفنا كأنما يسوي بها القداح. وأن يلتفت لذلك يمينا وشمالا لأنه أبلغ في الإعلام. اه. (قوله: وهو ما يلي الإمام) أي الصف الأول هو الذي يلي الإمام، أي الذي لم يحل بينه وبين الإمام صف آخر من المصلين. وإذا صلى الإمام خلف المقام في المسجد الحرام واستدار المصلون حول الكعبة، فالصف الأول - في غير جهة الإمام - ما اتصل بالصف الذي وراء الإمام، لا ما قرب من الكعبة - كما في فتح الجواد - ونص عبارته: والصف الأول في غير جهة الإمام ما اتصل بالصف الذي وراء الإمام، لا ما قرب للكعبة، كما بينته ثم. أي في الأصل. اه. ومثله في النهاية ونصها: ويسن أن يقف الإمام خلف المقام للاتباع. والصف الأول صادق على المستدير حول الكعبة المتصل بما وراء الإمام، وعلى من في غير جهته وهو أقرب إلى الكعبة منه، حيث لم يفصل بينه وبين الإمام صف. اه. وكتب ع ش - ما نصه: قوله حيث لم يفصل بينه وبين الإمام: المتبادر أن الضمير راجع لقوله وهو أقرب إلى الكعبة منه، وهو يقتضي أنه لو وقف صف خلف الأقرب وكان متصلا بمن وقف خلف الإمام، كان الأول المتصل بالإمام. لكن في حاشية سم على المنهج ما يخالفه، وعبارته: (فرع) أفتى شيخنا الرملي، كما نقله م ر، بما حاصله أن الصف الأول في المصلين حول الكعبة هو المتقدم، وإن كان أقرب في غير جهة الإمام، أخذا من قولهم: الصف الأول هو الذي يلي الإمام، لأن معناه الذي لا واسطة بينه وبينه، أي ليس قدامه صف آخر بينه وبين الإمام. وعلى هذا فإذا اتصل المصلون بمن خلف الإمام الواقف خلف المقام وامتدوا خلفه في حاشية المطاف، ووقف صف بين الركنين اليمانيين قدام من في الحاشية من هذه الحلقة الموازين لمن بين الركنين، كان الصف الأول من بين الركنين، لا الموازين لما بينهما من هذه الحلقة، فيكون بعض الحلقة صفا أول، وهم من خلف الإمام في جهته، دونه بقيتها في الجهات إذا تقدم عليهم غيرهم. وفي حفظي أن الزركشي ذكر ما يخالف ذلك. اه. وفي كلام شيخنا الزيادي ما نصه: والصف الأول حينئذ في غير جهة الإمام ما اتصل بالصف الأول الذي وراءه، لا ما قارب الكعبة. اه. وهذا هو الأقرب الموافق للمتبادر المذكور. اه. (قوله: وإن تخلله منبر) أي حيث كان من بجانب المنبر محاذيا لمن خلف الإمام، بحيث لو أزيل ووقف موضعه شخص مثلا صار الكل صفا واحدا. اه. ع ش. والغاية للرد على من يقول إن تخلل نحو المنبر يقطع الصف الأول، كما يستفاد من فتاوى ابن حجر، ونص عبارتها. (سئل) رضي الله عنه بما صورته: ما ضابط الصف الأول؟ وهل يقطعه تخلل نحو منبر أو لا؟ (فأجاب) بقوله: قال في الإحياء: إن المنبر يقطع الصف الأول، وغلطه النووي في شرح مسلم، وبين أن الصف الأول الممدوح هو الذي يلي الإمام، سواء كان صاحبه متقدما أم متأخرا، وسواء تخلله مقصورة ونحوها أم لا. ثم قال: وهذا هو الصحيح الذي يقتضيه ظواهر الأحاديث، وصرح به الجمهور، ثم نقل فيه قولا: إنه الذي يلي الإمام من غير أن يتخلله نحو مقصورة، وقولا آخر إنه الذي سبق إلى المسجد، وإن صلى في صف متأخر، وغلطهما. وقد يؤخذ من قوله أم متأخرا: أنه لو بقي في الصف الأول فرجة كان المقابل لها من الصف الثاني أو الثالث مثلا صفا أول بالنسبة لمن بعده، وهو قريب إن تعذر عليه الذهاب إليها، وإلا فوقوفه دونها مكروه، إذ يكره الوقوف في صف قبل إكمال الذي إمامه. اه.

يمين الامام والصف الاول قدم - فيما يظهر - ويمينه أولى من القرب إليه في يساره، وإدراك الصف الاول أولى من إدراك ركوع غير الركعة الاخيرة. أما هي: فإن فوتها قصد الصف الاول فإدراكها أولى من الصف الاول. (وكره) لمأموم (انفراد) عن الصف الذي من جنسه إن وجد فيه سعة، بل يدخله. (وشروع في صف قبل إتمام ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ثم ما يليه) أي ثم يندب الوقوف فيما يلي الصف الأول. (واعلم) أن أفضلية الأول فالأول تكون للرجال والصبيان، وإن كان ثم غيرهم، وللخناثى الخلص، أو مع النساء وللنساء الخلص، بخلاف النساء مع الذكور أو الخناثى، فالأفضل لهن التأخر، وكذا الخناثى مع الذكور. وأصل ذلك خبر مسلم: خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها. وخير صفوف النساء - أي مع غيرهن - آخرها، وشرها أولها. (قوله: وأفضل كل صف يمينه) أي ما كان على يمينه، وذلك لما روي عن أبي هريرة: الرحمة تنزل على الإمام، ثم من على يمينه الأول، فالأول. وكتب سم ما نصه: قوله وأفضل كل صف يمينه: لعله بالنسبة ليساره، لا لمن خلف الإمام. وعبارة العباب وشرحه: والوقوف بقرب الإمام في صف أفضل من البعد عنه فيه، وعن يمين الإمام وإن بعد عنه، أفضل من الوقوف عن يساره وإن قرب منه. ومحاذاته، بأن يتوسطوه ويكتنفوه من جانبيه أفضل. اه. (قوله: ولو ترادف) أي تعارض. (وقوله: يمين الإمام) أي الوقوف عن يمين الإمام في غير الصف الأول. (وقوله: والصف الأول) أي الوقوف فيه في غير يمين الإمام. (وقوله: قدم) أي الصف الأول. (قوله: ويمينه الخ) أي فلو تعارض الوقوف في يمين الإمام مع البعد عنه، والوقوف في يساره مع القرب منه، قدم الأول، وإن كان من باليسار يسمع الإمام ويرى أفعاله. (قوله: وإدراك الصف الأول الخ) يعني لو تعارض عليه إدراك الصف الأول وإدراك ركوع غير الركعة الأخيرة، فإن ذهب للصف الأول يفوته ركوع ذلك، وإن وقف في غير الصف الأول أدركه، فالأولى له الذهاب إلى الصف الأول ليحوز فضله. (قوله: فإن فوتها إلخ) أي فوت الركعة الأخيرة قصد الصف الأول، بأن كان لو ذهب إلى الصف الأول رفع الإمام رأسه من الركوع، ولو لم يذهب إليه، أدرك ركوع الإمام في الركعة الأخيرة. (قوله: فإدراكها) أي الركعة الأخيرة. (وقوله: أولى من الصف الأول) تقدم عن الرملي الكبير أن إدراك الصف أولى. (قوله: وكره لمأموم انفراد إلخ) أي ابتداء ودواما - كما في ح ل - وتفوت به فضيلة الجماعة. قال م ر في شرحه، وحجر وسم: إن الصفوف المتقطعة تفوت عليهم فضيلة الجماعة. اه. وقال م ر في الفتاوي، تبعا للشرف المناوي، إن الفائت عليهم: فضيلة الصفوف، لا فضيلة الجماعة. ومال ع ش إلى ما في شرح الرملي، لأنه إذا تعارض ما فيه وغيره قدم ما في الشرح اه. بجيرمي. (قوله: الذي من جنسه) أي المأموم، كأن كان رجلا وأهل الصف كلهم رجال، أو أنثى وأهل الصف كلهم إناث، أو خنثى وأهل الصف كلهم خناثى. وخرج بالجنس غيره. كامرأة وليس هناك نساء، أو خنثى وليس هناك خناثى، فلا كراهة بل يندب. (قوله: إن وجد فيه) - أي الصف - سعة، بأن كان لو دخل في الصف وسعه، من غير إلحاق مشقة لغيره، وإن لم تكن فيه فرجة فإن لم يجد السعة أحرم، ثم بعده جر إليه شخصا من الصف ليصطف معه، خروجا من الخلاف، ولما رواه الطبراني عن وابصة: أيها المصلي وحده، ألا وصلت إلى الصف فدخلت معهم؟ أو جررت إليك رجلا إن ضاق بك المكان فقام معك؟ أعد صلاتك فإنه لا صلاة لك. (وقوله: أعد إلخ) محمول على الندب، وسن لمجروره مساعدته بموافقته، فيقف معه صفا لينال فضل المعاونة على البر والتقوى. وظاهر أنه لا يجر أحدا من الصف إذا كان اثنين، لأنه يصير أحدهما منفردا. (والحاصل) شروط الجر أربعة: أن يكون الجر بعد إحرامه. وأن يجوز موافقته، وإلا امتنع خوف الفتنة، وأن يكون حرا، لئلا يدخل غيره في ضمانه بالاستيلاء عليه. وأن لا يكون الصف اثنين. وقد نظمها (1) بعضهم بقوله: لقد سن جر الحر من صف عدة * * يري الوفق فاعلم في قيام قد احرما

_ لقد وقد نظمها أي مع زيادة شرط وهو أن يكون في القيام اه مؤلف

ما قبله) من الصف، ووقوف الذكر الفرد عن يساره، ووراءه، ومحاذيا له، ومتأخرا كثيرا. وكل هذه تفوت فضيلة الجماعة - كما صرحوا به -. ويسن أن لا يزيد ما بين كل صفين والاول والامام على ثلاثة أذرع. ويقف خلف ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله قد أحرما: بنقل همزة أحرم للدال. (قوله: بل يدخله) أي الصف الذي فيه سعة. ولو وجدها وبينه وبينها صفوف كثيرة خرق جميعها ليدخل تلك الفرجة، لأنهم مقصرون بتركها، ولكراهة الصلاة لكل من تأخر عن صفها. وبهذا يعلم ضعف ما قيل من عدم فوت الفضيلة هنا على المتأخرين. نعم، إن كان تأخرهم لعذر، كوقت الحر بالمسجد الحرام، فلا كراهة، ولا تقصير كما هو ظاهر. كذا في التحفة والنهاية. (قوله: وشروع في صف إلخ) أي وكره شروع في صف قبل إتمام الصف الذي أمامه. (وسئل) الشهاب ابن حجر عما عم الابتلاء به في المسجد الحرام. وهو أنه لا يتم فيه غير صف الحاشية - أي حاشية المطاف - على أنه إنما يتم في بعض الفروض لا كلها، وأكثر الناس يتخلفون عن الصف الأول أو الثاني مع نقصه فهل يكره ذلك وتفوت به فضيلة الجماعة أو لا؟. (فأجاب) رضي الله عنه: نعم، يكره ذلك للأحاديث الآتية فيه، وتفوت به فضيلة الجماعة، لا بركتها المانعة لتسلط الشيطان ووسوسته، ولا صورتها المسقطة لفرض الكفاية أو العين في الجمعة. فعلم أنه لا يلزم من سقوط فضيلتها سقوط صورتها، خلافا لكثيرين وهموا فيه. وقد صرح في شرح المهذب بكراهة ذلك، لأنه خالف فيه فاعله المتابعة المندوبة في المكان ونحوه. وسبقه الأصحاب إلى ذلك حيث قالوا: يكره إنشاء صف من قبل إتمام ما قبله، وصرحوا بأن كل مكروه من حيث الجماعة يكون مبطلا لفضيلتها، أي التي هي سبع وعشرون درجة. وقد ورد خبر: من وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله تعالى. أي عن الخير والكمال. وأخذ منه ابن حزم: بطلان الصلاة. والبخاري أن فاعل ذلك يأثم. ورد بأن غيرهما حكى الإجماع على عدم الوجوب. اه. ملخصا من هامش على شرح المنهج بخط العلامة الشيخ محمد صالح الرئيس المكي، رحمه الله تعالى. (قوله: ووقوف الذكر الفرد عن يساره) أي ويكره وقوف الذكر الفرد عن يسار الإمام. وهذا محترز قوله عن يمين الإمام، وكذا قوله ووراءه ومحاذيا له. (قوله: ومحاذيا له) أي مساويا. (قوله: ومتأخرا كثيرا) أي بأن يكون زائدا على ثلاثة أذرع. وهذا محترز قوله متأخرا قليلا. (قوله: وكل هذه) أي وكل واحدة من هذه الصور، وهي الانفراد عن الصف، والشروع في صف قبل إتمام ما قبله، ووقوف الذكر الفرد عن يساره أو وراءه أو محاذيا له أو متأخرا كثيرا. (قوله: تفوت فضيلة الجماعة) أي التي هي سبع وعشرون درجة، أو خمس وعشرون. ولا تغفل عما سبق لك من أن المراد فوات ذلك الجزء الذي حصل فيه ذلك المكروه، لا في كل الصلاة. (قوله: ويسن أن لا يزيد إلخ) فلو زيد على ذلك كره للداخلين أن يصطفوا مع المتأخرين، فإن فعلوا لم يحصلوا فضيلة الجماعة، أخذا من قول القاضي: لو كان بين الإمام ومن خلفه أكثر من ثلاثة أذرع فقد ضيعوا حقوقهم، فللداخلين الاصطفاف بينهما، وإلا كره لهم. أفاده في التحفة. (قوله: والأول والإمام) أي ويسن أن لا يزيد ما بين الصف الأول والإمام. (قوله: ويقف الخ) أي ويسن إذا تعددت أصناف المأمومين أن يقف خلفه الرجال، ولو أرقاء، ثم بعده - إن كمل صفهم - الصبيان، ثم بعدهم - وإن لم يكمل صفهم - النساء. وذلك للخبر الصحيح: ليليني منكم أولو الأحلام والنهي - أي البالغون العاقلون - ثم الذين يلونهم. ثلاثا. ومتى خولف الترتيب المذكور كره. (تنبيه) النسوة إذا صلين جماعة تقف ندبا إمامتهن وسطهن، لأنه أستر لها. ومثلهن العراة البصراء، فيقف إمامهم غير المستور وسطهم، ويقفون صفا واحدا إن أمكن، لئلا ينظر بعضهم إلى عورة أحد.

الامام الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء. ولا يؤخر الصبيان للبالغين، لاتحاد جنسهم، (و) منها: (علم بانتقال إمام) برؤية له، أو لبعض صف، أو سماع لصوته، أو صوت مبلغ ثقة، (و) منها (اجتماعهما) أي الامام ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ولا يؤخر الصبيان للبالغين) أي إذا حضر الصبيان أولا وسبقوا إلى الصف الأول، ثم حضر البالغون، فلا ينحى الصبيان لأجلهم، لأنهم حينئذ أحق به منهم. (وقوله: لاتحاد جنسهم) أي أن جنس الصبيان والبالغين واحد، وهو الذكورية. وأفهم التعليل المذكور أن النساء لو سبقن للصف الأول ثم حضر غيرهن يؤخرن لأجله، وذلك لعدم اتحاد الجنس. وانظر إذا أحرمن ثم بعده حضر غيرهن، هل يؤخرن بعد الإحرام أو لا؟. ثم رأيت ع ش استقرب الأول وقال: حيث لم يترب على تأخرهن أفعال مبطلة. (قوله: ومنها) أي ومن شروط صحة القدوة. (قوله: علم بانتقال إمام) أي علم المأموم بانتقال إمامه. وأراد بالعلم ما يشمل الظن، بدليل قوله أو صوت مبلغ. (قوله: برؤية له) متعلق بعلم، أي أن علمه بذلك يحصل برؤية إمامه. (قوله: أو لبعض صف) أي أو رؤية لبعض صف من يمينه أو يساره أو أمامه. (قوله: أو سماع لصوته) معطوف على رؤية، أي أو يحصل علمه بسماع لصوت إمامه. (قوله: أو صوت مبلغ) أي أو سماع صوت مبلغ، أي وإن لم يكن مصليا. (وقوله: ثقة) قال في النهاية: المراد بالثقة هنا عدل الرواية، إذ غيره لا يقبل إخباره. ثم قال: ولو ذهب المبلغ في أثناء صلاته لزمته نية المفارقة، أي إن لم يرج عوده قبل مضي ما يسع ركنين في ظنه فيما يظهر. فلو لم يكن ثم ثقة وجهل المأموم أفعال إمامه الظاهرة، كالركوع والسجود، لم تصح صلاته، فيقضي لتعذر المتابعة حينئذ. اه. (قوله: ومنها) أي ومن شروط صحة القدوة. (وقوله: اجتماعهما) حاصل الكلام على ما يتعلق بهذا الشرط، أن لاجتماعهما أربع حالات. الحالة الأولى: أن يجتمعا في مسجد. الحالة الثانية: أن يجتمعا في غيره، وهذه تحتها أربع صور، وذلك لأنهما إما أن يجتمعا في فضاء، أو في بناء، أو يكون الإمام في بناء والمأموم في فضاء، أو بالعكس. الحالة الثالثة: أن يكون الإمام في المسجد، والمأموم خارجه. الحالة الرابعة: بعكس هذه. ففي الأولى يصح الاقتداء مطلقا وإن بعدت المسافة بينهما، وحالت أبنية واختلفت، كأن كان الإمام في سطح أو بئر، والمأموم في غير ذلك. لكن يشترط فيها أن تكون نافذة إلى المسجد نفوذا لا يمنع الاستطراق عادة، كأن كان في البئر مرقى يتوصل به إلى الإمام من غير مشقة. ولا يشترط هنا عدم الازورار والانعطاف، ولا يكفي الاستطراق من فرجة في أعلى البناء، لأن المدار على الاستطراق العادي. ولا يضر غلق أبوابها، ولو ضاع مفتاح الغلق، بخلاف التسمير، فيضر. وعلم أنه يضر الشباك الكائن في جدار المسجد، فلا تصح الصلاة من خلفه، لأنه يمنع الاستطراق عادة. وخالف الأسنوي فقال: لا يضر، لأن جدار المسجد منه. وهو ضعيف، لكن محل الضرر في الشباك، إذا لم يكن الجدار الذي هو فيه متصلا بباب المسجد، ويمكن الوصول منه إلى الإمام من غير ازورار وانعطاف. فإن كان كذلك فلا يضر. وقال ح ل: متى كان متصلا بما ذكر لا يضر، سواء وجد ازورار وانعطاف أو لا. وفي الصورة الأولى من الحالة الثانية يشترط لصحة القدوة قرب المسافة بأن لا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع. وفي الصور الثلاث منها يشترط - زيادة على ذلك - عدم حائل يمنع مرورا أو رؤية أو وقوف واحد حذاء منفذ في الحائل إن وجد. ويشترط - في الواقف - أن يرى الإمام أو بعض من يقتدي به. وحكم هذا الوقف حكم الإمام بالنسبة لمن خلفه، فلا يحرمون قبله، ولا يسلمون قبله. وعند م ر: يشترط أن يكون ممن يصح الاقتداء به، فإن حال ما يمنع ذلك أو لم يقف واحد حذاء منفذ فيه بطلت القدوة.

والمأموم (بمكان) كما عهد عليه الجماعات في العصر الخالية، (فإن كانا بمسجد) ومنه جداره ورحبته، وهي ما خرج عنه، لكن حجر لاجله، سواء أعلم وقفيتها مسجد أو جهل أمرها، عملا بالظاهر، وهو التحويط، لكن ما لم ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الحالة الثالثة والرابعة يشترط فيهما أيضا ما ذكر، من قرب المسافة، وعدم الحائل، أو وقوف واحد حذاء المنفذ. وقد أشار إلى هذه الأحوال وشروطها بعضهم في قوله: والشرط في الإمام والمأموم: * * الاجتماع، فاحفظن مفهومي وأن يكونا في محل الموقف * * مجتمعين يا أخي فاعرف وإن يكن بمسجد فأطلقا، * * ولا تقيده بشرط مطلقا وإن يكن كل بغير المسجد * * أو فيه شخص منهما فقيد بشرط قرب، وانتفاء الحائل * * فاعلم تكن بالعلم خير فاضل وذرع حد القرب حيث يعتبر * * هنا ثلاث من مئين تختبر وقوله وإن يكن بمسجد: اسم يكن يعود على كل من الإمام والمأموم، بدليل ما بعده. (قوله: بمكان) أي في مكان. فالباء بمعنى في. والمراد ما يشمل المسجد وغيره، كما علمت. (قوله: كما عهد إلخ) الكاف للتعليل، وما واقعة على الاجتماع المذكور، أي لما عهد عليه الجماعات في العصر الماضية من اجتماع الإمام والمأموم في مكان واحد، أي ومبنى العبادات على رعاية الاتباع. (قوله: فإن كانا الخ) شروع فيما يتعلق بالشرط المذكور من الأحوال التي ذكرتها سابقا، فالفاء تفريعية. (وقوله: بمسجد) أي أو مساجد متلاصقة تنافذت أبوابها وإن كانت مغلقة غير مسمرة، أو انفرد كل مسجد بإمام ومؤذن وجماعة. (قوله: ومنه) أي ومن المسجد. (قوله: وهي) أي الرحبة. (وقوله: ما خرج عنه) أي المسجد. قال العلامة الكردي: اختلف فيها ابن عبد السلام وابن الصلاح، فقال الأول: هي ما كان خارجه محجرا عليه لأجله. وقال ابن الصلاح: هي صحن المسجد. وطال النزاع بينهما، وصنف كل منهما تصنيفا. والصواب ما قاله ابن عبد السلام. اه. وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رضي الله عنه: ما حقيقة رحبة المسجد؟ وما الفرق بينها وبين حريمه؟ وهل لكل حكم المسجد؟ (فأجاب) بقوله: قال في المجموع: ومن المهم بيان حقيقة هذه الرحبة. ثم نقل عن صاحب الشامل والبيان أنها ما كان مضافا إلى المسجد محجرا عليه لأجله، وأنها منه، وأن صاحب البيان وغيره نقلوا عن نص الشافعي - رضي الله عنه - وغيره صحة الاعتكاف فيها. قال النووي: واتفق الأصحاب على أن المأموم لو صلى فيها مقتديا بإمام المسجد صح، وإن حال بينهما حائل يمنع الاستطراق، لأنها منه، وليست توجد لكل مسجد. وصورتها: أن يقف الإنسان بقعة محدودة مسجدا، ثم يترك منها قطعة أمام الباب، فإن لم يترك شيئا لم يكن له رحبة، وكان له حريم. أما لو وقف دارا محفوفة بالدور مسجدا فهذا لا رحبة له ولا حريم، بخلاف ما إذا كان بجانبها موات، فإنه يتصور أن يكون له رحبة وحريم، ويجب على الناظر تمييزها منه، فإن لها حكم المسجد دونه، وهو ما يحتاج إليه لطرح القمامات والزبل اه. بحذف. (قوله: لكن حجر) أي حوط عليه. (وقوله: لأجله) أي لأجل المسجد، أي اتساعه. (قوله: سواء أعلم الخ) تعميم في كون الرحبة من المسجد، أي لا فرق في كونها منه بين أن يعلم وقفيتها أو يجهل. (وقوله: عملا بالظاهر) علة

يتيقن حدوثها بعده، وأنها غير مسجد لا حريمه، وهو موضع اتصل به وهيئ لمصلحته، كانصباب ماء، ووضع نعال - (صح الاقتداء) وإن زادت المسافة بينهما على ثلثمائة ذراع، أو اختلفت الابنية، بخلاف من ببناء فيه لا ينفذ بابه إليه: سمر، أو كان سطحا لا مرقى له منه، فلا تصح القدوة، إذ لا اجتماع حينئذ - كما لو وقف من وراء شباك بجدار المسجد ولا يصل إليه إلا بازورار أو انعطاف بأن ينحرف عن جهة القبلة لو أراد الدخول إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ في إثبات كونها منه مع جهل وقفيتها. (قوله: وهو) أي الظاهر التحويط، أي عليها. (قوله: لكن ما لم يتيقن الخ) مرتبط بقوله ورحبته، أي من المسجد رحبته إذا لم يتيقن حدوثها بعد المسجد وأنها غير مسجد، فإن تيقن ذلك فهي ليست من المسجد. (قوله: وأنها غير مسجد) قال السيد عمر البصري في حاشية التحفة: التعبير بأو أولى. فتأمل. اه. ولعل وجهه أن الواو لكونها موضوعة للجمع تقتضي أنه لا بد في عد الرحبة من المسجد من عدم مجموع شيئين، وهما تيقن الحدوث بعده، وتيقن أنها غير مسجد، مع أنه يكفي في ذلك عدم أحدهما. فمتى لم يتيقن الحدوث بعده، أو لم يتيقن أنها غير مسجد، فهي من المسجد. ومتى ما تيقن أحدهما، فهي ليست منه. وعدم تيقن غير المسجدية صادق بما إذا تيقنت المسجدية وبما إذا جهل الحال، وكذلك عدم تيقن الحدوث صادق بما إذا تيقن غيره وبما إذا جهل الحال. تأمل. (قوله: لا حريمه) معطوف على جداره، أي وليس من المسجد حريم المسجد. (قوله: وهو) أي الحريم. (وقوله: اتصل به) أي بالمسجد. (قوله: كانصباب الخ) تمثيل للمصلحة العائد على المسجد. (قوله: ووضع نعال) أي في الحريم. (قوله: صح الاقتداء) جواب فإن كانا. (قوله: وإن زادت إلخ) غاية لصحة الاقتداء. (وقوله: بينهما) أي الإمام والمأموم. (قوله: أو اختلفت الأبنية) أي كبئر وسطح ومنارة. وهنا قيد ساقط يعلم من قوله بعد بخلاف إلخ وهو: وكانت نافذة إلى المسجد نفوذا يمكن الاستطراق منه عادة. وقد صرح به في المنهج، وعبارته: فإن كانا بمسجد صح الاقتداء، وإن حالت أبنية نافذة. اه. وكان على الشارح التصريح به، كغيره. (قوله: بخلاف من ببناء فيه) أي المسجد. (وقوله: لا ينفذ بابه) أي البناء. (وقوله: إليه) أي المسجد. (قوله: بأن سمر) أي الباب. وهو تصوير لعدم النفوذ، وإنما صور به ليخرج ما لو أغلق فإنه لا يضركما علمت. قال السيد عمر البصري في فتاويه: الفرق بين التسمير والإغلاق في القدوة: أن التسمير أن يضرب مسمار على باب المقصورة. والإغلاق منع المرور بقفل أو نحوه. فالتسمير يخرج الموقفين عن كونهما مكانا واحدا، وهو مدار صحة القدوة، بخلاف الإغلاق. اه. (قوله: أو كان سطحا) انظر هو معطوف على أي شئ قبله؟ فإن كان على متعلق الجار والمجرور الواقع صلة الموصول انحل المعنى، وبخلاف من كان سطحا، ولا معنى له، إلا أن يجعل سطحا منصوبا بإسقاط الخافض، أي بسطح. وإن كان معطوفا على الموصول وصلته انحل المعنى، وبخلاف كان إلخ، ولا معنى له أيضا. وإن كان معطوفا على سمر الواقع تصويرا للبناء الذي لا ينفذ بابه إليه، صح ذلك، إلا أنه يرد عليه أن سطح المسجد ليس من جملة البناء الكائن فيه. إذا علمت ذلك، فكان الأولى والأخصر أن يقول: أو بسطح، ويكون معطوفا على ببناء. فتنبه. (قوله: لا مرقى له) أي للسطح منه. أي المسجد، وإن كان له مرقى من خارجه. ولو كان له مرقى من المسجد وزال في أثناء الصلاة ضر، كما قاله القليوبي. (قوله: حينئذ) أي حين إذ كان ببناء لا منفذ له إليه، أو كان بسطح لا مرقى له إليه. (قوله: كما لو وقف الخ) الكاف للتنظير في عدم صحة القدوة لعدم الاجتماع. قال العلامة الكردي: هذا هو المعتمد في ذلك. وقد أفرد الكلام عليه السيد السمهودي بالتأليف وأطال في بيانه. وفي فتاوي السيد عمر البصري كلام طويل فيه. حاصله: أنه يجوز تقليد القائل بالجواز مع ضعفه: فيصلي في الشبابيك التي بجوار المسجد الحرام، وكذلك مسجد المدينة وغيره. اه. وقال في التحفة: وبحث الأسنوي إن هذا في غير شباك بجدار المسجد. وإلا كالمدارس التي بجدار المساجد الثلاثة صحت صلاة الواقف فيها، لأن جدار المسجد منه، والحيلولة فيه لا تضر. رده جمع، وإن انتصر له آخرون بأن شرط الأبنية في المسجد تنافذ أبوابها - على ما مر - فغاية جداره أن يكون كبناء فيه، فالصواب أنه لا بد من وجود باب أو خوخة فيه يستطرق منه إليه من غير أن يزور. اه. (قوله: ولا يصل إليه) أي الإمام. (وقوله: إلا بازورار أو انعطاف) أو بمعنى الواو، ولو عبر بها لكان أولى. والعطف من عطف

الامام. (ولو كان أحدهما فيه) أي المسجد (والآخر خارجه شرط) مع قرب المسافة بأن لا يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع تقريبا (عدم حائل) بينهما يمنع مرورا أو رؤية، (أو وقوف واحد) من المأمومين (حذاء منفذ) في الحائل إن كان، كما إذا كانا ببناءين، كصحن وصفة من دار، أو كان أحدهما ببناء والآخر بفضاء، فيشترط أيضا هنا ما مر. فإن حال ما يمنع مرورا كشباك، أو رؤية كباب مردود وإن لم تغلق ضبته، لمنعه المشاهدة، وإن لم يمنع الاستطراق. ومثله الستر المرخى. أو لم يقف أحد حذاء منفذ، لم يصح الاقتداء فيهما. وإذا وقف واحد ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد المترادفين على الآخر، فإن وصل إليه لا بذلك صحت صلاته، لكن بشرط أن يكون في الجدار باب أو خوخة يتوصل منه للإمام، كما يعلم ذلك من عبارة التحفة المتقدمة. (قوله: بأن الخ) تصوير للازورار أو الانعطاف. (وقوله: ينحرف عن جهة القبلة) أي بحيث تكون خلف ظهره، بخلاف ما إذا كانت عن يمينه أو يساره فإنه لا يضر. (قوله: ولو كان أحدهما) أي إماما أو مأموما. (وقوله: والآخر) أي إماما أو مأموما أيضا. (وقوله: خارجه) أي المسجد. (قوله: بأن لا يزيد إلخ) تصوير لقرب المسافة. (وقوله: ما بينهما) أي بين الذي في المسجد وبين الآخر الذي خارجه. (وقوله: على ثلثمائة ذراع) هي معتبرة من طرف المسجد الذي يلي من هو خارجه إن كان الإمام فيه والمأموم خارجه، أو من طرفه الذي يلي الإمام إن كان المأموم فيه والإمام خارجه. (وقوله: تقريبا) أي لا تحديدا. فلا تضر زيادة غير متفاحشة كثلاثة أذرع وما قاربها. (قوله: عدم حائل) نائب فاعل شرط. والمراد أن يعدم ابتداء، فلو طرأ في أثنائها وعلم بانتقالات الإمام ولم يكن بفعله لم يضر. أفاده م ر، ونقله ابن قاسم عن شرح العباب. ونص الثاني: قال في شرح العباب، ورجح الأذرعي: أنه لو بني بين الإمام والمأموم حائل في أثناء الصلاة يمنع الاستطراق والمشاهدة لم يضر، وإن اقتضى إطلاق المنهاج وغيره خلافه. وظاهر مما مر أن محله ما إذا لم يكن البناء بأمره. اه. (قوله: يمنع مرور أو رؤية) سيذكر محترزه. (قوله: أو وقوف واحد) معطوف على عدم حائل، أي فإن وجد حائل شرط وقوف واحد حذاء المنفذ، ولا يتصور هذا إلا في أحد قسمي الحائل، وهو ما يمنع الرؤية فقط. وأما لو كان يمنع المرور فلا يكون فيه منفذ. (وقوله: في الحائل) متعلق بمحذوف صفة لمنفذ، أي كائن في الحائل. (وقوله: إن كان) أي إن وجد ذلك المنفذ، ولا يوجد إلا فيما يمنع الرؤية كما علمت. (قوله: كما إذا كانا) أي الإمام والمأموم. والكاف للتنظير. (قوله: كصحن) قال في المصباح: صحن الدار وسطها اه. ولعله هو المسمى بالمجلس عند أهل الحرمين. (وقوله: وصفة) وهي خلاف الصحن، وتكون أمامه، أو عن يمينه أو شماله. (قوله: أو كان أحدهما) أي المأموم أو الإمام. (وقوله: والآخر) أي المأموم أو الإمام أيضا. (وقوله: بفضاء) هو ما ليس بناء. (قوله: فيشترط أيضا) أي كما يشترط فيما إذا كان أحدهما بمسجد والآخر خارجه. (وقوله: هنا) أي فيما إذا كان ببناءين أو أحدهما به والآخر في فضاء. (وقوله: ما مر) أي من قرب المسافة وعدم الحائل، أو وقوف واحد حذاء منفذ فيه. (قوله: فإن حال ما يمنع) أي حائل يمنع مرورا. (وقوله: كشباك) تمثيل لما يمنع المرور. (قوله: أو رؤية) أي أو حال ما يمنع رؤية. (وقوله: كباب مردود) تمثيل له. (قوله: وإن لم تغلق ضبته) غاية في تأثير الباب المردود، أي أنه يؤثر في صحة القدوة مطلقا، سواء أغلقت ضبته أم لا، فالمضر هنا مجرد الرد، سواء وجد غلق أو تسمير أم لا، بخلاف الأبنية الكائنة في المساجد فإنه لا يضر فيها إلا التسمير، والفرق أنها فيه كبناء واحد، كما مر. (قوله: لمنعه) أي الباب المردود المشاهدة، أي مشاهدة الإمام. وهو تعليل لكون الباب المردود يؤثر في صحة القدوة. (وقوله: وإن لم يمنع الاستطراق) أي الوصول للإمام، وهذا إذا لم يغلق الباب. (قوله: ومثله) أي الباب المردود، في الضرر. (وقوله: الستر) بكسر السين، اسم للشئ الذي يستر به، وبالفتح، اسم للفعل. (وقوله: المرخى) أي بين الإمام والمأموم. (قوله: أو لم يقف أحد) معطوف على جملة حال ما يمنع الخ، أي أو لم يحل ما يمنع المرور أو الرؤية، بأن حال ما لا يمنع ذلك ولكن لم يقف أحد حذاء منفذ في ذلك الحائل. (قوله: لم يصح الاقتداء) جواب إن. (قوله: فيهما) أي في صورة ما إذا حال ما يمنع ما ذكر، وصورة ما إذا لم يقف واحد حذاء المنفذ. (قوله: وإذا وقف واحد إلخ) قال الكردي: قال الحلبي: لا بد أن يكون هذا الواقف يصل إلى الإمام من غير ازورار

من المأمومين حذاء المنفذ حتى يرى الامام أو بعض من معه في بنائه، فحينئذ تصح صلاة من بالمكان الآخر، تبعا لهذا المشاهد، فهو في حقهم كالامام، حتى لا يجوز عليه في الموقف والاحرام، ولا بأس بالتقدم عليه في الافعال، ولا يضرهم بطلان صلاته بعد إحرامهم على الاوجه، كرد الريح الباب أثناءها، لانه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. (فرع) لو وقف أحدهما في علو والآخر في سفل، اشترط عدم الحيلولة، لا محاذاة قدم الاعلى رأس ـــــــــــــــــــــــــــــ وانعطاف، أي بحيث لا يستدبر القبلة بأن تكون خلف ظهره، بخلاف ما إذا كانت عن يمينه أو يساره فإنه لا يضر. اه. وقال أيضا: بقي الكلام في المراد من وقوف الرابطة في المسجد حذاء المنفذ، أي مقابله، هل المراد منه أن يكون المنفذ أمامه أو عن يمينه أو يساره أو لا فرق؟ ظاهر التحفة والنهاية وغيرهما: الثالث. وظاهر كلام غير واحد يفيد أن محل كلامهم فيما إذا كان المنفذ أمام الواقف. اه. (قوله: حتى يرى الإمام) أي ليرى الإمام، فحتى تعليلية بمعنى اللام، وقضيته: أنه لو علم بانتقالات الإمام ولم يره ولا أحدا ممن معه، كأن سمع صوت المبلغ، لا يكفي، وهو كذلك. وعبارة شرح العباب: ويشترط في هذا الواقف قبالة المنفذ أن يكون يرى الإمام أو واحدا ممن معه في بنائه. اه. أفاده سم. قال البجيرمي: قال شيخنا ح ف: ومقتضاه اشتراط كون الرابطة بصيرا، وأنه إذا كان في ظلمة بحيث تمنعه من رؤية الإمام أو أحد ممن معه في مكانه، لم يصح. اه. (قوله: أو بعض من معه في بنائه) أي أو يرى بعض من يصلي مع الإمام من المأمومين، حالة كون ذلك البعض كائنا في البناء الذي يصلي فيه الإمام. فالظرف متعلق بمحذوف صلة من، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من بعض. (قوله: فحينئذ الخ) جواب إذا، والصواب حذف حينئذ والاقتصار على ما بعده، لأن إثباته يورث ركاكة في العبارة، إذ التقدير عليه: تصح صلاة من بالمكان الآخر إذا وقف واحد حذاء منفذ حين إذ وقف واحد الخ، وإنما كان التقدير ما ذكر لأن إذا منصوبة بجوابها. فتنبه. (قوله: تبعا لهذا المشاهد) أي للإمام أو بعض من معه، فهو بصيغة اسم الفاعل، ويحتمل أن يكون بصيغة اسم المفعول. وعلى كل فالمراد به الواقف حذاء المنفذ. فالأول: باعتبار أنه هو مشاهد للإمام أو من معه. والثاني: باعتبار أن المأمومين الذين في بنائه يشاهدونه. (قوله: فهو) أي هذا المشاهد. (وقوله: في حقهم) أي من بالمكان الآخر. (قوله: حتى لا يجوز الخ) حتى تفريعية والفعل بعدها مرفوع، أي وإذا كان كالإمام فلا يجوز التقدم الخ. (قوله: ولا بأس بالتقدم عليه في الأفعال) علل ذلك في التحفة بكونه ليس بإمام حقيقة، قال: ومن ثم اتجه جواز كونه امرأة، وإن كان من خلفه رجالا. اه. وقياسه: جواز كونه أميا، أو ممن يلزمه القضاء كمقيم، ومتيمم. وخالف الجمال الرملي: فاعتمد أنه يضر التقدم بالأفعال كالإمام، وعدم جواز كونه امرأة لغير النساء. وقياسه عدم الاكتفاء بالأمي ومن يلزمه القضاء. (قوله: ولا يضرهم بطلان صلاته) أي لا يضر المأمومين الذين بالمكان الآخر بطلان صلاة هذا المشاهد الواقف حذاء المنفذ. قال في التحفة: فيتمونها خلف الإمام إن علموا بانتقالاته. اه. (قوله: كرد الريح الباب) الكاف للتنظير في عدم الضرر. وخرج بالريح ما لو رده هو، فإنه يضر. وفي ع ش ما نصه: (فرع) المعتمد أنه إذا رد الباب في الأثناء بواسطة ريح أو غيره امتنع الاقتداء وإن علم انتقالات الإمام، لتقصيره بعدم إحكام فتحه، بخلاف ما لو زالت الرابطة في الأثناء بحدث أو غيره لا يمنع بقاء الاقتداء، بشرط العلم بالانتقالات. اه سم على منهج وقوله: أو غيره ظاهره ولو كان عاقلا. اه. (وقوله: أثناءها) أي الصلاة وخرج به ما لو رده ابتداء، فإنه يضر. وهذا مؤيد لما مر. (قوله: لأنه يغتفر الخ) تعليل لعدم الضرر في صورة بطلان صلاة المشاهد ورد الريح الباب. (قوله: لو وقف أحدهما) أي الإمام أو المأموم. (وقوله: في علو) بضم العين وكسرها، مع سكون اللام. (قوله: والآخر) أي وقف الآخر إماما أو مأموما. (وقوله: في سفل) بضم السين وكسرها، مع سكون الفاء. (قوله: اشتراط عدم الحيلولة) أي اشتراط أن لا يوجد حائل بينهما يمنع الاستطراق إلى الإمام عادة. ويشترط أيضا القرب، بأن لا يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع إن كانا - أو أحدهما - في غير المسجد، وإلا فلا يشترط. قال في المغنى:

الاسفل، وإن كانا في غير مسجد. على ما دل عليه كلام الروضة وأصلها والمجموع - خلافا لجمع متأخيرين. ويكره ارتفاع أحدهما على الآخر بلا حاجة، ولو في المسجد. (و) منها (موافقة في سنن تفحش مخالفة فيها) فعلا أو تركا، فتبطل صلاة من وقعت بينه وبين الامام مخالفة في سنة، كسجدة تلاوة فعلها الامام وتركها المأموم عامدا عالما بالتحريم، وتشهد أول فعله الامام وتركه المأموم، أو تركه الامام، وفعله المأموم عامدا عالما، وإن لحقه على القرب، حيث لم يجلس الامام للاستراحة لعدوله عن فرض المتابعة إلى سنة. أما إذا لم تفحش المخالفة فيها فلا يضر الاتيان بالسنة، كقنوت أدرك - مع ـــــــــــــــــــــــــــــ وينبغي أن تعتبر المسافة من السافل إلى قدم العالي. اه. (وقوله: لا محاذاة الخ) معطوف على عدم الحيلولة، أي لا يشترط محاذاة قدم الأعلى رأس الأسفل. وهذا هو طريقة العراقيين، وهي المعتمدة. وطريقة المراوزة الاشتراط، وهي ضعيفة ومعنى المحاذاة عليها: أنه لو مشى الأسفل جهة الأعلى مع فرض اعتدال قامته أصاب رأس الأسفل قدميه مثلا، وليس المراد كونه لو سقط الأعلى سقط على الأسفل. والخلاف في غير المسجد، أما هو فليست المحاذاة بشرط فيه، باتفاق الطريقتين، فقوله وإن كانا في غير المسجد: الغاية للرد على من شرط المحاذاة في غيره. (وقوله: خلافا لجمع متأخرين) أي شرطوا ذلك في غير المسجد، كما علمت. (قوله: ويكره الخ) أي للنهي عن ارتفاع الإمام عن المأموم. أخرجه أبو داود والحاكم، وللقياس عليه في العكس. (وقوله: ارتفاع أحدهما على الآخر) أي ارتفاعا يظهر حسا، وإن قل، حيث عده العرف ارتفاعا، وما نقل عن الشيخ أبي حامد أن قلة الارتفاع لا تؤثر يظهر حمله على ما تقرر. اه. نهاية. ومثله في التحفة. ومحل الكراهة .. إذا أمكن وقوفهما على مستو، وإلا بأن كان موضع الصلاة موضوعا على هيئة فيها ارتفاع وانخفاض فلا كراهة. قال الكردي: وفي فتاوي الجمال الرملي: إذا ضاق الصف الأول عن الاستواء يكون الصف الثاني الخالي عن الارتفاع أولى مع الصف الأول من الارتفاع. اه. (قوله: بلا حاجة) متعلق بارتفاع، أي يكره الارتفاع إذا لم توجد حاجة، فإن وجدت حاجة كتعليم الإمام المأمومين صفة الصلاة، وكتبليغ المأموم تكبير الإمام، فلا يكره، بل يندب. (قوله: ومنها) أي ومن شروط صحة القدوة. (وقوله: موافقة في سنن) أي أن يوافق المأموم الإمام في فعل أو ترك سنن تفحش مخالفة المأموم فيها له، فإن فعلها الإمام وافقه في فعلها، وإن تركها وافقه فيه. (وقوله: فعلا أو تركا) تمييز لكل من موافقة ومخالفة، أو منصوب بنزع الخافض، أي الموافقة أو المخالفة في السنن من جهة الفعل أو الترك، أو بالفعل أو الترك. (قوله: فتبطل الخ) مفرع على مفهوم الشرط المذكور. (وقوله: مخالفة في سنة) أي تفحش المخالفة بها. (قوله: كسجدة إلخ) تمثيل للسنة التي تفحش المخالفة بها. (قوله: فعلها الإمام وتركها المأموم) أي أو فعلها المأموم عامدا عالما وتركها الإمام. (قوله: عامدا عالما) أي تركها حال كونه عامدا عالما بالتحريم، فإن كان ناسيا أو جاهلا فلا تبطل، لعذره. (قوله: وتشهد أول فعله الإمام وتركه المأموم) أي على تفصيل فيه مر في سجود السهو. وحاصله: أن المأموم إن تركه سهوا أو جهلا، ثم تذكر أو علم قبل انتصاب الإمام ولم يعد تبطل صلاته، وإن تركه عامدا عالما لا تبطل صلاته، بل يسن له العود. (قوله: أو تركه الإمام) أي تركه كله وفعله المأموم. فإن ترك بعضه فللمأموم أن يتخلف لإتمامه - كما سيذكره - قال في النهاية: وقول جماعة: إن تخلفه لإتمام التشهد مطلوب فيكون كالموافق هو الأوجه الخ. اه. قال الأجهوري: وحينئذ إذا كمل تشهده وأدرك زمنا خلف الإمام لا يسع الفاتحة، أو أدركه راكعا، وجب عليه إن يقرأ الفاتحة، ويغتفر له التخلف بثلاثة أركان طويلة. اه. وشرط ابن حجر في شرح الإرشاد، لجواز التخلف لإتمامه، أن لا يتخلف عن الإمام بركنين فعليين متواليين، بأن يفرغ الإمام منهما وهو فيما قبلهما. (قوله: عامدا عالما) راجع للصورة الثانية فقط. أي فعله المأموم حال كونه عامدا عالما بالتحريم، فإن فعله ناسيا أو جاهلا فلا تبطل. (قوله: وإن لحقه على القرب) غاية في البطلان، أي تبطل بفعله وإن لحق إمامه على القرب. وهي للرد على يمن يقول لا تبطل حينئذ. (قوله: حيث لم يجلس الإمام للاستراحة) متعلق بمقدر، أي تبطل بفعل المأموم له حيث لم يجلس الإمام لذلك، وسيذكر قريبا مفهومه. (قوله: لعدو له عن إلخ) تعليل لبطلانها في جميع الصور. (قوله: أما إذا لم

الاتيان به - الامام في سجدته الاولى. وفارق التشهد الاول بأنه فيه أحدث قعودا لم يفعله الامام، وهذا إنما طول ما كان فيه الامام، فلا فحش، وكذا لا يضر الاتيان بالتشهد الاول إن جلس إمامه للاستراحة، لان الضار إنما هو إحداث جلوس لم يفعله الامام، وإلا لم يجز، وأبطل صلاة العالم العامد، ما لم ينو مفارقته، وهو فراق بعذر، فيكون أولى. وإذا لم يفرغ المأموم منه مع فراغ الامام جاز له التخلف لاتمامه، بل ندب إن علم أنه يدرك الفاتحة بكمالها قبل ركوع الامام، لا التخلف لاتمام سورة، بل يكره، إذا لم يلحق الامام في الركوع. (و) منها (عدم تخلف عن إمام بركنين فعليين) متواليين تامين (بلا عذر مع تعمد وعلم) بالتحريم، وإن لم يكونا طويلين. فإن تخلف بهما بطلت صلاته لفحش المخالفة، كأن ركع الامام، واعتدل وهوي للسجود - أي ـــــــــــــــــــــــــــــ تفحش المخالفة) محترز قوله تفحش مخالفة فيها. (قوله: كقنوت إلخ) تمثيل للسنة التي لا تفحش المخالفة فيها، ومثله جلسة الاستراحة، فلا يضر الإتيان بها. (قوله: في سجدته الأولى) قد تقدم أنه إن علم أنه يدرك الإمام فيها سن له التخلف للإتيان به، وإن علم أنه لا يتم قنوته إلا بعد جلوس الإمام بين السجدتين كره له التخلف، وإن علم أنه لا يتمه إلا بعد هويه للسجدة الثانية حرم عليه التخلف، فإن تخلف لذلك ولم يهو للأولى إلا بعد هوى الإمام للسجدة الثانية بطلت صلاته. (قوله: وفارق) أي القنوت التشهد الأول، أي حيث قلنا ببطلان صلاة المأموم بالتخلف له وإن أدرك الإمام في القيام. (وقوله: بأنه) أي المأموم فيه، أي التشهد. (وقوله: وهذا) أي المتخلف للقنوت. (قوله: ما كان فيه الإمام) أي وهو الاعتدال. (قوله: فلا فحش) أي بتخلفه للقنوت. (قوله: وكذا لا يضر الخ) لو قال - كما في التحفة - ومن ثم لا يضر إلخ لكان أسبك. (قوله: إن جلس إمامه للاستراحة) خالف في ذلك الرملي والخطيب، فقالا: إن تخلف الإمام لجلسة الاستراحة لا يبيح للمأموم التخلف للتشهد الأول. (قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يجلس الإمام للاستراحة لم يجز الإتيان بالتشهد، وأبطل ذلك الإتيان صلاة العالم العامد، لا الجاهل ولا الناسي. وهذا قد علم من قوله أو تركه الإمام وفعله المأموم عامدا عالما. إلا أن يقال ذكره لأجل تقييده بالقيد بعده. (قوله: ما لم ينو مفارقته) قيد في البطلان. (وقوله: وهو فراق) أي المفارقة لأجل إتيانه بالتشهد الذي تركه الإمام فراق أي مفارقة بعذر فلا تفوته فضيلة الجماعة. (وقوله: فيكون) أي الفراق لذلك. (وقوله: أولى) أي من المتابعة مع تركه التشهد. (قوله: وإذا لم يفرغ المأموم منه) أي التشهد. (وقوله: جاز له) أي للمأموم. (وقوله: بل ندب) أي التخلف. (قوله: إن علم الخ) قيد في الندبية. وخرج به ما إذا لم يعلم ذلك، فلا يندب له، بل يباح له، ويغتفر له ثلاثة أركان على مر. (قوله: لا التخلف لإتمام سورة) أي لا يندب التخلف له، بل يكره. (قوله: إذا لم يلحق الخ) أي إذا لم يعلم أنه يلحق الإمام في الركوع إذا تخلف للإتيان بالسورة، فإن علم ذلك فلا كراهة. (قوله: ومنها) أي ومن شروط صحة القدوة. (قوله: عدم تخلف الخ) أي إن لا يتخلف المأموم عن إمامه بركنين إلخ. (وقوله: فعليين) سيذكر محترزهما. (قوله: متواليين) خرج به ما إذا تخلف بركنين غير متواليين كركوع وسجود فلا يضر. (وقوله: تامين) تمام الركن يكون بشروعه فيما بعده. وخرج به ما إذا تخلف بركنين غير تامين، بأن يكون لم ينتقل الإمام من الركن الثاني فإنه لا يضر. وعلم من هذا أن المأموم لو طول الاعتدال بما لا يبطله حتى سجد الإمام وجلس بين السجدتين ثم لحقه لا يضر، لأنه لم يتخلف عنه بركنين تامين. ولا يشكل على هذا ما لو سجد الإمام للتلاوة وفرغ منه والمأموم قائم فإن صلاته تبطل وإن أتى به، مع أنه لم يتخلف عنه بركنين تامين، لأن سجود التلاوة لما كان يوجد خارج الصلاة كان كالفعل الأجنبي، ففحشت المخالفة، بخلاف ما هو من أجزاء الصلاة فإنه لا تفحش المخالفة به إلا إن تعدد. أفاده في التحفة: (قوله: بلا عذر) متعلق بتخلف. وخرج به ما إذا وجد عذر، فإنه لا يضر تخلفه بركنين، بل يغتفر له ثلاثة أركان طويلة، كما سيصرح به. (قوله: مع تعمد وعلم) لا حاجة إليه بعد قوله بلا عذر، لأن العذر صادق بالنسيان والجهل وغيرهما من الأعذار الآتية، إلا أن يخص العذر بغير النسيان والجهل من بقية الأعذار. (قوله: وإن لم يكونا طويلين) صاد بما إذا كانا قصيرين، أو طويلا وقصيرا. والأول غير مراد، لعدم تصوره

زال من حد القيام - والمأموم قائم. وخرج بالفعليين القوليان، والقولي والفعلي (و) عدم تخلف عنه معهما (بأكثر من ثلاثة أركان طويلة)، فلا يحسب منها الاعتدال والجلوس بين السجدتين (بعذر أوجبه) أي اقتضى ـــــــــــــــــــــــــــــ والغاية لبطلان التخلف بهما، ولو أخرها عن المفهوم لكان أولى. (قوله: فإن تخلف بهما الخ) مفهوم قوله عدم تخلف إلخ. (وقوله: بطلت صلاته) أي إن كان التخلف بلا عذر، كما يعلم مما قبله. (قوله: لفحش المخالفة) علة البطلان. (قوله: كأن ركع إلخ) تمثيل للتخلف بركنين فعليين تامين. (قوله: أي زال من حد القيام) تفسير مراد للهوي إلى السجود، فإن لم يزل من حد القيام بأن كان أقرب للقيام من أقل الركوع، أو كان إليهما على حد سواء، فلا يضر، لأنه لم يخرج من حد القيام. (قوله: وخرج بالفعليين القوليان) أي كالتشهد الأخير والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه. (وقوله: أو القولي والفعلي) أي كالفاتحة والركوع. (قوله: وعدم تخلف الخ) معطوف على عدم تخلف السابق. أي ومن الشروط أيضا: عدم تخلف المأموم عن إمامه إلخ. (وقوله: معهما) أي مع التعمد والعلم. ويقال فيه ما مر أيضا. (قوله: بأكثر من ثلاثة أركان طويلة) قال في النهاية: المراد بالأكثر أن يكون السبق بثلاثة والإمام في الرابع، كأن تخلف بالركوع أو السجدتين والقيام، والإمام في القيام، فهذه ثلاثة أركان طويلة. فلو كان السبق بأربعة أركان والإمام في الخامس، كأن تخلف بالركوع والسجدتين والقيام، والإمام حينئذ في الركوع، بطلت صلاته. اه. ويوافقه تصوير شارحنا الآتي. (قوله: فلا يحسب منها الخ) أي لا يعد الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الأركان الطويلة، لأنهما ركنان قصيران. (قوله: بعذر أوجبه) متعلق بتخلف. (واعلم) أن الأعذار التي توجب التخلف كثيرة: منها أن يكون المأموم بطئ القراءة لعجز خلقي لا لوسوسة، والإمام معتدلها، وأن يعلم أو يشك قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أنه ترك الفاتحة، وأن يكون المأموم لم يقرأها منتظرا سكتة إمامه عقبها فركع الإمام عقب قراءته الفاتحة، وأن يكون المأموم موافقا واشتغل بسنه كدعاء الافتتاح والتعوذ، وأن يطول السجدة الأخيرة عمدا أو سهوا، وأن يتخلف لإكمال التشهد الأول أو يكون قد نام فيه متمكنا، وأن يشك هل هو مسبوق أو موافق؟ فيعطى حكم الموافق المعذور ويتخلف لقراءة الفاتحة، وأن يكون نسي أنه في الصلاة ولم يتذكر إلا والإمام راكع أو قريب منه، أو يكون سمع تكبيرة الإمام بعد الركعة الثانية فظنها تكبيرة التشهد فإذا هي تكبيرة قيام فجلس وتشهد، ثم قام فرأى الإمام راكعا. وقد ذكر الشارح بعضها. ومما ينسب للشيخ العزيزي: إن رمت ضبطا للذي شرعا عذر * * حتى له ثلاث أركان غفر: من في قراءة لعجزه بطئ * * أو شك إن قرا ومن لها نسي وصف موافقا لسنة عدل * * ومن لسكتة انتظاره حصل من نام في تشهد أو اختلط * * عليه تكبير الإمام ما انضبط كذا الذي يكمل التشهدا * * بعد إمام قام منه قاصدا والخلف في أواخر المسائل * * محقق فلا تكن بغافل وقوله: والخلف في أواخر المسائل، وهي ثلاثة: من نام في تشهده الأول ممكنا مقعده بمقره فما انتبه من نومه إلا وإمامه راكع، ومن سمع تكبير إمامه للقيام فظنه لجلوس التشهد فجلس له وكبر إمامه للركوع فظنه للقيام من التشهد الأول ثم على أنه للركوع. ففي هاتين المسألتين جرى الخلاف بين العلامتين ابن حجر، والشمس الرملي، فقال الأول: هو مسبوق، فيلزمه أن يقرأ من الفاتحة ما تمكن منها. وقال الثاني: هو موافق، يغتفر له ثلاثة أركان طويلة. والمسألة الثالثة: من مكث بعد قيام إمامه لإكمال التشهد الأول، فلا انتصب وجد إمامه راكعا أو قارب أن يركع. فقال الرملي: هو موافق، يغتفر له ما مر من الأركان. وقال حجر: هو كالموافق المتخلف لغير عذر، فإن أتم فاتحته قبل هوى

وجوب ذلك التخلف، (كإسراع إمام قراءة) والمأموم بطئ القراءة لعجز خلقي، لا لوسوسة أو الحركات. (وانتظام مأموم سكتته) أي سكتة الامام ليقرأ فيها الفاتحة، فركع عقبها، وسهوه عنها حتى ركع الامام. وشكه فيها قبل ركوعه. أما التخلف لوسوسة، بأن كان يردد الكلمات من غير موجب فليس بعذر. قال شيخنا: ينبغي في ذي وسوسة صارت كالخلقية - بحيث يقطع كل من رآه أنه لا يمكنه تركها - أن يأتي فيه ما في بطئ الحركة، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإمام للسجدة أدرك الركعة، وإن لم يتمها قبل الهوي نوى المفارقة، وجرى على نظم صلاة نفسه، فإن خالف بطلت صلاته. وزيد مسألة رابعة جرى فيها الخلاف، وهي: ما لو نسي كونه مقتديا وهو في السجود مثلا، ثم تذكر فلم يقم من سجدته إلا والإمام راكع أو قارب أن يركع، فقال الرملي: هو كموافق. وعند حجر: كالمسبوق. ومسألة خامسة، وهي: ما لو شك هل أدرك زمنا يسع الفاتحة أم؟ فجرى في التحفة على أنه يلزمه الاحتياط فيتخلف لا تمامها ولا يدرك الركعة إلا إن أدركه في الركوع، فلو أتمها والإمام آخذ في الهوي للسجود لزمه المتابعة ويأتي بعد سلام الإمام بركعة، ولو لم يتم حتى هوي الإمام للسجود لزمه نية المفارقة، وإلا بطلت صلاته. والذي جرى عليه الرملي ومثله الخطيب، أنه كالموافق، فيجري على ترتيب صلاة نفسه ويدرك الركعة، ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة. وبه أفتى الشهاب الرملي، وظاهر الإمداد يميل إليه. (قوله: كإسراع إمام قراءة) تمثيل للعذر. والمراد بالإسراع: الاعتدال، فإطلاق الإسراع عليه لأنه في مقابلة البطء الحاصل للمأموم. وأما لو أسرع الإمام حقيقة بأن لم يدرك معه المأموم زمنا يسع الفاتحة للمعتدل فإنه يجب على المأموم أن يركع مع الإمام ويتركها لتحمل الإمام لها، ولو في جميع الركعات. اه. ع. ش. (قوله: أو الحركات) انظر على أي شئ يعطف؟ فإن يعطف على قوله - في الشرح - القراءة، ويكون المعنى: والمأموم بطئ في القراءة أو في الحركات، فلا يناسب أن يكون مقابلا لإسراع الإمام في القراءة. وإن يعطف على قوله - في المتن - قراءة، ويكون المعنى: وكإسراع إمام قراءة، أو الحركات، فلا يناسب أن يكون مقابلا له بطء المأموم في القراءة. ثم ظهر صحة العطف على كل منهما، لكن بتقدير مقابل يناسبه، فإن عطف على القراءة في الشرح قدر في المتن أو حركة، وإن عطف على قراءة في المتن قدر في الشرح أو الحركة. والمعنى على الأول: وكإسراع إمام قراءة أو حركة والمأموم بطئ في القراءة أو في الحركات. وعلى الثاني: وكإسراع إمام قراءة أو الحركات والمأموم بطئ في القراءة أو الحركات، وإنما احتيج إلى ذلك لأن إسراع الإمام في الحركة مع بطء المأموم فيها عذر مستقل. وبالجملة فلو أسقطه الشارح لكان أولى، بل إن نظرت إلى قوله بعد: فيلزم المأموم في الصور المذكورة إلخ، كان متعينا كما ستقف عليه. (قوله: وانتظار الخ) معطوف على إسراع، أي وكانتظار مأموم سكتة إمامه، فهو عذر مستقل. (قوله: ليقرأ) أي المأموم. (وقوله: فيها) أي السكتة. (قوله: فركع) أي الإمام عقبها، أي عقب قراءته الفاتحة. (قوله: وسهوه) أي وكسهوه - أي المأموم - عن الفاتحة، فهو معطوف على إسراع. (قوله: وشكه) أي وكشكه - أي المأموم - هل قرأها أم لا؟ (وقوله: قبل ركوعه) أي المأموم. (قوله: أما التخلف لوسوسة الخ) مفهوم قوله لا لوسوسة. (قوله: فليس بعذر) أي فيجب عليه حينئذ أن يقرأ الفاتحة ولا يسقط منها شئ، فإذا تخلف لإكمالها فله ذلك إلى قرب فراق الإمام من الركن الثاني، فحينئذ يلزمه نية المفارقة إن بقي عليه شئ منها، لبطلان صلاته بشروع الإمام فيما بعده. (قوله: أن يأتي فيه) أي ذي الوسوسة. (قوله: ما في بطئ الحركة) أي ما ذكروه في بطئ الحركة، ولا بد من تقدير مضاف في كلامه، أي نظير ما ذكروه فيه، وذلك أن بطئ الحركة لا يتخلف لإتمام الفاتحة، وإنما يتخلف لإتمام ما عليه من الأفعال، ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة. وأما ذو الوسوسة فيتخلف لإتمام الفاتحة، ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة، فهو يأتي فيه نظير ما ذكروه في بطئ الحركة في مطلق التخلف والاغتفار المذكور، ولا يأتي فيه عينه. (قوله: فيلزم المأموم في الصور المذكورة) أي غير بطئ الحركة. وذلك لما علمت أن

فيلزم المأموم في الصور المذكورة إتمام الفاتحة، ما لم يتخلف بأكثر من ثلاثة أركان طويلة، وإن تخلف مع عذر بأكثر من الثلاثة بأن لا يفرغ من الفاتحة إلا والامام قائم عن السجود أو جالس للتشهد (فليوافق) إمامه، وجوبا (في) الركن (الرابع) وهو القيام، أو الجلوس للتشهد، ويترك ترتيب نفسه، (ثم يتدارك) بعد سلام الامام ما بقي عليه، فإن لم يوافقه في الرابع، مع علمه بوجوب المتابعة ولم ينو المفارقة بطلت صلاته، إن علم وتعمد. وإن ـــــــــــــــــــــــــــــ بطئ الحركة لا يلزمه التخلف لإتمام الفاتحة، بل هو كالمزحوم عن السجود يتخلف لإتمام ما عليه من الأفعال، ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة. فإذا أتى بما عليه ووجد الإمام راكعا سقطت عنه الفاتحة، لأنه في حكم المسبوق. (وقوله: إتمام الفاتحة) أي والمشي على ترتيب صلاة نفسه. (والحاصل) يلزم المأموم في الصور المذكورة وغيرها مما يشبهها، تمام الفاتحة، ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة، فإن فرغ من الفاتحة قبل أن يتلبس الإمام بالرابع - ولو صورة: كالتشهد الأول - مشى على نظم صلاة نفسه، فيركع، ويعتدل، ويسجد السجودين. فإذا فرغ من ذلك وقام: فإن وجد الإمام راكعا ركع معه، وسقطت عنه الفاتحة. وإن وجده في القيام قبل أن يركع وقف معه، فإن أدرك معه زمنا يسع الفاتحة، فهو موافق، فيجب عليه إتمام الفاتحة. وإن لم يدرك زمنا يسع الفاتحة فهو مسبوق يقرأ ما أمكنه من الفاتحة. وإن وجده فيما بعد الركوع وافقه فيما هو فيه، وتدارك بعد سلام الإمام ما فاته. وإن فرغ المأموم من فاتحته بعد تلبس الإمام بالرابع بأن وصل إلى حد تجزئ فيه القراءة، بأن انتصب قائما أو استقر جالسا، فهو مخير بين المتابعة للإمام وبعد السلام يأتي بركعة، وبين نية المفارقة ويمشي على نظم صلاة نفسه. فإن انتقل الإمام للخامس ولم يتابع ولم ينو المفارقة بطلت صلاته. وكذا تبطل أيضا فيما إذا مشى على نظم صلاة نفسه من غير نية المفارقة بعد تلبس الإمام بالرابع. (قوله: وإن تخلف مع عذر) مقابل قوله: وعدم تخلف إلخ. ويوجد في بعض نسخ الخط (وإلا) بأن تخلف مع عذر إلخ، وهو أولى، لأن قوله فليوافق عليه جواب إن الشرطية المدغمة في لا النافية، وعلى ما في غالب النسخ لا يكون بينه وبين ما قبله ارتباط. (قوله: بأن لا يفرغ من الفاتحة) تصوير للتخلف بأكثر من ثلاثة أركان. (وقوله: إلا والإمام قائم إلخ) فلا عبرة بشروعه في الانتصاب للقيام أو الجلوس، بل لا بد من أن يستقر في أحدهما، إذ لا يصدق عليه أنه سبق بالأكثر إلا حينئذ، لأن ما قبله مقدمة للركن، لا منه. اه. بجيرمي. (قوله: فليوافق) جواب إن الشرطية المدغمة في لا النافية - على ما في بعض نسخ الخط - أو جواب إن الشرطية التي قدرها الشارح - على ما في غالب النسخ - كما علمت. (قوله: في الركن الرابع) متعلق بيوافق، أي يوافقه في الركن الرابع الذي هو القيام أو الجلوس للتشهد. والموافقة تكون بالقصد إن كان في القيام وبالفعل إن كان في التشهد. ويعتد له بما قرأه من الفاتحة في الأولى، ويلغي ما قرأه منها في الثانية بسبب فراقه حد القائم. هكذا يستفاد من سم. وعبارته: أقول: إذا قعد وهو في القيام فقعد معه كما هو الواجب عليه ثم قام للركعة الأخرى: فهل يبني على ما قرأه من الفاتحة في الركعة السابقة؟ الوجه أنه لا يجوز البناء، لانقطاع قراءته بمفارقة ذلك القيام إلى قيام آخر من ركعة أخرى، بخلاف ما لو سجد لتلاوة في أثناء الفاتحة،، كأن تابع إمامه فيها لرجوعه بعد السجود إلى قيام تلك الركعة بعينه. وأما مسألة ما لو قام وهو في القيام: فلا يبعد حينئذ بناؤه على قراءته لعدم مفارقته حين قيامه. فليتأمل. اه. (قوله: ويترك ترتيب نفسه) أي وجوبا. وإذا تركه وتابع إمامه فيما هو فيه، ثم ركع الإمام قبل أن يكمل هو الفاتحة، تخلف لإكمالها، ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان أيضا. (قوله: ثم يتدارك الخ) أي فهو كالمسبوق. (قوله: فإن لم يوافقه الخ) مفهوم قوله فليوافق. (قوله: ولم ينو المفارقة) هذا يفيد أن عند قول المصنف فليوافق، سقطا من النساخ، وهو أو ينو المفارقة. (قوله: بطلت صلاته) أي لفحش المخالفة بسعيه على نظم صلاة نفسه. (قوله: إن علم) أي وجوب المتابعة. وهذا مكرر مع قوله أولا مع علمه بوجوب المتابعة. فالصواب الاقتصار على أحدهما. (وقوله: وتعمد) أي عدم المتابعة، فإن تركها جاهلا أو ناسيا وجرى على نظم صلاة نفسه

ركع المأموم مع الامام فشك هل قرأ الفاتحة، أو تذكر أنه لم يقرأها؟ لم يجز له العود إلى القيام، وتدارك بعد سلام الامام ركعة. فإن عاد عالما عامدا بطلت صلاته، وإلا فلا. فلو تيقن القراءة وشك في إكمالها فإنه لا يؤثر. (ولو اشتغل مسبوق) وهو من لم يدرك من قيام الامام، قدرا يسع الفاتحة بالنسبة إلى القراءة المعتدلة وهو ضد الموافق. ولو شك هل أدرك زمنا يسعها؟ تخلف لا تمامها، ولا يدرك الركعة ما لم يدركه في الركوع (بسنة) كتعوذ، وافتتاح، أو لم يشتغل بشئ، بأن سكت زمنا بعد تحرمه وقبل قراءته، وهو عالم بأن واجبه الفاتحة. أو ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تبطل صلاته، لكن لا يعتد بما أتى به على ترتيب نفسه، فلا يعتد له بتلك الركعة، كما في فتح الجواد، وعبارته: فإن خالفه جهلا منه بوجوب المتابعة لغا ما يأتي به على ترتيب نفسه، فلا يعتد له بتلك الركعة. اه. (قوله: وإن ركع المأموم الخ) هذا مقابل قوله وشكه فيها قبل ركوعه. (وقوله: مع الإمام) خرج به ما إذا ركع قبله فشك، فإنه يلزمه العود، كما في التحفة. (وقوله: فشك هل قرأ الفاتحة) أي أو لم يقرأها؟ فالمقابل محذوف. (قوله: أو تذكر) أي تيقن. (قوله: لم يجز له العود) أي لقراءتها، لفوات محلها بالركوع. (قوله: وتدارك بعد سلام الإمام ركعة) قال الزركشي: فلو تذكر في قيام الثانية أنه كان قد قرأها حسبت له تلك الركعة. (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يعد عالما عامدا بأن عاد جاهلا أو ناسيا فلا تبطل صلاته، لكن لا يدرك هذه الركعة، وإن قرأ الفاتحة بعد عوده. كذا في سم. (قوله: فلو تيقن القراءة) هذا محترز قوله فشك هل قرأ إلخ. وعبارة فتح الجواد: وخرج بهل قرأ ما لو تيقن القراءة وشك في إكمالها، فإنه لا يؤثر. اه. (قوله: ولو اشتغل مسبوق) (اعلم) أن حاصل مسألة المسبوق أنه إذا ركع الإمام وهو في الفاتحة، فإن لم يكن اشتغل بافتتاح أو تعوذ، وجب عليه إن يركع معه، فإن ركع معه أدرك الركعة، وإن فاته ركوع الإمام فاتته الركعة، ولا تبطل صلاته إلا إذا تخلف بركنين من غير عذر. وأما إذا اشتغل بافتتاح أو تعوذ فيجب عليه إذا ركع الإمام أن يتخلف ويقرأ بقدر ما فوته، فإن خالف وركع معه عمدا بطلت صلاته وإن لم يركع معه، بل تخلف، فإن أتى بما يجب عليه وأدرك الإمام في الركوع أدرك الركعة، فإن رفع الإمام من الركوع قبل ركوعه فاتته الركعة، فإن هوى الإمام للسجود وكمل ما فوته وافقه فيه، وإلا فارقه وجوبا. (قوله: وهو من لم يدرك من قيام الإمام إلخ) أي سواء كان قيام الركعة الأولى أو غيرها، ويتصور كونه مسبوقا في كل الركعات لنحو زحمة أو بطء حركة. ومنه بالنسبة للركعة الثانية مثلا الموافق المنذور إذا مشى على نظم صلاته فما انتصب إلا وإمامه راكع أو قارب الركوع كما مر. ويقع لكثير من الأئمة أنهم يسرعون القراءة فلا يمكن المأموم بعد قيامه من السجود قراءة الفاتحة بتمامها قبل ركوع الإمام، فيركع معه، وتحسب له الركعة، ولو وقع له ذلك في جميع الركعات، لأنه مسبوق. فلو تخلف لأتمام الفاتحة حتى رفع الإمام رأسه من الركوع، أو ركع معه ولم يطمئن قبل ارتفاع إمامه عن أقل الركوع فاتته الركعة، فيتبع الإمام فيما هو فيه، ويأتي بركعة بعد سلام الإمام، كما تقدم. (قوله: بالنسبة إلى القراءة المعتدلة) أي لا بالنسبة لقراءته ولا لقراءة إمامه. اه. تحفة. ونحوها النهاية، وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رحمه الله تعالى عن تعريف المسبوق بمن لم يدرك زمنا يسع الفاتحة: هل ذلك بقراءة نفسه؟ أم بقراءة معتدلة إذا كان هو بطئ القراءة؟ (فأجاب) بقوله: الذي اعتمده الزركشي في المسبوق، والموافق، أن العبرة بحال الشخص نفسه في السرعة والبطء. والذي رجحته في شرح الإرشاد، وبينته في غيره، أن العبرة بالوسط المعتدل، لأنه الذي يتصور عليه قولهم: أن الموافق بطئ القراءة يتخلف لإتمام الفاتحة، ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة، ولو اعتبروا قراءة نفسه لكان مسبوقا، وهو لا يجوز له التخلف. اه. (قوله: وهو) أي المسبوق. (وقوله: ضد الموافق) أي فهو الذي يدرك قدرا يسع الفاتحة بالنسبة إلى القراءة المعتدلة. (قوله: ولو شك هل أدرك الخ) قد تقدم أن هذه المسألة جرى الخلف فيها بين حجر وم ر، فلا تغفل. وشارحنا جار على ما جرى عليه الأول. (وقوله: ولا يدرك) أي الشاك في ذلك. (وقوله: ولا يدرك) أي الشاك في ذلك. (وقوله: ما لم يدركه في الركوع) ما مصدرية ظرفية، أي لا يدرك الركعة مدة عدم إدراك إمامه في الركوع، فإن أدركه فيه أدرك الركعة. (قوله: بسنة) متعلق باشتغل، والسنة في حقه أن لا يشتغل بسنة، بل يشتغل بالفاتحة، إلا أن يظن إدراكها مع اشتغاله بالسنة فيأتي بها ثم بالفاتحة. (قوله: كتعوذ إلخ) تمثيل للسنة.

استمع قراءة الامام (قرأ) - وجوبا - من الفاتحة بعد ركوع الامام، سواء أعلم أنه يدرك الامام قبل رفعه من سجوده أم لا - على الاوجه. (قدرها) حروفا في ظنه، أو قدر زمن من سكوته لتقصيره بعدوله عن فرض إلى غيره. (وعذر) من تخلف لسنة، كبطء القراءة - على ما قاله الشيخان، كالبغوي - لوجوب التخلف، فيتخلف ويدرك الركعة، ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان، خلافا لما اعتمده جمع محققون من كونه غير معذور لتقصيره ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: أو لم يشتغل بشئ) معطوف على جملة ولو اشتغل. (قوله: بأن سكت الخ) تصوير لعدم اشتغاله بشئ. (قوله: وهو عالم إلخ) الجملة واقعة حالا من كل فاعل اشتغل وفاعل لم يشتغل بشئ، أي اشتغل مسبوق بسنة والحال أنه عالم أن واجبه الاشتغال بالفاتحة، أو لم يشتغل والحال أنه عالم أن واجبه ذلك، وسيذكر محترزه بقوله: أما إذا جهل أن واجبه ذلك الخ. (قوله: أو استمع قراءة الإمام) يحتمل عطفه على اشتغل فيكون قسما ثالثا، ويحتمل عطفه على سكت فيكون من أفراد القسم الثاني، وهو ساقط من التحفة والنهاية والمغني، وهو أولى، لأن السكوت يشمله، إذ هو تارة يكون مع استماع، وتارة يكون بدونه. (قوله: قرأ وجوبا الخ) جواب لو. (قوله: قبل رفعه من سجوده) الذي في التحفة: قبل سجوده، وهو المتعين، كما يستفاد من مقابل الأوجه الآتي قريب. ولعل لفظ (رفعه ومن) زيد من النساخ. (قوله: على الأوجه) أي خلافا لما في شرح الرملي عن الفارقي أن صورة تخلفه للقراءة أن يظن أنه يظن أنه يدرك الإمام قبل سجوده، وإلا فيتابعه قطعا، ولا يقرأ. وذكر مثله الروياني في حليته، والغزالي في إحيائه، ولكنه مخالف لنص الأم، على أن صورتها أن يظن أنه يدرك الإمام في ركوعه وإلا فيفارقه، ويتم صلاته. نبه على ذلك الأذرعي، وهو المعتمد. لكن يتجه لزوم المفارقة له عند عدم ظنه ذلك، فإن لم يفعل أثم، ولكن لا تبطل صلاته حتى يصير متخلفا بركنين. اه. ومثله في شرح الروض والمغني. (قوله: قدرها) أي السنة، وهو مفعول قرأ. (قوله: حروفا) تمييز. (قوله: في ظنه) متعلق بقدرها، أي قدرها بحسب ظنه، وهذا هو ما جرى عليه في التحفة والنهاية، والذي في فتح الجواد أنه يجب أن يعد أو يحتاط اه. وعليه: لا بد من اليقين في القدر المذكور. (قوله: أو قدر زمن) بالنصب معطوف على قدرها، أي أو قرأ قدر زمن، (وقوله: من سكوته) من بمعنى اللام، أي لسكوته. ولو حذف لفظ (من) لكان أولى. والمناسب لقوله أو استمع: أن يزيد هنا: أو استماعه لقراءة إمامه. (قوله: لتقصيره الخ) تعليل لوجوب قراءة القدر المذكور. قال في شرح الروض: قال الأذرعي: وقضية التعليل بما ذكر، أنه إذا ظن إدراكه في الركوع فأتى بالافتتاح والتعوذ فركع الإمام على خلاف العادة بأن قرأ الفاتحة وأعرض عن السنة التي قبلها والتي بعدها يركع معه وإن لم يكن قرأ من الفاتحة شيئا. ومقتضى إطلاق الشيخين وغيرهما أنه لا فرق. اه. وهذا المقتضى هو المعتمد، لبقاء محل القراءة، ولا نسلم أن تقصيره بما ذكر منتف في ذلك، ولا عبرة بالظن البين خطؤه. اه. (وقوله: لا فرق) أي بين ظنه إدراك الفاتحة وعدمه. قال سم: أقول ينبغي أن المراد بالمقتضى المذكور، أي مقتضى كلام الشيخين، أنه إذا كان الزمن الذي أدركه يسع جميع الفاتحة تخلف لها، كبطء القراءة، أو بعضها لزمه التخلف لقراءة قدره. اه. (قوله: وعذر) معطوف على قرأ. (قوله: من تخلف لسنة) أي لقراءة قدر السنة من الفاتحة. وإنما قدرت ما ذكر لأن التخلف لا للسنة، وإنما هو للقراءة المذكورة. وكان المناسب في الحل أن يقول: وعذر المسبوق المتخلف لقراءة قدر ما ذكر من السنة التي اشتغل بها ومن السكوت ومن استماع قراءة الإمام. (قوله: كبطء القراءة) متعلق بمحذوف صفة لمصدر عذر، أي عذر عذرا كالعذر ببطء القراءة. والكاف للتنظير، أي فيغتفر له ثلاثة أركان طويلة. (قوله: على ما قاله الشيخان) أي عذر من ذكر على ما قاله الشيخان. فالجار والمجرور متعلق بعذر. (قوله، لوجوب التخلف) علة للعذر. (قوله: فيتخلف إلخ) هذا مقتضى العذر. (قوله: ما لم يسبق إلخ) أي يتخلف للقراءة، ثم يجري على نظم صلاة نفسه، ما لم يسبق بذلك، فإن سبق وافق الإمام وجوبا فيما هو فيه، وأتى بعد السلام بركعة أو نوى المفارقة، كما مر. (قوله: خلافا لما اعتمده جمع محققون) منهم: المتولي، والقاضي. (وقوله: من كونه) بيان لما، وضميره يعود على المتخلف للقراءة التي عليه. (وقوله: غير معذور) أي فلا يغتفر له ثلاثة

بالعدول المذكور. وجزم به شيخنا في شرح المنهاج وفتاويه، ثم قال: من عبر بعذره فعبارته مؤولة. وعليه: إن لم يدرك الامام في الركوع فاتته الركعة، ولا يركع، لانه لا يحسب له، بل يتابعه في هويه للسجود، إلا بطلت صلاته، إن علم وتعمد. ثم قال: والذي يتجه أنه يتخلف لقراءة ما لزمه حتى يريد الامام الهوي للسجود، فإن ـــــــــــــــــــــــــــــ أركان طويلة. (قوله: لتقصيره الخ) عله لما اعتمده جمع. (وقوله: بالعدول المذكور) أي وهو العدول عن فرض إلى سنة. (قوله: وجزم به) أي بما اعتمده الجمع المحققون. (وقوله: في شرح المنهاج) عبارته: وعلى الأول - يعني وعلى لزوم قراءة قدر السنة - متى ركع قبل وفاء ما لزمه بطلت صلاته، إن علم وتعمد كما هو ظاهر. وإلا لم يعتد بما فعله، ومتى ركع الإمام وهو متخلف لما لزمه وقام من الركوع فاتته الركعة، بناء على أنه متخلف بغير عذر. ومن عبر بعذره فعبارته مؤولة. ثم إذا فرغ قبل هوي الإمام للسجود وافقه ولا يركع، وإلا بطلت إن علم وتعمد، وإن لم يفرغ وقد أراد الإمام الهوي للسجود فقد تعارض في حقه وجوب وفاء ما لزمه، وبطلان صلاته بهوي الإمام للسجود، لما تقرر أنه متخلف بغير عذر، فلا مخلص له عن هذين إلا نية المفارقة، فتتعين عليه، حذرا من بطلان صلاته عند عدمها. اه. ببعض حذف. وإذا تأملت العبارة المذكورة تعلم أن شيخه لم يجزم بأنه غير معذور، وإنما رتب حكما ذكره على القول بأنه غير معذور بقوله: ومتى ركع الإمام وهو متخلف ... إلى أن قال: بناء على أنه متخلف بغير عذر. وهذا لا يفيد جزمه بذلك. نعم، ظاهر العبارة يقتضي ترجيحه على ما سواه. فتنبه (قوله: ثم قال) أي شيخه، أي في شرح المنهاج. (قوله: فعبارته مؤولة) أي بأن المراد بعذره: عدم الكراهة وعدم البطلان بتخلفه أقل من ركنين قطعا. بخلاف غيره، فإن تخلفه بركن: قيل مبطل، وقيل مكروه، وليس المراد به أنه يعذر في سائر الأحوال، حتى أنه لو تخلف عن الإمام بثلاثة أركان طويلة سعى خلفه ولم تبطل صلاته. (والحاصل) من قال بعذره أراد ما ذكر، ومن قال بعدمه أراد أنه لا يغتفر له ثلاثة أركان طويلة. (قوله: وعليه) أي على ما اعتمده جمع محققون من كون المتخلف لقراءة قدر السنة التي اشتغل بها غير معذور. ولا يخفى أن عبارته توهم أن من هنا إلى قوله قال شيخنا في شرح الإرشاد كلام شيخه في شرح المنهاج، وليس كذلك، كما يعلم من عبارته السابقة، بل هي عبارة شيخه في شرح الإرشاد، فكان عليه أن ينص على ذلك. (والحاصل) من تأمل عبارته المذكورة وجدها غير حسنة السبك، بل هي موهمة خلاف المراد. والسبب في ذلك أنه أدخل بعض العبارات في بعض. فتنبه. (قوله: إن لم يدرك الإمام في الركوع إلخ) مقابله محذوف، وهو إن أدركه فيه أدرك الركعة. (قوله: ولا يركع الخ) يعني إذا قرأ القدر الواجب عليه من الفاتحة بعد أن رفع الإمام رأسه من الركوع فلا يمشي على نظم صلاة نفسه ويركع ويعتدل، لعدم الاعتداد بذلك، فلا فائدة فيه، بل يتابع الإمام في الهوي للسجود، ويأتي بعد سلام الإمام بركعة، فإن لم يفعل ذلك، بطلت صلاته. (قوله: وإلا بطلت صلاته) أي وإن لم يتابع إمامه في الهوي للسجود بل ركع بطلت صلاته. (قوله: إن علم وتعمد) قيدان، فإن لم يعلم ويتعمد ذلك لا تبطل صلاته، لكن لا يعتد بما فعله، فيأتي بركعة بعد سلام الإمام. (قوله: ثم قال) أي شيخه في فتح الجواد، كما علمت. (قوله: والذي يتجه إلخ) أنظره مع قوله وعليه أنه إلخ. هل مفادهما واحد، أو بينهما فرق؟ فإن كان الأول - وهو الظاهر - لزم التكرار، وإن كان الثاني: فلا يظهر الفرق، إلا إذا حمل قوله بل يتابعه في هويه على الإطلاق، أي أنه يتابعه مطلقا، سواء فرغ من قراءة القدر الذي عليه، أم لم يفرغ منه. ثم رأيت الشارح أسقط من عبارة فتح الجواد - قبل قوله والذي يتجه إلخ - كلاما يترتب ذلك عليه. وعبارته - بعد كلام - وعليه: فإذا لم يدركه إلا في هويه للسجود وجبت متابعته ولا يركع، وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد. وإنما يتخلف المتدارك إن ظن أنه يدركه قبل سجوده، وإلا تابعه، وهو ما قاله جمع. وإن ظن أنه يدركه في ركوعه وإلا فارقه، وهو ما في الأم. والذي يتجه: أنه يتخلف لقراءة ما لزمه حتى يريد الإمام الهوي للسجود، فإن كمله وافقه فيه، وإلا فارقه. اه.

كمل وافقه فيه، ولا يركع، وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد، وإلا فارقه بالنية. قال شيخنا في شرح الارشاد: والاقرب للمنقول الاول، وعليه أكثر المتأخرين. أما إذا ركع بدون قراءة قدرها فتبطل صلاته. وفي شرح المنهاج - له - عن معظم الاصحاب: أنه يركع ويسقط عنه بقية الفاتحة. واختير، بل رجحه جمع متأخرون، وأطالوا في الاستدلال له، وأن كلام الشيخين يقتضيه. أما إذا جهل أن واجبه ذلك فهو تخلفه لما لزمه متخلف بعذر. قاله القاضي. وخرج بالمسبوق الموافق، فإنه إذا لم يتم الفاتحة لاشتغاله بسنة، كدعاء افتتاح، وإن لم يظن إدراك الفاتحة معه، يكون كبطئ القراءة فيما مر، بلا نزاع. (وسبقه) أي المأموم، (على إمام) عامدا عالما ـــــــــــــــــــــــــــــ فقوله: والذي يتجه أنه يتخلف: أي مطلقا، سواء ظن أنه يدركه قبل سجوده أو قبل ركوعه، أم لم يظن ذلك. فتأمل (قوله: فإن كمل) أي ما لزمه من القراءة (قوله: وافقه فيه) أي وافق المأموم إمامه في الهوي للسجود (قوله: ولا يركع) أي ويترك الموافقة (قوله: وإلا) أي وإن لم يوافقه فيه، بل ركع (قوله: بطلت صلاته إن علم وتعمد) فإن لم يعلم ذلك ولم يتعمده لا تبطل صلاته، ولكن لا يعتد بما أتى به، كما مر. (قوله: وإلا فارقه بالنية) أي وإن لم يكمل ما لزمه من القراءة نوى المفارقة وجوبا، لما مر عن ابن حجر من أنه تعارض عليه وجوب وفاء ما لزمه، وبطلان صلاته بهوي إمامه للسجود، فلا مخلص له إلا نية المفارقة، فإن لم ينوها بطلت صلاته. (قوله: الأول) وهو ما عليه الشيخان من أنه يعذر. (قوله: أما إذا ركع بدون قراءة قدرها) مقابل قوله: قرأ قدرها. (قوله: فتبطل صلاته) أي إن كان عامدا عالما، وإلا لم يعتد بما فعله، أي فيأتي بركعة بعد سلام الإمام. اه. بجيرمي. (قوله: وفي شرح المنهاج له) أي لشيخه. وهذا قول مقابل لقوله: قرأ وجوبا. (والحاصل) أن هناك قولين - فيمن اشتغل بسنة - أحدهما: أنه يجب عليه أن يقرأ من الفاتحة بقدر ما قرأه من السنة، واختلف فيه، فقيل أنه يعذر في تخلفه لذلك ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة، وقيل لا يعذر، وهو المعتمد. وثانيهما: أنه لا يلزمه أن يقرأ بقدر السنة، بل إذا ركع الإمام ركع معه، لحديث: إذا ركع الإمام فاركعوا. فتسقط عنه الفاتحة عنه أو بقيتها، كالمسبوق. (قوله: واختير) أي ما نقل عن معظم الأصحاب. (قوله: أما إذا جهل أن واجبه ذلك) أي الاشتغال بالفاتحة. وهذا محترز قوله: وهو عالم بأن واجبه الفاتحة. (قوله: فهو) أي الجاهل بما ذكر. (وقوله: بتخلفه إلخ) الظاهر أن الباء للملابسة متعلقة بمحذوف حال من المبتدأ - على رأي سيبويه - أي فهو حال كونه متلبسا بتخلفه لما لزمه من قراءة قدر السنة من الفاتحة: متخلف بعذر، وذلك العذر هو جهله بأن الواجب عليه أن يشتغل بالفاتحة. قال سم: قضية هذا أنه كبطئ القراءة، مع أنه فرضه في المسبوق والمسبوق لا يدرك الركعة إلا بالركوع مع الإمام. اه. وقال الرشيدي: أقول يحتمل أن يكون هذا - أي ما ذكر من أنه كبطئ القراءة - هو مراد القاضي، فيكون مخصصا لقولهم: إن المسبوق لا يدرك الركعة إلا بالركوع مع الإمام، فيكون محله - في العالم - بأن واجبه القراءة. ويحتمل - وهو الأقرب واقتصر عليه شيخنا في الحاشية -: أن مراد القاضي أن صلاته لا تبطل بتخلفه إلى ما ذكر فيكون محل بطلانها بهوي الإمام للسجود، إذ لم يفارقه في غير هذه الصورة، لكن تفوته الركعة. وليس معنى كونه متخلفا بعذر أنه يعطى حكم المعذور من كل وجه. اه. (قوله: قاله القاضي) أي قال ما ذكر من أنه إن جهل ذلك إلخ (قوله: وخرج بالمسبوق الموافق) هو من أدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة، كما تقدم. (قوله: فإنه) أي الموافق. (قوله: لاشتغاله بسنة) علة لعدم التمام، أي لم يتم الفاتحة لأجل كونه اشتغل بسنة ثم ركع إمامه. (قوله: كدعاء افتتاح) أي أو تعوذ. (قوله: وإن لم يظن إدراك الفاتحة) غاية لعذره بذلك، أي أنه يعذر إذا ركع إمامه قبل أن يتم الفاتحة لكونه قد اشتغل بالسنة، وإن كان اشتغل بها وهو لم يظن

(ب) - تمام (ركنين فعليين) وإن لم يكونا طويلين (مبطل) للصلاة، لفحش المخالفة. وصورة التقدم بهما: أن يركع ويعتدل ثم يهوي للسجود مثلا والامام قائم، أو كأن يركع قبل الامام، فلما أراد الامام أن يركع رفع، فلما أراد الامام أن يركع سجد، فلم يجتمع معه في الركوع ولا في الاعتدال. ولو سبق بهما سهوا أو جهلا لم يضر، لكن لا يعتد له بهما. فإذا لم يعد للاتيان بهما مع الامام سهوا أو جهلا أتى بعد سلام إمامه بركعة، وإلا أعاد ـــــــــــــــــــــــــــــ إدراك الفاتحة. ولو أخر الغاية عن قوله يكون كبطئ القراءة لكان أولى. وعبارة التحفة: وظاهر كلامهم هنا عذره وإن لم يندب له دعاء الافتتاح، بأن ظن أنه لا يدرك الفاتحة لو اشتغل به، وحينئذ يشكل بما مر في تارك الفاتحة متعمدا حيث أنه لا يعذر بذلك، إلا إن يفرق بأن له هنا نوع شبهة لاشتغاله بصورة سنة، بخلاف ما مر. ويشكل أيضا بما يأتي في المسبوق أن سبب عدم عذره كونه اشتغل بالسنة عن الفرض، إلا أن يفرق بأن المسبوق يتحمل عنه الإمام، فاحتيط له بأن لا يكون صرف شيئا لغير الفرض، والموافق لا يتحمل عنه، فعذر للتخلف لإكمال الفاتحة، وإن قصر بصرفه بعض الزمن لغيرها. اه. بتصرف (قوله: يكون الخ) جواب إذا. (قوله: فيما مر) أي من أنه يعذر ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة. (قوله: وسبقه الخ) لما أنهى الكلام على بيان حكم من يتخلف عن الإمام شرع يتكلم على بيان حكم من تقدم عليه، فذكر أنه إن تقدم عليه بركنين فعليين عامدا عالما بطلت صلاته، وإن تقدم عليه بركن فعلي فقط حرم، ولا تبطل صلاته. ثم إن سبق: مصدر مضاف لفاعله واقع مبتدأ، خبره مبطل، وكان الأولى والملائم لما قبله أن يقول وعدم سبقه الخ، ويحذف لفظ مبطل، وذلك ليفيد صراحة أن من شروط صحة القدوة عدم ذلك أيضا. (قوله: على إمام) متعلق بسبقه، وعداه بعلى لكونه بمعنى التقدم، وهو يتعدى بنفسه، وبعلى. (قوله: عامدا عالما) حالان من فاعل المصدر. وسيذكر محترزهما. (قوله: بتمام ركنين) متعلق بسبق، أي عدم سبقه بركنين فعليين تامين. ولا بد أن يكونا متواليين. فخرج بالفعليين القوليان، كالتشهد الأخير والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه. والقولي والفعلي: كالفاتحة، والركوع. وخرج بالتامين التقدم بركن وبعض ركن، وبالمتواليين غيرهما، فلا ضرر في جميع ذلك. (قوله: وإن لم يكونا طويلين) أي أنه يضر التقدم بركنين فعليين، سواء كانا طويلين كالسجدة الثانية والقيام، أو طويلا وقصيرا كالركوع، والاعتدال. والغاية تشمل القصيرين، لكنه غير مراد، لعدم تصورهما. (قوله: لفحش المخالفة) علة للبطلان بالتقدم بهما. (قوله: وصورة الخ) هذه الصورة المعتمدة عند شيخ الإسلام والخطيب وم ر، قياسا على التخلف عن الإمام بهما، فإن صورته - كما تقدم - أن يركع الإمام قبله ويعتدل ويهوي للسجود، وهو متلبس بالقيام. (قوله: وأن يركع الخ) هذه صورة ثانية للتقدم على الإمام بهما. قال الكردي: رجح هذه الصورة ابن حجر في شرحه على الإرشاد والعباب، وفي الأسنى هو الأولى (1) وأوردهما - أي الصورتين - معا في التحفة ولم يرجح منهما شيئا. اه. ويفارق التقدم حينئذ ما تقدم في التخلف بأن التقدم أفحش، فأبطل بركنين ولو على التعاقب. (قوله: فلم يجتمع) أي المأموم. (وقوله معه) أي الإمام (قوله: ولو سبق) أي المأموم الإمام بهما، أي بركنين. (قوله: سهوا أو جهلا) أي حال كونه ساهيا أي ناسيا أنه مقتد، أو حال كونه جاهلا بالتحريم. وكتب سم ما نصه: قوله سهوا أو جهلا: فيه إشارة إلى أنه يجب العود إلى الإمام عند زوال السهو والجهل، وهو قريب، ويوجه بأن في السبق بهما فحش المخالفة، ولهذا عللوا به البطلان عند التعمد. اه. (قوله: لم يضر) أي لا يبطل الصلاة. (قوله، لكن لا يعتد له) أي للمأموم. (وقوله بهما) أي بالركنين اللذين سبق الإمام بهما سهوا أو جهلا. (قوله: فإذا لم يعد الخ) تفريع على عدم الاعتداد له بهما، وكان المناسب في التفريع أن يقول فيجب عليه

_ (1) (وقوله: وفي الأسنى هو الأولى) أي أن هذا التصوير هو الاولى، بفتح الهمزة وسكون الواو ز وعباراته مع الروض: ومثله العراقيون بأن يركع قبله، فلما أراد أن يركع رفع، فلما أراد أن يرفع سجد، وهو مخالف لما سبق في التخلف، فيجوز أن يستويا، وأن يختص هذا بالتقدم لفحش المخالفة، وهو الأولى، لأنه أفحش اه. وهذا لا ينافي ما تقدم من أن الصورة الاولى المعتدة عن شيخ الإسلام، لأن ما جرى عليه في الاسنى ضعيف. فتنبه، اه. مولف

الصلاة. (و) سبقه عليه عامدا عالما (ب) - تمام (ركن فعلي) كأن ركع ورفع والامام قائم (حرام) بخلاف التخلف به فإنه مكروه كما يأتي، ومن تقدم بركن سن له العود ليوافقه إن تعمد، وإلا تخير بين العود والدوام. (ومقارنته) أي مقارنة المأموم الامام (في أفعال)، وكذا أقوال غير تحرم (مكروهة: كتخلف عنه) أي الامام (إلى فراغ ركن) وتقدم عليه بابتدائه، وعند تعمد أحد هذه الثلاثة تفوته فضيلة الجماعة. فهي جماعة صحيحة، لكن لا ثواب ـــــــــــــــــــــــــــــ العود، ثم يرتب عليه قوله فإذا لم يعد إلخ. فتنبه. (وقوله للإتيان بهما) أي عند زوال سهوه أو جهله. (وقوله سهوا أو جهلا) حالان من فاعل يعد. (قوله: وإلا) أي وإن لم يكن عدم العود لسهوه أو جهله، بل كان من عمد أو علم، بطلت صلاته، فتجب عليه إعادتها. (قوله: وسبقه) أي المأموم. وهو مصدر مضاف لفاعله، كالذي قبله. وكان الملائم لما قبله أن يقول: بخلاف سبقه بركن، فإنه غير مبطل، إلا أنه حرام. وذلك لأنه مفهوم قوله بركنين. (وقوله عليه) أي على الإمام. (قوله: عامدا عالما) حالان من فاعل المصدر. (قوله: بتمام ركن) يفهم منه أن التقدم ببعض ركن كأن ركع قبل الإمام ولحقه الإمام في الركوع، لا يحرم، وإنما يكره. وهو كذلك عند ابن حجر. والذي في المغني والنهاية أن السبق ببعض ركن كالسبق به تاما، أخذا من الحديث الآتي. (وقوله فعلي) خرج القولي، ففيه تفصيل. فإن كان تكبيرة الإحرام أو السلام أبطل الصلاة، وإن كان الفاتحة أو التشهد فلا يبطل ولا يحرم. (قوله: كأن ركع إلخ) تمثيل للسبق بتمام ركن فعلي. (قوله: حرام) أي لخبر السلم: لا تبادروا الإمام إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعو. وفي رواية صحيحة رواها الشيخان: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل رأس الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار؟. ومعنى ذلك أن يجعل الله رأسه على صورة رأس الحمار، ويبقى بدنه بدن إنسان أو يمسخ صورته كلها فيجعل جميع بدنه بدن حمار. وفيه دليل على جواز المسخ - أعاذنا الله منه - وهو لا يكون إلا من شدة الغضب. قال الكردي: وقد وقع ذلك في الدنيا. (قوله: بخلاف التخلف به) أي بتمام ركن. (وقوله: فإنه مكروه) أي على الأصح. ومقابله أنها تبطل بالتخلف بركن أيضا. وعبارة المنهاج مع شرح م ر: وإن تخلف بركن، بأن فرغ الإمام منه والمأموم فيما قبله، لم تبطل في الأصح. والثاني تبطل، لما فيه من المخالفة من غير عذر. اه. (قوله: ومن تقدم) أي على إمامه. (وقوله: سن له العود) أي إلى إمامه. (وقوله إن تعمد) أي التقدم بركن (قوله: وإلا تخير) أي وإن لم يكن تقدمه عمدا، بأن كان سهوا، تخير بين العود للركن الذي سبق الإمام منه، كما قبل الركوع في المثال الذي ذكره وبين الدوام - أي البقاء - في الركن الذي هو فيه، كاعتدال في المثال المذكور، ولا ينتقل عنه حتى يلحقه الإمام فيه. وإنما سن العود للعامد جبرا لما فاته، وخير غيره لعدم تقصيره. قال سم في حواشي التحفة: فإذا عاد إليه، هل يلغو الركن الذي أتى به أو لا، بل هو محسوب له، وركوعه مع الإمام لمحض المتابعة، حتى لو رفع منه قبل أن يطمئن المأموم لم يلزم الطمأنينة؟ فيه نظر. (فإن قلت): إذا عاد إلى الإمام صار هذا اعتدالا، ويلزمه تطويله. (قلت): لا نسلم أنه اعتدال له، بل هو موافقة للإمام في قيامه. اه. (قوله: ومقارنته) هو مبتدأ. والمناسب أن يكون من إضافة المصدر لفاعله، وإن كانت المقارنة مفاعلة فهي من الجانبين. (قوله: في أفعال) متعلق بمقارنته. (قوله: وكذا أقوال) أي ومثل الأفعال الأقوال، في كراهة المقارنة. وفي ع ش: قال بعضهم: إن المقارنة في الأفعال مكروهة تفوت فضيلة الجماعة لفحش المخالفة، بخلاف المقارنة في الأقوال. فليراجع. اه. (قوله: غير تحرم) سيأتي محترزه (قوله: مكروهة) قال البجيرمي: وقيل خلاف الأولى ومحل الخلاف: إذا قصد ذلك، دون ما إذا وقع اتفاقا - كما هو ظاهر - وهل الجاهل بكراهتها كمن لم يقصدها لعذره؟ قياس كلامهم - في غير هذا المحل - أنه مثله. اه. (قوله: كتخلف عنه) أي ككراهة التخلف عنه بركن (قوله: وتقدم عليه) أي وكتقدم عليه، فهو معطوف على تخلف. (وقوله: بابتدائه) أي الركن (قوله: وعند تعمد أحد هذه الثلاثة) هي: المقارنة. والتخلف عنه بركن. والتقدم عليه بابتداء الركن، بأن يشرع فيه قبل شروع الإمام (قوله: تفوته فضيلة الجماعة) أي في الجزء الذي قارنته الكراهة فقط، فإذا قارنته في الركوع مثلا فاته سبعة وعشرون ركوعا. قال في فتح الجواد: والأوجه اختصاص الفوات بما صحبته الكراهة فقط، وأن الفائت أصل الثواب لأن الكراهة لذات الجماعة، لا لأمر

عليها، فيسقط إثم تركها أو كراهته. فقول جمع انتفاء الفضيلة، يلزمه الخروج عن المتابعة حتى يصير كالمنفرد ولا تصح له الجمعة، وهم، كما بينه الزركشي وغيره. ويجري ذلك في كل مكروه من حيث الجماعة بأن لم يتصور وجوده في غيرها. فالسنة للمأموم أن يتأخر ابتداء فعله عن ابتداء فعل الامام، ويتقدم على فراغه منه، والاكمل من هذا أن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن جميع حركة الامام، ولا يشرع حتى يصل الامام لحقيقة المنتقل إليه، فلا يهوي للركوع والسجود حتى يستوي الامام راكعا، أو تصل جبهته إلى المسجد. ولو قارنه بالتحرم أو تبين تأخر تحرم الامام لم تنعقد صلاته ولا بأس بإعادته التكبير سرا بنية ثانية إن لم يشعروا، ولا بالمقارنة في السلام، وإن سبقه بالفاتحة أو التشهد، بأن فرغ من أحدهما قبل شروع الامام فيه لم يضر. وقيل: ـــــــــــــــــــــــــــــ خارج. ا. هـ. (قوله: فيسقط إثم تركها) أي على القول بأن الجماعة واجبة، إما على العين أو الكفاية. (وقوله: أو كراهته) معطوف على إثم، أي أو يسقط كراهة تركها، أي على القول بأنها سنة مؤكدة. (قوله: فقول جمع) مبتدأ، خبره وهم. (قوله: حتى يصير) أي من انتقى عنه فضيلة الجماعة. (قوله: لا تصح له الجمعة) عطفه على ما قبله من عطف اللازم على الملزوم، وذلك لأن الجماعة شرط في الجمعة، فإذا صار كالمنفرد بطلت الجمعة لانتفاء شرطها. (قوله: ويجري ذلك) أي ما ذكر من تفويت فضيلة الجماعة فقط. (وقوله: في كل مكروه من حيث الجماعة) أي متعلق بذات الجماعة، وخرج به المكروه لا من حيث الجماعة، وهو الذي يتصور وجوده مع غيرها، كالصلاة حاقنا أو حازقا أو رافعا بصره إلى السماء، فلا يفوت فضيلتها. (قوله: بأن لم يتصور وجوده) أي المكروه في غيرها، أي الجماعة. وهو تصوير لكون الكراهة من حيث الجماعة. (قوله: فالسنة للمأموم الخ) مفرع على كون المقارنة والتخلف بركن والتقدم بابتدائه: مكروهات. (قوله: ويتقدم) أي ابتداء فعل المأموم. (وقوله: على فراغه) أي الإمام منه، أي الفعل. (قوله: والأكمل من هذا) أي مما ذكر من أن السنة تأخر ابتداء فعله عن ابتداء فعل الإمام وتقدمه على فراغه منه. (قوله: ولا يشرع) أي المأموم. وهذا عين ما قبله. تأمل. ثم رأيته في التحفة عبر بالفاء التي للتفريع بدل الواو. وهو أولى. (قوله: حتى يصل الإمام لحقيقة المنتقل إليه) أي لحقيقة الركن الذي انتقل إليه. قال سم: قضيته أنه يطلب من المأموم أن لا يخرج عن الاعتدال حتى يتلبس الإمام بالسجود وقد يتوقف فيه. اه. قال الكردي: وأقول لا توقف، فقد بينت في الأصل ما يصرح بذلك من الأحاديث الصحيحة، نعم، رأيت في شرح مسلم استثناء ما إذا علم من حاله أنه لو أخر إلى هذا الحد لرفع الإمام قبل سجوده. اه. وهو ظاهر. ولعله وجه توقف سم فيما ذكر. اه. (قوله: فلا يهوي) أي المأموم، وهو مفرع على الأكمل المذكور. (قوله: إلى المسجد) أي مكان السجود، فهو مصدر ميمي (1) أريد منه المكان. (قوله: ولو قارنه بالتحرم) هذا محترز قوله غير تحرم، ومثل المقارنة: ما لو شك هل قارنه فيه أو لا؟ وطال زمن الشك، ومضى ركن مع الشك. أما إذا لم يطل ولم يمض ركن معه بل زال عن قرب فلا يضر. (وقوله: أو تبين الخ) أي أو اعتقد أن تحرمه متأخر عنه ثم تبين له خلاف ذلك (وقوله: لم تنعقد صلاته) أي إن نوى الاقتداء مع تحرمه. أما لو أحرم منفردا ثم اقتدى به في خلال صلاته صحت قدوته، وإن كانت تكبيرته متقدمة على تكبيرة الإمام أو مقارنة له. (قوله: ولا بأس بإعادته) أي الإمام - التكبير - يعني إذا أعاد الإمام التكبير سرا بعد إحرام المأمومين، لكونه تبين له فقد شرط من شروطه مثلا، فلا ضرر عليهم بذلك، لكن إذا أعاده وهم لم يشعروا به، وإلا بطلت صلاتهم لتبين تقدم تحرمهم على تحرمه. وعبارة البجيرمي - بعد كلام -: وكذا لو كبر عقب تكبير إمامه ثم كبر إمامه ثانيا خفية لشكه في تكبيره مثلا ولم يعلم المأموم به لم يضر على أصح الوجهين، وهو المعتمد، كما في ق ل على الجلال، وح ل وش م ر اه. (قوله: ولا بالمقارنة في السلام) أي ولا بأس بالمقارنة فيه، لكنها تكره وتفوت فضيلة الجماعة. (قوله: وأن سبقه) أي وإن سبق المأموم الإمام (قوله: بأن فرغ)

_ (1) قوله: فهو مصدر ميمي) أي وتكسر عينه سماعا، والقياس فتحها. وعند سيبويه هو بفتح الجيم لاغير، إذا اريد منه موضع السجود ز اه. مولف

تجب الاعادة مع فعل الامام أو بعده، وهو أولى. فعليه إن لم يعده بطلت. ويسن مراعاة هذا الخلاف كما يسن تأخير جميع فاتحته عن فاتحة الامام، ولو في أوليي السرية إن ظن أنه يقرأ السورة. ولو علم أن إمامه يقتصر على الفاتحة لزمه أن يقرأها مع قراءة الامام. (ولا يصح قدوة بمن اعتقد بطلان صلاته) بإن ارتكب مبطلا في اعتقاد المأموم، كشافعي اقتدى بحنفي مس فرجه، دون ما إذا افتصد نظرا لاعتقاد المقتدي، لان الامام محدث ـــــــــــــــــــــــــــــ أي المأموم، وهو تصوير لسبقه بأحدهما. (وقوله: فيه) أي في أحدهما من التشهد أو الفاتحة. (قوله: لم يضر) جواب إن، وذلك لإتيانه به في محله من غير فحش مخالفة. (قوله: وقيل تجب الإعادة) أي إعادة ما قرأه من الفاتحة أو التشهد قبل الإمام. (قوله: وهو أولى) أي إعادته بعد فعل الإمام أولى منها مع فعله. قال سم: كذا قال ر م. وهو يفيد سن تأخر جميع تشهد المأموم عن جميع تشهد الإمام، ولعله خاص بالأخير وإلا أشكل. إذ كيف يطلب التأخير بالأول المقتضي للتخلف عن قيام الإمام الخ؟ اه. (قوله: فعليه) أي على القول بوجوب الإعادة. (قوله: إن لم يعده) أي ما سبق به من الفاتحة أو التشهد. (قوله: بطلت) أي لأن فعله مترتب على فعل الإمام، فلا يعتد بما سبقه به. (قوله: ويسن مرعاة هذا الخلاف) أي فيسن له إعادته. قال في التحفة: (فإن قلت). لم قدمتم رعاية هذا الخلاف على خلاف البطلان بتكرير القولي؟ (قلت): لأن هذا الخلاف أقوى. والقاعدة - أخذا من كلامهم - أنه إذا تعارض خلافان قدم أقواهما، وهذا كذلك لأن حديث فلا تختلفوا عليه يؤيده. وتكرير القولي لا نعلم له حديثا يؤيده. اه. (قوله: كما يسن الخ) الكاف للتنظير. وعبارة التحفة: بل يسن، بالإضراب الانتقالي. (قوله: تأخير جميع فاتحته) قال ع ش: أي وجميع تشهده أيضا، فلو قارنه فقضية قولهم إن ترك المستحب مكروه كراهة هذا وإنه مفوت لفضيلة الجماعة - فيما قارن فيه. اه. (قوله: ولو في أوليي السرية) أي يسن التأخير، ولو كان في أوليي الصلاة السرية كالظهر. (قوله: إن ظن) أي المأموم، أنه، أي إمامه. وهو قيد في سنية تأخير الفاتحة مطلقا في الجهرية والسرية. (قوله: ولو علم الخ) مفهوم قوله إن ظن، وكان المناسب أن يقول: وإلا بأن علم أن إمامه الخ. (قوله: لزمه أن يقرأها) قال في التحفة: وفيه نظر ظاهر، إلا أن يكون المراد أنه متى أراد البقاء على متابعته، وعلم من نفسه أنه بعد ركوعه لا يمكنه قراءتها إلا وقد سبقه بأكثر من ركنين، يتحتم عليه قراءتها معه، لأنه لو سكت عنها إلى أن ركع يكون متخلفا بغير عذره لتقصيره، بخلاف نحو منتظر سكتة الإمام، لأنه لم يعلم من حال الإمام شيئا، فعلم أن محل ندب تأخير فاتحته إن رجا أن إمامه يسكت بعد الفاتحة قدرا يسعها أو يقرأ سورة تسعها، وأن محل ندب سكوت الإمام إذا لم يعلم أن المأموم قرأها معه ولا يرى قراءتها. اه. (قوله: ولا يصح قدوة الخ) شروع في بيان ما يقتضي بطلان القدوة. (قوله: بمن اعتقد بطلان صلاته) المراد بالاعتقاد: الظن القوي، وليس المراد ما اصطلح عليه الأصوليون، وهو الجزم المطابق للواقع، ولم يبرز الضمير مع أن الصلة جرت على غير من هي له، لأن فاعل اعتقد يعود على المأموم، جريا على طريقة الكوفيين المجوزين ذلك عند أمن اللبس. (قوله: بأن ارتكب) أي الإمام، وهو تصوير للبطلان. (قوله: كشافعي اقتدى بحنفي) تمثيل لمن ارتكب مبطلا في اعتقاد المأموم. (فإن قيل) فكيف صح اقتداء الشافعي المتم بالحنفي القاصر في محل لا يجوز للشافعي القصر فيه؟ وذلك فيما لو كانا مسافرين - أي الشافعي والحنفي - ونويا إقامة أربعة أيام بموضع يصلح للإقامة وقصر الحنفي مع أن الشافعي يرى بطلان صلاة الحنفي أيضا؟ (أجيب) بأن الشافعي يجوز القصر في الجملة، أي بخلاف الحدث، فإنه لا يجوز الصلاة معه أصلا، ويرد على هذا فاقد الطهورين، ويجاب بأن هذا حالة ضرورة. (قوله: دون ما إذا اقتصد) أي الحنفي، فإنه لا يضر اقتداء الشافعي به. قال في النهاية: صور المسألة صاحب الخواطر السريعة بما إذا نسي الإمام كونه مقتصدا، أي وعلم المأموم بذلك، لتكون نيته جازمة في اعتقاده، بخلاف ما إذا علمه - أي الإمام - لأنه متلاعب عندنا أيضا لعدم جزمه بالنية. اه. ورد ذلك في التحفة بما حاصله: إن كونه متلاعبا عندنا ممنوع، إذ غاية أمره أنه حال النية عالم بمبطل عنده، وعلمه به مؤثر في جزمه عنده، لا عندنا، فتأمله. وأيضا فالمدار هنا على وجود صورة صلاة صحيحة عندنا، وإلا لم يصح الاقتداء بمخالف مطلقا اه. (قوله: نظرا لاعتقاد المقتدي) أي في المس وفي الفصد، فهو تعليل لمحذوف مرتبط بكل

عنده بالمس دون الفصد، فيتعذر ربط صلاته بصلاة الامام، لانه عنده ليس في صلاة. ولو شك شافعي في إتيان المخالف بالواجبات عند المأموم لم يؤثر في صحة الاقتداء به، تحسينا للظن به في توقي الخلاف، فلا يضر عدم اعتقاده الوجوب. (فرع) لو قام إمامه لزيادة، كخامسة، ولو سهوا، لم يجز له متابعته، ولو مسبوقا أو شاكا في ركعة، بل يفارقه، ويسلم، أو ينتظره - على المعتمد -. (ولا) قدوة (بمقتد) ولو احتمالا، وإن بان إماما. وخرج بمقتد من ـــــــــــــــــــــــــــــ منهما، أي لا يصح اقتداء الشافعي بحنفي مس فرجه نظرا لاعتقاد المقتدي، ويصح اقتداؤه بمن افتصد نظرا لذلك أيضا. (قوله: لأن الإمام الخ) علة للعلة مع المعلل. أي وإنما إذا نظر لاعتقاد المقتدي تبطل في صورة المس وتصح في صورة الفصد، لأن الإمام محدث عنده بالمس دون الفصد. (وقوله: فيتعذر الخ) مفرع على كون الإمام محدثا عنده. (وقوله: لأنه) أي الإمام، وهو علة للتعذر. (وقوله: عنده) أي المقتدي. (قوله: ولو شك شافعي إلخ) خرج بالشك ما إذا تيقن تركه لبعض الواجبات كالبسملة بأن سمعه يصل تكبيرة التحرم أو القيام بالحمد لله، فإنه يؤثر في صحة الاقتداء به. وعبارة النهاية: ولو ترك الإمام البسملة لم تصح قدوة الشافعي به، ولو كان المقتدى به الإمام الأعظم أو نائبه. كما نقلاه عن تصحيح الأكثرين، وقطع به جماعة، وهو المعتمد. وإن نقلا عن الحليمي والأدوني الصحة خلفه واستحسناه. وتعليل الجواز بخوف الفتنة ممنوع، فقد لا يعلم الإمام بعدم اقتدائه أو مفارقته، كأن يكون في الصف الأخير مثلا. اه. وقوله: الصحة خلفه أو خلف الإمام الأعظم، وبها قال في التحفة أيضا. (قوله: لم يؤثر في صحة الاقتداء به) قال سم: ظاهره وإن علم الشافعي أنه لا يطلب عند ذلك المخالف توقي ذلك الخلاف، وليس بعيدا لاحتمال أن يأتي بها احتياطا، وإن لم يطلب عنده توقي الخلاف فيها. اه. وقال ع ش: لو أخبره بعد الصلاة بترك شئ من الواجبات فهل يؤثر ذلك وتجب الإعادة أو لا؟ للحكم بمضي الصلاة على الصحة؟ فيه نظر. والأقرب الأول. اه. (قوله: تحسينا للظن به) أي بالإمام: قال في الروض وشرحه: ومحافظة على الكمال عنده. اه. (وقوله: في توقي الخلاف) متعلق بتحسينا، أي يحسن الشافعي الظن بالمخالف في توقي الخلاف، أي مراعاته، بأن يأتي بما هو واجب عند المخالف لتصح صلاته وصلاة المأمومين على مذهبه ومذهب المخالف. وفي البجيرمي ما نصه: (سئل) الشهاب الرملي عن إمام مسجد يصلي بعموم الناس بأن كان راتبا هل يجب عليه أن يراعي الخلاف أو لا ويقتصر على مذهبه؟ (فأجاب) بأنه يجب عليه رعاية الخلاف اه. قال شيخنا: أما لو قرر إمام للحنفية مثلا فلا يلزمه ذلك. وهو قضية إفتاء م ر. ثم قال شيخنا بعد ذلك: إذا كان يصلي خلفه شافعي، ينبغي وجوب رعاية الخلاف. قلت: وفيه ما فيه، إذ هو مقيد بإمامة على مذهب معين ولا يلزم الإمام تصحيح صلاة الغير اهـ. أج. اهـ. (قوله: فلا يضر عدم الخ) الأولى التعبير بالواو. لأن الفاء ليس لها محل هنا، إذ المقام لا يقتضي التفريع. وعبارة ع ش: بقي أن يقال سلمنا أنه أتى به لكن على اعتقاد السنية ومن اعتقد بفرض معين نفلا كان ضارا، كما تقدم. وأشار الشيخ في شرح الروض إلى دفعه بقوله: ولا يضر عدم اعتقاد الوجوب إلخ (وحاصله) أن اعتقاد عدم الوجوب إنما يؤثر إذا لم يكن مذهبا للمعتقد، وإلا بأن كان مذهبا له لم يؤثر، ويكتفي منه بمجرد الإتيان به. اه. ملخصا. (قوله: لو قام إمامه لزيادة) أي على صلاته. (قوله: كخامسة) تمثيل للزيادة. (قوله: ولو سهوا) أي ولو قام حال كونه ساهيا بأن صلاته قد كملت. (قوله: لم يجز له متابعته) أي لم يجز للمأموم أن يتابعه في الركعة الزائدة، فإن تابعه بطلت صلاته لتلاعبه، ومحله إن كان المأموم عالما بالزيادة، فإن كان جاهلا بها وتابعه فيها لم تبطل صلاته، وحسبت له تلك الركعة إذا كان مسبوقا لعذره، وإن لم تحسب للإمام. (قوله: ولو مسبوقا أو شاكا) غاية في عدم جواز المتابعة له، أي ولو كان المأموم مسبوقا أو شاكا في ركعة، فإنه لا تجوز له المتابعة. (قوله: بل يفارقه) أي ينوي المفارقة. (وقوله: ويسلم) أي بعد أن يتشهد. ومحل هذا إذا لم يكن مسبوقا. أو شاكا في الركعة ركعة، فإن كان كذلك: قام بعد نيته المفارقة للإتيان بما عليه، كما هو ظاهر. (قوله: أو ينتظره) أي أو ينتظر الإمام في التشهد. (قوله: على المعتمد) متعلق بينتظر. ومقابله يقول: لا يجوز له الانتظار، كما نص عليه ابن حجر في فتاويه. وعبارتها بعد كلام:

انقطعت قدوته، كأن سلم الامام فقام مسبوق فاقتدى به آخر صحت، أو قام مسبوقون فاقتدى بعضهم ببعض صحت أيضا - على المعتمد - لكن مع الكراهة. (ولا) قدوة (قارئ بأمي) وهو من يخل بالفاتحة أو بعضها، ولو بحرف منها، بأن يعجز عنه بالكلية، أو عن إخراجه عن مخرجه، أو عن أصل تشديدة، وإن لم يمكنه التعلم ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الزركشي كالأسنوي نقلا عن المجموع في الجنائز: ولا يجوز له انتظاره، بل يسلم، فإنه في انتظاره مقيم على متابعته فيما يعتقده مخطئا فيه. والمعتمد خلاف ما قاله الخ اه. (قوله: ولا قدوة بمقتد) أي ولا يصح قدوة بمقتد حال قدوته لاستحالة اجتماع كونه تابعا متبوعا، وما في الصحيحين من أن الناس اقتدوا بأبي بكر خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، محمول على أنهم كانوا مقتدين به - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يسمعهم التكبير، كما في الصحيحين أيضا. (قوله: ولو احتمالا) أي شكا، وهو منصوب على أنه خبر لكان محذوفا بتأويله باسم الفاعل، أي ولا يصح قدوته بمقتديا، ولو كان مريد القدوة شاكا في كونه مقتديا بأن تردد في كونه إماما أو مأموما، كأن رأى رجلين يصليان جماعة، وشك أيهما الإمام؟ قال ح ل: فإن ظنه أحدهما بالاجتهاد عمل باجتهاده. واعترض بأن شرط الاجتهاد أن يكون للعلامة فيه مجال، ولا مجال لها هنا، لأن مدار المأمومية على النية لا غير، وهي لا يطلع عليها. وأجيب بأن للقرائن مدخلا في النية. ا. هـ. (قوله: وإن بان إماما) أي لا تصح القدوة فيما إذا شك في أنه مقتد أو لا؟ ولو تبين له بعد ذلك أنه إمام. وصورة ذلك، فيما إذا اقتدى بأحد شخصين متساويين في الموقف معتقدا أن من اقتدى به هو الإمام، ثم بعد ذلك طرأ له شك في كونه إماما أو مأموما، فلا تصح القدوة به، ولو تبين له بعد ذلك أنه إمام. لكن محله - كما في سم - ما إذا طال زمن التردد، أو مضى معه ركن (قوله: كأن سلم الإمام الخ) تمثيل لمن انقطعت قدوته. (وقوله: فقام مسبوق) أي ليأتي بما بقي عليه. (وقوله: فاقتدى به) أي بالمسبوق بعد قيامه للإتيان بما عليه. (قوله: صحت) محل الصحة في هذه الصورة وفي الثانية التي بعدها في غير الجمعة، أما فيها فلا تصح القدوة في الصورتين عند الجمال الرملي، وفي الصورة الثانية عند ابن حجر. أما في الصورة الأولى فتصح عنده، لكن مع الكراهة، أفاده الكردي (قوله: لكن مع الكراهة) ظاهره أنه مرتبط بالصورة الثانية، وهو أيضا ظاهر عبارة شيخه في التحفة، وظاهر عبارة النهاية أنه مرتبط بالصورتين، كما نبه عليه ع ش، وعبارته: قوله لكن مع الكراهة، ظاهر في الصورتين، وعليه: فلا ثواب فيها من حيث الجماعة. وفي ابن حجر التصريح برجوعه للثانية فقط والكراهة، خروجا من خلاف من أبطلها. ا. هـ. (قوله: ولا قدوة قارئ) أي ولا تصح قدوة قارئ. (قوله: بأمي) نسبة للأم، كأنه على حالته التي ولد عليها، وهو لغة من لا يقرأ ولا يكتب، ثم استعمل فيما ذكره الشارح مجازا. (قوله: وهو) أي الأمي. (وقوله: من يخل بالفاتحة) أي لا يحسن حروف الفاتحة. قال سم: وخرج نحو التشهد فلمن لا يخل بذلك فيه الاقتداء بمن يخل بذلك فيه. م ر. ويفرق بأن من شأن الإمام أن يتحمل الفاتحة، والمخل لا يصلح للتحمل، وليس من شأنه تحمل التشهد. ومما يدل على التشهد أوسع: أنه لا يشترط فيه الترتيب. ا. هـ. وفي حاشية البرماوي أن هذا غير مستقيم، لما تقدم أن الإخلال ببعض الشدات في التشهد مخل أيضا، أي فلا تصح صلاته حينئذ، ولا إمامته. ا. هـ. (قوله: أو بعضها) بالجر، عطف على الفاتحة. أو يخل ببعض الفاتحة. (قوله: ولو بحرف منها). غاية في البعض. أي ولو كان ذلك البعض الذي يخل به حرفا واحدا. (قوله: بأن يعجز إلخ) تصوير للإخلال بحرف منها. (وقوله: أو عن إخراجه عن مخرجه) أي أو يعجز عن إخراج الحرف من مخرجه. وانظر ما الفرق بينه وبين ما قبله؟ فإنه إذا عجز عنه بالكلية فقد عجز عن إخراجه من مخرجه، ومثله العكس، فحينئذ يغني أحدهما عن الآخر. وفي النهاية: الاقتصار على الثاني. ويمكن أن يفرق بينهما بأن المراد بعجزه عنه بالكلية أن لا يستطيع النطق به ولا ببدله في محله. والمراد بعجزه عن إخراجه من مخرجه: أن لا يستطيع النطق به من مخرجه مع إتيانه ببدله في محله، كأن يقول المتقيم. (قوله: أو عن أصل تشديدة) أي أو يعجز عن أصل تشديده، وعطفه على ما قبله من عطف المغاير، لأن التشديدة هيئة للحرف، وليست بحرف، فليس العطف هنا من عطف الخاص على العام، وذلك كتخفيف إياك ولو أحسن أصل التشديدة وتعذرت عليه المبالغة صحت القدوة به مع الكراهة. (قوله: وإن لم يمكنه التعلم) غاية في عدم

علم بحاله، لانه لا يصلح لتحمل القراءة عنه لو أدركه راكعا. ويصح الاقتداء بمن يجوز كونه أميا إلا إذا لم يجهر في جهرية فيلزمه مفارقته، فإن استمر جاهلا حتى سلم لزمته الاعادة، ما لم يتبين أنه قارئ. ومحل عدم صحة الاقتداء بالامي: إن لم يستو الامام والمأموم في الحرف المعجوز عنه، بأن أحسنه المأموم فقط، أو أحسن كل منهما غير ما أحسنه الآخر. ومنه أرت يدغم في غير محله بإبدال، وألثغ يبدل حرفا بآخر. فإن أمكنه التعلم ـــــــــــــــــــــــــــــ صحة اقتداء القارئ به، أي لا تصح القدوة به مطلقا سواء أمكنه التعلم أم لا. (قوله: ولا علم بحاله) أي وإن لم يعلم القارئ بحاله، فهي غاية ثانية. قال سم: فلا تنعقد للجاهل بحاله. فلا بد من القضاء، وإن لم يبن الحال إلا بعد. ا. هـ. ويرد على هذه الغاية: أن عدم العلم بحاله صادق بما إذا كان مترددا في كونه أميا أو لا؟ فيفيد عدم صحة القدوة به في هذه الحالة، فينافي حينئذ ما سيصرح به من صحة القدوة في هذه الحالة. (قوله: لأنه) أي الأمي، وهو علة لعدم صحة الاقتداء بالأمي، أي وإنما لم تصح القدوة به، لأنه لا يصلح لتحمل القراءة عنه إذا كان مسبقا، أي ومن شأن الإمام تحملها. وعبارة شرح المنهج: لأن الإمام بصدد تحمل القراءة عن المسبوق، فإذا لم يحسنها لم يصلح للتحمل. ا. هـ. (قوله: عنه) أي المأموم (وقوله: لو أدركه راكعا) أي لو أدرك المأموم الإمام حال كونه راكعا. (قوله: ويصح الاقتداء بمن يجوز) من واقعة على إمام، ويجوز يحتمل قراءته بتشديد الواو مع ضم الياء، ويحتمل قراءته بتخفيفها مع فتح الياء، والمعنى على الأول: ويصح الاقتداء بإمام يجوز المأموم القارئ كونه أميا. وعلى الثاني بإمام يحتمل كونه أميا. (قوله: إلا إذا لم يجهر في جهريه) أي فلا يصح الاقتداء به. فجواب إذا محذوف. (وقوله: فيلزم مفارقته) تفريع على الجواب المحذوف، ويحتمل أن يكون هو الجواب ولا حذف، والأول أنسب. وإنما لزمت مفارقته حينئذ لأن الظاهر من حاله أنه لو كان قارئا لجهر بها، وهذا ما في التحفة. والذي يستفاد من النهاية أنه لا تلزمه المفارقة، بل يتابعه إلى أن يسلم، ثم بعده إن أخبر الإمام أنه أسر ناسي، أو لجواز الإسرار، وصدقه المأموم، فلا تلزمه الإعادة بل تستحب، ويلزمه البحث عن حاله أما في السرية فلا إعادة عليه عملا بالظاهر، ولا يلزمه البحث عن حاله، كما لا يلزمه البحث عن طهارة الإمام، واعتمد ذلك سم. وعبارته. قوله فتلزمه مفارقته إلخ: المعتمد أنه لا تلزم مفارقته، وأنه إذا استمر - ولو مع العلم: خلافا لتقييد السبكي بالجهل: حتى سلم - لزمه الإعادة، ما لم يبن أنه قارئ. ا. هـ. (قوله: فإن استمر جاهلا الخ) مفرع على ما قبل الاستثناء، يعني إذا اقتدى بمن جوز كونه أميا، فإن استمر جاهلا بحال إمامه حتى سلم بأن كانت الصلاة سرية، لزمته الإعادة، ما لم يتبين للمأموم أن الامام قارئ، فإن تبين له ذلك لم تلزمه الإعادة. (قوله: ومحل عدم صحة إلخ) الأولى تأخير هذا وذكره قبيل قوله وكره اقتداء بنحو تأتاء الخ. فتنبه. (قوله: إن لم يستو الإمام إلخ) فإن استويا في ذلك صحت القدوة ولو في الجمعة، إذ كلاهما حينئذ أمي، فاستويا في النقص، كالمرأتين. قال في الإمداد: ولو اتفق أربعون أميا في المعجوز عنه فتصح إمامة أحدهم، بل تلزمهم الجمعة حينئذ. ا. هـ. (وقوله: في الحرف المعجوز عنه) أي في عينه. ولا فرق بين أن يتفقا في كيفية العجز بذلك الحرف، كما لو أبدل الإمام والمقتدي به الراء غينا، ويختلفا فيها، كما لو أبدلها أحدهما عينا والآخر لاما. (قوله: بأن أحسنه الخ) تصوير لعدم استوائهما في الحرف المعجوز عنه. (وقوله: أو أحسن كل منهما) أي من الإمام والمأموم (وقوله: غير ما أحسنه الآخر) أي كأن أحسن الإمام الراء ولم يحسن السين، والمأموم بالعكس (قوله: ومنه أرت) أي ومن الأمي أرت، وهو بالتاء المثناة. (وقوله: يدغم الخ) بيان لمعنى الأرت: أي الأرت هو الذي يدغم الخ. (وقوله: في غير محله) أي الإدغام المفهوم من يدغم. (وقوله: بإبدال) متعلق بيدغم، أي يدغم مع إبدال الحرف المدغم بآخر، كأن يقول المتقيم بإبدال السين تاء وإدغامها في التاء. وخرج به ما إذا كان يدغم فقط، كتشديد لام أو كاف مالك فلا يضر ولا يسمى هذا أرت. (قوله: وألثغ) معطوف على أرت، أي ومن الأمي، ألثغ، وهو بالثاء المثلثة. (وقوله: يبدل الخ) بيان لمعنى الألثغ. ولا فرق في الإبدال المذكور بين أن يكون مع إدغام أو لا، فهو أعم مما قبله. وقيل هو الذي يبدل من غير إدغام. فعليه يكون مغايرا. وخرج بقوله يبدل الخ: ما إذا لم يبدل حرفا بآخر، بأن كانت لثغته يسيرة لم تمنع أصل مخرجه، وإن كان غير صاف، فلا يؤثر.

ولم يتعلم لم تصح صلاته، وإلا صحت كاقتدائه بمثله، وكره اقتداء بنحو تأتاء، وفأفاء، ولاحن بما لا يغير معنى، كضم هاء لله وفتح دال نعبد، فإن لحن لحنا يغير المعنى في الفاتحة ك أنعمت بكسر أو ضم، أبطل صلاة من أمكنه التعلم ولم يتعلم، لانه ليس بقرآن. نعم، إن ضاق الوقت صلى لحرمته، وأعاد لتقصيره. قال شيخنا: ويظهر أنه لا يأتي بتلك الكلمة، لانه غير قرآن قطعا، فلم تتوقف صحة الصلاة حينئذ عليها، بل تعمدها - ولو من مثل هذا - مبطل. انتهى. أو في غيرها: صحت صلاته، والقدوة به، إلا إذا قدر وعلم وتعمد، لانه حينئذ كلام أجنبي. وحيث ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى الروياني عن ابن غانم مقرئ ابن سريج قال: انتهى ابن سريج إلى هذه المسألة فقال: لا تصح إمامة الألثغ، وكان لثغته يسيرة، وفي مثلها، فاستحييت أن أقول له: هل تصح إمامتك؟ فقلت له: هل تصح إمامتي؟ قال: وإمامتي أيضا. (قوله: فإن أمكنه التعلم) لا يظهر له ارتباط بما قبله إلا بتكلف. أي وإذا لم تصح القدوة بالأمي، فهل تصح صلاة نفسه أو لا؟ في ذلك تفصيل، وهو ما ذكره بقوله: فإن أمكنه الخ. وكان الأولى والأسبك أن يقول: وكما لا تصح القدوة به لا تصح صلاته، إن أمكنه التعلم ولم يتعلم، وإلا صحت. تفطن (قوله: وكره اقتداء بنحو تأتاء) أي في الفاتحة وغيرها. (وقوله: وفأفاء) أي في غير الفاتحة، إذ لا فاء فيها. والتأتاء: هو الذي يكرر التاء. والفأفاء: هو الذي يكرر الفاء. ومثلهما: الوأواء، وهو الذي يكرر الواو. وإنما كره الاقتداء بمن ذكر لزيادته حرفا، ونفرة الطبع عن سماعه. وإنما صحت القدوة بهم، لعذرهم في تلك الزيادة. (قوله: ولاحن بما لا يغير معنى) أي وكره اقتداء بلاحن بما لا يغير المعنى. ويحرم تعمده مع صحة الصلاة والقدوة. (والحاصل) أن اللحن حرام على العامد العالم القادر مطلقا، وأن ما لا يغير المعنى لا يضر في صحة الصلاة والقدوة مطلقا، وأما ما يغير المعنى ففي غير الفاتحة لا يضر فيهما إلا أن كان عامدا عالما قادرا، وأما في الفاتحة فإن قدر وأمكنه التعلم ضر فيهما، وإلا فكأمي. ا. هـ. بجيرمي. (قوله: كضم هاء لله) أي وكضم صاد الصراط وهاء اهدنا، وإن لم تسمه النحاة لحنا (قوله: فإن لحن لحنا يغير المعنى الخ) مقابل قوله بما لا يغير معنى. والمراد بتغيير المعنى أن ينقل معنى الكلمة إلى معنى آخر، كضم تاء أنعمت وكسرها، أو يصيرها لا معنى لها أصلا كالزين بالزاي. أفاده البجيرمي. (وقوله: في الفاتحة) أي أو بدلها. وسيذكر مقابله بقوله أو في غيرها. (قوله: أبطل) أي لحنه المغير للمعنى. (وقوله: صلاة إلخ) أي والقدوة به بالأولى، (وقوله: من أمكنه التعلم) وزمن الإمكان من وقت إسلامه فيمن طرأ إسلامه كما قاله البغوي، ومن التمييز في غيره على الأوجه. ا. هـ. تحفة، وقال م ر: الأوجه خلافه، لما يلزم عليه من تكليفه بها قبل بلوغه. (قوله: لأنه ليس بقرآن) أي لأن الحرف الملحون لحنا يغير المعنى ليس بقرآن، أي والتكلم بما ليس بقرآن يبطل الصلاة مع العلم والتعمد، كما مر. (قوله: نعم إن ضاق الوقت) أي على من أمكنه التعلم وتركه. قال ع ش: ومفهومه أنه لا يصلي ما دام الوقت واسعا، وظاهره وإن أيس ممن يعلمه، وقياس ما في التيمم من أن فاقد الطهورين إن لم يرج الماء صلى في أول الوقت أنه هنا بقرآن، أي التعلم وتركه. قال ع ش: ومفهومه أنه لا يصلي ما دام الوقت واسعا، وظاهره وإن أيس ممن يعلمه، وقياس ما في التيمم من أن فاقد الطهورين إن لم يرج الماء صلى في أول الوقت أنه هنا كذلك، إلا أن يفرق بأن فقد الطهورين من أصله لا اختيار للمكلف فيه، بخلاف ترك التعلم، فإن المكلف منسوب فيه إلى تقصير لحصول التفويت من جهته. ا. هـ. (قوله: وأعاد) أي الصلاة (وقوله: لتقصيره) أي بتركه التعلم (قوله: ويظهر أنه) أي اللاحن الذي ضاق عليه الوقت وصلى لحرمته. (قوله: لا يأتي بتلك الكلمة) أي التي يلحن فيها لحنا بغير المعنى (قوله: لأنه) أي تلك الكلمة، وذكر الضمير مراعاة للخبر. (قوله: فلم تتوقف الخ) تفريع على العلة. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ كانت غير قرآن. (وقوله: عليها) أي على تلك الكلمة، أي على الإتيان بها. (قوله: بل تعمدها) أي تلك الكلمة، أي تعمد الإتيان بها. (وقوله: ولو من مثل هذا) أي اللاحن الذي ضاق عليه الوقت وصلى لحرمته. (قوله: أو في غيرها) عطف على قوله في الفاتحة، أي أو

بطلت صلاته هنا يبطل الاقتداء به. لكن للعالم بحاله - كما قاله الماوردي - واختار السبكي ما اقتضاه قول الامام ليس لهذا قراءة غير الفاتحة، لانه يتكلم بما ليس بقرآن، بلا ضرورة من البطلان مطلقا. (ولو اقتدى بمن ظنه أهلا) للامامة (فبان خلافه) كأن ظنه قارئا، أو غير مأموم، أو رجلا، أو عاقلا فبان أميا، أو مأموما، أو امرأة، أو مجنونا، أعاد الصلاة وجوبا لتقصيره بترك البحث في ذلك (لا) إن اقتدى بمن ظنه متطهرا فبان (ذا حدث) ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ إن لحن لحنا يغير المعنى في غير الفاتحة. أي وغير بدلها. (قوله: صحت صلاته) جواب أن المقدرة. (قوله: إلا إذا قدر) أي على النطق به على الصواب وعلم - أي التحريم - وتعمد - أي اللحن - أي فلا تصح حينئذ صلاته ولا القدوة به. ومثل تعمده اللحن: ما إذا سبق إليه لسانه ولم يعده على الصواب. (قوله: لأنه) أي الملحون، وهو تعليل لمحذوف، أي فلا تصح صلاة اللاحن في غير الفاتحة، لأنه كلام أجنبي. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ قدر وعلم وتعمد. ومفاده أنه إذا لم يقدر ولم يعلم ولم يتعمد ليس كلاما أجنبيا، وليس كذلك، بل هو كلام أجنبي مطلقا، قدر وعلم وتعمد أو لا. فالأولى أن يقول بدل هذه العلة لأنه حينئذ غير مغتفر، بخلاف ما إذا لم يقدر ولم يعلم ولم يتعمد، فإنه مغتفر، لأن الكلام اليسير يغتفر في الصلاة مع الجهل والنسيان. فتنبه. (قوله: وحيث بطلت صلاته هنا) أي في غير الفاتحة، كأن قرأ ورسوله من قوله تعالى * (إن الله برئ من المشركين ورسوله) * بالجر، (وقوله: يبطل الاقتداء به) يرد عليه أن بطلان الاقتداء به قد علم من قوله إلا إذا قدر إلخ، إذ المراد فلا تصح صلاته ولا القدوة به، إلا إن يقال صرح بما هو معلوم للتقييد بقوله: لكن للعالم بحاله، ومع ذلك فالأخصر والأنسب أن يقول: وحيث بطلت القدوة هنا، فهو للعالم بحاله. (قوله: لكن للعالم بحاله) أما إذا لم يعلم بحاله فتصح قدوته به، ويفرق بينه وبين الأمي - حيث بطل اقتداء الجاهل به - بأن هذا يعسر الاطلاع على حاله قبل القدوة. (قوله: واختار السبكي) ضعيف. ع ش. وهذا مقابل قوله صحت صلاته والقدوة به إلا إذا قدر الخ. (قوله: ليس الخ) مقول قول الإمام، (وقوله: لهذا) أي اللاحن في غير الفاتحة. (قوله: لأنه) أي اللاحن المذكور، وهو تعليل لقوله ليس لهذا إلخ. (وقوله: بلا ضرورة) أي بلا حاجة إلى التكلم به. (قوله: من البطلان) بيان لما. (وقوله: مطلقا) أي سواء قدر على النطق به على الصواب أو عجز عنه. وأما النسيان أو الجهل فلا يقتضي البطلان عنده أيضا إلا مع الكثرة، أفاده سم (قوله: ولو اقتدى بمن ظنه أهلا للإمامة) خرج به ما إذا ظنه ليس أهلا لها، فلا تنعقد صلاته، وإن تبين أن لا خلل، لعدم صحة القدوة في الظاهر، للتردد عندها. (قوله: فبان خلافه) أي ظهر له خلاف ما ظنه. (قوله: كأن ظنه الخ) تمثيل لمن ظنه أهلا فبان خلافه. (وقوله: قارئا) أي أو مسلما أو ليس زنديقا، أو كبر للإحرام، أو لم يسجد على كمه الذي يتحرك بحركته. (قوله: فبان أميا) أي أو كافرا أو زنديقا، أو لم يكبر للإحرام أو لم يسجد ساجدا على كمه الذي يتحرك بحركته. (تنبيه) وقع خلاف في بان - فقيل هي من أخوات كان، والمنصوب بعدها خبرها. وقيل أنها ليست من أخوات كان، والمنصوب بعدها إما تمييز محول عن الفاعل، أي بان أميته أو كفره أو زندقته مثلا، أو منصوب على الحال. ورد السيوطي كونها من أخوات كان بأن أخوات كان محصورة معدودة، ولم يذكر أحد أن بان منها. وقال: المتجه أن المنصوب بعدها تميز محول عن الفاعل، كطاب زيد نفسا. (قوله: أعاد) أي المقتدي، وهو جواب لو، ومحل الإعادة إن بان بعد الفراغ من الصلاة، فإن بان في أثنائها وجب استئنافها. وفي البجيرمي ما نصه: (قاعدة) كل ما يوجب الإعادة إذا طرأ في الأثناء أو ظهر أوجب الاستئناف، ولا يجوز الاستمرار مع نية المفارقة. وكل ما لا يوجب الإعادة مما يمنع صحة الاقتداء ابتداء عند العلم إذا طرأ في الأثناء أو ظهر لا يوجب الاستئناف، ويجوز الاستمرار مع نية المفارقة. ا. هـ. (قوله: لتقصيره بترك البحث) صريحه أنه يجب البحث

حدثا أكبر، (أو) ذا (خبث) خفي، ولو في جمعة إن زاد على الاربعين: فلا تجب الاعادة، وإن كان الامام عالما لانتفاء تقصير المأموم، إذ لا أمارة عليهما، ومن ثم حصل له فضل الجماعة. أما إذا بان ذا خبث ظاهر فيلزمه الاعادة على غير الاعمى لتقصيره، وهو ما بظاهر الثوب، وإن حال بين الامام والمأموم حائل. والاوجه في ضبطه أن يكون بحيث لو تأمله المأموم رآه، والخفي بخلافه. وصحح النووي في التحقيق عدم وجوب الاعادة مطلقا. (وصح اقتداء سليم بسلس) للبول أو المذي أو الضراط، وقائم بقاعد، ومتوضئ بمتيمم لا تلزمه ـــــــــــــــــــــــــــــ على المأموم عن حال الإمام قبل اقتدائه، وليس كذلك على الأصح، فلو قال لكون الإمام ليس من أهل الإمامه لذاته لكان أولى. اه. بجيرمي (وقوله: في ذلك) أي في كونه أهلا أو لا؟ (قوله: لا إن اقتدى) أي لا يعيدها إن اقتدى إلخ، وهو استدراك من وجوب الإعادة إذا ظنه أهلا ثم بان خلافه. (وقوله: بمن ظنه متطهرا) أي أو ناويا أو عاجزا عن ستر العورة. (قوله: فبان ذا حدث) أي أو أنه لم ينو، أو أنه كان قادرا على ستر العورة. (قوله: أو ذا خبث خفي) أي أو بان ذا خبث خفي، وسيذكر ضابط الخفي وضده. (قوله: ولو في جمعة) أي ولو بإن كذلك في جمعه فلا تجب الإعادة. (وقوله: إن زاد) أي الإمام، وهو قيد في عدم وجوب الإعادة بالنسبة للجمعة. وخرج به ما إذا كان تمام الأربعين، فتجب الإعادة، لتبين بطلان صلاته ببطلان صلاة الإمام، لعدم استكمال العدد. (قوله: وإن كان الإمام عالما) أي بحدث نفسه أو بالخبث الذي فيه، وهي غاية ثانية لعدم وجوب الإعادة. (قوله: لانتقاء الخ) تعليل لعدم وجوب الإعادة. (قوله: إذ لا أمارة الخ) علة للعلة، والأمارة هنا، بفتح الهمزة، وهي العلامة، وأما بكسرها: فهي الولاية كما في المصباح. (وقوله: عليهما) أي الحدث والخبث الخفي. (قوله: ومن ثم) أي من أجل انتفاء التقصير منه. (وقوله: حصل له) أي للمقتدي. (وقوله: فضل الجماعة) هو سبع وعشرون أو خمس وعشرون درجة. (قوله: أما إذ أبان) أي الإمام. (وقوله: ذا خبث ظاهر) هو محترز قوله خفي. (فائدة) يجب على الإمام إذا كانت النجاسة ظاهرة إخبار المأموم بذلك ليعيد صلاته، أخذا من قولهم: لو رأى على ثوب مصل نجاسة وجب إخباره بها، وإن لم يكن آثما. ومن قولهم: لو رأى صبيا يزني بصبية وجب منعه من ذلك، لأن النهي عن المنكر لا يتوقف على علم من أريد نهيه. ا. هـ. ع ش. (قوله: فيلزمه الإعادة) أي فيلزم المأموم الإعادة، ولو لم ير ذلك الخبث الظاهر، لوجود حائل بين الإمام والمأموم، أو ظلمه، أو بعد عن الإمام، أو اشتغال بالصلاة، أو كون الإمام صلى قائما والمأموم صلى جالسا لعجزه، ففي جميع هذه الصور تلزمه الإعادة عند ابن حجر والرملي، وخالف الروياني في الصورة الأخيرة، فقال: لا تلزمه الإعادة فيها لعدم تقصيره، لكون فرضه الجلوس. (قوله: على غير الأعمى) المناسب أن يقول إن كان غير أعمى - كما هو ظاهر. وخرج به الأعمى، فلا تجب عليه الإعادة، لعدم تقصيره. قال الكردي: وفي الإيعاب للشارح مثل الأعمى - فيما يظهر - ما لو كان في ظلمة شديدة لمنعها أهلية التأمل والتخرق في ستر العورة، كالخبث فيما ذكر من التفصيل فيما يظهر. اهـ. (قوله: وهو) أي الخبث الظاهر. (وقوله: ما بظاهر الثوب) أي الذي يكون بظاهر الثوب. (وقوله: وإن حال بين الإمام والمأموم حائل) أي أن الخبث الظاهر هو ما كان بظاهر الثوب ولم يره المأموم، بأن حال حائل بينهما كجدار. ومثل الحائل ما مر آنفا. (قوله: والأوجه في ضبطه) أي الخبث الظاهر. وهذا الضبط للأنوار، ولعل وجه أوجهية هذا الضبط: شمول الخفي عليه للخبث الحكمي الكائن على ظهر الثوب، وذلك لأنه لو تأمله المأموم لا يراه، بخلافه على الضبط الأول، فإنه لا يشمله، بل يدخله في الظاهر مع أنه ليس منه، بل هو من الخفي. (وقوله: أن يكون) أي الخبث الظاهر. (وقوله: بحيث لو تأمله) الباء للملابسة، أي يكون متلبسا بحالة، وهي لو تأمله الخ. (واعلم) أن هذا الضبط لا ينافي الضبط الذي نقله القليوبي عن شيخه الزيادي والرملي، ونقله البجيرمي عن الشوبري من أن الظاهرة هي العينية، والخفية هي الحكمية، بل هو متبادر منه. (وقوله: رآه) أي أدركه بإحدى الحواس، ولو بالشم، ليشمل الأعمى، وإن حال بينهما حائل. اهـ. بجيرمي. (قوله: والخفي بخلافه) وهو الذي لو تأمله المأموم لم يره. (قوله: مطلقا) أي سواء كان الخبث الذي تبين في الإمام ظاهرا أو خفيا. (قوله: وصح اقتداء إلخ) وذلك لصحة صلاتهم من غير إعادة. (وقوله: بسلس) هو بكسر اللام.

إعادة. (وكره) اقتداء (بفاسق ومبتدع) كرافضي، وإن لم يوجد أحد سواهما - ما لم يخش فتنة - وقيل: لا يصح الاقتداء بهما. وكره أيضا اقتداء بموسوس وأقلف، لا بولد الزنا، لكنه خلاف الاولى. واختار السبكي ومن تبعه ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وقائم بقاعد) أي وصح اقتداء قائم بقاعد، لخبر البخاري: عن عائشة رضي الله عنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في مرض موته قاعدا، وأبو بكر والناس قياما. (قوله: متوضئ بمتيمم) أي وصح اقتداء متوضئ بمتيمم. (وقوله: لا تلزمه إعادة) قيد في صحة القدوة بمتيمم. وخرج به من تلزمه الإعادة كمتيمم في محل يغلب وجود الماء فيه، فلا تصح القدوة به، لعدم كمال حاله. (تنبيه) تصح أيضا قدوة الكامل بالصبي، لأن عمرو بن سلمة - بكسر اللام - كان يؤم قومه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ست أو سبع سنين - كما رواه البخاري. وبالعبد، وإن كان صبيا، لأن صلاته معتد بها، ولأن ذكوان - مولى عائشة - كان يؤمها. وتصح أيضا قدوة البصير بالأعمى، كعكسه، لتعارض فضيلتهما، لأن الأعمى لا ينظر ما يشغله فهو أخشع، والبصير ينظر الخبث فهو أحفظ. (قوله: وكره اقتداء إلخ) المناسب لما قبله أن يقول: وصح اقتداء بفاسق ومبتدع، لكن مع الكراهة. (وقوله: ومبتدع) أي لا نكفره ببدعته، كالمعتزلي، وهو القائل بخلق القرآن أو عدم الرؤية. والقدري، وهو القائل بخلق العبد أفعاله الاختيارية. والجهمي، وهو القائل بمذهب جهم بن صفوان الترمذي، وهو أنه لا قدرة للعبد بالكلية. والمرجئ، وهو القائل بالإرجاء، وهو أنه لا يضر مع الإيمان معصية. والرافضي، وهو القائل بأن عليا - كرم الله وجهه - أسر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخلافة، وأنه أولى من غيره. أما الذي نكفره ببدعته فلا تصح القدوة به أصلا، وذلك كالمجسمة، وهم القائلون بأن الله جسم كالأجسام تعالى الله عن ذلك كالفلاسفة، وهم منكرو حدوث العالم، وعلمه تعالى بالجزئيات، والبعث للأجسام. وهذه الثلاثة هي أصل كفرهم. ونظمها بعضهم في قوله: بثلاثة: كفر الفلاسفة العدا * * إذ أنكروها وهي قطعا مثبته علم بجزئي، حدوث عوالم، * * حشر لأجساد وكانت ميته (قوله: كرافضي) تمثيل للمبتدع، لا تنظير. (قوله: وإن لم يوجد أحد سواهما) أي يكره الاقتداء بهما وإن لم يوجد إلخ، وذلك للخلاف في صحة الاقتداء بهما لعدم أمانتهما، فقد لا يحصل منهما محافظة على بعض الواجبات، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم. وإنما صحت الصلاة خلفهما - على المعتمد - لما روى الشيخان: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يصلي خلف الحجاج. قال الشافعي - رضي الله عنه -: وكفى به فاسقا. (وقوله: ما لم يخش فتنة) أي ما لم يخش المأموم إن لم يأتم بهما فتنة، كأن يكون الإمام الفاسق، أو المبتدع واليا ظالما. (قوله: وقيل لا يصح الاقتداء بهما) أي الفاسق والمبتدع. (قوله: وكره أيضا اقتداء بموسوس) هو الذي يقدر ما لم يكن كائنا ثم يحكم بحصوله من غير دليل ظاهر، كأن يتوهم وقوع نجاسة بثوبه ثم يحكم بوجودها من غير ذلك، وإنما كره الاقتداء خلفه لأنه يشك في أفعال نفسه. (وسئل) ابن حجر عن الاقتداء بالموسوس هل يصح أم لا؟ وعن الفرق بين الوسوسة والشك؟ (فأجاب) بأن الصلاة خلفه صحيحة إلا أنها مكروهة، لأنه يشك في أفعال نفسه. والفرق بين الوسوسة والشك، أن الشك يكون بعلامة، كترك ثياب من عادته مباشرة النجاسة، والاحتياط هنا مطلوب، بخلاف الوسوسة، فإنها الحكم بالنجاسة من غير علامة، بأن لم يعارض الأصل شئ، كإرادة غسل ثوب جديد اشتراه احتياطا، وذلك من البدع. كما صرح به النووي في شرح المهذب. فالاحتياط حينئذ ترك هذا الاحتياط. اهـ. من الفتاوي ملخصا. (قوله: وأقلف) أي وكره أيضا اقتداء بأقلف، وهو الذي لم يختن، سواء ما قبل البلوغ وما بعده، لأنه قد لا يحافظ على ما يشترط لصحة صلاته، فضلا عن إمامته، وهو غسل جميع ما يصل إليه البول مما تحت قلفته، لأنها لما كانت واجبة الإزالة كان ما تحتها في حكم الظاهر. (قوله: لا بولد الزنا) أي لا يكره الاقتداء بولد الزنا. قال شيخ الإسلام في شرح التحرير: وإن عده الأصل في المكروه. وكتب محشيه ما نصه: كلام الأصل هو المعتمد في ولد الزنا ومن لا يعرف له أب، لكن بشرط أن يكون الاقتداء به من ابتداء الصلاة، ولم يكن المقتدي مثله. وعبارة الرملي: وأطلق جماعة كراهة ولد الزنا ومن لا يعرف أبوه، وهي مصورة بكون ذلك في ابتداء الصلاة ولم تساوي

انتقاء الكراهة إذا تعذرت الجماعة إلا خلف من تكره خلفه، بل هي أفضل من الانفراد. وجزم شيخنا بأنها لا تزول حينئذ، بل الانفراد أفضل منها. وقال بعض أصحابنا: والاوجه عندي ما قاله السبكي - رحمه الله تعالى -. (تتمة) وعذر الجماعة كالجمعة، مطر يبل ثوبه للخبر الصحيح: أنه (ص) أمر بالصلاة في الرحال يوم مطر يبل أسفل النعال بخلاف ما لا يبله. نعم، قطر الماء من سقوف الطريق عذر، وإن لم يبله، لغلبة نجاسته أو استقذاره. ووحل لم يأمن معه التلوث بالمشي فيه أو الزلق، وحر شديد، وإن وجد ظلا يمشي فيه، وبرد شديد، ـــــــــــــــــــــــــــــ المأموم، فإن ساواه أو وجده قد أحرم واقتدى به فلا بأس. اه. لكن بحث في التفصيل المذكور بأن من كره الاقتداء به لا فرق بين أن يقتدي به من هو مثله أو غيره، ولا بين الابتداء والانتهاء. اه. (قوله: لكنه) ألاقتداء بولد الزنا، ومثله ولد الملاعنة، ومن لا يعرف له أب كاللقيط. (وقوله: خلاف الأولى) أي لغير مثله وغير من وجده قد أحرم، أما لمثله أو لمن وجده قد أحرم فلا بأس بذلك. اه. ش ق. (قوله: واختار السبكي ومن تبعه انتفاء الكراهة) أي كراهة الاقتداء بمن ذكر من الفاسق ومن بعده. (قوله: إذا تعذرت الجماعة) أي إقامتها. وقوله: إلا خلف من تكره خلفه أي فإنها حينئذ لا تتعذر. (قوله: بل هي) أي الجماعة خلف من تكره خلفه، والإضراب انتقالي. وقوله: أفضل قال سم: بذلك أفتى شيخنا الشهاب الرملي. اه. (قوله: وجزم شيخنا) عبارته: ولو تعذرت إلا خلف من يكره الاقتداء به لم تنتف الكراهة، كما شمله كلامهم، ولا نظر لإدامة تعطلها لسقوط فرضها حينئذ. وبما تقرر علم ضعف اختيار السبكي ومن تبعه: أن الصلاة خلف هؤلاء، ومنهم المخالف، أفضل من الانفراد. اه. (قوله: بأنها) أي الكراهة. (وقوله: لا تزول حينئذ) أي حين إذ تعذرت الجماعة إلا خلف من تكره خلفه. (قوله: ما قاله السبكي) أي من انتفاء الكراهة حينئذ. (قوله: تتمة) أي في بيان الأعذار المرخصة لترك الجماعة حتى تنتفي الكراهة، حيث سنت، والإثم: حيث وجبت، والأصل فيها خبر ابن حيان والحاكم في صحيحيهما: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له - أي كاملة - إلا من عذر وهي على قسمين: عامة: كالمطر، والريح، وشدة الحر، وشدة البرد. وخاصة: كشدة نعاس، ومرض يشق، وتمريض قريب. قوله: وعذر الجماعة هو مفرد مضاف لمعرفة، فيعم جميع الأعذار التي ذكرها. وقوله: كالجمعة ومتعلق بمحذوف حال من الجماعة أي حال كونها كالجمعة. أي فأعذارهما متحدة. وكان الأولى أن يعد أولا أعذار الجماعة ثم يقول: وأعذار الجمعة هي أعذار الجماعة، أي مما يمكن مجيئه في الجمعة كما سيأتي التنبيه عليه في بابها. (قوله: مطر) هو وما عطف عليه خبر عذر، ولا فرق فيه بين أن يكون ليلا أو نهارا. ومثل المطر الثلج، والبرد. وقوله: يبل ثوبه قال في الإيعاب ولو كان عنده ما يمنع بلله كلباد لم ينتف عنه كونه عذرا فيما يظهر، لأن المشقة مع ذلك موجودة، ويحتمل خلافه. اه. كردي. (قوله: للخبر الصحيح) دليل لكون المطر عذرا، ولفظ الخبر: روى أبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن أبي المليح عن أبيه قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية، فأصابنا مطر لم يبل أسفل نعالنا، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صلوا في رحالكم. (قوله: بخلاف الخ) محترز قوله يبل ثوبه. (قوله: ما لا يبله) أي الثوب، بأن كان خفيفا أو كان يمشي في ركن. (قوله: نعم، قطر الماء الخ) إستدراك من عدم عدما لا يبل الثوب عذرا. يعني أن تقاطر الماء من السقوف بعد فراغ المطر يعد عذرا، وإن كان لا يبل الثوب، وذلك لغلبة نجاسته أو استقذاره. (وقوله: من سقوف الطريق) أي من السقوف التي في طريق مريد الجماعة، فالإضافة لأدنى ملابسة. (قوله: ووحل) معطوف على مطر، وهو بفتح الحاء، وإسكانها لغة رديئة، وإنما كان عذرا لأنه أشق من المطر. (وقوله: لم يأمن إلخ) يفيد أنه يشترط فيه أن يكون شديدا. فعليه: غير الشديد لا يكون عذرا. وقد صرح بالقيد المذكور في المنهاج - وهو المعتمد عند شيخ الإسلام والرملي والخطيب - وعبارة الأخير مع الأصل: وكذا وحل شديد على الصحيح، ليلا كان أو نهارا، لأنه أشق من المطر، بخلاف الخفيف منه. والشديد هو الذي لا يأمن معه التلويث، كما جزم به في الكفاية، لكن ترك في المجموع

وظلمة شديدة بالليل، ومشقة مرض وإن لم تبح الجلوس في الفرض، لا صداع يسير ومدافعة حدث من بول أو غائط أو ريح، فتكره الصلاة معها. وإن خاف فوت الجماعة لو فرغ نفسه - كما صرح به جمع - وحدوثها في الفرض لا يجوز قطعه، ومحل ما ذكر في هذه: إن اتسع الوقت، بحيث لو فرغ نفسه أدرك الصلاة كاملة، وإلا ـــــــــــــــــــــــــــــ والتحقيق التقييد بالشديد، ومقتضاه أنه لا فرق بينه وبين الخفيف. قال الأذرعي: وهو الصحيح، والأحاديث دالة عليه. وجرى على التقييد ابن المقري في روضه تبعا لأصله. وينبغي اعتماده. (فإن قيل) حديث ابن حبان المتقدم أصابهم مطر لم يبل أسفل نعالهم، ونادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صلوا في رحالكم (أجيب) بأن النداء في الحديث كان للمطر كما مر، والكلام في الوحل بلا مطر. اه. (وقوله: معه) أي الوحل. (وقوله: التلوث) أي لأسفل الرجل. قال ش ق: وكالرجل: الثوب، لا النعل، لأن أقل شئ يلوثه. اه. (وقوله: بالمشي) الباء سببية متعلقة بتلوث. (وقوله: فيه) أي في الوحل. (وقوله: أو الزلق) معطوف على التلوث، أي أو لم يأمن من الزلق بالمشي فيه. (قوله: وحر شديد) معطوف على مطر أيضا. وقيده في التحفة وغيرها بكون الوقت ظهرا. والذي اعتمده الجمال الرملي - في النهاية وغيرها - عدم التقييد به، فهو عنده عذر مطلقا. (قوله: وإن وجد ظلا يمشي فيه) غاية لعد الحر عذرا. وكتب عليها سم ما نصه: أقول لا يخفى على متأمل أن هذا الكلام مما لا وجه فيه، وذلك لأن من البديهي أن الحر إنما يكون عذرا إذا حصل به التأذي، فإذا وجد ظلا يمشي فيه، فإن كان ذلك الظل دافعا للتأذي بالحر فلا وجه حينئذ، لكون الحر عذرا. اه. (قوله: وبرد شديد) معطوف على مطر أيضا، أي وعذر الجماعة برد شديد. ولا فرق فيه بين أن يكون ليلا أو نهارا، وأن يكون مألوفا في ذلك المحل أو غير مألوف إذ المدار على ما يحصل به التأذي والمشقة. (قوله: وظلمة شديدة بالليل) أي أو وقت الصبح كما في التحفة والنهاية - وإنما كانت عذرا فيه - دون النهار - لعظم مشقتها فيه. (قوله: ومشقة مرض) من إضافة الصفة إلى الموصوف. أي والمرض الذي يشق معه الحضور مشقة تسلبه كمال الخشوع. (قوله: وإن لم تبح الجلوس في الفرض) غاية في كون مشقة المرض عذرا، أي أنها تعد عذرا، وإن كانت لا تبيح له الجلوس في صلاة الفرض. (وقوله: لا صداع يسير) بالرفع، معطوف على مشقة، وهو محترزها. وعبارة النهاية: أما الخفيف كصداع يسير وحمى خفيفة فليس بعذر، لأنه لا يسمى مرضا. (قوله: ومدافعة حدث) بالرفع، معطوف أيضا على مطر، أي وعذر الجماعة مدافعة حدث - أي غلبته -. ومحل كون المدافعة عذرا في ترك الجماعة: إن لم يتمكن من تفريغ نفسه والتطهر قبل فوت الجماعة، فإن تمكن من ذلك ولم يفعله لا تكون عذرا في ذلك. ومثلها: مدافعة كل خارج من الجوف، كغلبة القئ، ودم القروح، وكل مشوش للخشوع. (قوله: من بول إلخ) بيان للحدث. فالمراد بالحدث هنا: ما يخرج من أحد السبيلين. (قوله: فتكره الصلاة معها) أي المدافعة، أي وإذا كرهت الصلاة فالجماعة أولى. والأصل في ذلك خبر مسلم: لا صلاة بحضرة طعام، ولا صلاة وهو يدافعه الأخبثان أي البول والغائط. (قوله: وإن خاف الخ) غاية في الكراهة، أي تكره الصلاة مع المدافعة المذكورة. وإن خاف أن الجماعة تفوته لو فرغ نفسه من الحدث، فالسنة في حقه أن يتخلف عن الجماعة ليفرغ نفسه. (قوله: وحدوثها) أي المدافعة. (وقوله: في الفرض) أي في أثناء الصلاة المفروضة. (وقوله: لا يجوز قطعه) أي الفرض، أي فيحرم عليه ذلك. نعم، إن اشتد الحال وخاف ضررا يبيح التيمم بكتمه إلى تمام الصلاة فله القطع، بل قد يجب. (قوله: ومحل ما ذكر في هذه) انظر على أي شئ، ما واقعة؟ وعلى أي شئ يعود اسم الإشارة؟ والذي يظهر من سياقه أن ما واقعة على كون مدافعة الحدث عذرا في ترك الجماعة، واسم الإشارة يعود على المدافعة المذكورة، أو على البول والغائط والريح. والتقدير: ومحل كون مدافعة الحدث من البول والغائط والريح عذرا في هذه، أي المدافعة المذكورة، أو البول، والغائط والريح. وفي ذلك ركاكة لا تخفى. ولو جعلت ما واقعة على العذر من حيث هو، واسم الإشارة يعود على المدافعة صح ذلك، والتقدير: ومحل العذر، أي كونه يعذر في هذه المدافعة: أي بها. لصح ذلك، إلا أنه بعيد. فكان الأولى والأخصر أن يحذف قوله في هذه وعبارة الفتح مع الأصل وإنما يكون ذلك - أي الحقن وما عطف عليه - عذرا بسعة أي مع سعة وقت لتفريغ نفسه من ذلك وللصلاة كاملة

حرم التأخير لذلك. وفقد لباس لائق به وإن وجد ساتر العورة، وسير رفقة، لمريد سفر مباح وإن أمن، لمشقة استيحاشه وخوف ظالم على معصوم من عرض أو نفس أو مال، وخوف من حبس غريم معسر، وحضور مريض وإن لم يكن نحو قريب بلا متعهد له، أو كان نحو قريب محتضرا، أو لم يكن محتضرا، لكن يأنس به، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه، وإلا لزمته الصلاة معه، ولا كراهة إلا أن يخشى من كتمه مبيح تيمم. ويجري التقييد بسعة في أكثر الأعذار. ويسن أن يتخلف عن الجماعة ليفرغ نفسه، بل يكره له الصلاة مع الحقن، وإن خاف فوت الجماعة لو فرغ، كما صرح به جمع. وما اقتضاه صنيعه أن الجماعة عند ضيق الوقت لا تسقط، اقتضاه كلام الشيخين وغيرهما، لانتفاء كراهة الصلاة معه. اه. بتصرف. (قوله: إن اتسع الوقت) أي وقت الصلاة. (قوله: بحيث الخ) تصوير لاتساع الوقت. (وقوله: لو فرغ نفسه) أي من البول أو الغائط أو الريح. (قوله: وإلا حرم التأخير لذلك) أي وإن لم يتسع الوقت حرم تأخير الصلاة لذلك، أي لتفريغ نفسه، بل يصلي معها من غير كراهة، محافظة على حرمة الوقت. لكن محل الحرمة ما لم يخش من كتم ذلك ضررا، وإلا فرغ نفسه، وإن خشي خروج الوقت. (قوله: وفقد لباس لائق به) معطوف أيضا على مطر، أي وعذر الجماعة فقد لباس يليق به، بأن لم يجد لباسا أصلا، أو وجده لكنه غير لائق به لبسه. وإنما كان ذلك عذرا في ترك الجماعة لأن عليه مشقة في خروجه كذلك. قال الكردي في الإمداد والنهاية: يظهر أن العجز عن مركوب لمن لا يليق به المشي كالعجز عن لباس لائق: اه. زاد في العباب: ويؤخذ من ذلك أنه لو كان بمحل الجماعة من لا تليق به مجالسته أو من يتأذى بحضوره كان عذرا، وهو محتمل. ويحتمل أنه غير عذر هنا مطلقا. ويفرق بينه وبين فقد اللباس اللائق. بأن فقده يخل بالمروءة. اه. وهذا الاحتمال أوجه من الأول. اه. (قوله: وإن وجد ساتر العورة) غاية في كون فقد اللائق عذرا، أي يعذر بفقد اللائق به، وإن وجد ما يستر عورته، أي أو وجد ما يستر بدنه إلا رأسه مثلا، لأن عليه مشقة في خروجه كذلك، كما مر. (قوله: وسير رفقة) معطوف على مطر أيضا، أي وعذر الجماعة سير رفقة، أي يريد السفر معهم ويخاف من التخلف للجماعة على نفسه أو ماله أو يستوحش فقط للمشقة في التخلف عنهم. (قوله: لمريد سفر مباح) أي وإن قصر، ولو سفر نزهة، لا السفر لمجرد رؤية البلاد. (قوله: وإن أمن) أي في السفر وحده على نفسه أو ماله، وهو غاية لكون سير الرفقة عذرا في ترك الجماعة. (وقوله: لمشقة استيحاشه) أي فيما إذا أمن. والإضافة للبيان، أي لمشقة وهي استيحاشه. أي حصول وحشة تحصل له بسبب سيره وحده. (قوله: وخوف ظالم) بالرفع، معطوف على مطر أيضا، أي وعذر الجماعة خوف ظالم، أي خوف منه. فالإضافة على معنى من، وذكر ظالم مثال، لا قيد، إذ الخوف على خبزه في التنور، وطبيخه في القدر على النار، ولا متعهد يخلفه عذر. قال الزركشي: هذا إذا لم يقصد بذلك إسقاط الجماعة، وإلا فليس بعذر. (وقوله: على معصوم) خرج به الحربي، والمرتدي، والزاني المحصن، وتارك الصلاة أموالهم، فالخوف عليهم ليس عذرا. (وقوله: من عرض) بيان للمعصوم، وهو بكسر العين، محل المدح والذم، ويصور الخوف عليه من ظالم، بما إذا كان يقذفه لو خرج للجماعة. (قوله: وخوف من حبس الخ) معطوف على مطر أيضا. أي وعذر الجماعة خوف من حبس إلخ. (وقوله: غريم معسر) بتنوين غريم وجعل ما بعده وصفا له إن أريد منه المدين. وبترك تنوينه مضافا إلى ما بعده إن أريد منه الدائن. وعلى الأول يكون إضافة حبس إليه من إضافة المصدر لمفعوله. والمعنى عليه: وخوف من أن يحبس الدائن غريمه المعسر. وعلى الثاني تكون الإضافة من إضافة المصدر لفاعله، والمعنى عليه: وخوف من أن يحبس الغريم مدينه المعسر. ويوجد في بعض نسخ الخط: وخوف من حبس غريم لمعسر، بزيادة لام الجر. وهو يؤيد الثاني. ولو قال وخوف من حبس غريم له وهو معسر. لكان أنسب بما قبله وأولى. إذ عبارته فيها إظهار في مقام الإضمار، وذلك لأن فاعل الخوف مقدر، أي وخوفه، أي مريد الجماعة، من حبس غريم. فالمناسب لذلك أن يأتي بالضمير، بأن يقول بعده له، ثم يأتي بالقيد وهو قوله وهو معسر. وعبارة المنهج مع شرحه: وخوف من ملازمة أو حبس غريم له، وبه - أي بالخائف - إعسار يعسر عليه إثباته. اه. وهي ظاهرة. (قوله: وحضور مريض) بالرفع معطوف أيضا على مطر، أي وعذر الجماعة حضور مريض، ولا فرق فيه بين أن يكون فاسقا أو

وغلبة نعاس عند انتظاره للجماعة، وشدة جوع، وعطش، وعمى حيث لم يجد قائدا بأجرة المثل. وإن أحسن المشي بالعصا. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا، فيسن القيام بخدمته من حيث المرض، لا من حيث الفسق. كما قيل في إيناس الضيف أنه يسن من حيث كونه ضيفا، لا من حيث كونه فاسقا. (قوله: وإن لم يكن نحو قريب) أي أن حضور المريض الذي لا متعهد له عذر مطلقا سواء كان نحو قريب كزوج، وصديق، وصهر، ومملوك، وأستاذ، وعتق، ومعتق أم لا كأجنبي. (قوله: بلا متعهد له) الجار، والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمريض، ولو قدمه على الغاية لكان أولى. إذ الغاية إنما هي بالنسبة له. (قوله: أو كان إلخ) المناسب أو وكان، بزيادة واو العطف - كما صرح بها في المنهج - أي أو بمتعهد وكان نحو قريب محتضرا أو لم يكن محتضرا ولكن يأنس المريض بحضوره. (والحاصل) أن هذا المريض إذا لم يكن له متعهد يطعمه ويسقيه ويقوم بما يحتاجه فحضور الشخص عنده عذر في ترك الجماعة مطلقا، سواء كان نحو قريب أم لا. وإذا كان له متعهد: فإن كان المريض نحو قريب محتضرا أو يأنس به يكون عذرا أيضا، وإن لم يكن كذلك بأن كان غير نحو قريب، أو كان ولم يكن محتضرا ولا يأنس بالحاضر فلا يكون عذرا. (قوله: لكن يأنس) أي نحو القريب غير المحتضر. (وقوله به) أي بالحاضر. (قوله: وغلبة نعاس) بالرفع معطوف أيضا على مطر، أي وعذر الجماعة غلبة نعاس، ومثلها بالأولى غلبة النوم، والمراد بها أن يعجز عن دفع ما ذكر من النعاس والنوم من الصلاة. وخرج بالغلبة مجرد النعاس والسنة - بكسر السين - وهما ما يتقدم النوم من الفتور، فليسا بعذر. (وقوله: عند انتظاره للجماعة) الظرف متعلق بمحذوف صفة لغلبة، أي غلبة حاصلة له عند انتظاره للجماعة. قال في فتح الجواد: وعند عزمه على الذهاب إليها. اه. (قوله: وشدة الخ) بالرفع معطوف على مطر أيضا، أي وعذر الجماعة شدة جوع وعطش، لكن بحضرة مأكول أو مشروب يشتاقه وقد اتسع الوقت، للخبر الصحيح: لا صلاة بحضرة طعام. وقريب الحضور كالحاضر، فيبدأ بالأكل أو الشرب، فيأكل لقما يكسر بها شدة الجوع، إلا أن يكون الطعام مما يتناول مرة واحدة، كسويق ولبن. (قوله: وعمى) بالرفع معطوف على مطر أيضا، أي وعذر الجماعة عمى. (قوله: حيث الخ) قيد في كون العمى عذرا، أي محل كونه عذرا إذا لم يجد قائدا بأجرة المثل، أي وكان قادرا عليها، وهي فاضلة عما يعتبر في الفطرة. فإن وجد قائدا بما ذكر فلا يكون العمى عذرا في ترك الجماعة. (قوله: وإن أحسن) أي الأعمى، وهي غاية في كون العمى عذرا. أي أنه يعد عذرا وإن كان يحسن المشي بالعصا، وذلك لأنه قد تحدث له وهدة يقع فيها فيتضرر بذلك. (تتمة) بقي من الأعذار أكل منتن كبصل، أو ثوم، أو كراث، وكذا فجل في حق من يتجشأ منه، نئ أو مطبوخ بقي له ريح يؤذي، لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: من أكل بصلا أو ثوما أو كراثا فلا يقربن المساجد وليقعد في بيته، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم قال جابر - رضي الله عنه - ما أراه يعني إلا نيئه. زاد الطبراني: أو فجلا. ومثل ذلك كل من ببدنه أو ثوبه ريح خبيث. وإن عذر كذي بخر، أو صنان مستحكم، وحرفة خبيثة. وإنما يكون ما ذكر عذرا إذا لم يسهل إزالته بغسل أو معالجة، فإن سهلت لم يكن عذرا. وزلزلة، وسمن مفرط، واشتغال بتجهيز ميت، وحمله، ودفنه، ووجود من يؤذيه في طريقه - ولو بنحو شتم - ما لم يمكن دفعه من غير مشقة، وتطويل الإمام على المشروع، وتركه سنة مقصودة، وكونه سريع القراءة والمأموم بطيئها، أو من يكره الاقتداء به، وكونه يخشى الافتتان به لفرط جماله، وهو أمرد، أو يخشى هو افتتانا ممن هو كذلك. وقد نظم ابن رسلان معظم الأعذار في قوله: وعذر تركها وجمعة مطر * * ووحل وشدة البرد وحر ومرض وعطش وجوع * * قد ظهرا أو غلب الهجوع مع اتساع وقتها وعري * * وأكل ذي الريح الكريه ني

(تنبيه) إن هذه الاعذار تمنع كراهة تركها حيث سنت، وإثمه حيث وجبت، ولا تحصل فضيلة الجماعة - كما قال النووي في المجموع، واختار غيره ما عليه جمع متقدمون - من حصولها إن قصدها لولا العذر قال في المجموع: يستحب - لمن ترك الجمعة بلا عذر - أن يتصدق بدينار، أو نصفه، لخبر أبي داود وغيره. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله تنبيه) أي في بيان حكم هذه الأعذار. (قوله: إن هذه الأعذار) أي ونحوها مما مر. (قوله: تمنع إلخ) محل كونها تمنع ما ذكر إذا لم يتأت له إقامة الجماعة في بيته، وإلا فلا يسقط عنه طلبها، لكراهة انفراده، وإن حصل بغيره شعارها. اه. نهاية. (وقوله: كراهة تركها) أي الجماعة. (وقوله: حيث سنت) أي حيث قلنا إن الجماعة سنة. (قوله: وإثمه) بالنصب، معطوف على كراهة، أي وتمنع إثم الترك. (وقوله: حيث وجبت) أي حيث قلنا إن الجماعة واجبة. (والحاصل) الأعذار المذكورة تسقط الحرمة على القول بالفرضية، والكراهة على القول بالسنية. (قوله: ولا تحصل فضيلة الجماعة) أي لمن تركها بعذر. (قوله: واختار غيره) أي غير النووي. (قوله: ما عليه إلخ) مفعول اختار. (وقوله: من حصولها) أي فضيلة الجماعة، وهو بيان لما. (وقوله: إن قصدها لولا العذر) قيد في حصول الفضيلة له، أي أنها تحصل له إن قصد فعلها لولا العذر موجود. وظاهره أنها تحصل له الفضيلة كفضيلة من صلى جماعة. وفي البجيرمي أن الذي يحصل له دون فضل من يفعلها. وفيه أيضا الجمع بين القولين. وعبارته: وقيل بل يحصل له فضل الجماعة، لكن دون فضل من فعلها، أي حيث قصد فعلها لولا العذر. وقرر شيخنا زي اعتماده، ونقل شيخنا م ر أن بعضهم حمل القول بعدم حصول فضلها على من تعاطى سبب العذر، كأكل البصل، ووضع الخبز في التنور. والقول بحصول فضلها على غيره كالمطر والمرض. قال: وهو جمع لا بأس به. اه. (والحاصل) أن من رخص له ترك الجماعة حصلت له فضيلتها، وحينئذ يقال: لنا منفرد يحصل له فضيلة الجماعة. وحينئذ تقبل شهادة من داوم على تركها لعذر، وإذا أمر الإمام الناس بالجماعة لا تجب على من ذكر لقيام العذر. اه ح ل. اه. (قوله: قال في المجموع: يستحب إلخ) الأولى ذكره في باب الجمعة، وإن كان له مناسبة هنا من جهة أن أعذار الجمعة كأعذار الجماعة. (وقوله: لخبر أبي داود وغيره) قال في الزواجر: أخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم: من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار وفي رواية للبيهقي: بدرهم، أو نصف درهم، أو صاع، أو مد. وفي أخرى لابن ماجه مرسله: أو صاع حنطة، أو نصف صاع. اه. والله سبحانه تعالى أعلم.

فصل (في صلاة الجمعة) هي فرض عين عند اجتماع شرائطها. وفرضت بمكة، ولم تقم بها لفقد العدد، أو لان شعارها الاظهار، وكان (ص) مستخفيا فيها. وأول من أقامها بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة، بقرية على ميل من المدينة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (فصل في صلاة الجمعة) أي في بيان شرائط وجوبها، وشرائط صحتها، وبيان آدبها. وهي من خصائص هذه الأمة، وليست ظهرا مقصورا وإن كان وقتها وقته وتتدارك به، بل صلاة مستقلة لأنه لا يغني عنها، ولقول سيدنا عمر - رضي الله عنه -: الجمعة ركعتان تمام غير قصر، على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - - وقد خاب من افترى. رواه الإمام أحمد وغيره. وميم الجمعة: تضم، وتسكن، وتفتح، وحكي كسرها. وجمعها: جمعات. وهذه اللغات في اسم اليوم. وأما اسم الأسبوع، فهو بالسكون، لا غير. (قوله: هي فرض عين) أي لقول الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) *. وجه الدلالة أن المراد بالذكر فيها الصلاة مجازا، وقيل: الخطبة، فأمر بالسعي. وظاهره الوجوب، وإذا وجب السعي وجب ما يسعى إليه. ونهى عن البيع، وهو مباح، ولا ينهى عن فعل المباح إلا لفعل واجب، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: رواح الجمعة واجب على كل محتلم. وقوله عليه السلام: الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض. (قوله: عند اجتماع شرائطها) أي شرائط وجوبها، من الذكورة، والحرية، والصحة، والاستيطان. وشرائط صحتها، من كونها تقام في البلد، ووقوعها بأربعين، وغير ذلك مما يأتي. (قوله: وفرضت بمكة) أي ليلة الإسراء، وعورض هذا بقول الحافظ ابن حجر: دلت الأحاديث الصحيحة على أن الجمعة فرضت بالمدينة. ويمكن حمل قوله فرضت بالمدينة على معنى أنه استقدر وجوبها عليهم فيها، لزوال العذر الذي كان قائما بهم. (والحاصل) أنها طلب فعلها بمكة لكن لم يوجد فيها شرائط الوجوب. ووجدت في المدينة، فكأنهم لم يخاطبوا بها إلا فيها. أفاده ع ش. (قوله: ولم تقم) أي الجمعة. (وقوله: بها) أي بمكة. (وقوله: لفقد العدد) أي استكمال العدد الذي هو شرط في وجوبها. (قوله: أو لأن شعارها الإظهار) فيه نظر، لأن هذا ألا يسقط الجمعة ا. هـ. بجيرمي. (قوله: وكان إلخ) الجملة حالية، وهي من تتمة التعليل. (وقوله: مستخفيا فيها) أي في مكة. (قوله: بالمدينة) أي بجهة المدينة، أو أن المدينة تطلق على ما قرب منها، وإلا نافى في قوله بقرية على ميل من المدينة. (قوله: بقرية) بدل من قوله بالمدينة،. ويقال لهذه القرية نقيع الخضمات لبني بياضة بطن من الأنصار، وكانوا

وصلاتها أفضل الصلوات. وسميت بذلك: لاجتماع الناس لها، أو لان آدم اجتمع فيها مع حواء من مزدلفة، فلذلك سميت جمعا. (تجب جمعة على) كل (مكلف) أي بالغ عاقل، (ذكر، حر)، فلا تلزم على أنثى، وخنثى، ومن به رق - إن كوتب - لنقصه، (متوطن) بمحل الجمعة لا يسافر من محل إقامتها - صيفا ولا شتاء - ـــــــــــــــــــــــــــــ أربعين. وعبارة الدميري: وأول جمعة صليت بالمدينة جمعة أقامها أسعد بن زرارة في بني بياضة بنقيع الخضمات، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أنفذ مصعب بن عمير أميرا على المدينة، وأمره أن يقيم الجمعة، فنزل على أسعد، وكان - صلى الله عليه وسلم - جعله من النقباء الاثني عشر، فأخبره بأمر الجمعة، وأمره أن يتولى الصلاة بنفسه. وفي البخاري عن ابن عباس: أن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جمعة بجواثي قرية من قرى البحرين. اه. وفي القسطلاني على البخاري في باب الجمعة في القرى والمدن ما نصه: جمعت - بضم الجيم وتشديد الميم المكسورة - في الإسلام بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - أي في المدينة - في مسجد عبد القيس بجواثي - بضم الجيم، وتخفيف الواو، وقد تهمز، ثم مثلثه خفيفة مفتوحة مقصورة. اه. (قوله: وصلاتها أفضل الصلوات) ويومها أيضا أفضل أيام الأسبوع، وخير يوم طلعت فيه الشمس، يعتق الله فيه ستمائة ألف عتيق من النار. من مات فيه كتب له أجر شهيد، ووقي فتنة النار. قال سيدنا القطب الغوث سيدي الحبيب عبد الله بن علوي الحداد: (واعلم) أسعدك الله أن يوم الجمعة سيد الأيام، وله شرف عند الله العظيم، وفيه خلق الله آدم عليه السلام، وفيه يقيم الساعة، وفيه يأذن لأهل الجنة في زيارته، والملائكة تسمي يوم الجمعة يوم المزيد لكثرة ما يفتح الله فيه من أبواب الرحمة، ويفيض من الفضل، ويبسط من الخير. وفي هذا اليوم ساعة شريفة يستجاب فيها الدعاء مطلقا، وهي مبهمة في جميع اليوم، كما قاله الإمام الغزالي - رحمه الله - وغيره. فعليك في هذا اليوم بملازمة الأعمال الصالحة، والوظائف الدينية، ولا تجعل لك شغلا بغيرها إلا أن يكون شغلا ضروريا لا بد منه، فإن هذا اليوم للآخرة خصوصا، وكفى بشغل بقية الأيام بأمر الدنيا غبنا وإضاعة. وكان ينبغي للمؤمن أن يجعل جميع أيامه ولياليه مستغرقة بالعمل لآخرته، فإذا لم يتيسر ذلك وعوقته عنه أشغال دنياه فلا أقل له من التفرغ في هذا اليوم لأمور الآخرة. اه. (قوله: وسميت بذلك) أي سميت الصلاة بذلك، أي الجمعة. (قوله: أو لأن آدم اجتمع فيها) أي الجمعة، أي يومها. وهذه العلة لتسمية اليوم بالجمعة، لا لتسمية الصلاة بذلك، مع أن الكلام فيها، إلا أن يقال أن المراد من الصلاة - بالنسبة لهذه العلة - اليوم، على سبيل المجاز المرسل من إطلاق الحال وإرادة المحل. (قوله: من مزدلفة) أي فيها، فمن بمعنى في، والجار والمجرور بدل من قوله فيها. وفي البجيرمي: في عرفة بدل من مزدلفة. (قوله: فلذلك سميت جمعا) أي فلسكون آدم اجتمع مع حواء في مزدلفة سميت مزدلفة جمعا بفتح فسكون. (قوله: تجب جمعة) أي عينا، وقيل كفاية. (قوله: على كل مكلف) ومثله - كما تقدم أول باب الصلاة - متعد بمزيل عقله، فتلزمه الجمعة كغيرها، فيقضيها ظهرا، وإن كان غير مكلف. (وقوله: أي بالغ عاقل) بيان للمكلف. وخرج بهما الصبي، والمجنون، فلا تجب عليهما كغيرها من الصلوات. (قوله: ذكر) أي واضح الذكورة، بدليل المحترز. (وقوله: حر) أي كامل الحرية، بدليل المحترز أيضا. (قوله: فلا تلزم على أنثى وخنثى) على زائدة، وما بعدها مفعول الفعل، أو أصلية، ويضمن تلزم معنى فعل يتعدى بعلى: كتجب. ثم رأيت في بعض نسخ الخط: فلا تجب على أنثى وخنثى، وهو أولى. (قوله: ومن به رق) أي ولا تلزم من به رق، وإن قل، ولا فرق فيه بين أن يكون بينه وبين سيده مهايأة ووقعت الجمعة في نوبته أو لا، لكن يستحب لمالك القن أن يأذن له في حضورها. (قوله: وإن كوتب) أي لا تلزم من به رق وإن كان مكاتبا لأنه قن ما بقي عليه درهم. والغاية للرد على من أوجبها عليه. (قوله: لنقصه) أي من ذكر من الأنثى والخنثى، ومن به رق، فهو تعليل لقوله فلا تلزم المسلط على من ذكر. (قوله: متوطن) فيه أن الإستيطان من شروط الصحة، لا من شروط الوجوب الذي الكلام فيه، فكان الأولى إسقاطه، والاقتصار على المقيم، ثم يذكر قيد الاستيطان في شروط الصحة. (وقوله: بمحل الجمعة) أي محل إقامتها. (وقوله: لا يسافر الخ) بيان لمعنى المتوطن، يعني أن المتوطن هو الذي لا يسافر صيفا ولا

إلا لحاجة، كتجارة، وزيارة، (غير معذور) بنحو مرض، من الاعذار التي مرت في الجماعة، فلا تلزم على مريض إن لم يحضر بعد الزوال محل إقامتها، وتنعقد بمعذور، (و) تجب (على مقيم) بمحل إقامتها غير متوطن، كمن أقام بمحل جمعة أربعة أيام فأكثر، وهو على عزم العود إلى وطنه، ولو بعد مدة طويلة. وعلى مقيم متوطن بمحل يسمع منه النداء ولا يبلغ أهله أربعين، فتلزمهما الجمعة (و) لكن (لا تنعقد) الجمعة (به) ـــــــــــــــــــــــــــــ شتاء من محل إقامتها إلا لحاجة. وسيذكر الشارح حكم من له مسكنان ببلدين. (وقوله: كتجارة وزيارة) تمثيل للحاجة. (قوله: غير معذور) صفة لمكلف. (قوله: بنحو مرض) متعلق بمعذور. (قوله: من الأعذار الخ) بيان لنحو مرض. (وقوله: التي مرت في الجماعة) أي مما يمكن مجيئه في الجمعة، فإن الريح بالليل لا يمكن أن يكون عذرا هنا. والجوع فإنه يبعد أن يكون عذرا في تركها. وتوقف السبكي في قياس الجمعة على غيرها وقال: كيف يلحق فرض العين بما هو سنة أو فرض كفاية؟ بل ينبغي أن كل ما ساوت مشقته مشقة المرض يكون عذرا قياسا على المرض المنصوص، وما لا فلا، إلا بدليل. لكن قال ابن عباس: الجمعة كالجماعة، وهو مستند الأصحاب. (قوله: فلا تلزم الخ) مفرع على مفهوم قوله غير معذور. (وقوله: على مريض) أي ونحوه من كل معذور، ويقال فيه ما تقدم. (قوله: إن لم يحضر بعد الزوال) أي بأن لم يحضر أصلا محل إقامتها، أو حصر قبل الزوال، فله الانصراف من محل إقامتها، فإن حضر بعد الزوال يحرم انصرافه، لأن المانع في حقه مشقة الحضور، وبه زال المانع، إلا أن يريد ضرره بانتظاره لفعلها ولم تقم الصلاة، فيجوز انصرافه حينئذ. (قوله: وتنعقد بمعذور) يعني إذا تكلف الحضور وصلى الجمعة تنعقد به، لكن إن استكمل شروط الانعقاد. (واعلم) أن الناس في الجمعة ستة أقسام: أولها: من تجب عليه، وتنعقد به، وتصح منه، وهو من توفرت فيه الشروط كلها. وثانيها: من تجب عليه، ولا تنعقد به، وتصح منه، وهو المقيم غير المستوطن، ومن سمع نداء الجمعة، وهو ليس بمحلها. وثالثها: من تجب عليه، ولا تنعقد به، ولا تصح منه، وهو المرتد، فتجب عليه، بمعنى أننا نقول له أسلم وصل الجمعة، وإلا فلا تصح منه، ولا تنعقد به، وهو باق بحاله. ورابعها: من لا تجب عليه، ولا تنعقد به، ولا تصح منه، وهو الكافر الأصلي، وغير المميز من صغير، ومجنون ومغمى عليه، وسكران عند عدم التعدي. وخامسها: من لا تجب عليه، ولا تنعقد به وتصح منه، وهو الصبي المميز، والرقيق، وغير الذكر من نساء وخناثى، والمسافر. وسادسها: من لا تجب عليه وتنعقد به، وتصح منه، وهو المريض ونحوه ممن له عذر من الأعذار المرخصة في ترك الجماعة. (قوله: وتجب على مقيم بمحل إقامتها) أي ناو الإقامة فيه مدة مطلقة أو أربعة أيام بلياليها، ولو أقيمت الجمعة قبل تمام الأربعة أيام، أو ماكث أربعة أيام بلياليها وأقيمت الجمعة بعدها ولو من غير نية الإقامة، فقوله بعد: كمن أقام بمحل جمعة إلخ: تمثيل للمقيم بالنسبة للثاني. (قوله: وهو على عزم العود إلى وطنه) خرج به ما لو عزم عدم العود إلى وطنه، فإنه يصير متوطنا. (قوله: لو بعد مدة طويلة) أي ولو كان عزمه بعد مدة طويلة، كعشرين سنة أو أكثر، فإنه يكون مقيما، ولا يكون متوطنا بذلك. (قوله: وعلى مقيم إلخ) أي وتجب على مقيم إلخ لخبر أبي داود: الجمعة على من سمع النداء. (وقوله: متوطن) الأولى حذفه، لأن التوطن ليس بشرط، فمتى أقام بمحل يسمع منه نداء الجمعة وجبت عليه،

أي بمقيم غير متوطن، ولا بمتوطن خارج بلد إقامتها، وإن وجبت عليه بسماعه النداء منها. (ولا بمن به رق وصبا)، بل تصح منهم، لكن ينبغي تأخر إحرامهم عن إحرام أربعين ممن تنعقد به الجمعة - على ما اشترطه جمع محققون، وإن خالف فيه كثيرون. (وشرط) لصحة الجمعة - مع شروط غيرها - ستة: احدها: (وقوعها جماعة) بنية إمامة واقتداء، مقترنة ـــــــــــــــــــــــــــــ سواء توطن فيه أم لا. وعبارة التحفة: مقيم بمحلها، أو بما يسمع منه النداء. اه. ومثلها النهاية. ويمكن أن يقال إنه قيد به لأجل الإستدراك الآتي. (قوله: يسمع منه) أي من المحل الذي أقام فيه. والمراد من طرفه الذي يليه. (وقوله: النداء) أي الأذان الكائن من الواقف بطرف بلد الجمعة، والمعتبر سماع واحد فأكثر من ذلك المحل بالقوة، مع اعتدال الصوت، واستواء المكان، وعدم المانع من هواء أو شجر، مثلا. (قوله: ولا يبلغ أهله) أي ذلك المحل الذي يسمع منه النداء، فإن بلغوا ذلك لا يجب عليهم الذهاب إلى محل النداء، بل يحرم عليهم، فيلزمهم إقامتها في محلهم، لئلا يتعطل عن الجمعة. (قوله: فتلزمهما) أي المقيم غير المتوطن بمحل الجمعة، والمقيم المتوطن في محل يسمع منه النداء. ولا حاجة إلى هذا التفريع لأنه عين قوله وتجب على مقيم الخ. تأمل. (قوله: ولكن لا تنعقد الجمعة) استدراك على المتن أو على قوله فتلزمهما. (قوله: أي بمقيم إلخ) تفسير لضمير به. (قوله: ولا بمتوطن) أي ولا تنعقد بمتوطن في محل خارج محل إقامة الجمعة، وهذا هو الحامل له على التقييد فيما سبق بمتوطن، كما مر التنبيه عليه. (قوله: وإن وجبت) أي الجمعة. وهذه الغاية تورث ركاكة في العبارة، إذ قوله ولكن لا تنعقد: استدراك من وجوبها عليهما. فيكون التقدير: تجب الجمعة على المقيم المتوطن بمحل يسمع منه النداء، ولكن لا تنعقد به، وإن وجبت عليه بسماعه النداء، فالأولى إسقاطها. فتنبه. (وقوله: منها) متعلق بمحذوف حال من النداء، أي حال كون النداء كائنا من بلد الإقامة. (قوله: ولا بمن به رق) معطوف على الجار والمجرور قبله، أي ولا تنعقد الجمعة بمن به رق، ومقتضى العطف أن ما ذكر داخل في حيز الإستدراك من وجوبها على المقيم والمتوطن السابقين، وهو لا يصح، كما هو ظاهر. ولو حذف أداة الاستدراك فيما مر أو قال هنا ومن به رق كذلك لكان أولى. فتأمل: (وقوله: وصبا) معطوف على رق، أي ولا تنعقد بمن به صبا، ومثل الرقيق والصبي، الأنثى والخنثى، والمسافر، والمقيم بمحل لا يسمع منه النداء، فلا تنعقد بهم الجمعة، وتصح منهم. (قوله: بل تصح) أي الجمعة. والإضراب انتقالي. (وقوله: منهم) الصواب منهما، أي ممن به رق ومن به صبا، ولا يقال إن ضمير الجمع عائد على جميع من مر من المقيم، والمتوطن، ومن به رق، ومن به صبا لأن الأولين قد صرح بوجوبها عليهما، ويعلم منه صحتها منهما. (قوله: لكن ينبغي الخ) أي يجب وهو استدراك صوري من كونها تصح منهم. (وقوله: تأخر إحرامهم) ضمير الجمع هنا في محله، لأنه عائد على المقيم، والمتوطن، ومن به رق ومن به صبا. (قوله: على ما اشترطه الخ) أي إن انبغاء تأخر إحرامهم مبني على ما اشترطه جمع محققون، كابن الرفعة، والأسنوي، وشيخ الإسلام، من تقدم إحرام من تنعقد به على من لا تنعقد به. (قوله: وإن خالف فيه) أي فيما اشترطه بعضهم كثيرون، وهذا هو الراجح عند ابن حجر والخطيب والرملي. وعبارة الفتح: قال جمع: ولا بد من تقدم إحرام من تنعقد بهم لتصح لغيرهم، لأنهم تبع، ورده آخرون، وأطالوا فيه. وهو الأوجه: اه. وعبارة المغني: وهل يشترط تقدم إحرام من تنعقد بهم الجمعة لتصح لغيرهم لأنه تبع أو لا؟ اشترط البغوي ذلك. ونقله في الكفاية عن القاضي. والراجح صحة تقدم إحرامهم، كما اقتضاه إطلاق كلام الأصحاب، ورجحه جماعة من المتأخرين كالبلقيني والزركشي، بل صوبه وأفتى به شيخي. اه. وعبارة النهاية: ولا يشترط لصحتها تقدم إحرام أربعين ممن تنعقد بهم على إحرام الناقصين، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، واقتضاه كلام الأصحاب، ورجحه جماعة من المتأخرين كالبلقيني والزركشي، بل صوبه. اه. (قوله: وشرط لصحة الجمعة) أي انعقادها. والشروط المارة إنما هي للوجوب. (قوله: مع شروط غيرها) أي غير الجمعة من بقية الصلوات، كالطهارة، وستر العورة. واستقبال القبلة، ودخول الوقت. (قوله: ستة) نائب فاعل شرط، وفيه أن المعدود خمسة، إلا أن يكون عد قوله: ومن شروطها أن لا يسبقها بتحرم إلخ. سادسا، لكن كان ينبغي له

بتحرم (في الركعة الاولى)، فلا تصح الجمعة بالعدد فرادى، ولا تشترط الجماعة في الركعة الثانية. فلو صلى الامام بالاربعين ركعة ثم أحدث فأتم كل منهم ركعة واحدة، أو لم يحدث بل فارقوه في الثانية، وأتموا منفردين، أجزأتهم الجمعة. نعم، يشترط بقاء العدد إلى سلام الجميع، حتى لو أحدث واحد من الاربعين قبل سلامه، ولو بعد سلام من عداه منهم، بطلت جمعة الكل. ولو أدرك المسبوق ركوع الثانية واستمر معه إلى أن سلم، أتى بركعة بعد سلامه جهرا وتمت جمعته إن صحت جمعة الامام وكذا من اقتدى به وأدرك ركعة معه - كما قاله ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يقول: وسادسها أن إلخ. وفي نسخة: خمسة، وهي موافقة للعد، لا الواقع. (قوله: أحدها) أي الشروط الستة. (وقوله: وقوعها جماعة) أي لأنها لم تقع في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين إلا كذلك. (قوله: بنية إمامة) متعلق بمحذوف صفة لجماعة. أي جماعة مصحوبة بنية الإمام الإمامة، لأن نية الإمامة في الجمعة واجبة على الإمام لتحصل له الجماعة، فإن لم ينوها بطلت جمعته، وكذا تبطل جمعة المأمومين خلفه إن لم يكن الإمام زائدا على الأربعين، لعدم تمام العدد ببطلان صلاته، فإن كان زائدا على الأربعين لم تبطل جمعتهم، كما لو بان أنه لم ينو أصلا، وأنه محدث، كما مر التنبيه عليه في مبحث القدوة. (قوله: واقتداء) أي ونية اقتداء من المأمومين. (قوله: مقترنة) بالنصب، حال من نية: أي حال كون النية مقترنة بالتحرم. وبالجر، صفة لها. (قوله: في الركعة الأولى) أي للمأموم، والجار والمجرور متعلق بوقوعها. (قوله: فلا تصح الخ) مفهوم قوله جماعة. (وقوله: بالعدد) أي مع استكمال العدد. (وقوله: فرادى) حال من العدد. أي فلا تصح الجمعة بالعدد، أي بأربعين حال كونهم منفردين، أي لم يصلو جماعة. (قوله: ولا تشترط الجماعة في الركعة الثانية) تصريح بمفهوم قوله في الركعة الأولى، وهذا بخلاف العدد، فإنه شرط في جميعها كما سيذكره. (قوله: فلو صلى الإمام) مفرع على عدم اشتراط الجماعة في الركعة الثانية. (وقوله: بالأربعين) أفاد أن الإمام زائد على الأربعين، وهو متعين بالنسبة لما إذا أحدث، لما سيذكره أنه يشترط بقاء العدد إلى السلام. (قوله: ثم أحدث) أي الإمام. (قوله: بل فارقوه) أي ولو بلا عذر. (قوله: أجزأتهم الجمعة) جواب لو. (قوله: نعم، يشترط الخ) إستدراك من قوله ولا تشترط الجماعة في الركعة الثانية، أو من قوله أجزأتهم الجمعة. (وقوله: بقاء العدد) المراد بقاؤه مستكملا لشروط الصحة، بحيث لا تبطل صلاة واحد من الأربعين بحدث أو غيره. (وقوله: حتى لو أحدث الخ) تفريع على أنه يشترط بقاء العدد. (قوله: قبل سلامه) أي قبل سلام نفسه. وانظر: هل هذا القيد له مفهوم أولا؟ والظاهر الثاني، لأنه إذا أحدث بعد سلامه وقبل سلام من عداه، صدق عليه أن العدد لم يبق. ثم رأيت هذا القيد ساقطا من عبارة الفتح، وهو الأولى، ونصها: ومتى أحدث منهم واحد لم تصح جمعة الباقين. وبه يلغز فيقال: جمع بطلت صلاتهم بحدث غيرهم، مع أنه ليس بإمام لهم، ولا مؤتم بأحدهم. اه. (قوله: بطلت جمعة الكل) أي وإن كان المحدث هو الآخر، وإن ذهب الأولون إلى أماكنهم، فيلزمهم إعادتها جمعة إن أمكن، وإلا فظهرا، - كما في البجيرمي - ولا يشكل على ذلك أنه لو بان الأربعون أو بعضهم محدثين صحت جمعة الإمام، والمتطهر منهم تبعا، لأنه هناك لم يتبين إلا بعد السلام، فوجدت صورة العدد إلى السلام، فلم يؤثر تبين الحدث الرافع له، بخلاف ما هنا، فإن خروج أحد الأربعين قبل سلام الكل بطل صورة العدد قبل السلام، فاستحال القول بالصحة هنا. (قوله: ولو أدرك المسبوق ركوع الثانية) أي ركوع الإمام في الركعة الثانية. (قوله: واستمر معه إلى أن سلم) أي واستمر المأموم مع الإمام إلى أن سلم، فلو فارقه أو بطلت صلاة الإمام لم يدرك الجمعة. وهذا معتمد ابن حجر تبعا لظاهر تعبير الشيخين. والذي اعتمده الجمال الرملي والخطيب وسم وغيرهم: أنه لا يشترط استمراره معه إلى السلام، بل متى أدرك ركوع الإمام أدرك الجمعة، ولو نوى المفارقة وبطلت صلاة الإمام. (قوله: أتى) أي المأموم، وهو جواب لو. (وقوله: جهرا) منصوب بإسقاط الخافض، أي بالجهر في قراءتها، أو على الحالية من فاعل أتى بتأويله باسم الفاعل، أي حال كونه جاهرا في قراءته. وبه يلغز ويقال: لنا منفرد يصلي بعد الزوال الصلاة المفروضة يجهر فيها. (قوله: وتمت جمعته) أي للخبر الصحيح: من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى. وفي رواية صحيحة: من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة. قال في التحفة:

شيخنا -. وتجب على من جاء بعد ركوع. الثانية: نية الجمعة - على الاصح - وإن كانت الظهر هي اللازمة له -. وقيل: تجوز نية الظهر. وأفتى به البلقيني وأطال الكلام فيه. (و) ثانيها: وقوعها (بأربعين) ممن تنعقد بهم الجمعة، ولو مرضى، ومنهم الامام. ولو كانوا أربعين فقط ـــــــــــــــــــــــــــــ وتحصل الجمعة أيضا بإدراك ركعة أولى معه، وإن فارقه بعدها، لما مر أن الجماعة لا تجب إلا في الركعة الأولى، وبإدراك ركعة معه، وإن لم تكن أولى الإمام ولا ثانيته، بأن قام لزائده، ولو عامدا. اه. (قوله: إن صحت جمعة الإمام) أي بأن كان متطهرا. وخرج به ما إذا لم تصح بأن محدثا أو ذا خبث، فلا تتم له جمعته. (قوله: وكذا من اقتدى به) أي وكذلك تتم جمعة من اقتدى بالمسبوق بعد انقطاع قدوته في ركوع ركعته الثانية إن صحت جمعته. وفي التحفة ما نصه: لو أراد آخر أن يقتدي به في ركعته الثانية ليدرك الجمعة جاز. كما في البيان عن أبي حامد، وجرى عليه الريمي وابن كبن وغيرهما. قال بعضهم: وعليه، لو أحرم خلف الثاني عند قيامه لثانيته آخر وخلف الثالث آخر وهكذا، حصلت الجمعة للكل، ونازع بعضهم أولئك بأن الذي اقتضاه كلام الشيخين وصرح به غيرهما أنه لا يجوز الاقتداء بالمسبوق المذكور. اه. وفيه نظر. وليس هنا فوات العدد في الثانية، وإلا لم تصح للمسبوق نفسه، بل العدد موجود حكما، لأن صلاته كمن اقتدى به، وهكذا تابعة للأولى. اه. وفي الكردي: وخالف الجمال الرملى فأفتى بانقلابها ظهرا. قال القليوبي: إن كانوا جاهلين، وإلا لم ينعقد إحرامهم من أصله. وهو الوجه الوجيه. قال: بل أوجه منه عدم انعقاد إحرامهم مطلقا. فتأمله. اه. (قوله: وتجب على من جاء الخ) أي إن كان ممن تجب عليه الجمعة، وإلا بأن كان مسافرا أو عبدا أو نحوهما ممن لا تلزمه الجمعة، فينوي ذلك استحبابا. وعليه يحمل كلام الروض والأنوار، حيث عبر الأول بالاستحباب، والثاني بالوجوب. شويري. بجيرمي. وإنما وجبت نية الجمعة موافقة للإمام، ولأن اليأس منها لا يحصل إلا بالسلام، إذ قد يتذكر الإمام ترك ركن فيتداركه بالإتيان بركعة فيدرك المسبوق الجمعة. وبذلك يلغز ويقال: نوى ولا صلى، وصلى ولا نوى. وجوابه ما ذكر، فإنه نوى الجمعة ولم يصلها، وصلى ظهرا ولم ينوها. (قوله: وإن كانت الخ) الواو للحال، وإن زائدة، أي والحال أن الظهر هي التي تلزمه. ولا يصح جعل ذلك غاية، إذ لا معنى لها. ولو صلاها ظهرا، ثم أدرك جماعة يصلون الجمعة لزمه أن يصليها معهم. كما في النهاية. (قوله: وقيل تجوز نية الظهر) هذا مقابل الأصح. (قوله: وأفتى به) أي بجواز نية الظهر. (قوله: وأطال) أي البلقيني. (وقوله: الكلام فيه) أي في الاستدلال على الجواز. قال في النهاية: ومحل الخلاف فيمن علم حال الإمام. وإلا بأن رآه قائما ولم يعلم هل هو معتدل أو في القيام؟ فينوي الجمعة جزما. (قوله: وثانيها) أي ثاني شروط صحة الجمعة. (قوله: وقوعها بأربعين) أي لخبر ابن مسعود رضي الله عنه: أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بالمدينة وكانوا أربعين رجلا. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا اجتمع أربعون فعليهم الجمعة. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا جمعة إلا في أربعين. وحكمة هذا العدد أنه مقدار زمن بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأنه مقدار زمن ميقات موسى عليه السلام، وأنه - كما قيل - مقدار عدد لم يجتمع مثله إلا وفيهم ولي الله تعالى. واشتراط وقوعها بهذا العدد قول من أربعة عشر قولا في العدد الذي تنعقد به الجمعة. ثانيها: أنها تصح من الواحد، رواه ابن حزم: ثالثها: اثنان كالجماعة، وهو قول النخعي، وأهل الظاهر. رابعها: ثلاثة مع الإمام، عند أبي حنيفة، وسفيان الثوري - رضي الله عنهما -. خامسها: اثنان مع الإمام عند أبي يوسف، ومحمد، والليث. سادسها: سبعة عند عكرمة. سابعها: ستة عند ربيعة. ثامنها: اثنا عشر عند ربيعة أيضا في رواية، ومالك رضي الله عنه. تاسعها: مثله غير الإمام عند إسحاق، عاشرها: عشرون في رواية ابن حبيب عن مالك. حادي عشرها: ثلاثون كذلك.

وفيهم أمي واحد أو أكثر قصر في التعلم، لم تصح جمعتهم، لبطلان صلاته فينقصون. أما إذا لم يقصر الامي في التعلم فتصح الجمعة به - كما جزم به شيخنا في شرحي العباب والارشاد، تبعا لما جزم به شيخه في شرح الروض - ثم قال في شرح المنهاج: لا فرق هنا بين أن يقصر الامي في التعلم، وأن لا يقصر. والفرق بينهما غير قوي. انتهى. ولو نقصوا فيها بطلت، أو في خطبة لم يحسب ركن فعل حال نقصهم، لعدم سماعهم له. فإن ـــــــــــــــــــــــــــــ ثاني عشرها: خمسون عند أحمد، في رواية، وحكيت عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. ثالث عشرها: ثمانون، حكاه المازري. رابع عشرها: جمع كثير بغير حصر. (قوله: تنعقد بهم الجمعة) أي حال كون الأربعين ممن تنعقد بهم الجمعة، بأن كانوا مكلفين ذكورا أحرارا مستوطنين. (قوله: ولو مرضى) هذه الغاية كالتي بعدها، للرد على القائل بعدم انعقادها من المرضى، وبأنه لا بد أن يكون الإمام غير الأربعين. وعبارة المنهاج مع المغني: والصحيح من قولين: انعقادها بالمرضى، لأنهم كاملون، وعدم الوجوب عليهم تخفيف. والثاني لا، كالمسافرين. والصحيح، من قولين أيضا، أن الإمام لا يشترط كونه فوق أربعين إذا كان بصفة الكمال، لإطلاق الحديث المتقدم اه. (قوله: ولو كانوا) أي الحاضرون لإقامة الجمعة. (قوله: قصر في التعلم) أي بأن أمكنه وتركه. (قوله: فينقصون) أي وإذا بطلت صلاته نقص العدد الذي هو شرط لصحة الجمعة. (قوله: أما إذا لم يقصر الأمي في التعلم) أي بأن لم يجد من يعلمه أو عجز عنه لبلادته. (قوله: فتصح الجمعة به) أي لعدم بطلان صلاته حينئذ. (قوله: كما جزم به شيخنا) عبارة شرح الإرشاد له ولو كانوا أربعين فقط وفيهم أمي قصر في التعلم لم تصح جمعتهم، لبطلان صلاته، فينقصون، فإن لم يقصر والامام قارئ صحت جمعتهم، كما لو كانوا أميين في درجة واحدة. اه. (قوله: تبعا لما جزم به شيخه في شرح الروض) عبارته مع الأصل: لا بأربعين وفيهم أمي واحد أو أكثر، لارتباط صحة صلاة بعضهم ببعض. فصار كاقتداء القارئ بالأمي. نقله الأذرعي عن فتاوى البغوي. وظاهر أن محله، إذا قصر الأمي في التعلم، وإلا فتصح الجمعة إن كان الإمام قارئا. اه. (قوله: ثم قال) أي شيخه. وقوله في شرح المنهاج، عبارته: فلو كانوا قراء إلا واحدا منهم فإنه أمي، لم تنعقد بهم الجمعة، كما أفتى به البغوي، لأن الجماعة المشروطة هنا للصحة صيرت بينهما ارتباطا كالارتباط بين صلاة الإمام والمأموم، فصار كاقتداء قارئ بأمي. وبه يعلم أنه لا فرق هنا بين أن يقصر الأمي في التعلم وأن لا، وأن الفرق بينهما غير قوي، لما تقرر من الارتباط المذكور على أن المقصر لا يحسب من العدد، لأنه إن أمكنه التعلم قبل خروج الوقت فصلاته باطلة، وإلا فالإعادة لازمة له، ومن لزمته لا يحسب من العدد، كما مر آنفا، فلا تصح إرادته هنا. اه. (قوله: لا فرق هنا) أي في عدم صحة الجمعة إذا كان فيهم أمي، واحترز به عن غير الجمعة من الصلوات فإنه يفصل فيه بين أن يقصر فلا يصح منه، وبين أن لا يقصر فيصح منه. (قوله: الفرق بينهما) أي بين المقصر وغيره. (قوله: ولو نقصوا) أي نقص الأربعون، بأن نوى أحدهم المفارقة، أو بطلت صلاته بخروج حدث منه. هذا إذا كان النقص في الركعة الأولى، وأما إذا كان في الركعة الثانية فلا بد أن يكون بالبطلان، أما بنية المفارقة فلا يضر لما مر أن الجماعة شرط في الركعة الأولى فقط. (قوله: بطلت) أي الجمعة فقط إن تعذر استئناف جمعة أخرى فيجب الظهر بناء على ما صلوه منها، وبطلت الصلاة من أصلها إن أمكن استئناف جمعة أخرى. ومحل بطلانها: حيث لم يكمل العدد قبل النقص، وإلا فلا تبطل، وإن لم يكن المكمل له سمع الخطبة، وحيث كان النقص بعد الرفع من الركوع. أما لو كان قبله فإن عاد واقتدى بالإمام قبل ركوعه، أو فيه وقد قرأ الفاتحة واطمأن مع الإمام استمرت جمعتهم. وعبارة زي: قوله ولو نقصوا فيها إلخ: شامل لما لو نقصوا في الركعة الأولى أو الثانية، وشامل لما إذا عادوا فورا أو لا، وهو كذلك، إلا في الركعة الأولى، فإنهم إذا عادوا فورا وكان قبل الركوع وأدركوا الفاتحة واطمأنوا قبل رفع الإمام رأسه عن أقل الركوع صحت جمعتهم اه. ملخصا. (قوله: أو في خطبة) أي أو نقصوا في خطبة، فالجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور قبله. (قوله: لم يحسب الخ) جواب لو المقدرة. (وقوله:

عادوا قريبا عرفا جاز البناء على ما مضى، وإلا وجب الاستئناف، كنقصهم بين الخطبة والصلاة، لانتفاء الموالاة فيهما. (فرع) من له مسكنان ببلدين، فالعبر بما كثرت فيه إقامته، فيما فيه أهله وماله. وإن كان بواحد أهل وبآخر مال، فبما فيه أهله، فإن استويا في الكل، فبالمحل الذي هو فيه حالة إقامة الجمعة. ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين، خلافا لابي حنيفة - رحمه الله تعالى - فتنعقد عنده بأربعة، ولو عبيدا أو مسافرين. ولا يشترط عندنا إذن السلطان لاقامتها ولا كون محلها مصرا، خلافا له فيهما. وسئل البلقيني عن أهل قرية لا يبلغ عددهم ـــــــــــــــــــــــــــــ ركن) أي من الخطبة. (وقوله: فعل) أي ذلك الركن. (وقوله: حال بعضهم) أي نقص الذين نقصوا. (قوله: لعدم سماعهم) أي الذين نقصوا. والسماع واجب، لقوله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * إذ المراد به الخطبة، كما قاله أكثر المفسرين. (وقوله: له) أي للركن المفعول حال غيبتهم. (قوله: فإن عادوا) أي عاد الذين نقصوا إلى الخطبة، وهو تفريع على عدم حسبان الركن المفعول حال نقصهم. (وقوله: قريبا عرفا) أي أن المعتبر في القرب العرف. قال البجيرمي: وضبطه الرافعي بما بين صلاتي الجمع، وهو دون ركعتين بأخف ممكن. (قوله: جاز البناء على ما مضى) أي قبل نقصهم، ولا بد من إعادة ما فعل حال نقصهم. (قوله: وإلا وجب الاستئناف) أي وإن لم يعودوا عن قرب، بل بعد طول الفصل عرفا، وجب استئناف الخطبة، وإن حصل النقص بعذر. وضبطوا طول الفصل بما يسع ركعتين بأخف ممكن. (وقوله: كنقصهم بين الخطبة والصلاة) أي فإنهم إن لم يعودوا قريبا عرفا وجب الاستئناف. (وقوله: لانتفاء الموالاة) علة لوجوب الاستئناف. (وقوله: فيهما) أي في الصورتين، هما نقصهم في أثناء الخطبة ونقصهم بينها وبين الصلاة. (قوله: فرع الخ) هذا الفرع مرتب على اشتراط التوطن. ولو قدمه وذكره في مبحث قوله متوطن لكان أنسب. (قوله: من له مسكنان ببلدين) أي كأهل القاهرة الذين يسكنون تارة بها، وأخرى بمصر القديم، أو ببولاق. وفي فتاوى شيخنا الشهاب الرملي: لو كان له زوجتان، كل واحدة منهما في بلدة يقيم عند كل يوما مثلا، انعقدت به في البلدة التي إقامته بها أكثر دون الأخرى. فإن استويا فيها انعقدت في البلدة التي ماله فيها أكثر، دون الأخرى. فإن استويا فيها اعتبرت نيته في المستقبل. فإن لم يكن له نية اعتبر الموضع الذي هو فيه. اه. وفيها أيضا فيمن سكن بزوجته في مصر مثلا، وبأخرى في الخانكاه مثلا، وله زراعة بينهما، ويقيم في الزراعة غالب نهاره، ويبيت عند كل منهما ليلة في غالب أحواله، أنه يصدق عليه أنه متوطن في كل منهما، حتى يحرم عليه سفره يوم الجمعة بعد الفجر لمكان تفوته به، إلا لخوف ضرر. اه. سم. (قوله: فالعبرة بما كثرعت فيه إقامته) ما هنا وفي جميع ما يأتي، يصح وقوعها على المسكن وعلى البلد، أي فالعبرة في انعقاد الجمعة بالشخص بالبلد أو المسكن الذي كثر إقامته فيه. (وقوله: فيما فيه أهله وماله) أي فإن استوت إقامته فيهما فالعبرة بالذي فيه أهله وماله. (قوله: وإن كان بواحد أهل) أي وإن كان له في بلد. (وقوله: وبآخر مال) أي وكان له في بلد آخر مال. (وقوله: فيما فيه أهله) أي فالعبرة بالبلد الذي فيه أهله. (قوله: فإن استويا) أي البلدان، أو المسكنان. (وقوله: في الكل) أي في كل ما مر، بأن استوت الإقامة فيهما، أو كان له في كل واحد منهما أهل ومال، أو في كل واحد أهل فقط أو مال فقط. (وقوله: فبالمحل إلخ) أي فالعبرة بالمحل الذي هو فيه حال إقامة الجمعة فتنعقد الجمعة به. (قوله: ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين) محترز قوله بأربعين. (قوله: خلافا لأبي حنيفة) أي في عدم اشتراط الأربعين. (قوله: فتنعقد) أي الجمعة. (وقوله: عنده) أي أبي حنيفة. (وقوله: بأربعة) أي مع الإمام. (وقوله: ولو عبيدا أو مسافرين) أي ولو كانت الأربعة عبيدا أو مسافرين فإنها تنعقد عنده بهم، فلا يشترط عنده الحرية ولا الاستطيان. نعم، يشترط عنده إذن السلطان في إقامتها، وأن يكون محلها مصرا، كما سيصرح به. (قوله: ولا يشترط عندنا إذن السلطان) عبارة الروض وشرحه: ولا يشترط حضور السلطان الجمعة ولا إذنه فيها - كسائر العبادات - لكن يستحب استئذانه فيها. اه. وعبارة ش ق: (واعلم) أن إقامة الجمعة لا تتوقف على إذن

أربعين، هل يصلون الجمعة أو الظهر؟ فأجاب - رحمه الله -: يصلون الظهر على مذهب الشافعي. وقد أجاز جمع من العلماء أن يصلوا الجمعة، وهو قوي، فإذا قلدوا - أي جميعهم - من قال هذه المقالة، فإنهم يصلون الجمعة. وإن احتاطوا فصلوا الجمعة ثم الظهر كان حسنا. (و) ثالثها: وقوعها (بمحل معدود من البلد) ولو بفضاء الظهر كان حسنا معدود منها، بأن كان في محل لا تقصر فيه ـــــــــــــــــــــــــــــ الإمام أو نائبه - باتفاق الأئمة الثلاثة خلافا لأبي حنيفة - وعن الشافعي والأصحاب، أنه يندب استئذانه فيها خشية الفتنة، وخروجا من الخلاف. أما تعددها: فلا بد فيه من الإذن، لأنه محل اجتهاد. اه. (قوله: ولا كون محلها مصرا) أي ولا يشترط كون محلها مصرا. وسيأتى محل اجتهاده. اه. (قوله: ولا كون محلها مصرا) أي ولا يشترط كون محلها مصرا. وسيأتي بيانه: (قوله: خلافا له فيهما) أي خلافا للإمام أبي حينفة في إذن السلطان لإقامتها وكون محلها مصرا، فيشترطهما. (قوله: وقد أجاز جمع من العلماء) أي غير الإمام الشافعي (1). وقد علمت اختلافهم في تعيين العدد الذي تنعقد به الجمعة. (قوله: وهو قوي) أي القول بالجواز قوي. (قوله: فإذا قلدوا) أي فلو لم يقلدوا لا تنعقد الجمعة. وقال بعضهم: اعلم أن أمر الجمعة عظيم، وهي نعمة جسيمة امتن الله بها على عباده. فهي من خصائصنا، جعلها الله محط رحمته، ومطهرة لآثام الأسبوع. ولشدة اعتناء السلف الصالح بها كانوا يبكرون لها على السرج. فاحذر أن تتهاون بها مسافرا أو مقيما، ولو مع دوهن أربعين بتقليد، والله يهدي من يشاء إلى صرط مستقيم. (قوله: أي جميعهم) بيان للواو، والذي يظهر عدم اشتراط تقليد جميعهم إذا كان المقلد - بفتح اللام - يقول باكتفائه في الجمعة. (قوله: من قال) مفعول قلدوا. (وقوله: هذه المقالة) وهي أنها تنعقد بدون الأربعين. (قوله: فإنهم يصلون الجمعة) المناسب أن يقول: يجوز تقليدهم إياه وتصح جمعتهم. (قوله: وإن احتاطوا) أي هؤلاء المقلدون (قوله: فصلوا إلخ) بيان للاحتياط. (وقوله: الجمعة) أي تقليدا. (وقوله: ثم الظهر) أي ثم بعد الجمعة صلوا الظهر على مذهبهم. (قوله: كان حسنا) جواب إن، واسم كان يعود على الاحتياط المفهوم من احتاطوا. (قوله: وثالثها) أي ثالث شروط صحة الجمعة. (وقوله: وقوعها) أي الجمعة. (وقوله: بمحل معدود من البلد) المراد بالبلد: أبنية أوطان المجمعين، سواء كانت بلدا أو قرية أو مصرا، وهو ما فيه حاكم شرعي، وحاكم شرطي، وأسواق للمعاملة. والبلد: ما فيه بعض ذلك. والقرية ما خلت عن ذلك كله. ولا فرق في الأبنية بين أن تكون بحجر، أو خشب، أو قصب، أو نحو ذلك. ومثل الأبنية: الغيران والسراديب في نحو الجبل، ولا فرق في المحل الذي تقام فيه الجمعة بين أن يكون مسجدا، أو ساحة مسقفة، أو فضاء معدودا من البلد، ولو انهدمت الأبنية وأقام أهلها عازمين على عمارتها صحت الجمعة استصحابا للأصل ولا تنعقد في غير بناء إلا في هذه الصورة، بخلاف ما لو نزلوا مكانا وأقاموا فيه ليعمروه قرية، فلا تصح جمعتهم فيه قبل البناء، استصحابا للأصل أيضا. ولا تصح من أهل خيام بمحلهم، لأنهم على هيئة المستوفزين، ولأن قبائل العرب كانوا حول المدينة، ولم يأمرهم - صلى الله عليه وسلم - بحضورها. نعم، لو كانوا يسمعون النداء من محلها لزمتهم فيه، تبعا لأهله. (قوله: ولو بفضاء) أي ولو كان

_ (1) (قوله: أي غير الأمام الشافعي) أي باعتبار مذهبه الجديد، فلا ينافي أن له قولين قديمين في العدد أيضا، أحگهما أقلهم أربعة، حكاه عنه صاحب التلخيص، وحكاه شرح المهذب واختاره من أصحابه المزني، كما نقله الأذرعي في القوت، وكفى به سلفا في ترجيحه، فإنه من كبار أصحاب الشافعي ورواة كتبه الجديدة. وقد رجحه أيضا أبو بكر بن المنذر في الاشراف، كما نقله النووي في شرح المهذب. ثانى القولين اثنا عشر. وهل يجوز تقليد أحد هذين القولين الجواب: نعم. فانه قول للامام، نصره بعض أصحابه ورجحه، وقولهم القديم لا يعمل به: محله ما لم يعضده الاصحاب ويرجحوه، وإلا صار راجحا من هذه الحيثية،، وان كان مرجوحا من حيث نسبته للامام. وقال السيوطي: كثيرا ما يقول أصحابنا بتقليد أبي حنيفة في هذه المسألة، إذ هو قول للشافعي قام الدليل على رجحانه. اه ز وحينئذ تقليد أحد هذين القولين أولى من تقليد أبي حنيفة. فتنبه. وقد ألفت رسالة تتعلق بجواز العمل القديم للإمام الشافعي - رضي الله عنه - في صحة الجمعة بأربعة، وبغير ذلك. فانظرها إن شئت. اه. مولف

الصلاة، وإن لم يتصل بالابنية، بخلاف محل غير معدود منها، وهو ما يجوز السفر القصر منه. (فرع) لو كان في قرية أربعون كاملون لزمتهم الجمعة، بل يحرم عليهم - على المعتمد - تعطيل محلهم من إقامتها، والذهاب إليها في بلد أخرى، وإن سمعوا النداء. قال ابن الرفعة وغيره: إنهم إذا سمعوا النداء من مصر، فهم مخيرون بين أن يحضروا البلد للجمعة، وبين أن يقيموها في قريتهم، وإذا حضروا البلد لا يكمل بهم العدد لانهم في حكم المسافرين، وإذا لم يكن في القرية جمع تنعقد بهم الجمعة - ولو بامتناع بعضهم ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوعها بفضاء، وهو من ذكر الخاص بعد العام، ولو حذف الباء وجعله غاية للمحل لكان أولى، أي ولو كان ذلك المحل فضاء. (قوله: بأن كان الخ) تصوير لعد المحل الذي تقام فيه الجمعة من البلد، أي ويتصور عده منها بأن يكون في محل لا تقصر فيه الصلاة، ويحتمل أن يكون تصويرا لعد الفضاء منها، أي ويتصور عده منها بأن يكون إلخ. واسم كان على الأول يعود على المحل، وعلى الثاني يعود على الفضاء. ويرد على الثاني: أنه لا معنى لكون الفضاء في محل، إذ هو عينه. وكذلك يرد على الأول إن فسر المحل العائد عليه اسم كان بالفضاء. فلو حذف قوله في محل، وقال بأن كان لا تقصر فيه الصلاة لكان أولى وأخصر. (قوله: وإن لم يتصل بالأبنية) أي فالضابط في المحل المعدود من البلد ما ذكر، وهو أن لا يكون بحيث تقصر فيه الصلاة قبل مجاوزته، سواء اتصل بالأبنية وانفصل عنها. وفي المغني ما نصه: قال الأذرعي: وأكثر أهل القرى يؤخرون المسجد عن جدار القرية قليلا، صيانة له عن نجاسة البهائم، وعدم انعقاد الجمعة فيه بعيد. وقول القاضي أبي الطيب: قال أصحابنا: لو بنى أهل البلد مسجدهم خارجها لم يجز لهم إقامة لجمعة فيه لانفصاله عن البناء، محمول على انفصال لا يعد به من القرية. اه. (قوله: بخلاف محل غير معدود منها) أي فإنه لا يصح وقوع الجمعة فيه، وهذا محترز قوله: بمحل معدود منها. (قوله: وهو) أي غير المعدود. وقوله ما يجوز السفر القصر منه: ما واقعة على المحل، والفعل مبني للفاعل، وواوه مشددة مكسورة، والسفر فاعله، والقصر مفعول أي أن المحل غير المعدود من البلد، ضابطه أنه لو سافر يجوز للمسافر أن يقصر منه. (قوله: فرع، لو كان في قرية إلخ) سئل ابن حجر - رحمه الله تعالى - عن بيت واحد فيه أربعون متوطنون بصفة من تلزمهم الجمعة، فهل يلزمهم إقامتها أولا؟ فأجاب بقوله: أفتى جمع يمنيون بعدم الوجوب أخذا من قولهم: الشرط أن تقام بين الأبنية، ولا أبنية هنا، وقياسا على أهل الخيام. وأفتى آخرون بوجوبها عليهم، وهذا هو الأوجه. اه. من الفتاوي. (وقوله: أربعون كاملون) بأن كانوا أحرارا ذكورا بالغين عاقلين متوطنين. (قوله: لزمتهم الجمعة) أي لإطلاق الأدلة. قال في التحفة: خلافا لأبي حنيفة. (قوله: بل يحرم إلخ) إضراب انتقالي. قال ع ش: ويجب على الحاكم منعهم من ذلك، ولا يكون قصدهم البيع والشراء في المصر عذرا في تركهم الجمعة في بلدتهم، إلا إذا ترتب عليه فساد شئ من أموالهم، أو احتاجوا إلى ما يصرفونه في نفقة ذلك اليوم الضرورية، ولا يكلفون الاقتراض. ا. هـ. (قوله: والذهاب) بالرفع، معطوف على تعطيل، أي ويحرم عليهم الذهاب إلى الجمعة. قال سم: ظاهره وإن كان الذهاب قبل الفجر، ثم قال: وقد يستدل على جواز الذهاب قبل الفجر - وإن تعطلت الجمعة - بعدم الخطاب قبل الفجر. ويجاب: بأن المراد أنه ليس لهم الذهاب والاستمرار إلى فواتها، بل يلزمهم العود في وقتها لفعلها. وقد مال م ر بعد البحث معه إلى امتناع الذهاب قبل الفجر بالمعنى المذكور (قوله وإن سمعوا) غاية في الحرمة. (وقوله: النداء) أي نداء البلد الأخرى. (قوله: قال ابن الرفعة) هذا مقابل المعتمد، وعلى القولين تسقط عنهم الجمعة لو فعلوا ذلك. إذ الإساءة على القول الأول لا تنافي الصحة. (قوله: من مصر) يفيد أنهم إذا سمعوه من بلد أو قرية لا يخيرون عنده. (وقوله: فهم مخيرون بين أن يحضروا البلد) يفيد أن المصر ليس بقيد، إلا أن يراد بالبلد خصوص المصر. فانظره. (قوله: وإذا حضروا) أي أهل القرية. (قوله: لا يكمل بهم العدد) أي إذا نقص عدد أهل البلد. وذلك لعدم استيطانهم، وهذا مبني على القولين. (قوله: وإذا لم يكن في القرية جمع تنعقد بهم الجمعة) النفي مسلط على القيد وهو تنعقد، أي وإذا كان في القرية جمع لا تنعقد

منها - يلزمهم السعي إلى بلد يسمعون من جانبه النداء. قال ابن عجيل: ولو تعددت مواضع متقاربة وتميز كل باسم، فلكل حكمه. قال شيخنا: إنما يتجه ذلك إن عد كل مع ذلك قرية مستقلة عرفا. (فرع) لو أكره السلطان أهل قرية إن ينتقلوا منها ويبنوا في موضع آخر، فسكنوا فيه وقصدهم العود إلى البلد الاول إذا فرج الله عنهم، لا تلزمهم الجمعة، بل لا تصح منهم، لعدم الاستيطان. ـــــــــــــــــــــــــــــ بهم، بأن يكونوا أقل من أربعين، أو كانوا أربعين لكن بعضهم ليس مستوطنا، أو امتنع من حضورها، كما يفيد هذا الغاية بعده. (وقوله: ولو بامتناع بعضهم منها) أي ولو انتفى انعقاد الجمعة بالجمع الذي في القرية بسبب امتناع بعض من تنعقد به من الجمعة، بأن يكون العدد المعتبر لا يكمل إلا به. قال سم: وتوقف في ذلك م ر وجوز ما هو الإطلاق من أنه حيث كان فيهم جمع تصح به الجمعة ثم تركوا إقامتها: لم يلزم من أرادها السعي إلى القرية التي يسمع نداءها، لأنه معذور في هذه الحالة لأنه ببلد الجمعة، والمانع من غيره. بخلاف ما إذا لم يكن فيهم جمع تصح به الجمعة، لأن كل أحد في هذه الحالة مطالب بالسعي إلى ما يسمع نداءه، وهو محل جمعته. اه. (قوله: يلزمهم السعي الخ) جواب إذا، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له، إلا من عذر. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: الجمعة على من سمع النداء. (وقوله: يسمعون) أي ولو بالقوة. (وقوله: من جانبه) أي من طرف البلد الذي يلي السامع. (وقوله: النداء) أي نداء شخص صيت عرفا يؤذن كعادته في علو الصوت وهو واقف بمستو، ولو تقديرا مع سكون الريح، لأنها تارة تعين على السمع، وتارة تمنعه، وسكون الصوت لأنه يمنع وصول النداء، واعتبر ما ذكر من الشروط، لأنه عند وجودها لا مشقة عليه في الحضور، بخلافه عند فقدها، أو فقد بعضها. وأفهم قولنا بمستو ولو تقديرا: أنه لو علمت قرية سمعوا النداء، ولو استوت لم يسمعوا، أو انخفضت فلم يسمعوا ولو استوت لسمعوا: وجبت في الثانية، دون الأولى لتقدير الاستواء. (قوله: مواضع متقاربة) أي قرى متقاربة. (قوله: وتميز كل باسم) أي بأن يكون لكل موضع اسم مخصوص. (قوله: فلكل حكمه) أي فلكل موضع من هذه المواضع حكم مختص به، فإن كان كل موضع مشتملا على أربعين كاملين لزمتهم الجمعة وإلا فلا تلزمهم، وإن كان لو اجتمعوا كلهم في موضع واحد يبلغون أربعين، وإن سمع أهل كل موضع نداء الآخر. (قوله: قال شيخنا) أي في التحفة. (قوله: إنما يتجه ذلك) أي كون كل موضع له حكم مستقل. (قوله: إن عد كل مع ذلك) أي مع تميز كل باسم قرية مستقلة، فإن لم يعد كل مع ذلك قرية مستقلة كالمواضع، المتعددة بمكة المسماة بالحواير، فإن كل موضع له اسم مخصوص كالشبيكة والشامية، فليس لكل حكم مخصوص، بل الكل حكمه حكم موضع واحد وعيارة فتاوي. ولم يقيد ابن حجر في فتاويه بهذا القيد، ونص عبارته. (سئل) رحمه الله تعالى عن بلد تسمى راون بها ثلاث قرى مفصولة مختصة كل قرية باسم وصفة بين كل قرية أقل من خمسين ذراعا فبنوا مسجد لإقامة الجمعة في خطة أبنية أوطان المجمعين فصلوا فيه مدة طويلة، فحصل بينهم مقاتلة فانفردت قرية من الثلاثة بجمعة، وأهل القريتين بنوا مسجدا ثانيا بجمعة أخرى. فهل يلزمهم أن يجتمعوا بجمعة واحدة وتبطل الأخرى بوجود الأمان بينهم أو لا؟ (فأجاب) نفع الله به: حيث كانت القرى المذكورة يتمايز بعضها عن بعض، وكان في كل قرية أربعون من أهل الجمعة، خرجوا عن عهدة الواجب، وصحت جمعتهم، سواء المتقدمة والمتأخرة الخ. (قوله: لو أكره السلطان) مثله نائبه. (قوله: أهل قرية) أي أو أهل بلد. (قوله: أن ينتقلوا) المصدر المؤول مجرور بعلى مقدرة متعلقة بأكره، أي أكرههم على الانتقال. (وقوله: منها) أي من قريتهم. (قوله: ويبنوا) معطوف على ينتقلوا، أي وأكرههم على أن يبنوا. (قوله: فسكنوا فيه) مرتب على محذوف، أي فامتثلوا أمره وانتقلوا إلى الموضع الآخر وبنوا فيه وسكنوا وهم مكرهون. (قوله: وقصدهم العود) أي والحال أن قصدهم العود، فالجملة حال من واو سكنوا. (قوله: إلى البلد الأول) المناسب أن يقول إلى قريتهم، كما هو ظاهر. (قوله: إذا إلخ) متعلق بالعود. (قوله: لا تلزمهم الجمعة) أي في الموضع المنقول

(و) رابعها: وقوعها (في وقت ظهر) فلو ضاق الوقت عنها وعن خطبتيها، أو شك في ذلك، صلوا ظهرا، ولو خرج الوقت يقينا، أو ظنا، وهم فيها، ولو قبيل السلام، وإن كان ذلك بإخبار عدل، على الاوجه، وجب الظهر، بناء على ما مضى، وفاتت الجمعة، بخلاف ما لو شك في خروجه، لان الاصل بقاؤء. ومن شروطهما أن لا يسبقها بتحرم، ولا يقارنها فيه جمعة بمحلها، إلا أن كثر أهله، وعسر اجتماعهم بمكان واحد منه - ولو غير ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه. وهذا جواب لو. قال ع ش: لو سمعوا النداء من قرية أخرى وجب عليهم السعي إليها. اه. (قوله: بل لا تصح منهم) أي لا تنعقد منهم لو أقاموها في الموضع الذي انتقلوا إليه. والإضراب انتقالي. (قوله: لعدم الاستطيان) أي في الموضع الذي انتقلوا إليه، وهذا تعليل لعدم الصحة بمعنى الانعقاد، (قوله: ورابعها) أي شروط صحة الجمعة. (وقوله: وقوعها في وقت ظهر) أي بأن يبقى منه ما يسعها مع الخطبتين، وذلك للاتباع. رواه البخاري، وعليه جرى الخلفاء الراشدون فمن بعدهم. قال في المغنى: وقال الإمام أحمد بجوازها قبل الزوال، ويدل لنا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الجمعة حين تزول الشمس رواه البخاري. اه. (قوله: فلو ضاق الوقت عنها وعن خطبتيها) أي عن أقل مجزئ من خطبتيها وركعتيها، بأن لم يبق منه ما يسع ذلك. (وقوله: أو شك) أي قبل الاحرام. (وقوله: في ذلك) أي في ضيق الوقت أي شك هل بقي وقت يسعهما أم لا؟ (قوله: صلوا ظهرا) أي وأحرموا بها، فلا يصح إحرامهم بالجمعة لفوات الوقت، ولو علق في صورة الشك فتوى الجمعة إن بقي الوقت، وإلا فالظهر فبان بقاؤه صحت نيته، ولا يضر هذا التعليق، لاستناده إلى أصل بقاء الوقت، كما لو نوى صوم غد ليلة الثلاثين من رمضان إن كان منه. وخالف فيه ابن حجر. (قوله: ولو خرج الوقت يقينا أو ظنا) قافل البجيرمي: عبارة ابن شرف: فإن خرج الوقت، أي يقينا لا ظنا، حتى لو ظن أن الوقت لا يسعها لم تنقلب ظهرا إلا بعد خروجه. اه. (قوله: وهم فيها) الجملة حال من فاعل خرج، أي خرج وقتها، والحال أنهم في أثناء الصلاة. (قوله: ولو قبيل السلام) أي ولو كان خروج الوقت حصل قبيل السلام، أي التسليمة الأولى، أي أو عندها. (قوله: وإن كان ذلك) أي الخروج أي العلم به. (وقوله: بإخبار عدل) أي وألحق بالعدل الفاسق إذا وقع في القلب صدقة. (قوله: وجب الظهر بناء على ما مضى) أي وجب أن يتموها ظهرا حال كونهم باقين على ما فعلوا منها، ولا يعيدونها من أولها. وإتمامها ظهرا بناء متحتم لأنهما صلاتا وقت واحد، فوجب بناء أطولهما على أقصرهما، كصلاة الحضر مع السفر، ولا يجوز الاستئناف، لأنه يؤدي إلى إخراج بعض الصلاة عن الوقت مع القدرة على إيقاعها فيه. وكتب سم ما نصه: قوله: وجب الظهر بناء. ينبغي تصوير المسألة بما إذا أحرم بها في وقت يسعها، لكنه طول حتى خرج الوقت، أما لو أحرم بها في وقت لا يسعها جاهلا بأنه لا يسعها: فالوجه عدم انعقادها جمعة. وهل تنعقد ظهرا أو نفلا مطلقا؟ فيه نظر. والثاني أوجه، لأنه أحرم بها في وقت لا يقبلها، فهو كما لو أحرم قبل الوقت جاهلا. فليتأمل. اه. (قوله: وفاتت الجمعة) أي لامتناع الابتداء بها بعد خروج وقتها، ففاتت بفواته كالحج. اه. تحفة. (قوله: بخلاف ما لو شك) أي وهم في أثناء الصلاة. وهذا محترز قوله يقينا أو ظنا. (وقوله: في خروجه) أي الوقت. (وقوله: لأن الأصل بقاؤه) تعليل المحذوف، أي فلا يضر، لأن الأصل بقاء الوقت. أي ولأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. وبه فارق الشك قبل الإحرام، فإنه يضر، كما مر. (قوله: ومن شروطها) أي صحة الجمعة. وهذا هو الشرط السادس كما مر التنبيه عليه. (وقوله: أن لا يسبقها بتحرم ولا يقارنها) الفعلان تنازعا قوله جمعة. والعبرة بتمام التحرم وهو الراء من أكبر. فلو سبقها به جمعة. صحت الجمعة السابقة لاجتماع شرائطها، واللاحقة باطلة، فيجب أن تصلى ظهرا. أو قارنها جمعة أخرى يقينا أو شكا بطلت الجمعتان، لأن إبطال إحداهما ليس بأولى من الأخرى، فوجب إبطالهما. ولأن الأصل في صورة الشك عدم جمعة مجزئة. ويجب حينئذ استئنافها جمعة إن وسع الوقت، وإلا وجب أن يصلوا ظهرا، فإن سبقت إحداهما والتبست بالأخرى، كأن سمع مريضان أو مسافران خارج المسجد تكبيرتين مثلا فأخبرا بذلك ولم يعرفا المتقدمة ممن وقعت، صلوا كلهم ظهرا. (والحاصل) لهذه المسألة خمسة أحوال

مسجد - من غير لحوق مؤذ فيه، كحر وبرد شديدين، فيجوز حينئذ تعددها للحاجة بحسبها. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحالة الأولى: أن يقعا معا، فيبطلان، فيجب أن يجتمعوا أو يعيدوها جمعة عند اتساع الوقت. الحالة الثانية: أن يقعا مرتبا، فالسابقة هي الصحيحة، واللاحقة باطلة، فيجب على أهلها صلاة الظهر. الحالة الثالثة: أن يشك في السبق والمعية، فيجب عليهم أن يجتمعوا أو يعيدوها جمعة عند اتساع الوقت، لأن الأصل عدم وقوع جمعة مجزئة في حق كل منهم. الحالة الرابعة: أن يعلم السبق ولم تعلم عين السابقة، فيجب عليهم الظهر، لأنه لا سبيل إلى إعادة الجمعة مع تيقن وقوع جمعة صحيحة في نفس الأمر. لكن لما كانت الطائفة التي صحت جمعتها غير معلومة وجب عليهم الظهر. الحالة الخامسة: أن يعلم السبق، وتعلم عين السابقة، لكن نسيت، وهي كالحالة الرابعة. (وقوله: بمحلها) متعلق بمحذوف صفة جمعة أي جمعة تقام في محل الجمعة الأخرى. ولا فرق في المحل المذكور بين أن يكون بلدة أو مصرا أو قرية. (لطيفة) سئل الشيخ الرملي - رحمه الله - عن رجل قال: أنتم يا شافعية خالفتم الله ورسوله، لأن الله تعالى فرض خمس صلوات، وأنتم تصلون ستا بإعادتكم الجمعة ظهرا، فماذا يترتب عليه في ذلك؟ (فأجاب) بأن هذا الرجل كاذب فاجر جاهل. فإن اعتقد في الشافعية أنهم يوجبون ست صلوات بأصل الشرع كفر، وأجري عليه أحكام المرتدين، وإلا استحق التعزير اللائق بحاله، الرادع له ولأمثاله عن ارتكاب مثل قبيح أفعاله. ونحن لا نقول بوجوب ست صلوات بأصل الشرع، وإنما تجب إعادة الظهر إذا لم يعلم تقدم جمعة صحيحة، إذ الشرط عندنا أن لا تتعدد في البلد إلا بحسب الحاجة، ومعلوم لكل أحد أن هناك فوق الحاجة، وحينئذ من لم يعلم وقوع جمعته من العدد المعتبر وجبت عليه الظهر، وكان كأنه لم يصل جمعة، وما انتقد أحد على أحد من الأئمة إلا مقته الله تعالى - رضوان الله عليهم أجمعين -. (قوله: إلا إن كثر أهله) أي أهل ذلك المحل. (قوله: وعسر اجتماعهم إلخ) هذا ضابط الكثرة، أي كثروا بحيث يعسر اجتماعهم، أي اجتماع من يحضرون بالفعل عند سم، ولو كانوا أرقاء وصبيانا ونساء، حتى لو كانوا ثمانين مثلا وعسر اجتماعهم في مكان واحد بسبب واحد منهم فقط، بأن سهل اجتماع ما عدا واحد جاز التعدد. والذي استوجهه ابن حجر: أن العبرة في العسر بمن يغلب فعلهم لها، سواء لزمتهم أم لا، حضروا بالفعل أم لا. وقيل: العبرة بأهل البلد كلهم. وهذا هو ظاهر عبارة الشارح. وقيل: العبرة بالذين تنعقد بهم الجمعة. وكلاهما بعيد، كما نص عليه في التحفة. (قوله: بمكان واحد منه) أي من محل الجمعة. (قوله: ولو غير مسجد) أي ولو كان ذلك المكان غير مسجد. وأفاد بهذه الغاية أنه لا يشترط في المكان الذي يعسر اجتماعهم فيه أن يكون مسجدا، بل الشرط أنه لا يكون في البلد محل يسعهم للصلاة فيه ولو كان فضاء، فمتى كان في البلد محل يسعهم امتنع التعدد. قال البجيرمي: ويعلم من هذا أن غالب ما يقع من التعدد غير محتاج إليه، إذ كل بلد لا يخلو غالبا عن محل يسع الناس، ولو نحو خرابة، وحريم البلد. اه. (قوله: من غير لحوق مؤذ) متعلق باجتماعهم، أي اجتماعهم من غير لحوق مؤذ متعسر. وعبارة غيره: وعسر اجتماعهم بأن لم يكن في محل الجمعة موضع يسعهم بلا مشقة. اه. (وقوله: فيه) أي ذلك المكان الذي يجتمعون فيه. (قوله: كحر وبرد شديدين) تمثيل للمؤذي. (قوله: فيجوز الخ) جواب إن الشرطية، وإنما جاز ذلك حين إذ عسر الاجتماع في مكان واحد، لأن الشافعي - رضي الله تعالى عنه - دخل بغداد وأهلها يقيمون بها جمعتين، وقيل ثلاثا، فلم ينكر عليهم، فحمله الأكثرون على عسر الاجتماع. وقال الروياني: ولا يحتمل مذهب الشافعي غيره. وقال الصيمري، وبه أفتى المزني بمصر: ولكن ظاهر النص منع التعدد مطلقا. وعليه اقتصر الشيخ أبو حامد ومتابعوه. (وقوله: تعددها للحاجة) فإن كان التعدد زائدا على الحاجة فتصح السابقات إلى أن تنتهي الحاجة ثم تبطل الزائدات. ومن شك أنه من الأولين، أو من الآخرين، أو في أن التعدد لحاجة أولا، لزمته إعادة الجمعة. (وقوله: بحسبها) أي بقدرها، أي الحاجة. (قوله:

(فرع) لا يصح ظهر من لا عذر له قبل سلام الامام، فإن صلاها جاهلا انعقدت نفلا، ولو تركها أهل بلد فصلوا الظهر لم يصح، ما لم يضق الوقت عن أقل واجب الخطبتين والصلاة، وإن علم من عادتهم أنهم لا يقيمون الجمعة. (و) خامسها: (وقوعها) أي الجمعة، (بعد خطبتين) بعد زوال، لما في الصحيحين: أنه (ص) لم يصل ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يصح ظهر من لا عذر قبل سلام الإمام) أي من الجمعة. ولو بعد رفعه من ركوع الثانية لتوجه فرضها عليه بناء على الأصح أنها الفرض الأصلي، وليست بدلا عن الظهر. وبعد سلام الإمام يلزمه فعل الظهر على الفور، وإن كانت أداء لعصيانه بتفويت الجمعة، فأشبه عصيانه بخروج الوقت. وخرج بقوله من لا عذر له، من له عذر، فيصح له ذلك قبل سلام الإمام. وتسن الجماعة في ظهره مع الإخفاء إن خفي العذر، لئلا يتهم بالرغبة عن صلاة الإمام أو صلاة الجمعة. أما ظاهر العذر كالمرأة، فيسن لها الإظهار، لانتفاء التهمة، ولو صلى الظهر ثم زال عذره وأمكنته الجمعة لم تلزمه، بل تسن له، إلا أن كان خنثى واتضح بالذكورة، فتلزمه. (قوله: فإن صلاها جاهلا) أي بعدم صحتها قبل سلام الإمام. (قوله: انعقدت نفلا) أي ووجب عليه فعلها ظهرا فورا. كما مر. (قوله: ولو تركها أهل بلد) أي ترك الجمعة أهل بلد، والحال أنها تلزمهم لاستكمالهم شروطها. (قوله: لم يصح) أي ظهرهم لتوجه فرض الجمعة عليهم، كما مر. (قوله: ما لم يضق الوقت إلخ) فإن ضاق عن ذلك صح ظهرهم، ليأسهم من الجمعة حينئذ. (قوله: وإن علم من عادتهم الخ) لا يظهر ارتباطه بما قبله. وعبارة التحفة: (تنبيه) أربعون كاملون ببلد علم من عادتهم أنهم لا يقيمون الجمعة. فهل لمن تلزمه إذا علم ذلك أن يصلي الظهر وإن لم ييأس من الجمعة؟ قال بعضهم: نعم، إذ لا أثر للمتوقع. وفيه نظر. بل الذي يتجه لا، لأنها الواجب أصالة المخاطب بها يقنيا فلا يخرج عنه إلا باليأس يقينا، الخ. اه. إذا علمت ذلك تعلم إن قوله وإن علم إلخ، كلام مستأنف، وأن في العبارة سقطا، ولو أسقطها من أصلها - كما في الفتح - لكان أولى. وعبارته: ولو تركها أهل بلد وصلوا الظهر لم يصح، إلا إن ضاق الوقت عن أقل واجب الخطبتين والركعتين. اه. (قوله: وخامسها) أي شروط صحة الجمعة. (قوله: بعد خطبتين) متعلق بوقوعها. (قوله: بعد زوال) متعلق بمحذوف صفة لخطبتين، أي واقعتين بعد زوال. (قوله: لما في الصحيحين إلخ) دليل لاشتراط وقوعها بعدهما. وورد أيضا عن ابن عمر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة خطبتين، يجلس بينهما وكونهما قبل الصلاة بالإجماع مع خبر: صلوا كما رأيتموني أصلي. ولم يصل - صلى الله عليه وسلم - إلا بعدهما. قال في المجموع: ثبتت صلاته - صلى الله عليه وسلم - بعد خطبتين، وكانتا في صدر الإسلام بعد الصلاة، فقدم دحية الكلبي بتجارة من الشام والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب للجمعة، وكانوا يستقبلون العير بالطبل والتصفيق، فانفضوا إلى ذلك وتركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قائما، ولم يبق منهم إلا اثنا عشر - وقيل ثمانية، وقيل أربعون - فقال: والذي نفسي بيده لو انصرفوا جميعا لأضرم الله عليهم الوادي نارا. ونزلت الآية: * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) * (1) الآية: وخص مرجع الضمير بالتجارة لأنها المقصودة، وقيل في الآية حذف، والتقدير: أو لهوا انفضوا إليه. وحولت الخطبة حينئذ. (فائدة) جملة الخطب المشروعة عشرة: خطبة الجمعة، وخطبة عيد الفطر، وخطبة عيد الأضحى، وخطبة الكسوف للشمس، وخطبة الخسوف للقمر، وخطبة الاستسقاء. وأربع في الحج: إحداهما بمكة في يوم السابع من ذي الحجة المسمى يوم الزينة ثانيتها بنمرة في يوم التاسع المسمى يوم عرفة ثالثتها بمنى في اليوم العاشر المسمى يوم النحر،

_ الجمعة: 11

الجمعة إلا بخطبتين (بأركانهما) أي يشترط وقوع صلاة الجمعة بعد خطبتين مع إتيان أركانهما الآتية، (وهي) خمسة. أحدها: (حمد الله تعالى). ـــــــــــــــــــــــــــــ رابعتها بمنى في الثاني عشر المسمى يوم النفر الأول. وكلها بعد الصلاة، إلا خطبتي الجمعة وعرفة فقبلها. وما عدا خطبة الاستسقاء، فتجوز قبل الصلاة وبعدها، وكلها ثنتان، إلا الثلاثة الباقية في الحج، ففرادى. وقد نظمها بعضهم في قوله: يا سائلي عن خطب مشروعة * * فتلك عشرة أتت مجموعة لجمعة حتما وللكسوف * * سنت، وللعيدين كالخسوف كذاك لاستسقائهم من جدب * * وأربع في الحج إذ تلبي ووقت أولاهن من ذي الحجة * * بسابع وفعلها بمكة وتلوها خطبتهم بنمره * * في التاسع الموسوم يوم عرفه وفي منى في عاشر الأيام * * وذاك يوم النحر والإطعام وفي منى تزاد في الثاني عشر * * في يوم نفر أول لمن نفر وكلها بعد الصلاة تفعل * * إلا التي لجمعة تحصل فقبلها كذا التي بعرفه * * في تاسع الحجة يا من عرفه وما عدا خطبة الاستسقاء * * فقبل أو بعد على السواء وكلها ثنتان تأتي غير ما * * في الحج فالإفراد فيها التزما واستثن منها خطبة المعرف: * * فهي تثنى مثل تلك فاعرف ويسن في الخطبتين كونهما على منبر، فإن لم يكن فعلى مرتفع. ويسن للخطيب أن يسلم على من عند المنبر أو المرتفع، وأن يقبل عليهم، إذا صعد المنبر أو نحوه وانتهى إلى الدرجة التي تسمى بالمستراح، وأن يسلم عليهم، ثم يجلس، فيؤذن واحد - للاتباع - في الجميع. ويسن أن تكون الخطبة فصيحة، جزلة، قريبة للفهم، لا مبتذلة، ركيكة، ولا غريبة وحشية إذ لا ينتفع بها أكثر الناس، متوسطة، لأن الطول يمل، والقصر يخل. ولا ينافي ذلك خبر مسلم أطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة لأن المراد قصرها بالنسبة للصلاة، مع كونا متوسطة في نفسها، وأن لا يلتفت في شئ منها بل يستمر مقبلا عليهم إلى فراغها. (قوله: بأركانهما) متعلق بمحذوف صفة لخطبتين أيضا، والباء بمعنى مع، كما يستفاد من تفسيره الآتي. والمصاحبة من مصاحبة الكل لبعض أجزائه، إذ الخطبتان اسم للأركان، وما زاد عليها من الآداب والمواعظ. (قوله: أي يشترط الخ) أفاد بهذا التفسير أن باء بأركانهما بمعنى مع، ولو قال أي مع الإتيان بأركانهما لكان أخصر. (قوله: وهي خمسة) أي أركانها خمسة أي إجمالا، وإلا فهي ثمانية تفصيلا، لتكرر الثلاثة الأول فيهما. وقد نظمها بعضهم في قوله: وخطبة أركانها قد تعلم * * خمس تعد - يا أخي - وتفهم حمد الإله، والصلاة الثاني * * على نبي جاء بالقرآن وصية، ثم الدعا للمؤمنين * * وآية من الكتاب المستبين (قوله: أحدها) أي الخمسة. (وقوله: حمد الله) أي ولو في ضمن آية، كما في قوله تعالى: * (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور) * (1) حيث قصد الحمد فقط، فإن قصد قراءة الآية، أو قصدهما معا، أو أطلق، كفت عن قراءة الآية، ولا تكفي عنها وعن الحمد فيما لو قصدهما معا، لأن الشئ لا يؤدي به فرضان مقصودان.

_ : الانعام 1

(و) ثانيها: (صلاة على النبي) (ص) (بلفظهما): أي حمد الله والصلاة على رسول الله (ص)، كالحمد لله، أو أحمد الله، فلا يكفي: الشكر لله، أو الثناء لله، ولا: الحمد للرحمن، أو للرحيم، وكاللهم صل، أو صلى الله، أو أصلي على محمد، أو أحمد، أو الرسول، أو النبي أو الحاشر أو نحوه فلا يكفي: اللهم سلم على محمد وارحم محمدا، ولا صلى الله عليه، بالضمير. وإن تقدم له ذكر يرجع إليه الضمير، كما صرح به جمع محققون. وقال الكمال الدميري: وكثيرا ما يسهو الخطباء في ذلك. انتهى. فلا تغتر بما تجده مسطورا في بعض الخطب النباتية على خلاف ما عليه محققو المتأخرين. (و) ثالثها: (وصية بتقوى الله) ولا يتعين لفظها ولا تطويلها، بل يكفي نحو أطيعوا الله - مما فيه حث على ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجري هذا التفصيل فيما لو أتى بآية تتضمن الوصية بالتقوى. (قوله: وثانيها) أي أركان الخطبتين. (وقوله: صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي لأن الخطبة عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى، فافتقرت إلى ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما في دلائل النبوة للبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله تعالى: جعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي. (قوله: بلفظهما) وهو متعين، لكن من حيث المادة، وإن لم تكن مصدرا، فشمل المشتق، نحو أنا حامد لله، وأحمد الله، وأنا مصل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أصلي علي رسول الله. ولفظ الجلالة متعين ولا يتعين لفظ محمد، كما يستفاد من كلامه. وإنما تعين لفظ الجلالة دون لفظ محمد، لأن لفظ الجلالة له مزية على سائر أسمائه تعالى، لاختصاصه به تعالى اختصاصا تاما. ويفهم منه عند ذكره سائر صفات الكمال، ولا كذلك لفظ محمد. (قوله: كالحمد لله الخ) تمثيل للفظ الحمد، لكن باعتبار المادة، وإلا لم يصح المثال الثاني. (قوله: فلا يكفي: الشكر لله) أي لعدم الإتيان بلفظ الحمد، وإن كان مرادفا له. (وقوله: ولا الحمد للرحمن) أي من غير إضافته للفظ الجلالة المشروطة، كما علمت. (قوله: وكاللهم صل الخ) تمثيل للفظ الصلاة، لكن باعتبار المادة أيضا، كما علمت. (قوله: أو نحوه) أي ما ذكر من بقية أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم -: كالبشير، والنذير. وتقدم أنه يتعين في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير لفظ محمد، ولا يجزئ غيره من بقية أسمائه - صلى الله عليه وسلم -. والفرق أن الخطبة أوسع بابا من الصلاة. (قوله: فلا يكفي اللهم سلم الخ) أي لعدم الإتيان بلفظ الصلاة. (قوله: ولا صلى الله عليه - بالضمير -) أي ولا يكفي صلى الله عليه، بالإتيان بالضمير بدل الاسم الظاهر، قياسا على التشهد. (قوله: وإن تقدم الخ) غاية في عدم الاكتفاء بالضمير. أي لا يكفي ذلك، وإن تقدم للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الكلام ذكر، أي اسم يرجع إليه الضمير. (قوله: كما صرح به) أي بعدم الاكتفاء بالضمير. (قوله: في ذلك) أي في الإتيان بالضمير في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة. (قوله: فلا تغتر بما تجده مسطورا) أي من الإتيان بالضمير. (قوله: على خلاف إلخ) أي حال كون الذي تجده مسطورا كائنا على خلاف ما عليه محققو المتأخرين من عدم الإكتفاء بالضمير. (قوله: وثالثها) أي أركان الخطبتين. (قوله: وصية بتقوى الله) فلا يكفي التحذير من الدنيا وغرورها، بل لا بد من الحث على الطاعة، والزجر عن المعصية. كما سيذكره. (قوله: ولا يتعين لفظها) أي الوصية بالتقوى، لأن الغرض الوعظ، والحمل على طاعة الله، فيكفي ما دل على الموعظة، طويلا كان أو قصيرا، كأطيعوا الله، وراقبوه. وفي المغني ما نصه: (تنبيه) قوله: ولا يتعين لفظها: يحتمل أن مراده لا يتعين لفظ الوصية، وهو عبارة الروضة، فيكون لفظ التقوى لا بد منه، وهذا أقرب إلى لفظه. ويحتمل أن مراده ولا يتعين واحد من اللفظين، لا الوصية ولا التقوى، وهو ما قررت به كلامه، تبعا للشارح. وجزم الأسنوي باحتمال الأول، ففسر به لفظ المصنف. قال بعض المتأخرين: ويمكن أن يكون مراده ما في الروضة: أن الخلاف في لفظ الوصية، ولا يجب لفظ التقوى قطعا. ويؤيده ما نقلاه عن الإمام وأقراه، أنه يكفي أن يقول أطيعوا الله. اه. (قوله: ولا تطويلها) أي ولا يتعين طول الكلام في الوصية، بل يكفي ما يدل على الموعظة، طويلا كان أو قصيرا، كما علمت. (قوله: بل يكفي الخ) الإضراب انتقالي، والمناسب أن يقول فيكفي إلخ، لأن المقام للتفريع. (قوله: مما فيه حث الخ) بيان لنحو أطيعوا الله.

طاعة الله، أو زجر عن معصية، لانها المقصود من الخطبة، فلا يكفي مجرد التحذير من غرور الدنيا، وذكر الموت وما فيه من الفظاعة والالم. قال ابن الرفعة: يكفي فيها ما اشتملت على الامر بالاستعداد للموت. ويشترط أن يأتي بكل من الاركان الثلاثة (فيهما)، أي في كل واحدة من الخطبتين. ويندب أن يرتب الخطيب الاركان الثلاثة، وما بعدها، بأن يأتي أولا بالحمد، فالصلاة، فالوصية، فبالقراءة، فبالدعاء. (و) رابعها: (قراءة آية) مفهمة (في إحداهما)، وفي الاولى أولى. وتسن - بعد فراغها - قراءة ق أو بعضها في كل جمعة، للاتباع. ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله: أو زجز إلخ) التعبير يفيد أنه لا يشترط الجمع بين الحث على الطاعة والزجر عن المعصية، بل يكفي أحدهما، وهو كذلك. كما صرح به في التحفة، وعلله بلزوم أحدهما للآخر. (قوله: لأنها المقصود من الخطبة) علة لإيجاب الوصية بالتقوى، وكان الأولى أن يقدمها على قوله: ولا يتعين لفظها، كما في التحفة. (قوله: فلا يكفي الخ) مفرع على اشتراط الوصية بالتقوى، وإنما لم يكف ذلك لأنه معلوم حتى عند الكافر. (وقوله: وذكر الموت) بالجر معطوف على التحذير، أي ولا يكفي مجرد ذكر الموت. (وقوله: وما فيه) معطوف على الموت، وضمير فيه يعود عليه. (قوله: قال ابن الرفعة يكفي فيها) أي الوصية بالتقوى. (وقوله: ما إلخ) أي صيغت اشتملت على الأمر بالاستعداد للموت، بأن يقال: استعدوا أو تأهبوا للموت. وذلك لأن الاستعداد له إنما يكون بفعل الطاعات وترك المحرمات، فالأمر به يستلزم الحث على طاعة الله والزجر عن معصية الله، بخلاف ذكر الموت، وما فيه من الفظاعة والألم، فإنه لا يكفي فيها، لأنه لا يفيد حثا على الطاعة، ولا زجرا عن المعصية. (واعلم) أن التقوى عبارة عن امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، ظاهرا وباطنا، مع استشعار التعظيم لله، والهيبة والخشية والرهبة من الله، وهي وصية الله رب العالمين للأولين والآخرين. قال الله تعالى: * (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) * (1) فما من خير عاجل ولا آجل، ظاهر ولا باطن، إلا والتقوى سبيل موصل إليه ووسيلة مبلغة له. وما من شر عاجل ولا آجل، ظاهر ولا باطن إلا والتقوى حرز حريز وحصن حصين للسلامة منه، والنجاة من ضرره. وكم علق الله العظيم في كتابه العزيز على التقوى من خيرات عظيمة وسعادات جسيمة، رزقنا الله التقوى والاستقامة، وأعاذنا من موجبات الندامة، بجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - المظلل بالغمامة. (قوله: ويشترط أن يأتي الخ) أي لأن كل خطبة مستقلة ومنفصلة. (وقوله: بكل من الأركان الثلاثة) وهي الحمدلة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والوصية بالتقوى. (وقوله: فيهما) متعلق بيأتي. (ويندب أن يرتب الخطيب الخ) وإنما لم يجب لحصول المقصود بدونه وقال بالوجوب الرافعي والماوردي وقوله وما بعدها أي وما بعد الأركان الثلاثة من القراءة والدعاء (قوله بأن يأتي إلخ) تصوير للترتيب (قوله أو لا) لو حذفه ما ضره (قوله: فبالقراءة) أي فيأتي بالقراءة، ولو حذف الباء هنا وفيما بعد لكان أخصر. (قوله: ورابعها) أي أركان الخطبتين. (قوله: قراءة آية) أي سواء كانت وعدا، أم وعيدا، أم حكما، أم قصة. ومثلها بعض آية طويلة - على ما قاله الإمام واعتمده م ر - وخالف في التحفة - فقال: لا يكتفي ببعض آية وإن طال. (وقوله: مفهمة) أي معنى مقصودا كالوعد والوعيد. وخرج به ثم نظر أو ثم عبس لعدم الإفهام، وإنما اشترط الإفهام هنا، لأن المقصود الوعظ، بخلاف العاجز عن الفاتحة: لا يشترط في الإتيان ببدلها الإفهام، بل إذا حفظ آية غير مفهمة - ولو منسوخة الحكم فقط دون التلاوة - كفت قراءتها. وفي سم: هل تجزئ الآية مع لحن يغير المعنى؟ فيه نظر. وقد يتجه عدم الإجزاء، والتفصيل بين عاجز انحصر الأمر فيه وغيره اه. (قوله: في إحداهما) أي لثبوت أصل القراءة من غير تعيين محلها، فدل على الاكتفاء بها في إحداهما. اه. تحفة. (قوله: وفي الأولى أولى) أي وكون قراءة الآية في الخطبة الأولى، أي بعد فراغها، أولى من كونها في الخطبة الثانية، لتكون في

_ (1) النساء: 131

(و) خامسها: (دعاء) أخروي للمؤمنين إن لم يتعرض للمؤمنات، خلافا للاذرعي، (ولو) بقوله: (رحمكم الله)، وكذا بنحو: اللهم أجرنا من النار - إن قصد تخصيص الحاضرين (في) خطبة (ثانة) لاتباع السلف والخلف. والدعاء للسلطان بخصوصه لا يسن اتفاقا، إلا مع خشية فتنة، فيجب، ومع عدمها لا بأس ـــــــــــــــــــــــــــــ مقابلة الدعاء للمؤمنين في الثانية. (قوله: وتسن بعد فراغها إلخ) أي وتسن بعد فراغ الخطبة قراءة سورة ق وصنيعه يقتضي أن قراءة ق تسن زيادة على الآية، وليس كذلك، بل هي بدل عن الآية، كما نص عليه ع ش. وعبارة الروض وشرحه: ويستحب قراءة ق في الخطبة الأولى، للاتباع. رواه مسلم. ولاشتمالها على أنواع المواعظ. قال البندنيجي: فإن أبى قرأ: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) * (1) الآية. قال الأذرعي: وتكون القراءة بعد فراغ الأولى. اه. (قوله: للاتباع) رواه مسلم. قال في شرحه: فيه دليل على ندب قراءتها أو بعضها في خطبة كل جمعة، ولا يشترط رضا الحاضرين، كما لم يشترطوه في قراءة الجمعة، والمنافقين في الصلاة، وإن كانت السنة التخفيف. اه. نهاية. (قوله: وخامسها) أي أركان الخطبتين. (قوله: دعاء أخروي) فلا يكفي الدنيوي، ولو لم يحفظ الأخروي، وقال الأطفيحي: إن الدنيوي يكفي، حيث لم يحفظ الأخروي، قياسا على ما تقدم في العجز عن الفاتحة، بل ما هنا أولى. (قوله: للمؤمنين) أي خصوصا كالحاضرين، أو عموما ولو لجميع المسلمين، ما لم يرد جميع ذنوبهم، وإلا امتنع لوجوب اعتقاد دخول طائفة من عصاة المؤمنين النار، وما ذكر ينافيه. (قوله: وإن لم يتعرض للمؤمنات) أي يكفي الدعاء للمؤمنين، وإن لم يصرح بالمؤمنات، وذلك لأن المراد بهم الجنس الشامل لهن. وكتب ابن قاسم ما نصه: قوله لأن المراد الجنس. الظاهر أن المراد بيان الأكمل، وأنه يجوز إرادة الذكور فقط، وإن حضر الإناث. ثم رأيت ما في الحاشية الأخرى وهو وجوب الدعاء للمؤمنات أيضا، لكن إن كان شرطا لصحة الخطبة خالف قولهم يكفي تخصيصه بالسامعين، فإنه شامل لما إذا تمحضوا ذكورا. فليحرر. اه. (قوله: خلافا للأذرعي) أي في قوله يجب التعرض لهن أيضا. وفي سم ما نصه: قال في شرح العباب: قال الأذرعي: وظاهر نص المختصر يفهم إيجابه لهما، أي إيجاب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات. وجرى عليه كثيرون وعددهم. ثم أخذ من بعض العبارات أنه يجب التعرض للمؤمنات، وإن لم يحضرن. اه. (قوله: ولو بقوله رحمهم الله) أي أن الدعاء الواجب يكتفي فيه بأي صيغة كانت، ولو بقوله رحمكم الله، إذ القصد ما يقع عليه اسم الدعاء. وعبارة التحفة: ويكفي تخصيصه بالسامعين. كرحمكم الله وظاهر أنه لا يكفي تخصيصه بالغائبين. اه. أي كرحمهم الله تعالى. (قوله: وكذا) هو وما بعده متعلق بمحذوف، أي وكذا يكفي الدعاء بنحو: اللهم أجرنا من النار. (وقوله: إن قصد تخصيص الحاضرين) أي بقوله اللهم أجرنا من النار. فهو قيد له، وإنما أتى به لان لفظ نا فية مشترك، يطلق على الواحد المعظم نفسه، وعلى المتعدد، فإذا لاحظ به الحاضرين أجزأ، وإن لاحظ به نفسه فقط لا يجزئ، لأنه لا بد من أن يقصد بدعائه أربعين فأكثر، فلو قصد به دون أربعين: لا يكفي كما لو قصد به الغائبين، كأن قال: رحمهم الله، كما مر. وفي سم: لو خص بالدعاء أربعين من الحاضرين فينبغي الإجزاء. وعليه: فلو انصرفوا من غير صلاة وهناك أربعون سامعون، فهل تصح إقامة الجمعة بهم؟ ينبغي الصحة، لأن الخطبة صحت، ولا يضر انصراف المخصوصين بالدعاء من غير صلاة. اه. (قوله: في خطبة ثانية) متعلق بمحذوف صفة لدعاء. (قوله: لاتباع السلف والخلف) دليل لوجوب الدعاء في الخطبة الثانية. قال ش ق: والمراد بالسلف: الصحابة، وبالخلف: من بعدهم من التابعين، وتابعيهم. اه. (قوله: والدعاء للسلطان) مبتدأ، خبره لا يسن. (وقوله: بخصوصه) أي بعينه، كاللهم ارحم مولانا السلطان عبد الحميد. وخرج بخصوصه ما إذا دعا له بخصوصه، بل مع غيره، كالدعاء لأئمة المسلمين، وولاة أمورهم وهو منهم، فإنه يسن كما سيصرح به. (قوله: إلا مع خشية فتنة) أي خوفها، ولا يشترط فيه غلبة الظن، بل يكفي أصله. (قوله: فيجب) أي الدعاء له بخصوصه. والمناسب أن يقول: فيسن. ثم يضرب عنه

_ (1) الاحزاب 70

به، حيث لا مجازفة في وصفه، ولا يجوز وصفه بصفة كاذبة إلا لضرورة. ويسن الدعاء لولاة الصحابة قطعا، وكذا لولاة المسلمين وجيوشهم، بالصلاح، والنصر، والقيام بالعدل. وذكر المناقب لا يقطع الولاة، ما لم يعد به معرضا عن الخطبة. وفي التوسط يشترط أن لا يطيله إطالة تقطع الموالاة، كما يفعله كثير من الخطباء الجهال. قال شيخنا: ولو شك في ترك فرض من الخطبة بعد فراغها لم يؤثر كما لا يؤثر الشك في ترك فرض ـــــــــــــــــــــــــــــ إضرابا انتقاليا ويقول: بل يجب. (قوله: ومع عدمها) أي الفتنة. (وقوله: لا بأس به) يستفاد منه أنه مباح. كذا في البجيرمي، وش ق. وقال سم: أنه مع ذلك مكروه. (قوله: حيث لا مجارفة) أي مبالغة وخروجا عن الحد، كالعادل المعطى كل ذي حق حقه، الذي لا يظلم، فإن وجدت المجازفة يكون مكروها، إن كان أصل الوصف فيه، وإلا حرم، كما يستفاد من قوله بعد: ولا يجوز إلخ. (قوله: وصفه بصفة كاذبة) أي كالسلطان الغازي، والحال أنه لم يغز أصلا. (قوله: إلا لضرورة) أي إلا إذا لم يصفه بتلك الصفة الكاذبة يحصل به ضرر، أي أو تحدث فتنة، فيكون لا بأس به. (والحاصل) لا بأس بالدعاء للسلطان بعينه، بلا مجازفة. أما معها فيكره، إذا كان أصل الوصف فيه، وإلا حرم إن لم يترتب على عدم الإتيان به محذور، وإلا فلا بأس به. لكن يستعمل التورية فيه. (قوله: ويسن الدعاء لولاة الصحابة قطعا) أي على التعيين أو على الإجمال. وقول الشافعي - رضي الله عنه - لا يدعو الخطيب في الخطبة لأحد بعينه، يخص بغير الصحابة. وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: وأما حكم الترضي عن الصحابة في الخطبة فلا بأس به، سواء أذكر أفاضلهم بأسمائهم - كما هو المعروف الآن - أم أجملهم. وأما قول الشافعي لا يدعو في الخطبة لأحد بعينه فإن فعل ذلك كرهته فيحمل على ذكر من لا فائدة في ذكره، كالدعاء للسلطان مع المجازفة في وصفه بلا ضرورة، بخلاف ما إذا لم يجازف، لأن أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - دعا في خطبته لعمر رضي الله عنه، فأنكر عليه البداءة بعمر قبل البداءة بأبي بكر، ورفع ذلك إلى عمر، فقال للمنكر: أنت أزكى منه وأرشد. وأخرج أبو نعيم وابن عباس - رضي الله عنهما - كأن يقول على منبر البصرة: اللهم أصلح عبدك وخليفتك عليا أهل الحق أمير المؤمنين. وأما التأمين على ذلك جهرا فالأولى تركه لأنه يمنع الاستماع، ويشوش على الحاضرين من غير ضرورة ولا حاجة إليه. وأما ما أطبق الناس عليه من التأمين جهرا - سيما مع المبالغة - فهو من البدع القبيحة المذمومة، فينبغي تركه اه. بجذف. (قوله: وكذا لولاة المسلمين) أي وكذا يسن الدعاء لهم، أي لبقيتهم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تشغلوا قلوبكم بسب الملوك، ولكن تقربوا إلى الله تعالى بالدعاء لهم، يعطف الله قلوبهم عليكم. رواه البخاري عن عائشة. وقال الحسن البصري - رضي الله عنه -: لو علمت لي دعوة مستجابة لخصصت بها السلطان، فإن خيره عام، وخير غيره خاص. (قوله: وذكر المناقب) أي ذكر مناقب الولاة، أي صفاتهم الحسنة. (وقوله: لا يقطع الولاء) أي الذي يشترط بين الأركان، وبينها وبين الصلاة. (قوله: ما لم يعد به) أي بذكر المناقب معرضا، فإن عد به معرضا عنها يكون قاطعا للولاء. (قوله: وفي التوسط يشترط أن لا يطيله) أي الدعاء المعلوم من المقام، وصرح به في التحفة وعبارتها. وصرح القاضي - في الدعاء لولاة الأمر - بأن محله ما لم يقطع نظم الخطبة عرفا، وفي التوسط يشترط أن لا يطيله إطالة تقطع الموالاة، كما يفعله كثير من الخطباء الجهال. اه. (وقوله: إطالة تقطع الموالاة) وهي التي تكون بمقدار ركعتين بأقل مجزئ - كما سيأتي - وحينئذ يستأنف أركانها. (قوله: ولا شك في ترك فرض من الخطبة) أي الأولى أو الثانية. (وقوله: بعد إلخ) متعلق بشك. (وقوله: فراغها) أي الخطبة. والمراد الثانية، فلو شك في الجلوس بينهما أو في أثناء الثانية بأنه ترك ركنا من الأولى أثر. قال ع ش: لو علم ترك ركن ولم يدر هل هو من الأولى أو من الثانية، هل يجب إعادتها أم إعادة الثانية فقط؟ فيه نظر. والأقرب أنه يجلس، ثم يأتي بالخطبة الثانية الخ. اه. (قوله: لم يؤثر كما لا يؤثر الشك الخ) قال سم: قياس ما ذكر أيضا تأثير الشك في أثنائها، وأنه لا يرجح لقول غيره، وإن كثر إلا إن بلغ حد التواتر، وهذا ظاهر في الخطيب. فلو شك الأربعون - أو بعضهم - في ترك الخطيب شيئا من فروضها في أثنائها فهل يؤثر؟ فيه نظر. وظاهر صنيعهم أنه لا يؤثر الخ. اه. (

بعد الصلاة، أو الوضوء. (وشرط فيهما)، الخطبتين، (إسماع أربعين) أي تسعة وثلاثين سواه، ممن تنعقد بهم الجمعة (الاركان) لا جميع الخطبة. قال شيخنا: لا تجب الجمعة على أربعين بعضهم أصم، ولا تصح مع وجود لغط يمنع سماع ركن الخطبة على المعتمد فيهما، وإن خالف فيه جمع كثيرون، فلم يشترطوا إلا الحضور فقط. وعليه يدل كلام الشيخين في بعض المواضع، ولا يشترط كونهم بمحل الصلاة، ولا فهمهم لما ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: وشرط فيهما الخ) لما فرغ من بيان أركان الخطبتين شرع في بيان شروطهما، وهي اثنا عشر، ذكر منها سبعة: الإسماع، وكونها عربية، وقيام قادر، وطهر وستر، وجلوس بينهما، وولاء. وبقي منها خمسة لم يذكرها، وهي: السماع، وكون الخطيب ذكرا، ووقوعها في خطة أبنية، وكونها بعد الزوال، وقبل صلاة. ويمكن أن يقال أن الشرطين الأخيرين يعلمان ضمنا من قوله وقوعها بعد خطبتين بعد زوال، وأن الشرط الأول - وهو السماع - لازم للإسماع، إذ المراد منه الإسماع بالفعل، ولا حاجة لعدة شرطا مستقلا. ولكن يبقى عليه عدم عده الشرطين الباقيين، إلا أن يقال أنه يلزم من جعهلما شرطين لصحة الجمعة أن يكونا شرطين للخطبة. (قوله: إسماع أربعين) أي بأن يرفع الخطيب صوته بأركانهما حتى يسمعها تسعة وثلاثون غيره كاملون، فلا بد من الإسماع والسماع بالفعل، لا بالقوة، عند ابن حجر. وخالف الجمال الرملي - تبعا لوالده - فقال: يكفي الإسماع والسماع بالقوة لا بالفعل، قال إذ لو كان سماعهم واجبا لكان الإنصات متحتما. اه. ومعنى قوله بالقوة: أن يكون الخطيب يرفع صوته بحيث لو أصغوا إليه لسمعوا فعليه، لو وجد عارض لغط، أو اشتغل بعضهم عن السماع بتحدث مع جليسه لا يؤثر، وعلى الأول يؤثر. (قوله: أي تسعة وثلاثين سواه) تفسير للأربعين، أي أن المراد من الأربعين الذي يجب إسماعهم تسعة وثلاثون غير نفسه، فيكون هو متمم الأربعين، لا زائدا عليهم. ومفهوم ذلك أنه يجب إسماعه نفسه أيضا كالتسعة والثلاثين. وهذا قول ضعيف. والمعتمد أنه لا يجب إسماع نفسه. وجزم به في التحفة، وعبارتها مع الأصل: وإسماع أربعين - أي تسعة وثلاثين - وهو لا يشترط إسماعه ولا سماعه، لأنه وإن كان أصم يفهم ما يقول. اه. ولو حذف لفظ سواه لكان أولى، ليكون جاريا على ما جرى عليه شيخه، وعليه يكون التفسير تفسير مراد للأربعين، ويكون في تعبيره بالأربعين تسمح الجمعة قوله فمن تنعقد بهم الجمعة) بيان للأربعين. (قوله: الأركان) مفعول ثان لإسماع. (قوله: لا جميع الخطبة) أي لا يشترط إسماعهم جميع الخطبة، فلو أسر في غير الأركان صحت الخطبة، فالإسماع ليس شرطا، إلا في الأركان. ومثله سائر الشروط، فهي إنما تعتبر في الأركان خاصة. فلو انكشفت عورته، أو جلس في غير الأركان لم يؤثر. (قوله: قال شيخنا) عبارته: ويعتبر على الأصح عند الشيخين وغيرهما سماعهم لها بالفعل، لا بالقوة، فلا تجب الجمعة على أربعين الخ. اه. إذا علمت ذلك تعلم أن الشارح أسقط من العبارة المذكورة فاء التفريع وما يتفرع عليه. (قوله: لا تجب الجمعة على أربعين إلخ) أي لفقدهم شرطا من شروط الخطبة، وهو السماع. وكما لا تجب عليهم لا تنعقد بهم، لما ذكر. (وقوله: بعضهم أصم) أي غير الخطيب، لما علمت أن المعتمد أنه لا يشترط إسماع نفسه، لأنه يفهم ما يقول. (قوله: ولا تصح) فاعله يعود على الجمعة، وإنما لم تصح لعدم صحة الخطبة، لفقد شرط من شروطها، وهو السماع بالفعل. ويحتمل عود الفاعل على الخطبة. ويلزم عن عدم صحتها عدم صحة الجمعة، لكن عليه يلزم الإظهار في مقام الإضمار في قوله بعد: يمنع سماع ركن الخطبة. (قوله: مع وجود لغط) هو بفتحتين، اختلاط الأصوات مع رفعها. (وقوله: يمنع) أي ذلك اللغط. (وقوله: مع سماع ركن الخطبة) أي سماعهم ركنا من أركانها. (قوله: على المعتمد فيهما) أي في الصورتين، وهما عدم وجوبها على أربعين بعضهم أصم، لكن غير الخطيب، كما علمت. وعدم صحتها مع وجود لغط يمنع سماع ركن من أركان الخطبة. (قوله: وإن خالف فيه) أي في اعتبار السماع بالفعل المعلوم من عبارة التحفة المارة آنفا. (وقوله: فلم يشترطوا إلا الحضور) أي حضورهم موضع الخطبة، أي وإن لم يسمعوا بالفعل لبعد، أو نوم، أو لغط. (قوله: وعليه) أي على اشتراط الحضور فقط. (قوله: ولا يشترط الخ) مرتبط بالمتن. (وقوله: كونهم) أي الأربعين الذين يسمعون الخطبة. (وقوله: بمحل الصلاة) فلو كانوا خارج المسجد والخطيب فيه وسمعوا الخطبة من خارجة كفى.

يسمعونه. (و) شرط فيهما (عربية) لاتباع السلف والخلف. وفائدتها بالعربية - مع عدم معرفتهم لها - العلم بالوعظ في الجملة. قاله القاضي. وإن لم يمكن تعلمها بالعربية قبل ضيق الوقت خطب منهم واحد بلسانهم، وإن أمكن تعلمها وجب كل على الكفاية، (وقيام قادر عليه، وطهر) من حدث أكبر وأصغر، وعن نجس غير معفو عنه، في ثوبه، وبدنه، ومكانه. (وستر) للعورة. (و) شرط (جلوس بينهما) بطمأنينة فيه، وسن أن يكون ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ولا فهمهم لما يسمعونه) أي ولا يشترط ذلك، كما لا يشترط فهم الفاتحة في الصلاة، ولا يشترط أيضا طهرهم، ولا سترهم. (قوله: وشرط فيهما) أي في الخطبتين. والمراد أركانهما، كما في التحفة، وعبارتها مع الأصل: ويشترط كونها - أي الأركان - دون ما عداها عربية الخ. اه. وكتب سم ما نصه: قوله دون ما عداها: يفيد أن كون ما عدا الأركان من توابعها بغير العربية لا يكون مانعا من الموالاة. اه. قال ع ش: ويفرق بينه وبين السكوت بأن في السكوت إعراضا عن الخطبة بالكلية، بخلاف غير العربي، فإن فيه وعظا في الجملة، فلا يخرج بذلك عن كونه في الخطبة. اه. (قوله: لاتباع السلف والخلف) تعليل لاشتراط كونهما بالعربية، أي شرط ذلك لاتباع السلف والخلف، أي لوجوب اتباعهم أو المراد لفعل السلف والخلف المتبع، فهو على تقدير مضاف فقط على الأول، ومع تأويل المصدر بمعنى اسم المفعول على الثاني. وإنما احتيج إلى ذلك لأجل أن تصح العلة. ومر أن السلف هم الصحابة، وعم الخلف من عداهم. وذكر في النهاية العلة المذكورة، وزاد: ولأنها ذكر مفروض، فاشترط فيها ذلك، كتكبيرة الإحرام. (قوله: وفائدتها الخ) مرتبط بمحذوف ملاحظ بعد قوله عربية. أي وشرط فيها عربية، وإن كانوا كلهم عجما. وفائدتها حينئذ مع عدم معرفتهم لها علمهم بأن ما يقوله الخطيب وعظا. (وقوله: في الجملة) أي بالإجمال، وإن لم يعلم عين الموعوظ به. (قوله: قاله القاضي) عبارة النهاية وأجاب القاضي عن سؤال: ما فائدة الخطبة بالعربية إذا لم يعرفها القوم؟ بأن فائدتها العلم بالوعظ من حيث الجملة. اه. (قوله: وإن لم يمكن الخ) هذا استدراك من اشتراط العربية. وصرح في التحفة - قبل إن الشرطية - بأداة الاستدراك. (قوله: قبل ضيق الوقت) متعلق بتعلم، وذلك بأن لم يمكن تعلمها أصلا لبلادتهم، أو أمكن لكن بعد ضيق الوقت بأن لم يبق منه إلا مقدار ما يسع الصلاة والخطبة، فالنفي راجع للمقيد مع قيده، أو إلى القيد فقط. (قوله: خطب إلخ) هذا ظاهر بالنسبة لما عدا الآية من الأركان. أما هي ففيه نظر، لما تقرر في باب الصلاة من أن القرآن لا يترجم عنه. فلينظر ماذا يفعل حينئذ؟. اه. سم. (وقوله: بلسانهم) أي بلغتهم، ومفاده أنه لا يخطب بلغته، وهو خلاف ما في النهاية، ونصها: خطب واحد منهم بلغته وإن لم يعرفها القوم. اه. ومثلها المغني. (قوله: وإن أمكن تعلمها) أي تعلم الخطبة بالعربية قبل ضيق الوقت. قال ع ش: أي ولو بالسفر إلى ما فوق مسافة القصر - كما يعلم مما تقدم في تكبيرة الإحرام -. اه. (قوله: وجب) أي تعلمها. (وقوله: على كل على الكفاية) أي على سبيل فرض الكفاية، فيكفي في تعلمها واحد، فإن مضت مدة إمكان تعلم واحد منهم ولم يتعلم عصوا كلهم، ولا جمعة عليهم، بل يصلون ظهرا. (قوله: وقيام قادر) معطوف على إسماع أربعين، أي وشرط فيهما قيام قادر. (وقوله: عليه) متعلق بقادر، أي قادر على القيام، فإن عجز عنه خطب قاعدا، ثم مضطجعا - كالصلاة - ويصح الاقتداء به، وإن لم يقل لا أستطيع، لان الظاهر أنه فعل ذلك لعجزه، والأولى له أن يستنيب، فإن بان أنه كان قادرا فلا يؤثر، كإمام بان محدثا. (قوله: وطهر) معطوف على إسماع أيضا. أي وشرط فيهما طهر، فلو أحدث في الخطبة استأنفها، وإن سبقه الحدث وقصر الفصل، لأنها عبادة واحدة، فلا تؤدى بطهارتين كالصلاة، ومن ثم لو أحدث بعد الخطبة وقبل الصلاة وتطهر عن قرب لم يضر، لأنها مع الصلاة عبادتان مستقلتان كما في الجمع بين الصلاتين ولو أحدث في أثناء الخطبة واستخلف من حضر، جاز للثاني البناء على خطبة الأول. (وقوله: من حدث) متعلق بطهر. (قوله: وعن نجس غير معفو عنه) معطوف على من حدث. وعن بمعنى من. أي وطهر من نجاسة غير معفو عنها. أما المعفو عنها، كقليل دم أجنبي، وكدم براغيث، وغير ذلك - مما مر في مبحث النجاسات - فلا تضر. (قوله: في ثوبه الخ) متعلق بمحذوف، صفة ثانية لنجس، أي نجس كائن في ثوبه إلخ. (وقوله: وبدنه ومكانه) الواو فيهما بمعنى أو - مانعه الخلو - والمراد بالمكان: المنبر مثلا، فلا تصح

بقدر سورة الاخلاص، وأن يقرأها فيه. ومن خطب قاعدا لعذر فصل بينهما بسكتة وجوبا. وفي الجواهر: لو لم يجلس حسبتا واحدة، فيجلس ويأتي بثالثة. (وولاء) بينهما وبين أركانهما، وبينهما وبين الصلاة، بأن لا يفصل طويلا عرفا. وسيأتي أن اختلال الموالاة بين المجموعتين بفعل ركعتين، بل بأقل مجزئ، فلا يبعد الضبط ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطبة مع قبض حرفه وعليه نجاسة تحت يده - كذرق الطير، وكالعاج الملصوق على المنابر - قال البجيرمي: والمعتمد الصحة إذا كان في جانب المنبر نجاسة ليست تحت يد القابض، سواء كان المنبر ينجر بجره أم لا، لأن علوه عليه مانع من جره عادة. اه. وكذا يشترط طهارة كل ما يتصل به كسيف وعكازة. (قوله: وستر للعورة) أي وشرط فيهما ستر للعورة للاتباع، وكما في الصلاة. قال في التحفة: وإن قلنا بالأصح أنها - أي الخطبة - ليست بدلا عن ركعتين لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي عقب الخطبة. فالظاهر أنه كان يخطب وهو متطهر مستور. اه. قال ع ش: وهل يعتبر ذلك في الأركان وغيرها، حتى لو انكشفت عورته في غير الأركان بطلت خطبته أولا؟ فيه نظر. والأقرب الثاني. ومثله: ما لو أحدث بين الأركان وأتى مع حدثه بشئ من توابع الخطبة، ثم استخلف عن قرب، فلا يضر في خطبته ما أتى به من غير الأركان مع الحدث، فجميع الشروط التي ذكرها إنما تعتبر في الأركان خاصة. اه. (قوله: وشرط جلوس إلخ) المناسب فيه وفي قوله المار وشرط فيهما عربية: أن لا يظهر العامل، أو يظهره في جميع المعاطيف. (وقوله: بينهما) أي الخطبتين، وذلك للاتباع. رواه مسلم. فلو تركه لم تصح خطبته، ولو سهوا، إذ الشروط يضر الإخلال بها، ولو مع السهو. قال سم: وظاهر أنه لا يكفي عنه نحو الاضطجاع، ويؤيده الاتباع. (فإن قيل) ما الحكمة في جعل القيام والجلوس هنا شرطين، وفي الصلاة ركنين؟ (أجيب) بأن الخطبة ليست إلا الذكر والوعظ، ولا ريب أن القيام والجلوس ليسا بجزأين منها، بخلاف الصلاة فإنها جملة أعمال، وهي كما تكون أذكارا تكون غير أذكار. وخالف الأئمة الثلاثة - رضي الله عنهم - في عد الجلوس شرطا، وقالوا أنه ليس بشرط. (قوله: بطمأنيته) أي مع طمأنينة. (وقوله: فيه) أي الجلوس. (قوله: وسن أن يكون) أي الجلوس. (قوله: وأن يقرأها فيه) أي وسن أن يقرأ سورة الإخلاص في الجلوس المذكور. (قوله: ومن خطب قاعدا لعذر) أي أو قائما لم يقدر على الجلوس. (قوله: فصل الخ) جواب من الشرطية. (وقوله: بينهما) أي الخطبتين. (وقوله: بسكتة) أي فوق سكتة التنفس والعي. وعبارة سم: قوله بسكته: قال في شرح العباب: ليحصل الفصل. ويؤخذ منه أنه يشترط أدنى زيادة في السكوت على سكتة التنفس والعي. اه. (قوله: وفي الجواهر: لو لم يجلس) أي الخطيب بين الخطبتين. وعبارة شرح العباب: ولو وصلهما حسبتا واحدة. وهي أولى، لصدقها بما إذا خطب قاعدا لعذر ولم يفصل بينهما بسكتة فإنها تحسب واحدة. (قوله: ويأتي بثالثة) أي باعتبار الصورة، وإلا فهي الثانية، لأن التي كانت ثانية صارت بعضا من الأولى. اه. تحفة. (قوله: وولاء) أي وشرط ولاء للاتباع، ولأن له أثرا ظاهرا في استمالة القلوب. (وقوله: بينهما) أي بين الخطبة الأولى والخطبة الثانية. (وقوله: وبين أركانهما) أي وشرط ولاء بين أركان كل من الخطبتين. (وقوله: وبينهما وبين الصلاة) أي وشرط ولاء بين مجموع الخطبتين والصلاة. (والحاصل) الولاء معتبر في ثلاثة مواضع: الأول بين الخطبتين، فلا يطيل الفصل بينهما. والثاني بين أركانهما. والثالث بينهما وبين الصلاة. فلا يطيل الفصل بين الثانية منهما وبين الصلاة. (قوله: أن لا يفصل) أي الخطيب، وهو تصوير للولاء. (وقوله: طويلا) صفة لموصوف محذوف منصوب على المفعولية المطلقة، أو على أنه بإسقاط الخافض، أي فصلا طويلا، أو بفاصل طويل. ولا بد أن يكون لا تعلق له بالخطبة، فإن فصل بما له تعلق بها لم يضر، فلا يقطع الموالاة الوعظ وإن طال، وكذا قراءة وإن طالت حيث تضمنت وعظا، خلافا لمن أطلق القطع بها فإنه غفلة عن كونه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في خطبته ق كما تقدم. (وقوله: عرفا) أي في العرف، أي أن المعتبر في ضابط الطول العرف. (قوله: وسيأتي) أي في تتمة يجوز لمسافر إلخ، وفيه أنه لم يصرح بما ذكر فيما يأتي، كما يعلم بالوقوف على عبارته ونصها: وولاء عرفا، فلا يضر فصل يسير بأن كان دون قدر ركعتين إلا أن يقال إن المراد بطريق المفهوم، فلا إشكال، لأنه يفهم أنه يضر الفصل بقدر ركعتين. (قوله: بين المجموعتين) أي الصلاتين المجموعتين جمع تقديم. (وقوله: بفعل ركعتين) خبر أن. أي كائن بفعل ركعتين.

بهذا هنا، ويكون بيانا للعرف. (وسن لمريدها) أي الجمعة، وإن لم تلزمه، (غسل) بتعميم البدن والرأس بالماء، فإن عجز، سن تيمم بنية الغسل، (بعد) طلوع (فجر). وينبغي لصائم خشي منه مفطرا تركه، وكذا ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله: بل بأقل مجزئ) إضراب انتقالي، أي بل يحصل اختلال الموالاة بركعتين بأقل مجزئ، بأن يقتصر فيهما على الأركان. ويوجد في بعض نسخ الخط إسقاط بل، وهو الموافق لما في التحفة، فهو أولى. (قوله: فلا يبعد الضبط بهذا) أي بما سيأتي من أن الموالاة تختل - أي تنقطع - بفعل ركعتين. (قوله: هنا) أي في الخطبة. (والحاصل) الذي يخل في المجوعتين يخل هنا، والذي لا يخل هناك لا يخل هنا، وذلك لأنهم صرحوا بأن الخطبة والصلاة مشبهتان بصلاتي الجمع. (قوله: ويكون بيانا للعرف) أي ويكون الضبط بهذا بيانا للعرف في عبارة من عبر به، أي فالمراد بالطول في العرف، أن يكون بمقدار ركعتين. (قوله: وسن الخ) لما فرغ من بيان ما لا بد منه في الجمعة شرع في بيان ما يطلب لها من الآداب. (وقوله: لمريدها) أي لمريد حضورها، وإن لم تلزمه، بأن كان امرأة، أو رقيقا، أو مسافرا. وقيل يسن الغسل لكل أحد، وإن لم يرد الحضور. (قوله: غسل) أي لخبر: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وخبر: من أتى الجمعة - من الرجال والنساء - فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل. وخبر غسل الجمعة واجب على كل محتلم، وحق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما. زاد النسائي: هو يوم الجمعة. وصرف هذه الأحاديث من الوجوب خبر: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل. رواه الترمذي وحسنه وقوله فيها: أي فبالسنة أخذ. أي بما جوزته من الوضوء مقتصرا عليه. ونعمت الخصلة أو الفعلة، والغسل معها أفضل. وخبر: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فدنا، واستمع، وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام. وفي الصحيحين: أن عثمان دخل وعمر يخطب فقال: ما بال رجال يتأخرون عن النداء؟ فقال عثمان: يا أمير المؤمنين، ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم جئت. فقال عمر: والوضوء أيضا؟ ألم تسمعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل. (فائدة) عن ابن عمر وأنس بن مالك - رضي الله عنهم - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن تحت العرش مدينة - وقال القرطبي في تفسيره سبعين مدينة - مثل الدنيا سبعين مرة، مملوءة من الملائكة كلهم يقولون: اللهم اغفر لمن اغتسل يوم الجمعة وأتى الجمعة. وقال - صلى الله عليه وسلم -: إن الغسل يوم الجمعة ليسل الخطايا من أصول الشعر استلالا. رواه الطبراني. (قوله: بتعميم إلخ) تصوير للغسل بأقل مجزئ، وأكمله ما مر بيانه في مبحث الغسل، وينوي به غسل الجمعة، فيضيفه إلى سببه كسائر الأغسال المسنونة، ويندب الوضوء له كسائرها، ويطلب التيمم بدلا عن هذا الوضوء، إن عجز عن مائه. (قوله: فإن عجز) أي عن الماء، حسا أو شرعا. (وقوله: سن تيمم) أي بدل الغسل. ويكفي تيمم واحد عنه وعن الوضوء المطلوب قبل الغسل إن نواهما به. وإنما قام التيمم مقام الغسل لأن المقصود منه العبادة والنظافة، فإذا فاتت هذه بقيت العبادة. وتوقف حجر في كراهة تركه. لكن قال ع ش: الأقرب الكراهة، إعطاء للبدل حكم المبدل منه. (قوله: بنية الغسل) ظاهر صنيعه انه متعلق بتيمم. أي سن تيمم بنية الغسل، أي أنه بدل عن غسل، فيقول: نويت التيمم بدلا عن غسل الجمعة، ولا يكفي نويت التيمم عن الغسل لعدم ذكر السبب - كسائر الأغسال المسنونة -. ويكفي: نويت التيمم لطهر الجمعة، أو للجمعة، أو للصلاة، أو عن غسل الجمعة - وإن لم يلاحظ البدلية - ويحتمل تعلقه به وبقوله وسن غسل، أي وسن غسل للجمعة بنيته، وهذا هو الأقرب. (قوله: بعد طلوع فجر) الظرف متعلق بغسل، وهو بيان لوقت الغسل. أي وقت الغسل كائن بعد طلوع فجر، أي صادق، فلا يجزئ قبله، لأن الأخبار علقته باليوم، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى. الحديث. وقيل وقته من نصف الليل، كالعيد، والفرق ظاهر، لبقاء أثره إلى صلاة العيد، لقرب الزمن، ولا كذلك الجمعة. ويخرج الوقت المذكور باليأس من فعلها، ويحصل بالفراغ من الصلاة، لا قبله، لاحتمال نسيان الإمام ركنا منها، فيتداركه، فيدرك معه الجمعة بإدراك ركعة منها. (قوله: وينبغي الخ) الأولى تأخيره عن قوله وآكدها غسل الجمعة ويستغني عن قوله بعد وكذا إلخ. والظاهر أن المراد بالانبغاء الوجوب.

سائر الاغسال المسنونة، وقربه من ذهابه إليها أفضل. ولو تعارض الغسل والتبكير، فمراعاة الغسل أولى، للخلاف في وجوبه، ومن ثم كره تركه. ومن الاغسال المسنونة: غسل العيدين، والكسوفين، والاستسقاء، وأغسال الحج، وغسل غاسل الميت، والغسل للاعتكاف، ولكل ليلة من رمضان، ولحجامة، ولتغير الجسد، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: خشي منه مفطرا) أي خاف من الغسل مفطرا، بأن يسبق الماء إلى جوفه فيفطر به. (وقوله: تركه) أي الغسل، وهو فاعل ينبغي. (قوله: وكذا سائر الأغسال المسنونة) أي وكذلك ينبغي تركها للصائم إذا خشي منها مفطرا. وخرج بالأغسال المسنونة الأغسال الواجبة، فلا يتركها إذا خشي منها ذلك. فلو اغتسل وسبقه الماء إلى جوفه، لا يفطر، بخلافه في الأغسال المسنونة، فإنه يفطر، كما سيصرح به في باب الصوم. (قوله: وقربه من ذهابه إليها أفضل) أي إن قرب الغسل من الذهاب إلى الجمعة أفضل، أي من الغسل بعد طلوع الفجر، وإن كان يحصل به أصل السنة، لأنه أبلغ في المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة. (قوله: ولو تعارض الغسل والتبكير) أي إلى الجمعة، بأن كان لو اغتسل فات التبكير، ولو بكر فات الغسل. (قوله: فمراعاة الغسل أولى) أي من التبكير، لكن محله حيث من الفوات، وقيل: إن كان بجسده ريح كريهة اغتسل، وإلا بكر. (قوله: للخلاف في وجوبه) أي الغسل، ولتعدي نفعه للغير، بخلاف التبكير، ولا يبطله حدث ولا جنابة. سم. (قوله: ومن ثم، كره تركه) أي ومن أجل أن في وجوبه خلافا كره تركه، مراعاة له. (قوله: ومن الأغسال المسنونة إلخ) ذكرها هنا استطرادا، وأفاد التعبير بمن أنه قد بقيت عليه أغسال أخر مسنونة وهي غسل المجنون، والمغمى عليه، إذا أفاقا ولم يتحقق منهما نحو إنزال مما يوجب الغسل، وإلا وجب عليهما. والغسل لدخول الحرم، ولحلق العانة، ولبلوغ الصبي بالسن، وينوي المغتسل في جميعها أسبابها، إلا الغسل من جنون أو إغماء فينوي به رفع الجنابة، لقول الشافعي - رضي الله عنه -: قل من جن أو أغمي عليه إلا وأنزل. فينوي ذلك احتياطا، ويغتفر عدم جزمه بالنية. (وقوله: إلا وأنزل) هو ظاهر في البالغين، فإن كانا صبيين، فنقل عن الرملي أنهما كذلك لاحتمال أنه أولج فيهما، وقيل إنهما ينويان السبب. (قوله: غسل العيدين) أي عيد الفطر، وعيد الأضحى. وهو سنة لكل أحد، سواء أراد الحضور أم لا، وسواء كان حرا أو عبدا، بالغا أو صبيا، وذلك لأنه يراد للزينة. ويدخل وقته بنصف الليل. والأفضل فعله بعد الفجر. ويخرج بالغروب، لأنه للزينة، وهي في اليوم كله، لا للصلاة، وإلا لانتهى بالزوال. (قوله: والكسوفين) معطوف على العيدين، أي وغسل الكسوفين، أي لصلاة الكسوفين: كسوف الشمس، وخسوف القمر. ولا يتقيد بحضور الجماعة، بل إذا صلى منفردا سن له. ويدخل وقته بأول التغير، ويخرج بالانجلاء. (قوله: والاستسقاء) معطوف أيضا على العيدين، أي وغسل الاستسقاء، أي لصلاة الاستسقاء. ولا يتقيد بحضور الجماعة أيضا. ويدخل وقته لمن يريد الصلاة منفردا بإرادة الصلاة ولمن يريدها جماعة باجتماع الناس لها. (قوله: وأغسال الحج) أي ومن الأغسال المسنونة أغسال الحج، وهي الغسل للإحرام، وللوقوف بعرفة، وللوقوف بمزدلفة، ولرمي الجمار الثلاث في أيام التشريق الثلاث. ولا يسن الغسل لرمي جمرة العقبة لقربه من غسل الوقوف بمزدلفة، ولهذا لا يسن لكل جمرة. (قوله: وغسل غاسل الميت) معطوف أيضا على غسل العيدين، أي ومن الأغسال المسنونة: الغسل لمن غسل ميتا، سواء كان الميت مسلما أم كافرا، وسواء كان الغاسل طاهرا أم لا، كحائض، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ. رواه الترمذي وحسنه. ومثل الغسل: التيمم، فيسن لمن يممه الغسل، لأنه مس جسدا خاليا عن الروح، فيحصل له ضعف، والماء يقويه. ويدخل وقته بالفراغ من غسل الميت، ويخرج بالإعراض عنه. (قوله: والغسل للاعتكاف) معطوف أيضا على غسل العيدين، أي من الأغسال المسنونة: الغسل للاعتكاف في المسجد. (قوله: ولكل ليلة من رمضان) معطوف على الاعتكاف، أي ومن الأغسال المسنونة: الغسل لكل ليلة من رمضان. قال في النهاية: وقيده الأذرعي بمن يحضر الجماعة، والأوجه الأخذ بإطلاقهم اه. قال ع ش: ويدخل وقت الغسل بالغروب، ويخرج بطلوع الفجر. اه. ومن الأغسال المسنونة أيضا: الغسل لكل مجمع من مجامع الخير، كمجالس الوعظ، والذكر، والتعليم، والتعلم. ولا يسن للاجتماع للصلوات الخمس، وإن كان من مجامع الخير، لشدة الحرج

وغسل الكافر إذا أسلم - للامر به - ولم يجب، لان كثيرين أسلموا ولم يؤمروا به. وهذا إذا لم يعرض له في الكفر ما يوجب الغسل - من جنابة أو نحوها - وإلا وجب الغسل. وإن اغتسل في الكفر، لبطلان نيته. وآكدها غسل الجمعة ثم من غسل الميت. (تنبيه) قال شيخنا: يسن قضاء غسل الجمعة - كسائر الاغسال المسنونة - وإنما طلب قضاؤه لانه إذا علم ـــــــــــــــــــــــــــــ والمشقة - كما في النهاية. (قوله: ولحجامة) معطوف على للاعتكاف أيضا، أي ومن الأغسال المسنونة: الغسل للحجامة، أي بعدها. ومثلها الفصد. ولو قال ولنحو حجامة لكان أولى. والحكمة في سن الغسل لذلك أنه يضعف البدن، والغسل يشده ويقويه. (قوله: ولتغير الجسد) معطوف أيضا على للاعتكاف، أي ومن الأغسال المسنونة: الغسل عند تغير الجسد، إزالة للرائحة الكريهة. (قوله: وغسل الخ) معطوف أيضا على غسل العيدين، أي ومن الأغسال المسنونة: الغسل للكافر بعد إسلامه. وتسميته كافرا بعده باعتبار ما كان. ولو قال والغسل لإسلام كافر لسلم من ارتكاب التجوز. ووقته يدخل بالإسلام، ويفوت بطول الزمن أو بالإعراض عنه. وشمل الكافر إذا أسلم: المرتد. ولا فرق بين من أسلم استقلالا، ومن أسلم تبعا لأحد أصوله. أو للسابي، فيأمره الولي بالغسل إن كان مميزا، وإلا غسله. وكذا السابي المسلم، يأمر مسبيه بذلك. ويسن له - ولو أنثى - إزالة شعره قبل الغسل إن لم يحدث في كفره حدثا أكبر، وإلا فبعده. ويستثنى من ذلك نحو لحية رجل - كحاجب - فلا يسن إزالته. ولا يسن حلق الرأس إلا في الكافر إذا أسلم، وفي المولود، وفي النسك. وقد حلق - صلى الله عليه وسلم - رأسه أربع مرات في النسك، الأولى في عمرة الحديبية. والثانية في عمرة القضاء. والثالثة في الجعرانة. والرابعة في حجة الوداع. كما نقل عن الحافظ السخاوي. وحلق الرأس في غير ذلك مباح، وقيل: بدعة حسنة. (قوله: للأمر به) أي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قيس بن عاصم بالغسل لما أسلم. رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه. (قوله: ولم يجب) أي الغسل. فالأمر به محمول على الندب. (قوله: لأن كثيرين أسلموا) أي ولأن الإسلام ترك معصية، فلم يجب معه غسل، كالتوبة من سائر المعاصي، فإنه لا يجب لها غسل، بل يسن. (قوله: وهذا الخ) أي ما ذكر من سنية الغسل للإسلام، محله إذا لم يعرض له في حال كفره ما يوجب الغسل كالجنابة، والحيض، والنفاس، كأن بلغ بالسن وأسلم عقب بلوغه. (وقوله: وإلا) أي بأن عرض له ذلك في حال كفره وجب الغسل. وظاهر صنيعه أنه لا يطلب الغسل المندوب مع الغسل الواجب عند الجنابة أو الحيض، وليس كذلك، فيجتمع عليه غسلان: أحدهما مندوب، والآخر واجب. ويحصلان بغسل واحد إن نواهما به، فإن نوى أحدهما حصل فقط، فلا تكفي نية الواجب عن المندوب، ولا عكسه، وإنما لم يسقط عنه غسل نحو الجنابة بالإسلام كالصلاة لقلة المشقة فيه بعدم تعدده، بخلافها، فإن شأنها ذلك، حتى لو أسلم وعليه نحو صلاة واحدة لم يؤمر بقضائها. فقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * (1) محمول على ما يشق قضاؤه، ولأن إيجاب الغسل عليه ليس مؤاخذة له بما وجب في كفره، بل بما هو حاصل في الإسلام، وهو كونه جنبا. (قوله: إن اغتسل في الكفر) غاية في وجوب الغسل. (وقوله: لبطلان نيته) أي الواقعة حال كفره، إذ شرط الاعتداد بها الإسلام. (قوله: وآكدها غسل الجمعة) أي وآكد الأغسال غسل الجمعة، وذلك لأنه قيل بوجوبه، مع كثرة أحاديثه الصحيحة. (قوله: ثم من غسل الميت) أي ثم يلي غسل الجمعة، الغسل من غسل الميت. وتقديم غسل الجمعة عليه هو القول القديم، والجديد بالعكس، ولكن رجح الأول، كما نص عليه في المنهاج، وعبارته: وآكدها غسل غاسل الميت، ثم الجمعة، وعكسه القديم، قلت: القديم هنا أظهر، ورجحه الأكثرون، وأحاديثه صحيحة كثيرة، وليس للجديد حديث صحيح. والله أعلم. اه. ثم يلي غسل الميت ما كثرت أحاديثه، فما اختلف في وجوبه، فما صح حديثه، فما كان نفعه متعديا أو أكثر. وكذا يقال في مسنونين دليلهما ضعيف، فيقدم منهما ما نفعه أكثر، وهذا الترتيب هو المعتمد. ومن فوائد ذلك أنه لو أوصى بماء لأولى الناس به قدم من يستعمله للآكد، فالآكد. (قوله: يسن قضاء غسل الجمعة كسائر الأغسال المسنونة) أي إذا فاتت عليه. قال ع ش: وانظر بم

_ (1) الانفال: 38

أنه يقضى داوم على أدائه، واجتنب تفويته. (وبكور) - لغير خطيب - إلى المصلى من طلوع الفجر، لما في الخبر الصحيح: إن للجائي بعد اغتساله غسل الجنابة - أي كغسلها، وقيل حقيقة بأن يكون جامع، لانه يسن ـــــــــــــــــــــــــــــ يحصل الفوات للغسل من غسل الميت ونحوه؟ ثم رأيت بهامش نسخة صحيحة من الزيادي ما نصه: نقل شيخنا الزيادي أن شخصا من أهل العلم سأل شيخه الطندتائي عما يخرج به غسل العيد؟ فأجاب بأنه يخرج باليوم، وأما غسل الجمعة فبفوات الجمعة. ونقل شيخنا المذكور عن بعض مشايخه أن غسل غاسل الميت ينقضي بنية الإعراض عنه، أو بطول الفصل. اه. وقد يقال في المجنون والمغمى عليه إنما يفوت الغسل في حقهما بعروض ما يوجب الغسل كجنابة، فإن حكمة طلب غسلهما احتمال الجنابة، وهو موجود، وإن طال زمنه اه. وما تقرر من قضاء ما ذكر هو ما جرى عليه شيخه حجر. وقال م ر: لا يقضى، وعبارته: ولو فاتت هذه الأغسال لم تقض، وسئل السبكي - رحمه الله تعالى - هل تقضى الأغسال المسنونة؟ فقال: لم أر فيها نقلا، والظاهر لا، لأنها إن كانت للوقت فقد فات، أو للسبب فقد زال. اه. (قوله: وإنما طلب قضاؤه) أي الغسل من حيث هو غسل الجمعة أو غيرها. ولو قال قضاؤها بتأنيث الضمير العائد إلى الأغسال كلها لكان أولى. (قوله: لأنه) أي من طلب منه الغسل. (قوله: أنه يقضي) أي أن الغسل يطلب قضاؤه إذا فاته. (قوله: دوام) أي من طلب منه، وهو جواب إذا. (قوله: على أدائه) أي الغسل. (قوله: وبكور) معطوف على غسل، أي وسن بكور، وهو مصدر بكر بالتخفيف: كعقد. قال ابن مالك: وفعل اللازم مثل قعد * * اله فعول باطراد كغدا ومعناه الإسراع إلى المصلى من أول النهار، ويطلق أيضا على الإسراع إلى الشئ في أي وقت كأن. قال في المصباح: بكر إلى الشئ بكورا، من باب قعد أسرع أي وقت كان، وبكر تبكيرا مثله، وأبكر بكورا فعل ذلك بكرة. قال ابن فارس. وقال أبو زيد في كتاب المصادر: بكر بكورا، وغدا غدوا هذان من أول النهار. اه. ملخصا. وفي سم: لو بكر أحد مكرها على التبكير لم يحصل له فضل التبكير فيما يظهر، فلو زال الإكراه حسب له من حينئذ إن قصد الإقامة لأجل الجمعة فيما يظهر. اه. (قوله: لغير خطيب) أما هو: فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة، كما سيذكره. قال في النهاية: ويلحق به سلس البول ونحوه، فلا يندب له التبكير، وإطلاقه يقتضي استحباب التبكير للعجوز إذا استحببنا حضورها، وكذا الخنثى الذي هو في معنى العجوز. وهو متجه. اه. (قوله: إلى المصلى) متعلق ببكور. ولا فرق فيه بين أن يكون مسجدا أو غيره. (قوله: من طلوع الفجر) متعلق ببكور أيضا. قال سم: فلو جاء قبل الفجر لم يثب على ما قبله ثواب التبكير للجمعة فيما يظهر. اه. (قوله: لما في الخبر الصحيح الخ) دليل لسنية البكور، والخبر المذكور مروي بالمعنى، وهو في المغني وشرح الروض، ولفظه: على باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، ومن اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة. فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر. وفي رواية صحيحة: وفي الرابعة دجاجة، وفي الخامسة عصفورا، في السادسة بيضة. وفي أخرى صحيحة أيضا: وفي الرابعة بطة، وفي الخامسة دجاجة، وفي السادسة بيضة والمراد من ذلك: أن له ثواب بدنة يتقرب بها إلى الله تعالى، وهكذا يقال فيما بعده. (قوله: أن للجائي الخ) بدل من الخبر الصحيح، بدل كل من كل. (قوله: بعد اغتساله) متعلق بالجائي. قال سم: قضية هذا التقييد الوارد في الحديث: توقف حصول البدنة أو غيرها على كون المجئ مسبوقا بالاغتسال، والثواب أمر توقيفي، فيتوقف على الوجه الذي ورد عليه. (فرع) دخل المسجد في الساعة الأولى، ثم خرج وعاد إليه في الساعة الثانية مثلا فهل له بدنة وبقرة؟ الوجه: لا بل خروجه ينافي استحقاق البدنة بكمالها، بل ينبغي عدم حصولها لمن خرج بلا عذر، لأن المتبادر أنها لمن دخل واستمر.

ليلة الجمعة أو يومها - في الساعة الاولى بدنة، وفي الثانية: بقرة، وفي الثالثة: كبشا أقرن، والرابعة: دجاجة، والخامسة: عصفورا، والسادسة: بيضة. والمراد أن ما بين الفجر وخروج الخطيب ينقسم ستة أجزاء متساوية، سواء أطال اليوم، أم قصر. أما الامام فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة، للاتباع. ويسن الذهاب إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو حصلا له لزم أن يكون من غاب ثم رجع، أكمل ممن لم يغب، ولا يقوله أحد، خصوصا إن طالت غيبته، كأن دخل في أول الساعة الأولى، وعاد في آخر الساعة الثانية. اه. (قوله: غسل الجنانة) مفعول مطلق لاغتسال. (قوله: أي كغسلها) أي فهو تشبيه بليغ، ويدل عليه عدوله إليه عن قوله ومن اغتسل من الجنابة. (قوله: وقيل حقيقة) أي أنه اغتسل من الجنابة حقيقة. وحكاه بقيل لضعفه، لاقتضائه تخصيص الثواب بمن جامع، وهو خلاف المقصود. (قوله: بأن يكون جامع) تصوير لكون الغسل من الجنابة حقيقة في الخبر. (قوله: لأنه يسن) أي الجماع. قال في الإمداد: لتسكن نفسه. اه. وهو تعليل لكونه حقيقة. (وقوله: ليلة الجمعة أو يومها) قال البجيرمي: ظاهرة استواؤهما، لكن ظاهر الحديث أنه يومها أفضل. ويوجه بأن القصد منه أصالة: كف بصره عما يراه فيشتغل قلبه. كما في حجر. اه. (قوله: في الساعة الأولى) متعلق بالجائي. (وقوله: بدنة) إسم أن مؤخر. (قوله: وفي الثانية بقرة) أي وأن للجائي في الساعة الثانية بقرة، وهي تطلق على الذكر والأنثى، وتاؤها للوحدة. (قوله: وفي الثالثة كبشا أقرن) أي وأن للجائي في الساعة الثالثة كبشا أقرن، أي عظيم القرون. (قوله: والرابعة دجاجة) أي وأن للجائي في الساعة الرابعة دجاجة، وهي بتثليث الدال، والفتح أفصح. (قوله: والخامسة عصفورا) أي وأن للجائي في الساعة الخامسة عصفورا. (واعلم) أن المعتبر في أسنان تلك الحيوانات الكمال عرفا. كما في البرماوي. (قوله: والسادسة بيضة) أي وأن للجائي في الساعة السادسة بيضة. وهذا على ما في بعض الروايات ان الأقسام ستة، وفي بعضها الأقسام خمسة، كرواية: من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة. (قوله: والمراد إلخ) يعني أن المراد بالساعات المذكورة أن ما بين طلوع الفجر وخروج الخطيب ينقسم ستة أجزاء متساوية على ما في بعض الروايات أو خمسة أجزاء على ما في البعض الآخر. ويؤيد ما ذكر الخبر الصحيح، وهو: يوم الجمعة ثنتا عشر ساعة. إذ مقتضاه أن يومها لا يختلف، فلتحمل كل ساعة على مقدار سدس ما بين الفجر والزوال، ومن جاء أول ساعة أو وسطها أو آخرها يشتركون في أصل البدنة مثلا، لكنهم يتفاوتون في كمالها. وهذا هو المعتمد. قال في النهاية وفي أصل الروضة ليس المراد من الساعات الفلكية وهي الأربع والعشرون بل ترتيب درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة، لئلا يستوي فيها رجلان جاءآ في طرفي ساعة، ولئلا يختلف في اليوم الشاتي والصائف، إذ لا يبلغ ما بين الفجر والزوال في كثير من أيام الشتاء ست ساعات. فعليه: كل داخل بالنسبة لما بعده كالمقرب بدنة، وإلى من قبله بدرجة كالمقرب بقرة، وبدرجتين كالمقرب كبشا، وبثلاث كالمقرب دجاجة، وبأربع كالمقرب بيضة. لكن قال في شرحي المهذب ومسلم: بل المراد الفلكية، لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الأخير، وبدنة المتوسط متوسطة، كما في درجات صلاة الجماعة القليلة والكثيرة. فعليه: المراد بساعات النهار الفلكية اثنتا عشرة ساعة زمانية صيفا أو شتاء، وإن لم تساو الفلكية، فالعبرة بخمس ساعات منها أو ست، وهو المعول عليه، طال الزمان أو قصر. كما أشار إليه القاضي. وهو أحسن من قول الغزالي: اخر الأولى إلى طلوع الشمس، والثانية ارتفاعها، والثالثة انبساطها حتى ترمض الأقدام، والرابعة والخامسة الزوال. اه. (قوله: أما الإمام) المناسب: أما الخطيب، لأنه محترز قوله لغير خطيب. (وقوله: فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة) قال ويسن الذهاب إلخ، أي للخبر الصحيح: من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها. ومعنى غسل: قيل: جامع حليلته، فألجأها إلى الغسل، وقيل غسل ثيابه وغسل رأسه. ومعنى بكر بالتخفيف: خرج من بيته باكرا. وبالتشديد: أتى الصلاة أول وقتها. ومعنى ابتكر: أدرك أول

المصلى في طريق طويل، ماشيا بسكينة، والرجوع في طريق آخر قصير، وكذا في كل عبادة. ويكره عدو إليها، كسائر العبادات، إلا لضيق وقت، فيجب، إذا لم يدركها إلا به. (وتزين بأحسن ثيابه) وأفضلها الابيض، ويلي ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطبة. (وقوله: إلى المصلى) بفتح اللام المشددة، أي موضع الصلاة، مسجدا أو غيره. (وقوله: في طريق طويل) متعلق بالذهاب، ومحله إن أمن الفوات، وإلا فيذهب في طريق قصير. (وقوله: ماشيا) حال من فاعل الذهاب المقدر، أي يسن ذهابه حال كونه ماشيا، ومحله إن قدر عليه وإلا ركب. (وقوله: بسكينة) هي التأني في المشي والحركات واجتناب العبث، وحسن الهيئة، كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات. ويطلب ذلك أيضا للراكب على دابته، وإنما سنت لخبر الشيخين: إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة فإن قيل: قال تعالى: * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) * (1) فظاهره أن السعي مطلوب. أجيب بأن معناه: امضوا. لأن السعي يطلق على المضي وعلى العدو، فبينت السنة المراد به. (قوله: والرجوع في طريق آخر قصير) أي ويسن الرجوع في طريق آخر قصير. قال في التحفة: ويتخير فيه بين الركوب والمشي - كما يأتي في العيد -. اه. (قوله: وكذا في كل عبادة) أي وكذا يسن الذهاب في طريق طويل ماشيا بسكينة والرجوع في طريق آخر قصير، في كل عبادة، كالعيد، والجنازة، وعيادة المريض. ويستثنى منها النسك، فإن الركوب فيه أفضل، كما يأتي في بابه. (قوله: ويكره عدو) بفتح فسكون، وهو المشي بسرعة، وهو محترز قوله بسكينة. (قوله: إلا لضيق وقت) بحيث لو مشى بسكينة لم يدرك الصلاة كلها في الوقت. (وقوله: فيجب) أي العدو. والمناسب أن يقول فلا يكره، بل يجب. ومحل الوجوب إذا أطاق العدو. وقال سم: بقي ما إذا لم يدرك جماعة بقية الصلوات إلا بالسعي. وفي شرح الروض في باب الجماعة، بعد أن قرر أنه يمشي بسكينة وإن خشي فوات تكبيرة الإحرام، ما نصه: أما لو خاف فوات الجماعة. فقضية كلام الرافعي وغيره: أنه يسرع. وبه صرح الفارقي بحثا، وتبعه ابن أبي عصرون. والمنقول خلافه. اه. وما ذكره في شرح الروض قد مر عن شارحنا أيضا في الجماعة - في مبحث إدراك فضيلة التحرم - وعبارته: ويندب ترك الإسراع، وإن خاف فوت التحرم. وكذا الجماعة - على الأصح - إلا في الجمعة فيجب طاقته إن رجا إدراك التحرم قبل سلام الإمام. اه. (وقوله: إذا لم يدركها إلا به) قيد في الوجوب، أي يجب إذا لم يدرك الجمعة، ومثلها بقية الصلوات، إلا بالعدو. ولا حاجة إلى ذكر القيد المذكور، إذ الوجوب مفرع على ضيق الوقت فتنبه. وفي ع ش: ولو توقف إدراك الجمعة على السعي قبل الفجر لم يجب، كما هو ظاهر وصريح كلامهم، اه. (قوله: وتزين بأحسن ثيابه) أي وسن تزين بما ذكر، لخبر ابن حبان: من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه، ومس من طيب كان عنده، ثم أتى الجمعة ولم يتخط أعناق الناس ثم صلى ما كتبه الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها. ومما يعزى الإمام الشافعي - رضي الله عنه: حسن ثيابك ما استطعت فإنها * * زين الرجال بها تعز وتكرم ودع التخشن في الثياب تواضعا * * فالله يعلم ما تسر وتكتم فجديد ثوبك لا يضرك بعد أن * * تخشى الإله، وتتقي ما يحرم ورثيت ثوبك لا يزيدك رفعة * * عند الإله، وأنت عبد مجرم (قوله: وأفضلها الأبيض) أي أفضل الثياب الأبيض، لخبر الترمذي: البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم. ويسن أن تكون جديدة، فإن لم تكن جديدة فقريبة منها. ويسن أن يزيد الإمام في حسن الهيئة، للاتباع ولأنه منظور إليه. والأكمل أن تكون ثيابه كلها - حتى العمامة - بيضاء، فإن لم تكن كلها فأعلاها. ويطلب ذلك - حتى في غير يوم الجمعة - لإطلاق الخبر المذكور. نعم، المعتبر في العيد الأغلى في الثمن، لأنه يوم زينة.

_ (1) الجمعة 9

الابيض ما صبغ قبل نسجه. قال شيخنا: ويكره ما صبغ بعده، ولو بغير الحمرة. اه. ويحرم التزين بالحرير، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال سم: بقي ما لو كان يوم الجمعة يوم عيد، فهل يراعى الجمعة فيقدم الأبيض، أو العيد فالأغلى، أو يراعي الجمعة وقت إقامتها فيقدم الأبيض حينئذ، والعيد في بقية اليوم فيقدم الأغلى فيها؟ لكن قد يشكل على هذا الآخر أن قضية قوله في كل زمن أنه إن روعيت الجمعة روعيت في جميع اليوم، وقد يرجح مراعاة العيد مطلقا أن الزينة فيه آكد منها في الجمعة، ولهذا سن الغسل وغيره فيه لكل أحد وإن لم يحضر. فليتأمل. اه. (فائدة) قال في شرح الروض: وينبغي طي الثياب، فقد روى الطبراني بأسانيد ضعاف خبر: أطووا ثيابكم ترجع إليها أرواحها فإن الشيطان إذا وجد الثوب مطويا لم يلبسه، وإذا وجده منشورا لبسه. وخبر: إذا طويتم ثيابكم فاذكروا اسم الله لا يلبسها الجن بالليل وأنتم بالنهار فتبلى سريعا. اه. (قوله: ويلي الأبيض) أي في الفضيلة. (وقوله: ما صبغ قبل نسجه) أي بأن صبغ أول غزله، ثم نسج بعده. (قوله: قال شيخنا) عبارة التحفة: ويلي الأبيض ما صبغ قبل نسجه، ويكره ما صبغ بعده، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يلبسه. كذا ذكره جمع متقدمون، واعتمده المتأخرون. وفيه نظر. فإن إطلاق الصحابة للبسه - صلى الله عليه وسلم - المصبوغ على اختلاف ألوانه يدل على أنه لا فرق، وفي حديث - اختلف في ضعفه - أنه - صلى الله عليه وسلم - أتي له - بعد غسله - بملحفة مصبوغة بالورس، فالتحف بها. قال راوية قيس بن سعد - رضي الله عنهما -: وكأني أنظر أثر الورس على عكنه. وهذا ظاهر في أنها مصبوغة بعد النسج. بل يأتي قبيل العيد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصبغ ثيابه بالورس، حتى عمامته. وهذا صريح فيما ذكرته. اه. وإذا تأملتها تعلم أن شيخه لم يجزم بالكراهة، بل نقلها عن قوم، وهو لم يرتضها، لأنه نظر فيها، إلا أن يقال إنه جزم بها في غير التحفة، ثم رأيته في الفتح جزم بها. وعبارته: وما صبغ غزله قبل النسج أولى مما صبغ بعده، بل هذا مكروه اه. وعليه: فلا إشكال، إلا أنه يبقى عليه أن ما غيابه وهو ولو بغير الحمرة ليس ثابتا في العبارة المذكورة. (قوله: ويحرم التزين الخ) أي على الذكر البالغ والخنثى، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تلبسوا الحرير ولا الديباج. وقول حذيفة - رضي الله عنه - نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه ويروي أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ في يمينه قطعة حرير، وفي شماله قطعة ذهب، وقال: هذان حرام على ذكور أمتي، حل لإناثهم. وحكمة التحريم أنه مع ما فيه من معنى الخيلاء، يورث رفاهية، وزينة، وإبداء زي يليق بالنساء دون شهامة الرجال والتشبه بالنساء حرام كعكسه. قال ع ش: وهو من الكبائر. (واعلم) أن الفقهاء ترجموا للباس بباب مستقل، ومعظمهم ذكره عقب صلاة شدة الخوف، اقتداء بالشافعي - رضي الله عنه - وبعضهم ذكره عقب الجمعة وبعضهم ذكره في العيد. لكل وجهه، والمؤلف - رحمه الله - اختار ذكره في باب الجمعة، لأن المناسبة في ذكره فيه أتم من ذكره في غيره، إلا أنه فاتته الترجمة له ولعله للاختصار. (قوله: بالحرير) أي باستعماله، ولو بنحو افتراش وتستر وغيرهما، مما يعد استعمالا عرفا، لا مشية عليه، فلا يحرم، لأنه لمفارقته له حالا لا يعد مستعملا له عرفا. ومثله - كما في سم -: ما لو أدخل يده تحت ناموسية مفتوحة مثلا، وأخرج كوزا من داخلها فشرب منه، ثم أدخل يده فوضعه تحتها. ويحرم لبس ما ظهارته وبطانته غير حرير وفي وسطه حرير - كاللحاف - إلا أن خيطا عليه فلا يحرم لأنه بالخياطة عليه صار كالحشو وحشو الحرير جائز. ويحرم الجلوس تحت سحابة أو خيمة أو ناموسية من حرير، ويحرم على الرجل النوم في ناموسية الحرير، ولو مع المرأة، وكذلك دخوله معها في الثوب الحرير الذي تلبسه، بخلاف ما إذا علا عليها من غير دخول فلا يحرم. ويحرم كتابة الرجل عليه، ولو لصداق امرأة، ونقش عليه، وستر جدار به كما يقع في أيام الزينة والفرح. نعم، إن أكرههم الحاكم على الزينة فلا يحرم لعذرهم، ويحرم التفرج عليها، ويحرم إلباسه للدواب، لأنه لمحض الزينة، بخلاف إلباسه للصبي والمجنون، فيجوز، فإنه لغرض الانتفاع.

ولو قزا، وهو نوع منه كمد اللون، وما أكثره وزنا - من الحرير، لا ما أقله منه، ولا ما استوى فيه الامران. ولو شك في الاكثر، فالاصل الحل، على الاوجه. (فرع) يحل الحرير لقتال، إن لم يجد غيره، أو لم يقم مقامه في دفع السلاح. وصحح في الكفاية قول جمع: يجوز القباء وغيره مما يصلح للقتال وإن وجد غيره، إرهابا للكفار، كتحلية السيف بفضة. ولحاجة كجرب إن آذاه غيره، أو كان فيه نفع لا يوجد في غيره، وقمل لم يندفع بغيره، ولامرأة ولو بافتراش، لا له، بلا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ولو قزا) الغاية للرد على القول بأنه يحل، لأنه لا يقصد للزينة. (قوله: وهو نوع منه) أي القز نوع من الحرير، فهو أعم منه ومن الإبريسم. وذلك لأن القز ما قطعته الدودة وخرجت منه حية، والإبريسم ما ماتت فيه، والحرير يعمهما، خلافا لما وقع في بعض الحواشي، من أن الحرير اسم لما ماتت في الدودة وحل عنها بعد الموت، لأنه عليه يصير القز مباينا له، لا نوعا منه. (وقوله: كمد اللون) أي متغير اللون، ليس بصاف. (قوله: وما أكثره الخ) معطوف على الحرير، أي ويحرم التزين بما أكثره من الحرير. (وقوله: وزنا لا ظهورا) منصوبان على التمييز، أي أن العبرة في الكثرة بالوزن لا بالظهور، فالثوب الذي أكثره حرير بالوزن لا يحرم استعماله، وإن لم يظهر الحرير فيه، والذي حريره أقل بالوزن لا يحرم استعماله، ولو ظهر الحرير فيه. (قوله: لا ما أقله منه) أي لا يحرم ما أقله من الحرير وأكثره من غيره، والمراد وزنا، كالذي قبله. (قوله: ولا ما استوى فيه الأمران) أي ولا يحرم استعمال ما استوى فيه الحرير وغيره، أي وزنا لأنه لا يسمى ثوب حرير. والأصل الحل. وصح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب المصمت. أي الخالص، فأما العلم - أي الطراز - ونحوه وسدي الثوب، فلا بأس به. (قوله: ولو شك في الأكثر) أي في أن الأكثر الحرير أو غيره؟ ومثله ما لو شك في استوائهما. (وقوله: فالأصل الحل) خالف فيه م ر، عبارته: ولو شك في كثرة الحرير أو غيره أو استوائهما حرم جزم به في الأنوار. ويفرق بينه وبين عدم تحريم المضبب إذا شك في كثرة الضبة بالعمل بالأصل فيهما، إذ الأصل حل استعمال الإناء قبل تضبيبه، والأصل تحريم الحرير لغير المرأة. (قوله: فرع) أي في بيان صور مستثناة من حرمة استعمال الحرير. (قوله: يحل الحرير لقتال) أي جائز، سواء فاجأه القتال أم لا. وعبارة سم: قال في التنبيه: ويجوز للمحارب لبس الديباج الثخين الذي لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح، ولبس المنسوج بالذهب إذا فاجأته الحرب ولم يجد غيره. اه. قال ابن النقيب في شرحه: قوله: إذا فاجأته الحرب ولم يجد غيره: شرط في المنسوج بالذهب، وهل هو شرط في الديباج الثخين؟ قيل: نعم: والأصح أنه لا يشترط فيه ذلك. اه (قوله: إن لم يجد غيره) أي الحرير. (وقوله: أو لم يقم مقامه) أي أو وجد غيره ولكنه لم يقم مقام الحرير في دفع السلاح، وخرج به ما إذا وجد ما يقوم مقامه في ذلك، فيحرم عليه لبسه. (قوله: وصحح في الكفاية إلخ) قال الجمال الرملي: والأوجه خلافه، أخذا بظاهر كلامهم. وفرق ع ش بينه وبين تحلية السيف، بأن التحلية مستهلكة غير مستقلة، وفي الآلة المنفصلة عن البدن، بخلاف التزين بالحرير فيهما. (وقوله: يجوز القباء) مقول قول جمع. (وقوله: وغيره) أي غير القباء من الحرير، كما هو الفرض. والقباء: الثوب المشقوق من أمام، كالجبة المعهودة. (وقوله: مما يصلح للقتال) بيان لغير القباء. (وقوله: وإن وجد غيره) أي غير الحرير، وهو غاية ليجوز. (وقوله: إرهابا للكفار) علة الجواز. (قوله: كتحلية السيف بفضة) أي فإنها جائزة. ومثل السيف، سائر آلات الحرب. وعبارة الفتح مع الأصل: وجاز للرجل تحلية آلة حرب بلا سرف، بأن لا يجاوز المعتاد، كسيف، ورمح، وطرف سهم، ومنطقة، وخف، ودرع، وجوشن، وبيضة، بفضة للاتباع، لا بذهب، والخبر المبيح له، ضعفه ابن القطان، وإن حسنه الترمذي، لا تحلية نحو سرج، ولجام، وركاب، وبرة ناقة، وقلادة دابة، وسكين خدمة، ومقلمة، ومقراض، ولو بفضة، لأنها غير ملبوسة للراكب، كالأواني. اه. (قوله: ولحاجة) معطوف على القتال، من عطف العام على الخاص، إذ من جملة الحاجة القتال. وعبارة الإرشاد: وجاز لحاجة كقتال، وحكة، وقمل. اه. والمراد بالحاجة: ما يعدم الضرورة، كحر وبرد مضرين، فيجوز استعماله فيهما بلبس وغيره، بحسب الضرورة. (قوله: كجرب) بفتح الجيم والراء، ومما جرب له أن يطلى بالحناء

حائل. ويحل منه - حتى للرجل - خيط السبحة، وزر الجيب، وكيس المصحف والدراهم، وغطاء العمامة، وعلم الرمح، لا الشرابة التي برأس السبحة. ويجب لرجل لبسه حيث لم يجد ساتر العورة غيره، حتى في ـــــــــــــــــــــــــــــ والسمن القديم. اه. برماوي. (قوله: إن آذاه غيره) أي غير لبس الحرير، وهو قيد لجواز لبسه للجرب. (قوله: أو كان فيه نفع) أي أو لم يؤذه غيره إلا أن في الحرير نفعا لا يوجد في غيره. (قوله: وقمل) معطوف على جرب. أي وكقمل، فهو مثال ثان للحاجة. (وقوله: لم يندفع بغيره) قيد في حل لبس الحرير للقمل، أي يحل لبسه إذا كان فيه قمل لا يندفع إلا به، والأصل فيه وفيما قبله ما رواه الشيخان من أنه - صلى الله عليه وسلم - رخص لعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام في لبس الحرير لحكة كانت بهما، وأنه رخص لهما لما شكوا إليه القمل في قمص الحرير. وذلك لأن الحرير خاصيته أن لا يقمل. ومما جرب لدفع القمل أن يطلى خيط من الصوف بالزئبق، ويجعل في عنقه كالسبحة. (قوله: ولا مرأة) معطوف على القتال، أي ويحل استعماله لامرأة باللبس والفرش وغيرهما، لما مر في الحديث: حل لإناثهم ولأن تزيين المرأة بذلك يدعو إلى الميل إليها ووطئها، فيؤدي إلى ما طلبه الشارع من كثرة النسل. وقوله: ولو بافتراش الغاية للرد على المخالف القائل بحرمة افتراشها إياه للسرف والخيلاء، بخلاف اللبس فإنه يزينها للحليل. (قوله: لا له) الضمير يعود على الرجل المعلوم من المقام، أي ولا يحل للرجل. وفيه أن التصريح بهذا لا حاجة إليه، لأن الحرمة المذكورة بقوله ويحرم التزين، إنما هي عليه وعلى الخنثى كما علمت فكان المناسب حذفه، والتصريح بما زدته هناك من قولي: أي الذكر البالغ والخنثى. (قوله: بلا حائل) يحتمل ارتباطه بالغاية فيكون متعلقا بمحذوف صفة لافتراش. ويحتمل ارتباطه بالنفي بالنسبة للافتراش، وهو الأقرب من صنيعه، أي لا يحل الحرير للرجل بلا حائل فيما إذا فرشه تحته. أما مع وجود الحائل فيحل له، فلو فرش رجل - ومثله الخنثى - على الفراش الحرير شيئا غير حرير - ولو خفيفا مهلهل النسج - وجلس فوقه جاز، كما يجوز جلوسه على مخدة محشوة بحرير، وعلى نجاسة بينه وبينها حائل، حيث لم تلاق شيئا من بدن المصلي وثيابه، وكما يجوز الجلوس عليه مع الحائل يجوز الاستناد إليه معه. (قوله: ويحل منه) أي الحرير. (وقوله: حتى للرجل غاية في الحل) أي ويحل مطلقا للرجل وغيره. (وقوله: خيط السبحة) قال الزيادي: وينبغي أن يلحق به خيط السكين، وخيط المفتاح. وقال القليوبي: يحل خيط مصحف، وخيط ميزان وقنديل، ونحو تكة لباس. ونقل عن شيخنا الزيادي حل منديل فراش الزوجة للرجل. قال: وفيه نظر. اه. كردي: (قوله: والدراهم) أي وكيس الدراهم. وقوله: وغطاء العمامة أي ويحل غطاء العمامة. واعتمد م ر وأتباعه فيه وفي كيس الدراهم الحرمة. وقال ع ش: محل الحرمة في استعمال غطاء العمامة. إذا كان هو المستعمل له، أما لو كانت زوجته مثلا هي التي تباشر ذلك، فهل يحرم لأنها مستعملة له فيما ليس لبسا لها ولا افتراشا أم لا؟ فيه نظر. والأقرب الأول، لأنها إنما استعملته لخدمة الرجل، لا لنفسها. (قوله: وعلم الرمح) قال في القاموس: العلم محركة: الحبل الطويل، والراية، وما يعقد على الرمح، وسيد القوم. اه. والثالث هو المراد هنا. (قوله: لا الشرابة التي برأس السبحة) أي لا تحل الشرابة. وعبارة بعضهم: وفي شراريبها تردد، فقيل تحل مطلقا، وقيل تحرم مطلقا، والمعتمد التفصيل، فإن كانت من أصل خيطها جازت، وإلا فلا. (قوله: ويجب لرجل لبسه الخ) أي يجب على الرجل أن يلبس الحرير، حيث لم يجد ساترا للعورة غيره للحاجة، فإن وجده حرم لبسه. وفي ع ش ما نصه: (فرع) إذا اتزر ولم يجد ما يرتدي به ويتعمم من غير الحرير؟ قال أبو شكيل: الجواب أنه لا يبعد أن يرخص له في الارتداء أو التعمم به إذا لم يجد غيره وكان تركه يزري بمنصبه، فإن خرج متزرا مقتصرا على ذلك نظر: فإن قصد بذلك الاقتداء بالسلف وترك الالتفات إلى ما يزري بالمنصب لم تسقط بذلك مروءته، بل يكون فاعلا للأفضل، وإن لم يقصد ذلك بل فعل ذلك انخلاعا وتهاونا بالمروءة سقطت مروءته. كذا في الناشري بأبسط من هذا. اه. سم على منهج. ومن ذلك يؤخذ أن لبس الفقيه القادر على التجمل بالثياب التي جرت بها عادة أمثاله ثيابا دونها في الصفة والهيئة، إن كان لهضم النفس والاقتداء بالسلف الصالحين لم يخل بمروءته، وإن كان لغير ذلك أخل بها. اه. ومنه: ما لو ترك ذلك معللا بأن حاله معروف، وأنه لا يزيد مقامه عند الناس باللبس ولا ينقص. بعدمه، وإنما كان هذا مخلا لمنافاته منصب الفقهاء، فكأنه استهزأ بنفس الفقه. اه. (وقوله: ساتر العورة)

الخلوة. ويجوز لبس الثوب المصبوغ بأي لون كان، إلا المزعفر. ولبس الثوب المتنجس في غير نحو الصلاة، حيث لا رطوبة، لا جلد ميتة، بلا ضرورة، كافتراش جلد سبع كأسد، وله إطعام ميتة لنحو طير، لا كافر، ـــــــــــــــــــــــــــــ مفعول ليجد، وهو يطلب مفعولا واحدا، لأنه من وجد بمعنى أصاب. (وقوله: غيره) أي الحرير، وهو بدل من ساتر. (وقوله: حتى في الخلوة) غاية لوجوب اللبس. (قوله: إلا المزعفر) أي المصبوغ بالزعفران فيحرم، لأن حكمه حكم الحرير، حتى لو صبغ به أكثر الثوب حرم. قال الكردي: وفي الإمداد: والأقرب تحريم ما زاد على أربع أصابع. قال: نعم، إن صبغ السدي أو اللحمة بنحو زعفران اتجه أن يأتي فيه تفصيل المركب السابق في الحرير. وفي النهاية: الأوجه أن المرجع في ذلك العرف، فإن صح إطلاق المزعفر عليه حرم، وإلا فلا. اه. ومثل المزعفر في الحرمة: المعصفر، للأخبار الدالة على ذلك، ولأنه من زي النساء. قال في شرح الروض: وقول الشافعي يحرم على الرجل المزعفر دون المعصفر. قال البيهقي فيه: الصواب تحريم المعصفر عليه أيضا، للأخبار الصحيحة التي لو بلغت الشافعي لقال بها، وقد أوصى بالعمل بالحديث الصحيح. ذكر ذلك في الروضة وغيرها. اه. وفي التحفة: قال الزركشي عن البيهقي: وللشافعي نص بحرمته، فيحمل على ما بعد النسج، والأول على ما قبله، وبه تجتمع الأحاديث الدالة على حله، والدالة على حرمته، ويرد بمخالفته لإطلاقهم الصريح في الحرمة مطلقا، وله وجه وجيه، وهو أن المصبوغ بالعصفر من لباس النساء المخصوص بهن فحرم للتشبه بهن، كما أن المزعفر كذلك، وإنما جرى الخلاف في المعصفر دون المزعفر، لأن الخيلاء والتشبه فيه أكثر منهما في المعصفر. واختلف في الورس، فألحقه جمع متقدمون بالزعفران، واعترض بأن قضية كلام الأكثرين حله. اه. (قوله: ولبس الثوب المتنجس) معطوف على لبس الثوب المصبوغ، أي ويجوز لبس الثوب المتنجس، أي ولو بغير معفو عنه، لأن تكليف استدامة طهارة الملبوس مما يشق، خصوصا على الفقير، وبالليل، لأن نجاسته عارضة سهلة الإزالة. ومع حل لبسه يحرم المكث به في المسجد من غير حاجة إليه - كما بحثه الأذرعي - لأنه يجب تنزيه المسجد عن النجس. قال في النهاية: ويستثنى من ذلك - أي من حل لبسه - ما لو كان الوقت صائفا بحيث يعرق فيتنجس بدنه ويحتاج إلى غسله للصلاة مع تعذر الماء. اه. وقوله: مع تعذر الماء. قال سم: الفرق بين ما أفهمه من الجواز حيث لم يتعذر الماء والمنع، إذا كان بدنه مترطبا بغير العرق شدة الابتلاء بالعرق. اه. (قوله: في غير نحو الصلاة) متعلق بيجوز المقدر. أي يجوز لبس ذلك في غير نحو الصلاة كالطواف والخطبة، أما لبسه في نحو ذلك فيحرم. وهذا إن كانت الصلاة مفروضة، ومثلها الطواف، ولبسه بعد الشروع فيه. فإن كان ما ذكر نفلا فلا يحرم لجواز قطعه، أو لبسه قبل الشروع فيه سواء كان فرضا أو نفلا واستمر فيه فلا حرمه من جهة لبسه، وإنما الحرمة من جهة تلبسه بعبادة فاسدة، أو استمراره فيها. أفاده في النهاية. (قوله: حيث لا رطوبة) قيد في الجواز، أي يجوز حيث لم توجد رطوبة، أي في الثوب أو البدن، فإن وجدت حرم لحرمة التلطيخ بالنجاسة. (قوله: لا جلد ميتة) بالجر معطوف على الثوب المتنجس، أي لا يجوز لبس جلد ميتة، سواء كانت ميتة كلب، أو خنزير، أو غير ذلك. وعبارة التحفة مع الأصل: لا جلد كلب وخنزير. وفرع أحدهما فلا يحل لبسه لغلظ نجاسته إلا لضرورة كفجأة قتال، أو خوف نحو برد ولم يجد غيره، نظير ما مر في الحرير. وخرج بلبسه استعماله في غيره، كافتراشه، فيحل قطعا - كما في الأنوار - وإن قال الزركشي المذهب المنصوص أنه لا ينتفع بشئ منهما. وكذا جلد الميتة غيرهما فيحرم لبسه في حال الاختيار - في الأصح - لنجاسة عينه، مع ما عليه من التعبد باجتناب النجس لإقامة العبادة. اه. (وقوله: بلا ضرورة) متعلق بيجوز المقدر، واحترز به عما إذا وجدت ضرورة، كخوف على نحو عضو من نحو شدة برد، وكفجأة حرب ولم يجد ما يقوم مقامه، فيجوز لبسه وإلباسه، كأكل الميتة للمضطر. (قوله: كافتراش جلد سبع) الكاف للتنظير في عدم الجواز، لكن قيده في التحفة بما إذا كان به شعر. وعبارتها: ويحرم نحو جلوس على جلد سبع كنمر وفهد به شعر، وإن جعل إلى الأرض - على الأوجه - لأنه من شأن المتكبرين. اه. ويؤخذ من العلة أن الحرمة لا من جهة النجاسة، فلا ينافي حينئذ ما مر عنه قريبا من أن افتراش جلد الكلب والخنزير لا يحرم. (قوله: وله إطعام ميتة) أي يجوز للشخص إطعام ميتة. (وقوله: لنحو طير) أي من كل حيوان طاهر أو نجس، ككلب، وخنزير. (قوله: لا كافر) أي لا يجوز

ومتنجس لدابة، ويحل مع الكراهة، استعمال العاج في الرأس واللحية حيث لا رطوبة، وإسراج بمتنجس بغير مغلظ إلا في مسجد، وإن قل دخانه - خلافا لجمع -. وتسميد أرض بنجس، لا اقتناء كلب - إلا لصيد أو حفظ ـــــــــــــــــــــــــــــ إطعامها لكافر، أي وصبي غير مميز، كما لا يجوز إطعامها للمسلم وللصبي المميز. ولو قال لآدمي ولو كافرا لكان أولى. (قوله: ومتنجس لدابة) أي ويجوز إطعام طعام متنجس ولو بمغلظ لدابة. ولو جمع بين هذا وما قبله وقال: وله إطعام ميتة ومتنجس لدابة لكان أخصر وأولى، لإيهام عبارته أن نحو الطير ليس من الدواب، وليس كذلك، ويدل له قوله تعالى: * (والله خلق كل دابة من ماء) * قال المفسرون: الدابة كل ما دب على الأرض من الحيوان، وكما يجوز إطعام الدواب ذلك يجوز إسقاؤها الماء المتنجس. (قوله: ويحل مع الكراهة استعمال العاج) عبارة الروض وشرحه: ولو كان النجس مشط عاج جافا فإنه يحرم استعماله. والتصريح بهذا من زيادته على الروض أخذه من كلام الرافعي في الكلام على وصل الشعر، ومن كلام الأسنوي هنا، فإنه رد به قول النووي في مجموعه المشهور للأصحاب أن استعمال العاج في الرأس واللحية حيث لا رطوبة يكره، ولا يحرم، فقال: وما قاله غريب ووهم عجيب، فإن هذا التفصيل إنما ذكره الأصحاب في وضع الشئ في الإناء منه - أي العاج - فالتبس عليه ذلك بالاستعمال في البدن. اه. وما قال هو الغريب، والوهم العجيب، فقد نص على التفصيل المذكور في المشط والإناء: الشافعي في البويطي، وجزم به جمع منهم القاضي أبو الطيب، والشيخ أبو علي الطبري، والماوردي، وكأنهم استثنوا العاج لشدة جفافه مع ظهور رونقه. اه. قال ع ش: وينبغي جواز حمله لقصد استعماله عند الاحتياج إليه، ومعلوم أن محل ذلك في غير الصلاة ونحوها، أما فيهما فلا يجوز، لوجوب اجتناب النجاسة فيهما في الثوب والبدن والمكان. اه. وفي المصباح: والعاج أنياب الفيل، قال الليث: ولا يسمى غير الناب عاجا، والعاج ظهر السلحفاة البحرية. وعليه يحمل أنه كان لفاطمة - رضي الله عنها - سوار من عاج. ولا يجوز حمله على أنياب الفيلة، لأن أنيابها ميتة، بخلاف السلحفاة. والحديث حجة لمن يقول بالطهارة. اه. (قوله: في الرأس واللحية) يفيد أنه لو استعمله في غيرهما من بقية البدن حرم. (قوله: حيث لا رطوبة) ظرف متعلق بيحل، أي يحل ذلك حيث لا رطوبة موجودة، أي في الرأس واللحية أو في العاج. فإن وجدت الرطوبة حرم، لتلطخ الرأس واللحية حينئذ بالنجاسة، وهو حرام. (قوله: وإسراج بمتنجس) معطوف على استعمال العاج، أي ويحل مع الكراهة إسراج بمتنجس، لأنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الفأرة تقع في السمن الذائب، فقال: استصبحوا به أو قال: انتفعوا به. رواه الطحاوي ووثق رواته. وحينئذ يجوز إصلاح الفتيلة بإصبعه، ويعفى عما أصابه منه لقتله. (قوله: بغير مغلظ) متعلق بمتنجس، أي بدهن متنجس بنجاسة غير مغلظة، وهي نجاسة الكلب والخنزير. فإن كان متنجسا به لا يحل الإسراج به لغلظ نجاسته، ويحل الإسراج أيضا بدهن نجس، كدهن الميتة - غير دهن الكلب والخنزير - أما هو فلا يحل لغلظه. (قوله: إلا في مسجد) أي إلا الإسراج به في مسجد، فإنه يحرم مطلقا، انفصل منه دخان مؤثر في نحو حيطانه ولو قليلا أم لا، لحرمة إدخال النجاسة فيه لشرفه. نعم، إن لم يوجد ما يوقد به غيره، واضطر إليه. اتجه جوازه للضرورة بشرط من تلويث المسجد به. ومثل المسجد الموقوف، فيحرم الإسراج فيه بالنجس، بشرط تلويثه به، فإن لم يحصل منه تلويث جاز، وأما ملك الغير، كالدار المستأجرة والمعارة، إن أدى الإسراج به إلى تنجس شئ منه بما لا يعفى عنه، أو بما ينقص قيمته أو أجرته بأن طال زمنه بحيث يعلق الدخان بالسقف أو الجدران حرم، وإلا فلا يحرم. ويجوز تنجيسه بما جرت العادة به كتربية الدجاج، والحمام، ونحو ذلك، وكذا الموقوف. (قوله: وإن قل دخانه) غاية في حرمة الإسراج بالمتنجس في المسجد. (قوله: خلافا لجمع) أي قالوا بعدم حرمة الإسراج به في المسجد، وعللوا ذلك بقلة الدخان. (قوله: وتسميد أرض) بالرفع. معطوف على استعمال العاج أيضا، أي ويحل مع الكراهة تسميد أرض، أي جعل سماد أي سرجين بها، للحاجة إليه. (وقوله: بنجس) متعلق بتسميد، ولا حاجة إليه، لأنه مستفاد من لفظ تسميد، هكذا في شرح الروض والفتح. ثم رأيت في المصباح: أن السماد ما يصلح به الزرع من تراب وسرجين، وعليه: فيكون قوله بنجس قيدا لإخراج التراب، فإنه لا كراهة فيه. وعبارته: السماد، وزان سلام، ما يصلح به الزرع من تراب وسرجين. وسمدت الأرض تسميدا: أصلحتها بالسماد. اه. (قوله:

مال - ويكره - ولو لامرأة - تزيين غير الكعبة، كمشهد صالح بغير حرير، ويحرم به. (وتعمم) لخبر: إن الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة، ويسن لسائر الصلوات. وورد في حديث ضعيف ما يدل على أفضلية كبرها. وينبغي ضبط طولها وعرضها بما يليق بلابسها عادة، في زمانه، فإن زاد فيها على ذلك كره، وتنخرم مروأة فقيه بلبس عمامة سوقي لا تليق به، وعكسه. قال الحفاظ: لم يتحرر شئ في طول عمامته (ص) ـــــــــــــــــــــــــــــ لا اقتناء كلب) أي لا يحل اقتناؤه. (وقوله: إلا لصيد أو حفظ مال) أي فيحل، وذلك لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: من اقتنى كلبا، إلا كلب ماشية أو ضاربا، نقص من أجره كل يوم قيراطان. وفي رواية عن ابن عمر أنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: من اتخذ كلبا، إلا كلب زرع، أو غنم، أو صيد، ينقص من أجره كل يوم قيراط. (قوله: ويكره ولو لامرأة الخ) المناسب تقديم هذا على قوله: ويجوز لبس الثوب المصبوغ. إلخ. (قوله: غير الكعبة) أما هي، فيحل تزيينها حتى بالحرير إن خلا عن نقد، ومثلها قبره - صلى الله عليه وسلم - وسائر الأنبياء، لفعل السلف والخلف. (قوله: كمشهد صالح) أي كقبره، وهو تمثيل لغير الكعبة. وفي ع ش ما نصه: قال سم على منهج: اعتمد م ر أن ستر توابيت الصبيان والنساء والمجانين وقبورهم بالحرير جائز كالتكفين، بل أولى، بخلاف توابيت الصالحين من الذكور البالغين العاقلين، فإنه يحرم سترها بالحرير. ثم قال: ثم وقع منه الميل لحرمة ستر قبور النساء بالحرير، ووافق على جواز تغطية محارة المرأة. (فرع) هل يجوز الدخول بين ستر الكعبة وجدارها لنحو الدعاء؟ لا يبعد جواز ذلك، لأنه ليس استعمالا، وهو دخول لحاجة. وهل يجوز الالتصاق لسترها من خارج في نحو الملتزم؟ فيه نظر، فليحرر. اه. وقوله: وهو دخول لحاجة (أقول): قد تمنع الحاجة فيما ذكر، ويقال بالحرمة، لأن الدعاء ليس خاصا بدخوله تحت سترها، ويفرق بين هذا وبين جواز الالتصاق لسترها من خارج في نحو الملتزم، بأن الملتزم ونحوه مطلوب فيه أدعية مخصوصة. وقوله: فيه نظر فليحرر - الظاهر الجواز. اه. بتصرف. (قوله: بغير حرير) متعلق بتزيين. (قوله: ويحرم) أي التزيين. (وقوله: به) أي بالحرير. زاد في النهاية: والصور، وعلل الحرمة بعموم الأخبار. (قوله: وتعمم) معطوف على غسل، أي وسن لمريدها تعمم. (قوله: لخبر: إن الله وملائكته إلخ) أي ولخبر: صلاة بعمامة أفضل من خمس وعشرين بغير عمامة، وجمعة بعمامة أفضل من سبعين بغير عمامة وعن علي - رضي الله عنه -: العمائم تيجان العرب. وكانت عمائم الملائكة يوم بدر بيضاء، ويوم حنين حمراء. (قوله: ويسن) أي التعميم. وعبارة التحفة: وتسن العمامة للصلاة، ولقصد التجمل، للأحاديث الكثيرة فيها، واشتداد ضعف كثير منها يجبره كثرة طرقها، وزعم وضع كثير منها تساهل، كما هو عادة ابن الجوزي هنا، والحاكم في التصحيح - ألا ترى إلى حديث: اعتموا تزدادوا حلما. حيث حكم ابن الجوزي بوضعه، والحاكم بصحته، استرواحا منهما على عادتهما؟ وتحصل السنة بكونها على الرأس أو نحو قلنسوة تحتها. اه. (قوله: وورد في حديث ضعيف الخ) قال في التحفة: لكنه شديد الضعف، وهو وحده لا يحتج به ولا في فضائل الأعمال. اه. (قوله: وينبغي ضبط طولها وعرضها الخ) هذا تقييد لما يدل عليه الحديث الصحيح من أفضلية كبرها، فكأنه قال: محله إن كان الكبر يليق به، وإلا فليفعل اللائق به. قال ابن القيم: لم تكن عمامته - صلى الله عليه وسلم - كبيرة يؤذي الرأس حملها، ولا صغيرة تقصر عن وقاية الرأس من نحو حر أو برد، بل كانت وسطا بين ذلك، وخير الأمور الوسط. اه. (قوله: فإن زاد فيها) أي العمامة على ذلك، أي على ما يليق به. (قوله: كره) أي الزائد. وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) هل العمامة الكبيرة والتي بلا عذبة مكروهة أو لا؟ (فأجاب): إن كان كبرها لعذر، كبرد ونحوه، أو لكون كبرها من شعار علماء تلك الناحية وهو منهم، ولا يعرف ويقتدى بقوله ويمتثل أمره إلا إن كان عليه شعارهم، فلا كراهة في كبرها، بل هو حينئذ بقصد العذر سنة أو واجب، لأن التوقي عن الآفات والمهالك مندوب، بل واجب إن انحصر ذلك التوقي في شئ بعينه، ولأن اتخاذ شعار العلماء لمن هو منهم وتوقفت معرفة كونه منهم على ذلك سنة مؤكدة، لأنا مأمورون بنشر العلم، وهداية الضالين، وإرشاد المسترشدين الخ. اه. (قوله: وتنحرم مروءة فقيه بلبس عمامة سوقي لا تليق إلخ) ومثل العمامة غيرها من سائر الثياب، فتنخرم مروءة فقيه يلبس ثياب سوقي، وكذا عكسه. وكتب ع ش على قول م ر: نعم، ما صار شعارا للعلماء يندب لهم لبسه ليعرفوا ما

وعرضها. قال الشيخان: من تعمم فله فعل العذبة، وتركها، ولا كراهة في واحد منهما. زاد النووي: لانه لم يصح في النهي عن ترك العذبة شئ. انتهى. لكن قد ورد في العذبة أحاديث صحيحة وحسنة، وقد صرحوا بأن أصلها سنة. قال شيخنا: وإرسالها بين الكتفين أفضل منه على الايمن. ولا أصل في اختيار إرسالها على الايسر. وأقل ما ورد في طولها أربعة أصابع، وأكثره ذراع. قال ابن الحاج المالكي: عليك أن تتعمم قائما، وتتسرول قاعدا. قال في المجموع: ويكره أن يمشي في نعل واحدة، ولبسها قائما، وتعليق جرس فيها. ـــــــــــــــــــــــــــــ نصه، أي ويحرم على غيرهم التشبيه بهم فيه ليلحقوا بهم. وعبارة طب في ليلة النصف. وبحث الزركشي أنه يحرم على غير الصالح التزيي به إن غر به غيره حتى يظن صلاحه فيعطيه، قال بعضهم: وهو ظاهر، إن قصد به هذا التغرير. فليتأمل. ومثله من تزيا بزي العالم، وقد كثر في زماننا. اه. (قوله: قال الحفاظ: لم يتحرر إلخ) قال حجر: وما وقع للطبري من أن طولها نحو سبعة أذرع، ولغيره أن طولها سبعة أذرع في عرض ذراع، لا أصل له، لكن ذكر النووي أنه كان له - صلى الله عليه وسلم - عمامة قصيرة، وكانت ستة أذرع، وعمامة طويلة وكانت اثني عشر ذراعا. ولا يسن تحنيك العمامة عند الشافعية، وهو تحديق الرقبة وما تحت الحنك واللحية ببعض العمامة. واختار بعض الحفاظ ما عليه كثيرون، أنه يسن. وأطالوا في الاستدلال له بما رد عليهم. (قوله: فعل العذبة) هي اسم لقطعة من القماش تغرز في مؤخر العمامة. وينبغي أن يقوم مقامها إرخاء جزء من طرف العمامة من محلها. اه. ع ش. (قوله: وتركها) أي وله ترك العذبة. (قوله: لا كراهة في واحد منهما) أي الفعل والترك. (قوله: زاد النووي) أي علة عدم الكراهة، وهي لأنه الخ. (قوله: لكن قد ورد الخ) استدراك مما يفيده قول الشيخين فله فعل. إلخ. من أن ذلك جائز جوازا مستوي الطرفين. وأفاد به أن المراد بالجواز ما يشمل الندب. وعبارة التحفة: وجاء في العذبة أحاديث كثيرة، منها صحيح، ومنها حسن، ناصة على فعله - صلى الله عليه وسلم - لها لنفسه ولجماعة من أصحابه وعلى أمره بها، ولأجل هذا تعين تأويل قول الشيخين وغيرهما من تعمم فله إلخ: بأن المراد من فعل العذبة الجواز الشامل للندب. وتركه - صلى الله عليه وسلم - لها في بعض الأحيان إنما يدل على عدم وجوبها، أو عدم تأكد ندبها. اه. (وقوله: أحاديث صحيحة) منها ما روي عن نافع ابن عمر: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه. أي إذا لف عمامته على رأسه أرخى طرفها بين كتفيه. قال بعضهم: وكأن حكمة سنها: ما فيها من تحسين الهيئة. (قوله: وقد صرحوا) أي الفقهاء. (وقوله: بأن أصلها) أي العذبة، بقطع النظر عن كيفية إرسالها، هل من جهة اليمين أو اليسار أو بين الكتفين؟ وهذا يفيد أنه لم يرد في كيفية إرسالها شئ. وفي التحفة خلافه، وعبارتها: وقد استدلوا بكونه - صلى الله عليه وسلم - أرسلها بين الكتفين تارة، وإلى الجانب الأيمن أخرى، على أن كلا منهما سنة، وهذا تصريح منهم بأن أصلها سنة، لأن السنية في إرسالها إذا أخذت من فعله - صلى الله عليه وسلم - له، فأولى أن تؤخذ سنية أصلها من فعله لها، وأمره بهذا متكررا. اه. (قوله: وإرسالها) أي العذبة. (وقوله: أفضل) أي لأن حديث الأول أصح. (وقوله: منه) أي من إرسالها. (وقوله: على الأيمن) أي الجانب الأيمن. (قوله: ولا أصل في اختيار الخ) أي ولا دليل على اختيار إرسال العذبة على الشق الأيسر. قال في التحفة: وأما إرسال الصوفية لها من الجانب الأيسر لكونه جانب القلب، فتذكر تفريغه مما سوى ربه، فهو شئ استحسنوه والظن بهم أنهم لم يبلغهم في ذلك سنة، فكانوا معذورين. وأما بعد أن بلغتهم السنة فلا عذر لهم في مخالفتها. اه. (قوله: وأقل ما ورد في طولها) أي العذبة. قال في النهاية: ويحرم إطالتها طولا فاحشا. اه. وقيد في التحفة حرمة إفحاش الطول بما إذا قصد الخيلاء، وقال: فإن لم يقصد كره. (قوله: عليك إلخ) هو إسم فعل بمعنى الزم، والمصدر المؤول مفعوله، أي الزم التعمم قائما، والتسرول قاعدا. ومما ينسب لسيدنا علي - رضي الله عنه -: ما تسبتسمكت قط، ولا تر بعلبنت قط، ولا تعمقعددت قط، ولا تسرولقمت قط. أي ما أكلت السمك يوم السبت قط، ولا شربت اللبن يوم الأربعاء قط، ولا تعممت قاعدا قط، ولا تسرولت قائما قط. (قوله: ويكره أن يمشي في نعل واحدة) أي أو نحوها، كخف واحد. وذلك لخبر الصحيحين: لا يمشي أحدكم في النعل الواحدة، لينعلهما جميعا، أو ليخلعهما جميعا. وفي رواية لمسلم: إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمشي في الأخرى حتى يصلحها. والمعنى فيه

ولمن قعد في مكان أن يفارقه قبل أن يذكر الله تعالى فيه. (وتطيب) لغير صائم - على الاوجه - لما في الخبر الصحيح: أن الجمع بين الغسل، ولبس الاحسن، والتطيب، والانصات، وترك التخطي، يكفر ما بين الجمعتين. والتطيب بالمسك أفضل، ولا تسن الصلاة عليه (ص) عند شمه، بل حسن الاستغفار عنده - كما قال شيخنا -، وندب تزين بإزالة ظفر من يديه، ورجليه، لا إحداهما، فيكره. وشعر نحو إبطه وعانته لغير مريد التضحية في عشر ذي الحجة، وذلك للاتباع. وبقص شاربه حتى تبدو حمرة الشفة وإزالة ريح كريه، ووسخ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أن مشيه يختل بذلك، وقيل: لما فيه من ترك العدل بين الرجلين، والعدل مأمور به. وقيس بالنعل نحوها. اه. شرح الروض. (قوله: ولبسها قائما) أي ويكره لبسها قائما للنهي الصحيح عنه، خوف انقلابه. ويؤخذ منه أن المداس المعروفة الآن ونحوها لا يكره فيها ذلك، إذ لا يخاف منه انقلاب. ويسن أن يبدأ بيمينه لبسا. ويساره خلعا، وأن يخلع نحو نعليه إذا جلس، وأن يجعلهما وراءه أو بجنبه، إلا لعذر، كخوف عليهما، وذلك لخبر ابن عباس - رضي الله عنهما -: من السنة إذا جلس الرجل أن يخلع نعليه فيجعلهما لجنبه. رواه أبو داود بإسناد حسن. (قوله: وتعليق جرس فيها) أي ويكره تعليق جرس في النعل، أي ولو كان النعل لدفع الهوام. كما يكره استصحابه مطلقا، لما ورد إن ملائكة الرحمة لا تصحب من كان معه ذلك، فإن كان مع غيره، وعجز عن إزالته، وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما فعل هؤلاء، فلا تحرمني صحبة ملائكتك، وبركتهم. لم يحرمهما. وكذا من أنكر بقلبه عند عدم تمكنه من القول. كما استظهره العلامة ابن حجر. (قوله: ولمن قعد في مكان إلخ) أي ويكره لمن قعد في مكان أن يفارقه قبل أن يذكر الله فيه، لما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة. وعنه أيضا، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه، كانت عليه من الله ترة. وهي بكسر التاء وتخفيف الراء. ومعناه نقص، وقيل: تبعة، وقيل: حسرة. وعنه أيضا، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله تعالى ولم يصلوا على نبيهم فيه إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم. وعنه أيضا، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك. وفي حلية الأولياء، عن علي - رضي الله عنه - قال: من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى، فليقل في آخر مجلسه، أو حين يقوم: سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. (قوله: وتطيب) معطوف على غسل، أي وسن لمريد الجمعة تطيب، أي استعمال الطيب. (قوله: لغير صائم) أي غير محرم. أما الأول فيكره له استعمال الطيب. وأما الثاني فيحرم. وهذا التفصيل في حق الذكر. وأما المرأة والخنثى فيكره لهما الطيب عند إرادتهما حضور الجمعة مطلقا، كما يكره لهما الزينة ومفاخر الثياب عندما ذكر. نعم، يسن لهما قطع الرائحة الكريهة. (قوله: لما في الخبر الصحيح) أي ولقول الشافعي - رضي الله عنه - الآتي: (قوله: والتطيب بالمسك أفضل) قال في الفتح: وأفضل منه المخلوط بماء الورد. (قوله: وندب تزين بإزالة ظفر إلخ) للأخبار الآتية. (قوله: لا إحداهما) أي لا يندب التزين بإزالة ظفر من إحداهما. (قوله: فيكره) جواب شرط مقدر، أي أما التزين بإزالة الظفر من إحداهما فيكره، إن لم يكن هناك عذر. (قوله: وشعر نحو إبطه) معطوف على ظفر، أي وندب تزين بإزالة شعر نحو إبطه. والمراد بنحو ذلك: ما عدا الرأس - كأنفه - أما هو فلا يندب إزالة شعرة إلا في النسك، وفي المولود في سابع ولادته، وفي الكافر إذا أسلم وأما في غير ذلك فهو مباح، إلا إن تأذى ببقاء شعره، أو شق عليه تعهده، فيندب. قال ع ش: وكذا يندب إذا صار تركه مخلا بالمروءة. وينبغي له إذا أراد الجمع بين الحلق والغسل يوم الجمعة، أن يؤخر الحلق عن الغسل إذا كان عليه جنابة ليزيل الغسل أثرها عن الشعر. اه. (قوله: وعانته) إن جعلت اسما للنابت - كما هو الأشهر - فهي معطوفة على شعر، وإن جعلت اسما للمنبت فهي معطوفة على نحو إبطه. وعلى كل، هو من عطف الخاص على العام. (قوله: لغير مريد التضحية) متعلق بندب، أي ندب التزين لغير مريد التضحية. (وقوله: في عشر ذي

والمعتمد في كيفية تقليم اليدين: أن يبتدئ بمسبحة يمينه إلى خنصرها، ثم إبهامها، ثم خنصر يسارها إلى إبهامها على التوالي، والرجلين: أن يبتدئ بخنصر اليمنى إلى خنصر اليسرى على التوالي، وينبغي البدار بغسل محل القلم، ويسن فعل ذلك يوم الخميس أو بكرة الجمعة. وكره المحب الطبري نتف شعر الانف، قال: بل يقصه، لحديث فيه. قال الشافعي - رضي الله عنه -: من نظف ثوبه قل همه، ومن طاب ريحه زاد ـــــــــــــــــــــــــــــ الحجة) ظاهر صنيعه انه متعلق بمريد، وهو لا يصح، كما هو ظاهر، فيتعين أن يكون متعلقا بمحذوف، هو مفهوم قوله لغير مريد التضحية أي أما هو، فيكره له التزين بذلك في عشر ذي الحجة. ويدل على ذلك تصريحه به في مبحث الأضحية، وعبارته هناك: وكره لمريدها إزالة نحو شعره في عشر ذي الحجة، وأيام التشريق حتى يضحي. اه. ولو صرح به هنا لكان أولى. (قوله: وذلك) أي ندب التزين بما ذكر، للاتباع، والأولى تأخيره عن قوله بعده وبقص إلخ، ليكون دليلا له أيضا. (قوله: وبقص شاربه) معطوف على بإزالة، أي وندب تزين بقص شاربه، وهو المراد بالإحفاء المأمور به في خبر الصحيحين، ويكره استئصاله وحلقه. (قوله: وإزالة ريح كريه) بالرفع معطوف على تزين، أي وندب إزالة إلخ. وبالجر، معطوف على إزالة، أي وندب تزين بإزالة ريح كريه، أي بالماء أو غيره. (قوله: والمعتمد في كيفية تقليم إلخ) يعني أن المعتمد في إزالة الأظفار مخالفتها، لما روي: من قص أظفاره مخالفا لم ير في عينه رمدا. (وقوله: أن يبتدئ بمسبحة يمينه إلخ) وقيل يبدأ بخنصر اليمنى، ثم الوسطى، ثم الإبهام، ثم البنصر، ثم السبابة، ثم إبهام اليسرى، ثم الوسطى، ثم الخنصر، ثم السبابة، ثم البنصر. (قوله: والرجلين) معطوف على اليدين، أي والمعتمد في كيفية تقليم الرجلين. (قوله: وينبغي البدار بغسل محل القلم) وذلك لأن الحك به قبل الغسل يخشى منه البرص. (قوله: ويسن فعل ذلك) أي التزين بما ذكر. والأولى، ويسن ذلك، بحذف لفظ: فعل. (وقوله: يوم الخميس أو بكرة الجمعة) أي لورود كل. قال السيوطي في رسالته المسماة (بالإسفار عن قلم الأظفار) ما نصه: أخرج البزار والطبراني في الأوسط، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقلم أظفاره، ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة. وأخرج الطبراني عن عائشة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قلم أظفاره يوم الجمعة وقي من السوء في مثلها وأخرج البيهقي في سننه، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقلم أظفاره، ويقص شاربه في كل جمعة. وأخرج عبد الرازق عن سفيان الثوري أنه كان يقلم أظفاره يوم الخميس، فقيل له غدا يوم الجمعة. فقال: السنة لا تؤخر. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس، عن أبي هريرة مرفوعا: من أراد أن يأمن الفقر، وشكاية العمى، والبرص، والجنون، فليقلم أظفاره يوم الخميس بعد العصر. اه. وفي النهاية: قال في الأنوار: ويستحب قلم الأظفار في كل عشرة أيام، وحلق العانة كل أربعين يوما. وهذا جري على الغالب. والمعتبر في ذلك أنه مؤقت بطولها عادة. ويختلف حينئذ باختلاف الأشخاص والأحوال. اه. قال ابن حجر: وقد اشتهر على ألسنة الناس في ذلك وأيامه أشعار منسوبة لبعض الأئمة، وكلها زور وكذب. اه. وقوله: أشعار، منها قول بعضهم: في قص الأظفار يوم السبت آكلة * * تبدو، وفيما يليه تذهب البركه وعالم فاضل يبدو بتلوهما * * وإن يكن بالثلاثا فاحذر الهلكه ويورث السوء في الأخلاق رابعها * * وفي الخميس غنى يأتي لمن سلكه والعلم والحلم زيدا في عروبتها * * عن النبي روينا فاقتفوا نسكه (قوله: وكره المحب الطبري نتف إلخ) عبارة ع ش: وكره المحب الطبري نتف الأنف. قال: بل يقصه، لحديث فيه، قيل: بل في حديث: إن في بقائه أمانا من الجذام. اه. وينبغي أن محله: ما لم يحصل منه تشويه، وإلا فيندب قصه. اه. (قوله: قال الشافعي الخ) المناسب تقديم هذا وذكره بعد قوله وتطيب، أو بعد قوله كإزالة ريح كريه ووسخ، أو تأخير قوله وإزالة إلخ وتقديم قوله والمعتمد في كيفية تقليم إلى قوله لحديث فيه عليه. (وقوله: قل همه) الفرق بين

عقله. (و) سن (إنصات) أي سكوت مع إصغاء (لخطبة)، ويسن ذلك، وإن لم يسمع الخطبة، نعم، الاولى - لغير السامع - أن يشتغل بالتلاوة والذكر سرا، ويكره الكلام، ولا يحرم، خلافا للائمة الثلاثة: حالة الخطبة، ـــــــــــــــــــــــــــــ الهم والغم، كما قاله الحليمي: أن الهم ينشأ عنه النوم، والغم ينشأ عنه عدمه. اه. بجيرمي. (قوله: وسن إنصات) أي على الجديد، والقديم يوجبه، ويحرم الكلام. ومحل الخلاف: في كلام لا يتعلق به غرض مهدم ناجز، فإن تعلق به ذلك - كما لو رأى أعمى يقع في بئر - لم يكن حراما قطعا، بل قد يجب عليه ذلك، لكن يستحب أن يقتصر على الإشارة إن أغنت عن الكلام. (قوله: أي سكوت مع إصغاء) تفسير للإنصات، والإصغاء هو إلقاء السمع إلى الخطيب، فإذا انفك السكوت عن الإصغاء فلا يسمى إنصاتا. (قوله: الخطبة) متعلق بإنصات، أي وسن إنصات لخطبة، لقوله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن) * أي الخطبة * (فاستمعوا له وأنصتوا) *. (قوله: ويسن ذلك) أي الإنصات. والأولى والأخصر حذف هذا، والاقتصار على الغاية بعده. (قوله: وإن لم يسمع الخطبة) غاية في السنية، وأفهمت أن ندب الإنصات لا يختص بالأربعين، بل سائر الحاضرين فيه سواء. قال الكردي: قال في الإيعاب تجويز الكلام هنا لا ينافي ما مر من وجوب استماع أربعين للخطبة، وأن ذلك شرط لصحة الصلاة، وبيانه: أن الواجب إنما هو استماع الأركان فقط، فلو تكلم الكل إلا في الأركان جاز عندنا، وإن تكلم واحد من الأربعين بحيث انتفى سماعه لبعض الأركان أثم، لا من حيث الكلام، بل من حيث تفويته الشرط الذي هو سماع كل الأركان إلخ. وسبق عن م ر إن الشرط إنما هو السماع بالقوة، لا بالفعل. اه. (قوله: نعم، إلخ) إلخ. وسبق عن م ر أن الشرط إنما هو السماع بالقوة، لا بالفعل. اه. (قوله: نعم، الخ) إستدراك من سنية الإنصات بالنسبة لأحد شقي الغاية المفهمة أن غير الإنصات لا يسن، وأفاد به أن هذا المفهوم ليس مرادا، بل الأولى له في هذه الحالة ما ذكره. (قوله: أن يشتغل بالتلاوة والذكر) قال ع ش: بل ينبغي أن يقال أن الأفضل له اشتغاله بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدما على التلاوة، لغير سورة الكهف، والذكر، لأنها شعار اليوم. اه. (قوله: سرا) أي بحيث لا يشوش على الحاضرين. (قوله: ويكره الكلام) أي الظاهر الآية السابقة، وخبر مسلم: إذا قلت لصاحبك أنصت - يوم الجمعة - والإمام يخطب، فقد لغوت. (قوله: ولا يحرم) أي الكلام، للأخبار الدالة على جوازه، كخبر الصحيحين. عن أنس - رضي الله عنه -: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم جمعة قام أعرابي، فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا. فرفع يديه ودعا. وخبر البيهقي بسند صحيح، عن أنس - رضي الله عنه - أن رجلا دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة، فقال: متى الساعة؟ فأومأ الناس إليه بالسكوت، فلم يقبل، وأعاد الكلام، فقاله له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أعددت لها؟ قال: حب الله ورسوله. قال: إنك مع من أحببت. وجه الدلالة أنه عليه السلام لم ينكر عليه الكلام، ولم يبين له وجوب السكوت. وبه يعلم أن الأمر للندب في: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * (1) بناء على أنه الخطبة، وأن المراد باللغو في خبر مسلم: إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب، فقد لغوت، مخالفة السنة. (قوله: خلافا للأئمة الثلاثة) أي حيث قالوا بحرمته. (فائدة) لو كلم شافعي مالكيا وقت الخطبة، فهل يحرم عليه، كما لو لعب الشافعي مع الحنفي الشطرنج لإعانته له على المعصية أو لا؟ الأقرب عدم الحرمة. ويفرق بينهما بأن لعب الشطرنج لما لم يتأت إلا منهما كان الشافعي كالملجئ له، بخلافه في مسألتنا، فإنه حيث أجابه المالكي وتكلم معه كان باختياره لتمكنه من أنه لا يجيبه. ويؤخذ منه أنه لو كان إذا لم يجبه لحصل له منه ضرر، لكون الشافعي المكلم أميرا أو ذا سطوة، يحرم عليه، لكن لا من جهة الكلام، بل من جهة الإكراه على المعصية. اه. ع ش. (قوله: حالة الخطبة) متعلق بيكره. والمراد حال ذكر أركانها، بدليل قوله بعد: ولا حال الدعاء للملوك. (قوله:

_ (1) الاعراف: 204

لاقبلها، ولو بعد الجلوس على المنبر، ولا بعدها، ولا بين الخطبتين، ولا حال الدعاء للمملوك، ولا لداخل مسجد، إلا إن اتخذ له مكانا واستقر فيه. ويكره للداخل السلام، وإن لم يأخذ لنفسه مكانا، لاشتغال المسلم عليهم، فإن سلم لزمهم الرد، ويسن تشميت العاطس، والرد عليه، ورفع الصوت - من غير مبالغة - بالصلاة والسلام عليه (ص) عند ذكر الخطيب اسمه أو وصفه (ص). قال شيخنا: ولا يبعد ندب الترضي عن الصحابة، بلا ـــــــــــــــــــــــــــــ لا قبلها الخ) أي لا يكره الكلام قبل الخطبة. قال في النهاية: لأنه قبل ذلك يحتاج إلى الكلام غالبا. (قوله: ولو بعد الجلوس على المنبر) غاية في عدم الكراهة قبلها. قال البجيرمي: وهذا بخلاف الصلاة، فإنها تحرم بمجرد جلوسه على المنبر، وإن لم يشرع في الخطبة، وإن علم أنه يفرغ من الصلاة ويدرك أول الخطبة. كما اعتمده م ر. اه. والفرق أن قطع الكلام هين، بخلاف الصلاة. (قوله: ولا بعدها) أي ولا يكره الكلام بعدها، أي بعد تمام الخطبة. (قوله: ولا بين الخطبتين) أي ولا يكره بين الخطبتين. (قوله: ولا حال الدعاء للملوك) أي ولا يكره حال الدعاء للملوك، أي لأنه ليس من الأركان. ومثل الدعاء لهم: الترضي عن الصحابة. (قوله: ولا لداخل مسجد الخ) أي ولا يكره الكلام لداخل المسجد في أثناء الخطبة إلا إن اتخذ له مكانا واستقر فيه جلس أولا فإنه يكره. وعبارة الروض وشرحه: ويباح الكلام للداخل في أثنائها ما لم يجلس، يعني ما لم يتخذ له مكانا ويستقر فيه، والتقييد بالجلوس جري على الغالب. اه. (قوله: ويكره للداخل السلام) أي على المستمع. قال ع ش: ومثله الخطيب. وينبغي أن لا يعد نسيانه لما هو فيه عذرا في وجوب الرد عليه. اه. ويستثنى الخطيب، فلا يكره له السلام. (قوله: وإن لم يأخذ لنفسه مكانا) غاية في الكراهة. (قوله: لاشتغال إلخ) علة للكراهة، والاشتغال يكون بالاستماع للخطبة إن كان المسلم عليه من السامعين، وبقراءة الخطبة إن كان هو الخطيب. (وقوله: المسلم عليهم) يقرأ بصيغة المبني للمفعول، والجار والمجرور نائب فاعله. (قوله: فإن سلم) أي الداخل. (قوله: لزمهم الرد) أي وإن كره السلام، لأن كراهته ليست ذاتية، بخلافه على نحو قاضي الحاجة، فإن الكراهة فيه ذاتية. ولذلك لا يلزمه الرد. وعبارة النهاية: وإنما لم يجب الرد على نحو قاضي الحاجة، لأن الخطاب منه ومعه سفه وقلة مروءة، فلا يلائمه الرد، بخلافه هنا، فإنه يلائمة، لأن عدم مشروعيته لعارض، لا لذاته، بخلافه ثم، فلا إشكال. اه. وخالف الغزالي في وجوب الرد، وعبارته: ولا يسلم من دخل والخطيب يخطب، فإن سلم لم يستحق جوابا. اه. (قوله: ويسن تشميت العاطس) أي إذا عطس حال الخطبة. ولسنية التشميت شروط، أن يحمد الله تعالى العاطس، وأن لا يزيد على الثلاث، وأن لا يكون بسبب. ففي صحيح مسلم: عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا عطس أحدكم فحمد الله تعالى فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه. وروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، وإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا يشمت بعد ثلاث. قال النووي في الأذكار: واختلف العلماء فيه، فقال ابن العربي المالكي: قيل يقال له في الثالثة إنك مزكوم. قال: والمعنى فيه أنك لست ممن يشمت بعد هذا، لأن هذا الذي بك زكام ومرض، لا خفة العطاس. اه. وإنما لم يكره التشميت - كسائر الكلام - لأن سببه قهري. (قوله: والرد عليه) الضمير يعود على المشمت بصيغة اسم الفاعل المفهوم من تشميت، وإن كان ظاهر صنيعه أنه يعود على العاطس، أي ويسن الرد من العاطس على المشمت بأن يقول العاطس للمشمت - بعد قوله له يرحمك الله -، يهديكم الله ويصلح بالكم. قال النووي في الأذكار: وروينا في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم. أي شأنكم. اه. (قوله: ورفع الصوت) أي ويسن رفع الصوت حال الخطبة. (وقوله: من غير مبالغة) أما معها فيكره. (قوله: بالصلاة إلخ) متعلق برفع الصوت. (قوله: عند ذكر إلخ) متعلق بيسن المقدر. (وقوله: اسمه) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وسئل) ابن حجر: هل يجوز للحاضرين والمؤذنين إذا سمعوا اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلوا عليه جهرا أو لا؟ (فأجاب) بقوله: أما حكم الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، عند سماع ذكره برفع الصوت من غير مبالغة، فهو أنه جائز بلا كراهة، بل هو

رفع صوت. وكذا التأمين لدعاء الخطيب. اه. وتكره تحريما - ولو لمن لم تلزمه الجمعة بعد جلوس الخطيب على المنبر: وإن لم يسمع الخطبة - صلاة فرض، ولو فائتة تذكرها الآن، وإن لزمته فورا، أو نفل، ولو في حال الدعاء للسلطان. والاوجه أنها لا تنعقد كالصلاة بالوقت المكروه، بل أولى. ويجب على من بصلاة تخفيفها، بأن يقتصر على أقل مجزئ عند جلوسه على المنبر. وكره لداخل تحية فوتت تكبيرة الاحرام إن ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة. وعبارة العباب وشرحي له: قال النووي وغيره: ولا يكره أيضا رفع الصوت بلا مبالغة في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ الخطيب: * (إن الله وملائكته يصلون على النبي) * (1) الآية. ونقل الروياني ذلك عن الأصحاب، فقال: إنه يكون كالتشميت، لأنه كلا سنة. فقول القاضي أبي الطيب يكره لأنه يقطع الإستماع، ضعيف. بل صوب الزركشي خلافه. اه. (قوله: قال شيخنا) لعله في غير التحفة وفتح الجواد والفتاوي من بقية كتبه. نعم، العبارة التي نقلتها عن الفتاوي - عند قول الشارح: ويسن الدعاء لولاة الصحابة - فيها حكم التأمين من السامعين، وفيها حكم ترضي الخطيب عنهم. وأما ترضي السامعين المراد هنا فلم يذكر فيها. (قوله: ولا يبعد ندب الترضي عن الصحابة) أي ترضي السامعين عنهم عند ذكر الخطيب أسماءهم. (قوله: بلا رفع صوت) متعلفق بندب. أما مع رفع الصوت فلا يندب، لأن فيه تشويشا (قوله: وكذا التأمين الخ) أي وكذا لا يبعد ندب التأمين بلا رفع صوت لدعاء الخطيب. (قوله: وتكره تحريما) أي كراهة تحريم، فهو منصوب على المفعولية المطلقة على حذف مضاف، وفيه أنه عبر في التحفة بالحرمة، ونصها: ويحرم إجماعا صلاة فرض إلخ. اه. وبين كراهة التحريم والحرمة فرق، وإن كان كل منهما يقتضي الإثم، وذلك الفرق هو أن كراهة التحريم: ما ثبتت بدليل يحتمل التأويل، والحرمة: ما ثبتت بدليل قطعي. فتنبه. (قوله: ولو لمن لم تلزمه الجمعة) أي تكره تحريما مطلقا على من لزمته الجمعة وعلى من لم تلزمه، بأن يكون عبدا أو مسافرا، أو امرأة. لكن الكراهة محصورة فيمن لم تطلب منه تحية المسجد. بأن كان جالسا وأراد أن يصلي: (قوله: بعد جلوس الخطيب) أما قبله - ولو بعد صعوده على المنبر - فلا يحرم. (قوله: وإن لم يسمع الخطبة) غاية في كراهة التحريم. وإنما كرهت تحريما على من لم يسمع لاشتغاله بصورة عبادة، ومن ثم فارقت الصلاة الكلام بأن الاشتغال به لا يعد إعراضا عنه بالكلية، وأيضا فمن شأن المصلي الإعراض عما سوى صلاته، فإنه قد يفوته بها سماع أول الخطبة، بل لو أمن فوات ذلك كان ممتنعا أيضا. وقد يؤخذ من ذلك أن الطواف ليس كالصلاة هنا. ويمنع من سجدة التلاوة والشكر. اه. نهاية. وقوله: أن الطواف ليس كالصلاة: جزم به في التحفة. (وقوله: ويمنع إلخ) جعلهما في التحفة كالطواف، فلا يمنع منهما، وعبارتها: لا طواف وسجدة تلاوة وشكر. (قوله: صلاة فرض) نائب فاعل تكره. (قوله: ولو فائتة الخ) غاية في الكراهة، أي تكره تحريما صلاة الفرض، ولو كانت فائتة تذكرها حال جلوس الخطيب على المنبر. (قوله: وإن لزمته فورا) غاية في الفائتة، أي ولو كانت الفائتة لزمته فورا، أي لزمه قضاؤها فورا، بأن فاتته من غير عذر، فإنه يكره تحريما قضاؤها حينئذ. قال ع ش: فلا يفعله، وإن خرج من المسجد عاد إليه بسبب فعله فيما يظهر - أخذا مما قالوه فيما لو دخل المسجد في الأوقات المكروهة بقصد التحية. اه. (قوله: أو نفل) بالجر، معطوف على فرض. (قوله: ولو في حال الدعاء) غاية في الكراهة أيضا. (والحاصل) أنها تستمر إلى فراغ الخطبة وتوابعها. (قوله: والأوجه أنها لا تنعقد) عبارة المغنى: وإذا حرمت لم تنعقد - كما قاله البلقيني - لأن الوقت ليس لها، وكالصلاة في الأوقات الخمسة المكروهة، بل أولى، للإجماع على تحريمها هنا، كما مر بخلافها ثم. اه. والفرق حينئذ بينها وبين الصلاة في المكان المغصوب - حيث انعقدت مع أنها تحرم -: أن النهي هنا لذات الصلاة، وهناك لأمر خارج، وهو شغل ملك الغير من غير إذنه. (قوله: كالصلاة بالوقت المكروه) أي فإنها لا تنعقد فيه. (وقوله: بل أولى) أي بل عدم انعقادها بعد جلوس الخطيب على المنبر أولى من عدم انعقادها فيه، وذلك لإعراضه عما هو مأمور به، وهو الإنصات للخطيب. (قوله: يقتصر الخ) تصوير للتخفيف. (وقوله: على أقل مجزئ) هو الإتيان بالواجبات فقط، كما سيصرح به قريبا. واعتمد في النهاية أن

_ (1) الاحزاب: 56

صلاها، إلا فلا تكره، بل تسن، لكن يلزمه تخفيفها بأن يقتصر على الواجبات - كما قاله شيخنا - وكره احتباء حالة الخطبة للنهي عنه، وكتب أوراق حالتها في آخر جمعة من رمضان، بل وإن كتب فيها نحو اسماء سريانية يجهل معنا حرم. (و) سن (قراءة) سورة (كهف) يوم الجمعة وليلتها، لاحاديث فيها. وقراءتها نهارا آكد، ـــــــــــــــــــــــــــــ المراد بالتخفيف ترك التطويل عرفا، وعبارتها: والمراد بالتخفيف فيما ذكر، الاقتصار على الواجبات. قال الزركشي: لا الإسراع. قال: ويدل له ما ذكروه أنه إذا ضاق الوقت وأراد الوضوء، اقتصر على الواجبات. اه. وفيه نظر. والفرق بينه وبين ما استدل به واضح، وحينئذ فالأوجه أن المراد به ترك التطويل عرفا. اه. فعليه إن طول عرفا بطلت وإلا فلا. وعلى الأول إن زاد على الواجبات بطلت، وإلا فلا. (قوله: عند جلوسه) متعلق بتخفيفها، أو متعلق بصلة من. (فرع) قال سم: ينبغي فيما لو ابتدأ فريضة قبل جلوس الإمام فجلس في أثنائها، أنه إن كان الباقي ركعتين جاز له فعلهما، ولزمه تخفيفهما. أو أكثر، امتنع فعله، وعليه قطعها، أو قلبها نفلا، والاقتصار على ركعتين، مع لزوم تخفيفها. ولو أراد بعض الجالسين فريضة ثنائية، فخرج من المسجد ثم دخله بقصد التوصل لفعل تلك الفريضة، فينبغي امتناع ذلك، كما لو دخل المسجد وقت الكراهة بقصد التحية فقط. اه. (وقوله: ولو أراد الخ) تقدم عن ع ش ما يؤيده. (قوله: وكره) أي تنزيها. (وقوله: لداخل) أي محل الصلاة. (وقوله: تحية) نائب فاعل كره. (وقوله: فوتت تكبيرة الإحرام) أي غلب على ظنه ذلك، بأن دخل والصلاة قد أقيمت أو قرب قيامها، فحينئذ يتركها، ويقف حتى تقام الصلاة، ولا يقعد لئلا يجلس في المسجد قبل التحية. (قوله: وإلا فلا تكره) أي وإن لم تفوت عليه ذلك، أي لم يغلب على ظنه ذلك، لم تكره. (قوله: بل تسن) أي التحية بنيتها، وهو الأولى. أو راتبة الجمعة القبلية إن لم يكن صلاها. وحينئذ الأولى نية التحية معها، فإن أراد الاقتصار فالأولى - فيما يظهر - نية التحية، لأنها تفوت بفواتها بالكلية إذا لم تنو، بخلاف الراتبة القبلية للداخل. فإن نوى أكثر منهما أو صلاة أخرى بقدرهما لم تنعقد. اه. تحفة. (قوله: لكن يلزمه تخفيفها) وذلك لخبر مسلم: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فجلس، فقال يا سليك، قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما. ثم قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما. وقوله: قم فاركع: إنما أمره بذلك لأنه جلس جاهلا بطلب التحية منه، فلم تفت بذلك. (قوله: وكره احتباء) قال الكردي هو - كما في الإيعاب - أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بثوب أو يديه أو غيرهما. اه. قال ابن زياد اليمني: إذا كان يعلم من نفسه عادة أن الاحتباء يزيد في نشاطه فلا بأس به. اه. وهو وجيه، وإن لم أره في كلامهم. ويحمل النهي عنه والقول بكراهته على من يجلب له الفتور والنوم. اه. (وقوله: للنهي عنه) أي في خبر أبي داود والترمذي، عن معاذ بن أنس، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب. قال في شرح الروض: وحكمته - أي النهي عنها - أنه يجلب النوم، فيعرض طهارته للنقض، ويمنع الاستماع. اه. (قوله: وكتب أوراق حالتها) أي وكره كتب أوراق حالة الخطبة، وتسمى الحفائظ. قال في التحفة: كتابة الحفائظ آخر جمعة من رمضان بدعة منكرة - كما قاله القمولي - لما فيها من تفويت سماع الخطبة، والوقت الشريف فيما لم يحفظ عمن يقتدي به، ومن اللفظ المجهول، وهو كعسلهون، أي وقدم جزم أئمتنا وغيرهم بحرمة كتابة وقراءة الكلمات الأعجمية التي لا يعرف معناها. وقول بعضهم أنها حية محيطة بالعرش رأسها على ذنبها، لا يعول عليه، لأن مثل ذلك لا مدخل للرأي فيه، فلا يقبل منه إلا ما ثبت عن معصوم على أنها بهذا المعنى، لا تلائم ما قبلها في الحفيظة، وهو لا آلاء إلا آلاؤك يا الله كعسلهون، بل هذا اللفظ في غاية الإيهام. ومن ثم قيل أنها اسم صنم أدخلها ملحد على جهلة العوام، وكأن بعضهم أراد دفع ذلك الإيهام، فزاد بعد الجلالة: محيط به علمك كعسلهون، أي كإحاطة تلك الحية بالعرش، وهو غفلة عما تقرر أن هذا لا يقبل فيه إلا ما صح عن معصوم، وأقبح من ذلك: ما اعتيد في بعض البلاد من صلاة الخميس في هذه الجمعة عقب صلاتها، زاعمين أنها تكفر صلوات العام أو العمر المتروكة، وذلك حرام، أو كفر، لوجوه لا تخفى اه. (قوله: بل وإن كتب فيها) أي في الأوراق. والإضراب انتقالي. (وقوله: نحو أسماء سريانية) اندرج تحت نحو الأسماء العبرانية ونحوها من كل ما يجهل معناه. (وقوله: حرم)

وأولاه بعد الصبح، مسارعة للخير، وأن يكثر منها، ومن سائر القرآن فيهما. ويكره الجهر بقراءة الكهف وغيره إن حصل به تأذ لمصل أو نائم - كما صرح النووي في كتبه - وقال شيخنا في شرح العباب: ينبغي حرمة الجهر بالقراءة في المسجد. وحمل كلام النووي بالكراهة: على ما إذا خف التأذي، وعلى كون القراءة في غير المسجد، وإكثار صلاة على النبي (ص) (يومها وليلتها) للاخبار الصحيحة الآمرة بذلك، فالاكثار منها أفضل من ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كتب ذلك، والفعل جواب إن. (قوله: وسن قراءة سورة كهف) حكمة تخصيصها من بين سور القرآن، أن الله تعالى ذكر فيها يوم القيامة، ويوم الجمعة يشبهها، لما فيه من اجتماع الخلق، ولأن القيامة تقوم يوم الجمعة. (قوله: يوم الجمعة وليلتها) (سئل) الشمس الرملي عمن قرأ نصف الكهف ليلا ونصفها نهارا، هل يحصل له الثواب المخصوص أو لا؟ (فأجاب) بأنه لا يحصل له الثواب المخصوص، وإنما يحصل له أصل الثواب. اه. من الفتاوى: (قوله: لأحاديث فيها) دليل لسنية قراءة سورة الكهف، أي وسن قراءتها لورود أحاديث فيها. منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: من قرأها يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين. ومنها: من قرأها ليلتها أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق. قال الغزالي في الإحياء: وليقرأ سورة الكهف خاصة، فقد روي عن ابن عباس وأبي هريرة - رضي الله عنهم - أن من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة، أو يوم الجمعة، أعطي نورا من حيث يقرأها إلى مكة، وغفر له إلى يوم الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام، وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح. وعوفي من الداء، والدبيلة، وذات الجنب، والبرص والجذام، وفتنة الدجال. (قوله: وقراءتها) أي سورة الكهف. (وقوله: آكد) أي من قراءتها ليلا. (قوله: وأولاه) أي النهار. (وقوله: بعد الصبح) متعلق بمحذوف خبر أولاه. والمعنى: أن قراءة سورة الكهف بعد الصبح أفضل من قراءتها بقية النهار، مسارعة للخير ما أمكن. وفي المغني: والظاهر أن المبادرة إلى قراءتها أول النهار أولى، مسارعة وأمنا من الإهمال. وقيل: قبل طلوع الشمس. وقيل: بعد العصر. اه. (قوله: وإن يكثر منها) أي ويسن أن يكثر من قراءة سورة الكهف، وأقل الإكثار ثلاث مرات، كما في حواشي المحلي، وحواشي المنهج. (قوله: ومن سائر القرآن) أي وسن أن يكثر من سائر القرآن قال المؤلف في (إرشاد العباد) أخرج الدارمي عن مكحول: من قرأ سورة آل عمران يوم الجمعة صلت عليه الملائكة إلى الليل. وهو عن كعب: اقرؤا سورة هود يوم الجمعة والطبراني عن أبي أمامة: من قرأ حم الدخان في ليلة جمعة أو يوم جمعة بنى الله له بيتا في الجنة. اه. (وقوله: فيهما) أي في ليلة الجمعة ويومها. (قوله: ويكره الجهر بقراءة الكهف) لم يعبر هنا بالسورة للإرشاد للرد على من شذ فكره ذكر ذلك من غير سورة. (قوله: وغيره) الأولى وغيرها، لأن المراد من الكهف السورة. (قوله: إن حصل به) أي بالجهر. وهو قيد في الكراهة. (قوله: أو نائم) قال سم: ظاهره ولو في المسجد وقت إقامة المفروضة. وفيه نظر، لأنه مقصر بالنوم. اه. (قوله: ينبغي حرمة الجهر بالقراءة في المسجد) أي بحضرة المصلين فيه. وعبارة الشارح في (باب الصلاة): وبحث بعضهم المنع من الجهر بقرآن أو غيره بحضرة المصلي مطلقا، أي شوش عليه أولا، لأن المسجد وقف على المصلي، أي أصالة - دون الوعاظ والقراء. اه. (قوله: وحمل) بالبناء للفاعل، وفاعله يعود على شيخه، إن كان هذا الحمل موجودا في شرح العباب، وبالبناء للمجهول ونائب فاعله كلام النووي، إن لم يكن موجودا فيه. فانظره. (وقوله: بالكراهة) متعلق بكلام معنى تكلم، أي حمل تكلمه بالكراهة أي قوله بها. (قوله: على ما إذا خف التأذى) متعلق بحمل، وهذا يخالف الإطلاق المار في العبارة المارة آنفا إن كانت الواو في قوله بعد: وعلى كون إلخ بمعنى أو - كما هو ظاهر صنيعه - فإن كانت باقية على معناها فلا مخالفة، لأنه يصير المحمول عليه مجموع شيئين: خفة التأذي، وكون القراءة في غير المسجد. (قوله: وإكثار صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال الحلبي في حواشي المنهج: قال أبو طالب المكي: أقل إكثار الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - ثلثمائة مرة. اه. (قوله: للأخبار الصحيحة الآمرة بذلك) منها: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي. وخبر: أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة، ويوم الجمعة، فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا. وفي الإحياء ما نصه: يستحب أن يكثر الصلاة على

إكثار ذكر لم يرد بخصوصه. قاله شيخنا. (ودعاء) في يومها، رجاء أن يصادف ساعة الاجابة، وأرجاها، من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة. وهي لحظة لطيفة. وصح أنها آخر ساعة بعد العصر، وفي ليلتها لما جاء عن ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا اليوم، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: من صلى علي في يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين سنة. قيل: يا رسول الله، كيف الصلاة عليك؟ قال: تقول: اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي. وتعقد واحدة. وإن قلت: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون لك رضاء ولحقه أداء، وأعطه الوسيلة، وابعثه المقام الذي وعدته، واجزه عنا ما هو أهله، واجزه أفضل ما جزيت نبيا عن أمته، وصل عليه وعلى جميع إخوانه من النبيين والصالحين، يا أرحم الراحمين. تقول هذا سبع مرات. فقد قيل: من قالها في سبع جمع، في كل جمعة سبع مرات، وجبت له شفاعته - صلى الله عليه وسلم -. وإن أراد أن يزيد أتى بالصلاة المأثورة، فقال: اللهم اجعل فضائل صلواتك، ونوامي بركاتك، وشرائف زكواتك، ورأفتك، ورحمتك، وتحيتك، على محمد سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، ورسول رب العالمين، قائد الخير، وفاتح البر، ونبي الرحمة، وسيد الأمة. اللهم ابعثه مقاما محمودا تزلف به قربه، وتقربه عينه، يغبطه به الأولون والآخرون. اللهم اعطه الفضل والفضيلة والشرف والوسيلة، والدرجة الرفيعة، والمنزلة الشامخة المنيفة. اللهم أعط محمدا سؤاله، وبلغه مأموله واجعله أول شافع، وأول مشفع، اللهم عظم برهانه، وثقل ميزانه، وأبلج حجته، وارفع في أعلى المقربين درجته. اللهم احشرنا في زمرته، واجعلنا من أهل شفاعته، وأحينا على سنته، وتوفنا على ملته، وأوردنا حوضه، واسقنا بكأسه، غير خزايا ولا نادمين، ولا شاكين ولا مبدلين، ولا فاتنين ولا مفتونين، آمين يا رب العالمين. وعلى الجملة، فكل ما أتى به من ألفاظ الصلاة، ولو بالمشهورة في التشهد، كان مصليا. وينبغي أن يضيف إليه الاستغفار، فإن ذلك أيضا مستحب في هذا اليوم. اه. ملخصا. (قوله: فالإكثار منها أفضل من إكثار ذكر أو قرآن) يعني أن الإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة الجمعة ويومها أفضل من الإكثار بغيرها من الذكر والقراءة. (وقوله: لم يرد بخصوصه) فاعل الفعل يعود على الأحد الدائر من الذكر أو القرآن، أو يعود على المذكور منهما، أي لم يرد كل من الذكر والقرآن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخصوصه، فإن ورد فيه ذلك بخصوصه، كقراءة الكهف، والتسبيح عقب الصلوات، فالاشتغال به أفضل من الاشتغال بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: ودعاء) بالجر معطوف على صلاة، أي وسن إكثار دعاء إلخ. (قوله: رجاء الخ) علة لسنية الإكثار من الدعاء. (وقوله: ساعة الإجابة) أي أن الدعاء فيها يستجاب ويقع ما دعا به حالا يقينا، فلا ينافي أن كل دعاء مستجاب. وهي من خصائص هذه الأمة. اه. برماوي. (قوله: وأرجاها) أي ساعة الإجابة، أي أقربها رجاء، أي حصولا. (وقوله: من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة) قال سم: لا يخفى أنه من حين جلوس الخطيب إلى فراغ الصلاة يتفاوت باختلاف الخطباء، إذ يتقدم بعضهم، ويتأخر بعضهم، بل يتفاوت في حق الخطيب الواحد، إذ يتقدم في بعض الجمع ويتأخر في بعض، فهل تلك الساعة متعددة فهي في حق كل خطيب ما بين جلوسه إلى آخر الصلاة، وتختلف في حق الخطيب الواحد أيضا باعتبار تقدم جلوسه وتأخره؟ فيه نظر. وظاهر الخبر التعدد، ولا مانع منه. ثم رأيت الشارح سئل عن ذلك، فأجاب بقوله: لم يزل في نفسي ذلك منذ سنين، حتى رأيت الناشري نقل عن بعضهم أنه قال: يلزم على ذلك أن تكون ساعة الإجابة في حق جماعة غيرها في حق آخرين، وهو غلط ظاهر، وسكت عليه. وفيه نظر. ومن ثم قال بعض المتأخرين ساعة الإجابة في حق كل خطيب وسامعيه ما بين أن يجلس إلى أن تنقضي الصلاة، كما صح في الحديث، فلا دخل للعقل في ذلك بعد صحة النقل. اه. قال الشارح في شرح العباب: وقد سئل البلقيني: كيف يدعو حال الخطبة وهو مأمور بالإنصات؟ (فأجاب) بأنه ليس من شروط الدعاء التلفظ، بل استحضاره بقلبه كاف. اه. وقد يقال ليس المقصود من الإنصات إلا ملاحظة معنى الخطبة، والاشتغال بالدعاء بالقلب بما يفوت ذلك. اه. (قوله: وهي لحظة لطيفة) أي أن ساعة الإجابة لحظة لطيفة، وأفاد بهذا أنه ليس المراد بقولهم فيها وأرجاها من جلوس إلخ، أن ساعة الإجابة مستغرقة لما بين الجلوس وآخر الصلاة، بل المراد أنها لا تخرج عن هذا الوقت، فإنها لحظة لطيفة. ففي الصحيحين، عند ذكره إياها وأشار بيده يقللها.

الشافعي - رضي الله عنه - أنه بلغه أن الدعاء يستجاب فيها، وأنه استحبه فيها. وسن إكثار فعل الخير فيهما - كالصدقة وغيرها - وأن يشتغل - في طريقه وحضوره محل الصلاة - بقراءة، أو ذكر، أفضله الصلاة على النبي (ص) قبل الخطبة، وكذا حالة الخطبة إن لم يسمعها - كما مر - للاخبار المرغبة في ذلك. وأن يقرأ عقب سلامه من الجمعة - قبل أن يثني رجليه، وفي رواية: قبل أن يتكلم - الفاتحة، والاخلاص، والمعوذتين، سبعا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وصح أنها آخر ساعة بعد العصر) هذا لا يعارض ما تقدم من أنها من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة لأنه يحتمل أنها منتقلة، تكون يوما في وقت ويوما في وقت آخر. وعبارة شرح المنهج: وأما خبر: يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، فيه ساعة لا يوجد فيها مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر. فيحتمل أن هذه الساعة منتقلة تكون يوما في وقت، ويوما في آخر، كما هو المختار في ليلة القدر. اه. قال البجيرمي: وقوله منتقلة: ضعيف، والمعتمد أنها تلزم وقتا بعينه. كما أن المعتمد في ليلة القدر أنها تلزم ليلة بعينها. فقوله: كما هو المختار، ضعيف. اه. (قوله: وفي ليلتها) معطوف على في يومها أي وسن إكثار دعاء في ليلتها. (قوله: لما جاء) أي ورد. (وقوله: أنه) أي الشافعي. (وقوله: بلغه) أي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فهو مرفوع. اه. ع ش (قوله: وسن إكثار فعل الخير فيهما) أي في يوم الجمعة وليلتها، لما أخرجه ابن زنجوية عن ابن المسيب بن رافع قال: من عمل خيرا في يوم الجمعة ضعف له بعشرة أضعاف في سائر الأيام، ومن عمل شرا فمثل ذلك اه. إرشاد العباد. ويقاس باليوم: الليلة، إذ لا فرق. (قوله: كالصدقة) تمثيل لفعل الخير. قال في الإحياء: الصدقة مستحبة في هذا اليوم خاصة، فإنها تتضاعف، إلا على من سأل والإمام يخطب وكان يتكلم في كلام الإمام فهذا مكروه. قال كعب الأحبار: من شهد الجمعة ثم انصرف فتصدق بشيئين مختلفين من الصدقة، ثم رجع فركع ركعتين يتم ركوعهما وسجودهما وخشوعهما، ثم يقول: اللهم إني أسألك باسمك باسم الله الرحمن الرحيم، وباسمك الذي لا إله إلا هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. لم يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه. وقال بعض السلف: من أطعم مسكينا يوم الجمعة، ثم غدا وابتكر ولم يؤذ أحدا ثم قال حين يسلم الإمام: بسم الله الرحمان الحي القيوم. أسألك أن تغفر لي، وترحمني، وتعافيني من النار. ثم دعا بما بدا له، استجيب له. (وقوله: وغيرها) أي غير الصدقة، كالوقف وإماطة الأذى عن الطريق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،. وزيارة مريض. (قوله: وأن يشتغل) المصدر المؤول معطوف على إكثار، أي وسن الاشتغال إلخ، ولا حاجة إلى ذكر هذا، لأنه يعلم مما قبله، إذ فعل الخير شامل للقراءة والذكر ونحوهما. وقد صرح أولا بأن الإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من إكثار ذكر أو قرآن لم يرد بخصوصه. (قوله: في طريقه) أي إلى المسجد. قال في المغنى: والمختار كما قال المصنف في تبيانه - أن القراءة في الطريق جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كرهت. قال الأذرعي: ولعل الأحوط ترك القراءة فيها، فقد كرهها بعض السلف فيه. ولا سيما في مواضع الرحمة الغفلة. اه. (وقوله: وحضوره) أي وفي حضوره. والمراد أن يشتغل في وقت انتظار الصلاة. (وقوله: محل الصلاة) ظرف متعلق بحضوره. (قوله: بقراءة) متعلق بيشتغل. (قوله: وأفضله) أي الذكر. (قوله: قبل الخطبة) متعلق بحضور، فكان الأولى أن يذكره بعده - كما في المغنى والنهاية - قال في الروض وشرحه: وليشتغل - ندبا - من حضر قبل الخطبة بالذكر، والتلاوة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. اه. (قوله: وكذا حالة الخطبة) أي وكذا يسن أن يشتغل بما ذكر إذا حضر حالة الخطبة ولم يسمعها. (قوله: كما مر) أي قريبا في قوله: نعم، الأولى لغير السامع أن يشتغل بالتلاوة والذكر سرا. (قوله: للأخبار المرغبة) تعليل لسنية الإكثار من فعل الخير وسنية الاشتغال. (وقوله: في ذلك) أي المذكور من إكثار فعل الخير والاشتغال بما ذكر من القراءة، والذكر والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد علمت بعضا من الأخبار الواردة في ذلك. فلا تغفل. (والحاصل) ينبغي أن يجعل يوم الجمعة للآخرة، فكيف فيه عن جميع أشغال الدنيا، ويكثر فيه الأوراد فعل الخير، كما هو عادة السلف. (قوله: وأن يقرأ الخ) معطوف على إكثار أيضا. أي وسن أن يقرأ. (قوله: قبل أن يثني رجليه) أي قبل أن يصرفهما عن الهيئة التي سلم عليها ويردهما إلى هيئة أخرى. فهو بفتح الياء من ثنى: كرمى. قال في

سبعا، لما ورد أن من قرأها غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعطي من الاجر بعدد من آمن بالله ورسوله .. (مهمة) يسن أن يقرأها، وآية الكرسي، و * (شهد الله) *، بعد كل مكتوبة وحين يأوي إلى فراشه، مع ـــــــــــــــــــــــــــــ المصباح: ثنيت الشئ أثنيه ثنيا، من باب رمى: إذا عطفته، ورددته. وثنيته عن مراده: إذا صرفته عنه. اه. بتصرف. (قوله: الفاتحة إلخ) مفعول يقرأ. (قوله: سبعا سبعا) حال من القراءة المأخوذة من يقرأ، أو نائب عن المفعول المطلق. أي يقرأ ذلك حال كون قراءة كل واحدة من السور المذكورة مكررة سبعا سبعا، أو يقرأ ذلك قراءة سبعا سبعا. (قوله: لما ورد إن من قرأها) أي الفاتحة وما بعدها. وورد أيضا أن من قرأها حفظ الله له دينه ودنياه وأهله وولده. وورد أيضا (1) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قرأ بعد صلاة الجمعة * (قل هو الله أحد) * و * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * سبع مرات أعاذه الله بها من السوء إلى الجمعة الأخرى. وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: من قال بعد قراءة ما تقدم: اللهم يا غني يا حميد، يا مبدئ يا معيد، يا رحيم يا ودود، اغنني بفضلك عمن سواك، وبحلالك عن حرامك. أغناه الله، ورزقه من حيث لا يحتسب. وقال أنس - رضي الله عنه -: من قال يوم الجمعة سبعين مرة: اللهم اغنني بفضلك عمن سواك، وبحلالك عن حرامك. لم يمر عليه جمعتان حتى يغنيه الله تعالى. (فوائد) الأولى: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من قال بعدما تقضى الجمعة سبحان الله العظيم وبحمده. مائة مرة، غفر الله له مائة ألف ذنب، ولوالديه أربعة وعشرين ألف ذنب. الثانية: عن سيدي عبد الوهاب الشعراني - نفعنا الله به - أن من واظب على قراءة هذين البيتين في كل يوم جمعة، توفاه الله على الإسلام من غير شك، وهما: إلهي لست للفردوس أهلا * * ولا أقوى على نار الجحيم فهب لي توبة، واغفر ذنوبي * * فإنك غافر الذنب العظيم ونقل عن بعضهم أنها تقرأ خمس مرات بعد الجمعة .. الثالثة: عن عراك بن مالك، أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، وقال: اللهم أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين، وقد قلت وقولك الحق * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) *. (تنبيه) وجدت في هامش حاشية الكردي ما نصه: ذكر ع ش في حاشيته على م ر أنه ينبغي تقديم المسبعات المذكورة على الذكر الوارد عقب الصلاة، لحث الشارع على طلب الفور فيها، ولكن في ظني أن في (شرح المناوي على الأربعين) أنه يقدم التسبيح وما معه عليها، وينبغي أيضا أن يقدم المسبعات على تكبير العيد. اه. وقوله: على تكبير العيد: أي التكبير المقيد في عيد الأضحى. (قوله: مهمة، يسن أن يقرأها) أي الفاتحة، والإخلاص، والمعوذتين. (وقوله: وآية الكرسي) بالنصب، معطوف على مفعول يقرأ. (قوله: وشهد الله) أي ويقرأ آية شهد الله، وهي: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم (2) *. (قوله: بعد كل مكتوبة) متعلق بيقرأ. (قوله: وحين يأوى) معطوف على الظرف قبله، فهو متعلق بما تعلق به، أي ويسن أن يقرأ ما ذكر حين يأوي على فراشه، أي يستقر لأجل النوم. (قوله: مع

_ (1) (قوله: ورود أيضا) هذه الرواية بإسقاط الفاتحة الرواية ذكرها الشارح، فإنها بإثباتها. اه. مولف (2) الجمعة: 9 - 10

أواخر البقرة، والكافرون، ويقرأ خواتيم الحشر وأول غافر - إلى إليه المصير و * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) * إلى آخرها، صباحا ومساء، مع أذكارهما، وأن يواظب كل يوم على قراءة آلم، السجدة، ويس، والدخان، والواقعة، وتبارك، والزلزلة، والتكاثر وعلى الاخلاص مائتي مرة، والفجر في عشر ذي الحجة، ويس، والرعد عند المحتضر. ووردت في كلها أحاديث غير موضوعة. ـــــــــــــــــــــــــــــ أواخر إلخ) متعلق بيقرأ المقدر، أي يقرؤها مع قراءة أواخر البقرة. (وقوله: والكافرون) معطوف على أواخر، أي ومع قراءة الكافرون، وأثبت الواو فيه للحكاية. (قوله: ويقرأ خواتيم الحشر) أي ويسن أن يقرأ خواتيم الحشر، وهي: * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم، يتفكرون، هو الله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، هو الرحمن الرحيم. هو الله الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، سبحان الله عما يشركون. هو الله الخالق البارئ المصور، له الأسماء الحسنى، يسبح له ما في السموات والأرض، وهو الغزيز الحكيم) * (1) (وقوله: وأول غافر، إلخ) هو: * (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو، إليه المصير) (2) * (وقوله: أفحسبتم) أي ويقرأ آية أفحسبتم، وهي: * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين) * (3). (قوله: صباحا ومساء) متعلق بقوله ويقرأ خواتيم إلخ. أي ويقرأ خواتيم إلخ. أي ويقرأ ذلك في الصباح والمساء. (وقوله: مع أذكارهما) أي الصباح والمساء. أي ويقرأ ما ذكر زيادة على أذكارهما، وقد عقد لها المؤلف في (إرشاد العباد) بابا مسقلا، فانظره إن شئت. (قوله: وأن يواظب كل يوم الخ) أي ويسن أن يواظب كل يوم. (قوله: وعلى الإخلاص الخ) أي ويسن أن يواظب - مع ما ذكر - على الإخلاص كل يوم مائتي مرة. (وقوله: والفجر) أي ويواظب على الإخلاص مع * (والفجر وليال عشر) * (4) في عشر ذي الحجة. (قوله: ويس) أي ويسن أن يقرأ يس، لخبر: اقرؤا على موتاكم يس. رواه أبو داود، وصححه ابن حبان. وقال: المراد به من حضره الموت، يعني مقدماته، لأن الميت لا يقرأ عليه. وفي رباعيات أبي بكر الشافعي: ما من مريض يقرأ عند يس إلا مات ريانا، وأدخل قبره ريانا، وحشر يوم القيامة ريانا. قال الجاربردي: ولعل الحكمة في قراءتها أن أحوال القيامة والبعث مذكورة فيها، فإذا قرئت عليه تجدد له ذكر تلك الأحوال. (وقوله: والرعد) أي ويسن أن يقرأ عنده الرعد أي لقول جابر بن زيد: فإنها تهون عليه خروج الروح. (وقوله: عند المحتضر) متعلق بيقرأ المقدر. (قوله: ووردت في كلها أحاديث غير موضوعة) قد استوعبها الإمام النووي في أذكاره، فليراجعها من شاء. (تنبيه) ينبغي للعاقل أن يواظب على الأذكار النبوبة الواردة عن خير البرية، المشروعة بعد المكتوبة وغيرها من جميع الأحوال، فإن من أفضل حال العبد حال ذكره رب العالمين، واشتغاله بالأذكار الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد المرسلين، فمن أراد الاطلاع على ذلك فعليه (بالمسلك القريب لكل سالك منيب) تأليف العالم النحرير الماهر، الجامع بين علمي الباطن والظاهر، سيدنا الحبيب طاهر بن حسين بن طاهر باعلوى، فإنه كتاب حوي من نفائس الأذكار، وجلائل الأدعية والأوراد ما يشرق به قلب القارئ، ويسلك به سبيل الرشاد. كيف لا وقد استوعب جملة من الأوراد وأحزاب السادة الأبرار ما يستوعب به السالك آناء الليل وأطراف النهار؟ فبادر أيها السالك، الطالب طريق الآخرة، إلى تحصيله، وشمر عن ساعد الاجتهاد بالعمل بما فيه وسلوك سبيله، تفز إن شاء الله تعالى بما ترجو، ومن غوائل النفس والشيطان وظلمات غيهما بنوره تنجو. وفقنا الله للعمل بما فيه. وأعاذنا من العجز والكسل عن مواظبته، بجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله وصحبه.

_ (1) الحشر، 21 - 22 - 23 - 24. (2) غافر: 1 - 2 - 3. (3) المؤمنون: 115 - 116 - 117 - 118. (4) الفجر: 1

(وحرم تخط) رقاب الناس، للاحاديث الصحيحة فيه، والجزم بالحرمة ما نقله الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي، واختارها في الروضة، وعليها كثيرون. لكن قضية كلام الشيخين: الكراهة، وصرح بها في المجموع (لا لمن وجد فرجة قدامه) فله - بلا كراهة - تخطي صف واحد أو اثنين، ولا لامام لم يجد طريقا إلى المحراب إلا بتخطي، ولا لغيره إذا أذنوا له فيه لا حياء على الاوجه، ولا لمعظم ألف موضعا. ويكره ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وحرم تخط) قال في الإحياء لما ورد فيه من الوعيد الشديد، وهو أنه يجعل جسرا يوم القيامة يتخطاه الناس. وروى ابن جريج مرسلا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ رأى رجلا يتخطى رقاب الناس حتى تقدم فجلس فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم -، عارض الرجل حتى لقيه، فقال: يا فلان ما منعك أن تجمع اليوم معنا؟ قال: يا نبي الله قد جمعت معكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ألم نرك تتخطى رقاب الناس؟ أشار به إلى أنه أحبط عمله. وفي حديث مسند أنه قال: ما منعك أن تصلي معنا؟ قال: أو لم ترني يا رسول الله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: رأيتك تأنيت وآذيت - أي تأخرت عن البكور وآذيت الحضور -. ومهما كان الصف الأول متروكا خاليا فله أن يتخطى رقاب الناس لأنهم ضيعوا حقهم، وتركوا موضع الفضيلة. قال الحسن: تخطوا رقاب الناس الذين يقعدون على أبواب الجوامع يوم الجمعة فإنه لا حرمة لهم، وإذا لم يكن في المسجد إلا من يصلي فينبغي أن لا يسلم، لأنه تكليف جواب في غير محله. اه. (وقوله: رقاب الناس) أي قريبا منها، وهو المناكب. والمراد بالرقاب الجنس، فيشمل تخطي رقبة أو رقبتين. قال ع ش: ويؤخذ من التعبير بالرقاب أن المراد بالتخطي: أن يرفع رجله بحيث يحاذي في تخطيه أعلى منكب الجالس. وعليه: فما يقع من المرور بين الناس ليصل إلى نحو الصف الأول ليس من التخطي، بل من خرق الصفوف، إن لم يكن ثم فرج في الصفوف يمشي فيها. اه. ومن التخطي المحرم ما جرت به العادة من التخطي لتفرقة الأجزاء، أو تبخير المسجد، أو سقي الماء، أو السؤال لمن يقرأ في المسجد. (قوله: للأحاديث الصحيحة فيه) أي في حرمة التخطي، أي الدالة على حرمته، لما فيها من الوعيد الشديد. (قوله: والجزم بالحرمة إلخ) ضعيف. (قوله: واختارها) أي الحرمة. (قوله: لكن قضية إلخ) معتمد. (وقوله: الكراهة) أي التنزيهية. قال ع ش: قال سم: على منهج (فإن قلت): ما وجه ترجيح الكراهة على الحرمة، مع أن الإيذاء حرام، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: اجلس فقد آذيت ... (قلت): ليس كل إيذاء حراما، وللمتخطي هنا غرض، فإن التقدم أفضل. اه. (قوله: لا لمن الخ) أي لا يحرم التخطي لمن وجد إلخ. (وقوله: فرجة) بضم الفاء وفتحها، قال البرماوي: وهي خلاء ظاهر، أقله ما يسع واقفا. وخرج بها السعة، فلا يتخطى إليها مطلقا. اه. (قوله: فله) أي لمن وجد فرجة. (وقوله: تخطي صف واحد أو اثنين) أي رجل أو رجلين، ولو من صف واحد، لا أكثر منهما. ومثال تخطي الرجل فقط، ما إذا كان في آخر الصف بجنب الحائط فإن زاد على الصفين ورجا أن يتقدموا إليها إذا أقيمت الصلاة، كره لكثرة الأذى، فإن لم يرج ذلك فلا كراهة، وإن كثرت الصفوف. وكذلك إذا قامت الصلاة ولم يسدوها فيخرقها وإن كثرت. وفي البجيرمي: وحاصل المعتمد أنه إذا وجد فرجة لا يكره التخطي مطلقا أي سواء كانت قريبة أو بعيدة رجا تقدم أحد إليها أم لا. وأما اسحباب تركه فإذا وجد موضعا اسحب ذلك، وإلا فإن رجا انسدادها فكذلك، وإلا فلا يستحب تركها. اه. (قوله: ولا لإمام) معطوف على لمن وجد فرجة، أي ولا يحرم التخطي لإمام لاضطراره إليه. (وقوله: لم يجد طريقا إلى المحراب) أي أو المنبر، فإن وجد طريقا يبلغ بها بدون التخطي كره. (قوله: ولا لغيره) معطوف أيضا على لمن وجد، أي ولا يحرم التخطي لغير الإمام. (وقوله: إذا أذنوا) أي الحاضرون. قال في المغنى: ولا يكره لهم الإذن والرضا بإدخالهم الضرر على أنفسهم، لكن يلزمهم من جهة أخرى، وهو أن الإيثار بالقرب مكروه. اه. (وقوله: فيه) أي في التخطي. (وقوله: لا حياء) خرج به ما إذا أذنوا له حياء منه، فيحرم التخطي، أو يكره. (قوله: ولا لمعظم) معطوف أيضا على لمن وجد. أي ولا يحرم التخطي لمعظم، أي في النفوس. قال في التحفة: وقيده الأذرعي بمن ظهر صلاحه وولايته ليتبرك الناس به. (قوله: ألف موضعا) قال ع ش: أي أو لم يألف. اه.

تخطي المجتمعين لغير الصلاة، ويحرم أن يقيم أحدا - بغير رضاه - ليجلس مكانه. ويكره إيثار غيره بمحله، إلا إن انتقل لمثله أو أقرب منه إلى الامام. وكذا الايثار بسائر القرب. وله تنحية سجادة غيره - بنحو رجله - والصلاة في محلها، ولا يرفعها - ولو بغير يده - لدخولها في ضمانه. (و) حرم على من تلزمه الجمعة (نحو مبايعة) كاشتغال بصنعة (بعد) شروع في (أذان خطبة)، فإن عقد صح العقد، ويكره قبل الاذان بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ (واعلم) أن الذي ذكره الشارح من الصور المستثناة من حرمة التخطي أو كراهته على القولين أربع صور، وبقي منها: إذا سبق الصبيان أو العبيد أو غير المستوطنين إلى الجامع، فإنه يجب على الكاملين إذا حضروا التخطي لسماع الخطبة إذا كانوا لا يسمعونها مع البعد. ومنها: ما إذا كان الجالسون عبيدا لذلك المتخطي أو أولادا له، ولهذا، يجوز أن يبعث عبده ليأخذ له موضعا في الصف الأول، فإذا حضر السيد تأخر العبد. قاله ابن العماد. ومنها: ما إذا جلس الشخص في طريق الناس. (قوله: ويكره تخطي المجتمعين لغير الصلاة) الظاهر أن كراهة ذلك مبنية على القول بكراهة تخطي المجتمعين للصلاة. أما على القول بالحرمة فيحرم. ويؤيده التصريح بلفظ أيضا بعد قوله لغير الصلاة في عبارة الفتح، ونصها: ويكره تخطي المجتمعين لغير الصلاة أيضا. اه. فقوله أيضا: أي ككراهة ذلك للصلاة. (قوله: ويحرم أن يقيم إلخ) لخبر الصحيحين: لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن يقول تفسحوا وتوسعوا، فإن قام الجالس باختياره وأجلس غيره فلا كراهة على الغير. ومحل الحرمة في الأول - كما في ع ش - حيث كانوا كلهم ينتظرون الصلاة - كما هو الفرض - أما ما جرت به العادة من إقامة الجالسين في موضع الصف الذين قد صلوا جماعة إذا حضرت جماعة بعدهم وأرادوا فعلها: فالظاهر أنه لا كراهة فيه ولا حرمة، لأن الجالس ثم مقصر باستمرار الجلوس المؤدي لتفويت الفضيلة على غيره. (قوله: ويكره إيثار غيره) أي ويكره لمن سبق في مكان من الصف الأول مثلا أن يقوم منه ويجلس غيره فيه. (قوله: إلا إن انتقل لمثله) أي إلا إن انتقل المؤثر لمكان مثل المكان الذي آثر به، فلا يكره الإيثار. (وقوله: أو أقرب منه إلى الإمام) أي أو إلا أن انتقل لمكان أقرب إلى الإمام من المكان الذي آثر به، فلا يكره. فإن انتقل لمكان أبعد من الذي آثر به كره. (قوله: وكذا الإيثار بسائر القرب) أي وكذلك يكره الإيثار بها، وأما قوله تعالى: * (ويؤثرون على أنفسهم) * (1) فالمراد الإيثار في حظوظ النفس. نعم، إن أثر قارئا أو عالما ليعلم الإمام أو يرد عليه إذا غلط، فالمتجه أنه لا كراهة، لكونه مصلحة عامة: (قوله: وله تنحية الخ) مرتبط بقوله فله بلا كراهة تخطي إلخ. يعني أن من وجد فرجة أمامه، له تخطي صف أو صفين لأجل سدها، وله تنحية سجادة في تلك الفرجة لغيره، لتعديه بفرش سجادته مع غيبته. وفي البجيرمي ما نصه: وما جرت به العادة من فرش السجادات بالروضة ونحوها - من الفجر، أو طلوع الشمس - قبل حضور أصحابها مع تأخيرهم إلى الخطبة أو ما يقاربها: لا بعد في كراهته، بل قد يقال بتحريمه، لما فيه من تحجير المسجد من غير فائدة - كما في شرح م ر -. وعبارة البرماوي: ويكره بعث سجادة ونحوها، لما فيه من التحجير مع عدم إحياء البقعة، خصوصا في الروضة الشريفة. اه. وظاهر عبارة ح ل أن البعث المذكور حرام. ونصها: ولا يجوز أن يبعث من يفرش له نحو سجادة لما فيه إلخ. وقول م ر: بل قد يقال بتحريمه، أي تحريم الفرش في الروضة. قال ع ش عليه: هذا هو المعتمد اه. (قوله: بنحو رجله) متعلق بتنحية أي وله تنحيتها - أي دفعها - بنحو رجله من غير رفع لها، واندرج تحت نحو يده وعصاه. (قوله: والصلاة) بالرفع، عطفا على تنحية. (وقوله: في محلها) أي السجادة، فلو صلى عليها حرم بغير رضا صاحبها. (قوله: ولا يرفعها) أي يحملها ثم يلقيها في مكان آخر (قوله: ولو بغير يده) كرجله (وقوله: لدخولها في ضمانه) أي لو رفعها ولو قال لئلا تدخل في ضمانه لكان أولى. وسيذكر الشارح في (باب الوقف) هذه المسألة بأبسط مما هنا. (قوله: وحرم على من تلزمه الجمعة نحو مبايعة) أي لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم

_ (1) الحشر: 9

الزوال. (و) حرم على من تلزمه الجمعة - وإن لم تنعقد به - (سفر) تفوت به الجمعة، كأن ظن أنه لا يدركها في طريقه أو مقصده، ولو كان السفر طاعة مندوبا، أو واجبا، (بعد فجرها) أي فجر يوم الجمعة، إلا خشي ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) *. (1) فورد النص في البيع، وقيس عليه غيره. ومحل الحرمة، في حق من جلس له: في غير الجامع، أما من سمع النداء فقام قاصدا الجمعة، فباع في طريقه أو قعد في الجامع وباع، فإنه لا يحرم عليه. لكن البيع في المسجد مكروه، ومحلها أيضا، إن كان عالما بالنهي، ولا ضرورة كبيعه للمضطر ما يأكله، وبيع كفن لميت خيف تغيره بالتأخير، وإلا فلا حرمة، وإن فاتت الجمعة. وخرج بقوله من تلزمه الجمعة: من لا تلزمه، فلا حرمة عليه، ولا كراهة. لكن إذا تبايع مع من هو مثله. أما إذا تبايع مع من تلزمه حرم عليه أيضا، لإعانته على الحرام. وقيل: كره له ذلك. (قوله: كاشتغال بصنعة) تمثيل لنحو مبايعة. قال في النهاية: وهل الاشتغال بالعبادة - كالكتابة - كالاشتغال بنحو البيع؟ مقتضى كلامهم: نعم. اه. قال ع ش: أي فيحرم خارج المسجد، ويكره فيه. (قوله: بعد شروع) متعلق بحرم. (وقوله: في أذان خطبة) أي الأذان الذي بين يدي الخطيب، وقيد الأذان بما ذكر لأنه الذي كان في عهده - صلى الله عليه وسلم -، فانصرف النداء في الآية إليه. (قوله: فإن عقد) أي من حرم عليه العقد. بيعا كان أو غيره. وعبارة المغني مع الأصل: فإن باع من حرم عليه البيع صح بيعه، وكذا سائر عقوده، لأن النهي لمعنى خارج عن العقد، أي وهو التشاغل عن صلاتها، فلم يمنع الصحة، كالصلاة في الدار المغصوبة. اه. (قوله: ويكره) أي نحو مبايعة. (وقوله: قبل الأذان) أي الذي بين يدي الخطيب، وإن كان بعد الأذان الأول. (وقوله: بعد الزوال) متعلق بيكره، أو متعلق بمحذوف حال من نائب فاعله. وإنما كره ذلك بعده لدخول وقت الوجوب. نعم، إن فحش تأخير الجمعة عن الزوال فلا كراهة، وخرج ببعد الزوال ما إذا وقع ذلك قبله، فلا يكره، وهذا محمول على من لم يلزمه السعي قبله، وإلا فيحرم عليه من وقت وجوبه عليه. (قوله: وحرم على من تلزمه الخ) أي لما صح أن من سافر يوم الجمعة بعد الفجر دعا عليه ملكاه، فيقولان: لا نجاه الله من سفره، ولا أعانه على قضاء حاجته. (حكي) ابن أبي شيبة عن مجاهد: أن قوما خرجوا في سفر حين حضرت الجمعة، فاضطرم عليهم خباؤهم نارا، من غير نار يرونها. (قوله: سفر) فاعل حرم. قال البجيرمي: وخرج به النوم قبل الزوال، فلا يحرم، وأن علم فوات الجمعة به. كما اعتمده شيخنا م ر لأنه ليس من شأن النوم الفوات. وخالفه غيره اه. وقوله: وخالفه غيره. أي فيما إذا علم فوات الجمعة به. (قوله: تفوت به الجمعة) أي بحسب ظنه، وخرج به ما إذا لم تفت به، بأن غلب على ظنه إدراكها في مقصده أو طريقه، فلا يحرم لحصول المقصود، وهو إدراكها. قال سم: ولو تبين خلاف ظنه بعد سفره فلا إثم، والسفر غير معصية، كما هو ظاهر. اه. وفي التحفة: وقيده - أي عدم الحرمة - فيما إذا لم تفت عليه صاحب التعجيز بحثا بما إذا لم تبطل بسفره جمعة بلده، بأن كان تمام الأربعين. وكأنه أخذه مما مر آنفا من حرمة تعطيل بلدهم عنها. لكن الفرق واضح، فإن هؤلاء معطلون بغير حاجة، بخلاف المسافر، فإن فرض أن سفره لغير حاجة اتجه ما قاله، وإن تمكن منها في طريقه. اه. (قوله: كان ظن إلخ) تمثيل للسفر الذي تفوت به الجمعة، والأولى بأن ظن بباء التصوير. (وقوله: لا يدركها) أي الجمعة. (وقوله: في طريقه) أي بأن لم يكن فيه محل تقام فيه الجمعة. (وقوله: أو مقصده) أي وطنه أو غيره، بأن ظن أنه إذا وصله يجد الجمعة قد صليت. (قوله: ولو كان السفر طاعة) غاية في الحرمة، وهي للرد على القديم الذي يخص حرمة السفر قبل الزوال بالمباح، ويجعل سفر الطاعة قبل الزوال جائزا. اه. بجيرمي. (وقوله: مندوبا أو واجبا) المناسب مندوبة أو واجبة، ليكون تعميما في الطاعة. والمندوبة: كزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. والواجبة: كالحج. (قوله: بعد فجرها) متعلق بحرم، أو بمحذوف صفة لسفر، وإنما حرم من بعد الفجر، مع أن وقت الوجوب إنما يدخل بالزوال، لأن الجمعة مرتبطة باليوم، ولذا وجب السعي إليها قبل الزوال على بعيد الدار. (قوله: أي فجر يوم الجمعة) أفاد بهذا التفسير أن إضافة فجر لضمير الجمعة لأدنى ملابسة، إذ الفجر ليومها، لا لها، لكن لما كانت تقع في اليوم نسب إليها ما ينسب إليه. (قوله: إلا إن خشي إلخ)

_ (1) الجمعة: 9

من عدم سفره ضررا، كانقطاعه عن الرفقة، فلا يحرم إن كان غير سفر معصية، ولو بعد الزوال، ويكره السفر ليلة الجمعة، لما روي بسند ضعيف: من سافر ليلتها دعا عليه ملكاه. أما المسافر لمعصية فلا تسقط عنه الجمعة مطلقا. قال شيخنا: وحيث حرم عليه السفر هنا لم يترخص ما لم تفت الجمعة، فيحسب ابتداء سفره من وقت فوتها. (تتمة) يجوز لمسافر سفرا طويلا قصر رباعية، مؤداة، وفائتة سفر قصر فيه، وجمع ـــــــــــــــــــــــــــــ استثناء من حرمة السفر بعد الفجر أي وحرم بعده، إلا إذا خاف من عدم سفره حصول ضرر له، فلا يحرم حينئذ. (وقوله: كانقطاعه إلخ) تمثيل للضرر. (وقوله: عن الرفقة) أي الذي يخشى الضرر بمفارقتهم. قال ع ش: وليس من التضرر ما جرت به العادة من أن الإنسان قد يقصد السفر في وقت مخصوص لأمر لا يفوت بفوات ذلك الوقت. اه. قال البجيرمي: كالذين يريدون السفر لزيارة سيدي أحمد البدوي في أيام مولده في يوم الجمعة مع رفقة، وكانوا يجدون رفقة أخر مسافرين في غيره. اه. ويستثنى من الحرمة أيضا ما لو احتاج إلى السفر لإدراك وقوف عرفة، أو لإنقاذ نحو مال أو أسير، فيجوز له السفر ولو بعد الزوال، بل يجب لإنقاذ أسير أو نحوه، كقطع الفرض لذلك. (قوله: إن كان غير سفر معصية) قيد في عدم الحرمة، وسيذكر قريبا محترزه. (قوله: ويكره السفر ليلة الجمعة) في فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رضي الله عنه - هل يكره السفر ليلة الجمعة؟ (فأجاب) بقوله: مقتضى قول الغزالي في الخلاصة: من سافر ليلتها دعا عليه ملكاه. الكراهة، وهو متجه إن قصد بذلك الفرار عن الجمعة، قياسا على بيع النصاب الزكوي قبل الحول، إلا أن يفرق بأن الحول ثم سبب للوجوب، وانعقد في حقه، بخلافه هنا. وكأن هذا مدرك قوله بعضهم: لم أر لأحد من الأصحاب ما يقتضي الكراهة. اه. (قوله: دعا عليه ملكاه) أي قالا: لا نجاه الله من سفره، ولا أعانه على قضاء حاجته. اه. (قوله: أما المسافر لمعصية) محترز قوله إن كان غير سفر معصية. والمناسب تقديمه على قوله ويكره ليلتها. والتعبير بقوله: أما سفر المعصية. (قوله: فلا تسقط عنه الجمعة) المناسب فيحرم عليه السفر، ولا تسقط عنه الجمعة. (قوله: مطلقا) أي سواء خشي من عدم سفره ضررا أم لا، وذلك لأنه في حكم المقيم. (قوله: وحيث حرم عليه السفر هنا) أي بأن سافر بعد فجر يوم الجمعة ولم تمكنه في طريقه ولم يتضرر بتخلفه. (وقوله: لم يترخص) أي برخص السفر من القصر والجمع والتنقل إلى جهة مقصدة. (وقوله: ما لم تفت الجمعة) قيد في عدم الترخص، أي لم يترخص مدة عدم فوات الجمعة بأن يبقى وقت يسعها وخطبتها. فإن فاتت الجمعة بخروج وقتها أو باليأس منها، ترخص من حين الفوات. (قوله: فيحسب ابتداء سفره الخ) مفرع على مفهوم القيد، أي فإن فاتت فيحسب ابتداء سفره من وقت فوتها، لانتهاء سبب المعصية. قال سم: ينبغي إذا وصل لمحل لو رجع منه لم يدركها أن ينعقد سفره من الآن، وإن كانت إلى ذلك الوقت لم تفعل في محلها. اه. (تتمة) لم يتعرض المؤلف لمسألة الاستخلاف، ولا بد من التعرض لها تتميما للفائدة، فأقول: (اعلم) أن الإمام إذا خرج من الإمامة بنحو تأخر عن المقتدين، أو من الصلاة بحدث أو غيره فخلفه غيره جاز، سواء استخلف نفسه أو استخلفه الإمام، أو القوم، أو بعضهم، لأن الصلاة بإمامين بالتعاقب جائزة. كما في قصة أبي بكر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه، حيث كان يصلي أبو بكر إماما بالناس في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأحس النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخفة في بدنه يوما، فدخل يصلي وأبو بكر محرم بالناس، فتأخر أبو بكر وقدمه، واقتدى به بعد خروجه من الإمامة. وحاصل ما يتعلق بهذه المسألة أن الاستخلاف إما أن يكون في الجمعة، وإما أن يكون في غيرها. فالأول: إما أن يكون في أثناء الخطبة، أو بينها وبين الصلاة، أو في الصلاة. فإن كان الأول: اشترط سماع الخليفة ما مضى من أركانها، وإن كان الثاني: اشترط سماع الخليفة جميع أركانها، إذ من لم يسمع ليس من أهل الجمعة، وإنما يصير من أهلها إذا دخل في الصلاة. وإن كان الثالث: فهو على ثلاثة أقسام: أحدها: أن يقع الإستخلاف قبل أن يقتدي الخليفة به، وهذا لا يصح مطلقا، لاحتياج المقتدين إلى تجديد نية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القدوة به المؤدي إلى إنشاء جمعة بعد أخرى. ثانيها: أن يقع بعد القدوة أو في ركوعها وهنا يصبح وتحصل الجمعة له ولهم ثالثها: أن يقع بعد ركوع الركعة الأولى، ولو في اعتداله، وهذا يحرم عليه، لأنه يفوت بذلك الجمعة على نفسه، فيجب أن يتقدم غيره ممن أدركه في الركوع أو قبله. ومع ذلك لو تقدم هو صحت الجمعة لهم، لا له. ووقع خلاف بين المتأخرين: فيما إذا أدرك الخليفة ركوع الثانية وسجدتيها، أو استخلف في التشهد؟ فقال ابن حجر: لا يدرك الجمعة، بل يتمها ظهرا، وقال شيخ الإسلام والخطيب والرملي: يدرك الجمعة، فيأتي بركعة ثم يسلم. والثاني: وهو ما إذا وقع الاستخلاف في غير الجمعة، يجوز مطلقا، سواء كان الخليفة مقتديا بالإمام قبل أن تبطل صلاته أم لا، لكنهم يحتاجون لنية الاقتداء به في الثانية إن خالف الإمام في ترتيب صلاته، بأن استخلف في الثانية أو في الأخيرة، فإن لم يخالفه في ذلك، بأن استخلف في الأولى أو في ثالثة الرباعية، فلا يحتاجون لنية الاقتداء، أما في الأولى، وهي ما إذا كان مقتديا به قبل أن تبطل صلاته، فلا يحتاجون لنية الاقتداء مطلقا، لأنه تلزمه مراعاة نظم صلاة الإمام باقتدائه به. ثم إن كان عالما بنظم صلاة الإمام فذاك، وإلا فيراقب من خلفه. فإذا هموا بالقيام قام، وإلا قعد. وفي الرباعية إذا هموا بالقعود قعد، وتشهد معهم، ثم يقوم، فإذا قاموا معه علم أنها ثانيتهم، وإلا علم أنها آخرتهم. ثم إنه إنما يجوز الاستخلاف إن وقع عن قرب بعد بطلان صلاة الإمام، بأن لم ينفردوا بعده بركن قولي، أو فعلي، أو يمض زمن يمكن وقوع ذلك فيه، وإلا امتنع في الجمعة مطلقا وامتنع في غيرها بغير تجديد نية الاقتداء منهم به. ولو انفرد بعض المقتدين بركن دون بعض احتاج الأول لتجديد نية الاقتداء، دون الثاني. هذا في غير الجمعة. فإن كان فيها وكان غير المنفردين بالركن أربعين، بقيت الجمعة، وإلا بطلت إن كان الانفراد بالركن في الركعة الأولى. فإن كان في الثانية بقيت الجمعة أيضا. (فروع) لو أراد الإمام أن يستخلف قبل خروجه من الإمامة أو من الصلاة: لا يجوز، ولو بطلت صلاة الخليفة، فتقدم ثالث فأخرج نفسه مما مر فتقدم رابع وهكذا، جاز. ويشترط في كل منهم ما يشترط في الخليفة الأول. ويراعي الكل نظم صلاة الإمام الأول. ولو توضأ الأول، ثم اقتدى بخليفته، فأحدث الخليفة، ثم تقدم هو: جاز. والكلام على مسألة الاستخلاف مما أفرد بالتأليف. وفي هذا القدر كفاية. والله سبحانه وتعالى أعلم. (قوله: تتمة) أي في بيان كيفية صلاة المسافر، من حيث القصر والجمع. وقد أفردها الفقهاء بباب مستقل. ويذكرونه عقب الجماعة وقبل الجمعة. (واعلم) أي الأصل في القصر قبل الإجماع قوله تعالى: * (وإذا ضربتم في الأرض) * (1) أي سافرتم فيها، ومثلها البحر: * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * (1) قال يعلى بن أمية - رضي الله عنه - قلت لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إنما قال تعالى: * (إن خفتم) * (1) وقد أمن الناس. فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته. رواه مسلم. وروى ابن أبي شيبة: إن خيار أمتي من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤا استغفروا، وإذا سافروا قصروا. والأصل في الجمع ما رواه الشيخان، عن ابن عمر، أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا عجل السير جمع بين المغرب والعشاء ورويا أيضا عن معاذ قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك، وكان يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. ورويا أيضا عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع بين الظهر والعصر في السفر. وشرع القصر في السنة الرابعة من الهجرة - كما قاله ابن الأثير - وقيل في السنة الثانية في ربيع الثاني منها.

_ (1) النساء: 101.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرع الجمع في السنة التاسعة من الهجرة في غزوة تبوك - اسم مكان في طرف الشام - وهي آخر غزواته عليه الصلاة والسلام. (قوله: يجوز لمسافر) أي تخفيفا عليه لما يلحقه من مشقة السفر الحاصلة فيه من الركوب والمشي مع الألم الناشئ من ترك المألوف من الوطن وغيره. وأشعر تعبيره بالجواز أن الأفضل الإتمام. نعم، إن بلغ سفره ثلاث مراحل ولم يختلف في جواز قصره فالأفضل القصر للاتباع، وخروجا من خلاف أبي حنيفة - رضي الله عنه - فإنه يوجب القصر حينئذ. وخرج بقولنا ولم يختلف في جواز قصره: من اختلف في جواز قصره، كملاح يسافر في البحر ومعه عياله في سفينة، ومن يديم السفر مطلقا كالساعي فإن الإتمام أفضل له، خروجا من خلاف من أوجبه، كالإمام أحمد رضي الله عنه. وروعي مذهبه دون مذهب أبي حنيفة في ذلك لموافقته الأصل، وهو الإتمام. ثم إنه أورد على التعبير بالجواز أنه قد يجب القصر فيما لو أخر الصلاة إلى أن بقي من وقتها ما لا يسعها إلا مقصورة لأنه لو أتمها للزم إخرا بعض الصلاة عن وقتها مع تمكنه من إيقاعها في الوقت. وقد يجب القصر والجمع معا فيما لو أخر الظهر إلى وقت العصر بنية الجمع، ولم يصل حتى بقي من وقت العصر ما يسع أربع ركعات. وأجيب بأن المراد بالجواز. ما قابل الإمتناع فيشمل الوجوب. (قوله: سفرا طويلا) هذا أحد شروط القصر والجمع، وهو ثمانية وأربعون ميلا هاشمية. وذلك لأن ابني عمر وعباس - رضي الله عنهم - كانا يقصران ويفطران في أربعة برد، ولا يعرف مخالف لهما. ومثله لا يكون إلا عن توقيف. والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف خطوة، والخطوة ثلاثة أقدام، والقدمان ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضات، والإصبع ست شعيرات معتدلات معترضات، والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون. وهذا تحديد لمسافة القصر بالمساحة. وأما تحديدها بالزمان فهو سير يومين معتدلين، أو ليلتين معتدلتين، أو يوم وليلة وإن لم يعتدلا، بسير الأثقال، وهي الإبل المحملة، مع اعتبار النزول المعتاد للأكل، والشرب، والصلاة، والاستراحة. وقد نظم بعضهم ضابط مسافة القصر بالتحديد الأول في قوله: مسافة القصر احفظوها واسمعوا * * هي أربع من قيس برد تذرع ثم البريد من الفراسخ أربع * * ولفرسخ فثلاث أميال ضعوا والميل ألف أي من الباعات قل * * والباع أربع أذرع فتتبعوا ثم الذراع من الأصابع أربع * * من بعدها العشرون ثم الإصبع ست شعيرات فبطن شعيرة * * منها إلى ظهر لأخرى توضع ثم الشعيرة ست شعرات كذا * * من شعر بغل ليس من ذا مدفع (قوله: قصر رباعية) هي الظهر والعصر والعشاء، وخرج بها الثنائية والثلاثية فلا يقصران. قال في النهاية: وأما خبر مسلم: فرضت الصلاة في الخوف ركعة فمحمول على أنه يصليها فيه مع الإمام، وينفرد بالأخرى. إذ الصبح لو قصرت لم تكن شفعا، وخرجت عن موضوعها. والمغرب لا يمكن قصرها إلى ركعتين، لأنها لا تكون إلا وترا، ولا إلى ركعة، لخروجها بذلك عن باقي الصلوات. اه. ولا بد أن تكون الرباعية مكتوبة أصالة، فلو كانت نافلة أو منذورة لا يصح قصرها. وأما المعادة، فله قصرها إن قصر أصلها وصلاها خلف من يصليها مقصورة، أو صلاها إماما، سواء صلى الأولى جماعة أو فرادى. (قوله: مؤداة) دخل فيها ما لو سافر وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة، فإنه

العصرين والمغربين تقديما وتأخيرا، بفراق سور خاص ببلد سفر، وإن احتوى على خراب ومزارع. ولو جمع قريتين، فلا يشترط مجاوزته، بل لكل حكمه، فبنيان وإن تخلله خراب أو نهر أو ميدان. ولا يشترط ـــــــــــــــــــــــــــــ يقصرها، سواء شرع فيها في الوقت وهو ظاهر، لكونها مؤداة، أم صلاها بعد خروج الوقت لأنها فائتة سفر. اه. بجيرمي. (قوله: وفائتة سفر) الواو بمعنى أو، ومدخولها معطوف على مؤادة مضاف إلى لفظ سفر المضاف إلى قصر. وفيه متعلق بمقدر داخل على فائتة، وضميره يعود على سفر القصر. والمعنى: أن قصر الصلاة الرباعية التي فاتتة في سفر القصر جائز في سفر القصر. أما فائتة الحضر فلا يجوز قصرها في السفر. وكذلك فائتة السفر لا يجوز قصرها في الحضر. ولو شك في أنها فائتة سفر أو حضر قضاها تامة احتياطا، ولأن الأصل الإتمام. (قوله: وجمع الخ) معطوف على قصر، أي ويجوز لمسافر سفرا طويلا جمع العصرين والمغربين - أي ضم إحدى الصلاتين للأخرى في وقت واحدة منهما - سواء كانتا تامتين، أو مقصورتين، أو إحداهما تامة والأخرى مقصورة. وفي البجيرمي: وعند المالكية يجوز الجمع في السفر القصير. أما عندنا فلا جمع في قصير، وجمعه - صلى الله عليه وسلم - في عرفة ومزدلفة لأنه كان مستديما في سفره الطويل إذ لم يقم قبلهما ولا بعدهما أربعة أيام، فالجمع للسفر، وعند الإمام أبي حنيفة للنسك. اه. (وقوله: تقديما) أي في وقت الأولى لغير المتحيرة، لأن شرطه ظن صحة الأولى - كما يأتي - وهو منتف فيها. وألحق بها كل من تلزمه الإعادة. وفيه نظر ظاهر، لأن الأولى مع ذلك صحيحة فلا مانع، وكالظهر: الجمعة في هذا، فيمتنع على المتحيرة أن تجمع بينها وبين العصر جمع تقديم. اه. تحفة بزيادة. (وقوله: وتأخيرا) أي في وقت الثانية. ولو للمتحيرة، فيجوز جمعها جمع تأخير. قال ع ش: والفرق بين الجمعين: أنه يشترط لجمع التقديم ظن صحة الأولى، وهو منتف في المتحيرة، بخلاف التأخير، فإنه لا يشترط ظنه ذلك فجاز، وإن أمكن وقوع الأولى مع التأخير في زمن الحيض، مع احتمال أن تقع في الطهر: لو فعلتها في وقتها. اه. ويستثنى الجمعة، فلا يجوز جمعها تأخيرا، لأنها لا يتأتى تأخرها عن وقتها. (قوله: بفراق سور) متعلق بيجوز: يعني أنه لا يجوز ما ذكر من القصر والجمع إلا بفراق سور خاص بتلك البلدة التي سافر منها إن كان، لأن ابتداء السفر إنما يكون بمجاوزته، فإن لم يكن لها سور أصلا، أو كان لكن ليس خاصا بها، كقرى متفاصلة جمعها سور واحد، فابتداؤه بمجاوزة الخندق إن كان، فإن لم يكن فالقنطرة إن كانت، فإن لم تكن فالعمران. (قوله: وإن احتوى الخ) غاية في اشتراط فراق السور، لجواز ما ذكر، أي لا بد من فراق السور إن احتوى - أي أحاط - ذلك السور بخراب ومزارع، بأن تكون داخلة. وذلك لأن ما في داخل السور معدود من نفس البلد، محسوب من موضع الإقامة. وعبارة الروض وشرحه: ويحصل ابتداء السفر من بلد له سور بمفارقة سور البلد المختص به، ولو لاصقة من خارجه بنيان - أي عمران - أو مقابر أو احتوى على خراب ومزارع فتكفي مفارقة ما ذكر، لأن ما كان خارجه - كالأولين - لا يعد من البلد، بخلاف ما كان داخله، كالآخرين. اه. بحذف. (قوله: ولو جمع قريتين إلخ) المناسب لتعبيرة أولا بالبلد أن يقول: ولو جمع بلدين. وهذا مفهوم قوله خاص ببلد سفر. وعبارة الروض وشرحه: وإن جمع السور بلدين متقاربين فلكل منهما حكمه، فلا يشترط مجاوزة السور كما فهم أيضا من قوله فيما مر سور البلد المختص به - كما مرت الإشارة إليه - والقريتان في ذلك كالبلدين. اه. (قوله: فبنيان) معطوف على قوله سور، أي ويجوز لمسافر ما ذكر من القصر والجمع بفراق بنيان - أي عمران - إن لم يكن للبلد التي سافر منها سور، فإن لم يكن هناك بنيان فبفراق حلة - بكسر الحاء - إن سافر من خيام حي، وهي بيوت مجتمعة أو متفرقة، بحيث يجتمع أهلها للسمر في ناد واحد، ويستعير بعضهم من بعض. ويدخل في الحلة عرفا: مرافقها، كمعاطن إبل، وملعب صبيان ومطرح رماد، فلا بد من مجاوزتها. ولا بد أيضا من مجاوزة عرض واد إن سافر في عرضه، ومجاوزة مهبط إن كان في ربوة، ومجاوزة مصعد إن كان في وهدة، إن اعتدلت الثلاثة، فإن أفرطت سعتها اكتفى بمجاوزة الحلة عرفا. وما تقرر من أنه لا بد من مجاوزة السور، أو العمران، أو الحلة، هو في سفر البر، ومثله سفر البحر المنفصل ساحله عن العمران. أما المتصل ساحله بالعمران عرفا. فإذا سافر فيه وأراد أن يترخص

مجاوزة بساتين وإن حوطت واتصلت بالبلد، والقريتان إن اتصلتا عرفا كقرية، وإن اختلفتا اسما، فلو انفصلتا - ولو يسيرا - كفى مجاوزة قرية المسافر، لا لمسافر لم يبلغ سفره مسيرة يوم وليلة بسير الاثقال مع النزول المعتاد لنحو استراحة وأكل وصلاة، ولا لآبق، ومسافر عليه دين حال قادر عليه من غير إذن دائنه، ولا لمن ـــــــــــــــــــــــــــــ بالقصر والجمع ونحوهما، فلا يجوز إلا بخروجه من البلد، وجري السفينة أو جري زورقها إليها آخر مرة، وإلا فمتى ما كان الزورق يذهب ويعود فلا يترخص من به، وإذا جرى الزورق آخر مرة إلى السفينة جاز الترخص لمن به، ولو قبل وصوله إلى السفينة ولمن بها أيضا. وقيد في التحفة وفي شرح بأفضل: اعتبار جري السفينة أو الزورق ببلد لا سور لها. قال الكردي: وهو احتمال للأسنى. وقال الخطيب: هو أوجه. وعلى هذا فالساحل الذي له سور: العبرة بمجاوزة سوره. والذي فيه عمران من غير سور: العبرة فيه بجري السفينة أو الزورق. وفي شرحي الإرشاد: أنه لا فرق في ذلك بين السور والعمران، فلا بد من ركوب السفينة. اه. (قوله: وإن تخلله) أي البنيان. وهو غاية في اشتراط فراق البينان، أي يشترط فراقه. وإن وجد في خلاله - أي وسطه - خراب أو نهر أو ميدان: فالعبرة في أول السفر بمجاوزة البنيان، لا بمجاوزة ما ذكر، لأنه معدود من البنيان محسوب من موضع الإقامة. (قوله: ولا يشترط مجاوزة بساتين) أي ولا مزارع ولا خراب هجر بالتحويط على العامر أو زرع أو اندرس بأن ذهبت أصول حيطانه، وذلك لأن ما ذكر ليس محل إقامة. (وقوله: وإن حوطت) أي البساتين، أي حوط عليها بسور مثلا. (وقوله: واتصلت) أي البساتين. قال في الروض وشرحه: ولو كانت متصلة بالبلد وفيها دور يسكنها ملاكها، ولو أحيانا - أي في بعض فصول السنة - اشترط مجاوزتها. هذا ما في الروضة، كالشرحين. وأطلق المنهاج - كأصله - عدم اشتراطها. وقال في المجموع بعد نقله الأول عن الرافعي: وفيه نظر. ولم يتعرض له الجمهور. والظاهر أنه لا يشترط مجاوزتها، لأنها ليست من البلد. قال في المهمات: وبه الفتوى. اه. (قوله: والقريتان إن اتصلتا) أي ولو بعد أن كانتا منفصلتين. (وقوله: كقرية) أي فيشترط مجاوزتهما معا، لكن إن لم يكن بينهما سور، وإلا اعتبر مجاوزته فقط. قال سم: والحاصل من مسألة القريتين أنهما إن اتصل بنيانهما ولم يكن بينهما سور، اشترط مجاوزتهما. وإن كان بينهما سور، اشترط مجاوزته فقط، وإن اتصل البنيان. اه. (قوله: وإن اختلفتا) أي القريتان. وهو غاية في كون حكمهما حكم القرية الواحدة. (قوله: فلو انفصلتا) أي القريتان. (قوله: ولو يسيرا) أي ولو كان ذراعا. كما في الإيعاب نقلا عن المجموع عن صاحب الحاوي. واعتمد في التحفة والنهاية الضبط بالعرف، وأن قول الماوردي جري على الغالب اه. كردي. (قوله: كفى إلخ) جواب فلو (وقوله: مجاوزة قرية المسافر) أي فقط ولا يشترط مجاوزته القريتين (قوله: لا المسافر الخ) معطوف على المسافر سفرا طويلا، ومحترزه أنه لا يجوز القصر والجمع لمسافر سفرا قصيرا. وهو ما بينة بقوله: لم يبلغ سفره إلخ. (وقوله: مسيرة يوم وليلة) أي أربعة وعشرين ساعة ذهابا فقط. (وقوله: بسير الأثقال) المراد بالأثقال: الإبل المحملة بالأثقال، أي الأحمال، على سبيل المجاز المرسل. والعلاقة المجاورة. (قوله: مع النزول المعتاد) متعلق بمحذوف حال من سير، أي حال كونه مصاحبا للنزول المعتاد. (قوله: ولا لآبق الخ) هو وما بعده من أفراد محرز قيد محذوف كان الأولى التصريح به وهو أن يكون سفره غير معصية فاحترز به عما إذا كان معصية بأن يكون أنشأه معصية من أوله، ويسمى حينئذ عاصيا بالسفر. وذلك كعبد آبق من سيده، وكمدين موسر حل الدين الذي عليه قبل سفره ولم يف به، وكمسافر لقطع الطريق. أو يكون قلبه معصية بعد أن أنشأه طاعة، بأن قطع الطريق، أو آبق من سيده، ويسمى حينئذ عاصيا بالسفر في السفر. فإن تاب الأول - وهو العاصي بالسفر - فأول سفره محل توبته، فإن كان الباقي طويلا في الرخصة التي يشترط فيها طول السفر - كالقصر والجمع - أو قصيرا في الرخصة التي لا يشترط فيها ذلك - كأكل الميتة للمضطر - ترخص، وإن كان الباقي قصيرا في الرخصة التي يشترط فيها طول السفر، لم يترخص. وأما الثاني - وهو العاصي بالسفر في السفر - فإن تاب ترخص مطلقا، وإن كان الباقي قصيرا اعتبارا بأوله وآخره. وألحق بسفر المعصية سفر من أتعب نفسه أو دابته بالركض بلا غرض شرعي، وإن كان

سافر لمجرد رؤية البلاد - على الاصح -. وينتهي السفر بعوده إلى وطنه، وإن كان مارا به، أو إلى موضع ـــــــــــــــــــــــــــــ سفره لطاعة. وبقي قسم ثالث، وهو العاصي في السفر، وهو من سافر لطاعة بقصد الحج مثلا، فارتكب معصية في طريقه - كأن زنى، أو شرب الخمر - مع بقاء قصده الشئ الذي أنشأ السفر لأجله. وهذا لا يمنع من الترخص مطلقا. (والحاصل) أن العاصي ثلاثة أقسام الأول: العاصي بالسفر، وهو الذي أنشأ معصية. والثاني: العاصي بالسفر في السفر، وهو الذي قلبه معصية بعد أن أنشأه طاعة، كأن جعله لقطع الطريق ونأى عن الطاعة التي قصدها. والثالث: العاصي في السفر، وهو الذي يسافر بقصد الطاعة وعصى في أثنائه مع استمرار الطاعة التي قصدها. (قوله: ومسافر الخ) معطوف على آبق، وسفره هذا معصية، كما علمت. (قوله: قادر عليه) أي على وفائه. (قوله: ولا لمن سافر لمجرد رؤية البلاد) هذا أيضا محترز قيد محذوف كان الأولى ذكره، وهو أن يكون سفره لغرض صحيح كزيارة، وتجارة، وحج. (قوله: وينتهي السفر إلخ) لما بين المحل الذي يصير مسافرا إذا وصل إليه وهو خارج السور أو البنيان، شرع يبين المحل الذي إذا وصل إليه ينقطع سفره. وحاصل ما يقال فيه أنه رجع بعد سفره من مسافة القصر إلى وطنه انتهى سفره بمجرد وصول السور إن كان، سواء نوى الإقامة به أم لا، كأن له فيه حاجة أم لا. وأما إذا رجع إلى غير وطنه، ولم يكن له حاجة، ونوى قبل الوصول إليه إقامة مطلقا أو أربعة أيام صحاح، وكان وقت النية ماكثا مستقلا، انتهى سفره بمجرد وصول السور أيضا. أما إذا لم ينو أصلا، أو نوى إقامة أقل من أربعة أيام، فلا ينتهي سفره بوصول السور، وإنما ينتهي بإقامة أربعة أيام صحاح، غير يومي الدخول والخروج. وأما إذا كان له حاجة، فإن لم يتوقع انقضاءها قبل أربعة أيام، بل جزم بأنها لا تقضى إلا بعد الأربعة، انتهى سفره بمجرد المكث والاستقرار، سواء نوى الإقامة بعد الوصول أم لا. فإن توقع انقضاءها كل يوم، لم ينته سفره إلا بعد ثمانية عشر يوما صحاحا. هذا كله إذا رجع بعد وصوله إلى مسافة القصر، فإن رجع قبل وصوله إلى مسافة القصر لحاجة كتطهر وأخذ متاع، أو نوى الرجوع وهو مستقل ماكث، فإن كان إلى وطنه: انتهى سفره بابتداء رجوعه أو نيته. وإن كان إلى غير وطنه: لا ينتهي سفره، بل يترخص وإن دخل البلد، فإن رجع قبل ذلك لا لحاجة، بل للإقامة: انقطع سفره برجوعه مطلقا إلى وطنه، أو إلى غيره. وقد حرر العلامة الكردي مسألة ما ينتهي به السفر بتحرير لم يسبق إلى مثله، ولا بأس بذكره هنا تتميما للفائدة، فنص عبارته: ظهر للفقير في ضبط أطراف هذه المسألة أن تقول أن السفر ينقطع بعد استجماع شروطه بأحد خمسة أشياء: الأول: بوصوله إلى مبدأ سفره من سور أو غيره وإن لم يدخله، وفيه مسألتان: إحداهما أن يرجع من مسافة القصر إلى وطنه، وقيده في التحفة بالمستقبل، ولم يقيده بذلك في النهاية وغيرها. الثانية: أن يرجع من مسافة القصر إلى غير وطنه، فينقطع بذلك أيضا، لكن بشرط قصد إقامة مطلقة أو أربعة أيام كوامل. الثاني: انقطاعه بمجرد شروعه في الرجوع إلى ما سافر منه، وفيه مسألتان: إحداهما رجوعه إلى وطنه من دون مسافة القصر. الثانية: إلى غير وطنه من دون مسافة القصر بزيادة شرط، وهو نية الإقامة السابقة. الثالث: بمجرد نية الرجوع وإن لم يرجع وفيه مسألتان: إحداهما: إلى وطنه، ولو من سفر طويل، بشرط أن يكون مستقلا ماكثا. الثانية: إلى غير وطنه، فينقطع بزيادة شرط، وهو نية الإقامة السابقة فيما نوى الرجوع إليه. فإن سافر من محل نيته فسفر جديد، والتردد في الرجوع كالجزم به. الرابع: انقطاعه بنية إقامة المدة السابقة بموضع غير الذي سافر منه، وفيه مسألتان: إحداهما: أن ينوي الإقامة المؤثرة بموضع قبل وصوله إليه، فينقطع سفره بوصوله إليه بشرط أن يكون مستقلا، الثانية: نيتها بموضع عند أو بعد وصوله إليه، فينقطع بزيادة شرط، وهو كونه ماكثا عند النية.

آخر، ونوى إقامته به مطلقا، أو أربعة أيام صحاح، أو علم أن إربه لا ينقضي فيها، ثم إن كان يرجو حصوله كل وقت: قصر ثمانية عشر يوما. وشرط لقصر نية قصر في تحرم، وعدم اقتداء - ولو لحظة - بمتم ولو مسافرا ـــــــــــــــــــــــــــــ الخامس: انقطاعه بالإقامة دون غيرها، وفيه مسألتان: إحداهما: انقطاعه بنية إقامة أربعة أيام كوامل غير يومي الدخول والخروج. ثانيهما: انقطاعه بإقامة ثمانية عشر يوما صحاحا، وذلك فيما إذا توقع قضاء وطره قبل مضي أربعة أيام كوامل، ثم توقع ذلك قبل مضيها، وهكذا إلى أن مضت المدة المذكورة. فتلخص أن إنقضاء السفر بواحد من الخمسة المذكورة، وفي كل واحد منها مسألتان، فهي عشر مسائل، وكل ثانية من مسألتين تزيد على أولاهما بشرط واحد، وهذا لم أقف على من ضبطه كذلك. والله أعلم. اه. (قوله: وإن كان مارا به) أي بوطنه في سفره، كأن خرج منه ثم رجع من بعيد قاصدا المرور به من غير إقامة. (قوله: وإلى موضع آخر) معطوف على إلى وطنه، أي وينتهي سفره بعوده إلى موضع آخر غير وطنه. (قوله: ونوى إقامته به) أي وكان مستقلا، فلا بد في انتهاء سفره بعوده إلى الموضع الآخر من هذين القيدين نية الإقامة به، سواء نواها قبل بلوغه ذلك الموضع أو بعده. وكونه مستقلا، وهو غير الزوجة والقن. فإن لم ينو الإقامة به لا ينتهي سفره بمجرد وصوله ذلك الموضع الآخر، بل ينتهي بإقامة أربعة أيام بالفعل، أو نوى الإقامة ولكنه غير مستقل كقن وزوجة، فلا أثر لنيته المخالفة لنية متبوعه. قال سم: لكن يبعد أنه لو نوى الإقامة ماكثا، وهو قادر على المخالفة وصمم على قصد المخالفة أثرت نيته. (وقوله: مطلقا) أي من غير تقييد بزمن، لا بأربعة أيام، ولا بأكثر. (قوله: أو أربعة أيام) أي أو نوى الإقامة أربعة أيام صحاح، أي غير يومي الدخول والخروج، لأن في الأول الحط، وفي الثاني الترحال، وهما من أشغال السفر فلا يعتبران. قال في التحفة: تنبيه: يقع لكثير من الحجاج أنهم يدخلون مكة قبل الوقوف بنحو يوم ناوين الإقامة بمكة بعد رجوعهم من منى أربعة أيام فأكثر، فهل ينقطع سفرهم بمجرد وصولهم لمكة نظرا لنية الإقامة بها - ولو في الأثناء - أو يستمر سفرهم إلى عودهم إليها من منى، لأنه من جملة مقصدهم؟ فلم تؤثر نيتهم الإقامة القصيرة قبله ولا الطويلة إلا عند الشروع فيها وهي إنما تكون بعد رجوعهم من منى ووصولهم مكة؟ للنظر فيه مجال، وكلامهم محتمل، والثاني أقرب. اه. (قوله: أو علم) معطوف على ونوى إقامته به، فهو راجع للموضع الآخر، أي وينتهي سفره بوصوله إلى موضع آخر، وقد علم أن إربه - بكسر أوله وسكون ثانيه وبفتحهما - أي حاجته. (وقوله: لا ينقضي فيها) أي الأربعة الأيام بأن علم بقاءه مدة تزيد على أربعة أيام صحاح، وذلك لبعده عن هيئة المسافرين. (قوله: ثم إن كان إلخ) لا محل لثم هنا، بل الأولى والمناسب التفريع، بأن يقول: فإن كان إلخ. (وقوله: يرجو حصوله) أي الإرب من حين وصوله ذلك الموضع الآخر. (وقوله: كل وقت) مراده مدة لا تقطع السفر كيوم ويومين. (وقوله: قصر ثمانية عشر يوما) أي غير يومي الدخول والخروج، لانه - صلى الله عليه وسلم - أقامها بعد فتح مكة لحرب هوازن يقصر الصلاة، ومثل القصر - عل المنقول المعتمد - سائر رخص السفر. (قوله: وشرط الخ) ذكر للقصر أربعة شروط، وذكر فيما تقدم شرطين له وللجمع، لكن لا بعنوان الشرطية، وهما: كونه طويلا، ومجاوزة السور أو البنيان. وبقي عليه أربعة شروط: كون السفر مباحا، وكونه لغرض صحيح، وكون المسافر قاصدا محلا معلوما من حيث المسافة بأن يعلم أن مسافته مرحلتان فأكثر سواء كان معينا - كمكة - أو غير معين - كالحجاز، وكونه عالما بجواز القصر، فلو قصر جاهلا بذلك لم يصح لتلاعبه. وقد ذكر محترز الشرطين الأولين من هذه الأربعة، كما سبق التنبيه عليه. (قوله: نية قصر) أي كأن يقول: نويت أصلي الظهر مقصورة، ومثل ذلك ما لو نوى الظهر مثلا ركعتين، وإن لم ينو ترخصا، وما لو قال أؤدي صلاة السفر، فلو لم ينو ما ذكر، بأن نوى الإتمام أو أطلق: أتم لأونه المنوي في الأولى، والأصل في الثانية. وكذا لو شك هل نوى القصر أو الإتمام؟ فيجب عليه الإتمام، وإن تذكر عن قرب، لتأدي جزء من الصلاة حال التردد. (وقوله: في تحرم) أي مع التحرم، كأصل النية، فلو نواه بعد الإحرام لم ينفعه، فيجب الإتمام. (قوله: وعدم اقتداء ولو لحظة بمتم) فإن اقتدى به في جزء من صلاته - كأن أدركه آخر صلاته - لزمه الإتمام، لخبر الإمام أحمد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - سئل ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد، وأربعا إذا ائتم بمقيم؟

وتحرز عن منافيها دواما، ودوام سفره في جميع صلاته، ولجمع تقديم، نية جمع في الاولى - ولو مع التحلل منها - وترتيب، وولاء عرفا، فلا يضر فصل يسير بأن كان دون قدر ركعتين، ولتأخير نية جمع في وقت ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: تلك السنة، ولو اقتدى بمسافر وشك في نيته القصر فنوى هو القصر، جاز له القصر إن بان الإمام قاصرا لأن الظاهر من حال المسافر القصر. فإن بان أنه متم أو لم يتبين حاله لزمه الإتمام ولو علق نية القصر على نية الإمام، كأن قال إن قصر قصرت وإلا أتممت، جاز له القصر إن قصر الإمام، لأن هذا تصريح بالواقع، ولزمه الإتمام إن أتم الإمام، أو لم يظهر ما نواه الإمام، فيلزمه الإتمام احتياطا. (قوله: تحرز عن منافيها) أي نية القصر كنية الإتمام والتردد في أنه يقصر أو يتم؟ فلو نوى الإتمام بعد نية القصر، أو تردد في أنه يقتصر أو يتم بعد نية القصر مع الإحرام، أتم. (وقوله: دواما) ظرف متعلق بتحرز، أي التحرز عن منافيها في دوام الصلاة. (قوله: ودوام سفره إلخ) فلو انتهت به سفينته إلى ما يقطع ترخصه، أو شك هل بلغته، أو نوى الإقامة المنافية للترخص، أو شك في نيتها، أتم، لزوال تحقق الرخصة. (قوله: ولجمع الخ) معطوف على القصر، أي وشرط لجمع التقديم نية جمع إلخ. وذكر له ثلاثة شروط، وبقي عليه شرط رابع، وهو: دوام السفر إلى عقد الثانية فقط، بأن يحرم بها، فلا يشترط دوامه إلى إتمامها. فلو أقام في أثناء الثانية لم يضر، أو قيل عقدها ضر. وخامس: وهو كون السفر لغرض صحيح. وسادس: وهو كون المسافر قاصدا محلا معلوما. وسابع: وهو كونه عالما بجواز الجمع. وهذه الثلاثة تشترط أيضا في جمع التأخير. وثامن: وهو ظنه صحة الأولى لتخرج صلاة المتحيرة كما مر. وتاسع: وهو بقاء وقت الأولى يقينا إلى تمام الثانية، فإن خرج أثناء الثانية، أو شك في خروجه بطلت لبطلان الجمع. قال الكردي: ولم يرتض ابن حجر هذا الشرط. وقوله: في الأولى: أي في الصلاة الأولى. (فإن قلت): كان المناسب أن تكون نية الجمع في أول الثانية لكونها في غير وقتها، ويؤيده تعليلهم اشتراط نية الجمع بقولهم ليتميز التقدير المشروع عن التقديم، سهوا أو عبثا، لأن التقديم إنما هو للثانية. (أجيب) بأن الجمع ضم الثانية للأولى، ولا يحصل الضم المذكور إلا بنية الجمع في الأولى، ليصير الصلاتان كصلاة واحدة. فتدبر. (وقوله: ولو مع التحلل منها) أي تكفي نية الجمع ولو مع السلام من الأولى، لحصول الغرض، وهو تمييز التقديم المشروع عن التقديم سهوا أو عبثا، بذلك. والغاية المذكورة للرد على الضعيف القائل بأنه يتعين وقوع النية في تحرم الأولى. (قوله: وترتيب) معطوف على نية، أي وشرط لجمع تقديم ترتيب، بأن يبدأ بالأولى، لأن الوقت لها والثانية تابعة، فلا تتقدم على متبوعها، ولو قدم الأولى وبان فسادها فسدت الثانية. (قوله: وولاء) معطوف على نية أيضا، أي وشرط لجمع تقديم ولاء بين الصلاتين، لما روى الشيخان: أنه أ - صلى الله عليه وسلم - لما جمع بنمرة بين الصلاتين وإلى بينهما وترك الرواتب بينهما، وأقام للصلاة بينهما. ولأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة، فوجبت الموالاة كركعات الصلاة. (وقوله: عرفا) أي المعتبر في الولاء العرف. وضبطوه بأن لا يفصل بينهما بما يسع ركعتين بأخف ممكن، فإن فصل بينهما بما يسع ذلك ضر ووجب تأخير الثانية إلى وقتها المعتاد، فتضر الصلاة بينهما، ولو راتبة. فإذا أراد أن يصلي رواتب الصلوات صلى القبلية ثم الفرضين، ثم بعدية الأولى ثم قبلية الثانية ثم بعديتها، ولو جمعهما ثم علم بعد فراغهما ترك ركن من الأولى، أعادهما وجوبا، لبطلان الأولى بترك الركن منها مع تعذر التدارك بطول الفصل، وبطلان الثانية لفقد الترتيب. أو علم بعد ذلك ترك ركن من الثانية ولم يطل الفصل بين سلامه منها وتذكره تداركه، وصحت الصلاتان. وإن طال الفصل بطلت الثانية أعادها في وقتها الأصلي لامتناع الجمع بفقد الولاء بتخلل الباطلة، ولو لم يعلم أن الترك من الأولى أو من الثانية أعادهما وجوبا بلا جمع تقديم بأن يصلي كل واحدة في وقتها، أو يجمعهما جمع تأخير. أما وجوب إعادتهما فلاحتمال أن الترك من الأولى فتكونان باطلتين، وأما امتناع جمع التقديم فلاحتمال أن الترك من الثانية، فتكون الأولى صحيحة والثانية باطلة، فيطول الفصل بالثانية الباطلة وبالأولى المعادة بين الأولى الصحيحة والثانية المعادة. فتنبه. (قوله: فلا يضر الخ) مفرع على الولاء في العرف. (وقوله: فصل يسير) أي ولو لغير مصلحة الصلاة، وخرج به الطويل فيضر ولو بعذر كسهو، وإغماء. (قوله: بأن كان دون قدر ركعتين) تصوير للفصل اليسير، فهو أن ينقص عما يسع ركعتين بأخف ممكن على الوجه المعتاد، فلا يضر

الاولى ما بقي قدر ركعة، وبقاء سفر إلى آخر الثانية. (فرع) يجوز الجمع بالمرض تقديما وتأخيرا - على المختار - ويراعي الارفق، فإن كان يزداد مرضه - ـــــــــــــــــــــــــــــ الفصل بوضوء ولو مجددا، وتيمم، وطلب للماء خفيف، وزمن أذان وإن لم يكن مطلوبا، وزمن إقامة على الوسط المعتدل في ذلك، حتى لو فصل بمجموع ذلك لم يضر حيث لم يطل الفصل. (قوله: ولتأخير الخ) معطوف أيضا على القصر، أي وشرط لجمع تأخير إلخ. وذكر له شرطين، وتقدم التنبيه على أن شروطا ثلاثة من شروط جمع التقديم تجري فيه أيضا، ولا يشترط فيه الولاء ولا الترتيب ولا نية الجمع في الصلاة الأولى كما تشترط في جمع التقديم، ولكن تسن. (وقوله: نية جمع) أي نية إيقاعها مجموعة جمع تأخير. واشترط ذلك ليتميز التأخير المشروع عن التأخير تعديا، ولا يكفي نية التأخير فقط من غير أن يقصد إيقاعها مع الصلاة الثانية كما يؤخذ ذلك من إضافة نية إلى جمع. (وقول: في وقت الأولى) متعلق بمحذوف صفة لنية، أي نية جمع كائنة في وقت الصلاة الأولى التي يريد تأخيرها. فلو نوى ذلك قبل دخول وقتها أو لم ينو أصلا، عصى، وكانت قضاء. (قوله: ما بقي قدر ركعة) ما مصدرية ظرفية متعلقة بنية، أي ينوي ذلك مدة بقاء زمن يسع قدر ركعة، أي يكفي وقوع النية في وقت الأولى إذا بقي من الوقت ما يسع ركعة، لكن هذا بالنسبة لوقوعها أداء، لا للجواز، فإذا نوى في وقت الأولى تأخيرها إلى وقت الثانية، وكان الباقي من وقت الأولى ما يسع ركعة أو أكثر ولكن لا يسع جميعها، تكون الأولى أداء، لكنه يأثم بتأخير النية إلى ذلك. (قوله: وبقاء سفر الخ) معطوف على نية جمع. أي وشرط لجمع تأخير دوام السفر إلى تمام الثانية سواء كانت صاحبة الوقت - بأن رتب بين الصلاتين، كأن قدم الظهر على العصر - أو لم تكن صاحبة الوقت - بأن لم يرتب بينهما، كأن قدم العصر التي هي صاحبة الوقت على الظهر -. فلو لم يدم سفره إلى ذلك: كأن نوى الإقامة في أثناء الثانية صارت التابعة - وهي المؤخرة عن وقتها - قضاء لا إثم فيه، لأنها تابعة لصاحبة الوقت في الأداء للعذر، وقد زال العذر، وهذا هو المعتمد. والفرق بين جمع التقديم حيث اكتفى فيه بدوام السفر إلى عقد الثانية، وجمع التأخير حيث لم يكتف فيه بذلك، بل اشترط فيه دوامه إلى تمام الثانية، أن وقت الأولى ليس وقتا للثانية، إلا في السفر فتنصرف للسفر بأدنى صارف. وأما وقت الثانية فتصح فيه الأولى لعذر السفر وغيره. فلا تنصرف إلى السفر إلا إذا وجد السفر فيهما. وخالف في المجموع في صورة الترتيب، فقال: إذا أقام في أثناء الثانية، أي صاحبة الوقت، ينبغي أن تكون الأولى، أي المؤخرة، أداء بلا خلاف، وهذا ضعيف مخالف لإطلاقهم. وخالف السبكي وتبعه الأسنوي في صورة عدم الترتيب حيث قال: وتعليلهم وقوع الأولى قضاء، بكونها تابعة للثانية في الأداء للعذر، وقد زال العذر قبل إتمامها منطبق على تقديم الأولى، فلو عكس وأقام في أثناء التابعة كانت أداء، لأنه لم يزل العذر قبل تمام الثانية التي هي صاحبة الوقت، بل وجد العذر في جميعها وفي أول التابعة، وهذا ضعيف أيضا. (قوله: فرع الخ) شروع في جواز الجمع بالمرض بعد أن تمم الكلام على جواز الجمع بالسفر. (قوله: يجوز الجمع بالمرض) أي لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر. (قوله: تقديما وتأخيرا) أي جمع تقديم وجمع تأخير. (قوله: على المختار) أي عند النووي وغيره، وهو مذهب الإمام أحمد، قال ابن رسلان في زبده: في مرض قول جلي وقوي * * اختاره أحمد ويحيى النووي قال الفشني في شر حه: ولكن المشهور - أي في المذهب - أنه لا يجمع بمرض، ولا ريح، ولا ظلمة، ولا خوف، ولا وحل، ولا نحوها، لأنه لم ينقل، ولخبر المواقيت فلا يخالف إلا بصريح. اه. (وحكى) في المجموع عن جماعة من أصحابنا جوازه بالمذكورات، وقال: وهو قوي جدا في المرض والوحل. واختاره في الروضة، لكن فرضه في المرض. وجرى عليه إبن المقري. وفي الكردي ما نصه: ولا يجوز الجمع بنحو وحل ومرض على المشهور في المذهب، لكن المختار من حيث

كأن كان يحم مثلا وقت الثانية قدمها بشروط جمع التقديم، أو وقت الاولى أخرها بنية الجمع في وقت الاولى. وضبط جمع متأخرون المرض هنا بأنه ما يشق معه فعل كل فرض في وقته، كمشقة المشي في المطر، بحيث تبتل ثيابه. وقال آخرون: لا بد من مشقة ظاهرة زيادة على ذلك، بحيث تبيح الجلوس في الفرض. وهو الاوجه. ـــــــــــــــــــــــــــــ الدليل جوازه بالمرض عند النووي وغيره، وهو مذهب الإمام أحمد. قال الأذرعي: ورأيته في غاية الاختصار من قول الشافعي للمزني، وذكر عبارته. وقال الأسنوي: قد ظفرت بنقله عن الشافعي. قال الزركشي: فإن ثبت له نص بالمنع كان له في المسألة قولان، وإلا فهذا مذهبه، ويؤيده أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر سهلة وحمنة بالجمع لأجل الاستحاضة، وهي نوع مرض. قال القليوبي - بعد نقله عن الأذرعي، أنه المفتى به - ما نصه: وبه يعلم جواز عمل الشخص به لنفسه. وعليه فلا بد من وجود المرض حالة الإحرام بهما، وعند سلامه من الأولى وبينهما، كما في المطر. اه. وهو واضح، خلافا لما وقع للعناني من عدم جواز تقليده، لأن ذاك اختيار ما هو خارج عن المذهب. وأما هذا فهو منصوص للشافعي، كما صرحوا به. والقول الضعيف في المذهب: يجوز تقليده للعمل به، لا للفتوى مع الإطلاق. اه. وقوله: من عدم جواز تقليده. جزم به في فتح الجواد، وعبارته: وواضح أنه يتعين على من أراد فعله تقليد أحمد دون المختارين، لأنهم لا يقلدون، ودون القول الغير المشهور، لأن ما ضعفه المجتهد من أقواله لا يقلد فيه. اه. (قوله: ويراعي) أي المريض. (وقوله: الأرفق) أي الأسهل على نفسه، من التقديم أو التأخير. (قوله: فإن كان الخ) تفريع على مراعاة الأرفق. (قوله: كأن كان يحم) تمثيل لزيادة المرض، فأصل المرض موجود في وقت الأولى ووقت الثانية، لكن يحم - زيادة على المرض الكائن به - في وقت الثانية. (قوله: وقت الثانية) متعلق بكل من يزداد، ومن يحم. (قوله: قدمها) أي الثانية، أي جمعها مع الأولى جمع تقديم. (وقوله: بشروط جمع التقديم) هي: الترتيب، والولاء، ونية الجمع في الأولى. ويشترط أيضا وجود المرض إلى عقد الثانية، كما يشترط في السفر دوامه، إلى ذلك. (قوله: أو وقت الأولى) معطوف على وقت الثانية، أي أو كان يزداد مرضه وقت الثانية، كأن كان يحم فيه. (قوله: أخرها) أي الأولى، وهو جواب إن المقدرة. (قوله: بنية الجمع) متعلق بأخرها، أي أخرها بنية إيقاعها مجموعة جمع تأخير. (وقوله: في وقت الأولى) متعلق بنية. أي ينوي ذلك في وقت الأولى، ولو بقى منه قدر ركعة، كما مر في التأخير للسفر. ويشترط هنا بدل الشرط الثاني في التأخير للسفر دوام المرض إلى تمامهما. ولو قال بشروط جمع التأخير بدل قوله بنية الجمع لكان أولى. (قوله: وضبط جمع متأخرون المرض هنا) أي في مبحث الجمع. ولعله احترز به عن ضبطه في غير ذلك، فهو ما أباح التيمم. (قوله: ما يشق معه فعل كل فرض) أما ما لا يشق معه ذلك، كصداع يسير وحمى خفيفة، فلا يجوز الجمع معه. (قوله: كمشقة المشي في المطر) أي يشق معه ذلك مشقة كمشقة المشي في المطر، وهي التي يذهب معها الخشوع في الصلاة، وإن لم تبح له الجلوس في الفرض. (قوله: بحيث الخ) تصوير لمشقة المشي في المطر، أي وتتصور المشقة التي تحصل له من المشي في المطر بابتلال ثوبه منها. (قوله: وقال آخرون) أي في ضبط المرض هنا. (قوله: لا بد من مشقة الخ) أي لا بد في المرض المجوز للجمع من أن يحصل منه مشقة ظاهرة. (وقوله: زيادة على ذلك) أي على كونه يحصل له مشقة عند فعل كل فرض، كمشقة المطر وهي التي تذهب الخشوع كما علمت. (وقوله: بحيث تبيح الجلوس في الفرض) تصوير للمشقة الظاهرة، أي أن المشقة الظاهرة مصورة بإباحة الجلوس معها في الفرض. (قوله: وهو) أي قول الآخرين في ضبط المرض الأوجه. قال الكردي: ونحوه في الإيعاب.

(خاتمة) قال شيخنا في شرح المنهاج: من أدى عبادة مختلفا في صحتها من غير تقليد للقائل بها، لزمه إعادتها، لان إقدامه على فعلها عبث. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: ولو ضبط المرض بالمبيح للفطر لكان له وجه ظاهر. اه. وجرى في شرحي الإرشاد على الأول، بل قال في الإمداد: ولا يصح ضبطه بغير ذلك. اه. (تتمة) كما يجوز الجمع بالمرض يجوز بالمطر، لكن تقديما فقط، ولو للمقيم، وذلك لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بالمدينة الظهر والعصر، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر. قال الشافعي ومالك - رضي الله عنهما - أرى ذلك بالمطر. ويؤيده جمع ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - به. ويشترط له شروط جمع التقديم السابقة، ويزاد عليها وجود المطر عند الإحرام بالأولى وعند التحلل منها، ودوامه إلى الإحرام بالثانية، وأن يصلي مريد الجمع جماعة في مكان مسجد أو غيره، بعيد عن باب دارد، بحيث يتأذى بالمطر في طريقه، بحيث يبل الثوب. أما إذا صلى ولو جماعة ببيته أو بمحل الجماعة القريب، بحيث لا يتأذى في طريقه بالمطر، أو مشى في كن، أو صلى منفردا ولو في محل الجماعة، فلا يجوز له أن يجمع، لانتفاء التأذي: نعم، للإمام إذا كان راتبا أو يلزم من عدم إمامته تعطيل الجماعة، أن يجمع بالمأمومين وإن لم يتأذ به. وقد نظم ذلك ابن رسلان في زبده في قوله: وجاز أن يجمع بين العصرين * * في وقت إحدى ذين كالعشاءين كما يجوز الجمع للمقيم * * لمطر لكن مع التقديم إن مطرت عند ابتداء البادية * * وختمها وفي ابتداء الثانية لمن يصلي مع جماعة إذا * * جامن بعيد مسجدا نال الأذى (قوله: خاتمة إلخ) ذكرها هنا مع أنها تتعلق بجميع أبواب الفقه، تعجيلا للفائدة. (قوله: قال شيخنا) أي في باب القضاء. ولو أخر هذه الخاتمة وذكرها - كشيخه - في باب القضاء مع بيان شروط التقليد لكان أنسب. وعبارة شيخه هناك: ومن أدى عبادة مختلفا في صحتها من غير تقليد للقائل بها لزمه إعادتها، لأن إقدامه على فعلها عبث. وبه يعلم أنه حال تلبسه بها عالم بفسادها، إذ لا يكون عابثا إلا حينئذ. فخرج من مس فرجه فنسى وصلى، فله تقليد أبي حنيفة في إسقاط القضاء، إن كان مذهبه صحة صلاته، مع عدم تقليده عندها، وإلا فهو عابث عنده أيضا. وكذا لمن أقدم معتقدا صحتها على مذهبه جهلا وقد عذر به. اه. وقوله: فله تقليد أبي حنيفة، قال سم: وهو صريح في جواز التقليد بعد الفعل. وقوله: إن كان مذهبه. الخ. قال سم: أيضا فيه نظر. وقوله: وإلا فهو عابث، قال سم: هذا ممنوع. (قوله: عبادة مختلفا في صحتها) أي كالجمع للنسك بالنسبة لمن سفره قصير، كالمكي، فهو مختلف فيه، فالإمام أبو حنيفة: يجوزه، والإمام الشافعي: يمنعه، فإذا جمع الشافعي من غير تقليد للإمام أبي حنيفة في ذلك، لزمه إعادتها. (قوله: من غير تقليد للقائل بها) متعلق بأدى، أي أدى عبادة من غير أن يقلد القائل بصحتها، فإن قلده ولو بعد الفعل، كما تقدم آنفا عن سم، صحت، ولا يلزمه إعادتها. (قوله: لأن إقدامه) أي المؤدي للعبادة مع علمه بعدم صحتها في مذهبه، وعدم تقليده من يقول بها. (وقوله: عبث) أي لعب وعمل ما لا فائدة فيه. كما في المصباح، والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل (في الصلاة على الميت) ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل (في الصلاة على الميت) (فصل في الصلاة على الميت) هذا الفصل معقود لبيان ما يتعلق بالميت، من غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه. فقوله: (في الصلاة على الميت) أي وغيرها أيضا مما ذكر، وكان عليه أن يذكره بين الفروض والمعاملات، أو عند الجهاد، لأنه من فروض الكفاية. لكن لما كان أهم ما يفعل بالميت: الصلاة، ذكر عقبها. (واعلم) أنه يتأكد على كل مكلف أن يكثر من ذكر الموت، وذلك لأنه أزجر عن المعصية، وأدعى إلى الطاعة، ولخبر: أكثروا من ذكر هادم اللذات. يعني الموت. صححه ابن حبان والحاكم، وقال إنه على شرط مسلم، وزاد النسائي: فإنه ما ذكر في كثير إلا قلله، ولا قليل إلا كثره. أي كثير من الدنيا، وقليل من العمل. وهادم اللذات - بالذال المعجمة - ومعناه: القاطع، وأما بالمهملة: فمعناه المزيل للشئ من أصله. وروى الترمذي بإسناد حسن أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: استحيوا من الله حق الحياء. قالوا إنا نستحيي - يا نبي الله - والحمد لله قال: ليس كذلك، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى. ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا. ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء. والمراد من قوله: وما وعى أي ما اشتمل عليه من السمع والبصر واللسان. ومن قوله: وليحفظ البطن وما حوى ما يشمل القلب والفرج. والمراد بحفظ البطن أن يصونه عن الحرام من المطعم والمشرب. ويستحب الإكثار من ذكر هذا الحديث، كما قاله الشيخ أبو حامد الغزالي، ويندب له أن يستعد للموت بالتوبة، وهي ترك الذنب، والندم عليه، وتصميمه على أن لا يعود إليه، وخروج عن مظلمة قدر عليها بنحو تحلله ممن اغتابه أو سبه. وصح: أنه - صلى الله عليه وسلم - أبصر جماعة يحفرون قبرا، فبكى حتى بل الثرى بدموعه، وقال: إخواني، لمثل هذا فأعدوا. أي تأهبوا للموت واتخذوه عدة. ومحل ندب التوبة إذا لم يعلم أن ما عليه مقتض للتوبة، أما إذا علم أن ما عليه ذلك فهي واجبة فورا - بالإجماع - والموت مفارقة الروح للبدن. واختلف في حقيقة الروح، فقال أكثر أهل السنة والجماعة الأولى أن نمسك المقال عنها ونكف عن البحث فيها، وأنها مما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه. وإليه أشار ابن رسلان في زبده بقوله: والروح ما أخبر عنها المجتبى * * فنمسك المقال عنها أدبا أي أن حقيقة الروح - وهي النفس - لم يخبر عنها المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، مع أنه سئل عنها، لعدم نزول الأمر ببيانها. قال تعالى: * (ويسألونك عن الروح. قل الروح من أمر ربي) * (1) فنمسك المقال عنها أدبا مع المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ولا نعبر عنها بأكثر من موجود يحيا به الإنسان. كما قال الجنيد: الروح شئ استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه. والخائضون فيها اختلفوا على أكثر من ألف قول. فقال جمهور المتكلمين: هي جسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء

_ (1) الاسراء: 85

وشرعت بالمدينة. وقيل هي من خصائص هذه الامة. (صلاة الميت) أي الميت المسلم غير الشهيد (فرض كفاية) للاجماع والاخبار، (كغسله، ولو غريقا) ـــــــــــــــــــــــــــــ بالعود الأخضر، وهو باق لا يفنى عند أهل السنة. وقوله تعالى: * (الله يتوفى الأنفس حين موتها) * تقديره حين موت أجسادها. وعند جمع منهم: عرض، وهو الحياة التي صار البدن بوجودها حيا. وأما الصوفية والفلاسفة فليست عندهم جسما ولا عرضا، بل هو جوهر مجرد غير متحيز، يتعلق بالبدن تعلق التدبير، وليس داخلا فيه ولا خارجا عنه. (واعلم) أن الأرواح على خمسة أقسام: أرواح الأنبياء، وأرواح الشهداء، وأرواح المطيعين، وأرواح العصاة من المؤمنين، وأرواح الكفار. فأما أرواح الأنبياء: فتخرج عن أجسادها، وتصير على صورتها مثل المسك والكافور، وتكون في الجنة، تأكل، وتتنعم، وتأوي بالليل إلى قناديل معلقة تحت العرش. وأرواح الشهداء: إذا خرجت من أجسادها فإن الله يجعلها في أجواف طيور خضر تدور بها في أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتشرب من مائها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، هكذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأما أرواح المطيعين من المؤمنين: فهي في رياض الجنة، لا تأكل ولا تتنعم، لكن تنظر في الجنة فقط. وأما أرواح العصاة من المؤمنين: فبين السماء والأرض في الهواء. وأما أرواح الكفار: فهي في أجواف طيور سود في سجين، وسجين تحت الأرض السابعة، وهي متصلة بأجسادها، فتعذب أرواحها، فيتألم بذلك الجسد. كالشمس: في السماء الرابعة، ونورها في الأرض، كما أن أرواح المؤمنين في عليين، متنعمة ونورها متصل بالجثة. (قوله: وشرعت بالمدينة) عبارة التحفة: تنبيه. هل شرعت صلاة الجنازة بمكة أو لم تشرع إلا بالمدينة؟ لم أر في ذلك تصريحا. وظاهر حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر البراء بن معرور لما قدم المدينة وكان مات قبل قدومه لها بشهر، كما قاله ابن إسحق وغيره. وما في الإصابة عن الواقدي وأقره أن الصلاة لم تكن شرعت يوم موت خديجة - رضي الله عنها - وموتها بعد النبوة بعشر سنين على الأصح - أنها لم تشرع بمكة، بل بالمدينة. اه. (وقوله: وما في الإصابة) معطوف على لفظ حديث. وقوله: أنها لم تشرع: خبر المبتدإ الذي هو لفظ: ظاهر. (قوله: وقيل هي من خصائص هذه الأمة) نظر فيه في التحفة ونصها: وفيه ما بينته في شرح العباب، ومن جملته الحديث الذي رواه جماعة من طرق تفيد حسنه، وصححه الحاكم: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: كان آدم رجلا أشعر طوالا كأنه نخلة سحوق، فلما حضره الموت نزلت الملائكة بحنوطه وكفنه من الجنة، فلما مات عليه السلام غسلوه بالماء والسدر ثلاثا، وجعلوا في الثالثة كافورا وكفنوه في وتر من الثياب، وحفروا له لحدا، وصلوا عليه، وقالوا لولده: هذه سنة ولد آدم من بعده. وفي رواية، أنهم قالوا: يا بني آدم، هذه سنتكم من بعده، فكذاكم فافعلوا. وبهذا يتبين أن الغسل، والتكفين، والصلاة، والدفن، والسدر، والحنوط، والكافور، والوتر، واللحد، من الشرائع القديمة، وأنه لا خصوصية لشرعنا بشئ من ذلك. فإن صح ما يدل على الخصوصية تعين حمله على أنه بالنسبة لنحو التكبير والكيفية. اه. (قوله: صلاة الميت) أي الصلاة على الميت. (قوله: أي الميت المسلم) خرج به الكافر، فتحرم الصلاة عليه مطلقا. وأما غسله فيجوز مطلقا. وأما تكفينه ودفنه فيجبان إن كان ذميا، أو مؤمنا، أو معاهدا، بخلاف الحربي، والمرتد. (قوله: غير الشهيد) أي وغير السقط في بعض أحواله. أما الشهيد: فتحرم الصلاة عليه، كغسله. وأما تكفينه ودفنه فيجبان. وأما السقط فله أحوال: فتارة تعلم حياته فيجب فيه الأربعة: الغسل، والتكفين، والصلاة عليه، والدفن. وتارة يظهر خلقه: فيجب فيه ما عدا الصلاة. وتارة

لانا مأمورون بغسله، فلا يسقط الفرض عنا إلا بفعلنا، وإن شاهدنا الملائكة تغسله. ويكفي غسل كافر، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يظهر خلقه: فلا يجب فيه شئ. لكن يسن ستره بخرقة ودفنه. والمراد بالشهيد - فيما تقدم - شهيد المعركة، سواء كان شهيدا في الدنيا والآخرة، وهو من قاتل لإعلاء كلمة الله. أو كان شهيدا في الدنيا فقط، وهو من قاتل للغنيمة مثلا. وأما شهيد الآخرة فقط: فهو كغير الشهيد، فيغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن. وأقسامه كثيرة، فمنها الميتة طلقا، ولو كانت حاملا من زنا، والميت غريقا وإن عصى بركوب البحر، والميت هديما، أو حريقا أو غريبا وإن عصى بالغربة، والمقتول ظلما ولو هيئة، كأن استحق شخص حز رقبته فقده نصفين، والميت بالبطن، أو في زمن الطاعون، ولو بغير، لكن كان صابرا محتسبا، أو بعده: وكان في زمنه كذلك. والميت في طلب العلم ولو على فراشه، والميت عشقا ولو لمن لم يبح وطؤه كأمرد، بشرط العفة، حتى عن النظر، بحيث لو اختلى بمحبوبه لم يتجاوز الشرع. وبشرط الكتمان حتى عن معشوقه. وأما خبر: إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره، فمحمول على غير العشق. وما أحسن قول بعضهم: كفى المحبين في الدنيا عذابهم * * تالله لا عذبتهم بعدها سقر بل جنة الخلد مأوام مزخرفة * * ينعمون بها حقا بما صبروا فكيف لا، وهم حبوا وقد كتموا * * مع العفاف؟ بهذا يشهد الخبر يأووا قصورا، وما وفوا منازلهم * * حتى يروا الله، في ذا جاءنا الأثر (قوله: فرض كفاية) أي على من علم بموته من قريب أو غيره، أو لم يعلم به لكنه قصر في البحث عنه بحيث ينسب إلى تقصير، كأن يكون الميت جاره، فإن فعله أحد منا ولو غير مكلف سقط الحرج، وإلا أثم الجميع. (قوله: للإجماع) دليل عليه أنه (1) فرض كفاية. وظاهره أنه دليل لذلك حتى بالنسبة للغسل، ويرد عليه أن الخلاف مشهور جدا عند المالكية بالنسبة له، حتى أن القرطبي رجح في شرح مسلم أنه سنة، ولكن الجمهور على وجوبه. (قوله: كغسله) أي فهو فرض كفاية. (قوله: ولو غريقا) غاية في كون الغسل فرض كفاية، أي هو فرض كفاية، ولو كان الميت غريقا في البحر أو غيره. وهي للرد على القائل بأن الغريق لا يجب غسله (قوله: لأنا) أي معاشر المكلفين، وهو علة لكون غسل الغريق فرض كفاية. وحاصلها أننا لا نكتفي باغتسال الغريق في البحر أو غيره، لأنا مخاطبون بغسل الميت مطلقا، ولا يسقط عنا الطلب إلا بفعلنا. (قوله: وإن شاهدنا الملائكة تغسله) غاية لمفهوم ما قبله، أي فلا يسقط عنا الطلب بفعل غيرنا، وإن شاهدنا الملائكة تغسله فلا بد من إعادة غسله. قال سم: وينبغي في صلاة الملائكة ما قيل في غسلهم إياه، بخلاف التكفين والدفن، فيجزئ من الملائكة. قال: وظاهر أن الحمل كالدفن، بل أولى كما هو ظاهر. اه. وإنما اكتفى بذلك منهم لأن المقصود الستر والمواراة، وقد حصلا. بخلاف الغسل والصلاة، فإن المقصود منهما التعبد بفعلنا مع النظافة في الغسل. واختلف في تغسيل الجن، فذهب ابن حجر إلى عدم الاكتفاء بتغسيلهم. وذهب الرملي إلى الاكتفاء بذلك. قال سم: (فرع) لو غسل الميت نفسه كرامة، فهل يكفي؟ لا يبعد أن يكفي. ولا يقال المخاطب بالفرض غيره، لجواز أنه إنما خوطب بذلك غيره لعجزه، فإذا أتى به كرامة كفى. (فرع آخر) لو مات إنسان موتا حقيقيا، وجهز، ثم أحيي حياة حقيقية، ثم مات، فالوجه الذي لا شك فيه أنه يحب له تجهيز آخر، خلافا لمن توهمه. اه. وفي ع ش ما نصه: وفي فتاوى حجر الحديثية ما حاصله إن ما من أحيي بعد الموت الحقيقي، بأن أخبر به معصوم، تثبت له جميع أحكام الموتى، من قسمة تركته، ونكاح زوجته، ونحو ذلك، وأن الحياة الثانية لا يعول عليها،

_ (1) (قوله: على أنه) أي المذكور من الصلاة والغسل. اه. مولف

ويحصل أقله (بتعميم بدنه بالماء) مرة حتى ما تحت قلفة الاقلف - على الاصح - صبيا كان الاقلف أو بالغا. قال العبادي وبعض الحنفية: لا يجب غسل ما تحتها. فعلى المرجح لو تعذر غسل ما تحت القلفة بأنها لا تتقلص إلا بجرح، يمم عما تحتها. كما قاله شيخنا، وأقره غيره. وأكمله: تثليثه، وأن يكون في خلوة، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن ذلك تشريع لما لم يرد هو ولا نظيره، بل ولا ما يقاربه، وتشريع ما هو كذلك ممتنع بلا شك. اه. أي وعليه: فمن مات بعد الحياة الثانية لا يغسل ولا يصلى عليه، وإنما تجب مواراته فقط. وأما إذا لم يتحقق موته حكمنا بأنه إنما كان به غشي أو نحوه. اه. (قوله: ويكفي غسل كافر) أي للميت. وذلك لحصول المقصود من غسله، وهو النظافة، وإن لم يكن أهلا للنية، لأن نية الغاسل لا تشترط على الأصح. (قوله: ويحصل أقله) أي الغسل، ولو لنحو جنب. (قوله: بتعميم بدنه بالماء) أي لأنه هو الواجب في الحي، فالميت أولى به. (قوله: حتى ما تحت قلفة الأقلف) غاية في البدن الذي يجب تعميمه بالماء، أي فيجب إيصال الماء إلى إلى ما تحت قلفة الأقلف فلا بد من فسخها ليمكن غسل ما تحتها ويجب أيضا إيصال الماء إلى ما يظهر من فرج الثيب عند جلوسها على قدميها لقضاء حاجتها، كالحي في ذلك. (قوله: على الأصح) لم أر هذا الخلاف في المنهاج والمنهج وشروحهما وحواشيهما، فلعله في غير الكتب التي بأيدينا. (قوله: قال العبادي إلخ) لعل هذا بيان لمقابل الأصح. (وقوله: وبعض الحنفية) معطوف على العبادي. (وقوله: لا يجب الخ) مقول القول. (قوله: فعلى المرجح) المناسب: فعلى الأصح. (قوله: بأنها الخ) الباء سببية متعلقة بتعذر، أي لو تعذر غسل ما تحت القلفة بسبب أنها لا تتقلص، أي لا تنكشف ولا تنفسخ إلا بجرح، يمم عما تحتها. أي وصلى عليه، وإن كان ما تحتها نجسا، للضرورة. وهذا ما قاله ابن حجر. وقال الرملي: إن كان ما تحتها طاهرا ييمم عنه، وإن كان نجسا فلا ييمم، ويدفن بلا صلاة عليه، لأن شرط التيمم إزالة النجاسة، وينبغي تقليد الأول، لأن في دفنه بلا صلاة عدم احترام الميت. وعلى كل من القولين يحرم قطع قلفة الميت، وإن عصي بتأخيره. (قوله: وأكمله تثليثه) هذا مقابل قوله ويحصل أقله الخ. (واعلم) أن المؤلف لم يستوف بيان الأكمل. وحاصله أن يغسل في خلوة لا يدخلها إلا الغاسل ومن يعينه، وولي الميت - وهو أقرب الورثة - وأن يكون في قميص بال لأنه أستر له، وعلى مرتفع - كلوح - وهو المسمى بالدكة، لئلا يصيبه الرشاش، وأن يكون بماء مالح، لأن الماء العذب يسرع إليه البلاء. بارد، لأنه يشد البدن، إلا لحاجة كبرد ووسخ، فيسخن قليلا. وأن يجلسه الغاسل على المرتفع برفق مائلا قليلا إلى ورائه، ويضع يمينه على كتفه، وإبهامه في نقره قفاه، لئلا تميل رأسه، ويسند ظهره بركبته اليمنى، ويمر يده اليسرى على بطنه بتحامل يسير، مع التكرار - ليخرج ما فيه من الفضلة - ثم يضجعه على قفاه، ويغسل بخرقة ملفوفة على يساره - سوأتيه ثم يلقيها ويلف خرقة أخرى على يده بعد غسلها بماء ونحو أشنان، وينظف أسنانه ومنخريه، ثم يوضؤه - كالحي - بنية ثم يغسل رأسه فلحيته بنحو سدر، ويسرح شعرهما - إن تلبد - بمشط واسع الأسنان، برفق، ويرد المنتتف من شعرهما إليه - ندبا - في الكفن، أو القبر. وأما دفنه - ولو في غير القبر - فواجب: كالساقط من الحي إذا مات عقبه، ثم يغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم يحرفه إلى شقه الأيسر، فيغسل شقه الأيمن مما يلي قفاه، ثم يحرفه إلى شقه الأيمن، فيغسل الأيسر كذلك، مستعينا في ذلك كله بنحو سدر، ثم يزيله بماء من فرقه - بفتح الفاء، وسكون الراء - وهو كما فسره في القاموس: الطريق في شعر الرأس، والمراد بتلك الطريق: المحل الأبيض في وسط الرأس المنحدر عنه الشعر في كل من الجانبين. ويصح قراءته من فوقه - بفاء وواو - إلى قدمه، ثم يعمه كذلك بماء قراح - أي خالص - لكن فيه قليل كافور. فهذه الغسلات الثلاث غسلة واحدة، لأن العبرة إنما هي بالتي بالماء القراح. ويسن ثانية وثالثة كذلك، فالمجموع تسع - قائمة من ضرب ثلاث في ثلاث، لأن الغسلات الثلاث مشتملة على ثلاث، لكن العبرة بالثلاث التي بالماء القراح. ويندب أن لا ينظر الغاسل - من غير عورته - إلا قدر الحاجة. أما عورته فيحرم النظر إليها، ويندب أن يغطي وجهه بخرقة.

وقميص، وعلى مرتفع بماء بارد - إلا لحاجة كوسخ وبرد، فالمسخن حينئذ أولى. والمالح أولى من العذب. ويبادر بغسله إذا تيقن موته، ومتى شك في موته وجب تأخيره إلى اليقين، بتغير ريح ونحوه. فذكرهم العلامات الكثيرة له إنما تفيد، حيث لم يكن هناك شك. ولو خرج منه بعد الغسل نجس لم ينقض الطهر، بل تجب إزالته فقط إن خرج قبل التكفين، لا بعده. ومن تعذر غسله - لفقد ماء أو لغيره: كاحتراق، ولو غسل تهرى - يمم وجوبا. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وإن يكون) أي غسل الميت. (وقوله: في خلوة) أي في موضع حال عن غير الغاسل، معينه، والولي. والأولى أن يكون تحت سقف ليس فيه نحو كوة يطلع عليه منها، وذلك لأن الحي إذا أراد أن يغتسل يحرص على ذلك، ولأنه قد يكون ببدنه ما يكره الاطلاع عليه. (قوله: وقميص) أي وأن يكون في قميص، لأنه أستر له، وأليق، والأولى أن يكون القميص باليا بحيث لا يمنع وصول الماء إليه. ويدخل الغاسل يده في كمه إن كان واسعا ويغسله من تحته، وإن كان ضيقا فتق رؤوس الدخاريص وأدخل يده في موضع الفتق، فإن لم يوجد القميص أو لم يتأت غسله فيه ستر منه ما بين السرة والركبة. (قوله: وعلى مرتفع) معطوف على في خلوة، أي وأن يكون غسله على مرتفع - كلوح - لئلا يصيبه رشاش، وليكن مستلقيا عليه كاستلقاء المحتضر، لكونه أمكن لغسله. ومحل رأسه أعلى لينحدر الماء عنه. (قوله: بماء بارد) متعلق بمحذوف خبر ليكون بعد خبر، أي والأكمل في الغسل أن يكون حاصلا بماء بارد. ويصح جعله حالا من اسم يكون، وإنما كان الأكمل أن يكون بذلك لأنه يشد البدن، بخلاف المسخن فإنه يرخيه. (قوله: إلا لحاجة) أي فلا يكون أكمل عند وجودها. (وقوله: كوسخ وبرد) تمثيل للحاجة. (قوله: فالمسخن الخ) تفريع على مفهوم الاستثناء. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ وجدت الحاجة إلى المسخن. (وقوله: أولى) أي من الماء البارد. والأولى أن لا يبالغ في تسخينه لئلا يسرع إليه الفساد. (قوله: والمالح أولى من العذب) أي وغسله بالماء المالح أولى من غسله بالماء العذب، أي الحالي. وفي شرح الروض: قال الصيمري: والمالح البارد أحب من الحار العذب، قال - أعني الزركشي -: ولا ينبغي أن يغسل الميت بماء زمزم، للخلاف في نجاسته بالموت. اه. (قوله: ويبادر بغسله) أي ندبا إن لم يخش من تأخير الغسل انفجار للميت، وإلا فوجوبا كما هو ظاهر. وذلك لامره - صلى الله عليه وسلم - بالتعجيل بالميت، وعلله بأنه: لا ينبغي لجيفة مؤمن أن تحبس بين ظهراني أهله. رواه أبو داود. اه. تحفة. (قوله: ومتى شك) المناسب: فإن لم يتقين موته. (قوله: وجب تأخيره) أي الغسل. وقال ع ش: ينبغي أن الذي يجب تأخيره هو الدفن، دون الغسل والتكفين، فإنهما بتقدير حياته لا ضرورة فيهما. نعم، إن خيف منهما ضرر بتقدير حياته امتنع فعلهما. اه. (وقوله: إلى اليقين) أي إلى أن يتقين موته. (قوله: بتغير ريح) الباء سببية متعلقة باليقين، أي اليقين الحاصل بسبب تغير ريح الميت. (وقوله: ونحوه) أي نحو التغير، كتهري لحمه. (قوله: فذكرهم) أي الفقهاء، تفريع على مفهوم اشتراط ظهور التغير، ونحوه في التيقن. (وقوله: العلامات الكثيرة) أي كاسترخاء قدم، وامتداد جلدة وجه، وميل أنف، وانخلاع كف. (وقوله: له) أي للموت. (قوله: إنما تفيد) أي العلامات الكثيرة. والأولى يفيد - بياء الغيبة - ويكون الفاعل ضميرا يعود على ذكر، ويكون هو الرابط بين المبتدأ والخبر. (قوله: حيث لم يكن هناك) أي في الموت شك، فإن كان فلا تنفع تلك العلامات، بل لا بد مما يزيل ذلك الشك كظهور التغير. قال في التحفة، تأييدا لكون العلامات لا تفيد إذا كان شك، وقد قال الأطباء إن كثيرين ممن يموتون بالسكتة ظاهرا، يدفنون أحياء، لأنه يعز إدراك الموت الحقيقي بها، إلا على أفاضل الأطباء، وحينئذ فيتعين فيها التأخير إلى اليقين بظهور نحو التغير. اه. (قوله: ولو خرج منه) أي من الميت، ولو من السبيلين. (قوله: ولم ينقض الطهر) أي لم يبطله. (قوله: بل تجب إزالته) أي النجس الخارج. (وقوله: فقط) أي من غير إعادة غسله، وذلك لسقوط الفرض بما وجد، وحصول النظافة بإزالة الخارج. (قوله: إن خرج قبل التكفين لا بعده) هكذا عبارة شيخه في فتح الجواد، إلا أنه أحالها فيه على إفتاء البغوي، وجزم في التحفة بوجوبها أيضا بعد التكفين، ونصها مع الأصل: ولو خرج بعده - أي الغسل - أي وقبل الإدراج في الكفن - نجس - ولو من الفرج - وجب إزالته تنظيفا له فقط، لأن الفرض

(فرع) الرجل أولى بغسل الرجل، والمرأة أولى بغسل المرأة، وله غسل حليلة، ولزوجة لا أمة غسل زوجها، ولو نكحت غيره، بلا مس، بل بلف خرقة على يد. فإن خالف صح الغسل. فإن لم يحضر إلا أجنبي في المرأة أو أجنبية في الرجل، يمم الميت. نعم، لهما غسل من لا يشتهى من صبي أو صبية، لحل ـــــــــــــــــــــــــــــ قد سقط بما وجد. وعليه لا يجب بخروج منيه الطاهر شئ. وقيل: يجب ذلك مع الغسل إن خرج من الفرج القبل أو الدبر، لأنه يتضمن الطهر، وطهر الميت غسل كل بدنه. وقيل: يجب مع ذلك الوضوء، كالحي، أما ما خرج من غير الفرج أو بعد الإدراج في الكفن فلا يجب غير إزالته من بدنه وكفنه قطعا. اه. ومثله في النهاية، ونصها: أما بعد التكفين فيجزم بغسل النجاسة فقط. وما في المهمات عن فتاوى البغوي أنه لا يجب غسلها أيضا إذا كانت بعد التكفين، مردود. اه. وكتب سم ما نصه: قوله وجب إزالته. هذا واضح قبل الصلاة لتوقفها على الطهارة من النجس، فلو خرج بعد الصلاة، هل تجب إزالته أو لا؟ فيه نظر. اه. وكتب البجيرمي قوله: وجب إزالته. أي إن كان قبل الصلاة، وإلا فتندب، لأنه آيل إلى الانفجار. وعند م ر وجوبه بعد الصلاة أيضا. ولم يرتضه شيخنا زي. اه. ق ل. ولو لم يمكن قطع الخارج منه صح غسله، وصحت الصلاة عليه، لأن غايته أنه كالحي السلس، وهو تصح صلاته، وكذا الصلاة عليه. اه. (قوله: ومن تعذر غسله لفقد ماء) أي حسا أو شرعا. (قوله: أو لغيره) أي فقد ماء. (قوله: كاحتراق) تمثيل للغير. (قوله: ولو غسل) أي فيما إذا احترق. (قوله: يمم وجوبا) وتندب النية في التيمم كالغسل، وقيل تجب، لأنه طهارة ضعيفة فيتقوى بها. ويشترط أن لا يكون على بدنه نجاسة، لأن شرطه تقدم إزالتها، فإن كان عليه نجاسة وتعذرت إزالتها - كالأقلف - دفن بلا صلاة عليه - على ما اعتمده م ر -. ويصح أن ييمم ويصلى عليه في هذه الحالة - على معتمد ابن حجر - ويجب غسل باقي بدنه، ما عدا محل القلفة، إن لم يمكن فسخها. اه. بجيرمي. (قوله: فرع) أي في بيان من يغسل الميت. (قوله: الرجل) أي الذكر، ولو كان غير بالغ. (قوله: أولى بغسل الرجل) أي أحق بغسل الرجل، فيقدم وجوبا على المرأة الأجنبية، وندبا على المحرم. وفي سم ما نصه في الناشري تنبيه آخر: إذا حرمنا النظر إلى الأمرد إلحاقا له بالمرأة، فالقياس امتناع تغسيل الرجل له. اه. (قوله: والمرأة أولى بغسل المرأة) أي فتقدم المرأة وجوبا على الرجال الأجانب، وندبا على الرجال المحارم. (قوله: وله غسل حليلة) أي من تحل له من زوجة أو أمه، ولكن رتبته بعد المرأة الأجنبية. وهذا كالاستدراك على قوله والمرأة أولى بالمرأة وما بعده، أعني قوله ولزوجه إلخ، كالاستدراك على قوله والرجل أولى بالرجل. (قوله: ولزوجه) أي غير رجعية وغير معتدة عن شبهة وأن حل نظرها التعلق الحق فيها باجنبي. (وقوله: لا أمه) أن الزوجة الأمة لا يجوز لها أن تغسل زوجها، وليس كذلك. نعم، هي لا حق لها في ولاية الغسل يقتضي تقديمها على غيرها، وكونها لا حق لها لا ينافي جوازه لها، وهو ساقط من عبارة التحفة والنهاية، ونصها: وهي - أي الزوجة - تغسل زوجها. قال ع ش: ظاهره ولو كانت أمة، وهو ظاهر، ولا ينافي هذا ما يأتي له من أنها لا حق لها في ولاية الغسل. لأن الكلام هنا في الجواز. اه. نعم، ليس للأمة أن تغسل سيدها، ولو كانت مكاتبة أو أم ولد، وذلك لانتقالها للورثة أو عتقها، بخلاف الزوجة، لبقاء آثار الزوجية بعد الموت. (وقوله: ولو نكحت غيره) غاية في جواز غسل الزوجة، أي يجوز لها ولو تزوجت غير زوجها الذي مات. ويتصور ذلك بما إذا وضعت الحمل عقب موت زوجها فتزوجت آخر قبل غسل زوجها الميت، وإنما جاز لها ذلك لبقاء حقوق الزوجية. (قوله: بلا مس) متعلق بغسل الأول والثاني، أي له غسلها من غير أن يمسها، ولها غسله من غير أن تمسه. وذلك لئلا ينتقض وضوء الغاسل المطلوب له. (وقوله: بل يلف خرقة) أي بل يغسل كل الآخر مع لف خرقة على يده. (قوله: فإن خالف) أي كل منهما ولم يلف على يده خرقة صح الغسل، وذلك لأن اللف وعدم المس مندوبان. (قوله: فإن لم يحضر) أي لم يوجد أحد يغسل الميتة الأجنبية إلا رجل أجنبي. قال ع ش: ضابط فقد الغاسل أن يكون في محل لا يجب طلب الماء منه. اه. وقيد ابن حجر الرجل بكونه واضحا. قال سم: ومفهومه أن الخنثى - ولو كبيرا - إذا لم يوجد إلا هو، يغسل الرجل والمرأة الأجنبيين، ولم يصرح به. وقد يوجه بالقياس على عكسه. اه. (قوله: أو أجنبية في الرجل) أي أو لم يحضر إلا امرأة أجنبية،

نظر كل ومسه. وأولى الرجال به أولاهم بالصلاة - كما يأتي. (وتكفينه بساتر عورة) مختلفة بالذكورة والانوثة، دون الرق والحرية، فيجب في المرأة - ولو أمة - ما يستر غير الوجه والكفين. وفي الرجل ما يستر ما ـــــــــــــــــــــــــــــ والميت رجل (قوله: يمم الميت) أي الذي هو المرأة في الصورة الأولى، والرجل في الصورة الثانية، إلحاقا لفقد الغاسل بفقد الماء. إذ الغسل متعذر شرعا لتوقفه على النظر أو المس المحرم. ويؤخذ منه أنه لو كان في ثياب سابغة، وبحضرة نهر مثلا، وأمكن غمسه به ليصل الماء لكل بدنه من غير مس ولا نظر، وجب، وهو ظاهر. والأوجه - كما أفاده الشيخ - أنه يزيل النجاسة، لأن إزالتها لا بدل لها، بخلاف الغسل، ولأن التيمم لا يصح قبل إزالتها. اه. نهاية. بزيادة. وخالفه ابن حجر في إزالة النجاسة فقال: ييمم وإن كان على بدنه خبث، ويوجه بتعذر إزالته. ومحل توقف صحة التيمم، أي والصلاة الآتي في المسائل المنثورة، على إزالة النجس إن أمكنت. (قوله: نعم، الخ) استدراك من وجوب تيمم الميت إذا كان الغاسل أجنبيا منه أو أجنبية، والقصد به التقييد، فكأنه قال: ومحل وجوب التيمم: إذا حضر أجنبي أو أجنبية، إن كان الميت كبيرا، وإلا غسلاه. (وقوله: لهما غسل الخ) أي يجوز لكل من الأجنبي والأجنبية تغسيل من لا يشتهي لحل النظر والمس له. قال الخطيب في مغنيه: والحنثى الكبير المشكل يغسله المحارم منهما، فإن؟ فقدوا، غسله الرجال والنساء، للحاجة واستصحابا بالحكم الصغر. كما صححه في المجموع، ونقله عن اتفاق الأصحاب، خلافا لما جرى عليه ابن المقري تبعا لمقتضى أصله من أنه ييمم ويغسل فوق ثوب، ويحتاط الغاسل في غض البصر والمس. اه. (قوله: وأولى الرجال إلخ) هذا تفصيل للأولوية السابقة في قوله الرجل أولى بغسل الرجل، يعني أن أولى الرجال بالرجل إذا اجتمع في غسله من أقاربه من يصلح لغسله أولاهم بالصلاة عليه، أي فيقدم عصبة النسب، ويقدم منهم أب، فنائبه، فأبوه، ثم ابن، فابنه، ثم أخ لأبوين، فلأب، ثم ابنهما، ثم العم كذلك، ثم سائر العصبات، فبعد عصبة النسب يقدم عصبة الولاء، فالوالي، فذوو الأرحام. ومن قدمهم على الوالي: حمل على ما إذا لم ينتظم بين المال، فالرجال الأجانب فالزوجة، فالنساء المحارم. وما ذكر من الترتيب أغلبي. فلا يرد أن الأفقه بباب الغسل أولى من الأقرب، والأسن والفقيه - ولو أجنبيا - أولى من غير فقيه - ولو قريبا عكس الصلاة على ما يأتي فيها، لأن القصد هنا إحسان الغسل، والأفقه والفقيه أولى به. وثم الدعاء ونحو الأسن، والأقرب أرق، فدعاؤه أقرب للإجابة ولم يبين من الأولى بغسل المرأة. وحاصله أن الأولى بذلك إذا اجتمع من يصلح له النساء، لكن الأولى منهن ذات المحرمية، وهي من لو فرضت ذكرا حرم تناكحهما، وتقدم نحو العمة على نحو الخالة، فإن لم تكن ذات محرمية قدمت القربى فالقربى، ثم ذات الولاء، ثم محارم الرضاع، ثم محارم المصاهرة، ثم الأجنبيات ثم الزوج، ثم رجال المحارم بترتيبهم الآتي في الصلاة. وشرط المقدم الحرية، والاتحاد في الدين، وعدم القتل المانع للإرث، وعدم العداوة، والصبا، والفسق. قال في التحفة: وقضية كلامهما - بل صريحه - وجوب الترتيب المذكور. ثم قال: لكن أطال جمع متأخرون في ندبه، وأنه المذهب. اه. (قوله: وتكفينه) بالجر معطوف على غسله، أي وكتكفينه، فهو فرض كفاية أيضا. (قوله: بساتر عورة) قال ش ق: هذا ضعيف. والمعتمد أنه لا بد من ستر جميع البدن، سواء كفن من ماله أو من مال غيره، وسواء كان ذكرا أو أنثى، حرا أو رقيقا، لانقطاع الرق بالموت. فلا يختلف بالذكورة والأنوثة. وأما قوله في شرح المنهج: فيختلف قدره بالذكورة والأنوثة، أي فيكون للذكر ساتر ما بين سرته وركبته، وللأنثى ساتر جميع بدنها، فمبني على الضعيف الذي مشى عليه هنا أيضا، لكن إن كفن من تركته ولم يوص بإسقاط ما زاد على ثوب واحد وجب ثلاث لفائف تعم كل واحدة جميع البدن، وإن كان عليه دين مستغرق، حيث لم يمنع الغرماء ما زاد على الواحد. اه. (قوله: مختلفة) صفة لعورة. (وقوله: بالذكورة والأنوثة) أي فيجب ستر ما بين السرة والركبة في الذكر، وستر جميع البدن في الأنثى. (قوله: دون الرق والحرية) أي لا تختلف العورة بالرق والحرية، ولو اختلفت بهما لألحقت الأمة بالرجل، فتكون عورتها ما بين سرتها وركبتها، وليس كذلك، لانقطاع الرق بالموت، فتكون في حكم الحرة. (قوله:

بين السرة والركبة. والاكتفاء بساتر العورة هو ما صححه النووي في أكثر كتبه، ونقله عن الاكثرين، لانه حق لله تعالى. وقال آخرون: يجب ستر جميع البدن - ولو رجلا -. وللغريم منع الزائد على ساتر كل البدن، لا الزائد على ساتر العورة، لتأكد أمره، وكونه حقا للميت بالنسبة للغرماء، وأكمله للذكر ثلاثة يعم كل منها البدن، وجاز أن يزاد تحتها قميص وعمامة، وللانثى إزار، فقميص، فخمار فلفافتان. ويكفن الميت بما له ـــــــــــــــــــــــــــــ فيجب الخ) تفريع على الاختلاف بالذكورة والأنوثة. (وقوله: ما يستر غير الوجه والكفين) أي وهو جميع بدنها. (قوله: لأن حق لله تعالى) أي لأن ساتر العورة حق لله تعالى، قياسا على الحي. قال الكردي: حاصل ما اعتمده الشارح في كتبه أن الكفن ينقسم على أربعة أقسام: حق الله تعالى: وهو ساتر العورة، وهذا لا يجوز لأحد إسقاطه مطلقا. وحق الميت: وهو ساتر بقية البدن، فهذا للميت أن يوصي بإسقاطه دون غيره. وحق الغرماء: وهو الثاني والثالث، فهذا للغرماء عند الاستغراق إسقاطه ولمنع منه دون الورثة. وحق الورثة: وهو الزائد على الثلاث، فللورثة إسقاطه والمنع منه. ووافق الجمال الرملي على هذه الأقسام إلا الثاني منها، فاعتمد أن فيه حقين، حقا لله تعالى، وحقا للميت. فإذا أسقط الميت حقه بقي حق الله تعالى، فليس لأحد عنده إسقاط شئ من سابغ جميع البدن. اه. (قوله: وقال آخرون إلخ) معتمد. وعبارة التحفة: وقال آخرون: يجب ستر جميع البدن إلا رأس المحرم ووجه المحرمة، لحق الله تعالى، كما يأتي عن المجموع، ويصرح به قول المهذب: إن ساتر العورة فقط لا يسمى كفنا، أي والواجب التكفين فوجب الكل للخروج عن هذا الواجب الذي هو لحق الله تعالى. وأطال جمع متأخرون في الإنتصار له. وعلى الأول: يؤخذ من قول المجموع عن الماوردي وغيره، ولو قال الغرماء يكفن بساترها، والورثة بسابع، كفن في السابع اتفاقا: أن الزائد على ساترها من السابع حق مؤكد للميت لم يسقطه، فقدم به على الغرماء كالورثة، فيأثمون بمنعه، وإن لم يكن واجبا في التكفين، وهذا مستثنى لما تقرر من تأكد أمره لقوة الخلاف في وجوبه، وإلا فقد جزم الماوردي بأن للغرماء منع ما يصرف في المستحب. اه. (قوله: ولو رجلا) أي ولو كان الميت رجلا. (قوله: وللغريم إلخ) أي الذي دينه مستغرق للتركة. وعبارة المغني: ولو كان عليه دين مستغرق فقال الغرماء: يكفن في ثوب. والورثة: في ثلاثة. أجيب الغرماء في الأصح لأنه إلى براءة ذمته أحوج منه إلى زيادة الستر. قال في المجموع: ولو قال الغرماء يكفن بساتر العورة، والورثة بساتر جميع البدن، نقل صاحب الحاوي وغيره، الاتفاق على ساتر جميع البدن. ولو اتفقت الغرماء والورثة على ثلاثة، جاز بلا خلاف. اه. (وقوله: منع الزائد على ساتر كل البدن) أي سواء قلنا أن الواجب ستر العورة فقط، أم قلنا الواجب ستر جميع البدن. وذلك لأن الميت أحوج إلى براءة ذمته من التجمل الذي منه الزيادة على ثوب يعم جميع البدن - كما علمت - وخرج بالغريم، الوارث. فليس له المنع من ذلك، حيث لم يوص الميت بثوب، لأنه ليس في الصرف للوارث منفعة تعود للميت، بخلاف الغريم. (قوله: لا الزائد على ساتر العورة) أي ليس للغريم أن يمنع الزائد على ساتر العورة. وهذا ظاهر على القول بأن الواجب ستر جميع البدن. أم على القول بأن الواجب ستر العورة فقط: فيكون مستثنى من قولهم للغرماء منع ما يصرف للمستحب. (وقوله: لتأكد أمره) أي الزائد بسبب قوة الخلاف في وجوبه. (وقوله: وكونه إلخ) أي ولكون الزائد حقا للميت بالنسبة للغرماء، أي وأما بالنسبة لله تعالى، فحقه ساتر العورة فقط. وما ذكر من التعليلين مبني على القول الأول، وهو أن الواجب ستر العورة أما على القول الثاني وهو أن الواجب ستر جميع البدن فعدم صحة منع الغريم لذلك الزائد ظاهر كما علمت، لكونه منع الواجب وهو لا يجوز. (قوله: وأكمله) أي الكفن، أي الأفضل فيه. (قوله: للذكر) أي ولو صبيا أو محرما. (قوله: ثلاثة) أي لخبر عائشة - رضي الله عنها -: كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة. رواه الشيخان. (وقوله: يعم كل منها البدن) أي ما عدا رأس المحرم، ووجه المحرمة. (قوله: وجاز) أي من غير كراهة. (وقوله: أن يزاد تحتها) أي الثلاثة، وذلك لأن عبد الله بن عمر كفن ابنا له في خمسة أثواب: قميص، وعمامة، وثلاث لفائف. قال في النهاية: نعم، هي - أي الزيادة على الثلاث - خلاف الأولى - كما في المجموع - لانه - صلى الله عليه وسلم - كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة.

لبسه حيا، فيجوز حرير ومزعفر للمرأة والصبي، مع الكراهة. ومحل تجهيزه: التركة، إلا زوجة وخادمها: فعلى زوج غني عليه نفقتهما، فإن لم يكن له تركة فعلى من عليه نفقته، من قريب، وسيد، فعلى بيت ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحل جواز الزيادة على ذلك: إذا كان الورثة أهلا للتبرع ورضوا به، فإن كان فيهم صغير أو مجنون أو محجور عليه بسفه أو غائب: فلا. اه. بتصرف. (وقوله: قميص) أي ساتر لجميع البدن. قال في بشرى الكريم: وإطلاقهم يقتضى أنه كقميص الحي، بل صرح به الشرقاوي وغيره، فما اعتيد في جهتنا من جعله إلى نصف الساق وبلا أكمام: منكر شديد التحريم. اه. (قوله: وللأثنى) معطوف على الذكر، أي وأكمله للأنثى - ومثلها الخنثى - إزار، فقميص، فخمار، فلفافتان، لأنه عليه الصلاة والسلام كفن فيها ابنته أم كلثوم. وفي ع ش: قال الشافعي - رضي الله عنه - ويشد على صدر المرأة ثوب، لئلا تضطرب ثدياها عند الحمل فتنتشر الأكفان. قال الأئمة: وهذا ثوب سادس ليس من الأكفان، يشد فوقها، ويحل عنها في القبر. اه. قال في التحفة: هذا كله - أي ما ذكر من أن الأفضل للرجل ثلاثة، ويجوز رابع وخامس، وللأنثى خمسة، حيث لا دين وكفن من ماله، وإلا وجب الاقتصار على ثوب ساتر لكل البدن إن طلبه غريم مستغرق، أو كفن ممن تلزمه نفقته ولم يتبرع بالزائد، أو من بيت المال، أو وقف الأكفان، أو من مال الموسرين. اه. (قوله ويكفن الميت) أي ذكرا كان أو أنثى. (وقوله: بما له لبسه حيا) أي بما يجوز له لبسه في حال الحياة من غير حاجة، فلا يكفن بالحرير من لبسه لحكة أو قمل ومات فيه. نعم، لو استشهد فيه من لبسه لذلك أو غيره من أنواع الحاجة المبيحة للبسه كفن فيه، لأن السنة تكفينه في ثيابه التي استشهد فيها، لا سيما إذا تلطخت بدمه. قال في النهاية، كما أفتى به الوالد، تبعا للأذرعي: ويقدم المتنجس على الطاهر الحرير عند ابن حجر، تبعا لشيخ الإسلام، واعتمد في المغني والنهاية وسم تقديم الحرير على المتنجس. وانظر على الأول بالنسبة للصلاة، هل يصلي عليه مكشوف العورة ثم يكفن بالمتنجس، أو يستر بالحرير عند الصلاة عليه ثم ينزع منه ويكفن في المتنجس؟ والقياس على الحي الثاني: إن قلنا يشترط في الميت ما يشترط في المصلي الحي من الطهارة وستر العورة وغير ذلك، وإن قلنا لا يشترط ذلك، فله كل من الثاني والأول. وفرض المسألة أنه وجد طاهر حرير، ومتنجس غير حرير، فإن لم يوجد إلا المتنجس، فيصلى عليه عاريا، ثم يكفن، إذ لا تصح مع النجاسة. (قوله: فيجوز حرير ومزعفر الخ) تفريع على بما له لبسه. (وقوله: للمرأة والصبي) أي والمجنون، وذلك لأنه يجوز لهم لبسه وهم أحياء فبعد الموت كذلك. وخرج بذلك: الرجل والخنثى، فلا يدفنان فيهما إذا وجد غيرهما. (قوله: مع الكراهة) متعلق بيجوز. (قوله: ومحل تجهيزه) أي الميت. والمراد بالتجهيز: المؤن، كأجرة التغسيل، وثمن الماء والكفن، وأجرة الحفر، والحمل. (وقوله: التركة) أي إذا لم يتعلق بعينها حق لازم، كرهن، وزكاة. وإلا قدم على التجهيز. كما سيأتي في الفرائض. (قوله: إلا زوجة) أي غير ناشزة. (وقوله: وخادمها) أي المملوك لها أو المستأجر بالنفقة، فإن كان مستأجرا بالأجرة لم يجب تجهيزه على الزوج، لأنه ليس له إلا الأجرة. (قوله: فعلى زوج غني) خبر لمبتدأ محذوف، أي فتجهيزهما على زوج غني، فإن كان معسرا جهزت من أصل تركتها، لا من خصوص نصيبه منها، كما اقتضاه كلامهم. وقال بعضهم: بل من نصيبه منها إن ورث، لأنه صار موسرا به، وإلا فمن أصل تركتها مقدما على الدين، وهو متجه من حيث المعنى. وإذا كفنت منها أو من غيرها لم يبق دينا عليه، للسقوط عنه بإعساره. ويظهر ضبط المعسر بمن ليس عنده فاضل عما يترك للمفلس. اه. تحفة. قال سم: ويحتمل الضبط بالفطرة. اه. فعليه. ويكون الموسر: هو من ملك زيادة على كفاية يوم وليلة ما يصرفه في التجهيز. والمعسر: هو الذي لا يملك ذلك. (قوله: عليه نفقتهما) الجملة من المبتدإ أو الخبر صفة لزوج، أي زوج واجب عليه نفقتهما. وخرج به: ما إذا لم تجب عليه نفقتهما، كأن كانت الزوجة صغيرة أو ناشزة، وكان الخادم مكترى بأجرة، فلا يلزم الزوج تجهيزهما. (قوله: فإن لم يكن له تركة) مقابل لمحذوف، أي هذا إن كان له تركة، فإن لم يكن إلخ. (وقوله: فعلى من عليه نفقته) أي فالتجهيز واجب على من وجب عليه نفقة ذلك الميت في حال حياته. وهذا باعتبار الغالب، وإلا فقد يجب التجهيز على من لا تلزمه نفقته، كتجهيز الولد الكبير المعسر، فإنه واجب على أبيه، وكتجهيز المكاتب، فإنه واجب على سيده، مع أنهما لا يلزمهما نفقتهما حيين. وقد لا يجب على من عليه نفقته حيا، كزوجة الأب، فإنه لا يلزم الإبن

المال، فعلى مياسير المسلمين. ويحرم التكفين في جلد إن وجد غيره، وكذا الطين، والحشيش، فإن لم يوجد ثوب وجب جلد، ثم حشيش، ثم طين - فيما استظهره شيخنا -. ويحرم كتابة شئ من القرآن واسماء الله تعالى على الكفن. ولا بأس بكتابته بالريق، لانه لا يثبت. وأفتى ابن الصلاح بحرمة ستر الجنازة بحرير ـــــــــــــــــــــــــــــ تجهيزها وإن لزمته نفقتها. (قوله: من قريب) بيان لمن، والمراد به الأصل أو الفرع. وفي البجيرمي: ولو مات من لزمه تجهيز غيره بعد موته وقبل تجهيزه وتركته لا تفي إلا بتجهيز أحدهما فقط، قدم الثاني على الأوجه، لتبين عجزه عن تجهيز غيره. وأفتى به الشهاب م ر، كما ذكر ذلك ولده في شرحه. اه. (قوله: وسيد) أي فيما إذا مات رقيقة، ولو مكاتبا، وأم ولد. وأما البعض فإن لم تكن بينه وبين سيده مهايأه، فمؤن التجهيز يكون منها على سيده بقدر ما فيه من الرق، والباقي من تركة المبعض. وقال ع ش: على السيد نصف لفافة فقط، لأن الواجب عليه - بقطع النظر عن التبعيض - لفافة واحدة. وفي مال المبعض لفافة ونصف، فيكمل له لفافتان، فيكفن فيهما، ولا يزاد ثالثة من ماله. اه. وإن كان بينه وبين سيده مهايأه، فمؤن التجهيز على ذي النوبة. فلو لم يعلم موته في أي نوبة، فينبغي أن يكون كلا مهايأة. فعلى سيده بقدر ما فيه من الرق، والباقي من تركته. (قوله: فعلى بيت المال) أي فإن لم يكن للميت من تلزمه نفقته فتجهيزه على بيت المال، كنفقته في حال الحياة. قال في الروض وشرحه: ولا يلزم بيت المال ولا القريب إلا ثوب واحد، لتأدى الواجب به، بل لا تجوز الزيادة عليه من بيت المال، وكذا إن كفن بما وقف للتكفين، أو كان من مياسير المسلمين، اه. ومر نظيره عن ابن حجر. (قوله: فعلى مياسير المسلمين) أي فإن لم يكن بيت مال، فتجهيزه على مياسير المسلمين. قال سم: ظاهره ول محجورين فعلى أوليائهم الإخراج. اه. والمراد بالموسر: من يملك كفاية سنة لممونه، وإن طلب واحد منهم تعين عليه، لئلا يتواكلوا. اه. بجيرمي. (قوله: ويحرم التكفين في جلد) أي لأنه مرد به. (وقوله: إن وجد غيره) أي ولو كان حريرا فيقدم على الجلد. (قوله: وكذا الطين إلخ) إي يحرم التكفين به مع وجود غيره. (قوله: فإن لم يوجد ثوب) المناسب: فإن لم يوجد غيره، لأنه مقابل قوله: إن وجد غيره. (قوله: فيما استظهره شيخنا) عبارته: ويحرم في جلد وجد غيره، لأنه مزر به، وكذا الطين، والحشيش، فإن لم يوجد ثوب وجب جلد، ثم حشيش، ثم طين، فيما يظهر. اه. وكتب سم: قوله فيما يظهر: هو ظاهر، وقضيته وجوب تعميمه بنحو الطين لوجوب التعميم في الكفن. ولو لم يوجد إلا حب، فهل يجب التكفين فيه بإدخال الميت فيه لأنه ساتر؟ فيه نظر، ولا يبعد الوجوب. قال م ر: ويتجه تقديم نحو الحناء المعجون على الطين، لأن التطيين مع وجوده إزراء به. (قوله: ويحرم كتابة شئ من القرآن الخ) في فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رضي الله عنه عن كتابة العهد على الكفن، وهو لا إله إلا الله والله أكبر. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد. لا إله إلا الله. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقيل إنه اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا، إني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك - صلى الله عليه وسلم -، فلا تكلني إلى نفسي، فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر، وتبعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عهدا عندك توفنيه يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد. هل يجوز؟ ولذلك أصل أم لا؟ (فأجاب) بقوله: نقل بعضهم عن نوادر الأصول للترمذي ما يقتضي أن هذا الدعاء له أصل، وأن الفقيه ابن عجيل كان يأمر به، ثم أفتى بجواز كتابته قياسا على كتابة الله في نعم الزكاة. وأقره بعضهم بأنه قيل بطلب فعله لغرض صحيح مقصود، فأبيح، وإن علم أنه يصيبه نجاسة. وفيه نظر. وقد أفتى ابن الصلاح بأنه لا يجوز أن يكتب على الكفن يس والكهف ونحوهما، خوفا من صديد الميت، وسيلان ما فيه. وقياسه على ما في نعم الصدقة ممنوع، لأن القصد ثم التمييز لا التبرك، وهنا القصد التبرك، فالأسماء المعظمة باقية على حالها، فلا يجوز تعريضها للنجاسة. والقول بأنه قيل بطلب فعله إلخ، مردود، لأن مثل ذلك لا يحتج به، وإنما كانت تظهر الحجة لو صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلب ذلك، وليس كذلك. اه. (وقوله: أسماء الله تعالى) أي وكل اسم معظم كأسماء الملائكة والأنبياء. (وقوله: على الكفن) متعلق بكتابه. (قوله: ولا بأس) أي لا إثم. (وقوله: بكتابة) أي شئ من القرآن ونحوه. (قوله: لأنه) أي الريق لا يثبت، فلا تثبت النقوش المكتوبة به. (قوله: وأفتى ابن الصلاح بحرمة ستر الجنازة بحرير) ومثله كل

- ولو امرأة - كما يحرم تزيين بيتها بحرير. وخالفه الجلال البلقيني، فجوز الحرير فيها وفي الطفل، واعتمده جمع، مع أن القياس الاول. (ودفنه في حفرة تمنع) بعد طمها (رائحة) أي ظهورها، (وسبعا) أي نبشه لها، فيأكل الميت. وخرج بحفرة: وضعه بوجه الارض ويبنى عليه ما يمنع ذينك، حيث لم يتعذر الحفر. نعم، من مات بسفينة وتعذر البر جاز إلقاؤه في البحر، وتثقيله ليرسب، وإلا فلا. وبتمنع ذينك ما يمنع أحدهما ـــــــــــــــــــــــــــــ ما المقصود به الزينة. (قوله: وخالفه الجلال البلقيني) قال ابن قاسم: هو الذي اعتمده م ر. اه. (وقوله: فجوز الحرير فيها) أي لأن ستر سريرها يعد استعمالا متعلقا ببدنها، وهو جائز لها، فمهما جاز لها فعله في حياتها جاز فعله لها بعد موتها، حتى يجوز تحليتها بنحو حلي الذهب ودفنه معها، حيث رضي الورثة، وكانوا كاملين، ولا يقال إنه تضييع مال لأنه تضييع لغرض، وهو إكرام الميت وتعظيمه، وتضييع المال وإتلافه لغرض جائز. م ر. سم. (قوله: مع أن القياس) أي على حرمة تزيين بيتها الأول، وهو الحرمة. (تنبيه) يسن كون الكفن أبيض، لخبر: البسوا من ثيابكم البياض، فإنهم من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وكونه مغسولا: لأنه للصديد، والحي أحق بالجديد، كما قاله أبو بكر رضي الله عنه. رواه البخاري. وتكره المغالاة فيه، لخبر: لا تغالوا في الكفن، فإنه يبلى سريعا. ومحل كراهة المغالاة إذا لم يكن بعض الورثة محجور عليه أو غائبا، أو الميت مفلسا، وإلا حرمت. قاله م ر. وانظر هذا من قوله عليه الصلاة والسلام: أحسنوا أكفان موتاكم فإن الموتى تتباهى بأكفانهم. فإنه يقتضي أنه لا يبلى. وأجيب بأن المباهاة: إما قبل البلاء، أو بعد إعادتها. أفاده البجيرمي. (قوله: ودفنه) بالجر معطوف على غسله، أي وكدفنه. فهو فرض كفاية. (وقوله: في حفرة تمنع الخ) وذلك لأن حكمة الدفن صونه عن انتهاك جسمه، وانتشار رائحته المستلزم للتأذي بها، واستقذار جيفته، فاشترطت حفرة تمنعهما. قال سم: الحفرة المذكورة صادقة مع بنائها، فحيث منعت ما ذكر كفت، فالفساقي إن كانت بناء في حفر كفت إن منعت ما ذكر، وإلا فلا. اه. (قوله: بعد طمها) متعلق بتمنع. والطم: رد التراب إليها. قال في المصباح: طممت البئر وغيرها بالتراب طما، من باب قتل، ملأتها حتى استوت مع الأرض. وطمها التراب: فعل بها ذلك. اه. (قوله: أي ظهورها) أفاد بتقدير المضاف أن نفس الرائحة لا سبيل إلى منعها، وأن الممنوع ظهورها فقط. (قوله: وسبعا) معطوف على رائحة، أي وتمنع سبعا. (قوله: أي نبشه لها) أفاد بتقدير المضاف أن المراد بمنع الحفرة للسبع منعها نبش السبع لها. (وقوله: فيأكل) بالنصب بأن مضمرة، معطوف على نبشه على حد: ولبس عباءة وتقر عيني وهو من عطف المسبب على سببه، أي تمنع النبش الذي يتسبب عنه أكله للميت. (قوله: وخرج بحفرة وضعه بوجه الأرض) أي فلا يكفي، لأنه ليس بدفن. قال ع ش: وفي حكمه حفرة لا تمنع ما مر إذا وضع فيها ثم بني عليه ما يمنع ذينك، أي الرائحة والسبع. اه. (قوله: ويبنى عليه) أي على الميت، أي حواليه. والفعل منصوب بأن مضمرة معطوف على وضع، على حد ما مر آنفا. ومثل البناء عليه - بالأولى - ما لو ستر بكثير نحو تراب أو حجارة. (وقوله: ما يمنع ذينك) أي الرائحة والسبع. (قوله: حيث لم يتعذر الحفر) متعلق بمحذوف، أي فلا يكفي ذلك، حيث لم يتعذر الحفر، بأن أمكن، فإن تعذر، كأن كانت الأرض خوارة أو ينبع منها ماء يفسد الميت وأكفانه، جاز ذلك. (قوله: نعم، من مات إلخ) انظر هو مرتبط بأي شئ؟ وظاهر صنيعه أنه مرتبط بالقيد، أعني حيث لم يتعذر الحفر، ولا معنى له. فكان الأولى أن يبدل ذلك بقوله فإن تعذر الحفر كفى، كما لو مات بسفينة إلخ، وتكون الكاف للتنظير وعبارة ابن حجر على بافضل - وخرج بالحفرة: ما وضع على وجه: الأرض وبنى عليه ما يمنعهما، فإنه لا يكفي، إلا إن تعذر الحفر، كما لو مات بسفينة الخ. اه وهي نص فيما ذكرناه ثم ظهر صحة جعله مرتبطا بقول المتن

- كأن اعتادت سباع ذلك المحل الحفر عن موتاه - فيجب بناء القبر، بحيث يمنع وصولها إليه. وأكمله قبر واسع عمق أربعة أذرع ونصف بذراع اليد. ويجب اضطجاعه للقبلة. ويندب الافضاء بخده الايمن - بعد تنحية الكفن عنه - إلى نحو تراب، مبالغة في الاستكانة والذل، ورفع رأسه بنحو لبنة. وكره صندوق - إلا ـــــــــــــــــــــــــــــ ودفنه في حفرة أي أن محل اشتراط الحفرة ما لم يمت في سفينة، وإلا فإن تعذر دفنه في البر لبعده عن الساحل أو قربه منه، ولكن به مانع كسبع، ألقي في البحر، بعد غسله، وتكفينه، والصلاة عليه. لكن كان عليه أن يؤخره عن قوله وبتمنع ذينك إلخ. (قوله: جاز إلقاؤه في البحر) فيه نظر، لأنه إذا تعذر البر يجب إلقاؤه فيه. وعبارة البجيرمي: يجب فيمن مات في سفينة وتعذر دفنه في البر أن يوضع بعد الصلاة عليه بين لوحين مثلا، ويرمى في البحر. وإن ثقل بحجر ليصل إلى القرار فهو أولى. اه. ويمكن أن يجاب بأن المراد بالجواز ما قابل الإمتناع، فيصدق بالوجوب. (قوله: ليرسب) بضم السين، أي ينزل في قعر البحر. (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يتعذر فلا يجوز إلقاؤه في البحر. (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يتعذر فلا يجوز إلقاؤه في البحر. (قوله: وبتمنع ذينك) معطوف على بحفرة، أي وخرج بقوله تمنع الرائحة والسبع. (وقوله: ما يمنع) فاعل خرج المقدر. (وقوله: أحدهما) أي السبع أو الرائحة. (قوله: كأن اعتادت إلخ) مثال لما يمنع الرائحة فقط، ولم يمثل لما يمنع السبع فقط. وذلك كالفساقي: فإنها لا تمنع الرائحة، وإن كانت تمنع السبع. قال في التحفة: وهي بيوت تحت الأرض. وقد قطع ابن الصلاح والسبكي وغيرهما بحرمة الدفن فيها، مع ما فيها من اختلاط الرجال بالنساء، وإدخال ميت على ميت قبل بلاء الأول. ومنعها للسبع واضح وعدمه للرائحة مشاهد. اه. (قوله: الحفر) مفعول اعتادت. (وقوله: عن موتاه) متعلق بالحفر، وضميره يعود على المحل. (قوله: فيجب الخ) مفرع على ما إذا اعتادت السباع الحفر. (قوله: بحيث الخ) الباء للتصوير. أي بناء مصورا بحالة وهي منعه وصول السباع إلى الميت. قال في التحفة: فإن لم يمنعها البناء - كبعض النواحي - وجب صندوق. كما يعلم مما يأتي. اه. (قوله: وأكمله الخ) أفاد به أن ما مر أقله، وكان الأولى التصريح به هناك، يعني أن الأكمل في القبر أن يكون واسعا، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في قتلى أحد: أحفروا، وأوسعوا وأعمقوا. والتوسعة هي أن يزاد في طوله وعرضه. قال ع ش: وينبغي أن يكون ذلك مقدار ما يسع من ينزل القبر ومن يدفنه، لا أزيد من ذلك، لأن فيه تحجيرا على الناس. اه. (قوله: في عمق الخ) الذي يظهر أن في بمعنى مع، وإضافة عمق لما بعده لأدنى ملابسة، أي والأكمل أن يكون واسعا، مع عمق قدره أربعة أذرع ونصف. وعبارة التحفة مع الأصل: ويندب أن يوسع بأن يزاد في طوله وعرضه، ويعمق، للخبر الصحيح في قتلى أحد إلخ، وأن يكون التعميق قامة لرجل معتدل وبسطه بأن يقوم فيه ويبسط يده مرتفعة. اه. (تنبيه) الأكمل أيضا في القبر أن يكون لحدا، وهو أن يحفر في جانب القبر من أسفل قدر ما يسع الميت، لكن هذا إن صلبت الأرض، أما لو كانت رخوة فالأفضل الشق، وهو أن يحفر قعر القبر كالنهر، ويبنى جانباه بلبن وغيره، ويجعل الميت بينهما. (قوله: ويجب إضجاعه) أي الميت في القبر على شقه الأيمن. (وقوله: للقبلة) أي تنزيلا له منزلة المصلي، فإن دفن مستدبرا أو مستلقيا نبش حتما، إن لم يتغير، وإلا فلا ينبش. ويؤخذ من التعليل المذكور عدم وجوب الاستقبال في الكافر، فيجوز استقباله واستدباره. نعم، الكافرة التي في بطنها جنين مسلم، نفخت فيه الروح، ولم ترج حياته، يجب استدبارها للقبلة، ليكون الجنين مستقبل القبلة، لأن وجه الجنين إلى ظهر أمه. وتدفن هذه المرأة بين مقابر المسلمين والكفار، لئلا يدفن المسلم في مقابر الكفار، وعكسه. فإن لم تنفخ فيه الروح: لم يجب الاستدبار في أمه، لأنه لا يجب استقباله حينئذ. نعم، استقباله أولى. فإن رجيت حياته لم يجز دفنه معها، بل يجب شق جوفها وإخراجه منه - ولو مسلمة - ومن الغلط أن يقال: يوضع نحو حجر على بطنها ليموت، فإن فيه قتلا للجنين. (قوله: ويندب الإفضاء إلخ) أي يندب إلصاق خده الأيمن بالتراب. (وقوله: بعد تنحية الكفن عنه) أي بعد إزالة

لنحو نداوة فيجب - ويحرم دفنه بلا شئ يمنع وقوع التراب عليه ويحرم دفن اثنين من جنسين بقبر، إن لم يكن بينهما محرمية، أو زوجية، ومع أحدهما كره - كجمع متحدي جنس فيه بلا حاجة. ويحرم أيضا: إدخال ميت على آخر، وإن اتحدا جنسا، قبل بلاء جميعه، ويرجع فيه لاهل الخبرة بالارض. ولو وجد ـــــــــــــــــــــــــــــ الكفن عن خده. (وقوله: إلى نحو تراب) متعلق بإفضاء ودخل تحت نحو الحجر واللبن. (وقوله: مبالغة إلخ) تعليل لندب الإفضاء المذكور. وما أحسن قول بعضهم: فكيف يلهو بعيش أو يلذ به * * من التراب على خديه مجعول؟ (قوله: ورفع رأسه إلخ) أي ويندب رفع رأسه. (وقوله: بنحو لبنة) أي طاهرة. واللبنة - كسر الباء - واحدة اللبن - بكسرها أيضا - ما يعمل من الطين، ويبنى به. ودخل تحت نحو كوم تراب وحجر. (قوله: وكره صندوق) أي جعل الميت فيه، لأنه ينافي الاستكانة والذل المقصودين من وضعه في التراب، ولأن في إضاعة مال. وعبارة الروض وشرحه: ويكره صندوق - أي جعل الميت فيه - ولا تنفذ وصيته بذلك، فإن احتيج إلى الصندوق لنداوة ونحوها - كرخاوة في الأرض - فلا كراهة، وهو - أي الصندوق المحتاج إليه من رأس المال - كالكفن، ولأنه من مصالح دفنه الواجب. اه. ملخصا. (قوله: فيجب) أي الصندوق. وهو مفرع على الاستثناء. (قوله: ويحرم دفنه بلا شئ يمنع وقوع التراب عليه) أي فيجب سد القبر بما يمنع وقوع التراب عليه من نحو لبن. وما ذكر من وجوب السد وحرمة عدمه هو ما عليه جمع. وظاهر عبارة المنهاج: ندب السد، وجواز إهالة التراب عليه من غير سد. كما نبه عليه في التحفة، وعبارتها مع الأصل: ويسد فتح اللحد بلبن، بأن يبنى به ثم يسد ما بينه من الفرج بنحو كسر لبن اتباعا لما فعل به - صلى الله عليه وسلم -، ولأنه أبلغ في صيانة الميت عن النبش، ومنع التراب والهوام. وكاللبن في ذلك غيره. وآثره لأنه المأثور كما تقرر، وظاهر صنيع المتن: أن أصل سد اللحد مندوب، كسابقه ولاحقه، فتجوز إهالة التراب عليه من غير سد، وبه صرح غير واحد. لكن بحث غير واحد وجوب السد عليه، كما عليه الإجماع الفعلي من زمنه - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن، فتحرم تلك الإهالة، لما فيها من الإزراء وهتك الحرمة، وإذا حرموا ما دون ذلك، ككبه على وجهه، وحمله على هيئة مزرية، فهذا أولى. اه. (قوله: يحرم دفن اثنين من جنسين بقبر) المراد بالجنس هنا وفيما بعده، الجنس العرفي، وهو ما يشمل النوع والصنف. وحاصل ما يتعلق بهذه المسألة أن الذي جرى عليه المؤلف - تبعا لشيخه ابن حجر، التابع لشيخه شيخ الإسلام - أن الاثنين إذا اتحدا نوعا كرجلين أو امرأتين، أو اختلفا فيه وكان بينهما محرمية أو زوجية أو سيدية، كره دفنهما معا. فإن اختلفا ولم يكن بينهما ما مر حرم ذلك. والذي جرى عليه م ر: الحرمة مطلقا، اتحد الجنس أو اختلف، كان بينهما محرمية أو لا. وذلك لأن العلة في منع الجمع التأذى، لا الشهوة. فإنها قد انقطعت بالموت. (قوله: إن لم يكن بينهما) أي الاثنين. (قوله: ومع أحدهما: كره) أي ومع وجود المحرمية أو الزوجية يكره دفنهما في قبر واحد. (قوله: كجمع متحدي جنس فيه) أي كما أنه يكره دفن جمع متحدي جنس في قبر واحد. (قوله: بلا حاجة) متعلق بكل من يحرم وكره، أي محل الحرمة أو الكراهة إن لم يكن حاجة، وإلا فلا حرمة ولا كراهة، كأن كثر الموتى وعسر إفراد كل بقبر، أو لم يوجد إلا كفن واحد، لانه - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب، ويقدم أقرأهما للقبلة، ويجعل بينهما حاجز تراب. (قوله: ويحرم أيضا) أي كما يحرم دفن اثنين معا ابتداء. قال في النهاية: عللوه - أي حرمة الإدخال - بهتك حرمته. ويؤخذ منه عدم حرمة نبش قبر له لحدان مثلا لدفن شخص في اللحد الثاني، إن لم تظهر له رائحة، إذ لا هتك للأول فيه. وهو ظاهر، وإن لم يتعرضوا له، فيما أعلم. اه. (قوله: وإن اتحدا) أي الميت الذي في القبر، والميت المدخل عليه. (قوله: قبل بلاء جميعه) متعلق بيحرم، أي يحرم الإدخال المذكور قبل بلاء جميع الميت الذي في القبر. قال سم: وأفهم جواز النبش، بعد بلاء جميعه. ويستثنى قبر عالم مشهور، أو ولي مشهور، فيمتنع نبشه. اه. (قوله: ويرجع فيه) أي في البلاء، أي مدته. (وقوله: لأهل الخبرة بالأرض) أي لأهل المعرفة بقدر المدة التي يبلى فيها الميت في أرضهم. (قوله: ولو وجد

بعض عظمه قبل تمام الحفر وجب رد ترابه، أو بعده فلا. ويجوز الدفن معه، ولا يكره الدفن ليلا - خلافا للحسن البصري - والنهار أفضل للدفن منه، ويرفع القبر قدر شبر ندبا، وتسطيحه أولى من تسنيمه. ويندب لمن على شفير القبر أن يحثي ثلاث حثيات بيديه قائلا مع الاولى: * (منها خلقناكم) *. ومع الثانية: * (وفيها نعيدكم) *. ومع الثالثة: * (ومنها نخرجكم تارة أخرى) *. (مهمة) يسن وضع جريدة خضراء على القبر، للاتباع، ولانه يخفف عنه ببركة تسبيحها. وقيس بها ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض عظمه) أي الميت الذي في القبر. (وقوله: قبل تمام الحفر) أي قبل أن يكمل حفر القبر. (قوله: وجب رد ترابه) أي ويحرم تكميل الحفر والدفن فيه لما يلزم عليه من الإدخال المحرم. وهذا إذا لم يحتج إلى الدفن في ذلك القبر، بأن كثر الموتى، وإلا فلا بأس بذلك. (قوله: أو بعده) أي أو وجد عظمه، بعد تمام الحفر، فلا يجب رد التراب. (قوله: ويجوز الدفن معه) أي مع العظم لكن بعد تنحيته عن محله. وعبارة التحفة: أو بعده نحاه ودفن الآخر. فإن ضاق بأن لم يمكن دفنه إلا عليه، فظاهر قولهم نحاه حرمة الدفن هنا، حيث لا حاجة، ليس ببعيد، لأن الإيذاء هنا أشد. اه. (قوله: ولا يكره الدفن ليلا) أي سواء تحرى الدفن فيه أم لا، لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله، وكذا الخلفاء الراشدون. (قوله: خلافا للحسن البصري) أي فإن الدفن ليلا عنده مكروه تنزيها متمسكا بظاهر خبر ابن ماجه: لا تدفنوا موتاكم بالليل، إلا أن تضطروا. وفي البجيرمي ما نصه: وفي الخصائص ودفن بالليل، وذلك - أي الدفن ليلا - في حق غيره مكروه تنزيها عند الحسن البصري، تمسكا بظاهر خبر ابن ماجه بسند فيه ضعف لا تدفنوا موتاكم بالليل، إلا أن تضطروا أي بالدفن ليلا، لخوف انفجار الميت وتغيره. وخلاف الأولى عند سائر العلماء، وتأولوا الخبر بأن النهي كان أولا، ثم رخص. اه. مناوي. (قوله: والنهار أفضل) أفعل التفضيل على غير بابه، أي فاضل، وذلك لأنه هو المندوب، بخلاف الدفن ليلا، فليس بمندوب، حتى أنه يكون فاضلا. ومحل كون الدفن فيه فاضلا إذا لم يخش بالتأخير إليه تغير، وإلا حرم. (قوله: ويرفع القبر قدر شبر) أي ليعرف فيزار ويحترم. وصح أن قبر - صلى الله عليه وسلم - رفع نحو شبر. (قوله: وتسطيحه أولى من تسنيمه) لما صح من القاسم بن محمد: أن عمته عائشة - رضي الله عنهم - كشفت له عن قبره - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه، فإذا هي مسطحة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء. ورواية البخاري: أنه مسنم. حملها البيهقي على أن تسنيمه حادث، لما سقط جداره، وأصلح زمن الوليد. اه. تحفة. والتسطيح: جعل القبر مسطحا، أي مستويا له سطح. قال في المصباح: سطحت القبر تسطيحا: جعلت أعلاه كالسطح. وأصل السطح: البسط. اه. والتسنيم: جعله مسنما، أي مرتفعا على هيئة سنام البعير. قال في المصباح: سنمت القبر تسنيما: إذا رفعته عن الأرض كالسنام. اه. (قوله: ويندب لمن على شفير القبر) أي لمن هو واقف على طرف القبر. (قوله: أن يحثي) أي بعد سد اللحد، وإن كانت المقبرة منبوشة وهناك رطوبة، لأنه مطلوب. (قوله: ثلاث حثيات) أي من تراب، ويكون الحثي بيديه من قبل رأس الميت، لأنه - صلى الله عليه وسلم - حثى من قبل رأس الميت ثلاثا. رواه البيهقي وغيره بإسناد جيد. قال ع ش: وينبغي الاكتفاء بذلك مرة واحدة، وإن تعدد المدفنون. (قوله: قائلا) حال من فاعل يحثي. (قوله: منها خلقناكم) ويزيد على ذلك: اللهم لقنه عند المسألة حجته. (وقوله: ومع الثانية وفيها نعيدكم) ويزيد عليه: اللهم افتح أبواب السماء لروحه. (وقوله: ومع الثالثة ومنها نخرجكم تارة أخرى) ويزيد عليه: اللهم جاف الأرض عن جنبيه. (فائدة) عن الإمام تقي الدين، عن والده، عن الفقيه أبي عبد الله محمد الحافظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من أخذ من تراب القبر حال الدفن بيده - أي حال إرادته - وقرأ عليه * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * سبع مرات، وجعله مع الميت في كفنه أو قبره، لم يعذب ذلك الميت في القبر. (قوله: مهمة: يسن وضع جريدة إلخ) ويسن أيضا وضع حجر أو خشبة عند رأس الميت، لانه - صلى الله عليه وسلم - وضع عند رأس

ما اعتيد من طرح نحو الريحان الرطب. ويحرم أخذ شئ منهما ما لم ييبسا لما في أخذ الاولى من تفويت حظ الميت المأثور عنه (ص)، وفي الثانية من تفويت حق الميت بارتياح الملائكة النازلين لذلك. قاله شيخانا ابن حجر وزياد. (وكره بناء له) أي للقبر، (أو عليه) لصحة النهي عنه بلا حاجة، كخوف نبش، أو حفر ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان بن مظعون صخرة، وقال: أتعلم بها قبر أخي لأدفن فيه من مات من أهلي. ورش القبر بالماء لئلا ينسفه الريح، ولانه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك بقبر ابنه إبراهيم. رواه الشافعي، وبقبر سعد رواه ابن ماجة، وأمر به في قبر عثمان بن مظعون رواه الترمذي. وسعد هذا هو ابن معاذ. ويستحب أن يكون الماء طاهرا طهورا باردا، تفاؤلا بأن الله تعالى يبرد مضجعه. ويكره رشه بماء ورد ونحوه، لأنه إسراف وإضاعة مال. قال الأذرعي: والظاهر كراة رشه بالنجس، أو تحريمه. اه. من شرح الروض. (قوله: للاتباع) هو ما رواه ابن حبان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا نمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمررنا على قبرين، فقام، فقمنا معه، فجعل لونه يتغير حتى رعد كم قميصه، فقلنا: مالك يا رسول الله؟ فقال: أما تسمعون ما أسمع؟ فقلنا: وما ذاك يا نبي الله؟ قال: هذان رجلان يعذبان في قبورهما عذابا شديدا في ذنب هين - أي في ظنهما، أو هين عليهما اجتنابه - قلنا: فبم ذاك؟ قال: كان أحدهما لا يتنزه من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه، ويمشي بينهم بالنميمة. فدعا بجريدتين - من جرائد النخل - فجعل في كل قبر واحدة. قلنا يا رسول الله: وهل ينفعهم ذلك؟ قال: نعم يخفف عنهما ما دامتا رطبتين. (قوله: ولأنه الخ) معطوف على للاتباع. (وقوله: يخفف عنه) أي عن الميت. (وقوله: ببركة تسبيحها) أي الجريدة الخضراء، وفيه أن اليابسة لها تسبيح أيضا، بنص: * (وإن من شئ إلا يسبح بحمده) * فلا معنى لتخصيص ذلك بالخضراء، إلا أن يقال إن تسبيح الخضراء أكمل من تسبيح اليابسة، لما في تلك من نوع حياة. (قوله: وقيس بها) أي بالجريدة الخضراء. (وقوله: ما اعتيد من طرح نحو الريحان الرطب) اندرج تحت نحو كل شئ رطب، كعروق الجزر، وورق الخس واللفت. وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: استنبط العلماء من غرس الجريدتين على القبر: غرس الأشجار والرياحين، ولم يبينوا كيفيته. لكن في الصحيح أنه غرس في كل قبر واحدة، فشمل القبر كله، فيحصل المقصود بأي محل منه. نعم، أخرج عبد بن حميد في مسنده أنه - صلى الله عليه وسلم - وضع الجريدة على القبر عند رأس الميت. اه. وينبغي إبدال ما ذكر - من الجريدة الخضراء، ومن الرياحين - كلما يبس: لتحصل له بركة مزيد تسبيحه، وذكره كما في الحديث. (قوله: ويحرم أخذ شئ منهما) أي من الجريدة الخضراء، ومن نحو الريحان الرطب. وظاهره أنه يحرم ذلك مطلقا، أي على مالكه وغيره. وفي النهاية: ويمتنع على غير مالكه أخذه من على القبر قبل يبسه، فقيد ذلك بغير مالكه. وفصل ابن قاسم بين أن يكون قليلا كخوصة أو خوصتين، فلا يجوز لمالكه أخذه، لتعلق حق الميت به، وأن يكون كثيرا فيجوز له أخذه. (قوله: لما في أخذ الأولى) وهي الجريدة الخضراء. (وقوله: من تفويت حظ الميت) أي منفعته، وهو التخفيف عنه ببركة تسبيحها. (قوله: وفي الثانية) أي ولما في أخذ الثانية. والأولى حذف لفظ في، أو زيادة لفظ أخذ، بعدها، ومراده بالثانية: خصوص الريحان، لأن الملائكة إنما ترتاح به فقط، لا الريحان ونحوه: وإن كان ظاهر صنيعه - لما علمت - أن نحو الريحان الرطب صادق بكل شئ رطب. (وقوله: من تفويت حق الميت) بيان المقدرة. (وقوله: بارتياح الملائكة) الباء سببية متعلقة بمحذوف صفة لحق، أي الحق الحاصل للميت بسبب ارتياح الملائكة. ولو أبدل لفظ الارتياح بالارتفاع لكان أنسب بقوله بعد النازلين لذلك، أي للارتياح بالريحان الرطب. ولكن عليه يكون الجار والمجرور متعلقا بتفويت. ثم رأيت في هامش فتح الجواد التصريح بما قررته، ولفظه: هل يجوز أخذ الريحان الذي يوضع على كثير من القبور أم لا؟ سئل العلامة تقي الدين عمر بن محمد الفتى - تلميذ المقري رحمهما الله تعالى - فلم ينكره. اه. وقال شيخ الإسلام العلامة ابن زياد - نفع الله به - الذي أراه المنع، لما فيه من تفويت حق الميت بارتفاع الملائكة النازلين لذلك. ومثله فيما يظهر من وجد جريدة خضراء على قبر معروف، لتفويت حظ الميت، لما تقرر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه. اه. (قوله: وكره بناء له) أي في باطن الأرض. (قوله: أو عليه)

سبع أو هدم سيل. ومحل كراهة البناء، إذا كان بملكه، فإن كان بناء نفس القبر بغير حاجة مما مر، أو نحو قبة عليه بمسبلة، وهي ما اعتاد أهل البلد الدفن فيها، عرف أصلها ومسبلها أم لا، أو موقوفة، حرم، وهدم وجوبا، لانه يتأبد بعد انمحاق الميت، ففيه تضييق على المسلمين بما لا غرض فيه. (تنبيه) وإذا هدم، ترد الحجارة المخرجة إلى أهلها إن عرفوا، أو يخلى بينهما، وإلا فمال ضائع، وحكمه معروف - كما قاله بعض أصحابنا - وقال شيخنا الزمزمي: إذا بلي الميت وأعرض ورثته عن الحجارة، جاز الدفن ـــــــــــــــــــــــــــــ أي وكره بناء على القبر، أي فوقه. والمراد: في حريمه أو خارجه. ولا فرق فيه بين قبة أو بيت، أو مسجد، أو غير ذلك. (قوله: لصحة النهي عنه) أي عن البناء. وهو ما رواه مسلم، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يبنى عليه. زاد وأن يقعد عليه الترمذي: وأن يكتب عليه، وأن يوطأ عليه. وقال: حديث حسن صحيح. اه. شرح البهجة. (قوله: بلا حاجة) متعلق ببناء، وخرج به ما إذا كانت حاجة فلا يكره. (قوله: كخوف نبش الخ) تمثيل للحاجة. (قوله: ومحل كراهة البناء) أي لنفس القبر أو عليه. (قوله: إذا كان) أي البناء. (وقوله: بملكه) أي الباني. (قوله: فإن كان بناء نفس القبر الخ) الأولى والأخصر أن يقول: وإلا بأن كان في مسبلة إلخ. (قوله: بغير حاجة مما مر) وهو خوف نبش، أو حفر سبع، أو هدم سيل. (قوله: أو نحو قبة) معطوف على نفس القبر، أي أو بناء نحو قبة على القبر، كتحويط عليه، وبناء المسجد أو دار. قال في التحفة: وهل من البناء ما اعتيد من جعل أربعة أحجار مربعة محيطة بالقبر مع لصق رأس كل منها برأس الآخر بجص محكم أو لا، لأنه لا يسمى بناء عرفا؟ والذي يتجه الأول، لأن العلة السابقة من التأبيد موجودة فيه. اه. وقال سم: لا يبعد أن يستثنى عليه ما لو كان جعل الأحجار المذكورة لحفظه من النبش والدفن. اه. وقال البجيرمي: واستثنى بعضهم قبور الأنبياء والشهداء والصالحين ونحوهم. برماوي. وعبارة الرحماني. نعم، قبور الصالحين يجوز بناؤها ولو بقية لإحياء الزيارة والتبرك. قال الحلبي: ولو في مسبلة، وأفتى به، وقد أمر به الشيخ الزيادي مع ولايته، وكل ذلك لم يرتضه شيخنا الشوبري، وقال: الحق خلافه. وقد أفتى العز بن عبد السلام بهدم ما في القرافة. اه. (قوله: بمسبلة) خبر كان، أي كائنا بمقبرة مسبلة للدفن فيها. (قوله: وهي) أي المسبلة. (قوله: عرف أصلها) من كونها كانت مملوكة فسبلت، أو مواتا وجعلوها مقبرة. (قوله: ومسبلها) أي واقفها. (قوله: أم لا) أي أم لم يعرف أصلها ومسبلها، بأن جهل ذلك. (قوله: أو موقوفة) معطوف على مسبلة، واعترض بأن الموقوفة هي المسبلة وعكسه. ويرد بأن تعريفها - أي المسبلة - يدخل مواتا اعتادوا الدفن فيه، فهذا يسمى مسبلا لا موقوفا. والعطف من عطف الخاص على العام. (قوله: حرم) جواب الشرط. قال سم: لا يبعد أن مثل البناء ما لو جعل عليه دارة خشب - كمقصورة - لوجود العلة أيضا. فليتأمل. اه. (قوله: وهدم جوبا) أي والهادم له الحاكم أي يجب على الحاكم هدمه دون الآحاد. وقال ابن حجر: ويبنغي أن لكل أحد هدم ذلك، ما لم يخش منه مفسدة، فيتعين الرفع للإمام. اه. بجيرمي. (قوله: لأنه يتأبد) أي لأن البناء يستمر بعد بلاء الميت، فيحرم الناس تلك البقعة. (قوله: ففيه) أي البناء بسبب تأبيده. (قوله: بما لا غرض) أي شرعي. (وقوله: فيه) ضميره يعود على ما الواقعة على بناء. (قوله: وإذا هدم) أي البناء. (قوله: أو يخلى بينهما) أي بين الحجارة وأهلها. (قوله: وإلا فمال ضائع) أي وإن لم يعرفوا، فهو مال ضائع. (وقوله: وحكمه معروف) وهو أن الأمر فيه لبيت المال إن انتظم، فإن لم ينتظم، فهو لصلحاء المسلمين، يصرفونه في وجوه الخير. وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رضي الله عنه - هل يجوز لأحد الأخذ من حجارة القبور لسد فتح ولبناء قبر أم لا؟ (فأجاب) بقوله: إن علم مالك تلك الأحجار فواضح أنه لا يجوز الأخذ منها إلا برضاه إن كان رشيدا، وإن جهل، فإن رجى ظهوره لم يجز أخذ شئ منها، وإن أيس من ظهوره فهي من جملة أموال بيت المال، فلمن له فيه حق الأخذ منها بقدر حقه. اه. (قوله: إذا بلي) هو بفتح فكسر، بمعنى أفنته الأرض. (قوله: وأعرض ورثته عن الحجارة) أي المبني بها قبر مورثهم. (قوله: جاز

مع بقائها، إذا جرت العادة بالاعراض عنها، كما في السنابل. (و) كره (وطئ عليه) أي على قبر مسلم، ولو مهدرا قبل بلاء (إلا لضرورة)، كأن لم يصل لقبر ميته بدونه، وكذا ما يريد زيارته ولو غير قريب. وجزم شرح مسلم - كآخرين - بحرمة القعود عليه والوطئ، لخبر فيه يرده أن المراد بالجلوس عليه جلوسه لقضاء الحاجة، كما بينته رواية أخرى. (ونبش) وجوبا قبر من دفن بلا طهارة (لغسل) أو تيمم. نعم، إن تغير ولو بنتن، حرم. ولاجل مال غير، كأن دفن في ثوب مغصوب، أو أرض مغصوبة، إن طلب المالك، ووجد ما يكفن أو يدفن فيه، وإلا لم يجز النبش أو سقط فيه متمول وإن لم يطلبه مالكه، لا للتكفين إن دفن بلا كفن، ولا للصلاة بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ الدفن) جواب إذا. (وقوله: مع بقائها) أي الحجارة. (قوله: إذا جرت العادة بالإعراض عنها) فإن لم تجر العادة به لا يجوز الدفن مع بقائها. (قوله: كما في السنابل) أي سنابل الحصادين، فإنه يجوز أخذها إذا اعتاد أهلها الإعراض عنها. ومثلها برادة الحدادين، كما سيأتي توضيحه في فصل اللقطة. (قوله: كره وطئ عليه) أي مشى عليه برجله. (قال في المصباح: وطئته برجلي أطؤه، وطأ: علوته. اه. ومثله بالأولى الجلوس، وفي معناهما الاستناد إليه، والاتكاء عليه. والحكمة في ذلك توقير الميت واحترامه. وخرج بقوله عليه الوطئ: على ما بين المقابر - ولو بالنعل - فلا يكره. كما نص عليه في المغنى وعبارته: ولا يكره المشي بين المقابر بالنعل على المشهور، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنه يسمع خفق نعالهم. وما ورد من الأمر بإلقاء السبتيتين في أبي داود والنسائي بإسناد حسن، يحتمل أن يكون لأنه من لباس المترفهين، أو أنه كان فيهما نجاسة. والنعال السبتية - بكسر السين - المدبوغة بالقرط. اه. (وقوله: أي على قبر مسلم) خرج به قبر الكافر، فلا كراهة فيه لعدم احترامه. قال م ر: والظاهر أنه لا حرمة لقبر الذمي في نفسه، لكن ينبغي اجتنابه لأجل كف الأذى عن أحيائهم إذا وجدوا. ولا شك في كراهة المكث في مقابرهم. (وقوله: ولو مهدرا) أي كتارك الصلاة، وزان محصن. (قوله: قبل بلاء) متعلق بوطئ، أي يكره الوطئ عليه إن كان قبل بلاء الميت، أما بعده، بأن مضت مدة يتيقن فيها أنه لم يبق من الميت شئ في القبر، فلا يكره. (قوله: إلا لضرورة) أي يكره ذلك عند عدم الحاجة، فإن وجدت فلا كراهة. (قوله: كأن لم يصل إلخ) تمثيل للضرورة. (وقوله: بدونه) أي الوطئ. (قوله: وكذا ما يريد زيارته) أي وكذلك لا يكره ما ذكر إذا لم يمكنه الوصول إلى قبر ميت يريد زيارته إلا به، ولو كان ذلك الميت غير قريب له. ومثله ما إذا لم يتمكن من الدفن إلا به، فلا يكره. (قوله: وجزم شرح مسلم) مبتدأ خبره جملة يرده. (وقوله: لخبر فيه) أي لخبر يدل على التحريم، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر. (قوله: كما بينته) أي هذا المراد. (وقوله: رواية أخرى) أي رواها ابن وهب في مسنده بلفظ: ومن جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط. (قوله: ونبش وجوبا الخ) شروع في بيان حكم النبش بعد الدفن. (قوله: لغسل) متعلق بنبش، أي يجب لأجل غسل تداركا للواجب. (قوله: أو التيمم) أي أو لتيمم، لكن بشرطه. وهو فقد الماء أو الغاسل. (قوله: نعم، إن تغير) أي الميت، وهو استدراك من وجوب النبش بعد الدفن. (قوله: ولو بنتن) أي ولو كان التغير بنتن، ولا يشترط التقطع. (قوله: حرم) أي نبشه لذلك لما فيه من هتك الحرمة. (قوله: ولأجل الخ) معطوف على الغسل. (وقوله: مال غير) بالإضافة، أي ونبش أيضا وجوبا لأجل تحصيل مال الغير ليصل لحقه، وإن تغير وإن غرم الورثة مثله أو قيمته. (قوله: كأن دفن في ثوب إلخ) تمثيل لنبشه لأجل مال الغير. (قوله: إن طلب المالك) أي ذلك الثوب أو الأرض. فالمفعول محذوف. ويكره له ذلك - كما نقل عن النص - ويسن في حقه الترك. (قوله: ووجد ما يكفن أو يدفن فيه) أي ووجد ثوب يكفن فيه غير الثوب المغصوب، أو أرض يدفن فيها غير الأرض المغصوبة. (قوله: وإلا لم يجز) أو وإن لم يطلب المالك ذلك ولم يوجد ما يكفن فيه، أو يدفن فيه غير ذلك الثوب أو الأرض المغصوبين لم يجز النبش. قال ع ش: وعدم طلب المالك ذلك شامل لما لو سكت عن الطلب ولم يصرح بالمسامحة، فيحرم إخراجه. اه. بالمعنى. (قوله: أو سقط فيه) معطوف على دفن، أي وكأن سقط في القبر. (وقوله: متمول) قال في

إهالة التراب عليه. (ولا تدفن امرأة) ماتت (في بطنها جنين حتى يتحقق موته)، أي الجنين. ويجب شق جوفها والنبش له إن رجي حياته بقول القوابل، لبلوغه ستة أشهر فأكثر، فإن لم يرج حياته حرم الشق، لكن يؤخر ـــــــــــــــــــــــــــــ التحفة: ولو من التركة وإن قل، وتغير الميت، ما لم يسامح مالكه أيضا. اه. (قوله: وإن لم يطلبه مالكه) غاية في وجوب النبش عند سقوط متمول، أي يجب النبش لأجل إخراج المتمول، وإن لم يطلبه مالكه، لأن في إبقائه في القبر إضاعة مال. قال في النهاية: وقيده - أي وجوب النبش - في المهذب: بطلبه له. قال في المجموع: ولم يوافقوه عليه. ولو بلع مال غيره وطلبه مالكه ولم يضمن بدله أحد من ورثته أو غيرهم - كما نقله في الروضة عن صاحب العدة، وهو المعتمد - نبش، وشدق جوفه، وأخرج منه، ودفع لمالكه. فإن ابتلع مال نفسه فلا ينبش، ولا يشق، لاستهلاكه له حال حياته. اه. بحذف. (قوله: لا للتكفين) معطوف على الغسل، أي لا ينبش لأجل التكفين. وذلك لأن الغرض منه الستر. وقد حصل بالتراب مع ما في نبشه من هتك الحرمة. (وقوله: ولا للصلاة) أي ولا ينبش لأجل الصلاة عليه إن دفن بغير صلاة، لأنها تسقط بالصسلاة على القبر. (قوله: بعد إهالة التراب عليه) راجع للصورتين، فهو متعلق بالفعل المقدر، أي لا ينبش لما ذكر من التكفين والصلاة بعد إهالة التراب عليه، أي جعل التراب عليه، فإن لم يهل التراب عليه جاز إخراجه لما ذكر، لعدم انتهاك الحرمة حينئذ. (والحاصل) يحرم نبش الميت بعد دفنه إلا لضرورة، وهي كالصور المارة. وبقي صور للضرورة المجوزة للنبش غير ما ذكره المؤلف، منها: ما لو بشر إنسان بمولود، فقال إن كان ذكرا فعبدي حر، أو أنثى، فأمتي حرة، ودفن المولود قبل العلم بحاله، فينبش، ليعلم من وجدت صفته. أو قال: إن ولدت ذكرا فأنت طالق طلقة، أو أنثى فطلقتين، فولدت ميتا، ودفن، وجهل حاله فالأصح - في الزوائد - نبشه. أو ادعى شخص على ميت بعد دفنه أته امرأته، وأن هذا الولد ولده منها، وطلب إرثه منها. وادعت امرأة أنه زوجها، وأن هذا ولدها منه، وطلبت إرثها منه، وأقام كل بينه، فإنه ينبش، فإن وجد خنثى: قدمت بينة الرجل. أو لحق الميت سيل أو نداوة، فينبش لنقله. وقد نظم بعض تلك الصور الفقيه محمد بن عبد الولي بن جعمان في قوله: يحرم نبش الميت إلا في صور * * فهاكها منظومة ثنتي عشر من لم يغسل والذي قد بليا * * أي صار تربا وكذا إن ووريا في أرض أو ثوب كلاهما غصب * * أو بالع مال سواه وطلب أو خاتم ونحوه قد وقعا * * في القبر أو لقبلة ما أضجعا أو يدفن الكافر في أرض الحرم * * أو يتداعى اثنان ميتا يطم أو يلحق الميت سيل أو ندى * * أو من على صورته قد شهدا أو جوفها فيه جنين يرتجى * * حياته فواجب أن يخرجا أو قال إن كان جنينها ذكر * * فطلقة والضعف للأنثى استقر فيدفن المولود قبل العلم * * بحاله هذا تمام النظم والحمد لله وصلى دائما * * على النبي أحمد وسلما والآل والصحب جميعا ما همى * * غيث ولاح البرق في جوالسما (قوله: في بطنها جنين) أي لم ترج حياته، بأن لم يبلغ ستة أشهر. وإنما قيدنا بذلك لأجل الغاية بعده، لأنه لا يترك الدفن. وهو في بطن أمه إلى أن يتحقق موته إلا في هذه الحالة. أما إذا رجي حياته بقول القوابل لبلوغه ستة أشهر فأكثر، فيجب شق جوفها قبل الدفن ولا يؤخر الدفن، ويترك في بطن أمه حتى يموت، فإن دفنت قبل الشق وجب النبش والشق. (قوله: ويجب شق جوفها الخ) أي لأن مصلحة إخراجه أعظم من مفسدة انتهاك حرمتها. (قوله: والنبش له) أي للشق. (قوله: إن رجى حياته) أي الجنين، وهو قيد لوجوب الشق والنبش له. (وقوله: بقول القوابل) متعلق برجي.

الدفن حتى يموت - كما ذكر - وما قيل إنه يوضع على بطنها شئ ليموت غلط فاحش. (ووري) أي ستر بخرقة (سقط ودفن) وجوبا، كطفل كافر نطق بالشهادتين، ولا يجب غسلهما، بل يجوز. وخرج بالسقط العلقة والمضغة، فيدفنان ندبا من غير ستر. ولو انفصل بعد أربعة أشهر غسل، وكفن، ودفن وجوبا. (فإن اختلج) أو استهل بعد انفصاله (صلي عليه) وجوبا. ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله: لبلوغه إلخ) متعلق برجى أيضا. (قوله: فإن لم يرج حياته) أي لعدم بلوغه ستة أشهر. (قوله: حرم الشق) أي النبش لأجله إذا دفنت قبل تحقق موته. (قوله: لكن يؤخر الدفن حتى يموت) قال ع ش: أي ولو تغيرت، لئلا يدفن الحمل حيا. اه. (قوله: كما ذكر) أي في المتن بقوله: حتى يتحقق موته. (قوله: وما قيل) متبدأ، خبره غلط فاحش. وعبارة النهاية: وقول التنبيه ترك عليه شئ حتى يموت، ضعيف، بل غلط فاحش. فليحذر. اه. وكتب ع ش قوله: غلط فاحش، ومع ذلك لا ضمان فيه مطلقا، بلغ ستة أشهر أو لا لعدم تيقن حياته. اه. (قوله: وووري الخ) لما أنهى الكلام على ما يتعلق بالميت الكبير، شرع في بيان حكم السقط. (قوله: أي ستر) تفسير لو ووري. (قوله: سقط) نائب فاعل ووري، وهو بتثليث السين، الولد النازل قبل تمام أشهره، فهو مأخوذ من السقوط بمعنى النزول. قال في المصباح: السقط: الولد - ذكرا كان أو أنثى - يسقط قبل تمامه وهو مستبين الخلق. يقال: سقط الولد من بطن أمه سقوطا، فهو سقط. والتثليث لغة. ولا يقال وقع. اه. (قوله: ودفن) معطوف على ووري. (قوله: وجوبا) مرتبط بكل من ووري ودفن، أي ووري وجوبا ودفن وجوبا. وحاصل ما أفاده كلامه فيه: أنه إذا انفصل قبل أربعة أشهر يكفن ويدفن وجوبا، وإن انفصل بعد أربعة أشهر فإن لم يختلج ولم يصح بعد انفصاله غسل، وكفن ودفن وجوبا، من غير صلاة عليه. وإن اختلج أو استهل بعد ذلك يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن وجوبا. والذي ذكره غيره أنه في الحالة الأولى لا يجب شئ، وإنما يندب الستر والدفن. وعبارة فتح الجواد مع الأصل: ووري أي ستر بخرقة سقط، بتثليث أوله. ودفن وجوبا فيهما إن وجب غسله، وإلا فندبا خلافا لما يوهمه كلامه. وخرج به العلقة والمضغة، فيدفنان ندبا من غير ستر. وعلم من قولي وإلا فندبا أن محل ندب ذينك ما إذا انفصل لدون أربعة أشهر، لأنه حينئذ لا يجب غسله. كما أفاده قوله. وإذا انفصل لأربعة أشهر أي مائة وعشرين يوما، حد نفخ الروح فيه، غسل، وكفن، ودفن وجوبا مطلقا. ثم له حالان: فإن لم تظهر أمارة الحياة بنحو اختلاج، لم تجز الصلاة، أو ظهرت كأن اختلج أو تحرك بعد انفصاله صلى عليه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: السقط يصلى عليه. وإناطة ما مر بالأربعة ودونها جري على الغالب من ظهور خلق الآدمي عندها، وإلا فالعبرة إنما هي بظهور خلقه وعدم ظهوره. فعلم أنه إن علمت حياته أو ظهرت أمارتها وجب الجميع، وإلا وجب ما عدا الصلاة إن ظهر خلقه، وإلا سن ستره ودفنه. اه. وعبارة النهاية: واعلم أن للسقط أحوالا: حاصلها أنه إن لم يظهر فيه خلق آدمي لا يجب شئ. نعم، يسن ستره بخرقة ودفنه. وإن ظهر فيه خلقه ولم تظهر فيه أمارة الحياة وجب فيه ما سوى الصلاة، أما هي فممتنعة - كما مر - فإن ظهر فيه أمارة الحياة فكالكبير. اه. ومثله في التحفة والمغنى. إذا علمت ذلك تعلم أن ما جرى عليه المؤلف في الحالة الأولى طريقة ضعيفة. (قوله: كطفل كافر) أي تبعا لأبويه: أي فيجب ستره ودفنه. (قوله: ولا يجب غسلهما) أي السقط والطفل الكافر الذي نطق بالشهادتين. (قوله: وخرج بالسقط العلقة والمضغة) أي لأنهما لا يسميان ولدا. والسقط هو الولد إلخ - كما مر - (قوله: فيدفنان) أي العلقة والمضغة. (قوله: ولو انفصل بعد أربعة أشهر) أي ولم يختلج أو يستهل بقرينة ما بعده سواء نزل بعد تمام أشهره أو قبله، على ما ذهب إليه ابن حجر، وذهب الجمال الرملي وأتباعه وكذلك الخطيب الشربيني، إلى أن النازل بعد تمام ستة أشهر ليس بسقط، فيجب فيه ما يجب في الكبير، سواء علمت حياته أم لا. ونقله في النهاية عن

(وأركانها) أي الصلاة على الميت، سبعة: أحدهما: (نية) كغيرها، ومن ثم وجب فيها ما يجب في نية سائر الفروض، من نحو اقترانها بالتحرم، والتعرض للفرضية، وإن لم يقل فرض كفاية، ولا يجب تعيين الميت، ولا معرفته، بل الواجب أدنى مميز، فيكفي أصلي الفرض على هذا الميت. قال جمع: يجب تعيين الميت الغائب بنحو اسمه. (و) ثانيها: (قيام) لقادر عليه، فالعاجز يقعد، ثم يضطجع. (و) ثالثها: (أربع ـــــــــــــــــــــــــــــ إفتاء والده، وعليه تعريف السقط المار. (قوله: غسل، وكفن، ودفن وجوبا) أي ولا يصلى عليه. قال في التحفة: وفارقت الصلاة غيرها بأنها أضيق منه، لما مر أن الذمي يغسل ويكفن ويدفن ولا يصلى عليه. (قوله: فإن اختلج) أي المنفصل بعد أربعة أشهر. والاختلاج: التحرك. (وقوله: أو استهل) الاستهلال: رفع الصوت، الذي هو الصياح عند أهل اللغة. والاختلاج والاستهلال ليسا بقيد، بل المدار على العلم بحياته بأمارة مطلقا، سواء كانت مما ذكر من الاختلاج، أو الاستهلال، أو غيرهما كالتنفس. (قوله: بعد انفصاله) قال الكردي: قيد في الاختلاج فقط، وأما نحو الصياح: فهو يفيد يقين الحياة، وإن كان قبل تمام الانفصال بالنسبة لنحو الصلاة عليه، لأنه أمارة ظهورها. اه. (قوله: صلى عليه) أي زيادة على ما مر من الغسل والتكفين والدفن. (وقوله: وجوبا) أي لاحتمال حياته بهذه الأمارة الدالة عليها، وللاحتياط. (قوله: وأركانها إلخ) قد نظمها بعضهم في قوله: إذا رمت أركان الصلاة لميت * * فسبعة تأتي في النظام بلا امترا: فنيته، ثم القيام لقادر، * * وأربع تكبيرات، فاسمع وقررا وفاتحة، ثم الصلاة على النبي * * كذاك دعا للميت حقا كما ترى وسابعها التسليم يا خير سامع * * وذا نظم عبد الله يا عالم الورى هو ابن المناوي، وهو نجل لأحمد * * فيرجو الدعا ممن لذلك قد قرا (قوله: أحدها) أي السبعة. (قوله: نية كغيرها) أي كنية غير صلاة الجنازة، من الصلوات المفروضة، لا مطلقا لئلا شمل النفل المطلق، وهو يكفي فيه مطلق القصد للفعل فلا يصح التشبيه. (قوله: ومن ثم وجب الخ) أي ومن أجل أن نيتها كغيرها وجب فيها ما يجب في نية سائر الفروض. (قوله: من نحو اقترانها الخ) بيان لما يجب في نية سائر الفروض. واندرج تحت نحو القصد والتعيين. (والحاصل) شروط نية الفرض الثلاثة تشترط في نية صلاة الجنازة، وهي: القصد، والتعيين لصلاة الجنازة، ونية الفرضية. ويسن أيضا فيها ما يسن في غيرها: كالإضافة إلى الله تعالى، وذكر الاستقبال، والعدد. (قوله: وإن لم يقل فرض كفاية) غاية لمقدر مرتبط بالتعرض للفرضية، أي يكفي مطلق التعرض للفرضية، وإن لم يقل فرض كفاية. كما يكفي نية الفرض في إحدى الخمس، وإن لم يقل فرض عين. وقيل: يشترط نية فرض الكفاية، تعرضا لكمال وصفها. (قوله: ولا يجب تعيين الميت) أي مطلقا، غائبا أو حاضرا، فإن عين الميت وأخطأ كأن صلى على زيد، أو على الكبير، أو الذكر من أولاده، فبان عمرا، أو الصغير أو الأنثى، بطلت صلاته، هذا إن لم يشر، فإن أشار إليه صحت صلاته تغليبا للإشارة، ويلغو تعيينه. (قوله: بل الواجب أدنى مميز) أي بل الواجب في تعيينه أن يميز عن غيره بأدنى مميز. (قوله: فيكفي الخ) تفريع على أدنى مميز. (قوله: على هذا الميت) أي أو على من صلى عليه الإمام، أو على من حضر من أموات المسلمين. (قوله: قال جمع يجب تعيين الميت إلخ) ووجهه الأصبحي بأنه لا بد في كل يوم من الموت في أقطار الأرض وهم غائبون فلا بد من تعيين الذي يصلي عليه منهم. ورده في التحفة فقال: واستثناء جمع الغائب فلا بد من تعيينه بالقلب. أي باسمه ونسبه، وإلا كان استثناؤهم فاسدا يرده تصريح البغوي الذي جزم به الأنوار وغيره، بأنه يكفي فيه أن يقول: على من صلى عليه الإمام، وإن لم يعرفه. ويؤيده - بل يصرح به - قول جمع، واعتمده في المجموع، وتبعه أكثر المتأخرين، بأنه لو صلى على من مات اليوم في أقطار الأرض ممن تصح الصلاة عليه، جاز، بل ندب. قال في المجموع: لأن معرفة أعيان الموتى وعددهم ليست شرطا،

تكبيرات) مع تكبيرة التحرم - للاتباع، فإن خمس، لم تبطل صلاته. ويسن رفع يديه في التكبيرات حذو منكبيه، ووضعهما تحت صدره بين كل تكبيرتين. (و) رابعها: (فاتحة)، فبدلها، فوقوق بقدرها. والمعتمد أنها تجزئ بعد غير الاولى - خلافا للحاوي، كالمحرر - وإن لزم عليه جمع ركنين في تكبيرة وخلو الاولى عن ذكر. ويسن ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن ثم عبر الزركشي بقوله: وإن لم يعرف عددهم، ولا أشخاصهم، ولا أسماءهم. فالوجه أنه لا فرق بينه وبين الحاضر. (وقوله: بنحو اسمه) يفيد أنه يكفي التعيين باسمه فقط، أو نسبه فقط. وصريح عبارة التحفة المارة آنفا يقضي أنه يجمع بينهما. (قوله: وثانيها) أي السبعة الأركان. (قوله: قيام) إنما وجب فيها لأنها فرض كالخمس، وإلحاقها بالنفل في التيمم لا يلزم منه ذلك هنا، لأن القيام هو المقوم لصورتها، ففي عدمه محو لصورتها بالكلية. (قوله: لقادر عليه) أي على القيام. وفي المغني: وقيل: يجوز القعود مع القدرة - كالنوافل - لأنها ليست من الفرائض الأعيان. وقيل: إن تعينت وجب القيام، وإلا فلا. اه. (قوله: فالعاجز الخ) محترز قوله لقادر عليه. (وقوله: يقعد) أي إن قدر على القعود. (وقوله: ثم يضطجع) أي إن لم يقدر على القعود والاضطجاع يكون على جنبه الأيمن، ثم الأيسر، فإن عجز عن الاضطجاع استلقى على ظهره، فإن عجز أومأ برأسه إلى الأركان، فإن عجز أجرى الأركان على قلبه، كما مر في مبحث القيام في باب الصلاة. (قوله: وثالثها) أي السبعة الأركان. (قوله: مع تكبيرة التحرم) أي فهي أحد الأربع. (قوله: للاتباع) هو ما رواه الشيخان عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر بعدما دفن، فكبر عليه أربعا. (قوله: فإن خمس) أي أتى بخمس تكبيرات. وعبارة التحفة مع الأصل: فإن خمس أو سدس مثلا عمدا ولم يعتقد البطلان، لم تبطل صلاته في الأصح، وإن نوى بتكبيرة الركنية، وذلك لثبوته في صحيح مسلم، ولأنه ذكر وزيادته ولو ركنا لا تضر، كتكرير الفاتحة بقصد الركنية. اه. ولو خمس مثلا إمامه يندب للمأموم أن لا يتابعه، لأن ما فعله غير مشروع عند من يعتد به، بل يسلم، أو ينتظره ليسلم معه، وهو الأفضل، لتأكد المتابعة. وفي ع ش ما نصه: لو زاد الإمام وكان المأموم مسبوقا فأتى بالأذكار الواجبة في التكبيرات الزائدة، كأن أدرك الإمام بعد الخامسة فقرأ، ثم لما كبر الإمام السادسة كبرها معه وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم لما كبر السابعة كبرها معه ثم دعا للميت، ثم لما كبر الثامنة كبرها معه وسلم معه، هل يحسب له ذلك وتصح صلاته، سواء علم أنها زائدة أو جهل ذلك، ويفرق بينها وبين بقية الصلوات حيث تحسب الركعة الزائدة للمسبوق إذا أدرك القراءة فيها وكان جاهلا، بخلاف ما إذا كان عالما بزيادتها بأن هذه الزيادة هنا جائزة للإمام مع علمه وتعمده، بخلافها هناك، أو يتقيد الجواز هنا بالجهل كما هناك؟ فيه نظر. فليحرر. ومال م ر للأول. فليحرر. اه. سم على منهج. (قوله: ويسن رفع يديه الخ) أي وإن اقتدى بمن لا يرى الرفع، كالحنفي فيما يظهر، لأن ما كان مسنونا عندنا لا يترك، للخروج من الخلاف وكذا لو اقتدى به الحنفي، أي للعلة المذكورة. فلو ترك الرفع كان خلاف الأولى، على ما هو الأصل في ترك السنة، إلا ما نصو فيه على الكراهة. اه. ع ش: (قوله: ووضعها الخ) أي ويسن وضع يديه تحت صدره كغيرها من الصلوات. (قوله: ورابعها) أي السبعة الأركان. (قوله: فاتحة) أي قراءتها، لخبر: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. ولخبر البخاري: أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قرأ بها في صلاة الجنازة، وقال: لتعلموا أنها سنة - أي طريقة شرعية - وهي واجبة. (قوله: فبدلها) أي فإن عجز عن الفاتحة قرأ بدلها من القرآن، ثم الذكر. (قوله: فوقوف بقدرها) أي فإن عجز عن البدل وقف بقدر الفاتحة. قال سم: أنظر هل يجري نظير ذلك في الدعاء للميت، حتى إذا لم يحسنه وجب بدله، فالوقوف بقدره، وعلى هذا فالمراد ببدله قراءة أو ذكر من غير ترتيب بينهما أو معية؟ فيه نظر، والمتجه الجريان. اه. وقال ع ش: والمراد بالدعاء المعجوز عنه ما يصدق عليه اسم الدعاء، ومنه: اللهم اغفر له أو ارحمه، فحيث قدر على ذلك أتى به. اه. (قوله: والمعتمد أنها) أي الفاتحة. (وقوله: تجزئ بعد غير الأولى) أي بعد غير التكبيرة الأولى من الثانية وما بعدها. قال سم: فيه أمران: الأول: أنه شامل لما إذا أتى بها بعد الرابعة أو بعد زيادة تكبيرات كثيرة، وهو ظاهر الثاني: أنه لا فرق في أجزائها بعد غير الأولى بين المسبوق والموافق، فللمسبوق الذي لم يدرك إلا ما يسع بعضها، سواء شرع فيه أو لا، تأخيرها لما بعد الأولى، ويحتمل

إسرار بغير التكبيرات، والسلام، وتعوذ، وترك افتتاح، وسورة، إلا على غائب أو قبر. (و) خامسها: (صلاة على النبي) (ص) (بعد تكبيرة ثانية) أي عقبها، فلا تجزئ في غيرها. ويندب ضم السلام للصلاة، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقبها، والحمد قبلها. (و) سادسها: (دعاء لميت) بخصوصه ولو طفلا، بنحو: اللهم اغفر له وارحمه، (بعد ثالثة)، فلا يجزئ بعد غيرها قطعا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه لا يجب إلا قدر ما أدركه لأنه الذي خوطب به أصالة ولعل هذا أوجه. ولكن إذا أخرها يتجه أن تجب بكمالها، لأنها في غير محلها لا تكون إلا كاملة، بخلاف ما لو أراد فعلها في محلها فكبر الإمام الثانية قبل أن يأتي بقدر ما أدركه. لا يلزمه زيادة عليه، كما لو ركع إمام بقية الصلوات لا يلزم المسبوق إلا قدر ما أدركه. اه. (قوله: خلافا للحاوي) اسم كتاب للماوردي. (قوله: كالمحرر) هو للرافعي، وهو أصل المنهاج. (قوله: وإن لزم عليه الخ) غاية في الاجزاء أي تجزئ القراءة بعد غير التكبيرة الأولى، وإن لزم على إجزائها بعده جمع ركنين، الفاتحة ونحو الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في تكبيرة واحدة. (قوله: وخلو الأولى عن ذكر) أي ولزم عليه خلو التكبيرة الأولى عن ذكر، أي قراءة. (قوله: ويسن إسرار) أي ولو ليلا، لما صح عن أبي أمامة أنه من السنة. (قوله: بغير التكبيرات والسلام) أي من الفاتحة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والدعاء للميت. (قوله: وتعوذ) بالرفع، معطوف على إسرار. أي ويسن تعوذ، لكونه سنة للقراءة فاستحب، كالتأمين. ويسر به قياسا على سائر الصلوات. (قوله: وترك افتتاح وسورة) أي ويسن تركهما لطولهما. وفي البجيرمي: ينبغي أن المأموم إذا فرغ من الفاتحة قبل إمامه تسن له السورة لأنها أولى من وقوفه ساكنا، قاله فى الإيعاب. قال الشيخ: أي ومن الدعاء للميت، إذ الأولى ليست محل طلب الدعاء له. تأمل. اه. (قوله: إلا على غائب أو قبر) أي إلا في الصلاة على ميت غائب عن البلد أو ميت في قبر فيأتي بهما فيها، لانتفاء المعنى الذي شرع له التخفيف، وهو خوف نحو التغير. والمعتمد عند الجمال الرملي - تبعا لوالده والخطيب - عدم الاستثناء، فلا يسن الإتيان بهما مطلقا عندهما. واضطرب كلام ابن حجر في التحفة، ففي هذا الباب ذكر الاستثناء المذكور، وفي باب الصلاة لم يذكر، بل صرح بالتعميم، وعبارته هناك مع الأصل: ويسن - وقيل يجب بعدم التحرم بفرض أو نفل ما عدا صلاة الجنازة، ولو على غائب أو قبر، على الأوجه - دعاء الافتتاح. اه. (قوله: وخامسها) أي السبعة الأركان. (قوله: صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -) وذلك لفعل السلف والخلف، ولقوله عليه الصلاة والسلام: لا صلاة لمن لم يصل علي فيها، ولأنه أرجى للإجابة. (قوله: بعد تكبيرة ثانية) متعلق بمحذوف صفة لصلاة. (قوله: أي عقبها) أفاد به أن المراد بالبعدية: العقبية. (قوله: فلا تجزئ) أي الصلاة في غير الثانية، بل تتعين، لما مر فيها، وإنما لم تتعيبن الفاتحة في الأولى وتعينت الصلاة في الثانية والدعاء في الثالثة، لأن القصد بالصلاة الشفاعة والدعاء للميت، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيلة لقبوله، ومن ثم: سن، الحمد قبلها - كما يأتي - فتعين محلهما الواردان فيه عن السلف والخلف إشعارا بذلك، بخلاف الفاتحة فلم يتعين لها محل، بل يجوز خلو الأولى عنها وانضمامها إلى واحدة من الثلاث إشعارا أيضا بأن القراءة دخيلة في هذه الصلاة، ومن ثم لم تسن فيها لسورة، أفاده في التحفة: (قوله: ويندب ضم السلام الخ) عبارة التحفة مع الأصل: والصحيح أن الصلاة على الآل لا تجب كغيرها، بل أولى، لبنائها على التخفيف. نعم تسن، وظاهر أن كيفية صلاة التشهد السابقة أفضل هنا أيضا، وأنه يندب ضم السلام للصلاة - كما أفهمه قولهم. ثم إنما لم يحتج إليه لتقدمه في التشهد، وهنا لم يتقدم، فليسن خروجا من الكراهة. ويفارق السورة بأنه لا حد لكمالها، فلو ندبت لأدت إلى ترك المبادرة المتأكدة، بخلاف هذا. اه. وقوله: ثم أي في مبحث الصلاة على الآل في أركان الصلاة. وقوله لتقدمه: أي السلام. وقوله: في التشهد: أي في قوله السلام عليك أيها النبي. (قوله: والدعاء) بالرفع معطوف على ضم أي ويندب الدعاء لمن ذكر. (وقوله: عقبها) أي الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، (وقوله: والحمد قبلها) بالرفع أيضا. عطف على ضم. أي ويندب الحمد قبل الصلاة. (قوله: وسادسها) أي السبعة الأركان. (قوله: دعاء لميت) أي لأنه المقصود الأعظم من الصلاة، وما قبله مقدمة له. ويكفي في الدعاء ما ينطلق عليه الاسم، ولا بد أن يكون بأخروي، كاللهم اغفر له، أو اللهم ارحمه، أو اللهم الطف

ويسن أن يكثر من الدعاء له، ومأثوره أفضل، وأولاه ما رواه مسلم عنه (ص) وهو: اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر وفتنته ومن عذاب النار. ويزيد عليه، ندبا: اللهم اغفر لحينا وميتنا إلى آخره. ويقول ـــــــــــــــــــــــــــــ به. فلا يكفي الدعاء بدنيوي، إلا أن يؤل إلى أخروي: كاللهم اقض دينه. (قوله: بخصوصه) أي الميت، لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء. فلا يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، وإن كان يندرج فيهم، وقيل: يكفي ويندرج فيهم. وقيل: لا يجب الدعاء مطلقا. (قوله: ولو طفلا) أي فإنه لا يدعى له بخصوصه. قال في التحفة: لأنه وإن قطع له بالجنة تزيد مرتبته فيها بالدعاء له - كالأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -. ثم رأيت الأذرعي قال: يستثنى غير المكلف، فالأشبه عدم الدعاء له. وهو عجيب منه ثم رأيت الغزي نقله عنه وتعقبه بأنه باطل، وهو كما قال. اه. وكتب البجيرمي: قوله باطل إن حمل على إخلاء التكبيرة الثالثة من الدعاء له أو لوالديه فهو باطل، لأن الصلاة تبطل بذلك. وإن حمل على أنه لا يتعين الدعاء للصغير، بل يجوز أن يدعى له أو لوالديه، فليس بباطل. اه. (قوله: بعد ثالثة) متعلق بدعاء، أي الدعاء يكون بعد التكبيرة الثالثة. (قوله: فلا يجزئ) أي الدعاء. (وقوله: بعد غيرها) أي الثالثة. (وقوله: قطعا) أي بلا خلاف. قال في المجموع: وليس لتخصيص ذلك إلا مجرد الاتباع. اه. (قوله: ويسن أن يكثر من الدعاء له) أي للميت. ومحله حيث لم يخش تغير الميت، وإلا وجب الاقتصار على الواجب. (قوله: ومأثوره) أي الدعاء، أي الوارد منه. (وقوله: أفضل) أي من غير المأثور. (وقوله: وأولاه) أي المأثور. (قوله: وهو) أي ما رواه مسلم. (قوله: اللهم اغفر له) (واعلم) أن الدعاء بالمغفرة لا يستلزم وجود ذنب، بل قد يكون بزيادة درجات القرب، كما يشير إليه استغفاره - صلى الله عليه وسلم - في اليوم والليلة مائة مرة. اه. ابن حجر. (قوله: واعف عنه) أي ما صدر منه. (فإن قلت): ما الفرق بين العفو والمغفرة؟ (فالجواب) أن بين مفهوميهما بحسب الوضع عموما وخصوصا، فإن المغفرة من الغفر، وهو الستر. والعفو المحو، ولا يلزم من الستر المحو، وعكسه. كأن يحاسبه بذنب على رؤس الأشهاد، ثم يعفو عنه، أو يستره، ويجازيه عليه. أما بالنظر لكرم الله فهو إذا ستر عفا. فبينهما عموم وخصوص مطلق. اه. بجيرمي. (وقوله: عافه) أي اعطه من النعم ما يصير به كالصحيح في الدنيا. (وقوله: وأكرم نزله) أي أعظم ما يهيأ له في الآخرة من النعيم. وفي المختار: والنزل بوزن القفل. ما يهيأ للنزيل. والجمع: الأنزال. اه. وفي المصباح: والنزل، بضمتين: طعام النزيل الذي يهيأ له. وفي التنزيل: هذا نزلهم يوم الدين اه ع ش. (قوله: ووسع مدخله) مصدر ميمي بمعنى المكان، أي قبره، ويوسع له بقدر مد البصر إن لم يكن غريبا، وإلا فمن محل دفنه إلى وطنه. والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. (قوله: واغسله) أي الميت. (قوله: والثلج والبرد) ذكرهما تأكيدا ومبالغة في الطهارة لانهما ما أن مقطوران على أصل خلقتهما لم يستعملا ولم تنلهما الأيدي، ولا خاضتهما الأرجل، كسائر المياه التي خالطها التراب، وجرت في الأنهار، وجمعت في الحياض. (قوله: ونقه) أي طهره. وهذه الجملة كالتفسير لما قبلها، إذ المراد من غسله بالماء تطهيره من الخطايا والذنوب. (قوله: وأبدله دارا خيرا من داره) وهي الجنة. قال تعالى: * (وللدار الآخرة خير للذين يتقون) * وقال تعالى: * (والآخرة خير وأبقى) *. (وقوله: وأهلا إلخ) سيذكر المراد بإبدال من ذكر. (قوله: وأعذه من عذاب القبر) أي احفظه وآمنه منه. (قوله: وفتنته) أي القبر. وهي في الأصل الامتحان والاختبار، والمراد بها هنا سؤال الملكين الفتانين. والحفظ منها يكون بإعانته على التثبيت في الجواب. (قوله: ويز يد عليه) أي على الدعاء المار. ومحله حيث لم يخش تغير الميت بالإتيان به، وإلا اقتصر على الأول. (قوله: اللهم اغفر لحينا وميتنا إلخ) أي وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا. اللهم من أحييته منا

في الطفل مع هذا: اللهم اجعله فرطا لابويه، وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتنهما بعده، ولا تحرمهما أجره. قال شيخنا: وليس قوله: اللهم اجعله فرطا - إلى آخره - مغنيا عن الدعاء له، لانه دعاء باللازم، وهو لا يكفي، لانه إذا لم يكف الدعاء له بالعموم الشامل كل ـــــــــــــــــــــــــــــ فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان. اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده. (قوله: ويقول في الطفل) أي الذي أبواه مسلمان. (وقوله: مع هذا) أي الثاني، وهو: اللهم اغفر لحينا وميتنا إلخ. وظاهر صنيعه يقتضي أنه لا يأتي بالأول - أعني اللهم اغفر له وارحمه - وحينئذ يعارضه قوله أولا دعاء لميت بخصوصه ولو طفلا مع قوله الآتي قال شيخنا الخ، فإنهما صريحان في أنه لا يكفي ذلك. ويمكن أن يقال أن المراد بقوله مع هذا، أي زيادة على الدعاء له بخصوصه. كأن يقول قبيل قوله اللهم اجعله فرطا إلخ: اللهم اغفر له وارحمه. وهذا كله بناء على ما جرى عليه المؤلف تبعا لشيخه ابن حجر. أما على ما جرى عليه الخطيب والرملي فيكفي: اللهم اجعله فرطا الخ. ولا يشترط عندهما الدعاء له بخصوصه صراحة. فتنبه. (قوله: فرطا لأبويه) أي سابقا مهيئا لمصالحهما في الآخرة، ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: أنا فرطكم على الحوض وسواء مات في حياتهما، أم بعدهما، أم بينهما. اه. تحفة. (قوله: وسلفا وذخرا) أي سابقا عليهما مذخرا لهما. فشبه تقدمه لهما بشئ نفيس يكون أمامهما مذخرا إلى وقت حاجتهما له بشفاعته لهما - كما صح ذلك. (فائدة) يقرأ الذخر هنا بالذال المعجمة، لأن الأفصح أن ما كان مؤخرا في الآخرة يقرأ بالذال المعجمة، وما كان في الدنيا يقرأ بالدال المهملة. ومن الثاني قوله تعالى: * (وما تدخرون في بيوتكم) * ومن الأول قول الشاعر: وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد * * ذخرا يكون كصالح الأعمال (قوله: وعظة واعتبارا) أي واعظا ومعتبرا يتعظان ويعتبران به حتى يحملهما ذلك على صالح الأعمال. (قوله: وثقل به) أي بالطفل. والمراد بثواب الصبر على فقده أو الرضا عليه. (قوله: وأفرغ الصبر على قلوبهما) أي أبويه. وهذا كاللذين قبله لا يتأتى إلا في الحيين. وقد ورد في الصبر بموت الولد فضل كثير. منه ما ذكره ابن حبان في صحيحه: إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد والاسترجاع. وورد: لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم. أي * (وإن منكم إلا واردها) * الآية. والمختار أنه المرور على الصراط. وقد ورد أن الولد يشفع لأبويه، ويوجه بأنه لما لم يكن عليه ذنب أشبه العلماء والشهداء، فإن لهم حظا في الشفاعة، فليكن هذا أولى. لكن صح: كل غلام مرتهن بعقيقته. الحديث. وفسره أحمد وغيره بأن من لم يعق عليه لم يشفع لوالديه. واستحسنه الخطابي فقال: لمن يرجو شفاعة ولده أن يعق عنه ولو بعد موته. اه. ملخصا. من شرح العباب. اه. بيجرمي. (قوله: ولا تفتنهما بعده، ولا تحرمهما أجرة) قال في التحفة: وإتيان هذا في الميتين صحيح، إذ الفتنة يكنى بها عن العذاب. وذلك لورود الأمر بالدعاء لأبويه بالعافية والرحمة، ولا يضر ضعف سنده، لأنه في الفضائل. اه. وقوله: إذ الفتنة يكنى بها عن العذاب. قال سم: لينظر حينئذ معنى بعده. اه. (قوله: مغنيا عن الدعاء له) أي للطفل. (قوله: لأنه) أي قوله: اللهم اجعله فرطا إلخ. (قوله: دعاء باللازم) أي دعاء للطفل باللازم. وذلك لأنه يلزم من الدعاء بجعله فرطا إلخ، أي سابقا مهيئا لمصالحهما الدعاء بأن الله يرفع قدر هذا الطفل ويشرفه ويرحمه، وذلك لأنه لا يكون الطفل كذلك إلا إن كان شريفا عند الله، عظيم القدر. (قوله: وهو لا يكفي) أي الدعاء باللازم، لا بالصراحة، لا يغني عن

فرد، فأولى هذا. ويؤنث الضمائر في الانثى، ويجوز تذكيرها بإرادة الميت أو الشخص، ويقول في ولد الزنا: اللهم اجعله فرطا لامه. والمراد بالابدال في الاهل والزوجة، إبدال الاوصاف لا الذوات، لقوله تعالى: * (ألحقنا بهم ذريتهم) * ولخبر الطبراني وغيره: إن نساء الجنة من نساء الدنيا أفضل من الحور العين. انتهى. (و) سابعها: (سلام) كغيرها (بعد رابعة)، ولا يجب في هذه ذكر غير السلام، لكن يسن: اللهم لا تحرمنا أجره ـــــــــــــــــــــــــــــ الدعاء له بالخصوص. وخالف م ر فقال: يكفي الطفل هذا الدعاء، ولا يعارضه قولهم لا بد من الدعاء للميت بخصوصه - كما مر - لثبوت هذا بالنص بخصوصه. اه. ومثله الخطيب. (قوله: لأنه الخ) علة لعدم الإكتفاء بالدعاء باللازم. (قوله: إذا لم يكف الدعاء له) أي للطفل. (وقوله: بالعموم) أي كقوله اللهم اغفر لحينا وميتنا، أو كقوله اللهم اغفر لجميع أموات المسلمين. (وقوله: الشامل كل فرد) أي الصادق بالطفل وغيره. (قوله: فأولى هذا) أي عدم الاكتفاء بالدعاء باللازم. قال سم: قد تمنع الأولوية، بل المساواة، لأن العموم لم يتعين لتناوله، لاحتمال التخصيص، بخلاف هذا. فليتأمل. ولا يخفى أن قول المصنف الآتي: ويقول في الطفل مع هذا الثاني. الخ إن لم يكن صريحا، كان ظاهرا في الاكتفاء بذلك. فتأمله. اه. (قوله: ويؤنث الضمائر في الأنثى) كأن يقول: اللهم اغفر لها وارحمها إلخ، اللهم اجعلها فرطا لأبويها. إلخ. (قوله: ويجوز تذكيرها) أي الضمائر في الأنثى. (وقوله: بإرادة الميت أو الشخص) يعني أنه إذا ذكر الضمير وكان الميت أنثى، جاز ذلك بتأويلها بالشخص أو بالميت. أي اللهم اغفر له، أي هذا الميت، أو الشخص، أي أو الحاضر. (قوله: ويقول في ولد الزنا الخ) أي لأنه لا ينسب إلى أب، وإنما ينسب إلى أمه. (قوله: والمراد بالإبدال الخ) أي في قوله وأبدله. وعبارة التحفة: وظاهر أن المراد بالإبدال في الأهل والزوجة، إبدال الأوصاف لا الذوات، لقوله تعالى: * (ألحقنا بهم ذرياتهم) * (1) ولخبر الطبراني وغيره: إن نساء الجنة من نساء الدنيا أفضل من الحور العين. ثم رأيت شيخنا، قال: وقوله وزوجا خيرا من زوجة: لمن لا زوجة له - يصدق بتقديرها له أن لو كانت له. وكذا في المزوجة، إذ قيل إنها لزوجها في الدنيا يراد بإبدالها زوجا خيرا من زوجها ما يعم إبدال الذوات وإبدال الصفات. اه. وإرادة إبدال الذات مع فرض إنها لزوجها في الدنيا فيه نظر. وكذا قوله إذ قيل كيف وقد صح الخبر به. وهو: أن المرأة لآخر أزواجها روته أم الدرداء لمعاوية لما خطبها بعد موت أبي الدرداء. ويؤخذ منه أنه فيمن مات وهي في عصمته ولم تتزوج بعده، فإن لم تكن في عصمة أحدهم عند موته احتمل القول بأنها تخير، وأنها للثاني. ولو مات أحدهم وهي في عصمته، ثم تزوجت وطلقت ثم ماتت، فهل هي للأول أو الثاني؟ ظاهر الحديث أنها للثاني. وقضية المدرك أنها للأول، وأن الحديث محمول على ما إذا مات الآخر وهي في عصمته. وفي حديث رواه جمع لكنه ضعيف: المرأة منا ربما يكون لها زوجان في الدنيا فتموت ويموتان ويدخلان الجنة، لأيهما هي؟ قال: لأحسنهما خلقا كان عندها في الدنيا. اه. وكتب السيد عمر البصري ما نصه: قوله وظاهر أن المراد بالإبدال إلخ: قد يقال ما يأتي في إلحاق الذرية والزوجة إنما هو في الجنة، والغرض الآن الدعاء له بما يزيل الوحشة عنه عقب الموت في عالم البرزخ بالتمتع بنحو الحور ومصاحبة الملك، كما ورد ثبوت ذلك للأخبار. فلا مانع أن يراد بالإبدال الإبدال في الذوات فقط، ويحمل على ما تقرر فيها وفي الصفات، فيشمل ما في الجنة أيضا. فليتأمل. اه. (قوله: وسابعها) أي السبعة. الأركان. (قوله: سلام كغيرها) أي كسلام غير صلاة الجنازة من الصلوات في الكيفية، كالالتفات في التسليمة الأولى على يمينه، وفي الثانية على اليسار. وفي العدد، ككونه تسليمتين. (قوله: بعد

_ (1) الطور: 21.

- أي أجر الصلاة عليه، أو أجر المصيبة - ولا تفتنا بعده - أي بارتكاب المعاصي - واغفر لنا وله. ولو تخلف عن إمامه بلا عذر بتكبيرة حتى شرع إمامه في أخرى بطلت صلاته. ولو كبر إمامه تكبيرة أخرى قبل قراءة المسبوق الفاتحة تابعه في تكبيره، وسقطت القراءة عنه. وإذا سلم الامام تدارك المسبوق ما بقي عليه مع الاذكار. ويقدم في الامامة في صلاة الميت - ولو امرأة -: أب، أو نائبه، فأبوه، ثم ابن فابنه، ثم أخ لابوين فلاب، ثم ابنهما، ثم ـــــــــــــــــــــــــــــ رابعة) أي بعد التكبيرة الرابعة. والظرف متعلق بمحذوف صفة السلام. (قوله: ولا يجب في هذه) أي التكبيرة الرابعة، أي بعدها. (قوله: ذكر) فاعل يجب. (قوله: غير السلام) صفة لذكر. (قوله: لكن يسن الخ) إستدراك من نفي وجوب ذكر غيره الموهم عدم سنيته أيضا. (قوله: اللهم لا تحرمنا) بفتح التاء وضمها، من حرمه وأحرمه، والأولى أفصح. (قوله: أي أجر الصلاة عليه) أفاد به أن بين أجر وما أضيف إليه - وهو ضمير الميت - مضافا محذوفا ومتعلقة (قوله: واغفر لنا وله) أي ولو كان طفلا لأن المغفرة لا تستدعي سبق ذنب، ولا بأس بزيادة، وللمسلمين. (قوله: ولو تخلف) أي المقتدي. (قوله: بلا عذر) يفيد أن التخلف بتكبيرة مع العذر - كنسيان، وبطء قراءة، وعدم سماع تكبير، وجهل - يعذر به لا يبطل، بخلاف التخلف بتكبيرتين، ولا يتحقق التخلف بذلك إلا إذا شرع في الرابعة وهو في الأولى، فإنه يبطل، وهذا ما جرى عليه الجمال الرملي. وجرى شيخ المؤلف حجر على عدم البطلان مطلقا، قال: لأنه لو تخلف بجميع الركعات ناسيا لم يضر، فهذا أولى. وعبارته: أما إذا تخلف بعذر كنسيان، وبطء قراءة، وعدم سماع تكبير، وكذا جهل عذر به - فيما يظهر - فلا بطلان، فيراعي نظم صلاة نفسه. اه. (قوله: حتى شرع إمامه في أخرى) في تكبيرة أخرى، بأن شرع الإمام في الثالثة والمأموم في الأولى، أو شرع في الرابعة والمأموم في الثانية. وأفهم قوله في أخرى عدم بطلانها، فيما لو لم يكبر الرابعة حتى سلم الإمام. وهو كذلك عند م ر. وعبارة التحفة: وخرج بحتى كبر: ما لو تخلف بالرابعة حتى سلم. لكن قال البارزي: تبطل أيضا. وأقره الأسنوي وغيره لتصريح التعليل المذكور بأن الرابعة كركعة، ودعوى المهمات أن عدم وجوب ذكر فيها ينفي كونها كركعة ممنوعة الخ. اه. وقوله التعليل المذكور. هو ما سأصرح به قريبا. (وقوله: بطلت صلاته) جواب لو، وذلك لأن المتابعة لا تظهر في هذه الصلاة إلا بالتكبيرات، فيكون التخلف بها فاحشا، كالتخلف بركعة (قوله: ولو كبر إمامه) أي المسبوق. والأولى إظهاره هنا، وإضماره فيما بعد. (قوله: قبل قراءة المسبوق الفاتحة) أي كلها أو بعضها. (قوله: تابعه) أي تابع المسبوق الإمام. (وقوله: في تكبيره) أي في التكبير الذي تلبس به الإمام. (قوله: سقطت القراءة عنه) أي كلها أو بعضها أيضا. قال في التحفة: وهذا إنما يأتي على تعين الفاتحة عقب الأولى، كذا قيل. وقد يقال: بل يأتي على ما صححه المصنف أيضا، لأنها وإن لم تتعين لها هي منصرفة إليها، إلا أن يصرفها عنها بتأخيرها إلى غيرها، فجرى السقوط نظرا لذلك الأصل. اه. وفي سم: لو أحرم قاصدا تأخير الفاتحة إلى ما بعد الأولى، فكبر الإمام أخرى قبل مضي زمن يمكن فيه قراءة شئ من الفاتحة، فهل تسقط عنه الفاتحة لأنه مسبوق حقيقة ولا اعتبار بقصده تأخيرها بعد عدم تمكنه من شئ منها؟ أو لا، لأن قصد تأخيرها، صرفها عن هذا المحل؟ فيه نظر. وكذا يقال: لو تمكن بعد إحرامه من قراءة بعضها فقط، فهل يؤثر قصد تأخيرها سواء قرأ ما تمكن منه أو لا؟ أو كيف الحال؟ فيه نظر. فليتأمل فيه، فإنه لا يبعد السقوط في الأولى، ولا اعتبار بقصده المذكور. وكذا في الثانية حيث قرأ ما تمكن. اه. (قوله: وإذا سلم الإمام تدارك المسبوق) قال البجيرمي: المراد به من لم يوافق الإمام من أول الصلاة. اه. (وقوله: ما بقي عليه) أي من التكبيرات. (وقوله: مع الأذكار) أي أذكار تلك التكبيرات، وجوبا في الواجب، وندبا في المندوب. وفي قول: لا تشترط الأذكار، فيأتي بها نسقا، لأن الجنازة ترفع حينئذ. قال في التحفة: وجوابه - أي التعليل - أنه يسن إبقاؤها حتى يتم المقتدون، وأنه لا يضر رفعها والمشي بها. قبل إحرام المصلى وبعده، وإن حولت عن القبلة، ما لم يزد ما بينهما على ثلثمائة ذراع، أو يحل بينهما حائل مضر في غير المسجد. اه. (قوله: ويقدم في الإمامة) لما أنهى الكلام على أركان الصلاة شرع يتكلم على من هو الأولى والأحق بالإمامة من الأقارب. (قوله: ولو امرأة) أي ولو كان الميت امرأة. (قوله: أب الخ) (واعلم) أن من ذكر يقدم على غيره، ولو السلطان أو إمام

العم كذلك، ثم سائر العصبات، ثم معتق، ثم ذو رحم، ثم زوج (وشرط لها) أي للصلاة على الميت - مع شروط سائر الصلوات - (تقدم طهره) - أي الميت - بماء فتراب، فإن وقع بحفرة أو بحر وتعذر إخراجه وطهره لم ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد، ولو أوصى الميت بتقديمه، وذلك لأنها حقه. وما ورد من أن أبا بكر وصى أن يصلي عليه عمر فصلى، وأن عمر وصى أن يصلي عليه صهيب فصلى، وأن عائشة وصت أن يصلي عليها أبو هريرة فصلى، وأن ابن مسعود وصى أن يصلي عليه الزبير فصلى. ووقع لجماعة من الصحابة ذلك، محمول على أن أولياءهم أجازوا الوصية، وهذا هو الجديد عندنا. أما القديم: فيقدم الوالي، ثم إمام المسجد، ثم الولي - كسائر الصلوات - وهو مذهب الأئمة الثلاثة. والفرق - على الجديد - أن المقصود من الصلاة على الجنازة هو الدعاء للميت، ودعاء القريب أقرب إلى الإجابة لتألمه وانكسار قلبه. ومحل الخلاف: إذا لم يخش الفتنة من الوالي، وإلا قدم قطعا. ولو غاب الولي الأقرب قدم الولي الأبعد، سواء كانت غيبته قريبة أو بعيدة. (قوله: أو نائبه) أي نائب الأب، فيقدم على غيره من الأقارب، وكذلك نائب كل ممن بعد الأب يقدم على غيره ممن له الاستحقاق. (قوله: فأبوه) أي الأب، أي فإن فقد الأب ونائبه، قدم أبو الأب، أي وإن علا. (قوله: ثم ابن فابنه) أي فإن فقد ممن ذكر قدم ابن الميت، ثم ابنه وإن سفل. (قوله: ثم أخ لأبوين) أي ثم إذا فقد من ذكر يقدم الأخ الشقيق. (قوله: فلأب) أي فإذا فقد الأخ الشقيق قدم الأخ الأب، وأما الأخ للأم فهو هنا من ذوي الأرحام، فلا يقدم هنا على من بعد الأخ. (قوله: ثم ابنهما) أي ابن الأخ لأبوين، وابن الأخ لأب، ويقدم الأول على الثاني لأن كلا في مرتبة أبيه. (قوله: ثم العم كذلك) أي لأبوين أو لأب، ويقدم الأول على الثاني: (قوله: ثم سائر العصبات) أي من النسب، ويرتبن أيضا، فيقدم ابن العم لأبوين، ثم لأب، ثم عم الأب، ثم ابن عمه، ثم عم الجد، ثم ابن عمه. وهكذا. (قوله: ثم معتق) أي ذكر، لأن المرأة لا حق لها في الإمامة. وأسقط الشارح مرتبة قبل ذوي الأرحام، وهم عصبة المعتق. ويقدم منها عصبته النسبية، ثم معتق المعتق، ثم عصبته النسبية. وهكذا. (قوله: ثم ذو رحم) ويقدم الأقرب فالأقرب منه، فيقدم أبو الأم، فالخال، فالعم للأم. نعم، الأخ للأم يقدم على الخال ويتأخر عن أبي الأم. ويوجه بأنه وإن كان وارثا لكنه يدلي بالأم فقط، فقدم عليه من هو أقوى في الإدلاء بها، وهو أبو الأم. ولو اجتمع اثنان في درجة، كابنين، أو أخوين، أو ابني عم وليس أحدهما أخا لأم، وكل أهل للإمامة. فالأسن في الإسلام: العدل أولى من الأفقه، ونحوه، لأن القصد الدعاء، ودعاء الأسن أقرب للإجابة. وأسقط مرتبة السلطان، وفيها خلاف، فجرى ابن حجر والرملي والخطيب وغيرهم على أنها قبل ذوي الأرحام، لكن إن انتظم بيت المال. وجرى غيرهم على أنها بعد ذوي الأرحام. وفي سم ما نصه: ما ذكره من تقديم السلطان على ذوي الأرحام جزم به في الروض من زيادته. قال في شرحه وبه صرح الصيمري والمتولي. اه. وجزم بذلك في شرح المنهج. لكن ذكر الأذرعي في القوت أن تقديم السلطان على ذوي الأرحام طريقة المراوزة، وتبعهم الشيخان، وأن طريقة العراقيين عكسه. وذكر منهم الصيمري والمتولي. واختارها - أعني - الأذرعي. اه. (قوله: ثم زوج) أي فهو مقدم على الأجانب. وعبارة النهاية: وأشعر سكوت المصنف عن الزوج أنه لا مدخل له في الصلاة على المرأة، وهو كذلك، بخلاف الغسل والتكفين والدفن، ولا للمرأة أيضا. ومحل ذلك: إذا وجد مع الزوج غير الأجانب. ومع المرأة ذكر، وإلا فالزوج مقدم على الأجانب، والمرأة تصلي وتقدم بترتيب الذكر. اه. (قوله: وشرط لها) أي لصحتها. (قوله: مع شروط سائر الصلوات) أي مما يتأتى مجيئه هنا، كستر وطهارة واستقبال، بخلاف دخول الوقت، أي ومع شروط القدوة أيضا: من نية القدوة، وعدم تقدمه على الإمام في الموقف، وعدم حائل بينهما يمنع مرورا أو رؤية. قال في التحفة: وظاهر أنه يكره، ويسن كل ما مر لهما - أي للصلاة وللقدرة - مما يتأتى مجيئه هنا أيضا. نعم، بحث بعضهم إنه يسن هنا النظر للجنازة. وبعضهم النظر لمحل السجود. ولو فرض - أخذا من بحث البلقيني - ذلك في الأعمى والمصلي في ظلمة، وهذا هو الأوجه، وذلك لأنها صلاة. اه. (قوله: تقدم طهره) نائب فاعل شرط. وذلك لأنه المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أي ولأن الصلاة على الميت كصلاة نفسه. وقول ابن جرير - كالشعبي - تصح بلا طهارة رد بأنه خارق للإجماع. وكما يشترط تقدم طهره، يشترط أيضا تقدم طهر ما اتصل به، كصلاة الحي، فيضر نجاسة ببدنه أو كفنه أو برجل نعشه وهو مربوط به ولا يضر نجاسة القبر ونحو دم - من مقتول مثلا - لم ينقطع. (قوله:

يصل عليه - على المعتمد (وأن لا يتقدم) المصلى (عليه) - أي الميت -، إن كان حاضرا، ولو في قبر، أما الميت الغائب فلا يضر فيه كونه وراء المصلي. ويسن جعل صفوفهم ثلاثة فأكثر، للخبر الصحيح: من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب - أي غفر له - ولا يندب تأخيرها لزيادة المصلين، إلا لولي. واختار بعض ـــــــــــــــــــــــــــــ بماء) متعلق بطهر. (وقوله: فتراب) أي إن لم يجد الماء. قال سم: أنظر فاقد الطهورين. اه. (قوله: فإن وقع) أي الشخص الحي، وهو تفريع على اشتراط تقدم طهره. (قوله: بحفرة) أي فيها. (قوله: أو بحر) أي أو وقع في بحر. (قوله: وتعذر إخراجه) أي بعد أن مات في الحفرة أو البحر. (قوله: لم يصل عليه) أي لفوات الشرط. قال سم: ويؤخذ منه أنه لا يصلي على فاقد الطهورين الميت. (قوله: على المعتمد) مقابله يقول: لا وجه لترك الصلاة عليه، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، لما صح: وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، ولأن المقصود من هذه الصلاة الدعاء أو الشفاعة للميت. وجزم الدارمي وغيره أن من تعذر غسله صلي عليه. قال الدارمي: وإلا لزم أن من أحرق فصار رمادا، أو أكله سبع، لم يصل عليه، ولا أعلم أحدا من أصحابنا قال بذلك: وبسط الأذرعي الكلام في المسألة. والقلب إلى هذا أميل. لكن الذي تلقيناه عن مشايخنا ما في المتن. اه. مغني ببعض تصرف. (قوله: وأن لا يتقدم الخ) معطوف على تقدم طهره، أي وشرط عدم تقدم المصلي على الميت اتباعا لما جرى عليه الأولون، ولأن الميت كالإمام. وهذا هو المذهب. ومقابله يقول: يجوز تقدم المصلي على الميت، لأن الميت ليس بإمام متبوع حتى يتعين تقديمه، بل هو كعبد جاء معه جماعة ليستغفروا له عند مولاه. (قوله: وإن كان حاضرا) أي عند المصلي، لا في البلد، لما سيذكره من أنها لا تصح على ميت في البلد غائب عن مجلس المصلي. (قوله: ولو في قبر) أي ولو كان الميت الحاضر كائنا في قبر، فيشترط عدم تقدم المصلي عليه. وعبارة المنهاج مع المغني: ويشترط أن لا يتقدم على الجنازة الحاضرة إذا صلي عليها، وأن لا يتقدم على القبر إذا صلي عليه على المذهب فيهما. اه. (قوله: أما الميت الغائب) أي عن البلد. (قوله: فلا يضر فيه) أي الغائب عن البلد. (وقوله: كونه وراء المصلي) أي خلف ظهره. (قوله: ويسن جعل صفوفهم) أي المصلين على الميت. (وقوله: ثلاثة) قال في التحفة: أي حيث كان المصلون ستة فأكثر. قال ع ش: ومفهومه أن ما دون الستة لا يطلب منه ذلك، فلو حضر مع الإمام اثنان أو ثلاثة وقفوا خلفه. اه. وقال سم بعد كلام: فإن كانوا خمسة فقط، فهل يقف الزائد على الإمام - وهو الأربعة - صفين، لأنه أقرب إلى العدد الذي طلبه الشارع وهو الثلاثة الصفوف، ولأنهم يصيرون ثلاثة صفوف بالإمام؟ أو صفا واحدا لعدم ما طلبه الشارع من الصفوف الثلاثة؟ فيه نظر. والأول غير بعيد، بل هو وجيه. وفي البجيرمي: بقي ما لو كان الحاضرون ثلاثة فقط بالإمام. وينبغي أن يقف واحد خلف الإمام، والآخر وراء من هو خلف الإمام. ويحتمل أن يقف اثنان خلف الإمام، فيكون الإمام صفا، والاثنان صفا، وسقط الصف الثالث لتعذره. اه. وفي المغني ما نصه: وهنا - أي في صلاة الميت - فضيلة الصف الأول وفضيلة غيره سواء بخلاف بقية الصلوات. النص على كثرة الصفوف هنا. اه. (قوله: للخبر الصحيح الخ) دليل لسنية جعل الصفوف ثلاثة. (قوله: من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب) أي استحق المغفرة، والمراد: قد غفر له بالفعل، كما في رواية. قال في التحفة: والمقصود منع النقص عن الثلاثة لا الزيادة عليها. اه. (قوله: أي غفر له تفسير مراد لا وجب. (قوله: ولا يندب تأخيرها) أي الصلاة على الميت. (وقوله: لزيادة المصلين) أي كثرتهم، وذلك لخبر: أسرعوا بالجنازة. (وقوله: إلا لولي) أي إلا لأجل حضور ولي الميت ليصلي عليه، فإنه تؤخر الصلاة له، لكونه هو المستحق للإمامة. لكن محله إذا رجي حضوره عن قرب وأمن من التغير. قال في التحفة: وعبر في الروضة بلا بأس بذلك، أي بالتأخير له.

المحققين أنه إذا لم يخش تغيره، ينبغي انتظاره مائة أو أربعين رجي حضورهم قريبا، للحديث. وفي مسلم: ما من مسلم يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه ولو صلي عليه فحضر من لم يصل، ندب له الصلاة عليه، وتقع فرضا، فينويه، ويثاب ثوابه. والافضل له فعلها بعد الدفن، للاتباع. ولا يندب لمن صلاها - ولو منفردا - إعادتها مع جماعة. فإن أعادها وقعت نفلا. وقال بعضهم: الاعادة خلاف الاولى. (وتصح) الصلاة (على) ميت (غائب) عن بلد، بأن يكون الميت بمحل بعيد عن البلد بحيث لا ينسب ـــــــــــــــــــــــــــــ وقضيته أن التأخير له ليس بواجب. اه. (قوله: واختار بعض المحققين إلخ) مقابل لقوله: ولا يندب تأخيرها الخ. وعبارة التحفة مع الأصل: ولا تؤخر - أي ولا يندب التأخير - لزيادة مصلين - أي كثرتهم - وإن نازع فيه السبكي، واختار - وتبعه الأذرعي والزركشي وغيرهما - أنه إذا لم يخش تغيره: ينبغي انتظار مائة أو أربعين رجي حضورهم قريبا، للحديث. اه. وفي ع ش: جرت العادة الآن بأنهم لا يصلون على الميت بعد دفنه، فلا يبعد أن يقال: يسن انتظارهم، لما فيه من المصلحة للميت، حيث غلب على الظن أنهم لا يصلون على القبر، ويمكن حمل كلام الزركشي عليه. اه. (قوله: للحديث وفي مسلم الخ) صنيعه يقتضي أن المراد بالحديث غير الحديث الذي ذكره بعده. وصنيع التحفة يقتضي أنه هو، لأنه ذكر أولا ما في مسلم، ثم بعد ذلك أحال عليه وقال للحديث، يعني المتقدم ذكره. ولعل في العبارة سقطا من النساخ، وهو لفظ وهو ما، أو أن المراد بالحديث حديث آخر غير حديث مسلم. فلينظر. (قوله: ما من مسلم يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة الخ) قال في التحفة: وفيه - أي مسلم - مثل ذلك في الأربعين. اه. وعبارة المغني: وفي مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يؤخر الصلاة للأربعين. قيل: وحكمته: أنه لم يجتمع أربعون إلا كان لله فيهم ولي. وحكمة المائة كالأربعين - كما يؤخذ من الحديث المتقدم. اه. (قوله: ولو صلي عليه) أي على الميت. (قوله: فحضر من لم يصل) أي فحضر شخص لم يصل على الميت. (قوله: ندب له الصلاة عليه) أي يندب لمن حضر أن يصلي على الميت. (قوله: وتقع فرضا) أي وتقع صلاته فرضا، ولو على القبر، كمن صلى أولا. إذ ليس فعل بعضهم أولى بوصف الفرضية من بعض، وإن أسقط الأول الحرج. ولا يقال: كيف تقع صلاة الثاني فرضا، مع أنه لو تركها لم يأثم، لأنه قد يكون الشئ غير فرض، فإذا دخل فيه صار فرضا - كالحج ممن قد حج، وإحدى خصال كفارة اليمين -. وقولهم فرض الكفاية يسقط بفعل واحد: معناه يسقط الإثم به. ولو فعله غيره: وقع فرضا أيضا. (قوله: فينويه) أي الفرض. (قوله: ويثاب ثوابه) أي ويثاب كما يثاب على الفرض. (قوله: والأفضل له) أي لمن حضر. (قوله: فعلها) أي الصلاة. (وقوله: بعد الدفن) أي وبعد وجوب الصلاة عليه من الذين حضروا أولا، كما هو ظاهر. (قوله: للاتباع) وهو ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبور جماعة. ومعلوم أنهم إنما دفنوا بعد الصلاة عليهم. ومن هذا أخذ جمع أنه يسن تأخيرها عليه إلى بعد الدفن. اه. تحفة. (قوله: ولا يندب الخ) قال ع ش: فتكون مباحة. اه. (قوله: إعادتها مع جماعة) وبالأولى عدم ندب إعادتها منفردا. وإنما لم تندب إعادتها لأن المعاد نفل، وهذه لا يتنفل بها، لعدم ورود ذلك شرعا. وقيل: تندب له الإعادة، كغيرها. (قوله: فإن أعادها وقعت نفلا) أي ووجب لها نية الفرضية. قال في النهاية: وهذه خارجة عن القياس، إذ الصلاة لا تنعقد حيث لم تكن مطلوبة، ويوجه انعقادها بأن المقصود من الصلاة على الميت الشفاعة والدعاء، وقد لا تقبل الأولى وتقبل الثانية. اه. (وقوله: وقال بعضهم الخ) مقابل لما يفهم من التعبير بعدم الندب، وهو الإباحة - كما مر آنفا عن ع ش - وصنيعه يقتضي أن قول بعضهم المذكور ضعيف. وعبارة شرح الروض تفهم أنه معتمد، ونصها: قال في المهمات: وفي التعبير بقوله ولا تستحب إعادتها: قصور، فإن الإعادة خلاف الأولى. ولا يلزم من نفي الاستحباب أولوية الترك، لجواز التساوي. ولهذا عبر في المجموع بقوله لا يستحب له الإعادة، بل يستحب له تركها. اه. (قوله: وتصح الصلاة على ميت غائب) أي وإن قربت المسافة ولم يكن في جهة القبلة، خلافا لأبي حنيفة ومالك. قال الزركشي: لانه - صلى الله عليه وسلم - أخبر الناس وهو بالمدينة. بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه وهو بالحبشة، وصلى عليه هو وأصحابه. رواه الشيخان. وذلك في رجب سنة تسع. قال ابن القطان: لكنها

إليها عرفا، أخذا من قول الزركشي: إن خارج السور القريب منه كداخله. (لا) على غائب عن مجلسه (فيها) وإن كبرت. نعم، لو تعذر الحضور لها بنحو حبس أو مرض: جازت حينئذ - على الاوجه - (و) تصح على حاضر (مدفون) - ولو بعد بلائه (غير نبي) فلا تصح على قبر نبي، لخبر الشيخين. (من أهل فرضها وقت موته) ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تسقط الفرض عن الحاضرين. قال الزركشي: ووجهه أن فيه ازدراء وتهاونا بالميت، لكن الأقرب السقوط، لحصول الفرض. وظاهر أن محله - أي السقوط - إذا علم بها الحاضرون، ولا بد - في صحة الصلاة على الغائب - إن يعلم - أو يظن - أنه قد غسل، وإلا لم تصح. نعم: إن علق النية على غسله، بأن نوى الصلاة إن كان غسل، فينبغي أن تصح - كما هو أحد احتمالين للأذرعي. اه. مغني بزيادة. (قوله: عن بلد) ليس بقيد، على ما سننقله عن سم قريبا. (قوله: بأن يكون إلخ) تصوير لغيبته عن البلد. وقوله بحيث الخ: تصوير للبعيد عن البلد. أي أن البعيد مصور بأنه هو الذي لا ينسب إلى البلد عرفا، بأن يكون فوق حد القرب - كما يؤخذ من ضبط القرب الآتي. (قوله: أخذا من قول الزركشي الخ) قال في النهاية: وعبارته من كان خارج السور إن كان أهله يستعير بعضهم من بعض. لم تجز الصلاة على من هو داخل السور للخارج، ولا العكس. اه. (وقوله: القريب منه) أي السور. قال في التحفة: ويؤخذ من كلام الأسنوي ضبط القرب هنا بما يجب الطلب منه في التيمم. وهو متجه إن أريد به حد الغوث، لا القرب. اه. (قوله: لا على غائب عن مجلسه فيها) أي لا تصح الصلاة على ميت غائب عن مجلس من يريد الصلاة عليه، وهو حاضر في البلد، وإن كبرت البلد، لتيسر حضوره. وشبهوه بالقضاء على من بالبلد مع إمكان حضوره. وفي سم خلافه، ونص عبارته: المتجه أن المعتبر المشقة وعدمها. فحيث شق الحضور - ولو في البلد لكبرها ونحو - صحت، وحيث لا - ولو خارج السور - لم تصح. م ر. والأوجه في القرى المتقاربة جدرانها أنها كالقرية الواحدة. اه. (قوله: نعم، الخ) إستدراك من عدم صحة الصلاة على غائب عن المجلس في البلد. (قوله: جازت) أي الصلاة. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ تعذر الحضور لها. (وقوله: على الأوجه) أي عند الرملي. وفي التحفة خلافه، وعبارتها: فلا يصلى عليه وإن كبرت. وعذر: بنحو مرض، أو حبس، كما شمله إطلاقهم. اه. (قوله: وتصح على حاضر مدفون) أي بشرط أن لا يتقدم المصلي على القبر - كما مر -. قال ع ش: ويسقط بها الفرض على المعتمد. وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين المنبوشة وغيرها، وهو في المنبوشة مشكل، للعلم بنجاسة ما تحت الميت. فلعل المراد غير المنبوشة. اه. وذكر ق ل خلافه، حيث قال: نعم، لا يضر اتصال نجاسة به في القبر، لأنه كانفجاره، وهو لا يمنع صحة الصلاة عليه. اه. بجيرمي. (قوله: ولو بعد بلائه) غاية للصحة، وهي للرد على القائل بأنه يشترط بقاء شئ من الميت. ونظر فيه في التحفة بأن عجب الذنب لا يفنى، أي فبقاء شئ منه أمر ضروري. (قوله: فلا تصح على قبر نبي) أي لخبر: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. أي بصلاتهم إليها. قال البجيرمي: ودلالة هذا على المدعى إنما هي بطريق القياس، لأن اليهود والنصارى كانوا يصلون المكتوبة لقبور الأنبياء، والمدعى هنا صلاة الجنازة. فتقاس على المكتوبة التي ورد اللعن فيها. اه. ونظر في التحفة في دلالة الحديث على المدعى، ووجهه الكردي بأن الدليل في الصلاة إليه - كما فسروا به الحديث - والمدعى هو الصلاة عليه، أي بأن صلى عليه صلاة الجنازة. وفي قياس الصلاة عليه على الصلاة إليه نظر. إذ في الصلاة إليه التعظيم الذي لا يوجد في الصلاة عليه، بدليل أنه يصلى على الفسقة وغيرهم ممن يلاحظ فيه التعظيم. وأما المنع من الصلاة إليه، فهو خاص بالأنبياء. والتعليل المطابق للمدعى أنا لم نكن أهلا للفرض وقت موتهم. اه. ملخصا. وتقدم - في مبحث مكروهات الصلاة - أن الصلاة لقبر نبي محرمة، لكن بقصد التبرك أو الإعظام لذلك القبر. فلو لم يقصد ذلك، بل وافق في صلاته أن أمامه قبر نبي - كمن يصلي خلف قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأغاوات وغيرهم - فلا حرمة ولا كراهة. (قوله: لخبر الشيخين) ظاهره أنه دليل لعدم صحتها على قبر نبي. ويحتمل أنه دليل له وللأول أيضا الذي هو صحتها على قبر غير نبي. وذلك لأنه ثبت في الصحيحين الدليل لكل منهما، وهو في الثاني الخبر المار: لعن الله اليهود الخ، وفي

فلا تصح من كافر وحائض يومئذ، كمن بلغ أو أفاق بعد الموت، ولو قبل الغسل، كما اقتضاه كلام الشيخين. (وسقط الفرض) فيها (بذكر) ولو صبيا مميزا، ولو مع وجود بالغ، وإن لم يحفظ الفاتحة، ولا غيرها، بل وقف بقدرها، ولو مع وجود من يحفظها، لا بأنثى مع وجوده. وتجوز على جنائز صلاة واحدة، فينوي الصلاة عليهم ـــــــــــــــــــــــــــــ الاول أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر امرأة أو رجل كان يقم المسجد، لكن على هذا الاحتمال يراد من لفظ خبر، متعدد، وهو جائز، لأنه هنا منفرد مضاف فيعم. ولو قال لخبري الشيخين، لكان أولى. (قوله: من أهل فرضها وقت موته) متعلق بكل من قوله: تصح على ميت غائب، وقوله: تصح على حاضر مدفون. أي تصح الصلاة على الميت الغائب وعلى الحاضر المدفون، إن كان من يريد الصلاة من أهل أداء فرضها وقت الموت بأن يكون حينئذ مسلما مكلفا طاهرا، لأنه يؤدي فرضا خوطب به. اه. تحفة وفي سم ما نصه: عبارة المنهج وشرحه: وإنما تصح الصلاة على القبر والغائب عن البلد ممن كان من أهل فرضها وقت موته. اه. وتلخص منه أن صلاة الصبي المميز صحيحة مسقطة للفرض، ولو مع وجود الرجال في الميت الحاضر دون الغائب، والقبر وهو مشكل. فليحرر، فرق واضح. اه. (قوله: فلا تصح الخ) مفرع على مفهوم قوله من أهل فرضها وقت موته. أي فلا تصح صلاة من كان كافرا عند الموت ثم أسلم بعده، أو كانت حائضا عند الموت ثم طهرت بعده. (وقوله: يومئذ) أي يوم الموت. (قوله: كمن بلغ أو أفاق بعد الموت) الكاف للتنظير، أي كما لا تصح ممن كان صغيرا عند الموت ثم بلغ بعده، أو كان مجنونا عنده ثم أفاق من جنونه بعده. (وقوله: ولو قبل الغسل) غاية لعدم صحتها ممن أبلغ أو أفاق بعد الموت. أي لا تصح الصلاة ممن ذكر، ولو كان البلوغ أو الإفاقة قبل غسل الميت. وما جرى عليه المؤلف - من عدم الصحة بالنسبة لما إذا بلغ أو أفاق قبل الغسل - ضعيف. والمعتمد أنه تصح الصلاة في هذه الحالة. كما نص عليه في النهاية، وعبارتها: واعتبار الموت يقتضي أنه لو بلغ أو أفاق بعد الموت وقبل الغسل لم يعتبر ذلك، والصواب خلافه، لأنه لو لم يكن ثم غيره، لزمته الصلاة - اتفاقا - وكذا لو كان ثم غيره فترك الجميع فإنهم يأثمون. بل لو زال المانع بعد الغسل أو بعد الصلاة عليه وأدرك زمنا تمكن فيه الصلاة. كان كذلك. وحينئذ فينبغي الضبط بمن كان من أهل فرضها وقت الدفن لئلا يرد ما قيل. اه. ومثله في الأسنى والمغني. (قوله: كما اقتضاه) أي ما ذكر من عدم صحتها ممن ذكر ولو قبل الغسل. (قوله: وسقط الفرض فيها) أي صلاة الجنازة. (وقوله: بذكر) أي واحد. وإنما سقطت به لحصول الفرض بصلاته، ولأن الجماعة لا تشترط فيها فكذا العدد كغيرها. (وقوله: ولو صبيا مميزا) غاية في سقوط الفرض بالذكر، أي تسقط به ولو كان صبيا مميزا، لأنه من جنس الرجال، ولأنه يصلح أن يكون إماما لهم. وكون صلاة الصبي تقع نفلا لا يؤثر، لأنه قد يجزئ عن الفرض - كما لو بلغ فيها أو بعدها في الوقت - ولحصول المقصود بصلاته مع رجاء القبول فيها أكثر. قال البجيرمي: واعلم أن الصبي لا يكفي في أربعة من فروض الكفاية، وهي: رد السلام، والجماعة، وإحياء الكعبة بالحج، وإحياؤها بالعمرة. وما عدا ذلك يكفي فيه الصبي - كالجنازة، والجهاد، والأمر بالمعروف، وسائر فروض الكفاية - ولو مع وجود الكاملين. اه. (قوله: ولو مع وجود بالغ) غاية ثانية لسقوط الفرض، لكن بالصبي المميز. ولو حذف لفظ ولو - كما في التحفة - بأن قال ولو صبيا مميزا مع وجود بالغ، لكان أولى. (قوله: وإن لم يحفظ الفاتحة) غاية ثالثة لسقوط الفرض بالذكر أي يسقط الفرض به ولو لم يحفظ الفاتحة ولا بدلها. (وقوله: بل وقف يقدرها) أي الفاتحة. (قوله: ولو مع وجود من يحفظها) غاية في سقوط الفرض بمن لا يحفظها. أي يسقط الفرض به ولو مع وجود من يحفظها. فهي غاية للغاية الثالثة. قال ع ش: لو كان لا يحسن إلا الفاتحة فقط، بل الأولى أن يكررها أو لا؟ فيه نظر. والأقرب - بل المتعين - الأول، لقيامها مقام الأدعية. اه. (قوله: لا بأنثى مع وجوده) أي لا يسقط الفرض بأنثى - ومثلها الخنثى - مع وجود ذكر. أي ولو صبيا مميزا، وذلك لأنه أكمل منهما، ودعاؤه أقرب إلى الإجابة، ولأن في ذلك استهانة بالميت. قال في النهاية: والأوجه أن المراد بوجوده حضوره في محل الصلاة على الميت، لا وجوده مطلقا، ولا في دون مسافة القصر. لا يقال كيف لا يسقط بالمرأة وهناك صبي مميز، مع أنها المخاطبة به دونه؟ لأنا نقول قد يخاطب الشخص بشئ ويتوقف فعله على فعل شئ آخر، لا سيما

إجمالا. وحرم تأخيرها عن الدفن، بل يسقط الفرض بالصلاة على القبر. (وتحرم صلاة) على كافر، لحرمة الدعاء له بالمغفرة. قال تعالى: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) *. ومنهم أطفال الكفار، سواء أنطقوا بالشهادتين أم لا، فتحرم الصلاة عليهم. و (على شهيد) وهو بوزن فعيل، بمعنى مفعول، لانه مشهود له ـــــــــــــــــــــــــــــ فيما يسقط عنه الشئ بفعل غيره. اه. بحذف. وخرج بقوله مع وجوده، ما إذا لم يوجد ذكر، فإنها تجب عليها ويسقط الفرض بها. (قوله: وتجوز على جنائز صلاة واحدة) أي برضا أوليائهم - اتحدوا أو اختلفوا - وذلك لأن أم كلثوم بنت سيدنا على بن أبي طالب ماتت هي وولدها زيد بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - فصلي عليهما دفعة واحدة، وجعل الغلام مما يلي الإمام، وفي القول جماعة من كبار الصحابة رضي الله عنهم، فقالوا: هذا هو السنة. رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح، كما قاله البيهقي. وصلى ابن عمر رضي الله عنهما على تسع جنائز رجال ونساء، فجعل الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة. ولأن الغرض من الصلاة الدعاء والجمع فيه ممكن. وإذا حضرت الجنائز دفعة واحدة، واتحد نوعهم، وفضلهم، أقرع بين الأولياء - إن تنازعوا فيمن يقرب للإمام - وإلا قدم من قدموه. فإن اختلف النوع قدم إليه الرجل، فالصبي، فالخنثى، فالمرأة. أو اختلف الفضل، قدم الأفضل. والمعتبر فيه الورع، والخصال التي ترغب في الصلاة عليه، ويغلب على الظن، قربه من رحمة الله، لا بالحرية والرق، لانقطاع الرق بالموت. (قوله: فينوي) أي مريد الصلاة عليهم. (وقوله: إجمالا) أي بأن يقول: أصلي على من حضر من أموات المسلمين، أو: على من يصلي عليهم الإمام. فلو عين وأخطأ، كأن صلى على عشرة، فبانوا أحد عشر. لم تصح، بخلاف ما لو صلى على أحد عشر، فبانوا عشرة، فإنها تصح. (قوله: وحرم تأخيرها) أي الصلاة عن الدفن، فيأثم الدافنون الراضون بذلك لوجوب تقديمها عليه. (قوله: بل يسقط الخ) الاضراب انتقالي، والأولى إسقاط لفظ بل، ويأتي بواو العطف بدلها، بأن يقول ويسقط الفرض بالصلاة على قبره إذا ارتكبت الحرمة ودفن قبل الصلاة عليه. وعبارة التحفة: فإن دفن قبلها أثم كل من علم به ولو بعذر، وتسقط بالصلاة على القبر. اه. (قوله: وتحرم صلاة على كافر) أي بسائر أنواعه، حربيا كان أو ذميا، أو معاهدا، أو مستأمنا. (قوله: لحرمة الدعاء له) أي للكافر. (وقوله: بالمغفرة) أي والصلاة تتضمن الدعاء له بها. (قوله: قال تعالى الخ) استدلال على حرمة الصلاة عليه. أما دليل حرمة الدعاء له بالمغفرة فقوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) *. والسبب في نزول الآية الأولى ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول أتى ابنه - عبد الله - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام عمر فأخذ ثوبه، فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال: إن الله خيرني وقال: * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) * وسأزيد على السبعين. فقال إنه منافق. فصلى عليه، فأنزل الله: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) * الآية، فترك الصلاة عليهم. (قوله: ومنهم) أي من الكفار المعلومين من السياق. والأولى والأخصر أن يقول: وطفل الكافر مثله، سواء وصف بالإسلام أم لا. (قوله: سواء نطقوا بالشهادتين) أي لأنه لا يحكم بإسلامهم بالنطق بهما إلا بعد البلوغ. (قوله: فتحرم الصلاة عليهم) أي وإن قلنا إنهم من أهل الجنة، لأنهم مع ذلك يعاملون في أحكام الدنيا - من الإرث وغيره - معاملة الكفار، والصلاة من أحكام الدنيا، خلافا لمن وهم فيه. ويظهر حل الدعاء لهم بالمغفرة، لأنه من أحكام الآخرة، بخلاف صورة الصلاة. اه. تحفة بالمعنى. (واعلم) أنه اختلف في أطفال الكفار على أربعة أقوال. أحدها: أنهم في الجنة، وعليه المحققون. الثاني: أنهم في النار تبعا لآبائهم. الثالث: الوقوف، ويعبر عنه بأنهم تحت المشيئة. الرابع: أنهم يجمعون يوم القيامة وتؤجج لهم نار ويقال لهم ادخلوها، فيدخلها من كان في علم الله شقيا. اه. بجيرمي.

بالجنة، أو فاعل، لان روحه تشهد الجنة قبل غيره. ويطلق لفظ الشهيد على من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو شهيد الدنيا والآخرة. وعلى من قاتل لنحو حمية، فهو شهيد الدنيا. وعلى مقتول ظلما وغريق، وحريق، ومبطون - أي من قتله بطنه - كاستسقاء أو إسهال. فهم الشهداء في الآخرة فقط. (كغسله) أي الشهيد، ولو جنبا، لانه (ص) لم يغسل قتلى أحد. ويحرم إزالة دم شهيد. (وهو من مات في قتال كفار) أو كافر ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: على شهيد) أي وتحرم الصلاة على الشهيد، لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم. وأما خبر: أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت زاد البخاري بعد ثمان سنين فالمراد - كما في المجموع - دعا لهم كدعائه للميت، والإجماع يدل له. (قوله: وهو) أي لفظ شهيد. (قوله: لأنه مشهود له بالجنة) بيان الحكمة كون شهيد بمعنى مشهود. أي وإنما كان كذلك لأنه مشهود له بالجنة. وقيل لأنه يبعث، وله شاهد بقتله إذ يبعث، وجرحه يتفجر دما. وقيل: لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيقبضون روحه. (قوله: أو فاعل) معطوف على مفعول، أي أو هو بوزن فعيل بمعنى فاعل فهو شهيد بمعنى شاهد. وقوله لأن روحه إلخ. بيان الحكمة كونه بمعنى فاعل، أي وإنما كان كذلك لأنه شاهد أي روحه تشهد الجنة قبل غيره. (قوله: ويطلق لفظ الشهيد إلخ) الملائم والأخصر أن يعمم عند تعريف المتن للشهيد بأن يقول بعد قول المتن: وهو من مات في قتال كفار، سواء كان شهيدا في الدنيا والآخرة - وهو من قاتل لإعلاء كلمة الله تعالى - وشهيدا في الدنيا فقط - وهو من قاتل لنحو حمية - ثم يقول: وخرج بذلك شهيد الآخرة فقط - وهو من مات مقتولا ظلما - إلخ. وقد تقدم الكلام على أقسام الشهيد أول الباب، فلا تغفل. (قوله: لتكون كلمة الله إلخ) المراد بها كلمة التوحيد والدعوة إلى الإسلام. (وقوله: هي العليا) أي الظاهرة الغالبة، ولا بد أن لا يصاحب ذلك رياء ولا غلول من غنيمة وغير ذلك. (قوله: وعلى من قاتل لنحو حمية) أي لقومه، ودخل تحت لنحو: من قاتل للرياء، أو للغنيمة، أو نحو ذلك. (قوله: فهو شهيد الدنيا) أي فتجري عليه أحكام الشهادة الدنيوية، من كونه لا يغسل ولا يصلى عليه. (قوله: وعلى مقتول) معطوف على من قاتل الأولى، أي ويطلق لفظ الشهيد على مقتول. (وقوله: ظلما) خرج به ما إذا كان مقتولا بحق - كأن كان لقصاص - فلا يكون شهيدا. (قوله: وغريق) معطوف على مقتول، أي ويطلق لفظ الشهيد على غريق، أي مات غرقا في بحر أو ماء كثير. (لطيفة) حكي أن شخصا نزل هو ومحبوبه يسبحان في البحر، فغرق محبوبه، فأشار إلى البحر وأنشد وقال: ياماء: لك قد أتيت بضد ما * * قد قيل فيك مخبرا بعجيب؟ الله أخبر أن فيك حياتنا * * فلاي شئ مات فيك حبيبي؟ فلما قال ذلك أحياه الله تعالى، وطلع له من البحر (قوله: وحريق) أي ويطلق لفظ الشهيد على حريق، أي محروق بالنار. (قوله: ومبطون) أي ويطلق لفظ الشهيد على مبطون. (قوله: أي من قتله بطنه) أي داء في بطنه، وبينه بقوله: كاستسقاء أو إسهال، فإنهما دآن في البطن يكونان سببا في الهلاك غالبا. (قوله: فهم) أي المقتول ظلما والغريق والحريق إلخ. (وقوله: الشهداء في الآخرة فقط) أي لا في الدنيا، فتجرى عليهم أحكام غير الشهيد، من الغسل، والصلاة، وغير ذلك. (قوله: كغسله) أي كتحريم غسله. (وقوله: أي الشهيد) بيان لمرجع الضمير في غسله. وإنما أرجعه للشهيد ولم يرجعه للمذكور من الكافر والشهيد، لأن غسل الأول ليس بحرام، بل هو جائز. (قوله: ولو جنبا) أي يحرم غسله ولو كان جنبا، لأن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد وهو جنب، ولم يغلسه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: رأيت الملائكة تغسله. رواه بن حبان والحاكم في صحيحهما. (قوله: لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يغسل قتلى أحد) ولما رواه الإمام أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تغسلوهم، فإن كل جرح أو كلم أو دم يفوح مسكا يوم القيامة. وحكمة ذلك أيضا: إبقاء أثر الشهادة عليهم، والتعظيم لهم باستغنائهم عن التطهير. وفي ذلك حث على الجهاد الذي جبلت النفوس على الكراهة له والنفرة عنه لحبها البقاء في الدنيا. (فإن قيل) الأنبياء والمرسلون أفضل من

واحد، قبل انقضائه، وإن قتل مدبرا (بسببه) أي القتال، كأن أصابه سلاح مسلم آخر خطأ، أو قتله مسلم استعانوا به، أو تردى ببئر حال قتال، أو جهل ما مات به، وإن لم يكن به أثر دم (لا أسير قتل صبرا) فإنه ليس ـــــــــــــــــــــــــــــ الشهداء، مع أنهم يغسلون، ويصلى عليهم؟ (أجيب) بأن الشهادة فضيلة تنال بالاكتساب، فرغب الشارع فيها، ولا كذلك النبوة والرسالة، فإنما ليستا بمكتسبتين. قال الأبوصيري: تبارك الله ما وحي بمكتسب * * ولا نبي على غيب بمتهم وقال اللقاني: ولم تكن نبوة مكتسبة * * ولو رقى في الخير أعلى عقبه (قوله: ويحرم إزالة دم شهيد) أي لأنا نهينا عن غسله، ولأنه أثر عبادة. وإنما لم تحرم إزالة الخلوف من الصائم - مع أنه أثر عبادة - لأنه هو المفوت على نفسه، بخلافه هنا، حتى لو فرض أن غيره أزاله بغير إذنه حرم عليه ذلك. والمراد بالدم الذي يحرم إزالته: الخارج من المقتول نفسه، بخلاف ما لو طرأ عليه من غيره، فإنه يزال - كالنجاسة - ولو أدى إلى زوال دم الشهادة معه. (قوله: وهو من مات الخ) أي الشهيد الذي يحرم غسله والصلاة عليه هو من مات الخ. (قوله: في قتال كفار) أي في حال مقاتلتهم. (واعلم) أنه ذكر قيدين للشهيد، وهما: كون الموت حال المقاتلة، وكونه بسبب القتال، وبقي قيد ثالث، وهو: أن يكون القتال حلله العلماء. وخرج بالقيد الأول من مات بعد المقاتلة، فإن فيه تفصيلا سيذكره في قوله: ولا من مات بعد انقضائه إلخ. وبالقيد الثاني من مات لا بسبب القتال - كأن مات في حال المقاتلة بمرض أو فجأة - أي بغتة. وبالقيد الثالث: من مات في قتال محرم، كقتال المسلم ذميا، فلا يسمى شهيدا. وقد ذكر المؤلف بعض أفراد هذه المحترزات، كما ستعرفه. (قوله: قبل انقضائه) أي القتال، ولا حاجة إلى هذا القيد، لأنه يغني عنه القيد الأول. فتنبه. (قوله: وإن قتل مدبرا) أي إن مات في المقاتلة يسمى شهيدا، وإن قتل حال كونه مدبرا عن القتال. (قوله: بسببه) متعلق بمات، أي مات بسبب القتال، أي بسبب يحال عليه القتل، ولو احتمالا - كالمثال الأخير -. قال ع ش: ومنه ما قيل إن الكفار يتخذون خديعة يتوصلون بها إلى قتل المسلمين، فيتخذون سردابا تحت الأرض يملؤنه بالبارود، فإذا مر به المسلمون أطلقوا النار فيه فخرجت من محلها وأهلكت المسلمين. اه. (قوله: كان أصابه الخ) تمثيل لمن مات في القتال بسببه، والأولى التعميم بأن يقول: سواء قتله كافر أو أصابه إلخ. (وقوله: سلاح مسلم آخر) ظاهره أنه لا فرق في ذلك بين أن يقصد كافرا فيصيبه، أولا، ولا مانع منه. اه. ع ش. (وقوله: خطأ) خرج به ما لو كان عمدا، فإنه لا يسمى المقتول به شهيدا، إلا إن كان المسلم استعان به الكفار - كما سيذكره -. (قوله: أو قتله مسلم) معطوف على أصابه، أي وكأن قتله. وقوله: استعانوا أي الكفار. وقوله به. أي بالمسلم فمقتول المستعان به شهيد، لأن هذا قتال كفار، ولا نظر إلى خصوص القاتل، فإن لم يستعينوا به ولم يكن خطأ فليس بشهيد. (قوله: أو تردي ببئر) معطوف على أصابه أيضا. أي وكأن تردى - أي سقط - المقاتل ببئر. (قوله: أو جهل ما مات به) معطوف أيضا على أصابه. أي وكأن جهل السبب الذي مات به. ولا يرد أن الممثل له من مات بسبب القتال، وهذا فيه الجهل بالسبب، فلا يصلح مثالا، لما علمت أن المراد بالسبب لو احتمالا. ويتصور الجهل به بأن يصيبه سهم وشك في الرامي: هل هو من المسلمين أو من الكفار؟ وعبارة التحفة: أو انكشف عنه الحرب وشك أمات بسببها وغيره؟ لأن الظاهر موته بسببها. اه. (قوله: وإن لم يكن به أثر دم) راجع لجميع الأمثلة، يعني أن من أصابه سلاح مسلم خطأ فمات، أو قتله مسلم استعانوا به فمات، أو تردى ببئر فمات، أو جهل سبب موته، يحكم عليه بالشهادة - سواء كان به أثر دم أم لا - وذلك لأن الظاهر موته بسبب الحرب. (فإن قيل) ينبغي

بشهيد على الاصح، لان قتله ليس بمقاتلة. ولا من مات بعد انقضائه، وقد بقي فيه حياة مستقرة، إن قطع بموته بعد من جرح به. أما من حركته حركة مذبوح عند انقضائه فشهيد جزما. والحياة المستقرة ما تجوز أن يبقى يوما أو يومين - على ما قاله النووي والعمراني -. ولا من وقع بين كفار فهرب منهم فقتلوه، لان ذلك ليس بقتال - كما أفتى به شيخنا ابن زياد رحمه الله تعالى -. ولا من قتله اغتيالا حربي دخل بيننا. نعم، إن قتله عن مقاتلة كان شهيدا - كما نقله السيد السمهودي عن الخادم - (وكفن) ندبا (شهيد في ثيابه) التي مات فيها، والملطخة بالدم ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يخرج ذلك على قولي الأصل والغالب، إذ الأصل عدم الشهادة، والغالب أن من يموت بالمعترك أنه مات بسبب من أسباب القتل. والقاعدة أنه يقدم الأصل على الغالب. (أجيب) بأن السبب الظاهر يعمل به ويترك الأصل، كما إذا رأينا ظبية تبول في الماء ورأيناه متغيرا، فإنا نحكم بنجاسته، مع أن الأصل طهارة الماء: (قوله: لا أسير قتل صبرا) هذا خرج بقوله في قتال. (قوله: فإنه) أي الأسير. (وقوله: ليس بشهيد على الأصح) أي الشهادة المخصوصة المرادة هنا. (قوله: لأن قتله الخ) تعليل لكونه ليس بشهيد. (وقوله: بمقاتلة) أي في حال مقاتلة. (قوله: ولا من مات بعد انقضائه) هذا خرج بقوله قبل انقضائه، ولو حذفه لخرج بقوله في قتال أيضا - كما علمت. (قوله: وقد بقي فيه حياة مستقرة) الجملة حالية: أي مات بعد انقضاء القتال، ولكن حال الانقضاء كانت فيه حياة مستقرة. والمراد بها: ما يوجد معها الحركة الاختيارية بقرائن وأمارات. (قوله: وإن قطع بموته بعد) غاية لمقدر، أي فليس من مات بعد انقضائه إلخ بشهيد، وإن جزم بأنه يموت بعد انقضاء القتال. قال الشوبري: وينبغي أن يكون شهيدا في حكم الآخرة، لأنه لا يتقاعد عن المبطون والغريق ونحوهما. اه. (وقوله: من جرح) من، تعليلية، فهي بمعنى اللام، أي قطع بموته لأجل جرح. (وقوله: به) أي بمن مات بعد انقضائه. والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لجرح. (قوله: أما من الخ) مفهوم قوله وقد بقي فيه حياة مستقرة. وقوله: حركة مذبوح هي التي لا يبقى معها سمع، ولا إبصار، ولا حركة اختيار. (قوله: فشهيد جزما) أي في الدنيا، فلا يغسل ولا يصلى عليه. وأما في الآخرة فبحسب قصده، فإن كان قصده إعلا كلمة الله، فكذلك، وإلا فلا. كما مر. (قوله: والحياة المستقرة ما تجوز إلخ) يعني أن الحياة المستقرة هي حركة اختيارية تجوز أن يبقى معها يوما أو يومين ثم يموت. (وقوله: على ما قاله النووي والعمراني) كالتبري من هذا الضابط، والمعتمد ما ذكرته آنفا: من أنها حركة اختيارية توجد فيه عند انقضاء القتال، سواء قطع بموته بعد يوم أو يومين، أم لا، (قوله: ولا من وقع بين كفار) أي وليس بشهيد من دخل بين كفار فهرب منهم ولم يقاتلهم، وهذا أيضا خرج بقوله: في قتال كفار. (وقوله: لأن ذلك الخ). تعليل لمقدر - أي فليس بشهيد، لأن قتله لم يقع في قتال. (قوله: ولا من قتله اغتيالا الخ) أي وليس بشهيد مسلم قتله كافر حربي على سبيل الاغتيال والخديعة، لأنه ليس في قتال. وهذا أيضا خرج بقوله: في قتال. (وقوله: دخل بيننا) أي بين المسلمين. (قوله: إن نعم الخ) إستدراك من الأخير، ولو قال: فإن قتله الخ، لكان أولى، لأنه محترز قوله اغتيالا، فلا معنى للاستدراك منه. (وقوله: قتله عن مقاتلة) أي قتله الحربي مع مقاتلة المسلم له. (قوله: كما نقله السيد السمهودي عن الخادم) نقله ع ش أيضا عن سم، وعبارته: (فرع) قال في تجريد العباب: لو دخل حربي بلاد الإسلام فقاتل مسلما فقتله، فهو شهيد قطعا. ولو رمى مسلم إلى صيد فأصاب مسلما في حال القتال، فليس بشهيد. قاله القاضي حسين. اه. سم على منهج. اه. (قوله: وكفن ندبا شهيد في ثيابه) أي إذا اعتيد لبسها غالبا، أما ما لا يعتاد لبسها كذلك - كدرع، وخف، وفروة، وجبة محشوة - فيندب نزعها منه - كسائر الموتى -. وهل تنزع ثيابه التي مات فيها عند الموت ثم ترجع إليه ويكفن فيها كسائر الموتى أو لا؟، ذهب ابن حجر إلى الثاني. ونقل ع ش، عن الزيادي أن المعتمد الأول. (قوله: والملطخة بالدم أولى) الأولى أن يأتي بصيغة التعميم بأن يقول: سواء كانت ملطخة بالدم أم لا. ثم يقول: والملطخة بالدم أولى، أي إذا مات في ثياب متعددة بعضها ملطخ بالدم، وبعضها غير ملطخ به، وأراد الوارث أن ينزع منه بعض الثياب ويكفنه في بعضها، فالأولى تكفينه بالملطخة. قال في شرح البهجة: وليس

أولى، للاتباع، ولو لم تكفه بأن لم تستر كل بدنه تممت وجوبا، (لا) في (حرير) لبسه لضرورة الحرب، فينزع وجوبا. (ويندب) أن يلقن محتضر - ولو مميزا على الاوجه - الشهادة: أي لا إله إلا الله، فقط - لخبر مسلم: لقنوا موتاكم - أي من حضره الموت - لا إله إلا الله مع الخبر الصحيح: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة، أي مع الفائزين. وإلا فكل مسلم - ولو فاسقا - يدخلها، ولو بعد عذاب، وإن طال. وقول جمع: يلقن محمد رسول الله أيضا، لان القصد موته على الاسلام، ولا يسمى مسلما إلا بهما مردود بأنه مسلم، وإنما القصد ختم كلامه بلا إله إلا الله ليحصل له ذلك الثواب. وبحث تلقينه الرفيق الاعلى، لانه آخر ما تكلم به ـــــــــــــــــــــــــــــ بواجب، فللوارث إبدالها - كسائر الموتى -، وفارق الغسل بإبقاء أثر الشهادة على البدن. اه. (قوله: للاتباع) تعليل لكونه يكفن ندبا في ثيابه، وهو من رواه أبو داود بإسناد حسن عن جابر، قال: رمى رجل بسهم في صدره - أو حلقه - فمات، فأدرج في ثيابه كما هو، ونحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: ولو لم تكفه) أي لو لم تكفه ثيابه التي مات فيها. (قوله: بأن لم تستر كل بدنه) تصوير لما إذا لم تكفه. والتصوير المذكور مبني على المعتمد من أن الواجب ستر كل البدن. أما على الضعيف القائل بأن الواجب ستر العورة، فيصور عليه عدم الإكتفاء بما إذا لم يستر العورة. وهو ما جرى عليه في الروض وشرحه، ونصهما: فإن لم تكف ثيابه تمم عليها ندبا إن سترت العورة، وإلا فوجوبا. اه. (قوله: لا في حرير لبسه) أي لا يكفن الشهيد في حرير لبسه. (وقوله: لضرورة الحرب) أي لضرورة هي الحرب، فالإضافة للبيان. ومثلها: ما لو لبسه للحكة أو للقمل. وهذا ما جرى عليه ابن حجر، وتقدم عند قوله ويكفن الميت بما له لبسه حيا: التفصيل بين كونه لبسه لحاجة فيكفن فيه، ولغير حاجة فلا يكفن. ووافق عليه ابن قاسم، وعبارته: والمتجه أن من استشهد وهو لابسه لمسوغ، لم يجب نزعه، بل يدفن فيه، لأن دفن الشهيد في أثوابه التي قتل فيها مطلوب شرعا، بخلاف من استشهد، وهو معتد بلبسه، فلا عبرة بهذا اللبس، فينزع منه. اه. (قوله: فينزع) أي الحرير، وهو مفرع على كونه لا يكفن فيه. (قوله: ويندب أن يلقن محتضر) أي بلا إلحاح عليه، لئلا يضجر، ولا يقال له: قل. بل تذكر بين يديه ليتدبر، أو يقال ذكر الله مبارك فنذكر الله جميعا. ويسن أن يكون الملقن غير متهم بإرث أو عداوة أو حسد أو نحو ذلك، فإن يحضر غيره لقنه أشفق الورثة ثم غيره، ولا يترك التلقين حينئذ. (قوله: ولو مميزا) أي ليحصل له الثواب الآتي. وإنما لم يلقن في القبر لأمنه من السؤال. وعبارة شرح البهجة: وكلامهم يشمل الصبي والمجنون، فيسن تلقينهما، وهو قريب في المميز. اه. قال سم: وانظر: لو كان نبيا؟ والأوجه أنه لا محذور من جهة المعنى. اه. (قوله: على الأوجه) متعلق بالغاية. (قوله: الشهادة) مفعول ثان ليلقن. (قوله: أي لا إله إلا الله) تفسير للشهادة. (وقوله: فقط) أي من غير زيادة محمد رسول الله. وسيذكر مقابله بقوله: وقول جمع الخ. (قوله: لخبر الخ) دليل لندب تلقينه ما ذكر. (قوله: أي من حضره الموت) تفسير مراد للأموات أي أن المراد بهم من قرب موته، فهو من باب تسمية الشئ بما يؤول إليه، كقوله تعالى: * (إني أراني أعصر خمرا) * (1). (وقوله: مع الخبر الصحيح) رواه أبودواد بإسناد حسن. (قوله: من كان آخر) يصح فيه الرفع على أنه اسم كان. (وقوله: لا إله إلا الله) خبرها، ويصح العكس. (قوله: أي مع الفائزين) أي من الله بالرتب العلية. والفوز هو النجاة والظفر مع حصول السلامة. (قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يكن المراد بدخول الجنة مع الفائزين فلا يصح، لأن كل مسلم يدخل الجنة ولو لم يأت بالشهادة عند الموت. (وقوله: يدخلها) أي الجنة. (وقوله: وبعد عذاب) أي إذا استحقه، بأن كان فاسقا. (وقوله: وإن طال) أي العذاب. (قوله: وقول جمع) مبتدأ، خبره مردود. (قوله: يلقن محمد رسول الله) مقول قول جمع. (وقوله: أيضا) أي كما يلقن لا إله إلا الله. (قوله: لأن القصد إلخ) تعليل لتلقينه محمد رسول الله. (قوله: إلا بهما) أي بالكلمتين، وهما: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. (قوله: بأنه) أي من حضره الموت مسلم. (قوله: وإنما القصد) أي من تلقينه. (قوله: ليحصل له

_ (1) يوسف: 36

رسول الله (ص)، مردود بأن ذلك لسبب لم يوجد في غيره، وهو أن الله خيره فاختاره. وأما الكافر فيلقنهما قطعا، مع لفظ أشهد، لوجوبه أيضا - على ما سيأتي فيه - إذ لا يصير مسلما إلا بهما. وأن يقف جماعة بعد الدفن عند القبر ساعة يسألون له التثبيت ويستغفرون له، و (تلقين بالغ، ولو شهيدا) كما اقتضاه إطلاقهم - خلافا للزركشي ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك الثواب) أي هو دخول الجنة مع الفائزين. (قوله: وبحث تلقينه) مبتدأ، خبره مردود. (قوله: الرفيق الأعلى) قال حجر في فتاويه الحديثية. قيل هو أعلى المنازل - كالوسيلة التي هي أعلى الجنة - فمعناه: أسألك يا الله أن تسكنني أعلى مراتب الجنة. وقيل معناه: أريد لقاءك يا الله يا رفيق يا أعلى. والرفيق من أسمائه تعالى، للحديث الصحيح: إن الله رفيق. فكأنه طلب لقاء الله. اه. ع ش. (قوله: لأنه آخر ما تكلم الخ) أي لأن لفظ الرفيق الأعلى آخر كلامه - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: مردود) أي فلو أتى به لم يحصل سنة التلقين، ويظهر أنه لا كراهة فيه. اه. ع ش. (قوله: بأن ذلك) أي تكلمه - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى. (وقوله: لم يوجد) أي السبب. (وقوله: في غيره) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وقوله: وهو إلخ) أي ذلك السبب أن الله خير النبي - صلى الله عليه وسلم - بين بقائه في الدنيا وبين لحوقه بالرفيق الأعلى، فاختار الرفيق الأعلى. (قوله: وأما الكافر إلخ) مقابل لقوله بأنه مسلم. ولو قدمه عنده وقال: ومن ثم يلقنها الكافر الخ لكان أنسب وأولى. وعبارة شرح الرملي: وقول الطبري - كجمع - أن زيادتها أولى، لأن المقصود موته على الإسلام، مردود بأن هذا مسلم. ومن ثم بحث الأسنوي أنه لو كان كافرا لقن الشهادتين وأمر بهما، لخبر الغلام اليهودي، ويكون ذلك وجوبا - كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى - إن رجي إسلامه، وإلا فندبا. اه. وقوله: لخبر الغلام اليهودي: وهو ما رواه البخاري عن أنس. قال: كان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمرض، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم. فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار. (قوله: فليلقنهما) أي كلمتي التوحيد. (وقوله: مع لفظ أشهد) أي مع تلقينه لفظ أشهد. (وقوله: لوجوبه) أي لفظ أشهد. (وقوله: أيضا) أي كوجوب كلمتي التوحيد. (وقوله: على ما سيأتي فيه) أي على ما سيأتي في باب الردة من الخلاف في لفظ أشهد، هل يجب تكريره أو لا؟ وعبارته في باب الردة - أعاذنا الله منها - بعد كلام: ويؤخذ من تكريره - أي الشافعي رضي الله عنه - لفظ أشهد: أنه لا بد منه في صحة الإسلام، وهو ما يدل عليه كلام الشيخين في الكفارة وغيرها، لكن خالف فيه جمع. وفي الأحاديث ما يدل لكل. اه. (قوله: إذ لا يصير الخ) تعليل لوجوب تلقينهما مع لفظ أشهد. (وقوله: إلا بهما) أي بكلمتي التوحيد. أي النطق بهما. (قوله: وأن يقف جماعة الخ) معطوف على أن يلقن، أي ويندب أن يقف جماعة إلخ. والمناسب تأخير هذا وذكره بعد قوله. وتلقين بالغ إلخ، وإنما ندب وقوف جماعة بعد الدفن، لانه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من دفن ميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم، وأسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسئل. (واعلم) أن السؤال عام لكل مكلف، ويكون بحسب لغته - على الصحيح - وقيل بالسرياني. وهو - على القول به - أربع كلمات، الأولى: اتره. الثانية: اترح. الثالثة: كاره. الرابعة: سالحين. فمعنى الأولى: قم يا عبد الله إلى سؤال الملكين. ومعنى الثانية: فيم كنت؟ ومعنى الثالثة: من ربك وما دينك؟ ومعنى الرابعة: ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم وفي الخلق أجمعين؟ وقد ورد أن حفظ هذه الكلمات دليل على حسن الخاتمة. (قوله: ساعة) أي بقدر ذبح جزور وتفرقة لحمها. (وقوله: يسألون له التثبيت) كأن يقولوا اللهم ثبته. فلو أتوا بغير ذلك - كالذكر على القبر - لم يكونوا آتين بالسنة وإن حصل لهم ثواب على ذكرهم. والسؤال المذكور غير التلقين الآتي، وذلك لما روي عن عمرو بن العاص أنه قال: إذا دفنتموني فأقيموا بعد ذلك حول قبري ساعة، قدر ما تنحر جزور ويفرق لحمها، حتى أستأنس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي. (قوله: وتلقين بالغ) معطوف على أن يلقن أيضا. أي ويندب تلقين بالغ الخ، وذلك لقوله تعالى: * (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) * (1) وأحوج ما يكون العبد إلى التذكير في هذه الحالة. وخرج بالبالغ

_ (1) الذاريات: 55

- (بعد) تمام (دفن) فيقعد رجل قبالة وجهه ويقول: يا عبد الله ابن أمة الله: اذكر العهد الذي خرجت عليه من ـــــــــــــــــــــــــــــ الطفل، فلا يسن تلقينه لأنه لا يفتن في قبره. ومثله المجنون - إن لم يسبق له تكليف وإلا لقن - وعبارة النهاية: ولا يلقن طفل - ولو مراهقا - ومجنون لم يتقدمه تكليف - كما قيد به الأذرعي - لعدم افتتانهما. اه. (قوله: ولو شهيدا) الغاية للرد، ولا فرق بين شهيد المعركة وغيره. وقال م ر: استثنى بعضهم شهيد المعركة، كما لا يصلى عليه. وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى. والأصح أن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لا يسألون، لأن غير النبي يسئل عن النبي، فكيف يسأل هو عن نفسه؟. اه. وقوله: شهيد المعركة: قال ع ش: أي لأنه لا يسأل. وأفاد اقتصاره عليه أن غيره من الشهداء يسأل. وعبارة الزيادي: والسؤال في القبر عام لكن مكلف، ولو شهيدا إلا شهيد المعركة. ويحمل القول بعدم سؤال الشهداء ونحوهم، ممن ورد الخبر بأنهم لا يسألون: على عدم الفتنة في القبر، خلافا للجلال السيوطي. اه. واستدل القرطبي لعدم سؤال شهيد المعركة بخبر مسلم هل يفتن الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة. قال: ومعناه أن السؤال في القبر إنما جعل لامتحان المؤمن الصادق في إيمانه، وثبوته تحت بارقة السيوف أدل دليل على صدقه في إيمانه. (قوله: خلافا للزركشي) أي في قوله إن الشهيد لا يلقن لعدم سؤاله. وانظر: هل الزركشي يخالف في الشهيد مطلقا أو في شهيد المعركة؟. (قوله: بعد إلخ) متعلق بتلقين، أي يندب التلقين بعد تمام دفنه، لخبر: العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى أنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان. الحديث. فتأخير تلقينه لما بعد إهالة التراب، أقرب إلى حالة سؤاله. (قوله: فيقعد رجل الخ) بيان لكيفية التلقين. (قوله: يقول: يا عبد الله إلخ) رواه الطبراني بلفظ: إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره، فليقم أحدكم على رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمعه. ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدا. ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله - ولكن لا تشعرون - فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما. فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا، ما يقعدنا عند من لقن حجته؟ فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال فينسبه إلى أمه حواء، يقول يا فلان ابن حواء. اه. شرح الروض. ورأيت في حاشية البرماوي على سم صيغة تلقين بأبسط مما هنا، ولا بأس بذكرها هنا تتميما للفائدة، وهي: ويسن تلقينه بعد الدفن وتسوية القبر، فيجلس عند رأسه إنسان يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، كل شئ هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون. كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور. منها خلقناكم، وفيها نعيدكم، ومنها نخرجكم تارة أخرى. منها خلقناكم للأجر والثواب، وفيها نعيدكم للدود والتراب، ومنها نخرجكم للعرض والحساب. باسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون. إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون. يا فلان ابن فلانة، أو يا عبد الله، يا ابن أمة الله: يرحمك الله - ذهبت عنك الدنيا وزينتها، وصرت الآن في برزخ من برزخ الآخرة، فلا تنس العهد الذي فارقتنا عليه في دار الدنيا وقدمت به إلى دار الآخرة، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فإذا جاءك الملكان الموكلان بك وبأمثالك من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلا يزعجاك ولا يرعباك، واعلم أنهما خلق من خلق الله تعالى - كما أنت خلق من خلقه - فإذا أتياك وأجلساك وسألاك وقالا لك: ما ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ وما اعتقادك؟ وما الذي مت عليه؟ فقل لهما: الله ربي. فإذا سألاك الثانية، فقل لهما: الله ربي. فإذا سألاك الثالثة وهي الخاتمة الحسنى فقل لهما بلسان طلق بلا خوف ولا فزع: الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، والقرآن

الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا رسول الله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأنك رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد (ص) نبيا، وبالقرآن إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا. ربي الله، لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم. قال شيخنا: ويسن تكراره ثلاثا، والاولى للحاضرين الوقوف، وللملقن القعود. ونداؤه بالام فيه - أي إن عرفت، وإلا فبحواء - لا ينافي دعاء الناس يوم القيامة بآبائهم، لان كليهما ـــــــــــــــــــــــــــــ إمامي، والكعبة قبلتي، والصلوات فريضتي، والمسلمون إخواني، وإبراهيم الخليل أبي، وأنا عشت ومت على قول لا إله إلا الله محمد رسول الله. تمسك يا عبد الله بهذه الحجة، واعلم أنك مقيم بهذا البرزخ إلى يوم يبعثون. فإذا قيل لك ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم وفي الخلق أجمعين؟ فقل: هو محمد - صلى الله عليه وسلم -. جاءنا بالبينات من ربه فاتبعناه وآمنا به وصدقنا برسالته. فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم. واعلم يا عبد الله أن الموت حق، وأن نزول القبر حق، وأن سؤال منكر ونكير فيه حق، وإن البعث حق، وأن الحساب حق، وأن الميزان حق، وأن الصراط حق، وأن النار حق، وأن الجنة حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. ونستودعك الله. اللهم يا أنيس كل وحيد، ويا حاضرا ليس يغيب، آنس وحدتنا ووحدته وارحم غربتنا وغربته، ولقنه حجته ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله يا رب العالمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. (قوله: ويسن تكراره) أي التلقين. وعبارة شرح الروض: قال الزركشي: قال صاحب الاستقصاء: ويسن إعادة التلقين ثلاثا. قلت: وهو قياس التلقين عند الموت. اه. قال القمولي: قال العلماء ولا يعارض التلقين قوله تعالى: * (وما أنت بمسمع من في القبور) * وقوله: تعالى: * (إنك لا تسمع الموتى) * لانه - صلى الله عليه وسلم - نادى أهل القليب وأسمعهم، وقال: ما أنتم بأسمع منهم لكنهم لا يستطيعون جوابا. وقال في الميت إنه يسمع قرع نعالكم. وهذا يكون في وقت دون وقت. اه. (قوله: والأولى للحاضرين) أي تلقين الميت. (وقوله: الوقوف) أي للحديث المار، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه إلخ. (قوله: وللملقن القعود) أي والأولى للملقن أن يقعد أي لأنه أقرب إلى إسماع الميت التلقين. (قوله: ونداؤه بالأم فيه) أي نداء الميت بأمه في التلقين. وهو مبتدأ، خبره جملة لا ينافي. ولا يقال إنه لم يناد بها فيه، بل نودي بيا عبد الله. وأما قوله ابن أمة الله، فليس بنداء، بل بدل، لأنا نقول: البدل على نية تكرار العامل، والتقدير يا ابن أمة الله. (قوله: أي إن عرفت) أي التفسيرية ساقطة من عبارة شيخه، وهو الأولى. ثم إن هذا يفيد أن الملقن يعين الأم باسمها - كفاطمة، وصالحة - وإلا فلا فائدة في التقييد به، لأنه معلوم أن لكل ميت أما. وقوله: في صدر العبارة: ويقول عبد الله ابن أمة الله: يفيد عدم ذلك، ويؤيد الأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الطبراني المار، ثم يقول يا فلان بن فلانة، فإنهما كنايتان عن العلم، كزيد، وهند. وقول الرجل فيه: يا رسول، فإن لم يعرف أمه. الخ. (قوله: وإلا فبحواء) أي وإن لم تعرف، فيناديه بحواء بأن يقول: يا عبد الله ابن حواء. (قوله: لا ينافي دعاء الناس يوم القيامة بآبائهم) أي لقوله تعالى: * (ادعوهم لآبائهم) * أي للصلب، وانسبوهم إليهم، ولا تدعوهم إلى غيرهم. (قوله: لأن كليهما) أي دعاء الميت بأمه في التلقين، ودعاء الناس بآبائهم يوم القيامة. وقوله: توقيف. أي وارد من الشارع. وقوله:

_ (1) فاطر: 22. (2) النمل: 80. (3) الاحزاب: 5

توقيف، لا مجال للرأي فيه. والظاهر أنه يبدل العبد بالامة في الانثى، ويؤنث الضمائر. انتهى. (و) يندب (زيارة قبور لرجل) لا لانثى، فتكره لها. نعم، يسن لها زيارة قبر النبي (ص). قال بعضهم: وكذا سائر الانبياء، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا مجال للرأي فيه: أي لا دخل للعقل فيما هو توقيف. (قوله: والظاهر أنه يبدل العبد بالأمة) بأن يقول: يا أمة الله. (قوله: ويؤنث الضمائر) أي في اذكر، بأن يقول: اذكري. وفي خرجت، بأن يكسر تاء المخاطب. وفي رضيت كذلك. (قوله: انتهى) أي قول شيخه في فتح الجواد لكن بتصرف. وعبارته: وسن تلقين مكلف بعد تمام الدفن المأثور، وهو مشهور، ونداؤه بالأم فيه إن عرفت، وإلا فبحواء - كما دل الحديث الذي استدلوا به لأصل سنة التلقين ردا على من زعم أنه بدعة، ثم النداء بالأم لا ينافي دعاء الناس يوم القيامة بآبائهم، لأن كليهما توقيف لا مجال للرأي فيه. وحكمته أن هذه دار ستر، وتلك دار هتك، لظهور آثار الأعمال على عاملها إلا على من وقي الله. اه. بحذف. (قوله: ويندب زيارة قبور، لرجل) أي لخبر: كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة. وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما من أحد يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه. ويتأكد ندب الزيارة في حق الأقارب، خصوصا الأبوين، ولو كانوا ببلد آخر غير البلد الذي هو فيه، فقد روى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه: من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة مرة غفر الله له، وكان بارا بوالديه. وفي رواية: من زار قبر والديه كل جمعة أو أحدهما، فقرأ عنده يس والقرآن الحكيم، غفر له بعدد ذلك آية أو حرفا. وفي رواية: من زار قبر والديه أو أحدهما كأن كحجة. وروي إن الرجل لا يموت والداه وهو عاق لهما فيدعو الله لهما من بعدهما فيكتبه الله من البارين. فأفادت هذه الأخبار أن من زار قبر أبويه كان بارا لهما غير عاق ولا مضيع حقهما. وكان ابن واسع يزور القبور يوم الجمعة ويقول: بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما بعده. وورد أيضا: أن أرواح المؤمنين تأتي في كل ليلة إلى سماء الدنيا وتقف بحذاء بيوتها، وينادي كل واحد منها بصوت حزين ألف مرة. يا أهلي، وأقاربي، وولدي. يا من سكنوا بيوتنا، ولبسوا ثيابنا، واقتسموا أموالنا. هل منكم من أحد يذكرنا ويتفكرنا في غربتنا ونحن في سجن طويل وحصن شديد؟ فارحمونا يرحمكم الله، ولا تبخلوا علينا قبل أن تصيروا مثلنا. يا عباد الله: إن الفضل الذي في أيديكم كان في أيدينا، وكنا لا ننفق منه في سبيل الله، وحسابه ووباله علينا، والمنفعة لغيرنا. فإن لم تنصرف - أي الأرواح - بشئ، فتنصرف بالحسرة والحرمان. وورد أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما الميت في قبره إلا كالغريق المغوث. ينتظر دعوة تلحقه من ابنه أو أخيه أو صديق له، فإذا لحقته كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها. ويسن أن يكون الزائر على طهارة، وفي سم ما نصه: قال في شرح العباب: ولا يسن السفر لقصد زيارة غير نبي أو عالم أو صالح، خروجا من خلاف من منعه كالجويني فإنه قال أن ذلك لا يجوز. اه. ولم يبينوا أن الزائر يزور قائما أو قاعدا؟ ويحتمل أن يقال يفعل ما يليق لو كان الميت حيا، وقد يستدل للقيام مطلقا أو للأكابر بالقيام في زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم -. اه. (قوله: لا لأنثى) تصريح بالمفهوم، ومثلها الخنثى. (قوله: فتكره) أي الزيارة، لأنها مظنة لطلب بكائهن، ورفع أصواتهن، لما فيهن من رقة القلب، وكثرة الجزع، وقلة احتمال المصائب. وإنما لم تحرم لانه - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة تبكي على قبر صبي لها، فقال لها: اتقي الله واصبري متفق عليه. فلو كانت الزيارة حراما لنهي عنها. ولخبر عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: كيف أقول يا رسول الله؟ - تعني إذا زرت القبور -. قال: قولي: السلام على أهل الدار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. ومحل ذلك حيث لم يترتب على خروجها فتنة، وإلا فلا شك في التحريم. ويحمل على ذلك الخبر الصحيح. لعن الله زوارات القبور.

والعلماء، والاولياء. ويسن - كما نص عليه - أن يقرأ من القرآن ما تيسر على القبر، فيدعو له مستقبلا للقبلة. (وسلام) لزائر على أهل المقبرة عموما، ثم خصوصا، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين - عند أول ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: نعم، يسن لها زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي لأنها من أعظم القربات للرجال والنساء. (قوله: قال بعضهم) هو ابن الرفعة والقمولي وغيرهما. (وقوله: وكذا الخ) أي مثل زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، زيارة سائر قبور الأنبياء والعلماء والأولياء، فتسن لها. وفي التحفة ما نصه: قال الأذرعي إن صح - أي ما قاله بعضهم - فأقاربها أولى بالصلة من الصالحين. اه. وظاهره أنه لا يرتضيه. لكن ارتضاه غير واحد، بل جزموا به. والحق في ذلك أن يفصل بين أن تذهب لمشهد كذهابها للمسجد، فيشترط هنا ما مر، ثم من كونها عجوز ليست متزينة بطيب ولا حلي ولا ثوب زينة - كما في الجماعة - بل أولى، وإن تذهب في نحو هودج مما يستر شخصها عن الأجانب، فيسن لها - ولو شابة - إذ لا خشية فتنة هنا. ويفرق بين نحو العلماء والأقارب بأن القصد إظهار تعظيم نحو العلماء بإحياء مشاهدهم، وأيضا فزوارهم يعود عليهم منهم مدد أخروي، لا ينكره إلا المحرومون، بخلاف الأكابر، فاندفع قول الأذرعي إن صح الخ. اه. وفي النهاية: والأوجه عدم إلحاق قبر أبويها وأخواتها وبقية أقاربها بذلك، أخذا من العلة، وإن بحث ابن قاضي شهبة الإلحاق. اه. (قوله: ويسن كما نص عليه أن يقرأ الخ) أي لما ورد إن فمن زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده يس والقرآن الحكيم، غفر له بعدد ذلك آية أو حرفا. وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: إذا دخلتم المقابر فاقرأوا بفاتحة الكتاب والإخلاص والمعوذتين، واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر، فإنه يصل إليهم. فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: اللم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان. (وحكى) بعض أهل العلم أن رجلا رأى في المنام أهل القبور في بعض المقابر قد خرجوا من قبورهم إلى ظاهر المقبرة، وإذا بهم يلتقطون شيئا ما يدري ما هو. قال: فتعجبت من ذلك، ورأيت رجلا منهم جالسا لا يلتقط معهم شيئا، فدنوت منه وسألته: ما الذي يلتقط هؤلاء؟ فقال يلتقطون ما يهدي إليهم المسلمون من قراءة القرآن والصدقة والدعاء. فقال: فقلت له: فلم لا تلتقط أنت معهم؟ قال أنا غني عن ذلك. فقلت: بأي شئ أنت غني؟ قال بختمة يقرؤها ويهديها إلى كل يوم ولدي يبيع الزلابية في السوق الفلاني. فلما استيقظت ذهبت إلى السوق حيث ذكر، فإذا شاب يبيع الزلابية، ويحرك شفتيه. فقلت: بأي شئ تحرك شفتيك؟ قال أقرأ القرآن وأهديه إلى والدي في قبره. قال: فلبثت مدة من الزمان، ثم رأيت الموتى قد خرجوا من القبور، وإذا بالرجل الذي كان يلتقط صار يلتقط، فاستيقظت وتعجبت من ذلك، ثم ذهبت إلى السوق لا تعرف خبر ولده فوجدته قد مات. (قوله: من القرآن) بيان لما، مقدم عليه. (قوله: فيدعو له) أي فعقب القراءة يسن أن يدعو للميت رجاء الإجابة، لأن الدعاء ينفع الميت، وهو عقب القراءة أقرب إلى الإجابة. وسيأتي - في باب الوصية - كلام في حصول ثواب الدعاء والقراءة للميت - إن شاء الله تعالى - (وقوله: مستقبلا للقبلة) حال من فاعل يدعو، أي يدعو حال كون الداعي مستقبلا للقبلة. وعبارة المغني: وعند الدعاء يستقبل القبلة وإن قال الخراسانيون باستحباب استقبال وجه الميت. اه. (قوله: وسلام لزائر إلخ) أي ويندب سلام لزائر على أهل المقبرة، أي لما روى عن أبي هريرة: قال أبو رزين: يا رسول الله، إن طريقي على الموتى، فهل لي كلام أتكلم به إذا مررت عليهم؟ قال: قل السلام عليكم يا أهل القبور من المسلمين والمؤمنين. أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وإنا شاء الله بكم لاحقون. قال أبو رزين: هل يسمعون؟ قال: يسمعون ولا يستطيعون أن يجيبوا - أي جوابا يسمعه الحي -. وقال: يا أبا رزين: ألا ترضى أن ترد عليك بعددهم الملائكة؟. (قوله: عموما) أي لجميع من في المقبرة. (وقوله: ثم خصوصا) أي لمن قصد زيارته من أقاربه. (قوله: فيقول الخ)

المقبرة -. ويقول عند قبر أبيه - مثلا -: السلام عليك يا والدي. فإن أراد الاقتصار على أحدهما أتى بالثانية، لانه أخص بمقصوده، وذلك لخبر مسلم: أنه (ص) قال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. والاستثناء للتبرك، أو للدفن بتلك البقعة، أو للموت على الاسلام. (فائدة) ورد أن من مات يوم الجمعة أو ليلتها أمن من عذاب القبر وفتنته. وورد أيضا: من قرأ قل هو الله أحد، في مرض موته مائة مرة، لم يفتن في قبره، وأمن من ضغطة القبر، ـــــــــــــــــــــــــــــ تفريغ على الإتيان بالسلام عموما، وما بعده على الإتيان به خصوصا (قوله: ويقول عند قبر أبيه الخ) قال سم: عبارة العباب: ويقول وهو قائم أو قاعد مقابل وجه الميت: السلام عليكم إلخ. وفي شرحه عقب وهو قائم أو قاعد - كما في المجموع عن الحافظ أبي موسى الأصبهاني - قال: كما أن الزائر في الحياة ربما زار قائما أو قاعدا أو مارا. وروي القيام من حديث جماعة. اه. (واعلم) أنهم صرحوا في باب الحديث وغيره بأن قراءة القرآن جالسا أفضل. وصرح به المصنف في التبيان، وقضيته أن من أراد القراءة عند القبر سن له الجلوس. اه. (قوله: فإن أراد الإقتصار على أحدهما) أي صيغة العموم، أو صيغة الخصوص. (قوله: أتى بالثانية) أي الصيغة الثانية، وهي: السلام عليك يا والدي مثلا. (قوله: لأنه) أي الثانية. والأولى لأنها بضمير المؤنث. (وقوله: أخص بمقصوده) أي أكثر دلالة على مقصوده الذي. هو زيارة نحو أبيه، بخلاف الأولى، فإنها تشمله وغيره، فهي ليست أدل على مقصوده. (قوله: وذلك) أي ما ذكر من سنية السلام على أهل المقبرة من حيث هو، لخبر مسلم الخ. (قوله: السلام عليكم إلخ) زاد ابن السني عن عائشة رضي الله عنها: اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: من دخل المقابر فقال: اللهم رب الأجساد البالية، والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، أدخل عليها روحا من عندك، وسلاما مني. استغفر له كل مؤمن مذ خلق الله آدم. وأخرجه ابن أبي الدنيا بلفظ. كتب الله له بعدد من مات من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات. وأخرج البيهقي عن بشير بن منصور قال: كان رجل يختلف إلى الجبانة فيشهد الصلاة على الجنائز، فإذا أمسى وقف على باب المقابر فقال: آنس الله وحشتكم، ورحم الله غربتكم، وتجاوز الله عن سيئاتكم، وقبل الله حسناتكم - لا يزيد على هؤلاء الكلمات -. قال ذلك الرجل: فأمسيت ذات ليلة فانصرفت إلى أهلي ولم آت المقابر، فبينما أنا نائم إذا أنا بخلق كثير جاؤني، قلت: من أنتم؟ وما حاجتكم؟ قالوا: نحن أهل المقابر. وقد عودتنا منك هدية عند انصرافك إلى أهلك. قلت: وما هي؟ قالوا: الدعوات التي كنت تدعو بها. قلت: فأنا أعود لذلك. قال: فما تركتها بعد. (قوله: والاستثناء للتبرك إلخ) جواب عما يقال إن اللحوق بهم محقق، فلا معنى للاستثناء. وحاصل الجواب أنه أتى به للتبرك أو باعتبار الدفن في تلك البقعة، أو باعتبار الموت على الإسلام، أي نلحقكم في هذه البقعة إن شاء الله تعالى، أو نلحقكم ونموت على الإسلام إن شاء الله. قال في شرح الروض: والصحيح أنه للتبرك، امتثالا لقوله تعالى: * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) *. اه. (قوله: فائدة) الأولى أن يقول فوائد، بصيغة الجمع. (قوله: أمن من عذاب القبر وفتنته) قال في التحفة: وأخذ منه أنه لا يسئل، وإنما يتجه ذلك إن صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابي، إذ مثله لا يقال من قبل الرأي. ومن ثم قال شيخنا: يسأل من مات برمضان أو ليلة الجمعة - لعموم الأدلة الصحيحة. اه. والفرق بين فتنة القبر وعذابه، أن الأولى تكون بامتحان الميت بالسؤال. وأما العذاب فعام يكون ناشئا عن عدم جواب السؤال، ويكون عن غير ذلك. (قوله: وأمن من ضغطه القبر) أي ضمته للميت، وهي أول ما يلقاه الميت من أهوال القبر، فهي قبل السؤال.

وجاوز الصراط على أكف الملائكة. وورد أيضا: من قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين - أربعين مرة - في مرضه فمات فيه، أعطي أجر شهيد، وإن برئ برئ مغفورا له. غفر الله لنا، وأعاذنا من عذاب القبر وفتنته. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد صرحت الروايات والآثار بأن ضمة القبر عامة، للصالح وغيره. وقد قال الشهاب ابن حجر: قد جاءت الأحاديث الكثيرة بضمة القبر، وأنه لا ينجو منها صالح ولا غيره، بل أخبر - صلى الله عليه وسلم - في سعد بن معاذ سيد الأوس من الأنصار أنه اهتز لموته عرش الرحمن استبشارا لقدوم روحه، وإعلاما بعظيم مرتبته، وأنه لم ينج منها، وأنه شيع جنازته سبعون ألف ملك، وأنه لو كان أحد بنحو منها لنجا منها هذا العبد الصالح. لكن الناس مختلفون فيها، قيل ضمة القبر: التقاء جانبيه على جسد الميت. قال الحكيم الترمذي: لا نعلم أن للأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - في القبر ضمة ولا سؤالا، لعصمتهم. قيل هي للمطيع حنو، ولغيره ضمة سخط. ويرده ما ورد في سعد بن معاذ أنه ضغط في قبره ضغطة شديدة بحيث اختلفت أضلاعه فيها، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ذلك، فقال إنه كان يقصر في بعض الطهور من البول. وأن الضمة المذكورة تكون لكل أحد، حتى الأطفال. لكن ذكر إن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها سلمت من هذه الضمة، وأن من قرأ قل هو الله أحد في مرضه الذي يموت فيه كذلك - أي يسلم منها، وكذا الأنبياء. وحكمتها: أن الأرض أمهم، ومنها خلقوا، فغابوا عنها الغيبة الطويلة، فلما ردوا إليها ضمتهم ضمة الوالدة التي غاب ولدها ثم قدم عليها، فمن كان مطيعا لله ضمته برفق ورأفة، ومن كان عاصيا ضمته بعنف سخطا منها لله عليه. اه. بجيرمي. (قوله: وجاوز الصراط على أكف الملائكة) في رواية. وحمله الملائكة بأجنحتها حتى يجيزونه من الصراط إلى الجنة. (قوله: ورود أيضا من قال الخ) في إرشاد العباد للمؤلف، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا أخبرك بأمر حق من تكلم به في أول مضجعه عن مرضه نجاه الله من النار؟ قلت: بلى قال: لا إله إلا الله يحيي ويميت وهو حي لا يموت، وسبحان الله رب العباد والبلاد، والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على كل حال. الله أكبر. كبرياء ربنا وجلاله وقدرته بكل مكان. اللهم إن كنت أمرضتني لقبض روحي في مرضي هذا فاجعل روحي في أرواح من سبقت لهم الحسنى، وأعذني كما أعذت أولئك الذي سبقت لهم منك الحسنى. إن مت في مرضك ذلك، فإلى رضوان الله والجنة، وإن كنت قد اقترفت ذنوبا تاب الله عليك. وروي. ما من ميت يقرأ عنده يس إلا هون الله عليه. ويستحب - إذا احتضر الميت - أن يقرأ عنده أيضا سورة الرعد فإن ذلك يخفف عن الميت سكرة الموت، وإنه أهون لقبضه، وأيسر لشأنه. وذكر جماعة أن السواك يسهل خروج الروح، لاستياكه - صلى الله عليه وسلم - عند موته. وروى أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أتاه ملك الموت وهو على وضوء، أعطي الشهادة. نسأل الله أن يمن علينا بالشهادة، ويمنحنا الحسنى وزيادة، ويرزقنا التقوى والاستقامة، بجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - المظلل بالغمامة. (خاتمة) نسأل الله حسن الختام - تسن تعزية المصاب، لما أخرجه الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من عزى مصابا فله مثل أجره. وأخرج الترمذي أيضا عن أبي برزة: من عزى ثكلى كسي بردا. وأخرج ابن ماجه والبيهقي عن عمرو بن حزم: ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عزوجل من حلل الكرامة يوم القيامة. وقد أرسل الإمام الشافعي - رضي الله عنه - إلى بعض أصحابه يعزيه في ابن له قد مات بقوله: إني معزيك لا إني على ثقة * * من الخلود، ولكن سنة الدين فما المعزى بباق بعد ميته * * ولا المعزي ولو عاشا إلى حين والتعزية: هي الأمر بالصبر، والحمل عليه بوعد الأجر، والتحذير من الوزر بالجزع، والدعاء للميت بالمغفرة وللحي بجبر المصيبة، فيقال فيها: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك، وجبر معصيتك، أو أخلف عليك، أو نحو ذلك. وهذا في تعزية المسلم بالمسلم. وأما تعزية المسلم بالكافر فلا يقال فيها: وغفر لميتك، لأن الله لا يغفر الكفر. وهي مستحبة قبل مضي ثلاثة أيام من الموت، وتكره بعد مضيها. ويسن أن يعم بها جميع أهل الميت من صغير وكبير، ورجل وامرأة، إلا شابة وأمرد حسنا، فلا يعزيهما إلا محارمهما، وزوجهما. ويكره ابتداء أجنبي لهما بالتعزية، بل الحرمة أقرب. ويكره لأهل الميت الجلوس للتعزية، وصنع طعام يجمعون الناس عليه، لما روى أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي، قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام بعد دفنه من النياحة، ويستحب لجيران أهل الميت - ولو أجانب - ومعارفهم - وإن لم يكونوا جيرانا - وأقاربه الأباعد - وإن كانوا بغير بلد الميت - أن يصنعوا لأهله طعاما يكفيهم يوما وليلة، وأن يلحوا عليهم في الأكل. ويحرم صنعه للنائحة، لأنه إعانة على معصية. وقد اطلعت على سؤال رفع لمفاتي مكة المشرفة فيما يفعله أهل الميت من الطعام. وجواب منهم لذلك. (وصورتهما). ما قول المفاتي الكرام بالبلد الحرام دام نفعهم للأنام مدى الأيام، في العرف الخاص في بلدة لمن بها من الأشخاص أن الشخص إذا انتقل إلى دار الجزاء، وحضر معارفه وجيرانه العزاء، جرى العرف بأنهم ينتظرون الطعام، ومن غلبة الحياء على أهل الميت يتكلفون التكلف التام، ويهيئون لهم أطعمة عديدة، ويحضرونها لهم بالمشقة الشديدة. فهل لو أراد رئيس الحكام - بما له من الرفق بالرعية، والشفقة على الأهالي - بمنع هذه القضية بالكلية ليعودوا إلى التمسك بالسنة السنية، المأثورة عن خير البرية وإلى عليه ربه صلاة وسلاما، حيث قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما يثاب على هذا المنع المذكور؟ أفيدوا بالجواب بما هو منقول ومسطور. (الحمد لله وحده) وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والسالكين نهجهم بعده. اللهم أسألك الهداية للصواب. نعم، ما يفعله الناس من الاجتماع عند أهل الميت وصنع الطعام، من البدع المنكرة التي يثاب على منعها والي الأمر، ثبت الله به قواعد الدين وأيد به الإسلام والمسلمين. قال العلامة أحمد بن حجر في (تحفة المحتاج لشرحك المنهاج): ويسن لجيران أهله - أي الميت - تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم، للخبر الصحيح. اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم. ويلح عليهم في الأكل ندبا، لأنهم قد يتركونه حياء، أو لفرط جزع. ويحرم تهيئه للنائحات لأنه إعانة على معصية، وما اعتيد من جعل أهل الميت طعاما ليدعوا الناس إليه، بدعة مكروهة - كإجابتهم لذلك، لما صح عن جرير رضي الله عنه. كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام بعد دفنه من النياحة. ووجه عده من النياحة ما فيه من شدة الاهتمام بأمر الحزن. ومن ثم كره اجتماع أهل الميت ليقصدوا بالعزاء، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، فمن صادفهم عزاهم. اه. وفي حاشية العلامة الجمل على شرح المنهج: ومن البدع المنكرة والمكروه فعلها: ما يفعله الناس من الوحشة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجمع والأربعين، بل كل ذلك حرام إن كان من مال محجور، أو من ميت عليه دين، أو يترتب عليه ضرر، أو نحو ذلك. اه. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال بن الحرث رضي الله عنه: يا بلال من أحيا سنة من سنتي قد أميتت من بعدي، كان له من الأجر مثل من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئا. ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله، كان عليه مثل من عمل بها، لا ينقص من أوزارهم شيئا. وقال - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا الخير خزائن، لتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير، مغلاقا للشر. وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر، مغلاقا للخير. ولا شك أن منع الناس من هذه البدعة المنكرة فيه إحياء للسنة، وإماته للبدعة، وفتح لكثير من أبواب الخير، وغلق لكثير من أبواب الشر، فإن الناس يتكلفون تكلفا كثيرا، يؤدي إلى أن يكون ذلك الصنع محرما. والله سبحانه وتعالى أعلم. كتبه المرتجي من ربه الغفران: أحمد بن زيني دحلان - مفتي الشافعية بمكة المحمية - غفر الله له، ولوالديه، ومشايخه، والمسلمين. (الحمد لله) من ممد الكون أستمد التوفيق والعون. نعم، يثاب والي الأمر - ضاعف الله له الأجر، وأيده بتأييده - على منعهم عن تلك الأمور التي هي من البدع المستقبحة عند الجمهور. قال في (رد المحتار تحت قول الدار المختار) ما نصه: قال في الفتح: ويستحب لجيران أهل الميت، والأقرباء الأباعد، تهيئة طعام لهم يشبعهم يومهم وليلتهم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم. حسنه الترمذي، وصححه الحاكم. ولأنه بر ومعروف، ويلح عليهم في الأكل، لأن الحزن يمنعهم من ذلك، فيضعفون حينئذ. وقال أيضا: ويكره الضيافة من الطعام من أهل الميت، لأنه شرع في السرور، وهي بدعة. روى الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح، عن جرير بن عبد الله، قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة. اه. وفي البزاز: ويكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول والثالث وبعد الأسبوع، ونقل الطعام إلى القبر في المواسم إلخ. وتمامه فيه، فمن شاء فليراجع. والله سبحانه وتعالى أعلم. كتبه خادم الشريعة والمنهاج: عبد الرحمن بن عبد الله سراج، الحنفي، مفتي مكة المكرمة - كان الله لهما حامدا مصليا مسلما. وقد أجاب بنظير هذين الجوابين مفتي السادة المالكية، ومفتي السادة الحنابلة. (واعلم) أنه يندب الصبر على المصائب، لما أخرجه الشيخان أن بنتا له - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إليه تدعوه وتخبره أن ابنها في الموت. فقال - صلى الله عليه وسلم - للرسول: ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شئ عنده بأجل مسمى. فمرها: فلتصبر، ولتحتسب. وأخرج البخاري: ما لعبدي المؤمن إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة. وفي حديث: من أصيب بمصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب. ولذلك قال بعضهم: اصبر لكل مصيبة وتجلد * * واعلم بأن المرء غير مخلد واصبر كما صبر الكرام فإنها * * نوب تنوب اليوم تكشف في غد وإذا أتتك مصيبة تشجى بها * * فاذكر مصابك بالنبي محمد وقال آخر: تذكرت لما فرق الدهر بيننا * * فعزيت نفسي بالنبي محمد وقلت لها: إن المنايا سبيلنا * * فمن لم يمت في يومه مات في غد وقال آخر: مات خير الخلق من قد خصه * * ربه بالصحب من خير صحاب كل حي ذائق كأس الفنا * * هكذا المسطور في أم الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيها الناس لكم بالمصطفى * * أسوة، فالموت يدني للذهاب فثقوا بالله، وارضوا، وخذوا * * ما قضى الله بصبر واحتساب قال المؤلف في (إرشاد العباد): وكأن القاضي حسينا - من أكابر أئمتنا - أخذ من هذا قوله الذي أقروه عليه: يجب على كل مؤمن أن يكون حزنه على فراق النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا أكثر منه على فراق أبويه، كما يجب عليه أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه من نفسه، وأهله، وماله. اه. وفي حديث آخر: إنما الصبر عند الصدمة الأولى، أي إنما يحمد الصبر عند مفاجأة المصيبة، وأما فيما بعد فيقع السلو طبعا. ومن ثم قال بعضهم: ينبغي للعاقل أن يفعل بنفسه أول أيام المصيبة ما يفعله الأحمق بعد خمسة أيام. وفي حديث آخر: إن الضرب على الفخذ عند المصيبة يحبط الأجر. وورد: من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الخنث، كانوا له حصنا من النار. فقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -. قدمت اثنين. قال: واثنين. قال آخر: إني قدمت واحدا. قال: وواحدا، ولكن ذلك في أول صدمة. وفي حديث مسلم إن الأطفال دعاميص الجنة - أي حجاب أبوابها - يتلقى أحدهم أباه - أو قال أبويه - فيأخذه بثوبه - أو قال بيده - فلا ينتهي حتى يدخله الجنة. وفي خبر مسلم: أنه مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت: لا يحدثه إلا أنا. فلما جاء قربت إليه عشاءه، فأكل، وشرب، ثم تصنعت له أحسن ما كان تتصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأته أنه قد شبع، وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا. قالت أم سليم: فاحتسب ابنك. فغضب، ثم انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال: بارك الله لكما في ليلتكما. وروي أن ابن عمر رضي الله عنهما، ضحك عند دفن ابنه، فقيل له: أتضحك؟ فقال: أردت أن أرغم الشيطان. وقال أبو علي الرازي: صحبت الفضيل ثلاثين سنة، ما رأيته ضاحكا، ولا مبتسما، ولا مستبشرا، إلا يوم مات ابنه علي، فقلت له في ذلك، فقال: إن الله أحب أمرا فأحببته. والأخبار والحكايات الدالة على تأكد الصبر كثيرة شهيرة، ويتأكد لمن ابتلي بمصيبة - بميت، أو في نفسه، أو أهله، أو ماله، وإن خفت - أن يكثر * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * (1) اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف علي خيرا منها. لأن الله تعالى وعد من قال ذلك * (عليهم صلوات من ربهم ورحمة) * (2) وأنهم * (هم المهتدون) * ولخبر مسلم أن من قال ذلك آجره الله وأخلف له خيرا. وقال ابن جبير: لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة ما لم يعطه غيرهم: * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * ولو أوتوه لقاله يعقوب عليه السلام. ولم يقل يا أسفى على يوسف. جعلنا الله من الصابرين في الضراء، الشاكرين في السراء. آمين. والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ (1) البقرة: 156. (2) البقرة: 157.

باب الزكاة

باب الزكاة هي لغة: التطهير والنماء. وشرعا: اسم لما يخرج عن مال، أو بدن، على الوجه الآتي. وفرضت زكاة المال في السنة الثانية من الهجرة بعد صدقة الفطر. ووجبت في ثمانية أصناف من المال: النقدين، والانعام، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الزكاة لما أنهى الكلام على الركن الأعظم من أركان الإسلام - وهو الصلاة - شرع يتكلم على الركن الثاني منها، وهو الزكاة. والأصل في وجوبها - قبل الإجماع - قوله تعالى: * (وآتوا الزكاة) *. وأخبار كخبر بني الإسلام على خمس. (قوله: هي لغة: التطهير والنماء) يعني أن الزكاة في اللغة جاءت بمعنى التطهير، وبمعنى النمو. قال تعالى: * (قد أفلح من زكاها) * (1) أي طهرها. ويقال: زكا الزرع إذا نما. وجاءت أيضا فيها بمعنى المدح، قال تعالى: * (فلا تزكوا أنفسكم) * أي تمدحوها. وبمعنى البركة، ويقال: زكت النفقة: إذا بورك فيها. وبمعنى كثير الخير، يقال: فلان زاك، أي كثير الخير. (قوله: وشرعا: اسم لما يخرج) أي لقدر يخرج إلخ، وسمي بذلك للمناسبة بينه وبين المعاني اللغوية المذكورة، وذلك لأن المال ينمو ببركة إخراجها ودعاء الآخذ لها، ولأنها تطهر مخرجها من الإثم، وتمدحه حين تشهد له بصحة الإيمان. والقدر المخرج عن المال هو العشر فيما سقي بما لا مؤنة فيه، أو نصفه فيما فيه مؤنة، أو ربعه في الذهب والفضة والخمس في الركاز. أو ما ورد عن الشارع في الحيوان، كبنت مخاض عن خمس وعشرين. والقدر المخرج عن البدن، وهو صاع. (وقوله: عن مال) هو ما سيذكره بعد بقوله النقدين إلخ. وزكاة التجارة ترجع للنقد لأنها تقوم به، ثم إن المال المذكور بعضه حولي وبعضه غير حولي - كما ستعرفه. (وقوله: أو بدن) أي أو ما يخرج عن البدن، وهو صاع زكاة الفطر. ولا يشترط حول لوجوبها عمن ولد قبل الغروب. (وقوله: على الوجه الآتي) أي من وجود الشروط، وانتفاء الموانع، ونية الدافع. (قوله: وفرضت زكاة المال في السنة الثانية) اختلف في أي شهر منها. والذي قال شيخنا البابلي أن المشهور عن المحدثين أنها فرضت في شوال من السنة المذكورة. اه. بجيرمي. (قوله: بعد صدقة الفطر) أي بعد فرض صدقة الفطر، لأنها فرضت قبل العيد بيومين في السنة الثانية أيضا - كما في المواهب اللدنية. (قوله: ووجبت) أي زكاة المال. (قوله: في ثمانية أصناف من المال) أي بعد النقدين صنفين، والأنعام ثلاثة، وعروض التجارة داخلة في النقدين، لأنها تقوم بهما - كما علمت - وترجع هذه الثمانية إلى ضربين: ما يتعلق بالقيمة - وهو زكاة التجارة - وما يتعلق

_ (1) الشمس: 9. (1) الزكاة فريضة وركن من أركان الدين قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) التوبة الاية 103. وقوله عزوجل: (وآتوا الزكاة) النساء الاية 76. وقول النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم " متفق عليه. وللحديث: " بني الإسلام على خمس، ومنها وإيتاء الزكاة " متفق عليه

والقوت، والتمر، والعنب لثمانية أصناف من الناس. ويكفر جاحد وجوبها، ويقاتل الممتنع عن أدائها، وتؤخذ منه - وإن لم يقاتل - قهرا (تجب على) كل (مسلم) ولو غير مكلف، فعلى الولي إخراجها من ماله. وخرج ـــــــــــــــــــــــــــــ بالعين: وهو ثلاثة أنواع: نبات، وجوهر النقدين، وحيوان. (قوله: النقدين الخ) بدل من ثمانية أصناف. (وقوله: والأنعام) أي الإبل، والبقر، والغنم. (قوله: والقوت) أي من الحبوب، كبر، وشعير، وأرز. (قوله: والتمر، والعنب) عبر بعضهم عن هذين وعن القوت بالنابت، فإنه يشمل الزرع والنخل والكرم. (قوله: لثمانية إلخ) متعلق بوجبت، أي وجبت في ثمانية أصناف من المال، لثمانية أصناف من الناس، وهم المذكورون في آية * (إنما الصدقات للفقراء) * إلخ. (قوله: ويكفر جاحد وجوبها) أي الزكاة. ومحله أن أنكر وجوبها على الإطلاق، بأن أنكر أصلها من غير نظر لأفرادها، أو أنكر بعض أفرادها الجزئية المجمع عليه، بخلاف المختلف فيه - كوجوبها في مال الصبي والركاز - فلا يكفر جاحده. (قوله: ويقاتل الممتنع عن أدائها) أي الزكاة - كما فعل الصديق رضي الله عنه - وكما يقاتل الممتنع من الأداء يقاتل الممتنع من أخذها. وعبارة ش ق: ولو امتنع المستحقون من أخذها قاتلهم الإمام، لأن قبولها فرض كفاية، فيقاتلون على ذلك، لتعطيلهم هذا الشعار العظيم، كتعطيل الجماعة، بناء على أنها فرض كفاية، بل أولى. أفاده الرملي. اه. (قوله: وتؤخذ) أي الزكاة. (وقوله: منه) أي من الممتنع. (وقوله: وإن لم يقاتل) الأولى تأخيره عن قوله قهرا. (وقوله: قهرا) صفة لمصدر محذوف، أي تؤخذ أخذا قهرا، سواء قاتل الممتنع الإمام أم لا. وفي البجيرمي ما نصه: والحاصل أن الناس فيها على ثلاثة أقسام: قسم يعتقد وجوبها ويؤديها، فيستحق الحمد، وفيه نزل قوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) * (1). وقسم يعتقد وجوبها ويمتنع من إخراجها، فإن كان في قبضة الإمام أخذها من ماله قهرا، وإلا قاتله، كما فعلت الصحابة رضوان الله عليهم بمانع الزكاة. وقسم لا يعتقد وجوبها، فإن كان ممن يخفى عليه - لكونه قريب عهد بالإسلام - عرفه أي الوجوب وينهى عن العود، وإلا حكم بكفره. اه. (قوله: تجب الخ) شروع في بيان شروط من تجب عليه زكاة الأموال التي هي: النقدان، والأنعام، والقوت، والتمر، والعنب. وبدأ ببيان شروط من تجب عليه زكاة النقدين - لأنهما أشرف من بقية الأموال - إذ بهما قوام الدنيا، ونظام أحوال الخلق، لأن حاجات الناس كثيرة، وكلها تقضى بهما، بخلاف غيرهما من الأموال. وذكر لمن تجب عليه زكاتهما خمسة شروط - متنا وشرحا - وهي: إسلام، وحرية، وتعين مالك، ونصاب وحول. وبقي من الشروط: قوة الملك، ويعبر عنه بالملك التام، ليخرج به ما ملكه المكاتب، فلا زكاة فيه عليه، لضعف ملكه عن احتمال المواساة. وتيقن وجود المالك: فلا زكاة في مال الحمل الموقوف له بإرث أو وصية، لعدم الثقة بحياته. ومعظم هذه الشروط يأتي في غيره ممن تجب عليه زكاة بقية الأموال - كما ستقف عليه. (قوله: على كل مسلم) أي لقول الصديق رضي الله عنه في كتابه: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين. رواه البخاري. (قوله: ولو غير مكلف) غاية في المسلم، وهو الصبي والمجنون. (قوله: فعلى الولي الخ) هذا بيان للمراد بلزومها على غير المكلف، يعني أن المراد بذلك أنها تلزم في ماله، ويلزم الولي إخراجها منه، فالمخاطب بالإخراج الولي. قال في النهاية: ومحل وجوب ذلك عليه في مال الصبي والمجنون، حيث كان ممن يعتقد وجوبها على المولى عليه، فإن كان لا يراه - كحنفي - فلا وجوب. والاحتياط له أن يحسب زكاته، فإذا كملا أخبرهما بذلك، ولا يخرجها، فيغرمه الحاكم. قاله القفال. وفرضه في الطفل ومثله المجنون - كما مر - والسفيه. اه. (فائدة) أجاب السبكي عن سؤال صورته: كيف تخرج الزكاة من أموال الأيتام من الدراهم المغشوشة والغش فيها ملكهم؟ بأن الغش إن كان يماثل أجرة الضرب والتخليص فيسامح به، وعمل الناس على الإخراج منها. اه. مغنى.

_ (1) التوبة: 60

بالمسلم الكافر الاصلي، فلا يلزمه إخراجها، ولو بعد الاسلام (حر) معين، فلا تجب على رقيق لعدم ملكه، وكذا المكاتب لضعف ملكه، ولا تلزم سيده، لانه غير مالك في (ذهب) ولو غير مضروب، خلافا لمن زعم ـــــــــــــــــــــــــــــ (ظريفة) للفخر الرازي: طلبت من المليح زكاة حسن * * على صغر من السن البهي فقال: وهل على مثلي زكاة * * على رأي العراقي الكمي؟ فقلت: الشافعي لنا إمام * * يرى أن الزكاة على الصبي فقال: اذهب إذا واقبض زكاتي * * بقول الشافعي - من الولي وتممه التقي السبكي فقال: فقلت له فديتك من فقيه * * أيطلب بالوفاء سوى الملي نصاب الحسن عندك ذو امتناع * * بخدك والقوام السمهري فإن أعطيتنا طوعا، وإلا * * أخذناه - بقول الشافعي (قوله: وخرج بالمسلم الكافر الأصلي) احترز بالأصلي عن المرتد، فإن فيه تفصيلا، وهو أنه إن ارتد بعد أن وجبت الزكاة عليه، أخذت منه مطلقا، سواء أسلم أم لا. وإن وجبت عليه بعد أن ارتد فتوقف كبقية أمواله، إن عاد إلى الإسلام لزمه أداؤها، لتبين ملكه. وإن مات مرتدا بان أن لا مال له من حين الردة ويكون فيئا. (قوله: فلا يلزمه إخراجها) بمعنى أنه لا يطالب بها في الدنيا، فلا ينافي أنها تلزمه من حيث أنه يعاقب على تركها في الآخرة، كبقية الفروع المتفق عليها. (قوله: ولو بعد الإسلام) أي فلا يلزمه أن يخرجها لقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * (1). وإنما لم تسقط الكفارة بالإسلام لأنها محض مواساة، فينبغي أن لا يتركها بعد الإسلام، بخلاف الزكاة، فإنها وإن كان فيها مواساة، لكن فيها شائبة معاوضة في مقابلة ما نما من المال. وأيضا: فالكفارة شأنها ندرة الوقوع، فلا يشق إخراجها لعدم كثرتها، بخلاف الزكاة فإنها كثيرة الوقوع، فيشق إخراج ما استقر عليه حال كفره. (قوله: حر) أي كله أو بعضه، فتجب الزكاة عليه، ولو كان مبعضا ملك ببعضه الحر نصابا. (وقوله: معين) أي غير مبهم، فلا زكاة في ريع موقوف على جهة عامة، ولا في مال بيت المال. ومن الأول: الموقوف على إمام المسجد أو مؤذنه، لأنه لم يرد به شخص معين، وإنما أريد به كل من اتصف بهذا الوصف - كما سيذكره: (قوله: فلا تجب على رقيق) محترز حر. (وقوله: لعدم ملكه) تعليل لعدم الوجوب، فلو ملكه سيده مالا لم يملكه، فيكون باقيا على ملك سيده، فتلزمه زكاته. (قوله: وكذا المكاتب) أي وكذا لا تجب على المكاتب، ولو كانت الكتابة فاسدة. (قوله: لضعف ملكه) أي عن احتمال المواساة، ولذا لا تلزمه نفقة قريبة، ولا يرث ولا يورث. (قوله: ولا تلزم) أي الزكاة، في مال المكاتب. (وقوله: سيده) أي المكاتب. (قوله: لأنه) أي السيد. (وقوله: غير مالك) أي لمال المكاتب. قال في الروض وشرحه: فإن زالت الكتابة لعجز أو عتق أو غيره، انعقد حوله من حين زوالها. (قوله: في ذهب إلخ) متعلق بتجب. أي تجب في ذهب وما عطف عليه. (والأصل) في وجوبها فيهما - قبل الإجماع - قوله تعالى: * (والذين يكنزون الذهب والفضة) * (1) والكنز: هو الذي لم تؤد زكاته. ووجه دلالة الآية على وجوب الزكاة أنه توعد على عدم الزكاة بالعذاب، والوعيد على الشئ يقتضي النهي عنه، فكأنه قال لا تتركوا الزكاة. والنهي عن الشئ أمر بضده، فكأنه قال: أدوا الزكاة وهو أمر والأمر للوجوب ولا تجب الزكاة في سائر الجواهر - كاللؤلؤ والياقوت والفيروزج - لعدم ورود الزكاة فيها. ولأنها معدة للاستعمال - كالماشية العاملة. (قوله: ولو غير مضروب) أي ولو كان الذهب غير مضروب، كسبيكة ذهب، فإنه تجب الزكاة فيه. (قوله:

_ (1) الانفال: 38. (2) التوبة: 34

اختصاصها بالمضروب (بلغ) قدر خالصه (عشرين مثقالا) بوزن مكة تحديدا. فلو نقص في ميزان وتم في آخر فلا زكاة، للشك. والمثقال: اثنان وسبعون حبة شعير متوسطة. قال الشيخ زكريا: ووزن نصاب الذهب بالاشرفي: خمسة وعشرون وسبعان وتسع. وقال تلميذه - شيخنا - والمراد بالاشرفي: القايتبايي. (و) في (فضة بلغت مائتي درهم) بوزن مكة: وهو خمسون حبة وخمسا حبة. فالعشرة دراهم: سبعة مثاقيل ولا وقص فيهما ـــــــــــــــــــــــــــــ خلافا لمن زعم اختصاصها) أي الزكاة. (قوله: بلغ قدر خالصه) أي الذهب، فلا زكاة في مغشوش حتى يبلغ خالصه ما ذكر، فتخرج زكاته خالصا أو مغشوشا خالصه قدرها، لكن يتعين على الوالي إخراج الخالص، حفظا للنحاس مثلا على المولى. وتقدم عن السبكي سؤال في ذلك. (قوله: عشرين مثقالا) أي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ليس في أقل من عشرين دينارا شئ، وفي عشرين نصف دينار. رواه أبو داود بإسناد صحيح. (قوله: بوزن مكة) أي ويعتبر ذلك بوزن مكة، للخبر الصحيح: المكيال مكيال المدينة، والوزن وزن مكة. (قوله: فلو نقص الخ) تفريع على قوله تحديدا. (قوله: فلا زكاة) أي واجبة فيه. (وقوله: للشك أي في النصاب. (قوله: والمثقال هو لم يتغير، جاهلية وإسلاما. (قوله: متوسطة) أي معتدلة لم تقشر، وقطع من طرفيها ما كان دقيقا رفيعا. (قوله: ووزن نصاب الذهب بالأشرفي) نسبة للسلطان الأشرف قايتباي، وليس المراد به من بنى جامع الأشرفية، وهو خليل البرسبائي - بضم الباء والراء، وسكون السين، وبموحدة بعدها مدة -. (قوله: خمسة وعشرون) أي أشرفيا، وهو أقل وزنا من الدينار المعروف الآن. (قوله: والمراد بالأشرفي: القايتبايي) أي لأنه الذي كان في زمن الشيخ زكريا، وبه يعلم نصاب ما زاد على وزنه من المعاملة الحادثة الآن، على أنه حدث أيضا تغيير في المثقال لا يوافق شيئا مما مر. فليتنبه لذلك. شرح م ر مع زيادة من الشوبري. بجيرمي. وقال في حواشي الإقناع: واعلم أن الذي تحرر أن النصاب في البنادقة والفنادقة سبعة وعشرون من كل منهما إلا ثلثا لأن البندقي ثمانية عشر قيراطا، والمثقال أربعة وعشرون قيراطا، والقيراط ثلاث شعيرات، فكل ثلاثة مثاقيل أربعة بنادقة. والفندقي كالبندقي في الوزن، لكنه - أي الفندقي - ليس سالما من الغش، وفي المحابيب خمسة وثلاثون محبوبا كاملة. والدراهم المعروفة الآن كل عشرة منها سبعة مثاقيل، فتكون الأواقي الخمس مائتي درهم. وقد كان في السابق درهم يقال له البغلي، وكان ثمانية دوانق. ودرهم يقال له الطبري، أربعة دوانق. فالدراهم مختلفة في الجاهلية، ثم أخذ نصف كل منهما وهو ستة دوانق، وجعل درهما في زمن عمر وعبد الملك بن مروان، وأجمع عليه المسلمون. قال الأذرعي - كالسبكي - ويجب اعتقاد أنها كانت في زمنه - صلى الله عليه وسلم - وزمن الخلفاء الراشدين، ويجب تأويل خلاف ذلك. اه. م ر. (قوله: وفي فضة) معطوف على ذهب، أي وتجب في فضة. وسمي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى. وسميت الفضة بذلك لأنها تنفض ولا تبقى، وسمي المضروب من الذهب دينارا، ومن الفضة درهما، لأن الدينار آخره نار، والدرهم آخره هم، والمرء إن أحبهما قلبه معذب بين الهم في الدنيا، والنار في الآخرة، بسبب اكتسابهما من حرام أو عدم أداء زكاتهما. وأنشد بعضهم في ذلك فقال: النار آخر دينار نطقت به * * والهم آخر هذا الدرهم الجاري والمرء بينهما - ما لم يكن ورعا - معذب القلب بين الهم والنار (قوله: بلغت مائتي درهم) وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة. والأوقية أربعون درهما بالنصوص المشهورة والإجماع. قال البجيرمي: وقد حدث للناس عرف آخر، فجعلوها عبارة عن اثني عشر درهما، وعند الطيبي عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم، وبعضهم سمى هذه الأوقية: أوقية الطيبي. اه. وفي ش ق: وهي - أي المائتا درهم - ثمانية وعشرون ريالا ونصف تقريبا، هذا إن كان في كل ريال درهمان من النحاس، فإن كان فيه درهم فقط كانت خمسة وعشرين ريالا. اه. (قوله: بوزن مكة) أي لما تقدم تقريبا. (قوله: وهو) أي الدرهم. وعبارة التحفة: والمثقال لم يتغير جاهلية ولا إسلاما: ثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة لم تقشر، وقطع من طرفيها ما دق وطال.

كالمعشرات، فيجب في العشرين، والمائتين، وفيما زاد على ذلك، ولو ببعض حبة: (ربع عشر) للزكاة، ولا يكمل أحد النقدين بالآخر، ويكمل كل نوع من جنس بآخر منه. ويجزئ جيد، وصحيح عن ردئ ومكسر، بل هو أفضل، لا عكسهما. وخرج بالخالص المغشوش، فلا زكاة فيه حتى يبلغ خالصه نصابا. (ك) - ما يجب ـــــــــــــــــــــــــــــ والدرهم اختلف وزنه جاهلية وإسلاما، ثم استقر على أنه ستة دوانق، والدانق: ثمان حبات وخمسا حبة، فالدرهم خمسون حبة وخمسا حبة، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم. فعلم أنه متى زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا، ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما، فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان. اه. (قوله: وخمسا حبة) أي حبة شعير متوسطة - كما تقدم. (قوله: فالعشرة دراهم) الأولى فعشرة الدراهم - بإدخال أل على الثاني - وذلك لأن القاعدة أن العدد المضاف إذا أريد تعريف الجزء الأخير، وهو المضاف إليه، فيصير الأول مضافا إلى معرفة، فيقال: ثلاثة الأثواب، ومائة الدرهم، وألف الدينار. والعدد المركب إذا أريد تعريفه: يعرف الجزء الأول فقط، فيقال: الأحد عشر درهما. والعدد المعطوف إذا أريد تعريفه: يعرف هو مع المعطوف عليه، فيقال: الأحد والعشرون درهما. وقد نظم هذه القاعدة العلامة الأجهوري في قوله: وعددا تريد أن تعرفا * * فأن بجزأيه صلن إن عطفا وإن يكن مركبا فالأول * * وفي مضاف عكس هذا يفعل وخالف الكوفي في الأخير * * فعرف الجزأين - يا سميري نعم، ذكر العلامة الصبان في حاشية الأشموني عن شيخه أن منهم في التركيب الأول من لا يضيف بل يعرف الأول فقط، فيقول: هذه الخمسة أثوابا، وخذ المائة درهما، ودع الألف دينارا. اه. فلعل المؤلف جرى على ما ذكر. فتنبه. (قوله: ولا وقص فيهما) أي لا عفو في الذهب والفضة، فالزائد على النصاب بحسابه، ولو يسيرا، وذلك لإمكان التجزي في ذلك بلا ضرر، بخلافه في المواشي، فإنه لو حسب الزائد على النصاب فيها لتضرر هو والفقراء بالمشاركة فيه. (قوله: كالمعشرات) الكاف للتنظير في عدم العفو عن الزائد. (قوله: فيجب) دخول على المتن. (وقوله: في العشرين) أي مثقالا بالنسبة للذهب. (وقوله: والمائتين) أي درهما بالنسبة للفضة. (قوله: وفيما زاد على ذلك) الأولى تأخيره عن فاعل الفعل وزيادة فبحسابه، بأن يقول: وفيما زاد على ذلك فبحسابه. (وقوله: ربع عشر) فاعل يجب. والمراد ربع عشر العشرين في الأول، وربع عشر المائتين في الثاني. وإذا كان هناك زائد فبحسابه. فإذا كان عنده خمسة وعشرون مثقالا، ففي العشرين نصف مثقال، وفي الخمسة ثمن مثقال، فالجملة خمسة أثمان مثقال، لخبر أبي داود وغيره بإسناد صحيح أو حسن، كما في المجموع: ليس في أقل من عشرين دينارا شئ، وفي عشرين نصف دينار. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: وفي الرقة ربع العشر. (قوله: ولا يكمل أحد النقدين بالآخر) أي لا يكمل نصاب أحد النقدين إذا نقص عنه من النقد الآخر، لاختلاف الجنس، كما في الحبوب. فلو كانت عنده مائة درهم فضة وعشرة مثاقيل من الذهب لا زكاة عليه فيهما، ولا يكمل نقص أحدهما بالآخر. وعبارة الروض وشرحه: فإن نقص النصاب - ولو بعض حبة، ولو في بعض الموازين - أوراج رواج التام، لم تجب فيه الزكاة، لعموم الأخبار، ولا يكمل نصاب أحدهما بالآخر لاختلاف الجنس، كما لا يكمل التمر بالزبيب. (قوله: ويكمل كل نوع الخ) يعني أنه يكمل نوع بنوع آخر من جنس واحد، فإذا كان عنده من جنس الذهب مثلا نوعان - كجيد وردئ، أو متوسط - وكل منهما ينقص عن نصاب، كمل أحدهما بالآخر، ويؤخذ من كل نوع بالقسط إن سهل بأن قلت الأنواع، وإن شق - بأن كثرت - أخذ من الوسط، كما في المعشرات. (قوله: ويجزئ جيد إلخ) أي يجزئ إخراج نوع جيد عن نوع ردئ بلغ نصابا. والمراد بالجودة: النعومة ونحوها - كاللين - وبالرداءة: الخشونة ونحوها - كاليبوسة - وإخراج نوع صحيح عن نوع مكسر. (قوله: بل هو) أي إخراج الجيد عن الردئ، والصحيح عن المكسر، أفضل. أي لأنه زاد خيرا. (قوله: لا عكسهما) أي لا يجزئ عكسهما، وهو إخراج

ربع عشر قيمة العرض في (مال تجارة) بلغ النصاب في آخر الحول، وإن ملكه بدون نصاب. ويضم الربح ـــــــــــــــــــــــــــــ الردئ عن الجيد، والمكسر عن الصحيح. وإذا لم يجزئ ذلك، استرده المالك إن بين عند الدفع أنه عن ذلك المال، وإلا فلا يسترده - كما لو عجل الزكاة فتلف ماله قبل الحول وإذا جاز الاسترداد. فإن بقي أخذه، وإلا أخذ التفاوت. فيقوم المخرج بجنس آخر ليأخذ التفاوت منه. ومحل عدم إجزاء المكسر عن الصحيح إن نقصت قيمته عنه - كما هو الغالب - وإلا اتجه الإجزاء. كما بحثه في الإيعاب: (قوله: وخرج بالخالص المغشوش) هو المخلوط بما هو أدون منه. (قوله: فلا زكاة فيه) أي المغشوش. (قوله: حتى يبلغ خالصه نصابا) أي فحينئذ يخرج قدر الزكاة خالصا أو مغشوشا خالصه قدر الزكاة، ويكون متطوعا بالنحاس. (قوله: كما يجب ربع عشر الخ) شروع في بيان زكاة عروض التجارة. والأصل فيها قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) * قال مجاهد: نزلت في التجارة. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته. والبز بباء موحدة مفتوحة وزاي معجمة مشددة - يطلق على الثياب المعدة للبيع، وعلى السلاح. قاله الجوهري. وزكاة العين غير واجبة في الثياب والسلاح، فتعين الحمل على التجارة. (واعلم) أن لزكاة التجارة شروطا ستة - زيادة على ما مر في زكاة النقدين -. أحدهما: أن يكون ملك ذلك المال بمعاوضة ولو غير محضة، وذلك لأن المعاوضة قسمان: محضة، وهي ما تفسد بفساد مقابلها، كالبيع والشراء. وغير محضة، وهي ما لا تفسد بفساد مقابلها كالنكاح. ثانيها: أن تقترن نية التجارة بحال المعاوضة في صلب العقد أو في مجلسه، وذلك لأن المملوك بالمعاوضة قد يقصد به التجارة، وقد يقصد به غيرها، فلا بد من نية مميزة، إن لم يجددها في كل تصرف بعد الشراء بجميع رأس المال. ثالثها: أن لا يقصد بالمال القنية، وهي الإمساك للانتفاع. رابعها: مضي حول من الملك. خامسها: أن لا ينض جميعه، أي مال التجارة من الجنس، ناقصا عن النصاب في أثناء الحول، فإن نض كذلك ثم اشترى به سلعة للتجارة، فابتداء الحول يكون من الشراء. سادسها: أن تبلغ قيمته آخر الحول نصابا، وكذا إن بلغته دون نصاب ومعه ما يكمل به، كما لو كان معه مائة درهم فابتاع بخمسين منها وبلغ مال التجارة آخر الحول مائة وخمسين - فيضم لما عنده، وتجب زكاة الجميع. اه. ملخصا من البجيرمي. (وقوله: قيمة العرض) - بفتح العين، وسكون الراء - اسم لكل ما قابل النقدين من صنوف الأموال. ويطلق أيضا على ما قابل الطول. وبضم العين ما قابل النصل في السهام. وبكسرها: محل الذم والمدح من الإنسان. وبفتح العين والراء معا. ما قابل الجوهر. واحترز بقوله قيمة: عن نفس العرض، فلا يجوز إخراج زكاته منه. (واعلم) أن مال التجارة يقوم آخر الحول بما ملك به إن ملك بنقد ولو في ذمته، فإن ملك بغير نقد - كعرض، ونكاح، وخلع - فبغالب نقد البلد. (وقوله: في مال تجارة) متعلق بيجب. ولا يخفى ما في عبارته من الركاكة. إذ العرض الذي يجب ربع عشر قيمته هو مال التجارة. ولو حذف لفظ العرض ولفظة: في - لكان أولى وأخصر. والتجارة: هي تقليب المال المملوك بالمعاوضة بالنية - كشراء - سواء كان بعرض أم نقد أم دين - حال، أم مؤجل -. وخرج بذلك ما ملك بغير معاوضة كإرث، فإذا ترك لورثته عروض تجارة لم تجب عليهم زكاتها، وكهبة بلا ثواب. (قوله: بلغ النصاب في آخر الحول) هذا

الحاصل في أثناء الحول إلى الاصل في الحول إن لم ينض، أما إذا نض بأن صار ذهبا أو فضة وأمسكه إلى آخر الحول فلا يضم إلى الاصل، بل يزكي الاصل بحوله، ويفرد الربح بحول ويصير عرض التجارة للقنية بنيتها، فينقطع الحول بمجرد نية القنية، لا عكسه. ولا يكفر منكر وجوب زكاة التجارة - للخلاف فيه -. ـــــــــــــــــــــــــــــ مكرر مع قوله الآتي: أما زكاة التجارة إلخ، فالأولى: الإقتصار على أحدهما: إما هذا، وحذف ما سيأتي - وهو الأولى - أو حذف هذا، وإثبات ما يأتي. (قوله: وإن ملكه الخ) غاية في وجوب ربع عشر قيمة العرض. أي يجب ذلك، وإن اشتراه بأقل من نصاب. (قوله: ويضم الخ) أي قياسا على النتاج مع الأمهات، ولعسر المحافظة على حول كل زيادة مع اضطراب الأسواق في كل لحظة ارتفاعا وانخفاضا. وقوله: الربح الحاصل في أثناء الحول، أي بزيادة في نفس العرض كسمن الحيوان، أو بارتفاع الأسواق. (قوله: إلى الأصل) أي أصل مال التجارة، وهو متعلق بيضم. (وقوله: في الحول) متعلق بيضم أيضا، أي يضم إليه في الحول، فيكون حول الربح والأصل واحدا، ولا يفرد الربح بحول جديد. (قوله: إن لم ينض الخ) قيد في الضم. أي يضم إليه إن لم ينض بما يقوم به بأن لم ينض أصلا، أو نض بغير ما يقوم به. ومعنى النض: أن يصير ناضا دراهم أو دنانير. ويفسر بالبيع بالنقد الذي اشترى به تفسيرا باللازم. قال أبو عبيدة: إنما يسمون النقد ناضا إذا تحول بعد أن كان متاعا، لأنه يقال ما نض منه شئ: أي ما حصل - كما في المصباح. فلو اشترى عرضا بمائتي درهم، فصارت قيمته في الحول - ولو قبل آخره بلحظة - ثلثمائة، زكاة آخره. (قوله: أما إذا نض) أي بما يقوم به: بأن اشترى عرضا للتجارة بمائتي درهم، وباعه بعد ستة أشهر بثلثمائة. (قوله: بأن صار ذهبا أو فضة) تصوير للنض. وعبارة التحفة مع الأصل: لا إن نض - أي صار ناضا ذهبا أو فضة - من جنس رأس المال النصاب (1)، وأمسكه إلى آخر الحول، أو اشترى به عرضا قبل تمامه، فلا يضم إلى الأصل، بل يزكى الأصل بحوله، ويفرد الربح بحول - في الأظهر - ومثله أصله (2) بأن يشتري عرضا بمائتي درهم، ويبيعه بعد ستة أشهر بثلاثمائة ويمسكها إلى تمام الحول، أو يشتري به عرضا يساوي ثلثمائة آخر الحول، فيخرج آخره زكاة مائتين، فإذا مضت ستة أشهر أخرى، أخرج عن المائة، لأن الربح متميز، فاعتبر بنفسه. فعلم أنه لو نض بغير جنس المال: فكبيع عرض بعرض، فيضم الربح للأصل، وكذا لو كان (3) رأس المال دون نصاب ثم نض بنصاب وأمسكه تمام حول الشراء. اه. بحذف. (قوله: وأمسكه إلى آخر الحول) أي أو اشترى به عرضا قبل تمامه، فلا يضم إلى الأصل. (قوله: ويفرد الربح بحول) أي فإذا تم حوله زكاة، ولا يقال إن شرط وجوب الزكاة النصاب، والربح ليس نصابا كاملا. لأنا نقول إن الإخراج ليس عنه وحده، بقطع النظر عما بيده، بل المعتبر في وجوب الإخراج أن يضمه لما عنده. اه. بجيرمي. (قوله: ويصير عرض التجارة) أي كله أو بعضه إن عينه، وإلا لم يؤثر - على الأوجه اه. حجر وفي المغني: قال الماوردي: ولو نوى ببعض عرض التجارة ولم يعينه، ففي تأثيره وجهان -: أقربهما - كما قال شيخي - إنه يؤثر، ويرجع في التعيين إليه، وإن قال بعض المتأخرين: أقربهما المنع. اه. (وقوله: للقنية) - بكسر القاف، وضمها - الحبس للانتفاع. قال ع ش: ويصدق في دعواه ذلك - وإن دلت القرينة - على خلاف ما ادعاه. اه. وفي التحفة: لو نوى القنية لاستعمال المحرم - كلبس الحرير - فهل تؤثر هذه النية؟ قال المتولي: فيه وجهان: أصلهما أن من عزم على معصية وأصر: هل يأثم أو لا؟ اه. والظاهر أن مراده بأصر: صمم، لأن التصميم: هو الذي اختلف في أنه هل يوجب الإثم أو لا؟ والذي عليه المحققون أنه يوجبه. ومع ذلك، الذي يتجه ترجيحه أنه لا أثر لنيته هنا، وإن أثرت ثم. اه. (وقوله: بنيتها) أي القنية. (قوله: فينقطع الخ) مفرع على صيرورة عرض التجارة

_ (1) (قوله: النصاب) يأتي محترزه. اه. سم. (2) (قوله: ومثله أصله) أي الربح، وهو رأس المال، فلا يضم إلى، بل يفرد بحول والربح بحول آخر، وهذا يغني عنه ما قبله، أه. مولف. (3) (قوله: وكذا لو كان الخ). قال سم: انظر هذا مع ما في الروض وشرحه - كغيرهما - مما نصه وإذا اشترى عرضا بعشرة من الدنانير وباعه في أثناء الحول بعشرين منها ولم يشتر بها عرضا، زكى كلا من العشرتين لحوله بحكم الخلط إلخ، فإنه دل على أنه لا ضم هنا. فليراجع. اه. مولف

(وشرط) لوجوب الزكاة في الذهب والفضة، لا التجارة (تمام نصاب) لهما (كل الحول) بأن لا ينقص المال عنه في جزء من أجزاء الحول. أما زكاة التجارة فلا يشترط فيها تمامه، إلا آخره، لانه حالة وجوب. (وينقطع) الحول (بتخلل زوال ملك) أثناءه بمعاوضة أو غيرها. نعم، لو ملك نصابا ثم أقرضه آخر بعد ستة أشهر لم ينقطع الحول. فإن كان مليا أو عاد إليه أخرج الزكاة آخر الحول، لان الملك لم يزل بالكلية، لثبوت بدله في ذمة ـــــــــــــــــــــــــــــ للقنية، أي وإذا انقطع احتاج إلى تجديد قصد مقارن للتصرف. اه. تحفة. (قوله: لا عكسه) معطوف على عرض التجارة، أي لا يصير عرض القنية للتجارة بنية التجارة، لأن القنية: الحبس للانتفاع، والنية محصلة له. والتجارة: التقليب بقصد الأرباح، والنية لا تحصله. (قوله: لا يكفر منكر وجوب زكاة التجارة) أي كما لا يكفر منكر زكاة الثمار والزروع في الأرض الخراجية، والزكاة في مال غير المكلف، وذلك لاختلاف العلماء في وجوبها، ولا يكفر إلا منكر الزكاة المجمع عليها - كما مر. (قوله: للخلاف فيه) أي في وجوب زكاة مال التجارة، أي لأن الإمام أبا حنيفة لا يقول بوجوب زكاة مال التجارة. (قوله: وشرط لوجوب الزكاة إلخ) أي زيادة على ما مر من الشروط، وهذا الشرط متضمن لأمرين: الحول، والنصاب. ولو قال: وشرط حول، ووجود نصاب من أول الحول إلى آخره. لكان أولى. (قوله: لا التجارة) أي لا مال التجارة، وإن ملك بأحد النقدين وكان التقويم به. (قوله: تمام نصاب) أي نصاب تام، فالإضافة من إضافة الصفة للموصوف. (وقوله: لهما) أي الذهب والفضة. (وقوله: كل الحول) ظرف متعلق بتمام. (قوله: بأن لا ينقص إلخ) تصوير لتمام النصاب في كل الحول. (وقوله: المال) المراد به الذهب والفضة. ولو قال بان لا ينقصا - بألف التثنية العائدة إليهما - لكان أولى، إذ المقام للإضمار. (وقوله: عنه) أي النصاب. (قوله: أما زكاة التجارة) محترز قوله لا التجارة. (قوله: فلا يشترط فيها) أي في زكاة التجارة. (وقوله: تمامه) أي النصاب. (وقوله: لا آخره) أي الحول - أي لا جميعه، ولا طرفيه. وذلك لأن الاعتبار فيها بالقيمة، ويعسر مراعاة القيمة كل وقت، لاضطراب الأسعار انخفاضا وارتفاعا. (وقوله: لأنه حالة الوجوب) تعليل لاعتباره آخر الحول، أي وإنما اعتبر آخر الحول لأنه وقت الوجوب. فلو تم الحول وقيمة العرض دون النصاب وليس معه يكمله به من جنس ما يقوم به، فلا تجب الزكاة فيه. ومحل اعتبار آخر الحول: إن لم ترد عروض التجارة في أثناء الحول إلى نقد تقوم به، بأن بقيت عنده، أو بيعت بعرض آخر، أو بيعت بنقد لا تقوم به، فإن ردت في أثنائه إلى النقد المذكور - فإن كان نصابا دام الحول، وإن نقص عن النصاب انقطع الحول، لتحقق نقص النصاب حينئذ. فلو اشترى عرضا آخر بعد ذلك ابتدئ حول جديد من حين شرائه. (قوله: وينقطع الحول) أي حول زكاة الذهب والفضة، لا التجارة، بدليل قوله بمعاوضة، فإن هذا لا يأتي فيها - كما ستعرفه. وأما زكاة التجارة فقد بين أنها ينقطع حولها بنية القنية، ويعلم بالأولى انقطاعه بزوال الملك بغير المعاوضة. ولو أخر هذا وذكره بعد بيان زكاة الماشية، لكان أولى. إذ ما ذكره له تعلق بكل ما سيأتي. وعبارة الإرشاد مع شرحه: وينقطع حول تجارة بنية قنية وينقطع حول غيرها - وهو زكاة العين - يتخلل زوال ملك في أثناء الحول بمعاوضة أو غيرها. اه. (قوله: بتخلل زوال ملك أثناءه) أي الحول. (وقوله: بمعاوضة) أي في غير التجارة، أما هي: فلا تضر فيها المعاوضة أثناء الحول. (وقوله: أو غيرها) أي غير المعاوضة - كهبة بلا ثواب، أو موت فلو زال ملكه كله أو بعضه في الحول ببيع أو غيره انقطع الحول، فلو عاد بشراء أو غيره استأنف الحول، لانقطاع الأول بما فعله، فصار ملكا جديدا، فلا بد له من حول جديد. ولو مات المالك في أثناء الحول استأنف الوارث حوله من وقت الموت. (قوله: نعم، لو ملك نصابا الخ) استدراك على انقطاع الحول بتخلل زوال الملك، وهو استدراك صوري - كما تفيده العلة. (قوله: لم ينقطع الحول) أي بل يبني على ما مضى من الستة أشهر. قال في فتح الجواد: صرح به الشيخ أبو حامد وجعله أصلا مقيسا عليه. وجزم به الرافعي في زكاة التجارة أثناء تعليل، وتبعوه. ونظر فيه البلقيني ثم أجاب بأنا لما بنينا مع حصول بدل مخالف - وهو العرض - فلأن نبني مع حصول بدل موافق - وهو بدل العرض - أولى. قال: ولا يخرج هذا على مبادلة النقود لعدم القصد إليها في القرض، وإنما القصد به الإرفاق. اه. وبه يتضح الرد على من زعم أن ذلك مفرع على الضعيف أن الزكاة تجب

المقترض. (وكره) أن يزيل ملكه ببيع أو مبادلة عما تجب فيه الزكاة (لحيلة) بأن يقصد به دفع وجوب الزكاة، لانه فرار من القربة. وفي الوجيز: يحرم. وزاد في الاحياء: ولا يبرئ الذمة باطنا، وأن هذا من الفقه الضار. وقال ابن الصلاح: يأثم بقصده، لا بفعله. قال شيخنا: أما لو قصده لا لحيلة، بل لحاجة، أو لها وللفرار، فلا كراهة. (تنبيه) لا زكاة على صيرفي بادل ولو للتجارة في أثناء الحول بما في يده من النقد غيره من جنسه أو غيره. وكذا لا زكاة على وارث مات مورثه عن عروض التجارة حتى يتصرف فيها بنيتها، فحينئذ يستأنف حولها. (ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ على الصيارفة. اه. بحذفه. (وقوله: الرد على من زعم إلخ) في حاشية ش ق ما يوافق من زعم ذلك، ونص عبارته: قوله: نعم الخ - هذا استدراك مبني على ضعيف، والمعتمد وجوب الاستئناف في حق كل من المقترض والمقرض، أما الأول فظاهر، لأن النصاب لم يدخله في ملكه إلا بقبضه، وإن لم يتصرف فيه. وأما الثاني، فلأنه خرج عن ملكه بالقرض. فتجب عليه الزكاة إذا تم الحول من القرض، بمعنى أنها تستقر في ذمته، ولا يجب الإخراج إلا إذا وجب له النصاب. اه. بتصرف. (قوله: فإن كان) أي المقترض مليا، أي موسرا. (وقوله: أو عاد) أي النصاب إليه، أي المقرض، فإن لم يكن مليا ولم يعد إليه النصاب استقرت الزكاة في ذمته حتى يعود. (قوله: أخرج الزكاة آخر الحول) فاعل الفعل يعود على القرض، فالزكاة في المال الذي أقرضه واجبة عليه، لأن ملكه لم يزل بالقرض رأسا، لأنه بقي بدله في ذمة المقترض، وكذلك تجب على المقترض إذا بقي ما اقترضه عنده حولا كاملا من القرض. (قوله: لأن الملك الخ) تعليل لعدم انقطاع الحول. (وقوله: لثبوت بدله) أي النصاب المقرض. (قوله: وكره أن يزيل ملكه) أي تنزيها، وقيل تحريما، وأطالوا في الإنتصار له. اه. فتح الجواد. (قوله: ببيع) متعلق بيزيل. (قوله: أو مبادلة) أي من جنس واحد كذهب بذهب، أو من جنس آخر كذهب بفضة. (قوله: عما تجب فيه الزكاة) متعلق بيزيل، أي يزيل ملكه عن المال الذي تجب فيه الزكاة. (قوله: لحيلة) متعلق بكره، واللام للتعليل، أي وكره ذلك إذا كان لأجل الحيلة. (قوله: بأن يقصد) تصوير لزوال الملك للحيلة. (قوله: لأنه) أي زوال الملك بهذا القصد، وهو تعليل للكراهة. (قوله: وفي الوجيز يحرم) أي زوال الملك بقصد الفرار. (قوله: ولا يبرئ الذمة) أي زوال ملكه عنه لحيلة لا يبرئ ذمته عن الزكاة باطنا، فتتعلق بذمته فيه. وعبارة المغنى: وقال في الوجيز: يحرم إذا قصد بذلك الفرار من الزكاة، وزاد في الإحياء: أنه لا تبرأ الذمة في الباطن، وأن أبا يوسف كان يفعله. ثم قال: والعلم علمان: ضار ونافع. قال: وهذا من العلم الضار. اه. (قوله: بقصده) أي قصده بزوال الملك دفع وجوب الزكاة - يعني إذا قصد بزوال الملك عما تعلقت به الزكاة الدفع المذكور: أثم - أي من جهة قصده ذلك، وأما نفس الفعل: فهو جائز، لا يتعلق به إثم. (قوله: أما لو قصده الخ) محترز قوله لحيلة. (قوله: بل لحاجة) أي قصد زوال الملك لحاجة، أي ضرورة، كاحيتاجه إلى بيع ما تعلقت به الزكاة لينتفع بثمنه. (قوله: أولها وللفرار) أي أو قصد ذلك للحاجة وللفرار معا. قال في المغنى. فإن قيل يشكل عدم الكراهة فيما إذا كان للحاجة، وللفرار بما إذا اتخذ ضبة صغيرة لزينة وحاجة فإنه يكره. أجيب بأن الضبة فيها اتخاذ، فقوى المنع، بخلاف إزالة الملك، فإن فيها ترك اتخاذ. اه. بتصرف. (قوله: تنبيه إلخ) هو مما شمله قوله وينقطع بتخلل زوال ملك. (قوله: لا زكاة على صيرفي) أي لتخلل زوال الملك أثناء الحول. (قوله: بادل إلخ) وكلما بادل استأنف الحول، ولذلك قال ابن سريج بشر الصيارفة أن لا زكاة عليهم. (قوله: ولو للتجارة) أي ولو كانت المبادلة - أي المعاوضة - بقصد التجارة فإنه لا زكاة عليه. قال في التحفة: لأن التجارة في النقدين ضعيفة نادرة بالنسبة لغيرهما، والزكاة الواجبة زكاة عين، فغلبت وأثر فيها انقطاع الحول. اه. (وقوله: بما في يده) هو وما قبله متعلقان ببادل. (قوله: من النقد) بيان لما. (وقوله: غيره) مفعول بادل، أي بادل شخصا غيره. (وقوله: من جنسه) أي كذهب بذهب، أو فضة بفضة. (وقوله: أو غيره) أي غير جنسه، بأن لا يكون كذلك، كذهب بفضة، أو عكسه. (قوله: وكذا لا زكاة على وارث إلخ) أي لتخلل زوال الملك

زكاة في حلي مباح، ولو) اتخذه الرجل بلا قصد لبس أو غيره، أو اتخذه (لاجارة)، أو إعارة لامرأة، (إلا) إذا اتخذه (بنية كنز) فتجب الزكاة فيه. (فرع) يجوز للرجل تختم بخاتم فضة، بل يسن في خنصر يمينه أو يساره، للاتباع. ولبسه في اليمين ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا، وانتقاله من المورث للوارث فلا بد من نية من الوارث مقرونة بتصرف، كبيع وغيره. (قوله: فحينئذ إلخ) أي فحين إذ تصرف الوارث فيها بنية التجارة يستأنف الحول، فابتداؤه من حين التصرف المقرون بالنية، لا من الموت، بخلاف غير عروض التجارة، فإنه يستأنف الحول فيها من الموت، لأنها غير محتاجة إلى نية. (قوله: ولا زكاة في حلي مباح) أي إن علمه. فإن لم يعلمه، بأن ورثه ولم يعلمه حتى مضى حول، فتجب زكاته، لأنه لم ينو إمساكه لاستعمال مباح. وخرج بقوله مباح: غيره، وهو المحرم: كحلي النساء اتخذه الرجل ليلبسه، وبالعكس - كما في السيف والمنطقة - فتجب الزكاة فيه. ومنه الميل للمرأة وغيرها، إلا إن اتخذه شخص من ذهب أو فضة لجلاء عينه، فهو مباح فلا زكاة فيه. والمكروه: كضبة فضة كبيرة لحاجة، وصغيرة لزينة. قال في النهاية: ولو اتخذه لاستعمال محرم فاستعمله في المباح في وقت، وجبت فيه الزكاة، وإن عكس، ففي الوجوب احتمالان، أو جههما عدمه، نظرا لقصد الابتداء. فإن طرأ قصد محرم ابتدأ لها حولا من وقته، ولو اتخذه لهما وجبت قطعا. اه. وعدم وجوب الزكاة في الحلي المباح مذهبنا، وكذا عند مالك، ورواية مختارة عن أحمد. وأما عند أبي حنيفة فتجب الزكاة في الحلي مطلقا، أي سواء كان لرجل أو امرأة. (قوله: ولو اتخذه الرجل الخ) غاية في عدم وجوب الزكاة في الحلي يعني لا زكاة في؟ حلي مباح، سواء اتخذه امرأة أو رجل لم يقصد شيئا، لا لبسا ولا غيره. ووجه عدم وجوب الزكاة في هذه، أن الزكاة إنما تجب في مال نام، والنقد غير نام، وإنما ألحق بالنامي لتهيئه للإخراج، وبالصياغة بطل تهيؤه له. (وقوله: أو غيره) معطوف على لبس. أي أو بلا قصد غير اللبس. (قوله: واتخذه لإجارة الخ) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا ثانية، أي ولا زكاة فيه، ولو اتخذه لإجارة أو إعارة لمن يجوز له استعماله، وهو المرأة. ووجه عدم وجوب الزكاة في هذه أنه صار معدا لاستعمال مباح، فأشبه العوامل من النعم. (قوله: إلا إذا اتخذه بنية كنز) أي بأن اتخذه ليدخره ولا يستعمله، لا في محرم ولا غيره، كما لو دخره ليبيعه عند الاحتياج إلى ثمنه. ولا فرق في هذه الصورة بين الرجل والمرأة. والفرق بينها وبين صورة ما لو لم يقصد شيئا أصلا - لم تجب فيها الزكاة - أن قصد الكنز صارف لهيئة الصياغة عن الاستعمال، فصار مستغنى عنه - كالدراهم المضروبة. (قوله: فتجب الزكاة فيه) مفرع على ما بعد إلا. (قوله: (فرع) الأولى: فروع - بالجمع. (قوله: يجوز للرجل) ومثله الخنثى، بل أولى. (قوله: بخاتم فضة) وهو الذي يلبس في الإصبع، سواء ختم به الكتب أو لا، وأما ما يتخذ لختم الكتب من غير أن يصلح لأن يلبس فلا يجوز اتخاذه من ذهب ولا فضة. ومثل خاتم الفضة: خاتم حديد، أو نحاس، أو رصاص، لخبر الصحيحين: التمس ولو خاتما من حديد. وفي سنن أبي داود: كان خاتمه - صلى الله عليه وسلم - من حديد، عليه فضة. وأما خبر: مالي أرى عليك حلية أهل النار لرجل وجده لابسا خاتم حديد، فهو ضعيف. (قوله: بل يسن) إضراب انتقالي، ولو قال من أول الأمر: سن للرجل تختم الخ. لكان أخصر. (قوله: في خنصر يمينه) متعلق بيسن، ويصح تعلقه بيجوز. وخرج بالخنصر: غيره، فيكره وضع الخاتم فيه. وقيل يحرم. وعبارة شرح الروض بعد كلام: لو تختم في غير الخنصر - ففي حله وجهان قال الأذرعي قلت: أصحهما التحريم، للنهي عنه، ولما فيه من التشبيه بالنساء. اه. والذي في شرح مسلم عدم التحريم، فعنه: والسنة للرجل جعل خاتمه في الخنصر، لأنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد، لكونه طرف، ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله من أشغالها، بخلاف غير الخنصر. ويكره له جعله في الوسطى والسبابة، للحديث، وهي كراهة تنزيه. اه. (قوله: للاتباع) دليل لسنية التختم بخاتم الفضة، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتما من فضة. (قوله: ولبسه في اليمين أفضل) أي ولبس الخاتم في خنصر اليمين أفضل من لبسه في خنصره اليسار. (وسئل) ابن حجر: هل الأفضل لبس الخاتم باليمين أو اليسار؟ (فأجاب) بقوله: ورد في أحاديث إيثار اليمين، وفي أخرى إيثار اليسار، وقد بينتها وما يتعلق بها في شرح الشمايل للترمذي.

أفضل. وصوب الاذرعي ما اقتضاه كلام ابن الرفعة من وجوب نقصه عن مثقال للنهي عن اتخاذه مثقالا، وسنده حسن، لكن ضعفه النووي. فالاوجه أنه لا يضبط بمثقال بل بما لا يعد إسرافا عرفا. قال شيخنا: وعليه، فالعبرة بعرف أمثال اللابس. ولا يجوز تعدده، خلافا لجمع، حيث لم يعد إسرافا. وتحليته آلة حرب، كسيف ورمح، وترس، ومنطقة - وهي ما يشد بها الوسط - وسكين الحرب - دون ـــــــــــــــــــــــــــــ (والحاصل) أن الأفضل عندنا لبسه في اليمين، للحديث الصحيح: كان يحب التيامن في شأنه كله أي مما هو من باب التكريم. ولا شك أن في التختم تكريما أي تكريم، فيكون في اليمين. واعترض بعض الناس قول مالك - رضي الله عنه - يكره في اليمين ويكون في اليسار فإنه يلزم (1) عليه الاستنجاء بالخاتم، مع أن أكثر الخواتيم فيا نقش القرآن والأذكار إلخ. اه. من الفتاوي. (قوله: من وجوب نقصه) أي الخاتم، وهو بيان لما. (قوله: للنهي عن اتخاذه مثقالا) أي في صحيح ابن حبان وسنن أبي داود، عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للابس الخاتم الحديد: ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟ فطرحه، فقال: يا رسول الله: من أي شئ أتخذه؟ قال: اتخذه من ورق، ولا تتمه مثقالا. (قوله: وسنده) أي الحديث المتضمن للنهي. (وقوله: حسن) عبارة النهاية: والخبر المذكور ضعفه المصنف في شرحي المهذب ومسلم. وقال النيسابوري: إنه منكر. واستغر به الترمذي، وإن صححه ابن حبان وحسنه ابن حجر. اه. (قوله: فالأوجه أنه) الضمير يعود على الخاتم المباح. أي مقداره بدليل الاستدراك بعده، ولولاه لصح رجوعه للمنهي عنه. (وقوله: لا يضبط بمثقال) المناسب أن يقول لا يضبط بمثقال) المناسب أن يقول لا يضبط بأقل من مثقال ولا بأكثر. (قوله: بل بما لا يعد إسرافا عرفا) أي بل يضبط مقداره بما لا يعد إسرافا في العرف، فما عده العرف إسرافا حرم سواء كان مثقالا، أو أقل، أو أكثر، وإلا فلا. (قوله: قال شيخنا وعليه) أي على الضبط المذكور. (وقوله: فالعبرة بعرف أمثال اللابس) أي في البلد التي هو فيها. وعبارة المغنى: وهو - أي العرف - عرف تلك البلد، وعادة أمثاله فيها، فما خرج عن ذلك كان إسرافا - كما قالوه في خلخال المرأة -. اه. قال الكردي وفي الإمداد: ينبغي أن العرف لو اختلف باختلاف المحال أو الحرف ونحوهما، يقيد أهل كل محل أو حرفة بعرفة، وحينئذ لو انتقل بعض أهل بلد اعتيد أن خاتمهم مثقالان إلى بلد اعتيد فيها مثقال فقط، فهل العبرة ببلد المنتقل أو بلد المنتقل إليه؟ ثم ذكر ما يفيد أنه متردد في ذلك. اه. (قوله: ولا يجوز تعدده) أي الخاتم لبسا، أما اتخاذا ليلبس واحدا بعد واحد فجائز. كما صرح به في التحفة، وعبارتها: وأل في الخاتم للجنس، فيصدق بقوله في الروضة وأصلها: لو اتخذ الرجل خواتيم كثيرة ليلبس الواحد منها بعد الواحد جاز. وظاهره جواز الاتخاذ، لا اللبس. واعتمده المحب الطبري، لكن صوب الأسنوي جواز اتخاذ خاتمين فأكثر ليلبسها كلها معا. ونقله عن الدرامي وغيره، ومنع الصيدلاني أن يتخذ في كل يد زوجا. وقضيته: حل زوج بيد، وفرد بأخرى. وبه صرح الخوارزمي. والذي يتجه اعتماده كلام الروضة الظاهرة في حرمة التعدد مطلقا، لأن الأصل في الفضة التحريم على الرجل، إلا ما صح الإذن فيه، ولم يصح في الأكثر من الواحد. ثم رأيت المحب علل بذلك، وهو ظاهر جلي، على أن التعدد صار شعارا للحمقاء والنساء، فليحرم من هذه الجهة، حتى عند الدارمي وغيره. اه. (وقوله: خلافا لجمع، حيث لم يعد إسرافا) أي خلافا لجمع جوزوا التعدد حيث لم يعد إسرافا. فحيث: متعلقة بمحذوف، ويجوز تعلقها بخلافا. وممن اعتمد جواز التعدد حينئذ: الخطيب في مغنيه، وعبارته: وتوحيد المصنف - رحمه الله - الخاتم وجمع ما بعده: قد يشعر بامتناع التعدد، اتخاذا ولبسا، وهو خلاف ما في المحرر. والذي ينبغي اعتماده: ما أفاده شيخي من أنه جائز، ما لم يؤد إلى سرف. اه. بحذف. ومثله في النهاية. (قوله: وتحليته) مصدر مضاف إلى فاعله العائد على الرجل، معطوف على تختم، أي ويجوز للرجل أن يحلي آلة حرب، أي وإن كانت عند من لم يحارب، لأن إغاظة الكفار -

_ (1) (قوله: يلزم إلخ) ممنوع للتصريح بندب تحويله إلى اليمين عند إرادة الاستنجاء. انتهى.

سكين المهنة - والمقلمة: بفضة، بلا سرف، لان ذلك إرهابا للكفار، لا بذهب، لزيادة الاسراف والخيلاء. والخبر المبيح له ضعفه ابن القطان، وإن حسنه الترمذي. وتحليته مصحفا. قال شيخنا: أي ما فيه قرآن، ولو للتبرك، كغلافه بفضة. وللمرأة تحليته بذهب إكراما ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو ممن بدارنا - حاصلة مطلقا. وخرج بالرجل: غيره - من امرأة وخنثى - فلا يجوز له تحليلته آلة حرب بذهب ولا فضة، وإن جاز له المحاربة بآلتها وبآلة حرب أوعيتها: كالقراب، وغمد السيف، فلا يجوز تحليتها. وقال سم: يحتمل أن غلاف السيف كهو، والتحلية جعل عين النقد في محال متفرقة مع الإحكام حتى تصير كالجزء، ولا مكان فصلها مع عدم ذهاب شئ من عينها فارقت التمويه الآتي أنه حرام. (قوله: كسيف إلخ) أمثلة لألة الحرب. (قوله: وترس) بضم فسكون، المسمى بالدرقة، وتتخذ من حديد وجلد ونحوهما، ليتقى بها المحارب سهام العدو. (قوله: ومنطقة) بكسر الميم. (قوله: وهي) أي المنطقة. (وقوله: ما يشد بها الوسط) أي كالسبتة، وتسمى الآن بالحياصة، وجعلها من آلة الحرب لأنها تنفع فيه من حيث كونها تمنع وصول السهم للبدن، فالمراد بالآلة - فيما مر - كل ما ينفع في الحرب - كذا في البجيرمي. (قوله: وسكين الحرب) أي التي تتخذ للحرب، كالجردة. (قوله: دون سكين المهنة) أي دون السكين التي تتخذ للمهنة - أي الخدمة - كقطع اللحم وغيره. فلا يجوز تحليتها. (قوله: والمقلمة) هي بكسر الميم، وعاء الأقلام، ثم إنه يحتمل أنه معطوف على سكين المهنة أي ودون المقلمة. ويحتمل عطفه على المهنة فيصير لفظ سكين مسلطا عليه، أي ودون سكين المقلمة، وهو المقشط - كما نص عليه البجيرمي -. ويرد على هذا أن ع ش جعل من سكين المهنة المقشط، إلا أن يكون من ذكر الخاص بعد العام. وعبارة المغني: وأما سكين المهنة والمقلمة فيحرم تحليتهما على الرجل وغيره، كما يحرم عليهما تحلية المرآة والدواة. اه. وهي تؤيد الاحتمال الأول. (قوله: بفضة) متعلق بتحلية. (قوله: بلا سرف) متعلق بيجوز المقدر، أو بتحلية. أما التحلية مع السرف فتحرم، لما فيه من زيادة الخيلاء. (فائدة) السرف مجاوزة الحد، ويقال في النفقة: التبذير، وهو الإنفاق في غير حق. فالمسرف: المنفق في معصية، وإن قل إنفاقه. وغيره: المنفق في الطاعة، وإن أفرط. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الحلال إسراف، وإنما السرف في ارتكاب المعاصي. قال الحسن بن سهل: لا سرف في الخير، كما لا خير في السرف. وقال سفيان الثوري: الحلال لا يحتمل السرف. وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوجه ابنته: ما نفقتك؟ قال الحسنة بين السيئتين ثم تلا قوله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) (1) * الآية. اه. (قوله: لأن في ذلك) أي ما ذكر من تحلية آلة الحرب، وهو تعليل للجواز. (وقوله: إرهابا للكفار) أي وإغاظة لهم. (قوله: لا بذهب) معطوف على بفضة، وهو تصريحك بالمفهوم، أي لا يجوز له التحلية بذهب. (قوله: والخبر المبيح له) أي للذهب، أي التحلية به. وذلك الخبر هو أن سيفه - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح كان عليه ذهب وفضة. (وقوله: ضعفه ابن القطان الخ) عبارة التحفة: وخبر أن سيفه - صلى الله عليه وسلم - الخ: يحتمل أنه تمويه يسير بغير فعله - صلى الله عليه وسلم - قبل ملكه له، ووقائع الأحوال الفعلية تسقط بمثل هذا، على أن تحسين الترمذي له معارض بتضعيف ابن القطان. اه. (قوله: وتحليته مصحفا) معطوف على تختم أيضا، أي ويجوز تحلية الرجل - وكذا غيره - مصحفا. قال سم: وينبغي كما قاله الزركشي: إلحاق اللوح المعد لكتابة القرآن بالمصحف في ذلك. اه. شرح الرملي. أقول: ينبغي إلحاق التفسير - حيث حرم مسه - بالمصحف، بل على قول الشارح - يعني ما فيه قرآن - لا فرق. اه. (قوله: أي ما فيه القرآن) تفسير مراد للمصحف، أي أن المراد به كل ما فيه قرآن، سواء كان كله أو بعضه. (وقوله: ولو للتبرك) أي ولو كانت كتابة القرآن بقصد التبرك، كالتمائم، فإنه يجوز تحليته، فلا يشترط أن تكون للدراسة. (قوله: كغلافه) أي كتحلية غلاف المصحف، أي ظرفه المعد له، فإنها جائزة. وفي البجيرمي: وكذا كيسه، وعلاقته، وخيطه، لا كرسيه. اه. (قوله: بفضة) متعلق بتحلية.

_ (1) الفرقان: 67

فيهما. وكتبه بالذهب حسن. ولو من رجل، لا تحلية كتاب غيره، ولو بفضة. والتمويه حرام قطعا مطلقا. ثم إن حصل منه شئ بالعرض على النار حرمت استدامته، وإلا فلا، وإن اتصل بالبدن، خلافا لجمع. ويحل الذهب والفضة - بلا سرف - لامرأة، وصبي - إجماعا - في نحو السوار، والخلخال، والنعل، والطوق. وعلى الاصح في المنسوج بهما. ويحل لهن التاج - وإن لم يعتدنه - وقلادة فيها دنانير معراة قطعا، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وللمرأة تحليته بذهب) يعني أنه يجوز للمرأة تحلية المصحف بذهب، لعموم خبر أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها. والطفل كالمرأة. وأما الخنثى فليس هنا مثلها. بل مثل الرجل، فيحرم عليه ذلك. (قوله: إكراما فيهما) أي في التحلية بفضة من الرجل، وفي التحلية بذهب من المرأة، وهو علة الجواز. (قوله: وكتبه بالذهب حسن) المناسب ذكره بعد قوله: والتمويه حرام مطلقا، ويجعله كالاستثناء منه، وذلك لأنه الكتابة بالذهب إنما تكون بالتمويه، وإنما جازت كتابة حروف القرآن به، وحرم في المكتوب عليه القرآن ونحوه كجلده، للفرق بينهما، بأنه يغتفر في إكرام حروف القرآن ما لا يغتفر في نحو ورقه وجلده، على أنه لا يتأتى إكرامها إلا بذلك، فكان مضطرا إليه، بخلاف غيرها، فإنه يمكن إكرامه بالتحلية، فلم يحتج للتمويه فيه رأسا. (قوله: لا تحلية الخ) معطوف على وتحليته مصحفا، وهو مفهومه، أي لا يجوز تحلية كتاب غير المصحف. وعبارة المغني: واخترز المصنف بتحلية المصحف على تحلية الكتب، فلا يجوز تحليتها على المشهور. قال في الذخائر: سواء فيه كتب الحديث وغيرها. ولو حلي المسجد أو الكعبة أو قناديلها بذهب أو فضة حرم، لأنها ليست في معنى المصحف، ولأن ذلك لم ينقل عن السلف، فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة، إلا ما استثنى. اه. (وقوله: ولو بفضة) غاية في عدم الجواز، أي لا تجوز تحلية كتاب غيره، ولو كانت بفضة. (قوله: والتمويه حرام) أي فعل التمويه حرام. (وقوله: مطلقا) أي سواء كان في آلة الحرب أو المصحف أو غيرهما، وسواء كان للمرأة أو للرجل بذهب أو فضة، وسواء حصل منه شئ بالعرض على النار أم لا. (فإن قلت) لم حرم بالنسبة للمصحف ونحو غلافه، مع أن العلة في جواز التحلية الإكرام وهو حاصل بكل؟ (قلت) لكنه في التحلية لم يخلفه محظور، بخلافه في التمويه، لما في من إضاعة المال، وإن حصل منه شئ. (قوله: ثم إن حصل منه) أي التمويه بمعنى المموه، وأفاد كلامه أن حرمة التمويه مطلقا بالنسبة لأصل الفعل، وأما بالنظر للاستدامة فإن حصل منه شئ بالعرض على النار حرمت، وإلا فلا، وعبارة سم - في مبحث الآنية - قال في شرح العباب: وبما تقرر - من أن التفصيل إنما هو في الاستدامة، وأن الفعل حرام مطلقا - يجمع بين ما قاله الشيخان هنا من حل المموه بما لا يحصل منه شئ وما قاله النووي في الزكاة واللباس واقتضاه كلام الرافعي من تحريمه. اه. (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يحصل منه شئ بالعرض فلا تحرم استدامته. (قوله: وإن اتصل بالبدن) أي لا تحرم استدامته، وإن اتصل المموه بالبدن. (قوله: خلافا لجمع) مرتبط بقوله والتمويه حرام. أي خلافا لجمع نازعوا في حرمة التمويه مطلقا وجوزوه في نحو المصحف. وعبارة سم: قوله حرمة التمويه هنا: الوجه عدم الحرمة، وإضاعة المال لغرض، جائزة. م ر. اه. وقوله: هنا: أي بالنسبة للمصحف. (قوله: ويحل الذهب والفضة) أي لبسهما، للحديث المار بالنسبة للمرأة، ولأن الصبي ليس له شهامة تنافي خنوثة الذهب والفضة، بخلاف الرجل. اه. شرح الروض. (قوله: إجماعا) أي يحل ذلك بالإجماع. (قوله: في نحو السوار) متعلق بمحذوف حال من فاعل يحل، أي ويحلان حال كونهما متخذين في نحو السوار كالخاتم بالإجماع. (واعلم) أن هذه الظرفية - كالتي بعدها - لا تخلو عن شئ، فكان الأولى والأخصر أن يقول: ويحل نحو سوار من الذهب والفضة، إجماعا، والمنسوج بهما على الأصح. فتنبه. (قوله: والخلخال) بفتح فسكون، كبلبال: حلي يلبس في الساق. (قوله: والنعل) مثله القبقاب. (قوله: والطوق) هو الذي يلبس في العنق. (قوله: وعلى الأصح) معطوف على قوله إجماعا. أي ويحلان حال كونهما متخذين في المنسوج. بهما من الثياب على الأصح، لأن ذلك من جنس الحلي. وخرج بقولي من الثياب: الفرش - كالسجادة المنسوجة بهما - فتحرم، لأنها لا تدعو للجماع، كالملبوس. (قوله: ويحل لهن) أي للنسوة، والأولى لهما - أي للمرأة والصبي - لتقدم ذكرهما. (وقوله: التاج) هو ما يلبس على الرأس، وكان من

وكذا مثقوبة، ولا تجب الزكاة فيها. أما مع السرف: فلا يحل شئ من ذلك، كخلخال وزن مجموع فردتيه مائتا مثقال، فتجب الزكاة فيه. (و) تجب على من مر (في قوت) اختياري من حبوب (كبر)، وشعير، (وأرز)، وذرة، ـــــــــــــــــــــــــــــ الذهب أو الفضة. (قوله: وإن لم يعتدنه) أي وإن لم تعتد النسوة لبسه، فإنه يحل لهن. وعبارة الروض وشرحه. وكذا يحل لهن التاج إن تعودنه، وإلا فهو لباس عظماء الفرس، فيحرم. وكأن معناه أنه يختلف بعادة أهل النواحي، فحيث اعتدنه جاز، وحيث لم يعتدنه لا يجوز، حذرا من التشبه بالرجال. وذكر مثله في المجموع هنا وقال فيه - في باب ما يجوز لبسه - والمختار، بل الصواب، حله مطلقا، بلا ترديد، لعموم الخبر، ولدخوله في اسم الحلي. اه. (قوله: وقلادة) معطوف على التاج، أي ويحل لهن قلادة. (قوله: فيها دنانير معراة) هي التي تجعل لها عرى من ذهب أو فضة، وتعلق بها في خيط كالسبحة، فإنها لا زكاة فيها - كما سيذكره - لأنها صرفت بذلك عن جهة النقد إلى جهة أخرى. (وقوله: قطعا) أي بلا خلاف. (قوله: وكذا مثقوبة) أي ومثل المعراة في الحل: المثقوبة. قال في التحفة بعده على الأصح في المجموع لدخولها في اسم الحلي، وبه رد الأسنوي وغيره ما في الروضة وغيرها من التحريم، بل زعم الأسنوي أنه غلط، لكنه غلط فيه. ومما يؤيد غلطه قوله: تجب زكاتها لبقاء نقديتها، لأنها لم تخرج بالثقب، عنها. اه. والوجه أنه لا زكاة فيها، لما تقرر أنها من جملة الحلي، إلا إن قيل بكراهتها، وهو القياس، لقوة الخلاف في تحريمها. اه. وقال سم: اعتمد م ر ما في الروضة - أي من التحريم - اه. (قوله: ولا تجب الزكاة فيها) أي في المذكورات من السوار والخلخال وغيرهما. وفي بعض نسخ الخط فيهما - بالتثنيه - فيكون راجعا للدنانير المعراة والمثقوبة. (قوله: أما مع السرف الخ) محترز قوله بلا سرف. وقال ع ش: المراد بالسرف في حق المرأة أن تفعله على مقدار لا يعد مثله زينة. اه. والفرق بين الإسراف والتبذير. أن الأول هو صرف الشئ فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي، والثاني: صرف الشئ فيما لا ينبغي - كما قاله الكرماني على البخاري. اه. وقد تقدم في فائدة كلام أبسط مما هنا. (قوله: فلا يحل شئ من ذلك) أي مما ذكر من نحو السوار وما بعده. (قوله: كخلخال إلخ) تمثيل للسرف. (وقوله: وزن مجموع فرديته) أي لاحداهما فقط، خلافا لمن وهم فيه. (قوله: مائتا مثقال) قال في التحفة: لم يرتض الأذرعي التقييد بالمائتين، بل اعتبر العادة، فقد تزيد وقد تنقص. وبحث غيره أن السرف في خلخال الفضة أن يبلغ ألفي مثقال، وهو بعيد، بل ينبغي الاكتفاء فيه بمائتي مثقال كالذهب. اه. (قوله: فتجب الزكاة فيه) أي في الخلخال جميعه، لا قدر السرف فقط. (تتمة) لم يتعرض لبيان زكاة المعدن والركاز. وحاصل ذلك أن ما استخرج من معادن الذهب أو الفضة يخرج منه إن بلغ نصابا بأربع العشر، لعموم خبر وفي الرقة ربع العشر. ولخبر الحاكم أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ من المعادن القبلية الصدقة. ولا يعتبر فيه االحول، بل يخرج حالا، لأنه إنما يعتبر للتمكن من تنمية المال، والمستخرج من معدن نماء في نفسه، وإنما اعتبر النصاب لأن ما دونه لا يحتمل المواساة - كما في سائر الأموال الزكوية - وما يوجد من الركاز - وهو دفين الجاهلية - ففيه الخمس إن بلغ نصابا، ولا يعتبر الحول فيه، بل يخرج حالا، كزكاة المعدن، ويصرف الخمس وربع العشر في القسمين مصرف الزكاة - على المعتمد. (قوله: وتجب الخ) لما أنهى الكلام على ما يتعلق بزكاة النقدين والتجارة، شرع يتكلم على ما يتعلق بزكاة القوت، والأصل فيها قوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * (1) وقوله تعالى: * (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) * (2) فأوجب الإنفاق مما أخرجته الأرض، وهو الزكاة، لأنه لا حق فيما أخرجته غيرها. (قوله: على من مر) أي المسلم الحر المعين. (قوله: في قوت) أي مقتات، وهو ما يقوم به البدن غالبا، لأن الاقتيات ضروري للحياة، فأوجب الشارع منه شيئا لأرباب الضرورات. وخرج به ما يؤكل تداويا، أو تنعما، أو تأدما كالزيتون، والزعفران، والورس، والخوخ، والمشمش، والتين، والجوز، واللوز، والتفاح - فلا تجب الزكاة في شئ منها، لأنها لا تستعمل للاقتيات. (وقوله: اختياري) أي يقتات في حالة الاختيار. وخرج به ما يقتات في حالة الاضطرار - كحب حنظل،

_ (1) الانعام: 141. (2) البقرة: 267

وحمص، ودخن، وباقلاء، ودقسة. (و) في (تمر وعنب) من ثمار (بلغ) قدر كل منهما (خمسة أوسق) وهي بالكيل: ثلثمائة صاع. والصاع: أربعة أمداد. والمد: رطل وثلث (منقى) من تبن) وقشر لا يؤكل معه غالبا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وغاسول، وترمس - فلا تجب الزكاة في شئ منها. (قوله: من حبوب) بيان لقوت. (قوله: كبير إلخ) تمثيل للقوت من الحبوب، وذكر ثمانية أمثلة. والبر - بضم الموحدة - ويقال له قمح. وحنظلة: كانت الحبة منه - حين نزل من الجنة - قدر بيضة النعامة، وألين من الزبد، وأطيب من رائحة المسك، ثم صغرت في زمن فرعون، فصارت الحبة قدر بيضة الدجاجة، ثم صغرت حين قتل يحيى بن زكريا، فصارت قدر بيضة الحمامة، ثم صغرت فصارت قدر البندقة، ثم قدر الحمصة، ثم صارت إلى ما هي عليه الآن. فنسأل الله أن لا تصغر عنه. نقله ش ق عن الأجهوري. ومثل البر: اللوبياء، والجلبان، والماش - وهو نوع من الجلبان - وإنما وجبت الزكاة في جميع ذلك لورود بعضها في الأخبار، وألحق به الباقي. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل حين بعثهما إلى اليمن: لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير، والحنطة، والتمر، والزبيب. فالحصر فيه إضافي، أي بالنسبة إلى ما كان موجود عندهم، لخبر الحاكم، وقال صحيح الإسناد عن معاذ أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: فيما سقت السماء والسيل والبعل، العشر. وفيما سقي بالنضح نصف العشر. وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القناء والبطيخ والرمان والقصب فعفو - عفا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: وأرز) بفتح الهمزة، وضم الراء، وتشديد الزاي - وهو أشهر لغاته. والشائع على الألسنة رز - بلا همزة - وتسن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أكله، لأنه خلق من نوره. (فإن قيل) إن الأشياء كلها خلقت من نوره. (أجيب) بأنه خلق من نوره بلا واسطة، وكل الأشياء التي تنبت من الأرض فيها داء ودواء، إلا الرز: فإن فيه دواء، ولا داء فيه. (قوله: وحمص) بكسر الحاء مع فتح الميم المشددة أو كسرها وما اشتهر على الألسنة من ضم الحاء وتشديد الميم المضمومة فليس بلغة. (قوله: ودخن) بضم الدال المهملة وإسكان الخاء المعجمة: نوع من الذرة، إلا أنه أصغر منها. (قوله: وباقلا) بالتشديد مع القصر، أو بالتخفيف مع المد: وهي الفول. (قوله: ودقسة) قال في القاموس: وهي حب كالجاورش. (قوله: وفي تمر، وعنب) معطوف على في قوت، وصنيعه يقتضي أنهما ليسا من القوت، وليس كذلك، فلو قال أولا وهو من الحبوب كبر الخ، ثم قال ومن الثمار كتمر وعنب، لكان أولى. ويحتمل إن قول الشارح من ثمار مؤخر من النساخ، وأن الأصل ومن ثمار في تمر وعنب. وعبارة المنهاج تختص بالقوت - وهو من الثمار: الرطب، والعنب. ومن الحب: الحنطة، والشعير، والأرز، والعدس. وسائر المقتات اختيارا. اه. (قوله: منهما) أي من المذكورين: القوت، والتمر والعنب. (وقوله: خمسة أوسق) أي أقله ذلك، وما زاد فبحسابه، فلا وقص فيها. والمراد أنها لا تجب فيما دون خمسة أوسق، لخبر الشيخين: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة. والأوسق: جمع وسق - بالفتح على الأشهر - مصدر بمعنى الجمع، قال الله تعالى: * (والليل وما وسق) * (1) أي جمع. (قوله: وهي) أي خمسة الأوسق. (وقوله: ثلمائة صاع) أي لأن الوسق ستون صاعا فإذا ضربت خمسة الأوسق في الستين صاعا كانت الجملة ثلثمائة صاع. (قوله: والصاع أربعة أمداد) وإذا ضربت أربعة الأمداد في ثلثمائة الصاع صارت الجملة ألفا ومائتي مد. (قوله: والمد رطل وثلث) أي بالبغدادي، وجملة خمسة الأوسق بالأرطال: ألف وستمائة رطل. وضبطت بالكيل المصري: ستة أرادب وربع أردب. وقال بعض المحققين: النصاب الآن بالكيل المصري أربعة أرادب وويبة، لأن الكيل الآن نقص عدده عما كان، بسبب ما يكال به الآن، حتى صارت الأرادب وويبة مقدار ستة الأرادب وربع الأردب المقدرة نصابا سابقا، فالتفاوت بينهما إردبان وكيلة. (قوله: منفي) حال من فاعل بلغ بالنسبة للقوت فقط، وإن كان صنيعه يقتضي رجوعه له ولقسيمه، أي يعتبر في القوت بلوغه خمسة أوسق حال كونه منقى، أي مصفى من تبنه لأنه لا يدخر فيه، ولا يؤكل معه، ويغتفر قليل لا يؤثر في الكيل، وحال كونه منقى من قشره الذي لا يؤكل معه

_ (1) الانشقاق: 17

واعلم أن الارز مما يدخر في قشره ولا يؤكل معه، فتجب فيه إن بلغ عشرة أوسق (عشر) للزكاة. (إن سقي بلا مؤنة) كمطر، (وإلا) أي وإن سقي بمؤنة كنضح (فنصفه) أي نصف العشر. وسبب التفرقة: ثقل المؤنة في هذا، وخفتها في الاول، سواء أزرع ذلك قصدا، أم نبت اتفاقا - كما في المجموع - حاكيا فيه الاتفاق، وبه يعلم ضعف قول الشيخ زكريا في تحريره تبعا لاصله: يشترط لوجوبها أن يزرعه مالكه أو نائبه، فلا زكاة فيما ـــــــــــــــــــــــــــــ في الغالب، فإن كان يؤكل معه في الغالب - كذرة - فلا يعتبر تنقيته منه فيدخل قشره في الحساب وأما غير القوت فيعتبر بلوغه خمسة أوسق حال كونه تمرا إن تتمر الرطب، أو حال كونه زبيبا إن تزبب العنب، وإن لم يتتمر الأول أو لم يتزبب الثاني: فيعتبر ذلك حال كونه رطبا أو عنبا، وتخرج الزكاة منهما في الحال. (قوله: واعلم أن الأرز) ومثله العلس بفتحتين، وهو نوع من الحنطة. قال في التحفة: وهو قوت نحو أهل صنعاء في كل كمام حبتان وأكثر. اه. (قوله: فتجب) أي الزكاة. (وقوله: فيه) أي في الأرز، ومثله ما مر. (قوله: وإن بلغ عشرة أوسق) أي اعتبارا لقشرة الذي ادخاره فيه أصلح له وأبقى بالنصف، وبعد ذلك له أن يخرج الواجب عليه حال كونه في قشره، وله أن يخرجه خالصا لا قشر عليه. (قوله: عشر للزكاة) انظر موقعه من الإعراب؟ وظاهر صنيعه أنه مبتدأ، والجار والمجرور بعده خبر. أي عشر يخرج للزكاة. ويرد عليه أن عشر نكرة، ولا يجوز الابتداء بها، ويمكن على بعد جعل الجار والمجرور صفة له، ويكون هو المسوغ وجملة الشرط بعده خبر المبتدأ، ولو قال - كسابقه - ويجب فيما ذكر عشر إلخ، أو أبقى المتن على ظاهره، ولم يقدر عند قوله وفي قوت المتعلق وهو تجب، لكان أولى وأخصر. وعليه: يكون الجار والمجرور خبرا مقدما. وقوله عشر: مبتدأ مؤخرا، ويكون المعنى عليه: والعشر واجب في القوت إن سقي بلا مؤنة. ثم ظهر صحة جعل بدلا من الضمير المستتر في تجب العائد على الزكاة، بناء على أنه لا يشترط في البدل صحة إحلاله محل المبدل منه، أما على اشتراط ذلك فلا يصح، لأنه يلزمه عليه إسناد المبدوء بتاء الغيبة للاسم الظاهر المذكر، وهو لا يجوز. ومنع العلامة الصبان - في حاشية الأشموني - إبدال الظاهر من ضمير الغيبة المستتر، وقال: فلا يقال هند أعجبتني جمالها - على الإبدال. فتنبه. (قوله: إن سقي) أي ما ذكر من القوت وما عطف عليه. (قوله: بلا مؤنة) أي بلا مؤنة كثيرة، بأن لم يكن هناك مؤنة أصلا، أو مؤنة قليلة. ولو سقي بما فيه مؤنة وغيره وجب القسط من كل، باعتبار عيش الزرع والثمر ونمائها، لا بأكثر المدتين، ولا بعدد السقيات. فلو كانت المدة من وقت الزرع إلى وقت الإدراك ثمانية أشهر، واحتيج في أربعة منها إلى سقيتين فسقي بالمطر، وفي الأربعة الأخرى إلى سقيتين فسقي بالنضح، وجب ثلاثة أرباع العشر، أو احتاج في ستة منها إلى سقيتين فسقي بماء السماء، وفي شهرين إلى ثلاث سقيات فسقي بالنضح، وجب ثلاثة أرباع العشر، وربع نصف العشر. (قوله: كمطر) تمثيل لما كان بغير مؤنة، ومثله ماء انصب إليه من جبل، أو نهر، أو عين. (قوله: أي وإن سقي) الأولى بأن سقي، بباء التصوير. (قوله: كنضح) أي نقل الماء من محله إلى الزرع بحيوان أو غيره. (قوله: فنصفه) أي فالواجب نصف العشر. والأصل فيه - وفيما قبله - خبر البخاري: فيما سقت السماء أو العيون أو كان عثريا، العشر. وفيما سقي بالنضح، نصف العشر. (قوله: وسبب التفرقة) أي بين ما سقي بلا مؤنة حيث كان واجبه العشر، وما سقي بمؤنة حيث كان واجبه نصف العشر. (قوله: ثقل المؤنة في هذا) أي فيما سقي بمؤنة. (وقوله: وخفتها في الأول) أي فيما سقي بلا مؤنة، ولا يقال إن بين خفتها وبين بلا مؤنة تنافيا، لأن خفتها تثبت أصل المؤنة، وبلا مؤنة ينفيه، لأنا نقول المراد من المؤنة المنفية الكثيرة، وهو يصدق بوجودها مع خفتها - كما علمت - ثم إن المراد بخفتها أن شأنها ذلك، وإلا فقد لا تكون هناك مؤنة أصلا - كما علمت أيضا -. (قوله: سواء الخ) تعميم في وجوب الزكاة في القوت، وما عطف عليه، ولو قدمه على قوله عشر الخ لكان أولى. (وقوله: أزرع ذلك قصدا) أي زرعه مالكه أو نائبه عمدا. (وقوله: أم نبت اتفاقا) أي كأن وقع الحب بنفسه من يد مالكه عند حمل الغلة مثلا، أو بإلقاء نحو طير في أرضه، فنبت. (قوله: كما في المجموع) أي كما ذكره فيه، وهو راجع للتعميم. (وقوله: حاكيا) أي الإمام النووي، وهو حال من الضمير المستتر في متعلق الجار والمجرور. (وقوله: فيه) أي في المجموع أو في التعميم. (قوله: وبه يعلم الخ) أي بما حكاه في المجموع من الاتفاق على التعميم المذكور

انزرع بنفسه، أو زرعه غيره بغير أذنه. ولا يضم جنس إلى آخر لتكميل النصاب، بخلاف أنواع الجنس، فتضم. وزرعا العام يضمان إن وقع حصادهما في عام. (فرع) لا تجب الزكاة في مال بيت المال، ولا في ريع موقوف من نخل أو أرض على جهة عامة ـــــــــــــــــــــــــــــ يعلم إلخ. (قوله: ويشترط الخ) مقول قول الشيخ زكريا، لكن بنوع تصرف في عبارته، ونصها: وشرط وجوبها أن يبلغ خمسة أوسق، وأن يزرعه مالكه أو نائبه، فلا زكاة فيما انزرع بنفسه أو زرعه غيره بغير إذنه، كنظيره في سوم الماشية. انتهت. قال في التحفة - بعد أن ساق العبارة المذكورة وضعفها -: وفي الروضة وأصلها - ما حاصله - إن ما تناثر من حب مملوك بنحو ريح أو طير، زكي. وجرى عليه شراح التنبيه وغيرهم، فقالوا: ما نبت من زرع مملوك بنفسه. زكي. وعليه، يفرق بين هذا والماشية بأن لها نوع اختيار، فاحتيج لصارف عنه، وهو قصد إسامتها، بخلافه هنا. وأيضا فنبات القوت بنفسه نادر، فألحق بالغالب، ولا كذلك في سوم الماشية، فاحتيج لقصد مخصص، ويظهر أن يلحق بالمملوك ما حمله سيل إلى أرضه مما يعرض عنه فنبت، وقصد تملكه بعد النبت أو قبله. اه. وكتب ش ق على قول التحرير المار ما نصه: هو قول مرجوح، والمعتمد خلافه، بل المعتبر تمام الملك وإن لم يباشر المالك - ولا نائبه - زراعته، كأن وقع الحب بنفسه من يد مالكه عند حمل الغلة مثلا، أو بإلقاء نحو طير. كأن وقعت العصافير على السنابل فتناثر الحب ونبت، فتجب الزكاة في ذلك أن بلغ نصابا. وخرج بالملك المذكور ما نبت من حب حمله السيل من دار الحرب إلى أرضنا غير المملوكة لأحد فلا زكاة فيه، لأنه فئ، والمالك غير معين. أما لو كانت مملوكة فيملكه من نبت بأرضه. ومثل ما حمله السيل إلى الأرض غير المملوكة: ثمار النخل المباح بالصحراء، وما وقف من ثمار بستان أو حب قرية على المساجد والربط والقناطر والفقراء والمساكين، فلا زكاة في شئ من ذلك. ولو حمل الهواء أو الماء حبا مملوكا فنبت بأرض - فإن أعرض عنه مالكه فهو لصاحب الأرض، وعليه زكاته، وإن لم يعرض عنه فهو له، وعليه زكاته، وأجره مثل الأرض لصاحبها. اه. (قوله: ولا يضم جنس إلى آخر) أي كضم الحنطة إلى الأرز، أو التمر إلى العنب. وهذا مجمع عليه في التمر والزبيب. ومقيس في نحو البر والشعير. قال في التحفة: يقع كثيرا أن البر يختلط بالشعير، والذي يظهر أن الشعير إن قل - بحيث لو ميز لم يؤثر في النقص - لم يعتبر، فلا يجزئ إخراج شعير، ولا يدخل في الحساب، وإلا لم يكمل أحدهما بالآخر. فما كمل نصابه أخرج عنه من غير المختلط. اه. (قوله: بخلاف أنواع الجنس فتضم) أي فيضم نوع منه إلى نوع آخر منه، وذلك كتمر معقلي فيضم إلى برني، وكبر مصري فيضم إلى شامي، لاتحاد الاسم، ويخرج من كل بقسطه، لأنه لا مشقة فيه، فإن عسر التقسيط - لكثرة الأنواع - أخرج الوسط. لا أعلاها، ولا أدناها - رعاية للجانبين - فإن تكلف وأخرج من كل بقسطه فهو أفضل. (قوله: وزرعا العام يضمان) العام ليس بقيد، بل المدار على حصادهما في عام واحد، ولو كانا زرعي عامين. ولو قال والزرعان يضمان إن وقع الخ، لكان أولى وأخصر. (قوله: إن وقع حصادهما في عام) أي بأن يكون بين حصادي الأول والثاني دون اثني عشر شهرا عربية، ولا عبرة بابتداء الزرع، لأن الحصاد هو المقصود، وعنده يستقر الوجوب. قال في المغنى: وهل المراد بالحصاد أن يكون بالفعل أو بالقوة؟ قال الكمال ابن أبي شريف: تعليلهم يرشد إلى الثاني. اه. (تتمة) لم يتعرض لوقت وجوب الزكاة في القوت وما عطف عليه، وحاصله أن وقته إذا بدا صلاح الثمر - ولو في بعضه - لأنه حينئذ ثمرة كاملة. وقبله بلح أو حصرم. والمراد ببدو الصلاح: بلوغه صفة يطلب فيها غالبا، فعلامته في الثمر المتلون أخذه في حمرة أو سواد أو صفرة، وفي غير المتلون - كالعنب الأبيض - لينه وتمويهه، وهو صفاؤه، وجريان الماء فيه. وإذا اشتد الحب ولو في البعض أيضا لأنه حينئذ قوت، وقبله بقل. ومع وجوبها بما ذكر لا يجب الإخراج إلا بعد التصفية والجفاف فيما يجف، بل لا يجزئ قبلهما. (قوله: فرع الخ) هذا الفرع له تعلق بجميع الأصناف التي تتعلق بها الزكاة، وهو محترز قول الشارح فيما مر معين، فكان الأولى أن يقدمه هناك، أو يؤخره عن بيان زكاة النعم. فتنبه.

- كالفقراء والفقهاء والمساجد - لعدم تعين المالك. وتجب في موقوف على معين واحد، أو جماعة معينة - كأولاد زيد -، ذكره في المجموع. وأفتى بعضهم في موقوف على إمام المسجد أو المدرس بأنه يلزمه زكاته - كالمعين -. قال شيخنا: والاوجه خلافه، لان المقصود بذلك: الجهة: دون شخص معين. (تنبيه) قال الجلال البلقيني في حاشية الروضة، تبعا للمجموع: إن غلة الارض المملوكة أو الموقوفة على معين، إن كان البذر من مال مالكها أو الموقوف عليه: فتجب عليه الزكاة فيما أخرجته الارض. فإن كان البذر من مال العامل وجوزنا المخابرة، فتجب الزكاة على العامل، ولا شئ على صاحب الارض، لان الحاصل له أجرة أرضه. وحيث كان البذر من صاحب الارض، وأعطي منه شئ للعامل، لا شئ على العامل، لانه أجرة عمله. اه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: في مال بيت المال) إضافة مال إلى بيت لأدنى ملابسة، أي مال المسلمين المحفوظ في بيت المال. (قوله: ولا في ريع موقوف) هذا التركيب إضافي، أي لا تجب الزكاة في ريع الشئ الموقوف. والمراد بالريع: ما يستخرج منه من الفوائد. (وقوله: من نخل أو أرض) بيان لموقوف. (قوله: على جهة عامة) متعلق بموقوف. (قوله: كالفقراء إلخ) تمثيل للجهة العامة. (قوله: لعدم تعين المالك) تعليل لعدم وجوب الزكاة فيما ذكر. (قوله: وتجب) أي الزكاة. (قوله: في موقوف) أي ريع موقوف. (قوله: على معين واحد) أي كزيد. (قوله: في موقوف) أي شئ موقوف من أرض أو نخل أو غيرهما. (قوله: على إمام المسجد) أي من يصلي في هذا المسجد إماما. (قوله: أو المدرس) أي في هذا المسجد مثلا. (قوله: بأنه) متعلق بأفتى، وضميره يعود على من ذكر من الإمام والمدرس. (قوله: يلزمه زكاته) أي الموقوف، أي ريعه. (قوله: قال شيخنا) عبارته: وأفتى بعضهم في موقوف على إمام المسجد أو المدرس بأنه يلزمه زكاته كالمعين، وفيه نظر ظاهر، بل الوجه خلافه، لأن المقصود بذلك الجهة، دون شخص معين. كما يدل عليه كلامهم في الوقف. اه. (وقوله: لأن المقصود بذلك: الجهة) أي كل من اتصف بهذا الوصف، لا شخص معين. (قوله: إن غلة الأرض الخ) مقول القول، والغلة هي الريع المار، وقد علمته. (قوله: المملوكة) بالجر، صفة للأرض. (قوله: أو الموقوفة على معين) احترز به عن الموقوفة على غير معين، فإنه لا تجب فيه الزكاة - كما مر آنفا. (قوله: من مال مالكها) أي الأرض، وهذا بالنسبة لما إذا كانت مملوكة. (وقوله: أو الموقوف عليه) أي أو من مال الموقوف عليه، وهذا بالنسبة لما إذا كانت موقوفة، فكلامه على اللف والنشر المرتب. (قوله: فتجب عليه) أي من ذكر من المالك، أو الموقوف عليه المعين. (قوله: فإن كان البذر من مال العامل) أي الذي يعمل في الأرض ويزرعها. (قوله: وجوزنا المخابرة) أي وجرينا على أنها جائزة، أي صحيحة. وهذا ليس بقيد، بل لو جرينا على أنها فاسدة يكون الحكم كذلك، لأن فاسد الإجارة كصحيحها، فتكون الزكاة واجبة على العامل، لأن الزرع ملك له، وعليه لمالك الأرض أجرتها فقط. وعبارة الروض وشرحه: وتجب الزكاة على مالك الثمار والحبوب. وإن كانت الأرض مستأجرة أو ذات خراج. اه. والمخابرة: هي معاملة على أرض ببعض ما يخرج منها، والبذر من العامل - كما سيأتي - والمعتمد فيها عدم الصحة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: من لم يذر المخابرة، فليؤذن بحرب من الله ورسوله. (قوله: ولا شئ على صاحب الأرض) أي لا زكاة عليه، سواء كان مالكا أو موقوفا عليه. (قوله: لأن الحاصل له الخ) أي لان الشئ الذي يحصل لصاحب الأرض يأخذه مما استخرجته الأرض أجرة أرضه، وهي لا زكاة فيها. وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) عمن أكرى مزرعة لأحد على أن له شيئا معلوما من الغلة كل سنة، فهل يجب عليه - إذا أخذ تلك الأجرة - أن يؤدي زكاتها إذا بلغت نصابا أو لا؟ وإذا كانت الأجرة نقدا، ماذا حكمها؟ (فأجاب) بقوله: لا تلزمه زكاة الأجرة إن كانت حبا إلا إذا كان للتجارة ووجدت فيه شروطها، ولا تلزمه زكاتها إذا كانت نقدا إلا إن مضى عليه حول من حين ملكها وهي نصاب. اه. بتصرف. (قوله: وحيث كان البذر من صاحب الأرض إلخ) هذه هي المزارعة، لأنها معاملة على أرض ببعض ما يخرج منها، والبذر من المالك - كما سيأتي - والمعتمد فيها أيضا عدم الصحة. (قوله: وأعطي منه شئ للعامل) الفعل مبني للمجهول، وأسند إلى مفعوله الثاني ومفعوله الأول

وتجب الزكاة لنبات الارض المستأجرة مع أجرتها على الزارع. ومؤنة الحصاد والدياس على المالك. ـــــــــــــــــــــــــــــ للعامل، واللام زائدة. أي وأعطى المالك العامل في مقابلة عمله شيئا من البذر، والمراد مما تخرجه الأرض بعد بذرها ببذر المالك. (قوله: لا شئ على العامل) أي لا زكاة عليه. (قوله: لأنه أجرة عمله) أي لأن ما يأخذه مما استخرجته الأرض إنما هو أجرة عمله، وهي لا زكاة فيها. (قوله: وتجب الزكاة لنبات الأرض المستأجرة) مثلها الأرض الخراجية، فتجب الزكاة فيها مع الخراج. وعبارة الروض: وتجب وإن كانت الأرض مستأجرة أو ذات خراج. وقال في شرحه: فتجب الزكاة مع الأجرة أو الخراج. ثم قال: وأما خبر: لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم فضعيف، قاله في المجموع، وعبارة التحفة: لو أجر الخراجية، فالخراج على المالك، ولا يحل لمؤجر أرض أخذ أجرتها من حبها قبل أداء زكاته، فإن فعل لم يملك قدر الزكاة، فيؤخذ منه عشر ما بيده، أو نصفه، كما لو اشترى زكوبا لم تخرج زكاته، ولو أخذ الإمام أو نائبه - كالقاضي - الخراج على أنه بدل من العشر، فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد أو التقليد، والأصح إجزاؤه - أو ظلما. لم يجز عنها، وإن نواها المالك وعلم الإمام بذلك. وقول بعضهم يحتمل الإجزاء. يرد بأن الفرض أنه قاصد الظلم، وهذا صارف عنها، وقولهم يجوز دفعها لمن لا يعلم أنها زكاة، لأن العبرة بنية المالك: محله عند عدم الصارف من الآخذ، أما معه - كأن قصد بالأخذ جهة أخرى - فلا، وبهذا يعلم أن المكس لا يجزئ عن الزكاة إلا إن أخذه الإمام أو نائبه، على أنه بدل عنها باجتهاد أو تقليد صحيح، لا مطلقا، خلافا لمن وهم فيه. اه. وقوله: بدل من العشر: أي في الزكاة، وقوله: كأخذ القيمة: أي في الزكاة في غير عروض التجارة. (وسئل) ابن حجر عن أخذ السلطان الجائر العشور المعهودة في ذا الزمن باسم الزكاة ونوي به المأخوذ منه الزكاة، فهل يسقط به الغرض أولا فأجاب بقوله: نعم يسقط بأخذه على الوجه المذكور فرض الزكاة عن المأخوذ منه، لأن الإمام الجائر كالعادل في الزكاة وغيرها، ويقع لبعض التجار - الذين ليس لهم كبير تقوى، ويغلب عليهم البخل والخزي - أنهم يكثرون الأسئلة عما يأخذه منهم أعوان السلاطين من الملوك: هل يقع عنهم من الزكاة إذا نووها؟ فنجيبهم بما هو المعروف المقرر. وبسط الكلام فيه بعض شراح الإرشاد من أن ذلك لا يحسب من زكواتهم. لأن الإمام لم يأخذه باسم الزكاة، بل باسم الذب عنهم وعن أموالهم، فهو وأعوانه يعتقدون أن ذلك حق له في أموال التجار يستحق أخذه قهرا عليهم، ولو سمع هو أو بعض أعوانه عن بعض التجار أنه يدفع ذلك لهم باسم الزكاة: لما قبلوا منه ذلك، وأخذوه قهرا عليه على غير هذا الوجه، بل ربما آذوه وسبوه، والدفع للإمام أو نائبه العام إنما يجزئ عن الزكاة حيث لم يمتنع الإمام أو نائبه من أخذه على هذا الوجه، أو يأخذه بقصد مغاير له، فحينئذ لا يمكن حسبان ما أخذه عن الزكاة. وبقي مانع آخر من ذلك، وهو أن الدفع إلى السلطان غير ممكن، وإنما يقع الدفع لنائبه العام أو الخاص، والدفع للنائب العام ... وهو الوزير الأعظم، أو نحوه - متعسرا أيضا، وإنما الواقع والمتيسر الدفع إلى النائب الخاص، وهذا النائب الخاص لا يولونه على أخذه زكاة بوجه، وإنما يولونه على أخذ العشور، ومرادهم بها المكوس - كما هو معلوم من أحوالهم، وعباراتهم، وعاداتهم - فمن أراد الدفع إليهم باسم الزكاة ولم يدفعها لإمام ولا لنائبه فيها فكيف تجزئ عنه؟ فليتأمل ذلك، وليشع لهم، فإن بعض فسقة المتفقهة والتجار ربما حسبوا ما يؤخذ منهم من المكوس من الزكوات الواجبة عليهم، وما دروا أنها * (يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جباهم، وجنوبهم، وظهورهم) * وتقول لهم ملائكة العذاب * (هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) *. أعاذنا الله من ذلك وأمثاله بمنه وكرمه. اه. (قوله: ومؤنة الحصاد والدياس على المالك) هذه المسألة مستقلة، وليست مرتبطة بما قبلها - أعني قوله: وتجب الزكاة لنبات الأرض المستأجرة وإن كان هو ظاهر منعه ووجه عدم ارتباطها به أنه إن أريد بالمالك مالك الأرض الذي هو المؤجر فلا يصح لأنه ليس عليه شئ أصلا لأنه مؤجر يستلم أجره أرضه فقط وإن أريد به مالك -، د،، الزرع الذي هو المستأجر، فلا يصح اختصاص الحكم المذكور به. وأيضا لو كان هذا هو المراد، لقال عليه بالضمير العائد على الزراع. إذا علمت ذلك، فكان الأولى للشارح أن يقدم هذه المسألة قبيل

_ (1) التوبة: 35

(و) تجب على من مر للزكاة (في كل خمس إبل شاة) جذعة ضأن لها سنة، أو ثنية معز لها سنتان، ويجزئ الذكر، وإن كانت إبله إناثا، لا المريض إن كانت إبله صحاحا (إلى خمس وعشرين) منها. ففي عشر شاتان، وخمسة عشر ثلاث، وعشرين إلى الخمس والعشرين أربع، فإذا كملت الخمس والعشرون (فبنت مخاض) لها سنة، هي واجبها إلى ست وثلاثين. سميت بذلك لان أمها آن لها أن تصير من المخاض - أي ـــــــــــــــــــــــــــــ الفرع، أو يفصلها عما قبلها بترجمة مستقلة، كأن يقول: فرع إلخ. دفعا لما يوهمه صنيعه. ومعنى ما ذكر: إن مؤنة الحصاد والدياسة - ومثلهما مؤنة جذاذ الثمر وتجفيفه - تكون من خالص مال المالك للزرع، سواء كان مالكا للأرض أيضا أم لا - بأن كان مستأجرا لها - لا من مال الزكاة. وكثيرا ما يخرجون ذلك من التمر أو الحب، ثم يزكون الباقي، وهو خطأ، ويدل لما ذكرته عبارة الروض وشرحه، ونصها: (فرع) مؤنة الجفاف، والتصفية، والجذاذ، والدياس والحمل، وغير ذلك - مما يحتاج إلى مؤنة - على المالك، لا من مال الزكاة. اه. ومثلها عبارة شرح المنهج، والتحفة، والنهاية، والمغنى. فتنبه. (قوله: وتجب الخ) شروع في بيان مقدار نصاب النعم. ما يجب إخراجه منه. (وقوله: على من مر) أي المسلم الحر المعين. وتضمن من الشروط ثلاثة، وبقي منها أن تبلغ نصابا وأسامة مالك لها كل الحول، ومضى حول في ملكه، وأن لا تكون عوامل. (قوله: للزكاة) متعلق بتجب. (قوله: في كل خمس إبل: شاة إلخ) بدأ بالإبل لأنها أشرف أموال العرب. والأصل فيما ذكره فيها ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه، أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين على الزكاة: بسم الله الرحمن الرحيم. هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه: في أربع وعشرين من الإبل، فما دونها الغنم في كل خمس: شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين: ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر. فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين: ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين: ففيها حقه طروقة الجمل. فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين: ففيها جذعة. فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين، ففيها بنتا لبون. فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة، ففي كل أربعين: بنت لبون، وفي كل خمسين حقه وقوله: في الحديث لا يعطه أي الزائد، بل يعطى الواجب. (واعلم) أن هذا العدد تعبدي، لا يسأل عن حكمته، بل يتلقى عن الشارع بالقبول. (قوله: جذعة ضأن) بدل من شاة. (وقوله: لها سنة) أي تحديدية، لكن لو أجذعت مقدم أسنانها - أي أسقطته - بعد ستة أشهر، أجزأت. فالأول منزل منزلة البلوغ بالسن، والثاني منزل منزلة البلوغ بالاحتلام. (وقوله: أو ثنية معز) أو: للتخيير، فهو مخير بين الجذعة والثنية. (وقوله: لها سنتان) أي تحديدا. (قوله: ويجزئ الذكر إلخ) أي لصدق اسم الشاة عليه، فإنها تطلق على الذكر والأنثى، إذ تاؤها للوحدة لا للتأنيث، ولأنها من غير الجنس، وبه فارق منع إخراج الذكر عن الإناث في الغنم. (قوله: لا المريض الخ) أي لا يجزئ المريض إن كانت إبله صحاحا، أي سليمة. ومقتضى التقييد بما ذكر أنه يجزئ المريض إن كانت إبله غير صحاح، وهو ضعيف، والمعتمد عدم إجزاء المريض مطلقا - كما صرح به في التحفة - ونصها: ويشترط - كما صححه في المجموع، خلافا لما قد يقتضي تصحيحه كلام الروضة وأصلها - صحة الشاة وكمالها، وإن كانت الإبل مريضة أو معيبة، لأن الواجب هنا في الذمة، فلم يعتبر فيه صفة المخرج عنه، بخلافه فيما يأتي بعد الفصل. فإن لم يجد صحيحة فرق قيمتها دراهم - كمن فقد بنت المخاض مثلا فلم يجدها، ولا ابن لبون ولا بالثمن، فيفرق قيمتها للضرورة. اه. (وقوله: بخلافه فيما يأتي) أي وهو أنه لا تؤخذ مريضة ولا معيبة من الغنم إلا من مثلها. (قوله: إلى خمس وعشرين) متعلق بمحذوف، أي ويستمر وجوب الشاة في كل خمس إبل إلى أن يبلغ عددها خمسا وعشرين، فإذا بلغ عددها ذلك وجب فيها بنت مخاض. (وقوله: منها) أي الإبل. (قوله: ففي عشر الخ) تفريع على ما قبله. (قوله: وخمسة عشر: ثلاث) أي وفي خمسة عشر: ثلاث شياه. (قوله: وعشرين إلخ) أي وفي عشرين إلى الخمس والعشرين أربع شياه، والغاية ليست داخلة. (قوله: فإذا كملت) أي استكملت. (قوله: فينت مخاض) أي بنت ناقة مخاض. فإن عدمها فابن لبون، أو

الحوامل -. (وفي ست وثلاثين) إلى ست وأربعين (بنت لبون) لها سنتان. سميت بذلك لان لها أمها آن لها أن تضع ثانيا، وتصير ذات لبن. (و) في (ست وأربعين) إلى إحدى وستين: (حقة) لها ثلاث سنين، وسميت بذلك لانها استحقت أن تركب، ويحمل عليها، أو أن يطرقها الفحل. (و) في (إحدى وستين: جذعة) لها أربع سنين. سميت بذلك لانها يجذع مقدم أسنانها، أي يسقط. (و) في (ست وسبعين: بنتا لبون. و) في (إحدى وتسعين: حقتان. و) في (مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون. ثم) الواجب (في كل أربعين بنت لبون. و) في كل (خمسين حقة. و) يجب (في ثلاثين بقرة - إلى أربعين - تبيع) له سنة، سمي بذلك لانه يتبع أمه. (و) في ـــــــــــــــــــــــــــــ حق وإن كان أقل قيمة منها. (قوله: لها سنه) أي إن بنت المخاض ما كان لها سنة، أي وطعنت في الثانية. وكذا يقال فيما بعد، لأن الأسنان المذكورة تحديدية. (قوله: هي) أي بنت المخاض. (وقوله: واجبها) أي الخمس والعشرين. (وقوله: إلى ست وثلاثين) أي ويستمر هذا الواجب فيها إلى أن يبلغ عددها ستا وثلاثين. والغاية ليست بداخلة. (قوله: سميت) أي الناقة التي تخرج عن الخمس والعشرين. (وقوله: بذلك) أي بنت مخاض. (قوله: لأن أمها آن) هو بمد الهمزة: من الأوان، بمعنى الوقت، أي قرب. (وقوله: أن تصير من المخاض) وعبارة الرملي لأن لها أمها بعد سنة من ولادتها أن لها أن تحمل مرة أخرى، فتصير من المخاض. اه. ولا يخالف كلام الشرح، لأنها تسمى بهذا الاسم إلا بعد بلوغ السنة. (قوله: وفي ست وثلاثين) أي وتجب في ست وثلاثين من الإبل. (وقوله: إلى ست وأربعين) أي ويستمر هذا الواجب - أعني بنت اللبون - إلى أن تبلغ ستا وأربعين (قوله: بنت لبون) أي بنت ناقة لبون، ولا يؤخذ ابن اللبون، وألحق عنها عند فقدها. والفرق بينها وبين بنت المخاض: أن كلا منهما يزيد على بنت المخاض بقوته على ورود الماء والشجر، وامتناعه من صغار السباع بنفسه، ولم يزد بذلك على بنت اللبون لوجود تلك القوة فيها أيضا، فلم يجزئ عنها. (قوله: سميت) أي الناقة التي تخرج عن الست والثلاثين. (وقوله: بذلك) أي بنت اللبون. (قوله: وفي ست وأربعين) أي وتجب في ست وأربعين. (وقوله: حقه) - بكسر الحاء - ويجزئ عنها بنتا لبون. (قوله: وفي إحدى وستين) أي وتجب في إحدى وستين من الإبل. (وقوله: جذعة) - بفتحتين -: ما قبل الثني، ويجزئ عنها حقتان، أو بنتا لبون، لإجزائهما عما زاد. (قوله: سميت) أي الناقة التي تجزئ عن الإحدى والستين. (وقوله: بذلك) أي بالجذعة. (قوله: وفي ست وسبعين بنتا لبون) وهذا تعبدي، لا بالحساب، وإلا فمقتضى الحساب أن يجب في اثنين وسبعين بنتا لبون، لأن بنت اللبون وجبت في ست وثلاثين، فلو اعتبر الحساب لوجب في اثنتين وسبعين: بنتا لبون. (قوله: في إحدى وتسعين: حقتان) أي تعبدا، لا بالحساب، كما في الذي قبله، وإلا بأن اعتبر الحساب، لما وجبت الحقتان إلا في اثنتين وتسعين، ومثله يقال فيما بعد. (قوله: وفي مائة وإحدى وعشرين: ثلاث بنات لبون) فإن نقصت الواحدة لم يحسب سوى الحقتين. (قوله: ثم الواجب في كل أربعين إلخ) ظاهره يقتضي أنه متى زاد على مائة وإحدى وعشرين - ولو واحدة - يتغير الواجب، ويكون في كل أربعين إلخ. ويستقيم الحساب. وليس كذلك، بل إنما يتغير الواجب بزيادة تسع على المائة والإحدى والعشرين، ثم بزيادة عشر عشر، ويستقيم الحساب. ففي مائة وثلاثين: حقة وبنتا لبون، وفي مائة وأربعين: حقتان وبنت لبون. وهكذا. (قوله: ويجب في ثلاثين بقرة الخ) شروع في بيان نصاب البقر. وأول النصاب فيه ثلاثون. والبقر شامل للعراب والجواميس من الذكور والإناث. والثور خاص بالذكر. والأصل فيما ذكره فيه: ما رواه الترمذي وغيره، عن معاذ رضي الله عنه، قال: بعثتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وأمرني إن أخذ من كل أربعين بقرة مسنة، ومن كل ثلاثين: تبيعا. وصححه الحاكم وغيره. (قوله: تبيع) لو أخرج تبيعة أجزأت - بطريق الأولى - لأنها أنفع من الذكر، لما فيها من الدر والنسل. وتبيع بمعنى تابع، كما يؤخذ من قوله لأنه يتبع أمه. (قوله: له سنة) أي وطعن في الثانية. (قوله: سمي) أي ما يخرج عن الثلاثين من البقر. (وقوله: بذلك) أي بتبيع. (قوله: لأنه يتبع

(أربعين) إلى ستين: (مسنة) لها سنتان، سميت بذلك لتكامل أسنانها. (و) في (ستين: تبيعان، ثم في كل ثلاثين: تبيع. و) في كل (أربيعن: مسنة. و) يجب (في أربعين غنما) إلى مائة وإحدى وعشرين: (شاة. و) في (مائة وإحدى وعشرين) إلى مائتين وواحدة (شاتان. و) في (مائتين وواحدة) إل ثلثمائة (ثلاث) من الشياه. (و) في (أربعمائة: أربع) منها، (ثم في كل مائة: شاة) جذعة ضأن لها سنة، أو ثنية معز لها سنتان. وما بين النصابين يسمى وقصا. ولا يؤخذ خيار كحامل ومسمنة للاكل. وربى وهي حديثة العهد بالنتاج بأن يمضي لها من ولادتها نصف شهر - إلا برضا مالك. (وتجب الفطرة) أي زكاة الفطر. سميت بذلك لان وجوبها به. وفرضت - كرمضان - في ثاني سني ـــــــــــــــــــــــــــــ أمه) أي في المرعى. ويجمع على أتبعة كرغيف وأرغفة. (قوله: وفي أربعين: مسنة) لو أخرج عن أربعين، تبيعين، أجزأ على الصحيح. (قوله: سميت) أي البقرة. (قوله: بذلك) أي بمسنة. (قوله: وفي ستين: تبيعان) أي يجب في ستين بقرة: تبيعان. (قوله: ثم في كل ثلاثين: تبيع) أي ثم بعد الستين بزيادة عشرة عشرة يتغير الواجب، ويكون في كل ثلاثين: تبيع، وفي كل أربعين: مسنة. (قوله: ويجب في أربعين غنما الخ) شروع في بيان نصاب الغنم، وأول نصابها أربعون، فلا زكاة في أقل من ذلك، ويصدق مخرجها في عددها إن كان ثقة، وإلا عدت، والأسهل عند مضيق تمر به واحدة واحدة، وبيد كل من المالك والساعي - أو نائبهما - قضيب، يشيران به إلى كل واحدة، أو يصيبان به ظهرها، لأن ذلك أبعد عن الغلط. (واعلم) أنه يجزئ في الغنم نوع آخر: كضأن عن معز، وعكسه، كما يجزئ أرحبية عن مهرية، وعكسه في الإبل وعراب عن جواميس وعكسه في البقر. (قوله: وفي مائتين وواحدة إلى ثلثمائة) صوابه إلى أربعمائة، إذ ما بين المائتين والواحدة والأربعمائة: وقص لا يتغير فيه الواجب. تأمل. (قوله: ثم في كل مائة: شاة) أي لحديث أنس في ذلك، رواه البخاري. ونقل الشافعي أن أهل العلم لا يختلفون في ذلك، ولو تفرقت ماشية المالك في أماكن: فهي كالتي في مكان واحد، حتى لو ملك أربعين شاة في بلدين لزمته الزكاة، ولو ملك ثمانين في بلدين. وفي كل أربعون لا يلزمه إلا شاة واحدة، وإن بعدت المسافة بينهما، خلافا للإمام أحمد، فإنه يلزمه عنده عند التباعد شاتان. اه. مغنى. (قوله: وما بين النصابين) أي في الإبل والبقر والغنم يسمى وقصا. قال في التحفة: أكثر ما يتصور من الوقص في الإبل تسعة وعشرون ما بين إحدى وتسعين ومائة وإحدى وعشرين. وفي البقر: تسع عشرة ما بين أربعين وستين. وفي الغنم: مائة وثمانية وتسعون ما بين مائتين وواحدة وأربعمائة. اه. (قوله: ولا يؤخذ خيار) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إياك وكرائم أموالهم ولقول عمر - رضي الله عنه -: ولا تؤخذ الأكولة، ولا الربى، ولا الماخض - أي الحامل - ولا فحل الغنم. نعم: ما كانت ماشيته كلها كذلك أخذ منها، إلا الحوامل، فلا يطالب بحامل منها. (قوله: كحامل) تمثيل لخيار. (وقوله: ومسمنة) - بالجر - عطف على حامل. (وقوله: للأكل) اللام تعليلية، متعلقة بمسمنة. (قوله: وربى) بضم الراء وتشديد الباء الموحدة والقصر، ووزنها فعلى: بضم الأول والقصر، وجمعها: ربات، ومكسرها: رباب - بالكسر. (قوله: وتجب الفطرة) لما أنهى الكلام على بيان زكاة الأموال وشرائطها، شرع في بيان زكاة الأبدان وشرائطها، فقال: وتجب الفطرة، وهي بكسر الفاء: الخلقة، قال الله تعالى: * (فطرة الله التي فطر الناس عليها) *. وتطلق في اصطلاح الفقهاء على القدر المخرج عن البدن، ولذلك فسرها المؤلف به، فقال - أي زكاة الفطرة - والإضافة فيه من إضافة الشئ إلى أحد سببيه، وهما إدراك جزء من شوال، وإدراك آخر جزء من رمضان. والأصل في وجوبها: خبر ابن عمر رضي الله عنهما: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على الناس: صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى، من المسلمين. وخبر أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنا نخرج زكاة الفطر إذا كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعا

_ (1) الروم: 30

الهجرة. وقول ابن اللبان بعدم وجوبها غلط - كما في الروضة - قال وكيع: زكاة الفطر لشهر رمضان - كسجدة السهو للصلاة - تجبر نقص الصوم، كما يجبر السجود نقص الصلاة - ويؤيده ما صح أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث. (على حر) فلا تلزم على رقيق عن نفسه، بل تلزم سيده عنه، ولا عن زوجته، بل إن كانت أمة فعلى سيدها، وإلا فعليها - كما يأتي -. ولا على مكاتب لضعف ملكه، ومن ثم لم تلزمه زكاة ماله ولا نفقة أقاربه، ولاستقلاله لم تلزم سيده عنه، (بغروب) شمس (ليلة فطر) من رمضان، أي بإدراك آخر جزء منه وأول ـــــــــــــــــــــــــــــ من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب. فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت. رواهما الشيخان. (قوله: سميت) أي الفطرة، بمعنى القدر المخرج عن البدن. (وقوله: بذلك) أي بزكاة الفطر. (قوله: لأن وجوبها) أي الفطرة بالمعنى المذكور. (وقوله: به) أي بالفطر. قال ابن قاسم: وجوبها به صادق مع كون الوجوب بغيره أيضا معه، فهو لا ينافي كون الوجوب بالجزءين. اه. وتسمى أيضا صدقة البدن، وزكاة الأبدان وزكاة الفطر - بمعنى القدر المخرج - فالإضافة بيانية، أو بمعنى الخلقة - فهي على معنى اللام - أي أنها تزكية للنفس، أو تنمية لعملها. (قوله: وفرضت) أي زكاة الفطر. (قوله: كرمضان) أي كصيام رمضان. (قوله: في ثاني سني الهجرة) لم يبين في أي يوم في الشهر. وعبارة المواهب اللدنية: وفرض زكاة الفطر قبل العيد بيومين. اه. ع ش. (قوله: وقول ابن اللبان الخ) عبارة التحفة: ونقل ابن المنذر الإجماع على وجوبها، ومخالفة ابن اللبان فيه غلط صريح - كما في الروضة. (قوله: قال وكيع) هو شيخ الإمام الشافعي رضي الله عنه، ومن كلام الشافعي - رضي الله عنه: شكوت إلى وكيع سوء حفظي * * فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور * * ونور الله لا يهدى لعاصي (قوله: زكاة الفطر لشهر رمضان) أي بالنسبة لشهر رمضان. (قوله: كسجدة السهو للصلاة) أي بالنسبة للصلاة. (قوله: تجبر إلخ) بيان لوجه الشبه، فالجامع بينهما مطلق الجبر. (وقوله: نقص الصوم) أي بالنسبة لمن يصوم. (قوله: ويؤيده) أي يؤيد جبرها لنقص الصوم الذي قال به وكيع ما صلح إلخ، ويؤيده أيضا خبر: إن صوم رمضان معلق بين السماء والأرض، لا يرفع إلا بزكاة الفطر. وهو كناية عن توقف تمام ثوابه، حتى تؤدى الزكاة، فلا ينافي حصول أصل الثواب بدونها. (قوله: على حر) متعلق بتجب، أي تجب على حر، وهذا بيان للمخرج - بكسر الراء - فتجب عليه ولو كان كافرا، لا عن نفسه، إذ لا طهرة له، بل عن ممونه المسلم كزوجته بأن أسلمت وتخلف، وتجزئ هنا بلا نية لتعذرها من المؤدى عنه دائما، ومن المؤدي هنا، فغلب فيها سد الحاجة. اه. فتح الجواد. (قوله: فلا تلزم) أي لا تجب. (وقوله: على رقيق) أي كله، فإن كان مبعضا ففيه تفصيل، وهو أنه إن لم تكن مهايأة يلزمه من الفطرة عن نفسه قسطه بقدر ما فيه من الحرية، وإن كانت مهايأة لزمت من وقع زمن الوجوب في نوبته، إما هو وإما سيده. (قوله: بل تلزم) أي زكاة الفطرة. (وقوله: سيده) أي الرقيق. (وقوله: عنه) أي ويخرجها عنه، أي الرقيق، فهو متعلق بمقدر. (قوله: ولا عن زوجته) معطوف على قوله عن نفسه، وضمير زوجته يعود على الرقيق. (قوله: بل إن كانت) أي زوجة الرقيق، والإضراب انتقالي. (قوله: فعلى سيدها) أي فالزكاة واجبة على سيدها. (قوله: وإلا فعليها) وإن لم تكن أمة بأن كانت حرة، فالزكاة واجبة عليها. (وقوله: كما يأتي) أي في قوله: وعلى الحرة الغنية المزوجة لعبد، لا عليه. (قوله: ولا على مكاتب) معطوف على رقيق من عطف الخاص على العام، لأن المكاتب قن ما بقي عليه درهم، أي ولا تلزم على مكاتب: لا عن نفسه، ولا عن زوجته. (قوله: لضعف ملكه) أي فهو لا يحتمل المواساة. (قوله: ومن ثم) أي من أجل ضعف ملكه لم تلزمه زكاة ماله. (قوله: ولاستقلاله) أي بالتصرف. (وقوله: لم تلزمهم) أي الفطرة، سيده، ومحله إذا كانت الكتابة صحيحة، فإن كانت فاسدة لزمته قطعا. (وقوله: عنه) أي المكاتب. (قوله: بغروب شمس ليلة فطر) لفظ غروب مضاف إلى شمس، وهي مضافة لليلة، من إضافة الشئ إلى ملابسه، إذ الشمس إنما تضاف للنهار، لا لليل.

جزء من شوال. فلا تجب بما حدث بعد الغروب من ولد، ونكاح، وملك قن، وغنى، وإسلام. ولا تسقط بما يحدث بعده من موت، وعتق، وطلاق، ومزيل ملك. ووقت أدائها من وقت الوجوب إلى غروب شمس يوم الفطر. فيلزم الحر - المذكور - أن يؤديها قبل غروب شمسه، (عمن) أي عن كل مسلم (تلزمه نفقته) بزوجية، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويصح تنوين شمس ونصب ليلة على الظرفية المتعلقة بغروب، أي تجب بغروب لشمس ليلة الفطر من رمضان، وذلك لإضافتها إلى الفطر من رمضان في خبر الشيخين السابق: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان. إلخ. ولما تقرر أنها طهرة للصائم، فكانت عند تمام صومه. (قوله: أي بإدراك الخ) تفسير مراد لوجوبها بغروبها ليلة فطر من رمضان، أي أن المراد بذلك إدراك آخر جزء من رمضان وأول جزء من شوال، لأن الوجوب نشأ من الصوم والفطر، فأسند إليهما لئلا يلزم التحكم، وهذا بيان لأقل ما يتحقق به السبب الأول، وإلا فالسبب الأول هو رمضان - كلا أو بعضا - أي القدر المشترك بين كله وبعضه، بدليل قولهم: له تعجيل الفطرة من أول رمضان لأنه لو لم يكن كذلك لكان تقديمها أول رمضان تقديما على السببين، وهو ممتنع. (قوله: فلا تجب الخ) مفرع على مفهوم قوله بغروب ليلة فطر، المفسر بإدراك الجزأين. (قوله: بما حدث) أي عما حدث، فالباء بمعنى عن. (قوله: بعد الغروب) أي أو معه. (قوله: من ولد الخ) بيان لما، وذلك بأن وضعت زوجته بعد الغروب أو معه، فلا زكاة على أبيه، لعدم إدراك الابن الجزأين. (وقوله: نكاح) أي بأن عقد عليها بعد الغروب، أو معه، فلا تجب زكاتها عليه، لعدم إدراكها الجزأين عنده. (قوله: وملك قن) بأن اشترى عبدا بعدما ذكر، أو معه، فلا زكاة عليه - لما ذكر. (قوله: وغنى) أي بأن طرأ الغنى له، أو لقريب تلزمه نفقته بعد ما ذكر أو معه. (قوله: ولا تسقط الخ) معطوف على فلا تجب، فهو تفريع أيضا، لكن على منطوق ما مر. (وقوله: بعده) أي الغروب، وإنما لم تسقط لإدراكه الجزأين. (قوله: من موت الخ) بيان لما. (وقوله: وعتق) أي لعبده بعد الغروب، فلا تسقط عن السيد زكاته لإدراك العبد الجزأين وهو في ملكه. ولو قال لعبده أنت حر مع آخر جزء من رمضان، وجبت على العبد، لإدراكه الجزأين وهو حر، بخلاف ما لو قال أنت حر مع أول جزء من ليلة شوال: فلا تجب على أحد. (قوله: وطلاق) أي بأن طلق زوجته بعد الغروب، فلا تسقط عنه فطرتها، لإدراكها الجزأين وهي في ذمته. (قوله: ومزيل ملك) أي ببيع لعبده أو عتق له أو موته، فهو من ذكر العام بعد الخاص. (قوله: وقت أدائها إلخ) فإن أخرها عن هذا الوقت كانت قضاء - كما سيذكره. (قوله: فيلزم الخ) دخول على المتن. (وقوله: الحر المذكور) أي في قوله آنفا على حر. (وقوله: أن يؤديها) أي الفطرة. (وقوله: قبل غروب شمسه) أي يوم الفطر. (قوله عمن) متعلق بيؤديها، وهذا بيان للمؤدى عنه، ولا يقال إن كلام المصنف قاصر على ما إذا اختلف المؤدى والمؤدي عنه، ولم يستفد منه ما إذا أراد أن يخرج عن نفسه، لأنا نقول إن من: صادقة بنفس المؤدى وبغيره. نعم، يكون في العبارة إظهار في مقام الإضمار بالنسبة إليه على تفسير الشارح من بكل مسلم، إذا التقدير عليه: فيلزم الحر أن يؤديها عن المسلم الذي هو نفسه. ولا يخفى ما فيه. ويوجد في بعض نسخ الخط: وعمن تلزمه - بزيادة واو العطف - وعليه: فهو معطوف على مقدر، أي تجب الزكاة على حر عن نفسه وعمن تلزمه نفقته. (وقوله: أي عن كل مسلم) أي ولو كان المخرج كافرا، لأنها تجب على الكافر عن رقيقه، وقريبه المسلمين، وزوجته بأن أسلمت وتخلف هو، لا عن نفسه - كما تقدم - إذ لا طهرة له - وهذا في أصلي. أما المرتد، فإن أسلم: لزمته عن نفسه وممونه، وإلا فلا. (وقوله: يلزمه نفقته) أشار بذلك إلى ضابط من تلزم فطرته، وهو أن يقال كل من لزمته نفقته لزمته فطرته، واستثنى من منطوق هذا الضابط مسائل. منها: العبد لا يلزمه فطرة زوجته - حرة كانت أو أمة - وإن وجبت عليه نفقتهما في كسبه ونحوه، لأنه ليس أهلا لفطرة نفسه، فلا يكون أهلا لفطرة غيره. ومنها الابن - لا يلزمه فطرة زوجة أبيه، أو مستولدته، وإن وجبت نفقتهما على الابن لإعسار الأب، لأن النفقة لازمة للأب مع إعساره، فيتحملها عنه ابنه، بخلاف الفطرة: فليست لازمة له مع إعساره، فلا يتحملها عنه ابنه. ويستثنى من مفهومه: المكاتب كتابة فاسدة، فلا تلزم السيد نفقته، وتلزمه فطرته. والأمة المزوجة المسلمة لزوجها ليلا ونهارا مع كونه عبدا ومعمرا، فلا يلزم سيدها نفقتها، ويلزمه فطرتها. (قوله: بزوجته) الباء سببية متعلقة بتلزمه، فمدخول الباء وما عطف

أو ملك، أو قرابة، حين الغروب. (ولو رجعية) أو حاملا بائنا، ولو أمة، فيلزم فطرتهما كنفقتهما. ولا تجب عن زوجة ناشزة، لسقوط نفقتها عنه، بل تجب عليها إن كانت غنية. ولا عن حرة غنية غير ناشزة تحت معسر، فلا تلزم عليه لانتفاء يساره، ولا عليها لكمال تسليمها نفسها له. ولا عن ولد صغير غني، فتجب من ماله، فإن ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه، بيان لسبب لزوم النفقة. (قوله: أو قرابة) المراد بها قرابة الأبوة أو النبوة. قال ع ش: وهل يثاب المخرج عنه أو لا؟ فيه نظر. والأقرب الثاني. فليراجع - كما قيل به في الأضحية من أن ثواب الأضحية للمضحي، ويسقط بفعله الطلب عن أهل البيت. اه. (قوله: حيين الغروب) متعلق بتلزمه، أو بمحذوف صفة لكل من زوجية وما بعدها. (قوله: ولو رجعية) غاية لمن تلزمه نفقته، أي تجب الفطرة عمن تلزمه نفقته، ولو كان من تلزمه نفقته زوجة رجعية، أي طلقها طلاقا رجعيا ولم تنقض عدتها قبل غروب ليلة العيد. (قوله: أو حاملا بائنا) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا لمن ذكر، أي تجب الفطرة عنه ولو كان حاملا، وقد طلقها طلاقا بائنا. والمناسب تقديم بائنا وجعل حاملا قيدا له، بأن يقول أو بائنا حاملا، وخرج به: ما إذا كانت بائنا غير حامل، فلا تجب فطرتها عليه، لسقوط نفقتها. وعبارة البجيرمي: والبائن الحامل دون الحائل، أي لأن النفقة واجبة لها دونها، إذ وجود الحمل اقتضى وجوب النفقة، فيقتضي وجوب الفطرة أيضا. وقد يفرق بأن النفقة لها مدخل في نحو الحمل وزيادته، ولا كذلك الفطرة، إلا أن يقال على بعد لو لم يجب إخراج فطرة الحامل على الغير لوجبت عليها، وقد تخرج ما تحتاج إليه في اليوم الذي يلي يوم الفطرة، ولا تجد ما تقتات به في ذلك اليوم، فيحصل لها وهن في بدنها، فيتعدى لحملها، فأوجبنا الفطرة خلوصا من ذلك. اه. (قوله: ولو أمة) غاية في الرجعية، وفي الحامل البائن، والمراد أنها أمة للغير وتزوجها، ثم طلقها طلاقا رجعيا أو بائنا وهي حامل منه، ففطرتها على زوجها، للزوم نفقتها عليه، لا على سيدها. (قوله: فيلزم) أي الزوج، فمفعوله محذوف. (وقوله: فطرتهما) أي الرجعية، والحامل البائن فاعله. (وقوله: كنفقتهما) أي كوجوب نفقتهما عليه. (قوله: ولا تجب عن زوجة ناشزة) في الكردي ما نصه: قال في الإيعاب: ومثلها كل من لا نفقة لها - كغائبة ومحبوسة بدين وغير ممكنة، ولو لنحو صغر، ومعتدة عن شبهة - بخلاف نحو مريضة، لأن المرض عذر عام. اه. (قوله: لسقوط نفقتها) أي بسبب نشوزها. (وقوله: عنه) أي عن زوجها. (قوله: بل تجب عليها) أي بل تجب فطرتها عليها، لا عليه. قال ش ق: نعم، لو نشزت الزوجة وعادت قبل الغروب، وجبت لها فطرتها عليه. وإن لم تجب نفقتها، لأنها حينئذ في طاعته. وكذا لو حيل بينها وبين زوجها، فيجب عليه فطرتها، دون نفقتها. اه. (قوله: إن كانت غنية) خرج به ما إذا كانت معسرة، فلا يجب عليها شئ. (قوله: ولا عن حرة) أي ولا تجب الفطرة عن زوجة حرة. وخرج بها: الأمة المزوجة، ففطرتها على سيدها - كما سيذكره - لأن له أن يسافر بها ويستخدمها، ولأنه اجتمع فيها شيئان: الملك والزوجية، والملك أقوى، ونقض ذلك بما إذا سلمها ليلا ونهارا والزوج موسر، فإن الفطرة واجبة على الزوج، قولا واحدا. قال السبكي: ويمكن الجواب عنه بأنها عند اليسار لم تسقط عن السيد، بل تحملها الزوج عنه. (وقوله: غنية) مثلها الفقيرة بالأولى. (وقوله: غير ناشزة) خرج به الناشزة، ففطرتها عليها - كما تقدم آنفا. (قوله: تحت معسر) أي زوج حر معسر وإنما قيدت بالحر - وإن كان الرقيق من المعسرين - لأن المؤلف جرى على أنها إذا كانت تحت رقيق يلزمها فطرة نفسها - كما سيذكره بقوله: وعلى الحرة الغنية المزوجة لعبد إلخ - وهو ضعيف، كما ستعرفه. (قوله: فلا تلزم عليه) أي لا تجب الفطرة على زوجها المعسر. (قوله: ولا عليها) أي ولا تجب فطرة نفسها عليها، لكن يسن لها أن تخرجها عن نفسها، وكذا كل من سقطت فطرته لتحمل الغير لها - يسن له أن يخرج عن نفسه، إن لم يخرجها المتحمل. وخرج بفطرتها فطرة غيرها - كأمتها وبعضها - فإنها تلزمه. ولو كان الزوج حنيفا يري وجوب فطرتها على نفسها وهي شافعية ترى الوجوب على الزوج، فلا وجوب على واحد منهما، لعدم اعتقاد كل أنها عليه. قال الكردي: وفي عكس ذلك يتوجه الطلب عليه عملا بعقيدته، وعليها عملا بعقيدتها، فأي واحد منهما أخرج عنها كفى، وسقط الطلب عن الآخر، لكن الشافعي يوجب الإخراج من غالب قوت البلد، والحنفي لا يوجب ذلك، فإن كان الغالب البر، وأخرج الزوج الشافعي عنها بمقتضى مذهبه كفى، حتى عندها. وإن أخرجت عن

أخرج الاب عنه من ماله جاز، ورجع إن نوى الرجوع. وفطرة ولد الزنا على أمه. ولا عن ولد كبير قادر على كسب. ولا تجب الفطرة عن قن كافر، ولاعن مرتد، إلا أن عاد للاسلام. وتلزم على الزوج فطرة خادمة الزوجة، إن كانت أمته، أو أمتها وأخدمها إياها، لا مؤجرة، ومن صحبتها، - ولو بأذنه، على المعتمد -. وعلى ـــــــــــــــــــــــــــــ نفسها على مقتضى مذهبها. فينظر في الذي أخرجته، فإن كان من التمر، أو الزبيب، أو الشعير، أو القيمة، أو غير ذلك - ما عدا البر - فلا يكفي ذلك في عقيدة الشافعي، فيلزمه أن يخرج عنها بحسب عقيدته صاعا من البر. وإن أخرجت الزوجة عن نفسها من البر، فالواجب منه - عند الحنفية - نصف صاع، بخلاف بقية الأقوات الواجب منها عندهم صاع، لكن نصف الصاع عندهم أربعة أرطال بالبغدادي، والواجب عند الشافعية صاع كامل من غالب قوت البلد، والصاع عندهم خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، فإذا أخرجت الزوجة عن نفسا نصف صاع من البر لزم الزوج الشافعي إخراج رطل وثلث بالبغدادي عنها، حتى يكمل الصاع عنده، وهذا لم أقف على من نقحه، وقد أوضحته في الأصل. اه. (قوله: ولا عن ولد صغير غني) معطوف على عن زوجة ناشزة، أي لا تجب عن ولد صغير على أبيه. وخرج بالغني: الفقير، ففطرته على أبيه، كما علم من قوله: أو قرابة. (قوله: فتجب) أي الزكاة من ماله، أي الولد الصغير. (قوله: فإن أخرج الأب عنه) أي الولد. (وقوله: من ماله) أي من مال نفسه، لا من مال الصغير. (وقوله: جاز) أي إخراجه، ووقع عن زكاته. وعبارة الروض وشرحه: وتسقط عن ولده الصغير الغني بإخراجه لها عنه من مال نفسه، لأن له ولاية عليه، ويستقل بتمليكه، فيقدر كأنه ملكه ذلك، ثم تولى الأداء عنه. أما الوصي والقيم فلا يخرجان عنه من مالهما إلا بإذن القاضي. اه. (وقوله: ورجع) أي الأب على مال الولد الصغير. (وقوله: إن نوى الرجوع) أي عند الإخراج. (قوله: وفطرة ولد الزنا على أمة) أي لأنها يلزمها نفقته. ومثله ولد الملاعنة، ففطرته عليها، لوجوب نفقته عليها. ولو اعترف الزوج بعد إخراجها لم ترجع عليه بها، كما لا ترجع عليه بالنفقة لكونه منفيا عنه حال الإخراج ظاهرا، ولم يثبت نسبه إلا من حين استلحاقه، ولأن ذلك منها على سبيل المواساة. وقضية هذا أنه لو كان بإجبار حاكم رجعت. أفاده ش ق. (قوله: ولا عن ولد كبير) معطوف أيضا على عن زوجة ناشزة، أي ولا تجب عن ولد كبير على أبيه، بل تجب عليه، فلو أخرجها عنه أبوه من ماله لا تسقط عنه إلا بإذنه، لعدم استقلاله. (قوله: قادر على كسب) أي أو عنده مال، ولو قال غني - كالذي قبله - لكان أولى. (قوله: ولا تجب الفطرة عن قن كافر) أي ولا عن زوجة كافرة، ولا عن قريب كافر. وعبارة المنهاج مع التحفة: لكن لا يلزم المسلم فطرة العبد والقريب والزوجة الكفار، وإن لزمه نفقتهم، لما مر. ويظهر في قن سبي - ولم يعلم إسلامه سابيه - أنه لا فطرة عنه في حال صغره، وكذا بعد بلوغه - إن لم يسلم - عملا بالأصل. بخلاف من في دارنا وشككنا في إسلامه، عملا بأن الغالب فيمن بدارنا الإسلام. اه. (قوله: ولا عن مرتد الخ) أي ولا تجب عن مرتد، قنا كان أو زوجة، أو قريبا، إلا إن عاد إلى الإسلام. فزكاته قبله موقوفة. (قوله: وتلزم على الزوج) أي تجب عليه. (وقوله: فطرة خادمة الزوجة الخ) أي لأنها حينئذ تلزمه نفقتها، فلزمته فطرتها. (وقوله: وأخدمها) أي الزوجة. (وقوله: إياها) أي الأمة. ويجوز العكس، فيجعل الضمير الأول للأمة، والثاني للزوجة. والمراد أنه جعل أمتها تخدمها. وفي سم ما نصه: (فرع) حيث وجبت فطرة الخادمة، فينبغي أن محله ما لم يكن لها زوج موسر، وإلا ففطرتها على زوجها، لأنه الأصل في وجوب فطرتها، فحيث أيسر ففطرتها عليه، وإلا فعلى زوج المخدومة، وإن وجبت نفقتها على زوجها، لأن النفقة تجب على المعسر، بخلاف الفطرة، وفي هذه الحالة لها نفقتان: واحدة على زوجها بالزوجية، والأخرى على زوج المخدومة بالإخدام، ولها فطرة، لأن الفطرة لا تتعدد. اه. (قوله: لا مؤجرة) أي لا تلزمه فطرة الخادمة إن كانت أجنبية مؤجرة، أي ولو كانت الإجارة فاسدة لعدم وجوب نفقتها عليه. قال ع ش: ومثل هذا ما يكثر وقوعه في مصرنا وقراها من استئجار شخص لرعي دوابه مثلا بشئ معين، فإنه لا فطرة له، لكونه مؤجرا إجارة إما صحيحة، أو فاسدة، بخلاف ما لو استخدمه بالنفقة أو الكسوة - أي غير المقدرة - فتجب فطرته كخادم الزوجة. اه. (وقوله: ومن صحبتها الخ) أي ولا من صحبت زوجته لتخدمها بنفقتها، لأنها في معنى المؤجرة، فلا يلزمه فطرتها، كما

السيد فطرة أمته المزوجة لمعسر، وعلى الحرة الغنية المزوجة لعبد - لا عليه ولو غنيا. قال في البحر: ولو غاب الزوج، فللزوجة اقتراض نفقتها للضرورة، لا فطرتها، لانه المطالب، وكذا بعضه المحتاج. وتجب الفطرة على من مر، عمن ذكر (إن فضل عن قوت ممون) له تلزمه مؤنتة من نفسه وغيره (يوم عيد وليلته) وعن ملبس، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن المؤجرة لا يلزمه فطرتها. (قوله: ولو بإذنه) في النهاية إسقاط ولو، وهو الأولى، إذ الخلاف إنما هو فيما إذا كان ذلك بإذنه. (وقوله: على المعتمد) أي عند النووي. واعتمد الرافعي في النفقات وجوب فطرتها، وجزم به المتولي، وقال في النهاية: والأوجه حمل الأول - أعني عدم الوجوب - على ما إذا كان لها مقدر من النفقة لا تتعداه، والثاني - أعني الوجوب - على ما إذا لم يكن لها مقدر وتأكل كفايتها كالإماء. اه. بتصرف. (قوله: وعلى السيد فطرة إلخ) أي وتجب على السيد فطرة أمته المزوجة، لما مر أنه اجتمع فيها شيآن الزوجية والملك، وهو أقوى منها. (وقوله: لمعسر) خرج به الموسر، ففطرتها عليه، لا على السيد، قولا واحدا. وتقدم عن السبكي أنها لم تسقط عن السيد بل تحملها الزوج عنه. (قوله: وعلى الحرة إلخ) أي وتجب الفطرة على الحرة الغنية المزوجة لعبد. وما جرى عليه المؤلف من أنها تلزمها، ضعيف. والمعتمد - الذي صرح به النووي في منهاجه - أنها لا تلزمها. ونص عبارته: ولو أعسر الزوج - أو كان عبدا - فالأظهر أنه يلزم زوجته الحرة فطرتها، وكذا سيد الأمة. (قلت): الأصح المنصوص، لا تلزم الحرة. والله أعلم. اه. ثم رأيته في شرح الروض نبه على ما نبهت عليه، وعبارته: وما ذكره كأصله من إنها تلزم زوجته الحرة ذكره في موضوع من المجموع مثله، وذكر في آخر منه كالمنهاج أنها لا تلزمها وهو ما جرى عليه في الإرشاد وشرحه، وهو المعتمد. ومشيت عليه في شرح البهجة، وإن كان قد يفرق بين المعسر والعبد: بأن الأول أهل للتحمل في الجملة، بخلاف الثاني: فوجبت فطرة زوجته عليها، دون فطرة زوجة الأول. اه. (قوله: لا عليه) أي لا تجب على العبد، وإن أوجبنا نفقتها في كسبه، لأنه ليس أهلا لفطرة نفسه، فكيف يتحمل عن غيره؟ (وقوله: ولو غنيا) محل تأمل إذ مفاده أن العبد بملك ويوصف بالغنى، وليس كذلك. نعم، على القديم يملك بتمليك سيده ملكا ضعيفا، فلعل المؤلف جرى عليه. وفي المغنى ما نصه: وعلى القديم يملك بتمليك سيده ملكا ضعيفا، ومع ذلك لا زكاة عليه، ولا على سيده، على الأصح. فإن قلنا يملك بتمليك غير سيده، فلا زكاة أيضا عليه، لضعف ملكه - كما مر - ولا على سيده لأنه ليس له. اه. (قوله: ولو غاب الزوج) أي ولم يترك لزوجته نفقة. (قوله: فللزوجة اقتراض نفقتها) أي بإذن القاضي. فإذا حضر طالبته بوفاء ما اقترضته لأنه دين عليه. (قوله: للضرورة) أي لتضررها بترك النفقة بخلاف الفطرة. (وقوله: لا فطرتها) أي لا يجوز اقتراض فطرتها. (وقوله: لأنه المطالب) أي لأن الزوج هو المخاطب بإخراجها. (وقوله: وكذا بعضه) أي ومثل الزوجة - في جواز الاقتراض للنفقة: لا للفطرة - بعضه: أي بعض الغائب أصله أو فرعه، فيجوز له أن يقترض عليه للنفقة، لا للفطرة. (قوله: وتجب الفطرة الخ) دخول على المتن. (قوله: على من مر) أي على الحر. (وقوله: عمن ذكر) أي عن كل مسلم تلزمه نفقته. (قوله: إن فضل) أي زاد. والمراد حال الوجوب. فوجود الفاضل بعده لا يوجبها إتفاقا. لكن يندب أن يخرجها باقتراض أو نحوه وتقع واجبة، لأن ندب الإقدام لا ينافي الوقوع واجبا، كما يشهد له نظائره. وعبارة المنهج وشرحه: ولا فطرة على معسر وقت الوجوب، وإن أيسر بعده، وهو من لم يفضل عن قوته وقوت ممونه يومه وليلته إلخ. اه. والفرق بين ما هنا وبين الكفارة - حيث تستقر في ذمته إذا عجز عنها - أن اليسار هنا شرط للوجوب، وثم للأداء، وكأن حكمته أن هذه مواساة فخفف فيها، بخلاف تلك. (قوله: عن قوت ممون) لو عبر بالمؤنة - كما عبر بها فيما بعد - لكان أولى، لشمولها الملبس والمسكن وغيرهما. ويستغنى بها حينئذ عن قوله الآتي وعن ملبس الخ. (وقوله: له) أي لمن، وهو الحر. (قوله: تلزمه مؤنته) الجملة صفة لممون. (وقوله: من نفسه) بيان لممون. (وقوله: وغيره) أي من زوج، وقريب، ورقيق، وحيوان مملوك له. (قوله: يوم عيد) متعلق بقوت، أي قوت في يوم عيد. (وقوله: وليلته) المراد بها المتأخرة عن يومه - كما في النفقات - وإنما لم يعتبر زيادة على اليوم والليلة المذكورين لعدم ضبط ما وراءهما.

ومسكن، وخادم يحتاج إليهما هو أو ممونه. (وعن دين) - على المعتمد، خلافا للمجموع - ولو مؤجلا، وإن رضي صاحبه بالتأخير. (ما يخرجه فيها) أي الفطرة. (وهي) أي زكاة الفطر (صاع) وهو أربعة أمداد، والمد، رطل، وثلث - وقدره جماعة بحفنة بكفين معتدلين - عن كل واحد (من غالب قوت بلده) أي بلد المؤدى عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وعن ملبس الخ) معطوف على عن قوت، أي وإن فضل عن ملبس إلخ. (وقوله: ومسكن) بفتح الكاف وكسرها. (قوله: يحتاج إليهما) في شرح المنهج: يحتاجها - بضمير المؤنث العائد على الثلاثة - وهو الصواب. فشرط في الملبس أن يكون هو أو ممونه محتاجا إليه، وكذلك المسكن والخادم. والمراد أنه يحتاجها مطلقا، لا في خصوص اليوم والليلة - كالقوت - بدليل إنه قيد به فيه، وأطلق هنا. ويشترط في الثلاثة المذكورة أن تكون لائقة به، فلو كانت نفيسة لا تليق به فيلزمه إبدالها بلائق - أن أمكن - وإخراج التفاوت. (قوله: وعن دين على المعتمد) أي عند شيخ الإسلام وابن حجر. والمعتمد عند الرملي والخطيب: أن الدين لا يمنع وجوب الفطرة. وعبارة المغني: ولا يشترط كونه فاضلا عن دينه ولو لآدمي. كما رجحه في المجموع، كالرافعي في الشرح الصغير، وجزم به ابن المقري في روضه: واقتضاه قول الشافعي رضي الله عنه والأصحاب - لو مات بعد أن هل شوال، فالفطرة في ماله مقدمة على الديون، وبأن الدين لا يمنع الزكاة، وبأنه لا يمنع نفقة الزوجة والقريب فلا يمنع إيجاب الفطرة، وما فرق به من أن زكاة المال متعلقة بعينه والنفقة ضرورية، بخلاف الفطرة فيهما لا يجدي، فالمعتمد ما تقرر، وإن رجح في الحاوي الصغير خلافه، وجزم به المصنف في نكته، ونقله عن الأصحاب. اه. (قوله: ولو مؤجلا) غاية في الدين الذي يشترط فضل ما يخرجه عنه. (قوله: وإن رضي الخ) غاية ثانية له، وهي تناسب الدين الحال. أي ولو رضي صاحب الدين الحال بالتأخير، أي تأخير قبضه - وكان عليه أن يعبر بدل إن - بلو - لأن تعبيره يوهم أنه غاية في الغاية، وليس كذلك. (قوله: ما يخرجه فيها) فاعل فضل، ولا يخفى ما في عبارته من الإظهار في مقام الإضمار، ومن ظرفية الشئ في نفسه، وذلك لأن الفطرة في اصطلاحهم عين ما يخرجه، فيكون التقدير: وتجب الفطرة - أي القدر المخرج - إن فضل ما يخرجه وهذا موجب للركاكة. فلو قال وتجب الفطرة إن فضلت إلخ، وحذف قوله ما يخرجه فيها، لكان أخصر وأولى. (قوله: وهي الخ) المناسب وهو، بضمير المذكر العائد على ما يخرجه الذي هو أقرب مذكور. (وقوله: صاع) أي نبوي. ومعياره موجود، وهو قد حان بالكيل المصري، وينبغي أن يزيد شيئا يسير الاحتمال اشتماله على طين أو تبن أو نحو ذلك. وقد ذكر القفال الشاشي في محاسن الشريعة معنى لطيفا في إيجاب الصاع، وهو أن الناس تمتنع غالبا من الكسب في العيد وثلاثة أيام بعده، ولا يجد الفقير من يستعمله فيها، لأنها أيام سرور وراحة عقب الصوم. والذي يتحصل من الصاع عند جعله خبزا ثمانية أرطال من الخبر، فإنه خمسة أرطال وثلث - كما سيأتي - ويضاف إليه نحو الثلث من الماء، فيكفي المجموع الفقير في أربعة الأيام، كل يوم رطلان. وفي هذه الحكمة نظر، لأن الصاع لا يختص به شخص واحد، بل يجب دفعه للأصناف الثمانية. اللهم إلا أن يقال إنه نظر لقول من يجوز دفعها الواحد، ولأن ما ذكره - من كونه يضاف إليه نحو الثلث من الماء - لا يظهر في نحو التمر واللبن. اللهم إلا أن يجاب بأن ذلك بالنظر للغالب. (قوله: وهو) أي صاع. (قوله: والمد رطل وثلث) أي بغدادي، وهو عند الرافعي: مائة وثلاثون درهما، وعند النووي: مائة وثمانية وعشرون وأربعة أسباع درهم. والأصل في ذلك: الكيل. وإنما قدر بالوزن استظهارا، وهذا فيما شأنه الكيل، ومنه اللبن. أما ما لا يكال أصلا - كالأقط والجبن إذا كان قطعا كبارا - فمعياره الوزن لا غير - كما في الربا - (قوله: وقدره) أي المد. (وقوله: بحفنه) بفتح الحاء، وسكون الفاء - قال في المصباح: وهي ملء الكفين والجمع حفنات. مثل سجدة وسجدات. اه. (وقوله: بكفين الخ) متعلق بمحذوف صفة لحفنة - أي حفنة كائنة بكفي رجل معتدلين - فلا يعتبر صغرهما جدا، ولا كبرهما كذلك. (قوله: عن كل واحد) متعلق بمحذوف صفة لصاع، أي صاع واجب عن كل واحد. وذكر هذا - مع أن قوله المار عمن تلزمه نفقته يغني عنه - ليفيد تخصيص الصاع بواحد، ولا يجزئ عن أكثر من واحد. (قوله: من غالب قوت بلده) متعلق بمحذوف صفة لصاع أيضا. والمراد بالغالب: غالب قوت السنة، لا غالب قوت وقت الوجوب، فأهل الأرياف الذين يقتاتون الذرة في غالب

فلا تجزئ من غير غالب قوته، أو قوت مؤد، أو بلده، لتشوف النفوس لذلك. ومن ثم وجب صرفها لفقراء بلده مؤدى عنه. فإن لم يعرف - كأبق - ففيه آراء: منها: إخراجها حالا. ومنها: أنها لا تجب إلا إذا عاد. وفي قول: لا شئ. ـــــــــــــــــــــــــــــ السنة، والقمح ليلة العيد - مثلا - يجب عليهم الذرة. وأهل مصر يجب عليهم القمح، فإن غلب في بعض البلد جنس، وفي بعضها جنس آخر، أجزأ أدناهما في ذلك الوقت. (قوله: أي بلد المؤدى عنه) أي نفسه أو ممونه، ومحل اعتبار بلده: إن كان قوته مجزئا، فإن لم يكن مجزئا اعتبر أقرب المحال إليه، ويدفع زكاته لأهله، فإن كان بقربه محلان متساويان قربا، تخير بينهما. (قوله: فلا تجزئ) أي الزكاة. (قوله: من غير غالب قوته) أي بلد المودى عنه، وهذا محترز قوله غالب. وفي بعض النسخ: من غالب قوته - بحذف لفظ غير - وعليه، يكون محترز بلده، ويكون ضمير قوته عائدا على المؤدى عنه، وهذا هو الموافق لعبارة فتح الجواد، وشرح الروض. ونص الأولى: فلا تجزئ من غالب قوته أو قوت مؤد أو بلده. اه. ونص الثانية مع الأصل فالواجب غالب قوت بلد المؤدى عنه لا غالب قوت المؤدى عنه، أو المؤدي، أو بلده، كثمن المبيع. اه. (قوله: أو قوت مؤد) معطوف على لفظ غير على النسخ التي بأيدينا وعلى قوته على ما في بعض النسخ، والمعنى على الأول: ولا تجزئ من قوت المؤدي - بكسر الدال -. والمعنى على الثاني: ولا تجزئ من غالب قوت المؤدي - بكسرها أيضا -. (وقوله: أو بلده) أي المؤدي، وهذا ما قبله محترز الضمير في قوت بلده العائد على المؤدى عنه. (قوله: لتشوف النفوس) أي نفوس المستحقين، وهو علة لوجوب كون الصاع من غالب قوت بلد المؤدى عنه، وعدم إجزاء غيره، أي وإنما وجب ما ذكر ولم يجزئ غيره، لتشوف نفوس المستحقين - أي انتظارها، وتطلعها لذلك - أي غالب قوت ما ذكر، لا لغيره. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل تشوف النفوس لذلك. (قوله: وجب صرفها لفقراء بلد مؤدى عنه) أي إذا اختلف بلد المؤدى عنه - بفتح الدال - وبلد المؤدي - بكسرها - بأن كان الرقيق أو الزوجة مثلا ببلد، والسيد أو الزوج ببلد آخر، صرفت من غالب قوت بلد الرقيق أو الزوجة على مستحقي بلديهما، لا بلد السيد أو الزوج، لتشوف نفوسهم لذلك. قال ع ش: وهل يجب عليه التوكيل في زمن - بحيث يصل الخبر إلى الوكيل فيه قبل مجئ وقت الوجوب - أم لا؟ فيه نظر. والأقرب: الثاني. اه. (قوله: فإن لم يعرف) أي المؤدى عنه: أي بلده. وهذا مقابل لمحذوف قيد لقوله وجب صرفها إلخ، وهو أن عرف. (قوله: كآبق) أي لم يعلم محله الذي هو فيه، أما إذا علم تعين قولا واحدا - كما تقدم -. ودخل تحت الكاف: منقطع الخبر - الذي لم يدر محله - من قريب أو زوجة. (قوله: ففيه آراء) أي ففي وجوب صرف فطرته أقوال. (واعلم) أنه في المنهاج أجرى الآراء المذكورة فيمن انقطع خبره، وشارحنا أجراها فيمن لم يعرف محله. والظاهر أنهما متلازمان، فلا خلف بين العبارتين، وذلك لأنه يلزم من عدم معرفة محله انقطاع خبره، وبالعكس. (قوله: منها) أي من تلك الآراء، وهذا هو المعتمد. (قوله: إخراجها حالا) أي ليلة العيد ويومه. قال في التحفة: واستشكل وجوبها حالا بأنها تجب لفقراء بلد المؤدى عنه، وذلك متعذر. وتردد الأسنوي وغيره بين استثنائها، أي من اعتبار فقراء بلد المؤدى عنه وإخراجها في آخر بلد عهد وصوله إليه، لأن الأصل بقاؤها فيها وإعطاؤها للقاضي، لأن له نقلها وتفرقتها، أي ما لم يفوض قبضها لغيره. والذي يتجه في ذلك أنه يدفع البر للقاضي ليخرجه في أي محال ولايته شاء، وتعين البر لإجزائه هنا على كل تقدير، لما يأتي أنه يجزئ عن غيره، وغيره لا يجزئ عنه، فإن تحقق خروجه - أي المؤدي عنه - عن محل ولاية القاضي فالإمام. فإن تحقق خروجه عن محل ولايته أيضا بأن تعدد المتغلبون ولم ينفذ في كل قطر إلا أمر المتغلب فيه - فالذي يظهر أنه يتعين الاستثناء للضرورة حينئذ. اه. بتصرف. (قوله: منها) أي الآراء. (وقوله: لا تجب إلا إذا عاد) أي المؤدي عنه إلى بلد المؤدي - كزكاة المال الغائب - وأجاب صاحب الرأي الأول بأن التأخير إنما جوز هناك للنماء، وهو غير معتبر في زكاة الفطر. (قوله: وفي قول إلخ) المناسب لما قبله أن يقول: ومنها أنه الخ. (قوله: لا شئ) أي يجب مدة غيابه، لأن الأصل براءة الذمة. نعم، يلزمه إذا عاد الإخراج لما مضى - كذا قبل - تفريعا على الثالث، وفيه نظر، لأنه يلزمه عليه اتحاده مع

(فرع) لا تجزئ قيمة ولا معيب ومسوس ومبلول - أي إلا إن جف وعاد لصلاحية الادخار والاقتيات -، ولا اعتبار لاقتياتهم المبلول إلا أن فقدوا غيره، فيجوز. (وحرم تأخيرها عن يومه) أي العبد - بلا عذر، كغيبة مال أو مستحق. ويجب القضاء - فورا - لعصيانه. ويجوز تعجيلها من أول رمضان، ويسن أن لا تؤخر عن الصلاة العيد، بل يكره ذلك. نعم، يسن تأخيرها ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني، إلا أن يقال ظاهر كلامهم - بل صريحه - أنها على الثاني وجبت. وإنما جاز له التأخير إلى عوده رفقا به لاحتمال موته، فعليه - لو أخرجها عنه في غيبته أجزأه لو عاد، وأما على الثالث: فلا يخاطب بالوجوب أصلا، ما دام غائبا، فلا يجزئ الإخراج حينئذ. فإن عاد خوطب بالوجوب الآن - للحال، ولما مضى - وحينئذ فالفرق بين القولين ظاهر. اه. تحفة. (قوله: لا تجزئ قيمة) أي لصاع الفطرة بالاتفاق عندنا، فيتعين إخراج الصاع من الحب أو غيره من القوت الغالب. (قوله: ولا معيب) أي ولا يجزئ إخراج صاع معيب - بنحو غش، أو سوس - أو قدم غير طعمه أو لونه أو ريحه، فيتعين إخراج صاع سليم من العيب. (قوله: ومسوس) بكسر الواو المشددة، وهو معطوف على معيب، من عطف الخاص على العام. وعبارة التحفة: ومعيب ومنه مسوس. اه. (قوله: ومبلول) أي ولا يجزئ حب مبلول بماء أو غيره. (قوله: أي إلا إن جف) أي المبلول ولا حاجة لذكر أي التفسيرية (قوله: وعاد) أي بعد جفافه. (وقوله: لصلاحية الادخار) الإضافة للبيان، أي صلاحية هي الادخار والاقتيات، فلو لم يعد لذلك لا يجزئ إخراجه. (قوله: ولا اعتبار لاقتياتهم المبلول) مثله غيره من كل معيب. (وقوله: إلا إن فقدوا غيره فيجوز) الذي في التحفة والنهاية والمغنى: أنه إذا لم يوجد في البلد قوت مجزئ، أخرج المجزئ من غالب قوت أقرب البلاد إليه. وعبارة التحفة: والذي يوافق كلامهم أنه يلزمه إخراج السليم من غالب قوت أقرب المحال إليهم، وقد صرحوا بأن ما لا يجزئ لا فرق بين أن يقتاتوه، وأن لا، ولا نظر إلى ما هو من جنس ما يقتات وغيره كالمخيض، لأن قيام مانع الإجزاء به صيره كأنه من غير الجنس. اه. وكتب سم: قوله إخراج السليم: لو فقد السليم من الدنيا، فهل يخرج من الموجود، أو ينتظر وجود السليم، أو يخرج القيمة؟ فيه نظر. والثاني قريب. اه. وقال ع ش: توقف فيه - أي في كلام سم - شيخنا، وقال: الأقرب الثالث، أخذا مما تقدم فيما لو فقد الواجب من أسنان الزكاة من أنه يخرج القيمة، ولا يكلف الصعود عنه، ولا النزول مع الجيران. اه. (قوله: وحرم تأخيرها) أي الفطرة، أي إخراجها. وذلك لأن القصد إغناء المستحقين في يوم العيد، لكونه يوم سرور. (قوله: بلا عذر) فإن وجد لم يحرم التأخير. قال ع ش: ليس من العذر هنا انتظار الأحوج. (قوله: كغيبة مال الخ) تمثيل للعذر، وظاهر كلامه أنه لا فرق في غيبة ماله بين أن تكون لمرحلتين أو دونها. وعبارة التحفة: (تنبيه) ظاهر قولهم هنا كغيبة مال: أن غيبته مطلقا لا تمنع وجوبها، وفيه نظر - كإفتاء بعضهم أنها تمنعه مطلقا، أخذا مما في المجموع أن زكاة الفطر إذا عجز عنها وقت الوجوب لا تثبت في الذمة. والذي يتجه في ذلك تفصيل يجتمع به أطراف كلامهم، وهو أن الغيبة إن كانت لدون مرحلتين لزمته، لأنه حينئذ كالحاضر، لكن لا يلزمه الاقتراض، بل له التأخير إلى حضور المال. وعلى هذا يحمل قولهم كغيبة مال أو لمرحلتين، فإن قلنا بما رجحه جمع متأخرون - أنه يمنع أخذ الزكاة، لأنه غني - كان كالقسم الأول، أو بما عليه الشيخان - أنه كالمعدوم فيأخذها - لم تلزمه الفطرة، لأنه وقت وجوبها فقير معدم، ولا نظر لقدرته على الاقتراض لمشقته - كما صرحوا به. اه. (قوله: أو مستحق) معطوف على مال، أي وكغيبة مستحق. (قوله: ويجب القضاء فورا) أي فيما إذا أخرها بلا عذر. (وقوله: لعصيانه) أي بتأخيرها. قال في التحفة: ومنه يؤخذ أنه لو لم يعص به - لنحو نسيان - لا يلزمه الفور، - وهو ظاهر - كنظائره. اه. قال سم: نعم، إن انحصر المستحقون وطالبوه وجب الفور. كما لو طولب الموسر بالدين الحال. اه. (قوله: ويجوز تعجيلها من أول رمضان) أي لأن السبب الأول - وهو جزء من رمضان - غير معين، فجاز تعجيلها من أوله. (قوله: ويسن أن لا تؤخر) أي الفطرة - أي إخراجها - عن صلاة العيد، فالسنة إخراجها قبل صلاة العيد للاتباع. وهذا جري على الغالب من فعل الصلاة أول النهار، فإن أخرت استحب الأداء أول النهار. (قوله: بل يكره ذلك) أي تأخيرها عن صلاة

لانتظار نحو قريب أو جار ما لم تغرب الشمس. ـــــــــــــــــــــــــــــ العيد. قال في التحفة: للخلاف القوي في الحرمة حينئذ. وقد صرحوا بأن الخلاف في الوجوب يقتضي كراهة الترك، فهو في الحرمة يقتضي كراهة الفعل. اهـ (قوله: نعم، يسن الخ) استدراك على كراهة التأخير. (والحاصل) أن للفطرة خمسة أوقات: وقت جواز، ووقت وجوب، ووقت فضيلة، ووقت كراهة، ووقت حرمة. فوقت الجواز أول الشهر. ووقت الوجوب إذا غربت الشمس. ووقت فضيلة قبل الخروج إلى الصلاة. ووقت كراهة إذا أخرها عن صلاة العيد - إلا لعذر من انتظار قريب، أو أحوج - ووقت حرمة إذا أخرها عن يوم العيد - بلا عذر - (وقوله: لانتظار نحو قريب أو جار) دخل تحت نحو الصديق، والصالح، والأحوج. (قوله: ما لم تغرب الشمس) أي يسن تأخيرها مدة عدم إخراج وقتها، وهو بغروب الشمس. فإن خرج وقتها أثم بذلك. وفي سم ما نصه: عبارة الناشري لو أخر الأداء إلى قريب الغروب - بحيث يتضيق الوقت - فالقياس أنه يأثم بذلك. لأنه لم يحصل الإغناء عن الطلب في ذلك اليوم، إلا أن يؤخرها لانتظار قريب أو جار، فقياس الزكاة أنه لا يأثم ما لم يخرج الوقت. اه. (تتمة) من وجد بعض الواجب عليه قدم نفسه، لخبر الشيخين: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول. وخبر مسلم: إبدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شئ فلأهلك، فإن فضل شئ فلذي قرابتك. ثم زوجته - لأن نفقتها آكد - ثم ولده الصغير - لأنه أعجز ونفقته منصوصة مجمع عليها - ثم الأب وإن علا - لشرفه - ثم الأم كذلك - لولادتها - ثم الولد الكبير الفقير، ثم الأرقاء. وفي ع ش ما نصه (فرع) خادم الزوجة - حيث وجبت فطرتها - يكون في أي مرتبة ينبغي أن يكون بعد الزوجة، وقبل سائر من عداها، حتى ولده الصغير وما بعده، لأنها وجبت بسبب الزوجية المقدمة على سائر من عداها. اه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل (في أداء الزكاة) (يجب أداءها) أي الزكاة، وإن كان عليه دين مستغرق حال لله أو لآدمي، فلا يمنع الدين وجوب الزكاة - في الاظهر - (فورا) ولو في مال صبي ومجنون، حاجة المستحقين إليها (بتمكن) من الاداء. فإن أخر أثم، وضمن، إن تلف بعده. نعم، إن أخر لانتظار قريب، أو جار، أو أحوج، أو أصلح، لم يأثم، لكنه يضمنه إن ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في أداء الزكاة أي في بيان حكم الأداء من كونه فوريا أو لا، والمراد بالأداء: دفع الزكاة لمستحقيها. وبالزكاة: زكاة المال - كما قيد به في المنهج وغيره - لأن غالب ما يأتي في هذا الفصل من الأحكام يتعلق بها. (قوله: يجب أداؤها) أي على من وجدت فيه الشروط السابقة. (قوله: وإن كان الخ) غاية في الوجوب. (وقوله: عليه) أي على من بيده نصاب، وهو مستكمل للشروط المارة. فالضمير يعود على معلوم من السياق. (وقوله: دين مستغرق) أي للنصاب الذي بيده. (وقوله: حال) ومثله المؤجل بالأولى. (وقوله: لله) متعلق بمحذوف صفة لدين، أي دين حال ثابت لله تعالى: ككفارة ونذر. (وقوله: أو لآدمي) أي كالقرض. (قوله: فلا يمنع الدين وجوب الزكاة) أي لإطلاق النصوص الموجبة لها، ولأن مالك النصاب نافذ التصرف فيه. والفرق بين زكاة المال - حيث أن الدين لا يمنعها - وزكاة الفطر - حيث إن الدين يمنعها على المعتمد عند ابن حجر، وشيخ الإسلام كما مر - أن الأولى متعلقة بعين المال فلم يصح الدين مانعا لها لقوتها. بخلاف الثانية، فإنها طهرة للبدن، والدين يقتضي حبسه بعد الموت. ولا شك أن رعاية المخلص عن الحبس مقدمة على رعاية المطهر. (وقوله: في الأظهر) أي أظهر الأقوال: ثانيها يمنع مطلقا. ثانيها يمنع في المال الباطن، وهو النقد والعرض، دون الظاهر، وهو المواشي والزروع والثمار. (قوله: فورا) أي لأنه حق لزمه، وقدر على أدائه، ودلت القرينة على طلبه، وهي حاجة الأصناف. نهاية. (قوله: ولو في مال صبي ومجنون) غاية للفورية، لا لأصل الوجوب. أي يجب إخراجها على الفور، ولو كانت في مال صبي ومجنون. وبه يندفع ما يقال أن هذا مكرر مع قوله في أول الباب: تجب على كل مسلم ولو غير مكلف. وحاصل الدفع أن ما هنا مأخوذ غاية للفورية، وما هناك مأخوذ غاية للوجوب. والمخاطب بإخراجها الولي، فإن أخر أثم، ويلزم المولى إخراجها إذا كمل - كما نص عليه في التحفة - وعبارتها: ولو أخرها المعتقد للوجوب أثم، ولزم المولى - ولو حنفيا فيما يظهر - إخراجها إذا كمل. اه. (قوله: لحاجة المستحقين إليها) علة للفورية: أي إنما وجبت على الفور لاحتياج المستحقين إليها: أي فورا. وكان الأولى زيادته، وإن كان معلوما. وعبارة شرح المنهج: لأن حاجة المستحقين إليها ناجزة. اه. (قوله: يتمكن من الأداء) متعلق بيجب، وهو شرط في أدائها على الفور. أي إنما يجب على الفور إذا تمكن منه، وذلك لأن التكليف بدون التمكن تكليف بما لا يطاق، أو بما يشق. نعم، أداء زكاة الفطر موسع بليلة العيد ويومه - كما مر. (قوله: فإن أخر) أي الأداء، وهو مفهوم قوله فورا. (قوله: أثم) أي بتأخيره. (قوله: وضمن) أي حق المستحقين، بأن يدفع ما كان يدفعه عند وجود المال. (قوله: أن تلف) أي المال. (قوله: بعده) أي التمكن، وهو متعلق بكل من أخر وتلف، أي أخر بعد

تلف، كمن أتلفه، أو قصر في دفع متلف عنه، كأن وضعه في غير حرزه بعد الحول، وقبل التمكن. ويحصل التمكن (بحضور مال) غائب سائر أو قار بمحل عسر الوصول إليه، فإن لم يحضر لم يلزمه الاداء من محل آخر، وإن جوزنا نقل الزكاة (و) حضور (مستحقيها) أي الزكاة، أو بعضهم، فهو متمكن بالنسبة لحصته، حتى لو تلفت ضمنها. ومع فراغ من مهم ديني أو دنيوي - كأكل، وحمام - (وحلول دين) من نقد، أو عرض تجارة ـــــــــــــــــــــــــــــ التمكن، وتلف بعده. واحترز به عما إذا أخر لكونه غير متمكن: فلا يأثم به، أو تلف المال وهو غير متمكن فلا يضمن حق المستحقين. (قوله: نعم، الخ) استدراك من قوله أثم. (قوله: لانتظار قريب) أي لا تلزمه نفقته. (قوله: لم يأثم) محله ما لم يشتد ضرر الحاضرين، وإلا أثم بالتأخير، لأن دفع ضررهم فرض، فلا يجوز تركه لحيازة الفضيلة. (قوله: لكنه لضمنه إن تلف) أي بآفة سماوية. (قوله: كمن أتلفه) الكاف للتنظير، أي نظير من أتلف المال الذي وجبت فيه الزكاة، فإنه يضمن حق المستحقين، سواء كان المتلف له المالك أم غيره، لكنه يلزم غيره بدل قدر الزكاة. (وقوله: أو قصر الخ) أي أو تلف بنفسه، لكنه قصر في دفع المتلف عنه فيضمن حق المستحقين أيضا. وخرج بذلك ما إذا لم يقصر، فلا يضمن ذلك سواء كان التلف بعد الحول وقبل التمكن، أم قبله. (وقوله: عنه) متعلق بدفع. (قوله: كأن وضعه في غير حرزه) تمثيل لتقصيره في دفع المتلف. (قوله: بعد الحول) متعلق بكل من أتلف ومن قصر. (قوله: ويحصل التمكن) أي من الأداء، وهو دخول على المتن. (قوله: بحضور مال) متعلق بيحصل. (قوله: سائر) صفة ثانية لمال. وإسناد السير إليه على سبيل المجاز العقلي. ومحل اشتراط حضوره ما لم يكن المال أو وكيله مسافرا معه، وإلا وجب الإخراج في الحال. (قوله: أو قار بمحل) أي ثابت في محل، وهو ضد السائر. (قوله: عسر الوصول إليه) أي إلى ماله القار، والجملة صفة لقار. واحترز به عما إذا سهل الوصول إليه - بأن أمن الطريق - فإنه يجب عليه أداء زكاته إذا مضى زمن يمكن أن يحضره فيه، وإن لم يحضره بالفعل فالمدار على القدرة. أفاده بجيرمي. (قوله: فإن لم يحضر) أي المال الغائب. (قوله: لم يلزمه) أي المالك. (وقوله: الأداء من محل آخر) أي أداء الزكاة عن المال الغائب في موضع آخر غير موضع المال، وإنما لم يلزم أداء الزكاة عنه لاحتمال تلفه قبل وصوله إليه. قال في المغنى: نعم، إن مضى بعد تمام الحول مدة يمكن المضي إلى الغائب فيها صار متمكنا - كما قاله السبكي - ويجب عليه الإعطاء. اه. (قوله: وإن جوزنا نقل الزكاة) غاية لعدم لزوم أداء الزكاة في محل آخر، أي لا يلزمه إذا لم يحضر ذلك، وإن جرينا على القول الضعيف بجواز نقل الزكاة. (قوله: وحضور مستحقيها: أي الزكاة) أي مستحقي قبضها، وهم من تدفع له الزكاة من إمام أو ساع أو مستحقها، ولو في الأموال الباطنة لاستحالة الإعطاء من غير قابض، ولا يكفي حضور المستحقين وحدهم، حيث وجب الصرف إلى الإمام بأن طلبها من الأموال الظاهرة، فلا يحصل التمكن بذلك: نهاية. بتصرف. (قوله: أو بعضهم) معطوف على مستحقيها، أي أو حضور بعض المستحقين. قال ع ش: ويكفي في التملك حضور ثلاثة من كل صنف وجد. اه. (قوله: فهو) أي من وجبت عليه الزكاة. (وقوله: متمكن) أي من الأداء. (وقوله: بالنسبة لحصته) أي البعض. (قوله: ضمنها) أي حصة البعض الحاضر. (قوله: ومع فراغ) معطوف على بحضور مال، والأولى: التعبير بالباء الجارة بدل مع، أي ويحصل التمكن بما ذكر، وبخلو المالك من مهم ديني - كصلاة - أو دنيوي - كأكل وحمام - ويعتبر ما ذكر كله بعد جفاف في الأثمار، وتنقية من نحو تبن في حب، وتراب في معدن. (قوله: وحلول دين) معطوف على بحضور مال. والواو بمعنى أو، أي ويحصل التمكن بحضور مال، أو بحلول دين له على آخر. (قوله: من نقد أو عرض تجارة) بيان للدين الذي تتعلق به الزكاة. وخرج به المعشرات والسائمة، فلا زكاة فيهما إذا كانتا دينا، وذلك لأن علة الزكاة في المعشرات: الزهو في ملكه، ولم يوجد. وفي الماشية: السوم والنماء، ولا سوم ولا نماء فيما في الذمة، بخلاف النقد، فإن علة الزكاة فيه النقدية، وهي حاصلة مطلقا في المعينة وفيما في الذمة. وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: والدين إن كان ماشية لا للتجارة - كأن أقرضه أربعين شاة، أو أسلم إليها فيها ومضى عليه حول قبل قبضه، أو كان غير لازم كمال كتابة - فلا زكاة فيه، لأن السوم في الأولى شرط، وما في الذمة لا يتصف بالسوم، ولأنها إنما تجب في

(مع قدرة) على استيفائه، بأن كان على ملئ حاضر باذل، أو جاحد عليه بينة، أو يعلمه القاضي، أو قدر هو على خلاصه، فيجب إخراج الزكاة في الحال، وإن لم يقبضه، لانه قادر على قبضه. أما إذا تعذر استيفاؤه بإعسار، أو مطل، أو غيبة، أو جحود ولا بينة، فكمغصوب فلا يلزمه الاخراج إلا إن قبضه. وتجب الزكاة في مغصوب وضال، لكن لا يجب دفعها إلا بعد تمكن بعوده إليه. (ولو أصدقها نصاب نقد) وإن كان في الذمة، أو ـــــــــــــــــــــــــــــ مال نام، والماشية في الذمة لا تنمو، بخلاف الدراهم، فإن سبب وجوبها فيها كونها معدة للصرف، ولا فرق في ذلك بين النقد وما في الذمة. ومثل الماشية: المعشر في الذمة، فلا زكاة فيه، لأن شرطها الزهو في ملكه، ولم يوجد، وأما دين الكتابة فلا زكاة فيه، إذ للعبد إسقاطه متى شاء بتعجيز نفسه. اه. بحذف. (قوله: مع قدرة على استيفائه) متعلق بمحذوف صفة لحلول، أي ويحصل التمكن بحلول كائن مع قدرة على استيفاء الدين. (قوله: بأن كان) أي الدين، وهو تصوير للقدرة على استيفاء الدين. (قوله: على ملئ) أي موسر. (قوله: حاضر) أي في البلد. (قوله: باذل) أي للدين الذي عليه. وفي التحفة زيادة مقر، وهو المناسب لذكر مقابله، هنا وهو جاحد، فكان الأولى زيادته، وإن كان البذل يستلزم الإقرار. (قوله: أو جاحد) أي للدين. (وقوله: عليه بينة) الجملة صفة لجاحد، أي جاحد موصوف بكونه عليه بينة، وهي شاهدان، أو شاهد ويمين. (قوله: أو يعلمه القاضي) أي أو لم يكن عليه بينة، لكن القاضي يعلم بأن عليه دينا لفلان المدعي، أي وقلنا يقضي القاضي بعلمه، وإلا فلا فائدة في علمه. (قوله: أو قدر هو على خلاصه) أي أو لم يكن هناك بينة ولم يعلمه القاضي، ولكن الدائن له قدرة على خلاص دينه، بأن يكون قويا أو يمكنه الظفر بأخذ دينه. وعبارة التحفة: وقضية كلام جمع أن من القدرة ما لو تيسر له الظفر بقدره من غير ضرر، وهو متجه، وإن قيل إن المتبادر من كلامهما خلافه. اه. وقال سم. هذا ظاهر إن تيسر الظفر بقدره من جنسه، أما لو لم يتسير للظفر إلا بغير جنسه، فلا يتجه الوجوب في الحال، إذ هو غير متمكن من حقه في الحال، لأنه لا يملك ما يأخذه ويمتنع عليه الانتفاع به والتصرف فيه بغير بيعه لتملك قدر حقه من ثمنه فلا يصل إلى حقه إلا بعد البيع. اه. (قوله: فيجب إخراج الزكاة في الحال) مفرع على التمكن بحلول الدين. (قوله: وإن لم يقبضه) أي الدين. وهو غاية لوجوب الإخراج في الحال، وهي للرد. وعبارة المغني مع الأصل: وإن تيسر أخذه وجبت تزكيته في الحال، لأنه مقدور على قبضه - كالمودع - وكلامه يفهم أنه يخرج في الحال، وإن لم يقبضه، وهو المعتمد المنصوص في المختصر. وقيل لا، حتى يقبضه فيزكيه لما مضى. اه. (قوله: لأنه) أي الدائن قادر على قبضه، أي الدين. وهو تعليل لوجوب إخراج زكاته حالا، مع عدم قبضه من المدين. (قوله: أما إذا تعذر استيفاؤه) أي الدين، وهو مفهوم قوله مع قدرة على استيفائه. (وقوله: بإعسار) متعلق بتعذر، وهو محترز قوله ملئ. (وقوله: أو مطل) محترز باذل. (وقوله: أو غيبة) محترز حاضر. (وقوله: أو جحود ولا بينة) أي ولم يعلمه القاضي ولم يقدر الدائن على خلاصه، وهذا محترز قوله أو جاحد إلخ. (قوله: فكمغصوب) جواب أما، أي فهو كمال مغصوب في حكمه. (قوله: فلا يلزم الخ) تفريع على التشبيه. (وقوله: الإخراج) أي للزكاة. (وقوله: إلا إن قبضه) أي الدين. (قوله: وتجب الزكاة الخ) لو قدم هذا في الباب المار وذكره بعد الأصناف التي تجب فيها الزكاة - كالمنهاج - لكان أنسب بقوله فكمغصوب، لأن هذا حوالة، وهي تكون على شئ متقدم. (قوله: وضال) أي ضائع لم يهتد إليه. قال في التحفة: ومنه - أي الضال -: الواقع في بحر، والمدفون المنسي محله. اه. وكالضال: المسروق، والمجحود. (قوله: لكن لا يجب دفعها) أي الزكاة. (وقوله: إلا بعد تمكن) أي من المال المغصوب أو الضال. (وقوله: بعوده إليه) تصوير للتمكن، ومثل العود إذا كان له به بينة، أو يعلمه القاضي، أو يقدر هو على خلاصه - كما مر في تصوير التمكن من الدين -: وإذا تمكن بما ذكر يزكي للأحوال الماضية، بشرط أن لا ينقص النصاب بما يجب إخراجه، فإذا كان نصابا فقط، وليس عنده من جنسه ما يعوض قدر الواجب لم تجب زكاة ما زاد على الحول الأول. وإذا كان المال ماشية اشترط أن تكون سائمة. (قوله: ولو أصدقها) أي أصدق الزوج زوجته. (وقوله: نصاب) نقد أي نصاب نقد الذهب أو الفضة. (قوله: وإن كان في الذمة) أي وإن كان النصاب الذي أصدقها إياه ليس بمعين، بل في ذمة الزوج، فإنه يلزمها زكاته.

سائمة معينة (زكته) وجوبا، إذا تم حول من الاصداق، وإن لم تقبضه ولا وطئها. لكن يشترط - إن كان النقد في الذمة - إمكان قبضه، بكونه موسرا حاضرا. (تنبيه) الاظهر أن الزكاة تتعلق بالمال تعلق شركة. وفي قول قديم - اختاره الريمي -: لانها تتعلق بالذمة، لا بالعين. فعلى الاول أن المستحق للزكاة شريك بقدر الواجب، وذلك لانه لو امتنع من إخراجها أخذها الامام منه قهرا. كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من قسمته. ولم يفرقوا في الشركة بين ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: أو سائمة معينة) معطوف على نقد. أي أو أصدقها نصاب سائمة معينة، أي أو بعضه ووجدت خلطة معتبرة. وخرج بالمعينة، التي في الذمة، فلا زكاة فيها، لأنه يشترط في السائمة قصد السوم، ولا سوم فيما في الذمة بخلاف صداق النقد: تجب فيه الزكاة، وإن كان في الذمة، لعدم السوم فيه. قال في التحفة: نعم، المعشر كالسائمة، فإذا أصدقها شجرا أو زرعا معينا - فإن وقع الزهو في ملكها لزمتها زكاته. اه. (قوله: زكته) أي زكت النصاب من النقد، والسائمة المعينة. (قوله: إذا تم حول من الإصداق) أي وقصد السوم في السائمة. (قوله: وإن لم تقبضه ولا وطئها) غاية في وجوب الزكاة فورا. أي تجب الزكاة عليها وإن لم تقبض الصداق ولا وطئها الزوج، لأنها تملكه ملكا تاما وإن كان لا يستقر إلا بالدخول أو القبض، ولو طلقها قبل الدخول بها وبعد الحول رجع في نصف الجميع شائعا إن أخذ الساعي الزكاة من غير المعين المصدق أو لم يأخذ شيئا. وإن طلقها قبل الدخول قبل تمام الحول عاد إليه نصفها، ولزم كلا منهما نصف شاة عند تمام حوله إن دامت الخلطة، وإلا فلا زكاة على واحد منهما، لعدم تمام النصاب. (قوله: الأظهر أن الزكاة تتعلق بالمال) أي الذي تجب الزكاة في عينه، فخرج مال التجارة، لأن الزكاة تتعلق بقيمته، لا بعينه، فيجوز بيعه ورهنه - كما سيذكره -. (قوله: تعلق شركة) عبارة الروض وشرحه: إذا حال الحول على غير مال التجارة تعلقت الزكاة بالعين، وصار الفقراء شركاءه - حتى في الإبل - بقيمة الشاة، لأن الواجب يتبع المال في الصفة، حتى يؤخذ من المراض مريضة، ومن الصحاح صحيحه - كما مر - ولأنه لو امتنع من الزكاة أخذها الإمام من العين - كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من القسمة. وإنما جاز الأداء من مال آخر: لبناء الزكاة على الرفق. اه. وعبارة التحفة: وإنما جاز الإخراج من غيره - على خلاف قاعدة المشتركات - رفق بالمالك، وتوسعه عليه، لكونها وجبت مواساة، فعلى هذا: إن كان الواجب من غير الجنس - كشاة في خمس إبل - ملك المستحقون منها بقدر الشاة، وإن كان من الجنس - كشاة من أربعين - فهل الواجب شائع، أي ربع عشر كل شاة أم شاة منها مبهمة وجهان الأصح: الأول. اه. (قوله: إنها) أي الزكاة. (قوله: تتعلق بالذمة) أي ذمة من وجبت في ماله الزكاة كالفطرة. (وقوله: لا بالعين) أي عين المال الذي وجبت الزكاة فيه. (قوله: فعلى الأولى) هو أنها تتعلق بالمال تعلق شركة، أي وعلى الثاني لا يكون المستحق شريكا في المال بقدر الواجب، وهو جزء من كل شاة في مسألة الشياة مثلا، فحذف المقابل للعلم به. (قوله: ولم يفرقوا إلخ) يعني أن الشركة من حيث هي لم يفرقوا في صحتها بين أن تكون في الأعيان، أو في الديون. وقد علمت أن الزكاة تتعلق بالمال تعلق شركة، فلا فرق حينئذ في ذلك المال المتعلقة به الزكاة بين أن يكون عينا، أو دينا. ومراده بسياق هذه العبارة: بيان ما يترتب عليها من الفوائد، وهو ما ذكره بقوله: فلا يجوز لرب الدين الخ. وعبارة شرح الروض: قال الأسنوي: ولم يفرقوا في الشركة بين العين والدين، فيلزم منه أمور، منها: أنه لا يجوز لرب الدين أن يدعي بملك جميعه، ولا الحلف عليه، ولا للشهود أن يشهدوا به، بل طريق الدعوى والشهادة أن يقال أنه باق في ذمته، وإنه يستحق قبضه، لأن له ولاية التفرقة في القدر الذي ملكه الفقراء. قال غيره: ومنها أن يقول لزوجته بعد مضي حول - أو أحوال - إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق. فتبرئه، فلا يقع الطلاق حينئذ، لأنه علق الطلاق على البراءة من جميع الصداق، ولم يحصل، لأن مقدار الزكاة لا يسقط بالبراءة، فطريقها أن تعطى الزكاة، ثم تبرئه. اه. وعبارة المغني: (فائدة) قال السبكي: إذا أوجبنا الزكاة في الدين، وقلنا تتعلق بالمال تعلق شركة، اقتضى أن يملك أرباب الأصناف ربع

العين والدين، فلا يجوز لربه أن يدعي ملك جميعه، بل إنه يستحق قبضه. ولو قال: بعد حول إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق، فأبرأته منه لم تطلق، لانه لم يبرأ من جميعه، بل مما عدا قدر الزكاة، فطريقها أن يعطيها ثم تبرئه. ويبطل البيع، والرهن في قدر الزكاة فقط، فإن فعل أحدهما بالنصاب، أو ببعضه بعد الحول صح لا في قدر الزكاة - كسائر الاموال المشتركة على الاظهر -. نعم، يصح في قدرها في مال التجارة، لا الهبة في قدرها فيه. (فرع) تقدم الزكاة ونحوها من تركة مديون ضاقت عن وفاء ما عليه من حقوقه الآدمي وحقوق الله ـــــــــــــــــــــــــــــ عشر الدين في ذمة المدين، وذلك يجز إلى أمور كثيرة واقع فيها كثير من الناس - كالدعوى بالصداق، والديون - لأن المدعي غير مالك للجميع، فكيف يدعي به؟ إلا إن له القبض لأجل أداء الزكاة فيحتاج إلى الاحتراز عن ذلك في الدعوى، وإذا حلف على عدم المسقط: ينبغي أن يحلف أن ذلك باق في ذمته إلى حين لم يسقط، وإنه يستحق قبضه حين حلفه، ولا يقول إنه باق له. اه. ومن ذلك أيضا: ما لو علق الطلاق على الإبراء من صداقها، وقد مضى على ذلك أحوال، فأبرأته منه، فإنه لا يقع الطلاق، لأنها لا تملك الإبراء من جميعه. وهي مسألة حسنة؟ فتفطن لها فإنها كثيرة الوقوع. اه. (قوله: ولو قال) أي الرجل لزوجته. (وقوله: إن أبرأتني من صداقك) أي الذي وجبت فيه الزكاة. (قوله: لم تطلق) أي لعدم وجود الصفة المعلق عليها، وهي البراءة من جميعه، لتعلق الزكاة فيه. (قوله: فطريقها) أي طريق البراءة لصحيحة المقتضية لصحة وقوع الطلاق المعلق عليها، أي الحيلة في ذلك. (وقوله: أن يعطيها) أي يعطي زوجته قدر الزكاة مما في ذمته من الصداق لتعطيه المستحقين، أي أو توكله في الإعطاء منه لهم. وفي بعض نسخ الخط: إن تعطيها - بالتاء الفوقية - فيكون الضمير المستتر للزوجة، والبارز للزكاة. (قوله: ويبطل البيع إلخ) هذا مرتب على كون الزكاة متعلقة بالمال تعلق شركة. وعبارة المنهاج مع التحفة: فلو باعه - أي الجميع الذي تعلقت به قبل إخراجها - فالأظهر - بناء على الأصح - أن تعلقها تعلق شركة بطلانه في قدرها - لأن بيع ملك الغير من غير مسوغ له باطل، فيرده المشتري على البائع وصحته في الباقي، فيتخير المشتري إن جهل، بناء على قولي تفريق الصفقة. اه. بحذف. (قوله: فإن فعل أحدهما) أي البيع أو الرهن. (وقوله: صح) أي ما فعله من البيع أو الرهن. (وقوله: لا في قدر الزكاة) أي لا يصح قدر الزكاة، وهذا مبني على جواز تفريق الصفقة - كما علمت. (قوله: كسائر الأموال المشتركة) أي فإنه يبطل البيع والرهن في حصة الشريك ويصحان في قدر حصته فقط، بناء على جواز تفريق الصفقة أيضا. (قوله: على الأظهر) متعلق بقوله صح. لا في قدر الزكاة، ومقابله: لا يصح مطلقا، وهو مبني على عدم جواز تفريق الصفقة، أو يصح مطلقا. وعبارة المنهاج: فلو باعه قبل إخراجها، فالأظهر بطلانه في قدرها وصحته في الباقي. قال في المغنى: والثاني بطلانه في الجميع، والثالث صحته في الجميع، والأولان قولا تفريق الصفقة. اه. (قوله: نعم، يصح) أي ما ذكر من البيع والرهن في قدرها - أي الزكاة - أي كما يصح في بقية مال التجارة، وذلك لأن متعلقها القيمة دون العين، وهي لا تفوت بالبيع. (قوله: لا الهبة) أي لا تصح الهبة في قدر الزكاة في مال التجارة، فالهبة كبيع ما وجبت الزكاة في عينه. قال ع ش: ومثل الهبة: كل مزيل للملك بلا عوض - كالعتق ونحوه -، ولكن ينبغي سراية العتق للباقي، كما لو أعتق جزءا له من مشترك، فإنه يسري إلى حصة شريكه. اه. (قوله: تقدم الزكاة الخ) يعني إذا اجتمع في تركة حق الله - كزكاة، وحج، وكفارة، ونذر، - وحق آدمي - كدين - قدم حق الله على حق الآدمي، للخبر الصحيح: فدين الله أحق بالقضاء. ولأنها - ما عدا الحج - تصرف للآدمي، ففيها حق آدمي مع حق الله تعالى. وقيل: يقدم حق الآدمي، لأنه مبني على المضايقة. وقيل يستويان، فيوزع المال عليهما. (قوله: ونحوها) أي كحج، وكفارة، ونذر. (قوله: من تركة مديون) متعلق بتقدم، أي تقدم الزكاة ونحوها، أي استيفاؤهما من تركة مديون على غيرهما من حقوق الآدمي. (قوله: ضاقت عن وفاء ما عليه) أي ضاقت التركة ولم تف بجيمع ما على الميت. (قوله: حقوق الآدمي وحقوق الله) بيان لما.

- كالكفارة، والحج والنذر والزكاة -. كما إذا اجتمعتا على حي لم يحجر عليه. ولو اجمتعت فيها حقوق الله فقط قدمت الزكاة إن تعلقت بالعين، بأن بقي النصاب، وإلا بأن تلف بعد الوجوب والتمكن استوت مع غيرها، فيوزع عليها. (وشرط له) أي أداء الزكاة، شرطان. أحدهما: (نية) بقلب، لا نطق (كهذا زكاة) مالي. ولو بدون ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: كالكفارة إلخ) تمثيل لحقوق الله تعالى. (قوله: كما إذا الخ) الكاف للتنظير، أي وذلك نظير ما إذا اجتمعتا - أي حقوق الله وحقوق الآدمي - على حي لم يحجر عليه، فإن الزكاة ونحوها تقدم في ماله الذي ضاق عنهما. وخرج بقوله لم يحجر عليه: ما إذا حجر عليه، فإنه يقدم حق الآدمي جزما. وعبارة التحفة: وخرج بتركة: اجتماع ذلك على حي ضاق ماله، فإن لم يحجر عليه قدمت الزكاة جزما، وإلا قدم حق الآدمي جزما، ما لم تتعلق هي بالعين، فتقدم مطلقا. اه. (قوله: ولو اجتمعت فيها) أي في التركة. (قوله: حقوق الله فقط) أي كزكاة، وكفارة. (قوله: وإن تعلقت) أي الزكاة. (وقوله: بالعين) أي بعين المال. والمراد بها ما قابل الذمة بدليل تصويره فدخل زكاة مال التجارة فإنها - وإن تعلقت بالقيمة - لكن ليست في الذمة. (وقوله: بأن بقي النصاب) تصوير لتعلقها بالعين. (قوله: وإلا) أي وإن لم تتعلق بالعين، بل بالذمة. (وقوله: بأن تلف) أي النصاب. وهو تصوير لعدم تعلقها بالعين. ومعنى استوائهما: أنه لا يقدم أحدهما على الآخر. (قوله: بعد الوجوب) أي وجوب الزكاة في النصاب بأن حال عليه الحول وهو موجود. (وقوله: والتمكن) أي وبعد التمكن، أي من أداء الزكاة، وهو يكون بما سبق ذكره. وذكر الوجوب لا يغني عن ذكر التمكن، لأن وجوب الزكاة بتمام الحول، وإن لم يتمكن من الأداء. (قوله: استوت) أي الزكاة. (وقوله: مع غيرها) أي من حقوق الله، كالكفارة، والحج، والنذر. (قوله: فيوزع) أي التركة. وذكر الضمير على تأويلها بالمال. (وقوله: عليها) أي على الحقوق المتعلقة بالله المجتمعة. وفي نسخة فتوزع - بالتاء الفوقية - عليهما - بضمير التثنية - فيكون عائدا على الزكاة على غيرها. والمراد بتوزيعها عليهما: تقسيمها بينهما بالقسط، فيدفع ما خص الزكاة لها، وما خص الحج له. قال في النهاية وهذا عند الإمكان اه. قال ع ش: أما إذا لم يكن التوزيع، كأن كان ما يخص الحج قليلا بحيث لا يفي به، فإنه يصرف للممكن منهما. اه. وقال في البجيرمي: وحاصل ذلك أن قوله فيستويان: أي في التعلق، أي لا يقدم أحدهما على الآخر، وبعد ذلك يوزع المال الموجود على قدرهما بالنسبة. فإذا كان قدر الزكاة خمسة، والحج أجرته عشرة، فالمجموع خمسة عشر، فالزكاة ثلث فيخصها الثلث، والحج الثلثان. وبعد ذلك لا شئ يجب في الزكاة سوى ذلك. وأما الحج: فإن كان الذي خصه يفي بأجرته فظاهر، وإن كان لا يفي فيحفظ إلى أن يحصل ما يكمله ويحج به، ولا يملكه الوارث. هكذا قرر بعضهم. اه. (قوله: وشرط له الخ) أي زيادة على الشروط المارة في وجوب الزكاة. (وقوله: أي أداء الزكاة) تفسير لضمير له، أي شرط لأداء الزكاة، أي لدفع المال عن الزكاة. والمراد: لإجزاء ذلك، ووقوعه الموقع. (قوله: شرطان) يفيد أن النية شرط، مع أنها ركن في الزكاة. وعبارة شرح الروض: وهي ركن - على قياس ما في الصلاة وغيرها - فقوله تشترط نية أي تجب. اه. (قوله: أحدهما نية) أي ما لم يمت المالك بعد الحول ويرثه المستحقون، فإنهم يأخذون بقدر الزكاة مما تركه المورث باسم الزكاة، وما بقى باسم الإرث، وسقطت النية. اه. م ر. سم. ولو شك في نية الزكاة بعد دفعها - هل يضر أو لا؟ والذي يظهر: الثاني. ولا يشكل بالصلاة، لأنها عبادة بدنية، بخلاف هذه. وأيضا هذه توسع في نيتها، لجواز تقديمها وتفويضها إلى غير المزكي ونحو ذلك. فليتأمل. شوبري. اه. بجيرمي. (قوله: لا نطق) يحتمل أنه مجرور ومعطوف على قلب، وأنه مرفوع معطوف على نية، لكن مع تقدير متعلق له، والتقدير على الأول: لا نية بنطق. وعلى الثاني: ولا يشترط نطق بالنية، وهذا الثاني هو الملائم للمعنى، بخلاف الأول فإنه لا معنى له، وذلك لأن النية هي القصد، وهو لا يكون بالنطق، بل بالقلب. وعبارة غيره: ولا يشترط النطق بالنية، ولا يجزئ النطق وحده - كما في غير الزكاة. اه. (قوله: كهذا زكاة مالي) تمثيل للنية. ومثله هذا زكاتي - من غير أن يزيد مالي - أو هذا زكاة - من غير إضافة أصلا - والإضافة ليست شرطا، وإن كان صنيعه حيث زاد لفظ

فرض، إذ لا تكون إلا فرضا (أو صدقة مفروضة). أو هذا زكاة مالي المفروضة. ولا يكفي: هذا فرض مالي، لصدقه بالكفارة والنذر. ولا يجب تعيين المال المخرج عنه في النية. ولو عين لم يقع عن غيره، وإن بان المعين تالفا، لانه لم ينو ذلك الغير. ومن ثم لو نوى إن كان تالفا فعن غيره فبان تالفا وقع عن غيره. بخلاف ما لو قال: هذه زكاة مالي الغائب إن كان باقيا، أو صدقة، لعدم الجزم بقصد الفرض. وإذا قال فإن كان تالفا ـــــــــــــــــــــــــــــ مالي. وغير المتن بحذف التنوين يفيد الاشتراط. (قوله: ولو بدون فرض) أي تكفي هذه النية، ولو من غير زيادة فرض فيها. (قوله: إذ لا تكون إلخ) تعليل للاكتفاء بهذه النية من غير ذكر الفرض. أي وإنما اكتفى بها، ولم يحتج إلى قصد الفرضية كالصلاة، لأن الزكاة لا تقع إلا فرضا، بخلاف الصلاة، فإنها لما كانت تقع فرضا وغيره احتاجت إلى ذلك للتمييز. نعم، الأفضل ذكر الفرضية. معها (قوله: أو صدقة مفروضة) مثله فرض الصدقة، إذ لا وجه للفرق بينهما، خلافا لابن المقري. واحتجاجه بشموله لصدقة الفطر يرده أن ذلك لا يضر، بدليل إجزاء الصدقة المفروضة. وهذه زكاة مع وجود ذلك الشمول. اه. سم. (قوله: ولا يكفي هذا فرض مالي) مثله في عدم الإكتفاء: هذا صدقة مالي. (قوله: لصدقة إلخ) أي شمول هذا فرض مالي للكفارة والنذر. قال في التحفة: قيل هذا ظاهر إن كان عليه شئ من ذلك غير الزكاة. ويرد بأن القرائن الخارجية لا تخصص النية، فلا عبرة بكون ذلك عليه أو لا، نظرا لصدق منويه بالمراد وغيره. اه. (قوله: ولا يجب تعيين المال الخ) يعني لا يجب تعيين المال المزكى في النية، بأن يقول فيها: هذا زكاة غنمي، أو إبلي، أو بقري، لأن الغرض لا يختلف به كالكفارات، فإنه لا يجب تعيينها بأن يقيد بظهار أو غيره. فلو أعتق من عليه كفارتان لقتل وظهار مثلا رقبتين بنية كفارة ولم يعين، أجزأ عنهما، أو رقبة كذلك أجزأت عن إحداهما مبهمة، وله صرفه إلى إحداهما، ويتعين ما صرفه إليه، فلا يمكن من صرفها بعد ذلك للأخرى، ولو تعدد عنده المال المتعلقة به الزكاة. فكذلك لا يجب عليه أن يعين في النية المال الذي يريد أن يخرج عنه، وذلك كأن كان عنده خمس إبل وأربعون شاة فأخرج شاة ناويا الزكاة ولم يعين أجزأ، وإن ردد فقال: هذه أو تلك فلو تلف أحدهما أو بان تلفه جعلها عن الباقي. وكأن كان عنده من الدراهم نصاب حاضر، ونصاب غائب. فأخرج خمسة دراهم بنية الزكاة مطلقا، ثم بان تلف الغائب، فله جعل المخرج عن الحاضر. (قوله: ولو عين الخ) الأولى التفريع، لأن المقام يقتضيه، يعني لو عين في نيته المال المخرج عنه، كأن عين في المثال الأول الشاة عن الخمس الإبل، وفي المثال الثاني الخمسة الدراهم عن الغائب، لم يقع ما أخرجه من زكاة المعين عن غيره، أي غير ما عينه في النية. (قوله: وإن بان المعين تالفا) غاية لعدم وقوعه عن غيره. قال في الروض: فإن بان - أي ماله الغائب - تالفا لم يقع، أي المؤدى عن غيره ولم يسترد، إلا إن شرط الاسترداد. قال في شرحه: كأن قال هذه زكاة مالي الغائب، فإن بان تالفا استرددته. اه. (قوله: لأنه لم ينو ذلك الغير) أي غير ما عينه في نيته، وهو علة لعدم وقوعه عنه. (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن سبب عدم وقوعه عن الغير فيما مر كونه لم ينوه، ولو نوى أن هذا زكاة مالي الغائب مثلا، وإن كان تالفا فهو زكاة عن غيره، فبان تالفا فإنه يقع عن ذلك الغير، لأنه نواه. وعبارة الروض مع شرحه: وإذا قال هذه زكاة عن المال الغائب، فإن كان تالفا فعن الحاضر، فبان تالفا، أجزأته عن الحاضر، كما تجزئه عن الغائب لو بقي. ولا يضر التردد في عين المال بعد الجزم بكونه زكاة ماله. ويخالف ما لو نوى الصلاة عن فرض الوقت إن دخل الوقت، وإلا فعن الغائب - حيث لا تجزئه - لاعتبار التعيين في العبادات البدنية، إذ الأمر فيها أضيق، ولهذا لا يجوز فيها النيابة. اه. (قوله: بخلاف ما لو قال الخ) عبارة الروض وشرحه: بخلاف ما لو قال هذه زكاة مالي الغائب، فإن كان تالفا فعن الحاضر، أو صدقة. فبان تالفا، لا يجزئ عن الحاضر. كما لا يجزئ عن الغائب هذه زكاة مالي الغائب إن كان باقيا أو صدقة، لأنه لم يجزم بقصد الفرض. وإن قال هذه زكاة مالي الغائب، فإن كان تالفا فصدقة، فبان تالفا وقع صدقة، أو باقيا وقع زكاة. ولو قال: هذه زكاة عن الحاضر أو الغائب، أجزأه عن واحد منهما، وعليه الإخراج عن الآخر. ولا يضر التردد في عين المال - كما مر نظيره. والمراد بالغائب هنا: الغائب عن مجلس المالك في البلد، أو الغائب عنها في بلد

فصدقة. فبان تالفا، وقع صدقة، أو باقيا، وقع زكاة. ولو كان عليه زكاة وشك في إخراجها، فأخرج شيئا ونوى: إن كان علي شئ من الزكاة فهذا عنه، وإلا فتطوع. فإن بان عليه زكاة أجزأه عنها، وإلا وقع له تطوعا - كما أفتى به شيخنا -. ولا يجزئ عن الزكاة قطعا، إعطاء المال للمستحقين بلا نية. (لا مقارنتها) أي النية (للدفع) فلا يشترط ذلك، (بل تكفي) النية قبل الاداء إن وجدت (عند عزل) قدر الزكاة عن المال (أو إعطاء وكيل) أو إمام، والافضل لهما أن ينويا أيضا عند التفرقة، (أو) وجدت (بعد أحدهما) أي بعد عزل قدر الزكاة أو التوكيل ـــــــــــــــــــــــــــــ آخر. وجوزنا النقل للزكاة، كأن يكون ماله ببلد لا مستحق فيه، وبلد المالك أقرب البلاد إليه. اه. بتصرف. (قوله: أو صدقة) معطوف على زكاة مالي. (وقوله، لعدم الجزم إلخ) أي لكونه مترددا بين جعلها عن الفرض وجعلها صدقة. (قوله: وإذا قال: فإن كان تالفا الخ) أي قال هذا بعد قوله المار: هذا زكاة مالي الغائب إن كان باقيا. (قوله: فبان) أي ذلك المال الذي نوى جعل الزكاة عنه. (وقوله: أو باقيا) أي أو بان باقيا. (وقوله: وقع) أي ما أخرجه عنه زكاة له. (قوله: ولو كان عليه زكاة وشك إلى قوله كما أفتى به شيخنا) الذي ارتضاه في التحفة في نظير هذه المسألة خلافه، وهو أنه إن لم يبن له شئ وقع عما في ذمته، وإن بان لا يقع، كوضوء الاحتياط. ونصها: ولو أدى عن مال مورثه بفرض موته وارثه له ووجوب الزكاة فيه، فبان كذلك، لم يجزئه، للتردد في النية، مع أن الأصل عدم الوجوب عند الإخراج وأخذ منه بعضهم أن من شك في زكاة في ذمته، فأخرج عنها إن كانت، وإلا فمعجل عن زكاة تجارته مثلا، لم يجزئه عما في ذمته، بان له الحال أو لا، ولا عن تجارته لتردده في النية، وله الاسترداد إن علم القابض الحال، وإلا فلا - كما يعلم مما يأتي - وقضية ما مر في وضوء الاحتياط: أن من شك أن في ذمته زكاة فأخرجها أجزأته، إن لم يبن الحال عما في ذمته للضرورة، وبه يرد قوله ذلك البعض: بان الحال أو لا. اه. (قوله: ولا يجزئ إلخ) هذا محترز قوله: أحدهما نية، والمراد أنه لو دفع الزكاة للمستحقين بلا نية لا تقع الموقع، أي وعليه الضمان للمستحقين. وعبارة الروض وشرحه: ومن تصدق بماله - ولو بعد تمام الحول، ولم ينو الزكاة - لم تسقط زكاته، كما لو وهبه أو أتلفه، وكما لو كان عليه صلاة فرض فصلى مائة صلاة نافلة، فإنه لا تجزئ عن فرضه. اه. (قوله: لا مقارنتها) معطوف على نية. (قوله: للدفع) أي للمستحقين. (قوله: فلا يشترط ذلك) أي ما ذكر من مقارنتها له. والأنسب والأخصر أن يقول: فلا تشترط بحذف اسم الإشارة، وبتأنيث الفعل. (قوله: بل تكفي النية) أي نية الزكاة. (وقوله: قبل الأداء) أي الدفع للمستحقين، وتعبيره أولا بالدفع، وثانيا بالأداء، للتفنن. (قوله: وإن وجدت) أي النية، وهو قيد في الاكتفاء بها قبل الأداء. (وقوله: عند عزل قدر الزكاة عن المال) أي تمييزه عنه، وفصله منه. (قوله: أو إعطاء وكيل) أي أو عند إعطاء وكيل عنه في تفرقة الزكاة على المستحقين. ولا يشترط نية الوكيل عند الصرف للمستحقين، لوجود النية من المخاطب بالزكاة مقارنة لفعله، إذ المال له، وبه فارق نية الحج من النائب، لأنه المباشر للعبادة. (قوله: أو إمام) معطوف على وكيل، أي وتكفي النية عند إعطاء إمام الزكاة، لأن الإمام نائب المستحقين، فالدفع إليه كالدفع إليهم، ولهذا أجزأت وإن تلفت عنده، بخلاف الوكيل. قال في التحفة مع الأصل: والأصح أن نيته - أي السلطان - تكفي عن نية الممتنع باطنا، لأنه لما قهر قام غيره مقامه في التفرقة، فكذا في وجوب النية. ثم قال: أفتى شارح الإرشاد الكمال الرداد فيمن يعطي الإمام أو نائبه المكس بنية الزكاة، فقال: لا يجزئ ذلك أبدا ولا يبرأ عن الزكاة بل هي واجبة بحالها، لأن الإمام إنما يأخذ ذلك منهم في مقابلة قيامه بسد الثغور، وقمع القطاع والمتلصصين عنهم وعن أموالهم. وقد أوقع جمع ممن ينسب إلى الفقهاء - وهم باسم الجهل أحق - أهل الزكاة، ورخصوا لهم في ذلك فضلوا وأضلوا. اه. وقد تقدم كلام عن الفتاوي أبسط من هذا، فارجع إليه إن شئت. (قوله: والأفضل لهما) أي للوكيل والإمام. (قوله: أن ينويا) أي الزكاة، خروجا من الخلاف. (وقوله: أيضا) أي كما ينوي الموكل أو الدافع للإمام. (وقوله: عند التفرقة) أي تفرقة الزكاة للمستحقين، والظرف متعلق بينويا. (قوله: أو وجدت إلخ) أي وتكفي النية إن وجدت بعد أحدهما، فهو معطوف على وجدت، بقطع النظر عن قوله قبل الأداء، وإلا

(وقبل التفرقة) لعسر اقترانها بأداء كل مستحق. ولو قال لغيره: تصدق بهذا. ثم نوى الزكاة قبل تصدقه بذلك، أجزأه عن الزكاة. ولو قال لآخر: اقبض ديني من فلان، وهو لك زكاة، لم يكف، حتى ينوي هو بعد قبضه، ثم يأذن له في أخذها وأفتى بعضهم أن التوكيل المطلق في إخراجها يستلزم التوكيل في نيتها. قال شيخنا: وفيه نظر، بل المتجه أنه لا بد من نية المالك، أو تفويضها للوكيل. وقال المتولي وغيره: يتعين نية الوكيل إذا وقع ـــــــــــــــــــــــــــــ لزم التكرار الموجب للركاكة، إذ الأداء هو التفرقة، فيصير التقدير عليه، بل تكفي النية قبل الأداء إن وجدت بعد أحدهما، وقبل الأداء. (قوله: أي بعد عزل إلخ) تفسير للأحد. (قوله: أو التوكيل) أي أو بعد التوكيل، وسكت عن وجودها بعد إعطائها للإمام مراعاة للمتن. ولو قال: أو إعطاء وكيل أو إمام لوفى بجميع ما ذكره متنا وشرحا. قال في متن المنهاج: ولو دفع إلى السلطان كفت النية عنده. فإن لم ينو لم يجز. وقال سم: محله ما لم ينو بعد الدفع إليه وقبل صرفه، وإلا أجزأ. اه. (قوله: وقبل التفرقة) معطوف على بعد أحدهما، أي أو وجدت بعده. وقبل التفرقة، أي تفرقة الزكاة وأدائها للمستحقين. (قوله: لعسر اقترانها) أي النية، وهو علة لعدم اشتراط مقارنتها للدفع. (قوله: ولو قال لغيره الخ) الأولى التفريع، لأنه مرتب على عدم وجوب المقارنة للدفع، والاكتفاء بوجودها بعد الدفع للوكيل وقبل التفرقة. (قوله: ثم نوى) أي المالك. (قوله: قبل تصدقه) أي الوكيل. (وقوله: بذلك) أي بالمال الذي دفعه للوكيل للصدقة. (قوله: أجزأه عن الزكاة) أي لما مر أن العبرة بنية الموكل، وأنها تجزئ بعد الدفع للوكيل وقبل التفرقة. (قوله: ولو قال لآخر الخ) هذه المسألة لا يظهر لها ارتباط هنا، وساقها في التحفة مؤيدا بها كلاما ذكره قبلها، ونصها: ولو أفرز قدرها بنيتها لم يتعين لها إلا بقبض المستحق لها بإذن المالك، سواء زكاة المال والبدن. وإنما تعينت الشاة المعينة للتضحية، لأنه لا حق للفقراء ثم في غيرها، وهنا حق المستحقين شائع في المال، لأنهم شركاء بقدرها، فلم ينقطع حقهم إلا بقبض معتبر. وبه يرد جزم بعضهم بأنه لو أفرز قدرها بنيتها كفى أخذ المستحق لها من غير أن يدفعها إليه المالك. ومما يرده أيضا قولهم لو قال لآخر: اقبض ديني من فلان وهو لك زكاة، لم يكف، حتى ينوي هو بعد قبضه، ثم يأذن له في أخذها. فقولهم: ثم إلخ: صريح في أنه لا يكفي استبداده بقبضها، ويوجه بأن للمالك بعد النية والعزل أن يعطي من شاء ويحرم من شاء، وتجويز استبداد المستحق يقطع هذه الولاية فامتنع. اه. وخالفه م ر: فقال: ولو نوى الزكاة مع الإفراز فأخذها صبي أو كافر ودفعها لمستحقها، أو أخذها المستحق ثم علم المالك، أجزأه. اه. (قوله: لم يكف) أي لم يجز عن الزكاة، وذلك لامتناع اتحاد القابض والمقبض على المعتمد. (وقوله: حتى ينوي إلخ) أي فإنها تكفي لعدم اتحاد ذلك، لأنه وكله أولا في القبض عنه فقط، ثم بعده صار وديعة في يد الوكيل، ثم أذن له في أخذها زكاة عنه. (وقوله: هو) أي الدائن. (وقوله: بعد قبضه) أي الدين من المدين، فالإضافة من إضافة المصدر لمفعوله. ويصح أن تكون من إضافة المصدر لفاعله، والمفعول محذوف، أي بعد قبض الآخر الدين من المدين. (وقوله: ثم يأذن) أي ثم بعد نيته الكائنة بعد القبض يأذن لذلك الآخر. (وقوله: في أخذها) أي الزكاة. والإضافة لأدنى ملابسة، أي في أخذ ما استلمه من الدين على أنه زكاة عنه. (قوله: وأفتى بعضهم إلخ) هذا مرتبط بما يفهم من قوله بل تكفي عند عزل أو إعطاء وكيل من أنه لا بد من نية الموكل، ولا تكفي نية الوكيل. قال سم في الناشري نقلا عن غيره ما يوافق هذا الإفتاء، حيث قال: إذا وكله - أي شخصا - في تفرقة الزكاة، أو في إهداء الهدي، فقال: زك، أو أهد، لي هذا الهدي. فهل يحتاج إلى توكيله في النية؟ قال الحرادي: لا يحتاج إلى ذلك، بل يزكي ويهدي الوكيل، وينوي. لأنه قوله: زك، اهد، يقتضي التوكيل في النية. وهذا الذي قاله مقتضى ما في العزيز والروضة، من أنه لو قال رجل لغيره: أد عني فطرتي. ففعل، أجزأ. - كما لو قال: اقض ديني. اه. وأقول: كلام الشيخين هنا يقتضي خلاف ذلك. اه. (قوله: إن التوكيل المطلق) أي غير المقيد بالتفويض في النية بأن يقول له وكلتك في إخراج زكاتي من مالي وإعطائها للمستحقين، ولا يتعرض للنية. (قوله: يستلزم التوكيل في نيتها) أي الزكاة. وعليه، فلا يحتاج لنية الموكل، بل يكفي لنية الوكيل. (قوله: وفيه) أي إفتاء بعضهم من أن التوكيل يستلزم نيتها. (قوله: بل المتجه الخ) صرح به في الروض، ونصه: ولو دفع إلى الإمام بلا نية، لم يجزه نية

الفرض بماله، بأن قال له موكله أد زكاتي من مالك، لينصرف فعله عنه. وقوله له ذلك متضمن للاذن له في النية. وقال القفال: لو قال لغيره أقرضني خمسة أؤدها عن زكاتي، ففعل، صح. قال شيخنا: وهو مبني على رأيه بجواز اتحاد القابض والمقبض. (وجاز لكل) من الشريكين (إخراج زكاة) المال (المشترك بغير إذن) الشريك (الآخر) كما قاله الجرجاني، وأقره غيره، لاذن الشرع فيه. وتكفي نية الدافع منهما عن نية الآخر - على ـــــــــــــــــــــــــــــ الإمام، كالوكيل. اه. قال في شرحه: فإنه لا تجزئه نيته عن الموكل، حيث دفعها إليه بلا نية، كما لو دفعها إلى المستحقين بنفسه. اه. (قوله: أو تفويضها) أي النية للوكيل، بأن قال له: وكلتك في دفع الزكاة، وفوضت لك نيتها. وعبارة الروض وشرحه: وله تفويض النية إلى وكيله في الأداء إذا كان أهلا لها، لإقامته إياه مقام نفسه فيها. اه. (قوله: قال المتولي وغيره إلخ) هذا استدراك على عدم الاكتفاء بنية الوكيل، فكأنه قال: لا تكفي إلا في هذه المسألة، فإنها تكفي، بل تتعين. وكان المناسب زيادة أداة الإستدراك كما في فتح الجواد، وعبارته: نعم، تتعين نية الوكيل الخ. اه. (قوله: يتعين نية الوكيل) أي بأن يقصد أن ما يخرجه زكاة موكله. (قوله: إذا وقع الفرض) أي وهو القدر الذي يجب عليه في ماله. (وقوله: بماله) الباء بمعنى من، وضميره يعود على الوكيل، أي من مال الوكيل. (قوله: بأن قال له إلخ) تصوير لوقوع الفرض من مال الوكيل. (قوله: لينصرف إلخ) علة لتعيين نية الوكيل في هذه الصورة، أي وإنما تعينت نيته لينصرف فعل الوكيل عن الموكل، أي ليقع أداؤه الزكاة من ماله عنه. (قوله: وقوله له ذلك) أي قوله الموكل للوكيل أد زكاتي من مالك (قوله: متضمن للإذن له) أي للوكيل. (وقوله: في النية) أي نية الزكاة، وما ذكر من أن القول المذكور يتضمن الإذن فيها مؤيد للإفتاء المار. وقد علمت عن سم أن كلام الشيخين يقتضي خلافه. (قوله: وقال القفال: لو قال) أي من وجبت عليه الزكاة. (قوله: ففعل) أي ذلك الغير ما أمر به. (قوله: صح) أي ما فعله من الاقتراض وأداء الزكاة عنه. (قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد، وعبارته: وقال القفال إلى آخر ما ذكر الشارح. ثم قال بعده: ويفرق بين هذه وما قبلها بأن القرض ثم ضمني، وهو لا يعتبر فيه قبض، فلا اتحاد. اه. وقوله: وما قبلها: هي مسألة المتولي. (قوله: بجواز اتحاد القابض والمقبض) أي بجواز أن يكون القابض والمقبض واحدا - كما هنا، فإن المقبض هو المقرض، وهو أيضا القابض بطريق النيابة عن موكله في إخراج الزكاة عنه. والجمهور على منعه، فعليه لا يصح ما فعله الوكيل من إقراضه، وأداء الزكاة عنه. (قوله: وجاز لكل من الشريكين إلخ) (اعلم) أن المؤلف تعرض لبيان حكم النصاب المشترك، ولم يتعرض لبيان الشركة فيه وأقسامها وشروطها، وكان عليه أن يتعرض أولا لذلك - كغيره - ثم يبين الحكم. وقد أفرد الكلام على ذلك الفقهاء بترجمة مستقلة، وحاصله أن الشركة هنا في أن يكون المال الزكوي بين مالكين مثلا، وتنقسم قسمين: شركة شيوع، وشركة جوار، ويعبر عن الأولى بخلطة الأعيان، وعن الثانية بخلطة الأوصاف. وضابط الأولى: أن لا يتميز مال أحد الشريكين عن مال الآخر، بل يستحق كل منهما في جميع المال جزءا شائعا، وذلك كأن ورث اثنان مثلا نصابا، أو أوصي لهما به، أو وهب لهما. وضابط الثانية: أن يتميز مال كل منهما عن الآخر، فيزكى المالان في القسمين كمال واحد، ويشترط فيهما كون مجموع المال نصابا أو أقل منه، ولأحدهما نصاب، وكون المالين من جنس واحد، لا غنم مع بقر، وكون المالكين من أهل الزكاة، ودوام الشركة كل الحول. ويشترط في الثاني - بالنسبة للماشية - أن يتحد مشرب - وهو موضع شرب الماشية - ومسرح - وهو الموضع الذي تجتمع فيه - ثم تساق إلى المرعى، ومراح - بضم الميم - وهو مأواها ليلا - وراع لها، وفحل، ومحلب - وهو مكان الحلب بفتح اللام. وبالنسبة للتمر والزرع: أن يتحد ناطور - وهو حافظ الزرع - والشجر، وجرين - وهو موضع تجفيف الثمر - وبيدر - وهو موضع تصفية الحنطة - وبالنسبة للنقد وعروض تجارة أن يتحد دكان، ومكان حفظ، وميزان، وكيال، ومكيال، ونقاد - وهو الصيرفي - ومناد - وهو الدلال -. (قوله: إخراج الخ) أي سواء كان من نفس المال المخرج أو من غيره. (قوله: لإذن الخ) تعليل لجواز إخراج أحد الشريكين ذلك. أي وإنما جاز ذلك لإذن الشارع فيه، أي ولأن المالين بالخلطة صارا كالمال الواحد، فيرجع حينئذ المخرج على شريكه ببدل ما أخرجه عنه. (قوله: وتكفي نية الدافع منهما) أي من

الاوجه. (و) جاز (توكيل كافر، وصبي في إعطائها المعين) أي إن عين المدفوع إليه، لا مطلقا، ولا تفويض النية إليهما لعدم الاهلية. وجاز توكيل غيرهما في الاعطاء والنية معا. وتجب نية الولي في مال الصبي والمجنون، فإن صرف الولي الزكاة بلا نية ضمنها، لتقصيره. ولو دفعها المزكي للامام بلا نية ولا إذن منه له فيها لم تجزئه نيته. نعم، تجزئ نية الامام عند أخذها قهرا من الممتنع، وإن لم ينو صاحب المال. (و) جاز ـــــــــــــــــــــــــــــ الشريكين. وعبارة التحفة: ولكل من الشريكين إخراج زكاة المشترك بغير إذن الآخر. وقضيته - بل صريحه - أن نية أحدهما تغني عن الآخر، ولا ينافيه قول الرافعي: كل حق يحتاج لنية لا ينوب فيه أحد إلا بإذن. لأن محله في غير الخليطين، لإذن الشرع فيه. اه. (قوله: على الأوجه) أي المعتمد. ومقابله يقول: ليس لأحدهما الانفراد بالإخراج بلا إذن الآخر والانفراد بالنية. (قوله: وجاز توكيل كافر وصبي) من إضافة المصدر إلى مفعوله بعد حذف الفاعل، أي وجاز توكيل المالك كافرا أو صبيا، أي مميزا. ومثلهما السفيه. وعبارة التحفة مع المنهاج: وله - إذا جاز له التفرقة بنفسه - التوكيل فيها لرشيد، وكذا لنحو كافر ومميز وسفيه، إن عين له المدفوع له. وأفهم قوله له، أن صرفه بنفسه أفضل. اه. (قوله: في إعطائها) أي الزكاة. وهو متعلق بتوكيل. (قوله: أي إن عين المدفوع إليه) يعني يجوز توكيل المالك كافرا أو صبيا إن عين المالك لهما المستحق الذي تدفع الزكاة له. وقال سم: قضية ما يأتي عن فتوى شيخنا الشهاب الرملي - من أنه لو نوى عند الإفراز كفى أخذ المستحق - أنه يكفي أخذ المستحق من نحو الصبي والكافر، وإن لم يعين له المدفوع إليه. اه. (قوله: لا مطلقا) أي لا يجوز توكيل من ذكر مطلقا، أي من غير تعيين المدفوع إليه. (قوله: ولا تفويض النية إليهما) أي ولا يجوز تفويض النية إلى الكافر والصبي. والمراد من الصبي: غير المميز. كما في التحفة، وعبارتها: ويجوز تفويض النية للوكيل الأهل، لا كافر، وصبي غير مميز، وقن. اه. ومفهومها جواز تقويضها للمميز، قال سم: لكن عبارة شرح الروض كالصريحة في عدم الجواز، أي جواز تفويضها للمميز. وعبارة البهجة وشرحها صريحة في عدم الجواز. وعبارة العباب: ولو وكل أهلا في الدفع والنية جاز، ونيتهما جميعا أكمل. أو غير أهل - ككافر، وصبي مميز، وعبد في إعطاء معين لا مطلقا - صح، واعتبرت نية الموكل. اه. وهو كالصريح فيما ذكر. اه. (قوله: لعدم الأهلية) أي أهلية الكافر والصبي، للنية. وهو تعليل لعدم جواز تفويض النية لهما، وهو يؤيد ما في شرح البهجة من عدم جواز تفويض النية للمميز، لأنه ليس أهلا لنية الواجب. (قوله: وجاز توكيل غيرهما) أي غير الكافر والصبي، وهو المسلم المكلف، أو المميز - على ما مر. وعبارة شرح بأفضل لابن حجر صريحة في الأول، ونصها: ويجوز تفويضها للوكيل إن كان من أهلها، بأن يكون مسلما مكلفا. اه. (قوله: في الإعطاء) أي إعطاء الزكاة للمستحقين، وهو متعلق بتوكيل. (وقوله: والنية) أي نية الزكاة، وهذا هو محل الفرق بين الكافر والصبي وبين غيرهما. ويفرق بينهما أيضا بجواز توكيل غيرهما مطلقا، عين له المدفوع له أو لا. (قوله: وتجب نية الولي) أي للزكاة، لأنها واجبة وقد تعذرت من المالك، فقام بها وليه، كالإخراج. (قوله: في مال الصبي والمجنون) أي في إخراج زكاة مالهما، والسفيه مثلهما، فينوي عنه وليه. قال في شرح المنهج: وظاهر أن الولي السفيه مع ذلك أن يفوض النية له كغيره. اه. وفي التحفة: قال الأسنوي: والمغمى عليه قد يولى غيره عليه - كما هو مذكور في باب الحجر - وحينئذ ينوي عنه الولي أيضا. اه. (قوله: فإن صرف الولي الزكاة) أي دفعها عن الصبي والمجنون للمستحقين. (وقوله: بلا نية) أي من غير أن ينوي الزكاة مما صرفه لهم. (قوله: ضمنها) أي مع عدم وقوعها الموقع. وعبارة غيره: لم تجزئ ويضمنها. اه. (قوله: لتقصيره) أي بدفعها من غير نية. (قوله: ولو دفعها) أي الزكاة. (قوله: المزكي) هو المالك أو وليه. (قوله: للإمام) متعلق بدفعها. ومثل الإمام نائبه، كالساعي. (قوله: بلا نية) أي بلا نية المزكي الزكاة. (قوله: ولا إذن منه) أي من المزكي له، أي الإمام فيها، أي النية. قال سم: مفهومه الإجزاء إذا أذن له في النية ونوى، وحينئذ فيحتمل أنه وكيل المالك في الدفع إلى المستحق، فلا يبرأ المالك قبل الدفع للمستحق، إذ لا يظهر صحة كونه نائب المالك ونائب المستحق أيضا حتى يصح قبضه، ويحتمل خلافه. اه. (قوله: لم تجزئه نيته) أي لم تجزئ المزكي نية الإمام الزكاة، لأنه نائب المستحقين. ولو دفع المزكي

للمالك - دون الولي - (تعجيلها) أي الزكاة (قبل) تمام (حول)، لا قبل تمام نصاب في غير التجارة، و (لا) تعجيلها (لعامين) في الاصح. وله تعجيل الفطرة من أول رمضان. أما في مال التجارة فيجزئ ـــــــــــــــــــــــــــــ إليهم من غير نية لم تجزئه، فكذا نائبهم. وكتب سم: قوله لم يجزئ: ينبغي أنه لو نوى المالك بعد الدفع إليه أجزأ، إذا وصل للمستحقين بعد النية. اه. (قوله: نعم، تجزئ نية الإمام) قال في فتح الجواد: فإن لم ينو - أي الإمام - أثم، لأنه حينئذ كالولي، والممتنع مقهور، كالمحجور عليه، فيجب رد المأخوذ أو بدله، والزكاة بحالها على من هي عليه. اه. (وقوله: عند أخذها) قال في شرح الروض - كما قاله البغوي والمتولي - لا عند الصرف إلى المستحقين. كما بحثه ابن الأستاذ، وجزم به القمولي. اه. وما بحثه ابن الأستاذ وجزم به القمولي هو ما اعتمده شيخنا الشهاب الرملي، وكتب بهامش شرح الروض أنه القياس، لأنهم نزلوا السلطان في الممتنع منزلته، ولذا صحت نيته عند الأخذ، فتصح عند الصرف أيضا. اه. سم (قوله: وإن لم ينو صاحب المال) غاية في إجزائها من الإمام، أي تجزئ منه مطلقا، سواء نوى صاحب المال أم لا. وهي للرد على الضعيف القائل بأنها لا تجزئ نية الإمام إذا لم ينو صاحب المال لانتفاء نيته المتعبد بها. وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: والأصح أن نيته - أي الإمام - تكفي في الإجزاء، ظاهرا وباطنا، لقيامه مقامه في النية - كما في التفرقة - وتكفي نيته عند الأخذ أو التفرقة، والثانية لا تكفي. اه. (قوله: وجاز للمالك الخ) أي لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - رخص في التعجيل للعباس قبل الحول، ولأن لوجوبها سببين: الحول والنصاب. وما له سببان يجوز تقديمه على أحدهما - كتقديم كفارة اليمين على الحنث - ويشترط في إجزاء المعجل شروط: أن يبقى المالك أهلا للوجوب إلى آخر الحول، أو دخول شوال في تعجيل الفطرة، وأن يبقى المال أيضا إلى آخره، فلو مات، أو تلف المال، أو خرج عن ملكه ولم يكن مال التجارة، لم يقع المعجل زكاة. وأن يكون القابض في آخر الحول مستحقا، فلو مات، أو ارتد قبله، أو استغنى بغير المعجل، لم يحسب المدفوع إليه عن الزكاة، لخروجه عن الأهلية عند الوجوب. وفي إجزاء المعجل عند غيبة المال أو الآخذ عن بلد الوجوب وقته خلاف، فقال حجر: لا يجزئه، لعدم الأهلية وقت الوجوب. وقال م ر: يجزئه، وإذا لم يقع المعجل عن الزكاة - لفقد شرط من الشروط السابقة - استرد المالك، إن كان شرط الاسترداد إن عرض مانع، أو قال له عند الدفع هذه زكاة مالي المعجلة. فإن لم يشترط عليه ولم يعلمه القابض لم يسترد، ويكون تطوعا، لتفريط الدافع بسكوته. (وقوله: دون الوالي) أما هو فلا يجوز له التعجيل عن موليه، سواء الفطرة وغيرها. نعم، إن عجل من ماله جاز، ولا يرجع به على الصبي، وإن نوى الرجوع، لأنه إنما يرجع عليه فيما يصرفه عنه عند الاحتياج. أفاده ع ش. (قوله: قبل تمام حول) أي وبعد انعقاده، بأن يملك النصاب في غير التجارة وتوجد نيتها مقارنة لأول تصرف. اه. تحفة. (قوله: لا قبل تمام نصاب) أي لا يجوز تعجيلها قبل تمام النصاب، وذلك لعدم انعقاد حولها حينئذ. (وقوله: في غير التجارة) أما هي فيجوز تعجيل زكاتها قبل تمام النصاب فيها، وذلك لأن انعقاد حولها لا يتوقف على تمام النصاب - كما تقدم في مبحثها - فلو اشترى عرضا لها لا يساوي مائتين، فعجل زكاة مائتين وحال الحول وهو يساويهما، أجزأ المعجل. (قوله: ولا تعجيلها لعامين) أي ولا يجوز تعجيلها لهما، لأن زكاة السنة الثانية لم ينعقد حولها، فكان كالتعجيل قبل كمال النصاب. ورواية أنه - صلى الله عليه وسلم - تسلف من العباس صدقة عامين: مرسلة أو منقطعة، مع احتمالها أنه تسلف منه صدقة عامين مرتين، أو صدقة مالين لكل واحد حول منفرد. وإذا عجل لعامين أجزأه ما يقع عن الأول. وقيده السبكي بما إذا ميز واجب كل سنة، لان المجزئ شاة معينة، لا مشاعة ولا مبهمة. اه. تحفة. (قوله: في الأصح) مقابله يجوز تعجيلها لهما، للحديث المار. قال في المغنى: وصحح هذا الأسنوي وغيره، وعزوه للنص. وعلى هذا يشترط أن يبقى بعد التعجيل نصاب، كتعجيل شاتين من ثنتين وأربعين شاة. اه. (قوله: وله تعجيل إلخ) هذا وقد تقدم في مبحث الفطرة، فكان المناسب تقديم هذا على قوله ولا تعجيلها لعامين، ويأتي بما يدل على التشبيه، كأن يقول كما جاز له تعجيل الفطرة. (وقوله: من أول رمضان) أي لانعقاد السبب الأول، إذ هي وجبت بسببين: رمضان، والفطر منه. وقد وجد أحدهما، فجاز تقديمها على الآخر - كما مر. (قوله: أما في مال التجارة الخ) محترز قوله في غير التجارة.

التعجيل، وإن لم يملك نصابا. وينوي عند التعجيل: كهذه زكاتي المعجلة. (وحرم) تأخيرها - أي الزكاة - (بعد تمام الحول والتملك) وضمن إن تلف بعد تمكن، بحضور المال والمستحق، أو أتلفه بعد حول ولو قبل التمكن. كما مر بيانه. (و) ثانيهما: (إعطاؤها لمستحقيها) أي الزكاة. يعني من وجد من الاصناف الثمانية المذكورة في آية: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله، وابن السبيل) *. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وينوي عند التعجيل) أنظر ما المراد بذلك؟ فإن كان المراد أنه ينوي الزكاة عند التعجيل - أي الإعطاء للزكاة قبل وقتها - فليس بلازم، لأن نية الزكاة المعجلة كغيرها، وقد تقدم أنه لا يشترط مقارنتها للإعطاء، بل يكفي وجودها عند عزل قدر الزكاة عن المال، أو إعطاء وكيل. وإن كان المراد أنه ينوي نفس التعجيل، فلا يصح وإن كان مثاله (1) يدل عليه، إما أولا فلوجود لفظ عند، وأما ثانيا فلم يشترط أحد لإجزاء الزكاة المعجلة نية التعجيل وإن كان هو وصفا لازما لإخراج الزكاة قبل وقتها. وعبارة المنهاج: وإذا لم يقع المعجل زكاة استرد، إن كان شرط الاسترداد إن عرض مانع، والأصح أنه لو قال هذه زكاتي المعجلة فقط - أي ولم يرد على ذلك - استرد، لأنه عين الجهة، فإذا بطلت رجع، كالأجرة. اه. بزيادة. وعبارة الروض وشرحه: متى عجل المالك أو الإمام دفع الزكاة، ولم يعلم الفقير أنه تعجيل، لم يسترد، فإن علم ذلك - ولو بقول المالك هذه زكاة معجلة، وحال عليه الحول وقد خرج الفقير أو المالك عن أهلية الزكاة ولو بإتلاف ماله، استرده، أي المعجل، ولو لم يشترط الرجوع للعلم بالتعجيل وقد بطل، وإن قال هذه زكاتي المعجلة، فإن لم تقع زكاة فهي نافلة، لم يسترد. ولو اختلفا في علم التعجيل - أي في علم القابض به - فالقول قول الفقير بيمينه، لأنه الأصل عدمه. اه. وإذا علمت، فكان الأولى للشارح أن يأتي بعبارة غير هذه العبارة التي أتى بها، بأن يقول مثلا ويسترد الزكاة المعجلة إن عرض سبب يقتضيه وعلم ذلك القابض، كأن قال له هذه زكاتي المعجلة، وذلك لأنه يفرق بين قوله هذه زكاتي فقط، وبين قوله هذه زكاتي المعجلة. فيسترد بالثانية ولا يسترد بالأولى، لتفريطه بترك ما يدل على التعجيل فيها. فتنبه. (قوله: وحرم تأخيرها الخ) هذه المسألة قد ذكرها الشارح بأبسط مما هنا، وليس لها تعلق بالتعجيل، فالأولى إسقاطها. (قوله: وضمن) أي قدر الزكاة لمستحقيه. (قوله: أن تلف) أي المال الذي تعلقت الزكاة به. (قوله: بحضور المال) متعلق بتمكن. (وقوله: والمستحق) أي وحضور المستحق. (قوله: أو أتلفه) أي أتلف المال المتعلقة به الزكاة، المالك أو غيره. ومثله ما لو تلف بنفسه وقصر في دفع المتلف عنه - كما مر. (قوله: ولو قبل التمكن) أي ولو حصل الإتلاف بعد الحول وقبل التمكن من الأداء، فإنه يضمن قدر الزكاة للمستحقين. (قوله: وثانيهما) أي ثاني شرطي أداء الزكاة، وقد أفرد الفقهاء هذا الشرط بترجمة مستقلة، وقالوا، باب قسم الصدقات. واختلفوا في وضعه، فمنهم من وضعه هنا - كالمؤلف، والروض، تبعا للإمام الشافعي - رضي الله عنه - في الأم - ومنهم من وضعه بعد الوديعة وقبيل النكاح - كالمنهاج، تبعا للإمام الشافعي في المختصر - ولكل وجهة، لكن وضعه هنا أحسن، لتمام تعلقه بالزكاة. (قوله: إعطاؤها) أي الزكاة. (قوله: يعني من وجد الخ) أي إن المراد بالمستحقين الأصناف الثمانية المذكورون في الآية. ومحل كونهم ثمانية إذا فرق الإمام، فإن فرق المالك فهم سبعة، وقد جمع بعضهم الثمانية في قوله: صرفت زكاة الحسن لم لا بدأت بي؟ * * فإني أنا المحتاج لو كنت تعرف فقير، ومسكين، وغاز، وعامل، * * ورق، سبيل، غارم، ومؤلف (قوله: في آية إنما الصدقات إلخ) قد علم من الحصر بإنما، أنها لا تصرف لغيرهم، وهو مجمع عليه، وإنما

_ (1) (قوله: وإن كان مثاله) هو قولة: كهذه زكاتي المعجلة. اه مولف.

والفقير: من ليس له مال ولا كسب لائق، يقع موقعا من كفايته وكفاية ممونه، ولا يمنع الفقر، مسكنه وثيابه - ولو للتجمل في بعض أيام السنة - وكتب يحتاجها، وعبده الذي يحتاج إليه للخدمة، وماله الغائب ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلاف في استيعابهم، أي فعندنا يجب استيعابهم، وعند غيرنا لا يجب. قال البجيرمي: والمعنى عند الشافعي - رضي الله عنه - إنما تصرف لهؤلاء لا لغيرهم، ولا لبعضهم فقط، بل يجب استيعابهم. والمعنى عند الإمام مالك وأبي حنيفة: إنما تصرف لهؤلاء لا لغيرهم، وهذا يصدق بعدم استيعابهم، ويجوز دفعها لصنف منهم، ولا يجب التعميم. وقال ابن حجر في شرح العباب: قال الأئمة الثلاثة وكثيرون: يجوز صرفها إلى شخص واحد من الأصناف. قال ابن عجيل (1) اليمني ثلاث مسائل في الزكاة يفتى فيها على خلاف المذهب، نقل الزكاة، ودفع زكاة واحد إلى واحد، ودفعها إلى صنف واحد. ا. ج. اه. (قوله: للفقراء إلخ) أي مصروفة لهم. وبدأ بالفقراء لشدة حاجتهم، وإنما أضيف الصدقات للأربعة الأولى بلام الملك - أي نسبت إليهم بواسطتها - وإلى الأربعة الأخيرة بفي الظرفية، للإشعار بإطلاق الملك في الأربعة الأولى لما يأخذونه، وتقييده في الأربعة الأخيرة بصرف ما أخذوه فيما أخذوه له، فإن لم يصرفوه فيه أو فضل منه شئ استرد منهم. وإنما أعاد في الظرفية ثانيا في سبيل الله وابن السبيل، إشارة إلى أن الأولين من الأربعة الأخيرة يأخذان لغيرهما، والأخيرين منها يأخذان لأنفسهما. اه. بجيرمي. ملخصا. (قوله: والفقير الخ) شروع في تعريف الأصناف على ترتيب الآية الشريفة. (قوله: من ليس له مال الخ) أي بأن لم يكن عنده مال ولا كسب أصلا، أو كان عنده كسب لا يليق به، أو كان له مال أو كسب يليق، لكن لا يقعان موقعا من كفايته وكفاية ممونه. فكلامه صادق بثلاث صور، ولا بد في المال والكسب أن يكونا حلالين، فلا عبرة بالحرامين - كالمكس وغيره من أنواع الظلم - وأفتى ابن الصلاح بأن من في يده مال حرام وهو في سعة منه، يحل له أخذ الزكاة إذا تعذر عليه وجه إحلاله. (وقوله: لائق) صفة لكسب، فلا عبرة بغير اللائق. ولذلك أفتى الغزالي بأن أرباب البيوت الذين لم تجر عادتهم بالكسب يجوز لهم أخذ الزكاة. (قوله: يقع موقعا الخ) الجملة صفة لكل من مال ومن كسب، وكان الأولى أن يقول يقعان موقعا - بألف التثنية - لأن عبارته توهم أنه صفة للأخير فقط. والمعنى أنه ليس عنده مال يقع موقعا، ولا كسب يقع موقعا، أي يسدان مسدا، ويغنيان غنى. قال في المصباح: وقع موقعا من كفايته: أي أغنى غنى. اه. وذلك كمن يحتاج إلى عشرة مثلا، وعنده مالا يبلغ النصف، أو يكتسب ما لا يبلغ ذلك، كأربعة أو ثلاثة أو اثنين. قال الشوبري: نعم، يبقى النظر فيما لو كان عنده صغار ومماليك وحيوانات، فهل نعتبرهم بالعمر الغالب، إذ الأصل بقاؤهم وبقاء نفقتهم عليه، أو بقدر ما يحتاجه بالنظر للأطفال ببلوغهم، وإلى الأرقاء بما بقي من أعمارهم الغالبة، وكذلك الحيوانات؟ للنظر في ذلك مجال. وكلامهم يومئ إلى الأول، لكن الثاني أقوى مدركا، فإن تعذر العمل به تعين الأول. حجر. اه. (قوله: ولا يمنع الفقر إلخ) كالفقر: المسكنة. فلو أخر هذا عن تعريف المسكين وقال ولا يمنع الفقر والمسكنة لكان أولى. (وقوله: مسكنه) أي الذي يليق به. قال في التحفة: أي وإن اعتاد السكنى بالأجرة، بخلاف ما لو نزل في موقوف يستحقه على الأوجه فيهما، لأن هذا كالملك، بخلاف ذاك. اه. (قوله: وثيابه الخ) أي ولا يمنع الفقر أيضا ثيابه، ولو كانت للتجمل بها في بعض أيام

_ (1) (قوله: قال ابن عجيل إلخ) سئل شيخنا وأستاذنا - أطال الله بقاءه - عن نقل زكاة المال من أرض الجاوة إلى مكة والميدينة رجاء ثواب التصدق على فقراء الحرمين، هل يوجد في مذهب الشافعي قول بجواز نقلها في ذلك ئ فأجاب - بما صورته. (اعلم) - رحمك الله - إن مسألة نقل الزكاة فيها اختلاف كثير بين العلماء، والمشهور في مذهب الشافعي امتناع نقلها إذا وجد المستحقون لها في بلدها. ومقابل المشهور جواز النقل، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - وكثير من المجتهدين، منهم الامام البخاري، فإنه نرجم المسألة بقوله: باب أخذ الصدقة من الاغنياء - وترد على الفقراء حيث كانوا. قال شارحه القسطلانى: ظاهره أن المولف يختار جواز نقل الزكاة من بلد المال. وهو أيضا مذهب الحنفية والاصح عند الشافعية والمالكية عدم الجواز: انتهى. وفى المنهاج والتحفة للعلامة ابن حجر: والأظهر منع نقل الزكاة. وإن نقل مقبله أكثر العلماء، وانتصر له. انتهى. إذا تأملت ذلكء علمت أن القول بالنقل يوجد في مذهب الإمام الشافعي، ويجوز تقليده، والعمل بمقتضاه. والله أعلم. اه مولف

بمرحلتين، أو الحاضر وقد حيل بينه وبينه والدين المؤجل والكسب الذي لا يليق به. وأفتى بعضهم أن حلي المرأة اللائق بها المحتاجة للتزين به عادة لا يمنع فقرها. وصوبه شيخنا. والمسكين: من قدر على مال أو كسب يقع موقعا من حاجته ولا يكفيه كمن يحتاج لعشرة وعنده ثمانية ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ السنة، كالعيد والجمعة. قال في التحفة: وإن تعددت إن لاقت به أيضا على الأوجه، خلافا لما يوهمه كلام السبكي. ويؤخذ من ذلك صحة إفتاء بعضهم بأن حلي المرأة اللائق بها المحتاجة للتزين به عادة لا يمنع فقرها. اه. (قوله: وكتب) أي ولا يمنع الفقر أيضا كتب، وإن تعددت أنواعها. فإن تعددت من نوع واحد بيع ما زاد على واحد منها، إلا إن كانت لنحو مدرس، واختلف حجمها. وعبارة شرح الرملي: ولو تكررت عنده كتب من فن واحد بقيت كلها لمدرس، والمبسوط لغيره فيباع الموجز، إلا أن يكون فيه ما لبس في المبسوط فيما يظهر. أو نسخ من كتاب، بقي له الأصح، لا الأحسن. اه. وأما المصحف الشريف فيباع مطلقا، لأنه تسهل مراجعة حفظته، فلو كان بمحل لا حافظ فيه ترك له - كما في سم. (قوله: يحتاجها) حال من الثلاثة قبله: وهي المسكن، والثياب، والكتب. ولا يقال إن الأخير نكرة وهي لا تجئ الحال منها. لأنا نقول عطفها على المعرفة سوغ ذلك. وخرج ما لا يحتاج إليه من الثلاثة، فإنه يمنع الفقر، فلا يعطى من الزكاة. (قوله: وعبده الخ) أي ولا يمنع الفقر عبده الذي يحتاج إليه. قال في التحفة: ولو لمروأته - أي منصبه - لكن إن اختلت مروأته بخدمته لنفسه، أو شقت عليه مشقة لا تحتمل عادة. اه. (وقوله: للخدمة) خرج به المحتاج إليه للزراعة فإنه يمنع الفقر. أفاده ش ق. (قوله: وماله الغائب) أي ولا يمنع الفقر ماله الغائب، فيأخذ إلى أن يصل له، لأنه معسر الآن، لكن بشرط أن لا يجد من يقرضه ما يكفيه إلى أن يصل ماله. (وقوله: بمرحلتين) خرج به الغائب إلى دون مرحلتين، فحكمه كالمال الحاضر عنده، فلا يعطى شيئا. (وقوله: أو الحاضر وقد حيل بينه وبينه) أي أو ماله الحاضر، والحال أنه قد حال بين المالك وبين المال حائل، كسبع، أو ظالم، فيعطى حينئذ بالشرط المتقدم. وبعضهم أدخل هذا في الغائب، لأنه غائب حكما. فإن لم يحل بينه وبينه حائل لم يعط شيئا. (قوله: والدين المؤجل) أي ولا يمنع الفقر أيضا دين له على آخر مؤجل، فيعطى حينئذ، لكن بالشرط المار آنفا. ولا فرق فيه بين أن يحل قبل مضي زمن مسافة القصر أو لا، لأن الدين لما كان معدوما لم يعتبر له زمن، بل أعطى إلى حلوله وقدرته على خلاصه، بخلاف المال الغائب، ففرق فيه بين قرب المسافة وبعدها. أفاده م ر. (قوله: والكسب الخ) أي ولا يمنع الفقر الكسب. (وقوله: الذي لا يليق به) أي شرعا لحرمته، أو عرفا لإخلاله بمروءته، فهو حينئذ كالعدم. فلو لم يجد من يستعمله إلا من ماله حرام، أو فيه شبهة قوية، أو كان من أرباب البيوت الذين لم تجر عادتهم بالكسب وهو يخل بمروءته، كان له الأخذ من الزكاة فيهما، وأما قوله في الإحياء: إن ترك الشريف نحو النسخ والخياطة عند الحاجة، حماقة ورعونة نفس وأخذه الأوساخ عند قدرته أذهب لمروءته - فمحمول على إرشادة للأكمل من الكسب. أفاده الرملي. (قوله: اللائق) بالنصب صفة لحلي. (قوله: المحتاجة) بالنصب صفة لحلي أيضا. وعليه، فأل الموصولة واقعة على الحلي، وفاعل الصفة يعود على المرأة، وضمير به يعود على أل، وهو الرابط. فالصلة جرت على غير من هي له، أي الحلي الذي تحتاج المرأة للتزين به. ويصح جره صفة للمرأة، وعليه، فأل واقعة على المرأة، وفاعل الصفة يعود على أل، وضمير به يعود على الحلي، فالصلة جرت على من هي له، أي المرأة التي احتاجت للتزين بالحلي. (قوله: لا يمنع فقرها إلخ) فرض المسألة أنها غير مزوجة، وإلا كانت مستغنية بنفقة الزوج، فلا تأخذ من الزكاة - كما سيأتي. (قوله: وصوبه شيخنا) أي صوب الإفتاء المذكور شيخنا. ومفاد عبارته أن شيخه قال: وهو الصواب مثلا، لأن معنى صوبه: حكم بتصوبيه، وقد تقدم نقل عبارته عند قول الشارح وثيابه ولم يكن ذلك فيها، وإنما الذي فيها ومنه يؤخذ الخ، إلا أن يقال إن قوله ذلك مع سكوته عليه وعدم رده يقتضي التصويب. فتنبه. (قوله: والمسكين: من قدر على مال أو كسب) أي أو عليهما، فأو: مانعة خلو - تجوز الجمع، ولا بد أن يكون كل منهما حلالا، وأن يكون الكسب لائقا - كما مر. (قوله:

يكفيه الكفاية السابقة، وإن ملك أكثر من نصاب، حتى أن للامام، أن يأخذ زكاته ويدفعها إليه فيعطى كل منهما - إن تعود تجارة - رأس مال يكفيه ربحه غالبا، أو حرفة آلتها. ومن لم يحسن حرفة ولا تجارة يعطى كفاية العمر الغالب. وصدق مدعي فقر، ومسكنة، وعجز عن كسب - ولو قويا جلدا - بلا يمين، لا مدعي تلف مال عرف بلا بينة. ـــــــــــــــــــــــــــــ يقع) أي أحدهما المال أو الكسب، أو مجموعهما. ومعنى كونه يقع موقعا من كفايته: أنه يسد مسدا بحيث يبلغ النصف فأكثر. قال ابن رسلان في زبده: فقير العادم والمسكين له * * ما يقع الموقع دون تكمله (وقوله: ولا يكفيه) أي والحال أنه لا يكفيه ما ذكر من المال أو الكسب أو مجموعهما. وخرج به من قدر على مال أو كسب يكفيه، فإنه غني، لا يجوز له أخذ الزكاة. (قوله: كمن يحتاج إلخ) تمثيل للمسكين. (قوله: وعنده ثمانية) أي أو يكتسب كل يوم ثمانية. أو يكون مجموع المال والكسب كذلك. ومثل الثمانية: السبعة، والستة، والخمسة. (قوله: ولا يكفيه) الأوليى ولا تكفيه - بالتاء - إذ فاعله يعود على الثمانية، وهي مؤنثة. ولو أسقطه لكان أخصر، لأنه معلوم من تعبيره بالاحتياج إلى العشرة ومن جعله مثالا للمسكين الذي ضبطه بما مر. (وقوله: الكفاية السابقة) وهي كفايته، وكفاية ممونة. (قوله: وإن ملك أكثر من نصاب) غاية لقوله والمسكين من قدر الخ. أي إن من قدر على ما ذكر من غير كفاية يكون مسكينا، وإن ملك أكثر من نصاب. ومن ثم قال في الإحياء: قد يملك ألفا وهو فقير، وقد لا يملك إلا فأسا وحبلا وهو غني، كالذي يكتسب كل يوم كفايته. وفي التحفة ما نصه: (تنبيه) علم مما تقرر أن الفقير أسوأ حالا من المسكين. وعكس أبو حنيفة، ورد بأنه - صلى الله عليه وسلم - استعاذ من الفقر، وسأل المسكنة بقوله: اللهم أحيني مسكينا، الحديث. ولا رد فيه، لأن الفقر المستعاذ منه فقر القلب، والمسكنة المسؤولة سكونه وتواضعه وطمأنينته. على أن حديثها ضعيف ومعارض بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - استعاذ منها. لكن أجيب بأنه إنما استعاذ من فتنتها، كما استعاذ من فتنتي الفقر والغنى دون وصفيهما لأنهما تعاوراه، فكان خاتمه أمره غنيا بما أفاء الله عليه. وإنما الذي يرد عليه ما نقله في المجموع عن خلائق من أهل اللغة مثل ما قلناه. اه. (واعلم) أن ما لا يمنع الفقر مما تقدم لا يمنع المسكنة أيضا - كما مر التنبيه عليه - ومما لا يمنعهما أيضا: اشتغاله عن كسب يحسنه بحفظ القرآن، أو بالفقه، أو بالتفسير، أو الحديث. أو ما كان آلة لذلك وكان يتأتى منه ذلك فيعطى ليتفرغ لتحصيله لعموم نفعه وتعديه، وكونه فرض كفاية. ومن ثم لم يعط المتنفل بنوافل العبادات وملازمة الخلوات، لأن نفعه قاصر على نفسه. (قوله: حتى الخ) حتى تفريعية، أي فللإمام الخ. (قوله: إن يأخذ زكاته) أي المسكين المالك للنصاب. (وقوله: ويدفعها إليه) أي إلى ذلك المسكين الذي أخذ الإمام منه الزكاة. (قوله: فيعطى الخ) الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، أي إذا علمت أن الفقير والمسكين من الأصناف الثمانية فيعطى إلخ. (قوله: كل منهما) أي الفقير والمسكين. (وقوله: إن تعود تجارة) أي اعتاد وصلح لها. (وقوله: رأس مال) مفعول ثان ليعطى. (قوله: أو حرفة) أي أو تعود حرفة، فهو معطوف على تجارة. (وقوله: آلتها) أي يعطى آلتها - أي الحرفة، أي أو ثمنها. (قوله: يعطى كفاية العمر الغالب) أي بقيته، وهو ستون سنة، وبعدها يعطى سنة سنة - كما في التحفة والنهاية - قال الكردي: وليس المراد بإعطاء من لا يحسن ذلك إعطاء نقد يكفيه تلك المدة، لتعذره، بل ثمن ما يكفيه دخله، فيستري له عقارا، أو نحو ماشية - إن كان من أهلها - يستغله. اه. (قوله: وصدق مدعي فقر ومسكنة) مثله - كما سيأتي - مدعي أنه غاز أو ضعيف الإسلام، أو أنه ابن السبيل. (قوله: عجز عن كسب) معطوف على فقر، أي وصدق مدعي عجز عن كسب. (وقوله: ولو قويا جلدا) غاية في الأخير. وفي النهاية: وقول الشارح وحاله يشهد بصدقه بأن كان شيخا كبيرا، أو زمنا. جري على الغالب. اه. (قوله: بلا يمين) متعلق بصدق، أي صدق مدعي

والعامل - كساع -: وهو من يبعثه الامام لاخذ الزكاة، وقاسم وحاشر، لا قاض. والمؤلفة: من أسلم ونيته ضعيفة، أو له شرف يتوقع بإعطائه إسلام غيره. والرقاب: المكاتبون كتابة صحيحة، فيعطى المكاتب - أو سيده - بإذنه دينه إن عجز عن الوفاء، وإن كان ـــــــــــــــــــــــــــــ ما ذكر من غير يمين، لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى من سألاه الصدقة بعد أن أعلمهما أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، ولم يحلفهما، مع أنه رآهما جلدين أي قويين. (قوله: لا مدعي تلف مال) معطوف على مدعي فقر. أي لا يصدق مدعي تلف مال - أي مطلقا سواء ادعى التلف بسبب ظاهر كحريق، أو خفي كسرقة - كما في التحفة. (وقوله: عرف) الجملة صفة لمال. أي عرف أنه له. (وقوله: بلا بينة) أي لا يصدق بلا بينة، لأن الأصل بقاء المال. والبينة: رجلان، أو رجل وامرأتان، ويغني عنها استفاضة بين الناس بأنه تلف. ومثل دعوى التلف في ذلك دعوى أنه عامل، أو مكاتب، أو غارم، أو مؤلف، وقد عرف بخلافه. (والحاصل) أن من علم الدافع حاله من استحقاق وعدمه عمل بعلمه. ومن لم يعلم حاله، فإن ادعى فقرا، أو مسكنة، أو عجزا عن كسب، أو ضعف إسلام، أو غزوا، أو كونه ابن سبيل، صدق بلا يمين. وإن ادعى تلف مال معروف له، أو غرما، أو كتابة، أو أنه عامل، لا يصدق إلا ببينة، أو استفاضة. ويصدق دائن في الغارم، وسيد في المكاتب - كما سيأتي. (قوله: والعامل) أي ولو غنيا. وومحل استحقاقه من الزكاة إذا أخرجها الإمام ولم يجعل له جعلا من بيت المال، فإن فرقها المالك أو جعل الإمام له ذلك سقط سهمه. وعبارة الكردي: العامل من نصبه الإمام في أخذ العمالة من الصدقات، فلو استأجره من بيت المال أو جعل له جعلا لم يأخذ من الزكاة. اه. (قوله: كساع) تمثيل للعامل، وكان الملائم لما قبله والأخصر أن يؤخر هذا عن التعريف، كأن يقول والعامل هو من يبعثه الخ. ثم يقول: كساع، وقاسم، وحاشر، وأشار بالكاف إلى أن العامل لا ينحصر فيما ذكره، إذ منه: الكاتب، والحاسب، والحافظ، والجندي إن احتيج إليه. (قوله: وهو من يبعثه الإمام إلخ) هذا البعث واجب. ويشترط في هذا أن يكون فقيها بما فوض إليه منها، وأن يكون مسلما، مكلفا، حرا، عدلا، سميعا، بصيرا، ذكرا، لأنه نوع ولاية. (قوله: وقاسم) معطوف على ساع، وهو الذي يقسمها عل المستحقين. (وقوله: وحاشر) معطوف على ساع، وهو الذي يجمع ذوي الأموال أو والمستحقين. (قوله: لا قاض) معطوف على ساع أيضا، أي لا كقاض - أي ووال - فلا يعطيان من الزكاة لأنهما وإن كانا من العمال لكن عملهما عام، بل يعطيان من خمس الخمس المرصد للمصالح العامة، إن لم يتطوعا بالعمل. (قوله: والمؤلفة) جمع مؤلف من التأليف، وهو جمع القلوب. والمؤلفة أربعة أقسام، ذكر الشارح منها قسمين وبقي عليه قسمان، أحدهما: مسلم مقيم بثغر من ثغورنا ليكفينا شر من يليه من الكفار. وثانيهما: مسلم يقاتل أو يخوف مانع الزكاة حتى يحملها إلى الإمام. فيعطيان، لكن بشرط أن يكون إعطاؤهما أسهل من بعث جيش، وبشرط الذكورة، وكون القاسم، الإمام. وإنما تركهما لأن الأول في معنى العامل، والثاني في معنى الغازي. واشترط بعضهم في إعطاء المؤلفة احتياجنا إليهم. وفيه نظر، بالنسبة للقسمين المذكورين في الشرح. (قوله: من أسلم) من: واقعة على متعدد حتى يصح الحمل، أي المؤلفة جماعة أسلموا إلخ. (قوله: ونيته ضعيفة) أي في أهل الإسلام بأن تكون عنده وحشة منهم، أو في الإسلام نفسه، فيعطى ليتقوى إيمانه، أو لتزول وحشته. (قوله: أو له شرف) معطوف على ونيته ضعيفة. أي أو من أسلم ونيته قوية، لكن له شرف يتوقع بسبب إعطائه إسلام غير من نظرائه فيعطى حينئذ لأجل ذلك. وهذا القسم وما قبله يعطيان مطلقا - ذكورا كانوا أم لا، احتجنا إليهم أم لا، قسم الإمام أم لا. (قوله: والرقاب) مبتدأ، خبره المكاتبون، أي الرقاب في الآية هم المكاتبون. ومن المعلوم أن الرقاب جمع رقبة، والمراد بها الذات، من إطلاق الجزء وإرادة الكل. (وقوله: كتابة صحيحة) أي ولو لنحو كافر، وهاشمي، ومطلبي، فيعطون ما يعينهم على العتق إن لم يكن معهم ما يفي بنجومهم، ولو

كسوبا، لا من زكاة سيده لبقائه على ملكه. والغارم: من استدان لنفسه لغير معصية، فيعطي له إن عجز عن وفاء الدين، وإن كان كسوبا، إذ الكسب لا يدفع حاجته لوفائه إن حل الدين. ثم إن لم يكن معه شئ أعطي الكل، وإلا فإن كان بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن، ترك له مما معه ما يكفيه - أي العمر الغالب -. كما استظهره شيخنا. وأعطي ما يقضي به باقي ـــــــــــــــــــــــــــــ بغير إذن ساداتهم، أو قبل حلول النجوم. وخرج بالكتابة الصحيحة الكتابة الفاسدة، فلا يعطى المكاتب حينئذ شيئا، لأنها غير لازمة رأسا. وأسقط قيدا صرح بمفهومه فيما سيأتي، وهو: أن تكون الكتابة لغير المزكي، فإن كانت الكتابة للمزكي فلا يعطى المكاتب من زكاته شيئا، لعود الفائدة إليه مع كونه ملكه، فلا يرد ما إذا أعطى المزكي مدينه شيئا من زكاته فرده له عن دينه فإنه يصح، ما لم يشرط عليه رده، لأن المدين ليس ملكه. (قوله: فيعطى المكاتب) أي ولو بغير إذن سيده وقبل حلول النجوم. (قوله: أو سيده الخ) معطوف على المكاتب، أي أو يعطى سيده بإذن المكاتب فإن أعطى سيده بغير إذنه لا يقع زكاة، ولكن يقع عن دين المكاتب فلا يطالبه سيده به، وعبارة الروض وشرحه: فيعطون - أي المكاتبون - ولو بغير إذن سيدهم. والتسليم لما يستحقه المكاتب أو الغارم الآتي بيانه إلى السيد أو الغريم، بإذن المكاتب والغارم أحوط وأفضل، وتسليمه إلى من ذكر بغير الإذن من المكاتب أو الغارم لا يقع زكاة، فلا يسلم له إلا بإذنهما، لأنهما المستحقان، ولكن ينقضي دينهما، لأن من أدى دين غيره بغير إذنه، برئت ذمته. اه. بحذف. (قوله: دينه) مفعول ثان ليعطي، أي يعطى المكاتب أو سيده ما يفي بدينه. (قوله: إن عجز) أي المكاتب عن الوفاء أي وفاء الدين. فإن لم يعجز عنه فلا يعطى، لعدم احتياجه. (قوله: وإن كان كسوبا) غاية في الإعطاء، أي يعطى المكاتب مطلقا، سواء كان قادرا على الكسب أم لا. وإنما لم يعط الفقير والمسكين القادران على الكسب - كما مر - لأن حاجتهما تتحقق يوما بيوم، والكسوب يحصل كل يوم، وحاجة المكاتب ناجزة، لثبوت الدين في ذمته. والكسوب لا يدفعها عند حلول الأجل دفعة، بل بالتدريج غالبا، فيعطى ما يدفع حاجته الناجزة. (قوله: لا من زكاة سيده) أي لا يعطى من زكاة سيده. (وقوله: لبقائه) أي المكاتب، على ملك سيده، لأنه قن ما بقي عليه درهم، والقن لا يأخذ من زكاة سيده شيئا. (قوله: والغارم) من الغرم، وهو اللزوم، لأن الدائن يلزم المدين حتى يقضيه دينه. وهو ثلاثة أنواع ذكرها الشارح، من استدان لنفسه، ومن استدان لإصلاح ذات البين، ومن استدان للضمان. (قوله: من استدان لنفسه لغير معصيه) أي تداين لنفسه شيئا بقصد أن يصرفه في غير معصية، بأن يكون لطاعة أو مباح، وإن صرفه في معصية. ويعرف قصد ذلك بقرائن الأحوال، فإن استدان لمعصية ففيه تفصيل. فإن صرفه فيها ولم يتب فلا يعطى شيئا، وإن لم يصرفه فيها بأن صرفه في مباح، أو صرفه فيها لكنه تاب وغلب على الظن صدقه في توبته، فيعطى. فالمفهوم فيه تفصيل. (قوله: فيعطى له) نائب الفاعل ضمير يعود على الغارم، واللام زائدة، وما دخلت عليه مفعول ثان، أي يعطى الغارم إياه - أي ما استدانه - وأفاده أنه لو أعطى من ماله شيئا ولم يستدن لم يعط شيئا. وهو كذلك. (قوله، إن عجز عن وفاء الدين) أي وحل الأجل، فإن لم يعجز عن وفاء الدين بأن كان ما له يفي به. أو لم يحل الأجل، فلا يعطى شيئا. (قوله: وإن كان كسوبا) غاية في الإعطاء، أي يعطى الغارم وإن كان قادرا على الكسب. (قوله: إذ الكسب إلخ) تعليل لإعطائه مع قدرته على الكسب. (وقوله: لا يدفع حاجته الخ) أي لا يدفع احتياجه لوفاء الدين إذا حل لأن حاجته لذلك ناجزة، والكسب إنما هو تدريجي. قال في التحفة: ولا يكلف كسوب الكسب هنا، لأنه لا يقدر على قضاء دين منه غالبا إلا بتدريج، وفيه حرج شديد. اه. (قوله: ثم إن لم يكن إلخ) تفصيل لما أجمله أولا بقوله: فيعطى له الخ. (قوله: معه) أي من استدان لنفسه. (قوله: أعطى الكل) أي كل ما استدانه. (قوله: إلا) أي بأن كان معه شئ. (قوله: فإن كان إلخ) أي ففيه تفصيل، وهو: فإن كان الخ. (قوله: بحيث الخ) أي متلبسا بحالة: هي أنه لو قضى دينه إلخ. (قوله: مما معه) أي مما عنده من المال. (قوله: تمسكن) أي صار مسكينا، وهو جواب لو. (قوله: ترك الخ) جواب إن. (وقوله: له) أي لمن استدان. (وقوله: ما يكفيه) نائب فاعل ترك. (قوله: أي العمر الغالب) أي الكفاية السابقة للعمر الغالب. (قوله: كما

دينه، أو لاصلاح ذات البين، فيعطى ما استدانه لذلك ولو غنيا. أما إذا لم يستدن بل أعطي ذلك من ماله، فإنه لا يعطاه. ويعطى المستدين لمصلحة عامة كقري ضيف، وفك أسير، وعمارة نحو مسجد، وإن غنيا. أو للضمان. فإن كان الضامن والاصيل معسرين أعطي الضامن وفاءه. أو الاصيل موسرا دون الضامن، أعطي إن ضمن بلا إذن، أو عكسه أعطي الاصيل، لا الضامن، وإذا وفى من سهم الغارم لم يرجع على الاصيل وإن ـــــــــــــــــــــــــــــ استظهره شيخنا) عبارته مع الأصل: والأظهر اشتراط حاجته بأن يكون بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن - كما رجحاه في الروضة وأصلها والمجموع - فيترك مما معه ما يكفيه، أي الكفاية السابقة للعمر الغالب - فيما يظهر - ثم إن فضل معه شئ صرفه في دينه، وتمم له باقيه، وإلا قضى عنه الكل. اه. (قوله: وأعطى) أي من ترك له من ماله ما يكفيه ما ذكر. (وقوله: باقي دينه) أي إن فضل بعد ترك ما يكفيه العمر الغالب شئ، وإلا أعطى الكل - كما صرح به شيخه في العبارة المارة. (قوله: أو لإصلاح ذات البين) معطوف على لنفسه، أي أو من استدان لإصلاح الحال الكائن بين القوم المتنازعين، كأن خاف فتنة بين قبيلتين تنازعتا في قتيل لم يظهر قاتله، فتحمل الدية تسكينا للفتنة. (قوله: فيعطى) أي من استدان للاصلاح. (قوله: ما استدانه لذلك) أي لإصلاح ذات البين. (قوله: ولو غنيا) لأنه لو اعتبر الفقر لقلت الرغبة في هذه المكرمة. (قوله: أما إذا لم يستدن إلخ) ومثله ما لو استدان ووفى الدين من ماله، فلا يعطى شيئا. (قوله: ويعطى المستدين الخ) أي لأنه غارم. وعبارة التحفة: ومنه - أي الغارم - من استدان لنحو عمارة مسجد وقري ضيف. ثم اختلفوا فيه، فألحقه كثيرون بمن استدان لنفسه، ورجحه جمع متأخرون، أي فيعطى إن عجز عن وفاء الدين. وآخرون بمن استدان لإصلاح ذات البين، إلا إن غنى بنقد، أي لا بعقار، ورجحه بعضهم. ولو رجح أنه لا أثر لغناه بالنقد أيضا حملا على هذه المكرمة العام نفعها لم يبعد. اه. بزيادة. (وقوله: لمصلحة عامة) أي لأجل مصلحة يعم نفعها المسلمين. (قوله: كقري ضيف إلخ) أمثلة للمصلحة العامة. (قوله: وعمارة نحو مسجد) أي إنشاء أو ترميما، فإن استدان لذلك أعطى. ولا يجوز دفع الزكاة لبناء مسجد ابتداء - كما في الكردي - وسيذكره الشارح قريبا. (قوله: وإن غني) غاية في الإعطاء. أي يعطى، وإن كان غنيا - أي مطلقا، بعقار أو بنقد - وهي للرد على من يقول إنه لا يعطى إذا كان غنيا، وللرد على من يفصل بين غني النقد فلا يعطى، وبين غني العقار فيعطى - كما يعلم من عبارة التحفة المارة - ويعلم أيضا من عبارة الروض وشرحه ونصها: وفي قراء الضيف، وعمارة المسجد، وبناء القنطرة، وفك الأسير، ونحوها من المصلحة العامة، يعطى المستدين لها من الزكاة عند العجز عن النقد، لا عن غيره - كالعقار - وعلى هذا جرى الماوردي والروياني وغيرهما. وقال السرخسي: حكمه حكم ما استدانه لمصلحة نفسه الخ. اه. (قوله: أو للضمان) يحتمل عطفه على لمصلحة عامة، ويحتمل عطفه على لنفسه. والتقدير على الثاني: أو استدان للضمان. وعلى الأول: ويعطى المستدين للضمان. والأقرب الملائم لجعل أقسام الغارم ثلاثة الثاني، وإن كان ظاهر صنيعه الأول. (قوله: فإن كان الضامن الخ) بيان لحكم من استدان للضمان على الاحتمال الثاني، أو تفصيل لما أجمله على الاحتمال الأول. (وقوله: والأصيل) هو المدين. (قوله: أعطى الضامن من وفاءه) ويجوز إعطاؤه للأصيل، بل هو أولى. (قوله: أو الأصيل موسرا) أي أو كان الأصيل موسرا. (وقوله: دون الضامن) أي فإنه معسر. (قوله: أعطى) أي الضامن وفاء الدين. (قوله: إن ضمن بلا إذن) أي بأن تبرع بالضمان، فإن ضمنه بإذنه، لا يعطى شيئا. والفرق بينهما: أنه في الأول إذا غرم لا يرجع على الأصيل، لأن ضمانه من غير إذنه. وفي الثاني: إذا غرم يرجع عليه، لأنه بإذنه. (قوله: أو عكسه) هو أن يكون الأصيل معسر، والضامن موسرا. (وقوله: أعطى الأصيل) أي ما يفي بدينه. (وقوله: لا الضامن) أي لأنه موسر. وبقيت صورة رابعة، وتؤخذ من كلامه. وهي: ما إذا كانا موسرين فإنهما لا يعطيان شيئا، لأن الضامن إذا غرم رجع على الأصيل، لكونه موسرا. وعبارة البجيرمي: وخرج بأعسر: ما إذا كانا موسرين، أو الضامن، فلا يعطى، ولو بغير الإذن في الأول على الأوجه - كما في شرح الروض. سم. اه. (قوله: وإذا وفى) أي الضامن، وهو بفتح الواو وتشديد الفاء وتخفيفها. ومفعوله محذوف، أي الدين المضمون. (قوله: لم يرجع على الأصيل) أي لأنه لم يغرم من عنده شيئا حتى يرجع به، وهو إنما

ضمن بإذنه. ولا يصرف من الزكاة شئ لكفن ميت، أو بناء مسجد. ويصدق مدعي كتابة أو غرم بإخبار عدل وتصديق سيد، أو رب دين، أو اشتهار حال بين الناس. (فرع) من دفع زكاته لمدينه بشرط أن يردها له عن دينه، لم يجز، ولا يصح قضاء الدين بها. فإن نويا ذلك بلا شرط، جاز وصح، وكذا إن وعده المدين بلا شرط، فلا يلزمه الوفاء بالوعد. ولو قال لغريمه: جعلت ما عليك زكاة، لم يجزئ - على الاوجه - إلا إن قبضه ثم رده إليه. ولو قال: اكتل من طعامي عندك كذا. ونوى ـــــــــــــــــــــــــــــ يرجع إذا غرم من عنده. قال في شرح الروض: وإذا قضى به دينه لم يرجع على الأصيل، وإن ضمن بإذنه، وإنما يرجع إذا غرم من عنده. اه. (قوله: ولا يصرف من الزكاة إلخ) هذا يعلم من قوله وإعطاؤها لمستحقيها، إذ ما ذكر من الكفن وبناء مسجد ليس من مستحقيها، فلو أخره عن سائر الأصناف، أو قدمه هناك، لكان أنسب. ثم ظهر أن لذكره هنا مناسبة من حيث أنه كالمفهوم لقوله ويعطى المستدين لمصلحة عامة، فكأنه قال: تصرف الزكاة لمن استدان للمصلحة العامة، ولا تصرف لها نفسها ابتداء، كأن يبني بها مسجدا، أو يجهز بها الأموات، أو يفك بها الأسر. فتنبه. (قوله: أو بناء مسجد) لا ينافيه ما مر في قوله ويعطى المستدين لمصلحة عامة إلخ، لأن ذاك فيما إذا استدان لذلك، فيعطى ما استدانه من سهم الغارمين، وهذا فيما إذا أراد ابتداء أن يعمر مسجدا بزكاة ماله. وبينهما فرق. (قوله: يصدق مدعي كتابة) هو العبد. (قوله: أو غرم) أي أو مدعي غرم. ولو لإصلاح ذات البين - كما في التحفة. (قوله: بإخبار عدل) متعلق بيصدق، والاكتفاء به هو الراجح. وقيل: لا بد من رجلين، أو رجل وامرأتين. وعبارة التحفة: ويؤخذ من اكتفائهم بإخبار الغريم هنا وحده مع تهمته: الاكتفاء بإخبار ثقة ولو عدل رواية ظن صدقة. بل القياس الاكتفاء بمن وقع في القلب صدقه، ولو فاسقا. ثم رأيت في كلام الشيخين ما يؤيد ذلك. نعم، بحث الزركشي في الغريم والسيد أن محل الخلاف، إذا وثق بقولهما، وغلب على الظن الصدق. قال: وإلا لم يفد قطعا. اه. ومثلها النهاية. (قوله: وتصديق الخ) بالجر، عطف على إخبار عدل. والواو بمعنى أو، أي ويصدق من ذكر بتصديق سيد بالنسبة للكتابة، وبتصديق رب الدين - أي صاحبه - بالنسبة للغرم. قال في التحفة: ولا نظر لاحتمال التواطؤ، لأنه خلاف الغالب. اه. (قوله: أو اشتهار الخ) بالجر أيضا عطف على إخبار عدل، أي ويصدق من ذكر باشتهار حاله بين الناس، أي اشتهر أنه غارم أو مكاتب عند الناس، ولا بد أن يكونوا عددا يؤمن تواطؤهم على الكذب. قال الرافعي: وقد يحصل ذلك بثلاثة. (قوله: فرع) الأولى: فروع، لأنه ذكر ثلاثة. الأول: من دفع إلخ. الثاني: ولو قال لغريمه الخ. الثالث: ولو قال اكتل إلخ. (قوله: لمدينه) هو من عليه الدين. (قوله: بشرط الخ) أي بأن قال له: هذه زكاتي أعطيها لك بشرط أن تردها إلي عن ديني الذي لي عليك. (وقوله: يردها) أي الزكاة. (وقوله: له) أي لمن دفع، وهو المزكي. (قوله: لم يجز) بضم الياء وسكون الجيم، أي لم يجزه ما دفعه للمدين عن الزكاة، فهو مأخوذ من الإجزاء. ويحتمل أنه مأخوذ من الجواز، بقرينة قوله فيما بعد: فإن نويا جاز وصح. فيكون بفتح الياء وضم الجيم، أي لم يجز دفعه ذلك للزكاة بالشرط المذكور. (قوله: ولا يصح قضاء الدين بها) أي الزكاة، لأنها باقية على ملك المالك. اه. بجيرمي. (قوله: فإن نويا) أي الدائن والمدين. (وقوله: ذلك) أي قضاء الدين. (وقوله: جاز وصح) ضر التصريح به كره إضماره. (قوله: وكذا إن وعده المدين) أي وكذلك يجوز ويصح ما ذكر إن وعد المدين الدائن، بأن قاله له ادفع لي من زكاتك حتى أقضيك دينك، ففعل، أجزأه عن الزكاة. (وقوله: فلا يلزمه) الأنسب ولا يلزم - بواو العطف - لأن الفاء توهم أن ما بعدها جواب إن قبلها. (وقوله: الوفاء بالوعد) هو أن يدفع إليه ما أخذه من الزكاة عن دينه. (قوله: ولو قال) أي الدائن لغريمه، أي المدين. (قوله: لم يجزئ) أي لم يجزئ ما جعله له عن الزكاة لاتحاد القابض والمقبض. (قوله: على الأوجه) مقابله يجزئ، كالوديعة إذا كانت عند مستحق للزكاة فملكه المالك إياها زكاة، فإنه يجزى. (قوله: إلا إن قبضه الخ) أي إلا إن قبض الدائن دينه من المدين، ثم رده على مدينه بنية الزكاة، فإنه يجزئ عن الزكاة. (قوله: ولو قال) أي لفقير عنده حنطة له وديعة. (وقوله: اكتل) أي لنفسك.

به الزكاة، ففعل - فهل يجزئ؟ وجهان، وظاهر كلام شيخنا ترجيح عدم الاجزاء. وسبيل الله: وهو القائم بالجهاد متطوعا، ولو غنيا. ويعطى المجاهد النفقة والكسوة له ولعياله ذهابا وإيابا، وثمن آلة الحرب. وابن السبيل: وهو مسافر مجتاز ببلد الزكاة، أو منشئ سفر مباح منها، ولو لنزهة، أو ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله: من طعامي عندك) أي الموضوع عندك وديعة. (وقوله: كذا) مفعول اكتل، وهو كناية عن صاع مثلا. (وقوله: ونوى به الزكاة) أي نوى المالك المزكي الزكاة، أي بالصاع الذي أمره باكتياله مما عنده. (قوله: ففعل) أي المأموم ما أمره به. (قوله: فهل يجزئ) أي يقع عن الزكاة. (قوله: وجهان) أي فيه وجهان: فقيل يجزئ، وقيل لا. (قوله: وظاهر كلام شيخنا ترجيح عدم الإجزاء) لم يتعرض شيخه في التحفة لهذه المسألة رأسا. وفي فتح الجواد جزم بعدم الإجزاء، وعبارته: أو قال لوديعه اكتل لنفسك من الوديعة التي تحت يدك صاعا زكاة، لم يجز أيضا لانتفاء كيله له، وكيله لنفسه لغو. اه. فلعل ما نقله الشارح عن شيخه من الترجيح في غير هذين الكتابين. وجزم بعدم الإجزاء أيضا في الروض، وعبارته مع شرحه: ولو قال اكتل لنفسك مما أودعتك إياه صاعا - مثلا - وخذه لك، ونوى به الزكاة ففعل، أو قال جعلت ديني الذي عليك زكاة، لم يجزه. أما في الأولى: فلانتفاء كيله له، وكيله لنفسه غير مقيس. وأما في الثانية: فلأن ما ذكر فيها إبراء لا تمليك، وإقامته مقامه إبدال، وهو ممتنع في الزكاة. بخلاف قوله للفقير: خذ ما اكتلته لي بأن وكله بقبض صاع حنطة مثلا فقبضه، أو بشرائه فاشتراه وقبضه، فقال له الموكل خذه لنفسك، ونواه زكاة، فإنه مجزئ، لأنه لا يحتاج إلى كيله لنفسه. اه. بحذف. (قوله: وسبيل الله) هو وضعا: الطريق الموصل له تعالى، ثم كثر استعماله في الجهاد لأنه سبب الشهادة الموصلة لله تعالى، ثم أطلق على ما ذكر مجازا لأنهم جاهدوا، لا في مقابل، فكانوا أفضل من غيرهم. (قوله: وهو القائم الخ) الصواب إسقاط الواو، لأن ما بعدها خبر المبتدأ، وهي لا تدخل عليه. (قوله: متطوعا) حال من القائم، أي حال كونه متطوعا، أي لا سهم له في ديوان المرتزقة. فإن كان له ذلك لا يعطى من الزكاة شيئا، بل من الفئ، فإن لم يكن فئ، أو كان ومنعه الإمام، واضطررنا لهم في دفع شر الكفار، فإن كان لهم مال لم تجب إعانتهم، أو فقراء لزم أغنياء المسلمين إعانتهم من أموالهم لا من الزكاة. (قوله: ولو غنيا) غاية لمقدر، أي فيعطى ولو كان غنيا. ولو أخره عن الفعل بعده لكان أولى. (قوله: ويعطى المجاهد إلخ) الأولى ويعطى النفقة إلخ - بحذف لفظ المجاهد - إذ المقام للإضمار. والمعنى أن هذا القائم للجهاد يعطى كل ما يحتاجه لنفسه أو لممونه من نفقة وكسوة وغيرهما إذا حان وقت خروجه له. وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: ويعطى الغازي - إذا حان وقت خروجه - قدر حاجته اللائقة به وبممونه لنفقة وكسوة، ذاهبا وراجعا ومقيما هناك - أي في الثغر أو نحوه - إلى الفتح، وإن طالت الإقامة، لأن اسمه لا يزول بذلك، بخلاف السفر لابن السبيل. ويعطيه الإمام - لا المالك - فرسا إن كان ممن يقاتل فارسا، وسلاحا وإن لم يكن بشراء، ويصير ذلك - أي الفرس والسلاح - ملكا له إن أعطى الثمن فاشترى لنفسه أو دفعها له الإمام ملكا له إذا رآه. بخلاف ما إذا استأجرهما له، أو أعاره إياهما، لكونهما موقوفين عنده. اه. بحذف. (قوله: ذهابا وإيابا) أي وإقامة في الثغر، أو نحوه - كما علمت. (قوله: وثمن آلة الحرب) أي ويعطى ثمن آلة الحرب، أي أو نفس الآلة. ويعطى أيضا مركوبا إن لم يطق المشي، أو طال سفره، وما يحمل زاده ومتاعه إن لم يعتد مثله حملهما. (قوله: وإبن السبيل) هو اسم جنس يطلق لغة على المسافر - رجلا أو امرأة، قليلا أو كثيرا - ولم يأت في القرآن العظيم إلا مفردا، لأن محل السفر محل الوحدة، وإنما قيل له ابن السبيل - أي الطريق - لكونه ملازما له كملازمة الابن لأبيه، فكأنه ابنه. ومن هذا المعنى قيل للملازمين للدنيا المنهمكين في تحصيلها: أبناء الدنيا. (قوله: وهو مسافر الخ) الأولى حذف الواو - كما مر. (قوله: مجتاز ببلد الزكاة) أي مار بها. (قوله: أو منشئ سفر) معطوف على مجتاز، وإطلاق ابن السبيل عليه مجاز، لدليل هو القياس على الأول، بجامع احتياج كل لاهية السفر. كذا في التحفة والنهاية. (قوله: مباح) يفيد أنه إذا كان السفر معصية لا يطلق على المسافر: ابن السبيل، وليس كذلك. وعبارة المنهاج: وابن السبيل: منشئ سفر أو مجتاز، وشرطه - أي من جهة الإعطاء لا التسمية - الحاجة، وعدم المعصية. اه. بزيادة من شرحي م ر وحجر. فقوله

كان كسوبا بخلاف المسافر لمعصية إلا إن تاب، والمسافر لغير مقصد صحيح - كالهائم - ويعطى كفايته، وكفاية من معه من ممونه - أي جميعها - نفقة، وكسوة، ذهابا، وإيابا، إن لم يكن له بطريقه - أو مقصده - مال، ويصدق في دعوى السفر، وكذا في دعوى الغزو، بلا يمين. ويسترد منه ما أخذه إن لم يخرج. ولا يعطى أحد بوصفين. نعم إن أخذ فقير بالغرم فأعطاه غريمه، أعطي بالفقر، لانه الآن محتاج. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا التسمية: يفيد أنه يطلق عليه ابن السبيل. (قوله: منها) أي من بلد الزكاة. (قوله، ولو لنزهة) غاية لمقدر، أي فيعطى، ولو كان سفره لنزهه، أو كان كسوبا. وعبارة الروض وشرحه: وهو من ينشئ سفرا مباحا من محل الزكاة فيعطى، ولو كسوبا، أو كان سفره لنزهه، لعموم الآية. (قوله: بخلاف المسافر لمعصية) أي بأن عصى بالسفر، لا فيه، فلا يعطى، لأن القصد بإعطائه إعانته، ولا يعان على المعصية. قال الكردي في الإيعاب: جعل بعضهم من سفر المعصية سفره بلا مال، مع أن له مالا ببلده، فيحرم، لأنه مع غناه يجعل نفسه كلا على غيره. اه. (قوله: إلا إن تاب) أي فيعطى لبقية سفره. (قوله: والمسافر لغير مقصد صحيح) أي وبخلاف المسافر لغير ذلك فلا يعطى، لأن إتعاب النفس والدابة بلا غرض صحيح حرام، فلا يعان عليه بإعطائه. (وقوله: كالهائم) تمثيل له. قال الكردي: ومثله المسافر للكدية، وهي - بالضم والتحتية - ما جمع من طعام أو شراب، ثم استعملت للدروزة، وهي مطلق السؤال. قال في الإيعاب: ولا شك أن الذين يسافرون بهذا القصد لا مقصد لهم معلوم غالبا، فهم حينئذ كالهائم. اه. (قوله: ويعطى) أي ابن السبيل. (وقوله: كفايته إلخ) ويعطى أيضا ما يحمله إن عجز عن المشي أو طال سفره، وما يحمل عليه زاده ومتاعه إن عجز عن حملهما. (قوله: أي جميعها) أي الكفاية. والمناسب جميعهما، بضمير التثنية العائد على كفايته وعلى كفاية ممونه. (قوله: ذهابا وإيابا) هذا إن قصد الرجوع، فإن لم يقصده يعطى ذهابا فقط. قال في شرح المنهج: ولا يعطى مؤنة إقامته الزائدة على مدة المسافر. اه. وقال في التحفة: وهي - أي مدة المسافر - أربعة أيام، لا ثمانية عشر يوما، لأن شرطها قد لا يوجد. اه. واعتمد في النهاية - تبعا لوالده - أنه إذا أقام لحاجة يتوقعها كل يوم، يعطى ثمانية عشر يوم. (قوله: إن لم يكن له) أي لابن السبيل وهذا قيد لكونه يعطى كفايته ذهابا وإيابا، وخرج به ما إذا كان له ذلك فإنه إنما يعطى القدر الذي يوصله إلى الموضع الذي فيه ماله، من الطريق أو المقصد. وعبارة الروض وشرحه. (فرع) يعطى ابن السبيل ما يكفيه في سفره ذهابا، وكذا إيابا، لقاصد الرجوع، إن لم يكن له في طريقه أو مقصده مال، أو ما يبلغه ماله إن كان له فيه مال. اه. (قوله: ويصدق في دعوى السفر) أي إرادة السفر. (وقوله: وكذا في دعوى الغزو) أي وكذلك يصدق في دعوى إرادة الغزو - كما في حجر على بافضل - قال الكردي: وخرج بإرادة غزو، وكذا إرادة سفر ابن السبيل، ما لو ادعيا نفس الغزو والسفر فإنهما لا يصدقان. قال في الإيعاب: لسهولة إقامة البينة عليهما. اه. (قوله: بلا يمين) متعلق بيصدق، أي يصدق بلا يمين. قال في التحفة: لأنه لأمر مستقل. اه. (قوله: ويسترد منه) أي ممن ذكر من مدعي السفر ومدعى الغزو. (وقوله: ما أخذه) نائب فاعل يسترد، أي يسترده إن بقي، وإلا فبدله. اه. تحفة. (وقوله: إن لم يخرج) أي من ذكر. بأن مضت ثلاثة أيام تقريبا ولم يترصد للخروج، ولا انتظر رفقة، ولا أهبة - كما في التحفة والنهاية - وإن أعطي من ذكر، وخرج ثم رجع، استرد فاضل ابن السبيل مطلقا، وكذا فاضل الغازي بعد غزوه إن كان شيئا له وقع عرفا ولم يقتر على نفسه، وإلا فلا يسترد منه. وفي التحفة: يظهر أنه يقبل قوله في قدر الصرف، وأنه لو ادعى أنه لم يعلم قدره صدق ولم يسترد منه شئ، ولو خرج الغازي ولم يغز ثم رجع، استرد ما أخذه، قال الماوردي: لو وصل بلادهم ولم يقاتل لبعد العدو، لم يسترد منه لأن القصد الاستيلاء على بلادهم وقد وجد. اه. بتصرف. (قوله: ولا يعطى أحد بوصفين) أي اجتمعا فيه، واستحق بهما الزكاة، كفقر وغرم، أو غزو. والمراد: لا يعطى بهما من زكاة واحدة. أما من زكاتين فيجوز أن يأخذ من واحدة بصفة، ومن الأخرى بصفة أخرى. كغاز هاشمي، فإنه يأخذ بهما من الفئ. (قوله: نعم، إن أخذ الخ)

(تنبيه) ولو فرق المالك الزكاة سقط سهم العامل، ثم إن انحصر المستحقون، ووفى بهم المال، لزم تعميمهم، وإلا لم يجب، ولم يندب. لكن يلزمه إعطاء ثلاثة من كل صنف، وإن لم يكونوا بالبلد وقت الوجوب، ومن المتوطنين أولى. ولو أعطى اثنين من كل صنف، والثالث موجود، لزمه أقل متمول غرما له من ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا تقييد لما قبله: أي محل امتناع الأخذ بهما إن لم يتصرف في المأخوذ أولا، وإلا يمتنع ذلك. وعبارة المنهاج مع التحفة: ومن فيه صفتا استحقاق للزكاة - كالفقر والغرم، أو الغزو - ويعطى من زكاة واحدة بأحدهما فقط، والخيرة إليه - في الأظهر - لأنه مقتضى العطف في الآية. نعم، إن أخذ بالغرم أو الفقر مثلا، فأخذه غريمه وبقي فقيرا أخذ بالفقر، وإن نازع فيه كثيرون. فالممتنع إنما هو الأخذ بهما دفعة واحدة، أو مرتبا قبل التصرف في المأخوذ. اه. بتصرف. (قوله: تنبيه) أي من حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم، وما يتبع ذلك. وقد أفرده الفقهاء بفصل مستقل. (قوله: ولو فرق المالك الخ) خرج به الإمام، فإنه إذا فرق لم يسقط سهم العامل. نعم، إن جعل للعامل أجرة في بيت المال سقط أيضا. (والحاصل) أنه إن فرق الإمام وجب عليه تعميم الأصناف الثمانية بالزكاة. وإن فرق المالك أو نائبه وجب عليه تعميم سبعة أصناف. ومحل وجوب التعميم في الشقين إن وجدوا، وإلا فمن وجد منهم، حتى لو لم يوجد إلا فقير واحد صرفت كلها له. والمعدوم لا سهم له، قال في النهاية: قال ابن الصلاح - والموجود الآن أربعة: فقير، ومسكين، وغارم، وابن السبيل. وإلا مر - كما قال - في غالب البلاد، فإن لم يوجد أحد منهم حفظت حتى يوجد بعضهم. اه. (قوله: ثم إن انحصر المستحقون الخ) أي في البلد. ومحل هذا فيما إذا كان المخرج للزكوات المالك، فإن كان الإمام فلا يشترط انحصارهم فيها، بل يجب عليه تعميمهم، وإن لم ينحصروا. والمراد تعميم من وجد في الإقليم الذي يوجد فيه تفرقة الزكاة، لا تعميم جميع المستحقين في الدنيا، لتعذره. (والحاصل) يجب على الإمام - إذا كان هو المخرج للزكوات - أربعة أشياء: تعميم الأصناف، والتسوية بينهم، وتعميم آحاد كل صنف، والتسوية بينهم إن استوت الحاجات. وإذا كان المخرج المالك: وجبت أيضا - ما عدا التسوية بين الآحاد - إلا إن انحصروا في البلد ووفى المال بهم، فإنها تجب أيضا. فإن أخل المالك أو الإمام - حيث وجب عليه التعميم - بصنف، غرم له حصته. لكن الإمام إنما يغرم من الصدقات، لا من مال نفسه. (قوله - أيضا -: ثم إن انحصر المستحقون) أي في آحاد يسهل عادة ضبطهم، ومعرفة عددهم. (قوله: ووفى بهم) أي بحاجاتهم الناجزة فيما يظهر. اه. وتحفة. قال سم: وانظر: ما المراد بالناجزة؟ قال ع ش: ويحتمل أن المراد مؤنة يوم وليلة، وكسوة فصل، أخذا مما يأتي في صدقة التطوع. اه. (قوله: لزم تعميمهم) أي وإن زادوا على ثلاثة من كل صنف، ولا يجوز الاقتصار على ثلاثة، إذ لا مشقة في الاستيعاب حينئذ. (قوله: وإلا لم يجب) أي وإن لم ينحصروا، أو انحصروا لكن لم يف المال بحاجتهم. (قوله: ولم يندب) أي تعميمهم. (قوله: لكن يلزمه) أي المالك. (قوله: إعطاء ثلاثة) أي فأكثر، وذلك لأنهم ذكروا في الآية بلفظ الجمع وأقلة ثلاثة، إلا ابن السبيل فإنه ذكر فيها مفردا، لكن المراد به الجمع. قال في النهاية: نعم، يجوز أن يكون العامل متحدا، حيث حصلت به الكفاية. اه. (قوله: وإن لم يكونوا إلخ) غاية للزوم إعطاء ثلاثة، أي يلزمه إعطاؤهم وإن لم يكونوا موجودين في بلد الزكاة وقت الوجوب، وإنما وجدوا عند الإعطاء. (قوله: ومن المتوطنين) أي وإعطاء ثلاثة من المتوطنين أولى من غيرهم. (فقوله: أولى) خبر لمبتدأ محذوف. وعبارة الروض وشرحه: وإذا لم يجب الإستيعاب يجوز الدفع للمستوطنين والغرباء، ولكن المستوطنون أولى من الغرباء، لأنهم جيران. اه. (قوله: ولو أعطى) فاعله يعود على المالك فقط، إذا الكلام فيه، وبدليل قوله بعد: غرما له من ماله، إذ الإمام إنما يغرم من مال الصدقات التي بيده - كما مر. (قوله: اثنين من كل صنف) مثله ما إذا أعطى واحدا من صنف، والاثنان موجودان. (قوله: والثالث) أي والحال أن الشخص الثالث من كل صنف موجود، فإن كان معدوما فسيذكر حكمه. (قوله: لزمه أقل متمول) قال في شرح الروض: أي لأنه لو أعطاه له ابتداء خرج عن العهدة، فهو القدر الذي فرط فيه. اه. (قوله: غرما له) أي حال كون أقل المتمول غرما لذلك الثالث، أو على جهة الغرم له، فهو منصوب

ماله، ولو فقد بعض الثلاثة رد حصته على باقي صنفه، إن احتاجه، وإلا فعلى باقي الاصناف. ويلزم التسوية بين الاصناف، وإن كانت حاجة بعضهم أشد، لا التسوية بين آحاد الصنف، بل تندب. واختار جماعة - من أئمتنا - جواز صرف الفطرة إلى ثلاثة مساكين، أو غيرهم من المستحقين، ولو كان كل صنف - أو بعض الاصناف - وقت الوجوب محصورا في ثلاثة فأقل، استحقوها في الاولى. وما يخص ـــــــــــــــــــــــــــــ على الحال أو التمييز. (وقوله: من ماله) متعلق بغرما، أي يغرمه المالك له من مال نفسه، لا من الزكاة. (قوله: ولو فقد بعض الثلاثة) أي من بلد الوجوب. (قوله: رد حصته) أي ذلك البعض المفقود. (قوله: على باقي صنفه) أي على الموجود منه. (وقوله: إن احتاجه) الضمير المستتر يعود على باقي صنفه، والبارز يعود على الحصة، وكان الأولى تأنيثه، لأن الحصة مؤنثة. والمعنى يرد حصة المفقود على الباقي إن احتاج إليها، بأن نقص نصيبه عن كفايته. وعبارة الروض: ومتى عدم بعضهم أو فضل عن كفاية بعضهم شئ رد أي نصيبهم في الأولى، والفاضل في الثانية - على الباقين. قال في شرحه: ومحله إذا نقص نصيبهم عن كفايتهم، وإلا نقل عن ذلك البعض. اه. بتصرف. ولم يتعرض المؤلف لما إذا فقد الأصناف أو بعضهم. وحاصل الكلام عليه - كما في المنهج وشرحه - أنه إذا عدمت الأصناف أو فضل عنهم شئ، وجب نقلها، أو نقل الفاضل إلى مثلهم بأقرب بلد إلى مال المتصدق. فإن عدم بعضهم، أو وجدوا كلهم، وفضل عن كفاية بعضهم شئ، رد نصيب البعض المعدوم أو الفاضل على الباقين إن نقص نصيبهم عن كفايتهم، ولا ينقل إلى غيرهم، لانحصار الاستحقاق فيهم. فإن لم ينقص نصيبهم، نقل ذلك إلى ذلك الصنف بأقرب بلد. (قوله: وإلا فعلى باقي الأصناف) أي وإن لم يحتج ذلك البعض الباقي إلى حصة المفقود ردت على باقي الأصناف. (قوله: ويلزم التسوية إلخ) أي سواء قسم المالك أم الإمام، وإن تفاوتت حاجاتهم، لأن ذلك هو قضية الجمع بينهم بواو التشريك. ولو نقص سهم صنف عن كفايتهم، وزاد سهم صنف آخر رد فاصل هذا على أولئك. (قوله: لا التسوية بين آحاد الصنف) أي لا تجب التسوية بين آحاد الصنف، فله أن يعطي الزكاة كلها لفقير، إلا أقل متمول، فيعطيه لفقيرين. وإنما لم تجب لعدم انضباط الحاجات التي من شأنها التفاوت، بخلاف الأصناف، فمحصورة. وهذا محله إن قسم المالك، فإن قسم الإمام وكثر ما عنده، فإن استوت حاجاتهم وجبت التسوية، وإلا فيراعيها. (قوله: بل تندب) أي التسوية بين الآحاد، لكن إن استوت حاجاتهم. فإن تفاوتت استحب التفاوت بقدرها. (قوله: واختار جماعة الخ) هذا مقابل للقول بلزوم تعميمها للأصناف، لأن ذلك عام في زكاة المال وفي زكاة الفطرة. وعبارة الروض وشرحه: ويجب استيعاب الأصناف الثمانية بالزكاة - إن أمكن - بأن فرقها الإمام ووجدوا كلهم، لظاهر الآية، سواء زكاة الفطر وغيرها. واختار جماعة من أصحابنا - منهم الاصطخري - جواز صرف الفطرة إلى ثلاثة مساكين أو غيرهم من المستحقين. اه. وعبارة التحفة: لكن اختار جمع جواز دفعها لثلاثة فقراء أو مساكين مثلا، وآخرون جوازه لواحد، وأطال بعضهم في الإنتصار له. بل نقل الروياني عن الأئمة الثلاثة وآخرين أنه يجوز دفع زكاة المال أيضا إلى ثلاثة من أهل السهمان، قال: وهو الاختيار، لتعذر العمل بمذهبنا. ولو كان الشافعي حيا لأفتى به. اه. قال الكردي: وفي فتاوى السيوطي الفقهية: يجوز للشافعي أن يقلد بعض المذاهب في هذه المسألة، سواء عمل فيما تقدم بمذهبه أم لا، وسواء دعت إليه ضرورة أم لا، خصوصا إن صرف زكاة الفطرة لأقل من ثلاثة رأى في المذهب، فليس الأخذ به خروجا عن المذهب بالكلية، بل أخذ بأحد القولين أو الوجهين فيه، وتقليد لمن رجحه من الأصحاب. اه. (قوله: ولو كان كل صنف الخ) عبارة الروض وشرحه: ويستحقها - أي الزكاة - العامل بالعمل، والأصناف بالقسمة. نعم، إن انحصر المستحقون في ثلاثة فأقل: استحقوها من وقت الوجوب، فلا يضرهم حدوث غنى أو غيبة لأحدهم، بل حقه باق بحاله. اه. قال الكردي: وبحث في التحفة أنهم يملكون ما يكفيهم على قدر حاجاتهم، قال: ولا ينافيه ما يأتي من الاكتفاء بأقل متمول لأحدهم، لأن محله - كما هو ظاهر - حيث لا ملك الخ، أي حيث زادوا على ثلاثة. اه. (قوله: أو بعض الأصناف إلخ) أي والبعض الآخر ليس محصورا. (قوله: وقت الوجوب) ظرف متعلق بمحصورا بعده. (قوله: استحقوها) واو الجمع عائدة على الثلاثة فأقل

المحصورين في الثانية من وقت الوجوب، فلا يضر حدوث غنى أو موت أحدهم، بل حقه باق بحاله، فيدفع نصيب الميت لوارثه، وإن كان هو المزكي. ولا يشاركهم قادم عليهم ولا غائب عنهم وقت الوجوب. فإن زادوا على ثلاثة، لم يملكوا إلا بالقسمة. ولا يجوز لمالك نقل الزكاة عن بلد المال، ولو إلى مسافة قريبة، ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ من كل صنف. والضمير البارز عائد على الزكاة. (وقوله: في الأولى) هي صورة انحصار كل الأصناف. (قوله: وما يخص الخ) معطوف على مفعول استحقوها. والتقدير: واستحقوا ما يخص المحصورين. ولا يخفى ما فيه، إذ يفيد أن المستحقين غير المحصورين، مع أنهم عينهم. وكان المناسب والأخصر أن يقول: أو ما يخصهم منها في الثانية، وهي صورة انحصار بعض الأصناف. والمعنى: أن المحصورين من الأصناف في الصورة الثانية يستحقون ما يخصهم من وقت الوجوب، وأما غيرهم من بقية الأصناف فلا يستحق حصته إلا بالقسمة. (والحاصل) إن انحصر كل الأصناف استحقوها من وقت الوجوب، وإن انحصر البعض دون البعض فلكل حكمه. نعم، العامل يملك بالعمل - كما مر عن الروض -. (قوله: من وقت الوجوب) متعلق باستحقوها بالنسبة للصورتين، أي استحقوها من وقت الوجوب، أي يملكونها من حينئذ ملكا مستقرا، وإن لم يقبضوها فلهم التصرف فيها قبل قبضها إلا بالاستبدال عنها والإبراء منها، وإن كان هو القياس، إذ الغالب على الزكاة، التعبد. كذا في التحفة والنهاية. (قوله: فلا يضر الخ) مرتب على استحقاقهم لها من وقت الوجوب، أي أنه إذا كان العبرة في ذلك بوقت الوجوب فلا يضر ما يحدث بعده من غنى أو موت أو غيبة عن محل الوجوب. (قوله: بل حقه) أي من حدث له الغنى أو الموت بعد الوجوب. (وقوله: باق بحاله) أي لا يتغير بما حدث. (قوله: فيدفع نصيب الخ) مفرع على كون الحق باقيا، أي فإذا كان باقيا بالنسبة لحدوث الموت فيدفع نصيبه لوارثه، وإن كان غنيا. (وقوله: وإن كان هو المزكي) أي وإن كان ذلك الوارث هو المزكي المالك، بأن كان الميت أخا استحق زكاة أخيه، ثم مات وورثه أخوه المزكي، فإنه يستحق نصيب أخيه الميت من زكاة نفسه، وحينئذ تسقط زكاته عنه. والنية لسقوط الدفع عنه. وعبارة شرح الروض: ولو مات واحد منهم؟ دفع نصيبه إلى وارثه، وقضيته أن المزكي لو كان وارثه أخذ نصيبه. وعليه: فتسقط النية لسقوط الدفع، لأنه لا يدفع من نفسه لنفسه. اه. (قوله: ولا يشاركهم) معطوف على فلا يضر إلخ، فهو مرتب أيضا على استحقاقهم لها، أي وإذا استحقها هؤلاء المحصورون لا يشاركهم من حدث عليهم بعد وقت الوجوب من الفقراء ونحوهم، لأن الزكاة قد صارت ملكا لغيرهم. (قوله: وقت الوجوب) متعلق بغائب. (قوله: فإن زادوا) الضمير يعود على معلوم من السياق، أي فإن زاد المستحقون في كل الأصناف أو بعضهم. وهذا مقابل قوله: محصورا في ثلاثة فأقل. (قوله: لم يملكوا إلا بالقسمة) قال الكردي: قال القمولي في الجواهر: فلو مات واحد أو غاب أو أيسر بعد الوجوب وقبل القسمة، فلا شئ له. وإن قدم غريب أو افتقر من كان غنيا يوم الوجوب، جاز الصرف إليه. اه. (قوله: ولا يجوز لمالك نقل الزكاة) أي لخبر الصحيحين: صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم. ولامتداد أطماع مستحقي كل محل إلى ما فيه من الزكاة، والنقل بوحشهم، وبه فارقت الكفارة والنذر والوصية والوقف على الفقراء، ما لم ينص الواقف فيه على غير النقل، وإلا فيتبع. وخرج بالمالك، الإمام، فيجوز له نقلها إلى محل عمله، لا خارجه، لأن ولايته عامة، وله أن يأذن للمالك فيه. (قوله: عن بلد المال) أي عن محل المال الذي وجبت فيه الزكاة، وهو الذي كان فيه عند وجوبها. ويؤخذ من كون العبرة ببلد المال: أن العبرة في الدين ببلد المدين. لكن قال بعضهم: له صرف زكاته في أي محل شاء، لأن ما في الذمة ليس له محل مخصوص، وهو المعتمد. وهذا في زكاة المال. أما زكاة الفطرة: فالعبرة فيها ببلد المؤدى عنه. (قوله: ولو إلى مسافة قريبة) في حاشية الجمل ما نصه: (فرع) ما حد المسافة التي يمتنع نقل الزكاة إليها؟ فيه تردد، والمتجه منه أن ضابطها في البلد ونحوه ما يجوز الترخص ببلوغه. ثم رأيت ابن حجر مشى على ذلك في فتاويه، فحاصله أنه يمتنع نقلها إلى مكان يجوز فيه القصر ويجوز إلى ما لا يجوز فيه القصر اه. سم وعبارة ح ل: قوله إلى بلد آخر، أي إلى محل تقصر فيه الصلاة، وليس البلد الآخر بقيد، لأن المدار على نقلها لمحل تقصر فيه الصلاة: فإذا خرج مصري إلى خارج باب السور - كباب النصر -

تجزئ، ولا دفع القيمة في غير مال التجارة، ولا دفع عينه فيه. ونقل عن عمر وابن عباس وحذيفة - رضي الله عنهم - جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد، وبه قال أبو حنيفة، ويجوز عنده نقل الزكاة - مع الكراهة - ودفع قيمتها. وعين مال التجارة. (ولو أعطاها) أي الزكاة - ولو الفطرة - (لكافر، أو من به رق) ولو مبعضا غير مكاتب (أو هاشمي، أو ـــــــــــــــــــــــــــــ لحاجة آخر يوم من رمضان، فغربت عليه الشمس هناك، ثم دخل، وجب إخراج فطرته لفقراء خارج باب النصر. اه. وقوله: في فتاويه: مشى في التحفة على خلافه، ونصها مع الأصل: والأظهر منع نقل الزكاة عن محل المؤدي عنه إلى محل آخر به مستحق لتصرف إليه، ما لم يقرب منه، بأن ينسب إليه عرفا بحيث يعد معه بلدا واحدا، وإن خرج عن سوره وعمرانه. وقول الشيخ أبي حامد: لا يجوز لمن في البلد أن يدفع زكاته لمن هو خارج السور، لأنه نقل للزكاة. فيه حرج شديد، فالوجه ما ذكرته، لأنه ليس فيه إفراط ولا تفريط. اه. بتصرف. وفي النهاية: وقد يجوز للمالك النقل فيما لو وقع تشقيص، كعشرين شاة ببلد، وعشرين بآخر، فله إخراج شاة بأحدهما - مع الكراهة - وفيما لو حال الحول ببادية لا مستحق بها، فيفرق الزكاة بأقرب محل إليه به مستحق، ولأهل الخيام الذين لا قرار لهم: صرفها لمن معهم، ولو بعض صنف - كمن بسفينة في اللجة - فإن فقدوا، فلمن بأقرب محل إليهم عند تمام الحول، والحلل المتمايزة - بنحو مرعى وماء - كل حلة كبلد، فيحرم النقل إليها، بخلاف غير المتميزة، فله النقل إليها لمن بدون مسافة القصر من محل الوجوب. اه. بتصرف. (وقوله: ولا تجزئ) أي الزكاة المنقولة، أي لا تقع الموقع. وأتى به بعد قوله ولا يجوز إلخ، لأنه لا يلزم من عدم الجواز عدم الإجزاء، فقد يحرم، وهو يجزئ، كالبيع بعد نداء الجمعة. (قوله: ولا دفع القيمة) معطوف على نقل الزكاة، فيكون الفعل مسلطا عليه، لكن بقطع النظر عن متعلقه - أعني للمالك - لأن عدم الجواز هنا وفيما بعد، لا فرق فيه بين أن يكون المخرج الإمام أو المالك. والمعنى: لا يجوز للمخرج - مطلقا - دفع القيمة عن الزكاة المتعلقة بالأعيان، وهي زكاة غير مال التجارة، ولا يجزئ. (قوله: ولا دفع عينه) معطوف أيضا على نقل الزكاة، أي ولا يجوز دفع العين في مال التجارة عن الزكاة، ولا يجزئ، لأن متعلقها القيمة. (وقوله: فيه) أي في مال التجارة. (قوله: إلى صنف واحد) أي من الأصناف. (قوله: وبه قال أبو حنيفة) أي بجواز صرفها إلى صنف واحد. قال أبو حنيفة: وقد تقدم لنا - في مبحث الشرط الثاني في أداء الزكاة عن ابن حجر في شرح العباب - أن الأئمة الثلاثة - وكثيرين - يقولون بجواز صرفها إلى شخص واحد. فانظره. (قوله: ويجوز عنده) أي أبي حنيفة رضي الله عنه. وفي حاشية الجمل - بعد كلام - ما نصه: (فائدة) المفتى به من مذهب المالكية - كما علم من مراجعة الثقات منهم - أن النقل يجوز لدون مسافة القصر مطلقا، أي سواء كان المنقول إليه أحوج من أهل بلد الزكاة أو لا، وسواء زكاة الفطر والماشية النابت. وأما نقلها إلى فوق مسافة القصر فلا يجوز، إلا إن كان المنقول إليه أحوج من أهل بلد الزكاة، وإلا فلا يجوز. اه. وهذا كله فيما إذا أخذها المالك بنفسه أو نائبه ودفعها لمن هو في غير محلها. وأما إذا جاء من ليس من أهل محلها وأخذها في محلها فلا يقال فيه نقل، بل الذي حضر في محلها صار من أهله - سواء حضر قبل الحول أو بعده، وسواء حضر لغرض غير أخذها، أو لغرض أخذها فقط - فيجوز دفعها له مطلقا، أي سواء جاء من دون مسافة القصر أو من فوقها، سواء كان أحوج من أهل البلد أم لا. (قوله: ولو أعطاها الخ) شروع في بيان مفاهيم شروط الآخذين للزكاة، بعضها ملحوظ في كلامه - وهو الإسلام، والحرية، وأن لا يكون هاشميا، ولا مطلبيا - وبعضها مصرح به، وهو الاستحقاق المأخوذ من قوله - سابقا - لمستحقيها. (قوله: ولو الفطرة) أي ولو كانت الزكاة الفطرة، فلا يجوز إعطاؤها لمن ذكر. (قوله: لكافر) مفعول أول لأعطى، واللام زائدة، والمفعول الثاني الهاء في أعطاها مقدم، ولا فرق في الكافر بين أن يكون أصليا أو مرتدا. (قوله: أو من به رق)

مطلبي)، أو مولى لهما، لم يقع عن الزكاة، لان شرط الآخذ الاسلام، وتمام الحرية، وعدم كونه هاشميا، ولا مطلبيا، وإن انقطع عنهم خمس الخمس لخبر: إن هذه الصدقات - أي الزكوات - إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآله. قال شيخنا: وكالزكاة: كل واجب - كالنذر، والكفارة بخلاف التطوع ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أو من قام به رق. (وقوله: ولو مبعضا) غاية لمن به رق، أي لا فرق فيمن قام به الرق بين أن يكون كله رقيقا، أو بعضه رقيق وبعضه الآخر حر. (قوله: غير مكاتب) أما هو: فيأخذ - لدخوله في الآية - إذ المراد من الرقاب فيها - كما مر - المكاتبون كتابة صحيحة. (قوله: أو هاشمي أو مطلبي) أي أو أعطاها لهاشمي أو مطلبي، وهما من انتسب لهاشم والمطلب، وإن لم يكونا من الأشراف، كالمنسوبين للعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال لهم العباسية، وكالمنسوبين لسيدنا علي من غير السيدة فاطمة كمحمد بن الحنفية وأولاده. وأما الأشراف فهم من نسبوا لسيدنا الحسن، أو سيدنا الحسين - على المشهور - فيكون آل البيت أعم من الأشراف. وفي حاشية الجمل: قوله وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا، أي منتسبا إليهما أو لأحدهما، فخرج أولاد بناتهم من غيرهم، لأنهم لا حق لهم في خمس الخمس. اه. (قوله: أو مولى لهما) أي للهاشمي والمطلبي، أي عبد لهما. وعبارة المنهاج مع التحفة: وكذا مولاهم - في الأصح - للخبر الصحيح: مولى القوم منهم. ويفرق بينهم وبين بني أخواتهم - مع صحة حديث: ابن أخت القوم منهم، بأن أولئك لما لم يكن لهم آباء وقبائل ينسبون إليهم غالبا، تمحضت نسبتهم لساداتهم، فحرم ما حرم عليهم، تحقيقا لشرف موالاتهم، ولم يعطوا من الخمس لئلا يساووهم في جميع شرفهم. اه. (قوله: لم يقع) أي ما أعطاه لمن ذكر عن الزكاة، وهو جواب لو، وقدره الشارح للعلة بعده. وكان الصواب عدم تقديره، وتأخير العلة بعد قوله لم يجزئ، لأن تقديره يقتضي وقوع الجواب الذي في المتن ضائعا. فتنبه. (قوله: لأن شرط الآخذ: الإسلام) أي فلا يجوز إعطاؤها لكافر. نعم، يجوز استئجار كافر وعبد كيال أو حامل أو حافظ أو نحوهم من سهم العامل، لأنه أجرة لا زكاة، بخلاف نحو ساع، وإن كان ما يأخذه أجرة، لأنه لا أمانة له. ويجوز استئجار ذوي القربى والمرتزقة من سهم العامل لشئ مما ذكر، بخلاف عمله فيه بلا إجارة، لأن فيما يأخذه حينئذ شائبة زكاة، وبهذا يخص عموم قوله وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا. أفاده في التحفة. (قوله: وعدم كونه هاشميا ولا مطلبيا) أي ولا مولى لهم - كما مر. (قوله: وإن انقطع عنهم خمس الخمس) قال في بشرى الكريم: لكن ذهب جم غفير إلى جوازها لهم إذا منعوا مما مر، وأن علة المنع مركبة من كونها أو ساخا، ومن استغنائهم - بما لهم من خمس الخمس - كما في حديث الطبراني وغيره، حيث علل فيه بقوله: إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم. وقد منعوا مما لهم من خمس الخمس، فلم يبق للمنع إلا جزء علة، وهو لا يقتضي التحريم. لكن ينبغي للدافع إليهم أن يبين لهم أنها زكاة، فلربما يتورع من دفعت إليهم. اه. وهذا القول هو مذهب المالكية، كما نقله في حاشية الجمل عنهم، ونصها: وعبارة الشيخ عبد الباقي الزرقاني على الشيخ خليل: ثم المعتمد عدم حرمة صدقة التطوع على آله، واختصاص الحرمة بالفرض إن أعطوا من بيت المال ما يستحقونه، وإلا أعطوا منها إن أضر بهم الفقر - كما في الواقي - أو أبيحت لهم الصدقة - كما في الباجي - بل الإعطاء لهم حينئذ أفضل من غيرهم. وكلام الباجي ظاهر. اه. (قوله: لخبر إن هذه إلخ) أي ولخبر الحاكم عن علي بن العباس أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستعمله على الصدقة فقال: ما كنت أستعملك على غسالة الأيدي. وخبر الطبراني أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا أحل لكم - أهل البيت - من الصدقات شيئا، ولا غسالة الأيدي. إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم - أو يغنيكم - أي بل يغنيكم. وقوله: ولا غسالة الأيدي. عطف علة على معلول، أي لأنها غسالة الأيدي، وأنتم منزهون عنها. والمراد التنفير عنها. (قوله: أي الزكوات) تفسير للصدقات، وأتى به لئلا يتوهم أن المراد بالصدقات ما يشمل صدقة التطوع، مع أنها تحل لهم - كما سيصرح به. (قوله: إنما هي أوساخ الناس) أي لأن بقاءها في الأموال يدنسها، كما يدنس الثوب الوسخ. والأوساخ جمع وسخ، وهو لغة: ما يعلو الثوب غيره من قلة التعهد. اه. بجيرمي. (قوله: قال شيخنا) أي في التحفة، وعبارته: وكالزكاة: كل واجب من النذر والكفارة، ومنها دماء النسك، بخلاف التطوع. وحرم عليه - صلى الله عليه وسلم - الكل، لأن مقامه أشرف،

والهدية. (أو غني) وهو من له كفاية العمر الغالب - على الاصح -. وقيل: من له كفاية سنة. أو الكسب الحلال اللائق (أو مكفي بنفقة قريب) من أصل، أو فرع، أو زوج، بخلاف المكفي بنفقة متبرع (لم يجزئ) ذلك عن الزكاة، ولا تتأدى بذلك إن كان الدافع المالك وإن ظن استحقاقهم. ثم إن كان الدافع يظن الاستحقاق الامام: برئ المالك، ولا يضمن الامام، بل يسترد المدفوع، وما استرده صرفه للمستحقين. أما من لم يكتف ـــــــــــــــــــــــــــــ وحلت له الهدية، لأنها شأن الملوك، بخلاف الصدقة. اه. ومثله في النهاية، وعبارتها: وكالزكاة: كل واجب - كنذر، وكفارة - بناء على أنه يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع على أوجه احتمالين كما يؤخذ ترجيح ذلك من إفتاء الوالد بأنه يحرم عليهم الأضحية الواجبة والجزء الواجب من أضحية التطوع. اه. (قوله: بخلاف التطوع والهدية) أي فإنهما يحلان، ومفاده حتى للنبي أيضا، مع أن التطوع لا يحل له، وإنما يحل لآله فقط - كما يعلم من عبارة التحفة المارة -. وفي البجيرمي: والراجح من مذهبنا حرمة الصدقتين عليه - صلى الله عليه وسلم -، وحرمة صدقة الفرض دون النفل على آله. وقال النووي: لا تحل الصدقة لآل محمد - لا فرضها ولا نقلها - ولا لمواليهم: إن مولى القوم منهم. اه. (قوله: أو غني) معطوف على كافر، أي أو أعطاها لغني. (قوله: وهو من له كفاية العمر الغالب) أي من عنده مال يكفيه العمر الغالب بحيث لو وزع عليه لخص كل يوم ما يكفيه. (قوله: وقيل من له إلخ) مقابل الأصح. (قوله: أو الكسب) معطوف على كفاية، أي ومن له الكسب. (وقوله: الحلال) قيد. (وقوله: اللائق) قيد ثان. وخرج بالأول: ما إذا كان له كسب حرام، كأن يصطنع آلة اللهو المحرمة. وبالثاني: غير اللائق به. فلا عبرة بهما، ويعطى من الزكوات. (قوله: أو مكفي الخ) معطوف على كافر أيضا، أي أو أعطاها لمكفي بالنفقة، وهو إما قريب أو زوجة. وفي إطلاقه عليها تغليب، وإلا فهي يقال لها مكفية - بالتأنيث - وذكر هذا بعد الغني من ذكر الخاص بعد العام. إذ المكفي غني أيضا. وعبارة البرماوي: قوله: ومن تلزم المزكي نفقته. لو أسقطه لكان أولى، لأن المكفي بنفقة غيره غني. اه. (وقوله: بنفقة قريب) أي واجبة. وهي نفقة الأصل لفرعه، وبالعكس، ونفقة الزوج لزوجته - كما يستفاد من البيان بعده -. وخرج بها النفقة غير الواجبة، كنفقة الأخ على أخته، فلا تمنع الفقر والمسكنة. (قوله: من أصل إلخ) بيان للقريب. (قوله: بخلاف المكفي بنفقة متبرع) هذا لا يفهم من كلامه، بل مما زدته هناك، وهو أن تكون النفقة واجبة، وذلك لأن المتبرع بالنفقة يكون قريبا أيضا كالأخ والعم. (قوله: لم يجزئ ذلك) أي ما أعطاه للغني وللمكفي بالنفقة. وقد علمت أن هذا بتقدير الشارح جواب لو الشرطية، وهو لم يقع يكون ضائعا. والمناسب - كما هو عادته - أن يقدر أداة شرط قبيل قوله أو غني، يكون هذا جوابه. (قوله: ولا تتأدى) أي الزكاة بذلك، أي الإعطاء، أي لا تقع بذلك. وهو عين عدم الإجزاء، فالأخصر حذفه. (قوله: إن كان الدافع الخ) قيد في عدم الإجزاء، أي لا يجزئ ذلك عنها إن كان الدافع هو المالك، فإن كان الامام برئ المالك بإعطائها له. (قوله: وإن ظن استحقاقهم) غاية في عدم الإجزاء حين كان الدافع المالك، أي لا تجزئ وإن ظن المالك استحقاق من أعطاهم. (قوله: ثم إن كان إلخ) المناسب فإن كان الخ - بالتعبير بالفاء، بدل ثم - لأنه مقابل قوله: إن كان الدافع المالك. (قوله: برئ المالك) أي بإعطائها للإمام، ولكن لا يقع عن الزكاة بدليل قوله بل يسترد المدفوع. وعبارة الروض وشرحه: وإن أعطى الإمام من ظنه مستحقا فبان غنيا لم يضمن، لأنه غير مقصر، ويجزئ عن المالك، وإن لم يجزئ عن الزكاة - كما نقله في المجموع - ولهذا يسترد - كما سيأتي - والإجزاء عن المالك ليس مرتبا على بيان كون المدفوع إليه غنيا بل هو حاصل بقبض الإمام، لأنه نائب المستحقين، بخلاف إعطاء المالك من ظنه مستحقا فبان غنيا فإنه لا يجزئ. وكذا لا يضمن الامام ويجزئ ما دفعه - دون ما دفعه المالك - إن بان المدفوع إليه هاشميا أو مطلبيا أو عبدا أو كافرا، أو أعطاه من سهم الغزاة أو العاملين ظانا أنه رجل فبان امرأة فيسترد الإمام في الصور كلها. اه. (قوله: ولا يضمن الإمام) أي ما أعطاه لمن ظنه مستحقا، لأنه غير مقصر. (قوله: بل يسترد المدفوع) أي إن بقي، فإن تلف رجع الدافع عليه ببدله ودفعه للمستحقين. وإذا كان الآخذ عبدا أو تلف عنده تعلق البدل بذمته، لا برقبته. فإن تعذر على الإمام الاسترداد لم يضمن، إلا أن يكون قد قصر فيه حتى تعذر فيضمن. أفاده في شرح الروض. (قوله: وما استرده

بالنفقة الواجبة له - من زوج، أو قريب - فيعطيه المنفق وغيره، حتى بالفقر. ويجوز للمكفي بها الاخذ بغير المسكنة والفقر إن وجد فيه، حتى ممن تلزمه نفقته. ويندب للزوجة إعطاء زوجها من زكاتها، حتى بالفقر والمسكنة وإن أنفقها عليها. قال شيخنا: والذي يظهر أن قريبه الموسر لو امتنع من الانفاق عليه وعجز عنه بالحاكم، أعطي حينئذ، لتحقق فقره أو مسكنته الآن. ـــــــــــــــــــــــــــــ إلخ) أي والذي استرده الإمام من المدفوع إليه أعطاه للمستحقين. (قوله: أما من لم يكتف الخ) مفهوم قوله أو مكفي بنفقة وعدم الاكتفاء بنفقة القريب إما لكونه معمرا لا يكفيه ما يأخذه منه، أو موسرا وهو أكول لا يكفيه ما وجب له عليه. وعبارة التحفة: وأفهم قوله المكفي: أن الكلام في زوج موسر، أما معسر لا يكفي. فتأخذ تمام كفايتها بالفقر، ويؤخذ منه أن من لا يكفيها ما وجب لها على الموسر لكونها أكولة تأخذ تمام كفايتها بالفقر - ولو منه فيما يظهر - وأن الغائب زوجها ولا مال له، ثم تقدر على التوصل إليه وعجزت عن الاقتراض، تأخذ، وهو متجه. ثم رأيت الغزالي والمصنف في فتاويه وغيرهما ذكروا ما يوافق ذلك من أن الزوج أو البعض لو أعسر أو غاب ولم يترك منفقا ولا مالا يمكن الوصول إليه، أعطيت الزوجة، والقريب بالفقر أو المسكنة، والمعتدة التي لها النفقة كالتي في العصمة. اه. ومثله في النهاية. وكتب الرشيدي على قولها من أن الزوج أو البعض لو أعسر الخ، ما نصه: هو صريح في أن من أعسر زوجها بنفقتها تأخذ من الزكاة، وإن كانت متمكنة من الفسخ. ولعل وجهه أن الفسخ لا يلزم منه استغناؤها. وقضية ذلك أنه لو ترتب عليه الاستغناء - بأن كان لها قريب موسر تلزمه نفقتها لو فسخت أنها - لا تعطى. اه. (قوله: فيعطيه المنفق وغيره) أي تمام كفايته. (وقوله: حتى بالفقر) غاية لمقدر - أي يعطيه بكل صفة يستحق بها الأخذ، حتى بصفة الفقر. (قوله: ويجوز للمكفي بها الأخذ بغير المسكنة والفقر) أي بغير صفة الفقر وصفة المسكنة من بقية الصفات، أما بهما فلا يجوز، لأنه ليس متصفا بهما، لغناه بنفقة قريبه عليه. وعبارة الروض وشرحه: (فرع) لو اكتفى إنسان بنفقة من تلزمه نفقته لم يعط من سهم الفقراء والمساكين، لغناه حينئذ - كالمكتسب كل يوم قدر كفايته - وله الأخذ من باقي السهام إن كان من أهلها، حتى يجوز له الأخذ ممن تلزمه نفقته. اه. (وقوله: إن وجد) أي ذلك الوصف الذي هو غير الفقر والمسكنة، كأن يكون غازيا، أو مسافرا، أو عاملا، أو مؤلفا، أو غارما. نعم، المرأة لا تكون عاملة ولا غازية - كما في الروضة -. (وقوله: فيه) أي في المكفي. (قوله: حتى ممن تلزمه نفقته) أي حتى يجوز له الأخذ من الزوج أو القريب الذي تلزمه نفقته. (قوله: ويندب للزوجة إعطاء زوجها الخ) أي لحديث البخاري: عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود أنها قالت: كنت في المسجد فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: تصدقن ولو من حليكن. وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله: سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيجزئ عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فانطلقت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوجدت امرأة من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمر علينا بلال، فقلنا: سل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ - وقلنا لا تخبر بنا - فدخل، فسأله، فقال: من هما؟ قال: زينب. قال: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله بن مسعود. قال: نعم، ولها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة. (قوله: قال شيخنا والذي يظهر إلخ) لعله في غير التحفة وفتح الجواد. نعم، في عبارة التحفة المارة - نقلا عن الغزالي والمصنف في فتاويه - ما يفيد ذلك، حيث قال: إن الزوج أو البعض لو أعسر أو غاب الخ - أي أو لم يعسر - بأن كان موسرا لكن غاب. (وقوله: لو امتنع من الإنفاق عليه) أي على قريبه الفقير. (وقوله: وعجز) أي قريبه الفقير. (وقوله: عنه) أي عن قريبه الموسر، وهو متعلق بعجز. أي عجز عن أخذ النفقة منه. (وقوله: بالحاكم) متعلق بعجز أيضا. والمراد أنه رفع أمره إلى الحاكم وحكم عليه بإعطاء النفقة، فلم يمتثل أمر الحاكم بإعطائه، لكونه ذا شوكة. (قوله: أعطي) جواب لو. (وقوله: حينئذ) أي حين إذا امتنع من الإنفاق وعجز عنه بالحاكم. ومفاده أنه لو لم يعجز عنه الحاكم بأن لم يرفع أمره إليه أنه لا يعطى. وفي البجيرمي - نقلا عن البرماوي - ما يفيد أن الرفع للحاكم ليس بقيد في الأخذ من الزكاة. وعبارته: ولو امتنع قريبه من الإنفاق، واستحى من رفعه إلى الحاكم، كان له الأخذ، لأنه غير مكفي.

(فائدة) أفتى النووي في بالغ تاركا للصلاة كسلا أنه لا يقبضها له إلا وليه - أي كصبي ومجنون - فلا تعطى له، وإن غاب وليه، خلافا لمن زعمه: بخلاف ما لو طرأ تركه لها أو تبذيره ولم يحجر عليه: فإنه يقبضها. ويجوز دفعها لفاسق - إلا إن علم أنه يستعين بها على معصية فيحرم وإن أجزأ. (تتمة) في قسمة الغنيمة. ما أخذناه من أهل حرب قهرا: فهو غنيمة، وإلا فهو فئ، ومن الاول: ـــــــــــــــــــــــــــــ اه. (قوله: لتحقق فقره أو مسكنته) أي القريب الذي امتنع قريبه الموسر من الإنفاق عليه، وهو تعليل لإعطائه من الزكاة. (وقوله: الآن) أي آن الامتناع من النفقة عليه - أي وقته. (قوله: أفتى النووي الخ) ساقه في التحفة مرتبا على شرط زائد على شروط الآخذ المارة، وعبارتها - بعد قول المصنف وأن لا يكون هاشميا، ولا مطلبيا - وأن لا يكون محجورا عليه. ومن ثم أفتى المصنف الخ. اه. ومثلها النهاية. فلو صنع المؤلف مثل صنعهما لكان أولى. وذلك لأن الذي بلغ - وهو تارك للصلاة - هو غير رشيد، فهو محجور عليه. (قوله: في بالغ) أي مستحق للزكاة. (قوله: تاركا للصلاة) حال من الضمير المستتر في بالغ أي بلغ والحال أنه تارك للصلاة. وكان عليه أن يزيد: أو مبذرا لماله - كما صرح به في مقابله الآتي - (وقوله: كسلا) خرج به ما إذا كان جحدا لوجوبها، فلا يعطى أصلا، لا هو، ولا وليه، لأنه يكفر بذلك، والكافر ليس من أهلها، كما مر. (قوله: أنه لا يقبضها الخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر مقدر متعلق بأفتى، أي أفتى بعدم قبض أحد له إياها ما عدا وليه فإنه هو الذي يقبضها له. وفي الكلام حذف: أي أفتى بأنه يصح إعطاؤها له، ويقبضها عنه وليه. (قوله: أي كصبي ومجنون) الكاف للتنظير، أي أن هذا نظير الصبي والمجنون في أنه يكون القابض عنهما وليهما، ولو حذف أي التفسيرية لكان أولى. (قوله: فلا تعطى له) أي فلا تعطى الزكاة للبالغ المذكور نفسه، لأنه غير رشيد، فهو محجور عليه. (قوله: وإن غاب وليه) غاية في عدم الإعطاء، وحينئذ تبقى حصته من الزكاة إلى أن يحضر الغائب ويستلم عنه. (قوله: خلافا لمن زعمه) أي زعم الإعطاء لنفس البالغ المذكور عند غيبة الولي. (قوله: بخلاف ما لو طرأ تركه لها) أي للصلاة، وهذا مفهوم المقارنة المستفادة من جعل تاركا حالا - كما علمت -. (وقوله: أو تبذيره) أي أو طرأ تبذير البالغ لماله، وهذا مفهوم قيد محذوف - كما علمت -. (وقوله: ولم يحجر عليه) قيد في الثاني، أي طرأ تبذيره، والحال أنه لم يحجر عليه. فإن حجر عليه لم يقبضها هو، بل وليه. (قوله: فإنه يقبضها) أي فإن البالغ الذي طرأ عليه ما ذكر يقبض الزكاة بنفسه، لأنه حينئذ رشيد. (قوله: يجوز دفعها) أي الزكاة. (وقوله: لفاسق) أي غير تارك الصلاة، أما هو فلا تدفع الزكاة له، بل لوليه - كما مر آنفا - وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رحمه الله - عن الجبابرة والرماة للبندق ونحوه المتصفين بصفات أهل الزكاة، هل يعطون منها؟ وهل يعطون مع ترك الحرفة اللائقة بهم أم لا؟ (فأجاب) رحمه الله تعالى: بأن النووي وغيره صرحوا بأنه يجوز إعطاء الزكاة للفسقة، - كتاركي الصلاة - إن وجد فيهم شرط استحقاقها، لكن من بلغ منهم ليس مصلحا لدينه وماله لا يجوز إعطاؤها لهم، بل لوليهم. ثم تركهم الحرف اللائقة بهم إن كان لاشتغالهم بما هو أهم - كقتال الكفار - أعطوا من الفئ والغنيمة، لا من الزكاة، أو كقتال البغاة جاز إعطاؤهم من الزكاة، وإن كان لغير ذلك - كاشتغالهم بالمعاصي ومحاربة المسلمين - فلا يجوز إعطاؤهم شيئا من الزكاة. ومن أعطاهم منها شيئا لم تبرأ ذمته، ويجب على كل ذي قدرة منعه وزجره عن ذلك بيده ثم لسانه. والله أعلم. اه. (قوله: إلا إن علم) أي الدافع. (وقوله: أنه) أي الفاسق. (وقوله: يستعين بها) أي الزكاة. (وقوله: على معصية) كشراء خمر بها. (قوله: فيحرم) أي الدفع له. (قوله: وإن أجزأ) أي دفعها له، فتبرأ ذمة المالك. (قوله: تتمة في قسمة الغنيمة) أي في بيان قسمة الغنيمة. أي وفي بيان قسمة الفئ أيضا. وقد أفردها الفقهاء بترجمة مستقلة، واختلفوا في وضعها، فبعضهم وضعها عقب باب الوديعة. وقبيل قسم الصدقات، وبعضهم عقب كتاب السير. والمؤلف لما ذكر قسم الصدقات هنا، ذكر معه قسم الفئ والغنيمة، لما بينهما من المناسبة، لأن كلا يجمعه الإمام ويفرقه.

ما أخذناه من دارهم اختلاسا، أو سرقة - على الاصح - خلافا للغزالي وإمامه: حيث قالا إنه مختص بالآخذ بلا تخميس، وادعى ابن الرفعة الاجماع عليه، ومن الثاني: جزية وعشر تجارة وتركة مرتد، ويبدأ في الغنيمة ـــــــــــــــــــــــــــــ والغنيمة: فعيلة بمعنى مفعولة، من الغنم، وهو الربح. والفئ: مصدر فاء: إذا رجع. ثم استعملا في المال المأخوذ من الكفار. والمشهور تغايرهما - كما هو صريح كلام الشارح - وقيل كل منهما يطلق على الآخر إذا أفرد، فإن جمع بينهما افترقا - كالفقير والمسكين. والأصل فيهما آية: * (ما أفاء الله على رسوله) * (1) وآية: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ) * (2) ولم تحل الغنائم لأحد قبل الإسلام، بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالا جمعوه، فتأتي نار من السماء تأخذه. ثم أحلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت في صدر الإسلام له خاصة، لأنه كالمقاتلين: كلهم نصرة وشجاعة، بل أعظم، ثم نسخ ذلك، واستقر الأمر على ما يأتي. (قوله: ما أخذناه) أي معاشر المسلمين، وهو قيد أول خرج به ما أخذه الذميون من أهل الحرب، فإنه ليس بغنيمة. (وقوله: من أهل حرب) متعلق بأخذناه، وهو قيد ثان، خرج به ما أخذناه من الذميين، وما أخذناه ممن لم تبلغه الدعوة أصلا، أو دعوة نبينا، وكان متمسكا بدين حق، فهو ليس بغنيمة، ومالهم يرد إليهم. وخرج به أيضا، ما أخذناه من المرتدين فإنه فئ، وليس بغنيمة. وقيد بعضهم أهل الحرب بكونهم أصليين، وأخرج به المرتدين، ولا حاجة إليه، لأن المراد من أهل الحرب من كانوا أصليين. (قوله: قهرا) صفة لموصوف محذوف، أي أخذا قهرا بأن كان بإيجاف - أي إسراع خيل، أو بغال، أو إبل، أو سفن - وهو قيد ثالث، خرج به ما أخذناه منهم صلحا فهو فئ - كما سيأتي - وأسقط قيدا رابعا وهو: أن يكون المال الذي أخذناه منهم ملكا لهم. وخرج به ما إذا لم يكن كذلك كأن أخذه أهل الحرب من المسلمين قهرا ثم أخذناه منهم، فيجب رده لمالكه. (والحاصل) أن الغنيمة هي مال أو اختصاص أخذه المسلمون من كفار أصليين حربيين مالكين له قهرا، أي بقتال أو إيجاف لنحو خيل أو إبل. (قوله: وإلا) أي وإن لم نأخذه من أهل الحرب قهرا، بأن أخذناه من غيرهم، أو أخذناه منهم لا قهرا. فالأول: كالجزية المأخوذة من الذميين، وكالمال المأخوذ من المرتدين. والثاني: كالذي صالحونا عليه. (وقوله: فهو فئ) أي فما أخذناه ممن ذكر هو فئ. والجملة جواب الشرط. (قوله: ومن الأول) أي الغنيمة. (قوله: ما أخذناه الخ) فيه أن التعريف السابق للغنيمة لا يشمل ما ذكر، لأن المراد بالقهر ما كان بقتال وإيجاف خيل أو إبل، وهذا ليس كذلك. ويمكن أن يقال: المراد بالقهر ما يشمل الحقيقي والتنزيلي، وهذا من الثاني، لأنه لما خاطر بنفسه ودخل دارهم على هذا الوجه ينزل منزلة القهر بالقتال ونحوه. (وقوله: من دارهم) أي الحربيين، وهو ليس بقيد، فمثله ما أخذناه منهم بدارنا، حيث لا أمان لهم. (وقوله: اختلاسا) هو الاختطاف بسرعة على غفلة، سواء كان من حرز مثله أم لا. (وقوله: أو سرقة) هي لغة: أخذ المال خفية. وشرعا: أخذه خفية من حرز مثله. فهو أخص من الاختلاس. (قوله: على الأصح) متعلق بما تعلق به قوله ومن الأول، أي أن كونه من الأول مبني على الأصح. قال في التحفة: لأن تغريره بنفسه قائم مقام القتال، ومن ثم لو أخذ سوما ثم هرب أو جحده: اختص به. ويوجه بأنه لما لم يكن فيه تغرير لم يكن في معنى الغنيمة. (قوله: خلافا لغزالي إلخ) بيان لمقابل الأصح. (قوله: وإمامه) أي إمام الغزالي. أي شيخه - وهو إمام الحرمين -. (قوله: حيث قالا) أي الغزالي والإمام. (قوله: أنه) أي ما أخذناه من دارهم اختلاسا أو سرقة. (قوله: بلا تخميس) ذكره تأكيد، وإلا فيعلم من كونه مختصا بالآخذ أنه لا يخمس. (قوله: الإجماع عليه) أي على ما قالاه من أنه مختص بالآخذ. (قوله: من الثاني) أي الفئ. (قوله: جزية) هي ما أخذت من أهل الذمة في مقابلة كفنا عن قتالهم، وإقرارهم بدارنا. ومثلها: الخراج، وهو ضرب على الأرض، صالحونا على أنها لنا ويسكنونها بشئ معلوم، فهو حينئذ أجرة لا يسقط بإسلامهم.

_ الحشر: 6. (2) الانفال: 41

بالسلب للقاتل المسلم بلا تخميس، وهو ملبوس القتيل، وسلاحه، ومركوبه، وكذا سوار، ومنطقة، وخاتم، وطوق. وبالمؤن: كأجرة حمال. ثم يخمس باقيها، فأربعة أخماسها، ولو عقارا، لمن حضر الوقعة، وإن لم ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وعشر تجارة) يعني ما أخذ من أهلها، سواء ساوى العشر أم لا. (قوله: وتركة مرتد) وكذا تركة كافر معصوم من ذمي ومعاهد ومؤمن إذا لم يكن له وارث أصلا، فإن كان له وارث أخذ ماله، سواء كان مستغرقا أم لا، ويرد على غير المستغرق - كبنت - لأن الرد لا يختص بالمسلمين. اه. ش ق. (قوله: ويبدأ) أي وجوبا. (وقوله: في الغنيمة) أي في حال قسمة الغنيمة، أو من الغنيمة. ففي: إما باقية على معناها، أو بمعنى من. (قوله: بالسلب) بفتح اللام، هو لغة: الاختلاس. قال في القاموس: سلبه سلبا وسلبا. اختلسه. وشرعا: أخذ ما يتعلق بقتيل كافر من ملبوس ونحوه. ويطلق شرعا أيضا على نفس المأخوذ، وعليه الشارح حيث قال: وهو ملبوس إلخ. (قوله: للقاتل) متعلق بمحذوف معطوف على يبدأ، أي ويعطى للقاتل، لخبر الصحيحين: من قتل قتيلا فله سلبه والمراد بالقاتل: كل من ركب غررا يكفي به شر كافر في حال الحرب، بأن يزيل قوته كأن يفقأ عينيه، أو يقطع يديه أو رجله، أو يأسره - فالمراد به ما يعم الحقيقة والمجاز. فلو رمى كافرا وهو في حصن أو في صف المسلمين فلا سلب له، لأنه لم يرتكب الغرر بهجومه على الكفار. (قوله: المسلم) خرج به الكافر، فلا سلب له، ولو ذميا أذن له الإمام. وذكر المؤلف من شروط استحقاق القاتل للسلب شرطا واحدا، وهو ما ذكر، وبقي شروط، وهي: كون المقتول غير منهي عن قتله، كصبي وامرأة لم يقاتلا، فإن قاتلا استحق سلبهما. وكونه غير عين - أي جاسوس - ولا مخذل. وكونه غير رقيق لكافر. وتقدم شرط يؤخذ من تعريف القاتل، وهو ركوب غرر: أي أمر مخوف. (قوله: بلا تخميس) هذا علم من قوله للقاتل، فذكره تأكيد، وعدم تخميس السلب هو المشهور، للحديث المار، ومقابله أنه يخمس: فأربعة أخماسه للقاتل، وخمسه لاهل الفئ. أفاده البجيرمي. (قوله: وهو) أي السلب. (قوله: ملبوس القتيل) أي ما شأنه أن يلبسه القتيل، سواء كان لابسا له بالفعل أو كان قد نزعها وقاتل عريانا في البر أو البحر - على المعتمد. وشمل الملبوس: الثياب والخف. (قوله: وسلاحه) أي القتيل. والمراد به آلة الحرب - كدرع، ورمح، وسيف - ولو تعددت من نوع كسيفين فأكثر، ورمحين فأكثر فقال بعضهم: يأخذ الجميع، وقال بعضهم: لا يأخذه من كل نوع إلا واحدا وهو المعتمد لكن يختار واحدا منها، ولذلك قالوا لو تعددت الجنائب اختار واحدة منها، لأن كل واحدة منها جنيبة من أزال منعته - أي قوته -. وهكذا كل ما تعدد من نوع واحد، أي فيختار واحدا منها - على القول بأنه لا يأخذ من كل نوع إلا واحدا وهو المعتمد. أفاده الباجوري. (قوله: ومركوبه) أي ولو بالقوة، كأن قاتل راجلا وعنانه بيده أو بيد غلامه، والمراد به ما يشمل الفرس، والجمل، والحمار. (قوله: وكذا سوار الخ) أي ومثل ما ذكر من الملبوس والسلاح في كونه من السلب ما يتزين به في الحرب لإغاظة المسلمين من سوار: أي لامرأة حربية قاتلت، أو لرجل، لأنهم لا يعتقدون تحريمه، وهو ما يجعل في اليد. ومنطقة: وهي ما يشد بها الوسط. وخاتم: وهو ما يجعل في الأصابع. وطوق: وهو ما يجعل في العنق. (قوله: وبالمؤن) عطف على بالسلب. ولو عبر بثم بدل الواو لكان أولى، لأن إخراجها بعد السلب. والمراد أنه بعد إخراج السلب من الغنيمة يخرج منها المؤن اللازمة - كمؤنة الحفظ والنقل، وأجرة الحمال والكيال والوزان، وغير ذلك مما يصرف فيها - ومحله إن لم يكن هناك متطوع بها، وإلا فلا يجوز إخراجها منها. (قوله: كأجرة حمال) ولا بد أن تكون قدر أجرة المثل لا أزيد منها. قال في التحفة: ولا يجوز له إخراجها وثم متطوع، ولا بأكثر من أجرة المثل لأنه كولي اليتيم. اه. (قوله: ثم يخمس باقيها) أي ثم بعد إخراج السلب والمؤن يخمس الباقي، أي يجعل خمسة أقسام متساوية، ويؤخذ خمس رقاع، ويكتب على واحدة: لله تعالى - أو للمصالح -، وعلى أربعة: للغانمين. ثم تدرج في بنادق متساوية من طين - أو شمع - ويخرج لكل خمس رقعة، فما خرج لله أو للمصالح جعل بين أهل الخمس على خمسة، ويقسم مال الغانمين قبل قسمة هذا الخمس، لكن بعد إفرازه بقرعة - كما عرف. اه. شرح المنهج بتصرف. والمتولي لذلك الإمام أو نائبه. ولو غزت طائفة ولا أمير فيهم من جهة الإمام فحكموا في القسمة واحدا أهلا، صحت، وإلا فلا. (قوله: ولو عقارا) أي ولو كانت

يقاتل، فما أحد أولى به من أحد - لا لمن لحقهم بعد انقضائها، ولو قبل جمع المال، ولا لمن مات في أثناء القتال قبل الحيازة على المذهب. وأربعة أخماس الفئ للمرصدين للجهاد وخمسهما يخمس: سهم ـــــــــــــــــــــــــــــ الغنيمة عقارا، وإنما كان العقار هنا لهم، بخلافه في الفئ، فإن الإمام يتخير فيه بين قسمته كالمنقول، ووقفه وبيعه وقسمة غلته في الوقف، وثمنه في البيع، لأن الغنيمة حصلت بكسبهم وفعلهم، فملكوها بشرطه، بخلاف الفئ فإنه إحسان جاء إليهم من خارج، فكانت الخيرة فيه إلى الإمام. أفاده سم. (قوله: لمن حضر الوقعة) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر أربعة، أي أربعة الأخماس تعطى لمن حضر الوقعة - أي شهدها، أي بنية القتال - وإن لم يقاتل، أو لم يكن بنية، ولكن قاتل - كأجير لحفظ أمتعة، وتاجر، ومحترف - لقولي أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -: إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة. ولا مخالف لهما من الصحابة، ولأن القصد تهيؤه للجهاد، ولأن الغالب أن الحضور يجر إليه، ولأن فيه تكثير سواد المسلمين. وفي معنى من حضر: جاسوس، وكمين، ومن أخر ليحرس العسكر من هجوم العدو. (قوله: وإن لم يقاتل) أي تعطى لمن حضر الوقعة ولو لم يقاتل، لكن بشرط أن يكون حضر بنية القتال - كما علمت -. (قوله: فما أحد) أي ممن حضر الوقعة. وهذا من جملة حديث ذكره في فتح الجواد، وعبارته: وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - - وقد سئل عن الغنيمة -: لله خمسها، وأربعة أخماسها للجيش، فما أحد أولى به. وقوله: أولى به: أي بما ذكر من أربعة الأخماس. (قوله: لا لمن لحقهم) ظاهره أنه معطوف على لمن حضر الوقعة، وفيه أنه يصير التقدير لا أربعة أخماس لمن لحقهم، أي ليست الأربعة الأخماس ثابتة لمن لحقهم، وهو صادق بثبوت بعضها لهم، وليس كذلك: إذا علمت هذا، فالأولى جعل الجار والمجرور متعلقا بمحذوف مناسب، والتقدير: لا يسهم من أربعة الأخماس لمن لحق من حضرها بعد انقضائها، لأن الغنيمة إنما تكون لمن شهد الوقعة، وهذا لم يشهدها. وخرج بقوله بعد انقضائها: ما إذا لحق قبل انقضائها، فيسهم له فيما غنم بعد لحوقه، لا فيما غنم قبله. وعبارة التحرير: دون من لحقهم بعد انقضائها ولو قبل جمع المال، فلا شئ له. بخلاف من لحقهم قبل انقضائها، لكن لا شئ له فيما غنم قبل لحوقه. اه. (قوله: ولو قبل جمع المال) غاية لعدم إعطاء من لحق بعد الانقضاء. (قوله: ولا لمن مات الخ) أي ولا يسهم لمن مات، فالجار والمجرور متعلق بمحذوف أيضا - كالذي قبله -. (وقوله: في أثناء القتال قبل الحيازة) قيدان. خرج بالأول: ما إذا مات بعد القتال، ولو قبل الحيازة، فإنه يسهم له ويعطى لوارثه. وخرج بالثاني: ما إذا مات في الأثناء، وبعد حيازة شئ، فإنه يسهم له منه. وعبارة المنهاج مع شرح م ر: ولو مات بعضهم بعد انقضائه فحقه لوارثه. وكذا لو مات بعد الانقضاء للقتال، وقبل الحيازة في الأصح، لوجود المقتضي للتمليك، وهو انقضاء القتال. ولو مات في أثناء القتال قبل حيازة شئ، فالمذهب أنه لا يشئ له، فلا حق لوارثه في شئ، أو بعد حيازة شئ فله حصته منه. اه. (قوله: على المذهب) قال المحلى: والطريق الثاني فيه قولان - أحدهما: أنه يستحق بحضوره بعد الواقعة. والطريق الثالث إن حصلت الحيازة بذلك القتال استحق، أو بقتال جديد فلا. اه. (تتمة) اعلم أنه يعطى من أربعة الأخماس للفارس - وهو المقاتل على فرس - ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه، وسهم له، وللراجل - وهو المقاتل على رجليه - سهم واحد، لفعله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر. ولا يرد إعطاؤه - صلى الله عليه وسلم - سلمة بن الأكوع سهمين في وقعة، لانه - صلى الله عليه وسلم - رأى منه خصوصية اقتضت ذلك. ولا يعطى منها إلا لمن استكملت فيه ستة شروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورية، والصحة. فإن اختل شرط منها: - بأن كان من حضر القتال صغيرا، أو مجنونا، أو رقيقا، أو أنثى، أو ذميا، أو زمنا - فلا يعطى سهما كاملا، بل يرضخ له. والرضخ لغة: العطاء القليل. وشرعا: شئ دون سهم. ويجتهد الإمام في قدره بحسب رأيه، فيزيد المقاتل على غيره، والأكثر قتالا على الأقل قتالا، والفارس على الراجل، والمرأة التي تداوي الجرحى وتسقي العطشى على التي تحفظ الرحال. (قوله: وأربعة أخماس الفئ الخ) الأولى أن يستوفي الكلام على الغنيمة ثم ينتقل للفئ، وغير المؤلف أفرده بترجمة مستقلة. (قوله: للمرصدين للجهاد) أي المهيئين المعدين له بتعيين الإمام لهم في دفتره - وهم المرتزقة - سموا

للمصالح: كسد ثغر، وعمارة حصن، ومسجد، وأرزاق القضاة، والمشتغلين بعلوم الشرع وآلاتها - ولو مبتدئين - وحفاظ القرآن، والائمة، والمؤذنين. ويعطى هؤلاء مع الغنى ما رآه الامام. ويجب تقديم الاهم - مما ذكر - وأهمها: الاول. ولو منع هؤلاء حقوقهم من بيت المال وأعطي أحدهم منه شيئا: جاز له الاخذ، ما لم يزد على كفايته - على المعتمد - وسهم للهاشمي والمطلبي: للذكر منهما مثل حظ الانثيين، ولو أغنياء. وسهم ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك لأنهم أرصدوا أنفسهم للذب عن دين الله، وطلبوا الرزق من مال الله تعالى. وخرج بهم المتطوعة بالغزو إذا نشطوا فيعطون من الزكاة، لا من الفئ. (قوله: وخمسها) أي الفئ والغنيمة، أي الخمس الخامس منهما يخمس، أي يجعل خمسة أسهم. (قوله: سهم للمصالح) قال في التحفة: وهذا السهم كان له - صلى الله عليه وسلم - ينفق منه على نفسه وعياله، ويدخر منه مؤنة سنة، ويصرف الباقي في المصالح. كذا قاله الأكثرون، قالوا: وكان له الأربعة الأخماس الآتية، فجملة ما كان يأخذه: إحدى وعشرون من خمسة وعشرين. قال الروياني: وكان يصرف العشرين التي له للمصالح، قيل وجوبا، وقيل ندبا. وقال الغزالي وغيره: بل كان الفئ كله له في حياته، وإنما خمس بعد موته. اه. (قوله: كسد ثغر) أي شحنه بآلة الحرب وبالغزاة. والثغر: موضع الخوف من طرف بلاد المسلمين التي تليها بلاد المشركين. وفي المصباح: الثغر: من البلاد الذي يخاف منه هجوم العدو، فهو كالثلمة في الحائط، يخاف هجوم السارق منها. والجمع على ثغور: مثل فلس وفلوس. اه. (قوله: وعمارة حصن) أي كالقلعة، ويجمع على حصون. (وقوله: ومسجد) أي وعمارة مسجد. (قوله: وأرزاق القضاة) أي قضاة البلاد، فيعطون ولو أغنياء، لا قضاة العسكر - وهم الذين يحكمون لاهل الفئ في مغزاهم - فيرزقون من الأخماس الأربعة، لا من خمس الخمس. (قوله: والمشتغلين بعلوم الشرع) أي وأرزاق المشتغلين بما ذكر. (وقوله: وآلاتها) أي علوم الشرع، كالنحو والصرف. (قوله: والأئمة والمؤذنين) أي أئمة المساجد ومؤذنيها، ومثلهم كل من يشتغل عن نحو كسبه بمصالح المسلمين - كمن يشتغل بتجهيز الموتى، وحفر القبر - لعموم نفعهم. (قوله: ويعطى) - بالبناء للمجهول - هؤلاء، أي القضاة ومن ذكر بعدهم. (وقوله: مع الغنى) أي مع كونهم أغنياء. (قوله: ما رآه الإمام) مفعول ثان ليعطي أي يعطى القدر الذي يراه الإمام للمصلحة، ويختلف بضيق المال وسعته. (قوله: ويجب تقديم إلخ) مقابل محذوف تقديره، ويعمم الإمام بهذا السهم كل الأفراد إن وفى بهم، فإن لم يف، قدم الأهم، فالأهم. (وقوله: مما ذكر) أي من المصالح. (قوله: وأهمها) أي المصالح. (وقوله: الأول) أي سد الثغور. (قوله: ولو منع هؤلاء الخ) أي ولو منع الإمام القضاة ومن ذكر بعدهم حقوقهم من بيت المال. (وقوله: وأعطى أحدهم منه) الفعل مبني للمجهول، وما بعده نائب فاعل. أي وأعطى غير الإمام أحد المستحقين من بيت المال. ومثل الإعطاء أخذه بنفسه. (قوله: ما لم يزد على كفايته) فإن زاد فلا يجوز له أخذ الزائد. ولو قال: جاز له أخذه كفايته لا الزائد - لكان أولى. (قوله: على المعتمد) مقابله أقوال - القول الأول منها: لا يجوز له أخذ أصلا. ثانيها: يأخذ كفاية يوم بيوم. ثالثها: يأخذ كفاية سنة. وعبارة التحفة: (فائدة) منع السلطان المستحقين حقوقهم من بيت المال، ففي الإحياء: قيل لا يجوز لأحدهم أخذ شئ منه أصلا، لأنه مشترك، ولا يدري حصته منه. وهذا غلو. وقيل يأخذ كفاية يوم بيوم، وقيل كفاية سنة، وقيل ما يعطى إذا كان قدر حقه والباقون مظلومون. وهذا هو القياس، لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين، ومن ثم من مات وله فيه حق لا يستحقه وارثه. اه. وخالفه ابن عبد السلام: فمنع الظفر في الأموال العامة لأهل الإسلام ومال المجانين والأيتام اه. (قوله: وسهم للهاشمي والمطلبي) أي لبني هاشم ولبني المطلب، أي وبناتهم دون غيرهم من أبناء عبد مناف، وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - وضع سهم ذوي القربى - الذي في الآية - فيهم، دون بني عبد شمس ونوفل، مجيبا عن ذلك - لما سألوه أن يعطيهم - بقوله: نحن وبنو المطلب شئ واحد. وشبك بين أصابعه. رواه البخاري. أي لم يفارقوا بني هاشم في

للفقراء، اليتامى، وسهم للمسكين، وسهم لابن السبيل الفقير. ويجب تعميم الاصناف الاربعة بالعطاء - حاضرهم، وغائبهم عن المحل - نعم، يجوز التفاوت بين آحاد الصنف غير ذوي القربى، لا بين الاصناف، ولو قل الحاصل، بحيث لو عم لم يسد مسدا: خص به الاحوج، ولا يعم - للضرورة. ولو فقد بعضهم: وزع سهمه على الباقين. ويجوز - عند الائمة الثلاثة - صرف جميع خمس الفئ إلى المصالح. ولا يصح شرط ـــــــــــــــــــــــــــــ نصرته - صلى الله عليه وسلم - جاهلية ولا إسلاما، حتى أنه لما بعث بالرسالة نصروه وذبوا عنه، بخلاف بني الآخرين، بل كانوا يؤذونه. والعبرة في الانتساب بالنسب إلى الآباء، فلا يعطى أولاد البنات شيئا، لأنهم ليسوا من الآل، ولذلك لم يعط - صلى الله عليه وسلم - الزبير وعثمان رضي الله عنهما، مع أن أميهما هاشميتان. ومن بني المطلب: إمامنا الشافعي - رضي الله عنه - فإنه مطلبي، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هاشمي. (قوله: للذكر منهما) أي الهاشمي والمطلبي. (وقوله: مثل حظ الأنثيين) أي مثل نصيبهما - كالإرث - بجامع أنه استحقاق بقرابة الأب. (قوله: ولو أغنياء) أي ولو كانوا أغنياء، فإنهم يعطون، وذلك لإطلاق الآية، ولإعطائه - صلى الله عليه وسلم - العباس، وكان غنيا. (قوله: وسهم للفقراء اليتامى) المراد بالفقراء: ما يشمل المساكين، لأنهما إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا. ولا بد في ثبوت اليتم والإسلام والفقر هنا من بينة. وكذا في الهاشمي والمطلبي. واليتيم: هو الذي لا أب له، وإن كان له جد، ولو لم يكن من أولاد المرتزقة. ويدخل فيه: ولد الزنا، والمنفي، لا اللقيط - على الأوجه - لأنا لم نتحقق فقد أبيه، على أنه غني بنفقته في بيت المال مثلا. وأما فاقد الأم فيقال له منقطع. وفائدة ذكرهم - مع اندراجهم في المساكين - عدم حرمانهم، وإفرادهم بخمس كامل. كذا في التحفة. (قوله: وسهم للمسكين) المراد به ما يشمل الفقير، لما تقدم. والمراد به غير اليتيم، أما هو فيعطى من سهم اليتامى فقط. وعبارة ش ق: ولو اجتمع وصفان في واحد أعطى بأحدهما، إلا الغزو مع القرابة. نعم، من اجتمع فيه يتم ومسكنة أعطي باليتم فقط، لأنه وصف لازم، والمسكنة منفكة. اه. (قوله: وسهم لابن السبيل) هو خامس الأسهم الخمسة. (واعلم) أنه يشترط في الجميع الإسلام. (قوله: ويجب) أي على الإمام - أو نائبه - تعميم الأصناف الأربعة، وهم بنو هاشم والمطلب، والفقراء اليتامي، والمساكين، وابن السبيل كما يجب تعميم الأصناف يجب تعميم آحادهم. (قوله: حاضرهم) أي في محل الفئ والغنيمة. (وقوله: وغائبهم عن المحل) أي محل الفئ والغنيمة. (قوله: نعم، يجوز التفاوت بين آحاد الصنف) استدراك على وجوب التعميم بين الأصناف. (وقوله: غير ذوي القربى) أي فإنه لا يجوز التفاوت بين آحادهم، وذلك لاتحاد القرابة، وتفاوت الحاجة المعتبرة في غيرهم. (قوله: لا بين الأصناف) أي لا يجوز التفاوت بين الأصناف في الإعطاء. (قوله: ولو قل إلخ) لو أدخل أداة الاستدراك عليه وحذفها قبل قوله يجوز التفاوت الخ لكان أولى، إذ لا محل لها هناك، ولها محل هنا. فتنبه. (قوله: بحيث لو عم) أي عم الإمام أو نائبه به جميع المستحقين. (وقوله: لم يسد مسدا) جواب لو الثانية، أي لم يقع موقعا من حاجتهم. (قوله: خص الخ) جواب لو الأولى. (وقوله: به) أي بهذا الحاصل. (قوله: ولا يعم) أي لا يعطيه لجميع المستحقين. (قوله: للضرورة) أي الحاجة، وهو علة لتخصيص الأحوج به، وحينئذ تكون الحاجة مرجحة، وإن لم تكن معتبرة في الاستحقاق. لما مر من أنهم يعطون ولو أغنياء. (قوله: ولو فقد بعضهم) أي الأصناف الأربعة. (قوله: وزع سهمه على الباقين) أي أعطى نصيبه موزعا على الباقين - كما في الزكاة. (قوله: ويجوز عند الأئمة الثلاثة) أي الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام أحمد ابن حنبل. (قوله: صرف جميع خمس الفئ إلى المصالح) الذي في التحفة والنهاية والخطيب: صرف جميع الفئ إلى المصالح، لا خمسه فقط. وعبارة الأخير: فيخمس جميعه - أي الفئ - خمسة أخماس متساوية كالغنيمة، خلافا للأئمة الثلاثة، حيث قالوا لا يخمس، بل جميعه لمصالح المسلمين. اه. وقوله: خلافا للأئمة الثلاثة: كتب البجيرمي ما نصه: حاصل مذهبهم أنه يوضع جميعه في بيت المال، ويفرق على الخمسة المذكورين وعلى غيرهم من المصالح، ولا يعطى للمرتزقة منه شئ. وهذا هو المراد بقوله: بل يوضع جميعه لمصالح المسلمين، بخلاف الغنيمة، فإن أربعة أخماسها للغانمين، وخمسها للخمسة المذكورين - كمذهبنا. اه. وكتب أيضا: قوله: لمصالح المسلمين. أي

الامام: من أخذ شيئا فهو له. وفي قول: يصح. وعليه الائمة الثلاثة. وعند أبي حنيفة ومالك: يجوز للامام أن يفضل بعضا. (فرع) لو حصل لاحد من الغانمين شئ مما غنموا قبل التخميس والقسمة الشرعية: لا يجوز التصرف فيه، لانه مشترك بينهم وبين أهل الخمس. والشريك لا يجوز له التصرف في المشترك بغير إذن شريكه (ويسن ـــــــــــــــــــــــــــــ ولآله - صلى الله عليه وسلم -، ويبدأ بهم ندبا عندهم، لأن خمس الغنيمة وجميع الفئ عندهم يوضعان في بيت المال، ويصرف في مصالح المسلمين مما ذكر في الآية، وما لم يذكر من تزويج الأعزب، ورزق العلماء، والمحتاجين. اه. قال في التحفة: ويدل لنا - أي على أن الفئ يخمس - القياس على الغنيمة المخمسة بالنص، بجامع أن كلا راجع إلينا من الكفار، واختلاف السبب بالقتال وعدمه لا يؤثر. اه. بزيادة. (قوله: ولا يصح شرط الإمام: من أخذ شيئا فهو له) أي لا يصح أن يشرط الإمام قبل القسمة للمجاهدين أن من أخذ شيئا من الغنائم فهو له. وذلك لأن الغنيمة يشترك فيها جميع أهل الوقعة، لا خاصة بالآخذ. قال ق ل: وما نقل أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله، لم يثبت. وبفرض ثبوته، فالغنيمة كانت له، يتصرف فيها بما يراه. اه. وسيذكر الشارح هذه المسألة - في أواخر باب الجهاد، مرتبا على صحتها صحة وطئ السراري المجلوبة من الروم والهند. ولا بأس بذكر عبارته هنا - تعجيلا للفائدة - ونصها: قال شيخنا في شرح المنهاج: قد كثر اختلاف الناس وتأليفهم في السراري والأرقاء المجلوبين من الروم والهند، وحاصل معتمد مذهبنا فيهم: إن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم تقسم، يحل شراؤه وسائر التصرفات فيه، لاحتمال أن آسره البائع له أولا حربي أو ذمي، فإنه لا يخمس عليه. وهذا كثير، لا نادر، فإن تحقق أن آخذه مسلم - بنحو سرقة أو اختلاس - لم يجز شراؤه، إلا على الوجه الضعيف أنه لا يخمس عليه. فقول جمع متقدمين: ظاهر الكتاب والسنة والإجماع على منع وطئ السراري المجلوبة من الروم والهند إلا أن ينصب من يقسم الغنائم ولا حيف يتعين حمله على ما علم أن الغنائم له المسلمون وإنه لم يسبق من أميرهم قبل الاغتنام من أخذ شيئا فهو له، لجوازه عند الأئمة الثلاثة، وفي قوله للشافعي. اه. (قوله: وفي قوله: يصح) أي شرط الإمام ما ذكر. وعليه، فكل من أخذ شيئا اختص به. (قوله: وعليه) أي على القول بالصحة. (قوله: وعند أبي حنيفة ومالك يجوز إلخ) نقل المؤلف عن التاج الفزاري - في باب الجهاد أيضا - أنه لا يلزم الإمام قسمة الغنائم ولا تخميسها، وله أن يحرم بعض الغانمين. ثم قال: ورده النووي وغيره بأنه مخالف للإجماع. (قوله: أن يفضل بعضا) أي يفضل بعض الأصناف على بعض في العطاء. (قوله: فرع) أي في بيان حكم الغنيمة قبل القسمة. (قوله: مما غنموا) ليس بقيد، بل مثله ما إذا دخل شخص دار حرب واختلس شيئا من أموالهم، فإنه لا يستقل به، بل يخمس. (قوله: قبل التخميس) ظرف متعلق بحصل، أي حصل قبل أن يخمس الإمام الغنيمة. (وقوله: والقسمة الشرعية) أي وقبل القسمة الشرعية، وهي أن يعطي الإمام كل ذي حق حقه - على ما تقرر سابقا. (قوله: لا يجوز الخ) جواب لو. (وقوله: له) أي لمن حصل له ذلك. (وقوله: التصرف) أي ببيع أو نحوه مما يزيل الملك كالهبة. نعم، يجوز لهم التصرف بالأكل والشرب مما حصل لهم، لكن على وجه الإباحة - كالضيف - كما صرح به المنهاج في كتاب السير، وعبارته مع التحفة: وللغانمين - ولو أغنياء، وبغير إذن الإمام - التبسط، أي التوسع في الغينمة قبل القسمة، واختيار التملك على سبيل الإباحة لا الملك. فهو مقصور على انتفاعه - كالضيف - لا يتصرف فيما قدم إليه إلا بالأكل. نعم، له أن يضيف به من له التبسط وإقراضه بمثله منه بأخذ ما يحتاجه، لا أكثر منه وإلا أثم وضمنه. كما لو أكل فوق الشبع سواء أخذ القوت وما يصلح به، كزيت، وسمن، ولحم، وشحم، لنفسه لا لنحو طيره. وكل طعام يعتاد أكله وعلف الدواب تبنا وشعيرا أو نحوهما وذبح حيوان مأكول للحمه، والصحيح جواز الفاكهة رطبا ويابسها، والحلوى، وأنه لا تجب قيمة المذبوح، وأنه لا يختص الجواز بمحتاج إلى طعام وعلف. وأن من رجع إلى دار الإسلام ووجد حاجته بلا عزة، ومعه بقية، لزمه ردها إلى المغنم، أي محل اجتماع الغنائم قبل قسمتها. اه. بحذف. (قوله: لأنه) أي ما حصل له من الغنيمة. (قوله: مشترك بينهم) أي بين الغانمين، ولو قال مشترك بينه وبين باقي المستحقين، لكان أولى، إذ الآخذ عندنا واحد من

صدقة تطوع) لآية: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * وللاحاديث الكثيرة الشهيرة. وقد تجب: كأن يجد ـــــــــــــــــــــــــــــ الغانمين، فالمناسب أن يخص ما أخذه بالاشتراك بينه وبين غيره، وإن كانت الغنيمة كلها مشتركة. (قوله: والشريك لا يجوز الخ) من جملة العلة، وهو يفيد أنه لو أذن له المستحقون في أخذه قبل القسمة من الإمام يجوز له أخذه، وليس كذلك. ولو أبدل العلة المذكورة من أصلها بقوله لأنه قبل القسمة لا يملك بالأخذ. لكان أولى. (قوله: ويسن صدقة تطوع) لما أنهى الكلام على بيان الصدقة الواجبة، شرع في بيان الصدقة المسنونة، فقال: ويسن صدقة التطوع. والمراد بالتطوع: ما زاد على الفرض، لا المعنى المرادف للسنة، أي ويسن صدقة ما زاد على الفرض. وبه يندفع ما قيل: لا تصح هذه الإضافة، لأن التطوع مرادف للسنة المفهومة من يسن، فيصير التقدير: ويسن صدقة السنة، ولا معنى له. (لطيفة) قال بعضهم: إن الصدقة أربعة حروف: صاد، ودال، وقاف، وهاء، فالصاد منها: تصون صاحبها عن مكاره الدنيا والآخرة. والدال منها: تكون دليله على طريق الجنة غدا عند تحير الخلق. والقاف منها للقربة، تقرب صاحبها إلى الله تعالى. والهاء منها: للهداية، يهدي الله تعالى صاحبها للأعمال الصالحة ليستوجب بها رضوانه الأكبر. (قوله: لآية: * (من ذا الذي يقرض) * (1) إلخ) أي ولآية * (وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) * (2) وآية * (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) * (3) قال في النصائح، بعد ذكر قوله تعالى * (فيضاعفه له وله أجر كريم) *: (4) فاستشعر في نفسك هذا الأجر الذي سماه الله كبيرا أو كريما، أي أجر هو؟ وكذلك المضاعفة التي لم يحصرها الله بعدد في قوله: * (فيضاعف له) * وفي آية أخرى: * (أضعافا كثيرة) *، فأطلق الكثرة ولم يجعلها إلى حد فأي ترغيب من الله الجواد الكريم يزيد على هذا الترغيب؟ فأف لمن لا يعقل عن الله، ولا يفهم في آياته حتى غلب عليه البخل لماله واستولى عليه الشح بما عنده من فضل الله، حتى ربما ينتهي به ذلك إلى منع الحقوق الواجبة فضلا عن التطوع بالصدقات. فلو كان هذا فقيرا لا يملك قليلا ولا كثيرا كان ذلك أجمل به وأحسن له. اه. (قوله: وللأحاديث الكثيرة الشهيرة) منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس. ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام: اتقوا النار، ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة. وقال عليه الصلاة والسلام: الصدقة تطفى الخطيئة كما يطفئ الماء النار. وقال عليه الصلاة والسلام: يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط، وأعطش ما كانوا قط، وأنصب ما كانوا قط، فمن كسا لله كساه الله، ومن أطعم لله أطعمه الله (1)، ومن سقى لله سقاه الله. الحديث. وأراد بقوله لله. أن يفعل ذلك مخلصا لوجه الله، من غير رياء ولا تصنع للناس، ولا طلب محمدة منهم. وقال عليه الصلاة والسلام: من أطعم أخاه حتى يشبعه، وسقاه حتى يرويه، باعده الله من النار سبعة خنادق، ما بين كل خندقين خمسمائة عام. وقال عليه الصلاة والسلام: ما من رجل يتصدق يوم أو ليلة إلا حفظ أن يموت من لدغة، أو هدمة، أو موت بغتة. (فائدة) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن امرأة من بني إسرائيل كان لها زوج وكان غائبا، وكان له أم، فأولعت بامرأة ابنها، فكرهتها، فكتبت كتابا على لسان ابنها إلى امرأة ابنها بفراقها، وكان لها ابنان من زوجها، فلما انتهى ذلك إليها لحقت بأهلها مع ولديها، وكان لهم ملك يكره إطعام المساكين، فمر بها مسكين ذات يوم وهي على خبزها، فقال: أطعميني من خبزك فقالت: أما علمت أن الملك حرم إطعام المساكين؟ قال: بلى ولكني هالك إن لم تطعميني أنت. فرحمته وأطعمته قرصين، وقالت له: لا تعلم أحدا أني أطعمتك. فانصرف بهما، فمر

_ (1) البقرة: 245. (2) البقرة: 272. (3) الحديد: 7. (4) البقرة: 245

مضطرا ومعه ما يطعمه، فاضلا عنه، ويكره بردئ، وليس منه: التصدق بالفلوس، والثوب الخلق، ونحوهما ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحرس ففتشوه، وإذا بالقرصين معه، فقالوا له: من أين لك هذا؟ فقال: أطعمتني فلانة. فانصرفوا به إليها، فقالوا لها: أنت أطعمته هذين القرصين؟ قالت: نعم. قالوا لها: أو ما علمت أن الملك حرم إطعام المساكين؟ قالت: بلى. قالوا: فما حملك على ذلك؟ قالت: رحمته، ورجوت أن يخفي ذلك. فذهبوا بها إلى الملك، وقالوا: هذه أطعمت هذا المسكين قرصين. فقال لها: أنت فعلت ذلك؟ فقالت: نعم. فقال لها الملك: أو ما كنت علمت أني حرمت إطعام المساكين؟ قالت: نعم. قال: فما حملك على هذا؟ قالت: رحمته، ورجوت أن يخفي ذلك، وخفت الله فيه أن يهلك. فأمر بقطع يديها، فقطعتا. وانصرفت إلى منزلها، وحملت ابنيها حتى انتهت إلى نهر يجري، فقالت لأحد ابنيها: اسقني من هذا الماء. فلما هبط الولد ليسقيها غرق، فقالت للآخر: أدرك أخاك يا بني، فنزل لينقذ أخاه، فغرق الآخر، فبقيت وحدها، فأتاها آت، فقال، يا أمة الله ما شأنك ههنا؟ إني أرى حالك منكرا فقالت: يا عبد الله، دعني، فإن ما بي شغلني عنك. فقال: أخبريني بحالك. قال: فقصت عليه القصة، وأخبرته بهلاك ولديها، فقال لها: أيما أحب إليك؟ أأرد إليك يديك؟ أم أخرج لك ولديك حيين؟ فقالت: بل تخرج ولدي حيين. فأخرجهما حيين، ثم رد عليها يديها، وقال: إنما أنا رسول الله إليك. بعثني رحمة لك، فيداك بقرصين، وابناك ثوابا لك من الله تعالى، برحمتك لذلك المسكين وصبرك على ما أصابك. واعلمي أن زوجك لم يطلقك، فانصرفي إليه فهو في منزله، وقد ماتت أمه. فانصرفت إلى منزلها، فوجدت الأمر كما قيل لها. وما أحسن قول بعضهم: جعلت على لطفك المتكل * * وأعرضت عن فكرتي والحيل وما دام لطفك لي لم أخف * * عدوا إذا كادني أو خذل ولطفك رد الذي اختشى * * كما كشف الضر لما نزل ويا سيدي كم مضيق فرجت * * بلطف تيسره من عجل ملاذي ببابك لا حلت عنه * * ويا ويح من عنه يوما عدل وقفت عليه بذل السؤال * * وما خاب بالباب من قد سأل (قوله: وقد تجب) أي الصدقة. أي وقد يعرض لها ما يجعلها واجبة، وقد يعرض لها أيضا ما يجعلها حراما، كأن علم أو ظن من الآخذ أنه يصرفها في معصية، وكالذي سيذكره المؤلف. (قوله: كأن يجد مضطرا) الخ تمثيل للصدقة الواجبة، وفيه أن المضطر لا يجب البذل له إلا بثمنه، فكيف يكون صدقة. وعبارة التحفة لا يقال تجب للمضطر، لتصريحهم بأنه لا يجب البذل له إلا بثمنه - ولو في الذمة - لمن لا شئ معه. نعم، من لم يتأهل للالتزام يمكن جريان ذلك فيه، حيث لم ينو الرجوع. اه. ومثله في النهاية. وكتب سم: قوله: يمكن جريان ذلك، ما نصه: فيه نظر دقيق. فتأمله. اه. قال الرشيدي: وكأن وجه النظر أنه صار بالقيد المذكور مخيرا بين الصدقة وبين دفعه بنية الرجوع فلم تجب الصدقة عينا، فساوى المتأهل ومن له ولي حاضر، إذ لا خفاء أنه مخير فيه أيضا بين الصدقة وبين البذل بعوض. اه. (قوله: ومعه ما يطعمه) الواو للحال. وما: واقعة على طعام. والفعل يقرأ بضم أوله وكسر ثالثه - من أطعم. والتقدير: والحال أن عنده طعاما يطعمه لذلك المضطر، فإن لم يكن عنده ذلك لا يجب عليه التصدق. (وقوله: فاضلا عنه) منصوب على الحال من الضمير البارز في الفعل العائد على ما الواقعة على طعام. أي حال كون ذلك الطعام فاضلا عنه، أي عن طعامه. أي وطعام ممونه حالا، فإن لم يفضل عن ذل ك لا يجب التصدق به. وفي التحفة - في باب السير - ما نصه: والحاصل أنه يجب البدل هنا - أي للمحتاجين - من غير اضطرار بلا بدل، لا مطلقا، بل مما زاد على كفاية سنة، وثم - أي في المضطر - يجب البذل بما لم يحتجه حالا ولو على فقير، لكن بالبدل. اه. بتصرف. (قوله: ويكره

- بل ينبغي أن لا يأنف من التصدق بالقليل. والتصدق بالماء أفضل: حيث كثر الاحتياج إليه - وإلا فالطعام. ولو تعارض الصدقة حالا، والوقف. فإن كان الوقت وقت حاجة وشدة: فالاول أولى، وإلا فالثاني لكثرة جدواه. قاله ابن عبد السلام وتبعه الزركشي، وأطلق ابن الرفعة ترجيح الاول، لانه قطع حظه من المتصدق به حالا وينبغي - للراغب في الخير - أن لا يخلي (كل يوم) من الايام من الصدقة (بما تيسر) وإن قل، وإعطاؤها (سرا) أفضل منه جهرا. أما الزكاة: فإظهارها أفضل - إجماعا - (و) إعطاؤها (برمضان): أي فيه - لا سيما في عشره ـــــــــــــــــــــــــــــ بردئ) أي يكره التصدق بردئ، كسوس، وذلك لقوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * (1) ومحل الكراهة إذا وجد غير الردئ، وإلا فلا. (قوله: وليس منه الخ) أي وليس من التصديق بردئ التصدق بالفلوس، والثوب الخلق - أي البالي - وذلك لأن المراد بالردئ الردئ عرفا، وهذا ليس منه - كما في الكردي نقلا عن الإيعاب - وعبارته في الإيعاب الأقرب أن المراد: الردئ عرفا. قال: ويؤيده أن التصدق بالفلوس والثوب الخلق ليس من الردئ. اه. (قوله: ونحوهما) أي نحو الفلوس والثوب الخلق من الشئ القليل كاللقمة واللقمتين. (قوله: بل ينبغي أن لا يأنف الخ) أي لأن ما قبله الله كثير، ولآية * (فمن يعمل مثقال ذرة) * ولقوله عليه السلام: لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق. (قوله: والتصدق بالماء أفضل) لخبر أبي داود. أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، وخبر الترمذي: أيما مسلم سقى مسلما على ظمإ سقاه الله تعالى من الرحيق المختوم. وخبر الشيخين: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل. ورجل بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له. ورجل ساوم رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطى بها كذا وكذا فأخذها. (قوله: حيث كثر الاحتياج إليه) أي إلى الماء، وهو تقييد للأفضلية. (قوله: وإلا) أي وإن لم يكثر الاحتياج إليه. (قوله: فالطعام) أي أفضل، لأحاديث كثيرة واردة فيه، منها ما مر قريبا. (قوله: ولو تعارض الصدقة حالا والوقف الخ) أي لو تعارض عليه كونه يتصدق بما عنده حالا أو يفقه، فهل الأفضل له الأول أو الثاني؟ في ذلك تفصيل، وهو ما ذكره بقوله: فإن كان الوقت إلخ. (قوله: فالأول) أي الصدقة حالا. (وقوله: أولى) أي من الوقف، للحاجة إليه. (قوله: وإلا) أي وإن لم يكن الوقت وقت حاجة وشدة. (وقوله: فالثاني) أي وهو الوقف، أولى. (قوله: لكثرة جدواه) أي نفعه، وذلك لأن الوقف عمل دائم لا ينقطع، للحديث المشهور. (قوله: وأطلق ابن الرفعة) أي لم يقيد ذلك بكون الوقت وقت حاجة وشدة. (وقوله: ترجيح الأول) أي الصدقة. (قوله: لأنه) أي المتصدق. (وقوله: قطع حظه من المتصدق به) أي قطع نصيبه من المتصدق به وعلقته وانتسابه له حالا. بخلاف الوقف، فإنه - وإن خرج عن ملكه - له تعلق وانتساب به، لا سيما إن أوقفه على أولاده وأقاربه. (قوله: وينبغي الخ) دخول على المتن. (قوله: إن لا يخلي كل يوم) يحتمل جعل كل يوم مفعول به للفعل. (وقوله: من الصدقة) متعلق به، ويحتمل جعله ظرفا، والصدقة مفعول به، ومن زائدة، والمعنى على الأول: ينبغي أن لا يهمل كل يوم من الصدقة. وعلى الثاني: ينبغي أن لا يترك في كل يوم الصدقة. (وقوله: من الأيام) متعلق بمحذوف صفة مؤكدة لكل يوم، ولو حذفه لكان أولى. (وقوله: بما تيسر) متعلق بالصدقة. وهذا كله باعتبار حل الشارح، فإن نظر للمتن بحسب ذاته، كان كل يوم ظرفا متعلقا بصدقة، وكذا قوله بما تيسر. فتفطن. (قوله: وإعطاؤها سرا أفضل) أي لآية: * (إن تبدوا الصدقات) * (1) إلخ، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - عد من السبعة الذين يستظلون بالعرش: من أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. وتمام السبعة: إمام عادل. وشاب نشأ في عبادة الله تعالى. ورجل قلبه معلق بالمساجد. ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله. ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه - وقد ورد أيضا أن ثواب صدقة السر يضاعف على ثواب الصدقة الظاهرة سبعين ضعفا. وورد أيضا صدقة السر تطفئ غضب الرب. وأي شئ أعظم من غضبه

_ (1) آل عمران: 92. (1) البقرة: 271

الاواخر - أفضل، ويتأكد أيضا: في سائر الازمنة، والامكنة، الفاضلة: كعشر ذي الحجة، والعيدين، والجمعة. وكمكة، والمدينة (و) إعطاؤها (لقريب) لا تلزمه نفقته أولى، الاقرب فالاقرب من المحارم، ثم الزوج أو الزوجة، ثم غير المحرم والرحم من جهة الاب ومن جهة الام سواء، ثم محرم الرضاع، ثم المصاهرة أفضل. ـــــــــــــــــــــــــــــ سبحانه وتعالى؟ وما أطفأته صدقة السر إلا لعظمها عند الله سبحانه وتعالى. نعم، إن أظهرها المقتدى به ليقتدى به ولم يقصد نحو رياء ولا تأذى به الآخذ، كان أفضل. وجعل بعضهم من الصدقة الخفية: أن يبيع مثلا ما يساوي درهمين بدرهم. (تنبيه) ليس المراد بالسر ما قابل الجهر فقط، بل المراد أن لا يعلم غيره بأن هذا المدفوع صدقة، حتى لو دفع شخص دينارا مثلا وأفهم من حضره أنه عن قرض عليه أو عن ثمن مبيع مثلا، كان من قبيل دفع الصدقة سرا. لا يقال هذا ربما امتنع، لما فيه من الكذب، لأنا نقول: هذا فيه مصلحة، وهي البعد عن الرياء أو نحوه، والكذب قد يطلب لحاجة أو مصلحة، بل قد يجب لضرورة اقتضته. أفاده زي. (قوله: أما الزكاة) مقابل قوله وإعطاؤها: أي الصدقة المتطوع بها. (وقوله: فإظهارها أفضل إجماعا) أي للإمام مطلقا، وكذا للمالك في الأموال الظاهرة - كالنعم والنابت والمعدن - أما الباطنة - كالنقدين - فالإخفاء فيها أفضل. وعبارة الروض وشرحه: ويستحب للمالك إظهار إخراج الزكاة - كالصلاة المفروضة - وليراه غيره فيعمل عمله، ولئلا يساء الظن به. وخصه الماوردي بالأموال الظاهرة، قال: أما الباطنة فالإخفاء فيها أولى لآية * (إن تبدوا الصدقات) * وأما الإمام، فالإظهار له أفضل، مطلقا. اه. (قوله: وإعطاؤها برمضان الخ) أي لخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم -: كان أجود ما يكون في رمضان، ولخبر أبي داود: أي الصدقة أفضل؟ قال: في رمضان. ولأنه أفضل الشهور، ولأن الناس فيه مشغولون بالطاعات، ولا يتفرغون لمكاسبهم، فتكون الحاجة فيه أشد. (وقوله: لا سيما في عشره الأواخر) أي خصوصا الصدقة في عشره الأخير فإنها فيه آكد من أوله أو وسطه، لأن فيه ليلة القدر، فهو أفضل مما عداه. (قوله: ويتأكد) أي إعطاء الصدقة. (وقوله: أيضا) أي كتأكده في رمضان. (وقوله: في سائر الأزمنة والأمكنة الفاضلة) قال ابن حجر: وليس المراد أن من أراد التصدق في المفضول يسن تأخيره إلى الفاضل، بل أنه إذا كان في الفاضل تتأكد له الصدقة وكثرتها فيه اغتناما لعظيم ثوابه. اه. وتتأكد أيضا عند المهمات من الأمور - كغزو وحج - لأنها أرجى لقضائها، ولآية * (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * (1) وعند المرض، والكسوف والسفر. (قوله: كعشر ذي الحجة إلخ) تمثيل للأزمنة الفاضلة. (وقوله: وكمكة والمدينة) تمثيل للأمكنة الفاضلة. (وإعطاؤها لقريب الخ) أي لأنه أولى به من غيره، والثواب في الصدقة عليه أعظم وأكثر. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الصدقة على الأقارب صدقة وصلة. وقال عليه الصلاة والسلام: المتعدي في الصدقة كمانعها. ومن التعدي أن تعطي صدقاتك للأجانب والأباعد وأنت تعلم أن أقاربك وجيرانك أحوج إليها. وأخرج الطبراني: يا أمة محمد والذي بعثني بالحق، لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون إلى صلته ويصرفها إلى غيرهم. والذي نفسي بيده، لا ينظر الله إليه يوم القيامة. وهو أيضا: ما من ذي رحم يأتي ذا رحمة فيسأله فضلا أعطاه الله إياه فيبخل عليه، إلا أخرج الله له من جهنم حية يقال لها شجاع يتلمظ فيطوق به. والتلمظ: تطعم ما يبقى في الفم من آثار الطعام. وفي الصحيحين: أن امرأتين أتتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالتا لبلال: سل لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هل يجزئ أن نتصدق على أزواجنا ويتامى في حجورنا؟ فقال: نعم، لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة. (قوله: لا تلزمه نفقته أولى) صنيعه يقتضي أن جملة لا تلزمه نفقته صفة لقريب، وأن لفظ أولى خبر إعطاؤها، وفيه شيآن: الأول أن المصرح به في التحفة والنهاية وغيرهما عدم تقييد القريب بعدم لزوم نفقته، الثاني: أنه يصير قوله الآتي أفضل ضائعا. فلعل في العبارة تحريفا من النساخ، وأن الأصل تلزمه نفقته أو لا، أي أو لا تلزمه ويكون قوله الآتي أفضل خبرا عن وإعطاؤها. ثم وجدته في بعض نسخ الخط الصحيحة، فهو المتعين. فتنبه. (قوله: ثم الزوج أو الزوجة) أي لخبر الصحيحين السابق في الزوج، وتقاس الزوجة به. (قوله: ثم غير المحرم) أي ثم بعد الأقرب فالأقرب من ذي الرحم: المحرم. وبعد الزوج والزوجة: غير المحرم من الاقارب، كأولاد

_ (1) المجادلة: 12

(و) صرفها بعد القريب إلى (جار، أفضل) منه لغيره. فعلم أن القريب البعيد الدار في البلد: أفضل من الجار الاجنبي، (لا) يسن التصدق (بما يحتاجه)، بل يحرم بما يحتاج إليه: لنفقة، ومؤنة. من تلزمه نفقته يومه وليلته، أو لوفاء دينه - ولو مؤجلا، وإن لم يطلب منه - ما لم يغلب على ظنه حصوله من جهة أخرى ظاهرة لان الواجب ـــــــــــــــــــــــــــــ العم والخال. (قوله: والرحم) بالرفع مبتدأ، خبره سواء. (قوله: ثم محرم الرضاع الخ) أي ثم بعد غير المحرم من أقارب النسب، المحرم من الرضاع، ثم من المصاهرة. (قوله: أفضل) خبر قوله وإعطاؤها لقريب، على ما مر. (قوله: وصرفها) أي إعطاؤها، ولم يعبر به تفننا في التعبير. (وقوله: إلى جار أفضل) أي لحثه سبحانه وتعالى على الإحسان عليه كحثه على الإحسان للوالدين في آية: * (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) * - إلى أن قال - * (والجار ذي القربى، والجار الجنب) * (2) والمراد من الجار ذي القربى: القريب منك جواره. وقيل: هو من له مع الجوار في الدار قرب في النسب أو الدين. والمراد بالجار الجنب: أن يصدق عليه اسم الجوار مع كون داره بعيدة. وفي الآية دليل على تعميم الجيران بالإحسان إليهم، سواء كانت الديار متقاربة أو متباعدة، وعلى تقديم الجار القريب الدار على الجار البعيد الدار. وفي البخاري: عن عائشة رضي الله عنها، قلت: يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ فقال: إلى أقربهما منك بابا. (قوله: فعلم) أي من قوله: وصرفها بعد القريب. (قوله: أن القريب) أي للمتصدق. (قوله: البعيد الدار) أي الذي داره بعيدة عن دار المتصدق. (وقوله: في البلد) متعلق بمحذوف صفة للبعيد، وهذا قيد لا بد منه، لكنه لم يعلم مما مر. وخرج به ما إذا كان خارج البلد - بحيث يمتنع نقل الزكاة إليه - فالجار حينئذ أفضل منه. وعبارة ابن حجر: ثم الأفضل تقديم الجار، فهو أولى حتى من القريب، لكن بشرط أن تكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه، وإلا قدم على الجار الأجنبي، وإن بعدت داره. اه. (قوله: لا يسن التصدق بما يحتاجه) أصل المتن: لا بما يحتاجه، فهو معطوف على بما تيسر، وجملة وإعطاؤها سرا إلخ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه. وقول الشارح: يسن التصديق - بعد حرف العطف - لبيان متعلق الجار والمجرور. (قوله: بل يحرم إلخ) إضراب انتقالي، وذلك لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول. وإطعام الأنصاري قوت صبيانه لمن نزل به ضيافة لا صدقة. والضيافة لتأكدها ووجوبها عند الإمام أحمد، لا يشترط فيها الفضل عن العيال. (قوله: لنفقة ومؤنة) كلاهما مضاف إلى ما بعده، ولو اقتصر على الثاني لكان ولى، لشموله للنفقة. (وقوله: من تلزمه الخ) أي من نفسه وعياله لكن محل حرمة التصدق بما يحتاجه لنفسه إن لم يصبر على الإضاقة، وإلا فلا حرمة، لأن للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرا آخر مسلما، كما قال تعالى * (ويؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة) * (1) (وقوله: نفقته) المناسب لما قبله أن يزيد بعده ومؤنته. (وقوله: يومه وليلته) أي يوم التصدق وليلته. وهذا بالنسبة لغير الكسوة، أما هي فيعتبر فيها الفضل. (قوله: أو لوفاء دينه) معطوف على لنفقة الخ. أي أو بما يحتاج إليه لوفاء دينه، أي الدين الذي عليه لغيره. وإنما حرم التصدق به لأن أداء الدين واجب لحق آدمي، فلا يجوز تفويته، أو تأخيره بسبب التطوع بالصدقة. (قوله: ما لم يغلب على ظنه حصوله) أي وفاء الدين حالا في الحال، وعند الحلول في المؤجل. فإن غلب على ظنه ذلك جاز التصدق به، بل قد يسن. قال في التحفة: نعم، إن وجب أداؤه فورا لطلب صاحبه أو لعصيانه بسببه، ولم يعلم رضا صاحبه بالتأخير، حرم التصدق قبل وفائه مطلقا - كما تحرم صلاة النفل على من عليه فرض فوري - (وقوله: من جهة أخرى) أي غير المتصدق به. وفي التحفة إسقاط لفظ أخرى، والاقتصار على ظاهرة، وهو أولى. (وقوله: ظاهرة) أي كأن يكون له عقار يؤجر أو له دين على موسر. وخرج به ما إذا كانت الجهة غير ظاهرة - بأن كانت متوهمة، كأن كان مترقبا من أحد أنه يعطيه قدرا يقضى به دينه صدقة - فإنه حينئذ يحرم عليه التصدق بما عنده. (قوله: لأن الواجب الخ) علة لحرمة التصدق بما يحتاج إليه، لما ذكر. أي ولقوله عليه الصلاة والسلام المار: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول. رواه أبو داود بإسناد

_ (1) النساء: 36. (1) الحشر: 9

لا يجوز تركه لسنة، وحيث حرمت الصدقة بشئ لم يملكه المتصدق عليه - على ما أفتى به شيخنا المحقق ابن زياد رحمه الله تعالى. لكن الذي جزم به شيخنا في شرح المنهاج أنه يملكه. والمن بالصدقة حرام محبط للاجر كالاذى. ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح. (وقوله: لسنة) هي الصدقة. (قوله: وحيث حرمت الصدقة بشئ) أي بأن كان يتصدق بما يحتاجه. لما مر. (قوله: لم يملكه) أي الشئ الذي حرم التصدق به. (وقوله: للتصديق عليه) أي الشخص الذي تصدق عليه. (قوله: على ما أفتى به شيخنا المحقق ابن زياد) أي وما ذكر من عدم ملك المتصدق عليه للصدقة، مبني على ما أفتى به شيخنا المحقق ابن زياد. (قوله: لكن الذي جزم به شيخنا إلخ) قال الكردي: وألف في ذلك مؤلفا بسيطا سماه (قرة العين ببيان أن التبرع لا يبطله الدين) قال: وألف ابن زياد اليمني في الرد عليه أربع مصنفات. اه. (وقوله: في شرح المنهاج) عبارته: ومع حرمة التصدق يملكه الآخذ خلافا لكثيرين اغتروا بكلام لابن الرفعة وغيره، وغفلوا عن كلام الشافعي والأصحاب. اه. والتقييد بقوله في شرح المنهاج لإخراج غيره من بقية مؤلفاته فإنه جرى فيها على ما جرى عليه ابن زياد، وحيث اختلف كلامه في كتبه فالمعتمد ما في شرح المنهاج. (وقوله: أنه يملكه) أي أن المتصدق عليه يملكه المتصدق به. (قوله: والمن بالصدقة) وهو تعداد النعم على المنعم عليه. وقال الكردي فيه - أي المن - أقوال يظهرها أن يذكرها ويتحدث بها أن يستخدمه بالعطاء، أي يتكبر عليه لأجل عطائه، واختار في الإحياء بعد حكاية هذه الأقوال: أن حقيقة المن أن يرى نفسه محسنا إليه ومنعما عليه. وثمرته التحدث بما أعطاه، وإظهاره، وطلب المكافأة منه بالشكر، والدعاء، والخدمة، والتوقير، والتعظيم، والقيام بالحقوق، والتقديم في المجلس، والمتابعة في الأمور. اه. (قوله: حرام) لقوله تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * (1) ولخبر مسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم. قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب. وما أحسن قول بعضهم: وصاحب سلفت منه إلي يد * * أبطا عليه مكافأتي فعاداني لما تيقن أن الدهر حاولني * * أبدى الندامة مما كان أولاني أفسدت بالمن ما قدمت من حسن * * ليس الكريم إذا أعطى بمنان وقال سيدنا الحبيب عبد الله بن علوي الحداد في نصائحه الدينية: وإياك والمن بالصدقة على الفقراء، فقد ورد فيه وعيد شديد، ولا تطلب ممن تتصدق عليه مكافأة على الصدقة بنفع منه لك أو خدمة أو تعظيم، فإن طلبت شيئا من ذلك على صدقتك كان حظك ونصيبك منها. وقد كان السلف الصالح يكافئون الفقير على دعائه لهم عند التصدق عليه بمثل دعائه مخافة نقصان الثواب. (ويروى) أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت إذا تصدقت على أحد أرسلت على أثره رسولا يتبعه إلى مسكنه ليتعرف، هل يدعو لها؟ فتدعو له بمثل دعائه لئلا يكون دعاؤه في مقابلة الصدقة فينقص أجرها. وذلك غاية الاحتياط. وكذلك لا تطلب من الفقير شكرا ولا مدح، ولا تذكر للناس الذي أعطيته فينقص بذلك أجرك أو يذهب رأسا، ولا تترك الصدقة مخافة الفقر أو نقصان المال، فقد قال عليه السلام: ما نقص مال من صدقة والتصدق هو الذي يجلب الغنى والسعة، ويدفع القلة والعيلة، وترك التصدق على الضد من ذلك، يجلب الفقر ويذهب الغنى. قال الله تعالى: * (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) * (2) وقال عليه الصلاة والسلام - في فضل التصدق والإنفاق - عن الله تعالى: ابن آدم أنفق أنفق عليك. وقال عليه السلام: ما طلعت الشمس إلا وعلى جنبيها ملكان، يقول

_ (1) البقرة: 264. (2) سبأ: 39

(فائدة) قال في المجموع: يكره الاخذ ممن بيده حلال وحرام - كالسلطان الجائز. وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها، ولا يحرم إلا إن تيقن أن هذا من الحرام. وقول الغزالي: يحرم الاخذ ممن أكثر ماله حرام وكذا معاملته: شاذ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا. قلت: ودعاء الملائكة مستجاب، ومن أمسك فلم يتلف ماله التلف الظاهر فهو تالف بالحقيقة، لقلة انتفاعه به في آخرته ودنياه، وذلك أعظم من التلف الذي هو ذهاب المال. (واعلم) أن التصدق بالقليل من المقل أفضل عند الله من التصدق بالكثير من المكثر، قال عليه الصلاة والسلام: سبق درهم ألف درهم. قيل له: وكيف ذلك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: رجل لا يملك إلا درهمين تصدق بأحدهما، ورجل تصدق من عرض ماله بألف درهم، فسبق الدرهم الألف. أو كما قال عليه السلام. فصار الدرهم الواحد من المقل أفضل من الألف من المكثر - وهو صاحب المال الكثير - اه. بزيادة. (قوله: محبط للأجر) أي مسقط لثواب الصدقة. (قوله: كالأذى) أي من المتصدق للمتصدق عليه - كأن ينهره أو يشتمه - فهو حرام محبط للأجر، للآية المارة. (قوله: قال في المجموع إلخ) مثله في التحفة والنهاية. (قوله: يكره الأخذ) أي أخذ الصدقة. ومثله المعاملة ببيع أو شراء. (قوله: كالسلطان الجائر) أي الظالم. ومثله من أكثر ماله من الربا. (قوله: وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها) أي فان كانت الشبهة في ماله أكثر من عدمها - بأن كان أكثر أمواله من الحرام - كانت الكراهة أشد، وإلا فهي كراهة غير شديدة. (قوله: ولا يحرم) أي الآخذ وقوله إلا إن الخ. أي فإنه يحرم وقوله أن هذا أي المأخوذ وقوله من الحرام أي الذي يمكن معرفة أصحابه وفي التحفة: ويجوز الأخذ من الحرام بقصد رده على مالكه، إلا إن كان مفتيا أو حاكما أو شاهدا فيلزمه التصريح بأنه إنما يأخذه للرد على مالكه، لئلا يسوء اعتقاد الناس في صدقة ودينه فيردون فتياه وحكمه وشهادته. اه. (قوله: وقول الغزالي) مبتدأ خبره شاذ. (وقوله: يحرم الخ) مقول القول. قال في التحفة بعده: على أنه - أي الغزالي في بسيطه - جرى على المذهب، فجعل الورع اجتناب معاملة من أكثر ماله ربا. قال: وإنما لم يحرم - وإن غلب على الظن أنه ربا - لأن الأصل المعتمد في الأملاك اليد، ولم يثبت لنا فيه أصل آخر يعارضه، فاستصحب ولم يبال بغلبة الظن. اه. (خاتمة) نسأل الله حسن الختام. تحل الصدقة لغني بمال أو كسب، ولو لذي قربى، غير النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولكن يستحب له التنزه عنها، ويكره له التعرض لأخذها ويحرم عليه أخذها إن أظهر الفاقة، كأن يقول ليس عندي شئ. وعليه حملوا خبر الذي مات من أهل الصفة وترك دينارين، فقال - صلى الله عليه وسلم - كيتان من نار. وروى أبو داود: من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار. وينبغي للفقير أن يتنزه عن سؤال الناس، لما رواه الحاكم: من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل له الجنة. وروى الإمام أحمد: من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى، إما بموت آجل أو غنى عاجل. وروي أيضا عن أبي ذر: لا تسأل الناس شيئا ولا سوطك وإن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه. وروى البيهقي: ليستغن أحدكم عن الناس بقضيب سواك. وما أحسن قول بعضهم: لا تسألن بني آدم حاجة * * وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله * * وبني آدم حين يسئل يغضب (وقال بعضهم): لا تحملن من الانام * * عليك إحسانا ومنه واختر لنفسك حظها * * واصبر فإن الصبر جنه منن الرجال على القلوب * * أشد من وقع الأسنه اللهم اجعلنا من المعتمدين عليك، المتوجهين إليك، المسحنين إلى الإخوان، الفائزين بالجنان. آمين. والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب الصوم

باب الصوم وهو لغة: الامساك. وشرعا: إمساك عن مفطر بشروطه الآتية. وفرض في شعبان، في السنة الثانية من الهجرة. وهو من خصائصنا، ومن المعلوم من الدين بالضرورة (يجب صوم) شهر (رمضان) إجماعا، بكمال ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الصوم شروع في الركن الرابع من أركان الإسلام. (قوله: هو لغة الإمساك) أي عن المفطر، أو عن الكلام، أو غيرهما. ومنه قوله تعالى - حكاية عن مريم - * (إني نذرت للرحمن صوما) * (2) أي إمساكا وسكوتا عن الكلام. وقول العرب: فرس صائم: أي واقف، ممسك عن المشي. قال النابغة الذبياني: خيل صيام، وخيل غير صائمة * * تحت العجاج، وأخرى تعلك اللجما أي خيل ممسكة عن السير والكر والفر. وخيل غير صائمة، أي غير ممسكة عن ذلك، بل سائرة. ومعنى تعلك اللجما: أي تمضغها، متهيئة للسير والكر والفر. (قوله: وشرعا) مقابل قوله لغة. (قوله: إمساك عن مفطر) أي جنسه، كوصول العين جوفه، والجماع. ومعنى الإمساك عنه: تركه، والكف عنه. (وقوله: بشروطه الآتية) أنظر ما المراد بها؟ فإن كان مراده بها ما ذكره بقوله على كل مكلف مطيق له: فيرد عليه أنها في خصوص من يجب عليه صوم رمضان، والتعريف لمطلق صوم. وإن كان مراده بها النية: فيرد عليه أنها فرض، كما قال: وفرضه نية. وأيضا: لو سلم أن المراد بالفرض ما لا بد منه، فيشمل الشرط، فهي شرط واحد، لا شروط. فالأولى والأخصر أن يقول - كغيره - وشرعا: إمساك عن مفطر على وجه مخصوص، لأن ما ذكر هو حقيقة الصوم، والتعاريف تبين الحقائق، ويدخل تحت على وجه مخصوص: النية - التي هي الركن الثالث - وسائر الشروط والأركان. (قوله: وفرض) أي الصوم. (قوله: في شعبان) قال ع ش: لم يبين - كابن حجر - هل كان ذلك في أوله أو آخره أو وسطه فراجعه. اه. (قوله: في السنة الثانية من الهجرة) أي فيكون - صلى الله عليه وسلم - صام تسع رمضانات، لأن مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، والتسع كلها نواقص إلا سنة فكاملة - على المعتمد -. والناقص: كالكامل في الثواب المرتب على رمضان، من غير نظر لأيامه. أما ما يترتب على يوم الثلاثين من ثواب واجبه ومندوبه عند سحوره وفطوره، فهو زيادة يفوق الكامل بها الناقص. (قوله: وهو) أي الصوم المفروض الذي هو صوم رمضان. (قوله: من خصائصنا) وعليه فيحمل التشبيه في قوله تعالى: * (كما كتب على الذين من قبلكم) * (3) على مطلق الصوم، دون قدره وزمنه. وقيل أنه ليس من الخصوصيات، بحمل التشبيه على حقيقته، لأنه قيل: ما من أمة إلا وقد فرض عليهم رمضان، إلا أنهم ضلوا عنه. قال الحسن: كان صوم رمضان واجبا على اليهود، ولكنهم تركوه وصاموا بدله يوما من السنة، وهو يوم عاشوراء، زعموا أنه يوم أغرق الله تعالى فيه فرعون، وكذبوا في ذلك الصادق

_ (1) وقذد ثبت فرضيته بالكتاب والسنة وعليه اجماع الامة، لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) سورة البقرة الآية: 183، وقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة الاية: 185 وفئ السنة أحاديث كثيرة منها: حديث " بني الإسلام على خمسى " ومنها: " سوم رمضان (متفق عليه. (2) مريم: 26. (3) البقرة: 183

شعبان ثلاثين يوما، أو رؤية عدل واحد، ولو مستورا هلاله بعد الغروب، إذا شهد بها عند القاضي، ولو مع إطباق غيم، بلفظ: أشهد أني رأيت الهلال، أو أنه هل. ولا يكفي: قوله: أشهد أن غدا من رمضان. ولا يقبل ـــــــــــــــــــــــــــــ المصدوق نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم -. وواجبا على النصارى أيضا لكنهم بعد أن صاموه زمنا طويلا صادفوا فيه الحر الشديد، وكان يشق عليهم في أسفارهم ومعايشهم، فاجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم أن يجعلوه في فصل الربيع لعدم تغيره، وزادوا فيه عشرة أيام كفارة لما صنعوا، فصار أربعين. ثم إن ملكا مرض فجعل لله تعالى - أن هو برئ - أن يصوم أسبوعا، فبرئ، فزاده أسبوعا، ثم جاء بعد ذلك ملك، فقال: ما هذه الثلاثة؟ فأتم خمسين - أي أنه زاد الثلاثة باجتهاد منه - وهذا معنى قوله تعالى * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) * (1) والمعتمد الأول، وهو أنه لم يجب خصوص رمضان إلا على هذه الأمة، وأما الواجب على الأمم السابقة فصوم آخر. (قوله: ومن المعلوم من الدين بالضرورة) أي وهو من المعلوم من أدلة الدين علما يشبه الضروري، فيكفر جاحد وجوبه. (قوله: يجب صوم شهر رمضان) الأصل في وجوبه قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. أياما معدودات) * (2) والأيام المعدودات أيام شهر رمضان، وجمعها جمع قلة ليهونها، وقوله تعالى * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * (3). (قوله: بكمال شعبان ثلاثين) متعلق بيجب أي يجب باستكمال شعبان ثلاثين يوما إن لم ير هلال رمضان، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما. وفي التحفة: قال الدارمي: ومن رأى هلال شعبان ولم يثبت. ثبت رمضان باستكماله ثلاثين من رؤيته، لكن بالنسبة لنفسه فقط. اه. (قوله: أو رؤية عدل واحد) معطوف على كمال. أي ويجب صوم رمضان برؤية عدل واحد الهلال، لأن ابن عمر رضي الله عنهما رآه، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصام وأمر الناس بصيامه. رواه أبو داود وصححه ابن حبان. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت هلال رمضان. فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم. قال: تشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا. صححه ابن حبان والحاكم. والمعنى في ثبوته بالواحد: الاحتياط للصوم، ولأن الصوم عبادة بدنية، فيكفي في الإخبار بدخول وقتها واحد، والمراد بالعدل عدل الشهادة لا الرواية، فلا يكفي عبد وامرأة وفاسق، لكن لا يشترط فيه العدالة الباطنة، وهي التي التي يرجع فيها إلى قول المزكين، بل يكفي كونه مستور - كما سيذكره - وهو من ظاهره التقوى ولم يعدل. قال في التحفة: ومحل ثبوته بعدل إنما هو في الصوم وتوابعه كالتراويح والاعتكاف دون نحو طلاق علق به. نعم، إن تعلق بالرائي عومل به، وكذا إن تأخر التعليق عن ثبوته بعدل. اه. وفي مغني الخطيب ما نصه: (فرع) لو شهد برؤية الهلال واحد أو اثنان واقتضى الحساب عدم إمكان رؤيته. قال السبكي: لا تقبل هذه الشهادة، لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية، والظن لا يعارض القطع. وأطال في بيان رد هذه الشهادة، والمعتمد قبولها، إذ لا عبرة بقول الحساب. اه. وفصل في التحفة فقال: الذي يتجه أن الحساب إن اتفق أهله على أن مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر، ردت الشهادة، وإلا فلا. اه. (قوله: ولو مستورا) أي ولو كان ذلك العدل مستورا، وهو الذي لم يعرف له مفسق ولم يزك، ويسمى هذا عدلا ظاهرا، ولا ينافي هذا ما مر من أنه يشترط فيه أن يكون عدل شهادة، لا رواية، لأنهم سامحوا في ذلك، كما سامحوا في العدد احتياطا. (قوله: هلاله) مفعول رؤية. (وقوله: بعد الغروب) متعلق برؤية. أي يشترط أن تكون الرؤية بعد الغروب، فلا أثر لرؤيته نهارا. فلو رؤي يوم الثلاثين من شعبان لا نمسك، ولو رؤي يوم الثلاثين من رمضان لا نفطر. (قوله: إذا شهد بها الخ) هذا شرط بالنسبة لثبوته عموما، وأما بالنسبة لنفسه أو لمن صدقه فلا يشترط فيه ذلك كما هو ظاهر. ولو قال - كما في المنهج وشرحه - أو رؤية الهلال في حق من رآه وإن كان فاسقا، أو ثبوتها في حق من لم يره بعدل شهادة. لكان أولى وأخصر. (وقوله: عند القاضي) أي أو نائبه. (قوله: ولو مع إطباق غيم) المناسب جعله غاية لمقدر. أي يثبت الهلال بشهادة عدل عند القاضي برؤيته، ولو كانت السماء مطبقة بالغيم والمراد إطباق لا يحيل الرؤية عادة، وإلا فلا يثبت بها.

_ (1) التوبة: 31. (2) البقرة: 183 - 184. (3) البقرة: 185

على شهادته إلا بشهادة عدلين، وبثبوت رؤية هلال رمضان عند القاضي بشهادة عدل بين يديه - كما مر - ومع قوله ثبت عندي: يجب الصوم على جميع أهل البلد المرئي فيه، وكالثبوت عند القاضي: الخبر المتواتر برؤيته، ولو من كفار، لافادته العلم الضروري، وظن دخوله بالامارة الظاهرة التي لا تتخلف عادة: - كرؤية القناديل المعلقة بالمنائر - ويلزم الفاسق والعبد والانثى: العمل برؤية نفسه، وكذا من اعتقد صدق نحو فاسق ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: بلفظ أشهد الخ) متعلق بمحذوف. أي والشهادة المجزئة تكون بلفظ أشهد أني رأيت الهلال. خلافا لابن أبي الدم فإنه قال: لا يكفي ذلك لأنها شهادة على فعل نفسه وهي لا تصح، فلا بد عنده من أن يقول أشهد أن غدا من رمضان، أو أن الشهر هل. (قوله: ولا يكفي قوله أشهد أن غدا من رمضان) أي عند غير ابن أبي الدم - كما علمت - وذلك لأنه قد يعتقد دخوله بسبب لا يوافقه عليه المشهود عنده، كأن يكون أخذه من حساب منازل القمر، أو يكون حنفيا يرى إيجاب الصوم ليلة الغيم، أو غير ذلك. (قوله: ولا يقبل على شهادته) أي العدل الرائي. أي إذا أريد أداء الشهادة عنه عند القاضي، فلا بد من عدلين يشهدان بأن فلانا يشهد أنه رأى الهلال. وعبارة الروض وشرحه. ولو شهد اثنان على شهادته - أي العدل - صح، بخلاف ما إذا شهد عليها واحد. لما مر أن ذلك من باب الشهادة، لا من باب الرواية. اه. وفي مغني الخطيب ما نصه: وهل يثبت بالشهادة على الشهادة؟ طريقان، أصحهما القطع بثبوته - كالزكاة -. وقيل: لا، كالحدود. اه. (قوله: بثبوت رؤية هلال رمضان الخ) الجار والمجرور متعلق بقوله بعد يجب الصوم، وكذا قوله ومع قوله إلخ، لأنه معطوف على ثبوت. والمعنى أنه يجب الصوم على جميع أهل البلد بثبوت الرؤية عند القاضي، مع قول القاضي: ثبت عندي الهلال. (قوله: كما مر) متعلق بمحذوف حال من شهادة، أي حال كون الشهادة باللفظ المار، وهو: أشهد أني رأيت الهلال. ولو قال بما مر - بالباء بدل الكاف - لكان أولى، وعليه، يكون الجار والمجرور متعلقا بشهادة. (قوله: ومع قوله ثبت عندي) معطوف على بثبوت، ولو حذف الواو لكان أولى. أي وبثبوت هلال رمضان المصاحب لقول القاضي ثبت عندي، فإن لم يقل ذلك القاضي لا يجب الصوم. وعبارة التحفة: ولا بد من نحو قوله: ثبت عندي، أو حكمت بشهادته. اه. وكتب سم عليه: هذا قد يدل على أن مجرد الشهادة بين يدي القاضي لا يوجب الصوم على من علم بها. نعم، إن اعتقد صدق الشاهد. وجب عليه. اه. (قوله: يجب الصوم على جميع أهل البلد) أي ولو بالنسبة لمن لم يصدق برؤية العدل المذكور. (وقوله: المرئي فيه) أي البلد الذي رؤي الهلال فيه. (قوله: وكالثبوت عند القاضي: الخبر المتواتر الخ) عبارة التحفة: وكهذين - أي إكمال عدة شعبان، والرؤية - الخبر المتواتر برؤيته، ولو من كفار، لإفادته العلم الضروري، وظن دخوله بالاجتهاد - كما يأتي - أو بالأمارة الظاهرة الدالة التي لا تتخلف عادة - كرؤية القناديل المعلقة بالمنائر - ومخالفة جمع في هذه غير صحيحة، لأنها أقوى من الاجتهاد المصرح فيه بوجوب العمل به، لا قول منجم - وهو من يعتمد النجم - وحاسب - وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره - ولا يجوز لأحد تقليدهما. نعم، لهما العمل بعلمها، ولكن لا يجزئهما عن رمضان - كما صححه في المجموع وإن أطال جمع في رده - ولا برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم قائلا غدا من رمضان، لبعد ضبط الرائي، لا للشك في الرؤية. اه. (وقوله: ولكن لا يجزئهما) الذي جرى عليه الشهاب الرملي وولده والطبلاوي الكبير: وجوب العمل بذلك، مع الإجزاء، وكذلك من أخبراه وغلب على ظنه صدقهما. اه. كر دي (قوله: وظن دخوله إلخ) هو بالرفع معطوف على الخبر المتواتر، أي وكالثبوت: ظن دخول رمضان بالأمارة الظاهرة. وعبارة النهاية: ويضاف إلى الرؤية - كما قال الأذرعي - وإكمال العدد: ظن دخوله بالاجتهاد عند الاشتباه على أهل ناحية حديث عهدهم بالإسلام أو أسارى. وهل الأمارة الظاهرة الدالة في حكم الرؤية مثل أن يرى أهل القرية القريبة من البلد القناديل قد علقت ليلة الثلاثين من شعبان بمنائر المصر كما هو العادة؟ الظاهر: نعم، وإن اقتضى كلامهم المنع. اه. (قوله: كرؤية القناديل الخ) تمثيل للأمارة الظاهرة. (قوله: ويلزم الفاسق الخ) هذا كالتقييد لاشتراط كون الرائي عدلا المستفاد من قوله أو برؤية عدل، فكأنه قال: ومحل اشتراط العدالة - أي عدالة الشهادة، لا الرواية، كما علمت - في حق غير الرائي، أما هو: فيجب عليه الصوم،

ومراهق في أخباره برؤية نفسه، أو ثبوتها في بلد متحد مطلعه: - سواء أول رمضان وآخره على الاصح - والمعتمد: أن له - بل عليه - اعتماد العلامات بدخول شوال، إذا حصل له اعتقاد جازم بصدقها - كما أفتى به شيخانا: ابن زياد وحجر، كجمع محققين - وإذا صاموا - ولو برؤية عدل - أفطروا بعد ثلاثين، وإن لم يروا الهلال ولم يكن غيم، لكمال العدة بحجة شرعية. ولو صام بقول من يثق، ثم لم ير الهلال بعد ثلاثين مع الصحو: لم يجز له الفطر، ولو رجع الشاهد بعد شروعهم في الصوم: لم يجز لهم الفطر. وإذا ثبت رؤيته ببلد ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن لم يكن عدل شهادة - كأن كان فاسقا أو امرأة أو عبدا - وفي حق غير من أخبره وصدقه، أما هو: فيجب عليه الصوم، ويعمل بقوله، لأنه صدقه في ذلك. (قوله: العمل برؤية نفسه) أي فيجب عليه الصوم. (قوله: وكذا من اعتقد الخ) أي وكذلك يلزم من اعتقد صدق من ذكر العمل بإخباره. (وقوله: صدق نحو فاسق) المقام للإضمار، فلو عبر به وقال: وكذا من اعتقد صدقه، لكان أولى. ودخل تحت نحو العبد والأنثى. قال سم: هل يدخل في الفاسق الكافر حتى لو أخبر من اعتقد صدقه لزمه؟ يحتمل أنه كذلك. اه. (قوله: في إخباره) متعلق بصدق، وضميره يعود على نحو فاسق. (قوله: وثبوتها) بالجر معطوف على رؤية نفسه: أي وكذلك يلزم من اعتقد صدق نحو فاسق في إخباره بثبوت الرؤية في بلد متحد مطلعه: العمل بإخباره - لما سيذكره قريبا من أنه إذا ثبت رؤية هلال رمضان في بلد، لزم حكمه البلد القريب منه. (وقوله: متحد مطلعه) أي موافق مطلعه لمطلع غير محل الرؤية، بأن يكون غروب الشمس والكواكب وطلوعها في البلدين في وقت واحد - كما سيأتي. (قوله: سواء أول رمضان وآخره) تعميم فيما قبل، وكذا وفيما بعده، وإن كان ظاهر صنيعه يقتضي رجوعه للثاني فقط. أي يلزم الفاسق وما بعده العمل برؤية نفسه - سواء كانت الرؤية لهلال رمضان، أو لهلال شوال - ويلزم أيضا من صدق من ذكر في إخباره برؤية نفسه أو بثبوتها في بلد متحد المطلع العمل بما ذكر - سواء كان بالنسبة لهلال رمضان، أو لهلال شوال - فإذا رأى الفاسق هلال شوال يجب عليه العمل برؤيته، ومثله من صدقه في ذلك. قال في فتح الجواد: إذ المدار على حصول الاعتقاد الجازم، فمتى حصل أوله أو آخره بقول عدل أو غيره - ومما ذكر ونحوه - جاز العمل بقضيته، بل وجب. اه. وقال الكردي: وفي النهاية إخبار العدل الموجب للاعتقاد الجازم بدخول شوال يوجب الفطر. قال سم في شرح مختصر أبي شجاع: وأما قولهم لا يثبت شوال إلا بشهادة عدلين، وأنه من باب الشهادة لا الرؤية: فهو في ثبوته على العموم. اه. (قوله: على الأصح) راجع للتعميم، ومقابله أنه ليس آخر رمضان كأوله في ذلك. (قوله: والمعتمد أن له) أي للشخص. (وقوله: بل عليه) أي يجب عليه. (قوله: اعتماد العلامات بدخول شوال) أي كالقناديل ورمي المدافع، فيجب عليه الفطر. (قوله: إذا حصل له) أي للرائي للعلامات. (وقوله: اعتقاد جازم بصدقها) أي العلامات. فإن لم يحصل له ذلك لا يجوز له العمل بها. فالمدار على حصول الاعتقاد الجازم وعدمه. (قوله: وإذا صاموا) أي أهل البلد. (قوله: ولو برؤية عدل) غاية لثبوت صيامهم. أي ولو ثبت صيامهم برؤية عدل واحد - أو عدلين - أو بغير الرؤية، كأن كان باستكمال شعبان ثلاثين يوما. (قوله: أفطروا بعد ثلاثين) (فإن قيل): يؤدي هذا إلى ثبوت شوال بقول واحد فيما إذا صمنا بعدل، وهو لا يصح. (أجيب) بأن الشئ قد يثبت ضمنا بطريق لا يثبت فيها مقصودا، كالنسب والإرث - لا يثبتان بالنساء، ويثبتان ضمنا للولادة الثابتة بهن. (قوله: وإن لم يروا الهلال) أي بعد الثلاثين. (قوله: ولم يكن غيم) أي وإن لم يكن هناك غيم، بأن كانت السماء مصحية. وعبارة المنهاج: وإن كانت السماء مصحية. وكتب المحلى أشار بهذا إلى أن الخلاف في حالتي الصحو والغيم، وأن بعضهم قال بالإفطار في حالة الغيم، دون الصحو. اه. (قوله: لكمال العدة) أي عدة رمضان، وهي ثلاثون يوما. (قوله: بحجة شرعية) وهي شهادة العدل ونحوها مما يثبت به رمضان. (قوله: ولو صام بقول من يثق) أي به أي من اعتقد صدقه. (وقوله: ثم لم ير) بالبناء للمجهول، والهلال نائب فاعله. (قوله: مع الصحو) أطلق في التحفة عدم الإفطار ولم يقيده بالصحو، وقيده به في فتح الجواد، ومقتضى التقييد به أنه يفطر الحادي والثلاثين - إن كان غيم. وفي سم - بعد كلام - ما نصه: فقد بان لك - فيما لو صام بقول غير عدل يثق به ولم ير الهلال بعد الثلاثين - أن الشارح استظهر في شرح الإرشاد الكبير

لزم حكمه البلد القريب - دون البعيد - ويثبت البعد باختلاف المطالع - على الاصح - والمراد باختلافها: أن يتباعد المحلان - بحيث لو رؤي في أحدهما: لم ير في الآخر غالبا، قاله في الانوار. وقال التاج التبريزي - وأقره ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوب الصوم مع الصحو، وترجى أن يكون أقرب مع الغيم، وجزم في الصغير بوجوبه مع الصحو، وسكت عن الغيم. واستوجه في شرح المنهاج وجوب الصوم، وأطلق، فلم يقيد، لا بصحو ولا بغيم، واستوجه في شرح العباب وجوب الفطر مطلقا. اه. (قوله: لم يجز له الفطر) أي لأنا إنما صومناه احتياطا، فلا نفطره احتياطا. وفارق العدل بأنه حجة شرعية فلزم العمل بآثارها، بخلاف اعتقاد الصدق. وعدم جواز الفطر هو ما جرى عليه ابن حجر، وجرى الرملي على خلافه، وهو أنه يفطر، وعبارته: ولو صام شخص بقول من يثق به ثلاثين ولم ير الهلال، فإنه يفطر في أوجه احتمالين. اه. (قوله: ولو رجع الشاهد) أي العدل. وعبارة التحفة: ولا يقبل رجوع العدل بعد الشروع في الصوم. (قوله: بعد شروعهم) أي أهل البلد. (قوله: لم يجز لهم الفطر) قال في النهاية: أي لأن الشروع فيه بمنزلة الحكم بالشهادة. اه. وكتب ع ش: يؤخذ من العلة أنه لو حكم بشهادته وجب الصوم، وإن لم يشرعوا فيه. وعبارة سم على منهج: (فرع) لو رجع العدل عن الشهادة - فإن كان بعد الحكم لم يؤثر، وكذا قبله وبعد الشروع، فإن كان قبل الحكم والشروع جميعا امتنع العمل بشهادته م ر. وإن كان رجوعه قبل الحكم وبعد الشروع ثم لم ير الهلال بعد ثلاثين والسماء مصحية، فهل نفطر؟ ظاهر كلامهم أنا نفطر، لأنهم جوزوا الاعتماد عليه، وجرى على ذلك م ر، وخالف شيخنا في إتحافه فمنع الفطر، لأنا إنما عولنا عليه مع رجوعه احتياطا، والاحتياط عدم الفطر، حيث لم ير الهلال - كما ذكره. اه. والقلب إلى ما قاله في الإتحاف أميل. اه. (قوله: وإذا ثبت رؤيته) أي الهلال، بعدل أو عدلين، ويؤخذ من التعبير بالثبوت أنه إذا أشيعت رؤيته في بلد ولم تثبت لا تثبت في البلدة القريبة إلا لمن صدقه - كما في التحفة - وعبارتها: (تنبيه) قضية قوله لزم إلخ أنه بمجرد رؤيته ببلد يلزم كل بلد قريبة منه الصوم أو الفطر، لكن من الواضح أنه لو لم يثبت بالبلد الذي أشيعت رؤيته فيها لا يثبت في القريبة منه، إلا بالنسبة لمن صدق المخبر، وأنه إن ثبت فيها ثبت في القريبة، لكن لا بد من طريق يعلم بها أهل البلد القريبة ذلك، فإن كان ثبت بنحو حكم فلا بد من اثنين يشهدان عند حاكم القريبة بالحكم، ولا يكفي واحد، وإن كان المحكوم به يكفي فيه الواحد، لأن المقصود إثباته الحكم بالصوم، لا الصوم، أو بنحو استفاضة فلا بد من اثنين أيضا لذلك. فإن لم يكن بالبلد من يسمع الشهادة أو امتنع لم يثبت عندهم إلا بالنسبة لمن صدق المخبر بأن أهل تلك البلد ثبت عندهم ذلك. اه. (قوله: لزم حكمه) الضمير يعود على ثبوت المفهوم من ثبت. أي لزم حكم ثبوت الرؤية في بلد البلد القريب إلخ، ويصح رجوع الضمير للبلد، لكن بتقدير مضاف، أي حكم أهل البلد، أي الحكم الحاصل على أهل البلد بسبب ثبوت الرؤية منها، وذلك الحكم هو الصوم. وقوله: البلد القريب: بالنصب - مفعول لزم. وإنما لزمها ذلك لأن البلدتين صارتا كبلدة واحدة. (قوله: دون البعيد) أي لما رواه مسلم عن كريب قال: رأيت الهلال بالشام، ثم قدمت المدينة، فقال ابن عباس: متى رأيتم الهلال؟ قلت: ليلة الجمعة. قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة. فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا. هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: ويثبت البعد باختلاف المطالع) أي والقرب باتحادها. والمراد به: أن يكون غروب الشمس والكواكب وطلوعها في المحلين في وقت واحد. فإن طلع أو غرب شئ من ذلك في أحد المحلين قبل الآخر أو بعده فهو مختلف. (قوله: على الأصح) مقابله لا يعتبر البعد باختلاف المطالع، بل بمسافة القصر. قال: لأن الشرع أناط بها كثيرا من الأحكام، واعتبار المطالع يحوج إلى تحكيم المنجمين، وقواعد الشرع تأباه. ورد بأن الهلال لا تعلق له بمسافة القصر، ولأن المناظر تختلف باختلاف المطالع والعروض، أي عروض البلاد - أي بعدها - عن خط الاستواء، وتحكيم المنجمين إنما يضر في الأصول، دون التوابع - كما هنا، كذا في التحفة. وفي البجيرمي: قال ابن المقري في تمشيته: واعتبار مسافة القصر يؤدي إلى أن يجب الفطر على من بالبلد، والصوم على من هو خارجها، لوقوعهم في مسافة القصر، إذ هي تحديد، وإلى أن يكون من خرج من البلد لزمه الإمساك، ومن دخلها لزمه الفطر. اه. (قوله: والمراد باختلافها أن يتباعد إلخ) وفي حاشية الكردي ما نصه: معنى اختلاف المطالع أن

غيره -: لا يمكن اختلافها في أقل من أربعة وعشرين فرسخا. ونبه السبكي - وتبعه غيره -: على أنه يلزم من الرؤية في البلد الغربي من غير عكس، إذ الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل. وقضية كلامهم أنه متى رؤي في شرقي: لزم كل غربي - بالنسبة إليه - العمل بتلك الرؤية، وإن اختلفت المطالع. وإنما يجب صوم رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون طلوع الفجر أو الشمس أو الكواكب أو غروبها في محل متقدما على مثله في محل آخر، أو متأخرا عنه، وذلك مسبب عن اختلاف عروض البلاد. أي بعدها عن خط الاستواء وأطوالها. أي بعدها عن ساحل البحر المحيط الغربي، فمتى تساوى طول البلدين لزم من رؤيته في أحدهما رؤيته في الآخر، وإن اختلف عرضهما، أو كان بينهما مسافة شهور. ومتى اختلف طولهما امتنع تساويهما في الرؤية، ولزم من رؤيته في الشرق رؤيته في بلد الغرب، دون العكس، فيلزم من رؤيته في مكة رؤيته في مصر، ولا عكس. قالا في الإمداد والنهاية: ومن ثم لو مات متوارثان وأحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب كل في وقت زوال بلده، ورث الغربي الشرقي، لتأخر زوال بلده. اه. (قوله: غالبا) خرج به ما كان على خلاف الغالب، وهو أنه قد يتباعد المحلان، وتكون الرؤية في أحد البلدين مستلزمة للرؤية في الآخر، كالذي سيذكره من أنه إذا رؤي في البلد الشرقي يرى في الغربي - فلا عبرة به، للاختلاف فيما ذكر. (قوله: التبريزي) بكسر أوله والراء وسكون الموحدة والتحتية وزاي: نسبة إلى تبريز، بلدة بأذربيجان. اه. ع ش. (قوله: لا يمكن اختلافها الخ) قال في التحفة: وكان مستند ما ذكر: الاستقراء. (وقوله: في أقل من أربعة وعشرين فرسخا) قال ع ش - وقدره ثلاثة أيام. لكن يبقى الكلام في مبدأ الثلاثة بأي طريق يفرض حتى لا تختلف المطالع بعده؟. اه. (قوله: على أنه يلزم من الرؤية الخ) أي كما في مكة المشرفة ومصر المحروسة، فإنه يلزم من رؤيته في مكة رؤيته في مصر، لا عكسه. (قوله: من غير عكس) وهو أنه لا يلزم من رؤيته في البلد الغربي رؤيته في البلد الشرقي، وعلى هذا حديث كريب، فإن الشام غربية بالنسبة إلى المدينة، فلا يلزم من رؤيته في الشام رؤيته فيها. (قوله: إذ الليل إلخ) علة الملازمة. (وقوله: قبل) أي قبل دخوله في البلاد الغربية. (قوله: وقضية كلامهم) أي السبكي ومن تبعه، وهو أنه يلزم من رؤيته في الشرقي رؤيته في الغربي. (قوله: أنه) أي الهلال. والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها خبر قضية. (وقوله: في شرقي) أي بلد شرقي. (وقوله: لزم كل غربي) أي كل أهل بلد غربي. (وقوله: بالنسبة إليه) أي إلى الشرقي الذي رؤي الهلال فيه. (وقوله: العمل) فاعل لزم. (قوله: وإن اختلفت المطالع) قال في التحفة بعده: وفيه منافاة لظاهر كلامهم، ويوجه كلامهم بأن اللازم إنما هو الوجود، لا الرؤية، إذ قد يمنع منها مانع، والمدار عليها، لا على الوجود. اه. وقوله: بأن اللازم: أي لرؤيته في البلد الشرقي إنما هو الوجود، أي وجود الهلال. وفي ع ش ما نصه: (فرع) ما حكم تعلم اختلاف المطالع؟ يتجه أن يكون كتعلم أدلة القبلة حتى يكون فرض عين في السفر وفرض كفاية في الحضر، وفاقا لمر سم على منهج، والتعبير بالسفر والحضر جري على الغالب. اه. (تتمة) لو أثبت مخالف الهلال مع اختلاف المطالع لزمنا العمل بمقتضى إثباته. ولو سافر عن محل الرؤية إلى محل يخالفه في المطلع ولم ير أهله الهلال، وافقهم في الصوم آخر الشهر، وإن أتم ثلاثين فيمسك معهم، وإن كان معيدا، لأنه صار منهم. وكذا لو جرت سفينة صائم إلى بلد فوجدهم معيدين فإنه يفطر معهم لذلك، ولا قضاء عليه، إلا إن صام ثمانية وعشرين يوما. وخرج بآخر الشهر ما لو انتقل أول الشهر من محل رأوه فيه إلى محل لم يروه فيه، فلا يفطر معهم ذلك اليوم - كما في التحفة - قال سم: والوجه التسوية بين الأول والآخر. وعليه يلغز ويقال: لنا شخص رأى الهلال ليلا، وأصبح مفطرا بلا عذر. (فائدة) في مسند الدارمي وصحيح ابن حبان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كأن يقول عند رؤية الهلال: الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلام والإسلام، والتوفيق لما تحبه وترضاه. ربنا وربك الله. وفي أبي داود: كان يقول: هلال خير ورشد - مرتين - آمنت بمن خلقك - ثلاث مرات -. ويسن أن يقرأ بعد ذلك سورة تبارك، لأثر فيه، ولأنها المنجية

(على) كل مكلف - أي بالغ - عاقل، (مطيق له) أي للصوم حسا، وشرعا، فلا يجب على صبي، ومجنون، ولا على من لا يطيقه - لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه، ويلزمه مد لكل يوم: ولا على حائض، ونفساء، لانهما لا تطيقان شرعا. (وفرضه) أي الصوم (نية) بالقلب، ولا يشترط التلفظ بها، بل يندب، ولا يجزئ عنها التسحر ـــــــــــــــــــــــــــــ الواقية: قال السبكي: وكأن ذلك لأنها ثلاثون آية بعدد أيام الشهر، ولأن السكينة تنزل عند قراءتها. وكان - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها عند النوم. اه. مغني. (قوله: وإنما يجب صوم رمضان إلخ) تعرض لشرائط الوجوب، ولم يتعرض لشرائط الصحة، مع أن إحداهما لا تغني عن الأخرى، إذ لا يلزم من الصحة الوجوب. ألا ترى أن الصوم يصح من الصبي ولا يجب عليه؟ ويجب على المرتد ولا يصح منه؟ فكان المناسب أن يتعرض لشرائط الصحة أيضا وإن كان بعضها - كالنقاء - يمكن اندراجه تحت الإطاقة بحملها على الحسية والشرعية - كما صرح به الشارح - وهي أربعة: الإسلام بالفعل، والنقاء عن الحيض والنفاس، والعقل في جميع النهار، ووقت قابل للصوم. فمتى ارتد، أو نفست، أو ولدت وإن لم تر دما، أو حاضت، أو جن في لحظة من النهار: بطل الصوم - كالصلاة ولا يضر النوم - وإن استغرق جميع النهار - ولا الإغماء والسكر من غير تعد إن خلا عنهما لحظة من النهار، بخلاف ما إذا لم يخل عنهما لحظة منه، فإن الصوم يبطل بهما، لأنهما في الاستيلاء على العقل فوق النوم ودون الجنون، فإن قلنا إن المستغرق منهما لا يضر كالنوم، لزم إلحاق الأقوى بالأضعف. وإن قلنا إن اللحظة منهما ما تضر كالجنون، لزم إلحاق الأضعف بالأقوى فتوسطنا وقلنا إن الخلو عنهما في لحظة كاف. وخرج بقولنا من غير تعد: ما إذا حصلا له بتعد، فإنه يأثم بهما، ويبطل صومه، ويلزمه القضاء، وإن كانا في لحظة من النهار. (قوله: على كل مكلف) أي مسلم، ولو فيما مضى، فيشمل المرتد، فيجب عليه الصوم، بمعنى انعقاد سببه في حقه، لوجوب القضاء عليه إن عاد للإسلام. (قوله: أي بالغ عاقل) تفسير مراد للمكلف. (قوله: مطيق له) زاد في شرح المنهج شرطين، وهما: الصحة، والإقامة. واعترض الأول بأن قيد الإطالة يغني عنه، لأن المراد الإطاقة حسا أو شرعا، فيخرج بها المريض، إلا أن يقال إن الإطاقة تتحقق مع وجود المشقة، فحينئذ لا يخرج المريض بها، فيحتاج إلى قيد الصحة لإخراجه. (قوله: فلا يجب على صبي) أي وإن صح منه، إذ لا تلازم بين الصحة والوجوب - كما مر - وهذا محترز قوله بالغ: المندرج تحت المكلف. (وقوله: مجنون) محترز قوله عاقل - المندرج أيضا تحت المكلف - ومحل عدم وجوبه على المجنون - كما سيأتي - ما لم يتعد به، بأن أزال عقله بشراب أو غيره عمدا، وإلا وجب عليه ولزمه قضاؤه بعد الإفاقة. (قوله: ولا على من لا يطيقه لكبر أو مرض) محترز الإطاقة الحسية، وما بعده محترز الشرعية. (وقوله: لا يرجى برؤه) هو ساقط من عبارة التحفة، وهو الأولى، لأن المريض مرضا يرجى برؤه لا يجب عليه الصوم حالته، وإن وجب عليه القضاء إذا تمكن - كالحائض والنفساء - إلا أن يقال قيد به لأجل قوله ويلزمه مد لكل يوم، لأن لزومه إنما هو فيما لا يرجى برؤه، أما ما يرجى برؤه فلا يلزمه معه ذلك، وإنما يلزمه الصوم قضاء بعد الصحة. (قوله: ويلزمه) أي من لا يطيقه. (وقوله: مد لكل يوم) أي لقوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * (1) والمراد لا يطيقونه - بتقدير لا النافية - كما سيأتي. (قوله: ولا على حائض ونفساء) أي ولا يجب عليهما. قال في التحفة: ووجوب القضاء عليهما إنما هو بأمر جديد. وقيل وجب عليهما ثم سقط. وعليهما ينويان القضاء، لا الأداء على الأول، خلافا لابن الرفعة، لأنه فعل خارج وقته المقدر له شرعا. ألا ترى أن من استغرق نومه الوقت ينوي القضاء وإن لم يخاطب بالأداء؟ وبما تقرر علم أن من عبر بوجوبه على نحو حائض ومغمى عليه وسكران: مراده وجوب انعقاد سبب ليرتب عليهم القضاء، لا وجوب التكليف، لعدم صلاحيتهم للخطاب. اه. (قوله: لأنهما) أي الحائض والنفساء. (وقوله: لا تطيقان) أي الصوم، فمفعوله محذوف. (وقوله: شرعا) أي لا حسا، لأنهما قد يطيقانه حسا. (قوله: وفرضه نية) أي

_ (1) البقرة: 184

- وإن قصد به التقوي على الصوم - ولا الامتناع من تناول مفطر، خوف الفجر، ما لم يخطر بباله الصوم بالصفات التي يجب التعرض له في النية (لكل يوم): فلو نوى أول ليلة رمضان صوم جميعه: لم يكف لغير اليوم الاول. قال شيخنا: لكن ينبغي ذلك، ليحصل له صوم اليوم الذي نسي النية فيه عند مالك، كما تسن له أول اليوم الذي نسيها فيه، ليحصل له صومه عند أبي حنيفة. وواضح أن محله: إن قلد، وإلا كان متلبسا بعبادة ـــــــــــــــــــــــــــــ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الأعمال بالنيات. وذكر من فروض الصوم فرضا واحدا، وهو ما ذكر، وبقي عليه فرضان، وهما: الإمساك عن مفطر، والصائم، ولا بد في النية من أن يستحضر حقيقة الصوم - التي هي الإمساك عن المفطر - جميع النهار مع كونه عن رمضان مثلا، ثم يقصد إيقاع هذا المستحضر. (قوله: بالقلب) بيان لمحل النية. (قوله: ولا يشترط التلفظ بها) أي بالنية، كسائر نيات العبادات. (قوله: بل يندب) أي التلفظ بها ليساعد اللسان القلب. (قوله: ولا يجزئ عنها) أي النية. (قوله: وإن قصد به) أي التسحر. (قوله: ولا الامتناع الخ) معطوف على التسحر، أي ولا يجزئ عن النية الامتناع من تناول مفطر، خوفا من طلوع الفجر. (قوله: ما لم يخطر بباله الصوم بالصفات الخ) قيد في عدم الإجزاء. أي محله ما لم يخطر بباله الصوم بصفاته، وإلا أجزأ ما ذكر من الصورتين: أعني التسحر والامتناع من تناول مفطر عنها. (واعلم) أن الصوم هو الإمساك عن المفطرات، وأن صفاته كونه عن رمضان أو عن نذر أو كفارة مثلا. إذا علمت ذلك، فتأمله مع الغاية السابقة - أعني قوله ولو قصد به التقوي على الصوم - فإن مجموع ذلك يقتضي تصور تسحره بقصد التقوي عليه مع عدم خطوره مع صفاته بالبال. وليس كذلك، وذلك لأن الصوم الذي قصد التقوي عليه بالتسحر الظاهر: أن المراد منه الصوم الشرعي، الذي هو إمساك مخصوص بنية مخصوصة، فإذا قصد بالسحور التقوى عليه، لزم خطوره بالبال بصفاته التي لا بد منها، وذلك عين النية. نعم، إن حمل الصوم - الذي قصد التقوى عليه بما ذكر - على مطلق إمساك عن المفطرات، تصور ذلك، وكان لذكر القيد المذكور بعد الغاية فائدة. وبقي عليه أن صريح كلامه أن مجرد خطور الصوم بباله مع التسحر أو الامتناع من المفطر مجزئ عن النية. وليس كذلك، لما صرحوا به في الصلاة - وغيرها - من أنه لا بد في نيتها من قصد إيقاعها وفعلها، وأما مجرد الخطور من غير قصد الإيقاع فغير مجزئ. ويمكن أن يقال: أن المراد بقوله: ما لم يخطر بباله الصوم: أي إيقاعه، وفيه أنه إذا كان هو المراد كان عين النية، لا مجزئا عنها - كما أفهمه كلامه -. وعبارة الروض مع شرحه: ولو تسحر ليصوم، أو شرب لدفن العطش نهارا، أو امتنع من الأكل أو الشرب أو الجماع خوف طلوع الفجر، فهو نية - إن خطر بباله صوم فرض رمضان، لتضمن كل منها قصد الصوم. اه. وهي ظاهرة. (قوله: لكل يوم) متعلق بنية. أي تجب النية لصوم كل يوم، وذلك لأن الصوم كل يوم عبادة مستقلة، لتخلل ما يناقض الصوم بين اليومين - كالصلاتين يتخللهما السلام. (قوله: فلو نوي الخ) مفرع على وجوب النية لكل يوم. (قوله: صوم جميعه) أي رمضان. (قوله: لم يكف) أي ما نواه. (وقوله: لغير اليوم الأول) أما هو، فيكفي ما نواه له فقط. (قوله: لكن ينبغي ذلك) أي نية صوم جميعه أول ليلة منه. (قوله: ليحصل إلخ) علة الانبغاء. (قوله: الذي نسي النية فيه) أي له، ففي بمعنى اللام. (وقوله: عند مالك) متعلق بيحصل. أي يحصل له ذلك عنده، لأنه لا يشترط النية لكل يوم. (قوله: كما تسن) أي النية. (وقوله: له) أي الناسي تبييت النية. (وقوله: ليحصل إلخ) متعلق بتسن. (وقوله: صومه) أي اليوم الذي نسي النية له. (وقوله: عند أبي حنيفة) متعلق بيحصل. (قوله: وواضح أن محله) أي حصول الصوم له بذلك. (وقوله: إن قلد) أي الإمام مالكا في النية أول ليلة من رمضان، أو الإمام أبا حنيفة في النية أول النهار إن نسيها ليلا، فمفعوله محذوف. (قوله: وإلا) أي وإن لم يقلد من ذكر، بل صام بالنية المذكورة في الصورة الأولى والثانية من

فاسدة في اعتقاده (وشرط لفرضه) أي الصوم - ولو نذرا، أو كفارة، أو صوم استسقاء أمر به الامام - (تبييت) أي إيقاع النية ليلا: أي فيما غروب الشمس وطلوع الفجر، ولو في صوم المميز. قال شيخنا: ولو شك - هل وقعت نيته قبل الفجر أو بعده؟ لم تصح، لان الاصل عدم وقوعها ليلا، إذ الاصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن - بخلاف ما لو نوى ثم شك: هل طلع الفجر أو لا؟ لان الاصل عدم طلوعه، للاصل المذكور أيضا. ـــــــــــــــــــــــــــــ غير تقليد. (وقوله: كان متلبسا بعبادة فاسدة) أي وهو حرام. (وقوله: في اعتقاده) متعلق بفاسدة - أي فاسدة في اعتقاد الناوي، وإن كانت صحيحة في اعتقاد غيره. (قوله: وشرط لفرضه) سيأتي محترزه. (قوله: ولو نذرا الخ) أي ولو كان الصوم المفروض نذرا أو كفارة أو صوم استسقاء، فإنه يشترط فيه ما ذكره. (قوله: أمر به الإمام) راجع لصوم الاستسقاء، وقيد به لأنه لا يكون فرضا إلا حينئذ. (قوله: تبييت) نائب فاعل شرط، وإنما شرط لخبر من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له، أي صحيح - كما هو الأصل في النفي من توجهه إلى الحقيقة، فلا يقع صيامه عن رمضان بلا خلاف، ولا نفلا - على الأوجه - ولو من جاهل. (قوله: أي إيقاع النية الخ) تفسير مراد للتبييت أي أن المراد بتبييتها: إيقاعها ليلا. (قوله: أي فيما بين غروب الشمس وطلوع الفجر) تفسير لليل أي أن المراد بالليل الذي تجزئ النية فيه ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر - سواء كان من أوله، أو آخره، أو وسطه - وهذا هو المعتمد. ومقابله: لا تكفي في النصف الأول، بل يشترط إيقاعها في النصف الأخير، لأنه قريب من العبادة. (قوله: ولو في صوم المميز) غاية في اشتراط التبييت نفلا. أي يشترط التبييت، ولو كان الناوي صبيا مميزا، نظرا لذات الصوم، وإن كان صومه يقع نفلا، وليس لنا صوم نفل يشترط فيه ذلك إلا هذا، فيلغز به ويقال: لنا صوم نفل يشترط فيه تبييت النية. (قوله: ولو شك إلخ) هذا مأخوذ من اشتراط التبييت، إذ هو يفهم أنه لا بد من اليقين فيه، فلو شك لم تصح. (واعلم) إن الشارح ذكر مسألتين متغايرتين في الحكم، الأولى: أنه لو شك: هل وقعت نيته قبل الفجر أو بعده؟ لم تصح - أي النية -. والثانية: أنه لو نوى ثم شك: هل طلع الفجر أو لا؟ فإنها تصح. وفرق سم بين المسألتين: بأن الشك في الأولى واقع حال النية، وفي الثانية بعدها. قال: والتردد حال النية يمنع الجزم المعتبر فيها، فلذلك لم تصح، بخلافه في الثانية، فإنه لم يمنع الجزم المعتبر حالتها، فلذلك صحت. وفي حاشية السيد عمر البصري - بعد أن استظهر عدم الفرق بين المسألتين - فرق غير هذا، وحاصله: أن الشك في الصورة الأولى حصل له بعد تحقق طلوع الفجر، وفي الصورة الثانية حصل له قبل تحققه، فهو فيها شاك في النية، وشاك في طلوع الفجر أيضا، فلذلك صحت في هذه، ولم تصح في تلك. وعبارته: قوله: ولو شك هل وقعت نيته قبل الفجر أو بعده؟ إلخ - قد يقال كل من نيته وطلوع الفجر حادث في كل المسألتين، فما وجه ترجيح الأصل في إحداهما للنية وفي الثانية لطلوع الفجر؟ بل يتوقف في التغاير بين المسألتين تغايرا حقيقيا يؤدي إلى التخالف في الحكم، فإن الذي يظهر: التلازم بين التصويرين، والله أعلم. وكتب - قدس سره - ويمكن أن يقال: الصورة الأولى مفروضة فيما إذا طرأ له شك بعد تحقق طلوع الفجر - هل وقعت نيته قبله أو بعده؟ والثانية مفروضة فيما إذا نوى ثم حصل له الشك المذكور مع الشك في طلوع الفجر، فإن استمر هذا الشك إلى ما يتحقق الطلوع صارت من أفراد الأولى. اه. (قوله: لأن الأصل عدم وقوعها) أي النية ليلا، وهو تعليل لعدم الصحة. (قوله: إذ الأصل الخ) علة للعلة. (وقوله: في كل حادث) هو هنا النية. (وقوله: تقديره بأقرب زمن) أي فرض وقوعه في أقرب زمن، وهو هنا وقوعها بعد طلوع الفجر. (قوله: بخلاف ما لو نوى ثم شك: هل طلع الفجر؟) أي هل كان طالعا عند النية أو لا؟ اه. سم. (قوله: لأن الأصل عدم طلوعه) علة لمقدر: أي فإنها تصح، لأن الأصل عدم طلوع الفجر حال النية. (قوله: الأصل المذكور) أي وهو أنه في كل حادث تقديره بأقرب زمن، والحادث هنا طلوع الفجر، وحصوله بعد النية أقرب من حصوله وقتها.

انتهى. ولا يبطلها نحو أكل وجماع بعدها وقبل الفجر. نعم، لو قطعها قبله، احتاج لتجديدها قطعا. (وتعيين) لمنوي في الفرض كرمضان، أو نذر أو كفارة - بأن ينوي كل ليلة أنه صائم غدا عن رمضان، أو النذر، أو الكفارة - وإن لم يعين سببها. فلو نوى الصوم عن فرضه، أو فرض وقته: لم يكف. نعم، من عليه قضاء رمضانين، أو نذر، أو كفار من جهات مختلفة: لم يشترط التعيين لاتحاد الجنس. واحترز باشتراط التبييت في الفرض عن النفل، فتصح فيه - ولو مؤقتا - النية قبل الزوال: للخبر الصحيح، وبالتعيين فيه النفل أيضا، فيصح ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ولا يبطلها) أي النية. (وقوله: نحو أكل وجماع) أي من كل مفطر، كجنون أو نفاس، قال في التحفة: لا الردة، لأنها تزيل التأهل للعبادة بكل وجه. اه. (وقوله: بعدها) أي بعد النية، وهو ظرف متعلق بمحذوف صفة لنحو أكل وجماع - أي كائن بعد النية -. قال سم: ينبغي أو معها، لأن ذلك لا ينافيها. (وقوله: وقبل الفجر) أي وأما بعده فإنه يبطلها - كما هو ظاهر. (قوله: نعم: لو قطعها الخ) يعني لو رفض النية قبل الفجر احتاج لتجديدها - بلا خلاف - بخلافه بعد الفجر، فلا يضر. وعبارة البجيرمي: نعم تضر الردة ليلا أو نهارا، وكذا يضر رفض النية ليلا لا نهارا، فلا بد من تجديدها بعد الإسلام والرفض، ومنه - أي الرفض - ما لو نوى الانتقال من صوم إلى آخر، كما لو نوى صوم قضاء عن رمضان ثم عن له أن يجعله عن كفارة مثلا، فإن ذلك يكون رفضا للنية الأولى. اه. (قوله: وتعيين لمنوي) معطوف على تبييت. أي وشرط لفرضه تعيين لمنوي: أي ولو من الصبي المميز - كما نبه عليه السيد عمر البصري - والمراد بالتعيين المشترك: التعيين من حيث الجنس - كالكفارة، وإن لم يعين نوعها: كفارة ظهار، أو يمين، وكصوم النذر وإن لم يعين نوعه: كنذر تبرر أو لجاج، وكالقضاء عن رمضان، وإن لم يعين رمضان سنة بخصوصها - وإنما وجب التعيين في الفرض لأنه عبادة مضافة إلى وقت، فوجب التعيين في نيتها - كالصلوات الخمس -. وعبارة ق ل: قوله: وتعيينه أي من حيث الجنس لا من حيث النوع ولا الزمن، فيكفي نية الكفارة لمن عليه كفارات اه. وقد أفاد ما ذكر الشارح بالغاية بعد، وهي وإن لم يعين سببها، وبالاستدراك بعدها وهو نعم من عليه الخ. فتنبه. وقوله في الفرض: الأولى إسقاطه، إذ ذكره يورث ركاكة، وذلك لأن التقدير: وشرط لفرضه تعيين لمنوي في الفرض. (قوله: كرمضان الخ) تمثيل لما يحصل به التعيين، ويصح جعله تمثيلا للفرض، وهو أولى، لئلا يصير التصوير بعده ضائعا. (قوله: بأن ينوي إلخ) تصوير لما يحصل به التبييت والتعيين، فقوله: كل ليلة وغدا: مثال للتبييت. (وقوله: عن رمضان إلخ) مثال للتعيين. (قوله: وإن لم يعين سببها) أي الكفارة، وهو غاية لحصول التعيين بقصد الكفارة، أي لا فرق في حصول ذلك به، بين أن يعين سبب الكفارة - من ظهار أو يمين أو جماع - أو لا. قال في التحفة: فإن عين وأخطأ لم يجزئ. (قوله: فلو نوي الصوم الخ) تفريع على مفهوم اشتراط التعيين. (وقوله: لم يكف) أي ما نواه لعدم التعيين، لأنه في الأولى يحتمل رمضان وغيره، وفي الثانية يحتمل القضاء والأداء. قال في التحفة: نعم، لو تيقن أن عليه صوم يوم وشك - أهو قضاء، أو نذر، أو كفارة؟ أجزأه نية الصوم الواجب. وإن كان مترددا للضرورة ولم يلزمه الكل - كمن شك في واحدة من الخمس - لأن الأصل بقاء وجوب كل منها، وهنا الأصل براءة الذمة. اه. (قوله: نعم، من عليه الخ) استدراك على اشتراط التعيين، وإنما يظهر إذا حمل التعيين المشترط على الأعم من التعيين، من حيث الجنس، أو من حيث النوع. أما إذا حمل على المراد المار الذي حملته عليه - وهو من حيث الجنس فقط - فلا استدراك، لأن التعيين من حيث الجنس حاصل في هذه الصورة. (وقوله: أو نذر) بالرفع، عطف على قضاء. أي أو عليه نذر: أي صومه. (وقوله: أو كفارة) بالرفع، عطف على قضاء أيضا. أي أو عليه كفارة - أي صومها. (وقوله: من جهات مختلفة) راجع للنذر والكفارة، والمراد بها - بالنسبة للأول - كونه عن تبرر أو لجاج، وبالنسبة للثاني: كونه عن ظهار أو جماع أو يمين. (وقوله: لم يشترط التعيين) أي تعيين قضاء، أي الرمضانين في الأولى، وتعيين النوع فيما بعدها. (قوله: لاتحاد الجنس) علة لعدم اشتراط التعيين. أي أنه في الجميع: الجنس واحد، وهو مطلق رمضان، أو مطلق نذر، أو مطلق كفارة. وهو كاف في التعيين - كما علمت. (قوله: واحترز باشتراط التبييت في الفرض) المناسب أن يقول واحترز بقوله لفرضه: من حيث اشتراط التبييت فيه عن النفل،

- ولو مؤقتا - بنية مطلقة - كما اعتمده غير واحد. نعم، بحث في المجموع اشتراط التعيين في الرواتب كعرفة وما معها فلا يحصل غيرها معها، وإن نوى، بل مقتضى القياس - كما قال الاسنوي - أن نيتهما مبطلة، كما لو نوى الظهر وسنته، أو سنة الظهر وسنة العصر - فأقل النية المجزئة: نويت صوم رمضان، ولو بدون الفرض على المعتمد - كما صححه في المجموع، تبعا للاكثرين، لان صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضا. ومقتضى ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن المحترز به هو الفرض. لا اشتراط التبييت فيه. فتأمل. (قوله: فتصح فيه) أي النفل. (وقوله: ولو مؤقتا) أي ولو كان النفل مؤقتا، كعرفة وعاشوراء. (قوله: النية) فاعل تصح. (قوله: قبل الزوال) متعلق بتصح أو بالنية. وفي الإيعاب للشافعي قول جديد: أنه تصح نية النفل قبل الغروب. قال: فمن تركها قبل الزوال ينبغي له بالشرط الذي ذكرناه - وهو تقليد في ذلك - أن ينويها بعده، ليحوز ثوابه على هذا القول، بناء على جواز تقليده. اه. كردي. ولا بد من اجتماع شرائط الصوم من الفجر، للحكم عليه بأنه صائم من أول النهار، حتى يثاب على جميعه، إذ صومه لا يتبعض. (قوله: للخبر الصحيح) هو ما رواه الدارقطني: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: هل عندكم شئ؟ قلت: لا. قال: فإني إذا أصوم. قالت: ودخل علي يوما آخر، فقال: أعندكم شئ؟ قلت: نعم. قال: إذا أفطر، وإن كنت فرضت الصوم أي شرعت فيه وأكدته. (قوله: وبالتعيين الخ) معطوف على التبييت. (وقوله: النفل) منصوب بنزع الخافض وهو عن، والتقدير: واحترز باشتراط التعيين في الفرض عن النفل. وكان المناسب أن يقول هنا أيضا: واحترز بقولي في الفرض من حيث اشتراط التعيين في الفرض عن النفل، لأن المحترز به هو الفرض، لا اشتراط التعيين. فتنبه. وقوله: أيضا، أي كما احترز باشتراط التبييت في الفرض عن النفل. وقوله: فيصح: أي النفل - أي صومه. وقوله: ولو مؤقتا: غاية في صحة الصوم في النفل بنية مطلقة، أي لا فرق في ذلك بين أن يكون مؤقتا - كصوم الاثنين، والخميس، وعرفة، وعاشوراء، وأيام البيض - أو لا: كان يكون ذا سبب - كصوم الاستسقاء - بغير أمر الإمام، أو نفلا مطلقا. (قوله: بنية مطلقة) متعلق بيصح، فيكفي في نية صوم يوم عرفة مثلا أن يقول: نويت الصوم. (قوله: كما اعتمده غير واحد) أي اعتمد صحة صوم النفل المؤقت بنية مطلقة. وفي الكردي ما نصه: في الأسنى - ونحوه الخطيب الشربيني والجمال الرملي - الصوم في الأيام المتأكد صومها منصرف إليها، بل لو نوى به غيرها حصلت إلخ: زاد في الإيعاب ومن ثم أفتى البارزي بأنه لو صام فيه قضاء أو نحوه حصلا، نواه معه أو لا. وذكر غيره أن مثل ذلك ما لو اتفق في يوم راتبان كعرفة يوم الخميس. اه. وكلام التحفة كالمتردد في ذلك. اه. (قوله: نعم بحث في المجموع الخ) هذا إنما يتم له إن ثبت أن الصوم في الأيام المذكورة مقصود لذاتها. والمعتمد: كما يؤخذ من عبارة الكردي المارة آنفا - أن القصد وجود صوم فيها. فهي كالتحية، فإن نوى التطوع أيضا حصلا، وإلا سقط الطلب عنه، وبهذا فارق رواتب الصلوات. (قوله: كعرفة وما معها) أي وما يذكر معها عند تعداد الرواتب - كعاشورا، وستة من شوال، والأيام البيض، والأيام السود -. (قوله: فلا يحصل غيرها) أي من قضاء أو كفارة. (وقوله: معها) أي الرواتب. (وقوله: وإن نوى) أي غير الرواتب. (قوله: بل مقتضى القياس) أي على رواتب الصلاة. (وقوله: أن نيتهما) أي الرواتب وغيرها، كأن نوى صوم عرفة وقضاء أو كفارة. (وقوله: مبطلة) أي لأن الراتب لا يندرج في غيره، فإذا جمعه مع غيره لم يصح، للتشريك بين مقصودين. (قوله: كما لو نوى الظهر وسنته) أي فإن ذلك مبطل، وقد علمت الفرق - فلا تغفل. (قوله: فأقل النية المجزئة الخ) تفريع على ما علم من اشتراط التبييت والتعيين فقط، وهو أنه لا يشترط غيرهما كالفرضية والأداء، والإضافة إلى الله تعالى. (قوله: ولو بدون الفرض) غاية للإجزاء. أي أنها تجزئ، ولو كانت غير مقرونة بالفرض. ولو حذف لفظ - ولو - واقتصر على بدون الفرض، لكان أولى، لأن الاقل المجزئ الذي صرح به ليس مقرونا بالفرضية - فكيف يجعل غاية له؟ فتنبه. (قوله: على المعتمد) مرتبط بالغاية، أي أن النية المذكورة تجزئ من غير تعرض للفرضية - على المعتمد -. (وقوله: كما صححه) الضمير البارز راجع للإجزاء المذكور، لا للمعتمد، وإن كان هو ظاهر صنيعه، لأنه لا معنى لتصحيح المعتمد. ولو حذف الفعل وقال كما في المجموع لكان

كلام الروضة والمنهاج وجوبه، أو بلا غد - كما قال الشيخان - لان لفظ الغد، اشتهر في كلامهم في تفسير التعيين وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين، فلا يجب التعرض له بخصوصه، بل يكفي دخوله في صوم الشهر المنوي لحصول التعيين حينئذ، لكن قضية كلام شيخنا - كالمزجد -: وجوبه (وأكملها) أي النية: (نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان) بالجر لاضافته لما بعده (هذه السنة لله تعالى) لصحة النية حينئذ اتفاقا، وبحث ـــــــــــــــــــــــــــــ أولى. (قوله: لأن صوم الخ) علة لعدم وجوب قصد الفرضية المفهوم من الغاية، أي وإنما لم يجب ذلك لأن صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضا، فلا فائدة للتعرض لها، بخلاف الصلاة، فإنها لما كانت تقع نفلا فيما إذا أعيدت، اشترط فيها نية الفرضية لتتميز عن المعادة. قال الأسنوي: ولا يرد اشتراط نيتها في المعادة أيضا - كما مر - لأن ذاك لمحاكاة فعله أو لا. قال في التحفة: - وعلى ما في المجموع - لو نوى ولم يتعرض للفرضية ثم بلغ قبل الفجر: لم يلزمه التعرض لها. اه. (قوله: ومقتضى كلام إلخ) مقابل المعتمد. (وقوله: والمنهاج) أي وكلام المنهاج وعبارته: وفي الأداء والفرضية والإضافة إلى الله تعالى، الخلاف المذكور في الصلاة. اه. والذي تقدم في الصلاة عدم اشتراط ما عدا الفرضية. (وقوله: وجوبه) أي الفرض - أي قصده. (قوله: أو بلا غد) معطوف على بدون الفرض، فهو غاية أيضا لإجزاء النية المذكورة. أي تجزئ، ولو لم يتعرض فيها للغد. (قوله: لأن لفظ الغد الخ) تعليل لعدم وجوب التعرض للغد المفهوم من الغاية أيضا. أي وإنما لم يجب التعرض للغد، لأن لفظ إلخ. ومحل العلة قوله: وهو في الحقيقة إلخ. (قوله: اشتهر في كلامهم) أي الأصحاب. (وقوله: في تفسير التعيين) أي في تصويره، فقالوا: صورته أن يقول نويت صوم غد من رمضان. قال في حاشية الجمل: وهذا التصوير في الحقيقة تصوير للتبييت، فللتبييت صورتان أن يقول: نويت صوم رمضان، أو نويت صوم غد من رمضان. فانتقل نظرهم لإحدى صورتي التبيت، فجعلوها صورة للتعيين. اه. (قوله: وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين) أي أن لفظ الغد في الحقيقة ليس داخلا في حد التعيين: أي لا يتوقف التعيين عليه بخصوصه. قال في شرح المنهج: وإنما وقع ذلك من نظرهم إلى التبييت. اه. قال البجيرمي: أي وإنما وقع لفظ الغد في تفسير التعيين من نظرهم إلى التبييت لأن التبييت مصور بصورتين - إحداهما: أن يقول ليلا: نويت صوم غد من رمضان والثانية: أن يقول ليلا: نويت الصوم عن رمضان - كما في التعيين - فلما نظروا للصورة الأولى من التبييت اشتهر إلخ. اه. ومر آنفا مثله عن الجمل. (قوله: فلا يجب التعرض له) أي للغد. (وقوله: بخصوصه) أي الغد. والمراد أن التعرض في النية لخصوص الغد ليس بواجب، بل الواجب هو أو غيره مما يدل على التعيين، كما في نية الشهر جميعه، فإنه يحصل له به أول يوم، مع أنه لم يعينه بعينه. (قوله: بل يكفي) أي لحصول التعيين. والإضراب انتقالي. (وقوله: دخوله) أي الغد. (وقوله: في صوم الشهر المنوي) أي فإذا قال ليلا نويت صوم رمضان، فقد دخل فيه الغد وهو اليوم الذي يعقب الليلة التي نوى فيها. (قوله: لكن قضية كلام شيخنا كالمزجد وجوبه) أي الغد بخصوصه، وفيه أن الذي في التحفة أنه لا يجب التعرض له بخصوصه، وعبارتها: هذا - أي لفظ الغد - واجب لا بد منه، ويكفي عنه عموم يشمله، كنية أول ليلة من رمضان صوم رمضان، فيصح لليوم الأول الخ: اه. ومثلها فتح الجواد، إلا أن يقال إنه قضية كلامه في غيرهما. ثم رأيت عبارته على متن بأفضل تقتضي ذلك، ونصها: وعلم من كلامه أن أقل النية في رمضان أن ينوي صوم غد عن رمضان. اه. فذكر الغد من الأقل، فاقتضى وجوبه. تأمل. (قوله: وأكملها إلخ) هذه مقابل قوله فأقل النية إلخ: وقال البجيرمي: أي بالنظر للمجموع، وإلا فرمضان لا بد منه، لأنه تعيين. اه. ولا حاجة إليه، لأن الأكمل هو ما اشتمل على ما لا بد منه وزيادة. (قوله: نويت إلخ) خبر عن أكملها: أي أكملها هذا اللفظ. (قوله: صوم غد) هو اليوم الذي يلي الليلة التي نوى فيها. (قوله: عن أداء فرض رمضان) قال في النهاية: يغني عن ذكر الأداء أن يقول عن هذا الرمضان. اه. (قوله: بالجر لإضافته لما بعده) أي يقرأ رمضان بالجر بالكسرة، لكونه مضافا إلى ما بعده، وهو اسم الإشارة. قال في التحفة: واحتيج لإضافة رمضان إلى ما بعده لأن قطعه عنها يصير هذه السنة محتملا لكونه ظرفا

الاذرعي أنه لو كان عليه مثل الاداء كقضاء رمضان قبله: لزمه التعرض للاداء، أو تعيين السنة (ويفطر عامد) لاناس للصوم، وإن كثر منه نحو جماع وأكل (عالم) لا جاهل، بأن ما تعاطاه مفطر لقرب إسلامه، أو نشئه ـــــــــــــــــــــــــــــ لنويت، فلا يبقى له معنى، فتأمله، فإنه مما يخفى. اه. ووجهه: أن النية زمنها يسير، فلا معنى لجعل هذه السنة ظرفا لها. (قوله: هذه السنة). (إن قلت): إن ذكر الأداء يغني عنه. (قلت) لا يغني، لأن الأداء يطلق على مطلق الفعل، فيصدق بصوم غير هذه السنة. وعبارة النهاية: واحتيج لذكره - أي الأداء - مع هذه السنة، وإن اتحد محترزهما، إذ فرض غير هذه السنة لا يكون إلا قضاء، لأن لفظ الأداء يطلق ويراد به الفعل. اه. وفي البرماوي: ويسن أن يزيد: إيمانا واحتسابا لوجه الله الكريم عزوجل. اه. (قوله: لصحة النية حينئذ) أي حين إذ أتى بهذا الأكمل المشتمل على الغد، والأداء والفرض، والإضافة لله تعالى، وهو تعليل لكون ما ذكر هو الأكمل، أي: وإنما كان هذا هو الأكمل لصحة النية به اتفاقا، بخلاف ما إذا أتى بالأقل المار فإن فيه خلافا، لأنه قيل بوجوب التعرض للغد وللفرضية. قال في التحفة - بعد التعليل المذكور - ولتتميز عن أضدادها كالقضاء والنفل، ونحو النذر وسنة أخرى. (قوله: وبحث الأذرعي أنه) أي مريد الصوم. (قوله: لو كان عليه مثل الأداء) أي صوم مثل الصوم الذي يريد أداءه. (قوله: كقضاء رمضان) تمثيل للمثل الذي عليه. (وقوله: قبله) أي قبل رمضان الذي يريد أداءه. (قوله: لزمه التعرض للأداء) أي للتمييز بين الأداء والقضاء. قال في التحفة: وهو مبني على الضعيف الذي اختاره في نظيره من الصلاة أنه يجب نية الأداء حينئذ. اه. (وقوله: أو تعيين السنة) أي بأن يقول رمضان هذه السنة. وفي بعض نسخ الخط: وتعيين - بالواو - وهو الموافق لما في التحفة، لكن عليه تكون الواو بمعنى أو - كما هو ظاهر - لأن أحدهما كاف في حصول التمييز. (قوله: ويفطر عامدا الخ) شروع فيما يبطل به الصوم. وقد نظم بعضهم جميع المبطلات فقال: عشرة مفطرات الصوم * * فهاكها: إغماء كل اليوم إنزاله مباشرا والردة * * والوطئ والقئ إذا تعمده ثم الجنون، الحيض، مع نفاس * * وصول عين، بطنه مع راس وذكر المصنف - رحمه الله تعالى - منها أربعة، وهي: الجماع، والاستمناء، والاستقاءة، ودخول عين جوفا، وترك الباقي لفهمه من قيدي التكليف والإطاقة. (وقوله: عامدا إلخ) ذكر قيود ثلاثة في بطلان الصوم بما ذكر من الجماع وما عطف عليه، وهي: العمد، والعلم، والاختيار. (قوله: لا ناس للصوم) مفهوم عامد. وإنما لم يفطر الناسي، لخبر: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه. وفي رواية صححها ابن حبان وغيره: ولا قضاء عليه. نص على الأكل والشرب، فعلم غيرهما بالأولى. (قوله: وإن كثر الخ) أي فإنه لا يفطر مع النسيان، لعموم الخبر المار آنفا. وفارق الصلاة حيث إن الأكل الكثير نسيانا يبطلها، بأن لها هيئة تذكر المصلي أنه فيها فيندر ذلك فيها، بخلاف الصوم. والغاية المذكورة للرد على القائل إن الكثير يفطر به: وعبارة المنهاج: وإن أكل ناسيا لم يفطر، إلا أن يكثر في الأصح. قلت: الأصح لا يفطر، والله أعلم. والجماع كالأكل، على المذهب. اه. (وقوله: نحو جماع) أي كالإنزال والمباشرة. (وقوله: وأكل) - بضم الهمزة - بمعنى مأكول، معطوف على جماع، أي: ونحو أكل من كل عين وصلت جوفه كحصاة وأصبعه ونحوهما. (قوله: عالم) بالرفع، صفة لعامد. أي عالم بأن ما تعاطاه مفطر. (قوله: لا جاهل إلخ) مفهوم عالم.

ببادية بعيدة عمن يعرف ذلك (مختار)، لا مكره لم يحصل منه قصد، ولا فكر، ولا تلذذ (بجماع) وإن لم ينزل (واستمناء) ولو بيده أو بيد حليلته، أو بلمس لما ينقض لمسه بلا حائل (لا ب) - قبلة و (ضم) لامرأة (بحائل): أي معه، وإن تكرر بشهوة، أو كان الحائل رقيقا، فلو ضم امرأة أو قبلها بلا ملامسة بدن بلا بحائل بينهما فأنزل: ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لا يفطر الجاهل بأن ما تعاطاهاه مفطر، ولو علم تحريم الأكل وجهل الفطر به لم يعذر، لأن حقه مع علم التحريم: الامتناع من الأكل. (قوله: لقرب إسلامه إلخ) هذا قيد للجهل المغتفر. أي وإنما يغتفر الجهل إن كان جهله لأجل قرب إسلامه إلخ، وأما إذا لم يكن لأجل ذلك فلا يغتفر. وهذا القيد معتبر في كل ما يأتي من الصور المغتفرة للجهل. وما في البحر - من عذر الجاهل مطلقا - ضعيف. (وقوله: أو نشئة ببادية بعيدة عمن يعرف ذلك) أي إن ما تعاطاه مفطر - أي أو كون المفطر من المسائل الخفية، كإدخاله عودا في أذنه. واحترز بذلك عما إذا كان قديم الإسلام، أو لم يكن بعيدا عمن يعرف ذلك بأن يكون بين أظهر العلماء، أو يستطيع النقلة إليهم، أو لم يكن من المسائل الخفية، فلا يغتفر جهله بذلك حينئذ. (قوله: مختار) بالرفع أيضا، صفة ثانية لعامد. (قوله: لا مكره) مفهوم مختار، أي لا يفطر مكره بتعاطي ما ذكر، لخبر: رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه. قال ع ش: ولو أكره على الزنا فينبغي أن يفطر به تنفيرا عنه. قال ابن قاسم: وفي شرح الروض ما يدل عليه. اه. لأن الإكراه - أي على الزنا - لا يبيحه (1) بخلافه على الأكل. اه. ويشترط في الإكراه - كما يأتي في الطلاق - قدرة المكره على تحقيق ما هدد به عاجلا بولاية أو تغلب، وعجز المكره عن دفعه بفرار أو استغاثة، وظنه أنه إن إمتنع فعل ما خوفه به ناجزا فلا يتحقق العجز بدون اجتماع ذلك كله. (قوله: لم يحصل منه قصد ولا فكر ولا تلذذ) قيد في عدم إفطار المكره. أي يشترط فيه أن لا يكون له قصد في فعل ما أكره عليه، ولا تفكر فيه، ولا تلذذ به، فإن كان كذلك لا يعتبر إكراهه، ويفسد صومه. وعبارة التحفة: وشرط عدم فطر المكره أن لا يتناول ما أكره عليه لشهوة نفسه، بل لداعي الإكراه لا غير. واستظهر ع ش: إن المكره لا يفطر، وإن أكل ذلك بشهوة. (قوله: بجماع) متعلق بيفطر، أي يفطر من ذكر بجماع، ولو كان مع حائل. قال في التحفة: ويشترط هنا كونه - أي المجامع - واضحا، فلا يفطر به خنثى، إلا إن وجب عليه الغسل، بأن يتقن كونه واطئا أو موطوءا. اه. (قوله: وإن لم ينزل) غاية في إفطاره بالجماع. أي يفطر بجماع مطلقا - سواء أنزل أم لا - أي وسواء كان في قبل أو دبر، من آدمي أو غيره. (قوله: واستمناء) بالجر، معطوف على جماع، أي ويفطر باستمناء، وهو استخراج المني بغير جماع - حراما كان كإخراجه بيده، أو مباحا كإخراجه بيد حليلته. والسين والتاء فيه للطلب، ويرد عليه أنه يقتضي أن مجرد طلب المني يبطل الصوم، ولو لم يخرج المني، ولا قائل به. وأجيب بأن المراد طلب خروجه مع خروجه بالفعل - كما هو ظاهر. (قوله: ولو بيده أو بيد حليلته الخ) غاية في إفطاره بالاستمناء، وهي للتعميم. أي يفطر به مطلقا - سواء كان بيده، أو بيد حليلته من زوجة، أو أمه، أو بلمس بشرة، سواء كان بشهوة أو بغيرها. (قوله: لما ينقض لمسه) المناسب: لمن ينقض لمسه - لأنه ما واقعة على من يعقل. (وقوله: بلا حائل) متعلق بلمس. وخرج به ما إذا كان ما ذكر بحائل، فإنه لا يفطر به. وفيه أن هذا القيد يغني عنه ما قبله، لأنه إذا كان هناك حائل لا نقض، فما خرج به يخرج بالذي قبله. فتنبه. (قوله: لا بقبلة الخ) معطوف على بجماع. أي لا يفطر بقبلة وضم لامرأة، وإن أنزل بهما. (قوله: بحائل) متعلق بكل من قبلة وضم. (قوله: أي معه) تفسير لمعنى الباء الداخلة على حائل. (قوله: وإن تكررتا) أي القبلة والضم، وهو غاية لعدم الإفطار بهما. أي لا يفطر بهما، وإن تكررتا منه. والمناسب: وإن تكررا - بلا تاء - تغليبا للمذكر - وهو الضم -

_ (1) (قوله: لأن الإكراه أي على الزنا لايبحه) وذلك لان المكره به بالنظر لمجرد الاكراه تارة يجب الصبر عليه كما (أكره على القتل والزنا، وإن لم يقتل، أو يزن، فيقتل هو، فيجب عليه أن يصبر ويستسلم ولا يقدم على القتل. والزنا تارة لا يجب الصبر عليه، عليه، بل يجوز تعاطى. المكره عليه - كما في الا الاكراه على شرب الخمر، والتكلم بكلمة الكفر، والفطر في رمضان - كما بين ذلك الفقهاء. وعبارة الارشاد: ويبح - إى الاكراه - مكفرا وخمرا وفطرا، لازما وقتلا. اه وبالنظر للقول بالتكليف بالنقيض لما أكره عليه يجب الصبر عليه مطلقا. أفاده. سم في الايات البينات. اه مولف

لم يفطر، لانتفاء المباشرة - كالاحتلام. والانزال بنظر وفكر، ولو لمس محرما أو شعر امرأة فأنزل: لم يفطر - لعدم النقض به. ولا يفطر بخروج مذي: خلافا للمالكية (واستقاءة) أي استدعاء قئ وإن لم يعد منه شئ لجوفه: بأن تقيأ منكسا أو عاد بغير اختياره، فهو مفطر لعينه، أما إذا غلبه ولم يعد منه - أو من ريقه المتنجس به - ـــــــــــــــــــــــــــــ على المؤنث - وهو القبلة - ويحرم التكرر، وإن لم ينزل. (قوله: فلو ضم امرأة الخ) تفريع على مفهوم قوله لا بقبلة إلخ. (قوله: بل بحائل بينهما) أي بين المقبل أو الضام، وبين المرأة المقبلة أو المضمومة. (قوله: لم يفطر) قال سم: الوجه أن محل ذلك ما لم يقصد بالضم مع الحائل إخراج المني. أما إذا قصد ذلك وخرج المني، فهذا استمناء مبطل، وكذا لو مس المحرم بقصد إخراج المني - فإذا أخرج بطل صومه، هذا هو الوجه المتعين، خلافا لما يوهمه الروض وشرحه. م ر. اه. وفي البجيرمي ما نصه: حاصل الإنزال أنه إن كان بالاستمناء أي بطلب خروج المني - سواء كان بيده، أو بيد زوجته، أو بغيرهما - بحائل، أو لا، يفطر مطلقا، وأما إذا كان الإنزال باللمس من غير طلب الاستمناء - أي خروج المني - فتارة يكون مما تشتهيه الطباع السليمة، أو لا، فإن كان لا تشتهيه الطباع السليمة - كالإمرد الجميل، والعضو المبان - فلا يفطر بالإنزال مطلقا، سواء كان بشهوة أو لا، بحائل أو لا. وأما إذا كان الإنزال بلمس ما يشتهى طبعا: فتارة يكون محرما، وتارة يكون غير محرم، فإن كان محرما، وكان بشهوة وبدون حائل، أفطر، وإلا فلا. وأما إذا كان غير محرم - كزوجته - فيفطر الإنزال بلمسه مطلقا، بشهوة أو لا، بشرط عدم الحائل. وأما إذا كان بحائل، فلا فطر به مطلقا، بشهوة أو لا. أفاده شيخنا ح ف. اه. (قوله: لانتفاء المباشرة) علة لعدم الإفطار. (قوله: كالاحتلام) الكاف للتنظير: أي كما أنه لا يفطر بالاحتلام. (قوله: والإنزال بنظر وفكر) أي وكالإنزال بنظر وفكر، فإنه لا يفطر به، لانتفاء المباشرة. قال البجيرمي: ما لم يكن من عادته الإنزال بهما، وإلا أفطر - كما قرره شيخنا ح ف. اه. (قوله: ولو لمس محرما إلخ) هذا محترز قوله لما ينقض لمسه. (قوله: لعدم النقض به) أي بلمس المحرم أو شعر المرأة - ولو غير محرم - وقيل يفطر بلمس الشعر إذا أنزل. وعبارة المغني: ولو لمس شعر امرأة فأنزل: ففي إفطاره عن المتولي وجهان بناهما على انتقاض الوضوء بلمسه، ومقتضاه أنه لا يفطر. اه. (قوله: ولا يفطر بخروج مذي) هذا مفهوم قوله استمناء، إذ المراد منه خروج المني. (قوله: خلافا للمالكية) أي في قولهم إن خروج المذي مفطر. (قوله: واستقاءة) بالجر، عطف على جماع، أي ويفطر باستقاءة. (قوله: أي استدعاء قئ) أي طلب خروجه ويأتي فيه ما تقدم في لفظ الاستمناء من الإيراد. والجواب. قال في التحفة: ومن الاستقاءة: نزعه لخيط ابتلعه ليلا. اه. وفي سم ما نصه: (فرع) قال في الروض: ولو ابتلع طرف خيط فأصبح صائما - فإن ابتلع باقيه، أو نزعه أفطر. وإن تركه بطلت صلاته. وطريقه أن ينزع منه وهو غافل. اه. قال في شرحه: قال الزركشي: - وقد لا يطلع عليه عارف بهذا الطريق، ويريد هو الخلاص، فطريقه أن يجبره الحاكم على نزعه، ولا يفطر به، لأنه كالمكره. بل لو قيل إنه لا يفطر بالنزع باختياره لم يبعد، تنزيلا لإيجاب الشرع منزلة الإكراه، كما لو حلف ليطأن في هذه الليلة فوجدها حائضا، لا يحنث بترك الوطئ. اه. أما إذا لم يكن غافلا وتمكن من دفع النازع فإنه يفطر، لأن النزع موافق لغرض النفس، فهو منسوب إليه عند تمكنه من الدفع، وبهذا فارق من طعنه بغير إذنه وتمكن من دفعه. اه. (قوله: وإن لم يعد منه شئ) أي يفطر بخروج القئ منه قصدا، وإن لم يرجع منه شئ إلى جوفه. والغاية للرد على القائل بأنه إذا لم يرجع شئ لا يفطر. وعبارة المنهاج: والصحيح أنه لو تيقن أنه لم يرجع شئ إلى جوفه بطل، وإن غلبه القي فلا بأس. اه. (قوله: بأن تقيأ منكسا) أي مطأطئا رأسه حتى صار أعلاه أسفله، وهو تصوير لعدم عود شئ منه إلى جوفه. (قوله: أو عاد بغير اختياره) أي بغير قصده. (قوله: فهو مفطر لعينه) أي استدعاء القئ مفطر لعينه - أي لذاته - لا لرجوع شئ إلى الجوف

شئ إلى جوفه بعد وصوله لحد الظاهر، أو عاد بغير اختياره: فلا يفطر به - للخبر الصحيح بذلك (لا بقلع نخامة) من الباطن أو الدماغ إلى الظاهر، فلا يفطر به إن لقطها لتكرر الحاجة إليه، أما لو ابتلعها مع القدرة على لفظها بعد وصولها لحد الظاهر - وهو مخرج الحاء المهملة - فيفطر قطعا. ولو دخلت ذبابة جوفه: أفطر بإخراجها ـــــــــــــــــــــــــــــ كالنوم لغير المتمكن، فإنه ينقض، وإن تيقن عدم خروج شئ من الدبر، لأنه مظنة لوصول شئ إلى الجوف، كما أن النوم مظنة لخروج شئ منه. (قوله: أما إذا غلبه) أي خرج بغير اختياره وقصده، وهذا مفهوم قوله استقاءة، إذ المراد منها طلب الخروج المستلزم لخروجه باختياره وقصده. (قوله: ولم يعد منه) أي من القئ، والجملة حالية. وقوله: أو من ريقه: أي أو لم يعد من ريقه. (وقوله: المتنجس به) أي بالقئ. (وقوله: شئ) فاعل الفعل قبله. (وقوله: إلى جوفه) متعلق بالفعل. (وقوله: بعد وصوله إلخ) متعلق بالفعل أيضا. أي لم يعد إليه بعد وصوله لحد الظاهر، بأن لم يعد إليه أصلا، أو عاد قبل وصوله لحد الظاهر، فإن عاد إليه بعد ذلك أبطل الصوم. وسيأتي بيان حد الظاهر. (قوله: أو عاد) أي بعد وصوله لذلك، لكن بغير اختياره وقصده. (قوله: فلا يفطر به) جواب أما. وضمير به يعود إلى القئ. (قوله: للخبر الصحيح) هو: من ذرعه القئ فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض. وذرعه - بالمعجمة - بمعنى غلبه، وهو دليل لكون الاستقاءة تفطر، ولكون مفهومها - وهو قوله أما إذا غلبه إلخ - لا يفطر، فهو مرتبط بالمتن: منطوقا، ومفهوما، وإن كان صنيعه يفيد رجوعه للثاني فقط. (وقوله: بذلك) أي بما ذكر من فطره بالاستقاءة، وعدم فطره بغلبة خروج القئ. (قوله: لا بقلع نخامة) معطوف على استقاءة، أي لا يفطر بقلع نخامة - أي إخراجها. قال البجيرمي، هو مستثنى من الاستقاءة - كما قاله ح ل. والقلع: إخراجها من محلها الأصلي، والمج إخراجها من الفم. والنخامة - بالميم - وتقال بالعين - وهي الفضلة الغليظة تنزل من الدماغ، أو تصعد من الباطن، فلا تضر، ولو نجسة. اه. (قوله: من الباطن) هو مخرج الهمزة والهاء. والظاهر: مخرج الحاء المهملة، أو الخاء المعجمة - كما سيأتي. (قوله: أو الدماغ) عطف على الباطن، - من عطف الخاص على العام - أي ولا بقلعها من الدماغ. (قوله: إلى الظاهر) متعلق بقلع. وفي ع ش ما نصه: وهل يلزمه تطهير ما وصلت إليه من حد الظاهر - حيث حكمنا بنجاستها - أو يعفى عنه؟ فيه نظر. ولا يبعد العفو. اه. سم. وعليه: لو كان في الصلاة وحصل له ذلك لم تبطل به صلاته ولا صومه إذا ابتلع ريقه، ولو قيل بعدم العفو في هذه الحالة لم يكن بعيدا، لأن هذه حصولها نادر، وهي شبيهة بالقئ، وهو لا يعفى عن شئ منه. اللهم إلا أن يقال إن كلامه مفروض فيما لو ابتلي بذلك، كدمى اللثة إذا ابتلي به. اه. (قوله: فلا يفطر به) أي بقلعها المذكور، وهذا على الأصح، ومقابله يفطر به، كالاستقاءة. (قوله: إن لفظها) أي رماها. فاللفظ مراد به معناه اللغوي، وهو الطرح والرمي. (قوله: لتكرر الحاجة إليه) أي إلى قلع النخامة، وهو علة لعدم فطره بذلك، ومع ذلك يندب له القضاء - مراعاة للخلاف - كما في التحفة. (قوله: أما لو ابتلعها الخ) مفهوم قوله إن لفظها. (وقوله: مع القدرة على لفظها) فإن لم يقدر عليه - بأن نزلت من الدماغ إلى الباطن - فلا يفطر به كما ستعرفه. (قوله: بعد وصولها) أي استقرارها في الظاهر، فإن لم يستقر فيه - بل وصلت إلى الباطن من غير استقرار فيه - فلا يفطر. (وقوله: لحد الظاهر) أي حد هو الظاهر، فالإضافة بيانية. وعبارة التحفة. (تنبيه) ذكر حد غير محتاج إليه في عبارته، وإن أتى به شيخنا في مختصره، بل هو موهم، إلا أن تجعل الإضافة بيانية، وإنما يحتاج إليه من يريد تحديده. وذكر الخلاف في الحد أهو المعجمة - وعليه الرافعي وغيره - أو المهملة - وهو المعتمد كما تقرر؟ فيدخل كل ما قبله، ومنه المعجمة اه. (وقوله: بل هو موهم) أي أنها إن لم تصل إلى هذا الحد الذي هو مخرج الحاء المهملة، بل وصلت قبله من جهة الأسنان، لم يفطر. وليس كذلك، لأن المدار على ابتلاعها بعد حصولها في ظاهر الفم مطلقا. لا فرق بين أوله وآخره ووسطه. (قوله: وهو) أي حد الظاهر. (قوله: مخرج الحاء المهملة) أي على المعتمد. وعليه، فما بعد ذلك هو الباطن، وهو مخرج الهمزة والهاء، وما فوق ذلك كله ظاهر، ومنه مخرج الخاء المعجمة.

مطلقا، وجاز له - إن ضره - بقاوها مع القضاء: كما أفتى به شيخنا (و) يفطر (بدخول عين) وإن قلت إلى ما يسمى (جوفا): أي جوف من مر: كباطن أذن، وإحليل، - وهو مخرج بول - ولبن - وإن لم يجاوز الحشفة أو الحلمة ووصول أصبع المستنجية إلى وراء ما يظهر من فرجها عند جلوسها على قدميها: مفطر، وكذا وصول بعض الانملة إلى المسربة، كذا أطلقه القاضي، وقيده السبكي بما إذا وصل شئ منها إلى المحل المجوف ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في النهاية: ثم داخل الفم والأنف إلى منتهى الغلصمة والخيشوم، له حكم الظاهر بالنسبة للافطار باستخراج القئ إليه، أو ابتلاع النخامة منه، ولعدم الإفطار بالنسبة لدخول شئ فيه وإن أمسكه وبالنسبة للنجاسة فإذا تنجس وجب غسله، وله حكم الباطن بالنسبة للريق. فإذا ابتلعه لا يفطر، وبالنسبة للجنابة فلا يجب غسله، وفارقت النجاسة - حيث وجب غسلها منه - بأنها أفحش وأندر، فضيق فيها ما لم يضيق في الجنابة. اه. بتصرف. (قوله: فيفطر قطعا) أي بلا خلاف وهو جواب أما. (قوله: ولو دخلت ذبابة جوفه) أي من غير قصد. (وقوله: أفطر بإخراجها) أي لانه قئ مفطر. (وقوله: مطلقا) أي ضره بفاؤها أو لا. (قوله: وجاز له) أي جاز إخراجها له. (وقوله: إن ضره بقاؤها) في التحفة - نعم، إن ضره بقاؤها ضررا يبيح التيمم: لم يبعد جواز إخراجها ووجوب القضاء. اه. (قوله: كما أفتى به شيخنا) في الكردي ما نصه: وقع في موضع من فتاوى الشارح عدم الفطر بإخراجها، لكنه رجع عنه في جواب عنها آخر، وقال في آخره: قد سبق مني إفتاء بأن إخراجها غير مفطر، والأوجه ما ذكرته الآن. اه. (قوله: ويفطر بدخول عين) أصل المتن: وبدخول عين - عطف على بجماع -. وانظر: لم قدر الشارح المتعلق فيه ولم يقدر عند قوله واستمناء، وعند قوله واستقاءة؟ (فإن قلت): لأنه يوهم هنا لو لم يقدره أنه معطوف على أقرب مذكور، وهو قوله بقلع نخامة، مع أنه ليس كذلك بخلافه هناك. (قلت): الإيهام موجود عند قوله واستقاءة، وذلك لأنه يوهم عطفه على أقرب مذكور، وهو بقبلة وضم، مع أنه ليس كذلك. إذا علمت ذلك، فلعله قدره هنا لطول العهد، ومحل الإفطار بوصول العين إذا كانت من غير ثمار الجنة - جعلنا الله من أهلها - فإن كانت العين من ثمارها: لم يفطر بها. (قوله: وأن قلت) أي العين - كسمسمة - أي أو لم تؤكل عادة - كحصاة. (قوله: إلى ما يسمى جوفا) متعلق بدخول. وخرج به ما لا يسمى جوفا، كداخل مخ الساق أو لحمه، فلا يفطر بوصول شئ إليه. (قوله: أي جوف من مر) هو العامد العالم المختار. (قوله: كباطن أذن) تمثيل للجوف. قال ع ش: قال في شرح البهجة: لأنه نافذ إلى داخل قحف الرأس، وهو جوف. اه. (قوله: وهو) أي الإحليل. (وقوله: مخرج بول) أي من الذكر. (وقوله: ولبن) أي ومخرج لبن، أي من الثدي. فالإحليل يطلق على شيئين: على مخرج البول، ومخرج اللبن. قال في المختار: والإحليل: مخرج البول، ومخرج اللبن من الضرع والثدي. اه. ع ش. (قوله: وإن لم تجاوز الخ) غاية في فطره بدخول عين في إحليل: أي يفطر بدخولها فيه، وإن لم تجاوز تلك العين الحشفة من الذكر، والحلمة من الثدي. (قوله: أو الحلمة) قال في المصباح: الحلم: القراد الضخم، الواحدة: حلمة. مثل قصب وقصبة، وقيل لرأس الثدي وهي اللحمة الناتئة حلمة على التشبيه بقدرها. قال الأزهري: الحلمة: الحبة على رأس الثدي من المرأة. اه. (قوله: ووصول أصبع) مبتدأ. وقوله: مفطر: خبره. وكان المناسب التفريع، لأن الأصبع يطلق عليها عين. (وقوله: إلى وراء ما يظهر من فرجها) أي من داخله، وهو ما لا يجب غسله عند الاستنجاء. (قوله: عند جلوسها) متعلق بيظهر. (قوله: وكذا وصول الخ) أي وكذلك يفطر وصول بعض الأنملة إلى المسربة. وهي مجرى الغائط ومخرجه. وقيل حلقة الدبر. قال البجيرمي: ومثله غائط خرج منه ولم ينفصل، ثم ضم دبره ودخل شئ منه إلى داخل دبره، حيث تحقق دخول شئ منه بعد بروزه، لأنه خرج من معدنه مع عدم حاجة إلى ضم دبره. اه. (قوله: كذا أطلقه القاضي) أي كذا أطلق القاضي

منها، بخلاف أولها المنطبق فإنه لا يسمى جوفا، وألحق به أول الاحليل الذي يظهر عند تحريكه، بل أولى. قال ولده: وقول القاضي: الاحتياط أن يتغوط بالليل: مراده أن إيقاعه فيه خير منه في النهار، لئلا يصل شئ إلى جوف مسربته، لا أنه يؤمر بتأخيره إلى الليل، لان أحدا لا يؤمر بمضرة في بدنه، ولو خرجت مقعدة مبسور: لم يفطر بعودها، وكذا إن أعادها بأصبعه، لاضطراره إليه. ومنه يؤخذ - كما قال شيخنا - أنه لو اضطر لدخول الاصبع إلى الباطن لم يفطر، وإلا أفطر وصول الاصبع إليه. وخرج بالعين: الاثر - كوصول الطعم بالذوق إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ الفطر بوصول شئ إلى المسربة: أي حكم بأن ما ذكر يفطر مطلقا - سواء وصل إلى المحل المجوف منها، أم لا. (قوله: وقيده) أي قيد الفطر السبكي: بما إذ وصل شئ من الأنملة إلى المحل المجوف منها، وهو ما لا يجب غسله. وفي البجيرمي مثله، وعبارته: وضابط الدخول المفطر: أن يجاوز الداخل ما لا يجب غسله في الاستنجاء بخلاف ما يجب غسله في الاستنجاء، فلا يفطر إذا أدخل أصبعه ليغسل الطيات التي فيه. اه. (قوله: بخلاف أولها) أي المسربة: أي فلا يضر وصول شئ إليه. (وقوله: المنطبق) أي المنضم بعضه إلى بعض. (قوله: وألحق به) أي ألحق السبكي بأول المسربة: أول الإحليل - في عدم الفطر بوصول شئ إليه. (قوله: الذي يظهر إلخ) صفة لأول الإحليل، أو بدل، أو عطف بيان، أو خبر لمبتدأ محذوف - وهو أولى - أي أن أول الإحليل هو الذي يظهر عند تحريكه. (قوله: بل أولى) أي بل أول الإحليل أولى من أول المسربة في عدم الفطر بوصول شئ إليه. (قوله: قال ولده) أي السبكي، وهو كلام مستأنف ساقه لبيان مراد القاضي بما ذكره. (قوله: وقول القاضي الخ) مقول القول. (قوله: مراده) أي القاضي، بقوله المذكور (والحاصل) أن قوله القاضي المذكور صادق بصورتين: بما إذا كان حاقبا في الليل ويمكنه الصبر إلى النهار، وبما إذا كان حاقبا في النهار ويمكنه الصبر إلى الليل، فظاهره أنه يؤمر بالتغوط في الليل في الصورتين، وليس كذلك، بل في الصورة الأولى فقط، وأما في الثانية فيتغوط نهارا، ولا يؤخر إلى الليل، لئلا يضره ذلك. (قوله: إن إيقاعه) أي التغوط. (وقوله: فيه) أي في الليل. (قوله: خير منه في النهار) أي خير من إيقاع التغوط في النهار. وسكت عن حكم البول. ورأيت في هامش فتح الجواد، نقلا عن الإمداد، ما نصه: وأما البول فلا خير في إيقاعه في أحدهما، بل هو فيهما سواء، إذ لا يخشى منه مفطر، إلا في حق من ابتلي بوسوسة أو سلس، فإيقاعه حينئذ ليلا خير منه نهارا. اه. (قوله: لئلا يصل إلخ) علة للخيرية. (قوله: لا أنه الخ) أي لا إن مراده أنه يؤمر بتأخير التغوط إلى الليل. قال سم: قد لا يضر التأخير، فما المانع من حمل كلام القاضي بظاهره على هذا المعنى؟. اه. (قوله: لأن أحدا الخ) علة النفي. (وقوله: بمضرة في بدنه) وهي هنا تأخير التغوط لليل. (قوله: لم يفطر بعودها) أي إلى دبره والمراد بنفسها - بدليل المقابلة. (قوله: وكذا إن أعادها بأصبعه) أي وكذلك لا يفطر إن أعادها بواسطة أصبعه. (قوله: لاضطراره إليه) علة لعدم فطره بعودها، أي وإنما لم يفطر بذلك لاضطراره واحتياجه إليه - أي إلى العود - فسومح في عودها، ولو كان بفعل الفاعل. قال البجيرمي: وعلى المسامحة: فهل يجب غسل ما عليها - أي المقعدة - من القذر - لأنه بخروجه معها صار أجنبيا فيضر عوده معها للباطن، أو لا؟ كما لو أخرج لسانه وعليه ريقه، لأن ما عليها لم يفارق معدته؟ كل محتمل، والثاني أقرب. والكلام - كما هو ظاهر - حيث لم يضر غسلها، وإلا تعين الثاني، كما ذكره ابن حجر. اه. (قوله: ومنه يؤخذ) أي من التعليل المذكور يؤخذ عدم الفطر بدخول الأصبع معها إلى الباطن، إذا اضطر إلى ذلك. (قوله: كما قال شيخنا) عبارته في فتح الجواد: ولا فطر بخروج مقعدة المبسور وعودها بأصبعه لاضطراره إليه. ومنه يؤخذ أنه إن اضطر لدخول الأصبع معها إلى الباطن لم يفطر، وإلا أفطر بوصول الأصبع إليه. اه. (قوله: وخرج بالعين) أي في قوله ويفطر بدخول عين. (وقوله: الأثر) أي أثر تلك العين - كرائحتها وطعمها. (قوله: كوصول الطعم) بفتح الطاء: هو الكيفية الحاصلة من الطعام - كالحلاوة - وضدها: من غير وصول عين. قال في المصباح: الطعم بالفتح: ما يؤديه الذوق، فيقال: طعمه حلو أو حامض. وتغير طعمه: إذا خرج عن وصفه الخلقي. اه. وأما

حلقه -. وخرج بمن مر - أي العامد العالم المختار - الناسي للصوم، والجاهل المعذور بتحريم إيصال شئ إلى الباطن، وبكونه مفطرا والمكره، فلا يفطر كل منهم بدخول عين جوفه، وإن كثر أكله، ولو ظن أن أكله ناسيا مفطر فأكل جاهلا بوجوب الامساك: أفطر. ولو تعمد فتح فمه في الماء فدخل جوفه أو وضعه فيه فسبقه أفطر. أو ـــــــــــــــــــــــــــــ الطعم - بالضم - فهو بمعنى الطعام، وليس مرادا هنا. (وقوله: بالذوق) الباء سببية، أي بسبب ذوق الطعم وإدخاله في فمه ليغرفه. ومثل وصوله الطعم: وصول الرائحة إلى جوفه، فإنه لا يفطر به، لأنها أثر، لا عين. وفي الكردي ما نصه: وفي النهاية - كالإمداد - وصول الدخان الذي فيه رائحة البخور وغيره إذا لم يعلم انفصال عين فيه إلى الجوف لا يفطر به، وإن تعمد فتح فيه لأجل ذلك، وهو ظاهر. وفي التحفة وفتح الجواد عدم ضرر الدخان. وقال سم في شرح أبي شجاع: فيه نظر، لأن الدخان عين. اه. وفي البيجرمي: وأما الدخان الحادث الآن المسمى بالتتن - لعن الله من أحدثه - فإنه من البدع القبيحة - فقد أفتى شيخنا الزيادي أولا بأنه لا يفطر، لأنه إذ ذاك لم يكن يعرف حقيقته، فلما رأى أثره بالبوصة التي يشرب بها، رجع وأفتى بأنه يفطر. اه. (قوله: وخرج بمن مر) أي في قوله سابقا. أي جوف من مر. (وقوله: أي العامد إلخ) تفسير لمن مر. (قوله: الناسي) فاعل خرج، وهذا خرج بقيد العالم المندرج تحت من مر. (قوله: والجاهل المعذور) هذا خرج بقيد العالم المندرج تحت من مر أيضا. (وقوله: بتحريم إيصال شئ إلى الباطن) متعلق بالجاهل، أي الجاهل بتحريم إيصال شئ، أي مبهم أو معين، مع علمه بأن بعض الأشياء مفطر: مبهما أو معينا، وليس المراد أنه جاهل بأن هناك مفطر رأسا، وإلا لا يتصور منه نية الصوم، - كذا في التحفة - ونصها: وليس من لازم ذلك - أي الجهل بما ذكر - عدم صحة نيته للصوم نظرا إلى أن الجهل بحرمه الأكل يستلزم الجهل بحقيقة الصوم، وما تجهل حقيقته لا تصح نيته، لأن الكلام فيمن جهل حرمة شئ خاص من المفطرات النادرة. اه. (وقوله: وبكونه مفطرا) معطوف على بتحريم: أي الجاهل بالتحريم، والجاهل بكونه مفطرا. وأفاده بالعطف بالواو أنه لا يغتفر جهله إلا إن كان جاهلا بهما معا، وهو كذلك، فلو لم يكن جاهلا بهما - بأن كان عالما بهما معا، أو عالما بأحدهما جاهلا بالآخر - ضر، ولا يعذر، لأنه كان من حقه إذا علم الحرمة وجهل أنه مفطر، أو العكس، أن يمتنع. (قوله: والمكره) أي على الفطر، وهذا خرج بقيد الاختيار المندرج تحت من مر أيضا. (قوله: فلا يفطر كل منهم) أي من الناسي، والجاهل، والمكره، وذلك لعموم خبر الصحيحين: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب - وفي رواية وشرب - فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه، وصح، ولا قضاء عليه. ولخبر: رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه. والجاهل كالناسي، بجامع العذر. (قوله: وإن كثر أكله) أي فإنه لا يفطر بذلك، وتقدم الفرق بين الصوم وبين الصلاة، فارجع إليه إن شئت. (قوله: ولو ظن أن أكله ناسيا مفطر الخ) يعني لو أكل ناسيا وظن أن أكله نسيانا مفطر، فأكل ثانيا عمدا جاهلا بوجوب الإمساك - أي باستمرار الصوم في حقه، بعدم فطره بالأكل نسيانا - أفطر بالأكل الثاني، لوقوعه منه عمدا. (قوله: ولو تعمد فتح فمه في الماء الخ) عبارة النهاية مع الأصل: وكونه - أي الواصل - بقصد، فلو وصل جوفه ذباب أو بعوضة أو غبار الطريق وغربلة الدقيق، لم يفطر، وإن أمكنه اجتناب ذلك بإطباق الفم أو غيره، لما فيه من المشقة الشديدة - بل لو فتح فاه عمدا حتى دخل جوفه: لم يفطر أيضا، لأنه معفو عن جنسه. ولو فعل مثل ذلك - أي فتح فاه عمدا - وهو في الماء فدخل جوفه، وكان بحيث لو سد فاه لم يدخل: أفطر، لقول الأنوار: ولو فتح فاه في الماء فدخل جوفه: أفطر. ويوجه بأن ما مر إنما عفي عنه لعسر تجنبه، وهذا ليس كذلك. وفيه - أي الأنوار - لو وضع شيئا في فيه عمدا - أي لغرض - وابتلعه ناسيا: لم يفطر. ويؤيده قول الدارمي: لو كان بفيه أو أنفه ماء فحصل له نحو عطاس، فنزل به الماء جوفه، أو صعد لدماغه لم يفطر، ولا ينافيه ما يأتي من الفطر بسبق الماء الذي وضعه في فيه، لأن العذر هنا أظهر. اه. بتصرف. (وقوله: أي لغرض) صوره سم بما

وضع في فيه شيئا عمدا وابتلعه ناسيا، فلا. ولا يفطر بوصول شئ إلى باطن قصبة أنف حتى يجاوز منتهى الخيشوم، وهو أقصى الانف. و (لا) يفطر (بريق طاهر صرف) أي خالص ابتلعه (من معدنه) وهو جميع الفم، ولو بعد جمعه على الاصح، وإن كان بنحو مصطكى. أما لو ابتلع ريقا اجتمع بلا فعل، فلا يضر قطعا. وخرج بالطاهر: المتنجس بنحو دم لثته فيفطر بابتلاعه، وإن صفا، ولم يبق فيه أثر مطلقا، لانه لما حرم ابتلاعه لتنجسه صار بمنزلة عين أجنبية. قال شيخنا: ويظهر العفو عمن ابتلي بدم لثته بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه. وقال ـــــــــــــــــــــــــــــ لو وضعه لنحو الحفظ، وكان مما جرت العادة بوضعه في الفم. اه. قال ع ش: وينبغي أن من النحو: ما لو وضع الخبز في فمه لمضغه لنحو الطفل - حيث احتاج إليه -، أو وضع شيئا في فمه لمداواة أسنانه به - حيث لم يتحلل منه شئ - أو لدفع غثيان خيف منه القئ. اه. (قوله: أو وضعه فيه) أي أو وضع الماء في فمه. (قوله: فسبقه) أي دخل جوفه قهرا. (قوله: أفطر) جواب لو. (قوله: أو وضع في فيه شيئا) أي سواء كان ماء أو غيره. (وقوله: وابتلعه ناسيا) أي دخل جوفه نسيانا. (وقوله: فلا) أي فلا يفطر. والفرق بين السبق والنسيان - حيث إنه يفطر مع الأول، ولا يفطر مع الثاني - أنه في حالة النسيان لا فعل له يعتد به، فلا تقصير، ومجرد تعمد وضعه في فيه لا يعد تقصيرا، لأن النسيان لا يتسبب عنه، بخلاف السبق. كذا في سم، وفي فتح الجواد: وفارق النسيان السبق: بأن العذر في النسيان أظهر. اه. (قوله: ولا يفطر بوصول إلى باطن قصبة أنف) أي لأنها من الظاهر، وذلك لأن القصبة من الخيشوم، والخيشوم جميعه من الظاهر. (قوله: حتى يجاوز منتهى الخيشوم) أي فإن جاوزه أفطر، ومتى لم يجاوز لا يفطر. (وقوله: وهو) أي المنتهى. (قوله: ولا يفطر بريق إلخ) أي لعسر التحرز عنه. والمراد بالريق ريقه، أما ريق غيره فيفطر به. وما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يمص لسان السيدة عائشة رضي الله عنها فيحتمل أنه يمجه. (قوله: طاهر الخ) ذكر ثلاثة قيود: كونه طاهرا، وكونه صرفا، وكونه من معدنه. وسيذكر محترزاتها. (قوله: ابتلعه) بيان لمتعلق الجار والمجرور بعده. (قوله: وهو) أي معدنه جميع الفم، وقد تقدم أنهم جعلوا الفم بالنسبة للريق والوضوء والغسل باطنا. وبالنسبة لإزالة النجاسة منه ودخول غير الريق منه، وخروج شئ من الباطن إليه، ظاهرا. فلا تغفل. (قوله: ولو بعد جمعه) غاية في عدم الفطر بابتلاع الريق. أي لا يفطر ولو ابتعله بعد جمعة في فمه، وهي للرد - كما يفيده قوله بعد على الأصح. (قوله: وإن كان بنحو مصطكى) غاية للغاية، أي وإن كان جمعه حاصلا، بواسطة مضغ نحو مصطكى كلبان. (قوله: أما لو ابتلع) مقابل قوله ولو بعد جمعه، إذ المراد منه فعل الفاعل. (قوله: فلا يضر قطعا) أي بلا خلاف. (قوله: وخرج بالطاهر) أي بالريق الطاهر. (وقوله: المتنجس) أي الريق المتنجس. (وقوله: بنحو دم لثته) متعلق بالمتنجس، أي متنجس بسبب نحو دم لثته ونحوه كالقئ، وكأكله شيئا نجسا ولم يغسل فمه منه. (قوله: فيفطر) أي الصائم. (وقوله: بابتلاعه) أي الريق المتنجس بما ذكر. (قوله: وإن صفا) أي الريق من نحو الدم. وهو غاية في فطره بما ذكر. (وقوله: ولم يبق فيه) أي الريق، أثر: أي من آثار نحو الدم. (وقوله: مطلقا) أي أصلا - لا كثيرا ولا قليلا - هذا هو المراد من الإطلاق. (قوله: لأنه لما حرم إلخ) علة للفطر بابتلاعه ما ذكر. وضمير أنه: للريق. (وقوله: لتنجسه) أي لأجله، وهو علة الحرمة. (وقوله: صار) أي الريق المذكور. (وقوله: بمنزلة عين أجنبية) أي وهي يفطر ابتلاعها. (قوله: قال شيخنا ويظهر الخ) أي قياسا على مقعدة المبسور. ومثله في النهاية ونصها: ولو عمت بلوى شخص بدمي لثته بحيث يجري دائما أو غالبا سومح بما يشق الاحتراز عنه، ويكفي بصقه، ويعفى عن أثره، ولا سبيل إلى تكليفه غسله جميع نهاره، إذ الفرض أنه يجري دائما أو يترشح، وربما إذا غسله زاد جريانه - كذا قاله الأذرعي - وهو فقه ظاهر. اه. وقال في بشرى الكريم: ولنا وجه بالعفو عنه مطلقا إذا كان صافيا، وفي تنجس الريق به إشكال: لأنه نجس عم

بعضهم: متى ابتلعه المبتلى به مع علمه به وليس له عنده بد، فصومه صحيح، وبالصرف المختلط بطاهر آخر، فيفطر من ابتلع ريقا متغيرا بحمرة نحو تنبل، وإن تعسر إزالتها، أو بصبغ خيط فتله بفمه، وبمن معدنه ما إذا خرج من الفم لا على لسانه ولو إلى ظاهر الشفة ثم رده بلسانه وابتلعه، أو بل خيطا أو سواكا بريقه أو بماء فرده إلى فمه وعليه رطوبة تنفصل وابتلعها: فيفطر. بخلاف ما لو لم يكن على الخيط ما ينفصل لقلته أو لعصره أو ـــــــــــــــــــــــــــــ اختلاطه بمائع، وما كان كذلك لا ينجس ملاقيه، كما في الدم على اللحم إذا وضع في الماء للطبخ، فإن الدم لا ينجس الماء. اه. (قوله: وقال بعضهم إلخ) صنيعه يفيد أنه مخالف لكلام شيخه، مع أنه عينه. ثم رأيته في التحفة ذكر كلام البعض المذكور ومؤيدا لما قاله، وعبارتها: ويظهر العفو عمن ابتلي بدم لثته بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه، قياسا على ما مر في مقعدة المبسور. ثم رأيت بعضهم بحثه واستدل له بأدلة، وهي رفع الحرج عن الأمة، والقياس على العفو عما مر في شروط الصلاة، ثم قال: فمتى ابتلعه مع علمه به وليس له عنه بد، فصومه صحيح. اه. (قوله: المبتلى به) أي بدم لثته. (وقوله: وليس له) أي للمبتلى به. (وقوله: عنه) أي عن بلعه. (وقوله: بد) أي غنى. (قوله: وبالصرف) معطوف على بالطاهر: أي وخرج بالصرف، أي الريق الصرف. (وقوله: المختلط) فاعل الفعل المقدر قبل الجار والمجرور. (قوله: بطاهر) قيد به، لأن النجس قد علم مما قبله. (وقوله: آخر) أي غير الريق، والمراد أجنبي. (قوله: فيفطر من ابتلع ريقا متغيرا بحمرة نحو تنبل) أي لأن تغير لونه يدل على أن به عينا. (قوله: وإن تعسر إزالتها) أي الحمرة من الريق. (قوله: أو بصبغ خيط) معطوف على بحمرة نحو تنبل: أي أو متغيرا بصبغ خيط قتله بفمه. قال في النهاية: ولو بلون أو ريح - فيها يظهر من إطلاقهم - إن انفصلت منه عين، لسهولة التحرز عن ذلك. اه. وكتب الرشيدي: قوله إن انفصلت منه عين: علم منه أن المدار على العين، لا على اللون ولا على الريح، فلا حاجة إلى الغاية، بل هي توهم خلاف المراد على أن اللون في الريق لا يكون إلا عينا - كما هو ظاهر - اه. وقوله: على أن اللون إلخ: تقدم - في فصل مبطلات الصلاة - عن ع ش ما يفيد خلافه، وحاصل ما تقدم عنه أن الأثر الباقي بعد شرب القهوة مما يغير لونه أو طعمه يضر ابتلاعه، وعلله بالعلة المذكورة، ثم ذكر احتمال أن يقال بعدم الضرر، وعلله بأن مجرد اللون يجوز أن يكون اكتسبه الريق من مجاورته للأسود مثلا. قال: وهذا هو الأقرب، أخذا مما قالوه في طهارة الماء إذا تغير بمجاور. فقوله: إن مجرد اللون بجوز إلخ: يخالف قول الرشيدي أن اللون لا يكون إلا عينا. (والحاصل) الذي يؤخذ من كلامهم أنه إن علم انفصال عين في الريق: ضر بالنسبة للصلاة والصوم، وإلا فلا، وإن تغير لونه أو ريحه، سواء كان بالصبغ أو بنحو تنبل. فتنبه. (قوله: وبمن معدنه الخ) معطوف على بالطاهر. أي وخرج بمن معدنه. (وقوله: ما إذا خرج من الفم) فاعل الفعل المقدر. (قوله: لا على لسانه) معطوف على مقدر. أي ما إذا خرج على أي شئ كسواك لا إن كان خرج من الفم وهو على لسانه، فلا يضر ابتلاعه إذ اللسان كيفما تقلب معدود من داخل الفم فلم يفارق ما عليه معدنه. (قوله: ولو إلى ظاهر الشفة) أي ولو كان خروجه إلى ظاهر الشفة فقط، فإنه يضر ابتلاعه حينئذ. (قوله: ثم رده بلسانه) معطوف على خرج أي خرج من الفم ثم رده وابتلعه. (قوله: أو بل خيطا إلخ) انظر معطوف على أي شئ؟ وظاهر أنه معطوف على خرج من الفم: أي وخرج بمن معدنه ما إذا بل إلخ. لكن يبعده قوله بعد أو بماء، إذ الكلام في الريق، لا في الماء. ولو قال: ولو بل، إلخ - بزيادة لو الشرطية - وتكون الجملة مستأنفة، لكان أولى. فتنبه. (قوله: فرده) أي ما ذكر من الخيط أو السواك. (وقوله: وعليه الخ) أي والحال أن عليه: أي ما ذكر من الخيط أو السواك، فالجملة حالية، وضمير عليه يعود أيضا على ما ذكر. (قوله: وابتلعها) أي الرطوبة. (قوله: فيفطر) جواب إذا، فهو مرتبط بجميع المخرجات. (قوله:

لجفافه، فإنه لا يضر، كأثر ماء المضمضة، وإن أمكن مجه لعسر التحرز عنه، فلا يكلف تنشيف الفم عنه. (فرع) لو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه بطبعه لا بقصده: لم يفطر إن عجز عن تمييزه ومجه، وإن ترك التخلل ليلا مع علمه ببقائه وبجريان ريقه به نهارا، لانه إنما يخاطب بهما إن قدر عليهما حال الصوم، لكن يتأكد التخلل بعد التسحر، أما إذا لم يعجز أو ابتلعه قصدا: فإنه مفطر جزما، وقول بعضهم يجب غسل الفم مما أكل ليلا وإلا أفطر: رده شيخنا. (ولا يفطر بسبق ماء جوف مغتسل عن) نحو (جنابة) كحيض، ونفاس إذا كان ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف ما لو لم يكن على الخيط) أي أو السواك، ولو قال عليه - بالضمير، كسابقه - لكان أولى. (قوله: لقلته) أي ما على الخيط من الرطوبة. (قوله: أو لعصره أو لجفافه) يصح إرجاع الضمير فيهما على ما على الخيط أو السواك، ويصح إرجاعه لنفس الخيط أو السواك، والأول أنسب بالضمير الذي قبله. (قوله: فإنه لا يضر) أي فإن رد الخيط أو السواك إلى فمه، وعليه رطوبة لا تنفصل، لا يضر في الصوم، لعدم وصول شئ إلى جوفه. (قوله: كأثر ماء المضمضة) أي لعدم ضرر أثر ماء المضمضة. (قوله: وإن أمكن مجه) أي إخراج ذلك الأثر من الفم. وهو غاية في عدم ضرر أثر ماء المضمضة. (قوله: لعسر التحرز عنه) أي عن أثر ماء المضمضة، وهو تعليل لعدم ضرره للصوم. (قوله: فلا يكلف) أي الصائم، وهو تفريع على عسر التحرز عنه، أو على عدم الضرر من الأثر. (وقوله: عنه) أي الأثر. وعن: بمعنى من. (قوله: فرع: لو بقي الخ) هذا مستثنى من قوله ويفطر بدخول عين جوفا، فكأنه قال ويفطر إلا في هذه المسألة. (قوله: فجرى به ريقه) أي فجرى بالطعام ريقه، أي دخل بواسطته إلى الجوف. (وقوله: بطبعه) أي بنفسه. (قوله: لا بقصده) أي لا باختياره وفعله. وعبارة التحفة: لا بفعله. اه. والتصريح بهذا - مع ما قبله - تأكيد، وإلا فهو معلوم من التعبير بجرى، إذ هو يستلزم عدم القصد، ولذلك أخرج في التحفة به ما كان بالقصد، وعبارتها: وخرج بجرى ابتلاعه قصدا. اه. (وقوله: إن عجز) أي في حال جريانه، وإن قدر على إخراجه من بين أسنانه قبل جريانه، وهو قيد لعدم فطره. وسيذكر محترزه. (قوله: عن تمييزه) أي الطعام عن الريق. (وقوله: ومجه) أي رميه وطرحه. (قوله: وإن ترك التخلل ليلا) غاية في عدم الفطر. أي لا يفطر وإن ترك التخلل ليلا. وهذا هو الأصح، وقيل إن نقى أسنانه بالخلال على العادة لم يفطر، وإلا أفطر، وقيل لا يفطر مطلقا. (قوله: مع علمه إلخ) متعلق بترك، فهو في حيز الغاية. (وقوله: ببقائه) أي الطعام. (وقوله: وبجريانه ريقه به) أي بالطعام. (وقوله: نهارا) ظرف متعلق بجريان. (قوله: لأنه إنما يخاطب الخ) علة لعدم فطره إذا ترك التخلل ليلا، وعلم بحريان ريقه به نهارا. (قوله: بهما) أي بالتمييز والمج. (قوله: إن قدر عليهما) أي التمييز والمج، وهو قيد في الخطاب. (وقوله: حال الصوم) متعلق بيخاطب. أي يخاطب بهما حال الصوم، أي فلا يجب تقديمهما على وقت الصوم. (قوله: لكن يتأكد التخلل إلخ) أي خروجا من خلاف القائل بالوجوب. (قوله: أما إذا لم يعجز) أي عن تمييزه ومجه، وهذا محترز قوله إن عجز عن تمييزه ومجه. (قوله: أو ابتلعه قصدا) هذا خرج بقوله لا بقصده أو بقوله جرى - كما علمت. (قوله: فإنه مفطر) أي فإن جريان الريق بالطعام حينئذ مفطر، لكن محله فيما إذا ابتلعه قصدا أن يكون متذكرا للصوم، وإلا فلا يفطر - كما في سم -، وعبارته: قوله: ابتلاعه قصدا: أي مع تذكر الصوم، فخرج النسيان أخذا مما تقدم أنه لو وضع شيئا بفمه عمدا ثم ابتلعه ناسيا لم يفطر. فليتأمل. اه. (قوله: وقول بعضهم) مبتدأ، خبره جملة، رده شيخنا. (وقوله: يجب الخ) مقول القول. (وقوله: مما أكل) أي من الطعام الذي أكل. (وقوله: ليلا) ظرف متعلق بكل من غسل ومن أكل. (قوله: وإلا أفطر) أي وإن لم يغسل أفطر. والظاهر أن مراده أفطر إذا بقي طعام، وجرى به ريقه، لأنه مقصر بعدم غسله، وليس مراده أنه يفطر مطلقا، ولو لم يجر بالطعام الريق، إذ لا معنى له. فتأمل. (قوله: رده شيخنا) أي في الإمداد - كما يستفاد من عبارة فتح الجواد - ونصها بعد كلام: بخلاف ما إذا تعذر تمييزه ومجه، وإن ترك الخلال ليلا، مع علمه ببقائه وبجريان ريقه نهارا، لأنه إنما يخاطب بهما إن قدر عليهما حال الصوم - كما بينته في الأصل - مع رد القول بأنه يجب غسل الفم مما أكل ليلا، وإلا أفطر. اه. (قوله: ولا يفطر)

الاغتسال (بلا انغماس) في الماء، فلو غسل أذنيه في الجنابة فسبق الماء من إحداهما لجوفه: لم يفطر، وإن أمكنه إمالة رأسه أو الغسل قبل الفجر. كما إذا سبق الماء إلى الداخل للمبالغة في غسل الفم المتنجس لوجوبها: بخلاف ما إذا اغتسل منغمسا فسبق الماء إلى باطن الاذن أو الانف، فإنه يفطر، ولو في الغسل الواجب، لكراهة الانغماس: كسبق ماء المضمضة بالمبالغة إلى الجوف مع تذكره للصوم، وعلمه بعدم مشروعيتها، بخلافه بلا مبالغة. وخرج بقولي عن نحو جنابة: الغسل المسنون، وغسل التبرد، فيفطر بسبق ماء فيه، ولو بلا انغماس. ـــــــــــــــــــــــــــــ أي الصائم. (وقوله: بسبق ماء جوف مغتسل) إضافة سبق إلى ما بعده من إضافة المصدر لفاعله. وجوف: مفعوله. والمراد بالسبق: وصول الماء إلى جوفه من غير اختياره وقصده. ولا يخفى ما في عبارته من الإظهار في مقام الإضمار، فلو قال ولا يفطر مغتسل عن جنابة بلا انغماس بسبق ماء جوفه، لسلم من ذلك. (قوله: عن نحو جنابة) متعلق بمغتسل. (قوله: كحيض ونفاس) تمثيل لنحو الجنابة. (قوله: إذا كان الاغتسال الخ) قيد في عدم فطره بالسبق المذكور، وسيذكر محترزه. وقوله: بلا انغماس: متعلق بمحذوف خبر كان الذي قدره الشارح، وباعتبار أصل المتن يكون متعلقا بمغتسل. (قوله: فلو غسل أذنيه الخ) تفريع على المنطوق. (قوله: فسبق الماء من إحداهما لجوفه) أي فوصل الماء من إحدى الأذنين - أي أو منهما - إلى الجوف. (قوله: لم يفطر) أي لأنه تولد من مأمور به بغير اختياره. (قوله: وإن أمكنه إمالة رأسه) غاية في عدم الفطر. أي لا يفطر بسبق ما ذكر إليه، وإن كان يمكنه أن يميل رأسه بحيث لا يدخل الماء جوفه، ولا يكلف ذلك لعسره. (وقوله: أو الغسل) أي وإن أمكنه الغسل قبل الفجر. فهو بالرفع معطوف على إمالة، والظرف متعلق به. (قوله: كما إذا سبق الماء الخ) الكاف للتنظير: أي وهذا نظير ما إذا سق الماء الخ. أي فإنه لا يفطر به. قال سم - نقلا عن م ر: ينبغي ولو تعين السبق بالمبالغة، وعلم بذلك للضرورة. (وقوله: إلى الداخل) الأولى إبدال لفظ الداخل بالجوف - كما فعل فيما قبله وما بعده. (وقوله: للمبالغة) اللام لام الأجل: أي سبق الماء إلى الجوف لأجل المبالغة. (وقوله: لوجوبها) أي المبالغة. وهو علة لعدم إفطاره بالسبق الحاصل لأجل المبالغة. وإنما وجبت لينغسل كل ما في حد الظاهر من الفم - كما في التحفة. (قوله: بخلاف ما إذا اغتسل منغمسا) محترز قوله إذا كان الاغتسال بلا انغماس، فهو مرتبط به. (قوله: إلى باطن الأذن أو الأنف) أي أو الفم أو الدبر. وفي الكردي: وقضية قولهم من فمه أو أنفه أنه لا يضر وصوله من غيرهما: كدبره. قال في الإيعاب: وهو محتمل لندرته جدا، ويحتمل خلافه، وهو الأوجه. فتعبيرهم بفمه أو أنفه: للغالب لا غير. اه. (قوله: فإنه يفطر) قال في النهاية: محله إذا تمكن من الغسل، لا على تلك الحالة، وإلا فلا يفطر - فيما يظهر - اه. (قوله: ولو في الغسل الواجب) الأولى إسقاط هذه الغاية، لأن الكلام في الغسل الواجب، بدليل قوله بعد: وخرج بقولي عن نحو جنابة إلخ. (قوله لكراهة الانغماس) علة للإفطار. (قوله: كسبق ماء المضمضة الخ) الكاف للتنظير: أي أن هذا نظير سبق ماء المضمضة. أي أو الاستنشاق، فإنه يفطر به. (وقوله: بالمبالغة) قال في التحفة: ويظهر ضبطها بأن يملأ فمه أو أنفه ماء، بحيث يسبق غالبا إلى الجوف. وكتب عليه سم: قد يقال ظاهر كلامهم ضرر السبق بالمبالغة المعروفة، وإن لم يملأ فمه أو أنفه كما ذكر. اه. (وقوله: إلى الجوف) متعلق بسبق. والمراد به: ما يشمل الدماغ. (قوله: مع تذكره الخ) متعلق بمحذوف حال من المبالغة: أي يفطر بسبق ماء المضمضة أو الاستنشاق الحاصل بسبب المبالغة حال كونها واقعة، مع تذكره للصوم وعلمه بعدم مشروعية المبالغة. فإن كان سبق الماء بالمبالغة في حال نسيان للصوم، أو الجهل بعدم مشروعيتها، لم يفطر بذلك. (قوله: بخلافه بلا مبالغة) أي بخلاف سبق ما ذكر إليه من غير مبالغة، فإنه لا يفطر بذلك، لكن بشرط أن تكون مضمضته واستنشاقه مشروعين، وإلا بأن كانا لتبرد أو في رابعة، فيفطر،

(فروع) يجوز للصائم، الافطار بخبر عدل بالغروب، وكذا بسماع أذانه، ويحرم للشاك الاكل آخر النهار حتى يجتهد ويظن انقضاءه، ومع ذلك الاحوط: الصبر لليقين. ويجوز الاكل إذا ظن بقاء الليل، باجتهاد أو إخبار، وكذا لو شك، لان الاصل بقاء الليل، لكن يكره، ولو أخبره عدل طلوع الفجر: اعتمده، وكذا فاسق ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه غير مأمور بذلك، بل منهي عنه في الرابعة، وبخلاف سبق ما ذكر إليه، لكن مع نسيان الصوم أو جهله بعدم مشروعية المبالغة. وكان الأولى أن يزيد ما ذكر لأنه محترز القيدين الأخيرين. (قوله: وخرج بقولي عن نحو جنابة الغسل المسنون) في خروج هذا نظر، فإنه مأمور به، فحكمه حكم غسل الجنابة بلا خلاف، بدليل الغاية التي ذكرها قبل - أعني قوله ولو في الغسل الواجب - فإنه يندرج تحتها الغسل المسنون - كما هو ظاهر - فيفيد حينئذ أنه إذا سبق الماء إلى جوفه فيه من غير انغماس: لا يفطر. إذا علمت ذلك، فحذفه والاقتصار على ما بعده - أعني غسل التبرد والتنظف - متعين. (والحاصل) أن القاعدة عندهم أن ما سبق لجوفه من غير مأمور به، يفطر به، أو من مأمور به - ولو مندوبا - لم يفطر. ويستفاد من هذه القاعدة ثلاثة أقسام: الأول: يفطر مطلقا - بالغ أو لا - وهذا فيما إذا سبق الماء إلى جوفه في غير مطلوب كالرابعة، وكانغماس في الماء - لكراهته للصائم - وكغسل تبرد أو تنظف. الثاني: يفطر إن بالغ، وهذا فيما إذا سبقه الماء في نحو المضمضة المطلوبة في نحو الوضوء. الثالث: لا يفطر مطلقا، وإن بالغ، وهذا عند تنجس الفم لوجوب المبالغة في غسل النجاسة على الصائم وعلى غيره لينغسل كل ما في حد الظاهر. ثم رأيت الكردي صرح بهذه الثلاثة الأقسام. فتنبه. (قوله: فيفطر بسبق ماء فيه) أي فيما ذكره من الغسل المسنون وغسل التبرد. (قوله: ولو بلا انغماس) غاية في الفطر. أي يفطر ولو بغير انغماس. (قوله: فروع) أي ستة. (قوله: بخبر عدل بالغروب) أي عن مشاهدة. قال في التحفة: وقول البحر، لا يجوز بخبر العدل كهلال شوال، ردوه بما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشز، فإذا قال قد غابت الشمس، أفطروا، بأنه قياس ما قالوه في القبلة والوقت والأذان. ويفرق بينه وبين هلال شوال بأن ذاك فيه رفع سبب الصوم من أصله، فاحتيط له، بخلاف هذا. اه. (قوله: وكذا بسماع أذانه) أي وكذلك يجوز الفطر بسماع أذان العدل: أي العارف بالأوقات، وكذا باجتهاده بورد أو نحوه. وعبارة التحفة مع الأصل: ويحل بسماع أذان عدل عارف، وإخباره بالغروب عن مشاهدة، وبالاجتهاد بورد أو نحوه في الأصح - كوقت الصلاة. اه. (قوله: ويحرم للشاك الأكل آخر النهار) أي لأن الأصل بقاؤه. (وقوله: حتى يجتهد) أي أو يخبره عدل أو يسمع أذانه، فإنه حينئذ يجوز له الأكل. (وقوله: ويظن انقضاءه) أي باجتهاده. (قوله: ومع ذلك) أي ومع جواز الأكل إذا ظن انقضاء النهار بالاجتهاد. (وقوله: الأحوط الصبر) أي ليأمن من الغلط، ولخبر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. (وقوله: لليقين) قال في النهاية - وذلك بأن يرى الشمس قد غربت، فإن حال بينه وبين الغروب حائل فبظهور الليل من المشرق. اه. (قوله: ويجوز الأكل) أي للتسحر. (وقوله: باجتهاد) متعلق بظن. (وقوله: وإخبار) أي إخبار عدل ببقاء الليل. (قوله: وكذا لو شك) أي وكذلك يجوز الأكل إذا شك في بقاء الليل. قال سم: وهذا بخلاف النية - لا تصح عند الشك إلا إن ظن بقاءه باجتهاد صحيح. كما علم مما تقدم في بحث النية وما في حواشيه، لأن الشك يمنع النية. اه. (قوله: لأن الأصل بقاء الليل) علة لجواز الأكل في صورة الظن وصورة الشك. (قوله: لكن يكره) أي لكن يكره الأكل. وظاهره في الصورتين صورة الظن وصورة الشك، فانظره، فإنه لم يصرح بالكراهة من أصلها، لا في التحفة ولا في النهاية، ولا في غيرهما. (قوله: ولو أخبره عدل بطلوع الفجر: اعتمده) أي وجوبا. وفي التحفة: وحكى في البحر وجهين فيما لو أخبره عدل بطلوع

ظن صدقه. ولو أكل باجتهاد أولا وآخرا فبان أنه أكل نهارا، بطل صومه، إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه، فإن لم يبن شئ: صح. ولو طلع الفجر وفي فمه طعام فلفظه قبل أن ينزل منه شئ لجوفه: صح صومه، وكذا لو كان مجامعا عند ابتداء طلوع الفجر فنزع في الحال - أي عقب طلوعه - فلا يفطر وإن أنزل، لان النزع ترك للجماع. فإن لم ينزع حالا: لم ينعقد الصوم، وعليه القضاء والكفارة (ويباح فطر) في صوم واجب (بمرض مضر) ضررا ـــــــــــــــــــــــــــــ الفجر: هل يلزمه الإمساك بناء على قبول الواحد في هلال رمضان؟ وقضيته ترجيح اللزوم. وهو متجه. اه. (قوله: وكذا فاسق ظن صدقه) أي وكذا يعتمد خبر فاسق في طلوع الفجر إذا ظن صدقه، قياسا على ما مر في رؤية الهلال. (قوله: ولو أكل باجتهاد أولا) أي قبل الفجر في ظنه. (وقوله: أو آخرا) أي بعد الغروب كذلك - كذا في التحفة. (وقوله: فبان أنه أكل نهارا) أي فبعد ذلك ظهر له أنه غلط في اجتهاده وأن أكله وقع نهارا. (قوله: بطل صومه) أي بان بطلانه. (وقوله: إذ لا عبرة الخ) علة للبطلان. وعبارة النهاية والمغني: لتحققه خلاف ما ظنه، ولا عبرة بالظن البين خطؤه. (قوله: فإن لم يبن شئ) عبارة النهاية: فإن لم يبن الغلط بأن بان الأمر كما ظنه، أو لم يبن له خطأ ولا إصابة، صح صومه. اه. (واعلم) أن هذا كله إذا أكل باجتهاد وتحر، فلو هجم وأكل من غير اجتهاد وتحر، فإن كان ذلك آخر النهار، أفطر، وإن لم يبن له شئ - لأن الأصل بقاؤه -، أو آخر الليل، لم يفطر بذلك. ولو هجم فبان أنه وافق الصواب لم يفطر مطلقا. (قوله: ولو طلع الفجر) أي الصادق. (وقوله: وفي فمه طعام) الجملة حالية - أي طلع والحال أن في فمه طعاما. (وقوله: فلفظه) أي أخرجه ورماه من فمه. وخرج به ما لو أمسكه في فيه، فإنه وإن صح صومه، لكنه لا يصح مع سبق شئ منه إلى جوفه، كما لو وضعه في فيه نهارا، فسبق منه شئ إلى جوفه - كما علم مما مر - فلا يعذر بسبقه إلى جوفه إذا أمسكه. كذا في شرح الروض، والتحفة، والنهاية. ويستفاد من عبارة المغني أنه يعذر، ونص عبارته مع الأصل: ولو طلع الفجر الصادق وفي فمه طعام فلفظه - أي رماه - صح صومه، وإن سبق إلى جوفه منه شئ، لأنه لو وضعه في فمه نهارا لم يفطر، وبالأولى إذا جعله في فيه ليلا. ومثل اللفظ ما لو أمسكه ولم يبلع منه شيئا. واحترز به عما لو ابتلع منه شئ باختياره فإنه يفطر. اه. (فقوله: باختياره) يقتضي أنه إذا سبق إلى جوفه لا يفطر لأنه بغير اختياره. (قوله: قبل أن ينزل) قال في التحفة أو بعد أن نزل منه لكن بغير اختياره. اه. وقوله منه: أي من الطعام (قوله: وكذا لو كان مجامعا) أي ومثل من طلع عليه الفجر وفي فمه طعام من طلع الفجر عليه وهو مجامع، فإنه يصح صومه. (وقوله: فنزع في الحال) أي قاصدا بنزعه ترك الجماع لا التلذذ، وإلا بطل. (وقوله: أي عقب طلوعه) أي الفجر، وهو تفسير مراد لقوله في الحال. (وقوله: فلا يفطر) أي المجامع المذكور، وهو تفريع على مفهوم قوله وكذا الخ. (وقوله: وإن أنزل) غاية في عدم الفطر. أي لا يفطر مطلقا - سواء أنزل أم لا -. فلا يضر الإنزال، لتولده من مباشرة مباحة. (وقوله: لأن النزع ترك للجماع) أي فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع - كما لو حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه فنزعه حالا -. وما ذكر: علة لعدم إفطاره بما ذكر (قوله: فإن لم ينزع حالا) مفهوم قوله فنزع في الحال (وقوله: لم ينعقد الصوم) أي لوجود المنافي - كما لو أحرم مجامعا. (وقوله: وعليه القضاء والكفارة) قال في التحفة: لأنه لما منع الأنعقاد بمكثه: كان بمنزلة المفسد له بالجماع. (فإن قلت) ينافي هذا عدم وجوب الكفارة فيما لو أحرم مجامعا، مع أنه منع الانعقاد أيضا. (قلت) يفرق بأن وجوب الكفارة هنا أقوى منها ثم - كما يعلم من كلامهم في البابين - وأيضا فالتحلل الأول لما أثر فيها النقص مع بقاء العبادة، فلأن يؤثر فيها عدم الانعقاد، عدم الوجوب من باب أولى. اه. وفرق في النهاية أيضا بينهما،. بأن النية هنا متقدمة على طلوع الفجر، فكأن الصوم انعقد ثم أفسد، بخلافها ثم. (قوله: ويباح فطر الخ) شروع في بيان ما يباح به الفطر وغيره من وجوب القضاء. (قوله: في صوم واجب) أي رمضان أو غيره: من نذر، أو كفارة، أو قضاء موسع - لا مضيق -. وخرج بالواجب المتطوع به، فيباح فطره مطلقا، سواء كان بمرض أو غيره. (قوله: بمرض الخ) أي لقوله

يبيح التيمم، كأن خشي من الصوم بطء برء، (وفي سفر قصر) دون قصير وسفر معصية. وصوم المسافر بلا ضرر. أحب من الفطر (ولخوف هلاك) بالصوم من عطش أو جوع وإن كان صحيحا مقيما. وأفتى الاذرعي ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: * (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * أي فأفطر فعدة. ثم إن التعبير بالإباحة يفيد أن الفطر للمرض ولخوف الهلاك جائز، لا واجب. وفي الكردي: الذي اعتمده الشارح - أي ابن حجر في كتبه - أنه متى خاف مبيح تيمم لزمه الفطر. وظاهر كلام شيخ الإسلام والخطيب الشربيني والجمال الرملي: أن مبيح التيمم مبيح للفطر، وأن أخوف الهلاك موجب له. وإذا صام من يخشى منه مبيح تيمم، صح صومه - على الراجح. اه. ويمكن حمل الإباحة في كلامه على ما يصدق بالوجوب، لأنه جواز بعد امتناع، فيصدق بالوجوب، ثم إن المرض مبيح للفطر، وإن تعدى بسببه، لأنه لا ينسب إليه، ثم إن أطبق مرضه فواضح، وإلا فإن وجد المرض المعتبر قبيل الفجر لم تلزمه النية، وإلا لزمته. وإذا نوى وعاد - أي المرض - أفطر. (قوله: ضررا) مفعول مطلق لمضر. (وقوله: يبيح التيمم) خرج ما لا يبيحه - كالمرض اليسير، كصداع، ووجع الأذن، والسن - إلا أن يخاف الزيادة بالصوم فيباح له الفطر - كما في النهاية، نقلا عن الأنوار. (قوله: كأن خشى إلخ) تمثيل للمرض المضر المبيح للتيمم: (وقوله: بطء برء) أي تأخير شفاء. (قوله: وفي سفر قصر) معطوف على بمرض: أي ويباح فطر في سفر قصر: أي سفر يباح فيه القصر، وهو ما كان طويلا مباحا. وشرط الفطر في أول أيام سفره أن يفارق ما يشترط مجاوزته للقصر قبل طلوع الفجر، فإن فارقه بعد طلوع الفجر فلا يفطر - تغليبا للحضر - وإذا كان سفره قبل الفجر فله الفطر وإن نوى ليلا فقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - أفطر بعد العصر في سفره بقدح ماء، لما قيل له إن الناس يشق عليهم الصيام. ويستثنى من جواز الفطر بالسفر: مديم السفر، فلا يباح له الفطر، لأنه يؤدي إلى إسقاط الوجوب بالكلية، إلا أن يقصد قضاء في أيام أخر في سفره، ومثله من علم موته عقب العيد، فيجب عليه الصوم إن كان قادرا، فجواز الفطر للمسافر - إنما هو فيمن يرجو إقامة يقضي فيها، وهذا هو ما جرى عليه السبكي، واستظهره في النهاية. والذي استوجهه في التحفة: خلافه، وهو أنه يباح له الفطر - مطلقا - وعبارتها: قال السبكي بحثا: ولا يباح الفطر، لمن لا يرجو زمنا يقضي فيه لإدامته السفر أبدا، وفيه نظر ظاهر، فالأوجه خلافه. اه. (قوله: دون قصير) أي دون سفر قصير - وهو ما دون مرحلتين - فإنه لا يباح الفطر فيه. (وقوله: وسفر معصية) أي ودون سفر معصية، أي سفر أنشأه لأجل معصية - كقطع طريق - فإنه لا يباح له الفطر فيه، وهذا كالذي قبله: علم من إضافة سفر إلى قصر، إذ السفر الذي يجوز فيه الفطر لا بد أن يكون طويلا، وأن يكون مباحا - كما علمت. (قوله: وصوم المسافر بلا ضرر أحب من الفطر) أي لما فيه من براءة الذمة وعدم إخلاء الوقت عن العبادة، ولأنه الأكثر من فعله - صلى الله عليه وسلم -. ومحله إن لم يخش ضررا في الحال أو الاستقبال من الصوم، وإلا فالفطر أفضل، لما في الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا صائما في السفر قد ظلل عليه فقال: ليس من البر أن تصوموا في السفر. بل ربما يجب الفطر إن خشي منه فيه ضررا يبيح التيمم - على ما تقدم. (واعلم) أنه إذا قدم المسافر أو شفي المريض وهما صائمان: حرم عليهما الفطر، لزوال السبب المجوز له. فإن كانا مفطرين - ولو بترك النية - استحب لهما الإمساك، لحرمة الوقت. (قوله: ولخوف الخ) عطف على بمرض، أي ويباح الفطر لخوف هلاك بالصوم - أي على نفسه، أو عضوه، أو منفعته - لقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * وقوله: * (ولا تقتلوا أنفسكم) * وقوله: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * وقد علمت أنه في هذه يجب الفطر، وليس بمباح فقط، فلو تركه واستمر صائما حتى مات: - كما يقع من المتعمقين في الدين - مات عاصيا. (قوله: بالصوم) متعلق بمحذوف صفة لهلاك، والباء سببية، أو بمعنى من التعليلية. (وقوله: من عطش أو جوع) بدل اشتمال من الجار والمجرور، أي يباح لخوف هلاك حاصل له بسبب الصوم، أو من أجل الصوم من أجل الجوع أو العطش. (قوله: وإن كان صحيحا مقيما) غاية في إباحة الفطر لخوف

_ (1) البقرة: 184. (2) الحج: 78. (3) النساء 29. (4) البقرة: 195

بأنه يلزم الحصادين - أي ونحوهم - تبييت النية كل ليلة، ثم من لحقه منهم مشقة شديدة - أفطر، وإلا فلا. (ويجب قضاء) ما فات ولو بعذر من الصوم الواجب، ك (- رمضان) ونذر وكفارة بمرض أو سفر، أو ترك نية أو بحيض أو نفاس، لا بجنون وسكر لم يتعد به. وفي المجموع أن قضاء يوم الشك على الفور، لوجوب إمساكه. ونظر فيه جمع بأن تارك النية يلزمه الامساك مع أن قضاءه على التراخي قطعا. (و) يجب (إمساك) عن مفطر (فيه) ـــــــــــــــــــــــــــــ الهلاك. (قوله: وأفتى الأذرعي إلخ) تضمن الإفتاء المذكور أنه يباح الفطر للحصادين، ومن ألحق بهم، لكن يجب عليهم تبييت النية، لأنه ربما لا تلحقهم مشقة شديدة بالصوم، فيجب عليهم. وقد صرح بالمضمون المذكور في التحفة، ونصها: ويباح تركه لنحو حصاد أو بناء لنفسه أو لغيره تبرعا أو بأجرة، وإن لم ينحصر الأمر فيه. اه. (قوله: أي ونحوهم) كأرباب الصنائع الشاقة. وفي الكردي ما نصه: وظاهر أنه يلحق بالحصادين في ذلك سائر أرباب الصنائع الشاقة، وقضية إطلاقه أنه لا فرق بين الأجير الغني وغيره والمتبرع. نعم، الذي يتجه: تقييد ذلك بما إذا احتيج لفعل تلك الصنعة، بأن خيف من تركها نهارا فوات ماله وقع عرفا. وفي التحفة: لو توقف كسبه لنحو قوته المضطر إليه هو أو ممونه على فطره، فظاهر أن له الفطر، لكن بقدر الضرورة. اه. (وقوله: تبييت النية) فاعل يلزم. (قوله: ثم من لحقه الخ) أي ثم إذا بيت النية وأصبح صائما، فإن لحقه من صومه مشقة شديدة بحيث تبيح التيمم أفطر، وإن لم تلحقه مشقة شديدة به فلا يفطر. (قوله: ويجب قضاء الخ) أي على الفور إن فات بغير عذر، وعلى التراخي أن فات بعذر. لكن محله بالنسبة لرمضان: إن بقي إلى رمضان الثاني ما يزيد على ما عليه من الصوم، وإلا صار فوريا. ومن مات قبل أن يقضي، فلا يخلو إما أن يفوته الصيام بعذر، أو بغير عذر، وعلى الأول: فإن تمكن من القضاء - بأن خلا عن السفر والمرض ولم يقض - يأثم، ويخرج من تركته لكل يوم مد. وإن لم يتمكن منه - بأن مات عقب موجب القضاء أو النذر أو الكفارة، أو استمر به العذر إلى موته - فليس عليه شئ، لا فدية ولا قضاء، ولا إثم. وعلى الثاني - أعني ما إذا فاته بغير عذر - يأثم، ويخرج من تركته لكل يوم مد - سواء تمكن من القضاء أو لا - فحاصل الصور أربع، يجب التدارك في ثلاث، ولا يجب في صورة واحدة. (قوله: ولو بعذر) أي ولو فات بعذر، وهو غاية لقوله يجب قضاء، والمراد، عذر يرجى زواله، أما ما لا يرجى زواله فلا يجب القضاء معه، بل عليه الفدية فقط، كما سيذكره بقوله: وعلى من أفطر لعذر لا يرجى زواله مد بلا قضاء. (قوله: من الصوم الواجب) بيان لما، وخرج به الصوم المندوب، فلا يجب قضاؤه. (قوله: كرمضان إلخ) تمثيل للصوم الواجب. (قوله: بمرض الخ) بدل من قوله بعذر، وهو متعلق بفات المقدر. ولو قال - كما في شرح المنهج - كمرض - بالكاف - ويكون تمثيلا للعذر، لكان أولى. لكن قوله: أو ترك نية، لا يصلح تمثيلا للعذر، إلا أن يحمل على النسيان. والمراد بالمرض ما يرجى برؤه، لأن الذي لا يرجى برؤه لا يوجب القضاء، وإنما يوجب الفدية فقط - كما علمت - ودخل فيه الإغماء، لأنه نوع من المرض. (قوله: أو ترك نية) إنما وجب القضاء عند ترك النية - ولو نسيانا - ولم يجب في الأكل نسيانا، لأن الأكل منهي عنه، والنسيان يؤثر فيه، بخلاف النية، فإنها مأمور بها، والنسيان لا يؤثر فيه. (قوله: أو بحيض) معطوف على بمرض، ولا حاجة إلى إعادة الباء. وإنما وجب قضاء الصوم دون الصلاة لما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة. (وقوله: أو نفاس) أي ولو من علقة أو مضغة، أي أو بلا بلل. (قوله: لا بجنون وسكر) أي لا يجب قضاء ما فات بجنون أو سكر. (قوله: لم يتعد به) أي بما ذكر من الجنون والسكر، فإن تعدى بهما وجب القضاء. (قوله: أن قضاء يوم الشك على الفور) يعني إذا ثبت يوم الشك أنه من رمضان بعد أن أفطر، وجب عليه القضاء على الفور، لتبين وجوبه عليه، وأنه أكل لجهله به. قال في التحفة: والمراد بيوم الشك هنا: هو يوم ثلاثي شعبان، وإن لم يتحدث فيه برؤية - كما هو واضح. اه. بالمعنى. (قوله: لوجوب إمساكه) علة لوجوب قضائه على الفور. (قوله: ونظر فيه) أي في التعليل المذكور، ودفع التنظير المذكور بأن التقصير هنا أظهر، لأن له حيلة في إدراك الهلال غالبا، ولا حيلة له في دفع النسيان أبدا. وعبارة التحفة: وإنما خالفنا ذلك في ناسي النية، لأن عذره أعم وأظهر من نسبته للتقصير، فكفى في عقوبته وجوب القضاء عليه فحسب. اه. (قوله: ويجب إمساك) أي مع

أي رمضان فقط، دون نحو نذر وقضاء، (إن أفطر بغير عذر) من مرض أو سفر، (أو بغلط) كمن أكل ظانا بقاء الليل، أو نسي تبييت النية، أو أفطر يوم الشك وبان من رمضان، لحرمة الوقت. وليس الممسك في صوم شرعي، لكنه يثاب عليه، فيأثم بجماع، ولا كفارة. وندب إمساك لمريض شفي، ومسافر قدم أثناء النهار مفطرا، وحائض طهرت أثناءه (و) يجب (على من أفسده) أي صوم رمضان (بجماع) أثم به لاجل الصوم، ـــــــــــــــــــــــــــــ القضاء. (قوله: أي رمضان فقط) وإنما اختص رمضان بذلك لحرمته، ولأن وجوب الصوم فيه بطريق الأصالة، ولهذا لا يقبل غيره، بخلاف أيام غيره. (قوله: دون نحو نذر وقضاء) أي فلا يجب الإمساك فيهما لانتفاء شرف الوقت عنهما، ولذا لم تجب في إفسادهما كفارة (قوله: إن أفطر بغير عذر) قيد في وجوب الإمساك وخرج به ما إذا كان بعذر فلا يجب عليه الإمساك. نعم، يسن له إذا زال العذر - كما سيذكره. (قوله: من مرض أو سفر) بيان للعذر. (قوله: أو بغلط) معطوف على بغير عذر، أي أو أفطر بسبب غلط وقع له في الوقت. (قوله: كمن أكل ظانا بقاء الليل) تمثيل لمن أفطر بسبب الغلط، واندرج تحت الكاف: من أفطر ظانا الغروب فبان خلافه. (قوله: أو نسي تبييت النية) معطوف على أفطر بغير عذر، ولا يصح عطفه على قوله أكل ظانا الخ، وإن كان صنيعه يقتضيه، لأن من نسي النية ليس من أفراد من أفطر غلطا حتى يصح أن يكون تمثيلا له. وعبارة التحرير: ويجب - مع القضاء - الإمساك في رمضان على متعمد فطر، لتعديه بإفساده، وعلى تارك النية ليلا، وعلى من تسحر ظانا بقاء الليل، أو أفطر ظانا الغروب فبان خلافه، وعلى من بان له يوم ثلاثي شعبان أنه من رمضان. اه. بحذف. (قوله: أو أفطر يوم الشك) معطوف أيضا على أفطر بغير عذر. ويجب إمساك إن أفطر يوم الشك ثم تبين أنه من رمضان. (قوله: لحرمة الوقت) أي وتشبيها بالصائمين. وهو علة لوجوب الإمساك على من أفطر بغير عذر، أو بغلط، أو نسي تبييت النية، أو أفطر يوم الشك. (قوله: وليس الممسك في صوم شرعي) قال ع ش: ومع ذلك، فالظاهر أنه يثبت له أحكام الصائمين، فيكره له شم الرياحين ونحوهما. ويؤيده كراهة السواك في حقه بعد الزوال - على المعتمد. اه. (قوله: لكنه يثاب عليه) أي الإمساك، وهو استدراك من عدم كونه صوما شرعيا. (قوله: فيأثم) لا معنى للتفريع، فالمناسب التعبير بالواو، وتكون عاطفة مدخولها على يثاب، فيصير في حيز الاستدراك. أي لكنه يثاب، ولكنه يأثم بجماع، ومثل الجماع كل محظور. (وقوله: ولا كفارة) أي ومع الإثم في الجماع لا يلزمه كفارة عليه، لأنه ليس صوما حقيقيا. (قوله: وندب إمساك لمريض الخ) هذا مفهوم قوله بغير عذر. ولو قال - كعادته - وخرج بقولي بغير عذر: ما إذا أفطر بعذر - كمرض أو سفر - فإنه يندب له الإمساك إذا شفي، أو قدم أثناء النهار، لكان أنسب. وإنما ندب الإمساك على من ذكر لحرمة الوقت، ولم يجب لعدم وجود تقصير منه. (وقوله: ومسافر قدم) أي دار الإقامة. (وقوله: أثناء النهار) متعلق بكل من شفي وقدم. والمراد بالأثناء: ما قابل الآخر، فيشمل الأول، والوسط وغيرهما. (قوله: مفطرا) حال من نائب فاعل شفي ومن فاعل قدم. أي شفي حال كونه مفطرا وقدم حال كونه مفطرا. وخرج به ما إذا شفي وهو صائم، أو قدم وهو صائم، فيجب الإتمام عليهما كالصبي. (قوله: وحائض طهرت أثناءه) أي النهار. ومثلها النفساء والمجنون إذا أفاق أثناء النهار، والكافر إذا أسلم - كذلك - والصبي إذا بلغ كذلك. (والحاصل) يؤخذ من كلامه قاعدتان، وهما: أن كل من جاز له الإفطار مع علمه بحقيقة اليوم لا يلزمه الإمساك، بل يسن. وكل ما لا يجوز له مع ذلك يلزمه الإمساك. (قوله: ويجب على من أفسده) شروع فيمن تجب عليه الكفارة بسبب الإفطار بمفطر من المفطرات السابقة، وهو الجماع فقط، لكن بشروط ذكر المؤلف بعضها، وحاصلها تسعة. الأول منها: أن يكون الجماع مفسدا للصوم، بأن يكون من عامد مختار عالم بتحريمه. الثاني: أن يكون في صوم رمضان.

لا باستمناء وأكل: (كفارة) متكررة بتكرر الافساد، وإن لم يكفر عن السابق (معه) أي مع قضاء ذلك الصوم. ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: أن يكون الصوم الذي أفسده صوم نفسه. الرابع: أن ينفرد الافساد بالوطئ. الخامس: أن يستمر على الأهلية كل اليوم الذي أفسده، ويعبر عنه بأن يفسد يوما كاملا. السادس: أن يكون ما أفسده من أداء رمضان يقينا. السابع: أن يأثم بجماعه. الثامن: أن يكون إثمه به لأجل الصوم. التاسع: عدم الشبهة. فخرج بالأول: ما لا يكون مفسدا، كأن صدر من ناس أو مكره أو جاهل معذور. وبالثاني: صوم غير رمضان. وبالثالث: ما لو أفسد صوم غيره ولو في رمضان، كأن وطئ مسافر أو نحوه امرأته ففسد صومها. وبالرابع: ما إذا لم ينفرد الإفساد بالوطئ، كأن أفسده بالوطئ وغيره معا. وبالخامس: ما إذا لم يستمر على الأهلية كل اليوم، بأن جن أو مات بعد الجماع. وبالسادس: ما إذا كان الصوم الذي أفسده من قضاء رمضان أو من أداء رمضان لكن من غير تعيين، بأن صامه بالاجتهاد، ولم يتحقق أنه من رمضان، أو صام يوم الشك - حيث جاز - فبان أنه من رمضان. وبالسابع: ما إذا لم يأثم بجماعه، كالصبي، وكذا المسافر والمريض إذا جامعا بنية الترخص. وبالثامن: ما إذا كان الإثم لا لأجل الصوم، كما إذا كان مسافرا أو وطئ بالزنا أو لم ينو ترخصا بإفطاره، فإنه لم يأثم به لأجل الصوم، بل لأجل الزنا (1) أو لعدم نية الترخص. وبالتاسع: ما إذا وجدت شبهة، كأن ظن بقاء الليل فجامع فبان نهارا، أو أكل ناسيا فظن أنه أفطر به فجامع عامدا، فجميع هذه المخرجات ليس فيها كفارة، وحيث قلنا بوجوبها فهي على الواطئ - سواء كان بشبهة، أو نكاح، أو زنا - ويعلم هذا من جعل من الداخلة على أفسده واقعة على الواطئ. (قوله: أي صوم رمضان) تفسير للضمير البارز. وإنما خص صوم رمضان لأن النص ورد فيه، وهو لأجل اختصاصه بفضائل لا يقاس به غيره. (قوله: بجماع) أي في قبل أو دبر، ولو لبهيمة، ولو مع وجود خرقة لفها على ذكره. (قوله: أثم به) يصح ضبطه بصيغة اسم الفاعل، وبصيغة الماضي، وعلى كل: هو صفة لجماع جرت على غير من هي له، لأن الفاعل يعود على من أفسده. وخرج به ما لا يأثم به - كمن جامع ظانا بقاء الليل فبان نهارا - كما علمت. (قوله: لأجل الصوم) متعلق بأثم: أي إن أثم لأجل الصوم. وخرج به ما ليس لأجل الصوم - كما علمت أيضا. (قوله: لا باستمناء) معطوف على بجماع، وهو محترزه، فلا تجب الكفارة على من أفسده بالاستمناء، لأن النص ورد في خصوص الجماع. (قوله: وأكل) بضم الهمزة. (قوله: كفارة) فاعل يجب. أي يجب كفارة على من ذكر، وذلك لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هلكت. قال: وما أهلكك؟ قال: واقعت امرأتي في رمضان: قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا. ثم جلس، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر، قال: تصدق بهذا. فقال: على أفقر منا يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال: فأطعمه أهلك. (وقوله: بعرق) هو بفتحتين - مكتل نسج من خوص النخل. وقوله: فأطعمه أهلك، يحتمل أنه تصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - به عليه - أي مع بقاء الكفارة في ذمته - ويحتمل أنه تطوع بالتكفير عنه، وسوغ له صرفها لأهله - إعلاما بأن المكفر المتطوع يجوز له صرفها لممون المكفر عنه. وبهذا أخذ أصحابنا فقالوا: يجوز للمتطوع بالتكفير عن الغير صرفها لممون المكفر عنه. (قوله:

_ (1) (قوله: بل لأجل الزنا الخ) أي ومع الإثم لا كفارة عليه - كما ففى الروض وشرحه - وعبارتهما: وقلونا لاجل الصوم: اختراز من مسافر، أو مريض زنى - أو جامع حليلته بغير نية الترخص - فلا كفارة عليه، فإن إثمه لاجل الزنا. إلخ. انتهت اه مولف

والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فصوم شهرين مع التتابع إن عجز عنه، فإطعام ستين مسكينا أو فقيرا إن عجز عن الصوم - لهرم أو مرض - بنية كفارة، ويعطى لكل واحد مد من غالب القوت، ولا يجوز صرف الكفارة لمن تلزمه مؤنته (و) يجب (على من أفطر) في رمضان (لعذر لا يرجى زواله) - ككبر ومرض لا يرجى برؤه: (مد) ـــــــــــــــــــــــــــــ متكررة بتكرر الإفساد) أي فإذا جامع في يومين لزمه كفارتان، أو في ثلاثة فثلاث، بل لو وطئ في جميع أيام رمضان لزمه كفارات بعددها، وذلك لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة، فلا تتداخل كفاراتها. وخرج بتكرر الإفساد تكرر الوطئ في يوم واحد، ولو بأربع زوجات، فلا تتكرر الكفارة به، لأن الإفساد حصل بالوطئ الأول فقط، فلم يتكرر. (قوله: وإن لم يكفر عن السابق) غاية في تكررها بذلك. أي أنها تتكرر بتكرر الإفساد مطلقا، سواء كفر عن الوطئ الأول قبل الثاني، أم لا. (قوله: معه) متعلق بمحذوف صفة لكفارة، أو متعلق بيجب المقدر. (قوله: أي مع قضاء إلخ) بيان لمرجع الضمير في معه والقضاء فوري، ولم يتعرض لبيان التعزير هنا، والمعتمد وجوبه أيضا عليه وعلى الموطوءة أيضا، كما يجب عليها القضاء. (والحاصل) الواطئ عليه ثلاثة أشياء: القضاء، والكفارة، والتعزير. والموطوءة عليها شيآن: القضاء، والتعزير. (وقوله: ذلك الصوم) أي الذي أفسده. (قوله: والكفارة عتق رقبة إلخ). (والحاصل) خصالها ثلاث: العتق، ثم الصوم، ثم الإطعام. فهي مرتبة ابتداء وانتهاء، ومثل كفارة الوطئ في نهار رمضان كفارة الظهار والقتل، في الخصال والترتيب، إلا أن القتل لا إطعام فيه، فليس لكفارته إلا خصلتان: العتق، ثم الصوم. (وقوله: عتق رقبة) أي إعتاق رقيق - عبد، أو أمة -. فالمراد بالرقبة: الرقيق، فهو من إطلاق الجزء على الكل، لأن الرق كالغل في الرقبة، ومحل وجوب الإعتاق إذا كان المفسد غير رقيق، فإن كان رقيقا فكفارته بالصوم لا غير. (وقوله: مؤمنة) خرجت الكافرة، فلا تجزئ. ويشترط أن تكون سليمة من جميع العيوب المضرة بالعمل والكسب، فلا تجزئ المعيبة - كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الظهار. (قوله: فصوم شهرين) أي هلالين إن انطبق أول صيامه على أولهما، وإلا كمل الأول المنكسر من الثالث ثلاثين، مع اعتبار الوسط بالهلال، ومعلوم أن الشهرين غير اليوم الذي يقضيه عن اليوم الذي أفسده. (وقوله: مع التتابع) أي التوالي. فإن أفسد يوما - ولو اليوم الأخير، ولو بعذر: كنسيان نية، وسفر، ومرض - استأنف الشهرين. نعم، لا يضر الفطر بحيض ونفاس وجنون وإغماء مستغرق، لأن كلا منها ينافي الصوم، مع كونه اضطراريا. (وقوله: إن عجز عنه) أي عن عتق الرقبة - إما حسا: كأن لم توجد في مسافة القصر. أو شرعا كأن لم يقدر على ثمن الرقبة زائدا على ما يفي بممونه بقية العمر الغالب. ولو وجد الرقبة بعد شروعه في الصوم، ندب له أن يرجع للعتق، ويقع له ما صامه نفلا، وكذلك لو قدر على الصوم بعد شروعه في الإطعام. (قوله: فإطعام ستين إلخ) أي تمليك ستين مسكينا أو فقيرا، كل واحد مد طعام. وليس المراد أن يجعل ذلك طعاما ويطعمهم إياه، فلو غداهم أو عشاهم لم يكف. (قوله: إن عجز عن الصوم إلخ) فإن عجز عن العتق وعن الصيام وعن الإطعام، استقرت الكفارة مرتبة في ذمته، لأن حقوق الله تعالى المالية إذا عجز الشخص عنها، فإن كانت بسبب منه استقرت الكفارة في ذمته - ككفارة الظهار، والجماع، والقتل، واليمين -. وإن لم تكن بسببه لم تستقر - كزكاة الفطر -. (وقوله: لهرم أو مرض) بيان لسبب العجز عن الصوم. (قوله: بنية كفارة) مرتبط بكل من الخصال الثلاث، أي عتق رقبة بنية الكفارة، فصوم شهرين بنية الكفارة، فإطعام ستين بنية الكفارة. فلو لم ينوها لم تسقط عنه. (قوله: ويعطى الخ) بيان للمراد من قوله أولا فإطعام إلخ، ولو قال فيعطى إلخ - بفاء التفريع - لكان أولى، لأن المقام يقتضيه. (وقوله: من غالب القوت) أي قوت بلد المكفر كزكاة الفطر. (قوله: ولا يجوز صرف الكفارة لمن تلزمه مؤنته) أي كالزكوات وسائر الكفارات، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الخبر المار: فأطعمه أهلك. فقد تقدم الجواب عنه - بأنه يحتمل أن المراد أطعمه أهلك: على وجه أنه صدقة منه - صلى الله عليه وسلم - عليه لكونه أخبره بفقره مع بقاء الكفارة في ذمته، ويحتمل أن المراد أطعمه أهلك - على وجه الكفارة - ومحل امتناع إطعام كفارته لعياله: إذا كان هو المكفر من عنده، بخلاف ما إذا كان المكفر غيره عنه. وبعضهم أجاب بأنه خصوصية، فعن

لكل يوم منه إن كان موسرا حينئذ (بلا قضاء) وإن قدر عليه بعد، لانه غير مخاطب بالصوم، فالفدية في حقه واجبة ابتداء، لا بدلا، ويجب المد - مع القضاء - على: حامل، ومرضع، أفطرتا للخوف على الولد، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث ثلاثة أجوبة. فتنبه. (قوله: ويجب على من أفطر الخ) أي لقوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه) * أي بناء على أن كلمة لا مقدرة، أي: لا يطيقونه، أو أن المراد يطيقونه في الشباب والصحة ثم يعجزون عنه بعد الكبر أو المرض الذي لا يرجى برؤه. وروي البخاري أن ابن عباس رضي الله عنهما وعائشة رضي الله عنها كانا يقرآن: * (وعلى الذي يطوقونه) * ومعناه يكلفون الصوم فلا يطيقونه، وقيل: الآية على ظاهرها من أن الذين يطيقونه يخرجون فدية إن لم يصوموا، فكانوا مخيرين في صدر الإسلام بين الصوم وإخراج الفدية. ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * فعلى الأول تكون الآية محكمة - أي غير منسوخة - وعلى الثاني تكون منسوخة، وهو قول أكثر العلماء. (قوله: في رمضان) خرج به الكفارة، والنذر وقضاء رمضان، فلا فدية للإفطار في شئ من ذلك. (قوله: لعذر لا يرجى زواله) فإن كان يرجى زواله - كالمرض المرجو زواله، وكالسفر - فعليهما القضاء فقط - كما تقدم. (قوله: ككبر) أي لشخص، بأن صار شيخا هرما لا يطيق الصوم في زمن من الأزمان، وإلا لزمه إيقاعه فيما يطيقه فيه. ومثله كل عاجز عن صوم واجب - سواء رمضان وغيره - لزمانة، أو مرض لا يرجى برؤه، أو مشقة شديدة تلحقه، ولم يتكلفه. اه. نهاية. (قوله: ومرض لا يرجى برؤه) أي بقول عدلين من الأطباء، أو عدل عند من اكتفي به في جواز التيمم للمرض، فلو برئ بعد ذلك - ولو قبل إخراج الفدية: على المعتمد - لم يلزمه القضاء. (قوله: مد) هو رطل وثلث، وهو نصف قدح بالكيل المصري. والمعتبر: الكيل، لا الوزن. وإنما قدر به استظهارا. (وقوله: لكل يوم) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمد، أي مد واجب لكل يوم، أي لصوم كل يوم. (وقوله: منه) أي رمضان. (قوله: إن كان موسرا حينئذ) أي حين الإفطار. وهو قيد لوجوب المد. وخرج به الفقير المعسر حينئذ، فلا فدية عليه. وهذا هو الذي صححه النووي في المجموع، وارتضاه ابن حجر، وعبارته: وقضية كلام المتن وغيره وجوبها: أي الفدية، ولو على فقير فتستقر في ذمته. لكنه صحح في المجموع سقوطها عنه - كالفطرة - لأنه عاجز حال التكليف بها، وليست في مقابلة جناية ونحوها. (فإن قلت) ينافيه قولهم حق الله المالي إذا عجز عنه العبد وقت الوجوب ثبت في ذمته، وإن لم يكن على جهة البدل - إذا كان بسبب منه - وهو هنا كذلك، إذ سببه فطره. (قلت) كون السبب فطره ممنوع، وإلا لزمت الفدية للقادر، فعلمنا أن السبب إنما هو عجزه المقتضي لفطره، وهو ليس من فعله، فاتضح ما في المجموع. فتأمله. اه. وصحح الرملي والخطيب خلافه، وهو أنه لا يشترط يساره حينئذ، فتجب الفدية عندهما على الفقير، قالا: وفائدة الوجوب عليه أنها تستقر في ذمته. (قوله: بلا قضاء) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمد، أي مد كائن من غير قضاء. (قوله: وإن قدر عليه بعد) غاية لعدم وجوب القضاء: أي لا يجب عليه القضاء وإن قدر على الصوم بعد الفطر. (فإن قيل) ما الفرق بينه وبين المعضوب، حيث يلزمه الحج بالقدرة عليه بعد الإحجاج عنه بالنيابة. (أجيب) بأن المعذور هنا مخاطب بالمد ابتداء - كما سيأتي قريبا - فأجزأ عنه، والمعضوب مخاطب بالحج، وإنما جاز له الإنابة للضرورة، وقد بان عدمها. (قوله: لأنه الخ) علة لعدم وجوب القضاء إذا قدر عليه، وإنما لم يجب عليه حينئذ لأنه غير مخاطب بالصوم عند العجز، بل بالفدية فقط. (قوله: فالفدية في حقه واجبة ابتداء) تفريع على العلة، أي وإذا ثبت أنه غير مخاطب بالصوم

(و) يجب (على مؤخر قضاء) لشئ من رمضان حتى دخل رمضان آخر (بلا عذر) في التأخير: بأن خلا عن ـــــــــــــــــــــــــــــ - إذا عجز عنه - فالفدية حينئذ واجبة عليه ابتداء، لا بدلا عن الصوم، وفيه أن مقتضاه أنه لو تكلف وصام لا يكتفي بصومه؟ وأجيب بأن محل مخاطبته بها ابتداء، ما لم يرد الصوم، فإن أراده يكون هو المخاطب به. وعبارة غيره: وهل الفدية في حقه واجبة ابتداء أو بدلا عن الصوم؟ وجهان. أصحهما: الأول. فعليه: لو قدر على الصوم بعد فواته: لم يلزمه القضاء - سواء كانت قدرته بعد إخراج الفدية، أو قبله - لأنه مخاطب بالفدية ابتداء. اه. (قوله: ويجب المد مع القضاء إلخ) أي لقول ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية) * أنها منسوخة إلا في حقهما. اه. تحفة. قال ابن رسلان في زبده: والمد والقضا لذات الحمل * * أو مرضع إن خافتا للطفل (وقوله: على حامل) أي ولو من زنا. (وقوله: ومرضع) أي ولو مستأجرة، أو متبرعة - ولو لم تتعين للرضاع، بأن تعددت المراضع. ويستثنى من الحامل والمرضع: المتحيرة إذا خافت على الولد، فلا فدية عليها، للشك في وجوب صوم ما أفطرته في رمضان عليها باحتمال حيضها إذا أفطرت ستة عشر يوما فأقل، لأنها أكثر ما يحتمل فساده بالحيض، فإن أفطرت أكثر منها وجبت الفدية لما زاد، حتى لو أفطرت رمضان كله لزمها مع القضاء فدية أربعة عشر يوما. ويستثنى أيضا المريضة، والمسافرة، فلا فدية عليهما، لكن إن ترخصتا لأجل السفر، أو المرض، أو أطلقتا. وإن ترخصتا لأجل الرضيع، أو الحمل وجبت الفدية - مع القضاء -. (وقوله: أفطرتا) أي وجوبا. (وقوله: للخوف على الولد) أي فقط دون أنفسهما. والمراد بالولد هنا: ما يشمل الحمل، وتسميته ولدا من باب التغليب أو مجاز الأول. والمراد بالخوف على الولد: الخوف على إسقاطه بالنسبة للحامل وعلى قلة اللبن بالنسبة للمرضع، فيتضرر الولد بمبيح تيمم لو كان كبيرا أو يهلك. واحترز بقوله للخوف على الولد: عما إذا أفطرتا خوفا على أنفسهما أن يحصل لهما من الصوم مبيح تيمم، فإنه يجب عليهما القضاء بلا فدية - كالمريض المرجو البرء - وإن انضم لذلك الخوف على الولد، لأنه واقع تبعا. (فإن قيل) أنه حينئذ فطر ارتفق به شخصان، فكان الظاهر وجوب الفدية في هذه الحالة. (أجيب) كما في التحفة: بأن الخوف على أنفسهم مانع من وجوب الفدية، والخوف على الولد مقتض له، فغلب الأول، لأن القاعدة أنه إذا اجتمع مانع ومقتض غلب المانع على المقتضي. (فائدة) تلخص من كلامهم أنه يباح الفطر في رمضان الستة: للمسافر، والمريض، والشيخ الهرم، والحامل، والعطشان، والمرضعة. ونظمها بعضهم على هذا الترتيب، فقال: إذا ما صمت في رمضان صمه * * سوى ست وفيهن القضاء: فسين، ثم ميم، ثم شين، * * وحاء، ثم عين، ثم راء فالسين للمسافر، والميم للمريض، والشين للشيخ الهرم، والحاء للحامل، والعين للعطشان، والراء للمرضعة. (قوله: ويجب على مؤخر قضاء لشئ من رمضان الخ) وذلك لأن ستة من الصحابة - وهم ابن عباس، وأبو هريرة، وعلي، وابن عمر، وجابر، والحسين بن علي - رضي الله عنهم أجمعين - أفتوا بذلك، ولا مخالف لهم، فصار إجماعا سكوتيا. وقوله: لشئ من رمضان: متعلق بمحذوف صفة لقضاء: أي قضاء كائن لشئ من رمضان: أي أو له كله. (وقوله: حتى دخل رمضان آخر) حتى غائية. أي يجب مع القضاء مد إذا أخر القضاء إلى أن دخل رمضان آخر، فلا بد في الوجوب من دخوله. وإن أيس من القضاء - كمن عليه عشرة أيام - فأخر حتى بقي لرمضان خمسة أيام مثلا فلا تلزمه الفدية عن الخمسة الميئوس منها - أي قبل دخول رمضان - فإن دخل وجبت. ورمضان هنا مصروف، لأن المراد به غير معين، بدليل وصفه بالنكرة، وهي آخر. (قوله: بلا عذر) متعلق بمؤخر، وسيذكر محترزه. (قوله: بأن خلا) أي

السفر والمرض قدر ما عليه (مد لكل سنة) فيتكرر بتكرر السنين، على المعتمد -. وخرج بقولي بلا عذر: ما إذا كان التأخير بعذر - كأن استمر سفره أو مرضه، أو إرضاعها إلى قابل - فلا شئ عليه ما بقي العذر، وإن استمر سنين. ومتى أخر قضاء رمضان - مع تمكنه - حتى دخل آخر فمات: أخرج من تركته لكل يوم مدان: مد للفوات، ومد للتأخير إن لم يصم عنه قريبه أو مأذونه، وإلا وجب مد واحد للتأخير. والجديد: عدم جواز الصوم ـــــــــــــــــــــــــــــ الشخص الذي أخر القضاء، وهو تصوير لعدم وجود العذر. (وقوله: قدر ما عليه) مفعول خلا. أي خلا قدر ما عليه من القضاء. والمراد أنه خلا زمنا بعد يوم عيد الفطر يمكنه أنه يقضي فيه ما عليه من الصوم، فترك الصوم فيه إلى أن دخل رمضان آخر ولا يحسب من الزمن الذي خلا فيه: يوم عيد الأضحى، وأيام التشريق. وعبارة التحفة: بأن خلا عن السفر والمرض قدر ما عليه بعد يوم عيد الفطر في غير يوم النحر وأيام التشريق. اه. (قوله: مد) فاعل يجب. (قوله: لكل سنة) متعلق بيجب، أو بمحذوف صفة لمد أي يجب لكل سنة مد، أو يجب مد كائن لكل سنة. وفي الكلام حذف، أي يجب مد لصوم كل يوم من رمضان كل سنة. (قوله: فيتكرر) أي المد، وهو بيان لمعنى قوله لكل سنة، وإنما تكرر لأن الحقوق المالية لا تتداخل. (وقوله: على المعتمد) مقابله: لا يتكرر كالحدود، فيكفي المد عن كل السنين. (قوله: ما إذا كان التأخير بعذر) فاعل خرج. (قوله: كأن استمر سفره الخ) أي أو أخر ذلك جهلا أو نسيانا أو إكراها، نقل ذلك في التحفة عن الأذرعي، ثم قال: ومراده الجهل بحرمة التأخير، وإن كان مخالطا للعلماء، لخفاء ذلك، لا بالفدية، فلا يعذر بجهله بها، نظير ما مر فيما لو علم حرمة نحو التنحنح وجهل البطلان. وفي المغني - بعد نقله كلام الأذرعي - ما نصه: والظاهر أنه إنما يسقط عنه بذلك الإثم، لا الفدية. اه. (قوله: إلى قابل) متعلق باستمر. (قوله: فلا شئ عليه) أي بالتأخير، لأن تأخير الأداء بالعذر جائز، فتأخير القضاء به أولى. وقضية إطلاقه: أنه لا فرق عند التأخير بعذر: بين أن يكون الفوات بعذر، أم لا. وبه صرح المتولي، وسليم الرازي، لكن نقل الشيخان - في صوم التطوع عن البغوي من غير مخالفة - أن ما فات بغير عذر يحرم تأخيره بعذر السفر. وقضيته لزوم الفدية، وهو الظاهر. أفاده في المغني. (قوله: ما بقي العذر) ما: مصدرية ظرفية، أي مدة بقاء العذر. (قوله: وإن استمر) أي العذر، وهو غاية لكونه لا شئ عليه بالتأخير لعذر. (قوله: مع تمكنه) أي من القضاء بأن خلا من السفر والمرض قدر ما عليه. وفي ع ش: إذا تكرر التأخير، هل يعتبر الإمكان في كل عام، أم يكفي لتكرر الفدية وجود الإمكان في العام الأول؟ الظاهر الأول - كما يرشد إليه قول البغوي: أن المتعدي بالفطر لا يعذر بالسفر في القضاء. اه. (قوله: حتى دخل آخر) ليس بقيد، ولم يقيد به في المنهاج، وعبارته: لو أخر القضاء - مع إمكانه - فمات، أخرج من تركته لكل يوم مدان: مد للفوات، ومد للتأخير. اه. قال في النهاية: وعلم منه أنه متى تحقق الفوات وجبت الفدية، ولو لم يدخل رمضان. فلو كان عليه عشرة أيام فمات لبواقي خمس من شعبان، لزمه خمسة عشر مدا - عشرة لأصل الصوم، وخمسة للتأخير - لأنه لو عاش لم يمكنه إلا قضاء خمسة. اه. ومثله في المغنى، لكن المؤلف قيد بذلك، تبعا لشيخه ابن حجر. (قوله: فمات) أي المؤخر للقضاء مع تمكنه. (قوله: أخرج من تركته) جواب متى، وقضية قوله من تركته: أنه لا يجوز للأجنبي الإطعام عنه، وهو كذلك - كما استوجهه في التحفة - وذلك لأنه بدل عن عبادة بدنية لا يشوبها شئ من المال، فلم يقبل النيابة، بخلاف الحج، فإنه لما كان فيه شائبة مال قبل النيابة: فيجوز للأجنبي أن يحج عن الميت، ولو بلا إذن من القريب أو الميت. وفي النهاية إذا لم يخلف تركة فلا يلزم الوارث إطعام ولا صوم، بل يسن له ذلك. وينبغي ندبه - لمن عدا الورثة من بقية الأقارب - إذا لم يخلف تركة، أو خلفها وتعدى الوارث بترك ذلك. اه. (وقوله: مدان: مد للفوات، ومد للتأخير) أي لأن كل منهما موجب عند الانفراد، فكذا عند الاجتماع. هذا إن أخر سنة فقط، وإلا تكرر مد التأخير - كما مر - قال في المغني: ولا شئ على الهم، ولا الزمن، ولا من اشتدت مشقة الصوم عليه لتأخير الفدية إذا أخروها عن السنة الأولى. (قوله: إن لم يصم عنه قريبة) هذا قيد لوجوب مد للفوات، لكن بالنسبة للقديم، أما بالنسبة للجديد: فلا يصح التقييد به، لأنه عليه لا يصح الصوم عنه أصلا - كما سيصرح به - فيجب عليه مدان. (وقوله: أو مأذونه) أي القريب، فالضمير يعود على قريبة،

عنه مطلقا، بل يخرج من تركته لكل يوم مد طعام، وكذا صوم النذر والكفارة، وذهب النووي - كجمع محققين - إلى تصحيح القديم القائل: بأنه لا يتعين الاطعام فيمن مات، بل يجوز للولي أن يصوم عنه ثم إن خلف تركة، وجب أحدهما، وإلا ندب. ومصرف الامداد: فقير، ومسكين، وله صرف أمداد لواحد. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحتمل عوده على الميت، أي أو مأذون الميت - بأن أوصى به. (قوله: وإلا وجب) أي وان لا لم يصم، بأن صام عنه من ذكر. (وقوله: مد واحد للتأخير) أي لأنه قد حصل تدارك أصل الصوم، فسقط حينئذ مد الفوات، وبقي مد التأخير، وهذا بناء على التقديم - كما علمت. (قوله: والجديد الخ) مقابل لمحذوف ملاحظ: أي فكأنه قال ما ذكر من أنه صام عنه قريبه أو مأذونه: وجب عليه مد واحد فقط للتأخير - مبني على القول القديم: أنه يجوز الصوم عنه. والجديد: عدم جواز الصوم عنه، ويخرج من تركته لكل يوم مد، لكن كان عليه - بعد أن ساق القول الجديد - ذكر ما يترتب عليه بأن يقول: وعليه فيتعين المدان. فتنبه. (وقوله: عدم جواز الصوم عنه) أي عن الميت، لأنه عبادة بدنية، وهي لا تدخلها النيابة في الحياة، فكذلك بعد الموت، قياسا على الصلاة والاعتكاف. (وقوله: مطلقا) أي سواء تمكن من القضاء قبل الموت أم لا، وسواء فاته الصوم بعذر أو بغيره. (قوله: بل يخرج من تركته الخ) أي لخبر: من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا. رواه الترمذي، وصحح وقفه على ابن عمر، ونقله الماوردي عن إجماع الصحابة. وقوله: فليطعم: مبني للمفعول، ونائب فاعله الجار والمجرور بعده، ومسكينا: مفعوله، وهو مبني على القول بجواز إنابة الظرف مع وجود المفعول، وهو مذهب كوفي، والصحيح خلافه - كما أشار إليه ابن مالك بقوله: ولا ينوب بعض هذي إن وجد * * في اللفظ مفعول به وقد يرد (قوله: لكل يوم) أي فاته صومه. (وقوله: مد طعام) أي عن الفوات. ولم يتعرض لمد التأخير لأنه بصدد بيان القول الجديد من حيث هو. (واعلم) أنه يشترط في الطعام أن يكون من غالب قوت بلده. قال في التحفة: ويؤخذ مما مر في الفطرة أن المراد هنا بالبلد التي يعتبر غالب قوتها المحل الذي هو به عند أول مخاطبته بالقضاء. اه. (قوله: وكذا صوم النذر والكفارة) أي ومثل صوم رمضان: صوم النذر، وصوم الكفارة بسائر أنواعها: في أنه إذا مات الناذر أو المكفر - بعد التمكن من الصوم - يجري فيهما القولان، القديم والجديد. فعلى الأول: إن لم يصم عنهما القريب أو مأذونه: أخرج عن كل يوم مدا. وعلى الثاني: لا يجوز الصيام عنهما، فيجب إخراج مد عن كل يوم، ولا شئ فيهما للتأخير، لما علمت أن التأخير يوجب الفدية في خصوص رمضان. (قوله: إلى تصحيح القديم) أي لورود الأخبار الصحيحة الدالة على جواز الصوم عنه. كخبر الصحيحين: من مات وعليه صيام صام عنه وليه. وخبر مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لإمرأة قالت له: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ صومي عن أمك. وفي التحفة ما نصه: وقد نص عليه - أي القديم - في الجديد أيضا فقال: إن ثبت الحديث: قلت به، وقد ثبت من غير معارض، وبه يندفع الاعتراض على المصنف، بأنه كان ينبغي له اختياره من جهة الدليل، فإن المذهب هو الجديد. وفي الروضة: المشهور في المذهب تصحيح الجديد، وذهب جماعة - من محققي أصحابنا - إلى تصحيح القديم، وهو الصواب، بل ينبغي الجزم به، للأحاديث الصحيحة، وليس للجديد حجة من السنة، والخبر الوارد بالإطعام ضعيف. اه. (قوله: بل يجوز للولي) المراد به هنا كل قريب للميت، وإن لم يكن عاصبا، ولا وارثا، ولا ولى مال - على المعتمد - وقد قيل بكل منها، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم - - في الخبر السابق للسائلة: صومي عن أمك - يبطل القول بأن المراد ولي المال، والقول بأن المراد ولي العصوبة. ويشترط في الوالي أن يكون بالغا، عاقلا - ولو رقيقا - لأنه من أهل فرض الصوم، بخلاف الصبي، والمجنون. ومثل الولي: الأجنبي بإذن من الميت، بأن أوصاه به، أو بإذن الولي بأجرة، أو دونها، بخلافه بلا إذن، فلا يصح. (قوله: ثم إن خلف تركة وجب أحدهما) أي وجب على الولي أحد الأمرين: الصوم، أو الإطعام. (قوله: وإلا ندب) أي وإن لم يخلف تركة ندب للولي أحدهما: إما الصوم،

(فائدة) من مات وعليه صلاة، فلا قضاء، ولا فدية. وفي قول - كجمع مجتهدين - أنها تقضى عنه، لخبر البخاري وغيره، ومن ثم اختاره جمع من أئمتنا، وفعل به السبكي عن بعض أقاربه، ونقل ابن برهان عن القديم أنه يلزم الولي - إن خلف تركه - أن يصلي عنه، كالصوم. وفي وجه - عليه كثيرون من أصحابنا - أنه يطعم عن كل صلاة مدا. وقال المحب الطبري: يصل للميت كل عبادة تفعل عنه: واجبة أو مندوبة. وفي شرح المختار لمؤلفه: مذهب أهل السنة أن للانسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره ويصله. (وسن) لصائم رمضان وغيره (تسحر)، وتأخيره، ما لم يقع في شك، وكونه على تمر لخبر فيه، ويحصل ولو بجرعة ماء، ويدخل وقته بنصف ـــــــــــــــــــــــــــــ وإما الإطعام. (قوله: ومصرف الأمداد: فقير، ومسكين) أي فقط، دون بقية الأصناف الثمانية المقدمة في قسم الصدقات، لقوله تعالى: * (على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * والفقير أسوأ حالا منه، فإذا جاز صرفها إلى المسكين فالفقير أولى، ولا يجب الجمع بينهما. (قوله: وله صرف أمداد لواحد) أي لأن كل يوم عبادة مستقلة، فالأمداد بمنزلة الكفارات، بخلاف المد الواحد، فإنه لا يجوز صرفه إلى شخصين، لأن كل مد فدية تامة، وقد أوجب الله تعالى صرف الفدية إلى الواحد. فلا ينقص عنها. ولا يلزم منه امتناع صرف فديتين إلى شخص واحد، كما لا يمتنع أن يأخذ الواحد من زكوات متعددة. اه. مغنى (قوله: من مات وعليه صلاة) أي أو اعتكاف. (وقوله: فلا قضاء ولا فدية) أي لعدم ورودهما. ويستثنى من منع الصلاة والاعتكاف عن الميت، ركعتا الطواف، فإنهما يصحان من الأجير، تبعا للحج. وما لو نذر أن يعتكف صائما فإن البغوي قال في التهذيب: إن قلنا لا يفرد الصوم عن الاعتكاف - أي وهو الأصح - وقلنا يصوم الولي: فهذا يعتكف عنه صائما، وإن كانت النيابة لا تجزئ في الاعتكاف. (قوله: وفي قول كجمع مجتهدين) أي وفي قول عندنا تبعا لجمع مجتهدين. وعبارة فتح الجواد: ففيها - أي الصلاة - قول لجمع مجتهدين أنها تقضى عنه، لخبر البخاري وغيره، ومن ثم الخ، فلعل الكاف - الداخلة على لفظ جمع - زيدت من النساخ. (وقوله: أنها) أي الصلاة تقضي عنه. وفي قول أيضا: أن الاعتكاف بفعل عنه. (قوله: لخبر البخاري وغيره) في التحفة: لخبر فيه، لكنه معلول. (قوله: ومن ثم اختاره) أي ومن أجل ورود خبر فيه، اختار القول بالقضاء جمع من أئمتنا. (قوله: وفعل به) أي عمل بهذا القول، وهو قضاء الصلاة. وفي حواشي المحلي للقليوبي: قال بعض مشايخنا: وهذا من عمل الشخص لنفسه، فيجوز تقليده، لأنه من مقابل الأصح. اه. (قوله: وفي وجه عليه كثيرون من أصحابنا إلخ) قال الكردي: قال الخوارزمي: ورأيت بخراسان من يفتي به من بعض أصحابنا. وعن البويطي أن الشافعي قال: في الاعتكاف يعتكف عنه وليه. وفي رواية يطعم عنه وليه. وإذا قلنا الإطعام في الاعتكاف: فالقدر المقابل بالمد: اعتكاف يوم بليلته، هكذا حكاه الإمام عن رواية شيخه وأصلها: وهو مشكل - فإن اعتكاف لحظة عبادة تامة، وإن قيس على الصوم فالليل ثم خارج عن الاعتبار. اه. بتصرف. (قوله: مذهب أهل السنة إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره) قال البجيرمي: كأن صلى أو صام، وقال: اللهم أوصل ثواب ذلك إليه - وهو ضعيف. اه وقال في بشرى الكريم: والضعف ظاهر إن أريد الثواب نفسه، فإن أريد مثله فلا ينبغي أن يختلف فيه: نعم، الصدقة يصل نفس ثوابها للمتصدق عنه إجماعا، وكأنه هو المتصدق، ويثاب المتصدق ثواب البر، لا على الصدقة وكذا يصله ما دعا له به - أن قبله الله تعالى. اه. وسيأتي للشارح - رحمه الله تعالى - في أواخر باب الوصية مزيد بسط على ما هنا. (قوله: ويصله) أي يصل الثواب لذلك الغير المتصدق عليه. (قوله: وسن لصائم الخ) شروع في سنن الصوم. (وقوله: تسحر) أي لخبر الحاكم في صحيحه: استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، وبقيلولة النهار على قيام الليل. ولخبر الصحيحين: تسحروا، فإن في السحور بركة. وقد نظم بعضهم معنى هذا الحديث فقال: يا معشر الصوام في الحرور * * ومبتغي الثواب والأجور تنزهوا عن رفث وزور * * وإن أردتم غرف القصور تسحروا، فإن في السحور * * بركة في الخبر المأثور

الليل. وحكمته: التقوي، أو مخالفة أهل الكتاب؟ وجهان. وسن تطيب وقت سحر، (و) سن (تعجيل فطر) إذا تيقن الغروب. ويعرف في العمران والصحارى التي بها جبال بزوال الشعاع من أعالي الحيطان والجبال، وتقديمه على الصلاة، إن لم يخش من تعجيله فوات الجماعة أو تكبيرة الاحرام. (و) كونه (بتمر) للامر به، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي البجيرمي - نقلا عن العلقمي - ما نصه: (فإن قلت): حكمة مشروعية الصوم خلو الجوف لإذلال النفس وكفها عن شهواتها، والسحور ينافي ذلك. (قلت): لا ينافيه، بل فيه إقامة السنة بنحو قليل مأكول أو مشروب. والمنافي: إنما هو ما يفعله المترفهون من أنواع ذلك وتحسينه والامتلاء منه. اه. (قوله: وتأخيره) معطوف على تسحر، وضميره يعود إليه، أي وسن تأخير التسحر، لخبر: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، وأخروا السحور. وصح: تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قمنا إلى الصلاة، وكان قدر ما بينهما خمسين آية. وفي الخبر ضبط لقدر ما يحصل به سنة التأخير. (قوله: ما لم يقع الخ) أي محل سن التأخير ما لم يقع الصائم في شك في طلوع الفجر بسببه، وإلا لم يسن، لخبر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، أي اترك ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه. (قوله: وكونه على تمر) أي وسن كون التسحر على تمر. (وقوله: لخبر فيه) راجع للأخير، ويحتمل رجوعه للجميع، فعلى الأول: يكون ضمير فيه عائدا على كونه بالتمر، وعلى الثاني. يكون عائدا على التسحر من حيث هو. (قوله: ويحصل) أي التسحر، ولو بجرعة ماء، أي لخبر ابن حبان: تسحروا، ولو بجرعة ماء. والجرعة - بضم الجيم - قال في المصباح: الجرعة من الماء: كاللقمة من الطعام، وهو ما يجرع مرة واحدة. والجمع: جرع، مثل غرفة وغرف. اه. (قوله: ويدخل وقته) أي التسحر. (وقوله: بنصف الليل) أي بدخول نصف الليل - أي الثاني - قال في المغنى: وقيل يدخل بدخول السدس الأخير. اه. وفي المحلى - نقلا عن شرح المهذب - وقت السحور: بين نصف الليل وطلوع الفجر، وأنه يحصل بكثير المأكول وقليله. اه. (والحاصل) أن السحور يدخل وقته بنصف الليل، فالأكل قبله ليس بسحور، فلا يحصل به السنة، والأفضل تأخيره إلى قرب الفجر بقدر ما يسع قراءة خمسين آية. (قوله: وحكمته) أي التسحر: أي الفائدة فيه. (وقوله: التقوي أو مخالفة أهل الكتاب؟ وجهان) قال في التحفة: والذي يتجه أنها في حق من يتقوى به: التقوى. وفي حق غيره: مخالفتهم. وبه يرد قول جمع متقدمين: إنما يسن لمن يرجو نفعه. ولعلهم لم يروا حديث: تسحروا ولو بجرعة ماء. فإن من الواضح أنه لم يذكر هذه الغاية للنفع، بل لبيان أقل مجزئ نفع أو لا. اه. (قوله: وسن تطيب وقت سحر) أي مطلقا، في رمضان وغيره. (قوله: وسن تعجيل فطر) أي للخبر المتقدم، ولخبر الترمذي وحسنه: قال الله تعالى: أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا ولما صح أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا، وإنما كان الناس بخير ما عجلوه، لأنهم لو أخروه لكانوا مخالفين السنة، والخير ليس إلا في اتباعها: وكل خير في اتباع من سلف، * * وكل شر في ابتداع من خلف قال ع ش: ينبغي سن ذلك - أي التعجيل - ولو مارا بالطريق، ولا تنخزم مروءته به أخذا مما ذكروه من طلب الأكل يوم عيد الفطر قبل الصلاة، ولا مارا بالطريق. اه. ويكره تأخير الفطر إن قصده ورأى فيه فضيلة، وإلا فلا بأس به. نقله في المجموع عن نص الأم. (قوله: إذا تيقن الغروب) خرج بتيقنه ظنه بالاجتهاد، فلا يسن له تعجيل الفطر، وظنه بلا اجتهاد، وشكه، فيحرم بهما. شرح الروض. (قوله: ويعرف) أي الغروب. (قوله: والصحارى) بكسر الراء وفتحها. قال في الخلاصة: وبالفعالى والفعالي جمعاصحراء والعذارء والقيس اتبعا والمراد بها ما قابل العمران. (قوله: بزوال الشعاع) أي الضوء، وهو متعلق بيعرف. (وقوله: من أعالي الحيطان) متعلق بزوال، وهو راجع للعمران. (وقوله: والجبال) أي ومن أعالي الجبال، وهو راجع للصحاري - ففي كلامه لف ونشر مرتب. (قوله: وتقديمه على الصلاة) معطوف على تعجيل. أي وسن تقديم الفطر على الصلاة، لما صح: كان

والاكمل أن يكون بثلاث، (ف) - إن لم يجده فعلى حسوات (ماء)، ولو من زمزم، فلو تعارض التعجيل على الماء، والتأخير على التمر، قدم الاول، فيما استظهره شيخنا، وقال أيضا: يظهر في تمر قويت شبهته وماء حفت شبهته، أن الماء أفضل. قال الشيخان: لا شئ أفضل بعد التمر غير الماء، فقول الروياني: الحلو أفضل من ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم يكن حسا حسوات من ماء. (قوله: إن لم يخشى من تعجيله إلخ) فإن خشي ذلك أخر الفطر. وفي سم ما نصه: قوله وتقديمه على الصلاة: ينبغي أن يستثنى ما لو أقيمت الجماعة وأحرم الإمام أو قرب إحرامه وكان بحيث لو أفطر على نحو التمر بقي بين أسنانه وخشي سبقه إلى جوفه، ولو اشتغل بتنظيف فمه فاتته الجماعة أو فضيلة أول الوقت وتكبيرة الإحرام مع الإمام. فيتجه هنا تقديم الإحرام مع الإمام، تأخير الفطر، وهذا لا ينافي أن المطلوب من الإمام والجماعة تقديم الفطر، لكن لو خالفوا وتركوا الأفضل مثلا، وتعارض في حق الواحد منهم مثلا ما ذكر: قدم الإحرام. ولا ينافي كراهة الصلاة بحضرة طعام تتوق نفسه إليه، لأن التوقان غير لازم هنا، وكلامنا عند عدمه. اه. (قوله: وكونه بتمر) معطوف على تعجيل أيضا. أي وسن كون الفطر بتمر وإن تأخر، وأفضل منه الرطب - للخبر المتقدم آنفا -. (قوله: للأمر به) أي في قوله عليه الصلاة والسلام: إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإنه طهور. (قوله: والأكمل أن يكون) أي الفطر بالتمر. (وقوله: بثلاث) أي بثلاث تمرات، ومثل التمر، كل ما يفطر به، فيسن التثليث فيه. (قوله: فإن لم يجده) أي التمر. (قوله: فعلى حسوات ماء) أي فيسن أن يفطر على حسوات ماء، أي جرعات. قال في المصباح: حسا: أي ملأ فمه من الماء، وحسوات - بفتح الحاء وضمها، مع فتح السين - والحسوة: ملء الفم بالماء. اه. ومن آداب الصائم عند إفطاره بالماء أنه لايمجه إذا وضعه في فيه، بل يبتلعه، لئلا يذهب بخلوف فمه، لقوله عليه الصلاة والسلام: لخلوف فم الخ. (قوله: ولو من زمزم) غاية لتقديم التمر على الماء المفهوم من التعبير بالفاء. أي يقدم التمر على الماء، ولو كان الماء من ماء زمزم. والغاية للرد على القائل إن ماء زمزم مقدم على التمر، كما يستفاد من عبارة التحفة، ونصها: وقول المحب الطبري يسن له الفطر على ماء زمزم، ولو جمع بينه وبين التمر فحسن. مردود بأن أوله فيه مخالفة للنص المذكور، وآخره فيه استدراك زيادة على السنة الواردة، وهما ممتنعان إلا بدليل. ويرد أيضا بأنه - صلى الله عليه وسلم - صام بمكة عام الفتح أياما من رمضان، ولم ينقل عنه في ذلك ما يخالف عادته المستقرة من تقديم التمر، فدل على عمله بها حينئذ، وإلا لنقل. اه. (قوله: فلو تعارض الخ) يعني أنه لو لم يوجد عنده بعد تحقق الغروب إلا ماء فقط: فهل الأفضل له مراعاة التعجيل ويفطر بالماء أو مراعاة التمر ويؤخر الفطر إلى تحصيله؟ (قوله: قدم الأول) أي تعجيل الفطر بالماء. (قوله: فيما استظهره شيخنا) عبارته: فلو تعارض التعجيل على الماء والتأخير على التمر، قدم الأول - فيما يظهر - لأن مصلحة التعجيل فيها رخصة تعود على الناس، أشير إليها في: لا يزال الناس إلى آخره، ولا كذلك التمر. اه. (قوله: إن الماء أفضل) قال في التحفة بعده: لكن قد يعارضه حكم المجموع بشذوذ قول القاضي: الأولى في زماننا الفطر على ماء يأخذه بكفه من النهر - ليكون أبعد عن الشبهة. اه. إلا أن يجاب بأن سبب شذوذه ما بينه غيره أن ماء النهر - كالدجلة - ليس أبعد عن الشبهة الخ. اه. (قوله: قال الشيخان إلخ) ساقه تأييدا لكلامه المار، وتوصلا للرد على الروياني. (قوله: فقول الروياني) مبتدأ، خبره ضعيف. وقوله: الحلوا - بالقصر، ويجوز المد - وهي الحلاوة التي عملت بالنار. وما لم يعمل بالنار - كالزبيب - يقال له حلو. ولعل مراد الروياني بها: ما كان فيه حلاوة مطلقا - عملت بالنار أولا. (والحاصل) أن الأفضل أن يفطر بالرطب، ثم التمر. وفي معناه: العجوة، ثم البسر، ثم الماء. وكونه من ماء زمزم أولى، ثم الحلو - وهو ما لم تمسه النار كالزبيب، واللبن، والعسل - واللبن أفضل من العسل، واللحم أفضل منهما، ثم الحلواء. ولذلك قال بعضهم: فمن رطب فالبسر فالتمر زمزم * * فماء فحلو ثم حلوى لك الفطر فإن لم يجد إلا الجماع أفطر عليه. وقول بعضهم: لا يسن الفطر عليه. محمول على ما إذا وجد غيره.

الماء - ضعيف، كقول الاذرعي: الزبيب أخو التمر، وإنما ذكره لتيسره غالبا بالمدينة. ويسن أن يقول عقب الفطر: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت ويزيد - من أفطر بالماء -: ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الاجر إن شاء الله تعالى. (و) سن (غسل عن نحو جنابة قبل فجر) لئلا يصل الماء إلى باطن نحو أذنه أو دبره. قال شيخنا: وقضيته أن وصوله لذلك مفطر، وليس عمومه مرادا - كما هو ظاهر أخذا مما مر: إن سبق ماء نحو المضمضة المشروع، أو غسل الفم المتنجس: لا يفطر، لعذره، فليحمل هذا على مبالغة منهي عنها. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: كقول الأذرعي الخ) أي فهو ضعيف أيضا. (قوله: وإنما ذكره إلخ) هذا من قول الأذرعي، وهو جواب من الأذرعي عن سؤال ورد عليه حاصله: أنه إذا كان الزبيب أخا التمر - كما قلت - فلم ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث خصوص التمر، ولم يذكر الزبيب؟ وحاصل الجواب أنه إنما ذكره لأنه هو المتيسر غالبا في المدينة، لا لبيان أنه هو الأفضل مطلقا، ففاعل ذكر يعود على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والضمير البارز يعود على التمر، ومتعلقه محذوف. (قوله: ويسن أن يقول) أي المفطر. (وقوله: عقب الفطر) أي عقب ما يحصل به الفطر، لا قبله، ولا عنده. (قوله: اللهم لك صمت) قدم الجار والمجرور إفادة لكمال الإخلاص. أي صمت، لا لغرض ولا لأحد غيرك، بل خالصا لوجهك الكريم. (قوله: وعلى رزقك أفطرت) أي وأفطرت على رزقك الواصل إلي من فضلك، لا بحولي وقوتي. قال الكردي: وتسن زيادة: وبك آمنت، وعليك توكلت، ورحمتك رجوت، وإليك أنبت. وفي الإيعاب: ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: يا واسع الفضل اغفر لي. وأنه كان يقول: الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت. قال: وقال سليم ونصر المقدسي: يسن أن يعقد الصوم حينئذ،. وتوقف فيه الأذرعي ثم قال: وكأن وجهه: خشية الغفلة. (قوله: ويزيد) أي على قوله اللهم لك الخ. (وقوله: من أفطر بالماء) الذي في البجيرمي على الإقناع أنه يقول ما ذكر وإن أفطر على غير ماء، لأن المراد دخل وقت إذهاب الظمأ. اه. وعليه: فكان الأولى أن يسقط قوله ويزيد من أفطر بالماء، ويقتصر على ما بعده. (وقوله: ذهب الظمأ) هو مهموز الآخر، مقصور. والمراد به العطش. ولم يقل وذهب الجوع، لأن أرض الحجاز حارة، فكانوا يصبرون على قلة الطعام لا العطش. (قوله: وثبت الأجر) أي أجر الصوم عندك. (قوله: إن شاء الله تعالى) يقال ذلك تبركا. (قوله: وسن غسل عن نحو جنابة) أي كحيض ونفاس. (قوله: قبل فجر) متعلق بغسل أو بسن. (قوله: لئلا يصل الماء الخ) عبارة المنهج القويم ليؤدي العبادة على طهارة، ومن ثم ندب له المبادرة إلى الاغتسال عقب الاحتلام نهارا، ولئلا يصل الماء إلى باطن أذنه أو دبره، ومن ثم ينبغي له غسل هذه المواضع قبل الفجر - إن لم يتهيأ له الغسل الكامل قبله - وللخروج من قول أبي هريرة - رضي الله عنه - بوجوبه، للخبر الصحيح: من أصبح جنبا فلا صوم له. وهو مؤول أو منسوخ. اه. قال العلامة الكردي: وفي حاشية التحفة لأبي اليتيم: الأولى في التعليل أن يقال يسن الغسل ليلا لأجفل أن يؤدي العبادة على الطهارة. (قوله: وقضيته) أي التعليل المذكور. (قوله: إن وصوله) أي الماء. (وقوله: لذلك) أي لباطن. نحو أذنه أو دبره. (قوله: وليس عمومه مرادا) الضمير يعود على قضيته، وذكره باعتبار تأويلها بالمقتضي وهو مذكر، والمعنى ليس عمومه: أي هذا المقتضي، وهو أن وصول الماء إلى ما ذكر مفطر مطلقا، بمراد، بل المراد تقييده بما إذا وقعت منه المبالغة المنهي عنها. (قوله: كما هو) أي عدم إرادة العموم ظاهر. (قوله: أخذا مما مر) منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف، أي وأخذ هذا المذكور - وهو عدم إرادة العموم - أخذا، أو على الحالية منه، أي حال كون هذا المذكور مأخوذا مما مر. (وقوله: إن سبق الخ) المصدر المؤول بدل من ما، وأعطف بيان له، ووجه الأخذ أنه قد مر أنه إن سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق المأمور بهما أو ماء غسل الفم المتنجس: لا يفطر - لتولده من مأمور به، فليكن ما ذكر - وهو دخول الماء من أذنه أو أدبره في غسل نحو الجنابة - مثله في أنه لا يفطر به، لتولده من مأمور به. وقوله نحو المضمضة: هو الاستنشاق. (وقوله: المشروع) صفة لنحو، وهو المأمور به في نحو الوضوء. وخرج به غير المشروع - كأن وضع الماء في فمه أو أنفه من غير غرض، فسبق إلى جوفه - وما زاد على المشروع، كان سبق الماء إلى جوفه من نحو رابعة، وقد تقدم أن يفطر بذلك، لتولده من غير مأمور به. (قوله: أو غسل الخ) معطوف على نحو، أي أو أن سبق

(و) سن (كف) نفس عن طعام فيه شبهة، و (شهوة) مباحة. من مسموع، ومبصر، ومس طيب، وشمه. ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ ماء غسل الفم المتنجس. (قوله: لا يفطر) الجملة خبر أن، ومحل عدم الفطر بالسبق في الأول: إذا لم يبالغ فيه، وإلا أفطر. وأما في الثاني: فلا يفطر مطلقا، بالغ أو لا - كما مر. (قوله: لعذره) أي في السبق المذكور، وذلك لأنه متولد من مأمور به. (قوله: فليحمل هذا) أي قضية التعليل، وهو أن وصول الماء إلى باطن الأذن أو الدبر، مفطر. (وقوله: على مبالغة منهي عنها) انظر كيف تتصور المبالغة هنا؟ ويمكن أن يقال إنه مثل تصويرها في نحو المضمضة، وذلك بأن يملأ أذنه ماء، بحيث يسبق غالبا إلى باطنها، ولكن هذا لا يظهر في المبالغة في وصول الماء إلى باطن الدبر، ولعله فيها بالنسبة إليه - أن يكثر من ترديد الماء في حد الظاهر من الدبر، بحيث يسبق إلى باطنه. (قوله: وسن كف نفس عن طعام فيه شبهة) وبالأولى، ما إذا كان حراما محضا. (والحاصل): يتأكد عليه أن يحفظ بطنه عن تناول الحرام والشبهة، خصوصا عند الإفطار. قال بعض السلف: إذا صمت فانظر على أي شئ تفطر؟ وعند من تفطر؟ (قوله: وشهوة مباحة) معطوف على طعام. أي وكف نفس عن شهوة لها مباحة. والمراد من ذلك أن يجانب الرفاهية، والإكثار من تناول الشهوات واللذات، وأقل ذلك أن تكون عادته من الترفه واحدة في رمضان وغيره، وهذا أقل ما ينبغي، وإلا فللرياضة ومجانبة شهوات النفس أثر كبير في تنوير القلب، وتطلب بالخصوص في رمضان. وأما الذين يجعلون لهم في رمضان عادات من الترفهات والشهوات التي لا يعتادونها في غير رمضان، فغرور منهم غرهم به الشيطان حسدا منه لهم، حتى لا يجدوا بركات صومهم ولا تظهر عليهم آثاره من الأنوار والمكاشفات. (واعلم) أنه يتأكد عليه أيضا أن يتجنب الشبع المفرط لأجل أن يظهر عليه أثر الصوم، ويحظى بسره ومقصوده الذي هو تأديب النفس وتضعيف شهواتها، فإن للجوع وخلو المعدة أثرا عظيما في تنوير القلب ونشاط الجوارح في العبادة، والشبع أصل القسوة والغفلة، والكسل عن الطاعة المطلوب إكثارها بالخصوص في رمضان. قال عليه الصلاة والسلام: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه. وقال بعضهم: إذا شبعت البطن جاعت جميع الجوارح. وإذا جاعت البطن شبعت جميع الجوارح. وفي العهود للشعراني: أخذ علينا العهد أن لا نشبع الشبع الكامل قط، لا سيما في ليالي رمضان، فإن الأولى النقص فيها عن مقدار ما كنا نأكله في غيرها، وذلك لأنه شهر الجوع، ومن شبع في عشائه وسحوره فكأنه لم يصم رمضان. وحكمه حكم المفطر من حيث الأثر المشروع له الصوم، وهو إضعاف الشهوة المضيقة لمجاري الشيطان في البدن، وهذا الأمر بعيد على من شبع من اللحم والمرق، اللهم إلا أن تكون امرأة مرضعة، أو شخصا يتعاطى في النهار الأعمال الشاقة، فإن ذلك لا يضره إن شاء الله تعالى. وقد قالوا: من أحكم الجوع في رمضان: حفظ من الشيطان إلى رمضان الآتي، لأن الصوم جنة على بدن الصائم ما لم يخرقه شئ، فإذا خرقه دخل الشيطان له من الخرق. اه. (قوله: من مسموع إلخ) بيان للشهوة، وهو يفيد أن المراد بالشهوة: المشتهى. وبه يندفع ما يقال أن الشهوة هي ميل النفس إلى المطلوب، وهي لا يمكن كف النفس عنها، والتحري عنها. وحاصل الدفع أن المراد بها المشتهى، وهو المسموع والمبصر، ومس الطيب، وشمه، وهذا يمكن كف النفس عن سماعه، والنظر إليه، ومسه وشمه. ثم إن المراد بالمسموع والمبصر: المباحان، بدليل تقييد المبين الذي هو الشهوة بالمباحة، فخرج المحرم منهما، فيجب كف النفس عنه. والمسموع المباح: مثل الصوت الحاصل بالتغني والألحان، بخلاف الصوت الحاصل من آلات اللهو والطرب المحرمة - كالوتر - فهو حرام يجب كف النفس من سماعه. والمبصر المباح: كالنظر في الزخارف، والنقوش، والرياحين، بخلاف غير المباح: كالنظر للأجنبية، أو الأمرد الجميل فهو حرام، يجب كف النفس عنه. (قوله: ومس طيب وشمه) أي فهما مباحان، يسن كف النفس عنهما. وفي التحفة: بل قال المتولي بكراهة النظر إليه. وجزم غيره

تعارضت كراهة مس الطيب للصائم، ورد الطيب: فاجتناب المس أولى، لان كراهته تؤدي إلى نقصان العبادة. قال في الحلية: الاولى للصائم ترك الاكتحال. ويكره سواك بعد الزوال، وقت غروب، وإن نام أو أكل كريها ناسيا. وقال جمع: لم يكره، بل يسن إن تغير الفم بنحو نوم. ومما يتأكد للصائم: كف اللسان عن كل محرم ـــــــــــــــــــــــــــــ بكراهة شم ما يصل ريحه لدماغه أو ملبوسه. اه. (قوله: ولو تعارضت كراهة مس الطيب الخ) فيه أنه لم يذكر هنا كراهة المس حتى يصح ما قاله من المعارضة، وإنما الذي يفهم من كلامه هنا الإباحة، فكان الأولى أن يصرح بالكراهة أولا، ثم يرتب عليها ما ذكره. (وقوله: ورد الطيب) هو بالجر، معطوف على مس، أي وكراهة رد الطيب - أي على من يهديه له - والمراد أنه إذا لم يرد الطيب ارتكب كراهة المس بأن لم يتيسر له قبوله إلا بالمس، وإذا لم يمسه ارتكب كراهة الرد فتعارضا عليه حينئذ. (وقوله: فاجتناب المس) أي مع ارتكاب كراهة الرد. (وقوله: أولى) أي من قبول الطيب مع ارتكاب كراهة المس. (قوله: لأن كراهته) أي المس، وهو علة الأولوية. (وقوله: تؤدي إلى نقصان العبادة) أي بخلاف كراهة رد الطيب، فإنها لا تؤدي إلى ذلك. (قوله: الأولى للصائم ترك الاكتحال) أي لما فيه من الزينة والترفه اللذين لا يناسبان الصوم، وللخروج من خلاف الإمام مالك رضي الله عنه، فإنه يقول بإفطاره به، ويعلم من التعبير بالأولوية أن الاكتحال: خلاف الأولى فقط، فلا يضر، وإن وجد لون الكحل في نحو نخامته وطعمه بحلقه، إذ لا منفذ من عينه لحلقه، فهو كالواصل من المسام. وروى البيهقي والحاكم أنه - صلى الله عليه وسلم -: كان يكتحل بالإثمد وهو صائم لكن ضعفه في المجموع. (قوله: ويكره سواك) أي على المشهور المعتمد، ومقابله قول الجمع الآتي: وإنما كره على الأول، للخبر الصحيح: لخلوف فم الصائم يوم القيامة أطيب عند الله من ريح المسك. وهو بضم المعجمة: التغير، واختص بما بعد الزوال، لأن التغير ينشأ غالبا قبله من أثر الطعام، وبعده من أثر العبادة. ومعنى أطيبيته عند الله تعالى ثناؤه تعالى عليه ورضاه به، فلا يختص بيوم القيامة، وذكره في الخبر ليس للتقييد، بل لأنه محل الجزاء. وأطيبيته عند الله تدل على طلب إبقائه، فكرهت إزالته، ولا تزول الكراهة إلا بالغروب. (قوله: بعد زوال) أي أو عقب الفجر لمن واصل الصوم، لكونه لم يجد مفطرا يفطر به، أو وجده وارتكب حرمة الوصال، فتزول كراهة الاستياك في حقه بالغروب، وتعود بالفجر. والوصال: أن يستديم جميع أوصاف الصائمين، فالجماع - ونحوه مما ينافي الصوم - يمنع الوصال، على المعتمد. (قوله: وقبل غروب) أما بعده فلا كراهة، فهي تزول بالغروب. (قوله: وإن نام إلخ) غاية لكراهة السواك بعد الزوال. أي يكره وإن نام بعد الزوال أو أكل شيئا كريها كبصل نسيانا، وهذا هو الذي استوجهه شيخه ابن حجر، وعبارته - في باب الوضوء - ولو أكل بعد الزوال ناسيا مغيرا أو نام وانتبه: كره أيضا على الأوجه، لأنه لا يمنع تغير الصوم، ففيه إزالة له، ولو ضمنا، وأيضا فقد وجد مقتض هو التغير، ومانع هو الخلوف، والمانع مقدم. اه. وجرى الجمال الرملي - تبعا لإفتاء والده - على أنه يكره الاستياك حينئذ، فمحل الكراهة عنده بعد الزوال إن لم يكن له سبب يقتضيه، أما لو كان له ذلك: كأن أكل ذا ريح كريه ناسيا، أو نام وتغير فمه بذلك - سن له الاستياك، لأن الخلوف الحاصل من الصوم قد اضمحل، وذهب بالكلية بالتغير الحاصل من أكل ما ذكر أو من النوم. ووافق المؤلف - في باب الوضوء - م ر، وخالف شيخه، وعبارته هناك: ويكره للصائم بعد الزوال إن لم يتغير فمه بنحو نوم. اه. فيكون جرى هناك على قول، وهنا على قول. (قوله: وقال جمع: لم يكره) أشار إليه ابن رسلان في زبده بقوله: أما استياك صائم بعد الزوال * * فاختير لم يكره، ويحرم الوصال قال م في شرحه عليه: ونقله - أي هذا القول - الترمذي عن الشافعي، وبه قال المزني، واختاره جماعة منهم النووي، وابن عبد السلام، وأبو شامة. اه. (قوله: بل يسن) إضراب انتقالي - فبعد أن ذكر عدم الكراهة عنده انتقل إلى ذكر السنية، ولا يلزم من عدمها السنية، لأنه صادق بالمباح، وبخلاف الأولى. (وقوله: إن تغير) قيد في السنية، فهو راجع لما بعد، بل فقط: أي بل قالوا يسن بشرط أن يتغير فمه بنحو نوم كالأكل لذي ريح كريه ناسيا. واعتمد هذا

- ككذب وغيبة، ومشاتمة - لانه محبط للاجر، كما صرحوا به، ودلت عليه الاخبار الصحيحة، ونص عليه الشافعي والاصحاب، وأقرهم في المجموع، وبه يرد بحث الاذرعي حصوله وعليه إثم معصيته. وقال بعضهم: يبطل أصل صومه، وهو قياس مذهب أحمد في الصلاة في المغصوب. ولو شتمه أحد فليقل - ولو في نفل - إني صائم، مرتين أو ثلاثا - في نفسه - تذكيرا لها، وبلسانه: حيث لم يظن رياء، فإن اقتصر على أحدهما: فالاولى ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطيب، ومثله الجمال الرملي، ونقله عن إفتاء والده - كما علمت. (قوله: ومما يتأكد للصائم الخ) أي من حيث الصوم، فلا ينافي ذلك وجوب الكف عن ذلك من حيثية أخرى، فإذا كف لسانه عن ذلك يثاب عليه ثوابين: واجبا - من حيث وجوب صون اللسان عن المحرمات - ومندوبا - من حيث الصوم - وإذا لم يكف لسانه عن ذلك - بأن اغتاب مثلا - حصل الإثم المرتب على الغيبة في نفسها، للوعيد الشديد عليها، وحصل بمخالفته أمر الندب بتنزيه الصوم عن ذلك إحباط ثواب الصوم زيادة على ذلك الإثم. وإنما عبروا بالندب تنبيها على أنه لا يبطل بفعله أصل الصوم، إذ لو عبروا بالوجوب لتوهم منه عدم صحة الصوم معه - كالاستقاءة ونحوها -. (وقوله: كف اللسان عن كل محرم) أي منعه عنه، وحفظه منه. (قوله: ككذب وغيبة) تمثيل للمحرم، والكذب: هو الإخبار بما يخالف الواقع. والغيبة: هي ذكرك أخاك المسلم بما يكره، ولو بما فيه، ولو بحضرته. وهي من الكبائر: في حق أهل العلم وحملة القرآن. ومن الصغائر: في حق غيرهم. وقد يجبان - كالكذب - لإنقاذ مظلوم، وذكر عيب نحو خاطب، وهذان لا يتأكد كف اللسان عنهما - لوجوبهما. (قوله: ومشاتمة) المراد بها أصل الفعل: أي الشتم، وهو والسب بمعنى واحد، وهو مشافهة الغير بما يكره، وإن لم يكن فيه حد: كيا أحمق، يا ظالم. والقذف أخص منهما، إذ هو الرمي بما يوجب الحد غالبا. (قوله: لأنه محبط للأجر) أي لأن المحرم من الكذب، والغيبة، والمشاتمة، وغيرها، محبط لثواب الصوم. (قوله: كما صرحوا به) أي بإحباطه للأجر فقط. (قوله: ودلت عليه الأخبار الصحيحة) منها: خبر الحاكم في صحيحه: ليس الصيام من الأكل والشرب فقط، الصيام من اللغو والرفث. وخبر البخاري: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه. والمراد أن كمال الصوم إنما يكون بصيانته عن اللغو والكلام الردئ، لا أن الصوم يبطل بهما. قال في التحفة. وخبر: خمس يفطرن الصائم: الغيبة، والنميمة، والكذب، والقبلة، واليمين الفاجرة باطل - كما في المجموع. اه. (قوله: وبه يرد) أي بما ذكر من تصريحهم ودلالة الأخبار. ونص الشافعي بإحباط الأجر بذلك: يرد بحث الأذرعي حصول الأجر، وعليه إثم المعصية. (قوله: وقال بعضهم) هو الأوزاعي - كما في التحفة. (وقوله: يبطل أصل صومه) أي لظاهر الحديث المار وهو: خمس يفطرن الخ. (قوله: وهو قياس) أي بطلان أصل الصوم قياس مذهب الإمام أحمد في الصلاة في المغصوب، فإنها تبطل عنده فيه. (قوله: ولو شتمه أحد فليقل الخ) أي لخبر: الصيام جنة. فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله، أو شاتمه، فليقل إني صائم، إني صائم - مرتين. أي يقوله بقلبه لنفسه، لتصبر ولا تشاتم فتذهب بركة صومها - كما نقله الرافعي عن الأئمة - أو بلسانه بنية وعظ الشاتم، ودفعه بالتي هي أحسن - كما نقله النووي عن جمع وصححه - ثم قال: فإن جمعهما فحسن، وقال إنه يسن تكراره مرتين، أو أكثر، لأنه أقرب إلى إمساك صاحبه عنه. وقول الزركشي: ولا أظن أحدا يقوله: مردود بالخبر السابق. اه. شرح الروض. (قوله: ولو في نفل) أي في صوم نفل، وهو غاية لقوله فليقل إلخ. وقوله: إني صائم: مقول القول. وقوله: مرتين، مفعول مطلق ليقل. (قوله: في نفسه) متعلق بقوله فليقل. أي فليقل في نفسه، وإطلاق القول على ما كان بنفسه ثابت في كلامهم كثيرا، ويسمى قولا نفسيا. قال الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * * جعل اللسان على الفؤاد دليلا وقوله: تذكيرا لها: أي لنفسه أن صائم لتصبر. (قوله: وبلسانه) معطوف على في نفسه، والواو: بمعنى أو، أي أو ليقل بلسانه ذلك، زجرا لخصمه. (قوله: حيث لم يظن رياء) تقييد لقوله ذلك باللسان: أي فليقل ذلك به حيث لم يظن

بلسانه (و) سن مع التأكيد (برمضان)، وعشره الاخير آكد، (إكثار صدقة)، وتوسعة على عيال، وإحسان على الاقارب والجيران - للاتباع - وأن يفطر الصائمين - أي يعشيهم - إن قدر، وإلا فعلى نحو شربة، (و) إكثار (تلاوة) للقرآن في غير نحو الحش، ولو نحو طريق، وأفضل الاوقات للقراءة من النهار: بعد الصبح، ومن ـــــــــــــــــــــــــــــ رياء بذلك، فإن ظنه تركه، وقاله بقلبه. (قوله: فإن اقتصر على أحدهما) أي فإن أراد الاقتصار على أن يقول ذلك في نفسه أو بلسانه، فالأولى أن يكون بلسانه، لكن حيث أمن الرياء، لأن القصد بذلك الوعظ، وبه يندفع ما يقال: أن العبادة يسن إخفاؤها، فكيف طلب منه أن يتلفظ بقوله إني صائم؟ وما أحسن ما قاله بعضهم هنا: اغضض الطرف، واللسان فقصر * * وكذا السمع صنه حين تصوم ليس من ضيع الثلاثة عندي * * بحقوق الصيام أصلا يقوم (قوله: وسن مع التأكيد) ق يد به، لأن ما ذكره سنة في كل زمن، فرمضان: زائد بتأكد ما ذكر فيه. وعبارة التحفة: ويسن، أي يتأكد من حيث الصوم، وإلا فذلك سنة في كل زمن. (قوله: وعشره الأخير إلخ) هذا مكرر مع قول المتن الآتي سيما عشر آخره، إذ هو راجع لإكثار الصدقة وما بعده - كما صرح به الشارح عقبه - فالأولى إسقاطه. (قوله: إكثار صدقة) نائب فاعل سن. (قوله: وتوسعة) بالجر، معطوف على صدقة: أي وإكثار التوسعة - أي زيادتها -. بالرفع: معطوف على إكثار، أي وسن توسعه. وعبارة فتح الجواد: وكثرة صدقة، وزيادة التوسعة على العيال. اه. (قوله: وإحسان) فيه الاحتمالان الماران آنفا. (قوله: للاتباع) هو أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل. والمعنى في ذلك: تفريغ قلوب الصائمين والقائمين للعبادة بدفع حاجتهم. (قوله: وأن يفطر الخ) المصدر المؤول معطوف على إكثار، أي وسن تفطير الصائمين، لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: من فطر صائما فله مثل أجره، ولا ينقص من أجر الصائم شئ، فإن عجز عن عشائهم فطرهم بشربة، أو تمرة، أو غيرهما. (قوله: وإكثار تلاوة للقرآن) أي وسن - مع التأكد - إكثار تلاوة القرآن - أي ومدارسته - بأن يقرأ على غيره، ويقرأ عليه غيره. وإنما تأكد ذلك في رمضان لما في الصحيحين: أن جبريل كان يلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه - صلى الله عليه وسلم - القرآن. وحكمة العرض لأجل أن يبين الناسخ والمنسوخ. قال سيدنا الحبيب عبد الله الحداد في نصائحه الدينية: واعلموا معاشر الإخوان - جعلنا الله وإياكم من التالين لكتابة العزيز حق تلاوته، المؤمنين به، الحافظين له، المحفوظين به، المقيمين له، القائمين به - أن تلاوة القرآن العظيم من أفضل العبادات، وأعظم القربات، وأجل الطاعات، وفيها أجر عظيم، وثواب كريم. قال الله تعالى: * (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور) * (1) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن. وقال عليه الصلاة والسلام: من قرأ حرفا من كتاب الله كتبت له حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول ألم حرف واحد، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف. وقال عليه الصلاة والسلام: يقول الله تعالى: من شغله ذكري وتلاوة كتابي عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه. وقال عليه الصلاة والسلام: اقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه. وقال علي كرم الله وجهه: من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة، ومن قرأه وهو قاعد في الصلاة كان له بكل حرف خمسون حسنة، ومن قرأه خارج الصلاة وهو على طهارة كان له بكل حرف خمس وعشرون حسنة، ومن قرأه وهو على غير طهارة كان له بكل حرف عشر حسنات. واعلموا أن للتلاوة آدابا ظاهرة وباطنة، ولا يكون العبد من التالين حقيقة، الذين تزكو تلاوتهم، ويكون من الله

_ (1) فاطر: 29 - 30

الليل: في السحر،. فبين العشاءين. وقراءة الليل أولى. وينبغي أن يكون شأن القارئ: التدبر. قال أبو الليث ـــــــــــــــــــــــــــــ بمكان، حتى يتأدب بتلك الآداب، وكل من قصر فيها، ولم يتحقق بها لم تكمل تلاوته، ولكنه لا يخلو في تلاوته من ثواب، وله فضل على قدره - فمن أهم الآداب وآكدها: أن يكون التالي في تلاوته مخلصا لله تعالى، ومريدا بها وجهه الكريم، والتقرب إليه، والفوز بثوابه. وأن لا يكون مرائيا، ولا متصنعا، ولا متزينا للمخلوقين، ولا طالبا بتلاوته شيئا من الحظوظ العاجلة، والأغراض الفانية الزائلة. وأن يكون ممتلئ السر والقلب بعظمة المتكلم عز وعلا، خاضعا لجلاله، خاشع القلب والجوارح، حتى كأنه من تعظيمه وخشوعه واقفا بين يدي الله تعالى يتلو عليه كتابه الذي أمره فيه ونهاه. وحق لمن عرف القرآن وعرف المتكلم به أن يكون كذلك، وعلى أتم من ذلك. كيف وقد قال الله تعالى: * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) * (1)؟ فإذا كان هكذا يكون حال الجبل - مع جموده وصلابته - لو أنزل عليه القرآن، فكيف يكون حال الإنسان الضعيف المخلوق من ماء وطين؟ لولا غفلة القلوب وقسوتها، وقلة معرفتها بعظمة الله وعزته وجلاله. اه. (قوله: في غير نحو الحش) متعلق بإكثار. أي سن إكثار في غير نحو الحش. أما نحو الحش فلا يسن إكثارها فيه، ومفهومه أن أصل التلاوة تسن فيه، وليس بمراد، لما نصوا عليه من كراهة الذكر والقراءة في محل قضاء الحاجة من بول أو غائط، بل اختار بعضهم التحريم، لكن حال قضاء الحاجة. والحش - بضم الحاء، وفتحها - محل قضاء الحاجة، ويسمى بيت الخلاء. واختلف أهل اللغة في إطلاق الحش على ما ذكر، فقال بعضهم إنه حقيقة، وقال بعضهم أنه مجاز - كما في المصباح - وعبارته: الحش: البستان. والفتح أكثر من الضم. وقال أبو حاتم: يقال لبستان النخل: حش. فقولهم بيت الحش: مجاز، لأن العرب كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، فلما اتخذوا الكنف وجعلوها خلفا عنها أطلقوا عليها ذلك الاسم. وقال في مختصر العين: المحشة: الدبر. والمحش: المخرج - أي مخرج الغائط - فيكون حقيقة. اه. بحذف. وانظر: ما نحو الحش؟ ولعله المكان المتيقن نجاسته - كالمزبلة والمجزرة. (قوله: ولو نحو طريق) غاية لغير نحو الحش: أي ولو كان ذلك الغير نحو طريق، وعبارة فتح الجواد: ولو نحو طريق أو حمام توفر فيه التدبر. اه. (قوله: وأفضل الأوقات إلخ) قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في الأذكار (إعلم) أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة. ومذهب الإمام الشافعي وآخرين - رحمهم الله تعالى - إن تطويل القيام في الصلاة بالقراءة أفضل من تطويل السجود وغيره. وأما القراءة في غير الصلاة، فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير منه أفضل من الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة. وأما قراءة النهار: فأفضلها ما بعد صلاة الصبح، ولا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النهي عن الصلاة. وأما ما حكاه ابن أبي داود - رحمه الله تعالى - عن معاذ بن رفاعة - رحمه الله تعالى - عن مشايخه أنهم كرهوا القراءة بعد العصر، وقالوا إنها دراسة يهود: فغير مقبول، ولا أصل له. ويختار من الأيام: الجمعة، والاثنين، والخميس، ويوم عرفة. ومن الأعشار: العشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأخير من شهر رمضان. ومن الشهور: رمضان. اه. (قوله: وقراءة الليل أولى) أي من قراءة النهار، لأن الخشوع والتدبر في قراءة الليل لا يحصلان في قراءة النهار. (قوله: وينبغي أن يكون شأن القارئ التدبر) أي لما يقرؤه والتفهم له، حاضر القلب معه. قال تعالى: * (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) * (2)، وقال تعالى - في معرض الإنكار والتوبيخ لأقوام - * (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟) * (3) وقال علي كرم الله وجهه: لا خير في قراءة لا تدبر فيها. وصدق رضي الله عنه، لأن القرآن إنما أنزل ليتدبر. وبالتدبر يفهم المراد منه، ويتوصل إلى العلم به، والعمل بما فيه، وهذا هو المقصود بإنزاله وبعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - به.

_ (1) الحشر: 21. (2) ص: 29. (3) محمد: 24

في البستان: ينبغي للقارئ أن يختم القرآن في السنة مرتين - إن لم يقدر على الزيادة -. وقال أبو حنيفة: من قرأ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعض السلف رحمة الله عليهم: لأن أقرأ إذا زلزلت، والقارعة أتدبرهما وأتفهمهما، أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله. وعن الحسن البصري أنه قال: أن من كان قبلكم رأوا هذا القرآن رسائل إليهم من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها بالنهار. اه. ملخصا من النصائح. (قوله: قال أبو الليث في البستان الخ) قال النووي - رحمه الله تعالى - في الأذكار ما ملخصه: ينبغي أن يحافظ على تلاوته ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، وقد كانت للسلف رضي الله عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه، فكان جماعة منهم يختمون في كل شهرين ختمة، وآخرون في كل شهر ختمة، وآخرون في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثمان ليال ختمة، وآخرون في كل سبع ليال - وهذا فعل الأكثرين من السلف - وآخرون في كل ست ليال، وآخرون في أربع، وكثيرون في كل ثلاث، وكان كثيرون يختمون في كل يوم وليلة ختمة، وختم جماعة في كل يوم وليلة ختمتين، وآخرون في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وختم بعضم في اليوم والليلة ثماني ختمات: أربعا في الليل، وأربعا في النهار. والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له معه كمال فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم، أو فصل الحكومات بين المسلمين، أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامة للمسلمين، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، ولا فوات كماله، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر - ما أمكنه - من غير خروج إلى حد الملل أو الهذرمة في القراءة. وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرها من عبد الله بن عمر وبن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث. وأما وقت الابتداء والختم فهو إلى خيرة القارئ، فإن كان يختم في الأسبوع مرة، فقد كان عثمان رضي الله عنه يبتدئ ليلة الجمعة، ويختم ليلة الخميس. وقال الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء: الأفضل أن يختم ختمة بالليل، وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أول النهار وآخره. وروى ابن أبي داود عن عمرو بن مرة التابعي الجليل رضي الله عنه قال: كانوا يحبون أن يختم القرآن من أول الليل، أو من أول النهار. وعن طلحة بن مصرف التابعي الجليل الإمام قال: من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وأية ساعة كانت من الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح. ثم قال - رحمه الله تعالى - ويستحب الدعاء عند الختم استحبابا متأكدا شديدا، لما روينا عن حميد الأعرج - رحمه الله تعالى - قال: من قرأ القرآن ثم دعا أمن على دعائه أربعة آلاف ملك. وينبغي أن يلح في الدعاء، وأن يدعو بالأمور المهمة، والكلمات الجامعة، وأن يكون معظم ذلك أو كله في أمور الآخرة، وأمور المسلمين، وصلاح سلطانهم، وسائر ولاة أمورهم، وفي توفيقهم للطاعات، وعصمتهم من المخالفات، وتعاونهم على البر والتقوى، وقيامهم بالحق، واجتماعهم عليه، وظهورهم على أعداء الدين، وسائر المخالفين. اه. وقوله: ويستحب الدعاء عند الختم إلخ. مما يحسن إيراده هنا: الدعاء الذي يدعو به شيخنا الأستاذ علامة الزمان مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان، عقب ختمه القرآن (وهو هذا): بسم الله الرحمن الرحيم. صدق الله مولانا العظيم. وبلغ رسوله النبي الكريم. ونحن على ذلك من الشاهدين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشاكرين. والحمد لله رب العالمين. اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن العظيم، وبارك لنا بالآيات والذكر الحكيم، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وجد علينا إنك أنت الجواد الكريم، وعافنا من كل بلاء يا عظيم. اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا، ونور أبصارنا، وذهاب همومنا وغمومنا وأحزاننا، ومغفرة لذنوبنا، وقضاء لحوائجنا، وسائقنا وقائدنا ودليلنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم. اللهم ارحمنا بالقرآن العظيم، واجعله لنا إماما ونورا وهدى ورحمة. اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته على طاعتك آناء الليل وأطراف النهار، واجعله حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا، مولانا رب العالمين. اللهم فكما بلغتنا خاتمته، وعلمتنا تلاوته، وفضلتنا بدينك على جميع الأمم، وخصصتنا بكل فضل، وكرم، وجعلت هدايتنا بالنبي الطاهر النسب، الكريم الحسب، سيد العجم والعرب، سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - - صلى الله عليه وسلم - - فنسألك اللهم ببلاغه عنك، وقربه منك، وجاهه المقبول لديك، وحقه الذي لا يخيب من توسل به إليك: أن تجعل القرآن العظيم لنا إلى كل خير قائدا، وعن كل سوء ذائدا وإلى حضرتك وجنة الخلد وافدا. اللهم أرشدنا بحفظه، وأعذنا من نبذه ورفضه وقلاه وبغضه، ولا تجعلنا ممن يدفع بعضه ببعضه. اللهم أعذنا به من ذميم الإسراف، ورض به نفوسنا على العدل والإنصاف، وذلل به ألسنتنا على الصدق والاعتراف، واجمعنا به على مسرة الائتلاف، واحشرنا به في زمرة أهل القناعة والعفاف. اللهم شرف به مقامنا في محل الرحمة، واكنفنا في ظل النعمة، وبلغنا به نهاية المراد والهمة، وبيض به وجوهنا يوم القتر والظلمة. اللهم إنا قد دعوناك طالبين، ورجوناك راغبين، واستقلناك معترفين، غير مستنكفين، إقرارا لك بالعبودية، وإذعانا لك بالربوبية، فأنت الله الذي لا إله إلا أنت، لك ما سكن في الليل والنهار، وأنت السميع العليم. اللهم فجد علينا بجزيل النعماء، وأسعفنا بتتابع الآلاء، وعافنا من نوازل البلاء، وقنا شماتة الأعداء، وأعذنا من درك الشقاء، وحطنا برعايتك في الصباح والمساء. إلهنا وسيدنا ومولانا: عليك نتوكل في حاجاتنا، وإليك نتوسل في مهماتنا، لا نعرف غيرك فندعوه، ولا نؤمل سواك فنرجوه، اللهم فجد علينا بعصمة مانعة من اقتراف السيئات، ورحمة ماحية لسوالف الخطيئات، ونعمة جامعة لصنوف الخيرات، يا من لا يضل من أصحبه إرشاده، وتوفيقه، ولا يزل من توكل عليه وسلك طريقه، ولا يذل من عبده وأقام حقوقه. اللهم فكما بلغتنا خاتمته، وعلمتنا تلاوته، فاجعلنا ممن يقف عند أوامره، ويستضئ بأنوار جواهره، ويستبصر بغوامض سرائره، ولا يتعدى نهي زواجره. اللهم وأورد به ظمأ قلوبنا موارد تقواك، واشرع لنا به سبل مناهل جدواك، حتى نغدو خماصا من حلاوة قصدك، ونروح بطانا من لطائف رفدك. اللهم نجنا به من موارد الهلكات، وسلمنا به من اقتحام الشبهات، وعمنا به بسحائب البركات، ولا تخلنا به من لطفك في جميع الأوقات. اللهم جللنا به سرادق النعم، وغشنا به سرابيل العصم، وبلغنا به نهايات الهمم، واقشع به عنا غيابات النقم، ولا تخلنا به من تفضلك يا ذا الجود والكرم. اللهم أعذنا به من مفارقة الهم ومساورة الحزن، وسلمنا به من غلبة الرجال في صم الفتن، وأعنا به على إدحاض البدع وإظهار السنن، وزينا بالعمل به في كل محل ووطن، وأجرنا به من عاداتك على كل جميل وحسن، إنك أنت العواد بغرائب الفضل وطرائف المنن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهم اجمع به كلمة أهل دينك على القول العادل، وارفع به عنهم عزة التشاحن وذلة التخاذل، واغمد به عن سفك دمائهم سيف الباطل، وخر لنا ولجميع المسلمين في العاجل والآجل، وجملنا وإياهم في المشاهد والمحافل، وعمنا وإياهم بإنعامك السابغ وإحسانك الشامل، إنك على ما تشاء قادر ولما تحب فاعل. اللهم وإذا انقضت من الدنيا أيامنا، وأزف عند الموت حمامنا، وأحاطت بنا الأقدار، وشخصت إلى قدوم الملائكة الأبصار، وعلا الأنين، وعرق الجبين، وكثر الانبساط والانقباض، ودام القلق والارتماض، فاجعل اللهم ملك الموت بنا رفيقا، وبنزع نفوسنا شفيقا، يا إله الأولين والآخرين، وجامع خلقه لميقات يوم الدين، توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين. اللهم إنا نسألك ونتوسل إليك بنبيك الأمين، وبسائر الأنبياء والمرسلين، أن تنصر سلطاننا وعساكره نصرا تعز به الدين، وتذل به رقاب أعدائك الخوارج والكافرين. اللهم وفق سائر الوزراء والأمراء والقضاء والعلماء والعمال للعدل ونصرة الدين، والعمل بالشريعة المطهرة في كل وقت وحين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسولك، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم - إله الحق - واجعلنا منهم. اللهم أهلك الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهم شتت شملهم اللهم فرق جمعهم. اللهم أقل حدهم. اللهم أقل عددهم. اللهم خالف بين كلمتهم. اللهم اجعل الدائرة عليهم. اللهم أرسل العذاب الأليم عليهم. اللهم ارمهم بسهمك الصائب. اللهم أحرقهم بشهابك الثاقب. اللهم اجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين. اللهم أخرجهم من دائرة الحلم واللطف واسلبهم مدد الإمهال، وغل أيديهم واربط على قلوبهم ولا تبلغهم الآمال. اللهم لا تمكن الأعداء لا فينا ولا منا، ولا تسلطهم علينا بذنوبنا. اللهم قنا الأسوأ ولا تجعلنا محلا للبلوى. اللهم أعطنا أمل الرجاء وفوق الأمل، يا من بفضله لفضله، أسألك إلهي العجل العجل، الإجابة الإجابة، يا من أجاب نوحا في قومه، يا من نصر إبراهيم على أعدائه، يا من رد يوسف على يعقوب، يا من كشف ضر أيوب، يا من أجاب دعوة زكريا، يا من قبل تسبيح يونس بن متى. نسألك اللهم بأسرار أصحاب هذه الدعوات المستجابات أن تتقبل ما به دعونا، وأن تعطينا ما سألناك، وأنجز لنا وعدك الذي وعدته لعبادك الصالحين المؤمنين. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. اللهم إنا نسألك التوبة الكاملة، والمغفرة الشاملة، والمحبة الكاملة، والخلة الصافية، والمعرفة الواسعة، والأنوار الساطعة، والشفاعة القائمة، والحجة البالغة، والدرجة العالية، وفك وثاقنا من المعصية، ورهاننا من النقمة، بمواهب الفضل والمنة. اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا عيبا إلا سترته، ولا هما إلا فرجته، ولا كربا إلا كشفته، ولا دينا إلا قضيته، ولا ضالا إلا هديته، ولا عائلا إلا أغنيته، ولا عدوا ألا خذلته وكفيته، ولا صديقا إلا رحمته وكافيته، ولا فسادا إلا أصلحته، ولا مريضا إلا عافيته، ولا غائبا إلا رددته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها، فإنك تهدي السبيل، وتجبر الكسير، وتغني الفقير، يا رب العالمين. * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) * (1). * (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هدينتا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) * (2). * (ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) * (3) * (ربنا

_ (1) البقرة: 201. (2) آل عمران: 8. (3) الاعراف: 23.

القرآن في كل سنة مرتين: فقد أدى حقه، وقال أحمد: يكره تأخير ختمة أكثر من أربعين يوما - بلا عذر - لحديث ابن عمر. (و) إكثار عبادة و (اعتكاف) للاتباع (سيما) بتشديد الياء، وقد يخفف، والافصح جر ما بعدها، ـــــــــــــــــــــــــــــ أتمم لنا نورنا، واغفر لنا، إنك على كل شئ قدير) * (1) * (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إن ك أنت التواب الرحيم) * (2). وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل وصحبه أجمعين. * (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين) * (3). (قوله: إكثار عبادة) أي وسن - مع التأكيد - إكثار عبادة في رمضان، وذلك لفضل أوقاته وحصول المضاعفة فيه، وكثرة الثواب وتيسير العمل بالخيرات فيه. أما المضاعفة: فلما ورد أن النافلة في رمضان يعدل ثوابها ثواب الفريضة، والفريضة فيه بسبعين فريضة في غيره. فمن يسمح بفوات هذا الربح، ويكسل عن اغتنام هذه التجارة التي لا تبور؟ وأما تيسير العمل بالخير فيه: فلأن النفس - الأمارة بالسوء - مسجونة بالجوع والعطش، والشياطين المثبطين عن الخير، المعوقين عنه مصفدون، لا يستطيعون الفساد، ولا يتمكنون منه. فلم يبق بعد ذلك عن الخيرات مانع، ولا من دونها حاجز، إلا لمن غلب عليه الشقاء، واستولى عليه الخذلان - والعياذ بالله تعالى -. (فائدة) روي عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر يوم من شعبان، فقال: أيها الناس: قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك فيه ليلة القدر، خير من ألف شهر جعل الله تعالى صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة. وهو شهر المواساة، وهو شهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان له عتق رقبة ومغفرة لذنوبه. قلنا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم. قال: يعطي الله هذا الثواب من يفطر صائما على مذقة لبن، أو شربة ماء، أو تمرة. ومن أشبع صائما كان له مغفرة لذنوبه، وسقاه ربه من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبدا، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ. وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار. ومن خفف عن مملوكه فيه أعتقه الله من النار. فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى لكم عنهما - أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه. وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما: تسألون ربكم الجنة، تتعوذون به من النار. (إخواني) هذه بشارة للصوام في شهر رمضان، إذا حموا نفوسهم من الزلل والعصيان، وأخلصوا صيامهم للواحد المنان، فكيف حال المفرط الذي يصوم ويأكل لحوم الإخوان؟ ويصلي وجسمه في مكان وقلبه في مكان؟ ويذكر الله بلسانه وقلبه مشغول بذكر فلان وفلان؟ فيا من أصبح إلى ما يضره متقدما، وأمسى بناء أمله بكف أجله متهدما: ستعلم من يأتي غدا حزينا متندما، ويبكي على تفريطه في شهره بدل الدموع دما أتراك أيها الصائم - أعددت عدة حازم لقبرك؟ أم حصلت عملا ينجيك في حشرك؟ أم حفظت حدود صومك في شهرك؟ أم هتكت حرمة الحمى؟ - كم من صوم فسد فلم يسقط به الفرض؟ وكم من صائم يفضحه الحساب يوم العرض؟ وكم من عاص في هذا الشهر تستغيث منه الأرض وتشكو من أعماله السماء؟ فيا ليت شعري من المقبول ومن المطرود؟ ومن المقرب ومن المبعد المذود؟ ومن الشقي ومن المسعود؟ لقد عاد الأمر مبهما تالله لقد سعد في هذا الشهر بحراسة أيامه من كف جوارحه عن كسب آثامه، ولقد خاب من لم ينله من صيامه إلا الجوع والظمأ. وما أحسن قول بعضهم فيه: شهر الصيام: لقد علوت مكرما، * * وغدوت من بين الشهور معظما

_ (1) التحريم: 8. (2) البقرة: 127 - 128. (3) الصافات: 180 - 181 - 182

وتقديم لا عليها. وما زائدة وهي دالة على أن ما بعدها أولى بالحكم مما قبلها (عشر آخره) فيتأكد له إكثار الثلاثة المذكورة للاتباع - ويسن أن يمكث معتكفا إلى صلاة العيد، وأن يعتكف قبل دخول العشر، ويتأكد إكثار العبادات المذكورة فيه رجاء مصادفة ليلة القدر، أي الحكم والفصل - أو الشرف، والعمل فيها خير من العمل ـــــــــــــــــــــــــــــ يا صائمي رمضان هذا شهركم * * فيه أبا حكم المهيمن مغنما يا فوز من فيه أطاع إلهه * * متقربا، متجنبا، ما حرما فالويل كل الويل للعاصي الذي * * في شهره أكل الحرام وأجرما فنسأل الله الكريم المنان أن يجعلنا ممن حافظ على حدود صيام رمضان، ففاز بالفردوس والجنان، والقصور والحور العين الحسان، بجاه سيد ولد عدنان - - صلى الله عليه وسلم - - وعلى آله في كل آن. آمين. (قوله: واعتكاف) أي وسن - مع التأكيد - إكثار اعتكاف. (قوله: للاتباع) هو ما رواه ابن ماجه والبيهقي، عن ابن عباس: المعتكف يعكف الذنوب، ويجرى له من الأجر كأجر عامل الحسنات كلها. وما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله. ثم اعتكف أزواجه من بعده، لأنه أقرب لصون النفس عن ارتكاب ما لا يليق. (قوله: سيما إلخ) السي: المثل. (وقوله: والأفصح جر ما بعدها) أي على الإضافة، ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، ونصبه على التشبيه بالمفعول به، أو على أنه مفعول لمحذوف، وقيل على التمييز، لكن إذا كان نكرة. (وقوله: وتقديم لا عليها) أي والأفصح تقديم لا النافية للجنس، واسمها سي، وخبرها محذوف. (قوله: وما: زائدة) وقيل موصولة، والاسم الذي بعدها مرفوع على أنه خبر محذوف، والجملة صلة. (قوله: وهي دالة إلخ) أي فيقال هنا العشر الأواخر أولى بالثلاثة من غيرها، ولا يستثنى بها - على الأصح. (قوله: عشر آخره) يقرأ لفظ عشر بالجر على أنه مضاف إليه على الأفصح، ويجوز رفعه ونصبه. (قوله: فيتأكد له) أي في العشر الأخير. (وقوله: إكثار الثلاثة) - هي: الصدقة، والتلاوة، والاعتكاف. (قوله: للاتباع) هو ما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها. وما صح أنه عليه السلام: كان إذا دخل العشر الأخير أحيا الليل كله وأيقظ أهله، وشد المئزر وهو كناية عن التهيؤ للعبادة، والإقبال عليها بهمة ونشاط. (قوله: ويتأكد إكثار الخ) مكرر مع قوله أول، فيتأكد له إكثار إلخ، فالأولى إسقاطه، ويكون قوله رجاء الخ علة لقوله ويسن أن يمكث معتكفا. (قوله: رجاء مصادفة ليلة القدر) أي طلبا لإدراكها. (قوله: أي الحكم) تفسير للقدر، فالمراد من ليلة القدر: ليلة الحكم. وفي حاشية الجمل على الجلالين، وفي القرطبي، قال مجاهد في ليلة الحكم: وما أدراك ما ليلة القدر؟ قال: ليلة الحكم. والمعنى ليلة التقدير، سميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت، والأجل، والرزق، وغير ذلك، ويسلمه إلى مدبرات الأمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبرائيل - عليهم السلام -. اه. تحفة. وفي تحفة الإخوان للفشني: ومعنى أن الله تعالى يقدر الآجال والأرزاق: أنه يظهر ذلك للملائكة، ويأمرهم بفعل ما هو من سعتهم وضيقهم بأن يكتب لهم ما قدره في تلك السنة، ويعرفهم إياه. وليس المراد منه أنه يحدثه في تلك الليلة، لأن الله تعالى قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض. وقيل للحسين بن الفضيل: أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: بلى قيل له: فما معنى ليلة القدر؟ قال سوق المقادير إلى المواقيت، وتنفيذ القضاء المقدر. اه. (قوله: والفصل) بالصاد المهملة، وما يوجد في غالب النسخ من أنه بالضاد المعجمة تحريف من النساخ، وهو بمعنى الحكم، فعطفه عليه مرادف. (قوله: أو الشرف) عطف على الحكم وهو غيره، فهو تفسير آخر للقدر. فمعنى ليلة القدر: ليلة الشرف. وسميت تلك الليلة بذلك لعظمها، وشرفها، وقدرها - من قولهم: لفلان قدر: أي شرف ومنزلة.

في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهي منحصرة عندنا فيه، فأرجاها: أو تاره، وأرجى أوتاره عند الشافعي: ليلة الحادي أو الثالث والعشرين، واختار النووي - وغيره - انتقالها. وهي أفضل ليالي السنة، وصح: من قام ليلة ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله الأزهري وغيره. ثم إن شرفها يحتمل أن يكون راجعا للفاعل فيها على معنى أن من أتى فيها بالطاعة صار ذا قدر وشرف، ويحتمل أن يرجع إلى نفس العمل. (قوله: والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر) هذا من جملة التعليل، بل هو محطة. أي وإنما تأكد إكثار العبادات فيه رجاء مصادفة ليلة القدر، التي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه: ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر فتعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك وتمنى ذلك لأمته، فقال: يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا، وأقلها أعمالا فأعطاه الله تعالى ليلة القدر خيرا من ألف شهر. وقيل إن الرجل فيما مضى ما كان يقال له عابد حتى يعبد الله تعالى ألف شهر، فأعطوا ليلة إن إحيوها كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد. وما أحسن قول بعضهم: هي ليلة القدر التي شرفت على * * كل الشهور وسائر الأعوام من قامها يمحو الإله بفضله * * عنه الذنوب وسائر الآثام فيها تجلى الحق جل جلاله * * وقضى القضاء وسائر الأحكام فادعوه واطلب فضله تعط المنى * * وتجاب بالإنعام والإكرام فالله يرزقنا القبول بفضله * * ويجود بالغفران للصوام ويذيقنا فيها حلاوة عفوه * * ويميتنا حقا على الإسلام (قوله: ليس فيها ليلة القدر) الجملة صفة لألف شهر، أي ألف شهر موصوفة بكونها ليس فيها ليلة القدر، وإنما قيد به ليصح ما ذكره، وإلا بأن دخلت ليلة القدر في ألف الشهر: لزم تفضيل الشئ على نفسه بمراتب. قال ق ل: ظاهر كلامهم أن ألف الشهر كاملة، وأنها تبدل ليلة القدر بليلة غيرها، ويحتمل نقصها منها. ولعل المراد بالشهور: العربية، لأنها المنصرف إليها الاسم شرعا وعرفا. اه. بجيرمي. (قوله: وهي منحصرة إلخ) كالعلة للعلة السابقة. (وقوله: عندنا) أي معاشر الشافعية - أي جمهورهم، وهو الأصح - وعلى مقابله قيل إنها ليلة تسع عشرة، وقيل سبع عشرة، وقيل ليلة النصف، وقيل جمع رمضان. وادعى المحاملي أنه المذهب، وصح فيه حديث. وقيل جميع السنة - وعليه جماعة - وقيل غير ذلك. اه. كردي، نقلا عن الإيعاب. (وقوله: فيه) أي في العشر الأخير لا تنتقل منه إلى غيره، وتلزم ليلة منه بعينها في المذهب. قال البجيرمي: ومعناه أنها إذا كانت في الواقع ليلة حادي وعشرين مثلا تكون كل عام كذلك، لا تنتقل عن هذه الليلة، فمن عرفها في سنة عرفها فيما بعدها. اه. (قوله: فأرجاها: أوتاره) أي أقرب الأوقات لليلة القدر من العشر الأخير: أوتاره، وهي الحادي والعشرون، والثالث والعشرون، والخامس والعشرون، وهكذا. (وقوله: وأرجى أوتاره) أي العشر. (قوله: واختار النووي وغيره انتقالها) أي من ليلة من العشر إلى ليلة أخرى منه. وإنما اختار ذلك جمعا بين الأخبار المتعارضة في محلها. قال الكردي: وكلام الشافعي - رضي الله عنه - في الجمع بين الأخبار يقتضيه، وعليه قال الغزالي وغيره إنها تعلم فيه باليوم الأول من الشهر، فإن كان أوله يوم الأحد أو يوم الأربعاء: فهي ليلة تسع وعشرين. أو يوم الاثنين: فهي ليلة إحدى وعشرين. أو يوم الثلاثاء أو الجمعة: فهي ليلة سبع وعشرين. أو الخميس: فهي ليلة خمس وعشرين. أو يوم السبت: فهي ليلة ثلاث وعشرين. قال الشيخ أبو الحسن: ومنذ بلغت سن

القدر إيمانا - أي تصديقا بأنها حق وطاعة - واحتسابا - أي طلبا لرضا الله تعالى وثوابه - غفر له ما تقدم من ذنبه وفي رواية: وما تأخر. وروى البيهقي خبر من صلى المغرب والعشاء في جماعة حتى ينقضي شهر رمضان: ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجال ما فاتتني ليلة القدر بهذه القاعدة المذكورة. قال الشهاب القليوبي في حاشيته على المحلى شرح المنهاج، وقد نظمتها بقولي: يا سائلي عن ليلة القدر التي * * في عشر رمضان الأخير حلت فإنها في مفردات العشر * * تعرف من يوم ابتداء الشهر فبالأحد والأربعاء: التاسعة، * * وجمعة مع الثلاثا: السابعه وإن بدا الخميس: فالخامسة، * * وإن بدا بالسبت: فالثالثة وإن بدا الاثنين فهي الحادي * * - هذا عن الصوفية الزهاد وقد رأيت قاعدة أخرى تخالف هذه، وقد نظمت فلا حاجة لنا في الإطالة بها. اه. قوله وقد رأيت قاعدة أخرى: وقد نظمها بعضهم بقوله: وإنا جميعا إن نصم يوم جمعة * * ففي تاسع العشرين خذ ليلة القدر وإن كان يوم السبت أول صومنا * * فحادي وعشرين اعتمده بلا عذر وإن هل يوم الصوم في أحد فذا * * بسابعة العشرين ما رمت فاستقر وإن هل بالاثنين فاعلم بأنه * * يوافيك نيل الوصل في تاسع العشري ويوم الثلاثا إن بدا الشهر فاعتمد * * على خامس العشرين تحظى بها فادر وفي الأربعا إن هل - يا من يرومها - * * فدونك فاطلب وصلها سابع العشري ويوم الخميس إن بد الشهر فاجتهد * * توافيك بعد العشر في ليلة الوتر وفي التحفة ما نصه: وحكمة إبهامها في العشر: إحياء جميع لياليه، وهي من خصائصنا، وباقية إلى يوم القيامة، والتي يفرق فيها كل أمر حكيم. وشذ وأغرب من زعمها ليلة النصف من شعبان، وعلامتها أنها معتدلة، وأن الشمس تطلع صبيحتها، وليس لها كثير شعاع، لعظيم أنوار الملائكة الصاعدين والنازلين فيها، وفائدة ذلك معرفة يومها: إذ يسن الاجتهاد فيه - كليلتها. اه. (قوله: وهي) أي ليلة القدر. (وقوله: أفضل ليالي السنة) لما مر من أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، وللحديث الذي ذكره بقوله: وصح الخ. (قوله: من قام إلخ) (فإن قلت) لفظ قام ليلة القدر، هل يقتضي قيام تمام الليلة، أو يكفي أقل ما ينطلق عليه اسم القيام فيها؟ (قلت) يكفي الأقل، وعليه بعض الأئمة، حتى قيل بكفاية أداء فرض العشاء في دخوله تحت القيام فيها، لكن الظاهر منه عرفا أنه لا يقال قام الليلة إلا إذا قام كلها أو أكثرها. (فإن قلت) ما معنى القيام فيها: إذ ظاهره غير مراد قطعا؟ (قلت) القيام الطاعة فإنه معهود من قوله تعالى: * (وقوموا لله قانتين) * (1) وهو حقيقة شرعية، فيه. كرماني على البخاري. اه بجيرمي. (وقوله: إيمانا) هو وما بعده منصوبان على المفعول لأجله، أو التمييز، أو الحال بتأويل المصدر باسم الفاعل. (وقوله: أي تصديقا) تفسير لإيمانا، وقوله بأنها: أي ليلة القدر. (قوله: واحتسابا) معطوف على إيمانا. (قوله: أي طلبا الخ) تفسير مراد لاحتسابا. (قوله: غفر له الخ) جواب من. والنكتة في وقوعه ماضيا مع أن الغفران واقع في المستقبل أنه متيقن الوقوع، فضلا من الله تعالى على عباده. (وقوله: ما تقدم من ذنبه) أي من الصغائر، أو الأعم، دون التبعات، وهي حقوق الآدميين، أما هي: فلا يكفرها إلا الاستحلال من مستحقها

_ (1) البقرة: 238

فقد أخذ من ليلة القدر بحظ وافر. وروى أيضا: من شهد العشاء الاخيرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر. وشذ من زعم أنها ليلة النصف من شعبان. (تتمة) يسن اعتكاف كل وقت، وهو لبث فوق قدر طمأنينة الصلاة، ولو مترددا في مسجد أو رحبته التي لم ـــــــــــــــــــــــــــــ إن كان موجودا أهلا للاستحلال منها، فإن لم يكن أهلا، أو لم يكن موجودا، فوارثه. (قوله: وشذ من زعم أنها ليلة النصف من شعبان) أي من زعم أن ليلة القدر هي ليلة النصف من شعبان: فقد شذ، أي خالف الجماعة الثقات. (قوله: تتمة) أي في بيان حكم الاعتكاف. وقد أفرده الفقهاء بكتاب مستقل. وذكره عقب الصوم لمناسبته له من حيث إن المقصود من كل منهما واحد، وهو كف النفس عن شهواتها، ومن حيث أن الذي يبطل الصوم قد يبطل الاعتكاف، ولأنه يسن للمعتكف الصيام. والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * وخبر الصحيحين: أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأوسط من رمضان، ثم اعتكف العشر الأواخر ولازمه حتى توفاه الله تعالى. ثم اعتكف أزواجه من بعده. وأركانه أربعة: لبث، ونية، ومعتكف، ومعتكف فيه. ويشترط لها شروط. فشرط اللبث: أن يكون فوق قدر طمأنينة الصلاة، فلا يكفي لبث أقل ما يجزئ من طمأنينة الصلاة كمجرد العبور، لأن كلا منهما لا يسمى اعتكافا. وشرط النية: المقارنة للبث - كما في الصلاة وغيرها - والتعرض للفرضية إن كان منذورا ليتميز عن النفل، فيقول: نويت فرض الاعتكاف، أو: الاعتكاف المنذور. ويقع جميعه فرضا، وإن طال مكثه، ونوزع فيه بأن ما يمكن تجزؤه يقع أقل ما ينطلق عليه الاسم فرضا والباقي نفلا - كالركوع ومسح الرأس - فمقتضاه أن يكون هنا كذلك. وفرق ع ش: بأن القاعدة المذكورة فيما له أقل وأكمل كالركوع، وأما الاعتكاف فلم يجعلوا له إلا أقل. اه. وفرق غيره أيضا بأنا لو قلنا أنه لا يقع جميعه فرضا لاحتاج الزائد إلى نية، ولم يقولوا به، وبخلاف الركوع ومسح الرأس. وشرط المعتكف الإسلام والتمييز والخلو من الموانع. فلا يصح من كافر، لتوقفه على النية، وهو ليس من أهلها. ولا من صبي غير مميز، ومجنون، ومغمى عليه، وسكران - إذ لا نية لهم - ولا من جنب، وحائض، ونفساء، لحرمة مكثهم في المسجد. وشرط المعتكف فيه أن يكون كله مسجدا، سواء سطحه ورحبته المعدودة منه وصحته، فلا يصح في غيره، ولا فيما وقف جزؤه شائعا مسجدا. وجميع ما ذكر يعلم من تعريفه الآتي: (قوله: يسن اعتكاف) وقد يجب بالنذر، ويحرم على الزوجة والرقيق بلا إذن من الزوج أو السيد - مع الصحة - ويكره لذات الهيئة - مع الإذن - فتعتريه الأحكام، ما عدا الإباحة. (وقوله: كل وقت) أي حتى أوقات الكراهة، وإن تحراها. ع ش: وتقدم أنه في العشر الأخير من رمضان أفضل - للاتباع. (قوله: وهو لبث إلخ) هذا معناه شرعا، وأما لغة: فهو اللبث والحبس والملازمة على الشئ، وإن كان شرا. قال تعالى: * (يعكفون على أصنام لهم) * والمراد من اللبث هنا ما يشمل التردد - بدليل الغاية بعده. (قوله: فوق قدر طمأنينة الصلاة) أي ولو بيسير. واحترز به عما إذا لم يكن اللبث كذلك، فلا يكفي - كما علمت. (قوله: ولو مترددا) أي ولو كان اللابث مترددا في المسجد غير ساكن فيه، فلا يشترط السكون والاستقرار فيه، بل الشرط إما السكون أو والتردد، بخلاف مجرد العبور، فلا يكفي - كما تقدم -. وفي البجيرمي ما نصه: قال المناوي في أحكام المساجد: ويندب للمار أن ينويه أي الاعتكاف ويقف وقفة تزيد على أقل طمأنينة الصلاة، فإن نواه ولم يقف، أو وقف قدرها، أو دونها لم يصح على الأصح. اه.

_ (1) البقرة: 187. (2) الاعراف: 138

يتيقن حدوثها بعده، وأنها غير مسجد بنية اعتكاف. ولو خرج - ولو لخلاء - من لم يقدر الاعتكاف - المندوب أو ـــــــــــــــــــــــــــــ في حاشية السيد الرحماني على التحرير: قال شيخنا ولا بد من إيقاعها حال الاستقرار، فلا يكفي حال المرور حتى يستقر. اه. وفي حاشية الكردي نقلا عن ابن حجر في حاشيته على فتح الجواد، ما نصه: هل هو أي التردد اسم للذهاب مع العود، أو لابتداء العود المسبوق بالذهاب؟ والفرق بين هذين أن الأول يجعل مسماه مركبا من الأمرين. والثاني: يجعله اسما للثاني المسبوق بالأول، فهو شرط لقسيمه الثاني، لا أنه من المسمى. ويترتب على ذلك أن قولهم الاعتكاف يحصل بالتردد مرادهم به أنه إذا دخل المسجد قاصدا العود نوى من حينئذ على الأول، ومن حين الأخذ في العود على الثاني، فإن دخل لا بنية عود بل طرأ له العود عند وصوله لبابه الثاني مثلا فهل يسمى أخذه الآن في العود ترددا، فتكفي النية حينئذ أو لا يتصور هنا تردد لأنه لم ينو العود أولا، وإنما طرأ له في الأثناء، فكان العود كإنشاء دخول آخر، فلا تردد كل محتمل. الخ. اه. (قوله: في مسجد) متعلق بلبث، ويشترط فيه زيادة على ما مر أن لا تكون أرضه محتكرة. قال في التحفة: أما ما أرضه محتكرة فلا يصح فيه إلا إن بنى فيه مسطبة أو بلطه، ووقف ذلك مسجدا، لقولهم: يصح وقف السفل دون العلو. وعكسه، وهذا منه: اه. وكتب سم: قوله: أو بلطه: أي أو سمر فيه دكة من خشب أو نحو سجادة. م ر. اه. وقوله: أو سمر: التسمير قيد، لأنه به يصير مثبتا، فهو في حكم وقف العلو دون السفل، أما إذا لم يسمر فلا يصح وقفه مسجدا. وفي النهاية في باب الوقف: أما جعل المنقول مسجدا كفرش وثياب فموضع توقف، لأنه لم ينقل عن السلف مثله. وكتب الأصحاب ساكتة عن تنصيص بجواز أو منع، وإن فهم من إطلاقهم الجواز، فالأحوط المنع كما جرى عليه بعد شرح الحاوي وما نسب للشيخ من إفتائه بالجواز لم يثبت عنه. اه. واعلم أن الجامع وهو ما تقام فيه الجمعة والجماعة أولى بالاعتكاف فيه من غيره، للخروج من خلاف من أوجبه، ولكثرة الجماعة فيه، وللاستغناء عن الخروج للجمعة، وقد يجب الاعتكاف فيه إن نذر مدة متتابعة تتخللها جمعة وهو من أهلها. ولم يشترط الخروج لها، لأن الخروج لها بلا شرط يقطع التتابع، لتقصيره بعدم شرطه، مع علمه بمجئ الجمعة. وإذا عين المسجد الحرام في نذره الاعتكاف، تعين، فلا يقوم غيره مقامه. لتعلق النسك به، وزيادة فضله، والمضاعفة فيه. وكذا مسجد المدينة، ومسجد الأقصى إذا عينهما الناذر في نذره، تعينا، ولا يجزئ غيرهما، ويقوم المسجد الحرام مقامهما، ولا عكس، لأنهما دونه في الفضل، ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى، لأنه أفضل منه، ولا عكس - لما سبق. (قوله: أو رحبته) أي أو في رحبة المسجد. (وقوله: التي لم يتيقن إلخ) فإن تيقن حدوثها بعده مع كونها غير مسجد فلا يصح الاعتكاف فيها. ولنا كلام في نظير هذه العبارة سبق في مبحث الجماعة، فارجع إليه إن شئت. وعبارة غيره ورحبته المعدودة منه. وكتب عليها ع ش ما نصه: قوله المعدودة منه صفة كاشفة، ويحتمل أن المراد المتصلة به، فإن خرج إلى رحبته المنفصلة عنه انقطع اعتكافه - أخذا مما سيأتي في خروج المؤذن الراتب إلى منارة بابها فيه أو في رحبته المتصلة به، فإن مفهومه أن المنفصلة عنه ينقطع تتابعه بالخروج إلى المنارة التي بابها بالمنفصلة. اه. (قوله: بنية اعتكاف) متعلق بلبث. وتقدم ما يشترط فيها، فلا تغفل. (قوله: ولو خرج إلخ) حاصل الكلام على ذلك أنه إذا أطلق الاعتكاف بأن لم يقيده بمدة، منذورا كان أو مندوبا كأن قال في الأول: لله علي أن أعتكف، وفي الثاني: نويت الاعتكاف، ثم خرج من المسجد بلا عزم على العود عند خروجه لزمه استئناف نية الاعتكاف إذا أراد مطلقا، سواء خرج لقضاء حاجة أم لا، لأن ما مضى عبادة تامة، وهو يريد اعتكافا جديدا. فإن خرج عازما على العود لم يلزمه استئنافها، لأن عزمه حينئذ قائم مقام النية. وإذا لم يطلقه بأن قيده بمدة، كيوم أو شهر، ولم يشترط فيها التتابع منذورا

المنذور - بمدة بلا عزم عود جدد النية وجوبا - إن أراده -. وكذا إذا عاد بعد الخروج لغير نحو خلاء من قيده بها، كيوم. فلو خرج عازما لعود فعاد لم يجب تجديد النية. ولا يضر الخروج في اعتكاف نوى تتابعه، كأن نوى ـــــــــــــــــــــــــــــ كان أو مندوبا أيضا كأن قال في الأول: لله علي أن أعتكف شهرا، وفي الثاني: نويت الاعتكاف شهرا، ثم خرج من المسجد في تلك المدة وعاد إليه، فإن كان خروجه لغير قضاء حاجة من بول أو غائط، لزمه استئناف نية الاعتكاف أيضا إن أراده، ما لم يعزم على العود عند خروجه، وإلا فلا يلزمه كما في سابقه وإن كان خروجه لقضاء الحاجة لم يلزمه استئنافها، وإن طال زمن قضاء الحاجة لأنه لا بد منه، فهو كالمستثنى عند النية. وإذا شرط التتابع في مدته - منذورا كان أو مندوبا كأن قال في الأول: لله علي أن أعتكف شهرا متتابعا، وفي الثاني: نويت الاعتكاف شهرا متتابعا، ثم خرج لعذر لا يقطع التتابع - كقضاء حاجة، وحيض لا تخلو المدة عنه غالبا - ثم عاد إليه لم ينقطع اعتكافه، فلا يلزمه استئناف النية عند العود، لشمولها جميع المدة. وتجب المبادرة إلى العود عند زوال العذر، فإن أخر ذاكرا، عالما مختارا، انقطع تتابعه، وتعذر البناء على ما مضى. وإن خرج لعذر يقطع التتابع - كعيادة مريض، وزيارة قادم انقطع اعتكافه ووجب استئنافه إذا كان منذورا، ولا يجب إذا كان مندوبا. (قوله: ولو لخلاء) أي ولو كان خروجه لخلاء أي يقضي فيه حاجته. ويحتمل أن يكون كناية عن نفس قضائها. (قوله: من لم يقدر) فاعل خرج. ويقدر يقرأ بضم الأول وكسر الدال المشددة، بمعنى يخصص. (وقوله: المندوب) صفة للاعتكاف. (وقوله: أو المنذور) معطوف على المندوب. (وقوله: بمدة) متعلق بيقدر. (وقوله: بلا عزم عود) متعلق بخرج - وسيذكر محترزه. (قوله: جدد النية) جواب لو. (قوله: إن أراده) أي الاعتكاف. (قوله: وكذا عاد الخ) أي وكذلك يجدد النية إذا أراده من قيد الاعتكاف بمدة ولم يعزم على العود عند الخروج، سواء كان تطوعا أو نذرا كما علمت (وقوله: لغير نحو خلاء) متعلق بالخروج. فإن خرج لنحو الخلاء لا يلزمه تجديد النية. وانظر ما نحو الخلاء؟ ويمكن أن يكون المراد به: محل قضاء الحاجة غير المعد لها. لكن هذا إن خصص الخلاء بالمعد له. وعبارة الإرشاد فيها إسقاط لفظ نحو، وهو الأولى. (قوله: من قيده) فاعل عاد. (وقوله: بها) أي بمدة. (وقوله: كيوم) تمثيل للمدة. (قوله: فلو خرج الخ) محترز قوله بلا عزم عود في الصورتين: صورة من لم يقدر الاعتكاف بمدة، وصورة من قدره بها، والأولى هي ما قبل، وكذا الثانية هي ما بعده. (قوله: لم يجب تجديد النية) أي لأن عزمه على العود قائم مقام النية كما مر. قال في المغنى: (فإن قيل) اقتران النية بأول العبادة شرط، فكيف يكتفي بعزيمة سابقة؟ أجيب بأن نية الزيادة وجدت قبل الخروج، فصار كمن نوى المدتين بنية واحدة. كما قالوه فيمن نوى ركعتين نفلا مطلقا، ثم نوى قبل السلام زيادة، فإنه يصح. اه. وقوله: المدتين: أي مدة ما قبل الخروج، ومدة ما بعد العود. (قوله: ولا يضر الخروج في اعتكاف نوى تتابعه) أي لا يقطع الخروج لهذه الأعذار تتابع الاعتكاف منذورا كان أو مندوبا ومع عدم الضرر: يجب في المنذور قضاء زمن خروجه إلا زمن نحو تبرز، مما لم يطل زمنه عادة كالأكل فلا يجب قضاؤه، لأنه لا بد منه، فكأنه مستثنى، بخلاف ما يطول زمنه عادة كمرض، وحيض. (وقوله: نوى تتابعه) يفيد أن نية التتابع توجب التتابع، وهو ما اعتمده جمع متأخرون، وأطالوا في الاستدلال له. والذي صححه الشيخان عدم وجوبه بالنية، فلا يجب عندهما، إلا أن صرح به لفظا كأن قال شهرا متتابعا لأنه وصف مقصود. وعبارة التحفة مع الأصل: والصحيح أنه لا يجب التتابع بلا شرط، وإن نواه، لأن مطلق الزمن كأسبوع، أو عشرة أيام صادق بالمتفرق أيضا. اه. وفي الكردي: ولو عين مدة كهذا الأسبوع، أو هذه السنة وتعرض للتتابع فيها لفظا وفاته، لزمه التتابع في

اعتكاف أسبوع، أو شهر متتابع، وخرج لقضاء حاجة - ولو بلا شدتها - وغسل جنابة، وإزالة نجس وإن أمكنهما في المسجد، لانه أصون لمروءته ولحرمة المسجد، أكل طعام، لانه يستحيا منه في المسجد، وله الوضوء بعد قضاء الحاجة تبعا له. لا الخروج له قصدا، ولا لغسل مسنون، ولا يضر بعد موضعها، إلا أن يكون لذلك موضع أقرب منه، أو يفحش البعد، فيضر، ما لم يكن الاقرب غير لائق به، ولا يكلف المشي على غير سجيته، ـــــــــــــــــــــــــــــ القضاء. وإن لم يتعرض للتتابع لفظا، لم يلزمه في القضاء. ولو نذر اعتكاف شهر، دخلت الليالي مع الأيام. أو ثلاثين يوما لم تدخل الليالي على الأصح. اه. (قوله: كأن نوى اعتكاف إلخ) أي وكأن قال: لله علي اعتكاف أسبوع أو شهر متتابع. ثم عند دخول المسجد نوى اعتكاف المنذور. (قوله: وخرج) لا حاجة إليه بعد قوله الخروج، فالصواب حذفه، ويكون قوله بعد لقضاء حاجة متعلقا بقوله الخروج، أي ولا يضر الخروج لقضاء حاجة. والمراد بالحاجة: البول والغائط. (قوله: ولو بلا شدتها) أي الحاجة. وهو غاية لعدم ضرر الخروج للحاجة، فلا تشترط شدتها. وعبارة الروض وشرحه: ولو بلا شدتها، ولو كثر خروجه لقضائها لعارض، نظرا إلى جنسه، ولكثرة اتفاقه. اه. (قوله: وغسل جنابة) هو وما بعده معطوف على قضاء حاجة، أي ولا يضر الخروج في ذلك لأجل غسل جنابة وإزالة نجس. (قوله: وإن أمكنهما) فاعل الفعل ضمير مستتر يعود على المعتكف، والضمير البارز يعود على غسل الجنابة وإزالة النجس، وهذا خلاف القياس. والقياس العكس، بأن يجعل الضمير العائد إليه مفعولا، والعائد إليهما مرفوعا، بأن يقول: وإن أمكناه، وذلك لأن علامة الفاعل أن يصلح أن يحل في محله ضمير المتكلم المرفوع، وعلامة المفعول أن يصلح أن يحل في محله ضمير المتكلم المنصوب، وهنا لا يصلح أن تقول أمكنت إياهما، ويصلح أن تقول أمكنني هما كما قالوه في أمكن المسافر السفر، من أن المسافر منصوب، والسفر مرفوع، لصحة قولك أمكنني السفر، دون أمكنت السفر انظر الأشموني في آخر باب الفاعل - ثم أن ما ذكر غاية لعدم ضرر الخروج لغسل الجنابة وإزالة النجاسة، وإذا أمكناه في المسجد فله فعلهما فيه كأن يكون في المسجد بركة يغطس فيها، وإناء يغسل النجاسة فيه ثم يقذفه خارجه. فإن قلت كيف يتصور الغسل من الجنابة في المسجد، مع أنه يحرم عليه المكث فيه؟ قلت يصور ذلك في بركة يغطس فيها وهو ماش أو عائم، أو يكون عاجزا عن الخروج. (قوله: لأنه أصون الخ) علة لعدم ضرر الخروج لذلك مع إمكانه في المسجد، أي وإنما لم يضر الخروج لذلك، لأن الخروج أحفظ لمروءته، وأحفظ لحرمة المسجد. وعبارة الإرشاد مع فتح الجواد: وله الخروج له - أي للغسل الواجب من حدث أو خبث، وإن أمكنه فيه، لأنه أصون لمروءته، ولحرمة المسجد. اه. (قوله: وأكل طعام) عطف على قضاء حاجة. أي ولا يضر الخروج في ذلك لأجل أكل طعام. وخرج بالأكل الشرب إذا وجد الماء في المسجد فلا يخرج لأجله، إذ لا يستحيا منه فيه. (قوله: لأنه يستحيا منه) أي الأكل. قال في شرح الروض: ويؤخذ من العلة أن الكلام في مسجد مطروق، بخلاف المختص، والمهجور، وبه صرح الأذرعي. اه. (قوله: وله الوضوء) أي يجوز الوضوء له خارج المسجد. قال الكردي: وقيد في الإيعاب الوضوء بكونه واجبا. وقال في النهاية: واجبا كان أو مندوبا. (وقوله: تبعا له) أي لقضاء الحاجة. (قوله: لا الخروج له قصدا) أي لا يجوز له الخروج للوضوء استقلالا، بمعنى أنه ينقطع به التتابع. نعم، إن تعذر في المسجد: جاز. قال ش ق: ويؤخذ من ذلك أن الوضوء في المسجد جائز، وإن تقاطر فيه ماؤه، لأنه غير مقصود، فلا يحرم، ولا يكره. ولا يشكل بطرح الماء المستعمل فيه، فإنه قيل بحرمته، وقيل بكراهته وهو المعتمد حيث لا تقذير، لأن طرح ذلك مقصود، بخلاف المتقاطر من أعضاء الوضوء. اه. (قوله: ولا لغسل مسنون) أي ولا يجوز الخروج لغسل مسنون. (قوله: ولا يضر) أي لا يقطع تتابع الاعتكاف. (وقوله: بعد موضعها) أي موضع قضاء الحاجة، وغسل الجنابة، وإزالة النجاسة، وأكل الطعام. فالضمير يعود على الأربعة المذكورة. (قوله: إلا إن يكون لذلك) أي المعتكف الذي أراد الخروج لقضاء الحاجة وما عطف عليه. (وقوله: موضع أقرب منه) أي من الموضع الذي قضى فيه الحاجة، أو اغتسل، أو أزال النجاسة، أو أكل. (قوله: أو يفحش

وله صلاة على جنازة إن لم ينتظر. ويخرج جوازا في إعتكاف متتابع لما استثناه من غرض دنيوي: - كلقاء أمير - أو أخروي - كوضوء، وغسل مسنون، وعيادة مريض، وتعزية مصاب، وزيارة قادم من سفر - ويبطل بجماع - ـــــــــــــــــــــــــــــ البعد) أي أو لم يكن له موضع أقرب منه، ولكن فحش بعد الموضع الذي فعل فيه ما ذكر، وهكذا يفيد صنيعه. وفيه أنه إذا لم يكن له موضع أقرب. فعل ذلك في الأبعد، ولا يضر وعبارة ابن حجر على بأفضل، تدل على أنه مع فحش البعد له موضع أقرب منه. ونصها: وإذا خرج لداره لقضاء الحاجة أو الأكل، فإن تفاحش بعدها عن المسجد عرفا، وفي طريقه مكان أقرب منه لائق به - وإن كان لصديقه - أو كان له دار إن لم يتفاحش بعدهما وأحدهما أقرب، تعين الأقرب في الصورتين، وإلا انقطع تتابعه. اه. وضابط الفحش: أن يذهب أكثر الوقت المنذور في الذهاب إلى الدار - كأن يكون وقت الاعتكاف يوما، فيذهب ثلثاه، ويبقى ثلثه. (قوله: ما لم يكن الأقرب غير لائق به) أي أو لم يكن هناك أقرب أصلا - كما علمت فإنه لا يضر حينئذ البعد، وإن تفاحش. (قوله: ولا يكلف الخ) أي ولا يكلف إذا خرج لما ذكر الإسراع، بل يمشي على سجيته وطبيعته المعهودة، فإن تأنى أكثر من ذلك بطل تتابعه كما في زيادة الروضة. (قوله: وله صلاة على جنازة إلخ) يعني له في خروجه لما ذكر صلاة على جنازة، وله أيضا عيادة مريض، وزيارة قادم. وإن تعدد كل منها ما لم يعدل عن طريقه في الكل، ولم يطل وقوفه في الأخيرين، ولم ينتظر ما في الأولى، فإن عدل عن طريقه في الكل، أو طال وقوفه في الأخيرين، أو انتظرها في الأولى، ضر. وفي البجيرمي ما نصه: قوله: ولو عاد مريضا في طريقه الخ: صنيعه يقتضي أن الخروج ابتداء لعيادة المريض يقطع التتابع: ومثله الخروج للصلاة على الجنازة، وهو كذلك. (وقوله: إن لم ينتظر) أي صلاة الجنازة، فإن انتظر ضر كما علمت. (قوله: ويخرج جوازا إلخ) هذا مفروض في المنذور المتتابع، كما صرح به الفقهاء. ففاعل يخرج يعود على ناذر الاعتكاف، المعلوم من المقام. أما غير المنذور فيجوز الخروج منه مطلقا لما استثناه وغيره وإن كان يقطع التتابع كما سيصرح به. وحاصل الكلام على هذه المسألة: أنه إذا شرط ناذر الاعتكاف متتابعا الخروج من المسجد لعارض مباح مقصود لا ينافي الاعتكاف، صح الشرط، ثم إن عين شيئا لم يتجاوزه، وإلا جاز له الخروج لكل عرض، ولو دنيونا مباحا كلقاء أمير بخلاف ما إذا شرط الخروج لا لعارض، كأن قال إلا إن يبدو لي الخروج، أو شرطه لعارض محرم كسرقة أو غير مقصود كتنزه أو مناف للاعتكاف كجماع فإنه لا يصح شرطه في هذه الأمور الأربعة، بل لا ينعقد نذره أصلا. نعم، إذا كان المنافي لا يقطع التتابع كحيض، لا تخلو المدة عنه غالبا فيصح شرط الخروج له. ثم زمن الخروج لما شرطه إن كان في نذر مطلق كشهر: قضاه وجوبا، لتتميم المدة، أو في نذر معين كهذا الشهر فلا يلزمه قضاؤه، لأنه لم ينذره. (قوله: لما استثناه) متعلق بيخرج. أي يخرج للشئ الذي استثناه أي في نذره كأن قال: لله علي نذر أن أعتكف شهرا متتابعا، بشرط أنه إذا بدا لي غرض أخرج لأجله. (وقوله: من غرض) بيان لما، ويشترط فيه أن يكون مباحا مقصودا غير مناف للاعتكاف كما علمت. (قوله: كلقاء أمير) أي لحاجة اقتضت خروجه للقائه، لا مجرد التفرج عليه. اه. ع ش. (قوله: أو أخروي) معطوف على دنيوي. أي أو غرض أخروي. (قوله: كوضوء) تمثيل للأخروي. (قوله: وغسل مسنون) قيد به، لأن الواجب يجوز له الخروج من غير استثناء - كما مر. (قوله: ويبطل) أي الاعتكاف مطلقا، منذورا كان أو مندوبا. وحاصل ما يبطل به تسعة أشياء، ذكر منها المؤلف شيئين، وهما: الجماع، والإنزال. وبقي عليه سبعة، وهي: السكر المتعدى به، والردة، والحيض إذا كانت مدة الاعتكاف تخلو عنه غالبا كخمسة عشر يوما فأقل والنفاس، والخروج من غير عذر والخروج لاستيفاء عقوبة ثبتت بإقراره، وكذا الخروج لاستيفاء حق ماطل به والخروج لعدة باختيارها، كأن علق الطلاق على مشيئتها، فقالت وهي معتكفة: شئت، أو خالعته على مال. فمتى طرأ واحد من هذه على الاعتكاف المنذور المقيد بالمدة والتتابع، أو المقيد بالمدة دون التتابع، أو المطلق الذي لم يقيد بشئ أصلا، أبطله في الجميع. لكن معنى البطلان في الأول: أنه يخرج منه، ويجب عليه الاستئناف، وإن أثيب على ما مضى في غير الردة. ومعناه في الثاني: أن زمن ذلك لا يحسب من الاعتكاف، فإذا زال ذلك جدد النية، وبنى على ما مضى.

وإن استثناه - أو كان في طريق قضاء الحاجة، وإنزال مني بمباشرة بشهوة - كقبلة - وللمعتكف الخروج من التطوع لنحو عيادة مريض. وهل هو أفضل، أو تركه، أو سواء؟ وجوه، والاوجه - كما بحث البلقيني - أن الخروج لعيادة نحو رحم وجار وصديق، أفضل. واختار ابن الصلاح الترك، لانه (ص) كان يعتكف ولم يخرج لذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعناه في الثالث: أن ينقطع استمراره ودوامه، ولا بناء، ولا تجديد نية، وما مضى معتد به، ويحصل به الاعتكاف. وقد نظم هذه التسعة م د بقوله: وطئ وإنزال وسكر رده * * حيض نفاس لاعتكاف مفسده خروجه من مسجد وما عذر * * كذاك لاستيفا عقوبة المقر وبخروجه اعتكافه بطل * * بأخذ حق يا فتى به مطل أفاد ذلك كله البجيرمي. ومما يبطل به الاعتكاف أيضا غير هذه التسعة: الجنون، والإغماء إن طرآ بسبب تعدى به، لأنهما حينئذ كالسكر، أما إذا لم يطرآ بسبب تعدى به فلا يقطعانه، إن لم يخرج كل منهما من المسجد، أو أخرج ولم يمكن حفظه فيه، أو أمكن لكن بمشقة، بخلاف ما إذا أخرج من المسجد وقد أمكن حفظه فيه بلا مشقة - على ما اقتضاه كلام الروضة وغيرها إذ لا عذر في إخراجه. (قوله: بجماع) أي من واضح عمدا مع العلم والاختيار. أما المشكل، فلا يضر وطؤه وإمناؤه بأحد فرجيه لاحتمال زيادته. وكذا الناسي، والجاهل، والمكره كما في الصوم. (قوله: وإن استثناه) غاية في البطلان. أي يبطل به، وإن استثناه الناذر في نذره لما مر أنه مناف للعبادة. (قوله: أو كان) أي الجماع. وهو عطف على الغاية، فهو غاية أيضا في البطلان. أي يبطل بالجماع وإن كان وقع في طريق لقضاء الحاجة التي خرج من المسجد لأجلها. (قوله: وإنزال مني) عطف على جماع. أي ويبطل أيضا بإنزال مني. (وقوله: بمباشرة بشهوة) متعلق بإنزال. أي إنزال بسبب مباشرة حاصلة مع شهوة. وخرج بالمباشرة: ما إذا نظر أو تفكر فأنزل، فلا يبطل به. وبشهوة: ما إذا باشر بلا شهوة، كأن قبل بقصد الإكرام أو الشفقة، أو بلا قصد فأنزل، فلا يبطل به. والاستمناء - وإن لم يكن بمباشرة كالمباشرة بشهوة، فإن أنزل بطل، وإلا فلا. واعلم أن الوطئ والمباشرة بشهوة حرام في المسجد مطلقا، ولو من غير معتكف. وكذا خارجه في الاعتكاف الواجب دون المستحب لجواز قطعه. (قوله: كقبلة) أي من غير حائل ومع شهوة، وهو تمثيل للمباشرة بشهوة. (قوله: وللمعتكف الخروج من التطوع) أي ولو قيده بمدة. (وقوله: لنحو عيادة مريض) أي كتشييع جنازة. (قوله: وهل هو) أي الخروج لنحو عيادة مريض. (وقوله: أفضل) أي من إدامة الاعتكاف. (وقوله: أو سواء) أي أو هما سواء، لأنهما طاعتان مندوب إليهما. وعبارة الخطيب: وهل الأفضل للمتطوع بالاعتكاف الخروج لعيادة المريض، أو دوام الاعتكاف؟ قال الأصحاب: هما سواء. وقال ابن الصلاح: أن الخروج لها مخالف للسنة، لان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يخرج لذلك، وكان اعتكافه تطوعا. وقال البلقيني: ينبغي أن يكون موضع التسوية في عيادة الأجانب، أما ذو الرحم والأقارب والأصدقاء والجيران فالظاهر أن الخروج لعيادتهم أفضل، لا سيما إذا علم أنه يشق عليهم. وعبارة القاضي الحسين مصرحة بذلك. وهذا هو الظاهر. اه. وكتب البجيرمي: قوله: الأجانب أي غير الأصدقاء وغير الجيران، بدليل ما بعده. وكتب أيضا: قوله: وهذا هو الظاهر وهو المعتمد، فالخروج من الاعتكاف في هذا مندوب، وفيما قبله غير مندوب. والوجه أن يقال: يراعى ما هو أكثر ثوابا منهما. ق ل. اه. (قوله: واختار ابن الصلاح: الترك) أي ترك الخروج لما ذكر. (قوله: لانه - صلى الله عليه وسلم - إلخ) تعليل لاختيار ابن الصلاح ما ذكر. (وقوله: ولم يخرج لذلك) أي لنحو عيادة

(مهمة) قال في الانوار: يبطل ثواب الاعكتاف بشتم، أو غيبة. أو أكل حرام. ـــــــــــــــــــــــــــــ مريض. (قوله: يبطل ثواب الاعتكاف) أي وأما نفس الاعتكاف فلا يبطل. (قوله: بشتم أو غيبة) أي أو نحوهما من كل محرم - ككذب ونميمة - أما الكلام المباح، فلا يبطل ثواب الاعتكاف. نعم. ينبغي تجنبه، والاشتغال بالذكر، والقراءة، والصلاة على سيدنا محمد سيد ولد عدنان، لأن الكلام المباح في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، نص على ذلك الشنواني في حاشيته على مختصر ابن أبي جمرة، وعبارته: قال في المدخل: وينهي الناس عن الجلوس في المسجد للحديث في أمر الدنيا. وقد ورد: أن الكلام في المسجد بغير ذكر الله تعالى يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. وورد أيضا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: إذا أتى الرجل المسجد فأكثر الكلام، تقول الملائكة: اسكت يا ولي الله. فإن زاد، فتقول: اسكت يا بغيض الله تعالى، فإن زاد: فتقول اسكت عليك لعنة الله تعالى. اه. (خاتمة) نسأل الله حسن الختام. يسن للمعتكف: الصوم للاتباع، وللخروج من خلاف من أوجبه ولا يضر الفطر، بل يصح اعتكاف الليل وحده، لخبر الصحيحين: أن سيدنا عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله: إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية. قال: أوف بنذرك. فاعتكف ليلة. ولخبر أنس: ليس على المعتكف صيام، إلا أن يجعله على نفسه. ولا يضر في الاعتكاف التطيب، والتزين باغتسال، وقص شارب، ولبس ثياب حسنة، ونحو ذلك من دواعي الجماع، لأنه لم ينقل أنه - صلى الله عليه وسلم - تركه، ولا أمر بتركه، والأصل بقاؤه على الإباحة، وله أن يتزوج ويزوج. ولا تكره له الصنائع في المسجد كالخياطة، والكتابة ما لم يكثر منها، فإن أكثر منها كرهت لحرمته إلا كتابة العلم فلا يكره الإكثار منها، لأنها طاعة، كتنظيم العلم. وله أن يأكل ويشرب ويغسل يديه فيه إن كانت أرضه ترابية تشرب الماء، وإلا حرم - للتقذير - والأولى أن يأكل في سفره أو نحوها، وأن يغسل يديه في طشت أو نحوه ليكون أنظف للمسجد. والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل (في صوم التطوع) وله من الفضائل والمثوبة ما لا يحصيه إلا الله تعالى، ومن ثم، أضافه تعالى إليه دون غيره من العبادات، فقال: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به. وفي الصحيحين: من صام يوما في سبيل ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في صوم التطوع أي في بيان حكمه، وهو الاستحباب. وكان الأنسب ذكره قبل الاعتكاف - كما صنع غيره. (واعلم) أن صوم التطوع ثلاثة أقسام: قسم يتكرر بتكرر السنة - كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، وتاسوعاء - وقسم يتكرر بتكرر الأسبوع - كالاثنين، والخميس -. وقسم يتكرر بتكرر الشهور - كالأيام البيض -. كما يعلم من كلامه. والتطوع شرعا: التقرب إلى الله تعالى بما ليس بفرض من العبادات. والصوم من أبلع الأشياء في رياضة النفس، وكسر الشهوة، واستنارة القلب، وتأديب الجوارح وتقويمها وتنشيطها للعبادة. وفيه الثواب العظيم، والجزاء الكريم الذي لا نهاية له، و: للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه. و: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. ومن أجل هذا الخلوف ومكانته عند الله، كره الاستياك للصائم بعد الزوال حتى يفطر - كما تقدم. (قوله: وله) أي الصوم. (وقوله: من الفضائل) بيان لما مقدم عليها. (وقوله: والمثوبة) مصدر بمعنى الثواب. وفي حاشية الجمل - نقلا عن السمين - ما نصه: المثوبة فيها قولان: أحدهما أن وزنها مفعولة، والأصل مثوبة - بواوين - فنقلت الضمة التي على الواو الأولى إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان، فحذف أولهما - الذي هو عين الكلمة - فصار مثوبة، على وزن مفولة، كمحوزة، وقد جاءت مصادر على مفعول، كالمعقول، فهي مصدر - نقل ذلك الواحدي. والثاني: أنها مفعلة بضم العين، وإنما نقلت الضمة منها إلى الثاء. اه. (قوله: ومن ثم أضافه) أي ومن أجل أن له من الفضائل إلخ أضافه الله إليه في الحديث القدسي، فقال: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به. يدع طعامه وشرابه من أجلي. واختلفوا في معنى تخصيصه بكونه له، على أقوال تزيد على خمسين: منها - كما قاله م ر - كونه أبعد عن الرياء من غيره. ومنها ما نقل عن سفيان بن عيينة أن يوم القيامة تتعلق خصماء المرء بجميع أعماله إلا الصوم فإنه لا سبيل لهم عليه، فإنه إذا لم يبق إلا الصوم، يتحمل الله تعالى ما بقي من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة، وهذا مردود، والصحيح تعلق الغرماء به - كسائر الأعمال - وفي البجيرمي: وعبارة عبد البر نصها: في الحديث القدسي وهو قوله كل عمل إلخ، فإضافته تعالى إليه إضافة تشريف وتكريم، كما قال تعالى: * (ناقة الله) * مع أن العالم كله لله. وقيفل لأنه لم يعبد غيره به، فلم تعظم الكفار في عصر من الأعصار معبوداتهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونهم بصورة الصلاة والسجود وغيرهما. وقيل لأن الصيام بعيد عن الرياء، لخفائه، بخلاف الصلاة والغزو وغير ذلك من العبادات الظاهرة. وقيل لأن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب، فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه. اه. بحذف. (قوله: في سبيل الله) أي في الجهاد - كما هو الغالب في إطلاقه. وقال ع ش: يمكن حمل

الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا. (ويسن) متأكدا (صوم يوم عرفة) لغير حاج، لانه يكفر السنة التي هو فيها والتي بعدها - كما في خبر مسلم - وهو تاسع ذي الحجة، والاحوط صوم الثامن مع عرفة. والمكفر: الصغائر التي لا تتعلق بحق الآدمي، إذ الكبائر لا يكفرها إلا التوبة الصحيحة. وحقوق الآدمي متوقفة على رضاه، فإن لم تكن له صغائر زيد في حسناته. ويتأكد صوم الثمانية قبله: للخبر الصحيح فيها، المقتضي ـــــــــــــــــــــــــــــ سبيل الله على الطريق الموصل إليه، بأن يخلص في صومه، وإن لم يكن في جهاد. وهذا المعنى يطلق عليه سبيل الله كثيرا وإن كان خلاف الغالب. اه. وفي شرح مسلم للنووي: هو - أي الصوم - في الجهاد محمول على من لا يتضرر ولا يفوت به حقا ولا يختل به قتاله ولا غيره من مهمات غزوه. اه. (قوله: باعد الله وجهه) أي ذاته. (وقوله: سبعين خريفا) أي عاما، فأطلق الجزء وأراد الكل، وخص الخريف بالذكر لأنه أعدل أيام السنة. والمراد أنه يبعد عن النار مسافة لو قدرت لبلغ زمن سيرها سبعين سنة. (قوله: ويسن متأكدا) أي سنا متأكدا، فمتأكدا صفة لمصدر محذوف. (قوله: صوم يوم عرفة) قال ع ش: ورد في بعض الأحاديث أن الوحوش في البادية تصومه، حتى أن بعضهم أخذ لحما وذهب به إلى البادية ورماه لنحو الوحوش، فأقبلت عليه ولم تأكل، وصارت تنظر إلى الشمس وتنظر إلى اللحم، حتى غربت الشمس أقبلت إليه من كل ناحية. اه. (قوله: لغير حاج) أي وغير مسافر وغير مريض، بأن يكون قويا مقيما. أما الحاج، فلا يسن له صومه، بل يسن له فطره. وإن كان قويا، للاتباع، وليقوى على الدعاء. ومن ثم يسن صومه لحاج غير مسافر، بأن كان وطنه قريبا من عرفة ونوى الحج وهو في وطنه وأخر الوقوف إلى الليل. وأما المسافر والمريض: فيسن لهما فطره، لكن إن أجهدهما الصوم - أي أتعبهما - كما في التحفة. (قوله: لأنه) أي صوم يوم عرفة. (وقوله: يكفر السنة إلخ) أي ذنوبه الحاصلة فيها. (قوله: كما في خبر مسلم) لفظة: صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده. وقوله: أحتسب: قال بعضهم: هو بلفظ المضارع، وضميره عائد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال بعضهم: بلفظ الماضي، وضميره عائد إلى الصوم، وفيه بعد. وقوله: السنة التي قبله: أي قبل يوم عرفة، والمراد بها: السنة التي تتم بفراغ شهره. وقوله: والسنة التي بعده: أي بعد يوم عرفة، والمراد بها: السنة التي أولها المحرم الذي يلي الشهر المذكور، إذا الخطاب الشرعي محمول على عرف الشرع. وفي تكفير هذه السنة إشارة إلى أنه لا يموت فيها، في ذلك بشرى. وقد نقل ذلك المدابغي عن ابن عباس، وعبارته: (فائدة) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - وهذه بشرى بحياة سنة مستقبلة لمن صامه، إذ هو - صلى الله عليه وسلم - بشر بكفارتها، فدل لصائمه على الحياة فيها، إذ هو - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. اه. وورد أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما: من صام يوم عرفة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. (قوله: وهو) أي يوم عرفة. (قوله: والأحوط صوم الثامن) أي لأنه ربما يكون هو التاسع في الواقع. (قوله: مع عرفة) أي مع صوم يومها. (قوله: والمكفر: الصغائر) قال الكردي: اعتمده الشارح في كتبه، وأما الجمال الرملي فإنه ذكر كلام الإمام، ثم كلام مجلي في الرد على الإمام. ثم كلام ابن المنذر المفيد خلاف ما قاله الإمام، وسكت عليه، فكأنه وافقه. ولهذا قال القليوبي في حواشي المحلي: عممه ابن المنذر في الكبائر أيضا. ومشى عليه صاحب الذخائر، وقال: التخصيص بالصغائر - تحكم. ومال إليه شيخنا الرملي في شرحه. اه. والذي يظهر: أن ما صرحت به الأحاديث فيه بأن شرط التكفير اجتناب الكبائر: لا شبهة في عدم تكفيره الكبائر. وما صرحت الأحاديث فيه بأن يكفر الكبائر: لا ينبغي التوقف فيه بأنه يكفرها بعد تصريح الشرع به. ويبقى الكلام فيما أطلقت الأحاديث التكفير فيه. وملت في الأصل إلى أن الإطلاق يشمل الكبائر، والفضل واسع. اه. ببعض حذف. (قوله: ويتأكد صوم الثمانية قبله) أي يوم عرفة، فعليه يكون الثامن مطلوبا من جهتين: جهة الاحتياط لعرفة، وجهة دخوله في العشر غير العيد. كما أن صوم يوم عرفة مطلوب أيضا من جهتين: كونه من عشر ذي الحجة، وكونه يوم عرفة. (قوله: للخبر الصحيح فيها) أي الثمانية: أي صومها مع صوم يوم عرفة، وذلك لخبر هو أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر. وورد أيضا أنه - صلى الله عليه وسلم -: كان يصوم تسع ذي الحجة. (وقوله:

لافضلية عشرها على عشر رمضان الاخير. (و) يوم (عاشوراء): وهو عاشر المحرم، لانه يكفر السنة الماضية - كما في مسلم -. (وتاسوعاء): وهو تاسعه، لخبر مسلم: لئن بقيت إلى قابل لاصومن التاسع. فمات قبله. والحكمة: مخالفة اليهود، ومن ثم سن لمن لم يصمه: صوم الحادي عشر، بل إن صامه، لخبر فيه. وفي الام: لا بأس أن يفرده. وأما أحاديث الاكتحال والغسل، والتطيب في يوم عاشوراء، فمن وضع الكذابين (و) صوم ـــــــــــــــــــــــــــــ المقتضى إلخ) في الكردي: الراجح أن عشر رمضان الأخير أفضل من عشر ذي الحجة، إلا يوم عرفة. اه. (قوله: ويوم عاشوراء) بالمد، معطوف على يوم عرفة. أي ويسن متأكدا صوم يوم عاشوراء، لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيه: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله. وإنما لم يجب صومه للأخبار الدالة بالأمر بصومه. لخبر الصحيحين: إن هذا اليوم يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر. وحملوا الأخبار الواردة بالأمر بصومه على تأكد الاستحباب. (فائدة) الحكمة في كون صوم يوم عرفة بسنتين وعاشوراء بسنة، أن عرفة يوم محمدي - يعني أن صومه مختص بأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - - وعاشوراء موسوي، ونبينا محمد أفضل الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - فكان يومه بسنتين. اه. مغنى. (قوله: وهو) أي عاشوراء. (وقوله: عاشر المحرم) أي اليوم العاشر منه. (قوله: لأنه يكفر السنة الماضية) علة لسنية صومه. (قوله: كما في مسلم) أي في رواية مسلم، وقد علمتها آنفا. (قوله: وتاسوعاء) بالمد أيضا، وهو معطوف على عاشوراء، أي ويسن صوم يوم تاسوعاء. (قوله: وهو) أي تاسوعاء. (وقوله: تاسعه) أي المحرم. (قوله: لخبر مسلم) دليل لسنية صوم تاسوعاء. (وقوله: إلى قابل) أي إلى عام قابل، وهو مصروف - كما هو ظاهر -. (وقوله: فمات) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وقوله: قبله) أي قبل مجئ تاسوعاء العام القابل. (قوله: والحكمة) أي في صوم يوم التاسع مع العاشر مخالفة اليهود، أي فإنهم يصومون العاشر فقط، فنخالفهم ونصوم التاسع معه. والحكمة أيضا: الاحتياط، لاحتمال الغلط في أول الشهر، والاحتراز من إفراده بالصوم - كما في يوم الجمعة - شرح الروض: قال في النهاية: وظاهر ما ذكر من تشبيهه بيوم الجمعة: أنه يكره إفراده. لكن في الأم لا بأس بإفراده. اه. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن الحكمة إلخ. (قوله: لمن لم يصمه) أي التاسع. (قوله: بل وإن صامه) أي بل يسن صيام الحادي عشر، وإن صام التاسع. (قوله: لخبر فيه) أي لورود خبر في صيامه الحادي عشر مع ما قبله من صيام العاشر والتاسع، وهو ما رواه الإمام أحمد: صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوما، وبعده يوما. ذكره في شرح الروض، وذكر فيه أيضا أن الشافعي نص في الأم والإملاء على استحباب صوم الثلاثة، ونقله عنه الشيخ أبو حامد وغيره. اه. (لا بأس أن يفرده) أي لا بأس أن يصوم العاشر وحده. (وأما أحاديث الاكتحال إلخ) في النفحات النبوية في الفضائل العاشورية - للشيخ العدوي - ما نصه: قال العلامة الأجهوري: أما حديث الكحل، فقال الحاكم إنه منكر، وقال ابن حجر إنه موضوع، بل قال بعض الحنفية إن الاكتحال يوم عاشوراء، لما صار علامة لبغض آل البيت، وجب تركه. قال: وقال العلامة صاحب جمع التعاليق: يكره الكحل يوم عاشوراء، لأن يزيد وابن زياد اكتحلا بدم الحسين هذا اليوم، وقيل بالإثمد، لتقر عينهما بفعله. قال العلامة الأجهوري: ولقد سألت بعض أئمة الحديث والفقه عن الكحل وطبخ الحبوب ولبس الجديد وإظهار السرور، فقال: لم يرد فيه حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من الصحابة، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين، وكذا ما قيل: أنه من اكتحل يومه لم يرمد ذلك العام، ومن اغتسل يومه لم يمرض كذلك، قال: وحاصله أن ما ورد من فعل عشر خصال يوم عاشوراء لم يصح فيها إلا حديث الصيام والتوسعة على العيال، وأما باقي الخصال الثمانية: فمنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو منكر موضوع. وقد عدها بعضهم اثنتي عشرة خصلة، وهي: الصلاة، والصوم، وصلة الرحم، والصدقة والاغتسال، والاكتحال، وزيارة عالم، وعيادة مريض، ومسح رأس اليتيم، والتوسعة على العيال، وتقليم الأظفار، وقراءة سورة الإخلاص - ألف مرة -. ونظمها بعضهم فقال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في يوم عاشوراء عشر تتصل * * بها اثنتان ولها فضل نقل صم، صل، صل، زر عالما، عد، واكتحل * * رأس اليتيم امسح، تصدق واغتسل وسع على العيال، قلم ظفرا * * وسورة الإخلاص قل ألفا تصل (فائدة) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله عزوجل افترض على بين إسرائيل صوم يوم في السنة، وهو يوم عاشوراء، - وهو اليوم العاشر من المحرم - فصوموه ووسعوا على عيالكم فيه، فإنه من وسع فيه على عياله وأهله من ماله وسع الله عليه سائر سنته فصوموه، فإنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم فأصبح صفيا، ورفع فيه إدريس مكانا عليا، وأخرج نوحا من السفينة (1) ونجى إبراهيم من النار، وأنزل الله فيه التوراة على موسى، وأخرج فيه يوسف من السجن، ورد فيه على يعقوب بصره، وفيه كشف الضر عن أيوب، وفيه أخرج يونس من بطن الحوت، وفيه فلق البحر لبني إسرائيل، وفيه غفر لداود ذنبه، وفيه أعطى الله الملك لسليمان، وفي هذا اليوم غفر لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو أول يوم خلق الله فيه الدنيا. وأول يوم نزل فيه المطر من السماء يوم عاشوراء، وأول رحمة نزلت إلى الأرض يوم عاشوراء. فمن صام يوم عاشوراء فكأنما صام الدهر كله، وهو صوم الأنبياء. ومن أحيا ليلة عاشوراء بالعبادة فكأنما عبد الله تعالى مثل عبادة أهل السموات السبع. ومن صلى فيه أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد لله مرة، وقل هو الله أحد، إحدى وخمسين مرة، غفر الله له ذنوب خمسين عاما. ومن سقى في يوم عاشوراء شربة ماء سقاه الله يوم العطش الأكبر كأسا لم يظمأ بعدها أبدا، وكأنما لم يعص الله طرفة عين. ومن تصدق فيه بصدقة فكأنما لم يرد سائل قط. ومن اغتسل وتطهر يوم عاشوراء لم يمرض في سنته إلا مرض الموت. ومن مسح فيه على رأس يتيم أو أحسن إليه فكأنما أحسن إلى أيتام ولد آدم كلهم. ومن عاد مريضا في يوم عاشوراء فكأنما عاد مرضى أولاد آدم كلهم. وهو اليوم الذي خلق الله فيه العرش، واللوح، والقلم. وهو اليوم الذي خلق الله فيه جبريل، ورفع فيه عيسى. وهو اليوم الذي تقوم فيه الساعة. (فائدة أخرى) روي أن فقيرا كان له عيال في يوم عاشوراء، فأصبح هو وعياله صياما، ولم يكن عندهم شئ، فخرج يطوف على شئ يفطرون عليه فلم يجد شيئا، فدخل سوق الصرف، فرأى رجلا مسلما قد فرش في دكانه النطوع

_ (1) (قوله: وأخرج نوحا من السفينة) وذلك أن نوحا - عليه السلام - لما نزل من السفينة هو ومن معه: شكوا الجوع، وقد فرغت أزوادهم فأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم، فجاء هذا بكف حنطة، وهذا بكف عدس، وهذا بكف فول، وهذا بكف حمص إلى أن بلغت سبع حبوب - وكان يوم عاشواء - فمسى نوح عليها، وطبخها لهم، فأكلوا جميعا وشبعوا، ببركات نوح عليه السلام، فذلك قوله تعالى: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) وكان ذلك أول طعام طبخ على وجه الأرض بعد الطوفان - فاتخذه الناس سنة يوم عاشوراء، وفيه أجر عظيم لمن يفعل ذلك، ويطعم الفقراء والمساكين. اه من الروض الفائق. ومما يعزى للحافظ ابن حجر فيما يطبخ من الحبوب في يوم عاشوراء: في يوم عاشوراء سبع تمترس * * بر ورز ثم ماش وعدس وحمص ولوبيا والفول * * هذا هو الصحيح والمنقول وقال في فتح الباري كلمات من قالها في يوم عاشوراء لم يمت قلبه، وهى: سبحان الله ملء الميزان، ومنتهى العلم، ومبلغ الرضا، وزنة العرش. والحمد لله ملء الميزان ومنتهى العلم - ومبلغ الرضا، وزنة العرش. والله أكبر ملء الميزان، ومنتهى العلم، ومبلغ الرضا وزنة العرش. لا ملجا. ولا منجى من الله إلا إليه. سبحان الله عدد الشفع والوتر، وعدد كلمات الله التامات كلها. والحمد لله عدد الشفع والوتر، وعدد كلمات الله التامات كلها. والله أكبر عدد الشفع والوتر، وعدد كلمات الله التامات كلها. أسألك رب العالمين. اه. وقال الاجهوري: أن من قال يوم عاشوراء حسبى الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير - سبعين مرة - كفاه الله تعالى شر ذلك العام - وبالله التوفيق. اه ..

(ستة) أيام (من شوال) لما في الخبر الصحيح أن صومها مع صوم رمضان كصيام الدهر. واتصالها بيوم العيد ـــــــــــــــــــــــــــــ المثمنة، وسكب عليها أكوام الذهب والفضة، فتقدم إليه، وسلم عليه، وقال له: يا سيدي أنا فقير، لعل أن تقرضني درهما واحدا أشتري به فطورا لعيالي، وأدعو لك في هذا اليوم. فولى بوجهه عنه، ولم يعطه شيئا، فرجع الفقير وهو مكسور القلب، وولى ودمعه يجري على خده، فرآه جار له صيرفي - وكان يهوديا - فنزل خلف الفقير وقال له أراك تكلمت مع جاري فلان، فقال قصدته في درهم واحد لأفطر به عيالي، فردني خائبا، وقلت له أدعو لك في هذا اليوم. فقال اليهودي: وما هذا اليوم؟ فقال الفقير: هذا يوم عاشوراء - وذكر له بعض فضائله - فناوله اليهودي عشرة دراهم، وقال له: خذ هذه وأنفقها على عيالك إكراما لهذا اليوم. فمضى الفقير، وقد انشرح لذلك، ووسع على أهله النفقة، فلما كان الليل، رأى الصيرفي - المسلم - في المنام كأن القيامة قد قامت، وقد اشتد العطش والكرب، فنظر، فإذا قصر من لؤلؤة بيضاء، أبوابه من الياقوت الأحمر، فرفع رأسه وقال: يا أهل هذا القصر اسقوني شربة ماء. فنودي: هذا القصر كان قصرك بالأمس، فلما رددت ذلك الفقير مكسور القلب. محي اسمك من عليه، وكتب باسم جارك اليهودي الذي جبره وأعطاه عشرة دراهم. فأصبح الصيرفي مذعورا، يناوي على نفسه بالويل والثبور، فجاء إلى جاره اليهودي، وقال: أنت جاري، ولي عليك حق، ولي إليك حاجة. قال: وما هي؟ قال: تبيعني ثواب العشرة دراهم - التي دفعتها بالأمس للفقير - بمائة درهم. فقال: والله ولا بمائة ألف دينار، ولو طلبت أن تدخل من باب القصر الذي رأيته البارحة لما مكنتك من الدخول فيه. فقال: ومن كشف لك عن هذا السر المصون؟. قال: الذي يقول للشئ كن فيكون، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. (إخواني) كان هذا يهوديا، فأحسن الظن بيوم عاشوراء، وما كان يعرف فضله، فأعطاه الله ما أعطاه، ومن عليه بالإسلام، فكيف بمن يعرف فضله وثوابه، ويهمل العمل فيه؟ ولله در القائل: يا غاديا في غفلة ورائحا * * إلى متى تستحسن القبائحا؟ وكم - أخي - كم لا تخاف موقفا * * يستنطق الله به الجوارحا؟ واعجبا منك وأنت مبصر * * كيف تجنبت الطريق الواضحا؟ كيف تكون حين تقرأ في غد * * صحيفة قد حوت الفضائحا؟ وكيف ترضى أن تكون خاسرا * * يوم يفوز من يكون رابحا؟ فاعمل لميزانك خيرا فعسى * * يكون في يوم الحساب راجحا؟ وصم، فهذا يوم عاشوراء الذي * * ما زال بالتقوى شذاه فائحا يوم شريف، خصنا الله به * * يا فوز من قدم فيه صالحا (قوله: وصوم ستة أيام من شوال) معطوف على صوم يوم عرفة. أي ويسن متأكدا صوم ستة أيام من شهر شوال. وكان المناسب للشارح أن يقدر لفظ صوم في جميع المعطوفات، أو يتركه في الجميع. (قوله: لما في الخبر الصحيح) لفظه: من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر. (قوله: إن صومها مع صوم رمضان) أي دائما، فلا تكون المرة من صيام رمضان وستة من شوال كصيام الدهر، بدليل رواية: صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام - أي من شوال - بشهرين. فذلك صيام السنة. فالحاصل أن كل مرة بسنة. اه. سم بزيادة. وفي البجيرمي: وهذا يقتضي أن المراد بالدهر: العمر، وبه قال ع ش، لكن كلام الشارح الآتي يدل على أن المراد به السنة. اه. (قوله: كصيام الدهر) أي فرضا، وإلا لم يكن لخصوصية ست شوال معنى، إذ من صام مع رمضان ستة غيرها يحصل له ثواب الدهر، لأن الحسنة بعشرة أمثالها. (والحاصل) أن من صامها مع رمضان كل سنة، تكن كصيام الدهر فرضا بلا مضاعفة، ومن صام ستة غيرها كذلك، تكون كصيامه نفلا بلا مضاعفة، كما أن صوم ثلاثة من كل شهر تحصله. اه. تحفة بتصرف.

أفضل: مبادرة للعبادة، (وأيام) الليالي (البيض) وهي: الثالث عشر وتالياه، لصحة الامر بصومها، لان صوم الثلاثة كصوم الشهر، إذ لحسنة بعشر أمثالها، ومن ثم تحصل السنة بثلاثة وغيرها، لكنها أفضل، ويبدل - على الاوجه - ثالث عشر ذي الحجة بسادس عشره، وقال الجلال البلقيني: لا بل يسقط. ويسن صوم أيام السود: ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المغني: (تنبيه) قضية إطلاق المصنف استحباب صومها لكل أحد - سواء صام رمضان أم لا - كمن أفطر لمرض، أو لصبا، أو كفر، أو غير ذلك، وهو الظاهر - كما جرى عليه بعض المتأخرين - ثم قال: ولو صام في شوال قضاء أو نذرا أو غير ذلك: هل تحصل له السنة أو لا؟ لم أر من ذكره، والظاهر الحصول. لكن لا يحصل له هذا الثواب المذكور، خصوصا من فاته رمضان وصام عنه شوالا، لأنه لم يصدق عليه المعنى المتقدم، ولذلك قال بعضهم: يستحب له في هذه الحالة أن يصوم ستا من ذي القعدة، لأنه يستحب قضاء الصوم الراتب. اه. وهذا إنما يأتي إذا قلنا إن صومها لا يحصل بغيرها، أما إذا قلنا بحصوله - وهو الظاهر: كما تقدم - فلا يستحب قضاؤها. اه. (قوله: واتصالها بيوم العيد أفضل) أي من عدم اتصالها به، ولكن يحصل أصل السنة بصومها غير متصلة به كما يحصل بصومها غير متتابعة، بل متفرقة في جميع الشهر. (قوله: مبادرة للعبادة) علة لأفضلية اتصالها بيوم العيد. أي وإنما كان أفضل لأجل المبادرة في العبادة. أي ولما في التأخير من الآفات. (قوله: وأيام الليالي) معطوف على يوم عرفة أيضا. أي ويسن متأكدا صوم أيام الليالي البيض، وقدر الشارح لفظ الليالي: لأنها هي التي توصف بالبيض، وبالسود، دون الأيام. (قوله: البيض) صفة لليالي، ووصفت بذلك: لأنها تبيض بالقمر من أولها إلى آخرها. (قوله: وهي الثالث إلخ) الاحتياط صوم الثاني عشر معها. (وقوله: وتالياه) أي وهما الرابع عشر والخامس عشر. (قوله: لصحة الأمر بصومها) أي في رواية أحمد والترمذي وابن حبان عن أبي ذر: إذا صمت من الشهر ثلاثا، فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة. اه إرشاد العباد. (قوله: لأن صوم الثلاثة الخ) علة للعلة، ولو كانت علة للمعلل: لراد الواو وأتى بالضمير بدل الاسم الظاهر، ولو قال - كما في التحفة - وحكمة كونها ثلاثة أن الحسنة بعشر أمثالها فصومها كصوم الشهر كله لكان أولى. (وقوله: كصوم الشهر) في رواية عن أبي ذر أن: من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله. وهذه الرواية لا تنافي الحكمة المذكورة، لأن الذي في الرواية إذا كان ذلك على الدوام، بدليل قوله من كل شهر. وفي الكردي ما نصه: قوله: كصوم الشهر - كان أبو ذر رضي الله عنه يعد نفسه صائما في أيام فطره لهذا الحديث، فقد روى البيهقي عن عبد الله بن شقيق، قال: أتيت المدينة، فإذا رجل طويل أسود، فقلت: من هذا؟ قالوا: أبو ذر: فقلت: لأنظرن علي أي حال هو اليوم. قلت: صائم أنت؟ قال: نعم. وهم ينتظرون الإذن على عمر رضي الله عنه، فدخلوا، فأتينا بقصاع فأكل، فحركته أذكره بيدي، فقال إني لم أنس ما قلت لك، إني أخبرتك إني صائم، إني أصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فأنا أبدا صائم. ورى البيهقي في سننه عن أبي هريرة قريبا من قصة أبي ذر، وأنه قال لهم أنا مفطر في تخفيف الله صائم في تضعيف الله. اه. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن صوم الثلاثة كصوم الشهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها تحصل السنة بثلاثة غيرها من أيام الشهر. قال في النهاية: (والحاصل) كما أفاده السبكي وغيره: أنه يسن صوم ثلاثة من كل شهر، وأن تكون أيام البيض، فإن صامها أتى بالسنتين. فما في شرح مسلم - من أن هذه الثلاثة هي المأمور بصيامها من كل شهر - فيه نظر. اه. وقوله: بالسنتين - بضم السين وفتح النون المشددتين - أي سنة صوم الثلاثة، وسنة صوم أيام البيض. (قوله: لكنها) أي أيام البيض. (وقوله: أفضل) أي من غيرها من بقية الشهر. (قوله: ويبدل على الأوجه ثالث عشر ذي الحجة) أي لأن صومه حرام، لكونه من أيام التشريق. (قوله: وقال الجلال البلقيني: لا) أي لا يبدله به. (قوله: بل يسقط) أي صومه أي طلبه. (قوله: أيام السود) كان عليه أن يذكر هنا الليالي - كما ذكرها فيما مر - بأن يقول أيام الليالي السود، وإنما

وهي الثامن والعشرون وتالياه، (و) صوم (الاثنين والخميس) للخبر الحسن أنه (ص) كان يتحرى صومهما وقال: تعرض فيهما الاعمال، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم والمراد عرضها على الله تعالى. وأما رفع الملائكة لها: فإنه مرة بالليل ومرة بالنهار، ورفعها في شعبان محمول، على رفع أعمال العام مجملة. وصوم الاثنين أفضل من صوم الخميس - لخصوصيات ذكروها فيه، وعد الحليمي اعتياد صومهما مكروه: شاذ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وصفت بذلك، لسواد جميع الليل فيها، لعدم القمر. قال في المغنى: وخصت أيام البيض وأيام السود بذلك - أي بالصيام - لتعميم ليالي الأولى بالنور، والثانية بالسواد، فناسب صوم الأولى شكرا، والثانية لطلب كشف السواد، ولأن الشهر ضيف قد أشرف على الرحيل، فناسب تزويده بذلك. اه. (قوله: وهي الثامن والعشرون وتالياه) لكن عند نقص الشهر يتعذر الثالث، فيعوض عنه أول الشهر، لأن ليلته كلها سوداء. وعبارة التحفة: وهي السابع أو الثامن والعشرون وتالياه، فإن بدأ بالثامن ونقص الشهر صام أول تاليه، لاستغراق الظلمة لليلته أيضا، وحينئذ يقع صومه عن كونه أول الشهر أيضا، فإنه يسن صوم ثلاثة أول كل شهر. (تنبيه) من الواضح أن من قال أولها السابع: ينبغي أن يقال إذا تم الشهر: يسن صوم الآخر، خروجا من خلاف الثاني. ومن قال الثامن: يسن له صوم السابع احتياطا - فنتج سن صوم الأربعة الأخيرة إذا تم الشهر عليهما. انتهت. (قوله: وصوم الاثنين والخميس) معطوف على صوم يوم عرفة. أي ويسن متأكدا صوم يوم الاثنين ويوم الخميس. (قوله: للخبر الحسن إلخ) دليل لتأكد صومهما. (وقوله: إنه الخ) بدل من الخبر الحسن، أو عطف بيان له. (وقوله: يتحرى) أي يقصد. (وقوله: وقال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وقوله: تعرض فيهما) أي الاثنين والخميس. (وقوله: الأعمال) أي أعمال ما بينهما معهما، فتعرض أعمال الثلاثاء والأربعاء والخميس: في الخميس. وأعمال الجمعة والسبت والأحد والاثنين: في الاثنين. (وقوله: وأنا صائم) أي متلبس بالصوم حقيقة، لأن العرض قبل الغروب. اه. ش ق. وفي البجيرمي: قوله: وأنا صائم، أي قريب من زمن الصوم، لأن العرض بعد الغروب. اه. (قوله: والمراد عرضها على الله تعالى) أي إجمالا. وكان المناسب زيادته، لأن العرض إنما يكون على الله تعالى مطلقا - سواء كان عرض الاثنين والخميس، أو ليلة النصف من شعبان، أو ليلة القدر، فالفرق إنما هو في الإجمال والتفصيل - فعرض الإثنين والخميس، على الله تعالى إجمالي، وكذا عرض ليلة النصف من شعبان وليلة القدر. والعرض التفصيلي هو في كل يوم وليلة - كما نص على ذلك في التحفة - وعبارتها: أي تعرض على الله تعالى، وكذا تعرض في ليلة نصف شعبان، وفي ليلة القدر، فالأول - أي عرضها يوم الاثنين والخميس - إجمالي باعتبار الأسبوع، والثاني باعتبار السنة، وكذا الثالث، وفائدة تكرير ذلك إظهار شرف العاملين بين الملائكة. وأما عرضها تفصيلا، فهو رفع الملائكة لها بالليل مرة، وبالنهار مرة. اه. بتصرف. فتلخص أن العرض الإجمالي في كل أسبوع مرتين، وفي كل سنة كذلك. والتفصيلي في كل يوم مرتين. (قوله: وأما رفع الملائكة إلخ) يفيد أن ما قبله لا ترفعه الملائكة، مع أن الرفع إنما يكون من الملائكة مطلقا، في هذا، فيما قبله. وكان المناسب أن يقول: وأما عرضها تفصيلا: فهو رفع الملائكة إلخ. (قوله: فإنه) أي الرفع. (وقوله: مرة بالليل ومرة بالنهار) وذلك لأنه تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار عند صلاة العصر، ثم ترتفع ملائكة النهار وتبقى ملائكة الليل، ويجتمعان عند صلاة الصبح، فترتفع ملائكة الليل وتبقى ملائكة النهار. وهذا هو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار. (قوله: ورفعها في شعبان) أي الثابت بخبر أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم -: سئل عن إكثاره الصوم في شعبان، فقال: إنه شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. (قوله: وصوم الاثنين أفضل من صوم الخميس - لخصوصيات) هي أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد في يوم الإثنين، وبعث فيه، وتوفي فيه، وكذا بقية أطواره - صلى الله عليه وسلم -. روى السهيلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: لا يفتك صيام الاثنين، فإني ولدت فيه، وبعثت فيه، وأموت فيه أيضا. وفي

(فرع) أفتى جمع متأخرون بحصول ثواب عرفة وما بعده بوقوع صوم فرض فيها، خلاف للمجموع. وتبعه الاسنوي فقال: إن نواهما لم يحصل له شئ منهما. قال شيخنا - كشيخه - والذي يتجه أن القصد وجود ـــــــــــــــــــــــــــــ المغني ما نصه: وسمي ما ذكر يوم الاثنين: لأنه ثاني الأسبوع. والخميس: لأنه خامسه. كذا ذكره المصنف ناقلا له عن أهل اللغة. قال الأسنوي: فيعلم منه أن أول الأسبوع الأحد. ونقله ابن عطية عن الأكثرين، وسيأتي في باب النذر أن أوله السبت. وقال السهيلي: إنه الصواب، وقول العلماء كافة إلا ابن جرير. اه. وفي البجيرمي: سميا بذلك: لأنه ثاني أيام إيجاد المخلوقات - غير الأرض - والخميس خامسها، وما قيل لأنه ثاني الأسبوع مبني على مرجوح، وهو أن أوله الأحد، وإنما أوله السبت على المعتمد - كما في باب النذر -. اه. (قوله: وعد إلخ) مصدر مضاف إلى فاعله، وهو مبتدأ، خبره شاذ. (وقوله: اعتياد) مفعول أول للمصدر. (وقوله: صومهما) أي الاثنين والخميس. (وقوله: مكروها) مفعول ثان للمصدر - يعني أن الحليمي عد المواظبة على صوم الاثنين والخميس من المكروه، وهذا غريب شاذ. وعبارة المغني: وأغرب الحليمي فعد من المكروه اعتياد صوم يوم بعينه، كالاثنين، والخميس، لأن في ذلك تشبيها برمضان. اه. (تتمة) يستحب صوم يوم الأربعاء شكرا لله تعالى على عدم هلاك هذه الأمة فيه، كما أهلك فيه من قبلها. ويستحب صوم يوم المعراج، ويوم لا يجد فيه الشخص ما يأكله، ويكره صوم الدهر - غير العيدين، وأيام التشريق - لمن خاف به ضررا، أو فوت حق. ولو مندوبا، ويستحب لغيره، لإطلاق الأدلة، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا. وعقد تسعين. رواه البيهقي. ومعنى ضيقت عليه: أي عنه، فلم يدخلها، أو لا يكون له فيها موضع. أما صوم العيدين وأيام التشريق: فيحرم - كما سينص عليه - ويكره أيضا إفراد الجمعة أو السبت أو الأحد بالصوم، لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوما قبله، أو يوما بعده. رواه الشيخان: ولخبر: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم. رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه على شرط الشخين، ولأن اليهود تعظم يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، ومحل الكراهة الإفراد: ما لم يوافق عادة له - كأن كان يعتاد صوم يوم وفطر يوم، فوافق صومه يوما منها، وإلا فلا كراهة - كما في صوم يوم الشك. قوله: فرع) أي في بيان أن صوم هذه الأيام المتأكد يندرج في غيره. (قوله: أفتى إلخ) حاصل الإفتاء المذكور أنه إذا كان عليه صوم فرض قضاء أو نذر وأوقعه في هذه الأيام المتأكد صومها: حصل له الفرض الذي عليه، وحصل له ثواب صوم الأيام المسنون، وظاهر إطلاقه أنه لا فرق في حصول الثواب بين أن ينويه مع الفرض أو لا، وهو مخالف لقول ابن حجر الآتي أنه لا يحصل له الثواب إلا إذا نواه، وإلا سقط عنه الطلب فقط. (قوله: بحصول إلخ) متعلق بأفتى. (وقوله: ثواب عرفة) أي صوم يومها. (وقوله: وما بعده) ما: اسم موصول معطوف على عرفة، والظرف متعلق بمحذوف صلة ما، والضمير يعود على عرفة، والمناسب تأنيثه، لأن المرجع مؤنث: أي أفتى بحصول ثواب عرفة، وبحصول ثواب ما ذكر بعد عرفة، وهو عاشوراء وتاسوعاء وستة من شوال إلخ. والمراد ثواب صومها كما هو ظاهر. (قوله: بوقوع إلخ) متعلق بحصول. (وقوله: صوم فرض) أي قضاء أو نذر. (وقوله: فيها) متعلق بوقوع، والضمير يعود على المذكورات من عرفة وما بعده. (قوله: فقال) أي النووي في المجموع، فالفاعل ضمير يعود عليه. ويحتمل عوده على الأسنوي - كما صرح به هو أول الباب في مبحث النية، وصرح به أيضا في فتح الجواد - لكن ظاهر صنيعه هنا الأول، لأنه جعل الأسنوي تابعا للنووي، فيكون القول له. (قوله: إن نواهما) أي الصوم المسنون والمفروض. (قوله: لم يحصل له شئ منهما) أي من المسنون والمفروض - كما إذا نوى مقصودين لذاتهما، كسنة الظهر، وفرض الظهر. (قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد. ونص عبارته: وقال الأسنوي: القياس أنه إن لم ينو التطوع حصل له الفرض، وإن نواهما لم يحصل له شئ منهما. اه. وإنما يتم له إن ثبت أن الصوم فيها مقصود لذاته. والذي يتجه إلى آخر ما ذكره الشارح. ثم قال: وعليه لو نوى ليلا الفرض وقبل الزوال النفل، فهل يثاب على النفل حينئذ - لأن القصد التقرب بالصوم عن الجهتين وقد

صوم فيها، فهي كالتحية، فإن نوى التطوع أيضا، حصلا، وإلا سقط عنه الطلب. (فرع) أفضل الشهور للصوم بعد رمضان: الاشهر الحرم. وأفضلها المحرم، ثم رجب، ثم الحجة، ثم القعدة، ثم شهر شعبان. وصوم تسع ذي الحجة أفضل من صوم عشر المحرم اللذين يندب صومهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ حصل - أولا - لأن صحة نية الصائم صوما آخر بعيدة -؟ كل محتمل. اه. (قوله: وجود صوم فيها) أي في هذه الأيام عرفة وما بعده. (قوله: فهي) أي هذه الأيام. أي صومها. ولا بد من تقدير هذا المضاف ليصح التشبيه بالتحية. (وقوله: كالتحية) أي فإنها تحصل بفرض أو نفل غيرها. لأن القصد شغل البقعة بالطاعة، وقد وجدت. (قوله: فإن نوى التطوع أيضا) أي كما أنه نوى الفرض. (وقوله: حصلا) أي التطوع والفرض، أي ثوابهما. (قوله: وإلا) أي وإن لم ينو التطوع، بل نوى الفرض فقط. (وقوله: سقط عنه الطلب) أي بالتطوع، لاندراجه في الفرض. (تنبيه) اعلم أنه قد يوجد للصوم سببان: كوقوع عرفة أو عاشوراء يوم اثنين أو خميس، أو وقوع اثنين أو خميس في ستة شوال، فيزداد تأكده رعاية لوجود السببين، فإن نواهما: حصلا - كالصدقة على القريب، صدقة وصلة - وكذا لو نوى أحدهما - فيما يظهر -. (وقوله: أفضل الشهور إلخ) قد نظم ذلك بعضهم بقوله: وأفضل الشهور بالإطلاق: * * شهر الصيام، فهو ذو السباق فشهر ربنا هو المحرم * * فرجب، فالحجة المعظم فقعدة، فبعده شعبان * * وكل ذا جاء به البيان (قوله: الأشهر الحرم) هي أربعة: ثلاثة منها سرد، وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وواحد منها فرد وهو رجب. وإنما كان الصوم فيها أفضل، لخبر أبي داود وغيره: صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك. وإنما أمر المخاطب بالترك لأنه كان يشق عليه إكثار الصوم، كما جاء التصريح به في الخبر. أما من لا يشق عليه، فصوم جميعها له فضيلة. اه. شرح الروض. وإنما سميت حرما: لأن العرب كانت تتحرمها وتعظمها، وتحرم فيها القتال، حتى أن أحدهم لو لقي قاتل أبيه أو ابنه أو أخيه في هذه الأشهر لم يزعجه، وكان القتال فيها محرما في صدر الإسلام، ثم نسخ بقوله تعالى: * (فاقتلوهم حيث وجدتموهم) * (1). (قوله: وأفضلها) أي الأشهر الحرم المحرم - لخبر مسلم: أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم وإنما سمي محرما: لتحريم الجنة فيه على إبليس. (قوله: ثم رجب) هو مشتق من الترجيب، وهو التعظيم، لأن العرب كانت تعظمه زيادة على غيره. ويسمى الأصب: لانصاب الخير فيه. والأصم: لعدم سماع قعقعة السلاح فيه. ويسمى رجم - بالميم - لرجم الأعداء والشياطين فيه حتى لا يؤذوا الأولياء والصالحين. (قوله: ثم الحجة ثم القعدة) بعضهم قدم القعدة على الحجة، لكن المعتمد تقديم الحجة، فهو أفضل، لوقوع الحج فيه، ولاشتماله على يوم عرفة. والأفصح: فتح قاف القعدة، وكسر حاء الحجة. وقد نظم ذلك بعضهم فقال: وفتح قاف قعدة قد صححوا * * وكسر حاء حجة قد رجحوا وسميا بذلك: لوقوع الحج في الأول، وللقعود عن القتال في الثاني. (قوله: ثم شهر شعبان) أي ثم بعد الأشهر الحرم شهر شعبان، لخبر الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان. (واعلم) أن الأفصح ترك إضافة لفظ شهر إلى شعبان، وكذا بقية الأشهر ما عدا ثلاثة: رمضان، وربيع أول، وربيع ثان. وقد أشار إلى ذلك بعضهم في قوله:

_ (1) النساء: 89

(فائدة) من تلبس بصوم تطوع أو صلاته، فله قطعهما - لا نسك تطوع - ومن تلبس بقضاء واجب، حرم قطعه ولو موسعا، ويحرم على الزوجة أن تصوم، تطوعا أو قضاء موسعا وزوجها حاضر إلا بإذنه أو علم رضاه. (تتمة) يحرم الصوم في أيام التشريق والعيدين، وكذا يوم الشك لغير ورد، وهو يوم ثلاثي شعبان، وقد ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تضف شهرا إلى اسم شهر * * إلا لما أوله الرا - فادر - واستثن من ذا راجبا فيمتنع * * لأنه فيما رووه ما سمع (قوله: وصوم تسع ذي الحجة) أي التسع من أول الشهر، وهذا التعبير أولى من تعبير بعضهم بعشر ذي الحجة، لأنه يدخل فيه يوم العيد، مع أنه لا ينعقد. (وقوله: أفضل من صوم عشر المحرم) للخبر الصحيح المار الذي قال الشارح فيه إنه يقتضي أنه أفضل من صيام عشر رمضان الأخير، وقد علمت أن الراجح خلافه. (واعلم) أنه كان المناسب أن يذكر أولا تأكد صوم عشر المحرم بالخصوص، ثم يذكر تفضيل غيره عليه - كما صنع غيره. (قوله: اللذين يندب إلخ) اسم الموصول نعت لتسع ذي الحجة ولعشر المحرم، ولا حاجة إليه، لأنه معلوم، إذ الأول قد صرح به فيما مر، والثاني يندرج في صيام المحرم. (قوله: من تلبس بصوم تطوع أو صلاته) أي ونحوهما من كل عبادة متطوع بها، كاعتكاف، وطواف، ووضوء. (قوله: فله قطعهما) أي لخبر: الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر. رواه الترمذي. ويقاس بالصوم: الصلاة ونحوها. ولكن يكره القطع، إن لم يكن بعذر، وإلا كأن قطعه ليساعد الضيف في الأكل إذا شق عليه امتناع مضيفه منه، فلا كراهة. ويترتب على الكراهة عدم الثواب على الماضي، ويترتب على عدمها وجود الثواب. ويستحب قضاؤه إن قطعه، ولا يجب، لأن أم هانئ كانت صائمة صوم تطوع فخيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن تفطر بلا قضاء وبين أن تتم صومها. رواه أبو داود. وقيس بالصوم غيره. (قوله: لا نسك تطوع) أما هو: فيحرم قطعه، لمخالفته غيره في لزوم الإتمام، والكفارة بإفساده بجماع. واعترض كونه تطوعا: بأن الشروع فيه شروع في فرض الكفاية، فهو من فروض الكفايات، لا من النوافل. ويمكن أن يقال: يتصور ذلك بما إذا كان الفاعل صبيا، وأذن له وليه. أو عبدا وأذن له سيده. قال ع ش: وعليه - فالوجوب - أي وجوب إتمامه - بالنسبة للصبي متعلق بالولي. اه. (قوله: ومن تلبس بقضاء واجب) ومثله الأداء. ولو قال: ومن تلبس بواجب أداء أو قضاء - لكان أولى. والمراد بالواجب: العيني. قال في شرح المنهج: وخرج بالعيني فرض الكفاية، فالأصح - وفاقا للغزالي وغيره - أنه لا يحرم قطعه إلا الجهاد، وصلاة الجنازة، والحج، والعمرة. وقيل لا يحرم: كالعيني. اه. (قوله: ولو موسعا) أي ولو كان قضاؤه على التراخي، بأن لم يتعد بترك الصوم أو الصلاة. (قوله: ويحرم على الزوجة إلخ) هذا حيث جاز التمتع بها، وإلا كأن قام بالزوج مانع من الوطئ - كإحرام، أو اعتكاف - فلا حرمة، وحيث لم يقع بها مانع - كالرتق والقرن - وإلا فلا حرمة أيضا. ومحل التحريم في الصوم المتكرر في السنة - كالاثنين والخميس - بخلاف صوم يوم عرفة وعاشوراء، لأنهما نادران في السنة. ومع الحرمة: ينعقد صومها - كالصلاة في دار مغصوبة - ولزوجها وطؤها، والإثم عليها. (قوله: وزوجها حاضر) أي في البلد. قال ع ش: ولو جرت عادته أن يغيب عنها من أول النهار إلى آخره، لاحتمال أن يطرأ له قضاء وطره في بعض الأوقات على خلاف عادته. اه. وخرج بكونه حاضرا في البلد: ما إذا كان غائبا عنها، فلا يحرم عليها ذلك، بلا خلاف. قال في المغنى: (فإن قيل) هلا جاز صومها مع حضوره، وإذا أراد التمتع بها تمتع وفسد صومها؟ (أجيب) بأن صومها يمنعه التمتع عادة، لأنه يهاب انتهاك حرمة الصوم بالإفساد، ولا يلحق بالصوم صلاة النفل المطلق لقصر زمنه. اه. (قوله: إلا بإذنه) أي الزوج. وذلك لخبر الصحيحين: لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد - أي حاضر - إلا بإذنه. قال ابن حجر: وكالزوج: السيد - إن حلت له - وإلا حرم بغير إذنه، إن حصل لها به ضرر ينقص الخدمة، والعبد كمن لا تحل فيما ذكر اه. وكتب الكردي: قوله: كمن لا تحل: أي فيحرم صومه بغير إذن سيده، إن حصل له به ضرر ينقص الخدمة. اه. (قوله: يحرم الصوم الخ) أي ولا ينعقد. (قوله: في أيام التشريق) وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر،

شاع الخبر بين الناس برؤية الهلال ولم يثبت، وكذ بعد نصف شعبان، ما لم يصله بما قبله، أو لم يوافق عادته، أو لم يكن عن نذر أو قضاء، ولو عن نفل. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحرم صومها، ولو لتمتع عادم للهدي، لعموم النهي عنه. وفي القديم: له صيامها عن الثلاثة الواجبة في الحج. وقوله: والعيدين: أي عيد الفطر، وعيد الأضحى. والأصل في حرمة صومهما: الإجماع المستند إلى نهي الشارع - صلى الله عليه وسلم - في خبر الصحيحين. (قوله: وكذا يوم الشك) أي وكذلك يحرم صيام يوم الشك، لقول عمار بن ياسر: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -. رواه الترمذي وغيره، وصححوه. قيل: والمعنى فيه القوة على صوم رمضان. وضعفه السبكي بعدم كراهة صوم شعبان. ويرد بأن إدمان الصوم يقوي النفس عليه، وليس في صوم شعبان إضعاف، بل تقوية، بخلاف صوم يوم ونحوه، فإنه يضعف النفس عما بعده، فيكون فيه افتتاح للعبادة مع كسل وضعف. اه. نهاية. وما ذكر من تحريم صوم يوم الشك، هو المعتمد في المذهب. وقيل يكره كراهة تنزيه. قال الأسنوي: وهو المعروف المنصوص الذي عليه الأكثرون. وفي البجيرمي ما نصه: (إن قلت) ما فائدة تنصيصهم على كراهة صوم يوم الشك أو حرمته مع أنه من جملة النصف الثاني من شعبان وهو محرم؟ (أجيب) بأن فائدته معرفة حقيقة يوم الشك حتى يرجع إليه لو علق به طلاقا أو عتقا. وبيان أن صومه مكروه أو حرام، لشيئين: كونه يوم الشك وكونه بعد النصف، فيكون النهي فيه أعظم منه فيما قبله. اه. (قوله: لغير ورد) أي عادة، وتثبت بمرة. فإن صامه لذلك، كأن كان يعتاد صوم الدهر أو صوم يوم وفطر يوم، أو صوم يوم معين - كالاثنين - فصادف يوم الشك فلا يحرم. ومثل الورد: ما لو صامه عن نذر مستقر في ذمته أو عن قضاء لنفل أو فرض أو كفارة، فلا يحرم. (قوله: وهو يوم الخ) بيان لضابط يوم الشك. (قوله: وقد شاع الخبر بين الناس برؤية الهلال) أما إذا لم يشع بين الناس: فليس اليوم يوم الشك بل هو من شعبان، وإن أطبق الغيم. (وقوله: ولم يثبت) - أي الهلال - عند الحاكم لكونه لم يشهد بالرؤية أحد، أو شهد بها صبيان أو نساء، أو عبيد، أو فسقة. (قوله: وكذا بعد نصف شعبان) أي وكذلك يحرم الصوم بعد نصف شعبان لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا. (قوله: ما لم يصله بما قبله) أي محل الحرمة ما لم يصل صوم ما بعد النصف بما قبله، فإن وصله به ولو بيوم النصف، بأن صام خامس عشره وتالييه واستمر إلى آخر الشهر، فلا حرمة. (قوله: أو لم يوافق عادته) أي ومحل الحرمة أيضا ما لم يوافق صومه عادة له في الصوم، فإن وافقها - كأن كان يعتاد صوم يوم معين كالاثنين والخميس - فلا حرمة. (قوله: أو لم يكن عن نذر الخ) أي: ومحل الحرمة أيضا: ما لم يكن صومه عن نذر مستقر في ذمته، أو قضاء، ولو كان القضاء لنفل، أو كفارة، فإن كان كذلك، فلا حرمة، وذلك لخبر الصحيحين: لا تقدموا - أي لا تتقدموا - رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم يوما ويفطر يوما فليصمه. وقيس بما في الحديث من العادة: النذر، والقضاء، والكفارة - بجامع السبب -. والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب الحج

باب الحج ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الحج (1) هو آخر أركان الإسلام، وأخره عن الصوم نظرا للقول بأن الصوم أفضل منه، واقتداء بخبر: بني الإسلام الخ. واعلم أن فضائله لا تحصى. منها خبر: من جاء حاجا يريد وجه الله تعالى، فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويشفع فيمن دعا له. ومنها خبر: من قضى نسكه، وسلم الناس من لسانه ويده، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وروى ابن حبان عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الحاج حين يخرج من بيته لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا وقفوا بعرفات: باهى الله بهم ملائكته، يقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبرا، أشهدكم أني غفرت لهم ذنوبهم وإن كانت عدد قطر السماء ورمل عالج. وإذا رمى الجمار: لم يدر أحد ما له حتى يتوفاه الله تعالى يوم القيامة، وإذا حلق شعره فله بكل شعرة سقطت من رأسه نور يوم القيامة. فإذا قضى آخر طوافه بالبيت خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وقال ابن العماد في كشف الأسرار: وحكمة تركب الحج من الحاء والجيم: الإشارة إلى أن الحاء من الحلم، والجيم من الجرم - فكأن العبد يقول: يا رب جئتك بجرمي - أي ذنبي - لتغفره بحلمك اه. وأعمال الحج كلها تعبدية، وقد ذكر لهما بعض حكم، فمن ذلك ما ذكره في (الروض الفائق في المواعظ والرقائق) أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن الحكمة في أفعال الحج، وما في المناسك الشريفة من المعاني اللطيفة، فقال: ليس من أفعال الحج ولوازمه شئ إلا وفيه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ونبأ وشأن وسر يقصر عن وصفه كل لسان. فأما الحكمة في التجرد عند الإحرام: فإن من عادة الناس إذا قصدوا أبواب المخلوقين، لبسوا أفخر ثيابهم من اللباس، فكأن الحق سبحانه وتعالى يقول: القصد إلى بابي خلاف القصد إلى أبوابهم، لأضاعف لهم أجرهم وثوابهم. وفيه أيضا أن يتذكر العبد بالتجرد عند الإحرام: التجرد عن الدنيا عند نزول الحمام - كما كان أولا - لما خرج من بطن أمه مجردا عن الثياب، وفيه شبه أيضا بحضور الموقف يوم الحساب - كما قال تعالى: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * (2). * (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) * (3). اه. وأما الاغتسال عند الإحرام: فلحكمة ظاهرة الإحكام، وهو أن الله تعالى يريد أن يعرض الحجاج على الملائكة ليباهي بهم الأنام، فلا يعرضون على الملائكة الكرام إلا وهم مطهرون من الأدناس والآثام. وفيه أيضا حكمة أخرى: وهي أن الحجاج يضعون أقدامهم على مواضع أقدام الأنبياء الأبرار، فيكونون قبل ذلك قد اغتسلوا لينالوا بركتهم في تلك الآثار، كما قال تعالى وهو أصدق القائلين: * (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) *. وأما الحكمة في التلبية: فإن الإنسان إذا ناداه إنسان جليل القدر أجابه بالتلبية وحسن الكلام، فكيف بمن ناداه مولاه الملك العلام، ودعاه إلى جنابة ليكفر عنه الذنوب والآثام؟ وإن العبد إذا قال: لبيك، يقول الله تعالى: ها أنا دان إليك، ومتجل عليك. فسل ما تريد، فأنا أقرب إليك من حبل الوريد. وأما الحكمة في الوقوف بعرفة وأخذ الجمار من المزدلفة: فإن فيه أسرار لذوي العلم والمعرفة، فمعناه: كأن العبد يقول - سيدي: حملت جمرات

_ (1) الركن الخامس من أركان الإسلام وثبتت فرضيته بالكتاب والسنة. قال تعالى: (والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران 97. وفى السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس " ومنها: (زحج البيت من اتطاع إليه سبيلا " متفق عليه وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات ولم يحج فليمت إن شاء الله يهوديا وإن شاء نصرانيا " اخرجه الترمذي وابن ماجة ولما روى البيهقى وابن عدى عن جابر رضي الله عنه مرفوقا: " الحج والعمرة فريضتان " (2) النساء: 40. (3) الانعام: 94.

وهو: بفتح أوله وكسره - لغة: القصد، أو كثرته إلى من يعظم. وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي. وهو من الشرائع القديمة. وروي أن آدم عليه السلام حج أربعين حجة من الهند ماشيا، وأن جبريل قال له: إن ـــــــــــــــــــــــــــــ الذنوب والأوزار، وقد رميتها في طاعتك بالإقرار، إنك أنت الكريم الغفار. وأما الحكمة في الذكر عند المشعر الحرام، وما فيه من الأجور العظام: فكأن الحق تعالى يقول: اذكروني أذكركم، من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه، فإذا ذكرتموني عند المشعر الحرام ذكرتكم بين ملائكتي الكرام، وكتبت لكم توقيع الأمان من حلول الانتقام. وأما الحكمة في حلق الرأس بمنى، ففيه حكمة يبلغ بها العبد جميع المنى، وذلك أن فيه يقظة وتذكيرا لا يفهمهما إلا من كان عالما نحريرا، لأن الحاج إذا وقف بعرفة، وذكر الله عند المشعر الحرام، وضحى بمنى، وحلق رأسه، وطهر بدنه من الأدناس والآثام: كتب الله عزوجل له ثوابا، وضاعف له أجورا، ووقاه جحيما وسعيرا، وجعل له بكل شعرة يوم القيامة نورا، وأعطى توقيع الأمان - كما قال تعالى في كتابه المكنون: * (محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) * (2). وأما الحكمة في الطواف، وما فيه من المعاني والألطاف: فإن الطائف بالبيت يقول بلسان حاله عند دعائه وابتهاله: سيدي، أنت المقصود، وأنت الرب المعبود، أتيت إليك مع جملة الوفود، وطفت ببيتك المشهود، وقمت ببابك أرجو الكرم والجود، وقد سبق خطابك لخليلك الأمين في محكم كتابك المبين: * (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) * (3). وأما الحكمة في الوقوف بعرفات وما فيه من المعاني البديعة الصفات، فإن فيه تنبيها وتذكيرا بالوقوف بين يدي الحق سبحانه وتعالى يوم القيامة حفاة عراة مكشوفي الرؤوس، واقفين على أقدام الحسرة والندامة، يضجون بالبكاء والعويل، ويدعون مولاهم دعاء عبد ذليل، فلله در أقوام دعاهم مولاهم إلى البيت العتيق، فأجابوا داعي الوجد والتشويق، وساروا إليه مشاة على قدم التصديق، * (وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) * (4). اه. (قوله: هو) أي الحج، وهو مبتدأ، خبره القصد. (وقوله: بفتح أوله وكسره) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير الواقع مبتدأ - على رأي سيبويه - أي هو حال كونه متلبسا بفتح أوله - وهو الحاء - أو كسره، القصد. والفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة أهل نجد، وهما لغتان فصيحتان، قرئ بهما في السبع. فبالكسر قرأ حفص وحمزة والكسائي، وبالفتح قرأ الباقون. (وقوله: لغة القصد) أي على ما قاله الجوهري. (وقوله: أو كثرته) أي على ما قاله الخليل. (وقوله: إلى من يعظم) متعلق بالقصد: أي القصد إلى شئ يقصد تعظيمه - كعبة كان أو غيرها - وتعبيره بمن - التي للعاقل - على سبيل التغليب، لأن المعظم صادق بالعاقل وغيره، فغلب العاقل على غيره وعبر بمن، وهذا الذي جرى عليه ضعيف، والصحيح أن معناه لغة: القصد مطلقا، إلى من يعظم، وإلى غيره. (قوله: وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي) أي الأفعال الآتية، من إحرام، ووقوف، وطواف، وسعي، وحلق، مع ترتيب المعظم. وهذا التعريف هو الموافق لما هو الغالب من أن المعنى الشرعي يشتمل على المعنى اللغوي وزيادة. ويرد عليه أنه يقتضي أن الحج الشرعي: القصد المذكور، وإن كان ماكثا في بيته. وأجيب عنه بأن المراد القصد المذكور مع فعل الأعمال المذكورة. وعرفه بعضهم بأنه نفس الأفعال الآتية، وهذا هو الموافق لقولهم: أركان الحج، وسنن الحج. إذا الأركان: أفعال. فجعلها أجزاء للحج: يفيد أنه مركب منها، فهو عبارة عن مجموع أفعال. ويمكن أن يقال إن جعلهم إياها أركانا للحج مجاز، لا حقيقة. والمراد أنها أركان للمقصود منه، وهو فعل الأعمال، لا للقصد نفسه الذي هو الحج. (قوله: وهو من الشرائع القديمة) أي لا من خصوصيات هذه الأمة - كما قيل به - قال القليوبي: ينبغي أن يكون هذا بمعناه اللغوي، أما بهذه الهيئة المخصوصة، فهو من خصائص هذه الأمة. (قوله: وروي أن آدم الخ) استدلال على كونه من الشرائع القديمة. (وقوله: ماشيا) قيل لمجاهد - أفلا كان يركب؟ قال: وأي شئ كان يحمله؟ (قوله: وأن جبريل إلخ)

_ (1) البقرة: 222. (2) الفتح: 27. (3) الحج: 26. (4): 24

الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت سبعة آلاف سنة. قاب ابن إسحاق: لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا لا يدل على أن الحج من الشرائع القديمة، وإنما يدل على أن الطواف منها. (قوله: بهذا البيت) (اعلم) أنه كان من زمردة خضراء، وفيه قناديل من قناديل الجنة، فلما جاء الطوفان في عهد نوح رفعه الله إلى السماء الرابعة، وأخذ جبريل الحجر الأسود، فأودعه في جبل أبي قبيس - صيانة له من الغرق فكان مكان البيت خاليا إلى زمن إبراهيم عليه السلام، فلما ولد له إسماعيل وإسحق، أمره الله ببناء بيت يذكر فيه، فقال: يا رب بين لي صفته، فأرسل الله سحابة على قدر الكعبة، فسارت معه حتى قدم مكة، فوقفت في موضع البيت، ونودي يا إبراهيم: ابن على ظلها، لا تزد ولا تنقص - فكان جبريل عليه السلام: يعلمه، وإبراهيم يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة. وفي الإيضاح للنووي ما نصه: واختلف المفسرون في قوله تعالى: * (إن أول بيت وضع للناس) * (1). فروى الأزرقي في كتاب مكة، عن مجاهد، قال: لقد خلق الله عزوجل موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي سنة، وأن قواعده لفي الأرض السابعة السفلى. وعن مجاهد أيضا إن هذا البيت أحد أربعة عشر بيتا: في كل سماء بيت، وفي كل أرض بيت، بعضهن مقابل لبعض. وروى الأزرقي أيضا عن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنهم قال: إن الله تعالى بعث ملائكة، فقال ابنوا لي في الأرض بيتا تمثال البيت المعمور وقدره. وأمر الله تعالى من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور. قال: وهذا كان قبل خلق آدم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو أول بيت بناه آدم في الأرض. اه. وقد بني البيت عشر مرات - كما في القسطلاني على البخاري - وقد نظم بعضهم البانين على الترتيب فقال: بنى بيت رب العرش عشر فخذهم * * ملائكة الله الكرام، وآدم فشيث، فإبراهيم، ثم عمالق * * قصي، قريش - قبل هذين - جرهم وعبد الإله، ابن الزبير بنى - كذا * * بناء لحجاج - وهذا متمم وقوله: بناء لحجاج: أي بجانب الحجر فقط بأمر عبد الملك بن مروان، وبعض البناء كان ترميما. قال ابن علان: قلت وقد سقط من بناء ابن الزبير ما بناه الحجاج الجدار الشامي، وجانب من الشرقي والغربي فسد محله بأخشاب من صبيحة سقوطه لعشرين من شعبان سنة 9301 تسع وثلاثين وألف إلى أوائل جمادي من السنة بعده، وقد أفردت لذلك مؤلفا واسعا، ثم لخصته. فبالنظر لما ذكر من السد وهو من صاحب مكة الشريف مسعود بن إدريس، ثم من العمارة، وهي من جانب السلطان مراد خان بن السلطان أحمد خان - تكون أبنية الكعبة اثنتي عشرة مرة، وقد نظمت ذلك فقلت: بنى الكعبة الأملاك آدم بعده * * فشيث، وإبراهيم، ثم العمالقه وجرهم، قص مع قريش، وتلوهم * * هو ابن زبير، فادر هذا وحققه وحجاج تلو، ثم مسعود بعدهم * * شريف بلاد الله بالنور أشرقه ومن بعد ذا حقا بنى البيت كله * * مراد بن عثمان فشيد رونقه اه. قلت وقد حدث ترميم في باطن الكعبة المعظمة في شهر ربيع الأخير سنة 1299 - ألف ومائتين وتسع وتسعين - في مدة سلطنة وخلافة مولانا السلطان الغازي عبد الحميد الثاني - نصره الله - ابن المرحوم مولانا السلطان الغازي عبد المجيد بن محمود بن عبد الحميد الأول. وقد أرخ العمارة المذكورة شيخ الإسلام، وقدوة الأنام، فريد العصر والأوان - مولانا الأستاذ السيد أحمد بن زيني دحلان - في بيت واحد، وجعل قبله بيتين للدخول على بيت التاريخ فقال: اه.

_ (1) آل عمران: 96

الصلاة والسلام إلا حج. والذي صرح به غيره: أنه ما من نبي إلا حج، خلافا لمن استثنى هودا وصالحا. ـــــــــــــــــــــــــــــ لسلطاننا عبد الحميد محاسن * * ومن ذا الذي بالحصر يقوى يعدد؟ وقد حاز تعميرا لباطن قبلة * * وتاريخه بيت فريد يحدد بناء بدا زهوا لداخل كعبة * * وسلطاننا عبد الحميد المجدد 82 169 207 97 655 19 7 53 - 841 سنة 458 1299 (فائدة) قال وهب بن منبه - رضي الله عنه -: مكتوب في التوراة: إن الله عزوجل يبعث يوم القيامة سبعمائة ألف ملك من الملائكة المقربين، بيد كل واحد منهم سلسلة من ذهب إلى البيت الحرام، فيقول لهم: اذهبوا فزموه بهذه السلاسل، ثم قودوه إلى المحشر، فيأتونه، فيزمونه بتلك السلاسل، ويمدونه. وينادي ملك: يا كعبة الله سيري فتقول: لست بسائرة حتى أعطى سؤلي. فينادي ملك من جو السماء: سلى. فتقول الكعبة: يا رب شفعني في جيراني الذين دفنوا حولي من المؤمنين. فتسمع النداء: قد أعطيتك سؤلك. قال: فتحشر موتى مكة بيض الوجوه كلهم محرمين مجتمعين حول الكعبة يلبون. ثم تقول الملائكة: سيري يا كعبة الله. فتقول: لست بسائرة حتى أعطى سؤلي. فينادي ملك من جو السماء: سلي تعطي. فتقول الكعبة: يا رب عبادك المذنبون الذي وفدوا إلي من كل فج عميق شعثا غبرا، تركوا الأهل والأولاد والأحباب وخرجوا شوقا إلي زائرين مسلمين طائعين حتى قضوا مناسكهم كما أمرتهم، فأسألك أن تشفعني فيهم، وتؤمنهم من الفزع الأكبر، وتجمعهم حولي. فينادي الملك: فإن فيهم من ارتكب الذنوب بعدك، وأصر على الكبائر حتى وجبت له النار. فتقول: يا رب، أسألك الشفاعة في المذنبين الذين ارتكبوا الذنوب العظام والأوزار، حتى وجبت لهم النار. فيقول الله تعالى: قد شفعتك فيهم، وأعطيتك سؤلك. فينادي ملك من جو السماء: ألا من زار كعبة الله فليعتزل عن الناس. فيعتزلون، فيجعلهم الله تعالى حول البيت الحرام بيض الوجوه. آمنين من النار، يطوفون ويلبون. ثم ينادي ملك من جو السماء: ألا يا كعبة الله سيري. فتقول الكعبة: لبيك اللهم لبيك، والخير كله بيديك، لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ثم يمدونها إلى المحشر. (قوله: لم يبعث الله نبيا) أي رسولا، بدليل ذكر البعث، لأنه خاصة الرسول، لكن عبر جماعة بقولهم: إن جميع الأنبياء والرسل حجوا البيت. (قوله: والذي صرح به غيره) أي غير ابن إسحاق. وقصده بهذا بيان أن قول ابن إسحاق بعد إبراهيم ليس بقيد. (قوله: أنه ما من نبي إلا حج) أي من كان قبل إبراهيم، ومن كان بعده. والمراد بالنبي ما يشمل الرسول. (قوله: خلافا لمن استثنى هودا وصالحا) أي قال إنهما لم يحجا. قال العلامة عبد الرؤوف: وقائله عروة بن الزبير - رضي الله عنهما - حيث قال: بلغني أن آدم ونوحا حجا دون هود وصالح، لاشتغالهما بأمر قومهما، ثم بعث الله إبراهيم فحجه وعلم مناسكه، ثم لم يبعث الله نبيا بعده إلا حجه. ويجاب عن قول عروة بأن الحديث على فرض صحته معارض بأحاديث كثيرة أنهما حجا، منها قول الحسن في رسالته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن قبر نوح وهود وشعيب وصالح فيما بين الركن والمقام وزمزم. ومن المعلوم أنهم لا يأتون البيت بغير حج. مع أن المثبت مقدم على النافي. ولا تكره الصلاة بين الركن والمقام وزمزم توهما من حديث الحسن، لكونهما مقبرة، لأنها مقبرة الأنبياء، وهم أحياء في قبورهم، ولا يقال الكراهة أو الحرمة من حيث أن المصلي يستقبل قبر نبي، وهو منهي عنه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تتخذوا قبور أنبيائكم مساجدا. لأن شرط الحرمة أو الكراهة تحقق ذلك، وهو منتف هنا اهـ. ملخصا.

والصلاة أفضل منه، خلافا للقاضي. وفرض في السنة السادسة على الاصح، حج (ص) قبل النبوة وبعدها وقبل الهجرة حججا لا يدرى عددها، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: والصلاة أفضل منه) أي من الحج. أي ومن غيره من سائر عبادات البدن، وذلك لخبر الصحيحين: أي الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة لوقتها. قال حجر: ولا بدع أن يخص قولهم: أفضل عبادات البدن الصلاة بغير العلم. وقيل الصوم أفضل، لخبر الصحيحين: قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به. ورد ذلك بأن الصلاة تجمع ما في سائر العبادات، وتزيد عليها بوجوب الاستقبال، ومنع الكلام والمشي وغيرهما، ولأنها لا تسقط بحال، ويقتل تاركها، بخلاف غيرها. وقال ابن أبي عصرون: الجهاد أفضل. (وقوله: خلافا للقاضي) أي فإنه قال إن الحج أفضل منها، أي ومن غيرها من سائر العبادات، أي لاشتماله على المال والبدن، ولأنا دعينا إليه ونحن في الأصلاب، كما أخذ علينا العهد بالإيمان حينئذ. ولأن الحج يجمع معاني العبادات كلها، فمن حج فكأنما صام، وصلى، واعتكف، وزكى، ورابط في سبيل الله، وغزا - كما قاله الحليمي -. قال العلامة عبد الرؤوف: والظاهر أن قول القاضي هو أفضل: مفروض في غير العلم. اه. وحاصل المعتمد أن الأفضل مطلقا: اكتساب معرفة الله تعالى، بأن يقصد إلى النظر، وينظر في الآيات الدالة على وجوده تعالى، وعظيم قدرته، واتساع علمه في السموات والأرض وغيرهما مما يحصل به القطع بأن لا موجد لها سواه - كما قال البرعي رضي الله عنه: شهدت غرائب صنعه بوجوده * * لولاه ما شهدت به لولاه سل عنه ذرات الوجود فإنها * * تدعوه مفهوماتها رباه ثم العلم العيني وهو ما به صحة العمل، ثم فرض العين من غيره، وأفضله - على مذهب الجمهور - الصلاة. قال الونائي ثم الصوم، ثم الحج، ثم العمرة، ثم الزكاة، ثم فرض الكفاية من العلم: وهو ما زاد على تصحيح العمل حتى يبلغ درجة الاجتهاد المطلق، ثم فرض الكفاية من غيره، ثم نقل العلم: وهو ما زاد على الاجتهاد المطلق. (قوله: وفرض في السنة السادسة) قال في النهاية - كما صححاه في السير، ونقله في المجموع عن الأصحاب - وجزم الرافعي هنا بأنه سنة خمس، وجمع بين الكلامين بأن الفريضة قد تنزل ويتأخر الإيجاب على الأمة، وهذا كقوله تعالى: * (قد أفلح من تزكى) * (1) فإنا آية مكية، وصدقة الفطر مدنية. اه. (قوله: وحج - صلى الله عليه وسلم - إلخ) وكذلك اعتمر - صلى الله عليه وسلم - قبلها عمرا لا يدري عددها، وأما بعدها: فعمرة في رجب - كما قاله ابن عمر، وإن أنكرته عائشة، لأنه مثبت - وثلاثا - بل أربعا - في ذي القعدة: لأنه في حجة الوداع، كان في آخر أمره قارنا، وعمرة في شوال - كما صح في أبي داود - وعمرة في رمضان - كما في البيهقي، كذا في عبد الرؤوف. (قوله: حججا لا يدرى عددها) قال في التحفة: وتسمية هذه حججا إنما هو باعتبار الصورة، إذ لم تكن على قوانين الحج الشرعي باعتبار ما كانوا يفعلونه من النسئ وغيره، بل قيل في حجة أبي بكر في التاسعة ذلك، لكن الوجه خلافه، لانه - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر إلا بحج شرعي، وكذا يقال في الثامنة التي أمر فيها عتاب بن أسيد أمير مكة، وبعدها حجة الوداع لا غير. اه. وكتب ابن سم ما نصه: قوله: وتسمية هذه حججا: إنما هو باعتبار الصورة أقول: قضية صنيعه أن حجه عليه الصلاة والسلام بعد النبوة قبل الهجرة لم يكن حجا شرعيا، وهو مشكل جدا. اه.

_ (1) الاعلى: 14

وبعدها حجة الوداع لا غير. وورد: من حج هذا البيت، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه قال شيخنا في حاشية ـــــــــــــــــــــــــــــ وكتب ع ش ما نصه: أقول وقد يقال لا إشكال فيه، لأن فعله - صلى الله عليه وسلم - بعد النبوة قبل فرضه لم يكن شرعيا بهذا الوجه الذي استقر عليه الأمر. فيحمل قول حجر، إذ لم يكن على قوانين الشرع إلخ، على أنه لم يكن على قوانين الشرع بهذه الكيفية. اه. قال العلامة باقشير. قوله: على قوانين إلخ. كأن المراد بقوانين الحج الشرعي: هو ما استقر عليه، فلا ينافي أن ما فعله أو أمر به شرعي. اه. وكتب السيد عمر البصري على قوله بل قيل في حجة أبي بكر الخ ما نصه: قال في الخادم حج أبي بكر رضي الله عنه في التاسعة كان في ذي القعدة لأجل النسئ، وكان بتقرير من الشرع، ثم نسخ بحجة الوداع. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الزمان قد استدار إلخ. اه. ما في الخادم. ونقله الفاضل عميرة وأقره، وهو واضح لا غبار عليه. ولا يرد عليه قول الشارح رحمه الله تعالى، لأنه - صلى الله عليه وسلم - الخ. اه. وقوله لاجل النسئ: هو فعيل بمعنى مفعول، من قولك نسأت الشئ، فهو منسوء، إذا أخرته. ومعنى النسئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية: هو أنه كانت العرب تحرم القتال في الأشهر الحرم، فإذا احتاجوا إلى القتال فيها قاتلوا فيها وحرموا غيرها، فإذا قاتلوا في المحرم حرموا بدله شهر صفر، وهكذا في غيره. وكان الذي يحملهم على هذا: أن كثيرا منهم إنما كانوا يعيشون بإغارة بعضهم على بعض، ونهب ما يمكن نهبه من أموال من يغيرون عليه، ويقع بينهم بسبب ذلك القتال، وكانت الأشهر الثلاثة المسرودة يضر بهم تواليها، وتشتد حاجتهم، وتعظم فاقتهم، فيحلون بعضها، ويحرمون مكانه بقدره من غير الأشهر الحرم، فأنزل الله تعالى القرآن بتحريمه وعده من أنواع الكفر، فقال سبحانه وتعالى: * (إنما النسئ زيادة في الكفر) * (1) (قوله: وبعدها إلخ) أي وحج بعد الهجرة حجة الوداع لا غيرها. (قوله: خرج من ذنوبه) قال ابن علان: الصغائر والكبائر والتبعات - كما يؤذن به عموم الجمع المضاف، وجاء التصريح بهما في رواية - وألف الحافظ ابن حجر في ذلك جزءا أسماه (قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج) وأفتى به الشهاب الرملي. وحمله ولده على من مات فيه أو بعده وقبل تمكنه من الوفاء. قال الشيخ محمد الحطاب المالكي - نقلا عن ابن خليل المكي شيخ المحب الطبري - أوائل مناسكه: قال مشايخنا المتقدمون: إن الضمان من الله بالمظالم والتبعات - والله أعلم - إنما ينزل على التائب الذي ليس بمصر، وقد يتعذر ردها إلى صاحبها والتحلل منه. اه. وألف فيه السيد بادشاه الحنفي جزءا. قال الشارح - يعني ابن حجر - لكن ظاهر كلامهم يخالفه، والأول أوفق بظاهر السنة، والثاني أوفق بالقواعد، ويؤيده ما في المجموع عن القاضي عياض: غفران الصغائر فقط مذهب أهل السنة، والكبائر لا يكفرها إلا التوبة أو رحمه الله تعالى. وعن الإمام مالك أن ذلك عام في كل ما ورد، واستدل له المصنف بخبر مسلم فيمن أحسن وضوءه وصلاته كانت كفارة لما قبله من الذنوب ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله، وبه يرد قول مجلي رد الكلام الإمام، وهذا الحكم يحتاج لدليل، وفضل الله واسع. ويرد أيضا - كما قال إبن عبد البر - بأنه جهل وموافقة للمرجئة في قولهم، ولو كان كما زعموا لم يكن للأمر بالتوبة معنى، وقد أجمع المسلمون أنها فرض، والفرض لا يصح شئ منه إلا بالقصد. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. لكن ربما أثرت هذه الطاعات في القلب، فحملت على التوبة. وحديث العباس بن مرداس أنه - صلى الله عليه وسلم -: دعا لأمته عشية عرفة بالعفو حتى عن المظالم والدماء فلم يستجب له، ثم دعا لهم صبيحة مزدلفة فاستجيب له حتى عن المظالم والدماء. وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحك من جزع الشيطان. رواه ابن ماجة وأبو داود ولم يضعفه. وإيراد ابن الجوزي له في الموضوعات رده الحافظ ابن حجر في قوة الحجاج إلى أن قال: وأحسن منه - أي من تضعيفه - أنه ليس في الحديث

_ (1) التوبة: 37

الايضاح: قوله: كيوم ولدته أمه - يشمل التبعات. وورد التصريح به في رواية، وأفتى به بعض مشايخنا، لكن ظاهر كلامهم يخالفه، والاول أوفق بظواهر السنة، والثاني أوفق بالقواعد. ثم رأيت بعض المحققين نقل ـــــــــــــــــــــــــــــ تعرض لما الكلام فيه من تكفير الحج الكبائر والتبعات، إنما فيه أن الله استجاب دعاء نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالعفو عن جميع الذنوب بأنواعها، فإن كان المراد الحاضر من الأمة حينئذ، فظاهر عدم دلالته على المطلوب، وإن كان أمته مطلقا، فكذلك، إذ ليس في الحديث أن غفرانهم عن الحج إنما فيه إجابة لدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودلالته على المدعي تتوقف على ثبوت أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد بالأمة الحاج منهم كل عام، وفي ثبوت ذلك بعد أي بعد. اه. كلام ابن علان. وجزم المصنف - أي ابن حجر - في الحاشية بضعف حديث العباس ابن مرداس، فقال: ضعف البخاري وابن ماجه اثنين من رواته. وقال ابن الجوزي أنه لا يصح، تفرد به عبد العزيز ولم يتابع عليه. قال ابن حبان: وكان يحدث على التوهم والحسبان، فبطل الاحتجاج به. اه. وفي حاشية الشيخ باعشن على الونائي ما نصه: وحاصله أن ابن المنذر وجماعة حملوا التكفير في هذا ونحوه على ما يعم الصغائر والكبائر أخذا بإطلاق النصوص، وأن بعضهم - ومنهم العلامة ابن حجر - قيدها بالصغائر حملا للمطلق على المقيد، وعملا بما نقل من الإجماع، لكن في الإجماع نظر، إذ لو كان ثابتا لما جهله ابن المنذر وغيره من أكابر المتقدمين والمتأخرين، وحمل المطلق على المقيد إنما يكون فيما لم يرد فيه تصريح ينافي الحمل المذكور. ومن ثم قال العلامة الكردي: والذي يظهر أن ما صرحت به الأحاديث - من أنه يكفر الكبائر - لا ينبغي التوقف فيه بأنه يكفرها، وما أطلقت الأحاديث فيه يبقى الكلام فيه. قال: وملت في الأصل إلى أن الإطلاق يشمل الكبائر، والفضل واسع، وما ذكره موافق للجمال الرملي. اه. من حاشية سيدنا وشيخنا السيد أحمد دحلان على عبد الرؤوف الزمزمي في المناسك. وفي حاشية البجيرمي على الإقناع ما نصه: والحج يكفر الصغائر والكبائر، حتى التبعات على المعتمد، إن مات في حجه أو بعده وقبل تمكنه من أدائها. كما قاله زي. قال ع ش: وتكفيره لما ذكر: إنما هو لإثم الإقدام، لا لسقوط حقوق الآدميين - بمعنى أنه إذا غصب مالا، أو قتل نفسا ظلما عدوانا، غفر له إثم الإقدام على ما ذكر، ووجب عليه القود، ورد المغصوب إن تمكن، وإلا فأمره إلى الله تعالى في الآخرة. ومثله سائر حقوق الآدميين، وهو بعيد مخالف لكلام الزيادي، وكلام الزيادي هو المشهور. وسئل الرملي عن مرتكب الكبائر الذي لم يتب منا إذا حج، هل يسقط وصف الفسق وأثره كرد الشهادة، أو يتوقف على ذلك توبة؟ فأجاب بأنه يتوقف على التوبة مما فسق به. وعبارة الرحماني: ولو قلنا بتكفير الصغائر والكبائر، إنما هو بالنسبة لأمور الآخرة حتى لو أراد الشهادة بعده فلا بد من التوبة، والاستبراء سنة. اه. بتصرف. (قوله: كيوم ولدته أمه) أي خرج منها خروجا مثل خروجه يوم ولدته أمه، أو خرج منها حال كونه مشابها لنفسه يوم ولادته في البراءة، فهو إما صفة لمصدر محذوف، أو في محل نصب على الحال. (قوله: يشمل التبعات) جمع تبعة بضمة بين فتحتين، وهي حق الآدمي صغيرة أو كبيرة. اه. عبد الرؤوف. والضبط المذكور خلاف ما في القاموس، فإن الذي فيه كفرحة وكتابة، وكذا خلاف ما في المصباح، فإن الذي فيه ككلمة تأمل. (قوله: وورد التصريح به) أي بلفظ التبعات. (قوله: وأفتى به) أي بشموله للتبعات. (قوله: لكن ظاهر كلامهم) أي الفقهاء. (وقوله: يخالفه) أي ما ذكر من شموله للتبعات. (قوله: والأول) أي شموله للتبعات. (وقوله: أوفق بظواهر السنة) منها الحديث المتقدم، وهو حديث العباس بن مرداس، وقد تقدم ما فيه. قال العلامة عبد الرؤوف: على أن الحديث مؤول بحمله على أنه يرجى لبعض الحجاج - إن الله يرضى عنه خصماءه. (قوله: والثاني) أي عدم شموله لها المراد من قوله، لكن ظاهر كلامهم يخالفه. (وقوله: أوفق بالقواعد) فإن القاعدة أن حق الله مبني على المسامحة، وحق الآدمي مبني على المشاحة، فلا يخرج منه

الاجماع عليه، وبه يندفع الافتاء المذكور تمسكا بالظواهر. (والعمرة) وهي لغة: زيادة مكان عامر. وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي. (يجبان) أي الحج والعمرة - ولا يغني عنها الحج وإن اشتمل عليها. وخبر: سئل (ص) عن العمرة، أواجبة هي؟ قال: لا ضعيف اتفاقا، وإن صححه الترمذي. (على) كل مسلم، (مكلف) أي بالغ، عاقل، (حر): فلا يجبان على صبي ومجنون، ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا برضاه. (قوله: ونقل الإجماع عليه) أي على الثاني. وفي نقل الإجماع نظر، كما تقدم عن باعشن. (قوله: وبه يندفع) أي وبالإجماع يندفع الإفتاء المذكور. أي بشموله للتبعات. (وقوله: تمسكا بالظواهر) علة الإفتاء. (قوله: والعمرة) بالجر، عطف على الحج. أي باب في بيان الحج وبيان العمرة، وهي بضم العين مع ضم الميم وإسكانها، وبفتح العين وإسكانها. (قوله: وهي لغة: زيارة مكان عامر) أي ولذلك سميت عمرة. وقيل سميت بها لأنها تفعل في العمر كله. (قوله: وشرعا: قصد الكعبة إلخ) وقيل نفس الأعمال الآتية - كما تقدم في الحج - (وقوله: للنسك الآتي) أي الأعمال الآتية، من إحرام، وطواف، وسعي، وحلق - أو تقصير -. (فإن قلت): كلامه يقتضي اتحاد الحج والعمرة، إذ كل منهما قصد الكعبة للنسك. (قلت) لا، لأن تقييده في تعريف كل بلفظ الآتي يدفع الاتحاد، إذ النسك الآتي في تعريف الحج غير النسك الآتي في تعريف العمرة، فما وعد بإتيانه في كل تعريف يخرج الآخر. (قوله: يجبان إلخ) أي وجوبا عينيا على من ذكر. أما الحج فإجماعا، بل معلوم من الدين بالضرورة، ومن أركان الإسلام. وأما العمرة فعلى الأظهر، لما صح: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله: هل على النساء جهاد؟ قال: نعم. جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة. ويجبان أيضا - وجوبا كفائيا - كل سنة لإحياء الكعبة المشرفة على الأحرار البالغين، ولا يسقط بفعل غيرهم، وقيل يسقط، قياسا على الجهاد وصلاة الجنازة. ويسنان من الأرقاء والصبيان والمجانين. (واعلم) أن لهما خمس مراتب: صحة مطلقا - أي لم تقيد بمباشرة وغيرها - وصحة مباشرة، ووقوع عن النذر، ووقوع عن حجة الإسلام، وصحة وجوب. ولكل مرتبة شروط. واقتصر المؤلف - رحمه الله تعالى - على شروط مرتبة الوجوب - فيشترط للأولى: الوقت، والإسلام. فلولي المال أن يحرم عن الصغير - كما سيأتي -. ويشترط للثانية معهما: التمييز، ومعرفة الكيفية، والعلم بالأعمال. بأن يأتي بها عالما أنه يفعلها عن النسك. ويشترط للثالثة مع ما ذكر: البلوغ، والعقل، وإن لم يكن حرا فيصح نذر الرقيق الحج. ويشترط للرابعة مع ذكر: الحرية، وإن لم يكن مستطيعا، فلو تكلف الفقير وحج حجة الإسلام صح، ووقع عنها. ويشترط للخامسة مع ما ذكر: الاستطاعة. (قوله: ولا يغني عنها الحج) أي لا يقوم مقام العمرة الحج، لأن كلا أصل قصد منه ما لم يقصد من الآخر - ألا ترى أن لها مواقيت غير مواقيت الحج، وزمنا غير زمن الحج؟ وحينئذ فلا يشكل بإجزاء الغسل عن الوضوء، لأن كل ما قصد به الوضوء موجود في الغسل. اه. تحفة. (قوله: وإن اشتمل) أي الحج. (وقوله: عليها) أي العمرة. وذلك لأن أركان العمرة هي أركان الحج، ما عدا الوقوف. والغاية لعدم الاستغناء بالحج عنها. (قوله: وخبر) مبتدأ. مضاف إلى جملة سئل إلخ إضافة بيانية. (قوله: ضعيف) خبر المبتدأ. (وقوله: اتفاقا) أي أن ضعفه ثابت باتفاق الحفاظ. (قوله: وإن صححه الترمذي) أي فلا يغتر بقوله. وعبارة المغني: وأما خبر الترمذي عن جابر سئل إلخ، فضعيف. قال في المجموع: اتفق الحفاظ على ضعفه، ولا يغتر بقول الترمذي فيه حسن صحيح. وقال ابن حزم إنه باطل. قال أصحابنا: ولو صح، لم يلزم منه عدم وجوبها مطلقا، لاحتمال أن المراد ليست واجبة على السائل لعدم استطاعته. اه. (قوله: على كل مسلم) قيد أول خرج به الكافر الأصلي، فلا يجبان عليه وجوب مطالبة بهما في الدنيا، حتى لو أسلم وهو معسر بعد استطاعته في الكفر، فإنه لا أثر لها. أما المرتد، فيخاطب بهما في ردته، حتى لو استطاع ثم أسلم لزمه الحج، وإن افتقر. فإن أخره حتى مات حج عنه من تركته - هذا إذا أسلم، فإن لم يسلم ومات على ردته: لا يقضيان عنه. وكما لا يجبان على الكافر، لا يصحان منه، ولا عنه، لعدم أهليته للعبادة. (قوله: مكلف) صفة لمسلم، وهو قيد ثان. (قوله:

ولا على رقيق. فنسك غير المكلف - ومن فيه رق - يقع نفلا - لا فرضا (مستطيع) للحج، بوجدان الزاد ذهابا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي بالغ عاقل) تفسير لمكلف. (قوله: حر) أي كله ولو بالتين. وإن كان حال الفعل قنا ظاهرا - كما في التحفة - وهو قيد ثالث. (قوله: فلا يجبان على صبي ومجنون ولا على رقيق) أي لنقصهم. والحج والعمرة إنما يجبان في العمر مرة واحدة، فاعتبر الكمال فيهما. وأيضا الرقيق منافعه مستحقة لسيده، فليس مستطيعا. وأخذ الشارح محترز بالغ وعاقل وحر ولم يأخذ محترز ما زاده - وهو مسلم - وكان الأولى ذكره أيضا، وقد علمته. (قوله: فنسك الخ) مفرع على عدم وجوبهما على الصبي ومن بعده. يعني وإذا لم يجبا على هؤلاء، فالنسك الواقع منهم يقع نفلا - أي يصح، ويقع تطوعا - لكن بشرط أن يتموه في الصبا والجنون والرق، فلو بلغ الصبي أو عتق وهو بعرفة، وأدرك من وقت الوقوف زمنا يعتد به في الوقوف، أو بعد إفاضته من عرفة ثم عاد إليها قبل خروج الوقت، أجزأته تلك الحجة عن فرض الإسلام، ولا دم عليه بوقوع إحرامه حال النقص، وإن لم يعد للميقات بعد الكمال، نعم، يجب عليه إعادة السعي بعد طواف الإفاضة إن كان قد سعى بعد طواف القدوم وطواف العمرة كالوقوف، فإن بلغ، أو عتق قبله، أو فيه، أجزأته تلك العمرة عن عمرة الإسلام، لكنه يعيد بعض الطواف الذي تقدم على البلوغ أو العتق. فإن بلغ أو عتق بعد تمام الطواف، فالذي اعتمده في النهاية أنه يعيده، ويجزئه عن عمرة الإسلام. وإفاقة المجنون بعد الإحرام عنه كبلوغ الصبي وعتق الرقيق في جميع ما ذكر. (فائدة) الصبي إذا كان غير مميز يحرم عنه وليه، وإذا كان مميزا فهو مخير بين أن يحرم عنه أو يأذن له في ذلك. ومثل الصبي: المجنون - فيجوز للولي أن يحرم عنه - ولو طرأ جنونه بعد البلوغ. وكذا المغمى عليه - إن لم يرج زوال إغمائه قبل فوات الوقوف - وإلا فلا يصح الإحرام عنه. وأما الرقيق، فإن كان صغيرا: فللولي أن يحرم عنه، أو يأذن له إذا كان مميزا. فإن كان بالغا فله أن يحرم بنفسه، ولو من غير إذن سيده، وإن كان له إذا لم يأذن له أن يحلله ولا يجوز لسيده أن يحرم عنه. وصفة إحرام من ذكر عمن ذكر: أن ينوي جعله محرما بأن يقول: جعلته محرما، أو يقول - كما في الروض وشرحه - أحرمت عنه، ثم يلبي ندبا. وحيث صار المولى محرما: أحضره وليه سائر المواقف: وجوبا في الواجب، وندبا في المندوب. ويفعل عنه ما لا يمكن منه - كالرمي - بعد رمي نفسه، ويصلي عنه سنتي الطواف والإحرام. ويشترط في الطواف طهرهما عن الحدث والخبث - كما اعتمداه في التحفة والنهاية -. قال الكردي: وظاهر أن الولي إنما يفعلهما - أي الطواف والسعي - به بعد فعله عن نفسه - كما تقدم في الرمي -. اه. هذا إذا كان غير مميز، فإن كان مميزا طاف، وصلى، وسعى، وحضر المواقف، ورمى الأحجار بنفسه. ثم إن الولي يغرم واجبا بإحرام، كدم تمتع، وقران، وفوات، وكفدية شئ من محظوراته إن ارتكبها المميز. أما غيره، فلا فدية في ارتكابه محظورا على أحد. ويغرم الولي زيادة النفقة بسبب السفر، ولو قبل صيرورته محرما. (قوله: مستطيع) قيد رابع. وإنما شرطت الاستطاعة، لقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * قال ابن عباس - رضي الله عنهما - والاستطاعة: أن يكون قادرا على الزاد والراحلة، وأن يصح بدن العبد، وأن يكون الطريق آمنا. ثم إن الاستطاعة نوعان: أحدهما: استطاعة مباشرة، وهذه يقال لها استطاعة بالبدن والمال، ولها أحد عشر شرطا - يؤخذ غالبها من كلام المصنف رحمه الله تعالى -. الأول: وجود مؤن السفر ذهابا وإيابا. الثاني: وجود الراحلة مع وجود شق محمل لمن لا يقدر على الراحلة: الثالث: أمن الطريق. الرابع: وجود الماء والزاد في المواضع التي يعتاد حملهما منها بثمن مثله. الخامس: خروج زوج أو محرم مع المرأة. السادس: أن يثبت على الراحلة بلا مشقة شديدة. السابع: وجود ما مر من

_ (1) آل عمران: 97

وإيابا، وأجرة خفير - أي مجير يأمن معه - والراحلة - أو ثمنها: إن كان بينه وبين مكة مرحلتان أو دونهما وضعف عن المشي - مع نفقة من يجب عليه نفقته وكسوته إلى الرجوع. ويشترط أيضا للوجوب: أمن الطريق على ـــــــــــــــــــــــــــــ الزاد وغيره وقت خروج الناس من بلده. الثامن: أن يبقى بعد الاستطاعة زمن يمكنه الوصول فيه إلى مكة باليسر المعتاد: التاسع: أن يجد رفقة حيث لم يأمن وحده. العاشر: أن يجد ما مر بمال حاصل عنده أو بدين حال على ملئ. الحادي عشر: أن يجد الأعمى قائدا يقوده ويهديه عند ركوبه ونزوله - ولو بأجرة مثل قدر عليها -. ثانيهما: استطاعة بإنابة الغير عنه، وهذه يقال لها استطاعة بالمال فقط، وإنما تكون في ميت ومعضوب. وقد بينها بقوله: فرع، تجب إنابة الخ. ثم إنه إذا استطاع ثم افتقر، لزمه التكسب والمشي إن قدر عليه، ولا يلزمه السؤال، خلافا للإحياء. والفرق: أن أكثر النفوس تسمح بالتكسب - لا سيما عند الضرورة - دون السؤال. (قوله: للحج) متعلق بمستطيع، واقتصر عليه لأن الاستطاعة له تغني عنه وعن العمرة، بخلاف الاستطاعة للعمرة في غير وقت الحج، وذلك لتمكنه من القرآن في الأولى، لا الثانية. (قوله: بوجدان الزاد) تصوير وبيان للاستطاعة المفهومة من مستطيع. أي أن الاستطاعة تحصل بوجدان الزاد إلخ. ومحل ما ذكر: إذا لم يقصر سفره للنسك، بأن كان دون يومين من مكة، وكان يكتسب في أول يوم كفاية أيام الحج: وهي ما بين زوال سابع ذي الحجة، وزوال ثالث عشرة لمن لم ينفر النفر الأول، وإلا فلا يشترط وجدان ذلك، بل يلزمه النسك لقلة المشقة. (وقوله: ذهابا وإيابا) أي مدة ذهابه وإيابه، وكذا مدة إقامته بمكة أو غيرها، وتعتبر مؤنة الإياب، وإن لم يكن له ببلده أهل وعشيرة، ومحل هذا - كما في التحفة - فيمن له وطن ونوى الرجوع إليه أو لم ينو شيئا، فمن لا وطن له، وله بالحجاز ما يقيته، لا تعتبر في حقه مؤنة الإياب قطعا، لاستواء سائر البلاد إليه، وكذا من نوى الاستطيان بمكة أو قر بها. (قوله: وأجرة خفير) بالجر، عطف على الزاد. أي وبوجدان أجرة خفير. (وقوله: أي مجير) بيان لمعنى حفير. أي أن معناه هو المجير، أي الذي يجير ويحرس ويحمي الركب من طالبيه. قال في المصباح: خفرته: حميته من طالبيه، فأنا خفير. والاسم: الخفارة - بضم الخاء وكسرها - والخفارة مثلثة الخاء. جعل الخفير. اه. (وقوله: يأمن) أي مريد النسك على نفسه وماله وبضعه. (وقوله: معه) أي المجير. (قوله: والراحلة) معطوف على الزاد أيضا. أي وبوجدان الراحلة. وأصل الراحلة الناقة الصالحة للحمل. والمراد بها هنا كل ما يصلح للركوب عليه بالنسبة لطريقه الذي يسلكه، ولو نحو بغل وحمار وبقر، وإن لم يلق به ركوبه عند ابن حجر. وتشترط الراحلة، وإن كان قادرا على المشي، وشرط زيادة على الراحلة لأنثى وخنثى، ورجل متضرر بركوب الراحلة قدرة على شق محمل، وعلى شريك يليق به يعادله في الشق الآخر، فإن تضرروا بمحمل، اعتبر محارة كالشقدف، فمحفة وهي المعروفة بالتخت فسرير يحمله رجال، فالحمل على أعناق الرجال. (وقوله: أو ثمنها) أي أو بوجدان ثمن الراحلة، أي أو وجدان أجرتها، فلا فرق في استطاعة الراحلة بين أن تكون هي عنده أو يكون عنده ثمنها أو أجرتها. (قوله: إن كان الخ) قيد في اشتراط وجدان الراحلة. (وقوله: بينه) أي مريد النسك. (وقوله: مرحلتان) أي فأكثر، وإن أطاق المشي. نعم، ليس له المشي حينئذ، خروجا من خلاف من أوجبه. (قوله: أو دونهما الخ) أي أو كان بينه وبين مكة دون مرحلتين، والحال أنه قد ضعف عن المشي، فإن قوي عليه بأن لم تحصل به مشقة تبيح التيمم فلا يعتبر في حقه الراحلة وما يتعلق بها. (قوله: مع نفقة من يجب الخ) الظرف متعلق بوجدان، أو بمحذوف صفة للراد وما عطف عليه، أي وتعتبر الاستطاعة بوجدان الزاد مع وجدان نفقة من تجب عليه نفقته. والمراد بالنفقة المؤنة. ولو عبر بها لكان أولى، لتشمل الكسوة، والخدمة والسكنى، وإعفاف الأب، وثمن دواء، وأجرة طبيب. والمراد بمن تجب عليه نفقته الزوجة، والقريب، والمملوك المحتاج لخدمته، وأهل الضرورات من المسلمين ولو من غير أقاربه لما ذكروه في السير من أن دفع ضرورات المسلمين بإطعام جائع، وكسوة عار، ونحوهما فرض على من ملك أكثر من كفاية سنة. وقد أهمل هذا غالب الناس، حتى من ينتمي إلى الصلاح (وقوله: وكسوته) بالرفع

النفس والمال، ولو من رصدي، وإن قل ما يأخذه، وغلبة السلامة لراكب البحر، فإن غلب الهلاك - لهيجان الامواج في بعض الاحوال - أو استويا: لم يجب، بل يحرم الركوب فيه له ولغيره. وشرط للوجوب على المرأة - مع ما ذكر - أن يخرج معها محرم، أو زوج، أو نسوة ثقات، ولو إماء، وذلك ـــــــــــــــــــــــــــــ عطف على نفقته الثانية، وبالجر عطف على الأولى. وعلى كل، في كلامه الحذف إما من الأول، أو من الثاني. (وقوله: إلى الرجوع) متعلق بمحذوف أي ويعتبر وجدان نفقة من ذكر من الذهاب إلى الرجوع. (قوله: ويشترط أيضا للوجوب) أي وجوب النسك. ولا يخفى أن هذا من شروط الاستطاعة التي هي شرط للوجوب. فلو قال: ومع أمن الطريق عطفا على مع نفقة لكان أولى وأنسب. (قوله: أمن الطريق إلخ) أي أمنا لائقا بالسفر، وهو دون أمن الحضر، ولو كان أمنه ظنا، ولو كان بخفير بأجرة مثله. وخرج بالأمن على ما ذكر الخوف عليه من سبع أو غيره، فلا يجب عليه النسك حينئذ، لعدم الاستطاعة. (وقوله: على النفس) أي له ولغيره. (وقوله: والمال) أي ويشترط أمن الطريق على المال، لكن بشرطين: أن يحتاج إليه للنفقة والمؤنة، وأن يكون له لا لغيره. فلو أراد استصحاب مال خطير للتجارة أو نحوها، وكان يأمن عليه لو تركه في بلده، فإنه لا يعتبر الخوف عليه، ولا يعد عذرا، وكذلك لو أراد استصحاب مال غيره إن لم يجب عليه حفظه والسفر به. فإن وجب عليه حفظه والسفر به كوديعة فكماله. ومثل النفس المال، والبضع، وجميع ما يحتاج لاستصحابه لسفره، فإن خاف على شئ منها لم يلزمه النسك للضرر وإن اختص الخوف به. (قوله: ولو من رصدي) غاية في اشتراط الأمن: أي يشترط الأمن حتى من الرصدي، وهو بفتح الصاد وسكونها الذي يرصد الناس أي يرقبهم في الطريق أو القرى ليأخذ منهم شيئا ظلما. (قوله: وإن قل ما يأخذه) أي الرصدي، وهو غاية في اشتراط أمن الطريق. أي يشترط ما ذكر، وإن كان المال الذي يأخذه الرصدي شيئا يسيرا. قال في شرح المنهج: ويكره بذل المال لهم أي المترصدين لأنه يحرضهم على التعرض للناس، سواء كانوا مسلمين أم كفارا لكن إن كانوا كفارا وأطاق الخائفون مقاومتهم سن لهم أن يخرجوا للنسك ويقاتلوهم لينالوا ثواب النسك والجهاد اه. وكتب البجيرمي قوله ويكره بذل المال أي قبل الاحرام أما بعده فلا يكره اه قوله وغلبة السلامة معطوف على أمن الطريق أي ويشترط أيضا غلبة السلامة لراكب البحر أي عند أهل البحر العارفين به قال في التحفة وظاهر تعبيرهم بغلبة السلامة أنه لو اعتيد في ذلك الزمن الذي يسافر فيه أنه يغرق فيه تسعة ويسلم عشرة لزم ركوبه ويؤيده الحاقهم الاستواء بغلبة الهلاك ولا يخلو عن بعد فلو قيل المعتبر العرف فلا يكتفي بتفاوت الواحد ونحوه لم يبعد ويؤيده ما يأتي في الفرار عن الصف وعليه فالمراد الاستواء العرفي أيضا لا الحقيقي وخرج بالبحر الأنهار العظيمة كجيحون والنيل فيجب ركوبها قطعا لأن المقام فيها لا يطول والخوف لا يعظم وقول الأذرعي محله إذا كان يقطعها عرضا وإلا فهي في كثير من الأوقات كالبحر وأخطر مردود بأن البر فيها قريب أي غالبا فيسهل الخروج إليه اه بتصرف قوله فإن غلب الهلاك هو وما بعده محترز غلبة السلامة وقوله لهيجان الأمواج أي أو لخصوص ذلك البحر وقوله في بعض الأحوال أي الأوقات قوله أو استويا أي السلامة والهلاك ومثله جهل الحال كما في البجيرمي قوله لم يجب أي ركوب البحر بدليل الاضراب بعده ويحتمل لم يجب أي الحج أي لم يلزمه قوله بل يحرم الخ الاضراب انتقالي وقوله فيه أي في البحر قوله له ولغيره أي للحج ولغير الحج قوله وشرط للوجوب أي وجوب الحج ولو قال وشرط للاستطاعة في المرأة الخ لكان أولى قوله مع ما ذكر أي من وجدان الزاد والراحلة وأمن الطريق وغيرها مما تقدم وقوله أن يخرج معها محرم أي بنسب أو رضاع أو مصاهرة ولو فاسقا لأنه مع فسقه يغار عليها من مواقع الريب وقوله أو زوج أي ولو فاسقا لما تقدم وألحق بهما جمع عبدها الثقة إذا كانت هي ثقة أيضا والأجنبي الممسوح الذي لم يبق فيه شهوة للنساء قوله أو نسوة ثقاة بأن بلغن وجمعن صفات العدالة قال في التحفة ويتجه الاكتفاء بالمراهقات بقيده السابق وبمحارم فسقهن بغير نحو زنا أو قيادة ونحو ذلك ثم قال لكن نازع جمع في اشتراط ثلاث المصرح به كلامهما وقالوا ينبغي الاكتفاء بثنتين ويجاب بأن

لحرمة سفرها وحدها، وإن قصر، أو كانت في قافلة عظيمة، ولها - بلا وجوب - أن تخرج مع امرأة ثقة لاداء فرض الاسلام، وليس لها الخروج لتطوع، ولو مع نسوة كثيرة، وإن قصر السفر، أو كانت شوهاء. وقد صرحوا بأنه يحرم على المكية التطوع بالعمرة من التنعيم مع النساء، خلافا لمن نازع فيه (مرة) واحدة في العمر (بتراخ) لا على الفور. نعم، إنما يجوز التأخير بشرط العزم على الفعل في المستقبل، وأن لا يتضيقا عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ خطر السفر اقتضى الاحتياط في ذلك على أنه قد يعرض لأحداهن حاجة تبرز ونحوه فيذهب اثنتان وتبقى اثنتان ولو اكتفى بثنتين لذهبت واحدة وحدها فيخشى عليها اه قوله وذلك أي اشتراط خروج من ذكر معها وقوله لحرمة سفرها وحدها أي لخبر الصحيحين لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو محرم وفي رواية لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم وفي رواية بريدا إلا ومعها محرم وقوله يومين في الرواية الأولى وثلاثة أيام في الرواية الثانية وبريدا في الثالثة ليس قيد أو المراد كل ما يسمى سفرا سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا أو غير ذلك لرواية ابن عباس المطلقة لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا قوله وإن قصر أي السفر وهو غاية لحرمة السفر وحدها قوله أو كانت أي المرأة وهو معطوف على قصر فهو غاية ثانية قوله ولها بلا وجوب الخ أفاد بهذا أن اشتراط جمع من النسوة الثقاة إنما هو للوجوب أما الجواز فلها أن تخرج مع امرأة واحدة ثقة ولها أيضا أن تخرج وحدها إذا تيقنت الأمن على نفسها كما في المغنى وعبارته تنبيه ما جزم به المصنف من اشتراط النسوة هو شرط للوجوب أما الجواز فيجوز لها أن تخرج لاداء حجة الاسلام مع المرأة الثقة على الصحيح في شرحي المهذب ومسلم قال الإسنوي فافهمه فإنهما مسألتان إحداهما شرط وجوب حجة الاسلام والثانية شرط جواز الخروج لا دائها اشتبهتا على كثير حتى توهموا اختلاف كلام المصنف في ذلك وكذا يجوز لها الخروج وحدها إذا أمنت وعليه حمل ما دل من الأخبار على جواز السفر وحدها قوله لاداء فرض الاسلام مثله لنذر والقضاء كما في التحفة قوله وليس لها الخروج لتطوع أي كنسك تطوع أو غيره من الاسفار التي لا تجب قال في التحفة نعم لو مات نحو المحرم وهو في تطوع فلها اتمامه اه. قوله وإن قصر السفر غاية في امتناع خروجها للتطوع وقوله أو كانت شوهاء أي قبيحة المنظر وهو معطوف على قصر فهو غاية ثانية قوله وقد صرحوا الخ لا حاجة إليه بعد قوله وإن قصر السفر إذ هو صادق به ويمكن أن يقال أنه ساقه كالتأييد له وعبارة التحفة أما النفل فليس لها الخروج له مع نسوة وإن كثرن حتى يحرم على المكية الخ اه. وقوله يحرم على المكية التطوع بالعمرة والحيلة إذا أرادت العمرة أن تنذر التطوع فحينئذ لا يحرم عليها الخروج لأنها صارت واجبة قوله خلافا لمن نازع فيه أي في تحريم خروج المكية للتنعيم قوله مرة واحدة وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - لم يحج بعد فرض الحج إلا مرة واحدة وهي حجة الوداع ولخبر أبي هريرة رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال لو قلت نعم لوجب ولما استطعتم. رواه مسلم. ولخبر الدارقطني بإسناد صحيح عن سراقة قال قلت يا رسول الله عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فقال لا بل للأبد وأما حديث البيهقي الآمر بالحج في كل خمسة أعوام فمحمول على الندب لقوله - صلى الله عليه وسلم - من حج حجة أدى فرضه ومن حج حجة ثانية داين ربه ومن حج ثلاث حجج حرم الله شعره وبشره على النار قيل أن رجلا قتل وأوقد عليه طول الليل فلم تعمل فيه وبقي أبيض اللون فسألوا سعدون الخولاني عن ذلك فقال لعله حج ثلاث حجج قالوا نعم قوله بتراخ لا يصح تعلقه فيجبان لأنهما وجبا على المستطيع حالا والتراخي في الفعل بل متعلق بمحذوف أي ويفعلان بعد استكمال شروط الوجوب على التراخي وذلك لأن الحج وجب سنة ست وأخره النبي - صلى الله عليه وسلم -

بنذر، أو قضاء، أو خوف عضب، أو تلف مال بقرينة، ولو ضعيفة. وقيل يجب - على القادر - أن لا يترك الحج في كل خمس سنين - لخبر فيه. (فرع) تجب إنابة عن ميت عليه نسك من تركته - كما تقضى منه ديونه - فلو لم تكن له تركة، سن لوارثه أن ـــــــــــــــــــــــــــــ مع مياسير أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين إلى عشرة من غير شغل يحرب ولا خوف من عدو وقيس به العمرة كذا في ابن الجمال قوله لا على الفور قال في الإيضاح هذا مذهبنا وقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى وأحمد والمزني يجب على الفور اه قوله نعم إنما يجوز التأخير الخ استدراك على قوله بتراخ الموهم أنه على الاطلاق من غير اشتراط شئ واعلم أنه إذا جاز له التأخير لو جود شروطه فأخر ومات تبين فسقه من وقت خروج قافلة بلده في آخر سنى الامكان إلى الموت فيرد ما شهد به وينقض ما حكم به قوله بشرط العزم على الفعل في المستقبل فلو لم يعزم على ما ذكر حرم عليه التأخير قوله وأن لا يتضيقا الخ معطوف على العزم أي وبشرط أن لا يتضيق عليه الحج والعمرة قوله بنذر بيان لتصوير تضيقهما أي يتصور تضيقهما بأن ينذر وقوعهما في سنة معينة كان قال الله على أن حج في هذه السنة أو أعتمر في هذه السنة فيجبان عليه بسببه فور أو إذا حج خرج من فرضه ومن نذره فيقع أصل الفعل عن الفرض والتعجيل عن النذر قال في البهجة وأجزأت فريضة الإسلام * عن نذر حج واعتمار العام قوله أو قضاء معطوف على نذر أي وان لا يتضيقا عليه بقضاء كأن أفسد حجه أو عمرته فإنه يجب عليه القضاء فورا قوله أو خوف عضب معطوف أيضا على نذر أي وان لا يتضيقا عليه بخوف عضب بقول عدلى طب أو معرفة نفسه فان تضيقا عليه بذلك حرم التأخير قال في الايضاح على الأصح اه وكتب ابن الجمال قوله على الأصح قال في شرح المهذب لأن الواجب الموسع لا يجوز تأخيره الا بشرط أن يغلب على الظن السلامة إلى وقت فعله وهذا مفقود في مسئلتنا ووجه مقابل الأصح أن أصل الحج على التراخي فلا يتغير بأمر محتمل اه قوله أن تلف مال عطف على عضب أي أو خوف تلف مال وقوله بقرينة متعلق بمحذوف صفة لخوف بالنسبة للعضب وللتلف أي خوف حاصل له بقرينة ولو كانت ضعيفة قوله وقيل يجب الخ مقابل قوله مرة واحدة قوله لخبر فيه أي لخبر وارد في وجوب الحج في كل خمسة أعوام وهو أن عبدا صححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام ولا يفد على لمحروم وفيه أن هذا الخبر لا يدل على وجوبه كل خمسة أعوام وإنما يدل على تأكد طلبه قوله تجب إنابة إلخ أي فورا وذلك لخبر البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته قالت نعم قال اقضوا حق الله فالله أحق بالوفاء شبه الحج بالدين وأمر بقضائه فدل على وجوبه وقوله عن ميت أي غير مرتد أما هو فلا تصح الإنابة عنه وهو معلوم من تعبيره بتركته إذا المرتد لا تركة له موروثة عنه لتبين زوال ملكه بالردة وقوله عليه نسك أي في ذمته نسك واجب حج أو عمرة ولو قضاء أو نذرا وذلك بأن مات بعد استقرار النسك عليه ولم يؤده وخرج بذلك ما إذا مات قبل أن يستقر عليه فلا يقضى من تركته لكن للوارث والأجنبي الحج والاحجاج عنه على المعتمد نظر إلى وقوع حجة الاسلام عنه وإن لم يكن مخاطبا بها في حياته وخرج أيضا النفل فلا يجوز التنفل عنه بالحج أو العميرة إلا أن أوصى به وقوله من تركته متعلق بإنابة وضميره يعود على الميت أي إنابة من تركته والمخاطب بها من عليه قضاء دينه من وصى فوارث فحاكم قوله كما تقضى منه ديونه الضمير الأول يعود على التركة والثاني يعود على الميت وذكر الضمير الأول باعتبار تأويل التركة بالميراث وفي بعض نسخ الخط منها وهو الأولى قوله فلو لم تكن له أي للميت وهو مقابل لمحذوف أي هذا إن كانت له تركة فلو لم تكن الخ قوله سن لوارثه أن يفعله عنه أي يفعل النسك عنه بنفسه أو

يفعله عنه، فلو فعله أجنبي، جاز، ولو بلا إذن، وعن آفاقي معضوب عاجز عن النسك بنفسه: لنحو زمانة، أو مرض لا يرجى برؤه - بأجرة مثل فضلت عما يحتاجه المعضوب يوم الاستئجار، وعما عدا مؤنة نفسه وعياله ـــــــــــــــــــــــــــــ نائبه قوله فلو فعله أي النسك من حج أو عمرة وقوله جاز أي فعل الأجنبي وتعبيره هنا بجازو في سابقه بسن يفيد عدم سنة للأجنبي وليس كذلك بل يسن له أيضا لكن الوارث يتأكد له قوله ولو بلا إذن قال في التحفة ويفرق بينه وبين توقف الصوم عنه على إذن القريب بأن هذا أشبه بالديون فأعطى حكمها بخلاف الصوم اه قوله وعن آفاقى معضوب معطوف على عن ميت أو وتجب الإنابة عن آفاقى معضوب بعين مهملة فضاد معجمة من العضب وهو القطع كأنه قطع عن كمال الحركة أو بعين فصاد مهملة من العصب كأنه قطع عصبه ووجوب الإنابة على الفور أن عضب بعد الوجوب والتمكن وعلى التراخي أن عضب قبل الوجوب أو معه أو بعده ولم يمكنه الأداء وذلك لأنه مستطيع بالمال وهي كالاستطاعة بالنفس ولخبر الصحيحين أن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله أن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم والمراد بالآفاقي هنا من كان بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر فلو كان المعضوب دون مرحلتين أو كان بمكة لزمه أن يحج بنفسه لأنه لا يتعذر عليه الركوب فيما مر من محمل فمحفة فسرير ولا نظر للمشقة عليه لاحتمالها في حد القرب وإن كانت تبيح التيمم فإن عجز عن ذلك حج عنه بعد موته من تركته كما في التحفة وفي النهاية كالمغنى عدم لزوم الحج بنفسه أن أنهاه الضنى إلى حالة لا يحتمل الحركة معها يحال فتجوز الإنابة حينئذ قال الكردي واعتمد الشارح في حاشيته على متن العباب عدم الصحة للمكي مطلقا والصحة لمن هو على دون مسافة القصر وتعذر عليه بنفسه ولو على سرير يحمله رجال اه ولو استأجر من يحج عنه فحج عنه ثم شفى لم يجزه ولم يقع عنه فلا يستحق الأجير أجرة ويقع الحج نفلا للأجير ولو حضر مكة أو عرفة في سنة حج الأجير لم يقع عنه لتعين مباشرته بنفسه ويلزمه للأجير الأجرة وفرق بينه وبين ما إذا شفى بعد حج الأجير بأنه لا تقصير منه في حق الأجير بالشفاء بخلاف الحضور فأنه بعد أن ورط الأجير مقصر به فلزمته أجرته كذا في سم عن شرح العباب قوله عاجز بالجر صفة كاشفة لمعضوب فهي كالتفسير له وضابط العاجز الذي تصح له الإنابة أن يكون بحيث لا يستطيع الثبوت على المركوب ولو على سرير يحمله رجال إلا بمشقة شديدة لا تحتمل عادة قال النووي في شرح مسلم ومذهبنا ومذهب الجمهور جواز الحج عن العاجز بموت أو عضب وهو الزمانة والهرم ونحوهما وقال مالك والليث والحسن بن صالح لا يحج أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الاسلام قال القاضي عياض وحكى عن النخعي وبعض السلف لا يصح الحج عن ميت ولا غيره وهي رواية عن مالك وإن أوصى به ثم قال النووي ويجوز الاستنابة في حجة التطوع على أصح القولين عندنا اه قوله لنحو زمانة متعلق بعاجز واللام تعليلية أي عاجز لاجل نحو زمانة وهي الابتلاء والعاهة وضعف الحركة من تتابع المرض والندرج تحت نحو الكبر والهرم وقوله أو مرض معطوف على زمانة من عطف العام على الخاص وقوله لا يرجى برؤه الجملة صفة لمرض أي لا يرجى الشفاء منه أي بقول عدلى طب أو بمعرفة نفسه إن كان عارفا قوله بإجرة مثل متعلق بإنابة مقدرة أي وتجب الإنابة عنه بوجود أجرة مثل أي أو دونها أن رضي الأجير به لا بأكثر وان قل قال في حاشية الايضاح وشرح الرملي وابن علان وغيرها يشترط في الأجير أن يكون عدلا وإلا لم تصح إنابته ولو مع المشاهدة لأن نيته لا يطلع عليها وبهذا يعلم أن هذا شرط في كل من يحج عن غيره بإجازة أو جعلة وفي فتاوى ابن حجر ما يقتضي جواز استئجار المعضوب عن نفسه فاسقا. اه. ومثل وجود أجرة المثل في وجوب الإنابة: وجود متبرع يحج عنه معضوب عدل قد حج عن نفسه. وإذا كان بعضا، اعتبر فيه كونه غير ماش، ولا معول على الكسب أو السؤال، إلا أن يكتسب في يوم كفاية أيام وكان السفر قصيرا لا وجود متطوع بمال للأجرة، فلا تجب الإنابة به لعظم المنة.

بعده، ولا يصح أن يحج عن معضوب بغير إذنه، لان الحج يفتقر للنية، والمعضوب أهل لها وللاذن. (أركانه) أي الحج: ستة. أحدها: (إحرام) به، أي بنية دخول فيه، لخبر: إنما الاعمال بالنيات. ولا يجب تلفظ بها، وتلبية، بل يسنان فيقول بقلبه ولسانه: نويت الحج، وأحرمت به لله تعالى - لبيك اللهم لبيك إلى آخره. ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أي الإجارة من حيث هي قسمان: إجارة عين - كاستأجرتك لتحج عني، أو عن ميتي بكذا ويشترط لصحتها أن يكون الأجير قادرا على الشروع في العمل، فلا يصح استئجار من لا يمكنه الشروع لنحو مرض أو خوف، أو قبل خروج القافلة، لكن لا يضر انتظار خروجها بعد الاسئجار. فالمكي ونحوه يستأجر في أشهر الحج لتمكنه من الإحرام، وغيره يستأجر عند خروجه، بحيث يصل الميقات في أشهر الحج، ويتعين فيها أن يحج الأجير بنفسه. وإجارة ذمة - كألزمت ذمتك الحج عني، أو عن ميتي - فتصح، ولو لمستقبل، بشرط حلول الأجرة وتسليمها في مجلس العقد. وله أن يحج بنفسه، وأن يحج غيره، ويجوز أن يحج عن غيره بالنفقة. واغتفر الجهالة فيه، لأنه ليس إجارة، ولا جعالة، بل إرفاق. (قوله: فضلت) أي الأجرة. (قوله: عما يحتاجه) أي من مؤنته ومؤنة عياله. (قوله: يوم الاستئجار) أي وليلته، كما في عبد الرؤوف. (قوله: وعما عدا الخ) معطوف على عما يحتاجه، أي وفضلت عما عدا مؤنة نفسه وعياله بعد يوم الاسئجار أي عما عدا نفقته ونفقة عياله بعده. فالمراد بالمؤنة هنا: خصوص النفقة، لا ما يشمل الكسوة والسكنى والخادم، وإلا لم يبق لما عداها شئ يندرج فيه، إذ المراد بما عداها ما ذكر - من الكسوة، والخادم، والسكنى، ونحوها. والحاصل يشترط في الأجرة أن تكون فاصلة عن جميع ما يحتاجه من نفقة وكسوة وخادم لنفسه أو لعياله بالنسبة ليوم الاستئجار. ويشترط أن تكون فاضلة عن جميع ما يحتاجه أيضا بالنسبة لما بعد يوم الاستئجار، ما عدا النفقة، أما هي سواء كانت لنفسه أو لعياله - فلا يشترط أن تكون الأجرة فاضلة عنها بعد يوم الاستئجار، وذلك لأنه إذا لم يفارق البلد أمكنه تحصيلها، ولو بالغرض. (قوله: ولا يصح أن يحج) يقرأ بالبناء للمجهول، والجار والمجرور نائب فاعله، أي ولا يصح أن يحج أحد قريبا كان أو أجنبيا عن معضوب. وقوله بغير إذنه متعلق بيحج، والضمير يعود على المعضوب. (قوله: لأن الحج الخ) تعليل لعدم الصحة. (قوله: والمعضوب أهل لها) أي للنية، إذ لو تكلف الحج وحج صح حجه. (وقوله: وللإذن) أي وأهل للإذن. (فائدة) لو امتنع المعضوب من الإذن، لم يأذن الحاكم عنه، ولا يجبره عليه وإن تضيق إلا من باب الأمر بالمعروف. (قوله: أركانه أي الحج) أي أجزاؤه. فالإضافة من إضافة الأجزاء إلى الكل، أو من إضافة المفصل للمجمل. (وقوله: ستة) وقيل أربعة بعد الحلق أو التقصير واجبا، وبإسقاط الترتيب. (قوله: أحدها) أي الأركان. (وقوله: إحرام به) أي بالحج. (قوله: أي بنية دخول) تفسير لمعنى الإحرام هنا. وفسره به لأنه الملائم للركنية، ويفسر أيضا بنفس الدخول، إلا أنه بهذا المعنى لا يعد ركنا بل يجعل موردا للصحة والفساد، بحيث يقال: صح الإحرام، أو فسد الإحرام. (قوله: لخبر الخ) دليل لركنية الإحرام على التفسير الذي ذكره. (قوله: ولا يجب تلفظ بها) أي بالنية المرادة من الإحرام. (قوله: وتلبية) أي ولا يجب تلبية، فهو بالرفع معطوف على تلفظ. وقوله: بل يسنان أي التلفظ بها والتلبية. (وقوله: فيقول بقلبه) أي وجوبا. وقوله: وبلسانه أي ندبا. وقوله: نويت الحج أي أو العمرة، أو هما، أو النسك. وقوله: وأحرمت به لله تعالى عطف مرادف أتى به للتأكيد ولا تجب نية الفرضية جزما، لأنه لو نوى به النفل وقع عن الفرض. ولو تخالف القلب واللسان فالعبرة بما في القلب. هذا إن حج عن نفسه، فإن حج أو اعتمر عن غيره

(و) ثانيها: (وقوف بعرفة) أي حضوره بأي جزء منها ولو لحظة، وإن كان نائما، أو مارا، لخبر الترمذي: الحج عرفة وليس منها: مسجد إبراهيم عليه السلام، ولا نمرة. والافضل للذكر تحري موقفه (ص)، وهو عند الصخرات المعروفة. وسميت عرفة، قيل: لان آدم وحواء تعارفا بها، وقيل غير ذلك. ووقته (بين زوال) ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: نويت الحج أو العمرة عن فلان، وأحرمت به لله تعالى. ولو أخر لفظ عن فلان عن وأحرمت به لم يضر على المعتمد إن كان عازما عند نويت الحج مثلا أن يأتي به، وإلا وقع للحاج نفسه. وقوله: لبيك اللهم لبيك إلخ يسن أن يذكر في هذه التلبية ما أحرم به، ولا يجهر فيها. (قوله: وثانيها) أي ثاني أركان الحج. وقوله: أي حضوره تفسير مراد للوقوف بعرفة. أي أن المراد بالوقوف حضور المحرم في أرض عرفات مطلقا. والمراد بالمحرم الأهل للعبادة، فلا يكفي حضور غير الأهل لها كالمجنون، والمغمى عليه، والسكران جميع وقت الوقوف لكن يقع حج المجنون نفلا كالصبي الذي لا يميز فيبني وليه بقية الأعمال على ما مضى. وكذا المغمى عليه والسكران، إن أيس من إفاقتهما. وقوله: بأي جزء منها أي من عرفة، وذلك لخبر مسلم: وقفت ههنا، وعرفة كلها موقف. ويكفي ولو على ظهر دابة، أو شجرة فيها، لا على غصن منها، وهو خارج عن هوائها، وإن كان أصلها فيها، ولا على غصن فيها دون أصلها. وقال ابن قاسم: يكفي في هذه الصورة الوقوف عليه قياسا على الاعتكاف ولا يكفي الطيران في هوائها أيضا، خلافا للشبراملسي. (قوله: ولو لحظة) أي يكفي حضوره في عرفة ولو لحظة. (قوله: وإن كان نائما) أي يكفي ما ذكره، وإن كان نائما أو مارا، ولو في طلب آبق، وإن لم يعلم أن المكان مكانها، ولا أن اليوم يومها. (قوله: لخبر الترمذي الخ) دليل على ركنية الوقوف. (قوله: الحج عرفة) جملة معرفة الطرفين فتفيد الحصر أي الحج منحصر في عرفة أي في الوقوف لا يتجاوزه إلى غيره، وليس كذلك. ويجاب بأنه على حذف مضاف، أي أنها معظمة، وخصت بالذكر مع أن الطواف أفضل منها كما يأتي لكونه يفوت الحج بفواتها، دونه. اه. بجيرمي. (قوله: وليس منها) أي من عرفة. مسجد إبراهيم، أي صدره، وهو محل الخطبة والصلاة، وذلك لأنه من عرفة، وأما آخره فهو من عرفة. (قوله: ولا نمرة) أي وليس منها نمرة وهو بفتح النون وكسر الميم موضع بين طرف الحل وعرفة. وليس منها أيضا وادي عرفة. قال في الإيضاح: واعلم أنه ليس من عرفات وادي عرفة، ولا نمرة، ولا المسجد الذي يصلي فيه الإمام المسمى بمسجد إبراهيم عليه السلام ويقال له مسجد عرفة، بل هذه المواضع خارج عرفات على طرفها الغربي مما يلي مزدلفة. اه. وقوله: ولا المسجد أي صدره كما علمت. (قوله: والأفضل للذكر) أي ولو صبيا، وخرج بالذكر الأنثى والخنثى، فإن الأفضل لهما الوقوف في حاشية الموقف، ما لم يخشيا ضررا. (وقوله: تحرى موقفه) أي قصده. (قوله: وهو) أي موقفه - صلى الله عليه وسلم -. (وقوله: عند الصخرات المعروفة) أي وهي المفترشة في أسفل جبل الرحمة الذي بوسط أرض عرفة. واعلم أن الصعود على الجبل للوقوف عليه كما يفعله العوام خطأ، مخالف للسنة كما نص عليه في الإيضاح. (قوله: وسميت) أي الأرض التي يجب الوقوف فيها. فنائب الفاعل يعود على معلوم من السياق. (قوله: لأن آدم وحواء تعارفا بها) أي حين هبط من الجنة ونزل بالهند، ونزلت بجدة. (قوله: وقيل غير ذلك) أي وقيل في سبب التسمية غير ذلك، وهو أن جبريل لما عرف إبراهيم مناسك الحج، وبلغ الشعب الأوسط الذي هو موقف الإمام، قال له: أعرفت؟ قال: نعم. فسميت عرفات. وقيل إنما سميت بذلك: من قولهم عرفت المكان إذا طيبته ومنه قول الله تعالى: * (الجنة عرفها لهم) (1) * أي طيبها لهم. (فائدة) قال - صلى الله عليه وسلم -: أفضل الأيام يوم عرفة، وإذا وافق يوم جمعة فهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة. أخرجه رزين. وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا كان يوم عرفة يوم جمعة غفر الله لجميع أهل الموقف - أي بغير واسطة - وفي غير يوم الجمعة يهب قوما لقوم.

_ (1) محمد: 6

للشمس يوم عرفة، وهو تاسع ذي الحجة، (و) بين طلوع (فجر) يوم (نحر). وسن له الجمع بين الليل والنهار، وإلا أراق دم تمتع - ندبا. (و) ثالثها: (طواف إفاضة) ويدخل وقته بانتصاف ليلة النحر، وهو أفضل الاركان، حتى من الوقوف، خلافا للزركشي. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويروى عن محمد بن المنكدر أنه حج ثلاثا وثلاثين حجة، فلما كان آخر حجة حجها، قال وهو بعرفات: اللهم إنك تعلم أنني قد وقفت في موقفي هذا ثلاثا وثلاثين وقفة، فواحدة عن فرضي، والثانية عن أبي، والثالثة عن أمي، وأشهدك يا رب أني قد وهبت الثلاثين لمن وقف موقفي هذا، ولم تتقبل منه. فلما دفع من عرفات ونزل بالمزدلفة، نودي في المنام: يا ابن المنكدر، أتتكرم على من خلق الكرم؟ أتجود على من خلق الجود؟ أن الله تعالى يقول لك: وعزتي وجلالي، لقد غفرت لمن وقف بعرفات قبل أن أخلق عرفات بألفي عام. وعن علي بن الموفق رحمة الله عليه قال: حججت في بعض السنين، فنمت بين مسجد الخيف ومنى، فرأيت ملكين قد نزلا من السماء، فقال أحدهما لصاحبه: يا عبد الله، أتعلم كم حج بيت ربنا في هذه السنة؟ قال: لا. قال ستمائة ألف. ثم قال له: أتدري كم قبل منهم؟ قال: لا. قال ستة أنفس. ثم ارتفعا في الهواء، فقمت وأنا مرعوب، وقلت: واخيبتاه أين أكون أنا في هذه الستة أنفس؟ فلما وقفت بعرفة وبت بالمزدلفة، رأيت الملكين قد نزلا من السماء على عادتهما، فسلم أحدهما على الآخر، وقال: يا عبد الله، أتدري ما حكم ربك في هذه الليلة؟ قال: لا. قال: فإنه وهب لكل واحد من الستة المقبولين مائة ألف، وقد قبلوا جميعا. قال: فانتبهت، وبي من السرور ما لا يعلمه إلا الله تعالى، إذ قبل الحجاج جميعهم ومنحهم برا وجودا، ولم يجعل منهم شقيا ولا محروما، ولا مطرودا. (قوله: ووقته) أي الوقوف. وقوله: بين زوال إلخ أي يدخل بزوال شمس ذلك اليوم، ويخرج بطلوع فجر يوم النحر. فمن وقف قبل الزوال وذهب من عرفة، لا يصح وقوفه، وكذلك من وقف بعد الفجر. ومن وقف بينهما صح وقوفه، ولو لحظة قبل الفجر، وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - وقف بعد الزوال رواه مسلم، وأنه قال: من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج. وفي رواية: من جاء عرفة ليلة جمع أي ليلة مزدلفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج. ((قوله: وهو) أي يوم عرفة. (وقوله: تاسع ذي الحجة) فلو وقفوا قبله أو بعده لم يصح وقوفهم. نعم، إن وقف الحجيج أو فرقة منهم وهم كثير على العادة يوم العاشر للجهل - بأن غم عليهم هلال ذي حجة صح. وإن وقفوا بعد التبين، كما إذا ثبت الهلال ليلة العاشر، ولم يتمكن من الوقوف فيها لبعد المسافة، وإليه حينئذ تنتقل أحكام التاسع كلها، فلا يعتد بوقوفهم قبل الزوال، ولا يصح رمي جمرة العقبة إلا بعد نصف ليلة الحادي عشر والوقوف. وهكذا جميع الأحكام. (قوله: وسن له) أي للحاج، الجمع بين الليل والنهار، وقيل يجب. (قوله: وإلا) أي وإن لم يجمع بينهما. (وقوله: أراق دم تمتع) أي دما كدم التمتع في كونه مرتبا مقدرا. وقوله: ندبا أي وعلى المعتمد، وعلى مقابله تجب إراقة دم. (قوله: وثالثها) أي أركان الحج. (وقوله: طواف إفاضة) أي لقوله تعالى: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * (1). (فائدة) سمى البيت عتيقا: لأن الله تعالى أعتقه من أيدي الجبابرة، فلم يسلط عليه جبار قط، بل كل من قصده بسوء هلك. وقال أبو بكر الواسطي: إنما سمي عتيقا لأن من طاف به صار عتيقا من النار، ولله در من قال: طوبى لمن طاف بالبيت العتيق وقد * * لجا إلى الله في سر وإجهار ونال بالسعي كل القصد حين سعى * * وطاف جهرا بأركان وأستار

_ (1) الحج: 29

(و) رابعها: (سعي) بين الصفا والمروة (سبعا) - يقينا - بعد طواف قدوم ما لم يقف بعرفة، أو بعد طواف إفاضة. فلو اقتصر على ما دون السبع لم يجزه، ولو شك في عددها قبل فراغه أخذ بالاقل، لانه المتيقن. ومن ـــــــــــــــــــــــــــــ ذاك السعيد الذي قد نال منزلة * * علياء في دهره من كل أوطار وكل من طاف بالبيت العتيق غدا * * بين الورى معتقا حقا من النار (قوله: ويدخل وقته) أي طواف الإفاضة. وقوله: بانتصاف ليلة النحر أي بدخول النصف الثاني من ليلة النحر، فلو طاف قبله لم يصح. (قوله: وهو) أي الطواف. (وقوله: أفضل الأركان) أي لأنه مشبه بالصلاة ومشتمل عليها، والصلاة أفضل من الحج، والمشتمل على الأفضل أفضل. وهذا معتمد الرملي. واستوجهه شيخ الإسلام. وقال ابن حجر في التحفة: الوقوف أفضل على الأوجه لخبر: الحج عرفة أي معظمه كما قالوه ولتوقف صحة الحج عليه، ولأنه جاء فيه من حقائق القرب وعموم المغفرة وسعة الإحسان ما لم يرد في الطواف الخ. اه. (قوله: خلافا للزركشي) أي القائل إن الوقوف أفضل الأركان لما مر. (قوله: ورابعها: سعي) أي ورابع الأركان: السعي بين الصفا والمروة، لما روى الدارقطني وغيره بإسناد حسن أنه - صلى الله عليه وسلم - استقبل القبلة في المسعى، وقال: يا أيها الناس، اسعوا فإن السعي قد كتب عليكم، أي فرض. وأصل السعي: الإسراع، والمراد به هنا: مطلق المشي. وشروطه سبعة، ذكر بعضها المؤلف، وهي: قطع جميع المسافة بين الصفا والمروة، وكونه سبعا، وكونه من بطن الوادي، والترتيب بأن يبدأ بالصفا في الأوتار، وبالمروة في الأشفاع وأن لا يكون منكوسا، ولا معترضا كالطواف، وعدم الصارف عنه كما يفعله العوام من المسابقة وأن يقع بعد طواف صحيح قدوم أو إفاضة. وقد نظمها م د فقال: شروط سعي سبعة وقوعه * * بعد طواف صح ثم قطعه مسافة سبعا ببطن الوادي * * مع فقد صارف عن المراد وليس منكوسا ولا معترضا * * والبدء بالصفا كما قد فرضا (قوله: يقينا) صفة لسبعا. (قوله: بعد طواف قدوم) متعلق بمحذوف صفة لسعي، أي سعي واقع بعد طواف قدوم. (قوله: ما لم يقف بعرفة) أي ما لم يتخلل بين طواف القدوم والسعي الوقوف بعرفة، فإن تخلل لم يصح سعيه بعده - لقطع تبعيته للقدوم بالوقوف - فيلزمه تأخيره إلى ما بعد طواف الإفاضة. ولو نزل من عرفة إلى مكة قبل نصف الليل، هل يسن له طواف القدوم ويجوز له السعي عقبه أم لا؟ اضطراب كلام ابن حجر فيه - فجرى في التحفة على أنه يسن له طواف القدوم، ولا يجوز السعي بعده. وعلله بأن السعي متى أخر عن الوقوف وجب وقوعه بعد طواف الإفاضة، وجرى في حاشيته على الإيضاح على سنية القدوم، وجواز السعي بعده، وعبارتها ومر عن الأذرعي أنه يسن لمن دفع من عرفة إلى مكة قبل نصف الليل طواف القدوم، فعليه يجوز له السعي بعده. وقد يفهمه قولهم لو وقف لم يجز السعي إلا بعد طواف الإفاضة لدخول وقته، وهو فرض، فلم يجز بعد نفل مع إمكانه بعد فرض. اه. فأفهم التعليل بدخول وقته جوازه قبله. اه. والمعتمد ما في التحفة، لأنه إذا اختلف كلامه في كتبه فالمعتمد ما في التحفة. (قوله: أو بعد طواف إفاضة) معطوف على بعد طواف القدوم. فشرط صحة السعي أن يقع بعد أحد هذين الطوافين القدوم أو الركن، وذلك لأنه الوارد عنه - صلى الله عليه وسلم -، بل حكي فيه الإجماع، فلا يجوز بعد طواف نفل كأن أحرم من بمكة بحج منها، ثم تنفل بطواف، وأراد السعي بعده كما في المجموع. اه. تحفة. (قوله: فلو اقتصر) أي الساعي. وقوله: على ما دون السبع محترز سبعا. وقوله: لم يجزه أي السعي. (قوله: ولو شك إلخ) محترز يقينا. وقوله: في عددها أي السبع المرات، بأن تردد هل سعى ستا أو سبعا (1)؟. (قوله: قبل فراغه) أي السعي. واحترز به عما إذا وقع الشك بعد فراغه، فإنه لا يؤثر.

_ (1) (قوله: بأن تردد: هل سعى ستا أوسبعا) صورة ذلك: أن يكون في أثنا الشوط اشتغل بشئ ثم شك: هل هو ذاهب إلى جهة المروة -

سعى بعد طواف القدوم لم يندب له إعادة السعي بعد طواف الافاضة، بل يكره. ويجب أن يبدأ فيه في المرة الاولى بالصفا ويختم بالمروة - للاتباع - فإن بدأ بالمروة لم يحسب مروره منها إلى الصفا وذهابه من الصفا إلى المروة مرة وعوده منها إليه مرة أخرى. ويسن - للذكر - أن يرقى على الصفا والمروة قدر قامة. وأن يمشي أول ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: أخذ بالأقل) وهو الست. أي وجوبا. (قوله: لأنه) أي الأقل هو المتيقن. (قوله: ومن سعى بعد طواف القدوم لم يندب إلخ) لانه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه سعوا بعد طواف القدوم، ولم يعيدوه بعد الإفاضة. (قوله: بل يكره) أي ما ذكر من الإعادة. ولو عبر بالتاء بدل الياء لكان أولى. وما ذكر من الكراهة هو ما جزم به في الروض، وأقره شيخ الإسلام في شرحه، واعتمداه في التحفة والنهاية. وظاهر عبارة المغني أنها خلاف الأولى، وهذا كله في الكامل. أما الناقص برق أو صبا إذا أتى بالسعي بعد القدوم، ثم كمل قبل الوقوف، أو فيه، أو بعده، وأعاده وجبت عليه الإعادة، وفي غير القارن. أما هو، فاعتمد الخطيب أنه يسن له الإتيان بطوافين وسعيين. واعتمد غيره أنه كغير القارن، فلا يسن له إعادة الطواف والسعي. (قوله: ويجب أن يبدأ فيه) أي في السعي. (وقوله: في المرة الأولى) بدل بعض أو اشتمال من الجار والمجرور قبله. (قوله: للاتباع) هو قوله - صلى الله عليه وسلم - لما قالوا له: أنبدأ بالصفا أم بالمروة؟ إبدأوا بما بدأ الله به. (قوله: وذهابه من الصفا إلى المروة مرة الخ) هذا هو الصحيح الذي قطع به جماهير العلماء، وعليه العمل في الأزمنة كلها. وأما ما ذهب إليه بعضهم من أنه يحسب الذهاب والعود مرة واحدة - فهو فاسد لا يعول عليه. ولا يسن الخروج من خلافه، بل يكره، وقيل يحرم، ولا بد من استيعاب ما بينهما في كل مرة بأن يلصق عقبه أو حافر دابته بأصل ما يذهب منه، ورأس أصابعه بما يذهب إليه. قال عبد الرؤوف: فلا يكفي رأس النعل الذي تنقص عنه الأصابع إلخ. وأقره ابن الجمال. قال ابن حجر في شرح بأفضل: وبعض درج الصفا محدث، فليحذر من تخلفها وراءه. قال الكردي: وهذا الذي ذكره الشارح هنا هو المعتمد عنده، وكذلك شيخ الإسلام والمغني والنهاية. وجرى م ر في شرح الإيضاح وابن علان على أن الدرج المشاهد الآن ليس شئ منه بمحدث، وأنه يكفي إلصاق الرجل أو حافر الدابة بالدرجة السفلى، بل الوصول لما سامت آخر الدرج المدفونة كاف، وإن بعد عن آخر الدرج الموجودة اليوم بأذرع، وفيه فسحة عظيمة للعوام، فإنهم لا يصلون لآخر الدرج، بل يكتفون بالقرب منه. هذا كله في درج الصفا. أما المروة فقد اتفقوا فيها على أن العقد الكبير المشرف الذي بوجهها هو حدها، لكن الأفضل أن يمر تحته، ويرقى على البناء المرتفع بعده. اه. وقوله: هو المعتمد عنده لعله في غير التحفة، وإلا فقد عقبة فيها بقوله كذا قال المصنف وغيره. ويحمل على أن هذا باعتبار زمنهم، وأما الآن فليس شئ بمحدث لعلو الأرض حتى غطت درجات كثيرة. اه. (قوله: ويسن للذكر) خرج به الأنثى والخنثى، فلا يسن لهما الرقي، ولو في خلوة - على الأوجه الذي اقتضاه إطلاقهم - خلافا للأسنوي ومن تبعه، اللهم إلا إذا كانا يقعان في شك لولا الرقي، فيسن لهما حينئذ - على الأوجه - احتياطا. اه. تحفة. واعتمد في النهاية أنهما لا يسن لهما الرقي إلا إن خلا المحل عن غير المحارم فيما يظهر، قال: وما اعترض به من أن المطلوب من المرأة - ومثلها الخنثى - إخفاء شخصها ما أمكن، وإن كانت في خلوة. يرد بأن الرقي مطلوب لكل أحد، غير أنه سقط عن الأنثى والخنثى طلبا للستر، فإذا وجد ذلك مع الرقي صار مطلوبا، إذ الحكم يدور مع العلة، وجودا وعدما. اه. (قوله: إن يرقى على الصفا والمروة قدر قامة) في مذهبنا قول بوجوب الرقي، وعبارة الإيضاح مع شرحه لابن

_ - وهى السابعة - أو ذاهب إلى جهة الصفا - وهى السادسة - وبقى سابعة فالاحتياط أن يجعلها سادسة، ويذهب إلى جهة الصفا، ثم يأتي بالسابعة. وهذا مجرد تصوير، وإلا فيمكن أن يتصور بغير ذلك. اه. مولف.

السعي وآخره، ويعدو - الذكر - في الوسط، ومحلهما معروف. (و) خامسها: (إزالة شعر) من الرأس، بحلق أو تقصير، لتوقف التحلل عليه - وأقل ما يجزئ ثلاث شعرات، فتعميمه (ص) لبيان الافضل، خلافا لمن أخذ منه وجوب التعميم. وتقصير المرأة أولى من حلقها، ثم ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمال: وقال بعض أصحابنا هو أبو حفص عمر بن الوكيل يجب الرقي على الصفا والمروة بقدر قامة. هكذا نقل البغوي عنه، وجرى عليه في الروضة وأصلها، والمشهور عنه وجوب صعود يسير، وهو الذي نقله عنه في المجموع، وهذا ضعيف، والصحيح المشهور أنه لا يجب، لكن الاحتياط أن يصعد، للخروج من الخلاف والتيقن. فاحفظ ما ذكرناه في تحقيق واجب المسافة، فإن كثيرا من الناس يرجع بغير حج إن كان نسكهم حجا، ولا عمرة إن كان عمرة، لإخلاله بواجبه. وبالله التوفيق. اه. وقد علمت أن هذا بالنظر لما كان، وأما الآن، فقد غلت الأرض حتى غطت درجات كثيرة، فقطع المسافة متيقن من غير رقي أصلا. وقال في التحفة: الرقي الآن بالمروة متعذر، لكن بآخرها دكة، فينبغي رقيها، عملا بالوارد ما أمكن. اه. وقال البجيرمي إن الرقي الآن بقدر قامة غير متأت. (قوله: وأن يمشي) معطوف على أن يرقى، فيكون لفظ يسن مسلطا عليه، لكن بقطع النظر عن قيده، وهو للذكر، لأن المشي لا فرق فيه بين الذكر وغيره. أي ويسن أن يمشي الساعي أول السعي على هينته. (وقوله: ويعدو الذكر) أي ويسن أن يعدو الذكر في الوسط. والعدو الإسراع في المشي. وخرج بالذكر الأنثى والخنثى، فيمشيان على هينتهما في جميع المسعى، ولو في خلوة وليل على المعتمد وقيل يعدوان بليل عند الخلوة. (قوله: ومحلهما معروف) أي محل المشي ومحل العدو معروفان. فمحل العدو ابتداؤه من قبل الميل الأخضر المعلق بركن المسجد بستة أذرع إلى أن يتوسط الميلين الأخضرين، أحدهما بجدار دار العباس رضي الله عنه وهي الآن رباط منسوب إليه والآخر بجدار المسجد ومحل المشي ما عدا ذلك. (قوله: وخامسها إزالة شعر) أي وخامس الأركان إزالة شعر. أي إذا كان في رأسه شعر، وإلا فيسقط عنه، لكن يسن إمرارا الموسى. وعده من الأركان مبني على جعله نسكا أي عبادة وهو المشهور المعتمد. ومقابله أنه استباحة محظور، أي ممنوع بمعنى محرم عليه قبل ذلك، من الحظر وهو المنع بمعنى التحريم، وهو مبني على أنه ليس نسكا، وهو ضعيف. ويترتب على جعله نسكا أنه يثاب عليه. وعلى جعله استباحة محظور أنه لا يثاب عليه. قال في النهاية مع الأصل والحلق أي إزالة شعر الرأس أو التقصير في حج أو عمرة في وقته نسك على المشهور، فيثاب عليه، إذ هو للذكر أفضل من التقصير، والتفضيل إنما يقع في العبادات. وعلى هذا هو ركن كما سيأتي وقيل واجب. والثاني هو استباحة محظور، فلا يثاب عليه، لأنه محرم في الإحرام، فلم يكن نسكا، كلبس المخيط. اه. (قوله: من الرأس) أي من شعره، فلا يجزئ شعر غيره وإن وجبت فيه الفدية لورود لفظ الحلق أو التقصير فيه، واختصاص كل منهما عادة بشعر الرأس. وشمل ذلك المسترسل عنه، وما لو أخذها متفرقة. (قوله: بحلق) هو استئصال الشعر بالموسى. (وقوله: أو تقصير) هو قطع الشعر من غير استئصال. والحلق والتقصير ليسا متعينين، فالمدار على إزالة الشعر بأي نوع من أنواع الإزالة، حلقا، أو تقصيرا، أو نتفا، أو إحراقا، أو قصا. (قوله: لتوقف التحلل عليه) أي على ما ذكر من إزالة الشعر. وكان الأولى أن يزيد كما في المنهج مع عدم جبره بدم، لإخراج رمي جمرة العقبة، لأنه وإن توقف التحلل عليه لكنه يجر بدم، فهو ليس بركن. (قوله: وأقل ما يجزئ) أي من إزالة الشعر. (قوله: ثلاث شعرات) أي إزالة ثلاث شعرات، لقوله تعالى: * (محلقين رؤوسكم ومقصرين) * (1) لأن الرأس لا يحلق، والشعر جمع، وأقله ثلاث كذا استدلوا به، ومنهم المصنف في المجموع قال الأسنوي: ولا دلالة في ذلك، لأن الجمع إذا كان مضافا كان للعموم، وفعله - صلى الله عليه وسلم - يدل عليه أيضا. نعم، الطريق إلى توجيه المذهب أن يقدر لفظ الشعر منكرا مقطوعا عن الإضافة. والتقدير شعرا من رؤوسكم. أو نقول قام الإجماع كما نقله في المجموع

_ (1) الفتح: 27

يدخل مكة بعد رمي جمرة العقبة والحلق، ويطوف للركن فيسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم - كما هو الافضل - والحلق والطواف والسعي لا آخر لوقتها. ويكره تأخيرها عن يوم النحر، وأشد منه: تأخيرها عن أيام التشريق، ثم عن خروجه من مكة. ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنه لا يجب الاستيعاب، فاكتفينا في الوجوب بمسمى الجمع. اه. مغنى. (قوله: فتعميمه - صلى الله عليه وسلم -) أي الشعر، بإزالة جميعه. (وقوله: لبيان الأفضل) أي فحلق جميع الشعر لغير المرأة هو الأفضل إجماعا، وللآية السابقة، فإنه فيها قدم المحلقين على المقصرين، والتقديم يقتضي الأفضلية، لأن العرب تبدأ بالأهم والأفضل، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: اللهم ارحم المحلقين. فقالوا: يا رسول الله: والمقصرين؟ فقال: اللهم ارحم المحلقين. ثم قال في الرابعة: والمقصرين. هذا كله ما لم ينذر الحلق، وإلا وجب، ويستثنى من أفضلية الحلق ما لو اعتمر قبل الحج في وقت لو حلق فيه لم يسود رأسه من الشعر في يوم النحر فالتقصير حينئذ أفضل. (قوله: خلافا لمن أخذ منه) أي من تعميمه - صلى الله عليه وسلم -. وهو الإمام مالك، والإمام أحمد. (قوله: وتقصير المرأة) أي الأنثى، فتشمل الصغيرة، والخنثى مثلها. (وقوله: أولى من حلقها) أي لما روى أبو داود بإسناد حسن: ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير. قال الخطيب في مغنيه: ولا تؤمر بالحلق إجماعا بل يكره لها الحلق على الأصح في المجموع. وقيل يحرم، لأنه مثلة وتشبيه بالرجال. ومال إليه الأذرعي في المزوجة والمملوكة، حيث لم يؤذن لهما فيه. اه. وفي التحفة والنهاية: ويندب لها أن تعم الرأس بالتقصير، وأن يكون قدر أنملة، قاله الماوردي إلا الذوائب، لأن قطع بعضها يشينها. (قوله: ثم يدخل مكة الخ) لا يخفي عدم ارتباطه بما قبله، فكان الأولى والأنسب أن يذكره في سنن الحج، إذ دخول مكة بعد الرمي، والحلق من السنن. أو يذكره في واجبات الحج بعد الكلام على رمي جمرة العقبة. ومعنى كلامه: أنه إذا رمى جمرة العقبة وحلق، سن له أن يدخل مكة، ويطوف، ويسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، وترك الذبح مع أنه سنة قبل ذهابه إلى مكة للطواف. والحاصل الأعمال المشروعة يوم النحر أربعة: الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم الطواف. وترتيبها كما ذكر سنة لما روى مسلم: أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني حلقت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج. وأتاه آخر، فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، فقال: ارم ولا حرج. وفي الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - ما سئل عن شئ يومئذ - قدم ولا أخر - إلا قال افعل ولا حرج. ويدخل وقتها ما سوى الذبح بنصف ليلة النحر. (قوله: كما هو الأفضل) الضمير يعود على السعي بعد طواف القدوم، أي كما أن السعي بعد طواف القدوم هو الأفضل، وهذا هو الذي جرى عليه شيخه في التحفة، ونصها: وإذا أراد السعي بعد طواف القدوم كما هو الأفضل، لأنه الذي صح عنه - صلى الله عليه وسلم - لم تلزمه الموالاة اه. والذي جرى عليه الرملي: أن السعي بعد طواف الإفاضة أفضل، وعبارته بعد كلام لكن الأفضل تأخيره عن طواف الإفاضة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى قال: لأن لنا وجها باستحباب إعادته بعده. اه. وظاهر عبارة المغني الجريان على ما جرى عليه الأول، ونصها: وهل الأفضل السعي بعد طواف القدوم، أو بعد طواف الإفاضة؟ ظاهر كلام المصنف في مناسكه الكبرى الأول، وصرح به في مختصرها. اه. (قوله: والحلق) أي والتقصير. وقوله: والسعي أي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم. (قوله: لا آخر لوقتها) لأن الأصل فيما أمرنا به الشارع أن لا يكون مؤقتا، فما كان مؤقتا فهو على خلاف الأصل، وحينئذ فيبقى من عليه ذلك محرما حتى يأتي به كما في المجموع. (قوله: ويكره تأخيرها) أي الثلاثة. وقوله: عن يوم النحر أي فالأفضل فعلها

(و) سادسها: (ترتيب) بين معظم أركانه - بأن يقدم الاحرام على الجميع، والوقوف على طواف الركن والحلق والطواف على السعي - إن لم يسع بعد طواف القدوم - ودليله الاتباع. (ولا تجبر) أي الاركان، (بدم). وسيأتي ما يجبر بالدم. (وغير وقوف) من الاركان الستة (أركان العمرة) لشمول الادلة لها، وظاهر أن الحلق يجب تأخيره عن سعيها، فالترتيب فيها في جميع الاركان. (تنبيه) يؤديان بثلاثة أوجة: إفراد: بأن يحج ثم يعتمر. وتمتع: بأن يعتمر ثم يحج. وقران: بأن يحرم بهما ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه. (قوله: وأشد منه) أي من تأخيرها عن يوم النحر في الكراهة. (قوله: وسادسها: ترتيب) أي وسادس الأركان: الترتيب. ونقل ع ش عن سم على المنهج ما نصه: قوله وسادسها الترتيب. إلخ. أقول: لي هنا شبهة وهي: أن شأن ركن الشئ أن يكون بحيث لو انعدم انعدم ذلك الشئ، ولا شبهة في أنه إذا حلق قبل الوقوف ثم وقف وأتى ببقية الأعمال، حصل الحج، وكان الحلق ساقطا لعدم مكانه، وإن أثم بفعله في غير محله وتفويته، فقد حصل له الحج مع انتفاء الترتيب. فليتأمل. اه. أقول: ويمكن اندفاع هذه الشبهة بأن يقال: الحلق إنما سقط لعدم شعر برأسه، لا لتقدمه على الوقوف، لأن حلقه قبله لم يقع ركنا، والإثم إنما هو لترفهه بإزالة الشعر قبل الوقوف، وهذا كما لو اعتمر وحلق، ثم أحرم بالحج عقبه، فلم يكن برأسه شعر بعد دخول وقت الحلق، فإن الحلق ساقط عنه، وليس ذلك اكتفاء بحلق العمرة، بل لعدم شعر يزيله. اه. (قوله: بين معظم أركانه) أي الحج، وهو ثلاثة أركان كما ذكره الشارح النية: وهي مقدمة على الجميع. والوقوف: وهو مقدم على باقي الأركان. والطواف وهو مقدم على السعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم. (قوله: بأن يقدم الإحرام إلخ) تصوير للترتيب بين المعظم، والمراد نية الدخول في النسك. وقوله: على الجميع أي جميع الأركان أي الباقي بعد النية. وقوله: والوقوف على طواف الركن والحلق أي ويقدم الوقوف على طواف الركن والحلق، وأما هما، فلا ترتيب بينهما. وقوله: والطواف على السعي أي ويقدم الطواف عليه. (قوله: إن لم يسع بعد طواف القدوم) أي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، فإن كان قد سعى بعده سقط عنه، ولا تسن إعادته كما مر وعليه، فلا يكون هناك ترتيب بين المعظم. (قوله: ودليله) أي الترتيب. (وقوله: الاتباع) أي وهو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قوله: خذوا عني مناسككم. (قوله: ولا تجبر أي الأركان) أي لا دخل للجبر فيها، وذلك لانعدام الماهية بانعدامها، فلو جبرت بالدم مع عدم فعلها للزم عليه وجود الماهية بدون أركانها، وهو محال. بجيرمي. (قوله: وسيأتي ما يجبر بالدم) وهي الواجبات الآتي بيانها، كالإحرام من الميقات. (قوله: وغير وقوف من الأركان الستة) أي وهو: النية، والطواف، والسعي، والحلق، والترتيب. (قوله: أركان العمرة) خبر المبتدأ، وهو لفظ غير. (قوله: لشمول الأدلة إلخ) يعني أن الأدلة التي استدل بها على وجوب النية والطواف والسعي في الحج، تدل أيضا على وجوبها في العمرة، فهي ليست قاصرة على الحج. (قوله: وظاهر أن الحلق) أي في العمرة. (وقوله: يجب تأخيره عن سعيها) أي العمرة. (قوله: فالترتيب الخ) مفرع على وجوب تأخير الحلق عنه. (وقوله: فيها) أي في العمرة. (وقوله: في جميع الأركان) أي لا في المعظم فقط، كالحج. (قوله: يؤديان) أي الحج والعمرة. (وقوله: بثلاثة أوجه) أي فقط، ووجه الحصر فيها أن الإحرام إن كان بالحج أولا فالإفراد، أو بالعمرة أولا فالتمتع، أو بهما معا فالقران. ولا يرد على الحصر ما لو أحرم إحراما مطلقا، لأنه غير خارج عن الثلاثة، لأنه لا بد من صرفه لواحد منها، فالإحرام مطلقا مع الصرف لواحد منها في

معا. وأفضلها: إفراد - إن اعتمر عامه - ثم تمتع. وعلى كل من المتمتع والقارن: دم - إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام - وهم من دون مرحلتين. ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى الإحرام ابتداء بذلك الواحد. (قوله: إفراد) بالرفع، خبر لمتبدأ محذوف، وبالجر بدل من ثلاثة أوجه، وبدأ به لأنه أفضلها. (قوله: بأن يحج) تصوير للإفراد. (وقوله: ثم يعتمر) أي ولو من غير ميقات بلده، ولو من أدنى الحل. (قوله: وتمتع) معطوف على افراد، فهو بالرفع أو بالجر. (قوله: بأن يعتمر) أي ولو في غير أشهر الحج، لكنه وأن سمي متمتعا لا يلزمه دم، وإن أتى بأعمالها في أشهر الحج. (وقوله: ثم يحج) ولو في غير عامه، لكنه حينئذ لا يلزمه دم. (قوله: وقران) معطوف على إفراد أيضا، ويجري فيه الوجهان: الرفع والجر. (قوله: بأن يحرم بهما) أي بالحج والعمرة، وهو تصوير للقران. (وقوله: معا) مثله ما لو أحرم بالعمرة ثم قبل شروعه في أعمالها أدخل الحج عليها، فيقال لهذا قران. (قوله: وأفضلها إفراد) أي لأن رواته أكثر، ولأن جابرا رضي الله عنه منهم وهو أقدم صحبة، وأشد عناية بضبط المناسك - ولأنه - - صلى الله عليه وسلم - - اختاره أولا، وللإجماع على أنه لا كراهة فيه ولا دم، بخلاف التمتع والقران، والجبر أيضا دليل النقصان. قال في التحفة: ولأن بقية الروايات يمن ردها إليه بحمل التمتع على معناه اللغوي، وهو الانتفاع، والقران على أنه باعتبار الآخر، لأنه - صلى الله عليه وسلم - اختار الإفراد أولا، ثم أدخل عليه العمرة خصوصية له للحاجة إلى بيان جوازها في هذا المجمع العظيم، وإن سبق بيانها منه قبل متعددا. اه. قوله: إن اعتمر عامه أي محل الأفضلية إن اعتمر في سنة الحج بأن لا يؤخرها عن ذي الحجة، وإلا كان كل منهما أفضل منه، لكراهة تأخيرها عن سنته. قال الكردي: ومن صور الإفراد الفاضل بالنسبة للتمتع الموجب للدم: ما لو اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج من عامه، لكنها مفضولة بالنسبة للإتيان بالعمرة بعد الحج فيما بقي من ذي الحجة - كما في الإمداد - ويسمى ذلك تمتعا أيضا. اه. (قوله: ثم تمتع) أي ثم يليه في الفضيلة تمتع، فهو أفضل من القران، وذلك لأن المتمتع يأتي بعملين كاملين، وإنما ربح أحد الميقاتين فقط، بخلاف القارن، فإنه يأتي بعمل واحد من ميقات واحد. (قوله: وعلى كل من المتمتع والقارن: دم) أما الأول: فبالإجماع، لربحه الميقات، إذ لو أحرم بالحج أولا من ميقات بلده لاحتاج بعده إلى أن يحرم بالعمرة من أدنى الحل، وبالتمتع لا يخرج من مكة، بل يحرم بالحج منها. قال في التحفة: وبهذا يعلم أن الوجه فيمن كرر العمرة في أشهر الحج أنه لا يتكرر عليه، وإن أخرج الدم قبل التكرر، لأن ربحه الميقات بالمعنى الذي تقرر لم يتكرر. وأما الثاني: فلما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - ذبح عن نسائه البقر يوم النحر. قالت عائشة - رضي الله عنها -: وكن قارنات. ولأنه وجب على المتمتع بنص القرآن، وفعل المتمتع أكثر من فعل القارن، فإذا لزمه الدم فالقارن أولى. (قوله: إن لم يكن) أي كل من المتمتع والقارن. وهو شرط لوجوب الدم، أي يشترط في وجوب الدم عليهما أن لا يكونا من حاضري المسجد الحرام، وذلك لقوله تعالى في المتمتع: * (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * (1) أي ما ذكر من الهدي والصوم عند فقده لمن - أي على من لم يكن أهله أي وطنه - حاضري المسجد الحرام، وقيس عليه في ذلك القارن، والجامع بينهما الترفه فيهما. فالمتمتع ترفه بربح ميقات الحج، والقارن ترفه بترك أحد الميقاتين أيضا. ويشترط أيضا لوجوب التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج من مكة، وأن يكون إحرامه بالعمرة ثم بالحج في سنة واحدة، وأن لا يعود إلى الميقات قبل الإحرام أو بعده وقبل التلبس بنسك.

_ (1) البقرة: 196

(وشروط الطواف) ستة: أحدها: (طهر) عن حدث وخبث. (و) ثانيها: (ستر) لعورة قادر، فلو زالا فيه جدد، وبنى على طوافه، وإن تعمد ذلك، وطال الفصل. ـــــــــــــــــــــــــــــ فحاصل الشروط أربعة، إذا فقد واحد منها لم يجب عليه شئ. ويشترط لوجوبه على القارن أيضا أن لا يعود من مكة قبل الوقوف إلى الميقات، فحاصل ما يشترط له اثنان إذا فقد واحد منهما لم يجب عليه شئ. (قوله: وهم) أي حاضرو المسجد الحرام. (وقوله: من دون مرحلتين) أي من استوطنوا بالفعل حالة الإحرام لا بعده محلا دون مرحلتين أي من الحرم على الأصح وذلك لأن المسجد الحرام حيث ذكر في القرآن المراد به جميع الحرم إلا في آية * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * (2) وآية * (سبحان الذي أسرى) * (3) فالمراد به الكعبة في الأول، وحقيقته في الثاني. وقيل من مكة لأن المسجد الحرام في الآية غير مراد به حقيقته اتفاقا، وحمله على مكة أقل تجوزا من حمله على جميع الحرم. (قوله: وشروط الطواف) لما أنهى الكلام على الأركان، شرع في بيان شروط بعضها وهو الطواف وخصه من بينها بذلك لكونه أفضلها، ولعظم الخطر فيه. وهذه الشروط ليست خاصة بطواف الإفاضة، بل هي له بسائر أنواعه، من قدوم، ووداع، ونذر، وتطوع، وتحلل. (وقوله: ستة) بل ثمانية. فسابعها: كونه في المسجد. وثامنها: عدم صرفه لغيره، كطلب غريم. وكإسراعه خوفا من أن تلمسه امرأة. وقد نظمها بعضهم فقال: واجبات الطواف ستر وطهر * * جعله البيت يا فتى عن يسار في مرور تلقاء وجه وبالأسود * * يبدأ محاذيا وهو سار مع سبع بمسجد ثم قصد * * لطواف في النسك ليس بجار فقد صرف لغيره ذي ثمان * * قد حكى نظمها نظام الدرار (قوله: أحدها: طهر عن حدث) أي بنوعيه: الأصغر والأكبر. وقوله: وخبث أي في ثوبه، وبدنه، ومطافه. قال في التحفة: نعم، يعفى عما يشق الاحتراز عنه في المطاف من نجاسة الطيور وغيرها، إن لم يتعمد المشي عليها، ولم تكن رطوبة فيها أو في مماسها كما مر قبيل صفة الصلاة. ومن ثم عد ابن عبد السلام غسل المطاف من البدع. اه. قال الرملي رحمه الله تعالى: ومما شاهدته مما يجب إنكاره والمنع منه، ما يفعله الفراشون بالمطاف من تطهير ذرق إ الطيور، فيأخذ خرقة مبتلة فيزيل بها العين، ثم يغسلها، ثم يمسح بها محله، فيظن أنه تطهير، بل تصير النجاسة غير معفو عنها، ولا يصح طواف الشافعية عليها، إذ لا بد بعد إزالة العين من صب الماء على المحل. اه. (قوله: وثانيها) أي الشروط الستة. (قوله: ستر لعورة قادر) أي على الستر، فإن كان عاجزا عنه طاف عاريا وأجزأه كما لو صلى كذلك بخلاف ما إذا عجز عن الطهارة حسا أو شرعا، فبحث الأسنوي منعه كالمتنجس العاجز عن الماء من طواف الركن، لوجوب الإعادة، فلا فائدة في فعله. وقطع طواف النفل والوداع بأن له فعلهما مع ذلك، وهو ضعيف. وقد حرر هذا المقام في التحفة، وذكر حاصل المعتمد منه، ونصها: ولو عجز عن الستر طاف عاريا، ولو للركن إذ لا إعادة عليه أو عن الطهارة حسا أو شرعا. ففيه اضطراب حررته في الحاشية. وحاصل المعتمد منه: أنه يجوز لمن عزم على الرحيل أن يطوف، ولو للركن، وإن اتسع وقته، لمشقة مصابرة لاحرام بالتيمم، ويتحلل به، وإذا جاء مكة لزمه إعادته، ولا يلزمه عند فعله تجرد ولا غيره، فإن مات وجب الإحجاج عنه بشرطه. ولا يجوز طواف الركن ولا غيره لفاقد الطهورين، بل الأوجه أن يسقط عنه طواف الوادع. ولو طرأ حيضها قبل

_ (2) البقرة: 144. (3) الاسراء: 1

(و) ثالثها: (نيته): أي الطواف، (إن استقل) بأن لم يشمله نسك كسائر العبادات، وإلا فهي سنة. (و) رابعها: (بدؤه بالحجر الاسود محاذيا له) في مروره (ببدنه): أي بجميع شقه الايسر. وصفة ـــــــــــــــــــــــــــــ طواف الركن، ولم يمكنها التخلف لنحو فقد نفقة أو خوف على نفسها، رحلت إن شاءت، ثم إذا وصلت لمحل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة تتحلل كالمحصر ويبقى الطواف في ذمتها. والأحوط لها أن تقلد من يرى براءة ذمتها بطوافها قبل رحيلها. اه. بتصرف. (قوله: فلو زالا) أي الطهر والستر. (وقوله: فيه) أي في الطواف. (قوله: جدد) أي الطائف، الطهر والستر. فمفعول الفعل محذوف، والفاعل ضمير مستتر يعود على معلوم من المقام. (قوله: وبنى على طوافه) أي بنى على ما أتى به من الطوفات. ومعنى البناء على الماضي أنه يبنى من الموضع الذي وصل إليه، ولا يجب استئنافه، لكن يسن، خروجا من الخلاف. (قوله: وإن تعمد ذلك) أي زوال الطهر والستر، وهو غاية في الاكتفاء بالبناء. (وقوله: وطال الفصل) أي وإن طال الفصل. فهو غاية ثانية لما ذكر، وذلك لعدم اشتراط الولاء فيه. (قوله: وثالثها) أي الشروط الستة. (وقوله: نيته) أي قصده بقلبه والتلفظ بها سنة كسائر النيات. (قوله: إن استقل) أي الطواف. (قوله: بأن لم يشمله نسك) تصوير لاستقلاله. أي أن استقلاله مصور بأن لا يشمله نسك، أي لا يندرج تحته كالحج. (قوله: كسائر العبادات) الكاف للتنظير، أن نظير سائر العبادات في وجوب النية فيها. (قوله: وإلا فهي سنة) أي وإن لم يستقل، بأن يشمله نسك، فهي سنة، وذلك لإغناء نية النسك عن نية الطواف. قال في حاشية الإيضاح بعد كلام قرره: إن كان المراد بالنية قصد الفعل فهو شرط في كل طواف. أو تعيين الطواف فليس بشرط في كل طواف فما المحل في وجوب النية فيه؟ أي وفي عدمه. قال: وقد يجاب بأن المختلف فيه هو قصد نفس الفعل، لا مطلق القصد. نظير قولهم يشترط قصد فعل الصلاة، ولا يكفي مطلق قصدها مع الغفلة عن ربطه بالفعل، فطواف النسك يكفي فيه مطلق القصد، وطواف غيره لا بد فيه من قصد الفعل، دون التعيين كنية نفل الصلاة المطلق اه. وقال الونائي في منسكه في مبحث سنن الطواف ما نصه: منها أي السنن: النية أي نية فعل الحقيقة الشرعية بالمسماة بالطواف وهي الدوران حول البيت، فلا ينافي اشتراط قصد الفعل بأن يلحظ كونه عن الطواف لاشتراط عدم الصارف. اه. قال الشيخ باعشن عليه: والحاصل أن قصد مطلق الفعل وهو قصد الدوران بالبيت لا بد منه في كل طواف. وأما ملاحظة كونه عن الطواف الشرعي فواجب في طواف غير النسك، وسنة في طواف النسك. اه. وقال بعضهم: المراد من كون النية سنة في طواف النسك نية كونه ركن الحج أو واجبه. أما قصد الفعل فلا بد منه مطلقا، وهو لا يغاير ما مر. قوله: ورابعها) أي الشروط الستة. (قوله: بدؤه بالحجر الأسود) أي ركنه، وإن قلع منه وحول منه لغيره، وذلك للاتباع، فلا يعتد بما بدأ به قبله، ولو سهوا، فإذا انتهى إليه ابتدأ منه، وكذا لا يعتد بما بدأ به بعدة من جهة الباب. ووصف الحجر بكونه أسود بحسب الحالة الراهنة، وإلا فليس كذلك بحسب الأصل. قال السيوطي في التوشيح: أخرج أحمد والترمذي وابن حبان حديث: إن الحجر والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، طمس الله نورهما، ولولا ذلك لأضاآ ما بين المشرق والمغرب. وأخرج الترمذي حديث: نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم. وروي عن وهب بن منبه أن آدم لما أمره الله تعالى بالخروج من الجنة أخذ جوهرة من الجنة التي هي الحجر الأسود مسح بها دموعه، فلما نزل إلى الأرض لم يزل يبكي، ويستغفر الله، ويمسح دموعه بتلك الجوهرة حتى اسودت من دموعه. ثم لما بنى البيت أمره جبريل أن يجعل تلك الجوهرة في الركن، ففعل.

المحاذاة: أن يقف بجانبه من جهة اليماني - بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه - ثم ينوي، ثم يمشي مستقبلة حتى يجاوزه، فحينئذ ينفتل ويجعل يساره للبيت، ولا يجوز استقبال البيت إلا في هذا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي بهجة الأنوار: إن الحجر الأسود كان في الابتداء ملكا صالحا، ولما خلق الله آدم وأباح له الجنة كلها إلا الشجرة التي نهاه عنها، ثم جعل ذلك الملك موكلا على آدم أن لا يأكل من تلك الشجرة، فلما قدر الله تعالى إن آدم يأكل من تلك الشجرة غاب عنه ذلك الملك، فنظر تعالى إلى ذلك الملك بالهيبة فصار جوهرا ألا ترى أنه جاء في الأحاديث: الحجر الأسود يأتي يوم القيامة وله يد، ولسان، وأذن، وعين، لأنه كان في الابتداء، ملكا؟ (تنبيه) خمسة أشياء خرجت من الجنة مع آدم عود البخور، وعصا موسى من شجر الآس وأوراق التين التي كان يستتر بها آدم والحجر الأسود، وخاتم سليمان. ونظمها بعضهم في قوله: وآدم معه أهبط العود والعصا * * لموسى من الآس النبات المكرم وأوراق تين واليمين بمكة * * وختم سليمان النبي المعظم وزاد بعضهم: الحجر الذي ربطه نبينا على بطنه، ومقام إبراهيم، وهو الحجر الذي كان يقف عليه لبناء البيت فيرتفع به حتى يضع الحجر، ويهبط حتى يتناوله من إسماعيل، وفيه أثر قدميه. (قوله: محاذيا) حال من الضمير في بدؤه، العائد على الطائف. (وقوله: له) أي للحجر الأسود، كله أو بعضه، فلا يشترط محاذاة كله. (وقوله: في مروره) أي في حال مروره. (قوله: ببدنه) متعلق بمحاذيا. (قوله: أي بجميع شقه الأيسر) تفسير مراد للبدن أي أن المراد بالبدن جميع الشق الأيسر، فهو على سبيل المجاز المرسل، والعلاقة الكلية والجزئية، والمراد أيضا بجميع الشق الأيسر مجموعه، وهو أعلاه المحاذي لصدره، وهو المنكب. وذلك لأن المحاذاة لا تكون إلا به كما هو ظاهر وعبارة التحفة: تنبيه يظهر أن المراد بالشق الأيسر أعلاه المحاذي للصدر، وهو المنكب، فلو انحرف عنه بهذا، أو حاذاه ما تحته من الشق الأيسر، لم يكف. اه. ثم إن ما ذكر من اشتراط المحاذاة مفروض في الابتداء، أما الانتهاء فيجب أن يكون الذي حاذاه في آخر الطواف هو الذي حاذاه في أوله، ومقدما إلى جهة الباب، ليحصل استيعاب البيت بالطواف. وزيادة ذلك الجزء احتياط فلو حاذى أولا طرفه مما يلي الباب، اشترط أن يحاذيه آخرا. وهذه دقيقة يغفل عنها. (قوله: وصفة المحاذاة) أي الكيفية التي تحصل بها المحاذاة، وهذه الكيفية ليست بواجبة، بل هي الفاضلة، وذلك لأنه لو ترك الاستقبال المذكور وحاذى الطرف مما يلي الباب بشقه الأيسر أجزأه، وفاتته الفضيلة. (قوله: أن يقف) أي مستقبلا للبيت. وقوله: بجانبه أي الحجر الأسود. وقوله: من جهة اليماني متعلق بيقف. أي يقف من جهة الركن اليماني. وقوله: بحيث إلخ الباء لتصوير الوقوف بجانبه، أي يقف وقوفا مصورا بحالة هي أن يصير جميع الحجر الأسود عن يمينه، أي ويصير منكبه الأيمن عند طرفه. (قوله: ثم ينوي) أي ثم بعد وقوفه المذكور ينوي الطواف. (قوله: ثم يمشي مستقبله) أي ثم بعد النية يمشي إلى جهة يمينه مستقبلا للحجر. وقوله: حتى يجاوز أي يمشي مستقبلا إلى أن يجاوز الحجر. والمراد إلى أن يبدأ في المجاوزة بحيث يحاذي منكبه طرف الحجر، وليس المراد إلى تمام المجاوزة، بدليل قوله فحينئذ إلخ كما ستعرفه. وعبارة غيره: إلى أن يحاذي منكبه طرف الحجر، فينحرف حينئذ، ويجعل جميع يساره لطرف الحجر. اه. وهي ظاهرة. وهذا على ما جرى عليه شيخه ابن حجر. أما على ما جرى عليه م ر: فالمراد إلى تمام المجاوزة، لأن الانفتال عنده يكون بعدها، لا في حال المجاوزة. (قوله: فحينئذ ينفتل) أي حين المجاوزة ينفتل، لا بعدها على ما جرى عليه ابن حجر أما على ما جرى عليه الرملي: فالانتقال يكون بعدها كما علمت ولا بد من استحضار النية عند هذا الانفتال، لأنه أول الطواف، وما قبله مقدمة له. (قوله: ويجعل يساره للبيت) معطوف على ينفتل، أي حينئذ يجعل يساره، ويصح جعل الواو للحال، أي ينفتل حال كونه جاعلا يساره. ويدل على هذا عبارة التحفة ونصها: فينفتل جاعلا يساره محاذيا جزءا من الحجر بشقه الأيسر. اه.

(و) خامسها: (جعل البيت عن يساره) مارا تلقاء وجهه، فيجب كونه خارجا بكل بدنه حتى بيده عن شاذروانه وحجره - للاتباع - فإن خالف شيئا من ذلك لم يصح طوافه، وإذا استقبل الطائف - لنحو دعاء - فليحترز عن أن يمر منه أدنى جزء قبل عوده إلى جعل البيت عن يساره. ويلزم من قبل الحجر أن يقر قدميه في ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ولا يجوز استقبال البيت إلا في هذا) أي في ابتداء الطواف. قال العلامة عبد الرؤوف: هذا الاستثناء صوري، لأن أول الطواف الواجب، هو هذا الانفتال، وما قبله مقدمته، لا منه. ومن ثم لم تجز النية إلا إن قارنته. اه. وما ذكره هو معتمد ابن حجر، واعتمد الجمال الرملي والخطيب وابن قاسم وغيرهم أن أول طوافه ما فعله أولا، وأن الاستثناء حقيقي. (قوله: وخامسها) أي الشروط الستة. (قوله: جعل البيت عن يساره) أي في كل خطوة من خطوات طوافه، فلو مر منه جزء وهو مستقبل البيت أو مستدبره لدعاء أو زحمة أو استلام أو نحوها، بطلت تلك الخطوة وما بني عليها حتى يرجع إلى محله الذي وقع الخلل فيه، أو يصل إليه فيما بعد تلك الطوفة. (فائدة) الطواف يمين، لما في مسلم: عن جابر رضي الله عنه، أنه - صلى الله عليه وسلم - أتى البيت فاستقبل الحجر، ثم مشى عن يمينه. أي الحجر. وحينئذ يكون الطائف عن يمين البيت، وغلط كثيرون فسرى إلى ذهنهم من اشتراط جعل البيت عن يساره أن الطواف يسار. (وقوله: مارا تلقاء وجهه) أي على الهيئة المعتادة له في المشي، سواء طاف منتصبا، أو منحنيا، أو زحفا، أو حبوا وإن قدر على المشي في الجميع. (قوله: فيجب كونه إلخ) هذا التفريع لا محل له، فالأولى التعبير بالواو ويكون مستأنفا، ساقه لبيان شرط آخر. وقوله: بكل بدنه ومثله ثوبه المتحرك بحركته عند حجر، لا نحو عود في يده. ومشى الخطيب في مغنيه: والرملي في النهاية، على أن الثوب وإن تحرك بحركته لا يضر. (قوله: حتى بيده) أي حتى يجب خروج يده. (قوله: عن شاذروانه) متعلق بخارجا، وهو جدار قصير نقصه ابن الزبير من عرض الأساس، وهو من الجهة الغربية واليمانية فقط كما في شرح بأفضل وموضع من النهاية وغيرهما، لكن المعتمد كما في التحفة ثبوته في جهة الباب أيضا. والحاصل أنه مختلف في ثبوته من جميع الجوانب فالإمام والرافعي لا يقولان به إلا في جهة الباب، وشيخ الإسلام ومن وافقه لا يقولان به من جهة الباب، وأبو حنيفة لا يقول به في جميع الجوانب، وفيه رخصة عظيمة، بل لنا وجه إن مس جدار الكعبة لا يضر، لخروج معظم بدنه عن البيت. وقوله: وحجره هو بكسر الحاء، ما بين الركنين الشاميين، عليه جدار قصير بينه وبين كل من الركنين فتحة، ويسمى أيضا حطيما، لكن الأشهر أنه ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم. (قوله: للاتباع) دليل لوجوب جعل البيت عن يساره، ولوجوب خروجه بكل بدنه عنه. والاتباع في الأول خبر جابر المار مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: خذوا عني مناسككم وفي الثاني أنه - صلى الله عليه وسلم - طاف خارجه مع قوله خذوا إلخ، ويدل له أيضا قوله تعالى: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * (1) وإنما يكون طائفا به إذا كان خارجا عنه، وإلا فهو طائف فيه. (قوله: فإن خالف شيئا من ذلك) راجع لجميع ما قبله، فاسم الإشارة يعود على المذكور من الطهر والستر وما بعدهما من الشروط. فلو طاف عاريا أو غير متطهر، أو من غير نية، أو لم يبدأ بالحجر الأسود، أو لم يجعل البيت عن يساره بأن جعله عن يمينه أو عن يساره لكن مشى القهقري، أو لم يخرج بكل بدنه عن الشاذروان والحجر، لم يصح طوافه. (قوله: وإذا استقبل الخ) هذه المسألة مفرعة على جعل البيت عن يساره. والتي بعدها أعني ويلزمه إلخ مفرعة على وجوب كونه خارجا بكل بدنه عما ذكره. فكان المناسب أن يترجم لهما كعادته. بأن يقول: فرعان (قوله: فليحترز عن أن يمر منه أدنى جزء إلخ) فإن مر منه أدنى جزء وهو مستقبل الكعبة قبل أن يجعل البيت عن يساره، بطلت تلك الخطوة وما بني عليها حتى يرجع إلى المحل الذي مر منه وهو مستقبل، أو يصل إليه في الطوفة الثانية مثلا وتلغو الطوفة التي وقع الخلل فيها. (قوله: ويلزم من قبل الحجر) أي أو استلم الركن اليماني. وهذه المسألة من الدقائق التي ينبغي التنبه لها كما نص عليه

_ (1) الحج: 29

محلهما حتى يعتدل قائما، فإن رأسه - حال التقبيل - في جزء من البيت. (و) سادسها: (كونه سبعا) يقينا، ولو في الوقت المكروه، فإن ترك منها شيئا - وإن قل - لم يجزئه. (وسن أن يفتتح) الطائف (باستلام الحجر) الاسود بيده، (و) أن (يستلمه في كل طوفة)، وفي الاوتار ـــــــــــــــــــــــــــــ في الإيضاح. (وقوله: أن يقر قدميه في محلهما) أي يثبتهما في محلهما. فلو زالت قدماه من محلهما إلى جهة الباب قليلا ولو بعض شبر في حال تقبيله، ثم لما فرغ من التقبيل اعتدل عليهما في الموضع الذي زالتا إليه فإن لم يرجع إلى المحل الذي زالتا منه ومضى من هناك إلى طوافه، بطلت طوفته هذه، لأنه قطع جزءا من مطافه وبدنه في هواء الشاذروان. (قوله: وسادسها) أي الشروط الستة. (قوله: كونه) أي الطواف. (وقوله: سبعا يقينا) فلو شك في العدد أخذ بالأقل كالصلاة إن كان الشك في الأثناء. فإن كان بعد الفراغ لم يؤثر، ومثله ما لو شك بعده في شرط من الشروط كالطهارة فإنه لا يؤثر. ولو أخبره عدل على خلاف ما يعتقده، فإن كان بالنقص سن الأخذ به إن لم يورثه الخبر ترددا وإلا وجب الأخذ. وفارق الصلاة بأنها تبطل بالزيادة. وإن كان بالتمام لم يجز الأخذ به إلا إن بلغوا عدد التواتر. (قوله: ولو في الوقت المكروه) هذه الغاية للتعميم، ولكن لا محل لها هنا، إذ لا علاقة بينها وبين العدد حتى يعمم بها فيه، فكان المناسب أن يذكر مسألة مستقلة كما صنع شيخه وعبارته: ولا يكره في الوقت المنهي عن الصلاة فيه. والمعنى أن الطواف يصح ولو في الأوقات التي تكره فيها الصلاة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء. (قوله: فإن ترك منها) أي السبع. وهو مفهوم قوله سبعا، وقد علمت مفهوم قوله يقينا. (وقوله: شيئا وإن قل) أي ولو بعض خطوة. (قوله: لم يجزئه) أي الطواف. أي إن لم يتداركه، فلو مات وقد ترك بعض خطوة من طواف الحج لم يصح حجه. (قوله: وسن أن يفتتح الطائف) شروع في ذكر بعض سنن الطواف. وهي كثيرة. منها ما ذكره المؤلف، ومنها السكينة، والوقار، وعدم الكلام إلا في خير كتعليم جاهل برفق إن قل وسجدة التلاوة لا الشكر لأن الطواف كالصلاة، وسجدة الشكر تحرم فيها. ومنها رفع اليدين عند الدعاء، وجعلهما تحت صدره في غير الدعاء بالكيفية المعهودة في الصلاة كما نص عليه في التحفة وعبارتها بعد كلام: ورفع اليدين في الدعاء كما في الخصال، ومنه مع تشبيههم الطواف بالصلاة في كثير من واجباته وسننه الظاهر في أنه يسن ويكره فيه كل ما يتصور من سنن الصلاة ومكروهاتها يؤخذ أن السنة في يدي الطائف إن دعا رفعهما، وإلا فجعلهما تحت صدره بكيفيتهما ثم. اه. ومنها الدعاء فيه، وهو بالمأثور أفضل، حتى من القراءة، وهو كما في شرح الروض نقلا عن الأصحاب - أن يقول عند استلام الحجر في كل طوفة والأولى آكد بسم الله والله أكبر. اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وقبالة الباب اللهم البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار ويشير بقلبه إلى مقام إبراهيم. وعند الانتهاء إلى الركن العراقي اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك، والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق، وسوء المنظر في المال والأهل والولد. وعند الانتهاء تحت الميزاب اللهم أظلني في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك. واسقني بكأس محمد - صلى الله عليه وسلم - شرابا هنيئا لا أظمأ بعده أبدا، يا ذا الجلال والإكرام. وبين الركن الشامي واليماني اللهم اجعله حجا مبرورا، وذنبا مغفورا، وسعيا مشكورا، وعملا مقبولا، وتجارة لن تبور. والمناسب للمعتمر أن يقول: وعمرة مبرورة. ويحتمل استحباب التعبير بالحج مراعاة للخبر، ويقصد المعنى اللغوي وهو مطلق القصد نبه عليه الأسنوي، قال في المغنى: ومحل الدعاء بهذا إذا كان الطواف في ضمن حج أو عمرة، وإلا فيدعو بما أحب. اه. وقال بعضهم: يأتي بما ذكر ولو كان الطواف ليس طواف نسك اتباعا للوارد، ويقصد بذلك أيضا المعنى اللغوي. وبين اليمانيين اللهم * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) * (1).

_ (1) البقرة: 201

آكد، وأن يقبله، ويضع جبهته عليه، (و) يستلم (الركن) اليماني، ويقبل يده بعد استلامه، (و) أن (يرمل ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: باستلام الحجر الأسود إلخ) اختصر المؤلف ما يندب للطائف عند ابتداء الطواف، وحاصله أنه يندب له قبل البدء بالطواف إذا كان المطاف خاليا أن يستقبل الحجر الأسود، ويستلمه بيده، ثم يقبله بفمه، ثم يضع جبهته عليه، ويراعي ما ذكر في كل مرة ويكرره ثلاثا. هذا كله عند القدرة، فإن عجز عن التقبيل استلم بيده اليمنى، فإن عجز عنه فباليسرى، فإن عجز عن استلامه استلمه بنحو عود ثم قبل ما استلم به، فإن عجز عن استلامه أشار إليه بيده أو بشئ فيها ثم قبل ما أشار به. ولا يشير بالفم إلى التقبيل، ولا يزاحم للتقبيل، بل تحرم المزاحمة له وللاستلام إن آذى غيره أو تأذى به، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: يا عمر، إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف. إن وجدت خلوة، وإلا فهلل وكبر. رواه الشافعي وأحمد - رضي الله عنهما - وأما نصه في الأم على طلب الاستلام أول الطواف وآخره ولو بالزحام، فمحمول على زحام ليس معه ضرر بوجه. (قوله: وأن يقبله) المصدر المؤول معطوف على استلام. (قوله: ويستلم الركن اليماني) أي عند القدرة، وإلا أشار إليه بيده، أو بشئ فيها. (فائدة) مما ورد في فضل الركن اليماني قوله - صلى الله عليه وسلم -: ما مررت بالركن اليماني إلا وعنده ملك ينادي: آمين. آمين. فإذا مررتم فقولوا: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: وكل بالركن اليماني سبعون ملكا. من قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة قالوا: آمين. قال العز بن جماعة: ولا تعارض بين الحديثين على تقدير الصحة إذ يحتمل أن السبعين موكلون به لم يكلفوا التأمين وإنما يؤمنون عند سماع الدعاء، والملك كلف قول آمين. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن عند الركن اليماني بابا من أبواب الجنة، والركن الأسود من أبواب الجنة، وما من أحد يدعو عند الركن الأسود إلا استجاب الله له. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ما بين الركن اليماني والحجر الأسود روضة من رياض الجنة. وعن عطاء: قال: قيل: يا رسول الله تكثر من استلام الركن اليماني قال: ما أتيت عليه قط إلا وجبريل قائم عنده يستغفر لمن يستلمه. وعن مجاهد أنه قال: ما من إنسان يضع يده على الركن اليماني ويدعو إلا استجيب له، وأن بين الركن اليماني والركن الأسود سبعين ألف ملك لا يفارقونه، هم هنالك منذ خلق الله البيت. (قوله: ويقبل يده) أي أو ما أشار به للركن عند عدم استلامه كما في التحفة والنهاية والمغني وجزم حجر في شرح بأفضل ومختصر الإيضاح وحاشيته أنه لا يقبل ما أشار به للركن اليماني فارقا بين الحجر وبين الركن اليماني بأن الحجر أشرف، فاختص بذلك. واعلم أنه لا يسن تقبيل الركنين الشاميين ولا استلامهما. قال م ر: والسبب في اختلاف الأركان في هذه الأحكام: أن ركن الحجر فيه فضيلتان كون الحجر فيه، وكونه على قواعد أبينا إبراهيم. واليماني فيه فضيلة واحدة، وهو كونه على قواعد أبينا إبراهيم. وأما الشاميان فليس لهما شئ من الفضيلتين. اه. (قوله: وإن يرمل) أي وسن الرمل، وسببه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة بأصحابه معتمرين سنة سبع قبل الفتح بسنة وقد وهنتهم الحمى، فقال المشركون: هؤلاء قد وهنتهم حمى يثرب، فلم يبق لهم طاقة بقتالنا، فأطلع الله نبيه على ما قالوا، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا ليرى المشركون جلدهم وبقاء قوتهم، ففعلوا، فلما رآهم المشركون قالوا: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟ إنهم لأجلد من كذا وكذا. وإنما شرع مع زوال سببه ليتذكر به فاعله نعمة

- ذكر) في الطوفات (الثلاث الاول من طواف بعده سعي) بإسراع مشيه مقاربا خطاه، وأن يمشي في الاربعة الاخيرة على هيئته - للاتباع - ولو ترك الرمل في الثلاث الاول: لا يقضيه في البقية. ويسن أن يقرب - الذكر - من البيت، ما لم يؤذ أو يتأذ بزحمة، فلو تعارض القرب منه والرمل: قدم، لان ما يتعلق بنفس العبادة، أولى من المتعلق بمكانها، وأن يضطبع في طواف يرمل فيه، وكذا في السعي: وهو جعل وسط ردائه تحت منكبه الايمن، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله بظهور الإسلام، وإعزاز أهله، وتطهير مكة من المشركين على ممر الأعوام والسنين. وقوله: ذكر خرج به الأنثى، فلا يسن لها الرمل ولو ليلا، ولو في خلوة لأن بالرمل تتبين أعطافها، وفيه تشبه بالرجال. قال في التحفة: بل يحرم إن قصدت التشبه. ومثل الرمل في ذلك الاضطباع. ومثل الأنثى: الخنثى. (قوله: في الطوفات) بإسكان الواو على الأفصح ويجوز فتحها. (قوله: من طواف بعده سعي) أي حال كون الطوفات الثلاث كائنة من طواف يعقبه سعي، أي مطلوب في حج أو عمرة، وإن كان مكيا. فإن رمل في طواف القدوم، وسعى بعده سعي الحج، لا يرمل في طواف الركن، لأن السعي بعده حينئذ غير مطلوب، ولا رمل في طواف الوداع لذلك. (قوله: بإسراع مشيه) تصوير للرمل. أي أن الرمل هو أن يسرع فيه مشيه أي مع هز كتفيه ومع غير عدو ووثب، ويسمى خببا. وقوله: مقاربا حال من فاعل إسراع. وقوله: خطاه بضم الخاء جمع خطوة، بضم الخاء أيضا: اسم لما بين القدمين، أما الخطوة بالفتح وهي نقل القدم فجمعها خطاء بكسر الخاء والمد كركوة وركاء كما قال في الخلاصة: فعل وفعلة فعال لهما. (قوله: وأن يمشي في الأربعة) معطوف على أن يرمل. أي وسن أن يمشي في الأربعة الأخيرة. (وقوله: على هيئته) أي سجيته وطبيعته. وفي بعض النسخ على هينته بنون، فتاء أي تأنيه. (قوله: للاتباع) دليل لسنية الرمل في الثلاث الأول، ولسنية المشي في الأربعة الأخيرة، وهو ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا. وروى مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم -: رمل من الحجر إلى الحجر ثلاثا، ومشى أربعا. (قوله: ولو ترك الرمل) ضبطه الخطيب في منسكه بفتح الراء والميم، ولكن القياس إسكان الميم. (قوله: لا يقضيه) أي الرمل في البقية، أي الأربعة الأخيرة. وذلك لأن هيئتها السكينة، فلا تغير، كالجهر لا يقضى في الأخيرتين إذا ترك من الأولتين. (قوله: ويسن أن يقرب الذكر من البيت) أي تبركا به، لشرفه، ولأنه أيسر لنحو الاستلام. وخرج بالذكر الأنثى، والخنثى، فلا يقربان استحبابا في حالة طواف الذكور بل يكونان في حاشية المطاف، بحيث لا يخالطان الذكور. (قوله: ما لم يؤذ أو يتأذ بزحمة) قيد في سنية القرب. أي ويسن مدة عدم إيذائه غيره أو تأذيه بسبب زحمة لو قرب، وإلا فلا يسن له القرب. وعبارة شرح الروض، نعم إن تأذى بالزحام أو آذى غيره فالبعد أولى. قال في المجموع. كذا أطلقوه. وقال البندنيجي: قال الشافعي في الأم ابتداء الطواف وآخره فأحب له الاستلام ولو بالزحام. اه. وقد توهم أنه يغتفر في الابتداء والآخرة التأذي والإيذاء بالزحام، وهو ما فهمه الأسنوي، وصرح به، وليس مرادا كما نبه عليه الأذرعي وقال: إنه غلط قبيح. (وحاصل نص الام إلخ) أنه يتوقى الأذى والإيذاء بالزحام مطلقا، ويتوقى الزحام الخالي عنهما إلا في الابتداء والآخر. اه. (قوله: فلو تعارض القرب منه) أي من البيت من غير رمل. (وقوله: والرمل) أي مع البعد. (وقوله: قدم) أي الرمل، على القرب، فكونه يرمل في حاشية المطاف أولى من كونه يقرب من غير رمل. (قوله: لأن ما يتعلق الخ) عبارة شرح الروض: لأن الرمل شعاره مستقل، ولأنه متعلق بنفس العبادة، والقرب متعلق بمكانها، والمتعلق بنفسها أولى، بدليل أن صلاة الجماعة في البيت أولى من الانفراد في المسجد هذا إن لم يخش ملامسة النساء مع التباعد، فإن خشيها تركه - أي التباعد والرمل - فالقرب حينئذ بلا رمل أولى - تحرزا عن ملامستهم المؤدية إلى انتقاض الطهارة - وكذا لو كان بالقرب أيضا نساء، وتعذر الرمل في جميع المطاف - لخوف الملامسة - فترك الرمل أولى. اه. بحذف. (قوله: وأن يضطبع) معطوف على أن يقرب. أي ويسن أن يضطبع الذكر في طواف يرمل فيه، وهو الذي يعقبه السعي، ولو كان

وطرفيه على الايسر - للاتباع - وأن يصلي بعده ركعتين خلف المقام، ففي الحجر. (فرع) يسن أن يبدأ كل من الذكر والانثى بالطواف عند دخول المسجد للاتباع، رواه الشيخان - إلا أن ـــــــــــــــــــــــــــــ لابسا. (قوله: وكذا في السعي) أي وكذا يسن الاضطباع في السعي، قياسا على الطواف. قال في التحفة: ويكره فعله في الصلاة كسنة الطواف. اه. (قوله: وهو) أي الاضطباع، شرعا. أما لغة: فهو افتعال من الضبع - بإسكان الباء - وهو العضد. (وقوله: جعل وسط) بفتح السين في الأفصح. (وقوله: وطرفيه) أي وجعل طرفيه - أي الرداء -. (وقوله: على الأيسر) أي منكبه الأيسر. (قوله: للاتباع) دليل لسنية الاضطباع وهو أنه - صلى الله عليه وسلم -: اعتمر هو وأصحابه من الجعرانة، ورملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها أعلى عواتقهم اليسرى. رواه أبودواد بإسناد صحيح. (قوله: وأن يصلي بعده) أي وسن أن يصلي بعد الطواف ركعتين. (وقوله: خلف المقام) أي وإن بعد ثلثمائة ذراع. والأفضل أن لا يزيد ما بينهما على ثلاثة أذرع. (وقوله: ففي الحجر) عبارة غيره: فإن لم يتيسر له خلفه، ففي الكعبة، فتحت الميزاب، فبقية الحجر، فالحطيم، فوجه الكعبة، فبين اليمانيين، فبقية المسجد، فدار خديجة، فمكة، فالحرم. ولا يفوتان إلا بموته. اه. الأفضل لمن طاف أسابيع، فعلهما بعد كل أسبوع. وإذا أخرهما صلى لكل منها ركعتين. ويجزئ للكل ركعتان، ويسن أن يقرأ فيهما سورتي الكافرون، والإخلاص وأن يجهر بالقراءة ليلا، وما ألحق به مما بعد الفجر إلى طلوع الشمس، ويسر فيما عدا ذلك. (فائدة) عن عبد الله بن سليمان، قال: طاف آدم عليه السلام بالبيت سبعا حين نزل على الأرض، ثم صلى ركعتين، ثم أتى الملتزم، فقال: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي، فاقبل معذرتي. وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي. وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي. اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي، والرضا بما قضيت علي، فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم، قد دعوتني بدعوات فاستجبت لك: ولن يدعو بها أحد من ولدك إلا كشفت همومه وغمومه، وكشفت عنه ضيقه، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عينيه، ورزقته من حيث لا يحتسب، وأتته الدنيا وهي راغمة، ولو كان لا يريدها. (تنبيه) اختلف العلماء في الصلاة والطواف في المسجد الحرام - أيهما أفضل؟ فقال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء ومجاهد: الصلاة لأهل مكة أفضل، وأما الغرباء، فالطواف لهم أفضل. وقال بعضهم: الطواف أفضل مطلقا. واختلفوا أيضا في أن الطواف بعد صلاة الصبح أفضل، أو الجلوس إلى طلوع الشمس مع الاشتغال بالذكر أفضل؟ فقال كثيرون - منهم الشهاب الرملي - إن الطواف أفضل. وقال آخرون إن الجلوس أفضل، واستصوبه ابن حجر مؤيدا له بأنه صح أن: من صلى الصبح، ثم قعد يذكر الله تعالى إلى أن تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كان له أجر حجة وعمرة تامتين. ولم يرد في الأحاديث الصحيحة في الطواف ما يقارب ذلك، وبأن بعض الأئمة كره الطواف بعد صلاة الصبح، ولم يكره أحد تلك الجلسة، بل أجمعوا على ندبها، وعظيم فضلها. وحمل الأولون القعود في الحديث المذكور: على استمرار الذكر وعدم تركه. قالوا: والطواف: فيه الذكر والطواف، فقد جمع بين الفضليتين. (قوله: فرع الخ) مراده يذكر في هذا الفرع ما يسن للقادم مكة أول قدومه، وليس مراده بيان ما يسن لداخل المسجد الحرام - لأن هذا قد علم من مبحث تحية المسجد، حيث قال هناك: وتكره لخطيب، ولمريد طواف، فيكون ذكره هنا لا فائدة فيه. وإذا علمت أن هذا مراده لما ذكر، فكان المناسب أن يقول - كغيره - فرع: يسن لمن قدم مكة أن يبدأ بدخول المسجد، وأن يشتغل عقبه بالطواف. (قوله: يسن أن يبدأ) أي قبل تغيير ثيابه، واكتراء منزله، وحط رحله، وسقي دوابه. (وقوله: كل من الذكر والأنثى) أي ما عدا ذات الجمال والشرف، أما هي: فالسنة في حقها تأخير الطواف إلى الليل. (وقوله: بالطواف) أي طواف القدوم إن لم يعتمر، أو بطواف العمرة إن اعتمر. (قوله: عند دخول المسجد)

يجد الامام في مكتوبة، أو يخاف فوت فرض، أو راتبة مؤكدة فيبدأ بها - لا بالطواف. (وواجباته) أي الحج خمسة، وهو ما يجب بتركه الفدية (إحرام من ميقات) فميقات الحج لمن بمكة: هي. وهو للحج والعمرة للمتوجه من المدينة: ذو الحليفة المسماة ببئر علي. ومن الشام ومصر والمغرب: الجحفة. ومن تهامة اليمن: ـــــــــــــــــــــــــــــ أي عقب دخوله. ولو لم يطف عقب دخوله من غير عذر، ففي فواته وجهان: قيل يفوت، وقيل لا. وعبارة شرح الروض: قال في المجموع: قد ذكرنا أنه يؤمر بطواف القدوم أول قدومه، فلو أخره ففي فواته وجهان حكاهما الإمام، لأنه يشبه تحية المسجد. اه. وقضيته أنه لا يفوت بالتأخير، ومعلوم أنه لا يفوت بالجلوس - كما تفوت به تحية المسجد -. نعم، يفوت بالوقوف بعرفة، ويحتمل فواته بالخروج من مكة. اه. (قوله: للاتباع) هو ما رواه الشيخان من أنه - صلى الله عليه وسلم - أول شئ بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ، ثم طاف بالبيت والمعنى فيه أن الطواف تحية البيت، لا المسجد، فلذلك يبدأ به. (قوله: إلا إن يجد الخ) استثناء من سنية البدء بالطواف، أي محل سنيته إن لم يجد الإمام في مكتوبة. ومثله ما إذا قرب وقت إقامة الجماعة المشروعة، ولو في نفل كالعيد. (قوله: أو يخاف الخ) أي أو إلا أن يخاف فوت فرض، أو فوت راتبة مؤكدة لضيق الوقت. (وقوله: فيبدأ بها) أي بالمكتوبة. مع الإمام. وبالفرض وبالراتبة، فالضمير يعود على الثلاث. وقوله: لا بالطواف: أي لا يبدأ بالطواف، لأنه لا يفوت لو أخره، بخلافها، فإنه تفوت. قال في شرح الروض: ولو كان عليه فائتة قدمها على الطواف أيضا، ولو دخل وقد منع الناس من الطواف صلى تحية المسجد. جزم به في المجموع. اه. (قوله: وواجباته الخ) أي وأما واجبات العمرة فشيئان: الإحرام من الميقات، واجتناب محرمات الإحرام. (وقوله: خمسة) أي بناء على عده طواف الوداع من المناسك. والذي صححه الشيخان أنه ليس منها، فهو واجب مستقل، وعليه، تكون الواجبات أربعة، وترك المصنف سادسا، وهو: التحرز عن محرمات الإحرام، والأولى أن يبدل طواف الوداع به. (قوله: وهي) أي الواجبات. (وقوله: ما يجب بتركه الفدية) أي والإثم إن كان لغير عذر. (واعلم) أن الفرق بين الواجبات والأركان خاص بهذا الباب، لأن الواجبات في غيره تشمل الأركان والشروط، فكل ركن واجب، ولا عكس، فبينهما عموم وخصوص بإطلاق. (قوله: إحرام من ميقات) أي كون الإحرام منه، لأنه الواجب، وأما أصل الإحرام: فركن - كما تقدم -. قال في التحفة: هو لغة: الحد. وشرعا: هنا زمن العبادة ومكانها. فإطلاقه عليه حقيقي، إلا عند من يخص التوقيت بالحد بالوقت فتوسع. اه. (واعلم) أن المصنف تعرض للميقات المكاني، ولم يتعرض للزماني، فهو بالنسبة للحج: شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة. وبالنسبة للعمرة: جميع السنة، لكن قد يمتنع الإحرام بها لعارض، ككونه محرما بالحج، لامتناع إدخال العمرة على الحج إن كان قبل تحلله، ولعجزه، عن التشاغل بعملها إن كان بعده، وقبل النفر من منى، وككونه محرما بالعمرة، لأن لا تدخل على العمرة. (قوله: فيمقات الحج الخ) شروع في بيان المواقيت. (وقوله: لمن بمكة) أي سواء كان مكيا أو آفاقيا. (وقوله: هي) أي مكة. فلو أحرم خارج بنيانها أي في محل يجوز قصر الصلاة فيه لمن سافر منها ولم يعد إليها قبل الوقوف - أساء، ولزمه دم. وهل الأفضل أن يحرم من باب داره، أو من المسجد الحرام؟ وجهان. والمعتمد ألأول، لكن بعد إتيانه أولا المسجد، وصلاته ركعتين فيه - كما في حاشية الايضاح - ونصها: المعتمد أنه يسن له أولا ركعتا الإحرام بالمسجد، ثم يأتي إلى باب داره فيحرم عند أخذه في السير بنفسه أو دابته إذ الإحرام لا يسن عقب الركعتين، بل عند الخروج إلى عرفة ثم يدخل المسجد محرما لطواف الوداع المسنون له. اه. (قوله: وهو) أي الميقات. (قوله: للحج والعمرة) الجار والمجرور حال من المبتدأ على رأي سيبويه، أو من خبره. ومثله الجار والمجرور الذي بعده. (قوله: ذو الحليفة) تصغير الحلفة بفتح أوله واحدة الحلفاء نبات معروف. (وقوله: المسماة ببئر علي) قال في التحفة لزعم العامة أنه قاتل الجن فيها. اه. وفي شرح الرملي وابن علان: إنه كذب لا أصل له. وفي البجيرمي: بل نسبت إليه لكونه حفرها. اه.

يلملم، ومن نجد اليمن والحجاز: قرن. ومن المشرق: ذات عرق. وميقات العمرة لمن بالحرم الحل، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أبدى العلامة الكردي في حاشيته الكبرى حكمة لطيفة لكون ميقات المدينة أبعد المواقيت، وعبارته: ظهر للفقير في تقرير حكمة ذلك هو أن يقال: إن الله اختار لنبيه - صلى الله عليه وسلم - لكونه أفضل الأنبياء أفضل المواقيت، لبعده عن مكة، فتعظم المشقة والأجر على قدر النصب ومنح أهل بلدته الشريفة هذه الفضيلة ببركة جواره - صلى الله عليه وسلم -، واقتفائهم طريقه التي سلكها - صلى الله عليه وسلم -، فكل من جاء من المدينة من الآفاق، وسلك الطريق التي سلكها - صلى الله عليه وسلم -، وجب حقه عليه - صلى الله عليه وسلم - بتطفله على فسيح بابه، فمنح بالفضل العظيم الذي منه وجوب شفاعته - صلى الله عليه وسلم - له، لاستحقاقه إياها بالوعد الصادق منه - صلى الله عليه وسلم -، فصار لعدم تطرق احتمال خلف فيه كأنه واجب حقيقي، بل أبلغ منه إذ قد يوجد تخلف عن الواجبات من بعض المكلفين وشفاعته الخاصة المرادة في مثل هذا المقام لا تكون إلا لمن ختم له بالإيمان. وهو رأس مال الدنيا والآخرة. ومنه الإحرام مما أحرم منه - صلى الله عليه وسلم - لينال فضيلة مشقة مصابرة الإحرام من أبعد المواقيت. وأيضا. ينال فضيلة ابتاعه - صلى الله عليه وسلم - بالإحرام منه، فهي تربو على كل فضيلة. ألا ترى إلى قول أئمتنا بتفضيل الحج راكبا على الحج ماشيا مع ما ورد فيه من الفضل مما لم يرد مثله في حق الراكب؟ قالوا: لكن في فضيلة الاتباع ما يربو على ذلك، وبتفضيل صلاة الظهر بمنى يوم النحر عليها في المسجد الحرام، فكيف بما حوى فضيلتي الاتباع وعظم المشقة؟ اه. (قوله: ومن الشام الخ) معطوف على من المدينة، أي وهو للمتوجه من الشام ومصر والمغرب. (قوله: الجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، وهي قرية كبيرة بين مكة والمدينة، وهي أوسط المواقيت سميت بذلك لأن السيل أجحفها أي أزالها فهي الآن خراب، ولذلك بدلوها الآن برابغ، وهي قبل الجحفة بيسير، فالإحرام من رابغ مفضول لتقدمه على الميقات إلا إن جهلت الجحفة، أو تعسر بها فعل السنن للإحرام من غسل ونحوه، أو خشي من قصدها على ماله، فلا يكون مفضولا. (قوله: ومن تهامه اليمن) معطوف على من المدينة أيضا، أي وهو للمتوجه من تهامه اليمن، وهي اسم للأرض المنخفضة، ويقابلها نجد، فإن معناه الأرض المرتفعة، واليمن الذي هو إقليم معروف، مشتمل على نجد وتهامة، وفي الحجاز مثلهما. (وقوله: يلملم) بفتح التحتية أوله، أو يقال له ألملم بهمزة أوله. ويقال له أيضا يرمرم براءين مهملتين. وهو جبل من جبال تهامة، بينه وبين مكة مرحلتان طويلتان. (قوله: ومن نجد واليمن والحجاز) معطوف أيضا على من المدينة، أي وهو للمتوجه من نجد واليمن والحجاز، أي من الأرض المرتفعة منهما كما تقدم. وقوله: قرن بفتح القاف وسكون الراء، هو جبل على مرحلتين من مكة، ويقال له قرن المنازل، وقرن الثعالب. وأما قرن بفتح الراء فهو اسم قبيلة ينسب إليها أويس القرني رضي الله عنه. (قوله: ومن المشرق) معطوف على من المدينة أيضا، أي وهو للمتوجه من المشرق، وهو إقليم تشرق الشمس من جهته، شامل للعراق وغيره. (وقوله: ذات عرق) هي قرية خربة في طريق من طرق الطائف، أرضها سبخة تنبت الطرفاء، بينها وبين مكة مرحلتان. وعرق بكسر العين المهملة، وسكون الراء جبل صغير مشرف على وادي العقيق. (تنبيه) قد نظم بعضهم المواقيت مع بيان مسافتها، فقال: قرن يلملم ذات عرق كلها * * في البعد مرحلتان من أم القرى ولذي الحليفة بالمراحل * * عشرة وبها لجحفة ستة فاخبر ترى والأصل فيها خبر الصحيحين: أنه - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم. وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة. (قوله: وميقات العمرة لمن بالحرم الحل) أي فيلزمه الخروج إليه، ولو بأقل من خطوة، ليحصل له فيها الجمع بين

وأفضله الجعرانة، فالتنعيم، فالحديبية. وميقات من لا ميقات له في طريقه: محاذاة الميقات الوارد إن حاذاه في بر أو بحر، وإلا فمرحلتان من مكة، فيحرم الجائي في البحر من جهة اليمين من الشعب المحرم الذي يحاذي يلملم، ولا يجوز له تأخير إحرامه إلى الوصول إلى جدة، خلافا لما أفتى به شيخنا من جواز تأخيره إليها، وعلل ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرم والحل، كما في الحج فإنه فيه الجمع بين الحرم والحل بعرفة، فلو لم يخرج إليه، وأتى بالعمرة أجزأته، لكنه يأثم ويلزمه دم، إلا أن خرج إليه بعد إحرامه وقبل الشروع في شئ من أعمالها فلا دم، وكذا لا إثم إن كان وقت الإحرام عازما على هذا الخروج، وإلا أثم فقط. (قوله: وأفضله الجعرانة) أي أفضل بقاع الحل الجعرانة أي لاعتماره - صلى الله عليه وسلم - منها بنفسه، ولحكاية الأذرعي عن الجندي في فضائل مكة أنه اعتمر منها ثلثمائة نبي وهي بكسر الجيم، وسكون العين، وتخفيف الراء على الأفصح -: قرية في طريق الطائف، على ستة فراسخ من مكة، سميت باسم امرأة كانت ساكنة بها. (قوله: فالتنعيم) أي فيليها في الرتبة التنعيم لامره - صلى الله عليه وسلم - السيدة عائشة بالاعتمار منها. والتنعيم هو المكان المعروف بمساجد عائشة سمي بذلك لأن عن يمينه واديا يقال له ناعم، وعن يساره واديا يقال له نعيم، وهو في واد يقال له نعمان، بينه وبين مكة فرسخ. (قوله: فالحديبية) أي فيلي التنعيم الحديبية، لأنه - صلى الله عليه وسلم - هم بالاعتمار منها فصده المشركون، فقدم فعله، ثم أمره، ثم همه. والحديبية بتخفيف الياء على الأفصح بئر بين طريقي جدة والمدينة على ستة فراسخ من مكة، سميت بذلك لأن عندها شجرة حدباء، كانت بيعة الرضوان عندها. (قوله: وميقات من لا ميقات له في طريقه) أي كأهل مصر والمغرب إذا سلكوا لجة البحر. وفي البجيرمي ما نصه: لا يقال المواقيت متفرقة لجهات مكة، فكيف يتصور عدم محاذاته الميقات؟ فينبغي أن المراد عدم المحاذاة في ظنه، دون نفس الأمر، لأنا نقول يتصور بالجائي من سواكن إلى جدة، من غير أن يمر برابغ ولا بيلملم، لأنهما حينئذ أمامه، فيصل جدة قبل محاذاتهما، وهي على مرحلتين من مكة، فتكون هي ميقاته. شرح حجر. اه. (قوله: محاذاة الميقات الوارد إن حاذاه) هذا إذا حاذى ميقاتا واحدا، فإن حاذى ميقاتين، أحرم من محاذاة أقربهما إليه، فإن استويا في القرب إليه أحرم من محاذاة أبعدهما من مكة، ومن سكن بين مكة وبين الميقات فميقاته مسكنه. (قوله: وإلا فمرحلتان) أي وإن لم يحاذ ميقاتا أحرم على مرحلتين من مكة، لأنه لا ميقات بينه وبين مكة أقل من هذه المسافة. (قوله: فيحرم الجائي الخ) مفرع على قوله محاذاة الميقات الخ. وقوله: من جهة اليمن متعلق بالجائي. (وقوله: من الشعب) متعلق بيحرم. (وقوله: المحرم) لعل في العبارة سقطا أي المسمى بالمحرم، أو الذي يقال له المحرم. وقوله: الذي الخ صفة للشعب. (قوله: ولا يجوز له) أي للجائي في البحر من جهة اليمن. (قوله: خلافا لما أفتى به شيخنا) هو مصرح به في التحفة، ونصها: وبه يعلم أن الجائي من اليمن في البحر له أن يؤخر إحرامه من محاذاة يلملم إلى جدة، لأن مسافتها إلى مكة كمسافة يلملم كما صرحوا به. قال الكردي بعد أن ساق العبارة المذكورة: وممن قال بالجواز: النشيلي مفتي مكة والفقيه أحمد بلحاج، وابن زياد اليمني وغيرهم. وممن قال بعدم الجواز: عبد الله بن عمر بامخرمة، ومحمد بن أبي بكر الأشخر، وتلميذ الشارح عبد الرؤوف. قال: لأن جدة أقل مسافة بنحو الربع كما هو مشاهد وإن وجد تصريح لهم بأن كلا من يلملم وجدة مرحلتان، فمرادهم أن كلا لا ينقص عن مرحلتين، ولا يلزم منه استواء مسافتهما، لا سيما وقد حقق التفاوت الكثير ممن سلك الطريقين، وهم عدد كادوا أن يتواتروا. قال ابن علان في شرح الإيضاح: وليس هذا مما يرجع لنظر في المدرك حتى يعمل فيه بالترجيح، بل هو أمر محسوس يمكن التوصل لمعرفته بذرع حبل طويل يوصل لذلك. اه. وفي البطاح ما نصه: قال ابن الجمال وما في التحفة مبني على اتحاد المسافة الظاهر من كلامهم، فإذا تحقق

بأن مسافتها إلى مكة كمسافة يلملم إليها. ولو أحرم من دون الميقات لزمه دم - ولو ناسيا، أو جاهلا - ما لم يعد إليه قبل تلبسه بنسك، ولو طواف قدوم، وأثم غيرهما (ومبيت بمزدلفة) ولو ساعة من نصف ثان من ليلة النحر، ـــــــــــــــــــــــــــــ التفاوت فهو قائل بعدم الجواز قطعا، بدليل صدر كلامه النص في ذلك، وأيضا كل محل من البحر بعد رأس العلم أقرب إلى مكة من يلملم. وقد قال بذلك في التحفة. (1) وقال شيخنا السيد العلامة يوسف بن حسين البطاح الأهدل نقلا عن شيخنا السيد العلامة سليمان بن يحيى بن عمر مقبول رحمهم الله تعالى ما حاصله إن من أحرم من جدة من أهل اليمن يلزمه دم، وكل من وافق الشيخ ابن حجر - مثل ابن مطير، وابن زياد، وغيرهم من اليمنيين فكلامهم مبني على اتحاد المسافة بين ذلك، وقد تحقق التفاوت كما علمت فهم قائلون بعدم جواز ذلك، أخذا من نص تقييدهم المسافة. اه. (قوله: من جواز الخ) بيان لما. وقوله: تأخيره أي الإحرام. وقوله: إليها أي إلى جدة. (قوله: وعلل) أي شيخه، الجواز، فالمفعول محذوف. (قوله: بأن مسافتها) أي جدة. (وقوله: إلى مكة) أي المنتهية إلى مكة. فالجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمسافتها. وقوله: كمسافة يلملم خبر أن. وقوله: إليها أي إلى مكة. (قوله: ولو أحرم من دون الميقات لزمه دم) هذا إن بلغه مريد النسك، ولو في العام القابل، وإن أراد إقامة طويلة ببلد قبل مكة، فإن بلغه غير مريد للنسك ثم عن له الإحرام من بعده، فميقاته حيث عن له، ولا يلزمه شئ، وهذا يسمى الميقات المعنوي. (قوله: ولو ناسيا أو جاهلا) قال في التحفة: وساوى الجاهل والناسي غيرهما في ذلك لأن المأمور به يستوي في وجوب تداركه المعذور وغيره. نعم، استشكل ما ذكر في الناسي للإحرام بأنه يستحيل أن يكون حينئذ مريدا للنسك. وأجيب بأن يستمر قصده إلى حين المجاوزة، فيسهو حينئذ، وفيه نظر، لأن العبرة في لزوم الدم وعدمه بحاله عند آخر جزء من الميقات، وحينئذ: فسهوه إن طرأ عند ذلك الجزء فلا دم، أو بعده فالدم. اه. (قوله: ما لم يعد الخ) قيد في لزوم الدم. أي يلزمه الدم مدة عدم عوده إلى الميقات قبل تلبسه بنسك بأن لم يعد أصلا، أو عاد بعد التلبس فإن عاد إليه قبل التلبس بنسك سقط عنه الدم، لقطعه المسافة من الميقات محرما. (قوله: ولو طواف قدوم) غاية في النسك المشترط عدم التلبس به. أي ولو كان ذلك النسك طواف قدوم، فإذا عاد قبل الشروع فيه سقط عنه الدم، فإن عاد بعده لم يسقط. (قوله: وأثم غيرهما) أي غير الناسي والجاهل. وهذا هو الفارق بين الناسي والجاهل وغيرهما، فهما يلزمهما الدم من غير إثم، وهو يلزمه الدم مع الإثم. (قوله: ومبيت بمزدلفة) معطوف على إحرام، وهذا هو الواجب الثاني من الواجبات. (قوله: ولو ساعة) غاية لما يحصل به المبيت الواجب. أي يحصل المبيت ولو بحضوره ساعة، والمراد بها القطعة من الزمن لا الساعة الفلكية. وأفاد بهذه الغاية أن المبيت ليس المراد به معناه الحقيقي، بل المراد به مطلق الحصول بمزدلفة. فإن قيل إذا كان معنى المبيت غير مراد هنا، فلم عبر به كغيره من الفقهاء؟ أجيب بأنه عبر به لمشاكلة المبيت بمنى، ثم إن الحصول بها كاف، وإن لم يطمئن، أو ظنها غير مزدلفة، أو كان بنية غريم، أو نائما، أو مجنونا، أو مغمى عليه، أو سكران.

_ (1) (قوله: وقد قال بذلك في التحفة) عبارتها بعد العابر السابقة: بخلاف الجائى فيه من مصر، ليس له أن يوخر إحرامه عن محاذاة الحجفة لان كل محل من البحر بعد الجحفة أقرب إلى مكة منها - اه. فقوله: وقد قال بذلك في التحفة: لعله الجحفة. والمراد: قال بنظير ذلك في الجحفة - فوقع تصحيف من النساخ في الفظ الجحفة، على ظاهره. والمراد: قال في التحفة في مبحث الجحفة بنظير ذلك هنا، أوق ال ذلك بطريق اللزوم، لانه من يلزم من حكمه بأن كل محل بعد الجحفة أقرب إلى مكة: الحكم بأن ك ل محل بعد رأس العلم من جهة يلملم: أقرب إلى مكة من يلملم - ثم رأيت في حاشية شيخنا على عبد الروف نقل عبار ابن الجمال وفيها لفظ الجحفة، فتعين حينئذ ضبط النسخ جميعها بها. فتنبه لذلك. اه مولف.

(و) مبيت (بمنى) معظم ليالي أيام التشريق. نعم، إن نفر قبل غروب شمس اليوم الثاني، جاز وسقط عنه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها، وإنما يجب المبيت في لياليها لغير الرعاء وأهل السقاية (وطواف الوداع) لغير ـــــــــــــــــــــــــــــ واشترط م ر: أن يكون أهلا للعبادة كوقوف عرفة. وجمع ابن الجمال بحمل كلام الرملي على المتعدين، وكلام غيره على غيرهم. اه. وإنما لم يجب هنا معظم الليل كما في المبيت بمنى لأن الأمر بالمبيت لم يرد هنا بخلافه بمنى على المتعدين، وكلام غيره على غيرهم. اه. وإنما لم يجب هنا معظم الليل - كما في المبيت بمنى -. (قوله: من نصف ثان من ليلة النحر) فمن لم يكن بها فيه - بأن لم يحضر فيها أصلا، أو حضر ونفر قبل نصف الليل ولم يعد إليها فيه - لزمه دم لتركه الواجب. نعم، إن تركه لعذر - كأن خاف - أو انتهى إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت، أو أفاض من عرفة إلى مكة وطاف للركن ففاته المبيت، لم يلزمه شئ. أفاده في شرح المنهج. (قوله: ومبيت بمنى) معطوف أيضا على إحرام، وهو الواجب الثالث. (قوله: معظم ليالي الخ) أي ويجب المبيت بها معظم ليالي أيام التشريق. أي معظم كل ليلة منها بزيادة على النصف ولو لحظة - للاتباع - مع خبر: خذوا عني مناسككم. واعلم أن منى طولا ما بين وادي محسر وأول العقبة التي بلصقها الجمرة. فليست العقبة مع جمرتها منها على المعتمد وقيل إنهما منها. والحاصل أن في المسألة رأيين أحدهما أن كلا من الجمرة والعقبة من منى، وهو ضعيف. ثانيهما: أنهما ليسا منها، وهو المذهب. وأما ما أفهمه قول بعضهم إن الجمرة منها دون العقبة إلا الجزء الذي عنده الجمرة، وأن من قال إن العقبة منها مراده ذلك الجزء، ومن قال ليست منها مراده بقيتها فهو رأي له استحساني ضعيف جدا لا مستند له، فلا يعول عليه. (قوله: نعم، إن نفر الخ) إستدراك من قوله ليالي أيام التشريق الصادق بالليلة الثالثة، فإن ليالي جمع، وأقله ثلاثة. (قوله: جاز) أي بشروط إذا فقد واحد منها تعين عليه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها. فإن نفر حينئذ لزمه دم لترك رمي اليوم الثالث ومد لترك مبيت الليلة الثالثة إن بات الليلتين قبلها، وإلا لزمه دم أيضا لترك المبيت. وهي أن يكون نفره بعد الزوال، وأن يكون بعد الرمي جميعه، وأن يكون قد بات الليلتين أو فاته بعذر، وأن ينوي النفر قبل خروجه من منى، وأن تكون نية النفر مقارنة له، وأن لا يعزم على العود للمبيت، وأن يكون نفره قبل الغروب. وأفاد هذا الأخير المؤلف بقوله قبل غروب شمس. ومعنى نفره قبل الغروب سيره منها بالفعل قبله، وإن لم ينفصل من منى إلا بعده، واختلفوا فيما لو غربت الشمس وهو في شغل الارتحال، فجرى ابن حجر والخطيب - تبعا لابن المقري - على أن له النفر، لأن في تكليفه حل الرحل والمتاع مشقة عليه، وجرى الرملي تبعا لشيخه شيخ الإسلام في الأسنى والغرر على عدم الجواز. (قوله: وسقط عنه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها) أي من غير دم عليه، ومن غير إثم، لقوله تعالى: * (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) * (1) ولإتيانه بمعظم العبادة. (قوله: المبيت في لياليها) أي أيام التشريق، ومثلها ليلة مزدلفة. ولو ثنى الضمير لكان أولى. (قوله: لغير الرعاء) بكسر الراء والمد، أما هم فيسقط عنهم المبيت، ولو لم يعتادوا الرعي قبل، أو كانوا أجراء أو متبرعين. لكن إن تعسر عليهم الإتيان بالدواب إلى منى، وخشوا من تركها لو باتوا ضياعا بنحو نهب، أو جوع لا يصبر عليه عادة، وخرجوا قبل الغروب. وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - رخص لرعاء الإبل أن يتركوا المبيت بمنى. وقيس بمنى مزدلفة، قال في النهاية: وصورة ذلك - أي خروجه قبل الغروب في مبيت مزدلفة - أن يأتيها قبل الغروب، ثم يخرج منها حينئذ على خلاف العادة. اه. ومثلها شرح الروض والمغني. (قوله: وأهل السقاية) بالجر، عطف على الرعاء. أي ولغير أهل السقاية - وهي بكسر السين - موضع كان بالمسجد الحرام يسقى فيه الماء

_ (1) البقرة: 203

حائض، ومكي - إن لم يفارق مكة بعد حجه - (ورمي) إلى جمرة العقبة بعد انتصاف ليلة النحر، سبعا، وإلى ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجعل في حياض يسبل للشاربين. والمراد بها ما هو أعم من ذلك، وهو الموضع الذي يسقى فيه الماء مطلقا، في المسجد الحرام، أو في غيره، قديما كان أو حادثا. وخرج بغير أهل السقاية أهلها، فيسقط عنهم المبيت، لانه - صلى الله عليه وسلم - رخص للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى لأجل السقاية. رواه الشيخان. وقيس بسقاية العباس غيرها من بقية السقايات. ولا فرق في سقوط ذلك بين أن يخرجوا ليلا أو نهارا. والفرق بينهم وبين أهل الرعاية حيث اعتبر خروجهم قبل الغروب أن هؤلاء شغلهم ليلا ونهارا، بخلاف أهل الرعاية. قال ابن الجمال: وهذا باعتبار الشأن أي الغالب فلو فرض الاحتياج إلى الرعي ليلا دون السقاية انعكس الحكم. اه. ويسقط المبيت مطلقا أيضا عن خائف عن نفس، أو عضو، أو بضع، أو مال - وإن قل ويسقط مبيت مزدلفة عمن أفاض من عرفة إلى مكة وطاف للركن ولم يمكنه العود لمزدلفة بعده كما تقدم والأولى لأهل السقاية والرعاية تأخير الرمي يوما فقط، فيؤدونه في اليوم الثاني قبل رميه، ولو قبل الزوال. واعلم أن العذر في المبيت يسقط الدم والإثم، وفي الرمي يسقط الإثم فقط. (قوله: وطواف الوداع) بالرفع، معطوف على إحرام أيضا، وقد علمت أن عده من واجبات الحج رأي ضعيف، والمعتمد أنه واجب مستقل. وعبارة الإيضاح: اختلف أصحابنا في أن طواف الوداع من جملة مناسك الحج أم عبادة مستقلة؟ فقال إمام الحرمين: هو من مناسك الحج، وليس على غير الحج طواف الوداع إذا خرج من مكة. وقال البغوي وأبو سعيد المتولي وغيرهما ليس هو من المناسك، بل يؤمر به من أراد مفارقة مكة إلى مسافة تقصر فيها الصلاة سواء كان مكيا أو غير مكي. قال الإمام أبو القاسم الرافعي: هذا الثاني هو الأصح، تعظيما للحرم، وتشبيها لاقتضاء خروجه للوداع باقتضاء دخوله للإحرام، ولأنهم اتفقوا على أن من حج وأراد الإقامة بمكة لا وداع عليه، ولو كان من المناسك لعم الجميع. اه. (قوله: لغير حائض) أما هي: فلا يجب عليها طواف الوداع. ومثل الحائض النفساء، وذو الجرح الذي لا يأمن تلويث المسجد منه، وفاقد الطهورين، والمستحاضة في زمن نوبة حيضها، والخائف على نفس، أو بضع أو مال تأخر له. قال الكردي: فهذه الأعذار تسقط الدم والإثم. وقد يسقط العذر الإثم لا الدم فيما إذا لزمه وخرج عامدا عالما عازما على العود قبل وصوله لما يستقر به وجوب الدم، ثم تعذر العود. وترك طواف الوداع بلا عذر ينقسم على ثلاثة أقسام أحدها: لا دم ولا إثم، وذلك في ترك المسنون منه، وفيمن عليه شئ من أركان النسك، وفيمن خرج من عمران مكة لحاجة ثم طرأ له السفر. ثانيها عليه الإثم ولا دم، وذلك فيما إذا تركه عامدا عالما وقد لزمه بغير عزم على العود ثم عاد قبل وصوله لما يتسقر به الدم، فالعود مسقط للدم لا للإثم. ثالثها ما يلزمه بتركه الإثم ثم الدم، وذلك في غير ما ذكر من الصور. اه. بحذف. (قوله: ومكي) أي ولغير مكي، أما هو فلا يجب عليه طواف الوداع. والمراد بالمكي: من هو مقيم بمكة سواء كان مستوطنا أو غيره فشمل الآفاقي الذي نوى الإقامة بعد حجه بمكة. (قوله: وإن لم يفارق الخ) الجملة صفة لمكي، فهو قيد له فقط، فإن فارق المكي مكة وجب عليه كغيره طواف الوداع إن كان سفره طويلا. (وقوله: بعد حجة) لبيان الواقع، فهو لا مفهوم له، وذلك لأن الفرق أنه من المناسك، فهو لا يكون إلا بعدها. (قوله: ورمي) بالرفع، عطف على إحرام. وهذا هو الواجب الخامس، ولصحته شروط، ذكر بعضها المؤلف، وهي الترتيب في الزمان والمكان والأبدان. ومعنى الأول: أنه لا يرمي عن يومه إلا إذا رمى عن أمسه. ومعنى الثاني أنه لا يرمي الجمرة الثانية إلا إذا رمى الأولى ولا يرمي الثالثة إلا إذا رمى الثانية. ومعنى الثالث أنه لا يرمي عن غيره حتى يرمي عن نفسه، وأن يكون سبعا، وأن

الجمرات الثلاث بعد زوال كل يوم من أيام التشريق سبعا سبعا، مع ترتيب بين الجمرات (بحجر) أي بما ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يصرف الرمي بالنية لغير النسك كرمي عدو أو اختبار جودة رميه - وأن يكون بما يسمى حجرا ولو بلورا، وعقيقا، وزبرجدا، ومرمرا - لا لؤلؤ، وذهب، وفضة، ونورة طفئت، وجص طبخ، وآجر، وخزف، وملح. وأن يكون قاصدا المرمى. فلو قصد غيره لم يكف، وإن وقع فيه كرميه نحو حية في الجمرة، ورميه العلم المنصوب في الجمرة عند ابن حجر قال: نعم، لو رمى إليه بقصد الوقوع في المرمى وقد علمه فوقع فيه، اتجه الإجزاء لأن قصده غير صارف حينئذ اه. قال عبد الرؤوف: والأوجه أنه لا يكفي وكون قصد العلم حينئذ غير صارف ممنوع، لأنه تشريك بين ما يجزئ وما لا يجزئ أصلا. اه. وفي الإيعاب: أنه يغتفر للعامي ذلك، واعتمد م ر إجزاء رمي العلم إذا وقع في المرمى، قال: لأن العامة لا يقصدون بذلك إلا فعل الواجب، والمرمى هو المحل المبني فيه العلم ثلاثة أذرع من جميع جوانبه، إلا جمرة العقبة فليس لها إلا جهة واحدة. وأن يكون رميا فلا يكفي الوضع في المرمى -، وأن يكون باليد، فلا يكفي بنحو رجله وقوسه مع القدرة - فإن عجز عنه باليد قدم القوس، فالرجل، فالفم. وقد نظمها بعضهم فقال: شروط رمي للجمار ستة * * سبع بترتيب، وكف، وحجر، وقصد، مرمى - يا فتى - وسادس * * تحقق - لأن يصيبه الحجر (قوله: إلى جمرة العقبة) متعلق برمي، وهي السفلى من جهة مكة. قال في التحفة: والسنة لرامي هذه الجمرة أن يستقبلها، ويجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه كما صححه المصنف خلافا للرافعي في قوله إن يستقبل الجمرة ويستدبر الكعبة. هذا في رمي يوم النحر، أما في أيام التشريق، فقد اتفقا على استقبال الكعبة كما في بقية الجمرات. ويحسن إذا وصل منى أن يقول ما روي عن بعض السلف: اللهم هذه منى قد أتيتها وأنا عبدك وابن عبديك، أسألك أن تمن علي بما مننت به على أوليائك. اللهم إني أعوذ بك من الحرمان والمصيبة في ديني يا أرحم الراحمين. قال: وروى ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أنهما لما رميا جمرة العقبة قالا: اللهم اجعله حجا مبرورا، وذنبا مغفورا. اه. (قوله: بعد انتصاف ليلة النحر) متعلق برمي أيضا، وهو بيان لوقت جواز رمي جمرة العقبة، أما وقت الفضيلة فبعد ارتفاع الشمس قدر رمح، وهذا الرمي تحية منى، فالأولى أن يبدأ به فيها قبل كل شئ، إلا لضرورة، أو عذر كزحمة، أو انتظار وقت فضيلة لمن تقدم دخوله إليها قبل ارتفاع الشمس. (قوله: سبعا) مفعول مطلق لرمي، أي رميا سبعا. (قوله: وإلى الجمرات الثلاث) معطوف على إلى جمرة العقبة. أي ورمي إلى الجمرات الثلاث. (قوله: بعد زوال إلخ) متعلق برمي بالنسبة إلى الجمرات، أي ويكون الرمي إلى الجمرات الثلاث بعد الزوال، فلا يصح الرمي قبل الزوال. وهذا بالنسبة لرمي اليوم الحاضر، أما بالنسبة لرمي اليوم الغائب فيتدارك في بقية أيام التشريق، ولو كان قبل الزوال. (واعلم) أن الرمي أيام التشريق ثلاثة أوقات: وقت فضيلة: وهو بعد الزوال. ووقت اختيار: وهو إلى غروب شمس كل يوم. ووقت جواز: وهو إلى آخر أيام التشريق. (قوله: سبعا) مفعول مطلق، أي يرميها رميا سبعا. وسبعا الثانية مؤكدة للأولى. (قوله: مع ترتيب) متعلق بمحذوف صفة لرمي. أي رمي الجمرات الثلاث كائن مع ترتيب بينها، بأن يبدأ بالجمرة الأولى وهي التي تلي عرفة، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة. وهذا ترتيب في المكان، وهو أحد أقسام الترتيب الثلاثة، وقد تقدم التنبيه عليها. (قوله: بحجر) متعلق برمي. أي رمي بحجر. وخرج به غيره، فلا يصح الرمي به، وذلك كاللؤلؤ، والإثمد، والنورة والجص المحرقين، والزرنيخ، والمدر، والآجر، والخزف، والملح، والذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص.

يسمى به، ولو عقيقا وبلورا. ولو ترك رمي يوم، تداركه في باقي أيام التشريق، وإلا لزمه دم، بترك ثلاث رميات فأكثر. (وتجبر) أي الواجبات بدم، وتسمى هذه أبعاضا. (وسننه) أي الحج (غسل)، فتيمم (لاحرام ودخول مكة) ولو حلالا - بذي طوى، (وقوف) بعرفة ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: أي بما يسمى به) أي أن المراد به هنا كل ما يطلق عليه حجر من أي جنس، ومنه الكذان بفتح الكاف، فذال مشددة وهو حجارة رخوة كأنها مدر، ومنه المرمر وهو الرخام. (قوله: ولو عقيقا وبلورا) أي ولو كان الذي يسمى حجرا من الأحجار النفسية كالياقوت والبلور وهذا بالنسبة للإجزاء لا بالنسبة للجواز، فيحرم الرمي به إن ترتب عليه كسر أو إضاعة مال. وعبارة النهاية نعم، قال الأذرعي يظهر تحريم الرمي بالياقوت ونحوه إذا كان الرمي يكسرها ويذهب معظم ماليتها، ولا سيما النفيس منها، لما فيه من إضاعة المال والسرف، والظاهر أنه لو غصبه أو سرقه ورمى به، كفى. ثم رأيت القاضي ابن كج جزم به، قال: كالصلاة في المغصوب. اه. (قوله: ولو ترك رمي يوم) أي أو يومين، عمدا كان أو سهوا أو جهلا. (قوله: تداركه في باقي أيام التشريق) أي ويكون حينئذ أداء، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام جوزه للرعاة وأهل السقاية، وقيس عليهم غيرهم. وأفهم قوله في أيام التشريق: أنه ليس له تداركه في لياليها، والمعتمد جوازه فيها أيضا، وجوازه قبل الزوال. بل جزم الرافعي وتبعه الأسنوي وقال: إنه المعروف بجواز رمي كل يوم قبل الزوال، وعليه، فيدخل بالفجر. (قوله: وإلا لزمه دم) أي وإن لم يتداركه في باقي أيام التشريق بأن لم يتداركه أصلا، أو تداركه بعد أيام التشريق لزمه دم، وسيأتي بيانه. (وقوله: بترك ثلاث رميات) وصورة ذلك لا تكون إلا في آخر جمرة من آخر أيام التشريق، إذ لو تركها من غير ذلك لما صح رمي ما بعدها، فلا يكون المتروك ثلاث رميات فقط. وإذا ترك رمي واحدة لزمه مد، أو رميتين لزمه مدان. وصورة ذلك ما تقدم. (قوله: وتجبر، أي الواجبات، بدم) أي إذا ترك واحدا منها جبر بدم. وهذا مكرر مع قوله في تعريف الواجبات وهي ما يجب بتركه الفدية. فكان الأولى أن يقتصر على ما هنا، يتركه هناك، لا العكس، لأن ما هنا متن، وما هناك شرح، والأولى للشارح أن يراعي المتن. (قوله: وتسمى هذه أبعاضا) أي يطلق عليها أبعاض، لكن على سبيل المجاز، لا الحقيقة، لأن الأبعاض الحقيقية هي أجزاء الماهية التي إذا فقد واحد منها فقدت الماهية. والواجبات هنا ليست كذلك. (قوله: وسننه إلخ) هي كثيرة. منها: أنه يستحب للإمام أو نائبه أن يخطب بمكة في سابع ذي الحجة بعد صلاة الظهر أو الجمعة خطبة فردة، يأمرهم فيها بالغدو إلى منى في اليوم الثامن، ويعلمهم فيها ما أمامهم من المناسك، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان قبل التروية بيوم خطب الناس وأخبرهم بمناسكهم رواه البيهقي. ويخرج بهم من غد بعد صلاة الصبح إن لم يكن يوم جمعة إلى منى، فيصلي بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيتون بها، فيصلي بهم الصبح، فإذا طلعت الشمس على ثبير وهو جبل كبير معروف هناك ساروا من منى إلى عرفات، ولا يدخلونها، بل يقيمون بنمرة وهي موضع بقرب عرفة حتى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس ذهبوا إلى مسجد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، ثم يخطب الإمام بهم قبل صلاة الظهر خطبتين خفيفتين، يعلمهم في الأولى المناسك، ويحثهم على إكثار الذكر والدعاء بالموقف، وإذا قام للثانية أذن للظهر، فيفرغ المؤذن مع فراغها، ثم يقيم، ويصلي بالناس الظهر والعصر جمع تقديم، ويقصرهما أيضا إذا كانوا مسافرين سفرا طويلا، ويأمر المكيين ومن لم يبلغ سفره مسافة القصر بالإتمام وعدم الجمع. ثم بعد فراغهم من الصلاة يذهبون إلى الموقف ويعجلون السير إليه. وأفضله للذكر موقفه - صلى الله عليه وسلم -، وهو عند الصخرات الكبار المفترشة في أسفل جبل الرحمة، فإذا غربت الشمس قصدوا مزدلفة، مارين على طريق المأزمين، وعليهم السكينة والوقار. وأخروا المغرب ليصلوها مع العشاء بمزدلفة جمع تأخير، ويقفون عند المشعر الحرام، ويدعون بها إلى الإسفار، ثم يسيرون قبل طلوع الشمس بسكينة ووقار، وشعارهم التلبية والذكر، فإذا وجدوا فرجة أسرعوا. فإذا بلغوا وادي محسر موضع بين مزدلفة ومنى - أسرعوا في المشي حتى يقطعوا عرض الوادي. ويسن أن يقول فيه ما قاله عمر وابنه رضي الله عنهما.

عشيتها، وبمزدلفة، ولرمي أيام التشريق، (وتطيب) البدن، والثوب ولو بما له جرم (قبيله) أي الاحرام وبعد الغسل، ولا يضر استدامته بعد الاحرام، ولا انتقاله بعرق (وتلبية) وهي: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك ـــــــــــــــــــــــــــــ إليك تعدو قلقا وضينها * * معترضا في بطنها جنينها مخالفا دين النصارى دينها * * قد ذهب الشحم الذي يزينها ومعناه: إن ناقتي تعدو إليك بسرعة في طاعتك قلقا وضينها. والوضين حبل كالحزام من كثرة السير والإقبال التام والاجتهاد في طاعتك، والمراد صاحب الناقة. (قوله: غسل، فتيمم) أي فإن عجز عن الغسل فسن تيمم، لأن الغسل يراد للقربة والنظافة، فإذا تعذر أحدهما بقي الآخر، ولأنه ينوب عن الواجب، فالمندوب أولى. قال في التحفة: ولو وجد من الماء بعض ما يكفيه، فالذي يتجه أنه إن كان ببدنه تغير أزاله به، وإلا فإن كفى الوضوء توضأ به، وإلا غسل بعض أعضاء الوضوء، وحينئذ إن نوى الوضوء تيمم عن باقيه غير تيمم الغسل، وإلا كفى تيمم الغسل. فإن فضل شئ عن أعضاء الوضوء غسل به أعالي بدنه. (وقوله: لإحرام) متعلق بكل من غسل فتيمم. ويسن ما ذكر من الغسل والتيمم له لك أحد، في كل حال، ولو لنحو حائض، وإن أرادته قبل الميقات، ويكره تركه. وغير المميز يغسله وليه، وينوي عنه. (قوله: ودخول مكة) معطوف على إحرام، أي ولدخول مكة. وعبارة التحفة مع الأصل ولدخول الحرم، ثم لدخول مكة، ولو حلالا للاتباع. نعم، قال الماوردي: لو خرج منها فأحرم بالعمرة من نحو التنعيم، واغتسل منه لإحرامه، لم يسن له الغسل لدخولها، بخلاف نحو الحديبيه أي مما يغلب فيه التغير وأخذ منه أنه لو أحرم من نحو التنعيم بالحج لكونه لم يخطر له إلا حينئذ أو مقيما ثم، بل وإن أخر إحرامه تعديا واغتسل لإحرامه لا يغتسل لدخوله. ويؤخذ منه أنه لو اغتسل لدخول الحرم، أو لنحو استسقاء بمحل قريب منها لا يغتسل لدخولها أيضا. ويتجه أن هذا التفضيل إنما هو عند عدم وجود تغير، وإلا سن مطلقا. اه. (قوله: ولو حلالا) غاية في سنية الغسل لدخول مكة، أي يسن الغسل له ولو كان حلالا أي غير محرم قال في النهاية: قال السبكي: وحينئذ لا يكون هذا من أغسال الحج إلا من جهة أنه يقع فيه. اه. (قوله: بذي طوى) متعلق بغسل المرتبط بدخول مكة. أي ويسن الغسل لدخول مكة بذي طوى للاتباع. رواه الشيخان. وطوى بفتح الطاء أفصح من ضمها وكسرها واد بمكة على طريق التنعيم، وسمي بذلك لاشتماله على بئر مطوية بالحجارة أي مبنية بها لأن الطي: البناء. قال في شرح الروض: هذا أي استحباب الغسل فيها - إن كانت بطريقه، بأن أتى من طريق المدينة، وإلا اغتسل من نحو تلك المسافة. قال المحب الطبري: ولو قيل يستحب له التعريج إليها والاغتسال بها اقتداء وتبركا، لم يبعد. قال الأذرعي: وبه جزم الزعفراني. اه. (قوله: ووقوف بعرفة) معطوف على إحرام أي ولوقوف بعرفة. وقوله: عشيتها: أي عرفة. والأفضل: كونه بنمرة بعد الزوال. ويحصل أصل السنة بالغسل بعد الفجر قياسا على غسل الجمعة. (قوله: وبمزدلفة) معطوف على بعرفة. أي وللوقوف بمزدلفة، ويدخل وقت هذا الغسل بنصف الليل كغسل العيد فينويه به أيضا. (قوله: ولرمي أيام التشريق) معطوف على الإحرام. أي ولرمي كل يوم من أيام التشريق قبل زواله أو بعده (قوله: وتطيب) معطوف على غسل، أي ويسن تطيب للذكر وغيره غير الصائم. (وقوله: في البدن) اتفاقا. (وقوله: والثوب) أي الإزار، والرداء على الأصح - قياسا على البدن قال في التحفة: لكن المعتمد ما في المجموع أنه لا يندب تطيبه جزما، للخلاف القوي في حرمته. ومنه يؤخذ أنه مكروه، كما هو قياس كلامهم في مسائل صرحوا فيها بالكراهة، لأجل الخلاف في الحرمة. ثم رأيت القاضي أبا الطيب وغيره صرحوا بالكراهة. اه. (قوله: ولو بما له جرم) غاية لسنية التطيب، أي يسن ولو بما له جرم. لكن لو نزع ثوبه المطيب بعد الإحرام ثم لبسه، لزمته الفدية كما لو ابتدأ لبس مطيب. (قوله: قبيلة) ظرف متعلق بتطيب. وخرج به التطيب بعده، فإنه يضر كما سيذكره. (وقوله: أي الإحرام) تفسير للضمير. (قوله: وبعد الغسل) معطوف على قبيله، أي ويسن قبل الإحرام أو بعد الغسل، لتدوم رائحة الطيب. بخلافه قبله فإنها تذهب به. (قوله: لا يضر استدامته) أي الطيب في البدن والثوب، لما روي عن عائشة رضي الله عنها: كأني أنظر إلى وبيص

لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك، لا شريك لك. ومعنى لبيك: أنا مقيم على طاعتك. ويسن الاكثار منها، والصلاة على النبي (ص) وسؤال الجنة، والاستعاذة من النار، بعد تكرير التلبية ثلاثا. وتستمر التلبية إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيب في مفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم. والوبيص بالباء الموحدة، بعد الواو، وبالصاد المهملة هو البريق أي اللمعان. والمفرق بفتح الميم، وكسر الراء وفتحها - هو وسط الرأس، لأنه محل فرق الشعر. قال في التحفة: وينبغي كما قاله الأذرعي أن يستثنى من جواز الاستدامة ما إذا لزمها الإحداد بعد الإحرام، فتلزمها إزالته. اه. (قوله: ولا انتقاله بعرق) أي ولا يضر انتقال الطيب من محل بدنه أو ثوبه إلى محل آخر بواسطة العرق. وخرج به ما لو أخذه من بدنه أو ثوبه ثم رده إليه فتلزمه الفدية. (قوله: وتلبية) بالرفع، عطف على غسل أيضا، أي ويسن تلبية. (قوله: وهي) أي التلبية، أي صيغتها. (وقوله: لبيك) أصله لبين لك، حذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف، وهو مفعول مطلق لفعل محذوف. والتقدير ألبي لبين لك، فحذف الفعل وهو ألبي وجوبا، وأقيم المصدر مقامه، وهو مأخوذ من لب بالمكان - يقال لب بالمكان لبا، وألب به إلبابا - إذا أقام به. والمقصود به: التكثير، وإن كان اللفظ مثنى على حد قوله تعالى: * (ثم ارجع البصر كرتين) * فإن المقصود به التكثير، لا خصوص المرتين، بدليل * (ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) * (1) فإن البصر لا ينقلب خاسئا وهو حسير إلا من الكثرة، لا من مرتين فقط. (وقوله: اللهم) أصله يا الله - حذفت ياء النداء، وعوض عنها الميم، وشذ الجمع بينهما. كما قال إبن مالك: والأكثر اللهم بالتعويض * * وشذ يا اللهم في قريض (وقوله: ولبيك) تأكيد للأول. (وقوله: إن الحمد) بكسر الهمزة - على الاستئناف - وبفتحها - على تقدير لام التعليل - أي لأن الحمد. والكسر أصح وأشهر عند الجمهور، لأن الفتح يوهم تقييد استحقاق التلبية بالحمد، والله سبحانه وتعالى يستحقها مطلقا لذاته، وجد حمد أو لا. (وقوله: والنعمة) المشهور فيه النصب عطفا على الحمد، ويجوز فيه الرفع على الابتداء، ويكون الخبر محذوفا، والتقدير والنعمة كذلك. (وقوله: لك) خبر أن. (وقوله: والملك) المشهور فيه النصب عطفا على ما قبله، ويجوز فيه الرفع على ما تقدم، ويسن الوقف على الملك وقفة يسيرة، لئلا يتوهم أنه منفي بالنفي الذي بعده. (وقوله: لا شريك لك) أي لأنك لا شريك لك، فهو كالتعليل لما قبله. وليحذر الملبي - في حال تلبيته - من أمور يفعلها بعض الغافلين من الضحك واللعب، وليكن مقبلا على ما هو بصدده بسكينة ووقار، وليشعر نفسه أنه يجيب الباري سبحانه وتعالى، فإن أقبل على الله بقلبه أقبل الله عليه، وإن أعرض أعرض الله عنه. (قوله: ومعنى لبيك: أنا مقيم على طاعتك) أي وإجابتك لما دعوتنا له على لسان خليلك إبراهيم، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، لما قلت له: * (وأذن في الناس بالحج) * (1) الآية، فقال: يا أيها الناس حجوا. وذلك لما روي أنه: لما فرغ من بناء البيت، قال الله تعالى له: أذن في الناس بالحج. قال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال الله تعالى له: عليك الأذان وعلينا البلاغ. فصعد إبراهيم على الصفا - وقيل على جبل أبي قبيس، وقيل على المقام - وقال: يا أيها الناس، إن الله كتب عليكم حج هذا البيت العتيق - وفي رواية إن ربكم بنى لكم بيتا - وأوجب عليكم الحج فأجيبوا ربكم - أو فحجوا بيت ربكم - والتفت بوجهه يمينا وشمالا، وشرقا وغربا، فأسمع الله عزوجل من في الأرض، وأجابه الإنس، والجن، والحجر، والمدر، والشجر، والجبال، والرمال، وكل رطب ويابس، وأسمع من في المشرق والمغرب، وأجابوا من بطون الأمهات، ومن أصلاب الرجال، كل يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. فإنما يحج اليوم من أجاب يومئذ، فمن لبى مرة حج مرة، ومن لبى مرتين حج مرتين، ومن لبى ثلاثا حج ثلاثا، ومن لبى أكثر حج بقدر ذلك. (قوله: ويسن الإكثار منها) أي التلبية. (وقوله: والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -) بالرفع، عطف على الإكثار، أي ويسن

_ (1) الملك: 4. (2) الحج: 27

رمي جمرة العقبة. لكن لا تسن في طواف القدوم، والسعي بعده، لورود أذكار خاصة فيهما، (وطواف قدوم) ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بأي صيغة كانت، لكن الإبراهيمية أفضل. ويسن أن يكون صوته بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وما بعدها أخفض من صوته بالتلبية. (وقوله: وسؤال الجنة والاستعاذة من النار) هما بالرفع، عطف على الإكثار أيضا، أي ويسن سؤال الجنة والاستعاذة من النار، كأن يقول: اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار. ويسن بعد ذلك إن يدعو بما شاء دينا ودنيا. ويسن أن يقول: اللهم اجعلني من الذين استجابوا لك ولرسولك، وآمنوا بك، ووثقوا بوعدك، ووفوا بعهدك، واتبعوا أمرك. اللهم اجعلني من وفدك الذين رضيت وارتضيت. اللهم يسر لي أداء ما نويت، وتقبل مني يا كريم. وإذا رأى ما يعجبه أو يكرهه ندب أن يقول: لبيك، إن العيش عيش الآخرة أي إن الحياة الهنيئة الدائمة هي حياة الدار الآخرة، بخلاف حياة الدار الدنيا، فإنها مكدرة ومنقطعة. وما أحسن قول بعضهم: لا تركنن إلى الثياب الفاخره واذكر عظامك حين تمسي ناخزه وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل * * لبيك، إن العيش عيش الآخرة (قوله: بعد تكرير إلخ) متعلق بيسن، المقدر قبل الصلاة وقبل سؤال الجنة والاستعاذة من النار، أي ويسن كل من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن سؤال الجنة والاستعاذة من النار بعد تكرير التلبية ثلاثا، أي فكلما كررها ثلاثا سن بعدها الصلاة والدعاء، وهذا هو الأكمل. ولو كررها أكثر من ثلاث وبعد المرة الأخيرة صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا، حصل له أصل السنة - كما في التحفة - ولفظها. (تنبيه) ظاهر المتن أن المراد بتلبيته ما أرادها، فلو أرادها مرات كثيرة لم تسن له الصلاة ثم الدعاء إلا بعد فراغ الكل، وهو ظاهر بالنسبة لأصل السنة. وأما كمالها فينبغي أن لا يحصل إلا بأن يصلي، ثم يدعو عقب كل ثلاث مرات، فيأتي بالتلبية ثلاثا، ثم الصلاة، ثم الدعاء، ثم بالتلبية ثلاثا، ثم الصلاة، ثم الدعاء، وهكذا. اه. (قوله: وتستمر التلبية إلى رمي جمرة العقبة) أي وتنتهي التلبية بالشروع في رمي جمرة العقبة، وهذا إن ابتدأ التحلل بالرمي. ومثله ما إذا ابتدأه بالطواف أو بالحلق، فإنها تنتهي بذلك. والحاصل تنتهي بالشروع في التحلل الأول مطلقا، وإذا انتهت بالشروع في الرمي يسن التكبير. قال في الإحياء: ويسن أن يقول مع كل حصاة عند الرمي: الله أكبر على طاعة الرحمن ورغم الشيطان، اللهم تصديقا بكتابك، واتباعا لسنة نبيك. (قوله: لكن لا تسن) أي التلبية، وهو استدراك من تخصيصه انتهاء التلبية برمي جمرة العقبة المفيد أنه قبل ذلك تسن التلبية، وهو شامل لطواف القدوم والسعي وكل ما يفعل قبل الرمي. (قوله: لورود أذكار الخ) علة لعدم سنية التلبية فيهما. (قوله: فيهما) أي في طواف القدوم والسعي. (قوله: وطواف قدوم) بالرفع، عطف على غسل أيضا، أي ويسن طواف قدوم، أي طواف سببه القدوم، فهو من إضافة المسبب للسبب. ويقال له أيضا: طواف القادم، والوارد، والورود. فإن قلت إن هذا مكرر مع ما تقدم قبيل الواجبات، فإنه ذكر هناك أنه يسن أن يبدأ بالطواف، فكان الأولى الإقتصار على أحدهما؟ قلت لا تكرار، لأن ما هنا خاص بطواف القدوم، وهناك لا يختص به، بل المراد به ما يشمله وطواف العمرة كما علمت مما مر وأيضا ذكره هنا من حيث إنه من سنن الحج، وذكره هناك من حيث سن ما يبدأ به داخل مكة عند دخوله المسجد.

لانه تحية البيت، وإنما يسن لحاج أو قارن دخل مكة قبل الوقوف. ولا يفوت بالجلوس، ولا بالتأخير. نعم، يفوت بالوقوف بعرفة (ومبيت بمنى ليلة عرفة، ووقوف بجمع) المسمى الآن بالمشعر الحرام وهو جبل في آخر مزدلفة، فيذكرون في وقوفهم، ويدعون إلى الاسفار مستقبلين القبلة - للاتباع -. (وأذكار)، وأدعية مخصوصة ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: لأنه) أي طواف القدوم. (وقوله: تحية البيت) أي الكعبة - لا المسجد نعم، تحصل تحية المسجد بركعتي الطواف إن لم يجلس عمدا بعد الطواف وقبل ركعتيه، وإلا فاتت، لأنها تفوت بالجلوس عمدا وإن قصر. (قوله: وإنما يسن) أي طواف القدوم. (قوله: لحاج أو قارن) مثلهما الحلال الذي دخل مكة، فالحصر بالنسبة للمعتمر، فإن المطلوب منه طواف العمرة المفروض لدخول وقته فلا يصح تطوعه بطواف القدوم وهو عليه نعم، بطواف العمرة: يثاب على طواف القدوم إن قصده كتحية المسجد (وقوله: دخل مكة قبل الوقوف) أي أو بعده وقبل نصف الليل، فيطوف حينئذ طواف القدوم، ثم بعد نصف الليل يطوف طواف الإفاضة. بخلاف ما إذا دخل مكة بعد الوقوف وبعد نصف الليل، فإنه لا يطوف طواف القدوم، بل يطوف الإفاضة لدخول وقته. (قوله: ولا يفوت) أي طواف القدوم بالجلوس في المسجد. قال في النهاية: وتشبيه ذلك بتحية المسجد بالنسبة لبعض صورها. (قوله: ولا بالتأخير) أي ولا يفوت بتأخيره، أي عدم اشتغاله بطواف القدوم عقب دخوله مكة سواء دخل المسجد وجلس فيه أم لا، وسواء كان التأخير طويلا أم لا فعطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص. (قوله: نعم الخ) إستدراك من قوله ولا بالتأخير، فكأنه قال: إلا إن أخره حتى وقف بعرفة. (وقوله: يفوت بالوقوف بعرفة) أي إذا دخل بعد نصف الليل، لا قبله كما تقدم. (قوله: ومبيت بمنى) بالرفع، عطف على غسل أيضا، أي ويسن مبيت بمنى. (قوله: ليلة عرفة) أي ليلة الذهاب إلى عرفة، وهي ليلة التاسع. وليس المراد بها الليلة التي يصح الوقوف فيها وهي ليلة العاشر كما هو ظاهر. وتقدم الكلام على ما يسن قبل هذه الليلة وبعدها عند الذهاب إلى عرفة. (قوله: ووقوف بجمع) معطوف على غسل أيضا، أي ويسن وقوف بجمع وهو بجيم مفتوحة، وميم ساكنة، اسم لمزدلفة كلها. سمي بذلك لاجتماع الناس فيه كما مر للشارح في: فصل في صلاة الجمعة وذكره أيضا الفشني والرملي في شرحيهما على الزبد عند قوله: ثم المبيت بمنى والجمع إذا علمت ذلك فقوله الآتي المسمى الآن الخ، فيه نظر. فكان الأولى أن يسقط لفظ بجمع، ولفظ المسمى الآن، ويقول كغيره ووقوف بالمشعر الحرام. (قوله: بالمشعر) بفتح الميم في الأشهر، وحكي كسرها. سمي مشعرا لما فيه من الشعائر أي معالم الدين. (وقوله: الحرام) أي المحرم فيه الصيد وغيره لأنه من الحرم. (قوله: وهو) أي المشعر الحرام. (قوله: جبل) أي صغير، يسمى قزح. (وقوله: في آخر مزدلفة) هذا ما عليه الشيخان وابن الصلاح، واعترضه المحب الطبري حيث قال: وهو بأوسط المزدلفة، وقد بني عليه بناء. واعترض ابن حجر في حاشية الإيضاح كلام المحب، بأن هذا البناء ليس بوسطها، بل بقرب آخرها مما يلي المأزمين، ثم أجاب بأنه ليس المراد بالوسط حقيقته، بل التقريب، وعليه، فلا منافاة بين كلام الشيخين وكلام المحب. (قوله: فيذكرون في وقوفهم) الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، أي وإذا وقفوا يذكرون في حال وقوفهم ندبا ولو قال: ويسن أن يذكروا الله في وقوفهم الخ، لكان أولى. وذلك كأن يقول: الله أكبر ثلاثا لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد. (وقوله: ويدعون) أي كأن يقولوا: اللهم كما أوقفتنا فيه وأريتنا إياه، فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق * (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * إلى قوله: * (واستغفروا الله إن لله غفور رحيم) * * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) *. (وقوله: إلى الإسفار) بكسر الهمزة، أي الإضاءة. (قوله: مستقبلين القبلة) أي لأنها أشرف الجهات، وهو حال من الواو في يذكرون، ويدعون. (قوله: للاتباع) دليل لسنية الوقوف بالمشعر الحرام مع ذكر الله والدعاء والاستقبال في ذلك، وهو ما رواه مسلم: عن جابر رضي الله عنه، أنه - صلى الله عليه وسلم - لما صلى الصبح بالمزدلفة ركب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ناقته القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، ودعا الله تعالى، وهلله، وكبره. (قوله: وأذكار الخ) معطوف على غسل أيضا، أي ويسن أذكار وأدعية مخصوصة بأوقات وأمكنة معينة، كعرفة والمشعر الحرام، وعند رمي الجمار، والمطاف. وقد نظم العلامة عبد الملك العصامي الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء مع الأوقات - بقوله: قد ذكر النقاش في المناسك * * وهو لعمري عمدة للناسك إن الدعا في خمسة وعشره * * في مكة يقبل ممن ذكره وهي الطواف، مطلقا والملتزم * * بنصف ليل فهو شرط ملتزم وتحت ميزاب له وقت السحر * * وهكذا خلف المقام المفتخر وعند بئر زمزم شرب الفحول * * إذا دنت شمس النهار للأفول ثم الصفا، ومروة، والمسعى * * لوقت عصر فهو وقت يرعى كذا منى في ليلة البدر إذا * * ينتصف الليل فخذ ما يحتذى ثم لدى الجمار، والمزدلفة * * عند طلوع الشمس، ثم عرفه بموقف عند مغيب الشمس قل * * ثم لدى السدرة ظهرا وكمل وقد روى هذا الذي قد مرا * * من غير تقييد بما قد مرا بحر العلوم الحسن البصري عن * * خير الورى ذاتا ووصفا وسنن صلى عليه الله ثم سلما * * وآله والصحب ما غيث همى وقوله: وقد روى هذا الذي إلخ: قد نظمه بعضهم كذلك، وزاد عليه خمسة مواضع، فقال: دعاء البرايا يستجاب بكعبة * * وملتزم والموقفين كذا الحجر منى ويماني رؤية مروتين وزمزم * * مقام وميزاب جمارك تعتبر منى ويماني رؤية البيت حجره * * لدى سدرة عشرون تمت بها غرر ومن الأذكار والأدعية المخصوصة ما مر في المطاف وحال وقوفهم بالمشعر الحرام، ومثلهما أيضا ما ورد عند دخول مكة، وهو أنه إذا أبصر البيت قال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من شرفه وعظمه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا. اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام. ومنها ما ورد في يوم عرفة وهو شئ كثير من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شئ قدير. وزاد البيهقي: اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا. اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري. وفي كتاب الدعوات للمستغفري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، مرفوعا: من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة يوم عرفة أعطي ما سأل. ومن أدعيته المختارة: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة، واكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمن سواك، ونور قلبي وقبري، واهدني، وأعذني من الشر كله، واجمع لي الخير كله. اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغني. وليحذر من التقصير في هذا اليوم، فإنه من أعظم الأيام، وإنه لموقف أعظم المواقف يقف فيه الأولياء،

بأوقات وأمكنة معينة، وقد استوعبها الجلال السيوطي في وظائف اليوم والليلة - فليطلبه. (فائدة) يسن - متأكدا - زيارة قبر النبي (ص)، ولو لغير حاج ومعتمر، لاحاديث وردت في فضلها. وشرب ـــــــــــــــــــــــــــــ والخواص، وينبغي أن يكثر البكاء مع ذلك، فهناك تسكب العبرات، وتقال العثرات. وأن يستغفر للمؤمنين في دعائه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج. وليحسن الظن بالله، فقد نظر الفضيل بن عياض إلى بكاء الناس بعرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا. كان يردهم؟ فقالوا: لا. فقال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل بدانق. ورأى سالم مولى ابن عمر سائلا يسأل الناس في عرفة، فقال: يا عاجز، أفي هذا اليوم يسئل غير الله تعالى؟ (قوله: وقد استوعبها) أي الأذكار والأدعية. والأولى استوعبهما بضمير التثنية. (وقوله: في وظائف اليوم والليلة) أي في كتاب جمع فيه رواتب اليوم والليلة. (وقوله: فليطلبه) أي من أراده، والضمير المفعول يعود على الكتاب المذكور. وفي بعض النسخ: فلتطلبه بتاء الخطاب والمخاطب به كل من أمكنه ذلك. (قوله: فائدة: يسن متأكدا زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -) لما أنهى الكلام على ما يتعلق بالمناسك من الأركان والواجبات والسنن، شرع يتكلم فيما هو حق مؤكد على كل مسلم خصوصا الحاج وهو زيارة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولو أخر ذلك عن محرمات الإحرام كغيره لكان أنسب. واعلم أنهم اختلفوا فيها فجرى كثيرون على أنها سنة متأكدة، وجرى بعضهم على أنها واجبة، وانتصر له بعض العلماء. وقوله: ولو لغير حاج ومعتمر غاية في سن تأكد الزيارة، لكن تتأكد الزيارة لهما تأكدا زائدا، لأن الغالب على الحجيج الورود من آفاق بعيدة، فإذا قربوا من المدينة يقبح تركهم الزيارة، ولحديث: من حج ولم يزرني فقد جفاني. وإن كان التقييد فيه غير مراد. (وقوله: لأحاديث وردت في فضلها) أي الزيارة. منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: من زار قبري وجبت له شفاعتي. ومفهومه أنها جائزة لغير زائره. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: من جاءني زائرا، لم تنزعه حاجة إلا زيارتي، كان حقا على الله تعالى إن أكون له شفيعا يوم القيامة. وروى البخاري: من صلى علي عند قبري وكل الله بها ملكا يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة. من زار قبر محمد * * نال الشفاعة في غد بالله كرر ذكره * * وحديثه يا منشدي واجعل صلاتك دائما * * جهرا عليه تهتدي فهو الرسول المصطفى * * ذو الجود والكف الندي وهو المشفع في الورى * * من هول يوم الموعد والحوض مخصوص به * * في الحشر عذب المورد صلى عليه ربنا * * ما لاح نجم الفرقد قال بعضهم: ولزائر قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر كرامات. إحداهن يعطى أرفع المراتب. الثانية يبلغ أسنى المطالب. الثالثة قضاء المآرب. الرابعة بذل المواهب. الخامسة الأمن من المعاطب. السادسة التطهير من المعايب. السابعة تسهيل المصاعب. الثامنة كفاية النوائب. التاسعة حس العواقب. العاشرة رحمة رب المشارق والمغارب. هنيئا لمن زار خير الورى * * وحط عن النفس أوزارها فإن السعادة مضمومة * * لمن حل طيبة أو زارها (والحاصل) زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أفضل القربات، فينبغي أن يحرص عليها، وليحذر كل الحذر من التخلف عنها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع القدرة وخصوصا بعد حجة الإسلام لان حقه - صلى الله عليه وسلم - على أمته عظيم، ولو أن أحدهم يجئ على رأسه أو على بصره من أبعد موضع من الارض لزيارته - صلى الله عليه وسلم -، لم يقم بالحق الذي عليه لنبيه جزاه الله عن المسلمين أتم الجزاء: زر من تحب وإن شطت بك الدار * * وحال من دونه ترب وأحجار لا يمنعنك بعد عن زيارته * * إن المحب لمن يهواه زوار ويسن لمن قصد المدينة الشريفة أن يكثر من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في طريقه. وإذا قرب من المدينة المنورة سن أن ينيخ بذي الحليفة، ويغتسل، ثم يتوضأ أو يتيمم عند فقد الماء وأن يزيل نحو شعر إبطه وعانته، ويقص أظفاره، وأن يلبس أنظف ثيابه، وأن يتطيب، وأن ينزل الذكر القوي عن راحلته عند رؤية المدينة إن قدر عليه وأن يمشي حافيا إن أطاق وأمن التنجيس -. وأن يقول إذا بلغ حرم المدينة: اللهم هذا حرم نبيك، فاجعله لي وقاية من النار، وأمانا من العذاب وسوء الحساب، وافتح لي أبواب رحمتك، وارزقني في زيارة نبيك ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك، واغفر لي وارحمني يا خير مسؤول. اللهم أن هذا هو الحرم الذي حرمته على لسان حبيبك ورسولك - صلى الله عليه وسلم - ودعاك أن تجعل فيه من الخير والبركة مثلي ما هو بحرم بيتك الحرام، فحرمني على النار، وأمني من عذابك يوم تبعث عبادك، وارزقني من بركاتك ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك، ووفقني فيه لحسن الأدب، وفعل الخيرات، وترك المنكرات. ويسن أن يقول عند دخول البلد: بسم الله ما شاء الله، لا قوة إلا بالله. * (رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) *. (1) حسبي الله. آمنت بالله، وتوكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم إليك خرجت، وأنت أخرجتني. اللهم سلمني وسلم ديني، وردني سالما في ديني كما أخرجتني. اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أزل أو أزل، أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي، عز جارك، وجل ثناؤك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك. اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، ويحق ممشاي هذا إليك، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا رياء ولا سمعة. خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء معروفك. أسألك أن تعيذني من النار، وتدخلني الجنة. وينبغي أن يكون ممتلئ القلب بتعظيمه - صلى الله عليه وسلم - وهيبته كأنه يراه، ليعظم خشوعه، وتكثر طاعاته، وأن يتأسف على فوات رؤيته - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا التي سعد بها من رأى إشراق نوره على صفحات الوجود، وأنه من رؤيته في الآخرة على خطر. ويسن أن يتصدق بما أمكنه التصدق به، عملا بآية * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * (2) الآية. وإذا قرب من باب المسجد، يسن أن يجدد التوبة، ويقف لحظة حتى يعلم من نفسه التطهر من دنس الذنوب، ليكون على أطهر حالة. ويستحضر عند رؤية المسجد جلالته، الناشئة من جلالة مشرفة - صلى الله عليه وسلم -، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان ملازم الجلوس لهداية أصحابه وتربيتهم ونشر العلوم فيه. ويسن أن يدخل من باب جبريل عليه السلام، وأن يقف بالباب وقفة لطيفة كالمستأذن في الدخول على العظماء، وأن يقدم رجله اليمنى عند الدخول قائلا - ما ورد لدخول كل مسجد: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم. بسم الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وصحبه وسلم. اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك. رب وفقني وسددني وأصلحني. وأعني على ما يرضيك عني، ومن علي بحسن الأدب في هذه الحضرة الشريفة. السلام عليك أيها النبي

_ (1) الاسراء 80. (2) المجادلة: 12

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وحينئذ يتأكد أن يفرغ قلبه من كل شاغل دنيوي، ليتأهل لاستمداد الفيض النبوي الدال على خواص متأدبي الزوار، فإن عجز عن إزالة ذلك فليتوجه إلى الله بحرمته العظيمة أن يطهره منها، ويصمم على مجاهدة نفسه بإزالة ذلك. ثم يقصد الروضة الشريفة من خلف الحجرة المنيفة إن دخل من باب جبريل عليه السلام، ملازما الهيبة والوقار، والخشية والانكسار، ويخص منها مصلاه - صلى الله عليه وسلم -، ويصلي ركعتين خفيفتين ب الكافرون، والإخلاص ناويا بهما تحية المسجد. ويسن أن يقف وقفة لطيفة، ويسلم، ثم يتوجه للزيارة، شاكرا لله تعالى على ما أعطاه ومنحه، ويطلب من صاحب الحضرة قبول زيارته، ويدعو بجوامع الدعوات النبوية، ثم يأتي القبر الشريف من جهة رأسه الشريف، فإنه الأليق بالأدب، ويقول حالة كونه غاضا لبصره، ناظرا للأرض، مستحضرا عظمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه حي في قبره الأعظم، مطلع بإذن الله على ظواهر الخلق وسرائرهم السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. الصلاة والسلام عليك يا رسول الله. الصلاة والسلام عليك يا حبيب الله. الصلاة والسلام عليك يا نبي الرحمة. الصلاة والسلام عليك يا بشير يا نذير، يا ظاهر يا ظهير. الصلاة والسلام عليك يا شفيع المذنبين. الصلاة والسلام عليك يا من وصفه الله تعالى بقوله: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * (1) *. السلام عليك يا سيد الأنام، ومصباح الظلام، ورسول الملك العلام، يا سيد المرسلين، وخاتم أدوار النبيين، يا صاحب المعجزات والحجج القاطعة، والبراهين، يا من أتانا بالدين القيم المتين، وبالمعجر المبين، أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجاهدت في الله حق جهاده، وعبدت ربك حتى أتاك اليقين. السلام عليك يا كثير الأنوار، يا عالي المنار، أنت الذي خلق كل شئ من نورك، واللوح والقلم من نور ظهورك، ونور الشمس والقمر من نورك مستفاد، حتى العقل الذي يهتدي به سائر العباد. أشهد أنك إلخ. السلام عليك يا من انشق له القمر، وكلمه الحجر، وسعت إلى إجابته الشجر يا نبي الله، يا صفوة الله، يا زين ملك الله، يا نور عرش الله، يا من تحقق بعلم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، في أعلى مراتب التمكين أشهد أنك إلخ. السلام عليك يا صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، والشفاعة العظمى في اليوم المشهود أشهد أنك إلخ. السلام عليك وعلى آلك وأهل بيتك، وأزواجك وذريتك وأصحابك أجمعين. السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وجميع عباد الله الصالحين جزاك الله يا رسول الله أفضل ما جزى نبيا ورسولا عن أمته. وصلى الله عليك كلما ذكرك ذاكر، وغفل عن ذكرك غافل، أفضل وأكمل وأطيب ما صلى على أحد من الخلق أجمعين. أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة. ونصحت الأمة. اللهم وآته الفضيلة والوسيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون. اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل سيدنا محمد، وأزواجه وذريته، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم. وبارك على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل سيدنا محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

_ (1) القلم: 4

ماء زمزم مستحب، ولو لغيرهما. وورد أنه أفضل المياه، حتى من الكوثر. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع، فيسلم على سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله، أنت الصديق الأكبر، والعلم الأشهر، جزاك الله عن أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - خيرا، خصوصا يوم المصيبة والشدة، وحين قاتلت أهل النفاق والردة، يا من فنى في محبة الله ورسوله حتى بلغ أقصى مراتب الفناء، يا من أنزل الله في حقك * (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) * (1). أستودعك شهادة أن لا إله إلا الله وأن صاحبك محمد رسول الله، شهادة تشهد لي بها عند الله * (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) * (2). ثم يتأخر قدر ذراع آخر، فيسلم على سيدنا عمر رضي الله عنه، ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، يا سيدنا عمر بن الخطاب، يا ناطقا بالحق والصواب. السلام عليك يا حليف المحراب، السلام عليك يا من بدين الله أمر، يا من قال في حقك سيد البشر - صلى الله عليه وسلم -: لو كان بعدي نبي لكان عمر. السلام عليك يا شديد المحاماة في دين الله والغيرة، يا من قال في حقك هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ما سلك عمر فجا إلا سلك الشيطان فجا غيره. أستودعك الخ. ثم بعد زيارة الشيخين يذهب للسلام على السيدة فاطمة رضي الله عنها في بيتها الذي داخل المقصورة للقول بأنها مدفونة هناك، والراجح أنها في البقيع فيقول: السلام عليك يا بنت المصطفى، السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا خامسة أهل الكسا، السلام عليك يا زوجة سيدنا علي المرتضى، السلام عليك يا أم الحسن والحسين السيدين الشابين شباب أهل الجنة في الجنة، رضي الله عنك أحسن الرضا. ويتوسل بها إلى أبيها - صلى الله عليه وسلم -. ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجهه الشريف، فيقول: الحمد لله رب العالمين. اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد. السلام عليك يا سيدي يا رسول الله. أن الله تعالى أنزل عليك كتابا صادقا، قال فيه: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) * (3) وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي: يا خير من دفنت في القاع أعظمه * * فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه * * فيه العفاف وفيه الجود والكرم أنت النبي الذي ترجى شفاعته * * عند الصراط إذا ما زلت القدم وصاحباك فلا أنساهما أبدا مني * * السلام عليكم ما جرى القلم ثم يمشي إلى جهة يساره ويستقبل القبلة جاعلا الشباك الأول من الشبابيك الثلاثة خلف ظهره، فيحمد الله، ويصلي على نبيه، ويدعو بالدعوات الجامعة، ويعمم في الدعاء. ويختم دعاءه بالحمدلة والصلاة على نبيه. ويسن أن يزور المشاهد وهي نحو ثلاثين موضعا يعرفها أهل المدينة. ويسن زيارة البقيع في كل يوم إن أمكن وإذا أراد السفر استحب أن يودع المسجد بركعتين، ويأتي القبر الشريف، ويعيد السلام الأول، ويقول: اللهم لا تجعله آخر العهد من حرم رسولك - صلى الله عليه وسلم -، ويسر لي العود إلى الحرمين سبيلا سهلا، وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة. وساكن مكة يقول: ويسر لي العود إلى حرم نبيك إلخ، ونسأل الله أن يرزقنا زيارة هذا النبي الكريم في كل عام، وأن يمنحنا كمال المتابعة له في الأفعال والأحوال والأقوال على الدوام، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يعطف علينا قلبه وقلب أحبابه، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير. (قوله: وشرب ماء زمزم مستحب) أي لأنها مباركة وطعام طعم، وشفاء سقم. ويسن أن يشربه لمطلوبه في الدنيا

_ (1) التوبة: 40. (2) الشعراء: 88. (3) النساء: 64

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والآخرة، لحديث: ماء زمزم لما شرب له. ويسن استقبال القبلة عند شربه، وأن يتضلع منه، لما روى البيهقي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم. ويسن أن يقول عند شربه: اللهم إنه بلغني عن نبيك - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ماء زمزم لما شرب له. وأنا أشربه لكذا وكذا ويذكر ما يريد دينا، ودنيا اللهم فافعل. ثم يسمي الله تعالى، ويشرب، ويتنفس ثلاثة. وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شربه يقول: اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء. ويسن الدخول إلى البئر والنظر فيها، وأن ينزح منها بالدلو الذي عليها ويشرب. وقال الماوردي: ويسن أن ينضح منه على رأسه ووجهه وصدره، وأن يتزود من مائها، ويستصحب منه ما أمكنه. ففي البيهقي: أن عائشة رضي الله عنها كانت تحمله وتخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحمله في القرب، وكان يصبه على المرضى، ويسقيهم منه. (قوله: ولو لغيرهما) أي الحاج والمعتمر. (قوله: وورد أنه) أي ماء زمزم. (قوله: أفضل المياه) أي ما عدا الماء الذي نبع من بين أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم -، أما هو، فهو أفضل من ماء زمزم. والحاصل أفضل المياه على الإطلاق: ما نبع من بين أصابعه الشريفة، ثم ماء زمزم، ثم ماء الكوثر، ثم نيل مصر، ثم باقي الأنهر كسيحون، وجيحون، والدجلة، والفرات وقد نظم ذلك التاج السبكي فقال: وأفضل المياه ماء قد نبع * * من بين أصابع النبي المتبع يليه ماء زمزم، فالكوثر * * فنيل مصر، ثم باقي الأنهر والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل (في محرمات الاحرام) (يحرم بإحرام) على رجل وأنثى (وطئ) آية: * (فلا رفث) * أي لا ترفثوا. والرفث مفسر بالوطئ. ويفسد ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في محرمات الإحرام أي في بيان المحرمات التي سببها الإحرام. فالإضافة من إضافة المسبب للسبب، وهي سبعة: اللبس، والتطيب، والدهن، والحلق، والمقدمات، والجماع، وقتل الصيد. وجمعها بعضهم في قوله: لبس، وطيب، دهن، حلق، والقبل * * ومن يطأ أو يك للصيد قتل وعدها بعضهم عشرة، وبعضهم سبعة، ولا تخالف، لأن ما وراء السبعة مما زيد عليها داخل فيها (1). قال في التحفة: وحكمة تحريم ذلك أي الأنواع أن فيها ترفها وهو أي المحرم أشعث أغبر كما في الحديث فلم يناسبه الترفه، وأيضا فالقصد تذكره ذهابه إلى الموقف متجردا متشعثا ليقبل على الله بكليته، ولا يشتغل بغيره. والحاصل أن القصد من الحج: تجرد الظاهر ليتوصل به لتجرد الباطن، ومن الصوم: العكس كما هو واضح فتأمله. اه. (قوله: يحرم بإحرام الخ) إعلم أنه يشترط في تحريم المحرمات التي ذكرها: العمد، والعلم بالتحريم، والاختيار مع التكليف فإن انتفى شئ من ذلك فلا تحريم. وأما الفدية ففيها تفصيل، فإن كانت من باب الإتلاف المحض كقتل الصيد، وقطع الشجر فلا يشترط في وجوبها عمد ولا علم. وإن كانت من قبيل الترفه المحض كالتطيب، واللبس، والدهن اشترط في وجوبها ذلك. وإن كان فيها شائبة من الإتلاف، وشائبة من الترفه: فإن كان المغلب فيه شائبة الإتلاف كالحلق والقلم لم يشترط في وجوبها ما ذكر، وإن كان المغلب فيها شائبة الترفه كالجماع اشترط في وجوبها ذلك. وقد نظم ذلك بعضهم فقال: ما كان محض متلف فيه الفدا * * ولو يكون ناسيا بلا اعتدا وإن يكن ترفها كاللبس * * فعند عمده بدون لبس في آخذ من ذين يا ذا شبها * * خلف بغير العمد (2) لن يشتبها فعند حلق مثل قلم يفتدى * * لا وطؤه بغير عمد اعتمد وكل هذه المحرمات من الصغائر، إلا قتل الصيد الوطئ، فهما من الكبائر، وكلها فيها الفدية بالتفصيل المار، ما عدا عقد النكاح.

_ (1) (قوله: داخل فيها) أي فيدخل قلم الأظفار في الحلق بجامع الازالة، ويدخل قطع الشجر في قتل الصيد بجامع الاتلاف، ويدخل عقدا النكاح في القبل بجامع أن كلا مقدمة. اه مولف. (2) (قوله بغير العمد) مت 3 لق بخلف. (وقوله: لن يشتبها) الجملة صفة له، أي خلف عير متشبه، بل هو واضح في غير العمد من الاخذ شبها من هذين، أي اتلاف، والترفه. اه. مولف

به الحج والعمرة. (وقبلة)، ومباشرة بشهوة. (واستمناء بيد) - بخلاف الانزال بنظر أو فكر - (ونكاح)، لخبر ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: على رجل وأنثى) اعلم أن هذه المحرمات من حيث التحريم ثلاثة أقسام قسم يحرم على الذكر فقط وهو ستر بعض الرأس، ولبس المخيط في أي جزء من بدنه. وقسم يحرم على الأنثى فقط: وهو ستر بعض الوجه. وقسم يحرم عليهما وهو لبس القفازين، وباقي المحرمات. (قوله: وطئ) أي بإدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها ولو مع حائل كثيف في قبل أو دبر ولو لبهيمة، أو ذكر واضح (1) حيا أو ميتا. ويحرم على المرأة الحلال تمكين زوجها المحرم منه، كما أنه يحرم على الرجل الحلال جماع زوجته المحرمة، لكن إذا لم يكن له تحليلها بأن أحرمت بإذنه أما إذا كان له تحليلها أي له أن يأمرها بالتحلل بأن أحرمت بغير إذنه فلا يحرم عليه الوطئ إذا أمرها بالتحلل ولم تتحلل، بل يحرم عليها. (2) كما صرح به في شرح المنهج، وعبارته مع الأصل: ولو أحرم رقيق أو زوجة بلا إذن، فلمالك أمره من زوج أو سيد تحليله بأن يأمره بالتحلل، لأن تقريرهما على إحرامهما يعطل عليه منافعهما التي يستحقها، فإن لم يتحللا، فله استيفاء منفعته منهما، والإثم عليهما. اه. بحذف. (قوله: لآية إلخ) دليل لتحريم الوطئ. (قوله: أي لا ترفثوا) أي فهو خبر بمعنى النهي، إذ لو بقي على ظاهره امتنع وقوعه في الحج، لأن أخبار الله صدق قطعا، مع أن ذلك واقع كثيرا. (قوله: والرفث مفسر بالوطئ) أي فسره ابن عباس بالوطئ تفسير مراد، فلا ينافي أن معناه لغة اللغو والخنى والفجور قال في الإيضاح: قال العلماء: الرفث: اسم لكل لغو وخنى وفجور ومجون بغير حق. والفسق الخروج عن طاعة الله تعالى. اه. (قوله: ويفسد به الحج والعمرة) يعني ويفسد بالوطئ الحج والعمرة، لكن بشرط العلم، والعمد، والاختيار، والتمييز، وكون الوطئ قبل التحلل الأول في الحج، وفي العمرة قبل تمامها هذا إن كانت مفردة، وإلا فهي تابعة للحج. ومع الإفساد يأثم كما يعلم من تعبيره بيحرم ولا فرق في إفساد ما ذكر. والاثم بالوطئ بين الفاعل والمفعول المكلف. وأما الفدية فلا تلزم الموطوءة عند الرملي والخطيب نظير الصوم اتفاقا وعند ابن حجر: فيه تفصيل، وهو لزوم الكفارة للرجل إن كان زوجا محرما مكلفا، وإلا فعليها حيث لم يكرهها. وكذا لو زنت أو مكنت غير مكلف. وسيأتي مزيد كلام على ذلك. (قوله: وقبلة) معطوف على وطئ، أي ويحرم قبلة مطلقا بحائل وغير حائل وإن كان لا دم في الأول. ومثلها النطر بشهوة، وإن كان لا دم فيه. (قوله: ومباشرة) أي وتحرم مباشرة: وهي إلصاق البشرة، وهي ظاهر الجلد بالبشرة. (وقوله: بشهوة) هي اشتياق النفس إلى الشئ. وينبغي أن يتنبه لذلك من يحج بحليلته. لا سيما عند إركابها وتنزيلها، فمتى ما وصلت بشرته لبشرتها بشهوة أثم، ولزمته الفدية، وإن لم ينزل. اه. كردي. (قوله: واستمناء) أي ويحرم استمناء، أي استدعاء خروج المني. (قوله: بيد) أي له، أو لغيره كحليلته لكن إنما يلزم به الدم إن أنزل. قال ش ق: في عد الاستمناء بيده من المحرمات بسبب الإحرام تسامح، لأنه حرام مطلقا من الصغائر، فكان الأولى أن يقول: بيد حليلته. والحاصل أن الدم يجب بالمباشرة بشهوة بدون حائل، ومنها القبلة أنزل أم لا وبالاستمناء إن أنزل. وأن الاستمناء بيد غير الحليلة حرام مطلقا، وبيدها حرام في الإحرام. اه. (قوله: بخلاف الإنزال بنظر) أي فلا يحرم، وهو مخالف لما في النهاية والتحفة وشرح المختصر من حرمة النظر إذا كان بشهوة وإن لم ينزل. وعبارة م ر: وتحرم به مقدماته أيضا كقبلة، ونظر، ولمس، ومعانقة بشهوة، ولو مع عدم إنزال، أو مع حائل، ولا دم في النظر بشهوة، والقبلة بحائل، وإن أنزل بخلاف ما سوى ذلك من المقدمات، فإن فيه الدم وإن لم ينزل، إن باشر عمدا بشهوة. اه. وقوله: أو فكر أي وبخلاف الإنزال بفكر فيما يوجب الإنزال، فلا يحرم.

_ (1) (قوله: واضح) هـ كذا في عبد الروف على المختصر، وهو صفة لقوله قبل: ولا يضر الفصل بالغاية وما قبلها بين الصفة والموصوف. وخرج به الخنثى، فإن لزمه الغسل فسد نسكه وإلا فلا. وعبارة التحفة: ويفسد به - أي الجماع من عامد عالم مختار، وهما واضحان اه. مولف. (2) (قوله: بل يحرم) أئ بل تأثم هي بوطئه. اه مولف

مسلم: لا ينكح المحرم ولا ينكح (وتطيب) في بدن أو ثوب بما يسمى طيبا، كمسك وعنبر، وكافور حي أو ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله ونكاح) معطوف على وطئ، أي ويحرم نكاح، أي عقده إيجابا كان، أو قبولا فيحرم على المحرم عقده لنفسه أو لغيره بإذن أو وكالة أو ولاية. نعم، لا يمتنع عقد النكاح على نائب الإمام والقاضي بإحرامهما دونه. وبهذا يلغز ويقال: لنا رجل محرم بالحج أو العمرة، يعقد نائبه النكاح ويصح منه، وهو عامد، عالم، ذاكر، مختار، ولا إثم عليه في ذلك. وفي الإيضاح: وكل نكاح كان الولي فيه محرما، أو الزوج، أو الزوجة، فهو باطل، وتجوز الرجعة في الإحرام على الأصح - لكن تكره، ويجوز أن يكون المحرم شاهدا في نكاح الحلالين على الأصح، وتكره خطبة المرأة في الإحرام، ولا تحرم. اه. (قوله: لا ينكح المحرم ولا ينكح) بكسر الكاف فيهما، مع فتح الياء في الأولى، وضمها في الثانية: أي لا يتزوج، ولا يزوج غيره. (قوله: وتطيب) معطوف على وطئ، أي ويحرم تطيب أي استعمال الطيب على المحرم، ولو كان أخشم. وقوله: في بدن أي ظاهرا أو باطنا كان أكله أو احتقن به لكن في غير العود كما سيأتي أما هو، فلا يكون متطيبا إلا بالتبخر به. وقوله: أو ثوب أي ملبوس له، فثيابه كبدنه، بل أولى. (قوله: بما يسمى طيبا) أي بما يعد طيبا على العموم. وأما القول بأنه يعتبر عرف كل ناحية بما يتطيبون به، فهو غلط كما قاله العلامة ابن حجر، نقلا عن الروضة والمراد: بما تقصد منه رائحة الطيب غالبا، أما ما كان القصد منه الأكل والتداوي، أو الإصلاح كالفواكه، والأبازير، ونحوهما وإن كان فيه رائحة طيبة كالتفاح، والسفرجل، والأترج، والهيل، والقرنفل، والمصطكي، والسنبل، والقرفة، وحب المحلب. فلا شئ فيه أصلا. وفي حاشية ابن حجر على الإيضاح يتردد النظر في اللبان الجاوي، وأكثر الناس يعدونه طيبا. (قوله: كمسك إلخ) أي وكريحان فارسي أو غيره، ونرجس، وآس، ونمام، وغيرها. قال في فتح الجواد: وشرط الرياحين ومنها الفاغية - أن تكون رطبة. نعم، الكاذي بالمعجمة ولو يابسا طيب، ولعل هذا في نوع منه، وإلا فالذي بمكة لا طيب في يابسة ألبته. وإن رش عليه ماء. اه. واعلم أن أنواع الطيب كثيرة منها المسك، والكافور، والعنبر، والعود، والزعفران، والورس، والورد، والفل، والياسمين، والفاغية، والنرجس، والريحان، والكاذي. ثم المحرم من الطيب مباشرته على الوجه المعتاد فيه، وهو يختلف باختلاف أنواعه، في نحو المسك بوضعه في ثوبه أو بدنه. وفي ماء الورد بالتضمخ به. وفي العود بإحراقه والاحتواء على دخانه. وفي الرياحين كالورد والنمام بأخذها بيده وشمها، أو وضع أنفه. ثم إن هذا محله إذا حمله في لباسه أو ظاهر بدنه، أما إذا استعمله في باطن بدنه - بنحو أكل، أو حقنه، أو استعاط مع بقاء شئ من ريحه أو طعمه حرم ولزمته الفدية، وإن لم يعتد ذلك فيه. ولم يستثنوا منه إلا العود، فلا شئ بنحو أكله إلا شرب نحو الماء المبخر به فيضر وإذا مس الطيب بملبوسه أو ظاهر بدنه من غير حمل له لم يضر ذلك إلا إذا علق ببدنه أو ملبوسه شئ من عين الطيب سواء كان مسه له بجلوسه، أو وقوفه عليه، أو نومه، ولو بلا حائل وكذا إن وطئه بنحو نعله. والكلام في غير نحو الورد من سائر الرياحين. أما هو، فلا يضر، وإن علق بثوبه أو بدنه. وفي حاشية الكردي ما نصه: الذي فهمه الفقير من كلامهم: أن الاعتياد في التطيب ينقسم على أربعة أقسام. أحدها: ما اعتيد التطيب به بالتبخر كالعود فيحرم ذلك إن وصل إلى المحرم عين الدخان سواء في ثوبه، أو

_ (1) (قوله: ولو كان أخشم (أي وإن كان لا ينتفع به لكونه أخشم، لانه تطيب عرفا، كما لو نتف شعر لحيته عبثا. اه. مولف

ميت، وورد ومائه، ولو بشد نحو مسك بطرف ثوبه، أو بجعله في جيبه. ولو خفيت رائحة الطيب، كالكاذي والفاغية - وهي تمر الحناء - فإن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت، حرم، وإلا فلا، (ودهن) بفتح أوله (شعر) رأس، أو لحية بدهن، ولو غير مطيب، كزيت وسمن. (وإزالته) أي الشعر ولو واحدة من رأسه أو لحيته أو بدنه، ـــــــــــــــــــــــــــــ بدنه، وإن لم يحتو عليه فالتعبير بالاحتواء جري على الغالب. ولا يحرم حمل نحو العود في ثوبه أو بدنه لأنه خلاف المعتاد في التطيب به. ثانيها: ما اعتيد التطيب به باستهلاك عينه إما بصبه على البدن أو اللباس، أو بغمسهما فيه فالتعبير بالصب جري على الغالب، وذلك، كماء الورد فهذا لا يحرم حمله ولا شمه، حيث لم يصب بدنه أو ثوبه شئ منه. ثالثها: ما اعتيد التطيب به بوضع أنفه عليه، أو بوضعه على أنفه، وذلك كالورد وسائر الرياحين. فهذا لا يحرم حمله في بدنه وثوبه، وإن كان يجد ريحه. رابعها: ما اعتيد التطيب به بحمله، وذلك كالمسك وغيره، فيحرم حمله في ثوبه أو بدنه. فإن وضعه في نحو خرقة، أو قارورة، أو كان في فأرة وحمل ذلك في ثوبه أو بدنه، نظر إن كان ما فيه الطيب مشدودا عليه، فلا شئ عليه بحمله في ثوبه أو بدنه. وإن كان يجد ريحه وإن كان مفتوحا ولو يسيرا حرم، ولزمت الفدية، إلا إذا كان لمجرد النقل، ولم يشده فيه ثوبه، وقصر الزمن بحيث لا يعد في العرف متطيبا قطعا - فلا يضر. اه. (قوله: ومائه) أي الورد، ولو استهلك ماء الورد في غيره كأن وضع شئ قليل منه في ماء وانمحق به، بحيث لم يبق له طعم ولا ريح جاز استعماله وشربه. (قوله: ولو بشد نحو مسك) غاية في حرمة التطيب بما يسمى طيبا. أي يحرم التطيب بما يسمى طيبا، ولو بربطه في طرف ثوبه، أو بجعله في نحو جيبه. وتقدم عن الكردي آنفا - أنه إذا ربط في خرقة، ثم حمله في ثوبه، أو بدنه، لا يضر. والمراد بنحو المسك العطر، والعنبر، والكافور. وعبارة الإيضاح ولو ربط مسكا أو كافورا أو عنبرا في طرف إزاره لزمته الفدية. ولو ربط العود فلا بأس. (قوله: ولو خفيت رائحة الطيب) أي في نحو الثوب المطيب، وذلك بسبب مرور الزمان والغبار ونحو ذلك. وقوله: كالكاذي والفاغية تمثيل للطيب. (قوله: وهي) أي الفاغية. (وقوله: ثمر الحناء) بكسر الحاء المهملة، وتشديد النون، وبالمد. قال السجاعي في حاشية القطر: وينون إذا خلا من أول الإضافة، لأنه مصروف. اه. (قوله: فإن كان) أي الطيب الذي خفيت رائحته، وهو جواب لو. وقوله: فاحت رائحته أي ظهرت. وقوله: حرم أي التطيب به. (قوله: وإلا) أي بأن لو كان لو أصابه الماء لا تفوح رائحته. وقوله: فلا أي فلا يحرم. (قوله: ودهن) معطوف على وطئ، أي ويحرم دهن. وقوله: بفتح أوله أي لا بضمه، وذلك لأن المضموم اسم للعين التي يدهن بها. والمفتوح مصدر بمعنى التدهين. والتحريم إنما يتعلق بالفعل، لا بالذات كسائر الأحكام. (قوله: شعر رأس) هو بسكون العين، فيجمع على شهور كفلس وفلوس. وبفتحها فيجمع على أشعار كسبب وأسباب، وهو مذكر، الواحد شعرة، وإنما جمع الشعر مع أنه اسم جنس تشبيها له بالمفرد. وقوله: أو لحية هي بكسر اللام الشعر النابت على الذقن. ويلحق بشعر الرأس وباللحية سائر شعور الوجه ما عدا شعر الخد والجبهة. قال في التحفة: وظاهر قوله شعر: أنه لا بد من ثلاث، ويتجه الاكتفاء بدونها إن كان مما يقصد به التزيين، لأن هذا هو مناط التحريم. اه. وإنما قال ظاهر لأنه يمكن أن يكون المراد بشعر الرأس جنسه، الصادق بشعرة واحدة، بل وببعضها. وحاصل ما يتعلق بالدهن أنه يحرم دهن شعر الرأس والوجه ما خلا شعر الخد (1) والجبهة والأنف بأي دهن كان، كزيت، وشيرج، وزبدة وغيرها. وإن كان الشعر (2) محلوقا، أو

_ (1) (قوله: ما خلا شعر الخد إليخ) أي فإنه لا يحرم دهنها، لأنه لا يقصد تنميتها، كما في حاشية الايضاح اه. مولف. (2) (قوله: وإن كان الشعر) أي شعر الرأس أو اللحية. وهو غاية في التحريم. اه مولف

نعم، إن احتاج إلى حلق شعر - بكثرة قمل أو جراحة - فلا حرمة، وعليه الفدية، فلو نبت شعر، بعينه أو غطاها فأزال ذلك، فلا حرمة، وفلا فدية. (وقلم) لظفر، ولو بعضه من يد أو رجل. نعم، له قطع ما انكسر من ظفره إن ـــــــــــــــــــــــــــــ دون الثلاث، أو خارجا لا رأس الأجلح والأصلع (1) في محله ولا لحية الأمرد والأطلس. وخرج به باقي البدن، فلا يحرم دهنه. وليحترز المحرم عند أكل الدسم كسمن ولحم من تلويث العنفقة أو الشارب، فإنه مع العلم والتعمد حرام تجب فيه الفدية، (2) ولو لشعرة واحدة. (قوله: بدهن) متعلق بدهن، وهو هنا بضم الدال، إذ المراد به العين. (قوله: ولو غير مطيب) تعميم في الدهن، أي لا فرق فيه بين أن يكون مطيبا أو لا، لكن المطيب، يزيد على غيره بحرمة استعماله في جميع البدن، ظاهرا وباطنا. (قوله: كزيت وسمن) أي وزبد، ودهن لوز، وجوز، وشحم وشمع (3) ذائبين. (قوله: وإزالته) بالرفع، عطف على وطئ أيضا. أي ويحرم إزالة الشعر بنتف أو إحراق أو غيرهما من سائر وجوه الإزالة (4) حتى بنحو شرب دواء مزيل مع العلم والتعمد فيما يظهر وذلك لقوله تعالى * (ولا تحلقوا رؤوسكم) * (5) أي شيئا من شعرها. وألحق به شعر بقية البدن والظفر، بجامع أن في إزالة كل ترفها ينافي كون المحرم أشعت أغبر. اه. تحفة. (قوله: ولو واحدة) أي ولو كان المزال من الشعر شعرة واحدة، ومثلها بعضها، فإنه يضر، وفيها الفدية، لكنها مد واحد كما سيأتي. (قوله: من رأسه إلخ) متعلق بإزالة، أي إزالة الشعر من رأسه، أو لحيته، أو بدنه. ودخل فيه شعر العانة، والإبط، واليد، والرجل. (قوله: نعم، إن احتاج) أي المحرم، وهو استدراك من حرمة إزالة الشعر، دفع به ما يتوهم أن الإزالة تحرم مطلقا، بحاجة وبغيرها. (قوله: بكثرة) الباء سببية، متعلقة باحتاج. (وقوله: قمل) هو يتولد من العرق والوسخ، وهو من الحيوان الذي إناثه أكبر من ذكوره. ومن طبعه أن يكون في الأحمر أحمر، وفي الأسود أسود، وفي الأبيض أبيض. وقوله: أو جراحة معطوف على كثرة، أي أو بسبب جراحة أحوجه أذاها إلى الحلق، ومثلهما الحر إذا تأذى بكثرة شعره فيه تأذيا لا يحتمل عادة. (قوله: فلا حرمة، وعليه الفدية) أي لقوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * (6). (قوله: فلو نبت إلخ) لو جعله من أسباب الاحتياج إلى الحلق بأن قال: أو بنبت شعر بعينه، أو تغطيته إياها، لكان أولى وأنسب، لأنه لا معنى للتفريع. وقوله: أو غطاها أي غطى الشعر عينه، بأن طال شعر حاجبه أو رأسه حتى وصل إليها وغطاها. (قوله: فأزال ذلك) أي ما ذكر من الشعر النابت في وسط العين والمغطى، أي فقط. (قوله: فلا حرمة ولا فدية) الفرق بين هذا حيث لم تجب الفدية وبين ما قبله حيث وجبت الفدية فيه أن التأذي في هذا من نفس الشعر، بخلافه في ذاك، فإنه ليس منه، بل مما فيه. ومثله في ذلك ما لو قطع أصبعه وعليها شعر أو ظفر، أو كشط جلدة رأسه وعليها شعر، وذلك لتبعيته لغيره، فهو لم يقطعه قصدا، وإنما قطعه تابعا لغيره، والمحرم قطعه غير تابع لغيره.

_ (1) قوله: الاجلح) في المصباح، جلح الرجل جلحا - من باب تعب الشعر من جانبى مقدم رأسه، فهو أجلح. اه وقوله: والاصلع. قال فيه أيضا: صلع الرجل صلعا - من باب تعب - انحسر الشعر من مقدمه اه. (2) (قوله: حرام تجب فيه الفدية) أي ما لم تشتد حاجة إلى أكله، وإلا جاز، ووجبت فيه الفدية، كذا في حاشية الايضاح، وعبارتها: وقضية ما تقرر: حرمة أكل دهن يعلم أنه يلوث به شاربه، وهو ظاهر إن لم تشتد حاجة إليه، وإلا جاز، ووجبت فيه الفدية. اه مولف. (3) (قوله: وشمع) استشكل عطف الشمع على الشحم، ووصفهما بالذوبان لانهم إن أرادوا أن الانضمام قيد في الفدية فغير مسلم، لان الشحم الذائب وحده دهو، وأما الشمع الذائب وحده فغير دهن. وأجيب بأن مرادهم بذلك بيان أن ضمن الشمع إلى الشحم لا يخرجه عن الدهن، بخلاف اللبن المشتمل على الزبد والدهن. وفى هذا الجواب تسليم لقول المستشكل: إن الشمع الذائب غير دهن، وهو في محل المنع، وأى فرق بينه وبين الشحم لان في كل دهنية يقصد بها تزيين الشعر في الجملة. اه. أفاده في حاشية الايضاح. (4) (قوله: أو غيرهما من سائر وجوه الإزالة) هو شامل للزائل بواسطة حك رجل الركب في نحو قتب، وهو ظاهر من كلامهم، فتجب فيه الفدية، وإن احتاج لذلك غالبا، لامكان الاحتراز عنه. خلافا لمن قال بعدمها، وأصال فيه بما ليجدى. اه مولف. (5) القرة: 196. (6) البقرة: 196

تأذى به ولو أدنى تأذ. (ويحرم ستر رجل) - لا امرأة - (بعض رأس بما يعد ساترا) عرقا من مخيط أو غير - كقلنسوة، وخرقة - إما ما لا يعد ساترا - كخيط رقيق، وتوسد نحو عمامة، ووضع يد لم يقصد بها الستر - فلا يحرم، بخلاف ما إذا قصده على نزاع فيه، وكحمل نحو زنبيل لم يقصد به ذلك أيضا، واستظلال بمحمل وإن ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي التحفة ما نصه: (تنبيه) كل محذور أبيح للحاجة فيه الفدية، لغيره إلا إزالة نحو شعر العين كما تقرر وإلا نحو لبس السراويل أو الخف المقطوع احتياطا لستر العورة ووقاية الرجل من نحو النجاسة. وكل محظور بالإحرام فيه الفدية إلا عقد النكاح. اه. (قوله: وقلم) معطوف على وطئ أيضا، أي ويحرم قلم بالقياس على حرمة إزالة الشعر بجامع الرفاهية في كل. (قوله: نعم، له قطع الخ) أي يجوز له ذلك، ولا فدية، وهو استدراك من حرمة القلم. (وقوله: ما انكسر) أي فقط، فلا يجوز له أن يقطع معه من الصحيح شيئا. وفي الكردي ما نصه: في شرح مختصر الإيضاح للبكري، وتبعه ابن علان: أن قطع ما لا يتأتى قطع المنكسر إلا به، جائز، لاحتياجه إليه. وقال ابن الجمال: الأقرب أنها تجب الفدية، لأن الأذى من المنكسر إلا به، جائز، لاحتياجه إليه. وقال ابن الجمال: الأقرب أنها تجب الفدية، لأن الأذى من غيره، لا منه، وجاز قطعه معه لضرورة التوقف المذكور. اه. (قوله: ويحرم ستر إلخ) إنما أظهر العامل ولم يعطفه على ما قبله لطول الكلام عليه. وإنما حرم الستر المذكور لخبر الصحيحين: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرم الذي سقط عن بعيره ميتا لا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا. وقيس عليه الحي، بل أولى. (وقوله: رجل) المراد به الذكر، يقينا، فدخل الصبي، وخرج الأنثى والخنثى، فلا يحرم عليهما ذلك. (وقوله: لا امرأة) أي ولا خنثى. (قوله: بعض رأس) أي ولو البياض الذي وراء الأذن، لكن المحاذي لأعلاها، لا المحاذي لشحمة الأذن. قال عبد الرؤوف في حاشية شرح الدماء: المراد به أي البياض ما على الجمجمة، المحاذي لأعلى الأذن لا البياض وراءها، النازل عن الجمجمة، المتصل بآخر اللحى المحاذي لشحمة الأذن، لأنه ليس من الرأس، وهو المراد بقول الزركشي: لا يجزئ المسح على البياض وراءها. اه (قوله: بما يعد إلخ) متعلق بستر، أي يحرم ستر رجل بعض رأسه بكل ما يعد ساترا في العرف، وإن حكى لون البشرة كثوب رقيق، وزجاج وكما يحرم الستر بما ذكر، يحرم استدامته، وفارق استدامة الطيب بندب ابتداء هذا قبل الإحرام، بخلاف ذاك، ومن ثم، كان التلبيد بما له جرم كالطيب في حل استدامته، لأنه مندوب مثله. أفاده في التحفة. (قوله: من مخيط) بيان لما، وهو بفتح الميم وبالخاء المعجمة، أي شئ فيه خياطة. (وقوله: أو غيره) أي غير المخيط. (قوله: كقلنسوة) تمثيل للمخيط، وهي بفتح القاف واللام وضم السين مشتق من قلس الرجل إذا غطاه وستره والنون زائدة، وهي المسماة بالقاووق. أفاده الشرقاوي. وقوله: وخرقة تمثيل لغير المخيط، ومثلها عصابة عريضة، ومرهم وطين، وحناء ثخينات. (قوله: أما ما لا يعد ساترا) أي في العرف. وهذا محترز قوله بما يعد ساترا. (وقوله: كخيط رقيق) أي وكماء، ولو كدرا، وإن عد ساترا في الصلاة. قال ابن قاسم في شرح أبي شجاع: نعم، إن صار ثخينا لا تصح الطهارة به، بأن صار يسمى طينا، فظاهر أنه يمتنع. اه. (قوله: وتوسد نحو عمامة) أي وجعل نحو عمامة كالوسادة تحت رأسه، فلا يضر، لأنه لا يعد ساترا. (قوله: ووضع يد) أي وكوضع يد له أو لغيره على رأسه، فإنه لا يضر أيضا، لأنه لا يعد ساترا. وقوله: لم يقصد بها الستر الجملة صفة ليد، أي وكوضع يد موصوفة بكونها لم يقصد بها الستر. (قوله: فلا يحرم) جواب أما، والضمير المستتر يعود على ما لا يعد ساترا. (قوله: بخلاف ما إذا قصده) أي الستر بوضع اليد، أي فإنه يحرم. وقوله: على نزاع فيه أي في تحريمه. وحاصله أن الذي جرى عليه ابن حجر في التحفة، وفتح الجواد، وشرح العباب: الضرر بذلك عند قصد الستر. والذي جرى عليه في حاشية الإيضاح: عدم الضرر. وكذلك شيخ الإسلام في شرح البهجة، والرملي في شرحي الإيضاح والبهجة. وعلى الأول تجب الفدية، وعلى الثاني لا تجب. (قوله: وكحمل نحو زنبيل) معطوف على كخيط، فهو مما لا يعد ساترا فلا يضر. (قوله: لم يقصد به) أي يحمل نحو الزنبيل. (وقوله: ذلك) أي الستر، أي ولم يسترخ بحيث يصير كالطاقية، أما إذا استرخى ولم

مس رأسه، (ولبسه) أي الرجل (مخيطا) بخياطة: كقميص، وقباء، أو نسج، أو عقد في سائر بدنه، (بلا عذر) ـــــــــــــــــــــــــــــ يكن فيه شئ محمول حرم، ولزمته الفدية، وإن لم يقصد به الستر، لأنه في هذه الحالة يسمى ساترا عرفا. ولو كفأ الزنبيل على رأسه حتى صار كالقلنسوة، حرم ولزمته الفدية مطلقا. (قوله: واستظلال بمحمل) أي وكاستظلال بمحمل، فهو مما لا يعد ساترا، فلا يحرم. قال في حواشي الإقناع: أي وإن قصد مع ذلك الستر، لأنه لا يعد ساترا عرفا. وفصل بعضهم بين قصد الستر فيفدي وإلا فلا، قياسا على ما لو وضع على رأسه زنبيلا ورد بوضوح الفرق بين الصورتين. إذا الساتر ما يشمل المستور لبسا أو نحوه، ونحو الزنبيل يتصور فيه ذلك فأثر فيه القصد، بخلاف الهودج. شرح العباب. اه. وقوله: وإن مس رأسه الغاية للرد على من يقول بحرمة الاستظلال بمحمل إن مس رأسه. وعبارة الإيضاح: أما ما لا يعد ساترا فلا بأس به مثل أن يتوسد عمامة، أو وسادة، أو ينغمس في ماء، أو يستظل بمحمل أو نحوه، فلا بأس به، سواء مس المحمل رأسه أم لا وقيل: إن مس المحمل رأسه لزمته الفدية، وليس بشئ. اه. (قوله: ولبسه الخ) معطوف على ستر، أي ويحرم لبس الرجل، لخبر الصحيحين: عن ابن عمر، أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: لا يلبس القميص ولا العمائم، ولا السراويلات ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس. زاد البخاري: ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين. (فإن قيل) السؤال عما يلبس، وأجيب بما لا يلبس ما الحكمة في ذلك؟ أجيب بأن ما لا يلبس محصور، بخلاف ما يلبس إذ الأصل الإباحة، وفيه تنبيه على أنه كان ينبغي السؤال عما لا يلبس، وبأن المعتبر في الجواب ما يحصل المقصود، وإن لم يطابق السؤال صريحا. وقوله: محيطا بالمهملة سواء أحاط بجميع بدنه أو بعضه، وسواء كان شفافا كزجاج أم لا. (قوله: بخياطة) متعلق بمحيطا، والباء سببية، أي محيطا بسبب خياطة. (قوله: كقميص) تمثيل للمحيط بخياطة، وهو ما لا يكون مفتوحا من قدام، أي وكخف وبابوج وقبقاب ستر سيره أعلى قدميه، فيحرم لبس ذلك، بخلاف ما لا يستر سيره أعلى قدميه، وبخلاف النعل المعروف، والتاسومة. والحاصل ما ظهر منه العقب ورؤوس الأصابع يحل مطلقا. وما ستر الأصابع فقط، أو العقب فقط: لا يحل إلا مع فقد النعلين. (قوله: وقباء) هو ما يكون مفتوحا من قدام، كالشاية، والقفطان، والفرجية. وفي البجيرمي ما نصه: القباء: بالمد والقصر: قيل هو فارسي معرب، وقيل عربي مشتق من قبوت الشئ: إذا أضممت أصابعك عليه. سمي بذلك لانضمام أطرافه. وروي عن كعب أن أول من لبسه سليمان بن دواد عليهما السلام. اه. وقوله: أو نسج معطوف على خياطة، أي أو محيطا بسبب نسج كزرد. وقوله: أو عقد معطوف على خياطة أيضا، أي أو محيطا بسبب عقد كنوع من اللبد. ومثل المنسوج والمعقود المضفور والمزرر في عرا والمشكوك بنحو خلال. قوله: سائر بدنه متعلق بلبسه. أي يحرم لبسه في جميع بدنه، وهو ليس بقيد، بل مثله بعض بدنه كما علمت، ولا بد من لبسه على الهيئة المألوفة فيه، ليخرج ما إذا ارتدى بقميص أو قباء، أو اتزر بسروايل، فإنه لا حرمة في ذلك، ولا فدية. (قوله: بلا عذر) متعلق بكل من ستر ولبس، بدليل المفهوم الآتي. أي ويحرم ستر رأس بلا عذر، ويحرم لبس المحيط بلا عذر، فإن وجد عذر انتفى التحريم. وفي الفدية تفصيل وسئل السيوطي رحمه الله تعالى عن المحرم، هل يجوز له الستر أو اللبس إذا ظن الضرر قبل وجوده، أو لا يجوز إلا بعد وجوده نظما؟ (فأجاب) كذلك بالجواز، وصورة ذلك: ما قولكم في محرم يلبي * * كاشف رأس راجيا للرب

فلا يحرم على الرجل ستر رأس لعذر - كحر وبرد، ويظهر ضبطه هنا بما لا يطيق الصبر عليه، وإن لم يبح التيمم، فيحل مع الفدية، قياسا على وجوبها في الحلق مع العذر. ولا لبس مخيط إن لم يجد غيره، ولا قدر ـــــــــــــــــــــــــــــ فهل له اللبس قبيل العذر * * بغالب الظن بدون الوزر؟ أم بعد أن يحصل عذر ظاهر * * يجوز لبس وغطاء ساتر؟ ولو طرا عذر وزال عنه * * هل يجب النزع ببرء منه؟ (أجاب رحمه الله) ومحرم قبل طرو العذر * * أجز له اللبس بغير وزر بغالب الظن ولا توقف * * على حصوله، وهذا الأرأف نظيره من ظن من غسل بما * * حصول سقم جوزوا التيمما ومن تزل أعذاره فليقلع * * مبادرا وليعص إن لم ينزع (قوله: فلا يحرم على الرجل الخ) مفهوم قوله بلا عذر. (وقوله: ستر رأس) أي ولا لبسه محيطا. وكان الأولى للشارح أن يزيده، لما علمت أن قوله بلا عذر راجع لكل من ستر ولبس، فيكون هو مفهوم قوله بلا عذر بالنسبة للبس، ولا يصح أن يكون قوله الآتي ولا لبس محيط إن لم يجد غيره هو مفهومه بالنسبة له كما ستعرفه. (قوله: كحر وبرد) تمثيل للعذر، ودخل تحت الكاف: الجراحة، والكسر، والوجع، ونحوها. (قوله: ويظهر ضبطه) أي العذر. (وقوله: هنا) أي في هذا الباب، بخلافه في غير هذا الباب، فهو ما أباح التيمم، ومن العذر ما لو تعين ستر وجه المرأة طريقا في دفع النظر إليها المحرم، فيجوز حينئذ، وتجب به الفدية. (قوله: بما لا يطيق الصبر عليه) متعلق بضبطه، أي ضبطه بكل ما لا يطيق الصبر عليه كالحر والبرد. (قوله: وإن لم يبح التيمم) أي لا فرق فيما لا يطيق الصبر عليه بين أن يكون مبيحا لتيمم أو لا. (قوله: فيحل) أي ستر الرأس لعذر، وهذا عين قوله فلا يحرم، إلا أنه أعاده لأجل إفادة ما بعده. (وقوله: مع الفدية) أي مع وجوبها عليه. وقوله: قياسا الخ أي إن وجوب الفدية هنا مقيس على وجوبها في الحلق مع العذر، بجامع أن كلا محظور أبيح لحاجة. (قوله: ولا لبس محيط إلخ) ظاهره أنه معطوف على ستر رأس، ويكون هو مفهوم قوله بلا عذر بالنسبة للبس، وذلك لما علمت أن قوله بلا عذر مرتبط بكل من ستر ومن لبس، فأخذ أولا مفهومه بالنسبة للستر، وهذا مفهومه بالنسبة للبس. والمعنى عليه ولا يحرم لبس محيط بعذر إن لم يجد غيره، وهو لا يصح، وذلك لأنه حيث وجد عذر حل لبس المحيط سواء وجد غيره أم لا كما أنه إذا لم يجد: يحل لبسه وجد عذر أم لا. فيتعين حينئذ أن يكون مستأنفا، وليس معطوفا على ما قبله. ويقدر عامل للبس، ويكون مفهوم قوله بلا عذر محذوفا كما علمته فيما مر ولا يخفى ما في عبارته المذكورة من الارتباك، وبيانه أن ستر الرأس ولبس المحيط يباحان لحاجة كحر وبرد مطلقا وإن ليس المحيط يباح أيضا إذا لم يجد غيره، لكن بقدر ستر العورة فقط - كسراويل - فلبس المحيط مباح لأحد شيئين: لحاجة نحو ما ذكر، ولعدم وجدان غيره. وفي الأول: يباح له لبسه في جميع البدن مع الفدية. وفي الثاني: بقدر ما يستر العورة فقط بلا فدية، فما يباح للحاجة المذكورة غير ما يباح للفقد قدرا وحكما. والمؤلف رحمه الله لم يفصحهما، بل أدرج أحدهما في الآخر. وسببه أنه تصرف في عبارة شيخه وسبكها بعبارته، فأدى ذلك إلى الارتباك وعدم حسن السبك. فلو قال عقب قوله بلا عذر فلا يحرم على الرجل ستر رأس ولا لبس محيط إذا كان ذلك لعذر كحر وبرد الخ. ثم قال: ولا يحرم أيضا لبسه محيط إن لم يجد غيره، ولا قدر على تحصيله، ولو بنحو استعارة، لا بنحو هبة، لكن بقدر ما يستر العورة فقط. لكان أولى وأخصر وأوضح. فتنبه. وقوله: إن لم يجد غيره أي المحيط حسا كان بأن فقده عنده وعند غيره، أو شرعا بأن وجده بأكثر من ثمن

على تحصيله، ولو بنحو استعارة. بخلاف الهبة - لعظم المنة - فيحل ستر العورة بالمخيط بلا فدية، ولبسه في باقي بدنه لحاجة نحو حر وبرد مع فدية. ويحل الارتداء والالتحاف بالقميص والقباء، وعقد الازار، وشد خيط عليه ليثبت: لا وضع طوق القباء على رقبته، وإن لم يدخل يده (و) يحرم (ستر امرأة - لا رجل - بعض وجه) بما ـــــــــــــــــــــــــــــ المثل أو أجرة مثله، وإن قل. وقوله: ولا قدر على تحصيله أي بشراء ونحوه وهذا لازم لعدم وجدانه حسا، لأنه يلزم منه عدم القدرة على تحصيله، ولو أسقطه ما ضره. (قوله: ولو بنحو استعارة) غاية للنفي، أي انتفت القدرة على تحصيله حتى بالاستعارة. فإن قدر على تحصيله بذلك تعين، ويحرم لبس المحيط. (قوله: بخلاف الهبة) أي بخلاف ما إذا قدر على تحصيل غير المحيط بالهبة، فلا يحرم عليه لبس المحيط، لأنه لا يلزمه قبول الهبة لعظم المنة فيها وثقلها على النفوس. (قوله: فيحل ستر العورة إلخ) تفصيل لما أجمله بقوله ولا لبس محيط الخ. وحاصله أنه إذا لم يجد غير المحيط حل له لبسه بقدر ما يستر العورة، ولا يحل له لبسه في باقي بدنه إلا إذا وجدت حاجة كحر وبرد. وإذا اقتصر على ساتر العورة لا تلزمه فدية، بخلاف ما إذا زاد عليها فإنه تلزمه فدية. والفرق كما في البجيرمي نقلا عن الشوبري أن ما كان سببه الفقد لا فدية فيه، وما كان سببه غير الفقد كحر وبرد فيه الفدية. (قوله: ولبسه إلخ) أي ويحل لبسه، أي المحيط. (قوله: وعقد الإزار) أي ويحل عقد الإزار، أي ربط طرفه بالآخر. (قوله: وشد خيط عليه) أي الإزار، بأن يجعل خيطا في وسطه فوق الإزار ليثبت. ويجوز أيضا أن يجعل فيه مثل الحجزة، ويدخل في التكة إحكاما، وأن يغرز طرف ردائه في طرف إزاره، ولا يجوز أن يعقد طرف ردائه بالآخر، ولا أن يخله به نحو مسلة. (قوله: لا وضع طوق الخ) معطوف على الارتداء، أي لا يحل له وضع طوق القباء على رقبته وإن لم يدخل يديه في كميه وقصر الزمن، لأنه يستمسك بذلك، فيعد لابسا له. واعلم أنه لا يحرم دخوله في كيس النوم إن لم يستر رأسه، إذ لا يستمسك عند قيامه، ولا إدخاله رجله في ساق الخف دون قراره، ولا لف عمامة بوسطه بلا عقد، ولا لبس خاتم، ولا احتباء بحبوة وإن عرضت جدا ولا إدخاله يده في كم نحو قباء، ولا لبس السراويل في إحدى رجليه، ولا تقليد السيف، ولا شد نحو منطقة وهميان في وسطه. (قوله: ويحرم ستر امرأة لا رجل بعض وجه) وذلك لنهيها عن النقاب. وحكمته أنها تستره غالبا، فأمرت بكشفه لمخالفة عادتها. نعم، يعفى عما تستره من الوجه احتياطا للرأس، ولو أمة، عند ابن حجر، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ويجوز لها أن ترخى على وجهها ثوبا متجافيا عنه بنحو أعواد ولو لغير حاجة. فلو سقط الثوب على وجهها بلا اختيارها فإن رفعته فورا فلا شئ عليها، وإلا أثمت، وفدت. وكما يحرم عليها ستر وجهها، يحرم عليها وعلى الرجل أيضا لبس القفازين، للنهي عنهما في الحديث الصحيح. والقفاز: شئ يعمل لليد يحشى بقطن ويزر بأزرار على الساعد ليقيها من البرد. والمراد هنا: المحشو والمزرور وغيرهما. ولها أن تلف خرقة على كل من يديها وتشدها وتعقدها. وللرجل شدها بلا عقد. (تنبيه) المحرمات أربعة أقسام: الأول: ما يباح للحاجة ولا حرمة ولا فدية. وهو: لبس السروايل لفقد الإزار، والخف المقطوع لفقد النعل، وعقد خرقة على ذكر سلس لم يستمسك بغير ذلك. واستدامة ما لبد به شعر رأسه أو تطيب به قبل الإحرام، وحمل نحو مسك بقصد النقل إن قصر زمنه، وإزالة الشعر بجلدة، والنابت في العين ومغطيها، والظفر بعضوه، والمؤذي بنحو كسر، وقتل صيد صائل، ووطئ جراد عم المسالك، والتعرض لنحو بيض صيد وضعه في فراشه ولم يمكن دفعه إلا به أو لم يعلم به فتلف، وتخليص صيد من فم سبع فمات، وما فعله من الترفه كلبس وتطيب ناسيا أو جاهلا أو مكرها. الثاني: ما فيه الإثم ولا فدية: كعقد النكاح، ومباشرة بشهوة بحائل على ما مر، والنظر بشهوة، والإعانة على قتل

يعد ساترا (وفدية) ارتكاب واحد م (- ما يحرم) بالاحرام غير الجماع (ذبح شاة) مجزئة في الاضحية، وهي ـــــــــــــــــــــــــــــ الصيد بدلالة أو إعارة آلة، ولو لحلال، والأكل من صيد صاده غيره له، ومجرد تنفير الصيد من غير تلف، وفعل محرم من محرمات الإحرام بميت محرم. الثالث: ما فيه الفدية ولا إثم. وذلك فيما إذا احتاج الرجل إلى اللبس أو المرأة لتستر وجهها، أو إلى إزالة شعر، أو ظفر لنحو مرض، أو زال نحو شعر جهلا وهو مميز، أو نفر صيدا بغير قصد وتلف به، أو اضطر إلى ذبح صيد لجوع أو تلف صيد برفس دابة معه، أو عضها بلا تقصير. الرابع: ما فيه الإثم والفدية. وهو باقي المحرمات. (قوله: وفدية ارتكاب واحد الخ) لما أنهى الكلام على الواجبات والمحرمات، شرع في بيان ما يترتب على ترك شئ من الأولى، وارتكاب شئ من الثانية، فقال: وفدية إلخ. وحاصل الكلام على ذلك أن الدماء ترجع باعتبار حكمها إلى أربعة أقسام: دم ترتيب وتقدير. ودم ترتيب وتعديل. ودم تخيير وتقدير. ودم تخيير وتعديل. فالقسم الأول: كدم التمتع، والقران، والفوات، وترك الإحرام من الميقات، وترك الرمي، وترك المبيت بمزدلفة، وترك المبيت بمنى، وترك طواف الوداع، وترك مشي أخلفه ناذره. فهذه الدماء دماء ترتيب، بمعنى أنه يلزمه الذبح، ولا يجوز العدول عنه إلى غيره، إلا إذا عجز عنه. وتقدير: بمعنى أن الشرع قدر ما يعدل إليه بما لا يزيد ولا ينقص. والقسم الثاني: كدم الجماع، فهو دم ترتيب وتعديل. بمعنى أن الشرع أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة، فيجب فيه بدنة، ثم بقرة، ثم سبع شياه فإن عجز قوم البدنة بدراهم، واشترى بالدراهم طعاما وتصدق به. فإن عجز، صام عن كل مد يوما، ويكمل المنكسر بصوم يوم كامل. وكدم الإحصار: فهو دم ترتيب وتعديل، فيجب فيه شاة، فإن عجز قومها كما ذكر، فإن عجز صام عن كل مد يوما. والقسم الثالث: كدم الحلق والقلم، ودم الاستمتاع وهو التطيب، والدهن بفتح الدال للرأس أو اللحية، وبعض شعور الوجه على ما تقدم واللبس، ومقدمات الجماع، والاستمناء، والجماع غير المفسد. فهذه الدماء دماء تخيير بمعنى أنه يجوز العدول عنها إلى غيرها، وتقدير بمعنى أن الشرع قدر ما يعدل إليه، فيتخير إذا أزال ثلاث شعرات بين ذبح وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وصوم ثلاثة أيام. والقسم الرابع: كدم جزاء الصيد والشجر، فهو دم تخيير وتعديل. بمعنى أن بالخيار، إن شاء فعل الأول وهو الذبح، أو الثاني وهو التقويم، أو الثالث وهو الصيام. ومعنى التعديل التقويم. فجملة هذه الدماء: أحد وعشرون دما تسعة مرتبة مقدرة، وثمانية مخيرة مقدرة، ودمان فيهما ترتيب وتعديل، ودمان فيهما تخيير وتعديل. ونظمها الدميري رحمه الله تعالى فقال: خاتمة من الدماء ما التزم * * مرتبا وما بتخيير لزم والصفتان لا اجتماع لهما * * كالعدل والتقدير حيث فهما والدم بالترتيب والتقدير في * * تمتع فوت قران اقتفي وترك ميقات ورمي ووداع * * مع المبيتين بلا عذر مشاع ثم مرتب بتعديل سقط * * في مفسد الجماع والحصر فقط مخير مقدر دهن لباس * * والحلق والقلم وطيب فيه باس والوطئ حيث الشاة والمقدمات * * مخير معدل صيد نبات

جذعة ضأن، أو ثنية معز، (أو تصدق بثلاثة آصع لستة) من مساكين الحرم الشاملين للفقراء، لكل واحد نصف ـــــــــــــــــــــــــــــ ونظمها أيضا ابن المقري رحمه الله تعالى - في قوله: أربعة دماء حج تحصر * * أولها المرتب المقدر تمتع، فوت وحج قرنا * * وترك رمي والمبيت بمنى وتركه الميقات والمزدلفة * * أو لم يودع أو كمشي أخلفه ناذره يصوم إن دما فقد * * ثلاثة فيه وسبعا في البلد والثان ترتيب وتعديل ورد * * في محصر ووطئ حج إن فسد إن لم يجد قومه ثم اشترى * * به طعاما طعمة للفقرا ثم لعجر عدل ذاك صوما * * أعني به عن كل مد يوما والثالث التخيير والتعديل في * * صيد وأشجار بلا تكلف إن شئت فاذبح أو فعدل مثل ما * * عدلت في قيمة ما تقدما وخيرن وقدرن في الرابع * * إن شئت فاذبح أو فجد باصع للشخص نصف أو فصم ثلاثا * * تجتث ما اجتثثته اجتثاثا في الحلق والقلم ولبس دهن * * طيب وتقبيل ووطئ ثني أو بين تحليلي ذوي إحرام * * هذي دماء الحج بالتمام والحمد لله وصلى ربنا * * على خيار خلقه نبينا وهو نظم حسن ينبغي لك طالب علم أن يحفظه. واعلم أن هذا الدماء لا تختص بوقت، وتراق في النسك الذي وجبت فيه، ودم الفوات يجزئ بعد دخول وقت الإحرام بالقضاء. كالمتمتع إذا فرغ من عمرته فإنه يجوز له أن يذبح قبل الإحرام بالحج، وهذا هو المعتمد، وإن قال ابن المقري لا يجزئ إلا بعد الإحرام بالقضاء. وكلها أو بدلها من الطعام تختص تفريقته بالحرم على مساكينه، وكذا يختص به الذبح. إلا المحصر فيذبح حيث أحصر، فإن عدم المساكين في الحرم أخره حتى يجدهم. كمن نذر التصدق على فقراء بلد فلم يجدهم. (قوله: مما يحرم) أي من الدهن والطيب واللبس والستر والحلق والقلم. (واعلم) أن الفدية تتعدد بتعدد ذلك إن اختلف الزمان والمكان والنوع، وإلا فلا. والطيب كله نوع، وكذا الدهن وكذا اللبس. قال النشيلي: وقضية ذلك أن من ستر رأسه لضرورة، واحتاج لكشفه عند مسحه في الوضوء وعند السجود، ثم أعاد الستر، تتكرر عليه الفدية لتكرر الزمان والمكان. قال السيد السمهودي: ما أظن السلف مع عدم خلو زمانهم عن مثل هذه الصورة يوجبون ذلك، ولم أر من نبه عليه. والمشقة تجلب التيسير. اه. (قوله: غير الجماع) أما هو، فحكمه سيأتي، وظاهر كلامه أن الجماع مطلقا مخالف في الحكم لما هنا، وليس كذلك، بل حكم الجماع الذي بين التحللين حكم ما هنا، وغير عقد النكاح أيضا. أما هو، فلا فدية فيه أصلا كما تقدم وغير الصيد والنابت، أما هما، فدمهما دم تخيير وتعديل. (قوله: ذبح شاة) خبر فدية. وفيه أن الذبح فعل الفاعل، والفدية اسم لما يخرج، فلم يحصل تطابق بين المبتدأ والخبر، ولا بد من تأويله هو وما عطف عليه، أعني قوله أو تصدق باسم المفعول: أي مذبوح شاة. والإضافة فيه على معنى من، أو متصدق بثلاثة آصع، ولا بد من جعل الباء فيه بمعنى من البيانية، أي من ثلاثة آصع. (قوله: مجزئة في الأضحية) وهي أن لا تكون عجفاء ولا مقطوعة بعض ذنب أو أذن، ولا عرجاء، ولا عوراء، ولا مريضة مرضا بينا كما سيذكره. (قوله: وهي) أي الشاة المجزئة. وقوله: جذعة

صاع، (أو صوم ثلاثة) أيام. فمرتكب المحرم مخير في الفدية بين الثلاثة المذكورة. (فرع) لو فعل شيئا من المحرمات ناسيا أو جاهلا بتحريمه، وجبت الفدية إن كان إتلافا - كحلق شعر، وقلم ظفر، وقتل صيد - ولا تجب إن كان تمتعا - كلبس، وتطيب - والواجب في إزالة ثلاث شعرات أو أظفار ولا اتحاد زمان ومكان عرفا فدية كاملة، وفي واحدة: مد طعام. وفي اثنتين: مدان (ودم ترك مأمور) كإحرام ـــــــــــــــــــــــــــــ ضأن أي ما أجزعت مقدم أسنانها، وإن لم يكن لها سنة. (قوله: أو ثنية معز) أي لها سنتان. (قوله: أو تصدق) يقرأ بصيغة المصدر، معطوف على ذبح. وقوله: بثلاثة آصع بمد الهمزة جمع صاع وهو أربعة أمداد. (قوله: لستة) متعلق بتصدق، واللام بمعنى على، أي تصدق على ستة. وقوله: من مساكين الحرم أي ولو كانوا غير مستوطنين به، لكن إعطاء المستوطنين أولى إذا لم تكن حاجة الغرباء أشد. (قوله: الشاملين للفقراء) أي أن المراد بالمساكين ما يشمل الفقراء، لا ما قابلهم، لأن الفقير والمسكين يجتمعان إذا افترقا، ويفترقان إذا اجتمعا. (قوله: لكل واحد نصف صاع) ولا يجزئ أقل منه، وليس في الكفارات محل يزاد فيه المسكين من كفارة واحد على مد غير هذا. (قوله: أو صوم ثلاثة أيام) أي ولو من غير توال. (قوله: فمرتكب المحرم مخير الخ) أي لقوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) (1) * أي فحلق. * (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * (2) وروى الشيخان أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجزة: أيؤذيك هوام رأسك؟ قال: نعم. قال: انسك أي اذبح شاة أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم فرقا من الطعام على ستة مساكين. والفرق - بفتح الفاء والراء - ثلاثة آصع. وقيس بالحلق وبالمعذور: غيرهما. واعلم أن الفدية قد تجب على مرتكب المحظور، كالولي بسبب ارتكاب الصبي المميز إياه، بخلافه إذا كان غير مميز فلا فدية على واحد منهما، وإن كان إتلافا. هذا إذا كان سبب الفدية ارتكابه محظورا فإن كان سببها تمتع موليه، أو قرانه، أو إحصاره، فالفدية في مال الولي مطلقا سواء كان الصبي مميزا، أو كان غير مميز. (قوله: ولو فعل) أي المحرم. (قوله: ناسيا) أي للإحرام أو التحريم. ولا ينافيه التقييد بالتعمد في آية * (ومن قتله منكم متعمدا) * (2) الآية. فقد خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له كما في شرح المنهج. (قوله: إن كان) أي الشئ الذي فعله منها. وقوله: إتلافا أي محضا كقتل الصيد أو مشوبا باستمتاع، لكن المغلب جانب الإتلاف، كحلق الشعر، وقلم الأظفار. (قوله: ولا تجب) أي الفدية. وقوله: إن كان أي الشئ الذي فعله منها. وقوله: تمتعا أي محضا كاللبس، والطيب أو مشوبا بإتلاف، لكن المغلب فيه جانب التمتع، كالجماع. (قوله: والواجب الخ) أعاده مع علمه من قوله: وفدية ما يحرم، لأجل بيان شروط ما تجب فيه الفدية الكاملة في إزالة الشعر أو الأظفار، وهي أن يكون المزال ثلاث شعرات فأكثر، أو ثلاثة أظفار فأكثر، وأن تكون إزالة ذلك على التوالي في الزمان والمكان. وقوله: باتحاد زمان ومكان الباء لتصوير الولاء، والمراد باتحاد الزمان: وقوع الفعل على الأثر المعتاد، وإلا فالاتحاد الحقيقي مع الاتحاد في الفعل مما لا يتصور ح ل. ويمكن تصويره بأن يزيل شعرتين معا في زمن واحد. والمراد باتحاد المكان أن يكون المكان الذي أزال الشعر فيه واحدا، وليس المراد به أن يكون العضو الذي أزال الشعر منه واحدا. بدليل أنه لو أزال شعرة من لحيته، وشعرة من رأسه، وشعرة من باقي بدنه في مكان واحد، لزمته الفدية. لا يقال يلزم من تعدد المكان تعدد الزمان فهلا اكتفى به؟ لأنا نقول: التعدد هنا عرفي، وقد يتعدد المكان عرفا، ولا يتعدد الزمان عرفا، لعدم طول الفصل. لأن المراد باتحاد الزمان عدم طول الفصل عرفا، وباتحاد المكان أن لا يتعدد المكان الذي أزال فيه كما علمت واحترز باتحاد ما ذكر عن اختلافه بأن اختلف محل الإزالة أو زمنها، فإنه يجب في كل شعرة مد أفاد جميع ذلك العلامة البجيرمي. (قوله: وفي واحدة مد طعام الخ) أي والواجب في إزالة شعرة واحدة مد واحد، وفي إزالة

_ (1) البقرة: 196. (2) المائدة: 95

من الميقات، ومبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الاحجار، وطواف الوداع، كدم التمتع والقران. (ذبح) أي ذبح شاة تجزئ أضحية في الحرم، (ف) - الواجب على العاجز عن الذبح فيه ولو لغيبة ماله - وإن وجد من يقرضه، أو وجده بأكثر من ثمن المثل - (صوم) أيام (ثلاثة) فورا بعد إحرام، (وقبل) يوم (نحر) - ولو مسافرا - فلا يجوز ـــــــــــــــــــــــــــــ شعرتين مدان، وذلك لعسر تبعيض الدم فعدل إلى الطعام لأن الشرع عدل الحيوان به في جزاء الصيد وغيره. قال في المنهج وشرحه: هذا إن اختار دما، فإن اختار الطعام ففي واحد منهما صاع، وفي اثنين صاعان، أو الصوم، ففي واحد صوم يوم، وفي اثنين صوم يومين. اه. وما ذكر ضعيف، والمعتمد وجوب المد أو المدين مطلقا أي سواء اختار الإطعام أو الصوم، أو الدم فلو عجز عن المد أو المدين استقر ذلك في ذمته. (قوله: ودم ترك مأمور) أي سواء كان يفوت به الحج كالوقوف أو لا، كالواجبات. وعبر أولا بالفدية، وهنا بالدم مع أن كلاهما يطلق على الحيوان وعلى غيره مما يقوم مقامه تفننا. (قوله: كإحرام من الميقات إلخ) تمثيل للمأمور به. (قوله: كدم التمتع والقران) الكاف للتنظير، أي أن دم ترك المأمور به نظير دم التمتع والقران في كونه مرتبا مقدرا، وفيه أنه لم يسبق منه تعرض، لكون دم التمتع والقران مرتبا مقدرا، ولا غير ذلك. فكان الأولى أن يقول: ودم تمتع وقران بإسقاط الكاف، فيكون معطوفا على دم ترك مأمور. (قوله: ذبح) خبر عن دم، ويجري في ما مر. (قوله: في الحرم) متعلق بذبح، والذبح في الحرم عام في كل الدماء، لا في خصوص هذا القسم كما يوهمه صنيعه حيث قيد به هنا وأطلق فيما سبق، وذلك لقوله تعالى: * (هديا بالغ الكعبة) * وخبر مسلم: نحرت ههنا، ومنى كلها منحر. فلا يجزئ الذبح في غير الحرم. وأفضل بقاع الحرم لذبح المعتمر: المروة. ولذبح الحاج إفرادا أو تمتعا أو قرانا: منى. (قوله: فالواجب على العاجز عن الذبح فيه) أي في الحرم حسا كان العجز، بأن فقد الشاة أو ثمنها أو شرعا بأن وجدها بأكثر من ثمن مثلها، أو كان محتاجا إليه أو غاب عنه ماله، أو تعذر وصوله إلى ماله. (قوله: ولو لغيبة ماله) غاية في كون الواجب عليه الصوم. أي يكون الواجب عليه الصوم، ولو كان عجزه بسبب غيبة ماله. قال البجيرمي: ولو لدون مسافة القصر. وخالف في ذلك: البلقيني. اه. (قوله: وإن وجد من يقرضه الخ) غاية في الغاية، أي الواجب على العاجز المذكور بسبب غيبة ماله الصوم، ولو وجد من يقرضه إياه، فلا يكلف القبول. (قوله: أو وجده) لا يصلح أن يكون معطوفا على وجد قبله، لما علمت أنه غاية للغاية، والمعطوف على الغاية غاية، فيلزم أن يكون هذا غاية أيضا للغاية الأولى، وهو لا يصح، فلعل في عبارته سقطا من النساخ. ثم رأيت عبارة المؤلف المذكورة عين عبارة فتح الجواد لكنه أسقط منها ما هو متعين ذكره، ونصها: ثم الواجب على من عجز عن الدم في محل الذبح فيما ذكر من الفوات والتمتع والقرآن وترك واجب بأن لم يجده ولو لغيبة ماله، وإن وجد من يقرضه فيما يظهر كالتيمم أو وجده بأكثر من ثمن المثل أو به واحتاج إليه لمؤن سفره الجائز فيما يظهر صوم الخ. اه. فقوله: أو وجده بأكثر: معطوف على قوله بأن لم يجده الساقط من عبارة مؤلفنا. (قوله: بأكثر من ثمن المثل) ظاهره وإن قل بحيث يتغابن به، وبه صرح شيخنا زي، لكن ينبغي وجوبه بزيادة لا يتغابن بها. اه. ع ش. (قوله: صوم أيام) خبر المبتدإ الذي قدره، وهو الواجب على العاجز إلخ. وبقطع النظر عنه يكون معطوفا على ذبح، ولا بد من تعيين نية الصوم كعن تمتع، أو قران، أو نحوهما ومن تبييت النية كصوم رمضان. (قوله: فورا إلخ) في حاشية عبد الرؤوف ما نصه: قوله فورا وجوبه: أي الصوم. وكونه فورا مشروطان بالإحرام بالحج بالنسبة للتمتع والفوات والمشي المنذور في الحج، وبالإحرام بالعمرة، أو بالحج بالنسبة لمجاوزة الميقات، وبتمام الإحرام بهما بالنسبة للقران، وبفراق مكة بالنسبة لترك الوداع، وبفراغ أيام منى بالنسبة لبقية الدماء التسعة. ومع ذلك فالفورية مشكلة، لأنه إذا أحرم من أول شوال مثلا، لا نكلفه صوم الثلاثة أول إحرامه، بل الواجب عليه

تأخير شئ منها عنه، لانها تصير قضاء. ولا تقديمه على الاحرام بالحج، الآية. (و) يلزمه أيضا صوم (سبعة بوطنه) أي إذا رجع إلى أهله. ويسن تواليها - كالثلاثة - قال تعالى: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن لا تغرب شمس يوم عرفة وقد بقي عليه شئ منها. نعم، قد تحصل الفورية لعارض تضيق كأن أحرم ليلة السابع وفورية السبعة أقوى إشكالا، إذ لا يجب صومها أول دخول بلده. ويمكن تأويل فورية الثلاثة بعدم تأخيرها عن غروب يوم عرفة. ثم محل وجوبه أي الصوم إن قدر عليه، وإلا فلا، كهم - بكسر الهاء، وتشديد الميم عاجز يأتي فيه ما في رمضان من وجوب المد عن كل يوم، فإن عجز عنه بقي الواجب عليه، فإن قدر على أي واحد منهما فعله. اه. بحذف. (قوله: بعد إحرام) أي بالحج. فلا يجوز تقديمه على الإحرام، بخلاف الدم. والفرق: أن الصوم عبادة بدنية، فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة، والدم عبادة مالية، فأشبه الزكاة. ويستحب أن يحرم ليلة الخامس ليصومه وتالييه، أو ليلة السادس ليصومه وتالييه، والأول أفضل، ليكون يوم الترويه مفطرا، وهذا مفروض في القرآن والتمتع وإخلاف النذر والفوات، لأنه يمكنه إيقاع الثلاثة في الحج كما يعلم من عبارة عبد الرؤوف المارة آنفا أما ترك المبيتين، والرمي، وطواف الوداع، والميقات في العمرة، فيصوم الثلاثة بعد وجوب الدم حيث شاء، ولو في طريقه، لكن لا يجوز صيامها في ترك طواف الوداع إلا بعد مرحلتين أو بلوغه مسكنه ثم يفطر بقدر مسافة وطنه وأربعة أيام العيد والتشريق، ثم يصوم السبعة في وطنه. والمكي يفرق بأربعة أيام، إذ لا يحتاج إلى مسافة. ولذلك قال بعضهم: والصوم في الحج ببعض الصور * * ممتنع كالصوم للمعتمر وصوم تارك المبيتين معا * * والرمي أو صوم الذي ما ودعا (قوله: وقبل يوم نحر) معطوف على بعد إحرام. (قوله: ولو مسافرا) غاية لوجوب صوم الثلاثة بعد الإحرام وقبل يوم النحر، أي يجب الصوم عليه ولو كان مسافرا فليس السفر عذرا في صومها، للنص عليه فيه بقوله ثلاثة أيام في الحج، فلا يرد أن رمضان أعظم حرمة، مع أن السفر عذر فيه. (قوله: فلا يجوز تأخير الخ) مفرع على مفهوم التقييد بقوله وقبل يوم نحر، وما بعده مفرع على مفهوم التقييد ببعد إحرام، فهو على اللف والنشر المشوش. (وقوله: شئ منها) أي من الثلاثة. (وقوله: عنه) أي يوم النحر. (قوله: لأنها تصير قضاء) علة لعدم جواز التأخير، أي لا يجوز تأخيرها، لكونها لو أخرت عنه صارت قضاء. وتأخير الشئ عن وقته حتى يصير قضاء حرام، كالصلاة. (قوله: ولا تقديمه) أي ولا يجوز تقديم الصوم على الإحرام بالحج. والفرق بينه وبين الدم حيث يجوز إخراجه قبل الإحرام بالحج إن الصوم عبادة بدنية فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة والدم عبادة مالية فأشبه الزكاة وهي يجوز تقديمها على وقتها كما مر. (قوله: للآية) دليل لوجوب صوم الثلاثة بعد الإحرام وقبل النحر. فهو مرتبط بالمتن، وهي ما سيذكرها بقوله: قال تعالى: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) * (1) الآية. وكان الأولى أن يصرح بها هنا، ويحيل فيما سيأتي عليه. (قوله: ويلزمه) أي العاجز عن الذبح. (وقوله: أيضا) أي كما لزمه صوم الثلاثة. (وقوله: صوم سبعة بوطنه) أي أو ما يريد توطنه ولو مكة إن لم يكن له وطن أو أعرض عن وطنه. قال سم: ولو أراد استطيان محل آخر فهل يصح صومها بمجرد وصوله وإن أعرض عن استيطانه قبل صومها؟ فيه نظر، ولا يبعد الصحة. ثم قال: وفي شرح العباب: فلو لم يتوطن محلا لم يلزمه بمحل أقام فيه مدة كما أفتى به القفال. وظاهر كلامهم أنه لا يجوز له أيضا، فيصير إلى أن يتوطن محلا. فإن مات قبل ذلك احتمل أن يطعم أو يصام عنه، لأنه كان متمكنا من التوطن والصوم، واحتمل أن لا يلزم ذلك، وإن خلف

_ (1) المائدة: 89

وسبعة إذا رجعتم) *. (ويجب على مفسد نسك) من حج وعمرة (بوطئ: بدنة) بصفة الاضحية، وإن كان النسك، نفلا، والبدنة المرادة الواحد من الابل - ذكرا كان أو أنثى - فإن عجز عن البدنة فبقرة، فإن عجز عنها فسبع شياه، ثم يقوم البدنة، ويتصدق بقيمتها طعاما. ثم يصوم عن كل مد يوما. ولا يجب شئ على المرأة، بل ـــــــــــــــــــــــــــــ تركه، لأنه لم يتمكن حقيقة، ولعل الأول أقرب وهو الوجه. اه. (قوله: أي إذا رجع إلى أهله) لا حاجة إلى هذا التفسير، لأنهم يفسرون الأهل في عبارتهم بالوطن، فحيث عبر به فقد أدى المقصود، إلا أن يقال أتى به مراعاة للآية الشريفة. (قوله: ويسن تواليها) أي السبعة. (وقوله: كالثلاثة) أي كما أنه يسن توالي الثلاثة أداء أو قضاء. وإنما سن التوالي مبادرة بأداء الواجب. وخروجا من خلاف من أوجبه. وقد يجب التتابع في الثلاثة فقط، فيما إذا أحرم بالحج من سادس الحجة لضيق الوقت، لا لذات التتابع. (قوله: قال تعالى الخ) دليل لوجوب صوم السبعة، ولو اقتصر على هذا وحذف قوله المار للآية لكان دليلا على وجوب الثلاثة أيضا. (قوله: في الحج) أي في أيام الحج بعد الإحرام به. (قوله: وسبعة إذا رجعتم) أي إلى الأهل، وهو ليس بقيد، بل مثله ما إذا لم يرجعوا واستوطنوا محلا آخر، فيجزئ فيه الصوم كما علمت. (قوله: ويجب على مفسد نسك) أي بأن كان عالما عامدا مختارا مميزا، وبأن كان وقوع الوطئ في الحج قبل التحلل الأول كما مر. (قوله: من حج وعمرة) بيان للنسك. (قوله: بوطئ) متعلق بمفسد، وهو لا مفهوم له، إذ الإفساد لا يكون بغير الوطئ، وهو إدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها في فرج ولو لبهيمة أو ميت كما مر. (قوله: بدنة) فاعل يجب، وإنما وجبت لقضاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم بها، ولم يعرف لهم مخالف. (قوله: بصفة الأضحية) أي متصفة بالصفات المشروطة في الأضحية صحة وسنا، فيشترط أن تكون سليمة من العيوب، وأن يكون سنها خمس سنين. (قوله: وإن كان النسك نفلا) غاية في وجوب البدنة، أي تجب وإن كان النسك الذي أفسده نفلا. (قوله: والبدنة المرادة) أي في فدية الإفساد. (وقوله: الواحد من الإبل ذكرا كان أو أنثى) أشار بذلك إلى أن التاء في البدنة للوحدة لا للتأنيث. قال في المغنى: واعلم أن البدنة حيث أطلقت في كتب الحديث والفقه، والمراد بها البعير ذكرا كان أو انثى وشرطها أن تكون في سن الأضحية، ولا تطلق هذه على غير هذا. وأما أهل اللغة، فقال كثير منهم أو أكثرهم: إنها تطلق على البعير والبقرة. وحكى المصنف في التهذيب والتحرير عن الأزهري، أنها تطلق على الشاة، ووهم في ذلك. اه. (قوله: فإن عجز عن البدنة) أي حسا أو شرعا. (وقوله: فبقرة) أي فيجب عليه بقرة. أي بصفة الأضحية أيضا. (قوله: فإن عجز عنها) أي البقرة. (وقوله: فسبع شياه) أي فيجب عليه سبع شياه. (قوله: ثم يقوم) أي ثم إن عجز عن السبع شياه يقوم البدنة التي هي الأصل. وكان عليه أن يقول: فإن عجز يقوم البدنة. والتقويم يكون بالنقد الغالب بسعر مكة حال الوجوب. (قوله: ويتصدق بقيمتها طعاما) أي يعطي بدل قيمتها طعاما، فالفعل مضمن معنى يعطي، والباء بمعنى بدل. قال عبد الرؤوف: ولا يكفي التصدق بالقيمة كسائر الكفارات وكأن الفرق بينه وبين إجزاء التصدق بقيمة بنت المخاض عند عدمها، وعدم ابن لبون أن ما هنا له بدل مقدر يصار إليه عند العجز، بخلافه ثم. انتهى. (قوله: ثم يصوم) أي ثم إن عجز عن الإطعام يصوم. وكان عليه أن يعبر بما ذكر. (قوله: عن كل مد يوما) فإن انكسر مد صام عنه يوما كاملا. (قوله: ولا يجب شئ على المرأة) مرتبط بمحذوف، وهو أنه يجب ما ذكر على الرجل الواطئ، ولا يجب شئ على المرأة الموطوءة. وقد تقدم أن ما ذكره من الإطلاق وما اتفق عليه الرملي والخطيب، وأما شيخه ففصل فيه. وفي الكردي ما نصه: والذي يتلخص مما اعتمده الشارح يعني ابن حجر في كتبه أن الجماع في الإحرام ينقسم على ستة أقسام:

تأثم. وعلم من قولي بمسد نسك: أنه يبطل بوطئ، ومع ذلك يجب مضي في فاسده. (وقضاء فورا)، وإن كان نسكه نفلا، لانه - وإن كان وقته موسعا - تضيق عليه بالشروع فيه. والنفل من ذلك يصير بالشروع فيه فرضا: أي ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: ما لا يلزم به شئ لا على الواطئ، ولا على الموطوءة، ولا على غيرهما، وذلك إذا كانا جاهلين معذورين بجهلهما، أو مكروهين، أو ناسيين للإحرام أو غير مميزين. ثانيهما: تجب به البدنة على الرجل الواطئ فقط، وذلك فيما إذا استجمع الشروط، من كونه عاقلا بالغا عالما متعمدا مختارا، وكان الوطئ قبل التحلل الأول، والموطوءة حليلته، سواء كانت محرمة مستجمعة للشروط أو لا. ثالثها: ما تجب به البدنة على المرأة فقط، وذلك فيما إذا كانت هي المحرمة فقط، وكانت مستجمعة للشروط السابقة، أو كان الزوج غير مستجمع للشروط، وإن كان محرما. رابعها: ما تجب به البدنة على غير الواطئ والموطوءة، وذلك في الصبي المميز إذا كان مستجمعا للشروط، فالبدنة على وليه. خامسها: ما تجب به البدنة على كل من الواطئ والموطوءة، وذلك فيما إذا زنى المحرم بمحرمة أو وطئها بشبهة مع استجماعها شروط الكفارة السابقة. سادسها: ما تجب فيه فدية مخيرة بين شاة، أو إطعام ثلاثة آصع لستة مساكين، أو صوم ثلاثة أيام، وذلك فيما إذا جامع مستجمعا لشروط الكفارة السابقة بعد الجماع المفسد، أو جامع بين التحليلين. هذا ملخص ما جرى عليه الشارح، تبعا لشيخ الإسلام زكريا، واعتمد الشمس الرملي والخطيب الشربيني تبعا لشيخهما الشهاب الرملي، أنه لا فدية على المرأة مطلقا. اه. (قوله: بل تأثم) أي المرأة، ويفسد حجها، وعليها القضاء. والإضراب انتقالي. (قوله: وعلم من قولي بمفسد) الأولى حذف الباء الجارة، لأنها ساقطة من عبارته فيما مر، ووجه العلم أنه يلزم من الإفساد البطلان. (قوله: أنه) أي النسك. وقوله: ومع ذلك أي ومع بطلانه. وقوله: يجب مضي في فاسده أي النسك، لإفتاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم به. ومعنى المضي فيما ذكر: أنه يأتي بجميع ما يعتبر فيه قبل الوطئ، ويجتنب ما كان يجتنبه قبله، فلو ارتكب محظورا لزمته الفدية. (قوله: وقضاء) معطوف على بدنه، أي ويجب قضاء ما أفسده. والمراد القضاء اللغوي، أي إعادته ثانيا، وإلا فهو أداء، لأن النسك على التراخي، فهو لا آخر لوقته، ففي أي عام وقع كان أداء. (وقوله: فورا) أي كأن يأتي بالعمرة عقب التحلل وتوابعه، وبالحج في سنته إن أمكنه، كأن يحصره العدو بعد الإفساد فيتحلل، ثم يزول الحصر والوقت باق، فإن لم يمكنه من سنته أتى به من قابل. واعلم أنه يقع القضاء مثل الفاسد، فإن كان فرضا وقع فرضا، وإن كان تطوعا وقع تطوعا. فلو أفسد التطوع ثم نذر حجا وأراد تحصيل المنذور بحجة القضاء لم يحصل له ذلك، وليكن إحرامه بالقضاء مما أحرم منه بالأداء أو قبله، فلو أحرم من دونه لزمه دم، ولا يتعين أن يحرم بالقضاء في الزمان الذي أحرم منه في الأداء، بل له التأخير عنه. وفارق المكان بأن اعتناء الشارع بالميقات المكاني أكمل، ولأن المكان ينضبط، بخلاف الزمان. أفاده في شرح الروض. (قوله: وإن كان نسكه نفلا) غاية في وجوب القضاء، أي يجب وإن كان تطوعا. ويتصور وقوع النسك تطوعا من الأرقاء والصبيان، أما المكلفون الأحرار، فلا يتصور منهم، لأنه حيث وقع منهم فهو فرض كفاية لا تطوع لأن إحياء الكعبة بالنسك فرض كفاية في كل عام على الأحرار المكلفين، ولا يسقط من غيرهم على المعتمد عند م ر وعند ابن حجر: يسقط، وإن كانوا لم يخاطبوا به. وعبارته في باب الجهاد: ويتصور وقوع النسك غير فرض كفاية ممن لا يخاطب به كالأرقاء، والصبيان، والمجانين لكن الأوجه أنه مع ذلك يسقط به فرض الكفاية، كما تسقط صلاة

واجب الاتمام كالفرض، بخلاف غيره من النفل. (تتمة) يسن لقاصد مكة، وللحاج - آكد - أن يهدي شيئا من النعم يسوقه من بلده، وإلا فيشتريه من الطريق ثم من مكة، ثم من عرفة، ثم من منى. وكونه سمينا حسنا، ولا يجب إلا بالنذر. (مهمات) يسن - متأكدا - لحر قادر، تضحية بذبح جذع ضأن له سنة، أو سقط سنه - ولو قبل تمامها - أو ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنازة عن المكلفين بفعل الصبي. اه. (قوله: لأنه) أي النسك، وهو علة للفورية، وعللها في التحفة بتعديه بسببه: أي القضاء، وهو أولى. (وقوله: وإن كان وقته موسعا) إذ هو على التراخي. (وقوله: تضيق عليه بالشروع فيه) أي فيلزمه قضاؤه فورا. (قوله: والنفل الخ) معطوف على اسم أن، أي ولأن النفل من النسك يصير بالشروع فيه فرضا، وهو علة لوجوب قضاء نسك التطوع إذا أفسده. (قوله: أي واجب الإتمام) تفسير لصيرورته فرضا عليه. وعبارة التحفة: لأنه يلزم بالشروع فيه، ومن عبر بأنه يصير بالشروع فيه فرضا: مراده أنه يتعين إتمامه كالفرض. اه. (قوله: بخلاف غيره من النفل) أي بخلاف غير نفل النسك من بقية النوافل، لأنه لا يصير بالشروع فيه فرضا، أي واجب الإتمام. قوله: تتمة أي في الحكم الهدي، وهو في الأصل اسم لما سيق إلى الحرم تقربا إلى الله تعالى من نعم وغيرها من الأموال نذرا كان أو تطوعا لكنه عند الإطلاق اسم للإبل والبقر والغنم. ويستحب أن يقلد البدنة والبقرة نعلين من النعال التي تلبس في الإحرام، ويتصدق بهما بعد ذبحهما، وأن يشعرهما. والإشعار الإعلام. والمراد به هنا أن يضرب صفحة سنامهما اليمنى بحديدة حتى يخرج الدم، ويلطخهما به، ليعلم من رآهما أنهما هدي فلا يتعرض لهما. وإن ساق غنما استحب أن يقلد عرى القرب وآذانها ولا يقلدها النعل، ولا يشعرها لأنها ضعيفة. (قوله: يسن لقاصد مكة) أي وإن لم يقصد النسك. (قوله: وللحاج) مثله المعتمر. وقوله: آكد أي للاتباع ففي الصحيحين: أنه - صلى الله عليه وسلم - أهدى في حجة الوداع مائة بدنة. (قوله: أن يهدي الخ) نائب فاعل يسن. (وقوله: شيئا من النعم) أي ولو واحدا. (قوله: يسوقه من بلده إلخ) الجملة واقعة صفة لشيئا. وعبارة شرح الروض وكونه معه من بلده أفضل، وشراؤه من طريقه أفضل من شرائه من مكة، ثم من عرفة، فإن لم يسقه أصلا بل اشتراه من منى جاز، وحصل أصل الهدي. (قوله: وكونه سمينا حسنا) معطوف على المصدر المؤول من أن يهدي، أي ويسن كون الهدي سمينا حسنا. قال في شرح الروض: لقوله تعالى: * (ومن يعظم شعائر الله) * (1) فسرها ابن عباس رضي الله عنهما: بالاستسمان والاستحسان. اه. (قوله: ولا يجب) أي الهدي. (وقوله: إلا بالنذر) أي لأنه قربة، فلزم به. (قوله: مهمات) أي في بيان جمل من المسائل، بوب الفقهاء لكل جملة منها بابا مستقلا، كالأضحية، والعقيقة، والصيد، والذبائح، والنذر، وغير ذلك. (قوله: يسن الخ) شروع في بيان أحكام الأضحية. وغالب الفقهاء يذكرونها في الربع الرابع عقب الصيد، والمؤلف خالف وذكرها هنا لشدة تعلقها بالمناسك. والأصل فيها قوله تعالى: * (فصل لربك وانحر) * (2) وقوله تعالى: * (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) * (3) أي من أعلام دينه. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ما عمل ابن آدم يوم النحر من عمل أحب إلى الله تعالى من إراقه الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسا. وفي حديث: عظموا ضحاياكم، فإنها على الصراط مطاياكم. وعن أنس رضي الله عنه، قال: ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده الكريمة وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما. (قوله: متأكدا) أي في حقنا، وأما في حقه - صلى الله عليه وسلم - فهي واجبة، وتأكدها على الكفاية. فلو فعلها واحد من أهل البيت كفت عنهم وإن سنت لكل منهم فإن تركوها كلهم كره، هذا إن تعدد أهل البيت، وإلا فسنة عين. قال في التحفة:

_ (1) الحج: 32. (2) الكوثر: 2. (3) الحج: 36

ثني معز أو بقر لهما سنتان، أو إبل له خمس سنين بنية أضحية عند ذبح أو تعيين. وهي أفضل من الصدقة. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى كونها سنة كفاية مع كونها تسن لكل منهم سقوط الطلب بفعل الغير، لا حصول الثواب لمن لم يفعل. وفي تصريحهم بندبها لكل واحد من أهل البيت ما يمنع أن المراد بهم المحاجير. اه. (قوله: لحر) أي كله أو بعضه، وملك مالا ببعضه الحر. (وقوله: قادر) أي مستطيع. والمراد به: من يقدر عليها فاضلة عن حاجته وحاجة ممنونه يوم العيد وأيام التشريق، لأن ذلك وقتها، كزكاة الفطر، فإنهم اشترطوا فيها أن تكون فاضلة عن حاجته وحاجة ممونه يوم العيد وليلته، لأن ذلك وقتها. هكذا قاله الخطيب. والذي يفهم من كلام التحفة تخصيص ذلك بيوم العيد وليلته فقط، وعبارتها بعد كلام قادر، بأن فضل عن حاجة ممونه ما مر في صدقة التطوع ولو مسافرا، وبدويا، وحاجا بمنى، وإن أهدى. اه. وقوله: ما مر في صدقة التطوع هو يوم وليلة فقط، فإن فضل عن حاجته وحاجة ممونه يوما وليلة سن له صدقة التطوع، والإحرام. وذكر المؤلف لمن تسن له التضحية شرطين فقط: الحرية، والقدرة. وبقي عليه ثلاثة، وهي: الإسلام، والتكليف، والرشد. فلا يخاطب بها غير المسلم، أو غير المكلف، أو غير الرشيد. قال في التحفة، نعم، للولي الأب، أو الجد لا غير، التضحية عن موليه من مال نفسه. اه. (قوله: تضحية) نائب فاعل يسن، وعبر بالتضحية التي هي فعل الفاعل، ولم يعبر كغيره بالأضحية التي هي اسم لما يتقرب به من النعم، لأن الأحكام إنما تتعلق بالأفعال لا بالأعيان. قوله: بذبح إلخ) متعلق بتضحية، والباء للتصوير، إذ التضحية اسم للفعل كما علمت وهو الذبح. (وقوله: جذع ضأن) أي جذع من الضأن، وذلك لخبر أحمد: ضحوا بالجذع من الضأن، فإنه جائز وكلامه صادق بالذكر والأنثى والخنثى فيجزئ كل منها لكن الأفضل الذكر. وقوله: له سنة أي تم لذلك الجذع سنة، فهي تحديدية. (قوله: أو سقط سنه) أي أو لم يتم له سنة، لكن سقط سنه. والمراد مقدم أسنانه. فسنه: مفرد مضاف، فيعم أي فيجزئ ذلك، لكن بشرط أن يكون إجزاعه بعد ستة أشهر، ويكون هذا بمنزلة البلوغ بالاحتلام، والذي قبله بمنزلة البلوغ بالسن. (قوله: أو ثني معز) بالجر، عطف على جذع، أي أو ذبح ثني معز أو بقر. وقوله: لهما سنتان بيان لمعنى الثني منهما أي أن الثني هو ما كان له سنتان. أي وطعن في الثالثة. والأصل في ذلك خبر مسلم: لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن. والمسنة: هي الثنية من المعز والإبل والبقر فما فوقها. وقضيته أن جذعة الضأن لا تجزئ إلا إذا عجز عن المسنة، والجمهور على خلافه، وحملوا الخبر على الندب. والمعنى: يندب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فإن عجزتم فاذبحوا جذعة من الضأن. (قوله: أو إبل) معطوف على معز، أي أو ثني إبل. وقوله: له خمس سنين بيان لمعنى الثني من الإبل. (قوله: بنية أضحية إلخ) متعلق بتضحية، أي يسن تضحية بنية أضحية، أي يشترط فيها النية عند الذبح أو قبله عند التعيين لما يضحي به. ومعلوم أنها بالقلب، وتسن باللسان، فيقول: نويت الأضحية المسنونة، أو أداء سنة التضحية. فإن اقتصر على نحو الأضحية صارت واجبة يحرم الأكل منها. وحينئذ فما يقع في ألسنة العوام كثيرا من شرائهم ما يريدون التضحية به. من أوائل السنة، وكل من سألهم عنها يقولون له هذه أضحية من جهلهم بما يترتب على ذلك من الأحكام يصير به أضحية واجبة يمتنع عليه أكله منها. نعم، المعينة ابتداء بنذر لا تجب لها نية أصلا، اكتفاء بالنذر عن النية، لخروجها عن ملكه. والمعينة عن نذر في ذمته، أو بالجعل، تحتاج لنية عند الذبح، وتجوز مقارنتها للجعل. وفرق بين المنذورة والمجعولة: بأن الجعل فيه خلاف في لزومه، فاحتاج لنية. ويجوز أن يوكل مسلما مميزا في

ووقتها من راتفاع شمس نحر إلى آخر أيام التشريق. ويجزئ سبع بقر أو إبل عن واحد، ولا يجزئ عجفاء ومقطوعة بعض ذنب أو أذن أبين - وإن قل - وذات عرج وعور ومرض بين، ولا يضر شق أذن، أو خرقها. ـــــــــــــــــــــــــــــ النية والذبح، أو كافرا في الذبح فقط. وكالأضحية سائر الدماء. ولا يضحي أحد عن غيره بلا إذنه في الحي، وبلا إيصائه في الميت. فإن فعل ولو جاهلا لم يقع عنه، ولا عن المباشر. (قوله: وهي) أي التضحية. (وقوله: أفضل من الصدقة) أي للاختلاف في وجوبها، ولقول الشافعي رضي الله عنه: لا أرخص في تركها لمن قدر عليها. ومراده أنه يكره تركها للقادر عليها. (قوله: ووقتها) أي التضحية. (وقوله: من ارتفاع شمس نحر) أي أن ابتداء وقت الذبح يكون من ارتفاع شمس يوم النحر، وهذا هو الأفضل، وإلا فيصح الذبح من طلوع الشمس، ومضى قدر ركعتين وخطبتين خفيفات. وعبارة المنهاج: قلت ارتفاع الشمس فضيلة، والشرط طلوعها، ثم مضي قدر الركعتين والخطبتين، والله أعلم. اه. فلو ذبح قبل ذلك لم يقع أضحية، لخبر الصحيحين: أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر. من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شئ. وقوله: إلى آخر أيام التشريق أي يمتد وقتها إلى آخر أيام التشريق، أي غروبها سواء ذبح ليلا أو نهارا لكنه يكره في الليل. فلو ذبح بعد آخر أيام التشريق لم يقع أضحية. نعم، لو لم يذبح الواجبة حتى خرج الوقت وجب ذبحها، وتكون قضاء. وفي حاشية الشرقاوي: قال سم: (فائدة) ذهب أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، إلى بقاء الوقت إلى سلخ الحج. اه. (قوله: ويجزئ سبع بقر أو إبل) أي سبع واحدة من البقر، أو واحدة من الإبل، لأن الإبل والبقر اسما جمع، فهما متعددان، ولا معنى لكون السبع يكون من هذا المتعدد. وعبارة متن الارشاد: ويجزئ سبع ثني إبل وبقر. اه. وهي ظاهرة. فلعل النساخ أسقطوا لفظ ثني من عبارتنا. والسبع بضم السين والباء، أو إسكانها - والمراد أنه لو اجتمع سبعة أشخاص أو سبعة بيوت وأخرجوا بدنة، أو بقرة: أجزأ، ويخص كلا منهم سبع منهما. وفي معنى السبعة شخص واحد طلب منه سبع شياه لأسباب مختلفة كتمتع، وقران، وترك رمي، ومبيت بمنى، ونحو ذلك فإنه يجزئ ذبح ما ذكر عنها. ولو اشترك أكثر من سبعة في بدنة لم تجزئ عن واحد منهم. ولو ضحى واحد ببدنة أو بقرة بدل شاة، فالزائد على السبع تطوع، يصرفه مصرف التطوع إن شاء. (قوله: ولا يجزئ إلخ) للخبر الصحيح: أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء البين عجفها. (قوله: عجفاء) هي التي ذهب مخها من الهزال، بحيث لا يرغب في لحمها غالبا طالبي اللحم في الرخاء. (قوله: ومقطوعة بعض ذنب أو أذن) أي ولا يجزئ مقطوعة بعض ذنب أو أذن، أي أو ألية أو ضرع، لذهاب جزء مأكول. وقال أبو حنيفة: إن كان المقطوع من الأذن دون الثلث أجزأ، ولا تجزئ أيضا المخلوقة بلا أذن، بخلاف المخلوقة بلا ذنب، أو بلا ضرع، أو ألية، فإنها تجزئ. والفرق بين هذه الثلاثة، وبين الأذن أن الأذن عضو لازم لكل حيوان، بخلاف هذه الثلاثة، ولذلك أجزأ ذكر المعز، مع أنه لا ضرع ولا ألية له. ومثلهما الذنب قياسا عليهما -. وقوله: أبين أي انفصل ذلك البعض المقطوع، أما إذا لم ينفصل بأن شق الأذن فلا يضر كما سيصرح به. وقوله: وإن قل أي ذلك البعض الذي أبين، فإنه يضر. (قوله: وذات عرج) أي ولا يجزئ ذات عرج، ولو حصل لها العرج عند اضجاعها للتضحية بها بسبب اضطرابها. وقوله: وعور بالجر، عطف على عرج، أي وذات عور وهو ذهاب ضوء إحدى العينين، وهذا هو معناه الشائع، ولكن المراد به هنا البياض الذي يغطي الناظر. وإن بقيت الحدقة

والمعتمد عدم إجزاء التضحية بالحامل - خلافا لما صححه ابن الرفعة -. ولو نذر التضحية بمعيبة أو صغيرة، أو قال: جعلتها أضحية، فإنه يلزم ذبحها، ولا تجزئ أضحية، وإن اختص ذبحها بوقت الاضحية، وجرت مجراها في الصرف. ويحرم الاكل من أضحية أو هدي وجبا بنذره. ويجب التصدق - ولو على فقير واحد - بشئ نيئا ـــــــــــــــــــــــــــــ بدليل وصفه الآتي: أعني قوله بين، لأنه لا يكون بينا وغير بين إلا بهذا المعنى، أما بالمعنى الأول - فلا يكون إلا بينا، فيكون لا فائدة فيه. ويعلم من عدم إجزائها بهذا المعنى عدم إجزائها بمعنى فاقدة إحدى العينين بالأولى، ويعلم منه عدم إجزاء العمياء بالأولى أيضا. (وقوله: ومرض) أي وذات مرض. فهو بالجر أيضا عطف على عرج. (وقوله: بين) أي ظاهر من بان بمعنى ظهر وهو وصف لكل من الثلاثة قبله. والعرج البين: هو الذي يوجب تخلفها عن الماشية في المرعى الطيب، وإذا ضر العرج ففقد العضو أولى. والعور البين: هو البياض الكثير الذي يمنع الضوء. والمرض البين: هو الذي يظهر بسببه الهزال. وخرج بالوصف المذكور: اليسير من هذه الثلاثة، فإنه لا يضر. وضابط العرج اليسير: أن تكون العرجاء لا تتخلف عن الماشية بسبب عرجها. وضابط العور اليسير: أن لا يمنع الضوء. وضابط المرض اليسير: أن لا يظهر فيها بسببه هزالها وفساد لحمها، ولا يضر فقد قطعة يسيرة من عضو كبير كفخذ ولا فقد قرن، ولا كسره، إذ لا يتعلق به كبير غرض، وإن كانت القرناء أفضل، للخبر فيه. نعم، إن أثر انكساره في اللحم ضر. (قوله: ولا يضر شف أذن أو خرقها) هذا محترز قوله المارأبين كما علمت. (قوله: والمعتمد عدم إجزاء التضحية بالحامل) أي لأن الحمل ينقص لحمها. وضابط العيب هو ما نقص لحما. والمعتمد أيضا عدم إجزاء الجرباء، لأن الجرب يفسد اللحم والورك. قال في التحفة: وألحق به البثور والقروح. (وقوله: خلافا لما صححه ابن الرفعة) أي من الإجزاء، معللا له بأن ما حصل بها من نقص اللحم ينجبر بالجنين، فهو كالخصي ورد بأن الجنين قد لا يبلغ حد الأكل كالمضغة وبأن زيادة اللحم لا تجبر عيبا، بدليل العرجاء السمينة. (قوله: ولو نذر التضحية بمعيبة إلخ) أفاد بهذا أنه لو نذر التضحية بسليمة ثم حدث فيها عيب ضحى بها، وثبت لها سائر أحكام التضحية، وهو كذلك - كما صرح به في التحفة والنهاية. وفرق ع ش بين نذرها سليمة ثم تتعيب، وبين نذر التضحية، بالناقصة بأنه لما التزمها سليمة، خرجت عن ملكه بمجرد نذره، فحكم بأنها ضحية، وهي سليمة. بخلاف المعيبة، فإن النذر لم يتعلق بها إلا معيبة، فلم تثبت لها صفة الكمال. وقوله: أو صغيرة أي لم تبلغ سنا تجزئ فيه عن الأضحية. (قوله: أو قال جعلتها) أي هذه المعيبة، وبالجعل المذكور بتعين ذبحها، لأنه بمنزلة النذر. (قوله: فإنه يلزم ذبحها) جواب لو الداخلة على نذر، ولو المقدرة قبل قوله قال جعلتها، وإنما لزم ذبحها مع أنها معيبة لأنها هي الملتزمة في ذمته من قبل هذا الالتزام. وما ذكر من عدم الإجزاء هو ما صرح به في التحفة والنهاية. وكلام البجيرمي على الإقناع مصرح بالإجزاء، ونصه: ومحل عدم إجزائها ما لم يلتزمها متصفة بالعيوب المذكورة، فإن التزمها كذلك، كقوله لله علي أن أضحي بهذه وكانت عرجاء مثلا أو جعلت هذه أضحية وكانت مريضة مثلا أو لله علي أن أضحي بعرجاء أو بحامل فتجزئ التضحية في ذلك كله، ولو كانت معيبة. اه. (قوله: وإن اختص ذبحها بوقت الأضحية) أي لأنه لما التزمها أضحية تعين وقتها كما لو عينه في نذره. والغاية المذكورة لعدم إجزاء ما ذبحه عن الأضحية. (وقوله: وجرت) أي الملتزمة. (وقوله: مجراها) أي الأضحية الواجبة. وقوله: في الصرف أي فيجب صرفها كلها للفقراء والمساكين، كالأضحية الواجبة. (قوله: ويحرم الأكل إلخ) إي يحرم أكل المضحى والمهدي من ذلك، فيجب عليه التصدق بجميعها، حتى قرنها، وظلفها. فلو أكل شيئا من ذلك غرم بدله للفقراء. (وقوله: وجبا) أي الأضحية والهدي. وقوله: بنذره أي حقيقة. كما لو قال: لله علي أن أضحي بهذه. فهذه معينة بالنذر ابتداء. وكما لو قال: لله علي أضحية، ثم عينها بعد ذلك، فهذه معينة عما في الذمة.

- ولو يسيرا - من المتطوع بها. والافضل: التصدق بكله إلا لقما يتبرك بأكلها، وأن تكون من الكبد، وأن لا يأكل فوق ثلاث، والتصدق بجلدها. وله إطعام أغنياء - لا تمليكهم - ويسن أن يذبح الرجل بنفسه. وأن يشهدها من ـــــــــــــــــــــــــــــ أو حكما كما لو قال: هذه أضحية، أو: أضحية، ثم عينها بعد ذلك، فهذه معينة عما في الذمة. أو حكما: كما لو قال: هذه أضحية، أو: جعلت هذه أضحية. فهذه واجبة بالجعل، لكنها في حكم المنذورة. (قوله: ويجب التصدق إلخ) أي فيحرم عليه أكل جميعها، لقوله تعالى في هدى التطوع وأضحية التطوع مثله. * (فكلوا منها وأطعموا القانع أي السائل والمعتر) * أي المتعرض للسؤال. (قوله: ولو على فقير واحد) أي فلا يشترط التصدق بها على جمع من الفقراء، بل يكفي واحد منهم فقط، وذلك لأنه يجوز الاقتصار على جزء يسير منها، وهو لا يمكن صرفه لأكثر من واحد. (قوله: بشئ) أي من اللحم. فلا يكفي غير اللحم من نحو كرش وكبد. (وقوله: نيئا) أي ليتصرف فيه المسكين بما شاء من بيع وغيره. فلا يكفي جعله طعاما ودعاء الفقير إليه، لأن حقه في تملكه لا في أكله. (قوله: من التطوع بها) احترز به عن الواجبة، فيجب التصدق بها كلها، ويحرم أكل شئ منها كما تقدم آنفا. (قوله: والأفضل التصدق بكله) أي بكل المتطوع بها، وذلك لأنه أقرب للتقوى، وأبعد عن حظ النفس. وسن أن يجمع بين الأكل والتصدق والاهداء، ولا يجوز أن يبيع من الأضحية شيئا، سواء كانت مندوبة أو واجبة. (قوله: إلا لقما) أي فإنه لا يتصدق بها، بل يسن له أكلها. والجمع ليس بقيد، بل يكفي في حصول الفضيلة أكل لقمة واحدة. وعبارة الشيخ الخطيب: إلا لقمة، أو لقمتين، أو لقما. اه. وهي ظاهرة. ومعلوم أن محل ذلك إن ذبح عن نفسه، وإلا امتنع الأكل منها رأسا بغير إذن المنوب عنه إن كان حيا، فإن كان ميتا أوصى بها تعذر حينئذ الإذن، ووجب التصدق بجميعها. (وقوله: يتبرك بأكلها) أي يقصد بأكلها البركة. (قوله: وأن تكون من الكبد) أي والأفضل أن تكون اللقمات من كبد الأضحية، لموافقته - صلى الله عليه وسلم -. وحكمة ذلك: التفاؤل بدخول الجنة، فإنهم أول ما يفطرون بزائدة كبد الحوت الذي عليه قرار الأرض، وهي القطعة المعلقة في الكبد إشارة إلى البقاء الأبدي، واليأس من العود إلى الدنيا وكدرها. (فإن قلت) هي كانت واجبة عليه - صلى الله عليه وسلم -، والواجب يمتنع الأكل منه كما مر -؟ (قلت) كان يذبح أكثر من الواجب، ولا يقتصر عليه، فساغ له الأكل من الزائد. اه. ش ق. (قوله: وأن لا يأكل فوق ثلاث) أي والأفضل أن لا يأكل فوق ثلاث لقم. (قوله: والتصدق بجلدها) أي والأفضل التصدق بجلدها، وله أن ينتفع به بنفسه، كأن يجعله دلوا أو نعلا، وله أن يعيره لغيره. ويحرم عليه وعلى وارثه بيعه كسائر أجزائها - وإجارته - وإعطاؤه أجرة جزار في مقابلة الذبح، لخبر: من باع جلد أضحيته فلا أضحية له ولزوال ملكه عنها بذبحها فلا تورث، والقرن مثل الجلد فيما ذكر. (قوله: وله إطعام أغنياء) أي إعطاء شئ من الأضحية لهم، سواء كان نيئا أو مطبوخا كما في التحفة، والنهاية ويشترط فيهم أن يكونوا من المسلمين. أما غيرهم فلا يجوز إعطاؤهم منها شيئا. (قوله: لا تمليكهم) أي لا يجوز تمليك الأغنياء منها شيئا. ومحله: إن كان ملكهم ذلك ليتصرفوا فيه بالبيع ونحوه كأن قال لهم: ملكتكم هذا لتتصرفوا في بما شئتم أما إذا ملكهم إياه لا لذلك بل للأكل وحده فيجوز، ويكون هديه لهم وهم يتصرفون فيه بنحو أكل وتصدق وضيافة لغني أو فقير لا ببيع وهبة وهذا بخلاف الفقراء، فيجوز تمليكهم اللحم ليتصرفوا فيه بما شاؤا ببيع أو غيره. وفي ع ش ما نصه: لم يبينوا المراد بالغني هنا، وجوز م ر أنه من تحرم عليه الزكاة، والفقير هنا من تحل له الزكاة. اه. سم على منهج. اه. (قوله: ويسن أن يذبح الرجل بنفسه) أي للاتباع، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم -: ضحى بمائة بدنة، نحر منها بيده الشريفة ثلاثا وستين، وأمر عليا رضي الله عنه فنحر تمام المائة. وخرج بالرجل المرأة، فالسنة لها أن تنيب، رجلا يذبح عنها. ومثلها الخنثى ومن ضعف من الرجال عن الذبح، والأعمى إذ تكره ذبيحته أفاده بجيرمي. (قوله: وإن يشهدها) أي الأضحية، أي ويسن أن يشهد ذبحها من وكل به أي الذبح وذلك لما صح من أمر السيدة فاطمة رضي الله عنها بذلك، وأن تقول: إن صلاتي ونسكي إلى وأنا من المسلمين ووعدها بأنه يغفر لها بأول قطرة من دمها كل ذنب عملته، وأن هذا لعموم المسلمين. وإذا وكل به

وكل به. وكره - لمريدها - إزالة نحو شعر في عشر ذي الحجة وأيام التشريق حتى يضحي. ويندب لمن تلزمه ـــــــــــــــــــــــــــــ كفت نية الموكل، ولا حاجة لنية الوكيل، بل لو لم يعلم أنه مضح لم يضر. (قوله: وكره لمريدها) أي التضحية. ومثلها إهداء شئ من النعم إلى الحرم. وخرج بمريدها غيره، ولو من أهل البيت، وإن وقعت عنهم، فلا يكره في حقهم ذلك. قال في التحفة: ولا يقوم نذره بلا إرادة لها مقام إرادته لها، لأنه قد يخل بالواجب. اه. والقول بكراهة ما ذكر هو المعتمد، وقيل حرام وعليه الإمام أحمد وغيره ما لم يحتج إليه، وإلا فقد يجب كقطع يد سارق، وختان بالغ وقد يستحب كختان صبي، وكتنظيف لمريد إحرام، أو حضور جمعة على ما بحثه الزركشي. لكن ينافيه إفتاء غير واحد بأن الصائم إذا أراد أن يحرم أو يحضر الجمعة لا يسن له التطيب - رعاية للصوم فكذا هنا، رعاية لشمول المغفرة أولى. وقد يباح، كقطع سن وجعه، وسلعة. أفاده الكردي نقلا عن ابن حجر. (وقوله: نحو شعر) أي من ظفر وسائر أجزاء بدنه، ألا الدم على نزاع فيه. (قوله: في عشر ذي الحجة إلخ) متعلق بإزالة. (قوله: حتى يضحي) غاية في الكراهة. أي وتستمر الكراهة إلى أن يضحي، وذلك للأمر بالإمساك عن ذلك إلى التضحية في خبر مسلم. وحكمته شمول المغفرة والعتق من النار لجميعه، لا الشبه بالمحرمين، وإلا لكره، نحو الطيب. (تتمة) يسن في الأضحية استسمانها، لقوله تعالى: * (ومن يعظم شعائر الله) * الآية. قال العلماء: هو استسمان الهدايا واستحسانها، وأن لا تكون مكسورة القرن، ولا فاقدته، وأن لا تذبح إلا بعد صلاة العيد، وأن يكون الذابح مسلما لأنه يتوقى ما لا يتوقاه غيره، وأن يكون الذبح نهارا، وأن يطلب لها موضعا لينا، وأن يوجه ذبيحته للقبلة، وأن يتوجه هو إليها، وأن يسمي الله تعالى، ويصلي ويسلم عن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقول: اللهم هذا منك وإليك، فتقبل مني. (تنبيه) جزم في النهاية بحرمة نقل الأضحية، وعبارتها: ويمتنع نقلها عن بلد الأضحية كالزكاة. اه. كتب ع ش: قوله ويمتنع نقلها أي الأضحية مطلقا سواء المندوبة والواجبة. والمراد من المندوبة: حرمة نقل ما يجب التصدق به منها. وقضية قوله كالزكاة أنه يحرم النقل من داخل السور إلى خارجه، وعكسه. اه. وذكر في الأسنى خلافا في جواز النقل، وعبارته مع الأصل: ونقلها عن بلد أي بلد الأضحية إلى آخر كنقل الزكاة. قال في المهمات: وهذا يشعر يترجيح منع نقلها، لكن الصحيح الجواز، فقد صححوا في قسم الصدقات جواز نقل المنذورة، والأضحية فرد من أفرادها. وضعفه ابن العماد، وفرق بأن الأضحية تمتد إليها أطماع الفقراء، لأنها مؤقتة بوقت كالزكاة، بخلاف المنذورة والكفارات، لا شعور للفقراء بها حتى تمتد أطماعهم إليها. اه. ثم إنه علم مما تقرر أن الممنوع نقله هو ما عين للأضحية بنذر أو جعل، أو القدر الذي يجب التصدق به من اللحم في الأضحية المندوبة. وأما نقل دراهم من بلد إلى بلد أخرى ليشتري بها أضحية فيها فهو جائز. وقد وقفت على سؤال وجواب يؤيد ما ذكرناه لمفتي السادة الشافعية، بمكة المحمية، فريد العصر والأوان، مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان. (وصورة السؤال) ما قولكم دام فضلكم هل يجوز نقل الأضحية من بلد إلى بلد آخر أم لا؟ وإذا قلتم بالجواز، فهل هو متفق عليه عند ابن حجر والرملي أم لا؟ وهل من نقل الأضحية إرسال دراهم من بلد إلى بلد آخر ليشتري بها أضحية وتذبح في البلد الآخر أم لا؟. وهل العقيقة كالأضحية أم لا؟ بينوا لنا ذلك بالنص والنقل، فإن المسألة واقع فيها اختلاف كثير، ولكم الأجر والثواب. (وصورة الجواب) الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم هداية

نفقة فرعه: أن يعق عنه من وضع إلى بلوغ، وهي كضحية، ولا يكسر عظم. والتصدق بمطبوخ يبعثه إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ للصواب: في فتاوي العلامة الشيخ محمد بن سليمان الكردي محشي شرح إبن حجر على المختصر ما نصه: (سئل) رحمه الله تعالى: جرت عادة أهل بلد جاوى على توكيل من يشتري لهم النعم في مكة للعقيقة أو الأضحية ويذبحه في مكة، والحال أن من يعق أو يضحي عنه في بلد جاوى فهل يصح ذلك أو لا؟ أفتونا. (الجواب) نعم، يصح ذلك، ويجوز التوكيل في شراء الأضحية والعقيقة وفي ذبحها، ولو ببلد غير بلد المضحي والعاق كما أطلقوه فقد صرح أئمتنا بجواز توكيل من تحل ذبيحته في ذبح الأضحية، وصرحوا بجواز التوكيل أو الوصية في شراء النعم وذبحها، وأنه يستحب حضور المضحي أضحيته. ولا يجب. وألحقوا العقيقة في الأحكام بالأضحية، إلا ما استثنى، وليس هذا مما استثنوه، فيكون حكمه حكم الأضحية في ذلك. وبينوا تفاريع هذه المسألة في كل من باب الوكالة والإجارة فراجعه. وقد كان عليه الصلاة والسلام يبعث الهدي من المدينة يذبح له بمكة، ففي الصحيحين: قالت عائشة رضي الله عنها: أنا قتلت قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي، ثم قلدها النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده، ثم بعث بها مع أبي بكر رضي الله عنه. وبالجملة فكلام أئمتنا يفيد صحة ما ذكر، تصريحا وتلويحا، متونا وشروحا. والله أعلم. اه. ما في فتاوى العلامة الكردي المذكور. ومنه يتضح المقصود والمراد، والله سبحانه وتعالى أعلم. اه. (قوله: ويندب الخ) شروع في بيان الأحكام المتعلقة بالعقيقة. وقد أفردها كالأضحية الفقهاء بترجمة مستقلة، وعادتهم ذكرهم لها في كتاب الصيد والذبائح، لكن حيث ذكر الأضحية هنا لارتباطها بالنسك ناسب ذكر العقيقة معها، لمشاركتها لها في كثير من الأحكام. وهي لغة الشعر الذي على رأس المولود حين ولادته. وشرعا ما يذبح عن المولود عند حلق شعره وأفضلها شاتان للذكر، وشاة للأنثى، لخبر الترمذي: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نعق عن الغلام بشاتين متكافئتين، وعن الجارية بشاة. وقد جاء فيها أخبار كثيرة، منها خبر: الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه ويسمى رواه الترمذي. والحكمة فيها إظهار البشر، والنعمة، ونشر النسب. ومعنى مرتهن بها. قيل: لا ينمو نمو مثله حتى يعق عنه. قال الخطابي: وأجود ما قيل فيها ما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل: أنه إذا لم يعق عنه لم يشفع لوالديه يوم القيامة أي لم يؤذن له فيها. وإنما لم تجب، لخبر أبي دواد: من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل ولأنها إراقة بغير جناية ولا نذر، فلم تجب كالأضحية. (قوله: لمن تلزمه نفقة فرعه) متعلق بيندب، يعني أن المخاطب بالعقيقة هو الأصل الذي تلزمه نفقة فرعه بتقدير فقر ذلك الفرع، وإن لم يكن فقيرا بالفعل، بأن كان له مال ولا يقعلها الولي من مال الفرع لأنها تيدع وهو ممتنع من ماله، وإنما يفعلها من مال نفسه. فلو فعلها من مال فرعه ضمن - كما نقله في المجموع عن الأصحاب وشمل قوله من تلزمه نفقة فرعه: أم ولد الزنا، فيندب لها أن تعق عنه، لكن تخفيها خوف الهتيكة. قال في التحفة: والولد القن ينبغي لأصله الحر العق عنه، وإن لم تلزمه نفقته لأنه أمر عارض دون السيد، لأنها خاصة بالأصول. اه. وقال م ر: المتجه أن لا يعق عنه أصلا لا من أصله الحر، ولا من سيده. وفيه ألغز السيوطي فقال: أيها السالك في الفقه * * على خير طريقه هل لنا نجل غني * * ليس فيه من عقيقه؟ وخرج بمن تلزمه النفقة من لا تلزمه، بأن كان معسرا. ويعتبر إعساره بمدة النفاس، فإن كان معسرا فيها سقط الطلب عنه. ولو أيسر بعد مضي مدة النفاس، فإن كان معسرا فيها وأيسر قبل مضي مدة النفاس - سواء كان قبل السابع أو بعده - لم يسقط الطلب عنه، وتندب منه إلى البلوغ. فلو بلغ ولم يخرجها الولي، سن للصبي أن يعق عن نفسه، ويسقط

الفقراء: أحب من ندائهم إليها ومن التصدق نيئا. وأن يذبح سابع ولادته، ويسمى فيه، وإن مات قبله، بل يسن تسمية سقط بلغ زمن نفخ الروح. وأفضل الاسماء: عبد الله، وعبد الرحمن. ولا يكره اسم نبي، أو ملك، بل ـــــــــــــــــــــــــــــ الطلب حينئذ عن الولي. والمراد باليسار هنا يسار الفطرة، فيعتبر أن تكون العقيقة فاضلة عما يعتبر في الفطرة على المعتمد. (قوله: من وضع إلى بلوغ) بيان لوقت ذبح العقيقة. يعني أن وقتها من حين وضع للولد بأن ينفصل بتمامه فلو قدم الذبح على انفصاله لم يكف على ما اقتضاه إطلاقهم. لكن المتجه عند ابن حجر أنه يحصل به أصل السنة، لأن المدار على تحقق وجوده حيا، وقد تحقق. ويمتد إلى حين بلوغ، فإذا بلغ سقط الطلب عن الغير، وحسن أن يعق عن نفسه كما مر لخبر أنه - صلى الله عليه وسلم -: عق عن نفسه بعد النبوة. قال في فتح الجواد: وادعاء النووي بطلانه، مردود، بل هو حديث حسن. اه. (قوله: وهي) أي العقيقة. وقوله: كضحية أي في معظم الأحكام وهو الجنس، والسن، والسلامة من العيوب، والنية، والأكل والتصدق، والإهداء، والتعين بالنذر أو بالجعل كأن قال: لله علي أن أعق بهذه الشاة، أو قال: جعلت هذه عقيقة عن ولدي فتتعين في ذلك، ولا يجوز حينئذ الأكل منها رأسا. وتفارق الأضحية في بعض الأحكام وهو أنه لا يجب إعطاء الفقراء منها قدر متمول نيئا، وفي أنه إذا أهدى منها شيئا للغني ملكه، وفي أنها لا تتقيد بوقت بخلاف الأضحية في جميع ذلك. (قوله: ولا يكسر عظم) أي ويندب أن لا يكسر عظمها ما أمكن، سواء العاق والآكل، تفاؤلا بسلامة أعضاء الولد، فإن فعل ذلك لم يكره، لكنه خلاف الأولى. (قوله: والتصدق) متبدأ، خبره أحب. (وقوله: يبعثه إلى الفقراء) أي يرسله إليهم. (وقوله: أحب من ندائهم) أي الفقراء عنده في بيته، وذلك لقول عائشة رضي الله عنها إنه السنة. وقوله: إليها أي إلى العقيقة. (وقوله: ومن التصدق نيئا) أي وأحب من التصدق بها نيئا. ويستثنى من ذلك ما يعطى للقابلة، فإن السنة أن يكون نيئا، والأفضل كونه الرجل اليمنى، ولو تعددت الشياه أعطيت الأرجل اليمنى كلها إن اتحدت القابلة، فإن تعددت وكان تعدد الشياه مماثلا لعددهن أعطيت كل قابلة رجلا. فإن كان عدد الشياه أقل من عددهن أعطيت لهن، ثم يقسمنها، أو يسامح بعضهن بعضا. والحكمة في ذلك التفاؤل بأن المولود يعيش، ويمشي على رجله. (قوله: وأن يذبح سابع ولادته) أي ويندب أن يذبح فيه، فهو معطوف على أن يعق. وكان المناسب أن يقول: والأفضل أن يذبح في اليوم السابع من ولادته لأن الذبح يندب مطلقا في السابع وما قبله وما بعده. والأفضل أن يكون في اليوم السابع للخبر المار ويدخل يوم الولادة في الحساب إن كانت قبل الغروب فإن حصلت الولادة ليلا لم يحسب الليل، وإنما يحسب اليوم الذي يلي ليلة الولادة. ويسن أن يعق عمن مات بعد التمكن من الذبح، وإن مات قبل السابع. (قوله: ويسمى فيه) أي ويندب أن يسمى في يوم السابع، لانه - صلى الله عليه وسلم - أمر بتسمية المولود يوم سابعه، ووضع الأذى عنه والعق كما رواه الترمذي ولا بأس بتسميته قبل السابع أو بعده، بل ذكر النووي في أذكاره أن السنة تسميته إما يوم السابع وإما يوم الولادة. واستدل لكل منهما بأخبار صحيحة. قال الباجوري: وحمل البخاري أخبار يوم الولادة على من لم يرد العق، وأخبار يوم السابع على من أراده وهو جمع لطيف، كما لا يخفى على كل من له فهم منيف. اه. وفي ع ش: وينبغي أن التسمية حق من له عليه الولاية من الأب وإن لم تجب عليه نفقته لفقره ثم الجد. وينبغي أيضا أن تكون التسمية قبل العق. اه. (قوله: وإن مات قبله) أي السابع، وهو غاية لسن تسميته يوم السابع. أي يسن تسميته يوم السابع وإن مات قبله. وظاهره أنه تؤخر التسمية للسابع إذا مات قبله. ويحتمل أنه غاية في أصل التسمية، لا بقيد كونها في السابع. وعليه فلا يكون ظاهره ما ذكر، وصنيعه يفيد الاحتمال الأول. ومثل التسمية العقيقة، فيعق عنه في يوم السابع وإن مات قبله كما في النهاية ويندب العق عمن مات بعد الأيام السبعة والتمكن من الذبح، وكذا قبلها كما في المجموع. (قوله: بل يسن تسمية سقط الخ) أي لخبر فيه. قال في النهاية: فإن لم يعلم له ذكورة ولا أنوثة سمي باسم يصلح لهما كطلحة، وهند. (قوله: أفضل الاسماء عبد الله، وعبد الرحمن) وذلك لحديث مسلم: أحب الأسماء إلى الله تعالى: عبد الله، وعبد الرحمن. ومثلهما كل ما أضيف بالعبودية لاسم من أسمائه تعالى، كعبد الرحيم، وعبد الخالق، وعبد الرزاق. (قوله: ولا يكره اسم نبي أو ملك) أي لا تكره التسمية باسم من

جاء في التسمية بمحمد فضائل علية. ويحرم التسمية بملك الملوك، وقاضي القضاة، وحاكم الحكام. وكذا عبد النبي، وجار الله، والتكني بأبي القاسم. ـــــــــــــــــــــــــــــ اسماء الانبياء كموسى أو باسم من اسماء الملائكة كجبريل وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرج الله أهل التوحيد من النار، وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبي. وفي العهود للشعراني: أخذ علينا العهد أن نزيد في تعظيم كل عبد يسمى بمثال اسماء الله عزوجل، أو بمثال اسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو بمثال اسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو بمثال اسماء أكابر الأولياء رضي الله عنهم زيادة على تعظيم غيره ممن لم يسم بما ذكر. وقال لي سيدي محمد بن عنان: أحب للناس أن يسموا أولادهم: أحمد دون محمد فقلت له: ولم ذلك؟ قال: للحن العامة في اسم محمد، فإن أهل الأرياف يقولونها بكسر الميم والحاء. وأهل الحاضرة يقولونها بفتح الميم الأولى. وكلاهما لحن. فاعلم ذلك. اه. (واعلم) أنه تكره الاسماء القبيحة كحمار وكل ما يتطير بنفيه أو إثباته كبركة، وغنيمة، ونافع، ويسار، وحرب، ومرة، وشهاب، وشيطان. وتشتد الكراهة بنحو: ست الناس، أو ست العرب أو ست العلماء أو ست القضاة، أو سيد الناس أو العلماء أو العرب، لأنه من أقبح الكذب. (قوله: بل جاء في التسمية بمحمد فضائل عليه) منهما: قوله عليه السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا ليقم من اسمه محمد فليدخل الجنة كرامة لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -. فينبغي أن لا يخلى الشخص أولاده من اسم محمد، ويلاحظ في ذلك عود بركة اسمه - صلى الله عليه وسلم - عليه. قال الشافعي - رضي الله عنه لما ولد له ولد وسماه بمحمد سميته بأحب الاسماء إلي أي بعد عبد الله، وعبد الرحمان كما في التحفة وكثير يسمون محمدا، ويقول سميته باسم أبي وجدي، فكان الأولى أن يلاحظ فيه اسمه - صلى الله عليه وسلم - أولا، ثم اسم أبيه. وينبغي لمن سمى محمدا أن يحترمه، لكونه سميه - صلى الله عليه وسلم -، فقد ورد: إذا سميتم محمدا فلا تضربوه، ولا تحرموه. (قوله: ويحرم التسمية بملك الملوك) أي لأنه لا يصلح لغيره تعالى. ومثله ما هو بمعناه كشاهن شاه. (قوله: وقاضي القضاة) أي ويحرم التسمية بقاضي القضاة. والمعتمد: الكراهة. ومثله أقضى القضاة، لكن المعتمد فيه الحرمة. وأول من سمى قاضي القضاة أو أبو يوسف، ولم ينكره أحد مع توفر الأئمة في زمانه وأول من سمى أقضى القضاة الماوردي، واعترضه بعض أهل عصره. وفي الكردي: واختلفوا في أقضى القضاة وقاضي القضاة، وقد بينته في الأصل. ومثلهما وزير الوزراء، وأمير الأمراء، وداعي الدعاة. اه. (قوله: وحاكم الحكام) أي ويحرم التسمية بحاكم الحكام. وهذا فيه خلاف أيضا، والمعتمد إلحاقه بملك الملوك في الحرمة، وقيل إنه مكروه إلحاقا له بقاضي القضاة. (قوله: وكذا عبد النبي) أي وكذا يحرم التسمية بعد النبي، أي لإيهام التشريك، أي أن النبي شريك الله في كونه له عبيد. وما ذكر من التحريم هو معتمد ابن حجر. أما معتمد الرملي فالجواز، وعبارته: ومثله عبد النبي على ما قاله الأكثرون والأوجه جوازه، لا سيما عند إرادة النسبة له - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: وجار الله) أي وكذا يحرم التسمية بجار الله، ومثله رفيق الله لإيهام التشريك.

وسن أن يحلق رأسه - ولو أنثى - في السابع، ويتصدق بزنته ذهبا، أو فضة، وأن يؤذن، ويقرأ سورة الاخلاص، وآية: * (إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * بتأنيث الضمير - ولو في الذكر - في أذنه ـــــــــــــــــــــــــــــ وتحرم التسمية أيضا بعبد الكعبة، أو عبد الحسن، أو عبد علي. وكذا كل ما أضيف بالعبودية لغير اسمائه تعالى كعبد العزى، وعبد مناف وذلك لإيهام التشريك. وفي الباجوري: وتحرم التسمية بعبد العاطي، وعبد العال، لأن كلا منهما لم يرد، واسماؤه تعالى توقيفية. ويحرم أيضا قول بعض العوام عند إرادة حمل ثقيل الحملة على الله ونحو ذلك كالشدة على الله. (قوله: والتكني بأبي القاسم) أي وكذا يحرم التكني به، أي وضع هذه الكنية على هذا الشخص، أما إذا اشتهر بها فلا حرمة. ولذا يكنى النووي الرافعي بها في كتبه، مع اعتماده إطلاق الحرمة. واعلم أنه يندب أن يكني أهل الفضل الذكور والأناث، وإن لم يكن لهم ولد، ويندب تكنيه من له أولاد بأكبر أولاده. ولو أنثى. والأدب أن لا يكني نفسه في كتاب أو غيره إلا إن كانت أشهر من الاسم، أو لا يعرف إلا بها. ولا بأس بالألقاب الحسنة، فلا ينهى عنا لأنها لم تزل في الجاهلية والإسلام، إلا ما أحدثه الناس في آخر ما نشأ من التوسع، حتى لقبوا السفلة بالألقاب العلية كصلاح الدين. ويحرم تلقيب الإنسان بما يكره، وإن كان فيه كالأعمش، لكن يجوز ذكره به للتعريف إذا لم يعرف إلا به. ويندب - لولد الشخص، وقنه، وتلميذه أن لا يسميه باسمه، ولو في مكتوب، كأن يقول العبد: يا سيدي، والولد: يا والدي أو يا أبي، والتلميذ: يا أستاذنا أو يا شيخنا. (قوله: وسن أن يحلق رأسه) أي رأس المولود كله، وذلك للخبر المار أول مبحث العقيقة. قال في فتح الجواد: وسن أن يكون بعد الذبح، وتقدم عن ع ش أنه قال: ينبغي أن تكون التسمية قبل العق. وعليه: فالسنة التسمية، ثم الذبح، ثم الحلق. (قوله: ولو أنثى) غاية في سنية حلق رأس المولود، أي يسن ذلك وإن كان أنثى. (وقوله: في السابع) متعلق بيحلق. (قوله: ويتصدق بزنته الخ) أي وسن أن يتصدق بوزن الشعر ذهبا أو فضة، لخبر أنه - صلى الله عليه وسلم -: أمر فاطمة أن تزن شعر الحسين وتتصدق بوزنه فضة، ففعلت ذلك، فوجدته عادل درهما أو درهما إلا شيئا. قال في شرح الروض: ولا ريب أن الذهب أفضل من الفضة، وإن ثبت بالقياس عليها. والخبر محمول على أنها كانت هي المتيسرة إذ ذاك. اه. (قوله: وإن يؤذن) أي: وسن أن يؤذن أي ولو من امرأة، أو كافر، وذلك لخبر ابن السني: من ولد له مولود فأذن له في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، لم تضره أم الصبيان، أي التابعة من الجن وهي المسماة عند الناس بالقرينة .. ، ولانه - صلى الله عليه وسلم -: أذن في أذن سيدنا الحسين حين ولدته فاطمة رضي الله عنها. وليكون إعلامه بالتوحيد أول ما يقرع سمعه حين قدومه إلى الدنيا كما يلقن عند خروجه من الدنيا -، ولما فيه من طراد الشيطان عنه، فإنه يدير عند سماع الأذان. وقوله: ويقرأ سورة الإخلاص أي وسن أن يقرأ سورة الإخلاص، لما في مسند أبي رزين أنه - صلى الله عليه وسلم -: قرأ في أذن مولود سورة الإخلاص، والمراد أذنه اليمنى. ونقل عن الشيخ الديربي أنه يسن أن يقرأ في أذن المولود اليمنى: * (إنا أنزلناه) * لأن من فعل به ذلك لم يقدر الله عليه زنا طول عمره. (قوله: وآية إني الخ) أي وسن أن يقرأ هذه الآية وهي: * (إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * فإضافة آية إلى ما بعدها للبيان، وليس المراد أنه يقرأ الآية من أولها أعني: * (فلما وضعتها) * إلى آخرها .. وهو: * (من الشيطان الرجيم) *. وعبارة الروض: وإن يقول: * (إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) *. ((قوله: بتأنيث الضمير، ولو في الذكر) أي بقرأ ما ذكر بالضمير مؤنثا، ولو كان المولود ذكرا. ويرجع الضمير في أعيذها وذريتها إليه على تأويله بالتسمية. وعبارة شرح الروض: وظاهر كلامهم أنه يقول أعيذها بك

_ (1) آل عمران: 36

اليمنى، ويقام في اليسرى عقب الوضع. وأن يحنكه رجل، فامرأة - من أهل الخير - بتمر، فحلو - لم تمسه النار - حين يولد. ويقرأ عندها - وهي تطلق - آية الكرسي و * (إن ربكم الله) * الآية، والمعوذتان، والاكثار من دعاء الكرب. قال شيخنا: أما قراءة سورة الانعام، إلى: * (رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) * يوم يعق عن المولود، فمن مبتدعات العوام الجهلة، فينبغي الانكفاف عنها، وتحذير الناس منها - ما أمكن -. انتهى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذريتها وإن كان الولد ذكرا على سبيل التلاوة والتبرك بلفظ الآية، بتأويل إرادة التسمية. (قوله: في أذنه اليمنى) متعلق بكل من يؤذن ويقرأ. (قوله: ويقام في اليسرى) أي وسن أن يؤتي بالإقامة في الأذن اليسرى .. للحديث المار. (قوله: عقب الوضع) متعلق بكل من يؤذن، ويقرأ، ويقام. (قوله: وأن يحنكه) أي وسن أن يحنك المولود ذكرا أو أنثى لانه - صلى الله عليه وسلم -: أتى بابن أبي طلحة .. حين ولد وتمرات، فلاكهن، ثم فغرفاه، ثم مجه فيه، فجعل يتلمظ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: حب الأنصار التمر، وسماه: عبد الله. رواه مسلم. والتحنيك: هو مضغ نحو التمر، وذلك حنك المولود به لينزل منه شئ إلى الجوف. وقوله: حب الأنصار هو بكسر الحاء أي محبوبهم. (قوله: رجل، فامرأة من أهل الخير) أفاد سن كون المحنك له رجلا، فإن لم يوجد فامرأة. وأن يكونا من أهل الخير والصلاح. وعبارة شرح الروض: قال في المجموع: وينبغي أن يكون المحنك له من أهل الخير، فإن لم يكن رجل فامرأة صالحة. اه. (وقوله: بتمر) في معناه الرطب. قال في النهاية: والأوجه تقديم الرطب على التمر نظير ما مر في الصوم. اه. ومثله في التحفة. (وقوله: فحلو) أي فإن لم يوجد تمر فبحلو لم يمسه النار أي كزبيب. (قوله: حين يولد) متعلق بحنكه. ومن المعلوم أن المراد بالحينية: العقيبة، وحينئذ فانظره مع قوله السابق عقب الوضع، المجعول قيدا لكل من الأذان والقراءة والإقامة، فإنه يقتضي أن الأذان وما بعده مقدمان، وهذا يقتضي أن التحنيك مقدم وهذا خلف. ثم رأيت المنهاج قيد الأذان والإقامة بحين الولادة، ولم يقيد التحنيك به، بل ذكره بعد القيد المذكور، وعبارته مع التحفة: ويسن أن يؤذن في أذنه اليمنى، ثم يقام في اليسرى حين يولد، وأن يحنكه بتمر. اه. وهو يفيد أن الأذان وما بعده مقدمان على التحنيك، ويمكن أن يقال إن مراده بالحينية: أن يكون بعد الأذان وما بعده. فتنبه. (قوله: ويقرأ عندها الخ) أي وسن أن يقرأ عند المرأة وهي تطلق، آية الكرسي إلخ، ويقرأ أيضا * (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) *. (قوله: والإكثار الخ) معطوف على المصدر المؤول من أن يقرأ، أي وسن الإكثار من دعاء الكرب، وهو: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم. ويسن إيضا الإكثار من دعاء يونس، وهو: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. (فائدة) لوضع الحمل إذا تعسر يكتب في إناء جديد: اخرج أيها الولد من بطن ضيقة إلى سعة هذه الدنيا. اخرج بقدرة الله الذي جعلك في قرار مكين إلى قدر معلوم * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون) * (1)، * (هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) * (2) * (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) * (3) ثم يمحى بماء، وتشربه الحامل، ويرش على وجهها منه.

_ (1) الحشر: 21 - 22 - 23. (2) الحشر: 24. (3) الاسراء: 82

(فرع) يسن لكل أحد، الادهان غبا، والاكتحال بالاثمد وترا عند نومه، وخضب شيب رأسه ولحيته: بحمرة أو صفرة. ويحرم حلق لحية، وخضب يدي الرجل ورجليه بحناء، خلافا لجمع فيهما. وبحث الاذرعي ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: قال شيخنا إلخ) لعله في غير التحفة وفتح الجواد وشرح بافضل. (قوله: فرع) الأنسب فروع، بصيغة الجمع. (قوله: يسن لكل أحد الإدهان غبا) أي وقتا بعد وقت، بحسب الحاجة، وذلك لخبر الترمذي، وصححه، عن عبد الله بن مغفل قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإدهان إلا غبا. وفي الشمائل للترمذي، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته. (قوله: والاكتحال بالإثمد) معطوف على الإدهان، أي ويسن الاكتحال بالإثمد، لخبر الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: اكتحلوا بالإثمد، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر. رواه النسائي وابن حبان بلفظ: إن من خير أكحالكم الإثمد. وعن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: عليكم بالإثمد، فإنه منبتة للشعر، مذهبة للقذي، مصفاة للبصر. وفي الحديث: عليكم بالإثمد المروح عند النوم أي المطيب بالمسك. (وقوله: وترا) أي لخبر أبي داود وغيره بإسناد جيد: من اكتحل فليوتر واختلفوا في قوله فليوتر فقيل: يكتحل في اليمنى ثلاثا، وفي اليسرى مرتين، فيكون المجموع وترا. والأصح: أنه يكتحل في كل عين ثلاثا، لخبر الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وحسنه، قال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكحلة يكتحل منها في كل عين ثلاثا. (قوله: وخضب شيب رأسه ولحيته) معطوف على الإدهان، أي ويسن خضب ما شاب من شعر رأس الرجل أو والمرأة، ومن لحية الرجل. ومحل سنيته: ما لم يفعله تشبيها بالصالحين والعلماء ومتبعي السنة وغيرهم، فإن فعله كذلك كره كذا في شرح الروض. (وقوله: بحمرة أو صفرة) أي لا بسواد، أما به فيحرم إن كان لغير إرهاب العدو في الجهاد، وذلك لخبر أبي دواد والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة. قال في الزبد: وحرموا خضاب شعر بسواد * * لرجل وامرأة لا للجهاد قال الرملي في شرحه: نعم، يجوز للمرأة ذلك بإذن زوجها أو سيدها، لأن له غرضا في تزينها به. اه. (قوله: ويحرم حلق لحية) المعتمد عند الغزالي وشيخ الإسلام وابن حجر في التحفة والرملي والخطيب وغيرهم: الكراهة. وعبارة التحفة: (فرع) ذكروا هنا في اللحية ونحوها خصالا مكروهة: منها نتفها وحلقها، وكذا الحاجبان. ولا ينافيه قول الحليمي لا يحل ذلك، لإمكان حمله على أن المراد نفي الحل المستوي الظرفين. والنص على ما يوافقه إن كان بلفظ لا يحل يحمل على ذلك. أو يحرم كان خلاف المعتمد. وصح عند ابن حبان: كان - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من طول لحيته وعرضها وكأنه مستند ابن عمر رضي الله عنهما في كونه كان يقبض لحيته ويزيل ما زاد. لكن ثبت في الصحيحين الأمر بتوفير اللحية أي بعدم أخذ شئ منها وهذا مقدم، لأنه أصح. على أنه يمكن حمل الأول على أنه لبيان أن الأمر بالتوفير للندب، وهذا أقرب من حمله على ما إذا زاد انتشارها وكبرها على المعهود، لأن ظاهر كلام أئمتنا كراهة الأخذ منها مطلقا. وادعاء أنه حينئذ يشوه الخلقة، ممنوع. اه. وكتب سم: قوله: أو يحرم - كان خلاف المعتمد في شرح العباب. (فائدة) قال الشيخان: يكره حلق اللحية. واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي رضي الله عنه نص في الأم على التحريم. قال الزركشي: وكذا الحليمي في شعب الإيمان. وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة. وقال الأذرعي: الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها، كما يفعله القلندرية. اه. إذا علمت ذلك، فلعله جرى على ما جرى عليه شيخه في شرح العباب، وهو ضعيف، لأنه إذا اختلف كلامه في كتبه، فالمعتمد ما في التحفة.

كراهة حلق ما فوق الحلقوم من الشعر. وقال غيره إنه مباح. ويسن الخضب للمفترشة، ويكره للخلية. ويحرم وشر الاسنان ووصل الشعر بشعر نجس، أو شعر آدمي، وربطه به - لا بخيوط الحرير، أو الصوف - ويستحب أن يكف الصبيان أول ساعة من الليل، وأن يغطي الاواني - ولو بنحو عود يعرض عليها - وأن يغلق الابواب مسميا الله فيهما، وأن يطفى المصابيح عند النوم. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وخضب يدي الرجل الخ) معطوف على حلق لحية. أي يحرم خضب يدي الرجل ورجليه بحناء أي أو نحوه وذلك لأن فيه تشبها بالنساء، وقد قال عليه السلام: لعن الله المتشبهين بالنساء من الرجال. وقد أتي له عليه السلام: بمخنث خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال: ما بال هذا؟ فقالوا: يتشبه بالنساء. فأمر به فنفي إلى البقيع. ومحله إن لم يكن هناك عذر، وإلا فلا حرمة، ولا كراهة. وعبارة النهاية وخضاب اليدين والرجلين بالحناء للرجل والخنثى حرام بلا عذر. اه. (قوله: خلافا لجمع فيهما) أي في حلق اللحية وفي الخضب، فقالوا: لا يحرمان، بل يكرهان فقط. (قوله: وبحث الأذرعي إلخ) هكذا في التحفة. (قوله: ويسن الخضب للمفترشة) مفهوم التقييد بالرجل في قوله وخضب يدي إلخ، وذكر فيه تفصيلا، وهو أنه إذا كانت مفترشة أي تحت زوج أو سيد سن الخضب، وإذا كانت خلية أي ليست تحت زوج أو سيد كره. وبقي أنه قد يحرم. وذلك فيما إذا كانت محدة. وعبارة الكردي: قوله: ويحرم الحناء للرجل. خرج به المرأة، ففيها تفصيل، فإن كان لإحرام استحب لها سواء كانت مزوجة. أو غير مزوجة، شابة أو عجوزا وإذا اختضبت عمت اليدين بالخضاب. وأما المحدة: فيحرم عليها، والخنثى كالرجل. ويسن لغير المحرمة إن كانت حليلة وإلا كره. ولا يسن لها نقش وتسويد وتطريف وتحمير وجنة، بل يحرم واحد من هذه على خلية ومن لم يأذن لها حليلها. اه. (قوله: ويحرم وشر الأسنان) أي تحديدها، وتفليجها بمبرد ونحوه للتحسين. (قوله: ووصل الشعر) أي ويحرم على المرأة وصل الشعر، وذلك لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة والأولى: هي التي تصل الشعر بشعر آخر لنفسها أو غيرها. والثانية: هي التي تطلب أن يفعل بها الوصل. والثالثة: هي التي تغرز الإبرة في الجسد ثم نذر عليه كحلا أو نيلة يخضر (1) والرابعة: هي التي تطلب الفعل ويفعل بها. (وقوله: بشعر نجس) لملابسة النجاسة لغير ضرورة. (وقوله: وشعر آدمي) أي لاحترامه، ويحرم ذلك عليها مطلقا، خلية أو مزوجة، أذن لها حليلها أو لا. وكذا يحرم بالشعر الطاهر على الخلية والمزوجة بغير إذن زوجها. أما الطاهر من غير آدمي لذات حليل أذن فيه حليلها فلا يحرم الوصل به. (قوله: لا بخيوط الحرير أو الصوف) أي لا يحرم الوصل بذلك. (قوله: ويستحب أن يكف الصبيان إلخ) لخبر مسلم: إذا كان جنح الليل وأمسيتم، فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ. وإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم روي بالحاء المهملة المضمومة، وبالخاء المعجمة المفتوحة وضم اللام. (قوله: وأن يغطى الأواني - ولو بنحو عود) قال ابن رسلان: ويستحب في الأواني التغطية * * ولو بعود حط فوق الآنية ويستحب أيضا أن يوكئ القر ب، أي يربط أفواها. قال الرملي: قال الأئمة: وفائدة ذلك من ثلاثة أوجه. أحدها: ما ثبت في الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يكشف إناء. ثانيها: ما جاء في رواية لمسلم: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء. ثالثها: صيانتها من النجاسة ونحوها.

_ (1) لعلها: ليخضر، أو فيخضر اه

(واعلم) أن ذبح الحيوان البري المقدور عليه بقطع كل حلقوم - وهو مخرج النفس - وكل مرئ - وهو مجرى الطعام تحت الحلقوم - بكل محدد يجرح غير عظم، وسن، وظفر - كحديد - وقصب، وزجاج، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد عمل بعضهم بالسنة في التغطية بعود، فأصبح وأفعى ملتفة على العود، ولم تنزل في الإناء. ولكن لا يعرض العود على الإناء إلا مع ذكر اسم الله، فإن السر الدافع هو اسم الله. اه. (قوله: يعرض عليها) مبني للمجهول، أي يجعل ذلك العود عرضا. (قوله: وأن يغلق الأبواب) أي ويستحب أن يغلق الأبواب، لما في خبر مسلم: وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا. (قوله: مسميا الله) حال في فاعل يغطي وفاعل يغلق المستتر إن بنيا للمعلوم، أو المحذوف إن بنيا للمجهول. (قوله: وأن يطفئ المصابيح) أي ويستحب أن يطفئ المصابيح أي الأسرجة خوفا من الفويسقة وهي الفأرة أن تجر الفتيلة فتحرق البيت. وفي سنن أبي دواد: من حديث ابن عباس: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها وألقتها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخمرة التي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها موضع درهم. وفي الشنواني على ابن أبي جمرة: نعم، القنديل المعلق إن أمن منها لا بأس بعدم إطفائه، لانتفاء العلة. اه. ويستحب أيضا إطفاء النار مطلقا عند النوم، لورود حديث فيه. (قوله: واعلم أن ذبح الحيوان الخ) شروع في بيان الأحكام المتعلقة بالذبائح والصيد، وقد أفردها الفقهاء بكتاب مستقل، وذكروها بعد كتاب الجهاد، وذكرها في الروضة في آخر ربع العبادات، تبعا لطائفة من الأصحاب، قال: وهو أنسب. قال ابن قاسم الغزي في شرحه على المنهاج: ولعل وجه الا نسبية أن طلب الحلال فرض عين، والعبادات فرض عين، فناسب ضم فرض العين إلى فرض العين. اه. فذكرها المؤلف رحمه الله تعالى هنا تبعا للروضة. والأصل فيها قوله تعالى: * (إلا ما ذكيتم) * (1) فإنه مستثنى من المحرمات السابقة في الآية، واستثناؤه من المحرمات يفيد حل المذكيات، وفي الصيد، قوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا) * (2) والأمر بالاصطياد يقتضي حل المصيد. (قوله: البري) أي المأكول. فخرج البحري، فإنه يحل أكله من غير ذبح، وغير المأكول فلا يحل ذبحه ولو لإراحته من الحياة عند تضرره من طول الحياة. (قوله: المقدور عليه) أي على ذبحه. والمراد أنه قدر عليه حال إصابته، ولو بإعيائه عند عدوه حال صيده، لأن العبرة بالقدرة وعدمها حال الإصابة لا وقت الرمي. فلو رماه وهو غير مقدور عليه، وأصابه وهو مقدور عليه، فذكاته بقطع حلقه ومريئه. ولو رماه وهو مقدور عليه، وأصابه وهو غير مقدور عليه فذكاته عقره حيث قدر عليه في أي موضع كان العقر. (قوله: بقطع الخ) متعلق بمحذوف خبر أن، والباء للتصوير، أي أن ذبحه مصور بقطع كل حلقوم، وخرج بقطع ما لو اختطف رأس عصفور أو غيره بيده أو ببندقة فإنه ميتة. وبقوله: كل حلقوم: ما لو قطع البعض وانتهى إلى حركة مذبوح ثم قطع الباقي، فلا يحل. (قوله: وهو) أي الحلقوم. وقوله: مخرج النفس أي محل خروج النفس بفتح الفاء وهو أيضا محل دخوله. (قوله: وكل مرئ) معطوف على كل حلقوم، أي وبقطع كل مرئ بفتح ميمه، وهمز آخره وخرج به قطع بعضه، فإنه لا يحل كالذي قبله. وقوله: وهو أي المرئ. (وقوله: مجرى الطعام) أي والشراب، أي محل جريانهما من الحلق إلى المعدة. (قوله: تحت الحلقوم) خبر بعد خبر، أي وهو كائن تحت الحلقوم. (قوله: بكل إلخ) متعلق بقطع. (قوله: محدد) بفتح الدال المشددة، أي ذي حد. والمراد كل شئ له حد، كحديد، ورصاص، وخشب، وقصب، وحجر، وزجاج إلا الظفر، والسن، وسائر العظام لخبر الصحيحن: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ليس السن والظفر. وسأحدثكم عن ذلك أي عن سبب عدم إجزائهما.

_ (1) المائدة: 3. (2) المائدة: 2

وذهب، وفضة - يحرم ما مات بثقل ما أصابه من محدد أو غيره - كبندقة - وإن أنهر الدم وأبان الرأس أو ذبح بكال لا يقطع إلا بقوة الذابح، فلذا ينبغي الاسراع بقطع الحلقوم بحيث لا ينتهي إلى حركة المذبوح قبل تمام القطع. ويحل الجنين بذبح أمه إن مات في بطنها، أو خرج في حركة مذبوح، ومات حالا. أما غير المقدور عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ أما السنن: فعظم، وأما الظفر: فمدي الحبشة. وألحق بهما باقي العظام، سواء كانت متصلة أو منفصلة، من آدمي أو غيره. نعم، ما قتلته الجارحة بظفرها أو نابها لا يحرم كما هو معلوم وقوله: ما أنهر الدم: أي أساله وصبه بكثرة، فشبه الإسالة بالأنهار، واستعارة لها واشتق منه أنهر بمعنى أسال على طريق الاستعارة التصريحية التبعية. وقوله: ليس السن والظفر: بالنصب على أنه خبر ليس، ويجوز الرفع على أنه اسمها، والخبر محذوف، أي ليس السن والظفر مباحا. (قوله: يجرح) الجملة صفة لمحدد، وهو قيد لا بد منه، وخرج به الذي لا يجرح، وهو الكال كما سيذكره. (قوله: كحديد إلخ) أمثلة لمحدد وهنا مضاف محذوف، أي كمحدد حديد، ومحدد قصب إلخ. (قوله: يحرم ما مات بثقل إلخ) هذا محترز قوله بقطع إلخ، لأن ما ذكر لم يمت بالقطع، وإنما مات بالثقل. وإنما حرم ذلك لأن المقتول بالثقل موقوذة، فإنها: ما قتل بمثقل كخشبة، وحجر، ونحوهما. ومثل ذلك: ما لو مات بأحبولة كشبكة منصوبة له فإنه المنخنقة المذكورة في قوله تعالى: * (والمنخنقة) * (وقوله: من محدد أو غيره) بيان لما. (وقوله: كبندقة) أي مطلقا، بندقة الطين أو الرصاص. وهو تمثيل لغير المحدد. (قوله: وإن أنهر الدم) أي أساله. كما مر. (قوله: وأبان الرأس) أي وإن أزال الرأس، فهو غاية ثانية للحرمة. (قوله: أو ذبح بكال) معطوف على مات، وهو محترز قوله يجرح كما علمت. أي ويحرم ما ذبح بكال: أي غير قاطع بحسب ذاته. قال في المصباح: كل السيف كلا، وكلة بالكسر وكلولا فهو كليل، وكال: أي غير قاطع. اه. (وقوله: لا يقطع إلا بقوة الذابح) أي وأما بنفسه فلا يقطع رأسا، وهو كالتفسير للكال. (قوله: فلذا ينبغي إلخ) أي فلأجل حرمة الذبح بالكال الذي لا يقطع إلا بقوة الذابح، ينبغي الإسراع إلخ. وتأمل في العلة المذكورة، فإن حرمة الذبح بالكال لا تظهر علة في انبغاء الإسراع. فلو قال كغيره وينبغي الإسراع بإسقاط لفظ فلذا لكان أولى. ثم إن المراد بالانبغاء الندب - كما يدل عليه عبارة التحفة، ونصها: وسيأتي ندب وإسراع القطع بقوة وتحامل ذهابا وعودا، ومحله: إن لم يكن بتأنيه في القطع ينتهي الحيوان قبل تمام قطع المذبح إلى حركة المذبوح، وإلا وجب الإسراع، فإن تأتي حينئذ: حرم، لتقصيره. اه. (وقوله: بحيث لا ينتهي إلخ) تصوير للإسراع، أي يسرع إسراعا مصورا بحيث لا ينتهي إلخ، فلو انتهى إلى ذلك قبل تمام القطع لم يحل، لتقصيره. ولا ينافيه ما سيأتي من أنه يشترط الحياة المستقرة عند أول الذبح، لا استمرارها إلى انتهاء الذبح، لأن ذلك فيما إذا لم يوجد تقصير منه في وصوله إلى حركة المذبوح. (قوله: ويحل الجنين بذبح أمه) أي لخبر: ذكاة الجنين ذكاة أمه أي ذكاة أمه التي أحلتها أجلته تبعا لها، ولأنه جزء من أجزائها وذكاتها أحلت جميع أجزائها، حتى لو كان للمذكاة عضو أشل، حل كسائر أجزائها ولأنه لو لم يحل بذكاة أمه لحرم ذبحها مع ظهور الحمل كما لا تقتل الحامل قودا. ولا فرق في الجنين بين أن يكون واحدا أو متعددا، ولو وجد جنين في بطن جنين كان حكمه كذلك. ولا تحل العلقة والمضغة، ولو تخططت، بناء على عدم وجوب الغرة فيها، وعدم ثبوت الاستيلاد بها فيما إذا كانت من آدمي. (قوله: إن مات في بطنها) قيد في حله بذكاة أمه، أي يحل إن مات في بطنها، أي بسبب ذبح أمه بأن سكن عقب ذبحها بلا مهلة، ولم يوجد سبب يحال عليه موته، فلو اضطرب في بطن أمه بعد ذبحها زمنا طويلا، ثم سكن، لم يحل. ولو ضربت أمه على بطنها فسكن، ثم ذبحت فوجد ميتا، لم يحل لإحالة موته على ضرب أمه. ولو شك: هل مات بذكاة أمه أو لا؟ فالظاهر: عدم

بطيرانه أو شدة عدوه، وحشيا كان أو إنسيا كجمل، أو جدي - نفر شاردا، ولم يتيسر لحوقه حالا - وإن كان لو صبر سكن وقدر عليه - وإن لم يخف عليه نحو سارق - فيحل بالجرح المزهق بنحو سهم أو سيف في أي محل كان، ثم إن أدركه وبه حياة مستقرة، ذبحه - فإن تعذر ذبحه من غير تقصير منه حتى مات - كأن اشتغل بتوجيهه ـــــــــــــــــــــــــــــ حله. والذي في حاشية الشوبري: حله. قال: لأنها سبب في حله، والأصل عدم المانع. ولو مات في بطنها قبل ذبحها كان ميتة لا محالة. لأن ذكاة أمه لم تؤثر فيه، والحديث يشير إليه. (قوله: أو خرج في حركة مذبوح) خرج به ما إذا خرج وفيه حياة مستقرة، فيذكى حينئذ. (قوله: إما غير المقدور عليه) أي على ذبحه بقطع ما ذكر بما ذكر، وهو محترز قوله المقدور عليه. وقوله: بطيرانه أي بسبب طيرانه. وقوله: أو شدة عدوه أي أو بسبب عدوه أي جريه أي أو بسبب وقوعه في بئر وتعذر إخراجه. قال في الزبد: إلخ. وغير مقدور عليه صيدا * * أو البعير ند أو تردى الجرح إن يزهق بغير عظم (قوله: وحشيا كان) أي غير المقدور عليه كضبع، وغزال. (وقوله: أو إنسيا) أي توحش أم لا. والأول: كمثاله. والثاني: كبعير تردى في بئر. (وقوله: كجمل) تمثيل للإنسي. وقوله: أو جدي هو الذكر من أولاد المعز. (وقوله: نفر) أي المذكور من الجمل أو الجدي. ومعنى نفر: هرب وذهب. (وقوله: شاردا) أي هاربا، فهو حال مؤكدة. (قوله: ولم يتيسر لحوقه حالا) قيد في حله بالجرح المزهق، وخرج به ما إذا تيسر لحوقه، فإنه لا يحل بالجرح المزهق، بل لا بد من قطع كل الحلقوم وكل المرئ كالذي قبله. (قوله، وإن كان الخ) غاية في حله بالجرح، ولو أخرها وما بعدها وما قبلها عن قوله فيحل بالجرح، لكان أولى. وقوله سكن أي الجمل أو الجدي. وقوله: وقدر عليه أي على ذبحه كما مر. (قوله: وإن لم يخف عليه نحو سارق) أي لو أبقاه مطلقا على حاله، وهذه غاية ثانية فيما ذكر. وإنما حل بالجرح مع كونه لو صبر سكن، أو مع كونه لا يخاف عليه لأنه قد يريد الذبح حالا. وخالف في ذلك الإمام. (قوله: فيحل بالجرح) جواب أما. (وقوله: المزهق) بكسر الهاء، أي المخرج للروح. وخرج غير الزهق، كالخدشة اللطيفة فلا يحل بها لو مات. (قوله: بنحو سهم) متعلق بالجرح. (قوله: في أي محل كان) متعلق بالجرح أيضا، أي الجرح في أي موضع كان، وإن لم يكن في الحلق واللبة. (قوله: ثم إن أدركه) أي ثم بعد جرحه بما ذكر إن أدركه، أي غير المقدور عليه. وهذا كالتقييد لما قبله أي محل حله بالجرح المذكور إن لم يدركه وبه حياة مستقرة بأن مات حالا عقب الجرح. أما إن أدركه ففيه تفصيل وهو ما ذكره. (قوله: وبه حياة مستقرة) أي والحال أن فيه حياة مستقرة، أي ثابتة مستمرة، وهي أن تكون الروح في الجسد ومعها إبصار، ونطق، وحركة اختيارية لا اضطرارية. واعلم أنه يوجد في عباراتهم حياة مستقرة، وحياة مستمرة وحركة مذبوح ويقال لها عيش مذبوح والفرق بينها أن الحياة المستقرة هي ما مر. والمستمرة هي التي تستمر إلى خروج الروح من الجسد. وحركة المذبوح هي التي لا يبقى معها إبصار باختيار، ولا نطق باختيار، ولا حركة اختيارية، بل يكون معها إبصار ونطق وحركة إضطرارية. وبعضهم فرق بينها: بأن الحياة المستقرة هي التي لو ترك الحيوان لجاز أن يبقى يوما أو يومين. والحياة المستمرة هي التي تستمر إلى انقضاء الأجل. وحركة المذبوح هي التي لو ترك لمات في الحال. والأول هو المشهور. (قوله: ذبحه) أي بقطع كل حلقوم وكل مرئ، وهذا جواب إن. (قوله: فإن تعذر ذبحه) أي غير المقدور عليه. (وقوله: من غير تقصير منه) أي من الجارح. (وقوله: حتى مات) أي إلى أن مات بعد جرحه. (قوله: كأن اشتغل إلخ) تمثيل لتعذر ذبحه مع عدم تقصير منه. واندرج تحت الكاف ما إذا وقع منكسا فاحتاج لقلبه ليقدر على ذبحه فمات. وما إذا امتنع الحيوان منه بسبب قوته، أو حال بينه وبينه حائل كسبع فمات بعد ذلك. فيحل في الجميع، لتعذر ذبحه، مع

للقبلة، أو سل السكين فمات قبل الامكان، حل، وإلا كأن لم يكن معه سكين، أو علق في الغمد بحيث تعسر إخراجه، فلا. ويحرم قطعا رمي الصيد بالبندق المعتاد الآن - وهو ما يصنع بالحديد ويرمى بالنار - لانه محرق مذفف سريعا غالبا. قال شيخنا: نعم، إن علم حاذق أنه إنما يصيب نحو جناح كبير: فيشقه فقط، احتمل الجواز. والرمي بالبندق المعتاد قديما - وهو ما يصنع من الطين - جائز - على المعتمد - خلافا لبعض المحقين. ـــــــــــــــــــــــــــــ عدم التقصير منه. (قوله: أو سل السكين) معطوف على توجيهه، أي وكأن اشتغل بسل السكين، أي إخراجها من غمدها. والسكين تذكر وتؤنث والغالب تذكيرها سميت بذلك لأنها تسكن الحياة، وتسمى مدية لأنها تقطع مدة الحياة أفاده: م ر. (قوله: قبل الإمكان) أي إمكان الذبح. (قوله: حل) جواب فإن. وإنما حل لعذره في ذلك. ولو شك: هل تمكن من ذبحه أو لا؟ حل أيضا إحالة على السبب الظاهر. (قوله: وإلا) أي بأن لم يتعذر ذبحه، أو تعذر بتقصير منه. (قوله: كأن لم يكن الخ) تمثيل لما إذا تعذر بتقصير منه. وعبارة الروض وشرحه: ومن التقصير: عدم السكين، وتحديدها، لأنه كان يمكنه حملها وتحديدها ونشبها بالغمد بكسر الغين المعجمة أي علوقها فيه، بحيث يعسر إخراجها، لأن حقه أن يستصحب غمدا يوافقه، حتى لو استصحب فنشب فيه لعارض، حل، وكذا لو غصبت منه السكين، لأنه عذر نادر. ومن التقصير: الذي ذبح بظهرها أي السكين غلطا اه. (قوله: أو علق في الغمد) معطوف على مدخول كأن، أي أو كان علق أي نشب في غمده أي غلافه. (وقوله: بحيث تعسر) الباء للتصوير، متعلق بمحذوف، أي علق علوقا مصورا بحالة هي عسر خروجه منه. وقوله: فلا أي فلا يحل لتقصيره بذلك. قال في التحفة: وبحث البلقيني في صورة العلوق أنه لا يعد تقصيرا. (قوله: ويحرم قطعا رمي إلخ) والحاصل أن الرمي ببندق الرصاص بواسطة النار حرام مطلقا، إلا أن يكون الرامي حاذقا، ويعلم أنه إنما يصيب جناحه، فلا يحرم. وأن الرمي ببندق الطين جائز مطلقا، لأنه طريق إلى الاصطياد المباح. وقال ابن عبد السلام ومجلي والماوردي: يحرم لأن فيه تعريض الحيوان للهلاك ويؤخذ من العلة المذكورة حل رمي طير كبير لا يقتله البندق المذكور غالبا كالأوز بخلاف صغير. قال الأذرعي: وهذا مما لا شك فيه، لأنه يقتلها غالبا. وقتل الحيوان عبثا حرام. وهذا كله بالنسبة لحل الرمي، وأما بالنسبة لحل المرمي الذي هو الصيد فإنه حرام مطلقا، إلا أن تدرك فيه الحياة المستقرة ويذكى. (قوله: وهو) أي البندق المعتاد الآن. (وقوله: ما يصنع بالحديد) أي من الحديد، فالباء بمعنى من. وقوله: ويرمى بالنار أما إذا لم يرم بها فلا يحرم. (قوله: لأنه) أي البندق المعتاد الآن، وهو تعليل لحرمة الرمي به. (وقوله: مذفف) أي مخرج للروح. (وقوله: سريعا) منصوب على الحال، أو بإسقاط الخافض، أي حال كون التذفيف به سريعا، أو تذفيفا بسرعة. (وقوله: غالبا) ومن غير الغالب قد لا يكون مذففا بسرعة. (قوله: نعم، إن علم الخ) إستدراك من حرمة الرمي بالبندق المذكور. وقوله: حاذق أي رام حاذق في رميه. وقوله: جناح كبير بالإضافة، أي جناح طير كبير. (قوله: فيشقه) أي الجناح. وعبارة التحفة: فيثبته وهي أولى - لأنه لا يشترط الشق، بل المدار على الإثبات، والوقوف بسبب الرمي حصل شق أو لا ولعل في عبارتنا تحريفا من النساخ. (قوله: احتمل الجواز) أي الرمي بالبندق المذكور. (قوله: والرمي) مبتدأ خبره جائز. (قوله: وهو) أي البندق المعتاد قديما. وقوله: ما يصنع من الطين قال البجيرمي: مثله الرصاص من غير نار. اه. وقوله: جائز أي إن كان الرمي به طريقا للاصطياد، وإلا حرم، لما فيه من تعذيب الحيوان من غير فائدة. (قوله: خلافا لبعض المحققين) أي حيث قال: يحرم الرمي ببندق الطين. وعلله بأن فيه

وشرط الذابح أن يكون مسلما - أو كتابيا ينكح. ويسن أن يقطع الودجين - وهما عرقا صفحتي عنق وأن يحد شفرته، ويوجه ذبيحته لقبلة، وأن يكون الذابح رجلا عاقلا، فامرأة، فصبيا. ويقول - ندبا - عند الذبح، ـــــــــــــــــــــــــــــ تعريض الحيوان للهلاك كما علمت. (قوله: وشرط الذابح الخ) إعلم أنه كان المناسب أن يذكر أولا أركان الذبح، ثم يذكر ما يشترط في كل - كما صنع في المنهج. وحاصل ذلك: أن أركان الذبح بالمعنى الحاصل بالمصدر وهو الانذباح أربعة: ذبح، وذابح، وذبيح، وآلة. والمراد بكونها أركانا للذبح: أنه لا بد لتحققه منها، لأنه يتوقف على فاعل، ومفعول، وفعل، وآلة. وإلا فليس واحد منها جزءا منه. وشرط في الذبح: القصد أي قصد إيقاع الفعل على العين أو على واحد من الجنس فلو سقطت سكين على مذبح شاة، أو احتكت الشاة به فانذبحت، أو أرسل سهما لا لصيد بل أرسله لغرض اختبار قوته مثلا فقتل صيدا، أو استرسلت جارحة بنفسها فقتلت، حرم ذلك كله، وصار ميتة، لعدم وجود القصد. وشرط في الآلة كونها محددة تجرح كما مر وأما شرط الذابح وشرط الذبيح فقد ذكرهما المؤلف. (قوله: أن يكون مسلما) أي أو مسلمة. وشرط أيضا أن يكون غير أعمى في غير مقدور عليه من صيد وغيره، فلا يحل مذبوح الأعمى بإرسال آلة الذبح، إذ ليس له في ذلك قصد صحيح. وقوله: أو كتابيا أي أو كتابية. وأهل الكتاب هم اليهود، والنصارى. وخرج بذلك الوثني، والمجوسي، ونحوهما ممن لا كتاب له كعابد الشمس والقمر فلا تحل ذبيحتهم، لأنهم ليسوا من أهل الكتاب. والذي تحل ذبيحته لا بد أن يكون من أهل الكتاب، قال تعالى: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * (1) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما حلت ذبائح اليهود والنصارى من أجل أنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل رواه الحاكم وصححه. وقوله: ينكح بالبناء للمجهول، قيد في الكتابي، أي يشترط في حل ذبيحة الكتابي نكاحنا لأهل ملته. ولصحة نكاحنا لهم شروط وهي أنه يشترط في الإسرائيلية أن لا يعلم دخول أول آبائها في دين سيدنا موسى بعد بعثة عيسى عليه السلام. وفي غيرها أن يعلم أول آبائها فيه قبلها، ولو بعد التحريف إن تجنبوا المحرف. فلو فقد شرط من هذه الشروط لا يحل نكاحنا لهم، فلا تحل ذبيحتهم. وعبارة التحفة: فعلم إن من لم يعلم كونه إسرائيليا، وشك في دخول أول أصوله قبل ما مر، ثم لا تحل ذبيحته. ومن ثم أفتى بعضهم في يهود اليمن بحرمة ذبائحهم للشك فيهم، قال: بل نقل الأئمة أن كل أهل اليمن أسلموا. اه. ولا خصوصية ليهود اليمن بذلك، بل كل من شك فيه وليس إسرائيليا كذلك. اه. وقوله: أسلموا: أي ثم ارتد بعضهم وهم اليهود المذكورون فعليه يكون عدم حل ذبيحتهم بالإجماع، لارتدادهم. (قوله: ويسن أن يقطع الودجين) المناسب ذكر هذا فيما مر بعد قوله بقطع كل حلقوم وكل مرئ، لأن هذا من سنن الذبح، وذكره في المنهج بعد ذكره شرط الذبح. والودجان تثنية ودج بفتح الدال وكسرها - وهو المسمى بالوريد من الآدمي، قال تعالى: * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * وإنما سن قطعهما لأنه أسرع وأسهل لخروج الروح، فهو من الإحسان في الذبح. (قوله: وهما) أي الودجان. وقوله عرقا صفحتي عنق: أي عرقان في صفحتي العنق، محيطان بالحلقوم من الجانبين. (قوله: أن يحد شفرته) أي ويسن أن يحد شفرته، لخبر مسلم: إن الله كتب الإحسان في كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته. وقوله: وليحد

_ (1) المائدة: 5. (2) ق: 16

وكذا عند رمي الصيد - ولو سمكا - وإرسال الجارحة: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد. ـــــــــــــــــــــــــــــ بسكون اللام، وضم الياء، وكسر الحاء من أحد وبفتح الياء وضم الحاء من حد. والشفرة بفتح الشين المعجمة، وقد تضم السكين العريضة، وهي ليست بقيد، بل مثلها كل محدد. وإنما آثرها لورودها في الخبر المذكور. ويسن مواراتها عنها في حال إحدادها، فيكره أن يحدها قبالتها، فقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم -: مر برجل واضع رجله على صفحة شاة، وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليها ببصرها، فقال له: أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها؟. وروي أن سبب ابتلاء يعقوب بفرقة ولده يوسف عليهما السلام: أنه ذبح عجلا بين يدي أمه وهي تخور، فلم يرحمها. ومن غريب ما وقع مما يتعلق بذلك ما حكي عن بعضهم: أنه دخل على بعض الأمراء وقد أمر بذبح جملة من الغنم فذبح بعضها ثم اشتغل الذابح عن الذبح، ثم عاد إليه في الحال، فلم يجد المدية التي يذبح بها، فاتهم بعض الحاضرين، فأنكر أخذها، وحصل بسبب ذلك لغط، فجاء رجل كان ينظر إليهم من بعيد، وقال: السكين التي تتخاصمون عليها أخذتها هذه الشاة بفمها، ومشت بها إلى هذه البئر وألقتها. فأمر الأمير شخصا بالنزول إلى هذه البئر ليتبين هذا الأمر، فنزل فوجد الأمر كما أخبر الرجل. (قوله: ويوجه ذبيحته لقبلة) أي ويسن أن يوجه ذبيحته أي مذبحها فقط. لا يقال ينبغي كراهة التوجه المذكور، لأنه حالة إخراج النجاسة كالبول لوضوح الفرق بأن هذا حالة يتقرب إلى الله بها، ومن ثم يسن فيها ذكر الله تعالى بخلاف تلك أفاده الشوبري. وكما يسن أن يوجه ذبيحته لها، كذلك يسن له هو أن يتوجه لها. (قوله: وأن يكون الذابح الخ) أي ويسن أن يكون الذابح. والمناسب إضمار اسم يكون على نسق ما قبله لأن المقام للإضمار. قوله: رجلا عاقلا أي مسلما. وقوله: فامرأة أي عاقلة مسلمة. وقوله: فصبيا أي مسلما مميزا. ثم من بعده الكتابي، ثم المجنون والسكران، وفي معناهما الصبي غير المميز. والحاصل أولى الناس بالذبح: الرجل العاقل المسلم، ثم المرأة العاقلة المسلمة، ثم الصبي المسلم المميز، ثم الكتابي، ثم الكتابية، ثم المجنون والسكران وفي معناهما الصبي غير المميز. وحلت ذبيحة هؤلاء: لأن لهم قصدا وإرادة في الجملة، لكن مع الكراهة كما نص عليه في الأم خوفا من عدولهم عن محل الذبح. ويكره ذكاة الأعمى في المقدور عليه لذلك. (قوله: ويقول) الفعل مرفوع، بدليل قوله ندبا، ولو أسقطه لكان الفعل منصوبا معطوفا على ما قبله، وكان لفظ يسن يتسلط عليه وهو الأولى. (قوله: وكذا عند رمي الصيد) أي وكذا يقول عند رمي الصيد. وقوله: ولو سمكا أي أو جرادا. وقوله: وإرسال الجارحة أي وعند إرسال الجارحة، وهي الحيوان المعلم كالكلب وغيره. (قوله: بسم الله الرحمن الرحيم) مقول القول. والإتيان بالبسملة كاملة هو الأفضل. ولو اقتصر على بسم الله كان آتيا بالسنة. ولا يقال على الأفضل الذبح فيه تعذيب للحيوان، والرحمن الرحيم لا يناسبانه لأنا نقول إن تحليل ذلك لنا غاية في الرحمة بنا، ومشروعية ذلك في الحيوان رحمة له. ففي الذبح رحمة للآكلين، ورحمة للحيوان، لما فيه من سهولة خروج روحه. وعن بعض العلماء أن القصاب إذا سمى الله عند الذبح، قالت الذبيحة: أخ أخ. وذلك أنها استطيبت الذبح مع ذكر الله تعالى وتلذذت به. وقالت المالكية: لا يزيد الرحمن الرحيم، لأن في الذبح تعذيبا وقطعا، والرحمن الرحيم اسمان رقيقان، ولا قطع مع الرقة، ولا عذاب مع الرحمة.

ويشترط في الذبيح - غير المريض - شيآن. أحدهما: أن يكون فيه حياة مستقرة أول ذبحه ولو ظنا، بنحو ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أنه يكره تعمد ترك البسملة، فلو تركها ولو عمدا حلت ذبيحته، وذلك لأن الله تعالى أباح لنا ذبائح أهل الكتاب بقوله: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * (1) وهم لا يذكرون البسملة. وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - فيما شك أن ذابحه سمى أم لا: يأكله. فلو كانت التسمية شرطا لما حل عند الشك. وأما قوله تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * (2) فالمراد بما لم يذكر اسم الله عليه في الآية أنه ما ذكر عليه اسم غير الله، وهو الصنم مثلا، بدليل * (وإنه لفسق) * إذ الحالة التي يكون فيها فسقا هي الإهلال، أي الذبح لغيره تعالى، كما قال تعالى في آية أخرى: * (أو فسقا أهل لغير الله به) * فوصف الفسق بأنه ما أهل لغير الله به. وقال في تعدد المحرمات: * (حرمت عليكم الميتة) * إلى أن قال * (وما أهل لغير الله به) *. والحاصل أن قوله تعالى: * (مما لم يذكر اسم الله عليه) * صادق بما إذا ذكر اسم غير الله عليه، وبما إذا لم يذكر شيئا أصلا. والأول هو المراد بدليل ما ذكر. وإذا علمت ذلك فما يذبح عند لقاء السلطان، أو عند قبور الصالحين، أو غير ذلك، فإن كان قصد به ذلك السلطان، أو ذلك الصالح كسيدي أحمد البدوي حرم، وصار ميتة، لأنه مما أهل لغير الله. بل إن ذبح بقصد التعظيم والعبادة لمن ذكر كان ذلك كفرا. وإن كان قصد بذلك التقرب إلى الله تعالى، ثم التصدق بلحمه عن ذلك الصالح مثلا، فإنه لا يضر. كما يقع من الزائرين فإنهم يقصدون الذبح لله، ويتصدقون به كرامة ومحبة لذلك المزور، دون تعظيمه وعبادته. (قوله: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد) أي ويقول ندبا مع البسملة اللهم صل وسلم على محمد. لأنه محل يشرع فيه ذكر الله، فشرع فيه ذكر نبيه كالأذان، والصلاة. (تنبيه) لا يقول باسم الله، واسم محمد فلو قال ذلك حرمت ذبيحته وكفر إن قصد التشريك فإن أطلق حلت الذبيحة وأثم بذلك. وإن قصد أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد، كره، وحلت الذبيحة فالأقسام ثلاثة: الحرمة مع حل الذبيحة في صورة الإطلاق. الكفر مع حرمة الذبيحة في صورة قصد التشريك. الكراهة مع حل الذبيحة في صورة قصد التبرك باسم محمد. (قوله: ويشترط في الذبيح) أي في الحيوان الذي يؤول إلى كونه ذبيحا بعد ذبحه، فهو مجاز بالأول. والمراد يشترط في حل أكله بعد ذبحه. (قوله: غير المريض) سيذكر مفهومه بقوله: ولو انتهى لحركة مذبوح بمرض. (قوله: شيئان) نائب فاعل يشترط. (قوله: أحدهما) أي الشيئين. (قوله: أن يكون فيه) أي الذبيح. (قوله: حياة مستقرة أول ذبحه) أي عند ابتداء ذبحه خاصة، ولا يشترط بقاؤها إلى تمامه، خلافا لمن قال به. فلا يضر انتهاؤه لحركة مذبوح قبل تمام القطع، إلا إن قصر في الذبح بأن تأنى فيه حتى وصل إلى ذلك قبل تمامه، فإنه يحرم لتقصيره كما مر فإن لم توجد الحياة المستقرة أول الذبح ذبح كان ميتة إلا ما استثنى، وهو المريض الآتى وظاهر صنيعه أنه تشترط الحياة المستقرة في غير المريض مطلقا وجد سبب يحال عليه الهلاك أو لا. والذي في حواشي البجيرمي على الخطيب والشرقاوي والباجوري: أن محل اشتراط وجود الحياة المستقرة في أول الذبح، عند تقدم سبب يحال عليه الهلاك كأكل نبات مضر وإلا بأن لم يتقدم سبب أصلا أو تقدم سبب لكن لا يحال عليه الهلاك كالمرض فلا يشترط ذلك. بل إذا وصل إلى آخر رمق ثم ذبح حل. ونص عبارة البجيرمي: والحاصل أن الحيوان سواء المأكول والآدمي إذا صار في آخر رمق إن كان ذلك من سبب يحال عليه الهلاك، كان كالميت، ومعناه في المأكول أنه إذا ذبح في هذه الحالة لا يحل. وفي الآدمي: أنه يجوز

_ (1) المائدة: 5. (2) الانعام: 121. (1) الانعام

شدة حركة بعده، ولو وحدها - على المعتمد - وانفجار دم، وتدفقه إذا غلب على الظن بقاؤها فيهما - فإن شك في استقرارها لفقد العلامات حرم. ولو جرح حيوان، أو سقط عليه نحو سيف أو عضه نحو هرة - فإن بقيت فيه حياة مستقرة فذبحه، حل. وإن تيقن هلاكه بعد ساعة، وإلا لم يحل - كما لو قطع بعد رفع السكين ولو لعذر، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن تقسم التركة في تلك الحالة. وإذا وضعت المرأة في تلك الحالة فتنقضي عدتها، أو كان ذلك بلا سبب يحال عليه الهلاك كان كالحي. ومعناه في المأكول: أنه إذا ذبح في هذه الحالة: حل. وفي الآدمي: أنه لا تنقضي عدة امرأته إذا وضعت في تلك الحالة، وكذا جميع أحكام الميت. اه. ونص عبارة الباجوري: ولا تشترط الحياة المستقرة إلا فيما إذا تقدم سبب يحال عليه الهلاك، كأكل نبات مضر، وجرح السبع للشاة، وانهدام البناء على البهيمة، وجرح الهرة للحمامة، وعلامتها: انفجار الدم والحركة العنيفة، فيكفي أحدهما على المعتمد وأما إذا لم يوجد سبب يحال عليه الهلاك فلا تشترط الحياة المستقرة، بل يكفي الحياة المستمرة، وعلامتها: وجود النفس فقط. فإذا انتهى الحيوان إلى حركة مذبوح بمرض أو جوع، ثم ذبح: حل، وإن لم ينفجر الدم، ولم يتحرك الحركة العنيفة خلافا لمن يغلط فيه. اه. ومثلها: عبارة الشرقاوي. (قوله: ولو ظنا) غاية لمقدر، أي يكتفي بوجود الحياة المستقرة، ولو كان ظنا، فلا يشترط تيقنها. (قوله: بنحو شدة حركة) متعلق بمحذوف، أي ويحصل ظنها بنحو شدة حركة. ودخل في النحو صوت الحلق، وقوام الدم على طبيعته وغير ذلك من القرائن والعلامات. وقوله: بعده أي بعد الذبح، فلا تكفي شدة الحركة قبل الذبح. (قوله: ولو وحدها) غاية في الاكتفاء بشدة الحركة في حصول الظن: أي تكفي ولو لم يوجد معها غيرها من العلامات. (وقوله: على المعتمد) مقابله يقول لا تكفي وحدها. (قوله: وانفجار دم) بالجر، معطوف على نحو شدة إلخ، من عطف الخاص على العام، والواو فيه وفيما بعده بمعنى أو. والانفجار هو السيلان مطلقا بتدفق أولا. وقوله: وتدفقه هو الخروج بشدة. قال في المصباح: دفق الماء دفقا من باب قتل: انصب بشدة. اه. (قوله: إذا غلب إلخ) أنظره مع قوله أولا ولو ظنا، فإنه لا يفيد أنه لا يشترط غلبة الظن، وهذا يفيد اشتراطه، وأيضا الجمع بينهما يورث ركاكة، فكان عليه أن يقتصر على أحدهما، لكن الإقتصار على الأول أولى. وذلك لأن غلبة الظن ليست بشرط، بل متى وجد الظن بهذه العلامات كفى. وعبارة الإرشاد مع فتح الجواد تؤيد ذلك، ونصها: ولا يشترط تيقن الحياة المستقرة، بل يكتفي بها ولو ظنا ويحصل ظنها بنحو شدة حركة ولو وحدها على المعتمد، وانفجار دم، وتدفقه ولو وحده أيضا وصوت الحلق، وقوام الدم على طبيعته، وغير ذلك من القرائن والعلامات التي لا تضبطها عبارة كما قال الرافعي ولا يكتفي بذلك قبل القطع المذكور، بل بعده فإن شك في استقرارها لفقد العلامات، أو لكون الموجود منها لا يحصل بشدة الحركة، حرم، للشك في المبيح. اه. (قوله: بقاؤها) أي الحياة المستقرة. وقوله: فيهما أي: في الانفجار والتدفق. وانظر أيضا ما وجه تخصيص غلبة الظن بهما فقط دون شدة الحركة؟. (قوله: فإن شك في استقرارها) أي الحياة. (وقوله: لفقد العلامات) علة الشك. وقوله: حرم أي ذلك الذبيح أي أكله للشك في المبيح، وتغليبا للتحريم. (قوله: ولو جرح الخ) المقام للتفريع، فالأولى التعبير بالفاء، وعبارة فتح الجواد عقب العبارة المارة فعلم أنه لو جرح حيوان الخ. اه. وهي أولى. وقوله: أو سقط عليه أي الحيوان. وقوله: نحو سيف أي من كل مهلك كسكين، وسقف. (قوله: أو عضه) أي الحيوان، عضا يحال عليه الهلاك عادة. وقوله: نحو هرة أي كسبع. (قوله: فإن بقيت الخ) جواب لو. (وقوله: فيه) أي في الحيوان. وقوله: فذبحه أي والحال أن فيه حياة مستقرة. وقوله: حل أي ذلك الحيوان، أي أكله، لأنه مذكاة. وقوله: وإن تيقن هلاكه أي من ذلك الجرح، أو السقوط، أو العض. وهو غاية لحله بعد ذبحه. وقوله: بعد

ما بقي بعد انتهائها إلى حركة مذبوح. قال شيخنا في شرح المنهاج: وفي كلام بعضهم أنه لو رفع يده لنحو اضطرابه فأعادها فورا وأتم الذبح، حل، وقول بعضهم: لو رفع يده ثم أعادها لم يحل، مفرع على عدم الحياة المستقرة، عند إعادتها، أو محمول على ما إذا لم يعدها على الفور. ويؤيده إفتاء غير واحد فيما لو انفلتت شفرته فردها حالا، أنه يحل. انتهى. ولو انتهى لحركة مذبوح بمرض، وإن كان سببه أكل نبات مضر، كفى ذبحه في ـــــــــــــــــــــــــــــ ساعة أي لحظة كما في ع ش - ونصه: قوله: بعد يوم أو يومين ليس بقيد، بل المدار على مشاهدة حركة اختيارية تدرك بالمشاهدة، أو انفجار الدم بعد ذبحها، أو وجود الحركة الشديدة. وكان الأولى أن يقول: وإن تيقن موتها بعد لحظة. اه. (قوله: وإلا) أي وإن لم تبق فيه حياة مستقرة بعد جرحه، أو سقوط نحو السيف عليه، أو العض، أو بقيت فيه ولم يذبحه ومات. وقوله: لم يحل أي لوجود ما يحال عليه الهلاك مما ذكر. وروى الشيخان أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ثعلبة الخشني: وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم، فإن أدركت ذكاته فكل. اه. شرح الروض. (قوله: كما لو قطع الخ) أي فإنه لا يحل. وقوله: بعد دفع السكين أي من المذبح. وقوله: ولو لعذر أي ولو كان رفع السكين لعذر، أي كأن كان لأجل سنها أو لأجل أخذ سكين غيرها، أو لاضطراب يده. فالعذر صادق بذلك كله وبغيره. وقوله: ما بقي مفعول قطع، أي قطع ما بقي من الحلقوم والمرئ اللذين يجب قطعهما. وقوله: بعد انتهائها أي الشاة. والظرف متعلق بقطع. (قوله: قال شيخنا الخ) قصده بنقل عبارة شيخه بيان أن الغاية السابقة أعني قوله ولو لعذر خالف فيها بعضهم، وقال أنه إذا كان رفع يده لعذر، وأعادها فورا: حل. ونص عبارة شيخه: وفي كلام غير واحد أن من ذبح بكال فقطع بعض الواجب ثم أدركه فورا آخر فأتمه بسكين أخرى قبل رفع الأول يده حل سواء أوجدت الحياة المستقرة عند شروع الثاني، أم لا. وفي كلام بعضهم أنه لو رفع يده لنحو اضطرابها فأعادها فورا وأتم الذبح حل أيضا. ولا ينافي ذلك قولهم: لو قطع البعض من تحرم ذكاته كوثني، أو سبع فبقيت الحياة المستقرة فقطع الباقي كله من تحل ذكاته: حل لأن هذا إما مفرع على مقابل كلام الإمام أي من أنه لا بد من بقاء الحياة المستقرة إلى تمام الذبح وإما لكون السابق محرما. وكذا قول بعضهم: لو رفع يده ثم أعادها: لم تحل. فهو إما مفرع على ذلك، أو يحمل على ما إذا أعادها لا على الفور. ويؤيده إفتاء غير واحد فيما لو انقلبت شفرته فردها حالا أنه يحل وأيده بعضهم بأن النحر عرفا الطعن في الرقبة، فيقع في وسط الحلقوم، وحينئذ يقطع الناحر جانبا، ثم يرجع للآخر فيقطعه. اه. ببعض تصرف. (قوله: وفي كلام بعضهم) خبر مقدم، وما بعده مبتدأ مؤخر. (قوله: أنه) أي الذابح. (قوله: لنحو اضطرابه) الذي في عبارة التحفة المارة لنحو اضطرابها بتأنيث الضمير العائد على اليد فلعل في عبارتنا تحريفا من النساخ. (قوله: فأعادها فورا) قال سم: ظاهره وإن لم يبق حياة مستقرة. اه. (قوله: حل) جواب لو. (قوله: وقول بعضهم) مبتدأ، خبره مفرع الخ. وقوله: لو رفع الخ مقول القول. (قوله: مفرع) أي مرتب. وقوله: على عدم الحياة المستقرة عند إعادتها ليس هذا في عبارة التحفة المارة، وإنما الذي فيها على مقابل كلام الإمام. أي وهو اشتراط وجود الحياة المستقرة عند انتهاء الذبح، كما يشترط عند ابتدائه. نعم، ما ذكره المؤلف يفهم من المقابل المذكور إذ اشتراط وجود الحياة المستقرة عند انتهائه يفهم أنه لو لم توجد عند ذلك لا يحل. (قوله: أو محمول الخ) معطوف على مفرع. (قوله: ويؤيده) أي ما ذكر من أنه لو رفع يده فأعادها فورا وأتم الذبح: حل. ومن أن قول بعضهم فيما إذا رفع يده ثم أعادها أنه لا يحل. محمول على عدم إعادتها على الفور. (قوله: فيما لو انفلتت) الذي في عبارة التحفة المارة: انقلبت بقاف بعد النون، وبباء بعد اللام. (وقوله: أنه يحل) أن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب بإسقاط الخافض، أي إفتاء غير واحد بالحل. (قوله: انتهى) أي قول شيخه في شرح المنهاج، لكن بتصرف وحذف كما يعلم من عبارته المارة. (وقوله: ولو انتهى لحركة مذبوح بمرض) مقابل قوله غير المريض. وكان المناسب أن يقول كعادته: وخرج بقولي غير المريض: المريض، فلا يشترط فيه وجود حياة مستقرة أول ذبحه، فإذا انتهى إلى حركة مذبوح وذبحه ولو أخرها عن قوله كفى ذبحه، لكان أولى. أي أن المريض إذا انتهى لحركة مذبوح كفى ذبحه، وإن كان سبب المرض أكل نبات مضر. (قوله: كفى ذبحه) جواب لو.

آخر رمقه، إذ لم يوجد ما يحال عليه الهلاك من جرح أو نحوه. فإن وجد، كأن أكل نباتا يؤدي إلى الهلاك، اشترط فيه وجود الحياة المستقرة فيه عند ابتداء الذبح، ولو بالظن، بالعلامة المذكورة بعده. (فائدة) من ذبح تقريا لله تعالى لدفع شر الجن عنه لم يحرم، أو بقصدهم حرم. وثانيهما: كونه مأكولا - وهو من الحيوان البري: الانعام، والخيل، وبقر وحش، وحماره، وظبي، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: في آخر رمقه) قال في المصباح: الرمق بفتحتين بقية الروح، وقد يطلق على القوة. اه. وكلا المعنيين صحيح هنا، إلا أنه يحتاج إلى تقدير مضاف على الأول. أي في آخر خروج بقية روحه. (قوله: إذ لم يوجد ما يحال عليه الهلاك) أي سبب يحال عليه الهلاك ويجعله قتيلا، وهو علة لقوله كفى ذبحه الخ. وقوله: من جرح بيان لما. وقوله: أو نحوه أي مما مر من سقوط نحو سيف عليه، أو عض نحو هرة إياه. (قوله: فإن وجد) أي ما يحال عليه الهلاك. (قوله: كأن أكل إلخ) أي وكأن جرح أو سقط عليه نحو سيف، أو عضه نحو هرة. (وقوله: نباتا يؤدي إلى الهلاك) علم من هذا ومما مر من النبات المؤدي إلى المرض أنه فرق بين النباتين، فالذي يؤدي إلى المرض لا يؤثر، والذي يؤدي إلى الهلاك يؤثر. (قوله: اشترط فيه) أي في الاكتفاء بذبحه. قوله: وجود الخ نائب فاعل اشترط. وقوله: فيه أي الحيوان المريض. وقوله: عند ابتداء الذبح أي فقط كما مر وهو متعلق بوجود. قوله: ولو بالظن أي ولو كان وجود الحياة بالظن لا باليقين فإنه يكفي. وقوله: بالعلامة أي بالظن الحاصل بالعلامة. وقوله: المذكورة أي فيما مر من نحو شدة حركة، وانفجار دم وتدفقه. وقوله: بعده متعلق بمحذوف صفة للعلامة، أي العلامة الكائنة بعد الذبح، ولا يصح تعلقه بالمذكورة كما هو ظاهر -. (قوله: فائدة: من ذبح) أي شيئا من الإبل، أو البقر، أو الغنم. وقوله: تقربا لله تعالى أي بقصد التقرب والعبادة لله تعالى وحده. وقوله: لدفع شر الجن عنه علة الذبح، أي الذبح تقربا لأجل أن الله سبحانه وتعالى يكفي الذابح شر الجن عنه. وقوله: لم يحرم أي ذبحه، وصارت ذبيحته مذكاة، لأن ذبحه لله لا لغيره، (قوله: أو بقصدهم: حرم) أي أو ذبح بقصد الجن لا تقربا إلى الله، حرم ذبحه، وصارت ذبيحته ميتة. بل إن قصد التقرب والعبادة للجن كفر كما مر فيما يذبح عند لقاء السلطان أو زيارة نحو ولي. (قوله: وثانيهما) أي وثاني شرطي الذبيح: كونه مأكولا. واعلم أن الفقهاء أفردوا بيان المأكول من الحيوانات البرية والبحرية، وغير المأكول، بباب سموه باب الأطعمة، وذكروه قبل الصيد والذبائح، وبعضهم ذكره بعده، وإن من أهم الأشياء معرفة ما يحل أكله وما لا يحل. وذلك لأن في تناول الحرام الوعيد الشديد، فقد ورد في الخبر: أي لحم نبت من حرام فالنار أولى به. وإذا علمت ذلك، فكل طاهر يحل أكله إلا عشرة أشياء: الآدمي، والمضر كالسم والحجر، والتراب، والمستقذر كالمني وذا المخلب، وذا الناب القوي الذي يعدو به، وما نص عليه في آية * (حرمت عليكم الميتة) * (1)، وما استخبثته العر ب كالحشرات، وما نهى عن قتله كخطاف، ونحل، وضفدع (1)، وما أمر بقتله كحية وعقرب وما يركب من الدواب إلا الإبل والخيل. (قوله: وهو إلخ) بيان للمأكول من حيث هو بالعد. وقوله: من الحيوان البري الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من المبتدأ الذي هو الضمير على رأي سيبويه. (قوله: الأنعام) أي الإبل والبقر والغنم. وحل أكلها لأن الله تعالى نص عليه في قوله: * (أحلت لكم بهيمة الأنعام) * (1)، ولاستطابة العرب لها. وكالأنعام النعام، فيحل أكله بالإجماع. (قوله: والخيل) أي لانه - صلى الله عليه وسلم -: نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل رواه الشيخان، ورويا

_ (1) المائدة: 3. (1) (قوله: وضفدع) عن ابن عمرو بن العاصي: لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقهن تسبيح. وفي المناوي قوله نقيقهن: أي ترجيح صوتهن. اه. (1) المائدة 1

وضبع، وضب، وأرنب، وثعلب، وسنجاب، وكل لقاط للحب. لا أسد، وقرد، وصقر، وطاوس، وحدأة، ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا عن اسماء قالت: نحرنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسا فأكلناه ونحن بالمدينة. وأما خبر النهي عن لحوم الخيل فهو منكر كما قاله الإمام أحمد وغيره أو منسوخ كما قاله أبو داود. والخيل: اسم جمع لا واحد له من لفظه وأصل خلقها من الريح. وسميت خيلا لاختيالها في مشيها. وروى ابن ماجه عن عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الإبل عز لأهلها، والغنم بركة، والخيل معقود في نواصيها الخير، ومعنى عقد الخير بنواصيها: أنه لازم لها كأنه معقود فيها. والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة، وكنى بالناصية عن جميع ذات الفرس. كما يقال: فلان مبارك الناصية. وفي حديث لا تحضر الملائكة من اللهو شيئا إلا ثلاثة: لهو رجل مع امرأته، وإجراء الخيل، والنصال كذا في البجيرمي. (قوله: وبقر وحش وحماره) أي لانه - صلى الله عليه وسلم - قال في الثاني: كلوا من لحمه. وأكل منه رواه الشيخان. وقيس به الأول. ولا فرق في حمار الوحش بين أن يستأنس أو يبقى على توحشه. قال في شرح الروض: وفارقت الحمر الوحشية الحمر الأهلية بأنها لا ينتفع بها في الركوب والحمل، فانصرف الانتفاع بها إلى أكلها خاصة. اه. (قوله: وظبي) أي للإجماع على حل أكله. (قوله: وضبع) هو بضم الباء أفصح من إسكانها. وحل أكله لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: يحل أكله، رواه الترمذي. ولا يقال: كيف يحل أكله مع كونه ذا ناب؟ لأنا نقول إن نابه ضعيف فكأنه لا ناب له. ومن عجيب أمره أنه يحيض، ويكون سنة ذكرا، وسنة أنثى. ويقال للذكر: ضبعان على وزن عمران وللأنثى ضبع. وهو من أحمق الحيوان، لأنه يتناوم حتى يصاد. (قوله: وضب) أي لأنه أكل على مائدته - صلى الله عليه وسلم - ولم يأكل هو منه، فقيل له: أحرام هو؟ قال: لا. ولكنه ليس بأرض قومي، فأجد نفسي تعافه. وهو حيوان للذكر منه ذكران، وللأنثى فرجان. وهو يعيش سبعمائة سنة فصاعدا، وأنه يبول في كل أربعين يوما قطرة، ولا يشرب الماء بل يكتفي بالنسيم، أو برد الهواء. ولا يسقط له سن، ويقال إن أسنانه قطعة واحدة، وإن أكل لحمه يذهب العطش. ومن الأمثال لا أفعل كذا حتى يرد الضب الماء يقوله: من أراد أن لا يفعل الشئ لأن الضب لا يشرب الماء كما علمت. (قوله: وأرنب) أي لأنه: بعث بوركها إليه - صلى الله عليه وسلم - فقبله. رواه الشيخان، زاد البخاري: وأكل منه، وهو حيوان يشبه العناق، قصير، عكس الزرافة، يطأ الأرض على مؤخر قدميه. اه. شرح المنهج. (قوله: وثعلب) أي لأنه مما استطابته العرب، ولا يتقوى بنابه، وكنيته أبو الحصين، والأنثى ثعلبة، وكنيتها أم هويل. وفي البجيرمي: وقال الدميري: نص الشافعي على حل أكله، وكرهه أبو حنيفة ومالك، وحرمه جماعة منهم أحمد بن حنبل في أكثر رواياته. ومن حيلته في طلب الرزق أنه يتماوت، وينفخ بطنه، ويرفع قوائمه، حتى يظن أنه قد مات، فإذا قرب عليه الحيوان وثب عليه وصاده. وحيلته هذه لا تتم على كلب الصيد. قيل الثعلب: ما لك تعدو أكثر من الكلب؟ فقال: إني أعدو لنفسي، والكلب يعدو لغيره. ومن العجيب في قسمة الأرزاق أن الذئب يصيد الثعلب فيأكله، ويصيد الثعلب القنفذ فيأكله، ويصيد القنفذ الأفعى فيأكلها، والأفعى تصيد العصفور فتأكله، والعصفور يصيد الجراد فيأكلها، والجراد يلتمس فرخ الزنانير فيأكله، والزنبور يصيد النحلة فيأكلها، والنحلة تصيد الذبابة فتأكلها، والذبابة تصيد البعوضة فتأكلها ومما يروى من حيل الثعلب، ما ذكره الشافعي رضي الله عنه، قال: كنا بسفر في أرض اليمن، فوضعنا سفرتنا لنتعشى، فحضرت صلاة المغرب، فقمنا لنصلي ثم نتعشى، وتركنا السفرة كما هي وقمنا إلى الصلاة، وكان فيها دجاجتان، فجاء الثعلب فأخذ إحدى الدجاجتين، فلما قضينا الصلاة أسفنا عليها، وقلنا حرمنا طعامنا، فبينما نحن

وبوم، ودرة، وكذا غراب أسود ورمادي اللون، خلافا لبعضهم. ويكره جلالة - ولو من غير نعم - كدجاج إن ـــــــــــــــــــــــــــــ كذلك إذ جاء الثعلب وفي فمه شئ كأنه الدجاجة، فوضعها، فبادرنا إليه لنأخذها ونحن نحسبه الدجاجة فلما قمنا: جاء إلى الأخرى وأخذها من السفرة، وأصبنا الذي قمنا إليه لنأخذها، فإذا هو ليف قد هيأه مثل الدجاجة. اه. (قوله: وسنجاب) أي لأن العرب تستطيبه. قال البجيرمي: وهو حيوان على حد اليربوع، يتخذ من جلده الفراء. اه. ومثله السمور بفتح السين، وتشديد الميم وهما نوعان من ثعالب الترك. (قوله: وكل لقاط للحب) أي كالحمام. ودخل فيه سائر أنواع الطيور ما عدا ذا المخلب: أي الظفر كالصقر، والباز، والشاهين للنهي عنها في خبر مسلم. (قوله: لا أسد) معطوف على الأنعام، أي وليس من المأكول الأسد، ومثله كل ذي ناب قوي يعدو به على الحيوان، كنمر، وذئب، ودب، وفيل، وكلب، وخنزير، وفهد، وابن آوى، وهرة ولو وحشية. (قوله: وقرد) أي لأنه ذو ناب، وهو حيوان ذكي، سريع الفهم، يشبه الإنسان في غالب حالاته، فإنه يضحك، ويضرب، ويتناول الشئ بيده، ويأنس بالناس. وفي البجيرمي: قال الدميري: يحرم أكله، ويجوز بيعه. اه. (قوله: وصقر الخ) أي ولا صقر إلخ. أي ونحوها من كل ذي مخلب من الطير. والصقر اسم جنس لكل ما يصيد، فهو شامل للبازات، والشواهين، وغيرهما. قال الشرقاوي: وكالصقر في الحرمة: الرخ وهو أعظم الطيور جثة، لأن طول جناحه عشرة آلاف باع، المساوية لأربعين ألف ذراع وكذا النسر، والعقاب بضم أوله وجميع جوارح الطير. اه. بحذف. (قوله: وطاوس) هو طائر في طبعه العفة، وحب الزهو بنفسه، والخيلاء والإعجاب بريشه. (قوله: وحدأة) هي بوزن عنبه، وجمعها حدى. ذكر عن ارسطا طاليس أن الغراب يصير حدأة، وهي تصير عقابا، كذا يتبدلان كل سنة. ومن طبع الحدأة أن تقف في الطيران، وليس ذلك لغيرها. ويقال إنها أحسن الطير مجاورة لما جاورها من الطير، فلو ماتت جوعا لم تعد على فراخ جارها. والسبب في صياحها عند سفادها أن زوجها قد جحد ولدها منه، فقالت: يا نبي الله، قد سفدني، حتى إذا حضنت بيضي، وخرج منه ولدي، جحدني، فقال سليمان عليه السلام للذكر: ما تقول؟ فقال: يا نبي الله، إنها تحوم حول البراري، ولا تمتنع من الطيور، فلا أدري، أهو مني، أو من غيري؟ فأمر سليمان عليه السلام بإحضار الولد، فوجده يشبه والده، فألحقه به، ثم قال سليمان: لا تمكنيه أبدا حتى تشهدين على ذلك الطير، لئلا يجحد بعدها. فصارت إذا سفدها صاحت وقالت: يا طيور، اشهدوا، فإنه سفدني. اه. بجيرمي. ومثل الحدأة: الرخمة، وهو طائر أبيض، ومن طبعه أنه لا يرضى من الجبال إلا الموحش منها، ولا من الأماكن إلا أبعدها من أماكن أعدائه. والأنثى لا تمكن من نفسها غير ذكرها، وتبيض بيضة واحدة. (قوله: وبوم) هو بلا تاء للذكر، والأنثى يقال لها بومة بالتاء وهي المصاصة، ومن طبعها أن تدخل على كل طائر في وكره، وتخرجه منه، وتأكل فراخه وبيضه، وهي قوية السطوة في الليل، لا يحتملها شئ من الطير، ولا تنام في الليل. وعن سيدنا سليمان صلوات الله وسلامه عليه: ليس من الطيور أنصح لبني آدم، وأشفق عليهم من البومة تقول إذا وقفت عند خربة: أين الذين كانوا يتنعمون في الدنيا ويسعون فيها؟ ويل لبني آدم كيف ينامون وأمامهم الشدائد؟ تزودوا يا غافلين، وتهيأوا لسفركم. ح ل. اه. بجيرمي. (قوله: ودرة) هي في قدر الحمامة، فيتخذها الناس للانتفاع بصوتها كما يتخذون الطاووس للانتفاع بصوته ولونه ولها قوة على حكاية الأصوات، وقبول التلقين. قال ح ل: وقد وقع لي أني دخلت منزلا لبعض أصحابنا وفيه درة لم أرها، فإذا هي تقول: مرحبا بالشيخ البكري وتكرر ذلك فعجبت من فصاحة عبارتها.

وجد فيها ريح النجاسة. ويحل أكل بيض غير المأكول، خلافا لجمع. ويحرم من الحيوان البحري: ضفدع، وتمساح، وسلحفاة، وسرطان. لا قرش، ودنليس على الاصح فيهما. قال في المجموع: الصحيح المعتمد أن ـــــــــــــــــــــــــــــ (وحكى) الكمال الأقوى في الطالع السعيد عن الفاضل الأديب محمد القوصى عن الشيخ علي الحريري: أنه رأى درة تقرأ سورة يس. وعن بعضهم، قال: شاهدت غرابا يقرأ سورة السجدة، وإذا وصل إلى محل السجود سجد، وقال: سجد لك سوادي، وآمن بك فؤادي. اه. (قوله: وكذا غراب إلخ) فصله عما قبله بكذا، لأن فيه خلافا، لكن الشارح أطلق في الأسود، مع أن غراب الزرع يحل أكله على الأصح - وهو أسود صغير، يقال له الزاغ. وحاصل ما يقال في الغربان أنها أنواع: فمنها ما هو حرام بالاتفاق، لوروده في الخبر، وهو الأبقع الذي فيه سواد وبياض. ومنها ما هو حرام على الأصح، وهو الغداف الكبير، وهو أسود، ويسمى الجبلي لأنه لا يسكن إلا الجبال. وكذا العقعق: وهو ذو لونين أبيض وأسود، طويل الذنب، قصير الجناح، صوته العقعقة. ومنها ما هو حلال على الأصح، وهو غراب الزرع، وهو أسود صغير، يقال له الزاغ. والغداف الصغير وهو أسود أو رمادي اللون. وممن اعتمد حل هذا: البغوي، والجرجاني، والروياني، والأسنوي، والبلقني، والشهاب الرملي، وولده. والذي اعتمده في أصل الروضة: تحريم هذا، وجرى عليه إبن المقري وظاهر التحفة اعتماده، ولعل هذا الأخير هو مراد شارحنا، ويكون هو ممن اعتمد الحرمة تبعا لظاهر كلام شيخه. (قوله: ورمادي اللون) الواو بمعنى أو. (قوله: خلافا لبعضهم) أي حيث قال: بحل أكله. (قوله: ويكره جلالة) أي ويكره أكل لحم الجلالة وبيضها، وكذا شرب لبنها، لخبر: أنه - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن أكل الجلالة وشرب لبنها حتى تعلف أربعين ليلة رواه الترمذي. وزاد أبو داود: وركوبها. والجلالة هي التي تأكل الجلة وهي بفتح الجيم وكسرها وضمها البعرة كذا في القاموس لكن المراد بها هنا النجاسة مطلقا. (قوله: ولو من غير نعم) أي ولو كانت الجلالة من غير النعم. وقوله: كدجاج بفتح أوله أفصح من ضمه وكسره، وهو تمثيل للغير. وقوله: إن وجد فيها ريح النجاسة تقييد للكراهة، أي محل الكراهة إن ظهر في لحمها ريح النجاسة. ومثله ما إذا تغير طعمه أو لونه. وعبارة التحفة مع الأصل: وإذا ظهر تغير لحم جلالة أي طعمه، أو لونه أو ريحه كما ذكره الجويني، واعتمده جمع متأخرون ومن اقتصر على الأخير أراد الغالب. اه. فإن لم يظهر ما ذكر فلا كراهة، وإن كانت لا تأكل إلا النجاسة. والسخلة المرباة بلبن كلبة أو نحوها كالجلالة فيما ذكر. ولا يكره بيض سلق بماء نجس، كما لا يكره الماء إذا سخن بالنجاسة، ولا حب زرع نبت في زبل أو غيره من النجاسات. (قوله: ويحل أكل بيض غير المأكول) هذا قد ذكره الشارح في مبحث النجاسة، وأعاده هنا لكون الكلام في بيان حكم الأطعمة. (قوله: خلافا لجمع) أي حيث قالوا بحرمة أكله. وعبارة الروض: وفي حل أكل بيض ما لا يؤكل تردد قال في شرحه: أي خلاف مبني على طهارته. قال في المجموع: وإذا قلنا بطهارته. حل أكله، بلا خلاف، لأنه طاهر غير مستقذر بخلاف المني. قال البلقيني: وهو مخالف لنص الأم والنهاية والتتمة والبحر على منع أكله، وإن قلنا بطهارته، وليس في كتب المذهب ما يخالفه. اه. (قوله: ويحرم من الحيوان البحري الخ) مقابل قوله من الحيوان البري، لكن كان الأنسب في المقابلة أن يقول: ومن الحيوان البحري كل ما فيه، ما عدا كذا وكذا. والمراد من الحيوان البحري في كلامه كل ما يوجد في البحر سواء كان لا يعيش إلا فيه، أو كان يعيش فيه وفي البر كالضفدع، وما ذكر بعده. (قوله: ضفدع) بكسر أوله مع كسر ثالثه أو فتحه، وهو حيوان لا عظم له، يعيش في البر وفي البحر. ومن خواصه أنه كفئ طشت في بركة هو فيها منع من نقيقه فيها. (قوله: وتمساح) هو حيوان يعيش

_ (1) (قوله: من نقيقه) بقافين. قال في المختار: نق الضفدع والعقرب والدجاجة، ينق - بالكسر - نقيا: أي صوت. اه

جميع ما في البحر يحل ميتته إلا الضفدع، ويؤيده نقل ابن الصباغ عن الاصحاب حل جميع ما فيه، إلا الضفدع. ـــــــــــــــــــــــــــــ في البر والبحر. قال الدميري: هو على صورة الضب، وهو من أعجب حيوان الماء، له فم واسع، وستون نابا في فكه الأعلى، وأربعون في فكه الأسفل، وبين كل نابين سن صغير مربع، ويدخل بعضها في بعض عند الانطباق، ولسانه طويل، وظهره كظهر السلحفاة، لا يعمل الحديد فيه، وله أربعة أرجل، وذنب طويل، ولا يكون إلا في نيل مصر خاصة. ومن عجائب أمره أنه ليس له مخرج، فإذا امتلأ جوفه خرج إلى البر، وفتح فاه، فيجئ طائر يقال له القطقاط، فيلقط ذلك من فيه، وهو طائر صغير، يجئ يطلب الطعم، فيكون في ذلك غذاء له، وراحة للتمساح. وهذا الطائر في رؤوس أجنحته شوك، فإذا أغلق التمساح فمه عليه نخسه بها فيفتحه. اه. (قوله: وسلحفاة) بضم السين، وفتح اللام واحدة السلاحف، وهو حيوان يبيض في البر، فما نزل منه في البحر كان لجأة، وما استمر منه في البر كان سلحفاة. ويعظم الصنفان جدا، إلى أن يصير كل واحد حمل جمل. وفي العجائب: إن السلحفاة حيوان بري وبحري، أما البحري: فقد يكون عظيما جدا، حتى يظن أصحاب المراكب أنها جزيرة. حكى بعض التجار، قال: ركبنا البحر، فوجدنا في وسط البحر جزيرة مرتفعة عن الماء فيها نبات أخضر، فخرجنا إليها، وحفرنا حفرا للطبخ، فبينما نحن مشتغلون بالطبخ إذ تحركت الجزيرة، فقال الملاحون: هلموا إلى مكانكم، فإنها سلحفاة أصابها حرارة النار، بادروا قبل أن تنزل بكم البحر فكانت من عظم جسمها تشابه جزيرة، واجتمع على ظهرها التراب بطول الزمان، حتى صار كالأرض، ونبت عليها الحشيش. اه. رشيدي. وفي حاشية شرح المعفوات. (قوله: وسرطان) قال الدميري: هو من خلق الماء، ويعيش في البر أيضا وهو جيد المشي، سريع العدو، ذو فكين، ومخلب، وأظفار حداد، وله ثمانية أرجل. اه. قال ع ش: وليس من السرطان المذكور: ما وقع السؤال عنه، وهو أن ببلاد الصين نوعا من حيوان البحر يسمونه سرطانا، وشأنه أنه متى خرج من البحر انقلب حجرا، وجرت عادتهم باستعماله في الأدوية، بل هو ما يسمى سمكا لانطباق تعريف السمك عليه فهو طاهر، يحل الانتفاع به في الأدوية وغيرها. اه. (قوله: لا قرش) أي لا يحرم قرش وهو بكسر القاف، وسكون الراء ويقال له اللخم: بفتح اللام، والخاء المعجمة. اه. شرح الروض. (قوله: ودنيلس) أي ولا يحرم دنيلس، وهو مضبوط بالقلم في نسخ فتح الجواد الصحيحة بفتح الدال والنون المخففة، وسكون الياء، وفتح اللام. قال في شرح الروض: ولم يتعرضوا للدنيلس. وعن ابن عدلان وعلماء عصره أنهم أفتوا بحله، لأنه من طعام البحر ولا يعيش إلا فيه. وعن ابن عبد السلام أنه أفتى بتحريمه. قال الزركشي: وهو الظاهر، لأنه أصل السرطان. لكن قال الدميري: لم يأت على تحريمه دليل، وما نقل عن ابن عبد السلام لم يصح، فقد نص الشافعي على أن حيوان البحر الذي لا يعيش إلا فيه يؤكل، لعموم الآية والأخبار. اه. (قوله: على الأصح فيهما) أي أن عدم حرمة القرش والدنيلس: مبني على القول الأصح فيهما، ومقابله يقول بالحرمة. (قوله: قال في المجموع إلخ) عبارة فتح الجواد: ونازع في ذلك في المجموع، فقال: الصحيح المعتمد، أن جميع ما في البحر يحل ميتته، إلا الضفدع. وحمل ما ذكروه من السلحفاة والحية أي التي لا اسم لها لحرمة ذات السم مطلقا، والنسناس على غير ما في البحر. اه. (قوله: أن جميع ما في البحر يحل ميتته) أي لقوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر وطعامه) (1) * ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: أحلت لنا ميتتان: السمك، والجراد. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته. (قوله: إلا الضفدع) قال في التحفة: أي وما فيه سم. (قوله: ويؤيده) أي ما اعتمده في المجموع. (قوله: حل جميع ما

_ (1) المائدة: 96

ويحل أكل ميتة الجراد والسمك - إلا ما تغير في جوف غيره، ولو في صورة كلب أو خنزير. ويسن ذبح ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه) أي في البحر. (قوله: ويحل أكل ميتة الجراد) أي للحديث المار. والجراد مشتق من الجرد، وهو بري وبحري، وبعضه أصفر، وبعضه أبيض، وبعضه أحمر، وله ديدان في صدره، وقائمتان في وسطه، ورجلان في مؤخره. وليس في الحيوانات أكثر إفسادا منه. قال الأصمعي: أتيت البادية، فرأيت رجلا يزرع برا، فلما قام على سوقه، وجاد بسنبله، جاء إليه الجراد، فجعل الرجل ينظر إليه، ولا يعرف كيف يصنع؟ ثم أنشأ يقول: مر الجراد على زرعي فقلت له: * * لا تأكلن، ولا تشغل بإفساد فقام منهم خطيب فوق سنبلة: * * إنا على سفر، لا بد من زاد ولعابه سم على الأشجار، لا يقع على شئ إلا أفسده. في البجيرمي: أسند الطبراني عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: كنا على مائدة نأكل أنا وأخي محمد بن الحنفية وبنو عمي عبد الله والقاسم والفضل أولاد العباس، فوقعت جرادة على المائدة، فأخذها عبد الله وقال لي: ما مكتوب على هذه؟ فقلت: سألت أبي أمير المؤمنين عن ذلك، فقال: سألت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: مكتوب عليها: أنا الله لا إله إلا أنا، رب الجراد ورازقها، إن شئت بعثتها رزقا لقوم، وإن شئت بعثتها بلاء على قوم. فقال ابن عباس: هذا من العلم المكنون. وقال - صلى الله عليه وسلم -: إن الله عزوجل خلق ألف أمة: ستمائة منها في البحر، وأربعمائة منها في البر، وإن أول هلاك هذه الأمة: الجراد. فإذا هلك الجراد تتابع هلاك الأمم. وحكى القزويني أن هددا قال لسليمان عليه السلام: أريد أن تكون ضيفي أنت وعسكرك يوم كذا بجزيرة كذا، فحضر سليمان بجنوده، فأتى الهدهد بجرادة ميتة، فألقاها في البحر، وقال كلوا، فمن فاته اللحم أدرك المرق، فضحك منه سليمان وجنوده، وفي هذا قيل: جاءت سليمان يوم العرض هدهدة * * أهدت إليه جرادا كان في فيها وأنشدت - بلسان الحال - قائلة: * * إن الهدايا على مقدار مهديها لو كان يهدى إلى الإنسان قيمته: * * لكان يهدى لك الدنيا بما فيها (قوله: والسمك) أي ويحل أكل ميتة السمك، وهذا قد علم من قوله السابق: أن جمع ما في البحر يحل ميتته، لكن أعاده لأجل الاستثناء بعده. (قوله: ما تغير) أي من الجراد والسمك، أي وتقطع كما صرح به في التحفة وعبارتها: ولو تغيرت سمكة، وتقطعت بجوف أخرى حرمت. ونوزع في اعتبار التقطع. ويجاب بأن العلة أنها صارت كالروث، ولا تكون مثله إلا إن تقطعت. أما مجرد التغير فهو بمنزلة نتن اللحم، أو الطعام، وهو لا يحرمه. اه. وقوله: في جوف غيره أفرد الضمير باعتبار لفظ ما، وإلا فحقه غيرهما بضمير التثنية العائد على السمك والجراد والمراد بالغير الحيوان، وهو صادق بالسمك نفسه، فلو بلعت سمكة سمكة وتغيرت في جوفها وتقطعت حرمت كما مر عن التحفة، ومثلها النهاية ونصها: ولو وجدنا سمكة في جوف أخرى ولم تتقطع وتتغير حلت، وإلا فلا. اه. (قوله: ولو في صورة كلب) غاية في حل السمك، أي يحل، وإن لم يكن على صورة السمك المشهور بأن كان على صورة كلب، أو خنزير وهي للرد على القائل: بأنه لا يحل إلا ما كان على صورة السمك المشهور لتخصيص الحل به

كبيرهما الذي يطول بقاؤه. ويكره ذبح صغيرهما، وأكل مشوي سمك قبل تطييب جوفه، وما أنتن منه - كاللحم - وقلي حي في دهن مغلي. وحل أكل دود نحو الفاكهة - حيا كان أو ميتا - بشرط أن لا ينفرد عنه، وإلا لم يحل أكله، ولو معه - كنمل السمن - لعدم تولده منه - على ما قاله الرداد - خلافا لبعض أصحابنا. ـــــــــــــــــــــــــــــ في خبر: أحل لنا ميتتان: السمك، والجراد. ويرده أن كل ما في البحر يسمى سمكا. (قوله: يسن ذبح كبيرهما) أي الجراد والسمك، وفيه أن الجراد لا يصير كبيرا حتى أنه يسن ذبحه. وعبارة الخطيب: ويكره ذبحهما، إلا سمكة كبيرة يطول بقاؤها فيسن ذبحها. اه. ومثلها عبارة شرح المنهج، وهي أولى. وقوله: فيسن ذبحها. قال البجيرمي: أي من الذيل، لأنه أصفى للدم، ما لم تكن على صورة حيوان بذبح، وإلا فتذبح من رقبتها. اه. (قوله: ويكره ذبح صغيرهما) أي لما فيه من التعذيب. (قوله: وأكل مشوي إلخ) أي ويكره أكل سمك مشوي قبل تطييب جوفه، أي قبل إخراج ما في جوفه من المستقذرات. وظاهره أنه يجوز أكله مع ما في جوفه مطلقا، ولو كان كبيرا. وقيد في مبحث النجاسة جواز ذلك بالصغير، وعبارته هناك: ونقل في الجواهر عن الأصحاب: لا يجوز أكل سمك ملح ولم ينزع ما في جوفه أي من المستقذرات وظاهره: لا فرق بين كبيرة وصغيره. لكن ذكر الشيخان جواز أكل الصغير مع ما في جوفه لعسر تنقية ما فيه. اه. ثم إن التقييد بسمك يفيد أنه لا كراهة في أكل مشوي الجراد قبل ذلك وعبارة فتح الجواد مصرحة بأنه مثل السمك ونصها ويكره ذبح صغيرها وأكل مشوي كل قبل تطييب جوفه. اه. فقوله: أي من السمك والجراد. (قوله: وما أنتن منه) معطوف على مشوي، أي يكره أكل ما أنتن، أي تغير من السمك، ومحل الكراهة إن لم يضر، وإلا حرم. (قوله: كاللحم) أي كما يكره أكل المنتن من لحم غير السمك. (قوله: وقلي حي) أي ويكره قلي حي من سمك أو جراد. ومثل القلي الشي. وقيل يحرم ذلك، لما فيه من التعذيب. وكتب سم على قول التحفة ويكره أيضا قليها وشيها إلخ ما نصه: فيه التسوية بين السمك والجراد في حل قليه وشيه حيا، وفيه نظر. والمتجه: الحل في السمك فإنه حاصل ما اعتمده في الروضة دون الجراد، كما يؤخذ من تعليل الروضة الحل في السمك بأن حياته في البر حياة المذبوح، وما في شرح الروض مما هو كالصريح في نقل الحل في الجراد عن الروضة فيه نظر، فإنه ليس في الروضة كما يعلم بمراجعتها. اه. وقوله: في دهن مغلى أي ولا يتنجس بما في جوفه، لأنه يتسامح به. (قوله: وحل أكل دود (إلخ) هذا قد ذكره أيضا فيما مر، وأعاده هنا لكون الكلام في الأطعمة، وعبارته هناك ويحل أكل دود مأكول معه، ولا يجب غسل نحو الفم منه. اه. وقوله: نحو الفاكهة أي من كل مأكول، كالفول والمش. (قوله: حيا كان) أي الدود. (قوله: بشرط إلخ) متعلق بحل. وقوله: أن لا ينفرد أي ينفصل الدود. وقوله: عنه أي عن ولد كان أكله مع نحو الفاكهة. (قوله: وإلا) أي بأن انفرد. وقوله: لم يحل أكله أي الدود المنفرد. وقوله: ولو معه أي ولو كان أكله مع نحو الفاكهة. وقوله: كنمل السمن أي فإنه لا يحل أكله. فالكاف لتنظير الدود المنفرد بالنمل في ذلك. ولو قال لا نمل عطف على دود لكان أولى، لأن النمل لا يحل أكله مطلقا متصلا بالسمن، أو منفردا عنه بدليل العلة بعده، وهي: لعدم تولده أي النمل فيه أي السمن بخلاف دود نحو الفاكهة، فإنه متولد منه، ولذلك اغتفر أكله. وعبارة المنهاج: وكذا يحل الدود المتولد من الطعام كخل، وفاكهة إذا أكل معه. قال في التحفة: يعني إذا لم ينفرد، أما المنفرد عنه: فيحرم، وإن أكل معه، لنجاسته إن مات، وإلا فلاستقذاره. ولو وقع في عسل نمل وطبخ جاز أكله. أو في لحم: فلا، لسهولة تنقيته كذا جزم به غير واحد، وفيه نظر ظاهر، إذ العلة إن كانت الاستهلاك لم يتضح الفرق، مع علمه مما يأتي في نحو الذبابة أو غيره، فغايته أنه ميتة لا دم له سائل، وهي لا يحل أكله مع ما ماتت فيه وإن لم تنجسه. نعم، أفتى بعضهم بأنه إن تعذر تخليصه، ولم يظن منه ضررا حل أكله معه. اه. (قوله: على ما قاله إلخ) أي أن عدم حل أكل نمل السمن هو مبني على ما قاله الكمال الرداد أي وهو المعتمد كما يعلم من كلام التحفة المار. (قوله: خلافا لبعض أصحابنا) أي حيث قال: يحل أكله مثل الدود - لكن بشرط أن يكون في نحو السمن كالعسل. أما في

ويحرم كل جماد مضر لبدن أو عقل - كحجر، وتراب، وسم - وإن قل، إلا لمن لا يضره - ومسكر، ككثير أفيون، وحشيش، وبنج. (فائدة) أفضل المكاسب الزراعة، ثم الصناعة، ثم التجارة. قال جمع: هي أفضلها - ولا تحرم معاملة ـــــــــــــــــــــــــــــ اللحم فلا يحل بالاتفاق، كما يعلم أيضا من كلام التحفة المار. (قوله: ويحرم كل جماد مضر) أي ضررا بينا لا يحتمل عادة لا مطلق ضرر كذا في البجيرمي، نقلا عن الأذرعي. (قوله: كحجر إلخ) أمثلة للمضر للبدن. وقوله: وتراب قال في التحفة: ومنه مدر، وطفل لمن يضره. وعليه يحمل إطلاق جمع متقدمين حرمته، بخلاف من لا يضره كما قاله جمع متقدمون، واعتمده السبكي وغيره. اه. ومثله في النهاية. وفي البجيرمي: ومحل تحريم الطين: في غير النساء الحبالى، فإنه لا يحرم عليهن أكله، لأنه بمنزلة التداوي. اه. (قوله: وإن قل) يحتمل رجوعه للسم فقط وهو ما يفيده صنيع التحفة ويحتمل رجوعه للمذكور من الحجر وما بعده. وعبارة متن الروض: يحرم تناول ما يضر كالحجر، والتراب، والزجاج، والسم إلا قليله. اه. قال في شرحه: أي السم كما في الأصل أو ما يضر وهو أعم. اه. وقوله: وما يضر معناه أن الضمير يعود عليه. وقوله: إلا لمن لا يضره أي القليل، فإنه لا يحرم في حقه. أما الكثير فيحرم مطلقا كما في ع ش. (قوله: ومسكر) تمثيل للجماد المضر للعقل. (قوله: ككثير أفيون) أي وجوز، وعنبر، وزعفران. (قوله: وحشيش) أي وكثير حشيش. وما أحسن قول بعضهم فيه: قل لمن يأكل الحشيشة جهلا * * يا خسيسا قد عشت شر معيشه دية العقل بدرة فلماذا * * يا سفيها قد بعتها بحشيشه؟ (قوله: وبنج) أي وكثير بنج، وفي البجيرمي: يجوز تناوله، ليزيل عقله، لقطع عضو متأكل، حتى لا يحس بالألم. اه. وفي الروض وشرحه: ويحرم مسكر النبات أي النبات المسكر وإن لم يطرب، لإضراره بالعقل، ولا حد فيه إن لم يطرب، بخلاف ما إذا أطرب كما صرح به الماوردي ويتداوى به عند فقد غيره مما يقوم مقامه وإن أسكر للضرورة، وما لا يسكر إلا مع غيره يحل أكله وحده لا مع غيره. اه. وقوله: بخلاف ما إذا أطرب أي فإنه يحد. وخالف فيه سم، وقال: الظاهر أنه لا يحد. وفي البجيرمي: ويحرم البنج والحشيش، ولا يحد به، بخلاف الشراب المسكر. وإنما لم يحد لأنه لا يلذ، ولا يطرب، ولا يدعو قليله إلى كثيره، بل فيه التعزيز. اه. وتعليله يقتضي أنه يحد إذا أطرب، واستلذ به، فيكون مؤيدا لما في شرح الروض. (قوله: أفضل المكاسب: الزراعة) أي لأنها أقرب إلى التوكل، ولأن الحاجة إليها أعم. ولا يرزوه أحد - أي ينقصه - إلا كان له صدقة ". وفي رواية: " لا يغرس مسلم غرسا، ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان ولا دابة، ولا شئ إلا ينقصه إلا ان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه صدقة أعم. ولا يرزؤه أحد أي ينقصه إلا كان له صدقة. (قوله: ثم الصناعة) أي ثم الأفضل بعد الزراعة الصناعة. لأن الكسب يحصل فيها بكد اليمين، وورد: من بات كالا من عمله بات مغفورا له. وورد أيضا: ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده. (قوله: ثم التجارة) أي ثم الأفضل بعد الزراعة والصناعة: التجارة، لأن الصحابة كانوا يتجرون ويأكلون منها. (قوله: قال جمع) مقابل لما قبله. وقوله: هي أي التجارة. وقوله: أفضلها أي المكاسب. وقيل أفضلها الصناعة. (تنبيه) يكره لحر تناول ما كسب مع مخامرة النجاسة، كحجم، وكنس زبل، وذبح، لأنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن كسب الحجام فنهى عنه، وقال: أطعمه رقيقك، واعلفه ناضحك. رواه ابن حبان وصححه، والترمذي وحسنه. وقيس بما فيه غيره.

من أكثر ماله حرام، ولا الاكل منها - كما صححه في المجموع -. وأنكر النووي قول الغزالي بالحرمة، مع أنه تبعه في شرح مسلم. ولو عم الحرام الارض جاز أن يستعمل منه ما تمس حاجته إليه، دون ما زاد. هذا إن توقع معرفة أربابه. وإلا صار لبيت المال، فيأخذ منه بقدر ما يستحقه فيه - كما قاله شيخنا. (فرع) نذكر فيه ما يجب على المكلف بالنذر. وهو قربة - على ما اقتضاه كلام الشيخين، وعليه كثيرون - ـــــــــــــــــــــــــــــ وصرف النهي عن الحرمة: خبر الشيخين عن ابن عباس: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعطى الحجام أجرته. فلو كان حراما لم يعطه. وخرج بمخامرة النجاسة غيرها. فلا يكره ما كسب بفصد، وحياكة، وحلاقة، ونحوها وإن كانت الصنعة دنيئة وهذا مبني على أن علة الكراهة في الأول خبث النجاسة وهو المعتمد أما على أنها دناءة الحرفة: فيكره كسب كل ذي حرفة دنيئة، ولو لم يخامر نجاسة وهو ضعيف والكلام في تعاطي الكسب. أما أصل الحرفة: فهي فرض كفاية. ولما حجم أبو العتاهية شخصا أنشد: وليس على عبد تقي نقيصة * * إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم (قوله: ولا تحرم إلخ) عبارة التحفة: يسن للإنسان أن يتحرى في مؤنة نفسه وممونه ما أمكن. فإن عجز ففي مؤنة نفسه، ولا تحرم معاملة إلخ. اه. ومع عدم الحرمة يكره ذلك كما نبه الشارح عليها في آخر باب الزكاة ونص عبارته هناك: (فائدة) قال في المجموع: يكره الأخذ ممن بيده حلال وحرام. كالسلطان الجائر وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها، ولا يحرم إلا أن تيقن أن هذا من الحرام. وقول الغزالي: يحرم الأخذ ممن أكثر ماله حرام، وكذا معاملته شاذ. اه. (قوله: ولا الأكل منها) أي ولا يحرم الأكل من المعاملة المذكورة، أي مما تحصل منها. (قوله: كما صححه) أي عدم الحرمة. (قوله: مع أنه) أي النووي. وقوله: تبعه أي الغزالي في شرح مسلم. (قوله: ولو عم الحرام الأرض) أي استوعب الحرام الأرض ولم يوجد فيها حلال. (قوله، جاز أن يستعمل منه) أي من الحرام. (قوله: ما تمس حاجته إليه) أي الشئ الذي تدعو حاجته إليه، قال ع ش: وإن لم يصل إلى حد الضرورة. اه. (قوله: دون ما زاد) أي على القدر الذي تمس الحاجة إليه. (قوله: هذا) أي ما ذكر من جواز الاستعمال من الحرام بقدر ما تمس الحاجة إليه، لا ما زاد. وقوله: إن توقع أي ترجى. وقوله: معرفة أربابه أي أصحاب ذلك المال الذي يحرم الاستعمال منه. (قوله: وإلا) أي وإن لم يتوقع معرفتهم. (قوله: صار لبيت المال) أي انتقل لبيت المال، فيكون لجميع المسلمين حق فيه. (قوله: فيأخذ منه) أي من المال الذي صار لبيت المال. وقوله: بقدر ما يستحقه فيه أي بقدر ما يخصه من بيت المال لو قسمه الإمام وأعطاه منه. (قوله: كما قاله شيخنا) أي في التحفة، ومثله في النهاية. (تتمة) في إعطاء النفس حظها من الشهوات المباحة مذاهب ذكرها الماوردي، أحدها: منعها وقهرها كي لا تطغى. والثاني: إعطاؤها تحيلا على نشاطها وبعثا لروحانيتها. والثالث: قال وهو الأشبه - التوسط، لأن في إعطاء الكل سلاطة، وفي منع الكل بلادة. اه. عميرة. والله سبحانه وتعالى أعلم. (قوله: فرع: نذكر فيه ما يجب إلخ) اعلم أن معظم الفقهاء يذكر النذر بعد الإيمان، وذلك لما بينهما من المناسبة، وهي أن كلا منهما عقد يعقده المرء على نفسه تأكيدا لما أراد أن يلتزمه، ولأن بعض أنواع النذر فيه كفارة يمين. والمؤلف رحمه الله خالفهم وذكره هنا تبعا لبعضهم، وله وجه أيضا في ذلك، وهو أن الحج قد يكون منذورا، وكذلك الأضحية قد تكون منذورة، فناسب أن يستوفي الكلام على ما يتعلق بالنذر. (قوله: بالنذر) الباء سببية متعلق بيجب، وهو لغة: الوعد بخير أو شر. وشرعا: ما سيذكره وأركانه ثلاثة: ناذر، ومنذور، وصيغة.

بل بالغ بعضهم، فقال: دل على ندبه الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس. وقيل مكروه، للنهي عنه. وحمل الاكثرون النهي على نذر اللجاج، فإنه تعليق قربة بفعل شئ أو تركه - كإن دخلت الدار، أو إن لم أخرج منها، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرط في الناذر: إسلام، فلا المؤلف يصح من الكافر. واختيار، فلا يصح من المكره. ونفوذ تصرف فيما ينذره بكسر الذال وضمها فلا يصح ممن لا ينفذ تصرفه فيما ينذره، كصبي، ومجنون، مطلقا بخلاف السكران، فيصح منه، وكمحجور عليه بسفه أو فلس في القرب المالية العينية كعتق هذا العبد بخلاف القرب البدنية، أو القرب المالية التي في الذمة. وإمكان فعله المنذور، فلا يصح نذره صوما لا يطيقه، ولا نذر بعيد عن مكة حجا في هذه السنة. وشرط في المنذور: كونه قربة لم تتعين بأصل الشرع. وشرط في الصيغة: كونها لفظا يشعر بالالتزام كلله علي كذا، أو علي كذا. وفي معنى اللفظ الكتابة، وإشارة أخرس تدل أو تشعر بالالتزام مع النية في الكتابة، فلا يصح بالنية كسائر العقود ولا بما لا يشعر بالالتزام، كأفعل كذا. (قوله: وهو) أي النذر. وقوله: قربة على ما اقتضاه إلخ والحاصل أنهم اختلفوا في النذر: هل هو قربة؟ أو مكروه؟ فقال بعضهم بالأول وهو المعتمد الذي اقتضاه كلام الشيخين، ودل عليه الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وقال بعضهم بالثاني: لثبوت النهي عنه وهو ضعيف، والنهي محمول على نذر اللجاج. وعبارة المغني: (تنبيه) اختلفوا: هل النذر مكروه أو قربة؟ نقل الأول عن النص، وجزم به المصنف في مجموعه، لخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم -: نهى عنه، وقال: إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل. ونقل الثاني: عن القاضي والمتولي والغزالي، وهو قضية قول الرافعي: النذر تقرب، فلا يصح من الكفار. وقول المصنف في مجموعه في كتاب الصلاة النذر عمدا في الصلاة لا يبطلها في الأصح، لأنه مناجاة لله تعالى، فهو يشبه قوله: سجد وجهي للذي خلقه وصوره. وقال في المهمات: ويعضده النص، وهو قوله تعالى: * (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه) * (1) أي فيجازي عليه. والقياس: وهو أنه وسيلة إلى القربة، وللوسائل حكم المقاصد، وأيضا فإنه يثاب عليه ثواب الواجب كما قاله القاضي حسين وهو يزيد على النفل بسبعين درجة كما في زوائد الروضة في النكاح عن حكاية الإمام والنهي محمول على من ظن أنه لا يقوم بما التزمه، أو أن للنذر تأثيرا كما يلوح به الخبر، أو على المعلق بشئ. وقال الكرماني: المكروه التزام القربة لا القربة إذ ربما لا يقدر على الوفاء. وقال ابن الرفعة: الظاهر أنه قربة في نذر التبرر دون غيره. اه. وهذا أوجه. اه. (قوله: وعليه) أي على أنه قربة. (قوله: بل بالغ إلخ) إضراب انتقالي. (قوله: فقال: دل على ندبه الكتاب) أي القرآن العظيم. وذلك كقوله تعالى: * (وليوفوا نذورهم) * (2) وقوله: والسنة أي الأخبار الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك كخبر البخاري: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه. وقوله: فليطعه أي ليف بنذره. (قوله: والقياس) أي وهو أنه وسيلة إلى القربة، وللوسائل حكم المقاصد كما يعلم من عبارة المغني المارة -. (قوله: وقيل مكروه) أي أن النذر مكروه. (قوله: للنهي عنه) أي عن النذر. (قوله: وحمل الأكثرون إلخ) إنما حملوه عليه لأن الناذر لا يقصد به القربة، وإنما يقصد به منع نفسه أو غيره من شئ، كقوله: إن كلمت فلانا أو فعل فلان كذا، فلله علي كذا. أو الحث لنفسه أو غيره على شئ، كقوله: إن لم أدخل الدار أو إن لم يفعل فلان كذا، فلله علي كذا. أو تحقيق خبره، كقوله: إن لم يكن الأمر كما قلت، أو كما قال فلان، فلله علي كذا. وقوله: نذر اللجاج هو بفتح اللام التمادي في الخصومة أي التطويل فيها وضابط هذا النذر أن يمنع الشخص نفسه أو غيرها من شئ أو بحث عليه أو

_ (1) البقرة: 270. (2) الحج: 29

فلله علي صوم أو صدقة بكذا. فيتخير - من دخلها أو لم يخرج - بين ما التزمه وكفارة يمين. ولا يتعين الملتزم - ولو حجا -. والفرع: ما اندرج تحت أصل كلي. (النذر: التزام) مسلم، (مكلف) رشيد: (قربة لم تتعين) - نفلا كانت أو فرض كفاية - كإدامة وتر، وعيادة مريض، وزيادة رجل قبرا، وتزوج حيث سن - خلافا لجمع - وصوم أيام البيض، والاثانين. فلو وقعت في ـــــــــــــــــــــــــــــ يحقق خبرا. (قوله: فإنه) أي نذر اللجاج. وقوله: تعليق قربة بفعل شئ أي على فعل شئ ولا بد من أن يكون مرغوبا عنه ومبغوضا للنفس فإن كان مرغوبا للنفس ومحبوبا لها كان من نذر التبرر. وهو قربة ليس بمنهي عنه كما سيذكره المؤلف. وقوله: أو تركه معطوف على فعل شئ. أي أو تعليق قربة على ترك شئ، أي وكان تركه ترغب عنه النفس وتبغضه أيضا كما مر. (قوله: فيتخير إلخ) أي لأنه يشبه النذر من حيث إنه التزام قربة، اليمين من حيث إن مقصوده مقصود اليمين من المنع أو الحث أو تحقيق الخبر، ولا سبيل للجمع بين ما التزمه وكفارة اليمين، ولا لتعطيلهما، فتعين التخيير وهذا هو الراجح وقيل يلزم فيه كفارة اليمين، لخبر مسلم: كفارة النذر: كفارة يمين. ولا كفارة في نذر التبرر جزما. فتعين حمله على نذر اللجاج. وقيل يلزم فيه ما التزمه، لخبر: من نذر وسمى فعليه ما سمى. وقوله: من دخلها أي الدار، وهذا راجع للصورة الأولى: وقوله: أو لم يخرج أي من الدار. وهذا راجع للصورة الثانية. (قوله: ولا يتعين الملتزم) أي في صيغة النذر، لأنه خرج مخرج اليمين، بخلاف نذر التبرر فإنه لم يخرج مخرجه، فلذلك يلزم فيه ما التزم عينا، لا غير، لكن على التراخي إن لم يقيده بوقت معين. وأشار إلى الخلاف في نذر اللجاج ابن رسلان في زبده بقوله: ومن يعلق فعل شئ بالغضب * * أو ترك شئ بالتزامه القرب إن وجد المشروط ألزم من حلف * * كفارة اليمين مثل ما سلف كما به أفتى الإمام الشافعي * * وبعض أصحاب له كالرافعي أما النواوي فقال خيرا * * ما بين تكفير وما قد نذرا (قوله: ولو حجا) أي ولو كان الملتزم حجا، فإنه لا يتعين. (قوله: والفرع إلخ) أراد أن يبين معنى الفرع الذي ترجم به. وقوله: تحت أصل كلي انظره هنا. ويمكن أن يجعل الأصل الكلي هو باب الحج، باعتبار بعض أفراده، حسبما ذكرناه أول الفرع، من مناسبة ذكره هنا. (قوله: النذر) أي شرعا. وقوله: التزام إلخ يؤخذ من هذا التعريف أركانه الثلاثة المتقدمة، وذلك لأن الالتزام يستلزم المستلزم وهو الناذر والقربة هي المنذور، وبلفظ إلخ هو الصيغة. وقوله: مسلم ظاهره اشتراطه في نذر التبرر ونذر اللجاج. وهو أيضا ظاهر التحفة والنهاية والأسنى وشرح المنهج والمغني: ونقل البجيرمي عن ح ل: أن ذلك في نذر التبرر دون نذر اللجاج. أما هو، فيصح من الكافر. قال: وكان قياسه صحة التبرر منه أيضا. إلا أنه لما كان فيه مناجاة لله، أشبه العبادة، ومن ثم لم يبطل الصلاة. بخلاف نذر اللجاج. اه. وقوله: مكلف أي ولو حكما، فدخل السكران، فيصح نذره. وقوله: رشيد ولا بد أن يكون مختارا أيضا كما مر. (قوله: قربة) مفعول التزام، وهي فعل الشئ يشرط معرفة المتقرب إليه. والعبادة فعل ما يتوقف على نية. والطاعة تعمهما. (قوله: لم تتعين) أي بأصل الشرع. (قوله: نفلا كانت) أي القربة، بقطع النظر عن قيدها. أعني لم تتعين، لأن النفل لا يتعين أصلا. وقوله: أو فرض كفاية أي أو كانت القربة فرض كفاية، ولا بد فيه أن لا يتعين عليه. أما إذا تعين فلا يصح نذره كصلاة الجنازة إذا لم يعلم بالميت إلا واحد. وقال بعضهم: يصح نذره حينئذ، نظرا لأصله. وأما تعيينه فهو عارض. (قوله: كإدامة وتر) مثال للنفل، والظاهر أن إدامته ليست بقيد في صحة النذر، بل مثله ما إذا نذر الوتر فإنه يصح لأن نفس الوتر سنة. (قوله: وعيادة مريض) هو وما بعده من أمثلة النفل أيضا، إلا قوله وكصلاة جنازة وما بعده، فإنه من أمثلة فرض الكفاية. (قوله: وزيارة رجل قبرا) خرج بالرجل غيره من أنثى، أو خنثى فلا يصح نذره

أيام التشريق أو الحيض، أو النفاس، أو المرض، لم يجب القضاء - وكصلاة جنازة، وتجهيز ميت. ولو نذر صوم يوم بعينه، لم يصم قبله، فإن فعل أثم - كتقديم الصلاة على وقتها المعين - ولا يجوز تأخيره عنه - كهي - بلا عذر، فإن فعل صح، وكان قضاء. ولو نذر صوم يوم خميس ولم يعين، كفاه أي خميس. ولو نذر صلاة: فيجب ركعتان بقيام قادر. أو صوما: فصوم يوم أو صوم أيام فثلاثة. أو صدقة، فمتمول، ـــــــــــــــــــــــــــــ زيارة قبر، لأنها مكروهة في حقه، وقيل محرمة، للخبر الصحيح: لعن الله زوارات القبور. ويستثنى من ذلك زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنها تسن في حقه، فعليه، ينعقد نذرها. ومثل قبر النبي: قبر سائر الأنبياء، والأولياء، والصالحين. (قوله: وتزوج حيث سن) أي بأن يكون مريده محتاجا مطيقا لمؤن النكاح. كما قال ابن رسلان: سن لمحتاج مطيق للأهب * * نكاح بكر ذات دين ونسب وهذا هو ما جرى عليه ابن حجر. ونص عبارته في باب النكاح نعم، حيث ندب لوجود الحاجة والأهبة: ويجب بالنذر على المعتمد الذي صرح به ابن الرفعة وغيره كما بينته في شرح العباب ومحل قولهم: العقود لا تلتزم في الذمة: ما إذا التزمت بغير نذر. اه. والذي جرى عليه م ر: عدم صحة نذره مطلقا، ونص عبارته في باب النكاح أيضا. ولا يلزم بالنذر مطلقا، وإن استحب كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى خلافا لبعض المتأخرين. (قوله: خلافا لجمع) أي حيث قالوا لا يصح نذر التزوج، وعللوه بأنه مباح عرض له الندب، وهو لا يصح إلا في المندوب أصالة. وعبارة بعضهم: قوله في قربة: أي أصالة، فلا يصح نذر مباح عرض له الندب كالنكاح خلافا لابن حجر. اه. (صوم: أيام البيض) أي وأيام السود، أو نحو ذلك، فيصح نذرها. وقوله: والأثانين جمع تكثير لاثنين، وليس جمع مذكر سالما، ولا ملحقا به. (قوله: فلو وقعت) أي أيام البيض أو الأثانين المنذورة. وقوله: في أيام التشريق أي أو أيام رمضان. (قوله أو المرض) تبع فيه م ر د وخالف شيخه ابن حجر، فإنه صرح في التحفة بأنه يقضي إن أفطر لعذر المرض كالسفر. وعلله بأن زمنهما يقبل الصوم، فشمله النذر، بخلاف نحو الحيض. اه. وجزم بهذا في الروض، وعبارته: ويقضيها للمرض الواقع فيها. اه. (قوله: لم يجب القضاء) أي يجب الفطر فيها، ولا يجب القضاء، لأنها لا تقبل الصوم أصلا، فلا تدخل في نذر ما ذكر، فهي مستثناة شرعا من دخولها في المنذور. وعدم وجوب القضاء في المرض هو ما اعتمده الرملي، وخالف ابن حجر فجزم بوجوب القضاء به. قال سم: وجزم به في الروض. (قوله: وكصلاة جنازة) هو وما بعده مثالان لفرض الكفاية كما علمت. (قوله: ولو نذر صوم يوم بعينه) أي كيوم الجمعة، والسبت، وهكذا. (قوله: لم يصم قبله) أي لم يصم يوما قبل اليوم الذي عينه في نذره. (قوله: فإن فعل) أي صام يوما قبله. وقوله: أثم أي ولا يصح. وقوله: كتقديم الصلاة على وقتها أي فإنه يأثم به، ولا تصح. (قوله: ولا يجوز تأخيره) أي الصوم. وقوله: عنه أي عن اليوم الذي عينه. (قوله: كهي) أي كالصلاة، فإنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها. (قوله: بلا عذر) متعلق بقوله ولا يجوز. أي لا يجوز تأخيره بلا عذر، فإن أخره بعذر كسفر جاز، ولا إثم عليه. (قوله: فإن فعل) أي أخر الصوم عن اليوم المعين في النذر بلا عذر. وقوله: صح أي صومه، لكن مع الإثم. (قوله: ولو نذر صوم يوم خميس) أي مثلا. (قوله: ولم يعين) أي بأن لم يقل من هذا الأسبوع مثلا. (قوله: كفاه أي خميس) أي صوم أي خميس من أي أسبوع كان. لكن لو مضى خميس يمكنه فيه الصوم ولم يصمه استقر في ذمته، حتى لو مات فدى عنه، ولا إثم عليه، لعدم عصيانه بالتأخير. ولو نذر يوما من اسبوع ثم نسيه، صام آخره، وهو الجمعة فإن لم يكن هو المنذور وقع قضاء، وإن كان هو فقد وفى بما التزمه. ومن نذر إتمام كل نافلة دخل فيها لزمه الوفاء بذلك لأنه قربة. ومن نذر بعض يوم لم ينعقد نذره، لانتفاء كونه قربة، لأنه غير معهود شرعا. وكذا لو نذر سجدة من غير سبب، أو ركوعا، أو بعض ركعة، فإنه لا ينعقد لما ذكر. أما سجدة التلاوة، وسجدة الشكر فينعقد نذرهما. (قوله: ولو نذر صلاة) أي مطلقة، من غير أن يقيدها بعدد. (قوله: فيجب ركعتان) أي لأنهما أقل واجب من الصلاة، ولو قال فيكفي ركعتان، لكان أولى.

ويجب صرفه لحر مسكين - ما لم يعين شخصا أو أهل بلد - وإلا تعين صرفه له. ولا يتعين لصوم وصلاة مكان عينه، ولا لصدقة زمان عينه. وخرج بالمسلم، المكلف: الكافر والصبي، والمجنون - فلا يصح نذرهم - كنذر السفيه -، وقيل يصح من الكافر. وبالقربة: المعصية - كصوم أيام التشريق ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: بقيام قادر أي مع وجوب قيام قادر عليه، إلحاقا للنذر بواجب الشرع. ولو نذر صلاة قاعدا جاز فعلها قائما لإتيانه بالأفضل لا إن نذر الصلاة قائما فلا يجوز فعلها قاعدا، مع القدرة على القيام، لأنه دون ما التزمه. (قوله: أو صوما) معطوف على صلاة، أي أو نذر صوما أي مطلقا بأن لم يقيده بعدد. (قوله: فصوم يوم) أي فيجب صوم يوم واحد، لأنه أقل ما يفرد بالصوم. (قوله: أو صوم أيام) معطوف على صلاة أيضا، أي أو نذر صوم أيام بصيغة الجمع وأطلقها أيضا. (قوله: فثلاثة) أي فيجب صوم ثلاثة أيام، لأنها أقل الجمع. (قوله: أو صدقة) معطوف على صلاة أيضا، أي أو نذر صدقة أي مطلقة ولم يقيدها بقليل ولا كثير. وقوله: فمتمول أي فيجب التصدق بما يتمول وإن قل وكذا لو نذر التصدق بمال عظيم فيجب التصدق، فإنه يقبل تقسيره بأقل متمول، ولا ينافيه وصفه بالعظيم، لحمله على إثم غاصبه. كما قالوه فيما لو أقر بمال عظيم، فإنه يقبل تفسيره بأقل متمول. ومن نذر عتقا فتجزئ رقبة، ولو ناقصة ككافرة لوقوع الاسم عليها. (قوله: ويجب صرفه) أي المتمول. (قوله: لحر مسكين) خرج بالحر الرقيق، فلا يجوز إعطاؤه له كالزكاة والمراد بالمسكين ما يشمل الفقير. وعبارة فتح الجواد: وعند إطلاقهم يتعين صرفها لمسلم أي حر كما هو ظاهر مما مر آنفا فقير أو مسكين. اه. (قوله: ما لم يعين شخصا) أي في نذره، بأن قال: نذرت هذا المال لزيد، فيتعين، ولو كان غنيا، أو ولده، لأن الصدقة عليهما جائزة وقربة كما صرح به في الروض وشرحه. (قوله: وأهل بلد) أي وما لم يعين في نذره أهل بلد ولو غير مكة، فإنه يتعين للمساكين المسلمين منهم، وفاء بالملتزم. وقياس ما مر في قسم الصدقات أنه يعمم به المحصورين، وله تخصيص ثلاثة في غير المحصورين. (قوله: وإلا) أي بأن عين شخصا أو أهل بلد. (وقوله: تعين صرفه له) أي لما عينه من شخص أو أهل بلد. قال في المغني ولو نذر لمعين دراهم مثلا كان له مطالبة الناذر بها، إن لم يعطه كالمحصورين من الفقراء لهم المطالبة بالزكاة التي وجبت فإن أعطاه ذلك فلم يقبل، برئ الناذر، لأنه أتى بما عليه، ولا قدرة له على قبول غيره، ولا يجبر على قبوله. اه. (قوله: ولا يتعين لصوم وصلاة مكان عينه) يعني أنه لو نذر أن يصوم أو يصلي في مكان معين كمصر لزمه الصوم والصلاة. ولا يتعين المكان الذي خصصه في نذره، بل له أن يصوم أو يصلي في أي مكان سواء الحرم وغيره. نعم، لو نذر الصلاة في المسجد الحرام تعين، لعظم فضله، وتعلق النسك به، وصح أن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، وقيل بمائة ألف ألف، وقيل بمائة ألف صلاة. قال في التحفة: وبه يتضح الفرق بينها أي الصلاة وبين الصوم. اه. والمراد بالمسجد الحرام: الكعبة والمسجد حولها مع ما زيد فيه. وقيل جميع الحرم. ومثله المسجد النبوي، والمسجد الأقصى. فيتعينان للصلاة بالنذر فيهما، لمشاركتهما له في بعض الخصوصيات. ويقوم الأول مقام الأخيرين، وأولهما مقام الآخر، دون العكس كما سيذكره الشارح. ومثل الصلاة في ذلك الاعتكاف كما مر لنا في بابه. (قوله: ولا لصدقة زمان عينه) أي ولا يتعين لصدقة زمان عينه فلو نذر أن يتصدق بدرهم يوم الجمعة جاز له أن يتصدق قبله كالزكاة فإنه يجوز تقديمها. وخرج بقوله لصدقة: الصلاة والصوم، فيتعينان بزمن عينه. وعبارة الروض وشرحه، فإن عين للصلاة أو الصوم لا للصدقة وقتا: تعين وفاء بالملتزم فلا يجوز فعلهما قبله. فإن فات الوقت ولو بعذر قضاهما، وأثم بتأخيره إن قصر، بخلاف ما إذا لم يقصر كأن أخر لعذر سفر أما وقت الصدقة فلا يتعين، اعتبارا بما ورد به الشرع من جنسها وهو الزكاة فيجوز تقديمها، بخلاف الصلاة. وقضية كلامه: جواز تأخيرها. قال الأذرعي: وهو بعيد، بل الوجه عدم جوازه بغير عذر كالزكاة اه. (قوله: وخرج بالمسلم المكلف إلخ) الأولى عدم جمع المخرجات كما هو عادته بأن يقول: وخرج بالمسلم الكافر، وبالمكلف الصبي والمجنون. وأن يزيد، وبالرشيد السفيه. وقوله: الكافر بالرفع فاعل خرج. (قوله: فلا يصح نذرهم) أي الكافر والصبي والمجنون، وذلك لعدم أهلية الكافر للقرب، ولرفع القلم عن الصبي والمجنون.

وصلاة لا سبب لها في وقت مكروه - فلا ينعقدان -. وكالمعصية: المكروه - كالصلاة عند القبر. والنذر لاحد أبويه أو أولاده فقط. وكذا المباح: كلله علي أن آكل أو أنام. وإن قصد تقوية على العبادة، أو النشاط لها - ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: كنذر السفيه) أي كما لا يصح نذر السفيه، ومثله المفلس، ومحله كما مر في القرب المالية العينية، كعتق هذا العبد. أما القرب البدنية أو المالية التي في الذمة، فيصح نذرهما لها كما علمت أول الفرع. قال في المغني: ويصح نذر الرقيق المال في ذمته، ولو بغير إذن سيده كما اقتضاه كلامهم فإن قيل ينبغي أن لا يصح كما قاله ابن رفعة كما لا يصح ضمانه في ذمته بغير إذن سيده. أجيب بأن المغلب في النذر حق الله تعالى: إذ لا يصح إلا في قربة، بخلاف الضمان، وإلا صح انعقاد نذره الحج. قال ابن الرفعة: ويشبه أن غير الحج كذلك. اه. (قوله: وقيل يصح من الكافر) لم يذكره في التحفة والنهاية والمغني والأسنى وفتح الجواد، ولعله محمول على نذر اللجاج لما مر أنه يصح من الكافر. (قوله: وبالقربة المعصية) معطوف على بالمسلم، أي وخرج بالقربة المعصية فلا ينعقد نذرها لحديث: لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملكه ابن آدم. وللحديث المار: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه. ولا فرق في المعصية بين أن تكون فعلا: كأن قال: لله علي نذر أن أشرب الخمر أو أقتل. أو تكون تركا كأن قال: لله علي أن أترك الصلوات الخمس أو إحداها. ولا فرق فيها أيضا بين أن تكون ذاتية كما ذكر أو عارضية كما لو نذر أن يصلي في الأرض المغصوبة فلا ينعقد كما جزم به المحاملي، ورجحه الماوردي، وكذا البغوي في فتاويه، ويؤيده أنه لا ينعقد نذر الصلاة في الأوقات المكروهة، ولا في ثوب نجس. وقيل يصح النذر للصلاة في الأرض المغصوبة، ويصلي في موضع آخر. ويمكن حمله على ما لو نذر الصلاة في هذه الأرض وكانت مغصوبة فإنه يصح النذر، ويصلي في موضع آخر. (قوله: كصوم أيام التشريق) أي فإنه معصية، ومثله صوم العيدين. (قوله: وصلاة لا سبب لها) أي متقدم أو مقارن، فإنها معصية في الوقت المكروه. (قوله: فلا ينعقدان) أي الصوم والصلاة المذكوران. والمراد: لا ينعقد نذرهما. (قوله: وكالمعصية: المكروه) أي فهو لا ينعقد نذره. وظاهره أنه لا فرق فيه بين المكروه الذاتي والعارضي، وليس كذلك، بل هو مقيد بالأول كما في التحفة، والنهاية. ونص عبارة الأولى: وكالمعصية: المكروه لذاته، أو لازمة كصوم الدهر الآتي، وكنذر ما لا يملك غيره وهو لا يصبر على الإضافة، لا لعارض كصوم يوم الجمعة، وكنذره لأحد أبويه أو أولاده فقط وقول جمع لا يصح لأن الإيثار هنا بغير غرض صحيح مكروه، مردود بأنه لأمر عارض وهو خشية العقوق من الباقين. ثم قال: ومحل الخلاف: حيث لم يسن إيثار بعضهم. أما إذا نذر للفقير أو الصالح أو البار منهم، فيصح اتفاقا. اه. (قوله: والنذر لأحد أبويه إلخ) مخالف لما مر في عبارة التحفة، ولعله جار على قول جمع. (قوله: وكذا المباح) أي ومثل المعصية في عدم الانعقاد: نذر المباح فعلا أو تركا - وهو ما استوى فعله وتركه، وذلك لخبر ابن داود: لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى. وفي البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم -: أمر أبا إسرائيل أن يترك ما نذره من نحو قيام وعدم استظلال. وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - لمن نذرت أن تضرب على رأسه بالدف حين قدم المدينة: أوفي بنذرك: لما اقترن به من غاية سرور المسلمين، وإغاظة المنافقين بقدومه، فكان وسيلة لقربة عامة، ولا يبعد فيما هو وسيلة لهذه أنه مندوب للازمة، على أن جمعا قالوا بندبه لكل عارض سرور، لا سيما النكاح، ومن ثم أمر به في أحاديث، وعليه: فلا إشكال أصلا. اه. تحفة. (قوله: ك: لله علي أن آكل أو أنام) تمثيل لنذر فعل المباح، ومثله نذر تركه، ك: لله علي أن أترك الأكل أو النوم. (قوله: وإن قصد إلخ) أي لا ينعقد نذر المباح، وإن اقترن بنية عبادة، كقصد التقوي به على الطاعة، أو

كفارة في المباح، على الاصح. وبلم تتعين: ما تعين عليه من فعل واجب عيني كمكتوبة وأداء ربع عشر مال تجارة وكترك محرم وإنما ينعقد النذر من المكلف (بلفظ منجز) بأن يلتزم قربة به من غير تعليق بشأ - وهذا نذر تبرر (كلله على كذا) من صلاة أو صوم أو نسك أو صدقة أو قراء أو اعتكاف (أو علي كذا) وإن لم يقل لله (أو نذرت كذا) وإن لم يذكر معها لله على المعتمد الذي صرح به البغوي وغيره من اضطراب طويل (أو) بلفظ (معلق) ويسمى نذر مجازاة وهو أن يلتزم قربة في مقابلة ما يرغب في حصوله من حدوث ـــــــــــــــــــــــــــــ قصد النشاط لها. (قوله: ولا كفارة في المباح على الأصح) أي لا كفارة عليه إن خالف على الأصح. ومقابله يقول: إن عليه كفارة يمين، ورجحه النووي في منهاجه، ونص عبارته: لكن إن خالف لزمه كفارة يمين على المرجح. اه. (قوله: وبلم تتعين الخ) معطوف على بالمسلم أيضا، أي وخرج بلم تتعين الشئ الذي تعين عليه فعله أو تركه بأصل الشرع، فإنه لا يصح نذره. (قوله: من فعل واجب) بيان لما، وإنما لم يصح نذر هذا: لأن الشارع ألزمه إياه عينا، فلا معنى لا لتزامه بالنذر (قوله: كمكتوبة) تمثيل للواجب العينى (قوله: وكترك محرم) معطوف على كمكتوبة، فهو تمثيل للواجب العينى أيضا. ولو حذف الكاف، وعطفه على فعل واجب: لكان أولى، وعليه: يصير بيانا لما (قوله: وإنما ينعقد إلخ) دخول على المتن، ذكره لطول الكلام على ما قبله، وإلا فالجار والمجرور بعده من جملة التعريف، فهو باعتبار المتن متعلق بالتزام (قوله: بلفظ) أي وأما في معناه مما مر. وقوله منجز: سيأتي مقابله في قوله أو معلق إلخ (قوله: بأن يلتزم قربه إلخ) تصوير للمنجز (قوله: وهذا نذر تبرر) أي ما ذكر من التزام قربة من غير تعليق بشئ يسمى نذر تبرر، وذلك: لأن الناذر يطلب به البر والتقرب إلى الله تعالى، وصريحه أن المعلق لا يسمى بذلك مطلقا سواء كان نذر لجاج، أو نذر مجازاة وليس كذلك، بل الثاني يسمى أيضا به، لأن نذر التبرر: هو التزام قربة بلا تعليق كعلى كذا أو بتعليق بحدوث نعمة، أو اندفاع نقمة. فلو قال: وهذا من نذر التبرر بزيادة من التبعيضية لكان أولى (قوله: كلله علي كذا الخ) تمثيل للفظ المنجز في النذر. وقوله من صلاة إلخ: بيان لقوله كذا (قوله: أو علي كذا) أي صلاة إلخ (قوله: وإن لم يقل لله) الأحسن جعل الواو: للحال، وإن: زائدة أي يكفي علي كذا في الصيغة، والحال أنه لم يضف لله. ومثله: يقال في الغاية الآتية، وفي التحفة: قولهم علي لك كذا صريح في النذر ينافيه أنه صريح في الإقرار، إلا أن يقال لا مانع من أنه صريح فيهما، وينصرف لأحدهما بقرينة. اه. (قوله: أو نذرت كذا) أي صلاة إلخ (قوله: وإن لم يذكر معها) أي يكفي في صيغة النذر: نذرت كذا وإن لم يذكر مع هذه الصيغة لفظ لله، وعبارة النهاية: ويكفي في صراحتها أي الصيغة نذرت لك كذا، وإن لم يقل لله. اه. وقوله على المعتمد: لذى صرح به البغوي: أي من أن ما ذكر: صريح من غير أن يضيف إليه لفظ لله، قال في التحفة: ومما يصرح به ويوضحه: قول محصول الفخر الرازي لا شك أن نحو نذرت وبعت: صيغ اخبار لغة، وقد تستعمل له شرعا أيضا، إنما النزاع في أنها حيث تستعمل لا حداث الاحكام هل هي اخبارات أو إنشاآت؟ والأقرب: الثاني لوجوه وساقها. وقد حكيا أي الشيخان في نذرت لله لأفعلن كذا، ولم ينو يمينا، ولا نذرا: وجهين وجزم في الأنوار بما بحثه الرافعي أنه نذر أي نذر تبرر وزعم شارح أن مخاطبة المخلوق بنحو نذرت لك تبطل صراحتها عجيب مع قولهم إن علي لك كذا، أو إن شفى الله مريضى فعلى لك كذا: صريحان في النذر، مع أن فيهما مخاطبة مخلوق، وزعم أن لا التزام في نحو نذرت: ممنوع. نعم: إن نوى به الإخبار عن نذر سابق عرف أخذا مما مر: فواضح، أو اليمين في نذرت لأفعلن: فيمين. اه. بتصرف (قوله: من اضطراب طويل) أي اختلاف كثير، وهو متعلق بالمعتمد (قوله: أو بلفظ معلق) معطوف على بلفظ منجز: أي وإنما ينعقد النذر بلفظ معلق أي على ما يرغب في حصوله من حدوث نعمة أو اندفاع نقمة (قوله: ويسمى) أي النذر الكائن بلفظ معلق. وقوله نذر مجازاة: أي مكافأة، وهو نوع من التبرر كما علمت (قوله: وهو) أي نذر المجازاة. وقوله أن يلتزم قربة: أي لم تتعين بأصل الشرع كما مر وقد علمت معنى القربة. فلا تغفل (قوله: في مقابلة إلخ) متعلق بيلتزم،

نعمة أو اندفاع نقمة (كان شفاني الله أو سلمني الله فعلى كذا) أو ألزمت نفسي أو واجب على كذا وخرج بلفظ النية فلا يصح بمجرد النية كسائر العقود إلا باللفظ. وقيل يصح بالنية وحدها، (فيلزم) عليه (ما التزمه حالا في منجز وعند وجود صفة في معلق). وظاهر كلامهم أنه يلزمه الفور بأدائه عقب وجود المعلق عليه - خلافا لقضية كلام ابن عبد السلام - ولا يشترط قبول المنذور له في قسمي النذر ولا القبض، بل يشترط عدم رده. ـــــــــــــــــــــــــــــ أو متعلق بمحذوف صفة لقربة: أي يلتزم قربة كائنة في مقابلة الشئ المرغوب في حصوله، وخرج بذلك: ما إذا التزم قربة في مقابلة ما لا يرغب في حصوله، فإن ذلك هو نذر اللجاج، وقد مر بيانه. (تنبيه) المراد بالمرغوب فيه والمرغوب عنه عند المتكلم، ولذلك احتمل قوله إن صليت فعلى كذا، أو إن رأيت فلانا فعلى صوم: أن يكون من نذر اللجاج بأن تكون الصلاة عنده مبغوضة، وكذا رؤية فلان. واحتمل أن يكون من نذر التبرر: بأن يكون ذلك عنده محبوبا كذا في الروضة ونص عبارته: (فرع) الصيغة: إن احتملت نذر اللجاج ونذر التبرر، رجع فيها إلى قصده أي الناذر فالمرغوب فيه: تبرر، والمرغوب عنه: لجاج. إلخ. اه. وأطلق الشارح: النعمة، ولم يقيدها بما يكون لها وقع، بحيث تقتضى سجود الشكر. ونقل الإمام عن والده، وطائفة من الأصحاب: تقييدها بذلك لكنه رجح الأول، وهو قول القاضي، ويؤيده ضبط الصيمري للنعمة الحادثة بما يجوز أن يدعى الله به أي من غير كراهة وربما يؤيد الثاني تعبيره بحدوث، إذ يخرج به المستمر من النعم، وهو قياس سجود الشكر. وقوله واندفاع نقمة: يجرى فيه نظير ما مر في حدوث النعمة (قوله: كإن شفاني الله) قال البجيرمي نقلا عن س ل: يظهر أن المراد بالشفاء: زوال العلة من أصلها، وأنه لا بد فيه من قول عدلي طب أخذا مما مر في المرض المخوف أو من معرفة المريض ولو بالتجربة ويظهر أنه لا يضر بقاء أثره من ضعف الحركة ونحوه. اه. (قوله: أو سلمنى) معطوف على فعل الشرط، فهو مثال ثان (قوله: فعلى كذا) جواب الشرط بالنسبة للمثالين (قوله: أو ألزمت الخ) معطوف على فعلى كذا، فهو جواب للشرط أيضا. وقوله كذا: تنازعه كل من ألزمت ومن واجب على: أي ألزمت نفسى كذا، أو واجب على كذا، وهو عبارة عن صدقة أو صلاة أو صيام كما مر (قوله: وخرج بلفظ) أي بقسميه المنجز والمعلق. وقوله النية: فاعل خرج (قوله: فلا يصح) أي النذر. وقوله بمجرد النية: أي بالنية المجردة وإشارة أخرس ينعقد بالكتابة مع النية عن اللفظ وعن الكتابة أيضا وإشارة الأخرس المفهمة لما مر أنه تفهم الالتزام. وقوله كسائر العقود: أي فإنها لا تنعقد بالنية فقط. وقوله إلا باللفظ: الصواب إسقاطه، لأن قوله فلا يصح: مفرع على المخرج باللفظ. (قوله: وقيل يصح) أي النذر. ولم يذكر هذا القيل في الأسنى، وشرح المنهاج، والتحفة، وفتح الجواد، والنهاية، والمغني، فانظره فلعله في غير هذه الكتب. (قوله: فيلزم إلخ) مفرع على انعقاد النذر باللفظ المذكور. أي وإذا انعقد: لزمه ما التزمه فورا في النذر المنجز، وعند وجود المعلق عليه في المعلق، لأن الله تعالى قد ذم أقواما عاهدوا ولم يفوا، فقال: * (ومنهم من عاهد الله) * (1) الآية. وللحديث المار: من نذر أن يطيع الله فليطعمه. وقوله: عليه متعلق بيلزم على تضمينه معنى يجب كما مر غير مرة. وقوله: حالا منصوب بإسقاط الخافض. أي لزمه أداء ما التزمه في الحال. والذي في النهاية أنه يجب عليه ذلك وجوبا موسعا. وقوله: في منجز متعلق بيلزم باعتبار قيده أي يلزمه حالا في النذر المنجز. قوله: وعند الخ معطوف على حالا، أي ويلزم ذلك عند وجود صفة في النذر المعلق عليها. (قوله: وظاهر كلامهم) عبارة شيخه: وظاهر كلامه بإفراد الضمير العائد على المصنف - وكتب عليه سم ما نصه: قوله: وظاهر كلامه إلخ. قد يقال المفهوم من العبارة فور اللزوم، وهو لا يستلزم فور الأداء. اه. وما قاله يؤيد كلام الرملي في قوله إنه يجب عليه ذلك موسعا، وهو لا ينافي قولهم حالا، إذ هو بالنسبة للزوم، وما قاله بالنسبة للأداء، فهو يتعلق بذمته حالا، ولكن لا يجب عليه أداؤه في الحال. وقوله: أنه أي الناذر المعلق نذره على صفة. (قوله: يلزمه الفور بأدائه) قال في النهاية: محله إذا كان لمعين وطالب به وإلا فلا. اه. (قوله: خلافا لقضية كلام ابن عبد السلام) أي من أنه لا

_ (1) التوبة: 75

ويصح النذر بما في ذمة المدين - ولو مجهولا - فيبرأ حالا، وإن لم يقبل - خلافا للجلال البلقيني - ولو نذر لغير أحد أصليه أو فروعه من ورثته بماله قبل مرض موته بيوم ملكه كله من غير مشارك، لزوال ملكه عنه، ولا يجوز للاصل الرجوع فيه. وينعقد معلقا في نحو: إذا مرضت فهو نذر قبل مرضي بيوم، وله التصرف قبل حصول المعلق عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ يلزمه الفور بأدائه عقب وجود المعلق عليه. (قوله: ولا يشترط قبول المنذور له إلخ) أي ولا يشترط في لزوم وفاء الناذر بما التزمه في ذمته بنذر المنجز أو المعلق أن يقبل لفظا لشخص المنذور له الشئ الملتزم أو يقبضه بالفعل، بحيث أنه إذا لم يقبل لفظا أو يقبض لا يلزم الناذر ذلك أي فيسقط عنه بل يشترط في ذلك أن لا يزده فما دام لم يرده اللزوم باق عليه. فإن رده سقط عنه. قال في شرح الروض: أي لأنه أتى بما عليه، ولا قدرة له على قبول غيره. قال الزركشي: ومقتضاه أنه لا يجبر فلان أي المنذور له على قبوله. ويفارق الزكاة بأن مستحقيها إنما أجبروا على قبولها خوف تعطيل أحد أركان الإسلام، بخلاف النذر. اه. ويفارق أيضا: بأن مستحقيها ملكوها، بخلاف مستحقي النذر. اه. ثم إن ما ذكر من أن الرد يؤثر: محله في المنذور الملتزم في الذمة كما أشرت إليه بقولي بما التزمه في ذمته أما المنذور المعين: فلا يتأثر بالرد. والفرق أن ما في الذمة لا يملك إلا بقبض صحيح فأثر الرد قبل القبض، وأن المعين يزول ملكه عنه بالنذر فلا يتأثر بالرد كما سيذكره الشارح وكما في التحفة، ونصها: ولا يشترط قبوله النذر، وهو كذلك. نعم، الشرط عدم رده، وهو المراد بقول الروضة عن القفال في إن شفى الله مريضى فعلي أن أتصدق على فلان بعشرة لزمته، إلا إذا لم يقبل فمراده بعدم القبول: الرد، لا غير، على أنه مفروض كما ترى في ملتزم في الذمة وما فيها لا يملك إلا بقبض صحيح، فأثر، وبه يبطل النذر من أصله، ما لم يرجع ويقبل كالوقف على ما مر فيه، بخلاف نذره التصدق بمعين، فإنه يزول ملكه عنه بالنذر، ولو لمعين فلا يتأثر بالرد، كإعراض الغانم بعد اختياره التملك. اه. (قوله: ويصح النذر) أي للمدين. (وقوله: بما في ذمة المدين) أي بالدين الذي في ذمة المدين. وقوله: ولو مجهولا أي ولو كان الذي في الذمة قدرا مجهولا للناذر، فإنه يصح، لأن النذر لا يتأثر بالغرر بخلاف البيع. (قوله: فيبرأ) أي المدين. (وقوله: وإن لم يقبل) أي وإن رد ذلك. (قوله: خلافا للجلال البلقيني) هكذا في التحفة، والمتبادر من صنيعه أنه راجع للغاية الثانية، فيكون الجلال خالف في براءته عند عدم القبول. (قوله: ولو نذر لغير أحد أصليه) خرج به ما لو نذر لأحد أصليه، فلا يصح نذره، وهذا بناء على ما جرى عليه المؤلف تبعا لجمع من أن النذر لأحد أصوله مكروه، وهو لا يصح نذره. أما على المعتمد من أن محل عدم الصحة في المكروه لذاته فقط، فيصح، لأن هذا مكروه لعارض، وهو خشية العقوق من الباقي. وقوله: أو فروعه معطوف على أصليه، فلفظ أحد: مسلط عليها أي أو لغير أحد فروعه وخرج به ما لو نذر لأحد فروعه، فإنه لا يصح هذا أيضا، بناء على ما جرى عليه المؤلف من أن النذر لأحد فروعه مكروه، وهو لا يصح نذره. أما على المعتمد فيصح نذره كما سبق وجرى في التحفة على المعتمد في هذه وفيما قبلها ورد ما جرى عليه جمع، وقد تقدم لفظها عند قول شارحنا: وكالمعصية المكروه. وقوله: من ورثته بيان لغير من ذكر، ودخل في الورثة جميع الحواشي كالإخوة والأعمام ودخل أيضا النذر لجميع أصوله، أو لجميع فروعه، فإنه يصح بالاتفاق، وذلك لأن المنفي هو أحد الأصول أو أحد الفروع فقط، فغير هذا الأحد صادق بجميع ما ذكر. وقوله: بماله متعلق بنذر. وقوله: قبل مرض موته متعلق بنذر أيضا. وخرج به ما إذا كان النذر في مرض موته، فإنه لا يصح نذره في الزائد على الثلث، إلا إن أجاز بقية الورثة، وذلك لأن التبرعات المنجزة في مرض الموت تصح في الثلث فقط، ولا تصح في الزائد عليه إلا إن أجاز بقية الورثة. (قوله: ملكه كله) أي ملك المنذور له المال كله. وقوله: من غير مشارك أي من غير أن أحدا من الورثة الباقين يشاركه فيه، بل يختص به. (قوله: لزوال ملكه) أي الناذر من قبل مرض الموت. وقوله: عنه أي عن ماله كله الذي نذره. قوله: ولا يجوز للأصل الرجوع فيه انظره مع قوله

ويلغو قوله: متى حصل لي الامر الفلاني أجئ لك بكذا - ما لم يقترن به لفظ التزام، أو نذر. وأفتى جمع فيمن أراد أن يتبايعا فاتفقا على أن ينذر كل للآخر بمتاعه، ففعلا، صح، وإن زاد المبتدئ: إن نذرت لي بمتاعك. وكثيرا ما يفعل ذلك فيما لا يصح بيعه ويصح نذره. ويصح إبراء المنذور له الناذر - عما في ذمته. قال القاضي: ولا يشترط معرفة الناذر ما نذر به - كخمس ما ـــــــــــــــــــــــــــــ لغير أحد أصوله أو فروعه، فإن ذلك يفيد أن نذر الأصل لأحد فروعه لا يصح من أصله، وهذا يفيد أنه يصح، إلا أنه لا يصح رجوعه فيه، وبينهما تناف. فكان الصواب إسقاطه، إلا أن يقال إن هذا مفروض فيما إذا نذر الأصل لجميع فروعه، وهو يصح كما مر وهو بعيد أيضا، فتأمل. ثم إن عدم جواز رجوع الأصل على الفرع فيما نذره هو المعتمد الذي جرى عليه كثيرون. وقد صرح به الشارح في باب الهبة، ونص عليه في التحفة في بابها أيضا، وعبارتها: وبحث البلقيني امتناعه أي الرجوع في صدقة واجبة، كزكاة، ونذر، وكفارة، وكذا في لحم أضحية تطوع لأنه إنما يرجع ليستقل بالتصرف، وهو فيه ممتنع. وبما ذكره أفتى كثيرون ممن سبقه. وتأخر عنه، وردوا على من أفتى بجواز الرجوع في النذر بكلام الروضة وغيرها. اه. بتصرف. (قوله: وينعقد) أي النذر. (وقوله: معلقا) حال من فاعل ينعقد أي لا منجزا. (وقوله: في نحو إذا مرضت) دخل فيه إذا سافرت. (قوله: فهو نذر له) جواب إذا. والضمير الأول راجع للمنذور، والثاني راجع للشخص المنذور. (قوله: وله) أي الناذر المعلق نذره. وقوله: التصرف أي ببيع أو غيره. وقوله: قبل حصول المعلق عليه وإنما صح التصرف قبله لضعف النذر حينئذ. (قوله: وبلغوا إلخ) كلام مستأنف ليس له تعلق بما قبله، فلو أخره وذكره بعد قوله ويقع لبعض العوام وجعلت هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما صنع في التحفة لكان أولى. وعبارة التحفة: يقع لبعض العوام جعلت هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فيصح، لأنه اشتهر في النذر، بخلاف: متى حصل لي كذا أجئ له بكذا، فإنه لغو ما لم يقترن لفظ به التزام، أو نذر أي أو نيته ولا نظر إلى أن النذر لا ينعقد بالنية، لأنه لا يلزم من النظر إليها في التوابع النظر إليها في المقاصد. اه. بحذف. وقوله: ما لم يقترن به أي بقوله المذكور. وقوله: لفظ التزام أي كأن قال: متى حصل لي الأمر الفلاني، فلله علي أن أجئ لك بكذا. وقوله: أو نذر أي أو لفظ نذر كأن قال متى حصل لي الأمر الفلاني، فنذر علي أن أجئ لك بكذا. ومثلهما النية كما مر عن التحفة. (قوله: فيمن أرادا) راعى معنى من فثنى الضمير. وقوله: أن يتبايعا أي يبيع كل منهما متاعه لصاحبه ويشتري بدله متاعه. (قوله: فاتفقا) أي المتبايعان. (قوله: ففعلا) أي نذر كل للآخر بمتاعه. (قوله: صح) هو المفتى به، وهو لا يصح أن يكون مفعولا لأفتى، فكان الصواب أن يقول بالصحة، وعليه يصير متعلقا بأفتى. (قوله: وإن زاد المبتدئ إلخ) أي يصح نذر كل لصاحبه بمتاعه، وإن أتى المبتدئ بصيغة التعليق بعد قوله نذرت لك، بأن قال نذرت لك بمتاعي إن نذرت لي بمتاعك. (قوله: وكثيرا ما يفعل ذلك) أي ما ذكر من نذر كل لصاحبه بمتاعه. وقوله: فيما لا يصح بيعه ويصح نذره أي كما في الربويات مع التفاصيل، فإنه لا يصح بيعها ويصح نذرها. (قوله: ويصح إبراء المنذور له الناذر عما في ذمته) أي يصح أنه يبرئ الشخص المنذور له الناذر عما التزمه في ذمته بنذره له وإن لم يقبضه كما يصح إسقاط حق الشفعة. (قوله: قال القاضي إلخ) قال الرشيدي: عبارة القاضي: إذا قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن تصدق بخمس ما يحصل لي من المعشرات، فشفي، يجب التصدق به. وبعد إخراج الخمس يجب العشر في الباقي إن كان نصابا ولا عشر في ذلك الخمس، لأنه لفقراء غير معينين. فأما إذا قال: لله علي أن أتصدق بخمس مالي: يجب إخراج العشر، ثم ما بقي بعد إخراج العشر يخرج منه الخمس. انتهت. قال الأذرعي: ويشبه أن يفصل في الصورة الأولى. فإن تقدم النذر على اشتداد الحب فكما قال، وإن نذر بعد اشتداده وجب إخراج العشر اولا من الجميع. اه. وقوله: ولا يشترط معرفة الناذر ما نذر به أي لا يشترط في صحة النذر أن يعرف الناذر ما نذره قدرا أو عينا أو صفة، وذلك لقوة

يخرج له مع معشر، وككل ولد، أو ثمرة يخرج من أمتي أو شجرتي هذه -. وذكر أيضا أنه لا زكاة في الخمس المنذور. وقال غيره: محله إن نذر قبل الاشتداد، ويصح النذر للجنين - كالوصية له، بل أولى، لا للميت - إلا لقبر الشيخ الفلاني، وأراد به قربة. ثم: كإسراج ينتفع به، أو اطرد عرف - فيحمل النذر له على ذلك. ويقع لبعض العوام: جعلت هذا للنبي (ص) فيصح - كما بحث - لانه اشتهر في عرفهم للنذر، ويصرف لمصالح الحجرة النبوية. قال السبكي: والاقرب عندي في الكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة، أن من خرج من ماله عن شئ لها واقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها: صرف إليها واختصت به. اه. قال ـــــــــــــــــــــــــــــ النذر، فاغتفر فيه من الضرر والجهالات ما لا يغتفر في غيره. (قوله: كخمس ما يخرج له من معشر) أي كنذر خمس ما يخرج له من المعشرات، فهو صحيح مع أنه حال النذر لم يعرفه، وهو تمثيل لنذر ما لم يعرفه الناذر. (قوله: وككل ولد أو ثمرة) معطوف على كخمس: أي وكنذر وكل ولد يخرج من أمتي، أو كل ثمرة تخرج من شجرتي، فهو صحيح مع أنه حال النذر لم يعرفه. وقوله: هذه راجع للأمة أو للشجرة، وهو يفيد أنه يشترط تعيين الأمة والشجرة، وليس كذلك. (قوله: وذكر) أي القاضي، كما يعلم من عبارته المارة. وقوله: أيضا أي كما ذكر ما مر. (قوله: أنه لا زكاة في الخمس) أي لما مر أنه لفقراء غير معينين، والزكاة إنما تجب على معين كما مر. (قوله: وقال غيره) أي غير القاضي وهو الأذرعي كما صرح به الرشيدي في عبارته المارة. (قوله: محله) أي عدم وجوب الزكاة في الخمس المنذور. (قوله: إن نذر قبل الاشتداد) أي قبل الصلاح للثمرة، وخرج به ما إذا نذره بعده، فإن الزكاة تتعلق بالخمس المنذور. فيخرج الزكاة أولا من المعشر بتمامه، ثم يخرج خمسه. وكتب سم ما نصه: قوله: قبل الاشتداد. مفهومه أن فيه الزكاة إن نذر بعد الاشتداد. فإن أريد الواجب بالنذر حينئذ: خمس ما عدا قدر الزكاة ففيه إنه وإن كان الخمس حينئذ أي خمس الجملة قد أخرجت زكاته، فالمنذور ليس خمسا أخرجت زكاته. وإن أريد أن المنذور حينئذ خمس المجموع، لكن يسقط منه قدر زكاته، ففيه أن النذر لا يتعلق بالزكاة، لأنها ملك غير الناذر، فلا تصدق الزكاة في الخمس المنذور. اه. (قوله: ويصح النذر للجنين كالوصية) أي قياسا على صحة الوصية له. (قوله: بل أولى) أي بل صحة النذر له أولى من صحة الوصية. ووجه الأولوية أن النذر وإن شارك الوصية في قبول التعليق والخطر، وصحته بالمجهول والمعدوم هو يتميز عنها بأنه لا يشترط فيه القبول، بل عدم الرد فقط. (قوله: لا للميت) معطوف على للجنين، أي لا يصح النذر للميت لأنه لا ينتفع به، فهو إضاعة مال، وهي حرام. (قوله: إلا لقبر الشيخ الفلاني) لا معنى للاستثناء من الميت، فلو قال: ويصح لقبره أي الميت إن أراد به قربة هناك إلخ. لكان أولى وأخصر. فتنبه. (قوله: وأراد) أي الناذر. وقوله: به أي بنذره للقبر. وقوله: قربة ثم أي عند القبر. وقوله: كإسراج ينتفع به تمثيل للقربة المرادة هناك، والانتفاع به شرط، فلو لم يوجد هناك من ينتفع به من مصل أو نائم أو نحوهما لم يصح النذر، لأنه إضاعة مال. (قوله: أو اطراد عرف) معطوف على وأراد، أي أو اطرد عرف في صرف المنذور للقبر، كترميم أو صنع طعام للفقراء، ونحو ذلك. (قوله: فيحمل النذر له) أي للقبر. وقوله: على ذلك أي على ما اقتضاه العرف. (قوله: ويقع لبعض العوام إلخ) مثله في التحفة والنهاية. (قوله: جعلت إلخ) فاعل يقع، لأن القصد اللفظ، أي ويقع هذا اللفظ من بعض العوام. (قوله: فيصح) أي هذا اللفظ للنذر. (قوله: لأنه اشتهر إلخ) تعليل للصحة. وقوله: في عرفهم أي الفقهاء. وقوله: للنذر متعلق باشتهر. (قوله: ويصرف) أي المجعول للنبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: لمصالح الحجرة النبوية أي من بناء، أو ترميم، أو تطيب، أو كسوة. (قوله: والأقرب عندي إلخ) مقول القول. (قوله: والمساجد الثلاثة) أي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى. (قوله: أن من إلخ) اسم أن ضمير الشأن وجملة الشرط، والجواب خبرها، والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها: خبر الأقرب. وقوله: خرج أي بطريق النذر. وقوله لها

شيخنا: فإن لم يقتض العرف شيئا، فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف رأي ناظرها. قال: وظاهر أن الحكم كذلك في النذر لمسجد غيرها. انتهى. وأفتى بعضهم في، إن قضى الله حاجتي فعلي للكعبة كذا، بأنه غيرها. انتهى يتعين لمصالحها، ولا يصرف لفقراء الحرم - كما دل عليه كلام المهذب وصرح به جمع متأخرون. ولو نذر شيئا للكعبة ونوى صرفه لقربة معينة - كالاسراج - تعين صرفه فيها، إن احتيج لذلك، وإلا بيع، وصرف لمصالحها - كما استظهره شيخنا -. ولو نذر ـــــــــــــــــــــــــــــ بخرج، والضمير يعود للكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة. (قوله: واقتضى إلخ) الجملة حالية، يعني أن من خرج من ماله لها، والحال أن العرف اقتضى صرفه في جهة من جهاتها، صرف إليها. وقوله: صرفه أي الشئ المخرج لها. وقوله: في جهة من جهاتها أي كبناء، أو ترميم، أو إسراج، أو تطيب، أو كسوة، أو نحو ذلك. (قوله: صرف) أي الشئ المخرج وهو جواب من. وقوله: إليها أي تلك الجهة التي اقتضاها العرف. (قوله: واختصت) أي تلك الجهة. وقوله: به أي بالعرف، فلا يقوم غير مقامها. (قوله: قال شيخنا) أي في التحفة. (قوله: فإن لم يقتض العرف شيئا) أي جهة يصرف المال إليها. (قوله: فالذي يتجه إلخ) جواب أن. وقوله: يرجع يقرأ بالبناء للمجهول. وقوله: في تعيين المصرف أي مصرف المال المخرج لما ذكر من الكعبة وما بعدها. (قوله: لرأي ناظرها) أي الناظر عليها، فهو الذي يعين المصرف بحسب ما يقتضيه نظره. (قوله: قال) أي شيخه. (قوله: أن الحكم كذلك في النذر إلخ) أي فإن اقتضى العرف شيئا، عمل به، وإلا فيرجع لرأي الناظر. وقوله: لمسجد بالتنوين. وقوله: غيرها أي غير المساجد الثلاثة. قوله: وأفتى بعضهم في إن قضى الله إلخ أي فيما إذا علق إخراج شئ من ماله للكعبة على قضاء حاجته وقضيت، هذا هو المراد. وقوله: بأنه إلخ متعلق بأفتى، وضميره وضمير الفعل الذي بعده يعود على ما التزمه معلقا. وقوله: لمصالحها أي الكعبة، من بناء، أو ترميم، أو نحو ذلك مما مر. قوله: ولا يصرف لفقراء الحرم من هنا يؤخذ الفرق بين الإفتاء المذكور وبين ما مر عن السبكي، فإن ما مر عنه مبني على العرف، ومفاده أنه إذا اقتضى العرف صرفه للفقراء صرف إليهم. ورأيت ع ش كتب على قوله: ويصرف لمصالح الحجرة النبوية في صورة ما يقع لبعض العوام من جعلت إلخ، ما نصه: أي من بناء أو ترميم دون الفقراء ما لم تجربه العادة. اه. والظاهر أن مثله يجري هنا، فيقال: لا يعطى للفقراء ما لم تجربه عادة وإلا فيعطى لهم. وعليه: لا فرق بين الإفتاء المذكور، وما مر عن السبكي. فتنبه. قوله: كما دل عليه أي على عدم صرفه للفقراء، وهذا من كلام بعضهم المفتي بذلك، لا من كلام الشارح. وقوله: كلام المهذب: قال في التحفة بعده: وخبر مسلم: لولا قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله. المراد بسبيل الله فيه، إنفاقه في مصالحها. اه. وكتب سم ما نصه: قوله: المراد بسبيل الله إلخ: هذا خلاف المتبادر جدا من سبيل الله. وأيضا: فقومها لا يكرهون إنفاق كنزها في مصالحها. اه. قوله: ولو نذر شيئا للكعبة إلخ في الروض وشرحه: وإن نذر سترا للكعبة - ولو بالحرير - أو تطييبها أو صرف ماله فيه - أي في سترها أو تطييبها - جاز، لأنه من القربات. فإن الناس اعتادوها على ممر الأعصار، ولم ينكره أحد. فإن نوى المباشرة لذلك بنفسه لزمه، وإلا فله بعثه إلى القيم ليصرفه في ذلك. وفي جواز نذر تطيب مسجد المدينة والأقصى وغيرهما من المساجد، تردد للإمام. قال في الأصل: ومال إلى تخصيصه بالكعبة والمسجد الحرام. وقال في المجموع: المختار: الصحة في كل مسجد، لأن تطييبها سنة مقصودة، فلزم بالنذر، كسائر القرب. وخرج بالمساجد البيوت ونحوها - كمشاهد العلماء، والصالحين -. اه. بحذف. قوله: ونوى أي من غير لفظ، بأن قال: نذرت هذا للكعبة. ونوى صرفه للإسراج أو للتطييب أو نحو ذلك. قوله: كالإسراج تمثيل للقربة المعينة. وقوله: تعين صرفه أي الشئ المنذور. وقوله: فيها أي في القربة المعينة المنوية. قوله: إن احتيج لذلك أي لصرف الشئ المنذور في القربة المعينة التي نواها. قوله: وإلا أي وإن

إسراج نحو شمع أو زيت بسمجد، صح - إن كان ثم من ينتفع به، ولو على ندور - وإلا فلا. ولو نذر إهداء منقول إلى مكة، لزمه نقله، والتصدق بعينه على فقراء الحرم ما لم يعين قربة أخرى - كتطييب الكعبة - فيصرفه إليها. وعلى الناذر مؤنة إيصال الهدي إلى الحرم - فإن كان معسرا، باع بعضه لنقل الباقي. فإن ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يحتج لذلك، بأن كان نوى في نذره الإسراج، وليس هناك أحد ينتفع به. وقوله: بيع أي الشئ المنذور والمنوي للإسراج مثلا. قوله: وصرف أي ثمنه. وقوله: لمصالحها أي الكعبة مما مر آنفا. قوله: ولو نذر إسراج إلخ أي بأن قال: علي نذر أن أسرج هذا الشمع في المسجد. والفرق بين هذه الصورة، وما قبلها، أن هذه صرح فيها لفظا بالجهة، وتلك نواها فيها فقط. قوله: أو زيت معطوف على نحو، من عطف الخاص على العام. قوله: بمسجد قال في التحفة: أو غيره - كمقبرة. قوله: صح أي نذره وهو جواب لو. قوله: إن كان ثم أي في المسجد الذي نذر الإسراج فيه. وقوله: من ينتفع به أي بالإسراج. قوله: ولو على ندور أي ولو كان الانتفاع به على قلة، أي ليس دائما بل في بعض الأوقات. قوله: وإلا فلا أي وإن لم يكن ثم من ينتفع به فلا يصح نذره، لأنه إضاعة مال. قال البجيرمي: فهو باق على ملك مالكه، لا يتصرف فيه من دفعه له، فإن مات دفع لوارثه إن علم، وإلا صار للمصالح العامة إن لم يتوقع معرفته، وإلا وجب حفظه حتى يدفع له. اه. وانظر ما الفرق بين هذه الصورة - حيث بطل النذر فيها إذ لم يكن ثم من ينتفع به - وبين الصورة المارة في الكعبة - حيث إنه إذا لم يحتج إلى الصرف إلى الجهة المنوية بيع، وصرف لمصالحها؟ ويمكن أن يقال: الفرق أنه هنا صرح بالجهة في نذره لفظا، بخلافه هناك، فإنه لم يصرح بها لفظا في نذره، وإنما نواها فقط. فصار اللفظ في الأولى: كالقيد لصحة النذر، فإذا لم يوجد القيد لم يوجد المقيد. بخلاف الثانية، فإن صيغة النذر مطلقة، والنية لا تؤثر تأثيرا قويا. قوله: ولو نذر إهداء منقول أي ما يسهل نقله من نعم أو غيره، بدليل مقابله، وهو: فإن تعسر نقله إلخ. وقوله: إلى مكة أو إلى الحرم، فمكة ليست بقيد، ولو عبر بالحرم بدل مكة - كالمنهج - لكان أولى. قوله: لزمه نقله أي إلى مكة إن عينها في نذره، وهو ظاهر عبارته. فإن لم يعينها فيه، فإلى الحرم، لأنه محل الهدي. قوله: والتصدق بعينه أي ولزمه التصدق بعينه، أي فيما إذا عينه في نذره، كأن قال: علي أن أتصدق بهذا. فيلزمه ذلك، ولا يجزئه مثله، ولو من جنسه. وهذا في غير ما يذبح. أما هو: فبعد ذبحه. ومحل لزوم التصدق بالعين: إذا لم يعسر التصدق به، فإن عسر - كلؤلؤ - باعه، وفرق ثمنه على فقراء الحرم. ثم إن استوت قيمته ببلده وبالحرم: تخير في بيعه فيما شاء منهما، وإلا لزمه بيعه في الأزيد قيمة، وإن كان بين بلده والحرم كما استظهره في التحفة. وقوله: على فقراء الحرم أي المقيمين والمستوطنين، ويجب التعميم في المحصورين بأن سهل عدهم على الآحاد، ويجوز في غيرهم الاقتصار على ثلاثة. قال ع ش: ولا يجوز له أي الناذر - الأكل منه، ولا لمن تلزمه نفقتهم - قياسا على الكفارة. اه. قوله: ما لم يعين إلخ قيد في لزوم التصدق بعينه. أي محله ما لم يعين الناذر في نذره قربة أخرى غير التصدق على الفقراء، كصرف ما نذره إلى تطييب الكعبة أو سترها. فإن عينها صرفه إلى تلك القربة المعينة. وقوله: كتطييب الكعبة تمثيل للقربة. وقوله: فيصرفه أي المنذور. وهو جواب شرط مقدر، أي وإذا عين ذلك صرفه. وقوله: إليها أي إلى القربة الأخرى. قوله: وعلى الناذر مؤنة إيصال الهدي أي ما أهداه من نعم أو غيرها. ولو قال: إيصال المنقول لكان أولى وأنسب بما قبله. وقوله: إلى الحرم متعلق بإيصال. قوله: فإن كان أي الناذر. وقوله: معسرا أي لم يكن عنده مؤنة النقل. وقوله: باع بعضه أي بعض الهدي، وهذا إن أمكن - بأن تعدد، أو لم يتعدد وأمكن بيع ربعه أو نصفه - وإلا فيصير مما تعسر نقله فيبيعه، ويتصدق بثمنه على فقراء الحرم. فتنبه. وقوله: لنقل الباقي أي لأجل نقل الباقي إلى الحرم. وهو تعليل لبيع البعض. قوله: فإن تعسر نقله أي المنذور. وهو مقابل قوله

تعسر نقله - كعقار، أو حجر رحى - باعه، ولو بغير إذن حاكم، ونقل ثمنه، وتصدق به على فقراء الحرم. وهل له إمساكه بقيمته أو لا؟ وجهان. ولو نذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة، أجزأ بعضها عن بعض - كالاعتكاف - ولا يجزئ ألف صلاة في غير مسجد المدينة عن صلاة نذرها فيه، كعكسه - كما لا يجزئ قراءة الاخلاص عن ثلث القرآن المنذور. ومن نذر إتيان سائر المساجد وصلاة التطوع فيه، صلى حيث شاء، ولو في بيته. ـــــــــــــــــــــــــــــ منقول، المراد منه ما يسهل نقله - كما علمت. قوله: كعقار فيه أن هذا يتعذر نقله بالكلية. وعبارة الروض: وما تعذر نقله مما أهداه - كالدار - أو تعسر - كحجر الرحى - فعليه بيعه، ونقل ثمنه. اه. وهي ظاهرة. فلو جرى المؤلف على صنيعه، بأن قال: فإن تعذر أو تعسر. لكان أولى. قوله: باعه أي ما تعسر نقله. وقوله: ونقل ثمنه معطوف على باعه. والمتولي لجميع ذلك هو الناذر، وليس لقاضي مكة نزعة منه - كما في التحفة، والنهاية، والمغني. قوله: وهل له أي للناذر. وقوله: إمساكه أي المتعسر نقله، والمراد به عدم بيعه. وقوله: بقيمته أي ويدفعها لفقراء الحرم. وقوله: أو لا أي أو ليس له إمساكه، بل يجب عليه بيعه. وقوله: وجهان أي فقال بعضهم بالأول، وقال بعضهم بالثاني. قال في التحفة: ويظهر ترجيح أنه ليس له إمساكه بقيمته، لأنه متهم في محاباة نفسه، ولاتحاد القابض والمقبض. اه. ومثله في النهاية. قوله: ولو نذر إلخ كان المناسب أن يؤخره عن قوله: ومن نذر إتيان سائر المساجد إلخ. ويغير هذا الأسلوب، كأن يزيد عقب قوله حيث شاء حكم المساجد الثلاثة، بأن يقول بعده: نعم، المساجد الثلاثة تتعين، لمزيد فضلها، ويجزئ بعضها عن بعض. قوله: أجزأ بعضها عن بعض كان الأولى أن يقول: صح نذره وأجزأ إلخ، والمراد: أجزأ بعضها الفاضل عن بعضها المفضول، فإذا نذر الصلاة في المسجد الأقصى: تجزئه الصلاة في المسجد الحرام أو المسجد المدني. أو نذر في المدني تجزئ في المكي، لا العكس. قوله: كالاعتكاف أي نظير الاعتكاف في أنه إذا نذره في أحد المساجد الثلاثة أجزأ بعضها عن بعض، لكن بالمراد المار. قوله: ولا يجزئ ألف صلاة أي أو مائة صلاة بالنسبة لمن نذر صلاة واحدة في المسجد الحرام، وإنما لم يجزئ ذلك لأن العبرة بما نذره، فلا يجزئ غيره عنه، وإن كان يساويه في الفضل. وقوله: عن صلاة نذرها فيه أي في مسجد المدينة. قوله: كعكسه وهو أنه لا يجزئ صلاة في المسجد النبوي عن ألف صلاة نذرها في غير مسجد المدينة. قوله: كما لا يجزئ إلخ أي نظير ما لو نذر أن يقرأ ثلث القرآن، فلا يجزئ أن يقرأ بدله سورة الإخلاص، وإن ورد أنها تعدل ثلث القرآن. قوله: ومن نذر إتيان سائر المساجد اعلم أن لفظ سائر: إن أخذ من السؤر - أي البقية - فهو بمعنى باقي. وإن أخذ من سور البلد - أي المحيط بها - يكون بمعنى جميع. والمناسب هنا: الثاني، لأنه لم يتقدم حكم إتيان بعض المساجد، حتى يكون هذا بيانا لحكم بقيتها. وعليه: فلا بد من استثناء المساجد الثلاثة، فإنها تتعين للنذر - كما علمت - ويمكن أن يقال باحتمال الأول، ويكون قوله ولو نذر الصلاة إلخ: متضمنا لحكم النذر في المساجد الثلاثة، وهو تعينها به. ثم إن نذره إتيان جميع المساجد ليس بقيد، بل مثله في عدم التعين للصلاة إتيان مسجد منها، ولو عبر به - كغيره - لكان أولى. وقوله: وصلاة التطوع فيه يعني ونذر صلاة التطوع في سائر المساجد، وهي المقصودة من النذر. وأما الإتيان إلى ما ذكر فهو لازم. فلو قال: ومن نذر صلاة التطوع في سائر المساجد. لكان أولى. وخرج بصلاة التطوع صلاة الفرض، فإذا نذرها في مسجد تعينت فيه - صرح به في الروض، وعبارته مع شرحه: لو قال: لله علي أن أصلي الفرائض في المسجد: لزمه أن يصليها فيه، بخلاف النفل. والفرق أن أداء الفرائض في المسجد أفضل، ولا يتعين لها مسجد. وقضيته: أنه لو عين لها مسجدا غير الثلاثة، جاز أداؤها في غيره. اه. ومثل صلاة التطوع الصوم، فإذا نذره في مسجد لا يتعين له، إلا أنه لا يستثنى فيه شئ من المساجد، فلا يتعين الصوم بنذره في مسجد - ولو كان أحد المساجد الثلاثة -. قوله: صلى أي الناذر. وقوله: حيث شاء أي في أي مكان شاء الصلاة فيه - سواء كان المنذور فيه أو غيره -. وقوله: ولو في بيته

ولو نذر التصدق بدرهم لم يجزئ عنه جنس آخر. ولو نذر التصدق بمال بعينه، زال عن ملكه. فلو قال: علي أن أتصدق بعشرين دينارا وعينها على فلان، أو إن شفي مريضي فعلي ذلك: ملكها - وإن لم يقبضها ولا قبلها، بل وإن رد، فله التصرف فيها، وينعقد حول زكاتها من حين النذر. وكذا إن لم يعينها ولم يردها المنذور له فتصير دينا له عليه ويثبت لها أحكام الديون من زكاة وغيرها. ولو تلف المعين لم يضمنه، إلا أن قصر - على ما استظهره شيخنا -. ولو نذر أن يعمر مسجدا معينا أو في موضع معين، لم يجز له أن يعمر غيره بدلا عنه، ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ولو صلى في بيته، فإنها تكفى عن صلاته في المسجد المنذور الصلاة فيه. قوله: ولو نذر التصدق بدرهم أي معين أو غير معين. وقوله: لم يجزئ عنه جنس آخر أي لا يجزئ أن يتصدق بدل الدرهم من جنس آخر - كمن الذهب، أو من النحاس - ولا من جنسه أيضا في المعين، كأن قال: بهذا الدرهم. قوله: ولو نذر التصدق بمال بعينه أي كهذه الشاة، أو هذا الثوب، أو هذا الدينار، أو الدرهم. وقوله: زال عن ملكه أي بمجرد النذر، ولو لغير معين، أو لمعين ورده. بخلاف المنذور في ذمته، فإنه لا يزول ملكه عنه إلا بعدم رد النذور له، فإن رده برئ الناذر. قوله: فلو قال على إلخ مفرع على زوال ملكه عن المال المعين بمجرد النذر. قوله: وعينها أي العشرين دينارا، أو التعيين يكون بإشارة إليها، أو وصف، كأن قال: بهذه العشرين، أو العشرين هذه، أو العشرين التي في الصندوق، أو الكيس. وقوله: على فلان متعلق بأتصدق. قوله: أو إن شفي مريضي إلخ أي أو قال إن شفى الله مريضى فعلى عشرون دينارا لفلان - وعين تلك العشرين كما مر -. قوله: ملكها جواب فلو، والضمير المستتر يعود على المنذور له، والبارز يعود على العشرين دينارا. قوله: وإن لم يقبضها أي فلان المنذور له. وقوله: ولا قبلها أي وإن لم يقبلها لفظا. وقوله: بل وإن رد أي بل يملكها وإن ردها - لما مر أن المنذور المعين لا يتأثر بالرد - كإعراض الغانم بعد اختياره التملك. قوله: فله أي لفلان المنذور له. وقوله: التصرف فيها أي في العشرين. قوله: وينعقد حول زكاتها من حين النذر أي لأنها دخلت في ملكه من حينئذ. قوله: وكذا إن لم يعينها هذا مقابل قوله وعينها. أي وكذا يملكها المنذور له من حين النذر - إذا لم تكن معينة - كعلي أي أتصدق بعشرين، ولكن لم يردها على الناذر، فإن ردها برئ الناذر وبطل النذر، لما مر أن الملتزم في الذمة لا يملك إلا بقبض صحيح، فإذا رد قبل قبضه أثر فيه الرد. والحاصل أن النذر على فلان إن كان بمعين لم يرتد بالرد، وإن كان بغير معين ارتد به. قوله: فتصير أي العشرون. وقوله: دينا له أي للمنذور له. وقوله: عليه أي على الناذر. قوله: ويثبت لها أي العشرين التي صارت دينا على الناذر. وقوله: أحكام الديون فاعل يثبت. وقوله: من زكاة إلخ بيان للأحكام والزكاة على المنذور له، لأن العشرين المنذورة صارت ملكه، فهو كالدائن. وقوله: وغيرها أي غير الزكاة من جواز الاستبدال عنها والإبراء منها. قوله: ولو تلف المعين أي عند الناذر. قوله: لم يضمنه أي الناذر. وقوله: إلا إن قصر كأن طالبه المنذور له وامتنع من إعطائه إياه، فإنه يضمن بدله. وقوله: على ما استظهره شيخنا أي في التحفة. وعبارتها: وإن تلف المعين في يده لا يضمنه - أي إلا إن قصر - كما هو ظاهر. اه. قوله: ولو نذر أن يعمر مسجدا معينا أي كأن قال: لله علي أن أعمر هذا المسجد، أو المسجد الحرام. أو قال: إن شفى الله مريضي فعلي عمارة هذا المسجد، فإنه يتعين عليه عمارته، قال ع ش: ويخرج عن عهدة ذلك بما يسمى عمارة بمثل ذلك المسجد. اه. ولو قال: إن شفى الله مريضي عمرت مسجد كذا، فلغو، لأنه وعد عار عن الالتزام، والنذر هو التزام قربة - كما مر -. قال في التحفة: نعم، لو نوى به الالتزام لم يبعد انعقاده. اه. ومثله في النهاية. قوله: أو في موضع معين أي أو نذر أن يعمر مسجدا في مكان معين - كمكة والمدينة -. قوله: لم يجز إلخ جواب لو. وقوله: له أي للناذر. وقوله: أن يعمر غيره أي مسجدا غير المسجد الذي عينه في نذره. وقوله: بدلا عنه أي حال كون الغير بدلا عن المسجد الذي عينه. وخرج به ما لو أراد أن يعمره - لا بقصد البدلية عما نذره - فجائز. فالممنوع: تعميره بقصد البدلية. قال في النهاية: ولو نذر عمارة هذا المسجد وكان خرابا، فعمره غيره، فهل يبطل نذره لتعذر نفوذه، لأنه إنما أشار

في موضع آخر. كما لو نذر التصدق بدرهم فضة لم يجز التصدق بدله بدينار لاختلاف الاغراض. (تتمة) اختلف جمع من مشايخ شيوخنا في نذر مقترض مالا معينا لمقرضه ما دام دينه في ذمته فقال بعضهم لا يصح، لانه على هذا الوجه الخاص غير قربة، بل يتوصل به إلى ربا النسيئة. وقال بعضهم يصح، لانه في مقابلة حدوث نعمة ربح القرض إن اتجر به، أو فيه اندفاع نقمة المطالبة إن احتاج لبقائه في ذمته لاعسار أو ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه وهو خراب - فلا يتناوله خرابه مرة أخرى - أو لا، بل يوقف حتى يخرب فيعمره تصحيحا للفظ ما أمكن؟ كل محتمل، والأول أقرب. وتصحيح اللفظ ما أمكن إنما يعدل إليه إن احتمله لفظه، وقد تقرر أن لفظه لا يحتمل ذلك، لأن الإشارة إنما وقعت للخراب حال النذر لا غير. نعم، إن نوى عمارته - وإن خرب بعد - لزمته. اه. قوله: ولا في موضع آخر أي ولا يجوز أن يعمر مسجدا في موضع آخر غير الموضع الذي نذر أن يعمر مسجد فيه. قوله: كما لو نذر إلخ الكاف للتنظير، أي لا يجوز أن يعمر غير المعين، نظير ما لو نذر أن يتصدق بدرهم فضة، فلا يجوز أن يبدله بدينار. ومثله ما لو عين مكانا للصدقة فإنه يتعين ولا يجوز التصدق في غيره - كما مر. قوله: لاختلاف الأغراض أي المقاصد، وهو علة لكل من عدم جواز تعمير مسجد آخر غير المسجد المعين في النذر أو في موضع غير الموضع المعين فيه. وعدم جواز التصدق بدينار بدل الدرهم، أي وإنما لم يجز ذلك لاختلاف المقاصد، فيمكن أن الناذر له قصد وغرض بتعمير مسجد دون أخر، أو في موضع دون آخر، كقربه من داره، أو عدم وجود مسجد في ذلك الموضع الذي عين تعمير مسجد فيه. ويمكن أن الدرهم هو الرائج في السوق دون الدينار، فيرغب المنذور له في الأول، دون الثاني. قوله: تتمة أي في بيان حكم نذر المقترض لمقرضه. قوله: في نذر مقترض متعلق باختلف، والمراد الاختلاف في حكم ذلك، من الصحة وعدمها. قوله: مالا مفعول لنذر، ويصح أن يكون مفعولا لمقترض، ويكون مفعول نذر محذوفا يدل عليه المذكور. وقوله: معينا كعشرة دراهم، أو هذه العشرة. والتعيين ليس بقيد في صحة النذر، لما مر أنه لا يشترط معرفة الناذر ما نذر به، وأنه يصح بالمجهول والمعدوم - كالوصية. قوله: ما دام دينه عبارة النهاية: ما دام دينه أو شئ منه. ولو اقتصر على قوله في نذره ما دام مبلغ القرض في ذمته ثم دفع المقترض شيئا منه، بطل حكم النذر - أي بلا خلاف - لانقطاع الديمومة. اه. بحذف. قال ش ق: فيشترط أن يقول: لله علي ما دام المبلغ المذكور أو شئ منه في ذمتي أن أعطيك كل يوم أو كل سنة أو كل شهر كذا. فإن لم يقل أو شئ منه، ودفع دينارا مثلا، ونوى جعله من رأس المال، لم يلزمه بعد ذلك شئ، لأنه لم يبق المبلغ كله في ذمته. اه. إذا علمت ذلك، فقوله ما دام دينه: المراد كله، أو شئ منه، وليس المراد الأول فقط. قوله: فقال بعضهم: لا يصح أي نذر المقترض المذكور. قوله: لأنه أي النذر المذكور. وهو علة لعدم الصحة. وقوله: على هذا الوجه الخاص أي وهو كونه في مقابلة دوام الدين في ذمته. وقوله: غير قربة أي وشرط النذر أن يكون لقربة. وقوله: بل يتوصل به أي بالنذر. والإضراب انتقالي. وقوله: إلى ربا النسيئة أي هو أن يشترط أجلا في أحد العوضين. وفي ذلك نظر ظاهر، إذ هو لا يكون إلا في عقد كبيع - كما سيذكره بعده -. قوله: وقال بعضهم: يصح أي نذر المقترض للمقرض. قال ع ش: ومحل الصحة حيث نذر لمن ينعقد نذره له، بخلاف ما لو نذر لأحد بني هاشم والمطلب، فلا ينعقد، لحرمة الصدقة الواجبة - كالزكاة، والنذر، والكفارة - عليهم. اه. وجمع في التحفة بين القولين، وعبارتها: وقد يجمع بحمل الأول - أعني عدم الصحة - على ما إذا قصد أن نذره ذلك في مقابلة الربح الحاصل له. والثاني - أعني الصحة - على ما إذا جعله في مقابلة حصول النعمة أو اندفاع النقمة المذكورين، ويتردد النظر في حالة الإطلاق. والأقرب: الصحة، لأن إعمال كلام المكلف - حيث كان - له محمل صحيح، خير من إهماله. اه. بتصرف. قوله: لأنه أي نذر المقترض لمقرضه. وقوله: في مقابلة حدوث نعمة ربح القرض إضافة نعمة لما بعدها

إنفاق، ولانه يسن للمقترض أن يرد زيادة عما اقترضه فإذا التزمها بنذر انعقد، ولزمته، فهو حينئذ مكافأة إحسان، لا وصلة للربا، إذ هو لا يكون إلا في عقد كبيع، ومن ثم لو شرط عليه النذر في عقد القرض، كان ربا. وقال شيخ مشايخنا العلامة المحقق الطنبداوي، فيما إذا نذر المديون للدائن منفعة الارض المرهونة مدة بقاء الدين في ذمته: والذي رأيته لمتأخري أصحابنا اليمنيين ما هو صريح في الصحة، وممن أفتى بذلك شيخ الاسلام محمد بن حسين القماط والعلامة الحسين بن عبد الرحمن الاهدل. (والله أعلم). ـــــــــــــــــــــــــــــ للبيان، أي نعمة هي ربح القرض، وإضافة ربح لقرض بمعنى اللام. والمراد من القرض: اسم المفعول، أي ربح للمقرض. وقد عبر باسم المفعول في النهاية. وكتب ع ش ما نصه: قوله: لأنه في مقابلة إلخ. لكن مر أنه لو نذر شيئا لذمي أو مبتدع جاز صرفه لمسلم أو سني. وعليه، فلو اقترض من ذمي ونذر له بشئ ما دام دينه في ذمته، انعقد نذره، لكن يجوز دفعه لغيره من المسلمين. فتفطن له فإنه دقيق. وهذا بخلاف ما لو اقترض الذمي من مسلم ونذر له بشئ ما دام الدين عليه، فإنه لا يصح نذره، لما مر من أن شرط الناذر الإسلام. اه. قوله: أن اتجربه أي بالقرض، بمعنى اسم المفعول. قوله: أو فيه اندفاع إلخ أي أو لأن فيه اندفاع نقمة المطالبة. فقوله: اندفاع: معطوف على الضمير في لأنه، والجار والمجرور قبله معطوف على في مقابلة. وعبارة التحفة: أو اندفاع نقمة المطالبة، بإسقاط لفظ فيه. وهو الأولى، لأن المعنى أو لأنه في مقابلة اندفاع النقمة المذكورة. قوله: إن احتاج أي الناذر المقترض. وقوله: لبقائه أي الدين. وقوله: لإعسار علة للاحتياج. وقوله: أو إنفاق أي عليه أو على من تلزمه مؤنته، وهو معطوف على إعسار، فهو علة ثانية للاحتياج. قوله: ولأنه يسن الخ معطوف على لأنه في مقابلة إلخ، فهو علة ثانية لصحة نذر المقترض. وقوله: أن يرد زيادة أي للخبر الصحيح: إن خياركم أحسنكم قضاء. قوله: فإذا التزمها أي الزيادة. وقوله: بنذر أي بسبب نذر. وقوله: انعقد أي نذره. وقوله: ولزمته أي الزيادة التي التزمها. قوله: فهو أي ما التزمه المقترض بالنذر. وقوله: حينئذ أي حين إذ كان على هذا الوجه الخاص - أعني ما دام الدين في ذمته -. وقوله: مكافأة إحسان أي ذو مكافأة للإحسان، أي وهو رضا المقرض ببقاء ماله في ذمة المقترض. والحاصل الرضا المذكور إحسان، والتزام المقترض بشئ زائد على الدين الذي عليه مقابل له. قوله: لا وصلة للربا أي لا أنه يوصل للربا، أي ربا النسيئة. قوله: إذ هو أي الربا من حيث هو - سواء كان ربا نسيئه أو ربا قرض، أو لا. قوله: لا يكون إلا في عقد أي في صلب عقد، أي وفي مسألتنا لم يوجد عقد. وقوله: كبيع تمثيل للعقد. فإذا باعه ربويا بربوي متحدي الجنس، وشرط أحدهما في صلب العقد زيادة في أحد العوضين، كان ربا. قوله: ومن ثم أي ومن أجل أن الربا لا يكون إلا في عقد. قوله: لو شرط عليه النذر في عقد القرض كأن قال: أقرضتك هذه العشرة، بشرط أن تنذر أنك تردها اثني عشر. وقوله: كان ربا أي ربا قرض، إذ هو ما جر نفعا للمقرض مشروطا في صلب العقد - كما سيأتي -. قوله: وقال شيخ مشايخنا إلخ هذا تأييد للقول بصحة نذر المقترض شيئا للمقرض ما دام دينه في ذمته. قوله: فيما إذا نذر، إلخ أي في بيان حكم ذلك. وقوله: منفعة الأرض المرهونة هي ما يحصل من إيجارها أو من الثمار الكائنة فيها. وقوله: مدة إلخ ظرف متعلق بمنفعة. قوله: والذي رأيته إلخ مقول القول. قوله: ما هو صريح خبر الذي. وقوله: في الصحة أي صحة نذر منفعة الأرض المرهونة للدائن. قوله وممن أفتى بذلك أي بما ذكر، من صحة النذر بما ذكر للدائن. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المؤلفف رحمه الله تعالى. وقد تم تبيض وتحرير هذا الجزء الثاني من الحاشية المباركة - بحمد الله، وعونه، وحسن توفيقه - يوم الاربعاء المبارك لاثني عشر من شعبان المكرم، سنة تسع وتسعين بعن المائتين والالف، من هجرة من خلق على أحسن وصف. صلى الله عليه وسلم - على يد مؤلفها: فقير عفو ربه، وأسير وصمة ذنبه، الراجي من ربه كشف الغطا: أبي بكر بن محمد شطا - غفر الله له، ولمشايخه، ولمحبيه، ولسائر المسلمين. وأرجو - من الكريم الوهاب، متوسلا بسيدنا محمد: سيد الاحباب - أن يعين على التمام والكمال، ويمن علينا بجزيل الافضال. والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى وم الدين. وسلام على المرسلين. والحمد الله رب العالمين. آمين. تم الجزء الثاني من إعانة الطالبين ويليه الجزء الثالث: أوله (باب البيع)

فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين لزين الدين بن عبد العزيز المليباري الفناني الجزء الثالث دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر الطبعة الاولى 1418 هـ / 1997 م حارة حربك - شارع عبد النور - برقيا: فكسي - صحب 7061/ 11 تلفون: 838305/ 838202 / 838136 فاكس 009611837898 دولي: 009611860962

باب البيع

بسم الله الرحمن الرحيم باب البيع هو لغة: مقابلة شئ بشئ. وشرعا: مقابلة مال بمال. على وجه مخصوص. ـــــــــــــــــــــــــــــ باب البيع (1) لما أنهى الكلام على ربع العبادات، التي المقصود منها التحصيل الأخروي - وهي أهم ما خلق له الإنسان - أعقبه بربع المعاملات، التي المقصود منها التحصيل الدنيوي - ليكون سببا للأخروي - وأخر عنهما ربع النكاح - لأن شهوته متأخرة عن شهوة البطن، وأخر ربع الجنايات والمخاصمات لأن ذلك إنما يكون بعد شهوة البطن والفرج. (قوله: هو) أي البيع. (وقوله: لغة) الأظهر أنه تمييز للنسبة، أو ظرف مكان مجازا لها، فحقه التأخير عن الخبر. والتاء - في لغة - عوض من الواو، لأنه من لغا يلغو - إذا تكلم - تطلق اسما على ألفاظ مخصوصة، ومصدرا على الاستعمال، كقولهم لغة تميم إهمال ما - ونحو ذلك. (قوله: مقابلة شئ بشئ) أي على وجه المعاوضة، ليخرج نحو ابتداء السلام ورده، فلا تسمى مقابلة ابتداء السلام برده، ومقابلة عيادة مريض بعيادة مريض آخر بيعا في اللغة - كذا قال بعضهم - وقال بعضهم: الأولى إبقاء المعنى اللغوي على إطلاقه، وهو ظاهر كلام الشارح، ومنه بالمعنى اللغوي: قوله تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم) * - إلى أن قال سبحانه - * (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم) * (2)، وقول بعضهم: ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم ولا أسلمها إلا يدا بيد فإن وفيتم بما قلتم وفيت أنا وإن غدرتم فإن الرهن تحت يدي فالمبيع: هو المهجة - وهو الروح - والثمن: هو الوصل: (قوله: وشرعا) عطف على لغة، وهو مقابل لها. (وقوله: مقابلة إلخ) أي عقد يتضمن مقابلة مال بمال، لأن البيع ليس هو المقابلة، وإنما هو العقد. والأحسن في تعريفه - كما قال بعضهم - أن يقال: هو عقد معاوضة محضة يقتضي ملك عين أو منفعة على الدوام، لا على وجه القربة. ووجه الأحسنية فيه: أنه سالم من التسمح - بحذف المضاف المذكور - وأنه يشمل بيع المنافع على التأبيد: كبيع حق البناء والخشب على جداره، وكبيع حق الممر للماء بأن لا يصل الماء إلى محله إلا بواسطة ملك غيره. والتعريف الذي ذكره

_ (1) وهو عقد مشروع ثبتت مشرعيته بالكتاب والسنة ففى تنزيل العزيز الحميد قوله تعالى: (وأحل الله البيع) (البقرة، الاية: 275) وقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) (النساء، الاية: 29) وفي السنة عندما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الكسب أطيب؟ قال: " عمل الرجل بيده وكل عمل مبرور " رواه البزار وصححه الحاكم. (2) سورة التوبة، الاية: 111.

والاصل فيه قبل الاجماع آيات - كقوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * - وأخبار كخبر: سئل النبي (ص): أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور أي لا غش فيه ولا خيانة. (يصح) البيع (بإيجاب) من البائع - ولو هزلا - وهو ما دل على التمليك دلالة ظاهرة: (كبعتك) ذا بكذا، أو هو لك بكذا، (وملكتك)، أو وهبتك (ذا بكذا)، وكذا جعلته لك بكذا. إن نوى به البيع. (وقبول) من المشتري ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف لا يشمل ذلك إلا إن أريد بالمال فيه ما يشمل المنفعة. وخرج بقوله في التعريف الذي ذكره مقابلة إلخ: الهبة التي بلا ثواب، فإنه لا مقابلة فيها، فلا تسمى بيعا. وخرج أيضا: الإجارة والنكاح - لأنهما ليس فيها مقابلة مال بمال، لأن الإجارة فيها مقابلة منفعة بمال، والنكاح فيه مقابلة انتفاع. وخرج بالمعاوضة في التعريف الثاني نحو الهبة. وبالمحضة: نحو النكاح. وبقوله على الدوام: الإجارة - فإنها وإن كان فيها مقابلة منفعة بمال، ليست على الدوام. وبلا على وجه القربة: القرض، فإنه - وإن كان فيه معاوضة مال بمال - فهو على وجه القربة. (قوله: على وجه مخصوص) أي وهو شروطه الآتية. (قوله: والأصل فيه) أي في حكمه. (قوله: وأحل الله البيع) أي المعهود عندهم، وهو مقابلة مال بمال على وجه مخصوص - فالآية متضحة الدلالة - لا مجملة. (قوله: وأخبار) معطوف على آيات، أي والأصل فيه أخبار. (قوله: كخبر إلخ) أي وكخبر: إنما البيع عن تراض. (قوله: أي الكسب أطيب؟) أي أي أنواع الكسب أفضل وأحسن؟ (قوله: فقال) أي النبي. (وقوله: عمل الرجل بيده) أي وهو الصناعة - وقيل يشمل الزراعة - وكونه باليد جري على الغالب. (قوله: وكل بيع مبرور) هو التجارة. (وقوله: أي لا غش فيه ولا خيانة) هذا مدرج من كلام الراوي. والفرق بين الغش والخيانة: أن الأول تدليس يرجع إلى ذات المبيع، كأن يجعد شعر الجارية، ويحمر وجهها، والثاني أعم، لأنه تدليس في ذاته أو صفته أو أمر خارج، كأن يصفه بصفات كاذبة، وكأن يذكر له ثمنا كاذبا. (قوله: يصح البيع إلخ). (اعلم) أن أركان البيع ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة. وفي الحقيقة: ستة، لأن كل واحد من الأركان الثلاثة: تحته قسمان - فالأول: تحته البائع والمشتري. والثاني: تحته الثمن والمثمن. والثالث: تحته الإيجاب والقبول - ولم يصرح المؤلف بالركنين الأولين، وإنما أشار إليهما بقوله وشرط في عاقد، وقوله وفي معقوده. وصرح بالصيغة بقوله بإيجاب وقبول، وبدأ بها لقوة الخلاف فيها - وإن تقدما عليها طبعا - ثم هي على قسمين: صريح، وكناية، والأول: مما دل على التمليك - أو التملك - دلالة ظاهرة مما اشتهر وكرر على ألسنة حملة الشرع: كبعتك، وملكتك، أو وهبتك ذا بكذا. والثاني: ما احتمل البيع وغيره، كجعلته لك، وخذه، وتسلمه، وبارك الله لك فيه. ويشترط في صحة الصيغة: أن يذكر المبتدئ - بائعا أو مشتريا - كلا من الثمن والمثمن. وأما المجيب فلا يشترط أن يذكرهما - ولا أحدهما - فلو قال البائع: بعتك كذا بكذا، فقال قبلت، أو قال المشتري: اشتريت منك كذا بكذا، فقال البائع بعتك، كفى منهما. فإن لم يذكر المبتدي منهما العوضين معا: لم يصح العقد. أفاده البجيرمي. (قوله: ولو هزلا) غاية في صحة البيع بالإيجاب. أي يصح به ولو صدر منه على سبيل الهزل - أي المزح - وهو أن لا يقصد باللفظ حقيقة الايقاع. وفي سم: هل الاستهزاء كالهزل؟ فيه نظر، ويتجه الفرق - لأن في الهزل قصد اللفظ لمعناه، غير أنه ليس راضيا به. وليس في الإستهزاء قصد اللفظ لمعناه. ويؤيده أن الاستهزاء يمنع الاعتداد بالإقرار. اه (قوله: وهو) أي الإيجاب. (وقوله: ما دل على التمليك دلالة ظاهرة) هذا التعريف شامل للإيجاب الصريح والكناية، لأن كليهما يدل دلالة ظاهرة. غاية الأمر أن دلالة الصريح أقوى، بخلاف الكناية فإن دلالتها بواسطة ذكر العوض على اشتراطه فيها، أو نيته على عدم الإشتراط. وخرج بذلك: ما لا يدل دلالة ظاهرة - كملكتكه، وجعلته لك - من غير ذكر عوض أو نيته. (قوله: كبعتك) يشير إلى شرطين في الصيغة، وهما: الخطاب، ووقوعه على جملة المخاطب. (وقوله: ذا بكذا) يشير إلى شرط ثالث، وهو أنه لا بد من ذكر الثمن والمثمن - كما مر عن البجيرمي -. (قوله: وهو لك بكذا) اختلف فيه: هل هو صريح أو كناية؟ والمعتمد الثاني. وعلى الأول: يفرق بينه وبين جعلته لك الآتي: بأن الجعل ثم محتمل، وهنا لا احتمال. اه.

- ولو هزلا - وهو ما دل على التملك كذلك: (كاشتريت) هذا بكذا، (وقبلت)، أو رضيت، أو أخذت، أو تملكت (هذا بكذا). وذلك لتتم الصيغة، الدال على اشتراطها قوله (ص): إنما البيع عن تراض، والرضا خفي، فاعتبر ما يدل عليه من اللفظ، فلا ينعقد بالمعاطاة، لكن اختير الانعقاد بكل ما يتعارف البيع بها فيه: كالخبز، واللحم، دون نحو الدواب، والاراضي. فعلى الاول: المقبوض بها كالمقبوض بالبيع الفاسد، أي ـــــــــــــــــــــــــــــ حجر. وكتب سم ما نصه: قوله وهنا لا احتمال: إن أراد أن عدم الاحتمال بسبب قوله بكذا، فليكن جعلته لك بكذا كذلك، وإن أراد أنه بدونه. أبطله قولهم في الوصية أنه لو اقتصر على هو له، فإقرار، إلا أن يقول من مالي، فيكون وصية. اه. (قوله: وملكتك، أو وهبتك ذا بكذا) هذا من الصريح، ولا ينافي ذلك كونهما صريحين في الهبة، لأن محله عند عدم ذكر الثمن. (قوله: وكذا جعلته لك) أي ومثل المذكورات في صحة الإيجاب به: جعلته لك، وهو من الكناية، فلذلك قيده بقوله إن نوى به البيع. (وقوله: بكذا) هو كناية عن العوض، ولا يشترط ذكره، بل تكفي نيته عند حجر، وعند م ر يشترط ذكره، ولا تكفي نيته. والخلف بينهما في الكناية فقط، أما في الصريح: فيشترط ذكره عندهما. قال في التحفة: وليس منها - أي الكناية - أبحتكه، ولو مع ذكر الثمن - كما اقتضاه إطلاقهم - لأنه صريح في الإباحة مجانا لا غير، فذكر الثمن مناقض له. وبه يفرق بينه وبين صراحة: وهبتك هنا، لأن الهبة قد تكون بثواب، وقد تكون مجانا، فلم ينافها ذكر الثمن - بخلاف الإباحة - ثم قال: وإنما انعقد بها - أي الكناية - مع النية في الأصح مع احتمالها - أي لغير البيع - قياسا على نحو الإجارة والخلع، وذكر الثمن أو نيته بتقدير الإطلاع عليها منه يغلب على الظن إرادة البيع، فلا يكون المتأخر من العاقدين قابلا ما لا يدريه. اه. ومما يقوم مقام الإيجاب: اشتر مني هذا بكذا، وهو يسمى استقبالا: أي طلب القبول، لأن معناه: اقبل مني كذا بكذا. (قوله: وقبول) بالجر، عطف على إيجاب. أي ويصح بإيجاب مع قبول. (قوله: من المشتري) متعلق بمحذوف صفة لقبول. أي قبول كائن من المشتري، ويقوم مقام القبول منه، قوله للبائع: يعني ذا بكذا، ويسمى هذا: استيجابا، أي طلب الجواب. (قوله: ولو هزلا) أي ولو صدر منه القبول على سبيل الهزل، فإنه يصح، ويلزم به البيع. قال سم: قال في الأنوار: ولو اختلفا في القبول فقال أوجبت ولم تقبل، وقال المشتري قبلت، صدق بيمينه. اه. (قوله: وهو) أي القبول. (قوله: ما دل على التملك كذلك) أي دلالة ظاهرة، بخلاف غير الظاهر، كأن قال تملكت فقط، فإنه لا يكفي، لأنه يحتمل الشراء والهبة وغيرهما. (قوله: كاشتريت) أي وما اشتق منه - كأنا مشتر - (وقوله: هذا بكذا) الأول كناية عن المبيع، والثاني كناية عن الثمن. (قوله: وقبلت إلخ) أي واتبعت واخترت. (قوله: هذا بكذا) راجع لقبلت وما بعده. (قوله: وذلك لتتم الصيغة) أي اشتراط الإتيان بالإيجاب والقبول معا لأجل أن تتم الصيغة، التي هي عبارة عن مجموعهما، فاسم الإشارة يعود على معلوم من المقام (قوله: الدال) بالرفع، نعت سببي للصيغة. (وقوله: على اشتراطها) أي الصيغة. (قوله: إنما البيع عن تراض) أي صادر عن تراض. (قوله: والرضا إلخ) بيان لوجه دلالة الحديث على اشتراط الصيغة. وحاصله أن في الحديث حصر صحة البيع في الرضا وهو خفي، إذ هو معنى قائم بالقلب، فلا إطلاع لنا عليه، فاشترط لفظ يدل عليه، وهو الصيغة. (قوله: فاعتبر ما يدل عليه) أي الرضا من اللفظ، وذلك لأن دلالة اللفظ على ما في النفس أقوى من دلالة القرائن، فلا يقال إن القرائن تدل على الرضا. ومثل اللفظ ما يقوم مقامه، كإشارة الأخرس المفهمة. (قوله: فلا ينعقد الخ) تفريع على اشتراط الصيغة. (قوله: لكن اختير الانعقاد إلخ) استدراك من عدم انعقاده بالمعاطاة الموهم أن ذلك مطلقا وبالإتفاق: أي لكن اختار بعضهم - وهو النووي - انعقاد البيع بالمعاطاة في كل شئ يعد العرف المعاطاة فيه بيعا. وعبارة التحفة: واختار المصنف - كجمع - انعقاده بها في كل ما يعده الناس بها بيعا، وآخرون في محقر كرغيف. والاستجرار من بياع: باطل اتفاقا، أي إلا إن قدر الثمن في كل مرة، على أن الغزالي، سامح فيه، بناء على جواز المعاطاة. اه. (قوله: فعلى الأول) أي عدم الانعقاد. (وقوله المقبوض

في أحكام الدنيا. أما في الآخرة فلا مطالبة بها. ويجري خلافها في سائر العقود. وصورتها: أن يتفقا على ثمن ومثمن - وإن لم يوجد لفظ من واحد - ولو قال متوسط للبائع: بعت؟ فقال: نعم، أو إي، وقال للمشتري، إشتريت؟ فقال: نعم. صح. ويصح أيضا بنعم منهما، لجواب قول المشتري بعت، والبائع اشتريت. ولو قرن بالايجاب أو القبول حرف استقبال - كأبيعك - لم يصح. قال شيخنا: ويظهر أنه يغتفر من العامي - نحو فتح تاء المتكلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ بها) أي بالمعطاة. (وقوله: كالمقبوض بالبيع الفاسد) أي فيجب على كل أن يرد ما أخذه على الآخر إن بقي، أو بدله إن تلف. قال سم: فهو إذا كان باقيا على ملك صاحبه، فإن كان زكويا فعليه زكاته، لكن لا يلزم إخراجها، إلا إن عاد إليه، أو تيسر أخذه. وإن كان تالفا فبدله دين لصاحبه على الآخر، فحكمه كسائر الديون في الزكاة. اه. (قوله: أي في أحكام الدنيا) أي أن المقبوض بها كالمقبوض بالبيع الفاسد بالنسبة للأحكام الدنيوية. (وقوله: أما الآخرة فلا مطالبة بها) أي إذا لم يرد كل ما أخذه فلا يعاقب عليها في الآخرة - أي لطيب النفس بها، واختلاف العلماء فيها - لكن هذا من حيث المال، وأما من حيث تعاطي العقد الفاسد، فيعاقب عليه، إذا لم يوجد مكفر. (قوله: ويجري خلافها) أي المعاطاة. (وقوله: في سائر العقود) أي المالية، كالرهن، والشركة، والإجارة. (قوله: وصورتها) أي المعاطاة. (قوله: أن يتفقا) أي البائع والمشتري. أي من قبل صدور المعاطاة منهما، ثم يعطي كل صاحبه ممن غير إيجاب وقبول. (قوله: وإن لم يوجد لفظ من واحد) غاية في الاتفاق. أي سواء حصل مع اتفاقهما لفظ من أحدهما أم لا. ولو قال: وإن وجد لفظ من أحدهما، لكان أولى، إذ لا يغيا إلا بالبعيد. والمراد باللفظ: الإيجاب، أو القبول. (والحاصل) المعاطاة: هي أن يتفق البائع والمشتري على الثمن والمثمن، ثم يدفع البائع المثمن للمشتري، وهو يدفع الثمن له، سواء كان مع سكوتهما، أو مع وجود لفظ إيجاب أو قبول من أحدهما، أو مع وجود لفظ منهما لكن لا من الألفاظ المتقدمة - كما في ع ش - وعبارته: ولا تتقيد المعاطاة بالسكوت، بل كما تشمله تشمل غيره من الألفاظ غير المذكورة في كلامهم، للصريح والكناية. اه. وفي فتح الجواد: ويظهر أن ما ثمنه قطعي الإستقرار - كالرغيف بدرهم بمحل لا يختلف أهله في ذلك - لا يحتاج لاتفاق فيه، بل يكفي الأخذ والإعطاء مع سكوتهما. اه. (قوله: ولو قال متوسط) هو الدلال أو المصلح. قال في النهاية: وظاهر أنه لا يشترط فيه أهلية البيع، لأن العقد لا يتعلق به. اه. (قوله: بعت) هو بتاء المخاطب (قوله: فقال) أي البائع (وقوله: نعم) أي بعت (قوله: أو وإي) بكسر الهمزة، حرف جواب، ومثلها جير. (وقال) أي المتوسط (وقوله: اشتريت) هو بتاء المخاطب (قوله: فقال) أي المشتري. (وقوله: نعم) أي أو إي، أو جير. (قوله: صح) أي البيع، بما ذكر من قول البائع للمتوسط: نعم، وقول المشتري له: نعم، فينعقد البيع بذلك، لأن الأول دال على الإيجاب، والثاني دال على القبول. (قوله: ويصح أيضا إلخ) أي كما يصح البيع بالجواب منهما للمتوسط بنعم أو إي، يصح بجواب أحد المتعاقدين للآخر، وذلك بأن يقول المشتري للبائع: بعت؟ فيقول له: نعم، ويقول البائع للمشتري: اشتريت؟ فيقول له: نعم. وظاهر النهاية: عدم الصحة فيما ذكر، وعبارتها: فلو كان الخطاب من أحدهما للآخر: لم يصح - أي الجواب بنعم -. قال ع ش: كأن قال: بعتني هذا بكذا؟ فقال: نعم. اه. (وقوله: منهما) أي من المتعاقدين. (وقوله: لجواب إلخ) الجار والمجرور حال من نعم - أي حال كونها مأتيا بها لأجل جواب الخ. (وقوله: قول المشتري) أي للبائع. (وقوله: والبائع) أي وجواب قول البائع للمشتري: اشتريت؟ (قوله: حرف استقبال) المراد به حرف المضارعة - كالهمزة، والنون كما يرشد بذلك المثال - (وقوله: لم يصح) أي الإيجاب المقرون بحرف الاستقبال، أو القبول المقرون بذلك. وفي البجيرمي: إنه لا يصح صراحة، أما كناية فيصح. ونصه:

وشرط صحة الايجاب والقبول كونهما (بلا فصل) بسكوت طويل يقع بينهما - بخلاف اليسير، (و) لا (تخلل لفظ) وإن قل - (أجنبي) عن العقد بأن لم يكن من مقتضاه ولا من مصالحه. ويشترط أيضا أن يتوافقا معنى ـــــــــــــــــــــــــــــ (فرع) أتى بالمضارع في الإيجاب: كأبيعك، أو في القبول: كأقبل - صح. لكنه كناية، فما في العباب من عدم صحة البيع بصيغة الإستقبال محمول على نفي الصراحة، كما يشعر به تعليلهم باحتمال الوعد والإنشاء. اه. (قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد والتحفة، ولكن اللفظ للأول. (قوله: من العامي) المراد به ما قابل العالم. (قوله: نحو فتح تاء المتكلم) اندرج تحت نحو ضم تاء المخاطب، وإبدال الكاف ألفا، وغير ذلك. قال ع ش: قال حجر: وظاهر أنه يغتفر من العامي فتح التاء في التكلم، وضمها في التخاطب، لأنه لا يفرق بينهما. ومثل ذلك: إبدال الكاف ألفا، ونحو ذلك. اه. سم. وظاهره - ولو مع القدرة على الكاف من العامي - ومفهومه أنه لا يكتفي بها من غير العامي، وظاهر أن محله حيث قدر على النطق بالكاف. اه. (قوله: وشرط صحة الإيجاب والقبول كونهما إلخ) شروع في بيان شروط أركان البيع الثلاثة، التي هي العاقد، والمعقود عليه، والصيغة. وبدأ بشروط الصيغة، وذكر منها متنا وشرحا: أربعة وهي: عدم الفصل وعدم التعليق، وعدم التأقيت، وتوافق الإيجاب والقبول معنى. وبقي عليه منها ثمانية - الأول منها: أن لا يغير المبتدئ من العاقدين ما أتى به، فلو قال بعتك ذا العبد - بل الجارية - فقبل، لم يصح. أو بعتك هذا حالا - بل مؤجلا -: لم يصح - لضعف الإيجاب بالتغيير -. الثاني: التلفظ - بحيث يسمعه من يقربه عادة، وإن لم يسمعه المخاطب - ويتصور وجود القبول منه مع عدم سماعه، بما إذا بلغه السامع فقبل فورا، أو حمل الريح إليه لفظ الإيجاب فقبل كذلك، أو قبل اتفاقا - كما في البجيرمي، نقلا عن سم - فلو لم يسمعه من بقربه لم يصح. قال ع ش: وإن سمعه صاحبه لحدة سمعه، لأن لفظه كلا لفظ، وإن توقف فيه بعضهم. اه. الثالث: بقاء الأهلية إلى وجود الشق الثاني، فلو جن الأول قبل وجود القبول لم يصح. الرابع: أن يكون القبول ممن صدر معه الخطاب، فلو قبل غيره في حياته أو بعد موته لم يصح. الخامس: أن يذكر المبتدئ منهما الثمن والمثمن. السادس: أن يأتي بكاف الخطاب، ويستثنى منه المتوسط المتقدم، ولفظ نعم من المتعاقدين. السابع أن يضيف البيع لجملته فلو قال بعت يدك: لم يصح - إلا إن أراد التجوز عن الجملة. الثامن: أن يقصد اللفظ لمعناه، فلو سبق به لسانه، أو كان أعجميا لا يعرف معنى البيع: لم يصح - كما قال م ر. (قوله: كونهما) أي الإيجاب والقبول. (وقوله: بلا فصل) متعلق بمحذوف خبر الكون، باعتبار الشرح. وباعتبار المتن: يكون متعلقا بيصح، أو بمحذوف صفة لكل من إيجاب وقبول. (قوله: بسكوت) متعلق بفصل. (وقوله: طويل) هو ما أشعر بالإعراض عن القبول. قال البجيرمي: المعتمد أنه بقدر ما يقطع القراءة في الفاتحة، وهو الزائد على سكتة التنفس. اه. (وقوله: يقع بينهما) أي بين لفظهما، أو إشارتهما، أو كتابتهما، أو لفظ أحدهما، أو كتابة، أو إشارة الآخر، أو كتابة أحدهما وإشارة الآخر، لكن العبرة في الفصل بالسكوت - بالنسبة للكتابة بعد علم المكتوب إليه - (وقوله: بخلاف اليسير) أي فإنه لا يضر. قال في التحفة والنهاية - والعبارة للنهاية -: والأوجه أن السكوت اليسير ضار إذا قصد به القطع - أخذا مما مر في الفاتحة -. ويحتمل خلافه، وبفرق. اه. (وقوله: ويحتمل خلافه) جزم به الزيادي، وعبارته: ولو قصد به القطع - بخلاف القراءة - لأنها عبادة بدنية محضة، وهي أضيق من غيرها. اه. وهي تفيد الصحة مع قصد القطع. (قوله: ولا تخلل لفظ) معطوف على فصل - من عطف الخاص على العام - أي وبلا تخلل لفظ. قال في التحفة: من المطلوب جوابه. وقال سم: وكذا من الآخر على الأوجه، وفاقا لشيخنا الشهاب الرملي، ووجهه أن التخلل إنما ضر لإشعاره بالإعراض، والإعراض مضر من كل منهما، فإن غير المطلوب جوابه لو رجع قبل لفظ الآخر أو معه، ضر. فكذا لو وجد منه ما يشعر بالرجوع والإعراض. فتأمله يظهر لك وجاهة ما اعتمده شيخنا. اه.

- لا لفظا - فلو قال بعتك بألف، فزاد أو نقص - أو بألف حالة فأجل، أو عكسه، أو مؤجلة بشهر، فزاد، لم يصح، للمخالفة. (و) بلا (تعليق) - فلا يصح معه - كإن مات أبي فقد بعتك هذا، (و) لا (تأقيت) كبعتك هذا شهرا. (وشرط في عاقد) - بائعا كان أن مشتريا - (تكليف) فلا يصح عقد صبي ومجنون، وكذا من مكره بغير حق ـــــــــــــــــــــــــــــ والعبرة في التخلل في الغائب: بما يقع منه عقب علمه أو ظنه بوقوع البيع له. اه. نهاية. قال ع ش: أما الحاضر، فلا يضر تكلمه قبل علم الغائب. اه. (قوله: وإن قل) أي اللفظ المتخلل فإنه يضر، وهو شامل للحرف المفهم، وهو متجه، لأنه كلمة، ولغير المفهم - وهو محل نظر - نعم، يغتفر اليسير لنسيان أو جهل إن عذر - كالصلاة -. ويغتفر لفظ قد: لأنها للتحقيق فليست بأجنبية. ويغتفر لفظ: والله اشتريت. واختلف في الفصل بأنا. في - أنا قبلت - فقيل يغتفر، وقيل لا. (قوله: أجنبي) صفة للفظ. (قوله: بأن لم يكن من مقتضاه) أي العقد. وهو تصوير للأجنبي من العقد، فإن كان منه - كالقبض، والانتفاع، والرد بعيب، - لم يضر الفصل به. (وقوله: ولا من مصالحه) فإن كان منها - كشرط الرهن، والإشهاد - لم يضر. وزاد في التحقة والنهاية: ولا من مستحباته، فإن كان منها - كالبسملة، والحمدلة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضر أيضا. (قوله: ويشترط أيضا أن يتوافقا) أي الإيجاب والقبول. (وقوله: معنى) أي في المعنى، أي بأن يتفقا في الجنس، والنوع، والصفة، والعدد، والحلول، والأجل. (قوله: لا لفظا) أي لا يشترط اتفاقهما في اللفظ، فلو اختلفا فيه - كأن قال البائع: وهبتكه بكذا، فقال المشتري: اشتريت، أو بالعكس - وكما لو قال بعتكه بقرش، فقال اشتريت بثلاثين نصف فضة: صح ذلك. (قوله: فلو قال بعتك إلخ) مفرع على مفهوم الشرط. (قوله: فزاد) أي المشتري، كأن قال اشتريت بألفين. (وقوله: أو نقص) أي كأن قال اشتريت بخمسمائة. (قوله: أو بألف حالة) أي أو قال البائع: بعتك بألف حالة. (قوله: فأجل) أي المشتري: أي قال اشتريت منك بألف مؤجلة. (وقوله: أو عكسه) أي بأن قال ابائع بعتك بألف مؤجلة، فقال المشتري: اشتريت بألف حالة. (وقوله: أو مؤجلة بشهر) أي أو قال بعتك بألف مؤجلة بشهر. (وقوله: فزاد) أي المشتري، بأن قال اشتريت بألف مؤجلة بشهرين. (قوله: لم يصح) أي البيع، وهو جواب لو. (وقوله: للمخالفة) أي بين الإيجاب والقبول، لكون القبول على ما لم يخاطب به. (قوله: وبلا تعليق) معطوف على بلا فصل. أي ويشترط كونهما من غير تعليق. (قوله: فلا يصح معه) أي لا يصح البيع مع وجود التعليق في الإيجاب أو القبول، ومحله إن كان التعليق بغير المشيئة، فإن كان بها: صح، لكن بشروط أربعة: أن يذكر المبتدئ، وأن يخاطب بها مفردا، وأن يفتح التاء إذا كان نحويا، وأن يؤخرها عن صيغته إذا كان إيجابا أو قبولا. ومحله أيضا: إذا كان بغير ما يقتضيه العقد، فإن كان به - كقوله: إن كان ملكي فقد بعتكه - صح. (قوله: كإن مات أبي إلخ) تمثيل للتعليق. (قوله: ولا تأقيت) معطوف على بلا فصل: أي ويشترط أيضا كونهما بلا تأقيت، ولو بما يبعد بقاء الدنيا إليه - كألف سنة -. قال في التحفة: ويفرق بينه وبين النكاح، بأن البيع: لا ينتهي بالموت، بخلاف النكاح. اه. (قوله: وشرط في عاقد إلخ) ذكر أربعة شروط له: اثنان منها خاصان بالمشتري، وهما: الإسلام بالنسبة لتملك الرقيق المسلم والمصحف، وعدم الحرابة بالنسبة لتملك آلة الحرب. واثنان عامان، فيه وفي البائع، وهما: التكليف، وعدم الإكراه المشار إليه بقوله وكذا من مكره. وخرج بالعاقد المتوسط، فلا يشترط فيه ذلك - كما تقدم -، نعم، يشترط أن يكون مميزا. (قوله: بائعا كان أو مشتريا) لو قال بائعا ومشتريا - كما في التحفة - لكان أولى، إذ المراد بالعاقد هنا: مجموع البائع والمشتري، لا هذا، أو هذا. (قوله: تكليف) نائب فاعل شرط، والأولى أن يقول - كالمنهج - إطلاق تصرف، ليخرج به أيضا المحجور عليه بسفه، أو فلس. وعبر في المنهاج بالرشد. وكتب عليه المغني ما نصه: (تنبيه) قال المصنف في دقائقه: إن عبارته أصوب من قول المحرر يعتبر في المتبايعين التكليف، لأنه يرد عليه ثلاثة أشياء. أحدها: أنه ينتقض بالسكران، فإنه يصح بيعه على المذهب، مع أنه غير مكلف. الثاني: أنه يرد عليه المحجور عليه بسفه، فإنه لا يصح، مع أنه مكلف. الثالث: المكره بغير حق، فإنه مكلف، لا يصح بيعه. قال: ولا يرد

- لعدم رضاه - (وإسلام لتملك) رقيق (مسلم) لا يعتق عليه وكذا يشترط أيضا: إسلام لتملك مرتد - على المعتمد -. لكن الذي في الروضة وأصلها: صحة بيع المرتد للكافر. (و) لتملك شئ من (مصحف) - يعني ما كتب فيه قرآن، ولو آية وإن أثبت لغير الدراسة، كما قاله شيخنا. ويشترط أيضا عدم حرابة من يشتري آلة حرب، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحد منها على المنهاج. اه. (قوله: وكذا من مكره) هذا مفهوم قيد محذوف بعد قوله تكليف، وهو وعدم إكراه، أي وكذلك لا يصح العقد من مكره. قال سم: قال في شرح العباب: ومحله إن لم يقصد إيقاع البيع، والأصح - كما بحثه الزركشي - أخذا من قولهم: لو أكره على إيقاع الطلاق، فقصد إيقاعه: صح لقصده. اه. وقوله بغير حق: خرج به ما إذا كان بحق، كأن توجه عليه بيع ماله لوفاء الدين، فأكرهه الحاكم عليه فإنه يصح. (تنبيه) من أكره غيره على بيع مال نفسه: صح منه، لأنه أبلغ في الإذن، ويصح بيع المصادرة، وهي أن يطلب ظالم من شخص مالا، فيبيع الشخص داره لأجل أن يدفع ما طلب منه، لئلا يناله أذى من ذلك الظالم - وذلك لأنه لا إكراه فيه على البيع - إذ قصد الظالم تحصيل المال منه بأي وجه كان، سواء كان يبيع داره أو رهنها أو إيجارها أو بغير ذلك - كما في المغني - وعبارته: ويصح بيع المصادر - بفتح الدال - من جهة ظالم: بأن باع ماله لدفع الأذى الذي ناله، لأنه لا إكراه فيه، إذ مقصود من صادر - أي وهو الظالم - تحصيل المال من أي وجه كان. اه. ومثله في الروض وشرحه. (قوله: لعدم رضاه) أي المكره، وهو علة لعدم صحة بيع المكره. (قوله: وإسلام إلخ) معطوف على تكليف، أي وشرط إسلام من المشتري لأجل تملكه رقيقا مسلما، وذلك لما في ملك الكافر للمسلم من الإذلال، وقد قال تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (وقوله: لا يعتق عليه) خرج به ما إذا كان يعتق عليه بالشراء - كأبيه، أو ابنه - فإنه يصح، لانتفاء إذلاله بعدم استقرار ملكه. (فائدة) يتصور دخول الرقيق المسلم في ملك الكافر في مسائل نحو الأربعين صورة، ذكرها في المغني، ويجمعها ثلاثة أسباب: الأول الملك القهري - كالإرث - كأن يموت كافر عن ابن كافر، ويخلف في تركته عبدا مسلما، فيرث الابن العبد. الثاني: ما يفيد الفسخ، كالرد بعيب. الثالث: ما استعقب العتق، كشراء الكافر أصله وفرعه. وقد نظمها بعضهم فقال: ما استعقب العتق وملك قهري وما يفيد الفسخ، فاحفظ وادري (قوله: على المعتمد) وذلك لبقاء علقة الإسلام في المرتد، وفي تمكين الكافر منه إزالة لها. (قوله: لكن الذي إلخ) لا محل للاستدراك. (قوله: صحة إلخ) ضعيف. (قوله: ولتملك شئ من مصحف) معطوف على لتملك رقيق، أي وشرط إسلام في المشتري لتملك شئ من مصحف، ومثله الحديث - ولو ضعيفا، فيما يظهر - وكتب العلم التي بها آثار السلف، لتعريضها للامتهان - بخلاف ما إذا خلت عن الآثار، وإن تعلقت بالشرع، ككتب نحو، ولغة. قال سم: وخرج بالمصحف: جلده المنفصل عنه، فإنه - وإن حرم مسه للمحدث - يصح بيعه للكافر - كما أفتى به الشهاب الرملي. اه. (قوله: يعني ما كتب فيه قرآن) بيان للمراد من المصحف، والإتيان بهذا مناسب - لو لم يزد الشارح لفظ شئ، ومن الجارة - أما بعد الزيادة: فالمناسب الاقتصار على الغاية وما بعدها - أعني قوله ولو آية إلخ. وعبارة المنهاج: ولا يصح شراء الكافر المصحف. قال في التحفة: يعني كما هو ظاهر ما فيه قرآن، ولو آية إلخ. اه. (والحاصل) يشترط إسلام من أراد أن يتملك ما كتب فيه قرآن، وإن كان في ضمن نحو تفسير، أو علم، فيما يظهر، نعم، يتسامح لتملك الكافر الدراهم والدنانير التي عليها شئ من القرآن - للحاجة إلى ذلك - ويلحق بها - فيما يظهر - ما عمت به البلوى أيضا من شراء أهل الذمة الدور، وقد كتب في سقفها شئ من القرآن، فيكون مغتفرا - للمسامحة به غالبا. اه. نهاية. وخالف في التحفة في الأخير، فقال ببطلان البيع فيما عليه قرآن، وصحته في الباقي - تقريبا للصفقة.

كسيف، ورمح، ونشاب، وترس، ودرع، وخيل، بخلاف غير آلة الحرب، ولو مما تتأتى منه، كالحديد، إذ لا يتعين جعله عدة حرب، ويصح بيعها للذمي، أي في دارنا، (و) شرط (في معقود) عليه، مثمنا كان أو ثمنا، (ملك له) أي للعاقد (عليه) فلا يصح بيع فضولي، ويصح بيع مال غيره ظاهرا، إن بان بعد البيع أنه له، كأن باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا حينئذ لتبين أنه ملكه. ولا أثر لظن خطأ بأن صحته، لان الاعتبار في العقود بما في نفس الامر، لا بما في ظن المكلف. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ولو آية) غاية للمكتوب من القرآن، والذي في التحفة والنهاية: وإن قل - وهو صادق بالآية، وما دونها، ولو حرفا - وفي سم ما نصه: قوله ما فيه قرآن، ولو تميمة، وهل يشمل ما فيه قرآن ولو حرفا؟ ويحتمل أن الحرف إن أثبت فيه بقصد القرآنية، امتنع البيع حينئذ، وإلا فلا. اه. بحذف. (قوله: وأن أثبتت لغير الدراسة) هو غاية ثانية للمكتوب من القرآن. (قوله: ويشترط أيضا عدم حرابة إلخ) وذلك لأنه يستعين به على قتالنا، وفي البجيرمي ما نصه: قوله عدم حرابة: خرج قطاع الطريق. قال السبكي: يصح بيع عدة الحرب لهم، ولكن إذا غلب على الظن أنهم يتخذونها لذلك، حرم مع الصحة. سم. اه. (قوله: آلة حرب) هي هنا: كل نافع في الحرب - ولو درعا، وفرسا -. (قوله: كسيف ورمح إلخ) أمثلة لألة الحرب. قال سم: وهل مثل ذلك السفن لمن يقاتل في البحر، أو لا، لعدم تعينها للقتال؟ فيه نظر. ويتجه الأول - كالخيل - مع عدم تعينها للقتال. اه. (وقوله: وترس) هو المسمى بالدرقة، وبالجحفة - إذا كان من جلد - كما في المصباح. (قوله: بخلاف غير آلة الحرب إلخ) أي فيصح بيعه للحربي. (وقوله: ولو مما تتأتى) أي ولو كان ذلك الغير مما تتأتى آلة الحرب منه كالحديد. (قوله: وقوله: إذ لا يتعين جعله عدة حرب) فإن ظن جعله عدة حرب: حرم. والعدة: بضم العين وكسرها. (قوله: ويصح بيعها) أي آلة الحرب. (وقوله: للذمي) هذا مفهوم قوله حرابة، ومثل الذمي: الباغي، وقاطع الطريق، لسهولة أمرهما. (قوله: أي في دارنا) أي يشترط أن يكون الذمي في دارنا وتحت قبضتنا. وخرج به: ما لو ذهب إلى دار الحرب مع بقاء عقد الذمة ودفع الجزية - فلا يصح - إذ ليس في قبضتنا. قال ح ل: وفيه أنه في قبضتنا ما دام ملتزما لعهدنا، ومن ثم لم يقيد به الجلال. اه. قال بعضهم: الأولى حذف في دارنا. أفاده البجيرمي. (قوله: وشرط في معقود عليه إلخ) شروع في شروط المعقود عليه، وهي لغير الربوي خمسة، ذكر منها - متنا وشرحا - أربعة، وبقي عليه خامس: وهو أن يكون منتفعا به شرعا، ولو في المآل. (قوله: مثمنا كان) أي المعقود عليه، وهو المبيع. (وقوله: أو ثمنا) أي أو كان ثمنا (قوله: ملك له إلخ) أي أن يكون للعاقد سلطنة على المعقود عليه بملك، أو وكالة، أو ولاية - كالأب، والجد، والوصي - مثلا - أو إذن من الشارع - كالملتقط فيما يخاف فساده، فالملكية ليست بشرط، خلافا لما يوهمه صنيعه. (قوله: فلا يصح بيع فضولي) هو من ليس مالكا، ولا وكيلا، ولا وليا، وإنما لم يصح بيعه، لحديث: لا بيع إلا فيما يملك. رواه أبو داود وغيره. وعدم صحة البيع هو القول الجديد. والقول القديم يقول إنه يوقف، فإن أجاز مالكه نفذ، وإلا فلا. ومثل البيع: سائر تصرفاته القابلة للنيابة - كما لو زوج أمة غيره، أو ابنته، أو أعتق عبده، أو آجره، ونحو ذلك. ولو قال: ولا يصح تصرف فضولي: لشمل ذلك كله. (قوله: ويصح بيع مال غيره) هذا كالتقييد لعدم صحة بيع الفضولي: أي أن محله إذا لم يتبين أنه ملكه، وإلا صح. (قوله: ظاهرا) منصوب بإسقاط الخافض، متعلق بمال غيره، لا بيصح. (قوله: إن بان) أي المال الذي باعه. (قوله: أنه له) أي أنه ملك له، وليس بقيد، بل المدار على كونه له عليه ولاية - كما تقدم - فيشمل ما إذا تبين أنه وكيل ببيع العين، أو أنه ولي على العين المبيعة، أو نحو ذلك - كما سيذكر ذلك قريبا في المهمة - (قوله: كأن باع مال مورثه إلخ) أي أو باع مال غيره على ظن أنه لم يأذن له، فبان إذنه له فيه. (قوله: ظانا حياته) ليس بقيد، بل مثله، إن لم يظن شيئا، أو ظن موته بالأولى، اه، ح ف، بجيرمي. (قوله: فبان) أي مورثه. (وقوله: ميتا حينئذ) أي حين البيع، والمراد قبيله. (قوله: لتبين إلخ) تعليل للصحة، (وقوله: أنه) أي المال، (وقوله: ملكه) أي البائع - أي فولايته ثابتة له عليه. (قوله: ولا أثر لظن خطأ إلخ) يعني ولا عبرة بأنه عند البيع يحتمل الخطأ، لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر فقط. (قوله: لا بما في ظن المكلف) أي ليست

(فائدة) لو أخذ من غيره بطريق جائز ما ظن حله، وهو حرام باطنا، فإن كان ظاهر المأخوذ منه الخير لم يطالب في الآخرة، وإلا طولب. قاله البغوي. ولو اشترى طعامه في الذمة وقضى من حرام، فإن أقبضه له البائع برضاه قبل توفية الثمن حل له أكله، أو بعدها مع علمه أنه حرام حل أيضا، وإلا حرم إلى أن يبرئه أو يوفيه من حل. قاله شيخنا. (وطهره) أو إمكان طهره بغسل، فلا يصح بيع نجس - كخمر وجلد ميتة، وإن أمكن طهرها بتخلل أو دباغ - ولا متنجس لا يمكن طهره، ولو دهنا تنجس، بل يصح هبته. (ورؤيته) أي المعقود عليه إن كان معينا. ـــــــــــــــــــــــــــــ العبرة بما في ظن المكلف، حتى لا يصح البيع. (قوله: بطريق جائز) كبيع وهبة. (قوله: ما ظن حله) مفعول أخذ، أي أخذ شيئا يظن أنه حلال، وهو في الواقع ونفس الأمر حرام، كأن يكون مغصوبا أو مسروقا. (قوله: فإن كان ظاهر المأخوذ منه) هو البائع، أو الواهب. (وقوله: الخير) أي الصلاح. (قوله: لم يطالب) أي الآخذ في الآخرة، وهو جواب إن. (وقوله: وإلا طولب) أي وإن لم يكن ظاهر الخير والصلاح، بأن كان ظاهره الفجور والخيانة، طولب - أي في الآخرة - وأما في الدنيا، فلا يطالب مطلقا، لأنه أخذه بطريق جائز. (قوله: ولو اشترى طعاما إلخ) بين هذه المسألة الغزالي فقال: وأما المعصية التي تشتد الكراهة فيها: أن يشتري شيئا في الذمة ويقضي ثمنه من غصب أو مال حرام، فينظر، فإن سلم إليه البائع الطعام قبل قبض الثمن بطيب قلبه، وأكله قبل قضاء الثمن، فهو حلال. فإن قضى الثمن بعد الأكل من الحرام فكأنه لم يقبض، فإن قضى الثمن من الحرام وأبرأه البائع مع العلم بأنه حرام فقد برئت ذمته، فإن أبرأه على ظن أنه حلال فلا تحصل به البراءة. اه. (قوله: فإن أقبضه) أي الطعام. (وقوله: له) أي للمشتري. (وقوله: البائع) فاعل أقبضه. (قوله: برضاه) أي البائع. (قوله: قبل توفية الثمن) أي قبل توفية المشتري الثمن للبائع. (قوله: حل له) أي للمشتري أكله، أي الطعام. (قوله: أو بعدها) أي أو أقبضه البائع الطعام بعد توفية الثمن. (قوله: مع علمه) أي البائع. (قوله: أنه) أي الثمن حرام (قوله: حل أيضا) أي حل أكل المشتري الطعام. (وقوله: أيضا) أي كما حل في الصورة الأولى. (قوله: وإلا حرم) أي وإن لم يعلم البائع أن الثمن الذي وفاه المشتري حرام: حرم على المشتري أكل ذلك الطعام. (وقوله: إلى أن يبرئه) متعلق بمحذوف، أي وتستمر الحرمة إلى أن يبرئه البائع، أي من الثمن. (قوله: أو يوفيه من حل) أي أو يوفي المشتري البائع ثمنه من حل، أي وبعد ذلك يحل للمشتري أكله. (قوله: وطهره) معطوف على ملك: أي وشرط طهر المعقود عليه - أي ولو بالإجتهاد، ولو غلبت النجاسة في مثله. وفي ع ش على م ر: قوله: طهر: ولو حكما، ليدخل نحو أواني الخزف المصحوبة بالسرجين، فإنه يصح بيعها، للعفو عنها، فهي طاهرة حكما. اه. (قوله: أو إمكان طهره بغسل) أي فالشرط الأحد الدائر، وذلك كالثوب المتنجس الذي لم تسد النجاسة فرجه، وكالآجر المعجون بالنجس. واحترز بقوله بغسل: عما يمكن تطهيره، لكن لا بغسل، بل بالتكثير أو إزالة التغير: كالماء، أو بالتخليل: كالخمر، أو بالدبغ: كالجلد النجس - فإنه لا يؤثر - فلا يصح بيعه، كما سيصرح به الشارح. (قوله: فلا يصح بيع نجس إلخ) وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن ثمن الكلب، وقال: إن الله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير رواهما الشيخان. والمعنى في المذكورات: نجاسة عينها، فألحق بها باقي نجس العين - وكما لا يصح جعل النجس مبيعا: لا يصح أيضا جعله ثمنا - إذ الطهر شرط للمعقود عليه مطلقا - ثمنا كان أو مثمنا - ومثله يقال في بقية الشروط، وإن كان الشارح يقتصر في المفهوم على المثمن، وكان حقه أن يعمم. (قوله: بتخلل) راجع لخمر. (قوله: أو دباغ) راجع لجلد ميتة، فهو على اللف والنشر المرتب. (قوله: ولا متنجس إلخ) أي ولا يصح بيع متنجس لا يمكن تطهيره أصلا، أو يمكن لا بغسل - وذلك كالخل، واللبن، والصبغ، والآجر المعجون بالزبل - إذ هو في معنى نجس العين. ومحل عدم صحة بيع ما ذكر: إذا كان استقلالا، أما تبعا فيصح، كبيع دار مبنية بآجر مخلوط بسرجين أو طين كذلك، أو أرض مسمدة بذلك، وكبيع قن عليه وشم - وإن وجبت إزالته، لوقوعه تابعا مع دعاء الحاجة لذلك، ويغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره.

فلا يصح بيع معين لم يره العاقدان أو أحدهما: كرهنه، وإجارته، للغرر المنهي عنه، وإن بالغ في وصفه. وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا يغلب تغيره إلى وقت العقد، وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ولو دهنا) أي ولو كان المتنجس دهنا، وهو غاية للرد على من قال بصحة بيعه، بناء على القول الضعيف بإمكان طهره. (وقوله: تنجس) يورث ركاكة لا تخفى، فالأولى حذفه. (قوله: بل يصح هبته) أي المذكور من النجس والمتنجس. وفي البجيرمي ما نصه: (فرع) لو تصدق، أو وهب، أو أوصى بالنجس - كالدهن، والكلب - صح، على معنى نقل اليد. اه. سم. ع ش. (قوله: ورؤيته) معطوف على ملك: أي وشرط رؤيته. (وقوله: أي المعقود عليه) أي ثمنا، أو مثمنا. (قوله: إن كان معينا) قيد في اشتراط الرؤية، أي تشترط الرؤية إن كان المعقود عليه معينا - أي مشاهدا حاضرا - فهو من المعاينة لا من التعيين، لأنه صادق بما عين بوصفه، وليس مرادا. فلو كان المعقود عليه غير معين - بأن كان موصوفا في الذمة - لا تشترط فيه الرؤية، بل الشرط فيه معرفة قدره وصفته. (قوله: فلا يصح بيع معين لم يرده العاقدان) أي لا يصح بيع معين غائب عن رؤية المتعاقدين أو أحدهما - ولو كان حاضرا في المجلس - وعلم من ذلك امتناع بيع الأعمى وشرائه للمعين - كسائر تصرفاته - فيوكل في ذلك - حتى في القبض والإقباض - بخلاف ما في الذمة. (قوله: كرهنه وإجارته) أي كما لا يصح رهن المعين وإجارته من غير رؤية المتعاقدين. (قوله: للغرر المنهي عنه) تعليل لعدم صحة بيع ما ذكر. والغرر: هو ما انطوت عنا عاقته، أو ما تردد بين أمرين: أغلبهما أو خوفهما. (قوله: وإن بالغ في وصفه) أي لا يصح بيع المعين من غير رؤية - وإن بالغ كل منهما في وصفه - وذلك لأن الملحظ في اشتراط الرؤية: الإحاطة بما لم تحط به العبارة من دقيق الأوصاف التي يقصر التعبير عن تحقيقها وإيصالها للذهن، ومن ثم ورد: ليس الخبر كالعيان بكسر العين، ولا مخالفة بين هذا وبين قوله الآتي: ولو قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال: بعتك، انعقد بيعا، لأنه بيع موصوف في الذمة، وذاك بيع عين متميزة موصوفة. (والحاصل) لو قال بعتك ثوبا قدره كذا، وجنسه كذا، وصفته كذا: صح - ولو كان الثوب حاضرا عنده - وذلك لأنه إنما اعتمد على الصفات الملتزمة في الذمة. ولو قال بعتك الثوب الذي صفته كذا وكذا، فإنه لا يصح، لأن المعين لا يلتزم. (قوله: وتكفي الرؤية قبل العقد إلخ) فإن وجده المشتري متغيرا عما رآه عليه تخير، فلو اختلفا في تغيره فالقول قول المشتري بيمينه وتخير، لأن البائع يدعي عليه أنه رآه بهذه الصفة الموجودة الآن ورضي به، والأصل عدم ذلك. وإنما صدق - أي البائع - فيما لو اختلفا في عيب يمكن حدوثه، لأنهما قد اتفقا على وجوده في يد المشتري، والأصل عدم وجوده في يد البائع. اه. تحفة. (وقوله: فيما لا يغلب تغيره إلى وقت العقد) أي في المعقود عليه الذي لا يغلب تغيره إلى وقت العقد، وهو صادق بما يغلب عدم تغيره - كأرض، وحديد، ونحاس، وآنية - وبما يحتمل التغير وعدمه سواء - كالحيوان - بخلاف ما يغلب تغيره إلى وقت العقد - كالأطعمة التي يسرع فسادها - فلا تكفي رؤيته قبل العقد، لأنه لا وثوق حينئذ ببقائه حال العقد على أوصافه المرئية قبل. (قوله: وتكفي رؤية إلخ). (إعلم) أن رؤية كل عين على ما يليق - بها فيعتبر في الدار رؤية البيوت، والسقوف، والسطوح، والجدران، والمستحم، والبالوعة. وفي البستان رؤية الأشجار، والجدران، ومسايل الماء. وفي العبد والأمة رؤية ما عدا العورة. وفي الدابة: رؤية كلها - لا رؤية لسانهم، ولا أسنانهم - وفي الثوب نشره - ليرى الجميع - ورؤية وجهي ما يختلف منه - كديباج منقش، وبساط - بخلاف ما لا يختلف - ككرباس - فيكفي رؤية أحدهما. وفي الورق البياض. وفي الكتب والمصحف رؤية جميع الأوراق. وفي متساوي الأجزاء - كالحبوب - رؤية بعضه. وفي نحو الرمان بما له قشر يكون صوانا لبقائه رؤية قشره. (قوله: بعض المبيع) المناسب لما قبله: بعض المعقود عليه، مبيعا كان، أو ثمنا. (قوله: إن

كظاهر صبرة نحو بر، وأعلى المائع، ومثل أنموج متساوي الاجزاء كالحبوب أو لم يدل على باقيه بل كان صوانا للباقي لبقائه، كقشر رمان وبيض، وقشرة سفلى لنحو جوز، فيكفي رؤيته، لان صلاح باطنه في إبقائه، وإن لم يدل هو عليه، ولا يكفي رؤية القشرة العليا إذا انعقدت السفلى. ويشترط أيضا قدرة تسليمه، فلا يصح بيع آبق، ـــــــــــــــــــــــــــــ دل) أي البعض المرئي. (وقوله: على باقيه) أي على أن الباقي مثله، وذلك يكون فيما يستوي ظاهره وباطنه - كالحب، والجوز، والأدقة، والمسك، والتمر العجوة أو الكبيس في نحو قوصرة، والقطن في عدل - فلو رأى الظاهر، ثم خالفه الباطن، تخير. (قوله: كظاهر صبرة) تمثيل للبعض الذي تكفي رؤيته، ولا فرق في الصبرة بين أن يكون كلها مبيعا أو بعضها. وفي سم ما نصه: (فرع) سئل شيخنا الشهاب الرملي عن بيع السكر في قدوره: هل يصح، ويكتفي برؤية أعلاه من رؤوس القدور؟ فأجاب بأنه إن كان بقاؤه في القدور من مصالحه: صج، وكفى رؤية أعلاه من رؤوس القدور، وإلا فلا. اه. ولعل وجه ذلك: أن رؤية أعلاه لا تدل على باقيه، لكنه اكتفى بها إذا كان بقاؤه في القدور من مصالحه للضرورة. اه. (قوله: وأعلى المائع) عطف على ظاهر صبرة، أي وكأعلى المائع، أي فإن رؤيته في ظرفه كافية. (قوله: ومثل إلخ) هو بالرفع، عطف على محل كظاهر، الواقع خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كظاهر، وذلك مثل إلخ، ويصح جعل الكاف اسما بمعنى مثل، وعليه: يصير العطف عليها فقط. (وقوله: أنموذج) مضاف إلى ما بعده إضافة على معنى من - وهو بضم الهمزة والميم وفتح المعجمة - المسمى بالعينة، وذلك بأن يأخذ البائع قدرا من البر مثلا، ويريه للمشتري. ولا بد من إدخاله في البيع بصيغة تشمل الجميع - بأن يقول: بعتك البر الذي عندي مع الأنموذج، وإلا فلا يصح البيع. (قوله: كالحبوب) تمثيل لمتساوي الأجزاء. (قوله: أو لم يدل) أي ذلك البعض المرئي، وهو معطوف على قوله إن دل. (وقوله: بل كان) أي ذلك البعض المرئي. والأولى: لكن كان - بأداة الإستدارك، بدل أداة الإضراب، كما هو ظاهر -. (وقوله: صوانا) بضم الصاد وكسرها، أي حفظا. (وقوله: للباقي) أي الذي لم ير، وهو متعلق بصوانا. (قوله: لبقائه) اللام للتعليل، متعلقة بصوانا أيضا. فاختلف المتعلقان، لأن الأول للتعدية، والثاني للعلة، أي صوانا للباقي لأجل بقائه، بحيث إذا فارقه ذلك الصوان لا يبقى، بل يتلف. (قوله: كقشر رمان إلخ) تمثيل لبعض المبيع الذي لم يدل، لكن كان صوانا للباقي. (وقوله: وبيض) أي وقشر بيض. (قوله: وقشرة سفلى) وهي التي تكسر حالة الأكل. وخرج بالسفلى: العليا، فلا يكفي رؤيتها - كما سيصرح به -. (قوله: فيكفي رؤيته) أي المذكور من قشر الرمان، وما بعده. (قوله: لأن صلاح الخ) عله للإكتفاء برؤية ما ذكر. (وقوله: باطنه) أي ما ذكر من الرمان، والبيض، ونحو الجوز. (وقوله: في إبقائه) أي القشر. (قوله: وإن لم يدل هو) أي القسر. (وقوله: عليه) أي الباطن. وهذا ليس غاية، بل الواو للحال. وإن زائدة. (قوله: ولا يكفي رؤية القشرة العليا) أي لأنها ليست من مصالح ما في باطنه. (وقوله: إذا انعقدت السفلى) احترز به عما إذا لم تنعقد، فإنه يكفي حينئذ رؤية العليا. (قوله: ويشترط أيضا قدرة تسليمه) أي قدرة كل من العاقدين على تسليم ما بذله للآخر - المثمن بالنسبة للبائع، والثمن بالنسبة للمشتري. وعبر بالتسليم - مع أن العبرة بالتسلم - تبعا للنووي في منهاجه. وقال في التحفة والنهاية: واقتصر المصنف عليه - أي القدرة - على التسليم، لأنه محل وفاق، وسيذكر محل الخلاف - وهو قدرة المشتري على تسلمه ممن هو عنده. اه. (والحاصل) أنه متى كان البائع قادرا على تسليم المبيع للمشتري، وهو قادر على تسلمه، وكان المشتري قادرا على تسليم الثمن للبائع، وهو قادر على تسلمه، صح البيع - اتفاقا - فإن وجدت القدرة على التسلم من العاقدين: صح - على الصحيح.

وضال، ومغصوب، لغير قادر على انتزاعه، وكذا سمك بركة شق تحصيله. (مهمة) من تصرف في مال غير ببيع أو غيره ظانا تعديه فبان أن له عليه ولاية، كأن كان مال مورثه فبان موته، أو مال أجنبي فبان إذنه له، أو ظانا فقد شرط فبان مستوفيا للشروط، صح تصرفه، لان العبرة في العقود بما في نفس الامر، وفي العبادات بذلك، وبما في ظن المكلف. ومن ثم لو توضأ ولم يظن أنه مطلق: بطل طهوره، وإن بان مطلقا، لان المدار فيها على ظن المكلف. وشمل قولنا ببيع أو غيره: التزويج، والابراء، وغيرهما. فلو أبرأ من حق ظانا أنه لا حق له فبان له حق، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: فلا يصح بيع آبق وضال) مثل البيع: الشراء به - فلا يصح دفع عبد آبق أو ضال ثمنا لغير قادر على انتزاعه - كما علمت. (قوله: لغير قادر على انتزاعه) أي أخذه من المحل الذي أبق إليه أو ضل فيه، أو من الغاصب الذي غصبه. (قوله: وكذا سمك بركة) أي وكذلك لا يصح بيع سمك بركة لغير قادر على أخذه. ومثل البيع: الشراء به، بأن يدفع ثمنا - كما علمت - (وقوله: شق تحصيله) أي السمك على المشتري، أي أو على البائع في الصورة التي زدناها. (قوله: مهمة) أي في بيان حكم من تصرف في مال غيره ظاهرا ثم تبين أنه له. ولا يقال إن هذا قد ذكره بقوله: ويصح بيع مال غيره ظاهر إلخ، لأنا نقول ذاك خاص في التصرف بالبيع، وما هنا في مطلق التصرف. نعم، كان الأولى والأخصر أن يقتصر على هذا، لأنه شامل للبيع ولغيره، أو يقتصر على ذاك، ولكن يعمم فيه. فتنبه. (قوله: من تصرف في مال غير) المراد بالمال: ما يشمل المنفعة، وإلا لما صح - قوله فيما يأتي: وشمل قولنا ببيع أو غيره: التزويج. (قوله: أو غيره) أي البيع، كالهبة، والعتق، والوقف. (قوله: ظانا تعديه) أي حال كونه معتقدا أنه متعد في تصرفه. والظاهر أن هذا ليس بقيد، بل مثله ما إذا اعتقد أنه ليس متعديا، كأن كان يعتقد أن التصرف في مال مورثه في حياته جائز. (قوله: فبان) أي ظهر بعد التصرف. (وقوله: أن له) أي المتصرف. (وقوله: عليه) أي المتصرف فيه. (وقوله: ولاية) أي سلطنة بملك، أو وكالة، أو إذن - كما مر - (قوله: كأن كان) أي المتصرف فيه. (وقوله: فبان موته) أي فتبين بعد التصرف فيه موت من له الولاية قبيل التصرف. (قوله: أو مال أجنبي) معطوف على مال مورثه، أي وكأن كان المال الذي تصرف فيه مال أجنبي - أي أو مال مورثه - فكونه أجنبيا ليس يقيد - كما هو ظاهر -. (قوله: فبان إذنه له) أي فتبين بعد التصرف أن ذلك الأجنبي إذن له في التصرف قبله. (قوله: أو ظانا فقد إلخ) ظاهره أنه معطوف على ظانا تعديه، والمعنى: أو تصرف في مال غيره ظانا فقد شرط من شروط التصرف. وفيه أن هذا ليس مرادا، بل المراد أنه تصرف في مال نفسه ظانا فقد شرط من شروط صحة التصرف، فتبين أنه لم يفقد شرط من ذلك. ولو قال: أو باع ماله ظانا فقد شرط إلخ - لكان أولى - فتنبه. (قوله: فبان مستوفيا للشروط) أي فتبين أن تصرفه مستوف لشروط التصرف. (قوله: صح تصرفه) جواب من. (قوله: لأن العبرة في العقود إلخ) تعليل للصحة. (وقوله: بما في نفس الأمر) أي بما هو مطابق للواقع. وإنما كانت العبرة في العقود به، لعدم احتياجها للنية، فانتفى التلاعب. وبفرضه لا يضر لصحة نحو بيع الهازل - كذا في النهاية، والتحفة -. (قوله: وفي العبادات إلخ) أي ولأن العبرة في العبادات بما في نفس الأمر، وبما في ظن المكلف. وهذا يفيد أن العبرة في العبادات بمجموع الأمرين: ما في نفس الأمر وما في ظن المكلف. وصورته الآتية: وهي أنه لو توضأ إلخ، مع علتها، وهي قوله لأن المدار الخ تفيد أن العبرة بالثاني فقط، وهذا خلف، ولا يصح أن يقال إن الواو في قوله وبما في ظن المكلف، بمعنى أو، لأن ذلك يقتضي أن ما في نفس الأمر كاف وحده في العبادات، وليس كذلك. فتأمل. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن العبرة في العبادات بما ذكر: لو توضأ إلخ. (قوله: أنه مطلق) أي أن ما توضأ به ماء مطلق. (وقوله: وإن بان) أي ما توضأ به. (وقوله: مطلقا) أي ماء مطلقا. (قوله: لأن المدار إلخ) لا حاجة إلى هذه العلة بعد قوله ومن ثم إلخ. (والحاصل) عبارته لا تخلو عن النظر. (قوله: وشمل قولنا ببيع أو غيره) الأولى إسقاط لفظ ببيع - كما هو ظاهر -.

صح - على المعتمد - ولو تصرف في إنكاح، فإن كان مع الشك في ولاية نفسه فبان وليا لها حينئذ: صح - اعتبارا بما في نفس الامر. (وشرط في بيع) ربوي، وهو محصور في شيئين: (مطعوم) كالبر، والشعير، والتمر، والزبيب، والملح، والارز، والذرة، والفول، (ونقد) أي ذهب وفضة، ولو غير مضروبين - كحلي، وتبر (بجنسه) كبر ببر، وذهب بذهب (حلول) للعوضين (وتقابض قبل تفرق). ولو تقابضا البعض: صح فيه فقط، (ومماثلة) بين العوضين يقينا: بكيل في مكيل، ووزن في موزون، وذلك لقوله (ص): لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وغيرهما) أي كالهبة، والوقف والعتق -. (قوله: فلو أبرأ) أي الفضولي. (قوله: من حق) أي في ذمة الغير. (قوله: صح) أي الإبراء. (قوله: ولو تصرف في إنكاح) المناسب أن يقول: ولو أنكح، لأنه لا معنى للتصرف في الإنكاح. (قوله: وشرط في بيع ربوي إلخ) شروع في بيان ما يعتبر في بيع الربوي، زيادة على ما مر من الشروط. وحاصل ذلك أن العوضين إن اتفقا جنسا اشترط ثلاثة شروط، أو علة - وهي الطعم، والنقدية - اشترط شرطان، وإلا كبيع طعام بنقد أو ثوب، أو حيوان بحيوان، لم يشترط شئ من تلك الثلاثة. (قوله: شرط في بيع الربوي وهو) أي الربوي محصور في شيئين فيه حصر الشئ في نفسه، إذ هو عينهما، وهو لا يصح. ويمكن عود الضمير على الربا المفهوم من الربوي، فيكون هو المحصور فيهما. وعليه، فلا إشكال. (قوله: مطعوم) أي ما قصد للطعم تقوتا أو تفكها أو تداويا، وذلك لأنه في الخبر الآتي نص على البر والشعير، والمقصود منهما التقوت، وألحق بهما، ما في معناهما - كالفول، والأزر، والذرة - وعلى التمر، والمقصود منه التفكه والتأدم، فألحق به ما في معناه - كالزبيب، والتين - وعلى الملح، والمقصود منه الإصلاح، فألحق به ما في معناه من الأدوية - كالسقمونيا، والزعفران -. ومن المطعوم: الماء، فهو ربوي، وتسميته طعاما جاءت في الكتاب والسنة - قال تعالى: * (ومن لم يطعمه فإنه مني) * (1). (قوله: كالبر إلخ) تمثيل للمطعوم. (قوله: والفول) أي والترمس، لأنه يؤكل بعد نقعه في الماء. قال ابن القاسم: وأظن أنه يتداوي به. (قوله: ونقد) قال في التحفة: وعلة الربا فيه جوهرية الثمن، فلا ربا في الفلوس - وإن راجت -. اه. (قوله: بجنسه) متعلق ببيع، والضمير يعود للمذكور من المطعوم والنقد - (قوله: حلول) نائب فاعل شرط، أي شرط حلول للعوضين، وذلك لاشتراط المقابضة في الخبر ومن لازمها الحلول غالبا، فمتى اقترن بأحدهما تأجيل - ولو لحظة - فحل وهما في المجلس: لم يصح. اه. تحفة. (قوله: وتقابض) معطوف على حلول، والمراد القبض الحقيقي، فلا يكفي نحو حوالة، وإن حصل معها قبض في المجلس. (وقوله: قبل تفرق) قال سم: شامل للتفرق، سهوا أو جهلا. اه. (قوله: ولو تقابضا) أي البائع والمشتري. (وقوله: البعض) أي هذا أعطى بعض المبيع، والآخر أعطى بعض الثمن. (قوله: صح فيه فقط) أي صح البيع في ذلك البعض الذي قبض فقط دون ما لم يقبض، وهذا مبني على الأصح من قولي تفريق الصفقة - كما سيأتي - (قوله: ومماثلة) معطوف على حلول أيضا، أي وشرط مماثلة بين العوضين - أي مساواة بينهما في القدر، من غير زيادة - ولو حبة - ولو من غير جنسهما، كاشتمال أحد الدينارين على فضة. (قوله: يقينا) أي بأن يعلم بالمماثلة كل من المتعاقدين حال العقد. (قوله: بكيل إلخ) متعلق بمحذوف، أي وتعتبر المماثلة بكيل في المكيل - وإن تفاوت في الوزن - وبوزن في الموزون - وإن تفاوت في الكيل - والعبرة بغالب عادة الحجاز في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، إلا فبعادة أهل البلد، فيما هو كالتمر فأقل، وإلا بأن كان أكبر جرما من التمر، فالعبرة فيه بالوزن، ولا تعتبر المماثلة إلا حال الكمال، فتعتبر في الثمار والحبوب بعد الجفاف والتنقية، فلا يباع رطب منها برطب من جنسه، ولا بجاف منه - إلا في مسألة العرايا - وستأتي. ولا تعتبر مماثلة الدقيق والسويق، والخبز، وكذا ما أثرت فيه

_ (1) سورة البقرة الاية: 249.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النار بالطبخ أو القلي أو الشي، بخلاف تأثير التمييز، كالعسل، والسمن، وإنما تعتبر في الحبوب حبا، وفي السمسم حبا أو دهنا، وفي العنب والرطب زبيبا، أو تمرا، أو عصيرا، أو خلا. (تنبيه) يؤخذ من اعتبار المماثلة بالكيل في المكيل، وبالوزن في الموزون - أنه لا عبرة بالقيمة رأسا. فلو بيع مد تمر برني بمد صيحاني: صح ذلك - ولو تفاوتا في القيمة - ومحله في غير بعض صور القاعدة المسماة بقاعدة مد عجوة ودرهم، فإنه يعتبر في ذلك البعض المماثلة في القيمة أيضا. والمؤلف لم يتعرض لهذه القاعدة رأسا، ولنتعرض لها حتى تعرف ذلك البعض المعتبر فيه ما ذكر، وتكميلا للفائدة، واقتداء بمن سلف، فنقول: ضابط هذه القاعدة أن يجمع عقد واحد جنسا ربويا في الجانبين - أي المبيع والثمن - متحدا فيهما مقصودا - أي ليس تابعا لغيره - وأن يتعدد المبيع جنسا أو نوعا أو صفة، سواء حصل التعدد المذكور في الثمن أم لا. ومعنى تعدده: أن ينضم إلى ذلك الجنس الربوي جنس آخر، ولو غير ربوي. فالقيود المشتمل عليها هذا الضابط: ستة. القيد الأول: أن يكون العقد واحدا، ومعنى وحدته: عدم تفصيله، بأن لا يقابل المد بالمد، والدرهم بالدرهم مثلا، وخرج به ما لو فصل، كأن قال: بعتك هذا بهذا، وهذا بهذا. القيد الثاني: أن يكون الجنس ربويا، وخرج به ما لو كان غير ربوي، كثوب وسيف بثوبين. القيد الثالث: أن يكون ذلك الجنس الربوي في الجانبين، وخرج به، ما لو كان في أحدهما فقط، كثوب ودرهم بثوبين. القيد الرابع: أن يكون الجنس الكائن فيهما واحدا، وخرج به ما لم يكن واحدا، بأن يكون المشتمل عليه المبيع ليس مشتملا عليه الثمن والكل ربوي كصاع بر وصاع شعير بصاعي تمر. القيد الخامس: أن يكون مقصودا بالعقد، وخرج به ما إذا كان تابعا لمقصود بالعقد، كبيع دار فيها بئر ماء عذب بمثلها. القيد السادس: أن يتعدد المبيع، وخرج به، ما إذا لم يتعدد - كبيع دينار بدينار - وهذه المخرجات ليست من القاعدة المذكورة، فهي صحيحة. وبقي من القيود: التمييز - أي عدم الخلط - ولكن هذا في خصوص صور الجنس وصور النوع، إذ لا يتأتى التوزيع المبني عليه القاعدة المذكورة إلا حينئذ. وخرج به: ما إذا لم يتميزا - بأن خلط الجنسان أو النوعان - وبيعا بمثلهما أو بأحدهما خالصا، فإنه لا يضر. وليس من القاعدة المذكورة بشرط أن يكون المخلوط به بالنسبة للجنس شيئا يسيرا، بحيث لا يقصد إخراجه ليستعمل وحده. وأما بالنسبة للنوع، فلا فرق بين اليسير والكثير - كما هو مقتضى كلام الشيخين - وقال سم: قال شيخنا الشهاب الرملي: أنه الصحيح اه. وجزم به الخطيب في مغنيه. وخرج باليسير في الجنس الكثير، فيضر، وتصير المسألة من القاعدة المذكورة. والفرق بين الجنس - حيث قيد الخليط فيه باليسير - وبين النوع - حيث أطلق الخليط فيه - أن الخليط إذا كثر في الجنس: لم تتحقق المماثلة، بخلاف النوع. وبقي منها أيضا: أن لا يكون الجنس الربوي ضمنيا في الجانبين، بأن كان ظاهرا في كل منهما، أو ظاهرا في أحدهما ضمنا في الآخر، كبيع سمسم بدهنه. وخرج به: ما لو كان ضمنيا فيهما - كبيع سمسم بسمسم - فإنه لا يضر. وليس من القاعدة المذكورة. (واعلم) أن هذه القاعدة باطلة بجميع صورها، ما عدا ثلاث صور منها - كما ستعرفه - وسبب البطلان: أن العقد مشتمل أحد طرفيه على مالين مختلفين، وهو يوجب توزيع الطرف الآخر عليهما بالقيمة، والتوزيع يقتضي تحقق المفاضلة أو الجهل بالمماثلة. ولنبين لك تلك الصور: ليتميز لك الباطل من الصحيح - الذي هو السبب في إيرادي لهذه القاعدة هنا - فنقول: قد علمت مما مر أنه لا بد أن يتعدد المبيع جنسا أو نوعا أو صفة - تعدد الثمن كذلك أم لا - فهذه الثلاثة - أعني الجنس، والنوع، والصفة - يرتقي كل واحد منها إلى تسع - باعتبار أن الشيئين المشتمل عليهما المبيع لا فرق بين أن يوجدا في الثمن، أو يوجد أحدهما فقط، لكن كان الموجود فيه ربويا، وباعتبار أن الجنس الربوي المنضم إليه شئ آخر: قيمته

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أزيد من ذلك الشئ الآخر، أو أنقص، أو مساوية. فحاصل تلك الصور: سبع وعشرون صورة - ففي تعدد جنس المبيع تسع صور - لأنه إما بيع مد ودرهم بمثلهما، أو بمدين، أو درهمين - وفي كل إما أن أن يكون المد الذي مع الدرهم أعلى منه قيمة، أو أنقص، أو مساويا - فهذه تسع صور: من ضرب ثلاثة في ثلاثة. ومثلها: في اختلاف النوع - كأن بيع مد عجوة برني ومد صيحاني بمثلهما، أو بمدين صيحانيين، أو بمدين برنيين، وقيمة البرني مساوية لقيمة الصيحاني، أو أنقص، أو أزيد - فهذه تسع أيضا من ضرب ثلاثة في ثلاثة. ومثلها في اختلاف الصفة: كأن بيع دينار صحيح ودينار مكسر بمثلهما، أو بصحيحين أو مكسرين - فهذه تسع أيضا: من ضرب ثلاثة في ثلاثة - فالجملة سبع وعشرون صورة. وتتحقق المفاضلة في ثمانية عشرة صورة، وتجهل المماثلة في تسع، وكلها باطلة إلا ثلاثا من صور اختلاف الصفة، وهي: ما لو بيع صحيح ومكسر بمثلهما، أو بصحيحين، أو مكسرين. وقيمة الصحيح في الثلاث، مساوية لقيمة المكسر. وإنما نظروا لتساوي القيمة في الصفة، ولم ينظروا له في الجنس والنوع، لغلبة الإتحاد فيها دون الجنس والنوع، لوجود الوزن معها، وهو لا يخطئ إلا نادرا، بخلاف الكيل الموجود معهما. ولنمثل لك لبعض صور الجنس، ولبعض صور النوع، ولبعض صور الصفة، لتعرف تحقق المفاضلة، أو الجهل بالمماثلة، ونقيس الباقي عليها، فنقول: بالنسبة للأول - أعني الجنس - لو باع مد عجوة ودرهما بمدين: نظر - فإن كانت قيمة المد الذي مع الدرهم أكثر من درهم - كأن تكون قيمته درهمين - كان ذلك المد بالنسبة لقيمته ثلثي الطرف الذي هو فيه، وذلك لأن الدرهمين إذا ضممتهما إلى الدرهم، يكون مجموعها ثلاثة، والدرهمان ثلثاها، فإذا وزعت الثمن - الذي هو المدان - على المد والدرهم، يكون ثلثا المدين في مقابلة المد، والثلث الباقي منهما في مقابلة الدرهم. ولا شك أن ثلثي المدين، أكثر من المد - فتحققت المفاضلة وإن كانت قيمة المد أقل من الدرهم المنضم معه - كأن تكون نصف درهم - فيكون المد ثلث الطرف الذي هو فيه بالنسبة للقيمة، فإذا وزعت الثمن المذكور عليهما يكون ثلث المدين في مقابلة المد. ولا شك أن ثلثهما أنقص منه، فتحققت المفاضلة. وإن كانت قيمة المد الذي مع الدرهم مساوية له، لزم الجهل بالمماثلة لأنها تستند إلى التقويم، وهو تخمين قد يخطئ وقد يصيب. وقس على ما ذكر بقية صور الجنس، وهي: بيع مد ودرهم بمد ودرهم أو بدرهمين، وكانت قيمة المد أكثر، أو أنقص، أو مساوية - وبالنسبة للثاني - أعني النوع - لو باع مدا صيحانيا، ومدا برنيا بمثلهما: نظر أيضا - فإن كانت قيمة المد الصيحاني أعلى - كدرهمين - وقيمة المد البرني درهما: كان المد الصيحاني ثلثي الطرف الذي هو فيه فيقابله عند التوزيع ثلثا المدين - الصيحاني، والبرني - وهو مد وثلث، فيصير كأنه قابل مدا بمد وثلث، فتحققت المفاضلة. وإن كانت قيمة المد الصيحاني أقل من قيمة المد الرني - كأن تكون قيمته نصف درهم: كان المد الصيحاني ثلث الطرف الذي هو فيه، فيقابله ثلث المدين من الطرف الآخر - الذي هو الثمن - ولا شك أن ثلثهما أنقص من مد - فتحققت المفاضلة. وإن كانت قيمة المد الصيحاني مساوية لقيمة المد البرني: لزم الجهل بالمماثلة، إذ هي تستند إلى التقويم، وهو تخمين - كما مر -. وقس على ما ذكر بقية صور النوع، وهي: بيع مد صيحاني ومد برني بصيحانيين أو ببرنيين وكانت قيمة الصيحاني أكثر، أو أقل أو مساوية. وبالنسبة للثالث - أعني الصفة - لو باع درهما صحيحا ومكسرا بدرهم صحيح ومكسر: نظر أيضا - فإن كانت قيمة الصحيح أعلى من قيمة المكسر - كأن تكون درهمين - كان الصحيح ثلثي الطرف الذي هو فيه، فيقابله ثلثان من الطرف الآخر - وهو درهم وثلث - فيصير كأنه قابل درهما بدرهم وثلث، فتحققت المفاضلة. وإن كانت قيمة الصحيح أقل - كأن يكون نصف درهم - كان ثلث الطرف الذي هو فيه، فيقابله ثلث الدرهمين من الطرف الآخر - ولا شك أن ثلث الدرهمين أنقص من درهم كامل - فتحققت المفاضلة وإن كانت قيمة الصحيح مساوية لقيمة المكسر: لزم الجهل بالمماثلة - بناء على التقويم المار - إلا أنهم اغتفروا في الصلة: لتساويهما في الوزن وفي القيمة.

البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد أي مقابضة. قال الرافعي: ومن لازمه الحلول - أي غالبا - فيبطل بيع الربوي بجنسه جزافا، أو مع ظن مماثلة، وإن خرجتا سواء (و) شرط في بيع أحدهما (بغير جنسه) واتحدا في علة الربا - كبر بشعير، وذهب بفضة. (حلول، وتقابض) قبل تفرق - لا مماثلة - فيبطل بيع ـــــــــــــــــــــــــــــ وقس على ذلك بقية صور الصفة، وهي: ما لو باع درهما صحيحا، ودرهما مكسرا بصحيحين، أو مكسرين، وكانت قيمة الصحيح أعلى، أو أقل، أو مساوية. وفي صور التساوي ما علمت من الصحة. قال في التحفة: وليتفطن هنا لدقيقة يغفل عنها، وهي أنه يبطل - كما عرف مما تقرر - بيع دينار مثلا فيه ذهب وفضة بمثله أو بأحدهما، ولو خالصا - وإن قل الخليط - لأنه يؤثر في الوزن مطلقا. فإن فرض عدم تأثيره فيه، ولم يظهر به تفاوت في القيمة: صح البيع. اه. ومثله بيع فضة مغشوشة بمثلها أو بخالصة، فلا يصح. فإن فرض أن الغش قدر لا يظهر في الوزن: صح البيع. ومنه يؤخذ امتناع بيع الفضة بالفضة المتعامل بها الآن، لاشتمالها على النحاس المؤثر في الوزن. ويؤخذ أيضا منه بطلان ما عمت به البلوى من دفع دينار مغربي مثلا وعليه تمام ما يبلغ به دينارا جديدا من فضة أو فلوس وأخذ دينار جديد بدله. ولهذا قال بعضهم: لو قال لصيرفي: اصرف لي بنصف هذا الدرهم فضة، وبالنصف الآخر فلوسا: جاز، لأنه جعل نصفا في مقابلة الفضة، ونصفا في مقابلة الفلوس بخلاف ما لو قال: اصرف لي بهذا الدرهم نصف فضة، ونصف فلوس: لا يجوز، لأنه إذا قسط عليهما ذلك: احتمل التفاضل، وكان من صور مد عجوة ودرهم. اه. (قوله: وذلك إلخ) أي ما ذكر: من اشتراط الشروط الثلاثة في بيع الربوي بجنسه: ثابت، لقوله - صلى الله عليه وسلم - إلخ. (وقوله: " لا تبيعوا الذهب " إلخ) ذكر في الحديث ستة أشياء، إثنين من النقد، وأربعة من المطعومات. والأولان لا يقاس عليهما - لعدم تعدي علتهما - كما سيأتي. والأربعة الأخيرة يقاس عليها ما وجد علتها فيه، وهي تنقسم - من حيث العلة - ثلاثة أقسام، لأن البر والشعير مطعومان، والتمر متأدم به، والملح مصلح. (وقوله: ولا الورق) بكسر الراء، الفضة. (وقوله: إلا سواء بسواء) سواء الأول: حال، والثاني مع جاره متعلق بمحذوف صفة. أي سواء مقابلا بسواء، أي لا تبيعوا ذلك إلا حال كونهما متساويين. ومثله يقال فيما بعده. (قوله: عينا بعين) أي حالين. (وقوله: يدا بيد) أي متقابضين قبضا حقيقيا قبل التفرق من المجلس. (قوله: فإذا اختلفت هذه الأصناف) أي الربوية واتحدت علة الربا - كبر بشعير - والدليل على هذا القيد: الإجماع. وخرج بذلك، ما لو باع برا بنقد، فلا يشترط التقابض والحلول، لعدم اتحاد العلة - إذ هي في الأول، الطعمية، وفي الثاني النقدية. (وقوله: فبيعوا كيف شئتم) أي إذا أردتم بيع شئ منها بآخر فبيعوا كيف شئتم. أي متماثلا، ومتفاوتا. (قوله: إذا كان يدا بيد) كان: تامة، وفاعلها ضمير مستتر، يعود على البيع. ويدا بيد: حال من الضمير المستتر. أي إذا وجد بيع الأصناف المختلفة حال كونه يدا بيد، أي مقابضة. (قوله: ومن لازمه) أي التقابض، الحلول: أي فوجد شرطا بيع الربوي بغير جنسه، وهما: التقابض والحلول. (وقوله: أي غالبا) أي أن كون لازم التقابض الحلول، باعتبار الغالب، ومن غير الغالب: قد يحصل التقابض قبل التفرق، مع كون العقد مشروطا فيه تأجيل أحد العوضين إلى لحظة مثلا. (قوله: فيبطل بيع الربوي إلخ) محترز كون المماثلة يقينا. وقوله جزافا - بتثليث الجيم - وهو ما لم يقدر بكيل ولا وزن - كبيع صبرة من بر بصبرة من جنسها، فإن ذلك لا يصح. (قوله: أو مع ظن مماثلة) يغني عنه قوله جزافا، إذ هو صادق بظن المماثلة، وهو ساقط من عبارة التحفة وفتح الجواد وغيرهما، فالأولى إسقاطه. (قوله: وإن خرجتا سواء) المناسب: وإن خرجا - بإسقاط التاء - إذ ألف التثنية تعود على مذكر، وهو الربوي ومقابله من غير جنسه. وهو غاية للبطلان، أي يبطل بيع ما ذكر جزافا، وإن خرجا سواء للجهل بالمماثلة حالة العقد. (قوله: وشرط في بيع أحدهما) أي المطعوم والنقد. (وقوله: بغير جنسه) متعلق ببيع. (قوله: واتحد) أي ذلك الأحد ومقابله. (قوله: في علة الربا) هي الطعم والنقدية - كما تقدم -. (قوله: كبر بشعير وذهب بفضة) الأول: مثال لبيع المطعوم بغير جنسه مع

الربوي بغير جنسه إن لم يقبضا في المجلس، بل يحرم البيع في الصورتين إن اختل شرط من الشروط. واتفقوا على أنه من الكبائر، لورود اللعن لآكل الربا، وموكله، وكاتبه. وعلم بما تقرر أنه لو بيع طعام بغيره كنقد، أو ثوب، أو غير طعام بطعام: لم يشترط شئ من الثلاثة. (و) شرط (في بيع موصوف في ذمة) ويقال له السلم، مع الشروط المذكورة للبيع غير الرؤية. (قبض ـــــــــــــــــــــــــــــ الاتحاد في العلة. والثاني: لبيع النقد بغير جنسه مع الاتحاد في ذلك. (قوله: حلول إلخ) نائب فاعل شرط. (قوله: قبل تفرق) أي من مجلس العقد، والظرف تنازعه كل من حلول وتقابض. (قوله: لا مماثلة) أي لا يشترط مماثلة، لقوله في الحديث المار: فبيعوا كيف شئتم. (قوله: فيبطل بيع الربوي إلخ) مفرع على مفهوم الشرط الثاني. وقوله إلى لم يقبضها: أي أو لم يكونا حالين. وكان عليه أن يصرح به لأنه مفهوم الشرط الأول. (قوله: بل يحرم) إضراب إنتقالي، لا إبطالي. والمناسب: عدم الإضراب، وإبدال بل بواو الاستئناف. وقوله في الصورتين: هما بيع الربوي بجنسه، وبيعه بغير جنسه. وكان المناسب أن يقول: في ذلك كله. (قوله: واتفقوا على أنه من الكبائر) أي أن البيع في الصورتين المختل فيهما شرط من الشروط السابقة: من الكبائر، بل من أكبر الكبائر - كما في التحفة - وذلك لأنه ربا، وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه. قيل: ولم يؤذن الله تعالى في كتابه عاصيا بالحرب: غير آكله. قال تعالى: * (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) * (1) ومن ثم قيل: إنه علامة على سوء الخاتمة - كإيذاء أولياء الله تعالى -. قال في الإيعاب: ولقد وقع لي أني رجعت من مصر إلى بلدنا لصلة الرحم في حدود الثلاثين وتسعمائة، فكنت في عشر رمضان الأخير أزور قبر والدي كل يوم بعد الصبح، ففي يوم أنا جالس أقرأ على قبره، وإذا بصوت فزع يأتيني من بعد، فتبعته إلى أن رأيته خارجا من قبر مبني مجصص، وهو يقول: آه آه - مفسرة - قوقفت ساعة، ثم رجعت، فسألت عن صاحب ذلك القبر، فقيل لي: فلان - لرجل أعرفه، صاحب ثروة، كان لا يفارق المسجد، ولا يتكلم بسوء قط - فزاد العجب فيه، ثم بالغت في السؤال عنه، فقيل: إنه كان يأكل الربا. اه. قال في النهاية: وظاهر الأخبار هنا أنه أعظم إثما من الزنا والسرقة وشرب الخمر. لكن أفتى الوالد بخلافه، وتحريمه تعبدي. وما أبدي له - أي من كونه يؤدي للتضييق ونحوه - إنما يصلح حكمة، لا علة. اه. بزيادة. (قوله: لآكل الربا) هو متناوله بأي وجه كان، واعترض بأنه إن أراد بالربا المعنى اللغوي - وهو الزيادة - فلا يصح، لقصوره على ربا الفضل. وأيضا يقتضي أن اللعن على آكل الزيادة فقط، دون باقي العوض. وإن أريد بالربا العقد، فغير ظاهر، لأنه لا معنى لأكل العقد وأجيب باختيار الثاني، وهو على تقدير مضاف، والتقدير: آكل متعلق الربا، وهو العوض. اه. بجيرمي. (قوله: وموكله) هو الدافع للزيادة. (قوله: وكاتبه) أي الذي يكتب الوثيقة بين المرابين، وأسقط من الحديث: الشاهد، وكان عليه أن يصرح به. (قوله: وعلم بما تقرر) أي من أنه يشترط لبيع الربوي بجنسه، أو بغيره مع الاتحاد في العلة، ما مر من الشروط. (وقوله: أنه لو بيع طعام إلخ) أي لو بيع ربوي بغير جنسه ولم يتحدا في العلة - كبيع طعام بنقد، أو بثوب، أو بيع عروض بنقد، أو غير ذلك - لم يشترط شئ من هذه الثلاثة، أي التماثل، والحلول، والتقابض. (قوله: وشرط في بيع إلخ) لما أنهى الكلام على بيع الأعيان، شرع في بيع الذمم. والأصل فيه: قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * (2) الآية - نزلت في السلم -. وخبر الصحيحين. من أسلف في شئ، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم. (وقوله: موصوف) صفة لمحذوف، أي شئ موصوف بما يبين قدره وجنسه وصفته. (وقوله: في الذمة) متعلق بمحذوف صفة ثانية لذلك

_ (1) سورة البقرة، الاية: 279. (2) سورة البقرة، الاية: 282.

رأس مال) معين، أو في الذمة، في مجلس خيار وهو (قبل تفرق) من مجلس العقد، ولو كان رأس المال منفعة. وإنما يتصور تسليم المنفعة بتسليم العين، كدار وحيوان، ولمسلم إليه قبضه ورده لمسلم، ولو عن دينه. (وكون مسلم فيه دينا) في الذمة: حالا كان أو مؤجلا، لانه الذي وضع له لفظ السلم - فأسلمت إليك ألفا في ـــــــــــــــــــــــــــــ المحذوف، أي ملتزم في الذمة، ويصح تعلقه ببيع. وكون البيع في الذمة - باعتبار كون المبيع ملتزما فيه -. والذمة لغة: العهد، والأمان. وشرعا: معنى قائم بالذات، يصلح للإلزام من جهة الشارع، والالتزام من جهة المكلف. (قوله: ويقال له السلم) أي يطلق على البيع في الذمة السلم اتفاقا، وإن كان بلفظ السلم، فإن كان بلفظ البيع، فقيل إنه بيع، ولا تجري عليه أحكام السلم، من اشتراط قبض رأس المال في المجلس، وعم صحة الحوالة به وعليه، وقيل إنه سلم، وعليه تجري فيه أحكامه المذكورة. وأركان السلم خمسة: مسلم، ومسلم إليه، ومسلم فيه، ورأس مال، وصيغة. (قوله: مع الشروط) متعلق بشرط، أي شرط قبض إلخ مع اشتراط الشروط السابقة في بيع المعين، ما عدا الرؤية من كون المعقود عليه ملكا للعاقد، وطاهرا ومقدورا على تسلمه. أما الرؤية فليست شرطا فيه، لأنه إنما تشترط في بيع المعين فقط، وهذا في الذمة. (قوله: قبض رأس مال) هو شرط لدوام الصحة، ويشترط لأصلها حلوله - كما في المنهج - ولا يغني القبض عنه، لأنه قد يكون مؤجلا ويقبض في المجلس، وهو لا يصح. وإنما عبر بالقبض دون التسليم - الذي عبر به في المنهاج - لأن المعتمد جواز استقلال المسلم إليه بقبض رأس المال. (وقوله: معين) كأسلمت إليك هذا الدينار (وقوله: أو في الذمة) كأسلمت إليك دينارا، وإن لم يقل في ذمتي - كما يقع الآن. (والحاصل) رأس المال تارة يكون معينا، وتارة يكون في الذمة - بخلاف المسلم فيه، فإنه لا يكون إلا دينا - أي في الذمة - كما سيذكره. (قوله: في مجلس خيار) متعلق بقبض. (قوله: وهو) أي مجلس الخيار كائن قبل تفرق، أي أو قبل تخاير، لأن اختيار اللزوم كالتفرق - كما سيأتي في الخيار - ولو اختلفا، فقال المسلم قبضته بعد التفرق، وقال المسلم إليه قبله، أو بالعكس، ولا بينة لكل، صدق مدعي الصحة. (قوله: من مجلس العقد) متعلق بتفرق، والأولى إسقاطه، لأنه لو قاما منه وتماشيا منازل حتى حصل القبض قبل التفرق: صح. (قوله: ولو كان إلخ) غاية في اشتراط قبض رأس المال قبل ذلك، أي يشترط قبضة قبل ذلك، ولو كان منفعة، كأسلمت إليك منفعة داري، أو حيواني في كذا وكذا. (قوله: وإنما يتصور تسليم المنفعة بتسليم العين) أي لأن ذلك هو الممكن في قبض المنفعة، فلم يتصور فيها القبض الحقيقي. قال سم: فلو تلفت العين قبل فراغ المدة: ينبغي انفساخ السلم فيما يقابل الباقي، لتبين عدم حصول القبض فيه، كما لو تلفت الدار المؤجرة. اه. (قوله: كدار وحيوان) تمثيل للعين التي أسلم منفعتها. (قوله: ولمسلم إليه قبضه) أي رأس المال، أي له أن يستقل به من غير أن يقبضه المسلم إياه. (قوله: ورده لمسلم إلخ) أي وله رد رأس المال للمسلم، ولو عن الدين الذي عليه له. وعبارة التحفة: ولو رده إليه قرضا أو عن دين، فقد تناقض فيه كلام الشيخين وغيرهما. والمعتمد: جوازه، لأن تصرف أحد العاقدين مع الآخر لا يستدعي لزوم الملك. اه. (قوله: وكون مسلم إلخ) معطوف على قبض رأس مال، أي وشرط كون الشئ المسلم فيه دينا. قال في المغني: (فإن قيل) الدينية داخلة في حقيقة السلم، فكيف يصح جعلها شرطا، لأن الشرط خارج عن المشروط؟ (أجيب) بأن الفقهاء قد يريدون بالشرط: ما لا بد منه، فيتناول حينئذ جزء الشئ. اه. (قوله: في الذمة) أي ذمة المسلم إليه، وهذا بيان للمراد من كونه دينا، ولو زاد أي التفسيرية، لكان أولى. وعبارة ش ق: والمراد بالدين: ما كان في الذمة - كما يستفاد ذلك من التعريف السابق - فلا يشترط فيه الأجل. اه. (قوله: حالا كان) أي المسلم فيه، أو مؤجلا. والمراد أن يصرح بالحلول أو بالأجل. (قوله: لأنه) أي الدين هو الذي وضع له لفظ السلم، إذ هو بيع موصوف في الذمة. وما ذكر تعليل لاشتراط كون المسلم فيه دينا. (قوله: فأسلمت إلخ) مفرع على مفهوم اشتراط ما ذكر، أي فلو لم يكن المسلم فيه دينا - بأن كان معينا - فليس بسلم. وقوله في هذا العين: هو المسلم فيه. وقوله أو هذا: أي أو أسلمت إليك هذا الدينار مثلا في هذا - أي الثوب مثلا - كرر المثال إشارة إلى أن رأس

هذا العين، أو هذا في هذا: ليس سلما، لانتفاء الشرط، ولا بيعا، لاختلال لفظه - ولو قال إشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال بعتك. كان بيعا، عند الشيخين، نظرا للفظ. وقيل سلم - نظرا للمعنى - واختاره جمع محققون. (و) كون المسلم فيه (مقدورا) على تسليمه (في محله) بكسر الحاء: أي وقت حلوله فلا يصح السلم في منقطع عند المحل: كالرطب في الشتاء، (و) كونه (معلوم قدر) بكيل في مكيل، أو وزن في موزون، أو ذرع في مذروع، أو عد في معدود. وصح في نحو جوز ولوز، بوزن وموزون بكيل يعد فيه ضابطا، ـــــــــــــــــــــــــــــ المال لا يضر تعينه - كما علمت (قوله: ليس سلما) الجملة خبر فأسلمت إلخ الواقع مبتدأ لقصد لفظه. (قوله: لانتفاء الشرط) هو الدينية، وهو علة لانتفاء كونه سلما. (قوله: ولا بيعا لاختلال لفظه) أي وليس بيعا لاختلال، أي لفقد لفظه - أي البيع - إذ المعبر به لفظ السلم، لا البيع. قال في التحفة: نعم، لو نوى بلفظ السلم البيع، فهل يكون كناية - كما اقتضته قاعدة: ما كان صريحا في بابه كان كناية في غيره - أو لا، لأن موضوعه ينافي التعيين، فلم يصح استعماله فيه؟ كل محتمل. والثاني أقرب إلى كلامهم. اه. بتصرف. (قوله: ولو قال اشتريت إلخ) هذه مسألة مستقلة، وليست مفرعة على ما قبلها. (قوله: كان بيعا) أي كان هذا العقد بيعا - لا سلما - عند الشيخين. قال في النهاية: وهو الأصح هنا - كما صححه في الروضة - (قوله: نظرا للفظ) أي اعتبارا باللفظ، أي وهو لفظ البيع والشراء. (قوله: وقيل سلم نظرا للمعنى) أي وهو بيع شئ موصوف في الذمة، واللفظ لا يعارضه، لأن كل سلم بيع، كما أن كل صرف بيع، وإطلاق البيع على السلم إطلاق له على ما يتناوله. قال في التحفة: فعلى الأول - أي أنه بيع - يجب تعيين رأس المال في المجلس إذا كان في الذمة، ليخرج عن بيع الدين بالدين، لا قبضه، ويثبت فيه خيار الشرط، ويجوز الاعتياض عنه. وعلى الثاني - أي أنه سلم - ينعكس ذلك، ومحل الخلاف إذا لم يذكر بعده لفظ السلم، وإلا كان سلما اتفاقا اه. بزيادة. (قوله: واختاره) أي القول بأنه سلم، وهو ضعيف. (قوله: وكون المسلم فيه الخ) معطوف على قبض رأس مال، أي وشرط كون المسلم فيه: مقدورا على تسليمه للمسلم عند المحل، وصرح بهذا الشرط - مع أنه من شروط البيع، وهو بصدد بيان الشروط الزائدة عليها - كما يدل له قوله سابقا مع الشروط المذكورة للبيع - لأن المقصود بيان وقت القدرة المشترطة، وهذا زائد على مفهوم القدرة على التسليم، وذلك الوقت هو حالة وجوب التسليم، وهو يختلف، ففي السلم الحال: عند العقد. وفي المؤجل: بحلول الأجل. (قوله: أي وقت حلوله) تفسير مراد للمحل - بالكسر - وهو مصدر بمعنى الزمان، وهذا إن كان السلم مؤجلا، وإلا فالعبرة فيه بوقت العقد - كما علمت - (قوله: فلا يصح السلم في منقطع إلخ) أي أو فيما يشق حصوله في المحل مشقة عظيمة، كقدر كثير من الباكورة. (وقوله: كالرطب في الشتاء) أي كأن أسلم له في رطب يأتي به في الشتاء، وهذا باعتبار أكثر البلاد. أما في بلد يوجد فيه الرطب في الشتاء كثيرا، فيصح، كما في الإيعاب. (قوله: وكونه معلوم قدر إلخ) معطوف على قبض رأس مال أيضا، أي وشرط كون المسلم فيه معلوم قدر. قال ع ش: أي للعاقدين، ولو إجمالا، كمعرفة الأعمى الأوصاف بالسماع، ولعدلين. ولا بد من معرفتهما الصفات بالتعيين، لأن الغرض منهما الرجوع إليهما عند التنازع، ولا تحصل تلك الفائدة إلا بمعرفتهما تفصيلا - كذا قاله في القوت - وهو حسن متعين. اه. (قوله: بكيل الخ) متعلق بمعلوم، أي ويحصل العلم بالقدر بالكيل في المكيل، أي فيما يكال عادة - كالحبوب ونحوها - وبالوزن، في الموزون - أي فيما يوزن عادة - كاللآلئ الصغار، والنقدين، والمسك، ونحو ذلك - وبالذرع: في المذروع - أي فيما يذرع عادة - كالثياب، والأرض - وبالعد: في المعدود، أي فيما يعد عادة - كالأحجار واللبن. (قوله: وصح) أي السلم (قوله: في نحو جوز ولوز) أي مما جرمه كجرمهما - كفستق - وألحق به بعضهم البن المعروف الآن. وانظر لم أفرد هذا بالذكر مع أنه إن كان من المكيل، والقصد التنبيه على أنه يصح بالوزن، فهو داخل في قوله الآتي ومكيل بوزن، وإن كان من الموزون فهو داخل تحت قوله المار أو وزن في موزون؟ ويمكن أن يقال - كما في البجيرمي - أنه أفرده بالذكر للرد على الإمام ومن تبعه، لأنه يمنع السلم في الجوز واللوز وزنا وكيلا، إن كان من نوع يكثر

ومكيل بوزن، ولا يجوز فيه بيضة ونحوها، لانه يحتاج إلى ذكر جرمها مع وزنها، فيورث عزة الوجود. ويشترط أيضا بيان محل تسليم للمسلم فيه إن أسلم بمحل لا يصلح للتسليم، أو لحمله إليه مؤنة. ولو ظفر المسلم بالمسلم إليه بعد المحل في غير محل التسليم ولنقله إلى محل الظفر مؤنة، لم يلزمه أداء، ولا يطالبه بقيمته. ـــــــــــــــــــــــــــــ اختلافه بغلظ قشوره ورقتها. فافهمه. (قوله: وموزون بكيل) أي وصح أيضا السلم في موزون بكيل. (وقوله: يعد فيه ضابطا) أي يعد ذلك الكيل في الموزون ضابطا، وذلك كدقيق، وما صغر جرمه كجوز ولوز - كما مر - فإن لم يعد فيه الكيل ضابطا - كفتات مسك، وعنبر، وكبطيخ، وقثاء، وباذنجان، ورمان، ونحوها مما كبر جرمه، وكالبقول، وكالملوخية، والرجلة - تعين في جميع ذلك الوزن. (قوله: ومكيل بوزن) أي وصح السلم في مكيل كالحبوب بالوزن، وذلك لأن المقصود معرفة القدر، وهي حاصلة بذلك. وبه يفرق بين السلم، وبين الربا - حيث تعين في الموزون الوزن، وفي المكيل الكيل - وذلك لأن المقصود هناك المماثلة بما عهد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو أضيق بابا من السلم. (قوله: ولا يجوز) أي السلم. (وقوله: في بيضة ونحوها) أي كبطيخة، وسفرجلة. ويفهم من التعبير ببيضة ونحوها: أن السلم يصح في البيض الكثير، والبطيخ الكثير ونحوهما، وهو كذلك - كما في شرح الروض - وعبارته: أما لو أسلم في عدد من البطيخ مثلا - كمائة - بالوزن في الجميع، دون كل واحدة، فيجوز - اتفاقا - قاله السبكي وغيره. اه. وعبارة التحفة مثله، ونصها: ومن ثم امتنع في نحو بطيخة أو بيضة واحدة، لاحتياجه إلى ذكر جرمها مع وزنها، وذلك لعزة وجوده. نعم، إن أراد الوزن التقريبي: اتجه صحته في الصورتين، لانتفاء عزة الوجود. اه. (قوله: لأنه) أي الحال والشأن (وقوله: يحتاج) أي في صحة السلم في نحو البيضة. (وقوله: إلى ذكر جرمها مع وزنها) أي في صيغة السلم، كأن يقول أسلمت إليك في بطيخة جرمها كذا، ووزنها كذا. (قوله: فيورث عزة الوجود) أي فيؤدي ذكر الجرم مع الوزن إلى ندرة الوجود، فلذلك لم يصح السلم. (قوله: ويشترط) أي لصحة السلم. (وقوله: أيضا) أي كما اشترط ما مر من قبض رأس المال وما بعده. (قوله: بيان محل تسليم) أي مطلقا، سواء كان السلم حالا أو مؤجلا. وحاصل ما يتعلق بهذا الشرط أن الصور فيه ثمانية، وذلك لأن السلم إما حال أو مؤجل. وعلى كل، إما أن يكون لنقله مؤنة أو لا، وعلى كل: إما أن يكون المحل صالحا للتسليم أو لا - فأربعة في الحال، وأربعة في المؤجل - يجب البيان في خمسة، منها ثلاثة في المؤجل، وهي ما إذا كان الموضع غير صالح للتسليم، سواء كان لنقله مؤنة أم لا، أو صالحا ولنقله مؤنة. وثنتان في الحال: وهما ما إذا كان الموضع غير صالح للتسليم، سواء كان لنقله مؤنة أم لا. ولا يجب البيان في ثلاثة: واحدة في المؤجل، وهي ما إذا كان الموضع صالحا ولا مؤنة للنقل. وثنتان في الحال، وهما: إذا كان صالحا سواء كان لنقفه مؤنة أم لا. فإذا بين تلك الصورة وجب العمل بالبيان، وإذا علمت ذلك تعلم ما في كلام الشارح من الإجمال، حيث أطلق ولم يفصل بين المسلم فيه المؤجل والحال، فيفيد أنه إذا صلح المكان للتسليم، وكان لحمله مؤنة: اشترط البيان مطلقا - سواء كان مؤجلا أو حالا - مع أنه إنما يشترط في الأول، دون الثاني. (قوله: إن أسلم بمحل لا يصلح للتسليم) أي عقد في محل لا يصلح له، كأن عقد في وسط لجة أو في بادية، ولا فرق في اشتراط البيان فيما إذا أسلم في المحل المذكور بين أن يكون لنقل المسلم فيه مؤنة أم لا. (وقوله: أو لحمله إليه مؤنة) أي أو صلح للتسليم، لكن كان لحمله من الموضع الذي يوجد فيه عادة إلى موضع التسليم مؤنة، ومحل اشتراط البيان في هذا: إذا كان المسلم فيه مؤجلا، أما إذا كان حالا فلا يشترط - كما علمت - (قوله: ولو ظفر المسلم) بكسر اللام (وقوله: بالمسلم إليه) بفتح اللام (وقوله: بعد المحل) بكسر الحاء. (قوله: في غير محل التسليم) متعلق بظفر، ومحله هو المكان المعين بالشرط، أو بالعقد. (قوله: ولنقله إلى محل الظفر) أي نقل المسلم فيه من محل التسليم إلى موضع الظفر مؤنة، أي ولو يتحملها المسلم عن المسلم إليه. (قوله: لم يلزمه) أي المسلم إليه. (وقوله: أداء) أي للمسلم فيه للمسلم (قوله: ولا يطالبه بقيمته) أي ولا يطالب المسلم المسلم إليه في غير محل التسليم بقيمته قال سم:

ويصح السلم حالا ومؤجلا بأجل معلوم، لا مجهول ومطلقه حال، ومطلق المسلم فيه جيد. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الزركشي: لكن له الدعوى عليه، وإلزامه بالسفر إلى محل التسليم، أو التوكيل، ولا يحبس. اه. (قوله: ويصح السلم حالا) أي بأن صرح بالحلول. (وقوله: ومؤجلا) أي بأن صرح بالتأجيل بالنسبة للمسلم فيه، أما رأس المال، فلا يصح فيه الأجل، ويجب قبضه حقيقة في المجلس - كما تقدم - أما المؤجل: فبالنص، وأما الحال: فبالأولى - لبعده عن الغرر - (فإن قيل) الكتابة تصح بالمؤجل ولا تصح بالحال. (أجيب) بأن الأجل إنما وجب فيها لعدم قدرة الرقيق على نحو الكتابة، والحلول يقتضي وجوبها حالا. (وقوله: بأجل معلوم) متعلق بمؤجل، أي مؤجل بأجل معلوم للعاقدين، أو للعدلين، كإلى شهر رمضان. (قوله: لا مجهولا) أي لا مؤجل بأجل مجهول، فلا يصح. فلو قال أسلمت إليك بهذا إلى قدوم زيد: لم يصح، للجهل بوقت الحلول. (قوله: ومطلقه إلخ) أي أن مطلق السلم، أي الذي لم يصرح فيه بحلول أو أجل. (وقوله: حال) أي ينعقد حالا، كما أنه إذا أطلق البيع، ينعقد حالا. قال سم: وإن ألحقا به أجلا في المجلس: لحق، أو ذكرا أجلا ثم أسقطاه في المجلس: سقط. اه. (قوله: ومطلق المسلم فيه جيد) أي أن المسلم فيه إذا لم يقيد بجودة ولا رداءة: ينصرف للجيد - للعرف، ولكن ينزل على أقل درجات الجيد لا على أعلاها. (قوله: وحرم ربا) (1) هو بالقصر لغة الزيادة، قال الله تعالى: * (اهتزت وربت) * (2) أي زادت ونمت. وشرعا: عقد واقع على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع، أو واقع مع تأخير في البدلين، أو أحدهما. (واعلم) أن غالب ما ذكره هنا هو عين ما مر في قوله وشرط في بيع ربوي إلخ، فكان الأولى أن يستوفي الكلام هناك على ما يتعلق ببيع الربوي، أو لا يذكر هناك شيئا أصلا ويستغني بما ذكره هنا عما ذكره هناك - كما صنع في المنهج -. وقد ورد في تحريم الربا شئ كثير من الآيات والأحاديث والآثار، منها ما تقدم، ومنها قوله تعالى: * (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) * قال بعضهم في تفسير هذه الآية: إن آكل الربا أسوأ حالا من جميع مرتكبي الفواحش، فإن كل مكتسب له توكل ما في كسبه، قليلا كان أو كثيرا - كالتاجر والزارع - إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم، ولم تتعين لهم قبل الاكتساب، فهم على غير معلوم في الحقيقة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: أبى الله أن يرزق المؤمن إلا من حيث لا يعلم، وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه، فهو محجوب عن ربه بنفسه، وعن رزقه بتعيينه، لا توكل له أصلا، فوكله الحق سبحانه وتعالى إلى نفسه وعقله، وأخرجه من حفظه، فاختطفته الجن، وخبلته، فيقوم يوم القيامة كالمصروع الذي مسه الشيطان، فتخطفه الزبانية، وتلقيه في النيران - فيجب على كل مؤمن أن يتباعد مما يغضب الجبار، ويتوب ويرجع إلى العزيز الغفار، فعساه يغفر له خطاياه - كما قال تعالى: * (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (3). والمال الحاصل من الربا: لا بركة له، لأنه إنما حصل من مخالفة الحق، فتكون عاقبته وخيمة، وصاحبه يرتكب سائر المعاصي - إذ كل طعام يوصل آكله إلى دواع وأفعال من جنسه - فإن كان حراما: يدعوه إلى أفعال محرمة، وإن كان مكروها: يؤديه إلى أفعال مكروهة، وإن كان طيبا: يوصله إلى الطيبات فآكل الربا عليه إثم الربا، والأفعال التي حصلت بسببه، فتزداد عقوبته وإثمه أبدا، ويتلف الله ماله في الدنيا، فلا ينتفع به أعقابه وأولاده، فيكون ممن خسر الدنيا

_ (1) والاصل في تحريم الربا قوله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا) (البقرة، الاية: 275) وقوله تعالى: (ويمحق الله الربا ويربي الصدقات) (البقرة 276). وقول الله عزوجل: (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) (البقرة: 278 - 279). وما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء " رواه البخاري. (2) سورة الحج، الاية: 5، وفصلت، الاية: 39. (3) سورة البقرة، الاية: 275.

(وحرم ربا) مر بيانه قربيا، وهو أنواع: ربا فضل، بأن يزيد أحد العوضين، ومنه ربا القرض: بأن يشترط فيه ما فيه نفع للمقرض، وربا يد: بأن يفارق أحدهما مجلس العقد قبل التقابض، وربا نساء: بأن يشترط أجل في أحد العوضين، وكلها مجمع عليها، ثم العوضان أن اتفقا جنسا: اشترط ثلاثة شروط، تقدمت، أو علة: وهي الطعم والنقدية، اشترط شرطان، تقدما. قال شيخنا ابن زياد: لا يندفع إثم إعطاء الربا عند الاقتراض للضرورة، بحيث أنه إن لم يعط الربا لا يحصل له القرض. إذ له طريق إلى إعطاء الزائد بطريق النذر أو التمليك، لاسيما إذا قلنا النذر لا يحتاج إلى قبول لفظا على المعتمد. وقال شيخنا: يندفع الاثم للضرورة. ـــــــــــــــــــــــــــــ والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. ولو لم يكن في الربا إلا مخالفة الذي خلقه فسواه وأظهر له سبيل النجاة لكفى به نقصانا. وأي نقصان أفحش من ذلك؟. (قوله: مر بيانه قريبا) أي مر بيان معنى الربا قريبا. وفيه أنه لم يبين معنى الربا فيما مر لا لغة ولا شرعا، إلا أن يقال إنه يفهم منه بيان ذلك شرعا، وإن لم يعبر عنه هناك بعنوان الربا، وذلك لأنه ذكر شروط بيع الربوي. وحكم ما إذا اختل شرط منها، والمختل شرط منها هو الربا - كما يعلم من تعريفه المار آنفا - (قوله: وهو أنواع) أي الربا من حيث هو أقسام ثلاثة، بدخول ربا القرض في ربا الفضل، وإلا فهي أربعة. (قوله: ربا فضل) بدل من أنواع بدل بعض من كل. (قوله: بأن يزيد إلخ) تصوير لربا الفضل، ولا فرق في الزيادة بين أن تكون متيقنة، أو محتملة. (وقوله: أحد العوضين) أي المتحدين جنسا. (قوله: ومنه ربا القرض) أي ومن ربا الفضل: ربا القرض، وهو كل قرض جر نفعا للمقرض، غير نحو رهن. لكن لا يحرم عندنا إلا إذا شرط في عقده، كما يؤخذ من تصويره الآتي، ولا يختص بالربويات، بل يجري في غيرها، كالحيوانات والعروض -. وإنما كان ربا القرض من ربا الفضل، مع أنه ليس من الباب لأنه لما شرط فيه نفعا للمقرض، كان بمنزلة أنه باع ما أقرضه بما يزيد عليه من جنسه، فهو منه حكما. وقيل إنه قسم مستقل. (وقوله: بأن يشترط) تصوير لربا القرض. (وقوله: فيه) أي في القرض، أي عقده. (قوله: ما فيه نفع للمقرض) ومنه ما لو أقرضه بمصر وأذن له في دفعه لوكيله بمكة مثلا. (قوله: وربا يد) إنما نسب إليها لعدم القبض بها حالا. اه. بجيرمي. (وقوله: بأن يفارق إلخ) تصوير له. (وقوله: أحدهما) أي المتعاقدين. (وقوله: قبل التقابض) أي قبل قبض العوضين أو أحدهما. (قوله: وربا نساء) بفتح النون مع المد، وهو الأجل. (وقوله: بأن يشترط) تصوير له. (وقوله: أجل) أي ولو لحظة. (وقوله: في أحد العوضين) سواء اتفقا جنسا، أو لا. (قوله: وكلها) أي هذه الأنواع (وقوله: مجمع عليها) أي على بطلانها. وذكر الشارح فيما تقدم أن الربا من الكبائر. والذي في التحفة أنه من أكبر الكبائر. وقال البجيرمي: الذي يظهر أن ما ذكر في بعض أنواعه، وهو ربا الزيادة، وأما الربا من أجل التأخير أو الأجل من غير زيادة في أحد العوضين، فالظاهر أنه صغيرة، لأن غاية ما فيه أنه عقد فاسد، وقد صرحوا بأن العقود الفاسدة من قبيل الصغائر. اه. (قوله: ثم العوضان إن اتفقا جنسا) أي كذهب بذهب، وفضة بفضة. (قوله: ثلاثة شروط تقدمت) أي وهي: الحلول، والتقابض، والتماثل (قوله: أو علة) معطوف على جنسا أي أو اختلفا جنسا لكن اتفقا علة، كذهب بفضة، وبر بشعير. (قوله: وهي) أي العلة. (وقوله: الطعم) بضم الطاء أي المطعوم. (قوله: وقوله، والنقدية) الواو بمعنى أو. (قوله: شرطان تقدما) أي وهما: الحلول، والتقابض. (قوله: لا يندفع إثم إعطاء الربا) أي من المعطي الذي هو المقترض. (قوله: عند الاقتراض) متعلق بيندفع، وليس متعلقا بإعطاء، لأن الإعطاء لا يكون إلا عند دفع ما اقترضه من الدراهم مثلا. (وقوله: للضرورة) متعلق باقتراض، أو بإعطاء. والثاني هو ظاهر التصوير بعده. (قوله: بحيث إلخ) تصوير لإعطاء ذلك، لأجل الضرورة. (وقوله: أنه) أي المقترض. (وقوله: لا يحصل له القرض) أي لا يقرضه صاحب المال. (قوله: إذ له إلخ) تعليل لعدم اندفاع إثم الإعطاء عند ذلك، أي لا يندفع ذلك، لأن له طريقا في إيصال الزائد للمقرض بنذر، أو هبة، أو نحوهما. (وقوله: أو التمليك) أي بهبة، أو هدية، أو صدقة. (قوله: لا سيما) أي خصوصا (قوله: لا يحتاج إلى قبول)

(فائدة): وطريق الخلاص من عقد الربا لمن يبيع ذهبا بذهب، أو فضة بفضة، أو برا ببر، أو أرزا بأرز متفاضلا، بأن يهب كل من البائعين حقه للآخر، أو يقرض كل صاحبه ثم يبرئه ويتخلص منه بالقرض في بيع الفضة بالذهب أو الارز بالبر بلا قبض قبل تفرق، (و) حرم (تفريق بين أمة) وإن رضيت، أو كانت كافرة، (وفرع ـــــــــــــــــــــــــــــ أي من المنذور له. (قوله: وقال شيخنا) لعله في غير التحفة وفتح الجواد. (قوله: يندفع الإثم) أي إثم إعطاء الزيادة. (وقوله: للضرورة) أي لأجل ضرورة الاقتراض (قوله: وطريق الخلاص من عقد. إلخ) أي الحيلة في التخلص من عقد الربا في بيع الربوي بجنسه مع التفاضل ما ذكره. وهي مكروهة بسائر أنواعه - خلافا لمن حصر الكراهة في التخلص من ربا الفضل - ومحرمة عند الأئمة الثلاثة. وقال سيدنا الحبيب عبد الله بن الحداد: إياكم وما يتعاطاه بعض الجهال الأغبياء المغرورين الحمقاء من استحلالهم الربا في زعمهم بحيل أو مخادعات ومناذرات يتعاطونها بينهم، ويتوهمون أنهم يسلمون بها من إثم الربا، ويتخلصون بسببها من عاره في الدنيا، وناره في العقبى، وهيهات هيهات، إن الحيلة في الربا من الربا، وإن النذر شئ يتبرر به العبد، ويتبرع ويتقرب به إلى ربه، لا يصح النذر إلا كذلك، وقرائن أحوال هؤلاء تدل على خلاف ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله. وبتقدير أن هذه المناذرات - على قول بعض علماء الظاهر - تؤثر شيئا، فهو بالنسبة إلى أحكام الدنيا وظواهرها لا غير. فأما بالنسبة إلى أحكام الباطن، وأمور الآخرة فلا. وأنشد رضي الله عنه: ليس دين الله بالحيل فانتبه يا راقد المقل (قوله: لمن يبيع إلخ) متعلق بالخلاص. (قوله: متفاضلا) حال من مفعول يبيع، أي يبيع ما ذكر من متحدي الجنس حال كونه متفاضلا، أي زائدا أحد العوضين على الآخر. (قوله: بأن يهب إلخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وهو طريق: أي طريق ذلك حاصل بأن يهب إلخ، ولو أسقط الباء الجارة لكان أولى. (وقوله: حقه) أي كله. ومثله ما لو وهب الفاضل فقط لصاحبه. (قوله: أو يقرض كل) أي من البائعين حقه. (قوله: ثم يبرئه) أي يبرئ كل صاحبه ما اقترضه. (قوله: ويتخلص منه) أي من عقد الربا. أي إذا أريد بيع الربوي بغير جنسه من غير تقابض، فليتخلص من الربا الحاصل بعدم التقابض بالقرض بأن يقرض أحد المتعاقدين الآخر عشر ريالات مثلا، ثم بعد التفرق يدفع له الآخذ مثلا عما في ذمته بدلها ذهبا. (وقوله: بلا قبض) أي تقابض في المجلس للعوضين أو أحدهما، وهو متعلق ببيع. (وقوله: قبل تفرق) متعلق بقبض. (تنبيه) قال في المغني: بيع النقد بالنقد من جنسه وغيره يسمى صرفا، ويصح على معينين بالإجماع - كبعتك، أو صارفتك هذه الدنانير بهذه الدراهم - وعلى موصوفين على المشهور، كقوله بعتك، أو صارفتك دينارا صفته كذا في ذمتي بعشرين درهما من الضرب الفلاني في ذمتك. ولو أطلق فقال صارفتك على دينار بعشرين درهما، وكان هناك نقد واحد لا يختلف، أو نقود مختلفة، إلا أن أحدها أغلب: صح، ونزل الإطلاق عليه، ثم يعينان ويتقابضان قبل التفرق. ويصح أيضا على معين بموصوف: كبعتك هذا الدينار بعشرة دراهم في ذمتك، ولا يصح على دينين: كبعتك الدينار الذي في ذمتك بالعشرة التي لك في ذمتي، لأن ذلك بيع دين بدين. اه. (قوله: وحرم تفريق إلخ) شروع فيما نهى الشارع عنه من البيوع، وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة. (قوله: بين أمة) خرجت الحرة، فلا يحرم التفريق بينها وبين فرعها، والحديث الآتي عام مخصوص بالأمة، خلافا للغزالي في طرده ذلك حتى في الحرة - كما سيذكره - (قوله: وإن رضيت) أي الأمة بالتفريق، فإنه يحرم التفريق. قال في شرح الروض: لحق الولد. اه. (وقوله: أو كانت كافرة) أي أو مجنونة أو آبقة - على الأوجه - نعم، إن أيس من عودها، أو إفاقتها:

لم يميز) ولو من زنا المملوكين لواحد (بنحو بيع) كهبة وقسمة وهدية لغير من يعتق عليه، لخبر: من فرق بين الوالدة وولدها: فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة وبطل العقد (فيهما) أي الربا والتفريق بين الامة والولد، وألحق الغزالي في فتاويه وأقره غيره، التفريق بالسفر بالتفريق بنحو البيع وطرده في التفريق بين الزوجة وولدها، وإن كانت حرة، بخلاف المطلقة والاب وإن علا، والجدة وإن علت ولو من الاب، كالام إذا عدمت. أما بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ احتمل حل التفريق حينئذ اه. تحفة. (قوله: وفرع لم يميز) دخل الصبي والمجنون والبالغ. وفي البجيرمي: قال الناشري: هذا إذا كانت مدة الجنون تمتد زمنا طويلا، أما اليسيرة: فالظاهر أنه كالمفيق. اه. (قوله: ولو من زنا) أي ولو كان الفرع من زنا، فإنه يحرم التفريق بينه وبين أمه. (قوله: المملوكين) بدل من أمة وفرع. وإبدال المعرفة من النكرة جائز - كالعكس - فالأول: كقوله تعالى: * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله) * (1) إلخ. والثاني كقوله تعالى: * (لنسفعا بالناصية، ناصية كاذبة) * (2) (وقوله: لواحد) خرج به ما إذا تعدد المالك، كأنه كان مالك أحدهما غير مالك الآخر، كأن أوصى لأحدهما بالأم وللآخر بالفرع، فلا يحرم التفريق حينئذ، فيجوز لكل أن يتصرف في ملكه. (قوله: بنحو بيع) متعلق بتفريق. (قوله: كهبة إلخ) تمثيل لنحو البيع. (قوله: وقسمة) أي قسمة رد أو تعديل. وصورة الأولى: أن تكون قيمة الأم أكثر من قيمة الولد، فيحتاج إلى رد مال أجنبي مع أحدهما. والثانية: أن يكون لها ولدان، وكانت قيمتهما تساوي قيمتها. وزاد ع ش قسمة الإفراز، وصورتها: أن تكون قيمة ولدها تساوي قيمتها. وضعفه الرشيدي، ونص عبارته: ومعلوم أن القسمة لا تكون إلا بيعا، وبه يعلم ما في حاشية الشيخ، ويكون قوله ولو إفرازا: ضعيفا. اه. وإنما كان تصوير الثلاث بما ذكر، لأن المقسوم - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - إن تساوت الأنصباء فيه صورة وقيمة، فالثالث. وإلا فإن لم يحتج إلى رد شئ آخر، فالثاني، وإلا فالأول. (قوله: لغير من يعتق عليه) راجع لجميع ما قبله من البيع وما بعده، فلا يحرم التفريق بما ذكره لمن يعتق عليه، لأن من عتق ملك نفسه، فله ملازمة الآخر. شرح الروض. (قوله: لخبر إلخ) دليل لحرمة التفريق بين من ذكر، وورد أيضا: ملعون من فرق بين والد وولده رواه أبو داود. وهو من الكبائر لورود الوعيد الشديد فيه. وأما العقد، فهو من الصغائر عند م ر. وعند ابن حجر هو من الكبائر أفاده البجيرمي. (قوله: فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة). (إن قلت) التفريق بينه وبين أحبته إن كان في الجنة فهو تعذيب، والجنة لا تعذيب فيها. وإن كان في الموقف، فكل مشغول بنفسه، فلا يضره التفريق. (أجيب) باختيار الثاني، لأن الناس ليسوا مشغولين في جميع أزمنة الموقف، بل فيها أحوال يجتمع بعضهم ببعض، فالتفريق في تلك الأحوال تعذيب، أو أنه محمول على الزجر. ويمكن اختيار الأول وينسيه الله تعالى أحبته - فلا تعذيب. ع ش، وح ف. بجيرمي (قوله: وبطل العقدة فيهما) أما في التفريق: فللعجز عن التسليم شرعا بالمنع من التفريق، ومثله في الربا، فهو ممنوع من إعطاء الزيادة، أو تأخير أحد العوضين عن المجلس. (قوله: وألحق الغزالي إلخ) أي في الحرمة، وعبارة التحفة: ويحرم التفريق أيضا بالسفر وبين زوجة حرة وولدها الغير المميز - لا مطلقة - لإمكان صحبتها له، كذا أطلقه الغزالي وأقروه. اه. وكتب سم: قوله ويحرم التفريق أيضا بالسفر: أي مع الرق، والمراد: سفر يحصل معه تضرر، وإلا كنحو فرسخ لحاجة، فينبغي أن لا يمتنع، ثم ما ذكره من حرمة التفريق بالسفر مع الرق على ما تقرر: مسلم. وأما قوله بين زوجة حرة وولدها - أي بالسفر أيضا - فهو ممنوع. اه. (قوله: وطرده) أي التحريم: أي جعله مطردا وشاملا للتفريق بين الزوجة وولدها، وإن كانت الزوجة حرة. ولم يرتض في النهاية ذلك في الحرة، وعبارتها: وطرده ذلك في الزوجة الحرة، بخلاف الأمة، ليس بظاهر، انتهت. وقله: بخلاف الأمة: أي فطرده ذلك فيها ظاهر. ع ش وهو مؤيد لما مر عن سم. (قوله: بخلاف المطلقة) أي الزوجة المطلقة، فإنه لا يحرم التفريق

_ (1) سورة الشورى، الاية: 52، 53. (2) سورة العلق، الاية: 15.

التمييز فلا يحرم، لاستغناء المميز عن الحضانة: كالتفريق بوصية وعتق ورهن ويجوز تفريق ولد البهيمة إن استغنى عن أمه بلبن أو غيره، لكن يكره في الرضيع: كتفريق الآدمي المميز قبل البلوغ عن الام، فإن لم يستغن عن اللبن، حرم وبطل، إلا إن كان لغرض الذبح، لكن بحث السبكي حرمة ذبح أمه مع بقائه. (و) حرم أيضا: (بيع نحو عنب ممن) علم أو (ظن أنه يتخذه مسكرا) للشرب والامرد ممن عرف بالفجور به، والديك للمهارشة، ـــــــــــــــــــــــــــــ بينها وبين ولدها بالسفر، لما مر آنفا عن ابن حجر. (قوله: والأب) هو وما بعده مبتدأ، خبره كالأم، أي فيحرم التفريق بين الأب وفرعه، وبين الجدة وفرعها - كما يحرم بينه وبين الأم - (قوله: ولو من الأب) الغاية للرد كما يعلم من عبارة المغني، ونصها: وفي الجدات والأجداد للأب عند فقد الأبوين وأم الأم ثلاثة أوجه، حكاها الشيخان في باب السير من غير ترجيح، ثالثها جواز التفريق في الأجداد دون الجدات لأنهن أصلح للتربية. اه. (قوله: إذا عدمت) أي الأم، فإن لم تعدم ووجد أبوه معها أو جدته: حرم التفريق بينه وبين الأم، وحل بينه وبين الأب والجدة. وإذا كان له أب وجد: جاز بيعه مع جده، لاندفاع ضرره ببقائه مع كل منهما. (قوله: أما بعد التمييز إلخ) محترز قوله لم يميز ومعنى التمييز - كما في التحفة - أن يصير يأكل وحده، ويستنجي وحده. ولا يقدر بسن. (وقوله: فلا يحرم) أي التفريق. قال في المغني: وخبر: لا يفرق بين الأم وولدها. قيل: إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام، وتحيض الجارية ضعيف. اه. (قوله: لاستغناء المميز عن الحضانة) علة لعدم التحريم. (قوله: كالتفريق بوصية وعتق) أي كعدم حرمة التفريق بوصية وعتق، ورهن، وذلك لأن الوصية قد لا تقتضي التفريق بوضعها، فلعل الموت يكون بعد زمان التمييز، ولأن المعتق محسن فلا يمنع من إحسانه، ولأن الرهن لا تفريق فيه لبقاء الملك. وعبارة المنهاج - في باب الرهن، مع شرح الرملي - ويصح رهن الأم دون ولدها، وعكسه، لبقاء الملك فيهما، فلا تفريق. اه. (قوله: ويجوز تفريق ولد البهيمة) أي بذبح له أو لأمه، وبنحو بيع كذلك. (وقوله: إن استغنى عن أمه) قيد في جواز التفريق، لكن النسبة لما إذا كان بنحو البيع له أو لها أو بالذبح لها، أما إذا كان بالذبح له فلا يحتاج إلى هذا التقييد، لأنه يجوز ذبحه مطلقا، استغنى أولا - كما صرح به في الروض وشرحه - (وقوله: بلبن) أي لغير أمه. (وقوله: أو غيره) أي غير اللبن، كعلف. (قوله: لكن يكره) أي التفريق في هذه الحالة، ومحل الكراهة ما لم يكن لغرض الذبح له، وإلا فلا كراهة - كما نص عليه في شرح الروض - وعبارته: لكن مع الكراهة ما دام رضيعا، إلا لغرض صحيح كالذبح. اه. (قوله: كفريق الآدمي المميز) أي ككراهة ذلك. (وقوله: قبل البلوغ) في النهاية: ويكره التفريق بعد التمييز وبعد البلوغ أيضا، لما فيه من التشويش، والعقد صحيح. اه. (قوله: فإن لم يستغن إلخ) مقابل إن استغنى عن أمه. (وقوله: عن اللبن) المناسب أن يقول عنها بلبن أو غيره، ويكون الضمير عائدا على الأم المتقدم ذكرها. (قوله: حرم) أي التفريق مطلقا، ببيع أو غيره، حتى يصح الاستثناء بعده. (وقوله: وبطل) أي التصرف فيه بنحو البيع، فالفاعل يعود على معلوم. وعبارة شرح الروض: فإن لم يستغن: حرم البيع، وبطل، إلا لغرض الذبح. اه. فلو صنع مثل صنيعه في إظهار فاعل حرم لكان أولى. (قوله: إلا أن كان لغرض الذبح) استثناء من الحرمة والبطلان، أي يحرم ما ذكر من التفريق، ويبطل التصرف إلا إن كان ذلك لغرض الذبح له أو لأمه، فلا حرمة، ولا بطلان. (قوله: لكن بحث السبكي إلخ) استدراك من الاستثناء. (وقوله: حرمة ذبح أمه مع بقائه) أي الولد. وفرض المسألة في حالة عدم الاستغناء، أما في حالة الاستغناء، فلا حرمة بالاتفاق (قوله: وحرم أيضا) أي كما حرم الربا، والتفريق بين الأمة وولدها. (قوله: بيع نحو عنب) أي كرطب. وقوله: ممن علم إلخ. من: بمعنى على، (1) متعلقة ببيع. ومن: واقعة على المشتري، وفاعل علم وظن يعود على البائع، فالصلة جرت على غير من هي له - أي حرم بيع ما ذكر على من علم البائع أو ظن أنه يتخذه مسكر -. قال سم: ولو كافرا، لحرمة ذلك عليه، وإن كنا لا نتعرض له بشرطه. وهل يحرم نحو الزبيب لحنفي يتخذه مسكرا - كما هو قضية إطلاق العبارة - أولا، لأنه يعتقد حل النبيذ بشرطه؟ فيه نظر، ويتجه الأول، نظرا لاعتقاد البائع. اه. وإنما حرم ما ذكر لأنه سبب لمعصية محققة أو مظنونة.

_ (1) قوله بمعنى على: لعل الاولى بمعنى اللام فتأمل. اه. مصححه.

والكبش، للمناطحة، والحرير لرجل يلبسه، وكذا بيع نحو المسك لكافر يشتري لتطييب الصنم، والحيوان لكافر علم أنه يأكله بلا ذبح، لان الاصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين عندنا، خلافا لابي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فلا يجوز الاعانة عليهما، ونحو ذلك من كل تصرف يفضي إلى معصية يقينا أو ظنا، ومع ذلك يصح البيع. ويكره بيع ما ذكر ممن توهم منه ذلك، وبيع السلاح لنحو بغاة وقطاع طريق، ومعاملة من بيده ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله: للشرب) قيد لبيان الواقع، ولو أسقطه ما ضره. (قوله: والأمرد) معطوف هو وما بعده على نحو عنب، أي ويحرم بيع الأمرد على من عرف بالفجور به يقينا أو ظنا. فالمراد بالمعرفة ما يشمل الظن. وعبارة شيخ الإسلام: ومحل تحريم بيعه ذلك ممن ذكر: إذا تحقق أو ظن أنه يفعل ذلك، فإن توهمه كره. اه. (قوله: والديك إلخ) أي وحرم بيع الديك للمهارشة، أي المحارشة، وتسلط بعضها على بعض. قال في القاموس: التهريش: التحريش بين الكلاب، والإفساد بين الناس. والمحارشة: تحريش بعضها على بعض. اه. (قوله: والكبش للمناطحة) أي وحرم بيع الكبش لأجل المناطحة. قال في القاموس: نطحه، كمنعه، وضربه: أصابه بقرنه. وانتطحت الكباش: تناطحت. والنطيحة التي ماتت منه. اه. (قوله: والحرير إلخ) أي وحرم بيع الحرير على رجل، لأجل أن يلبسه. قال في النهاية: بلا نحو ضرورة. اه. ومفهومه أنه إذا كان لنحو ضرورة - ككثرة قمل، أو فجأة حرب - جاز بيعه عليه. (قوله: وكذا بيع نحو المسك إلخ) أي وكذا يحرم بيع نحو مسك من كل طيب يتطيب به على كافر يشتريه لأجل تطييب الصنم. (قوله: والحيوان لكافر إلخ) أي وكذا يحرم بيع الحيوان على كافر علم البائع أنه يأكله بلا ذبح شرعي. (قوله: لأن الأصح إلخ) تعليل لما بعد، وكذا قوله كالمسلمين: أي كما أن المسلمين مخاطبون بها. (وقوله: عندنا) متعلق بمخاطبون، أي مخاطبون بذلك عندنا معاشر الشافعية (قوله: خلافا لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه) أي فإنه يقول لا يخاطبون بذلك، وهذا محترز التقييد بعندنا. (قوله: فلا يجوز) هذا من جملة التعليل، وهو محطه: أي وإذا كان الكفار مخاطبين بذلك فيحرم عليهم ما ذكر - من تطييب الصنم، وأكل الحيوان من غير ذبح - ولا يجوز لنا إعانتهم على ذلك ببيع ما ذكر عليهم. (وقوله: عليهما) أي على تطييب الصنم، وعلى أكل الحيوان بلا ذبح (قوله: ونحو ذلك) بالرفع معطوف على بيع نحو المسك إلخ، أي وكذا يحرم نحو ذلك. (وقوله: من كل تصرف يفضي إلى معصية) بيان لنحو، وذلك كبيع الدابة لمن يكلفها فوق طاقتها، والأمة على من يتخذها لغناء محرم، والخشب على من يتخذه آلة لهو، وكإطعام مسلم مكلف كافرا مكلفا في نهار رمضان، وكذا بيعه طعاما علم أو ظن أنه يأكله نهارا. (قوله: ومع ذلك إلخ) راجع لجميع ما قبله، أي ومع تحريم ما ذكر من بيع نحو العنب، وما ذكر بعد يصح البيع. قال في التحفة: (فإن قلت) هو هنا عاجز عن التسليم شرعا، فلم صح البيع؟. (قلت) ممنوع، لأن العجز عنه ليس لوصف لازم في المبيع، بل في البائع خارج عما يتعلق بالمبيع وشروطه. اه. (قوله: ويكره بيع ما ذكر) أي من العنب، والأمرد، والديك، وغير ذلك. (وقوله: ممن توهم منه ذلك) أي الاتخاذ خمرا، أو الفجور، وغير ذلك. وهذا محترز قوله المار: ممن علم أو ظن إلخ (قوله: وبيع السلاح إلخ) معطوف على فاعل يكره، أي ويكره بيع السلاح، وهو كل نافع في الحرب - ولو درعا - على نحو بغاة. قال في شرح الروض: ما لم يتحقق عصيان المشتري للسلاح به، وإلا حرم، وصح البيع. اه. بالمعنى. (قوله: وقطاع طريق) لو قال كقطاع طريق، لكان أولى، لأنه مما اندرج تحت نحو. ومحل الكراهة أيضا في البيع عليهم، ما لم يغلب على الظن أنهم يتخذونها لقطع الطريق، وإلا حرم، وصح البيع (قوله: ومعاملة إلخ) أي وكره معاملة من في يده، أي في ملكه حلال

حلال وحرام - وإن غلب الحرام الحلال. نعم: إن علم تحريم ما عقد به: حرم، وبطل. (و) حرم (احتكار قوت) كتمر، وزبيب، وكل مجزئ في الفطرة - وهو إمساك ما اشتراه في وقت الغلاء - لا الرخص - ليبيعه بأكثر عند اشتداد حاجة أهل محله أو غيرهم إليه، وإن لم يشتره بقصد ذلك. لا ليمسكه لنفسه أو عياله أو ليبيعه بثمن مثله، ولا إمساك غلة أرضه، وألحق الغزالي بالقوت: كل ما يعين عليه، كاللحم، وصرح القاضي بالكراهة في الثوب. (وسوم علي سوم) أي سوم غيره (بعد تقرر ثمن) بالتراضي به، وإن فحش نقص الثمن عن القيمة، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحرام. وهذه المسألة تقدمت غير مرة. (وقوله: وإن غلب الخ) غاية للكراهة. (قوله: نعم، إن الخ) استدراك على كراهة ما ذكر. (وقوله: على تحريم ما عقد به) أي علم أن ما عقد عليه عينه حرام. (قوله: حرم) الأولى فيه وفي الفعل الذي بعده: التأنيث، إذ الفاعل يعود على المعاملة، وهي مؤنثة. (وقوله: وبطل) أي المعاملة. وقد علمت ما فيه. (قوله: وحرم احتكار قوت) في الزواجر: أنه من الكبائر - لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحتكر إلا خاطئ قال أهل اللغة: الخاطئ: العاصي الآثم. وقوله عليه السلام: من احتكر طعاما أربعين يوما فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، وقوله عليه السلام: الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون، وقوله عليه السلام: من احتكر على المسملين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس. اه. (قوله: كتمر إلخ) تمثيل للقوت. (وقوله: وكل مجزئ في الفطرة) أي مما يقتات باعتبار عادة البلد كأقط وقمح وأرز. قال في فتح الجواد: وكذا قوت البهائم. اه. (قوله: وهو) أي الاحتكار. (وقوله: إمساك ما اشتراه) خرج به ما إذا لم يمسكه، أو أمسك الذي لم يشتره - بأن أمسك غلة ضيعته ليبيعها بأكثر، أو أمسك الذي اشتراه من طعام غير القوت فلا حرمة في ذلك. (وقوله: في وقت الغلاء) متعلق بإمساك. قال في التحفة: والعبرة فيه بالعرف. اه. (وقوله: لا الرخص) أي لا إن اشتراه في وقت الرخص فلا يحرم. وفي سم ما نصه: تنبيه: لو اشتراه في وقت الغلاء ليبيعه ببلد آخر سعرها أغلى: ينبغي ألا يكون من الاحتكار المحرم، لأن سعر البلد الآخر الأغلى غلوه متحقق في الحال، فلم يمسكه ليحصل الغلو، لوجوده في الحال. والتأخير إنما هو من ضرورة النقل إليه، فهو بمنزلة ما لو باعه عقب شرائه بأغلى. اه. (قوله: ليبيعه بأكثر) أي أمسكه ليبيعه بأكثر، فهو علة للإمساك، لا لاشتراه، لئلا ينافي الغاية بعده. وخرج به، ما إذا أمسكه لا ليبيعه بأكثر بل ليأكله أو ليبيعه لا بأكثر، فلا حرمة في ذلك. (قوله: عند اشتداد إلخ) متعلق بإمساك أو بيبيعه. وخرج به: ما إذا لم تشتد الحاجة إليه، فلا حرمة. (وقوله أو غيرهم) أي غير أهل محله. (قوله: وإن لم يشتره بقصد ذلك) أي بقصد البيع بأكثر، وهو غاية لكون ضابط الاحتكار ما ذكر، يعني أن الاحتكار هو الإمساك للذكور، وإن لم يكن وقت الشراء قاصدا ذلك. (قوله: لا ليمسكه لنفسه أو عياله) محترز ليبيعه. (وقوله: أو ليبيعه بثمن مثله) محترز قوله بأكثر. (وقوله: ولا إمساك غلة أرضه) محترز قوله ما اشتراه. (تنبيه) قال في المغني: يحرم التسعير - ولو في وقت الغلاء - بأن يأمر الوالي السوقة أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بكذا، للتضييق على الناس في أموالهم. وقضية كلامهم أن ذلك لا يختص بالأطعمة، وهو كذلك. فلو سعر الإمام عزر مخالفه، بأن باع بأزيد مما سعر، لما فيه من مجاهرة الإمام بالمخالفة، وصح البيع. اه. (قوله: كل ما يعين عليه) أي على القوت: أي مما يتأدم به، أو يسد مسد القوت في بعض الأحيان. والأول كاللحم، والثاني كالفواكه. (قوله: وصرح القاضي بالكراهة) أي كراهة الاحتكار. (وقوله: في الثوب) أي ونحوه من كل ما يلبس. (قوله: وسوم على سوم) أي وحرم سوم إلخ، لخبر الصحيحين: لا يسوم الرجل على سوم أخيه وهو خبر بمعنى النهي. والمعنى فيه الإيذاء، وذكر الرجل والأخ، ليس للتقييد، بل الأول لأنه الغالب، الثاني للرقة والعطف عليه وسرعة امتثاله، فغيرهما مثلهما. وفي البجيرمي: ومحل الحرمة إن كان السوم الأول جائزا، وإلا كسوم نحو عنب من عاصر الخمر - فلا يحرم السوم على

للنهي عنه، وهو أن يزيد على آخر في ثمن ما يريد شراءه أو يخرج له أرخص منه، أو يرغب المالك في استرداده ليشتريه بأغلى، وتحريمه بعد البيع. وقبل لزومه لبقاء الخيار أشد (ونجش) للنهي عنه، وللايذاء: وهو أن يزيد في الثمن، لا لرغبته، بل ليخدع غيره، وإن كانت الزيادة في مال محجور عليه، ولو عند نقص القيمة على الاوجه. ولا خيار للمشتري إن غبن فيه، وإن واطأ البائع الناجش لتفريط المشتري حيث لم يتأمل ويسأل، ومدح ـــــــــــــــــــــــــــــ سومه - بل قال العلامة البكري: يستحب الشراء بعده. اه. (قوله: بعد تقرر ثمن) متعلق بحرم المقدر، أي وإنما يحرم السوم بعد تقرر الثمن. (وقوله بالتراضي به) أي صريحا، وهو تصوير للتقرر، أي أن تقرر الثمن يكون بالتراضي عليه صريحا. الشوبري: ولا بد أيضا بعد التراضي به من المواعدة على إيقاع العقد به وقت كذا، فلو اتفقا عليه ثم افترقا من غير مواعدة، لم يحرم السوم حينئذ. كما نقله الإمام عن الأصحاب. اه. وخرج بالتقرير المذكور: ما يطاف به على من يزيد فيه - فلا يحرم فيه ذلك -. وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس عما يقع كثيرا بأسواق مصر: من أن مريد البيع يدفع متاعه للدلال، فيطوف به، ثم يرجع إليه، ويقول له استقر سعر متاعك على كذا، فيأذن له في البيع بذلك القدر: هل يحرم على غيره شراؤه بذلك السعر، أو بأزيد، أم لا؟ فيه نظر. والجواب عنه بأن الظاهر الثاني، لأنه لم يتحقق قصد الضرر، حيث لم يعين المشتري، بل لا يبعد عدم التحريم - وإن عينه - لأن مثل ذلك ليس تصريحا بالموافقة على البيع، لعدم المخاطبة من البائع والواسطة للمشتري. اه. (قوله: وإن فحش إلخ) إي يحرم السوم وإن فحش إلخ. (وقوله: للنهي عنه) أي في الخبر المتقدم. (قوله: وهو) أي السوم على السوم. (وقوله: أن يزيد) أي السائم. (وقوله: على آخر) أي على سوم آخر. (وقوله: في ثمن ما يريد شراءه) أي في ثمن المتاع الذي يريد الآخر شراءه واستقر ثمنه. (قوله: أو يخرج له أرخص) أي أو يخرج للمشتري متاعا أرخص من المتاع الذي سامه. ومعنى كونه سائما في هذه على سوم غيره، أنه عرض بضاعته للسوم الواقع لسلعة غيره. (قوله: أو يرغب المالك إلخ) فيه أن هذه الصورة عين الصورة الأولى: إذ إعطاء الزيادة في الثمن للمالك يرغب المالك في استرداده. إلا أن يقال إن هذه الصورة مفروضة بعد العقد، وتلك قبله. وعبارة التحفة: في تصوير السوم على السوم بأن يقول لمن أخذ شيئا ليشتريه بكذا رده حتى أبيعك خيرا منه بهذا الثمن أو بأقل منه أو مثله بأقل، أو يقول لمالكه استرده لأشتريه منك بأكثر، أو يعرض على مريد الشراء أو غيره بحضرته مثل سلعة بأنقص أو أجود منها بمثل الثمن. اه. وهي ظاهرة. (قوله: وتحريمه) أي السوم على السوم بعد البيع، أي العقد، (وقوله: أشد) أي من تحريمه قبل البيع وبعد التراضي، لأن الإيذاء هنا أكثر، وذلك بأن يبيع على بيع الغير، بأن يرغب المشتري في الفسخ ليبيعه خيرا منه بمثل ثمنه، أو مثله بأقل. أو يشتري على شرائه، بأن يرغب البائع في الفسخ ليشتريه منه بأكثر. ومن ذلك أن يبيع مشتريا مثل المبيع بأرخص، أو يعرض عليه مثل السلعة ليشتريها أو يطلبها منه بزيادة ربح والبائع حاضر. اه. فتح الجواد. وصريح ما ذكر: أن البيع على البيع، والشراء على الشراء، مندرجان في السوم على السوم، وأنه ليس مخصوصا بما كان قبل العقد، وهو خلاف مفاد عبارة المنهاج والمنهج من أنهما قسمان مستقلان، وأن السوم على السوم مخصوص بما كان قبل العقد وبعد تقرر الثمن. (قوله: ونجش) أي وحرم نجش، وهو لغة: الإثارة - بالمثلثة -: لما فيا من إثارة الرغبة - يقال نجش الطائر: أثاره من مكانه - من باب ضرب. اه. بجيرمي. (قوله: للنهي عنه) أي في خبر الصحيحين (قوله: وللإيذاء) أي إيذاء المشتري. (قوله: وهو) أي النجش (وقوله: أن يزيد في الثمن) أي لسلعة معروضة للبيع (قوله: لا لرغبته) أي في الشراء، أي أو لرغبة فيه لكن قصد إضرار غيره. اه. ع ش. (قوله: بل ليخذع غيره) مثال لا قيد، لأنه لو زاد: لنفع البائع ولم يقصد خديعة غيره: كان الحكم كذلك. اه. نهاية. (قوله: وإن كانت الزيادة) أي يحرم ذلك وإن كانت الزيادة في مال محجور عليه، كيتيم (قوله: ولو عند نقص القيمة) أي قيمة السلعة المعروضة للبيع. (قوله: على الأوجه) مقابله يجوز الزيادة عند نقص القيمة. (قوله: ولا خيار للمشتري إلخ) وقيل له الخيار للتدليس، كالتصرية.

السلعة، ليرغب فيها بالكذب كالنجش، وشرط التحريم في الكل: علم النهي، حتى في النجش. ويصح البيع مع التحريم في هذه المواضع. فصل في خياري المجلس والشرط وخيار العيب يثبت خيار مجلس في كل بيع حتى في الربوي، والسلم. وكذا في هبة ذات ثواب على المعتمد. وخرج بفئ: كل بيع غير البيع: كالابراء، والهبة بلا ثواب، وشركة وقراض، ورهن وحوالة، وكتابة، وإجارة، ولو في ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحل الخلاف عند مواطأة البائع للناجش، وإلا فلا خيار جزما. ويجري الوجهان فيما لو قال البائع: أعطيت في هذه السلعة كذا، فبان خلافه. وكذا لو أخبره عارف بأن هذا عقيق، أو فيروز بمواطأة، فبان خلافه. اه. نهاية. (قوله: لتفريط المشتري) علة لعدم الخيار. (قوله: بالكذب) قال ع ش: قضيته أنه لو كان صادقا في الوصف لم يكن مثله - أي النجش - وهو ظاهر. اه. (قوله: وشرط التحريم في الكل) أي الاحتكار وما بعده. (وقوله: علم النهي حتى في النجش) أي لقول الشافعي رضي الله عنه: من نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالما بنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي النهاية: لا أثر للجهل في حق من هو بين أظهر المسلمين بخصوص تحريم النجش ونحوه. وقد أشار السبكي إلى أن من لم يعلم الحرمة لا إثم عليه عند الله. وأما بالنسبة للحكم الظاهر للقضاة، فما اشتهر تحريمه لا يحتاج إلى اعتراف متعاطيه بالعلم - بخلاف الخفي - وظاهره أنه لا إثم عليه عند الله وإن قصر في التعلم، والظاهر أنه غير مراد. اه. (قوله: ويصح البيع مع التحريم في هذه المواضع) وهي الاحتكار، وما ذكر بعده. (خاتمة) نسأل الله حسن الختام. (إعلم) أن البيع تعتريه الأحكام الخمسة، فيجب في نحو اضطرار، ومال مفلس محجور عليه. ويندب في نحو زمن الغلاء، وفي المحاباة للعالم بها. ويكره في نحو: بيع مصحف، ودور مكة، وفي سوق اختلط فيه الحرام بغيره، وممن أكثر ماله حرام، خلافا للغزالي، وفي خروج من حرام بحيلة، كنحو ربا ويحرم في بيع نحو العنب، على ما مر، ويجوز فيما عدا ذلك. والله أعلم. فصل في خياري المجلس والشرط وخيار العيب لما فرغ من بيان صحة العقد وفساده، شرع في بيان لزومه وجوازه. والجواز سببه الخيار. والأصل في البيع: اللزوم، لأن القصد منه نقل الملك، وقضية الملك التصرف، وكلاهما فرع اللزوم، إلا أن الشارع أثبت فيه الخيار رفقا بالمتعاقدين. وهو نوعان: خيار تشبه، وخيار نقيصة - أي عيب - والأول ما يتعاطاه المتعاقدان باختيارهما وشهوتهما من غير توقف على فوات أمر في المبيع، وسببه المجلس، أو الشرط. والإضافة فيه - وفي خيار العيب - من إضافة المسبب إلى السبب. وعد المصنف الأنواع ثلاثة: خيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب. والأخصر والأولى ما ذكرته، لأن الأولين فردان لخيار التشهي، لا نوعان. (قوله: يثبت خيار مجلس) أي قهرا عن المتعاقدين، حتى لو شرط نفيه بطل البيع، وهو اسم من الاختيار الذي هو طلب خير الأمرين من الإمضاء والفسخ (قوله: في كل بيع) أي وإن استعقب عتقا، كشراء بعضه إن قلنا إن الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف، فإن قلنا للمشتري فالخيار للبائع فقط. (وقوله حتى في الربوي) أي حتى أنه يثبت الخيار في بيع الربوي، كبيع الطعام بالطعام. (وقوله: والسلم) أي في عقد السلم، لأنه بيع موصوف في الذمة. (قوله: وكذا في هبة ذات ثواب) أي وكذا يثبت الخيار في هبة ذات عوض، لأنها بيع حقيقي. (وقوله: على المعتمد) مقابله لا يثبت الخيار فيها - وهو ما جرى عليه النووي في منهاجه (قوله: وخرج بفي: كل بيع) أي بقوله في كل بيع، وقوله غير البيع:

الذمة، أو مقدرة بمدة، فلا خيار في جميع ذلك، لانها لا تسمى بيعا. (وسقط خيار من اختار لزومه) أي البيع من بائع ومشتر: كأن يقولا اخترنا لزومه، أو أجزناه، فيسقط خيارهما، أو من أحدهما: كأن يقول اخترت لزومه: فيسقط خياره، ويبقى خيار الآخر، ولو مشتريا (و) سقط خيار (كل) منهما (بفرقة بدن) منهما، أو من أحدهما، ولو ناسيا، أو جاهلا، عن مجلس العقد (عرفا) فما يعده الناس فرقة: يلزم به العقد، وما لا: فلا. فإن كانا في ـــــــــــــــــــــــــــــ فاعل خرج - أي خرج ما لا يسمى بيعا -. (قوله: كالإبراء، إلخ) تمثيل لغير البيع. (وقوله: والهبة بلا ثواب) أي عوض. (وقوله: وقراض) هو أن يعقد على مال يدفعه لغيره ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما. (وقوله: وحوالة) أي وإن جعلت بيعا لعدم تبادرها منه. اه. بجيرمي. (وقوله: وكتابة) هي عقد عتق بلفظ الكتابة بعوض منجم بنجمين فأكثر. (قوله: ولو في الذمة) أي ولو كانت الإجارة في الذمة، فلا يثبت فيها الخيار. والغاية للرد على القفال وطائفة حيث قالوا بثبوت الخيار في الإجارة الواردة على الذمة كالسلم. وصورة الواردة على الذمة: ألزمت ذمتك حملي إلى مكة بدينار مثلا. (وقوله: أو مقدرة بمدة) أي ولو مقدرة بمدة، وهي أيضا للرد على من صحح ثبوته في المقدرة بمدة، ومثلها المقدرة بمحل عمل. وصورة الأولى: آجرتك داري سنة بدينار مثلا. وصورة الثانية: آجرتك لتخيط لي هذا الثوب، أو لتحملني إلى مكة. وعبارة شرح المنهج: ووقع للنووي في تصحيحه تصحيح ثبوته في المقدرة بمدة، وكتب البجيرمي ما نصه: قوله في المقدرة بمدة: قال في مهمات المهمات، وحينئذ فيعلم منه الثبوت في غيرها بطريق الأولى. اه. شوبري أي: لأنها تفوت فيها المنفعة بمضي الزمن، ومع ذلك فيها الخيار، فثبوته في التي لا تفوت أولى، وهذا كله على الضعيف. اه. (قوله: فلا خيار في جميع ذلك) أي الإبراء وما بعده. (قوله: لأنها) أي المذكورات من الإبراء وما بعده. والمناسب لأنه، بتذكير الضمير العائد على جميع ذلك. (وقوله: لا تسمى بيعا) أي والخبر إنما ورد في البيع ولأن المنفعة في الإجارة تفوت بمضي الزمن، فألزمنا العقد، لئلا يتلف جزء من المعقود عليه، لا في مقابلة العوض. (قوله: وسقط خيار من اختار لزومه) أي لخبر الشيخين. البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر اختر، أي البائع والمشتري متلبسان بالخيار مدة عدم تفرقهما، إلا أن يقول - أو إلى أن يقول - أحدهما للآخر. فإذا قال ذلك الأحد ما ذكر: سقط خياره، وبقي خيار الآخر. ثم اختيار اللزوم تارة يكون صريحا - كما في الأمثلة التي ذكرها - وتارة يكون ضمنا: بأن يتبايعا العوضين بعد قبضهما في المجلس إذ ذاك متضمن للرضا بلزوم العقد الأول. أفاده م ر. وقوله أن يتبايعا العوضين: قضيته أنه لا ينقطع بتبايع أحد العوضين كان أخذ البائع المبيع من المشتري بغير الثمن الذي قبضه منه، وقد مر أن تصرف أحد العاقدين مع الآخر إجازة، وذلك يقتضي انقطاع الخيار بما ذكر، فلعل قوله العوضين تصوير. اه. ع ش. (قوله: من بائع ومشتر) بيان لمن اختار. (قوله: كأن يقولا إلخ) تمثيل لكون اختيار اللزوم منهما معا. (قوله: أو من أحدهما) عطف على قوله من بائع ومشتر. (وقوله: كأن يقول إلخ) تمثيل لكون اختيار اللزوم من أحدهما. (قوله: فيسقط خياره) أي الأحد الذي اختار اللزوم. (قوله: ويبقى خيار الآخر ولو مشتريا) محله ما لم يكن المبيع ممن يعتق عليه، وإلا سقط خياره أيضا للحكم بعتق المبيع. (قوله: وسقط خيار كل منهما بفرقة إلخ) وذلك لخبر البيهقي: البيعان بالخيار حتى يفترقا من مكانهما. وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا باع قام فمشى هنيهة، ثم رجع. (وقوله: بدن) خرج به فرقة الروح والعقل، فإنه لا يسقط بها، بل يخلف العاقد وليه أو وارثه - كما سيأتي في قوله ولا يسقط بموت أحدهما إلخ - (وقوله: منهما أو من أحدهما) أي حال كون تلك الفرقة واقعة من المتعاقدين أو من أحدهما فقط، وإذا وقعت منه فقط سقط خيارهما معا، ولا يختص السقوط بالمفارق، بخلافه في صورة اختيار اللزوم بالقول، فإنه يختص بالقائل. فتنبه. (قوله: ولو ناسيا أو جاهلا) أي يسقط بالفرقة، ولو حصلت نسيانا - لا عمدا أو جهلا - بأن الفرقة تسقط الخيار. (قوله: عن مجلس العقد) متعلق بفرقة بدن. (قوله: عرفا) أي المعتبر في الفرقة: العرف. قال سم: لأنه لا نص للشارع ولا لأهل اللغة فيه. (قوله: فما يعده إلخ) مبتدأ، خبره جملة

دار صغيرة، فالفرقة بأن يخرج أحدهما منها، أو في كبيرة: فبأن ينتقل أحدهما إلى بيت من بيوتها، أو في صحراء أو سوق: فبأن يولي أحدهما ظهره ويمشي قليلا وإن سمع الخطاب فيبقى خيار المجلس ما لم يتفرقا، ولو طال مكثهما في محل، وإن بلغ سنين أو تماشيا منازل. ولا يسقط بموت أحدهما: فينتقل الخيار للوارث المتأهل، (وحلف نافي فرقة أو فسخ قبلها) أي قبل الفرقة: بأن جاءآ معا وادعى أحدهما فرقة وأنكرها الآخر ليفسخ أو اتفقا عليها وادعى أحدهما فسخا قبلها وأنكر الآخر: فيصدق النافي، لموافقته للاصل. (و) يجوز (لهما) أي للعاقدين (شرط خيار) لهما أو لاحدهما في كل بيع فيه خيار مجلس إلا فيما يعتق فيه المبيع، فلا ـــــــــــــــــــــــــــــ يلزم به العقد. (قوله: فإن كانا إلخ) بيان لما يعده الناس فرقة. (وقوله: في دار) بين ما بعده الناس فرقة بالنسبة لما إذا كانا في دار ولم يبين ذلك فيما إذا كانا في سفينة. وحاصله أنه إن كانت كبيرة: فالفرقة فيها بالانتقال من مقدمها إلى مؤخرها، وبالعكس. أو صغيرة: فبالخروج منها، أو بالرقي إلى صاريها. (وقوله: بأن يخرج أحدهما منها) أي من الدار. قال البجيرمي: ظاهره ولو كان قريبا من الباب، وهو ما في الأنوار عن الإمام الغزالي. ويظهر أن مثل ذلك ما لو كانت إحدى رجليه داخل الدار معتمدا عليها وأخرجها. اه. ومثل الخروج: الصعود إلى سطحها، أو شئ مرتفع فيها - كنخلة - والنزول إلى بئر فيها. (قوله: أو في كبيرة) أي أو كانا في دار كبيرة. (وقوله: فبأن ينتقل إلخ) أي فالفرقة فيها بأن ينتقل إلخ. (وقوله: إلى بيت من بيوتها) أي الدار. كأن ينتقل من صحنها إلى المجلس أو الصفة. (قوله: أو في صحراء أو سوق) أي أو كانا في صحراء أو في سوق. (وقوله: فبأن يولي إلخ) أي فالفرقة في ذلك بأن يولي أحدهما ظهره. (قوله: ويمشي قليلا) ضبطه في الأنوار بالقدر الذي يكون بين الصفين، وهو ثلاثة أذرع. (قوله: وإن سمع الخطاب) أي تحصل الفرقة فيما إذا كانا بصحراء أو سوق بتولية أحدهما ظهره والمشي قليلا - وإن سمع خطاب صاحبه - فهو غاية لحصول الفرقة بما ذكر. (قوله: فيبقى خيار المجلس إلخ) مفرع على قوله يثبت خيار مجلس إلخ، أي وإذا ثبت خيار المجلس فيبقى ولو طال مكثهما إلخ. وكان المناسب تقديمه على قوله وسقط خيار إلخ، وإسقاط قوله ما لم يتفرقا - كما نبه على بعض ذلك البجيرمي - (قوله: ولو طال مكثهما إلخ) غاية لإبقاء خيار المجلس. (وقوله: وإن بلغ) أي المكث في محل سنين، فهو غاية للغاية. (وقوله: أو تماشيا منازل) معطوف على طال مكثهما، فهو غاية ثانية للإبقاء المذكور - أي يبقى وإن تماشيا منازل - وذلك لعدم التفرق ببدنهما. (قوله: ولا يسقط) أي الخيار. (وقوله: بموت أحدهما) أي في المجلس (قوله: فينتقل الخيار للوارث) أي ولو عاما. (وقوله: المتأهل) فإن لم يوجد، نصب الحاكم عنه من يفعل الأصلح له من فسخ أو إجازة. (قوله: وحلف نافي فرقة) أي وصدق بحلفه. (قوله: أو فسخ) أي أو نافي فسخ. (وقوله: قبلها) متعلق بفسخ (قوله: بأن جاءآ معا) أي إلى مجلس الحكم. (وقوله: وادعى على أحدهما فرقة) أي قبل مجيئهما. (وقوله: وأنكرها) أي الفرقة. (وقوله: ليفسخ) علة للإنكار. (قوله: أو اتفقا عليها) أي الفرقة (قوله: وادعى أحدهما فسخا قبلها) أي الفرقة. (قوله: وأنكر الآخر) أي الفسخ قبل الفرقة. (قوله: فيصدق النافي) أي في الصورتين. وفائدة تصديقه في الأولى: بقاء الخيار له، وليس لمدعي الفرقة الفسخ. ولو اتفقا على الفسخ والتفرق واختلفا في السابق منهما - فكما في الرجعة - فيصدق مدعي التأخير. اه. بجيرمي. (قوله: لموافقته للأصل) وهو عدم الفرقة، وعدم الفسخ. (قوله: ويجوز إلخ) شروع في خيار الشرط، ويسمى خيار التروي - أي التشهي والإرادة - وهو يثبت في كل ما يثبت فيه خيار المجلس، إلا فيما سيذكره إجماعا، ولما صح أن بعض الأنصار كان يخدع في البيوع، فأرشده - صلى الله عليه وسلم - إلى أنه يقول عند البيع لا خلابة، وأعلمه أنه إذا قال ذلك كان له خيار ثلاث ليال. ومعنى لا خلابة - وهي بكسر الخاء المعجمة، وبالموحدة -: لا غبن ولا خديعة، واشتهرت في الشرع لاشتراط الخيار ثلاثة أيام، فإن ذكرت وعلما معناها ثبت ثلاثا، وإلا فلا. (قوله: أي للعاقدين) بأن يصرح كل منهما بشرط الخيار، وكذا يجوز لأحدهما أن يصرح بالشرط ويوافقه الآخر. (قوله: لهما أو لأحدهما) هذا بيان للمشروط له، فالجار والمجرور متعلق بخيار، ويجوز أيضا شرط الخيار لأجنبي واحد أو اثنين، ولا يحب عليه إذا شرط له الخيار مراعاة المصلحة لشارطه له من فسخ أو إجازة،

يجوز شرطه لمشتر للمنافاة، وفي ربوي وسلم: فلا يجوز شرط فيهما لاحد، لاشتراطه القبض فيهما في المجلس (ثلاثة أيام فأقل)، بخلاف ما لو أطلق أو أكثر من ثلاثة أيام. فإن زاد عليها: لم يصح العقد (من) حين (الشرط للخيار)، سواء أشرط في العقد أم في مجلسه والملك في المبيع مع توابعه في مدة الخيار لمن انفرد ـــــــــــــــــــــــــــــ بل له أن يفسخ أو يجيز - وإن كرهه، وليس لشارطه عزله، ولا له عزل نفسه، لأنه تمليك - على الأصح - لا توكيل. وإذا مات انتقل الخيار لمن شرطه له. (قوله: في كل بيع) متعلق بيجوز، أو شرط، أي ويجوز ذلك في كل بيع. قال ع ش: وخرج بالبيع ما عداه، فلا يثبت فيه خيار الشرط قطعا. اه. (قوله: فيه خيار مجلس) الجملة من المبتدإ والخبر صفة لبيع، وهي للإيضاح لا للتخصيص. (قوله: إلا فيما يعتق فيه المبيع) أي إلا في البيع الذي يعتق فيه المبيع كشراء أصله أو فرعه. وفي البجيرمي ما نصه: لا يخفى أن هذا الاستثناء متعين، لأنه لو اقتصر على قوله لهما شرط خيار لهما، أو لأحدهما في كل ما فيه خيار المجلس: لم يصح، لأن من جملة ما صدقاته: ما لو اشترى بعضه، فإن لكل منهما فيه خيار المجلس، فيقتضي أن لهما أن يشترطاه للمشتري، وليس كذلك. اه. (قوله: لمشتر) أي وحده. (وقوله: للمنافاة) أي بين الخيار والعتق، لأن شرطه للمشتري وحده يستلزم الملك له، وهو يستلزم العتق، والعتق مانع من الخيار، وما أدى ثبوته لعدمه غير صحيح من أصله، بخلاف ما لو شرط لهما، فإنه يصح - لوقفه - أي لكونه موقوفا. أو للبائع فقط، فإنه يصح أيضا، إذ الملك له. (قوله: وفي ربوي وسلم) أي وإلا في بيع ربوي وسلم. والفرق بين خيار المجلس، وخيار الشرط - حيث استثني من الثاني هذان ولم يستثنيا من الأول، مع أن العلة في الامتناع متأتية فيه أيضا - أن خيار المجلس يثبت قهرا، وليس له حد محدود - بخلاف خيار الشرط. (قوله: فلا يجوز شرطه) أي الخيار، أي ويفسد به البيع. (وقوله: فيهما) أي في الربوي والسلم (لاشتراط القبض فيهما في المجلس) أي وما شرط فيه ذلك لا يحتمل الأجل، فأولى أن لا يحتمل الخيار، لأنه أعظم غررا منه، لمنعه الملك أو لزومه. اه. شرح المنهج. (قوله: ثلاثة أيام فأقل) أي وإنما يصح شرط الخيار ثلاثة إلخ، وتدخل ليالي الأيام المشروطة فيها، سواء السابقة منها على الأيام والمتأخرة عند ابن حجر. وعند م ر: الليلة المتأخرة لا تدخل. ومحل جواز شرط ثلاثة الأيام ونحوها: فيما لا يفسد في المدة المشروطة، فإن كان يفسد فيها، كطبيخ يفسد في ثلاثة أيام أو أقل وشرط الخيار تلك المدة: بطل العقد. (قوله: بخلاف ما لو أطلق) أي لم يقيد بزمن أصلا - كأن قال بشرط الخيار وسكت - أي قيد بزمن مجهول، كأن قال بشرط الخيار أياما. (قوله: أو أكثر من ثلاثة أيام) أي وبخلاف أكثر من ثلاثة أيام، أي شرط الخيار أكثر من ذلك، وفي بعض نسخ الخط إسقاط هذا، ونصه: بخلاف ما لو أطلق أو زاد عليها، فإنه لا يصح العقد، وهو الأولى، الموافق لعبارة شرح المنهج، وذلك لسلامته من التكرار الثابت على النسخة الأولى، لأن قوله أو أكثر من ثلاثة أيام عين قوله بعد فإن زاد عليها. فتنبه. (قوله: من حين الشرط) متعلق بمحذوف، أي وتعتبر ثلاثة الأيام فأقل من وقت شرط الخيار، فلو قال بشرط ثلاثة أيام من الغد: لم يصح. ويشترط أيضا أن تكون ثلاثة الأيام متوالية، فلو قال يوما بعد يوم: لم يصح. (والحاصل) أن خيار الشرط لا يصح العقد معه إلا بشروط خمسة: أن يكون مقيدا بمدة - فخرج ما لو أطلق، كأن قال حتى أشاور. وأن تكون معلومة، فخرج ما لو قال بشرط الخيار أياما. وأن تكون متصلة بالشرط، فخرج ما لو قال ثلاثة أيام من الغد. وأن تكون متوالية، فخرج ما لو قال يوما بعد يوم. وأن تكون ثلاثة فأقل، فخرج ما لو زادت فيبطل العقد في الكل - لأن الأصل منع الخيار - إلا فيما أذن فيه الشارع، ولم يأذن إلا في ذلك. (قوله: سواء أشرط) أي الخيار، وهو تعميم في اعتبار الثلاثة من وقت الشرط: أي لا فرق في اعتبارها من ذلك بين أن يحصل الشرط في العقد أو في المجلس، فإذا شرطا ثلاثة أيام وكان مضى من حين العقد يومان وهما بالمجلس: صح الشرط المذكور. (قوله: والملك) مبتدأ، خبره: لمن انفرد بخيار. (قوله: مع توابعه) أي فوائده متصلة أو منفصلة: كاللبن، والتمر، والمهر، ونفوذ العتق والاستيلاد، وحل الوطئ، ووجوب النفقة، والحمل الحادث في زمن الخيار،

بخيار من بائع ومشتر، ثم إن كان لهما: فموقوف، فإن تم البيع: بان أنه لمشتر من حين العقد، وإلا فلبائع. (ويحصل فسخ) للعقد في مدة الخيار (بنحو فسخت البيع) كاسترجعت المبيع. (وإجازة) فيها بنحو: أجزت البيع، كأمضيته، والتصرف في مدة الخيار بوطئ، وإعتاق، وبيع، وإجارة، وتزويج، من بائع: فسخ، ومن مشتر: إجازة للشراء (و) يثبت (لمشتر جاهل) بما يأتي (خيار) في رد المبيع (ب) - ظهور (عيب قديم) منقص ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف الموجود حال البيع، فإنه مبيع - كالأم - لمقابلته بقسط من الثمن. وكتب البجيرمي ما نصه: قوله مع توابعه: إدخال التوابع هنا يقتضي دخولها في قوله وإلا فموقوف، وفيه نظر، لأن حل الوطئ في زمن خيارهما ليس موقوفا بل هو حرام. وعتق البالغ في زمن خيارهما ليس موقوفا بل نافذ. اه. (قوله: في مدة الخيار) متعلق بالملك، أي الملك في مدة خيار الشرط أو المجلس، فلا فرق في التفصيل الذي ذكره بينهما. (فإن قلت) كيف يتصور أن يكون خيار المجلس لأحدهما؟. (قلت) يتصور فيما إذا اختار أحدهما لزوم العقد، والآخر لم يختر شيئا. (قوله: من بائع ومشتر) بيان لمن انفرد بخيار. قال في حاشية الجمل على شرح المنهج: فإذا كان للمشتري وحده ملك المبيع وفوائده الحادثة بعد العقد، فإن تم البيع فذاك، وإن فسخ رجع المبيع للبائع عاريا عن الفوائد، وتضيع عليه المؤن، ويفوز بالفوائد المشتري. وإن كان للبائع وحده ملك المبيع، والفوائد كذلك، فإن فسخ فذاك، وإن تم البيع انتقل المبيع للمشتري عاريا عن الفوائد، وتضيع المؤن عليه. وفي ق ل على المحلى: والزوائد في مدة الوقف تابعه للمبيع، وهي أمانة في يد الآخر. ويقال مثل ذلك في الثمن وزوائده. اه. بحذف. (قوله: ثم إن كان إلخ) عبارة المنهج وشرحه بعد قوله لمن انفرد بخيار، وإلا بأن كان الخيار لهما، فموقوف إلخ. وهي أولى من عبارة شارحنا. (قوله: فإن تم البيع إلخ) مفرع على فموقوف، وتمام البيع بينهما بإجازتهما له. (قوله: بان أنه) أي تبين أن الملك في المبيع مع توابعه. (وقوله: لمشتر) أي ملك له من حين العقد. (قوله: وإلا) أي وإن لم يتم البيع، أي بأن اختار افسخه. (وقوله: فلبائع) أي فهو ملك للبائع، أي باق عليه، وكأنه لم يخرج من ملكه. (واعلم) أنه حيث حكم بملك المبيع لأحدهما حكم بملك الثمن للآخر، وحيث وقف وقف. (قوله: ويحصل فسخ للعقد) أي بالقول وبالفعل، والأول ذكره بقوله بنحو فسخت. والثاني ذكره بقوله والتصرف إلخ. ومثله في ذلك الإجازة، وجميع ما ذكره من صرائح الفسخ والإجازة. قال البجيرمي: قال شيخنا - ولعل من كنايتهما: نحو لا أبيع، أو لا أشتري - إلا بكذا أو لا أرجع في بيعي، أو في شرائي. اه. (قوله: كاسترجعت المبيع) أي أو رفعته، وهو تمثيل لنحو فسخت. (قوله: وإجازة) أي ويحصل بإجازة. (وقوله: فيها) أي مدة الخيار. (قوله: بنحو أجزت) متعلق بيحصل المقدر. (قوله: كأمضيته) أي وألزمته، وهو تمثيل لنحو أجزت. (قوله: والتصرف) مبتدأ، خبره قوله فسخ. وخرج بالتصرف: مجرد عرض المبيع على البيع، والإذن فيه في مدة الخيار، فليسا فسخا، ولا إجازة للبيع، لعدم إشعارهما من البائع بعدم البقاء عليه، ومن المشتري بالبقاء عليه، لاحتمالهما التردد في الفسخ والإجازة. (قوله: في مدة الخيار) المناسب: فيها، إذ المقام للإضمار. (قوله: بوطئ) متعلق بالتصرف، وإنما يكون فسخا أو إجازة بقيود خمسة: أن يكون الواطئ ذكرا يقينا، وأن يكون الموطوء أنثى يقينا، وأن لا تكون حراما عليه كأخته، وأن يعلم أنها المبيعة، وأن لا يقصد الزنا. فإن فقد واحد منها لا يكون فسخا ولا إجازة. وخرج بالوطئ: مقدماته، فلا تكون فسخا، ولا إجازة. (قوله: وإعتاق) أي للرقيق المبيع كله أو بعضه، ويسري للباقي. ومثل الإعتاق: وقف المبيع (قوله: وبيع) أي بت أو بشرط الخيار للمشتري فقط، وإلا بأن كان لبائع أو لهما لم يكن فسخا، ولا إجازة - كما صرح فيه في العباب - بجيرمي. (قوله: وإجارة) أي للمبيع (قوله: وتزويج) أي للأمة أو للعبد (قوله: من بائع) متعلق بالتصرف. (قوله: فسخ) أي للبيع لإشعاره بعدم البقاء عليه، وصح ذلك التصرف منه، لكن لا يجوز وطؤه إلا إن كان الخيار له، فإن كان لهما: لم يحل، ولو أذن له المشتري. (قوله: ومن مشتر إجازة للشراء) أي والتصرف بهذه المذكورات من مشر إجازة للبيع، وذلك

قيمة في المبيع، وكذا للبائع بظهور عيب قديم في الثمن. وآثروا لاول: لان الغالب في الثمن الانضباط، فقيل: فيه ظهور العيب. والقديم ما قارن العقد، أو حدث قبل القبض، وقد بقي إلى الفسخ، ولو حدث بعض القبض فلا خيار للمشتري، وهو (كاستحاضة)، ونكاح لامة، (وسرقة، وإباق، وزنا) من رقيق، أي بكل منها، وإن لم ـــــــــــــــــــــــــــــ لإشعاره بالبقاء عليه، والإعتاق نافذ منه: إن كان الخيار له أو لهما وأذن له البائع، وغير نافذ: إن كان للبائع، وموقوف: إن كان لهما ولم يأذن له البائع فيه. ووطؤه حلال: إن كان الخيار له، إلا فحرام. (قوله: ويثبت لمشتر إلخ) شروع في خيار العيب، ويسمى خيار النقيصة، وهو حاصل بفوات مقصود مظنون نشأ الظن فيه من تغرير فعلي، أو قضاء عرفي، أو التزام شرطي. فالأول: كالتصرية. والثاني: كظهور العيب الذي ينقص العين والقيمة نقصا يفوت به غرض صحيح. والثالث: كأن شرط في المبيع شيئا، ككون العبد كاتبا، أو الدابة حاملا، أو ذات لبن، فأخلف. (قوله: جاهل بما يأتي) أي من ظهور عيب قديم، ومن تغرير فعلي. واحترز بالجاهل بذلك عن العامل به، فلا يثبت له الخيار به. (قوله: خيار) فاعل يثبت. (قوله: في رد المبيع) متعلق بخيار. (قوله: بظهور عيب قديم) أي باق إلى وقت الفسخ، وكان الغالب في جنس المبيع عدمه. فإن زال قبله، أو كان لا يغلب فيه ما ذكر - كقلع سن في الكبر، وثيوبة في أوانها في الأمة - فلا خيار. (وقوله: منقص قيمة في المبيع) أي أو منقص عين المبيع نقصا يفوت به غرض صحيح، وإن لم تنقص به القيمة. فإن كان به عيب لا ينقص عينه ولا قيمته - كقطع أصبع زائدة وفلقة يسيرة من فخذ أو ساق، لا تورث شيئا، ول تفوت غرضا - فلا خيار. (قوله: وكذا للبائع) أي وكذا يثبت الخيار للبائع إلخ (قوله: وآثروا الأول) أي اقتصر الفقهاء على ذكر الأول، أي ثبوت الخيار للمشتري بظهور عيب قديم في المبيع، مع أن الثمن مثله في ذلك. (وقوله: لأن الغالب في الثمن) الانضباط إلخ، أي فلا يحتاج إلى ذكره. (قوله: والقديم إلخ) أي أن العيب القديم الذي يثبت به الخيار، هو ما قارن العقد أو حدث قبل القبض، لأن المبيع حينئذ من ضمان البائع. أما ثبوت الخيار في المقارن. فبالإجماع. وأما ثوبته في الحادث قبل القبض، فلأن المبيع فيه من ضمان البائع، فكذا جزؤه وصفته. قال في التحفة: ولم يبينوا حكم المقارن للقبض، والذي يظهر أن له حكم ما قبل القبض، لأن يد البائع عليه حسا، فلا يرتفع ضمانه إلا بتحقق ارتفاعها، وهو لا يحصل إلا بتمام قبض المشتري له سليما. اه. بتصرف. (قوله: وقد بقي) أي العيب، والجملة حالية من فاعل قارن، وفاعل حدث. وخرج به ما إذا لم يبق إلى الفسخ: فلا خيار - كما مر -. (قوله: ولو حدث بعد القبض فلا خيار) محله ما لم يستند لسبب متقدم عليه، كقطع يد الرقيق المبيع بجناية سابقة على القبض جهلها المشتري، وإلا فله الخيار، لأنه لتقدم سببه صار كالمتقدم، فإن كان المشتري عالما بها فلا خيار له، ولا أرش. (قوله: وهو) أي العيب الذي يثبت به الخيار للمشتري. (وقوله: كاستحاضة إلخ) أي وكخصاء رقيق أو بهيمة، وهو مما يغلب في جنس المبيع عدمه فيها، أما لو كان الخصاء فيما يغلب وجوده فيها - كمأكول، أو نحو بغال، أو براذين - فلا يكون عيبا لغلبته فيها. وإنما كان الخصاء فيما مر عيبا، لأن الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصي، ولا نظر لزيادة القيمة به باعتبار آخر، لما فيه من فوات جزء مقصود من البدن. (قوله: نكاح لأمة) أي تزويج لأمة، فهو عيب يثبت به الخيار، والأمة ليست بقيد، بل مثلها العبد، فتزويجه عيب أيضا. وعبارة الروض: من عيوب الرقيق كونه مزوجا. اه. وهو شامل للذكر والأنثى. ومثله في النهاية. فلو أسقط قوله لأمة لكان أولى. (قوله: وسرقة) أي ولو صورة كالسرقة من دار الحرب، فإنها غنيمة، لكنها صورة سرقة، فتكون عيبا. هكذا في ش ق. والذي في التحفة خلافه، وعبارتها: وسرقة إلا في دار الحرب، لأن المأخوذ غنيمة. اه. بحذف. (قوله: وإباق) حتى لو أبق عند المشتري ثبت له الرد، لأنه من آثار الإباق الأول الذي كان عند البائع، فلا يقال إنه عيب حادث فيمنع الرد لأنه من آثار الأول. اه. ز ي. وقوله لأنه من آثار الإباق الأول: الفرض أنه علم وجود ذلك العيب عند البائع، فلو لم يعلم وجوده عنده فلا رد، لأنه عيب حادث عند المشتري. اه. بجيرمي. (قوله: وزنا) أي ولواط وردة. (قوله: أي بكل منها) الجار والمجرور متعلق بمحذوف معلوم من السياق، وكان الأولى التصريح به - أي

يتكرر وتاب، ذكرا كان أو أنثى (وبول بفراش) إن اعتاده وبلغ سبع سنين وبخر وصنان مستحكمين. ومن عيوب الرقيق: كونه نماما، أو شتاما، أو كذابا، أو آكلا لطين، أو شاربا لنحو خمر، أو تاركا للصلاة، ما لم يتب عنها، أو أصم، أو أبله، أو مصطك الركبتين، أو رتقاء، أو حاملا في آدمية، لا بهيمة، أو لا تحيض من بلغت عشرين ـــــــــــــــــــــــــــــ يثبب الخيار بكل واحد من السرقة، والإباق، والزنا -. (قوله: وإن لم يتكرر) أي كل من السرقة وما بعدها، وهو غاية لثبوت الخيار بكل منها. (وقوله: وتاب) معطوف على مدخول إن، وهو مجموع الجازم والمجزوم - أي وإن تاب وحسن حاله - وذلك لأنه قد يألفها، ولأن تهمتها لا تزول. ومثل ما ذكر في ذلك: الجناية عمدا، والقتل، والردة. وقد نظم بعضهم العيوب التي لا تنفع التوبة فيها بقوله: ثمانية يعتادها العبد لو يتب بواحدة منها يرد لبائع زنا، وإباق، سرقة، ولواطه وتمكينه من نفسه للمضاجع وردته، إتيانه لبهيمة جنايته عمدا. فجانب له وع وما عدا هذه العيوب: تنفع التوبة فيها. قال في النهاية: والفرق بين السرقة والإباق وبين شرب الخمر ظاهر. قال ع ش: وهو أن تهمتهما لا تزول، بخلاف شرب الخمر. لكن، هل يشترط لصحة توبته من شرب الخمر ونحوه، مضي مدة الاستبراء أو لا؟ فيه نظر، والأقرب الثاني. اه. (قوله: ذكرا كان) أي الرقيق الصادر منه ما ذكر، أو أنثى. (قوله: وبول إلخ) معطوف على استحاضة، أي وكبول من الرقيق. (قوله: بفراش إن اعتاده) أي عرفا، فلا يكفي مرة، لأنه كثيرا ما يعرض مرة، بل مرتين ومرات، ثم يزول. ومثل الفراش: غيره - كما لو كان يسيل بوله وهو ماش - فإنه يثبت به الخيار بالطريق الأولى، لأنه يدل على ضعف المثانة. ومثل ذلك: خروج دود القرح المعروف. ومحل ثبوت الخيار به، إن وجد البول في يد المشتري أيضا، وإلا فلا، لتبين أن العيب زال، وليس هو من الأوصاف الخبيثة التي يرجع إليها الطبع. (قوله: وبلغ سبع سنين) معطوف على اعتاده، أي وإن بلغ سبع سنين - أي تقريبا - فلا يعتد بنقص شهرين - كما في ع ش - فلو نقص أكثر منهما لم يضر، فلا يثبت به الخيار، لأنه خرج منه في أوانه. (قوله: وبخر) هو بفتحتين: نتن الفم وغيره - كالأنف -. (وقوله: وصنان) ضبطه في القاموس بالقلم بضم الصاد، وهو ظهور رائحة خبيثة من تحت الإبط وغيره. ع ش. (وقوله: مستحكمين) بكسر الكاف، لأنه من استحكم، وهو لازم. وخرج ما إذا كان كل من البخر والصنان عارضا - كأن كان الأول ليس ناشئا من المعدة، بل من تغير الفم لقلح الأسنان، وكأن كان الثاني ناشئا من عرق أو احتماع وسخ أو حركة عنيفة - فلا يثبت حينئذ بهما الخيار. (قوله: ومن عيوب الرقيق إلخ) وهي لا تكاد تنحصر، كما أفاده تعبيره بمن. (قوله: كونه تماما إلخ) أي أو قاذفا، أو تمتاما. (واعلم) أنهم عبروا في بعض العيوب بصيغة المبالغة، ولم يعبروا في بعضها بذلك. قال في التحفة: فيحتمل الفرق، ويحتمل أن الكل على حد سواء، وأنه لا بد أن يكون كل من ذلك يصير كالطبع له بأن يعتاده عرفا - نظير ما مر. اه. بالمعنى. (قوله: أو آكلا لطين) أي أو مخدر. (قوله: لنحو خمر) أي من كل مسكر. قال الزركشي: وينبغي أن يقيد بالمسلم دون من يعتاد ذلك من الكفار، فإنه غالب فيهم. اه. مغني. (قوله: ما لم يتب عنها) قيد في جميع ما قبله، أي هذه المذكورات - النميمة وما بعدها من العيوب - ما لم يتب منها، فإن تاب منها فلا يثبت بها الخيار. قال في التحفة: وظاهر أنه لا يكتفي في توبته بقول البائع. اه. (قوله: أو أصم) أي ولو في إحدى أذنيه. والمراد به: ما يشمل ثقل السمع، لأنه ينقص القيمة. (قوله: أو أبله) في ع ش: الأبله هو الذي غلبت عليه سلامة الصدر. وفي الحديث: أكثر أهل الجنة البله يعني في أمر الدنيا، لقلة اهتمامهم بها، وهم أكيس الناس في أمر الآخرة. اه. مختار. (أقول) والظاهر أن هذا المعنى غير مراد هنا، وإنما المراد بالأبله من يغلب عليه التغفل، وعدم المعرفة، ويوافقه

سنة، أو أحد ثدييها أكبر من الآخر، (وجماح) لحيوان، (وعض)، ورمح، وكون الدار منزل الجند. أو كون الجن مسلطين على ساكنها بالرجم، أو القردة مثلا يرعون زرع الارض. (و) يثبت بتغرير فعلي. وهو حرام للتدليس والضرر (كتصرية) له: وهي أن يترك حلبه مدة قبل بيعه ليوهم المشتري كثرة اللبن وتجعيد شعر الجارية، (لا) خيار (بغبن فاحش: كظن) مشتر نحو (زجاجة: جوهرة) لتقصيره بعمله بقضية وهمه، من غير ـــــــــــــــــــــــــــــ قول المصباح: بله بلها - من باب تعب: ضعف عقله. اه. (قوله: أو مصطك الركبتين) أي أو الكعبين. قال في القاموس: صكه: ضربه. وصك الباب: أغلقه، أو أطبقه. ورجل أصك، ومصك: مضطرب الركبتين والعرقوبين. اه. والمناسب هنا: الأخير وما قبله. فمعنى اصطكاك الركبتين: التقاؤهما عند المشي، وانطباق إحداهما على الأخرى واضطرابهما. (قوله: أو رتقاء) معطوف على نماما، أي ومن عيوب الرقيق كونه أمة رتقاء، وتذكير الضمير باعتبار المرجع، لأنه إذا كان المرجع مذكرا والخبر مؤنثا، يجوز مراعاة المرجع ومراعاة الخبر. والأولى: الثاني. وكالرتقاء: القرناء والأولى: هي التي انسد فرجها بلحم، والثانية: هي التي انسد فرجها بعظم (قوله: في آدمية) قيد في الحامل، فالحمل عيب في الآدمية، وفيه أنه بصدد بيان عيوب الرقيق، فلا فائدة في ذكر هذا القيد. (وقوله: لا بهيمة) أي ليس الحمل عيبا في بهيمة. ومحله: إذا لم تنقص بالحمل، وإلا كان عيبا أيضا. (قوله: أو لا تحيض) المناسب في إعرابه أن يكون الفعل منصوبا بأن مضمرة بعد أو، والمصدر المؤول معطوف على المصدر السابق، وهو كونه - أي ومن عيوب الرقيق - عدم حيض من بلغت عشرين سنة. (وقوله: أو أحد ثدييها) معطوف على المصدر السابق أيضا على حذف مضاف، أي ومنها أيضا: كون أحد الخ. فتنبه (قوله: وجماع لحيوان) عطف على استحاضة، والجماع - بكسر الجيم - امتناع الحيوان من الركوب عليه. وعبر بعضهم بجموح - بصيغة المبالغة - وهو يفيد اشتراط كثرة ذلك منه حتى يصير طبعا له. قال في التحفة: وهو متجه - كنظائره. (قوله: ورمح) أي رفس. وليس المراد به الجري. وعبارة م ر: وكونها رموحا وهي تفيد كثرة ذلك منها، وإلا فلا يكون عيبا. اه. بجيرمي. (قوله: وكون الدار منزل الجند) أي مختصة بنزول الجند، أي العساكر فيها. (قوله: بالرجم) أي أو نحوه. (قوله: أو القردة) معطوف على الجن، أي أو كون القردة ونحوهم يرعون - أي يأكلون - زرع الأرض، فهو يعد عيبا. (قوله: ويثبت) أي الخيار لمشتر في رد المبيع. (وقوله: بتغرير فعلي) أي متعلق بالفعل، كالتصرية الآتية: فإنها من الأفعال - إذ هي جمع اللبن في ثدي البهيمة - كما سيأتي - قال البجيرمي: وكذا يثبت الخيار بتغرير قولي - كما سيأتي في مفهوم قوله: ولو باع بشرط براءته من العيوب إلخ - من أنه لو باع بشرط براءة المبيع من العيوب فإنه لا يبرأ من شئ منها، بل للمشتري الخيار في جميعها. وهذا تغرير قولي. اه. (قوله: وهو) أي التغرير (وقوله: حرام) أي من الكبائر - على المعتمد - لقوله عليه الصلاة والسلام: من غشنا ليس منا، ولخبر الصحيحين في التصرية الآتي قريبا. (قوله: للتدليس) أي من البائع على المشتري. (وقوله: والضرر) أي للمشتري، وقيل للمبيع، والأول أولى، لأنه هو الذي يطرد في جميع أمثلة التغرير، بخلاف ضرر المبيع، فإنه إنما يظهر في بعضها - كالتصرية -. ولو لم يحصل تدليس من البائع: بأن لم يقصد التصرية - لنسيان أو نحوه - ففي ثبوت الخيار وجهان: أحدهما المنع، وبه جزم الغزالي والحاوي الصغير: لعدم التدليس. وثانيهما: ثبوته لحصول الضرر، ورجحه الأذرعي، وقال إنه قضية نص الأم. (قوله: كتصرية) من صرى الماء في الحوض - بتشديد الراء - بمعنى جمعه، وجوز الشافعي - رضي الله عنه - أن يكون من الصر، وهو الربط. والأصل في تحريمها خبر الصحيحين: ألا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها - أي اشتراها بعد ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها - إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر. وقيس بالإبل والغنم غيرهما. (وقوله: له) أي للحيوان المبيع، ولو من غير النعم. (قوله: وهي) أي التصرية، شرعا: ما ذكر. وأما لغة: فهي أن تربط حلمة الضرع ليجتمع اللبن. (قوله: ليوهم المشتري) أي ليوقع في وهم المشتري كثر اللبن. (قوله: وتجعيد شعر الجارية) معطوف على تصرية، أي وكتجعيد الشعر، فهو من التغرير الفعلي المحرم، لأنه يدل على الجمال وقوة البدن. والمجعد: هو ما فيه التواء وانقباض - أي تثن، وعدم إرسال -

بحث. (والخيار) بالعيب، ولو بتصرية (فوري) فيبطل بالتأخير بلا عذر، ويعتبر الفور عادة، فلا يضر صلاة وأكل دخل وقتهما، وقضاء حاجة ولا سلامة على البائع، بخلاف محادثته، ولو عليه ليلا: فله التأخير حتى يصبح، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يثبت الخيار بجعله على هيئة مفلفل السودان، لعدم دلالته على نفاسة المبيع، المقتضية لزيادة الثمن. ومثل التجعيد: تحمير الوجه، وتسويد الشعر، فيثبت بهما الخيار أيضا. (قوله: لا خيار بغبن فاحش) أصل المتن لا بغبن فاحش، فهو معطوف على ظهور عيب قديم، فقدر الشارح المتعلق: أي لا خيار بسبب وجود غبن فاحش على المشتري. والفحش ليس بقيد، بل مثله - بالأولى - غيره. (قوله: كظن مشتر نحو زجاجة: جوهرة) أي لقربها من صفتها، فاشتراها بقيمة الجوهرة. قال ع ش: وخرج به - أي بظنها جوهرة - ما لو قال له البائع هي جوهرة، فيثبت له الخيار في هذه الحالة. اه. وقال في فتح الجواد: ومحل ذلك أي عدم ثبوت الخيار، فيما إذا ظنها جوهرة: إذ لم يشتد ظنه لفعل البائع، بأن صبغ الزجاجة بصبغ صيرها به تحاكي بعض الجواهر، فيتخير حينئذ - لعذره -. اه. (قوله: لتقصيره بعمله) تعليل لعدم ثبوت الخيار بذلك، أي لا يثبت له الخيار بذلك، لتقصيره بكونه عمل بمجرد وهمه، من غير بحث واطلاع أهل الخبرة على ذلك، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يثبت الخيار لمن يغبن، بل أرشده إلى اشتراط الخيار. (قوله: والخيار بالعيب) مبتدأ، خبره فوري. (قوله: ولو بتصرية) الغاية للرد على القائل بأن الخيار في المصراة يمتد ثلاثة أيام، والأولى تأخيره بعد قوله فوري، لأنه يوهم أن الخيار بالتصرية فيه خلاف، وليس كذلك، بل الخلاف إنما هو في الفوري. (قوله: فوري) أي إجماعا. ومحله في المبيع المعين، فإن قبض شيئا عما في الذمة بنحو بيع أو سلم، فوجده معيبا، لم يلزمه فور، لأن الأصح أنه لا يملكه إلا بالرضا بعيبه، ولأنه غير معقود عليه. اه. تحفة (قوله: فيبطل) أي الخيار بالتأخير. قال في شرح المنهج: وأما خبر مسلم: من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فحمل على الغالب من أن التصرية لا تظهر إلا بثلاثة أيام. (قوله: بلا عذر) متعلق بالتأخير. وخرج به ما إذا كان بعذر فإنه لا يبطل الخيار. وسيذكر الأعذار التي تبيح له التأخير - كالصلاة، والأكل، وقضاء الحاجة، والجهل بأن له الرد، أو بكونه على الفور -. وفي البجيرمي ما نصه: هل من العذر نسيان الحكم أو العيب أو نحوهما؟ ثم رأيت نقلا عن ع ش - عند قول الشارح ويعذر في تأخيره بجهله إن قرب عهده بالإسلام - ما نصه: وخرج بجهل الرد أو الفور، ما لو علم الحكم ونسيه - فلا يعذر به - لتقصيره. اه. (قوله: ويعتبر الفور عادة) أي أنه ليس المراد الفور حقيقة، بل عادة - أي عادة عامة الناس - كما في ع ش. قال في النهاية، فلا يكلف الركض في الركوب العدو في المشي ليرد. اه. (قوله: فلا يضر إلخ) مفرع على مفهوم قوله بلا عذر، أي أما إذا كان بعذر كصلاة إلخ، فلا يضر تأخيره، وليس مفرعا على قوله عادة، وإلا صار قوله بلا عذر ضائعا لا مفهوم له. (وقوله: صلاة) أي ولو نفلا (قوله: وأكل) بالرفع، معطوف على صلاة، أي ولا يضر أكل، ولو تفكها. (قوله: دخل وقتهما) أي وقت الصلاة ووقت الأكل. وهذا إنما يشمل بالنسبة للصلاة ذات الوقت من فرض أو نفل، ولا يشمل النفل المطلق لأنه ليس له وقت. ومحله: إذا علم بالعيب قبل الشروع فيه. أما إذا علم بالعيب وهو في صلاة النفل المطلق: كملها، ولا يؤثر ذلك. وعبارة الشوبري: وشمل كلامه النافلة مؤقتة، أو ذات سبب، لا مطلقة، إلا إن كان شرع فيتم ما نواه، وإلا اقتصر على ركعتين. اه. وفي البجيرمي - بالنسبة لوقت الأكل - ما نصه: وانظر وقت الأكل ماذا؟ هل هو تقديم الطعام، أو قرب حضوره؟ والظاهر أن كلا منهما يقال له وقت الأكل، وكذا توقان نفسه إليه وقته. (قوله: وقضاء حاجة) معطوف على صلاة، فهو مرفوع، أي ولا يضر قضاء حاجة، من بول، أو غائط، أو جماع، أو دخول حمام. (قوله: ولاسلامه على البائع) أي ولا يضر في ثبوت الخيار بالعيب: سلام المشتري على البائع بعد علمه بالعيب، ولا يضر أيضا لبسه ما يتجمل به عادة. (قوله: بخلاف محادثته) أي محادثة المشتري البائع، فإنه يضر. (قوله: ولو علمه إلخ) أي ولو علم المشتري بالعيب ليلا فله تأخير الرد إلى أن يصبح، لعدم التقصير. وقيد ابن الرفعة: بكلفة السير فيه، أما إذا لم يكن عليه كلفة بالسير فيه - كأن كان جارا له - فليس له التأخير إلى ذلك، بل يستوي حينئذ الليل والنهار. (وقوله: حتى يصبح) أي

ويعذر في تأخيره بجهله جواز الرد بالعيب، إن قرب عهده بالاسلام، أو نشأ بعيدا عن العلماء، وبجهل فوريته إن خفي عليه، ثم إن كان البائع في البلد: رده المشتري بنفسه، أو وكليه على البائع أو وكيله، ولو كان البائع غائبا عن البلد، ولا وكيل له بها: رفع الامر إلى الحاكم وجوبا، ولا يوءخر لحضوره. فإذا عجز عن الانهاء، لنحو مرض، أشهد على الفسخ، فإن عجز عن الاشهاد: لم يلزمه تلفظ، وعلى المشتري ترك استعمال، فلو ـــــــــــــــــــــــــــــ ويدخل الوقت الذي جرت به العادة بانتشار الناس إلى مصالحهم عادة. اه. ع ش. (قوله: ويعذر) أي المشتري. (وقوله: في تأخيره) أي خيار الرد بالعيب. (قوله: بجهله) أي المشتري. (وقوله: جواز إلخ) مفعول جهله. (قوله: إن قرب إلخ) قيد في كونه يعذر بذلك، أي يعذر بذلك إن قرب عهده بالإسلام. قال في التحفة: وهو ممن يخفى عليه، بخلاف من يخالطنا من أهل الذمة. اه. (قوله: أو نشأ بعيدا عن العلماء) المراد بالبعد هنا - أخذا من كلام الشيخين - أن ينشأ بمحل يجهل أهله الأحكام. والغالب أن يكون بعيدا عن بلاد العلماء، وهي محل من يعرف الأحكام الظاهرة التي لا تكلف العامة بعلم ما عداها. ولو فرض أن أهل محل يجهلون ذلك، وهم قريبون ممن يعرف ذلك، كان حكمهم كذلك - فيما يظهر -. فالتعبير بالبعد ليس بالاشتراط، بل لأنه الغالب في مثل ذلك. ويجري مثل ذلك في نظائره. حجر. ع ش. بجيرمي. والمراد بالعلماء: من يعلمون هذا الحكم، وإن لم يعلموا غيره. (قوله: وبجهل فوريته) معطوف على بجهله جواز الرد، أي ويعذر بجهله أن الرد ثابت فورا. (وقوله: إن خفي عليه) أي إن خفي عليه هذا الحكم، وهو الرد فورا. وعبارة التحفة: إن كان عاميا يخفى على مثله. اه. ومقتضى قول الشارح إن خفي عليه - من غير تقييده بالقيد الذي جعله قبله، أعني قرب عهده إلخ - أنه يعذر في هذه الصورة، ولو كان مخالطا لأهل العلم، لأن هذا مما يخفى على كثير من الناس. (قوله: ثم إن إلخ) مرتبط بقوله والخيار فوري. والأولى التعبير بفاء التفريع، إذ المقام يقتضيه. (قوله: رده) أي المبيع المعيب. (قوله: أو وكيله) أي المشتري. قال في التحفة: ولولي المشتري ووارثه الرد أيضا - كما هو ظاهر - اه .. وذلك لانتقال الحق لهما. (قوله: على البائع) متعلق برده، أي رده على البائع، أي أو موكله إن كان البائع وكيلا عن غيره في البيع. (وقوله: أو وكيله) أي البائع الذي وكله في قبول السلع المردودة. (قوله: ولو كان البائع إلخ) الأولى في المقابلة والأخضر أن يقول: وإن كان غائبا عنها إلخ. قال في شرح الروض: وألحق في الذخائر: الحاضر بالبلد إذا خيف هربه الغائب عنها. اه. (قوله: ولا وكيل له) أي للبائع. (وقوله: بها) أي بالبلد. (قوله: رفع الأمر) أي شأن الفسخ، بأن يدعي رافع الأمر شراء ذلك الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم قبضه، ثم ظهر العيب، وأنه فسخ البيع، ويقيم البينة بذلك، ويحلفه أن الأمر جرى كذلك، ويحكم بالرد على الغائب، ويبقى الثمن دينا عليه، ويأخذ المبيع، ويضعه عند عدل، ويقضى الدين من مال الغائب، فإن لم يجد له سوى المبيع باعه. اه. شرح المنهج. (وقوله: إلى الحاكم) بقي ما لو كان غائبا، ولا وكيل له بالبلد، ولا حكم بها، ولا شهود، فهل يلزمه السفر إليه، أو إلى الحاكم إذا أمكنه ذلك بلا مشقة لا تحتمل؟ وقد يفهم من المقام اللزوم. اه. سم. (وقوله: وجوبا) معنى كونه واجبا أنه إذا تراخى عن الرفع للحاكم سقط حقه من الرد، لا أنه يأثم بتركه. (قوله: ولا يؤخر لحضوره) أي ولا يؤخر المشتري الرد لحضور الغائب. قال سم: ينبغي ولا للذهاب إليه. اه. (قوله: فإذا عجز) أي المشتري. (وقوله: عن الإنهاء) أي رفع الأمر للحاكم. (وقوله: لنحو مرض) أي كخوف من عدو. (قوله: أشهد على الفسخ) أي لزوما. وعبارة المنهاج: ويلزمه الإشهاد على الفسخ. اه. قال في المغني: لأن الترك يحتمل الإعراض، وأصل البيع اللزوم، فنعين الإشهاد بعدلين - كما قاله القاضي حسين، والغزالي - أو عدل ليحلف معه - كما قاله ابن الرفعة - وهو الظاهر. اه. (قوله: فإن عجز عن الإشهاد) أي على الفسخ، بأن لم يلق من يشهده. (وقوله: لم يلزمه تلفظ) أي بالفسح، وذلك لأنه يبعد لزومه من غير سامع، فيؤخبره إلا أن يأتي به عند المردود عليه - أو الحاكم - لعدم فائدته قبل ذلك. (قوله: وعلى المشتري) أي يجب عليه بعد الاطلاع على العيب وقبل الرد. (وقوله: ترك استعمال) أي للمبيع.

استخدم رقيقا، ولو بقوله اسقني، أو ناولني الثوب، أو أغلق الباب، فلا رد قهرا، وإن يفعل الرقيق ما أمر به، فإن فعل شيئا من ذلك بلا طلب: لم يضر. (فرع) لو باع حيوانا أو غيره بشرط براءته من العيوب في المبيع أو أن لا يرد بها: صح العقد، وبرئ من عيب باطن بالحيوان موجود حال العقد لم يعلمه البائع، لا عن عيب باطن في غير الحيوان، ولا ظاهر فيه. ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ والاستعمال طلب العمل، فلو خدمه وهو ساكت، لم يضر. كذا في ع ش، نقلا عن سم. وفي المغني نقلا عن الأسنوي - وهو ما يصرح به قول شارحنا، فإن فعل شيئا من ذلك بلا طلب، لم يضره. والذي يصرح به عبارة التحفة والنهاية أن الطلب ليس بقيد، بل المدار على ما يعد انتفاعا - سواء كان بطلب، أم بغير طلب - كما ستقف على عبارتهما قريبا عند قوله: فلو استخدم إلخ. ويستثنى من وجوب ترك الاستعمال: ركوب ما عسر سوقه وقوده، فلا يضر. (قوله: فلو استخدم رقيقا) أي طلب منه أن يخدمه، كقوله اسقني، أو اغلق الباب، وإن لم يطعه، أو استعمله، كأن أعطاه الكوز من غير طلب، فأخذه، ثم أعاد إليه، بخلاف مجرد أخذه منه من غير رده، لأن وضعه بيده كوضعه بالأرض. اه. تحفة. ومثلها النهاية. وقوله: أو استعمله: معطوف على طلب، أي استعمله وانتفع به من غير طلب. وعبارة البجيرمي: ومثل استخدامه: خدمته - كأن أعطاه كوزا من غير طلب، فأخذه، ثم رده له، بخلاف ما إذا لم يرده له - لأن مجرد أخذ السيد له لا يعد استعمالا، لأن وضعه في يد السيد كوضعه في الأرض. اه. وعبارة المغني: (تنبيه) أفهم كلام المصنف - أن الرقيق لو خدم المشتري، وهو ساكت لم يؤثر، لأن الاستخدام طلب العمل، وهو متجه - كما قاله الأسنوي. اه. (قوله: أو ناولني الثوب) ومثله، ما لو أشار إليه - كما هو ظاهر -. وأما الكتابة، فيحتمل أنه إن دلت قرينة على الطلب منه أو نواه بطل خياره، وإلا فهي كالنية. ع ش. (قوله: فلا رد قهرا) أي الرد القهري من المشتري ينتفي بالاستعمال المذكور، لإشعاره بالرضا بالعيب. (وقوله: وإن لم يفعل الرقيق ما أمر به) غاية لنفي الرد القهري. (قوله: فإن فعل) أي الرقيق شيئا من ذلك، أي المذكور من السقي، والمناولة، والإغلاق (وقوله: لم يضر) تبع فيه الخطيب، وسم على المنهج والذي عليه شيخه حجر و: م. ر: أنه إذا استعمله من غير طلب: ضر أيضا - كما يعلم من عبارتهما المارة. - (قوله: فرع) الأولى فروع - بصيغة الجمع - وهي أربعة: قوله لو باع، وقوله ولو اختلفا، وقوله ولو حدث عيب، وقوله ويتبع في الرد. (قوله: لو باع) أي العاقد - سواء كان متصرفا عن نفسه أو وليا، أو وصيا، أو حاكما، أو غيرهم - كما يفيده إطلاقه. (قوله: أو غيره) أي غير حيوان، كقماش. (قوله: بشرط براءته) أي بأن قال بعتك بشرط أني برئ من العيوب التي بالمبيع، ومثله ما لو قال: إن به جميع العيوب، أو لا يرد علي بعيب، أو عظم في قفة، أو أعلمك أن به جميع العيوب، فيصح العقد مطلقا، لأنه شرط يؤكد العقد، ويوافق ظاهر الحال من السلامة من العيوب. اه. خضر. فالضمير في قوله براءته: للبائع. وأما شرط براءة المبيع - بأن قال بشرط أنه سليم أو لا عيب فيه - فالظاهر أن لا يبرأ عن العيب المذكور - كما قال ح ل - وإن كان البيع صحيحا. اه. بجيرمي. (قوله: في المبيع) المقام للإضمار، فالأولى أن يقول فيه بالضمير العائد على ما ذكر من الحيوان أو غيره، ومثل المبيع: الثمن، فلو اشتري بشرط براءته من العيوب في الثمن: صح العقد، وبرئ إلخ. ولعله ترك التنبيه عليه لما مر من أن الثمن مضبوط غالبا، فلا يحتاج إلى شرط البراءة فيه. (قوله: أو إن لا يرد) معطوف على براءته، أي أو بشرط أن لا يرد بالعيوب الكائنة فيه. (قوله: صح العقد) جواب لو. (قوله: وبرئ من عيب باطن) أي وهو ما يعسر الإطلاع عليه، ومنه: الزنا، والسرقة، والكفر. والظاهر: بخلافه، ومنه:

اختلفا في قدم العيب، واحتمل صدق كل: صدق البائع بيمينه في دعواه حدوثه، لان الاصل: لزوم العقد. وقيل لان الاصل عدم العيب في يده. ولو حدث عيب لا يعرف القديم بدونه ككسر بيض، وجوز، وتقوير بطيخ مدود، رد ولا أرش عليه للحادث، ويتبع في الرد بالعيب: الزيادة المتصلة، كالسمن، وتعلم الصنعة، ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ نتن لحم الجلالة، لأنه يسهل فيه ذلك. وقيل: الباطن ما يوجد في محل لا تجب رؤيته في المبيع لأجل صحة البيع، والظاهر بخلافه. (قوله: موجود حال العقد) خرج به: ما إذا وجد بعد العقد وقبل القبض - فلا يبرأ منه البائع مطلقا - سواء علمه أم لا، ظاهرا كان أو باطنا، وذلك لانصراف الشرط إلى ما كان موجودا عند العقد فقط. (قوله: لم يعلمه البائع) خرج به ما إذا علمه - فلا يبرأ منه - لتقصيره بكتمه إذ هو تدليس يأثم به. (قوله: لا عن عيب باطن في غير الحيوان) أي لا يبرأ عن عيب باطن فيه. وفارق الحيوان: غيره، بأنه يأكل في حالتي صحته وسقمه، فقلما ينفك عن عيب ظاهر أو خفي، فاحتاج البائع لهذا الشرط ليثق بلزوم البيع فيما يعذر فيه. بخلاف غير الحيوان، فالغالب عليه: عدم التغير، فلذلك لم يبرأ من عيبه مطلقا. (وقوله: لا ظاهر فيه) أي ولا يبرأ عن عيب ظاهر في الحيوان مطلقا، علمه أم لا. (قوله: ولو اختلفا) أي العاقدان. (وقوله: في قدم العيب) أي وحدوثه، وذلك بأن ادعى المشتري أنه قديم ليرد على البائع، وادعى البائع أنه حادث فلا يرد عليه. (قوله: واحتمل صدق كل) أي أمكن حدوثه وقدمه. واحترز بذلك عما إذا لم يمكن إلا حدوثه - كما لو كان الجرح طريا، والبيع والقبض من سنة، وعما إذا لم يمكن إلا قدمه - كما لو كان الجرح مندملا، والبيع والقبض من أمس - فإنه يصدق في الأول: البائع، وفي الثاني: المشتري (قوله: صدق البائع بيمينه) أو يحلف على حسب جوابه، فإن قال في جوابه: ليس له الرد علي بالعيب الذي ذكره، أو لا يلزمني قبوله، حلف على ذلك. أو قال في جوابه: ما أقبضته وبه هذا العيب، أو ما أقبضته إلا سليما من العيب، حلف على ذلك. والجوابان الأولان عامان، لشمولهما لعدم وجود العيب عند البائع، ولوجوده مع علم المشتري به. والآخران خاصان. ولو أبدل أحد العامين بالآخر، أو أحد الخاصين بالآخر: كفى. وكذا لو أبدل العام بالخاص، لأنه غلظ على نفسه، بخلاف ما لو أبدل الخاص بالعام بأن كان جوابه خاصا، وذكر في يمينه العام، فلا يكفي. أفاده في النهاية. (قوله: في دعواه) متعلق بصدق، وضميره يعود على البائع. (وقوله: حدوثه) مفعول المصدر، وضميره يعود على العيب. (قوله: لأن الأصل لزوم العقد) أي استمراره، وإنما حلف مع أن الأصل معه، لاحتمال صدق المشتري. قال في شرح المنهج: نعم، لو ادعى قدم عيبين، فأقر البائع بقدم أحدهما، وادعى حدوث الآخر، فالمصدق: المشتري بيمينه، لأن الرد يثبت بإقرار البائع بأحدهما، فلا يبطل بالشك. اه. (قوله: وقيل لأن الأصل عدم العيب في يده) أي البائع. (قوله: ولو حدث عيب) أي في المبيع. (قوله: لا يعرف القديم بدونه) أي الحادث. وفي العبارة حذف، أي وجد عيب قديم، لكن لا يعرف - أي لا يطلع عليه إلا بذلك الحادث - فإن أمكن معرفة القديم بأقل مما أحدثه - كتقرير بطيخ حامض، يمكن معرفة حموضته بغرز شئ فيه، وكتقوير بطيخ كبير يستغنى عنه بصغير - سقط الرد القهري. (قوله: ككسر إلخ) تمثيل للعيب الحادث الذي لا يعرف القديم إلا به. (وقوله: بيض) أي لنحو نعام - كما في التحفة، ولعله سقط هنا من الناسخ - فلو اشترى بيض نعام، على أن فيه فرخا، فكسره - أي ثقبه - فوجد خاليا من الفرخ، رده بالعيب القديم. وخرج به: بيض غير النعام - كبيض الدجاج إذا وجده بعد كسره مذرا، فإن البيع يبطل فيه، لوروده على غير متقوم، فيرجع المشتري بجميع الثمن، فلا يتصور فيه رد، بخلاف الأول، فإن قشره متقوم، فهو يثبت فيه الرد، فإن لم يرده فلا شئ له. (وقوله: وتقوير بطيخ) - بكسر الباء أشهر من فتحها، ومثله كل ما مأكوله في جوفه، كالرمان. (وقوله: مدود) أي بعضه. واحترز بالبعض عما إذا دود كله فإنه يوجب فساد البيع لأنه غير متقوم، فيرجع المشتري بكل ثمنه. قال في التحفة: ولو اشترى نحو بيض أو بطيخ كثير، فكسر واحدة، فوجدها معيبة لم يتجاوزها - لثبوت مقتضى رد الكل بذلك، لما يأتي من امتناع رد البعض فقط. وإن كسر الثانية فلا رد له مطلقا - على الأوجه - لأنه وقف على العيب المقتضي للرد بالأول، فكان الثاني: عيبا حادثا. ويظهر أنه لو اطلع على العيب في واحدة بعد كسر أخرى: كان الحكم كذلك. اه. (قوله: رد) أي ذلك المبيع،

بأجرة، وحمل قارن بيعا، لا المنفصلة: كالولد، والثمر، وكذا الحمل الحادث في ملك المشتري، فلا تتبع في الرد، بل هي للمشتري. صل في حكم المبيع قبل القبض (المبيع قبل قبضه من ضمان بائع) بمعنى انفساخ البيع بتلفه أو إتلاف بائع، وثبوت الخيار بتعيبه أو ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو جواب لو. (قوله: ولا أرش عليه) أي على المشتري الراد لتسليط البائع له على كسره، لتوقف علم عيبه عليه. والأرش - بوزن العرش - في الأصل: دية الجراحات، ثم استعمل في التفاوت بين قيم الأشياء - كما لو كانت قيمة المبيع سليما مائة، ومعيبا تسعين - فالأرش: التفاوت الحاصل بين القيمتين، وهو - هنا - عشرة. (قوله: ويتبع) أي المبيع المعيب الذي رد. (قوله: الزيادة) فاعل يتبع. (وقوله: المتصلة) أي بالمبيع، ومثله الثمن. (قوله: كالسمن) بكسر، ففتح، وهو تمثيل للزيادة المتصلة. ومثله: كبر الشجرة. (قوله: وتعلم الصنعة) أي والقرآن. (قوله: ولو بأجرة) أي ولو كان التعلم بأجرة. وعبارة التحفة: ولو بمعلم بأجرة - كما اقتضاه إطلاقهم هنا - لكنهم في الفلس قيدوه بصنعة بلا تعلم، فيحتمل أن يقال به هنا، بجامع أن المشتري غرم مالا في كل منهما، فلا يفوت عليه. اه. (قوله: وحمل) معطوف على السمن، فهو مثال للزيادة المتصلة، وفيه أنه حيث قارن البيع لم تكن زيادة. وعبارة المنهج: كحمل - بالكاف - وكتب البجيرمي عليه ما نصه: قوله كحمل، وهو تنظير، لا مثال، بدليل إعادة الكاف، وعدم عطفه على ما مثل به، وأيضا الفرض أنه قارن، فلم تكن زيادة. قال في شرح البهجة - بعد تقرير ما ذكر -: ويمكن جعله مثالا، بحذف مضاف - أي وكزيادة الحمل - بمعنى نموه وكبره. شوبري. اه. وهو يتبع أمه، وإن انفصل إن كان له الرد: بأن لم تنقص أمه بالولادة. أما إذا نقصت بذلك فإنه يسقط الرد القهري، لحدوث العيب بها عند المشتري، وله الأرش. (قوله: لا المنفصلة) أي لا تتبع الزيادة المنفصلة. قال في التحفة: عينا ومنفعة. (قوله: كالولد والثمر) تمثيل للمنفصلة عينا، ولم يمثل للمنفصلة منفعة. ومثالها: الأجرة. (قوله: وكذا الحمل الحادث) أي ومثل الزيادة المنفصلة: الحمل الحادث في ملك المشتري. وفي البجيرمي: قال والد شيخنا: الراجح أن الصوف واللبن كالحمل، أي فيكون الحادث للمشتري، سواء انفصل قبل الرد أو لا. ومثلهما: البيض - كما هو ظاهر -. اه. (وقوله: فلا تتبع) أي الزيادة المنفصلة المبيع. (وقوله: بل هي) أي الزيادة المذكورة تبقى للمشتري، والحمل المذكور مثلها، يأخذه المشتري إذا انفصل. والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل في حكم المبيع قبل القبض أي في بيان حكم ذلك، وهو أنه من ضمان البائع، بمعنى الانفساخ بالتلف، وثبوت الخيار بالتعيب، وعدم صحة التصرف فيه، فالأحكام - في الحقيقة - ثلاثة، ومثل المبيع - فيما ذكر - الثمن المعين. (قوله: المبيع) خرج به: زوائده المنفصلة، الحادثة بعد البيع وقبل قبض المبيع، فهي أمانة تحت يد البائع، ولا أجرة لها، وإن استعملها البائع ولو بعد طلب المشتري لها كالمبيع، فإنه لا أجرة له إذا استعمله البائع. (قوله: قبل قبضه) أي الواقع عن البيع، فلو أقبضه إياه: لا عن البيع، بل على أنه وديعة عنده، فهو كالعدم، فيكون باقيا على ضمان البائع. (قوله: من ضمان بائع) أي وإن عرضه على المشتري فلم يقبله لبقاء سلطنته عليه، وإن قال له المشتري هو وديعة عندك. والمراد بالبائع: المالك، وإن صدر العقد من وليه أو وكيله. (قوله: بمعنى انفساخ) يعني أن معنى كونه في ضمان البائع: انفساخ إلخ. وكون هذا يقال له ضمان مجرد اصطلاح، ولا مشاحة فيه. وهذا الضمان يسمى ضمان عقد، وذلك لأن

تعييب بائع، أو أجنبي، وبإتلاف أجنبي. فلو تلف بآفة، أو أتلفه البائع: انفسخ البيع (وإتلاف مشتر قبض) وإن جهل أنه للبيع (ويبطل تصرف) ولو مع بائع (بنحو بيع) كهبة، وصدقة، وإجارة ورهن، وإقراض: (فيما لم يقبض، لا بنحو إعتاق) وتزويج، ووقف: لتشوف الشارع إلى العتق، ولعدم توقفه على القدرة بدليل صحة إعتاق الآبق، ويكون به المشتري قابضا ولا يكون قابضا بالتزويج (وقبض غير منقول) من أرض ودار وشجر (بتخلية لمشتر) بأن يمكنه منه البائع مع تسليمه المفتاح وإفراغه من أمتعة غير المشتري (و) قبض (منقول) من ـــــــــــــــــــــــــــــ المال الذي تحت يد غيره: إما مضمون ضمان عقد كالمبيع والثمن، وإما مضمون ضمان يد كالمغصوب والمعار، وإما غير مضمون أصلا كالمال الذي تحت يد الشريك أو الوكيل. (وقوله: بتلفه) أي بنفسه، بأن يكون بآفة سماوية. (وقوله: أو إتلاف بائع) أي ولو بإذن المشتري. (قوله: وثبوت الخيار إلخ) معطوف على انفساخ البيع، أي وبمعنى ثبوت الخيار. (وقوله: بتعيبه) أي المبيع بنفسه. (وقوله: أو تعييب إلخ) أي بفعل فاعل. (قوله: بإتلاف أجنبي) معطوف على بتعيبه. أي ويثبت خيار المشتري بإتلاف أجنبي له، فهو يتخير بين إجازة البيع وفسخه، لفوات غرضه في العين، فإن أجاز البيع غرم الأجنبي البدل، وإن فسخ غرمه البائع إياه. (قوله: فلو تلف إلخ) هذا لا حاجة إليه بعد قوله بمعنى انفساخ البيع بتلفه أو إتلاف بائع، إلا أن يكون هذا من المتن - كالمنهج والمنهاج - لكن الذي بأيدينا من النسج أنه من الشرح. (قوله: انفسخ البيع) أي لتعذر قبضه، مع عدم قيام البدل مقامه، فسقط الثمن عن المشتري، ويقدر انتقال ملك المبيع للبائع قبيل التلف، فتكون زوائده للمشتري، حيث لا خيار أو تخير وحده. وقولي مع عدم قيام إلخ: خرج به ما إذا أتلفه أجنبي، فإنه لا ينفسخ البيع به، بل يثبت الخيار للمشتري - كما مر - لوجوب بدله على المتلف له. (قوله: وإتلاف مشتر قبض) أي فيبرأ منه البائع. ومحل ذلك: ما لم يكن إتلافه له بحق - كصيال وقود - وكان المشتري الإمام، فإن كان كذلك فليس بقبض. (قوله: وإن جهل) أي المشتري. وهو غاية لكون إتلافه قبضا. (قوله: أنه) أي ما أتلفه. (قوله: ويبطل تصرف) أي في المبيع، بخلاف زوائده الحادثة بعد العقد، فيصح بيعها، لانتفاء ضمانها - كما تقدم -. (قوله: ولو مع بائع) الغاية للرد أي ويبطل التصرف ولو كان مع البائع بأن يبيعه له. نعم، إن باعه للبائع بعين الثمن المعين إن كان باقيا أو بمثله، إن كان تالفا أو في الذمة، صح، وكان إقالة بلفظ البيع. (قوله: بنحو بيع) إجماعا في الطعام، ولحديث حكيم بن حزام بإسناد حسن: يا ابن أخي، لا تبيعن شيئا حتى تقبضه. وعلته ضعف الملك، لانفساخه بتلفه. تحفة. (قوله: كهبة إلخ) تمثل لنحو البيع. (قوله: فيما لم يقبض) متعلق بتصرف، ومثله المقبوض إن كان الخيار للبائع أو لهما. (قوله: لا بنحو إعتاق) أي لا يبطل التصرف بنحو إعتاق. ودخل تحت النحو: الإيلاد والتدبير. (قوله: وتزويج الخ) معطوف على نحو، من عطف الخاص على العام. والأولى كتزويج - بكاف التمثيل - (وقوله: ووقف) أي سواء كان على معين أو لا. (قوله: لتشوف الشارع إلى العتق) أي وإنما لم يبطل التصرف بذلك لتشوف الشارع إلى العتق - أي تطلعه - وفي معنى العتق: البقية - من حيث إن في كل تصرفا من غير عوض في الجملة، أو تصرفا لا إلى مالك في الجملة، فلا يرد على الأول التزويج، ولا على الثاني الوصية. أفاده الجمل. (وقوله: ولعدم توقفه) أي العتق على القدرة، أي قدرة التسليم، بدليل صحة إعتاق الآبق. (قوله: ويكون به) أي بالإعتاق قابضا، ومثله الوقف والإيلاد. وفي البجيرمي: وانظر، هل يترتب على كونه قابضا أو غير قابض فائدة؟ لأن الفرض أنه خرج عن ملكه؟ (قوله: ولا يكون قابضا بالتزويج) أي ونحو كالتدبير والوصية، فإن تلف: كان من ضمان البائع. (قوله: وقبض غير منقول) أي حاضر بمحل العقد، فإن كان غائبا فسيذكر حكمه قريبا. وهذا بيان لحقيقة القبض المترتب عليه ضمان البائع قبله، فهو جواب سؤال، كأنه قيل له: ما القبض؟ فبينه بقوله: وقبض إلخ. (قوله: من أرض) بيان لغير المنقول. (وقوله: وشجر) أي وإن بيع بشرط القطع. ومثل الشجرة: الثمرة المبيعة قبل أوان الجذاذ. فهو من غير المنقول، إذ المراد به ما لا يمكن نقله بحالة الذي هو عليه حالة البيع، والثمرة قبل ذلك كذلك. أما المبيعة بعد أوان الجذاذ فهي منقولة، فلا بد من نقلها - كذا في التحفة -. (قوله: بتخلية) متعلق بمحذوف خبر قبض، أي أن قبض ذلك كائن بتخلية، ولا بد من لفظ يدل عليها،

سفينة أو حيوان (بنقله) من محله إلى محل آخر مع تفريغ السفينة، ويحصل القبض أيضا بوضع البائع للمنقول بين يدي المشتري بحيث لو مد إليه يده لناله. وإن قال: لا أريده وشرط في غائب عن محل العقد، مع إذن البائع في القبض، مضى زمن يمكن فيه المضي إليه عادة. ويجوز لمشتر استقلال بقبض للمبيع إن كان الثمن ـــــــــــــــــــــــــــــ كخليت بينك وبينه. (قوله: بأن يمكنه) تصوير للتخيلة، والضمير راجع للمشتري. (وقوله: منه) أي من المبيع غير المنقول. (قوله: البائع) فاعل الفعل. (قوله: مع تسليمه المفتاح) أي إن كان مغلقا، وكان المفتاح موجودا. ولو اشتملت الدار على أماكن بها مفاتيح: فلا بد من تسليم تلك المفاتيح، وإن كانت تلك الأماكن صغيرة - كالخزائن الخشب - اه. ح ل. فالمراد بالمفتاح: الجنس. فلو قال له البائع: تسلمه واضع له مفتاحا، فينبغي أن يستغني بذلك عن تسليم المفتاح. سم. بجيرمي. (قوله: وإفراغه إلخ) بالجر، عطف على تسليمه، وهو مضاف للمضير العائد على غير المنقول من إضافة المصدر إلى مفعوله. (قوله: من أمتعة غير المشتري) أي من بائع، ومستأجر، ومستعير، وموصى له بالمنفعة. أما أمتعة المشتري: فلا يشترط إفراغه منها. قال ع ش: والمراد بالمشتري من وقع له الشراء، فبقاء أمتعة الوكيل، والولي مانع من صحة القبض، لأنها تمنع من دخول المبيع في يد من وقع له الشراء. اه. وفي سم ما نصه: هل يجري هذا الشري - وهو فراغه من أمتعة غير المشتري - في المنقول، حتى لو كان المبيع ظرفا كإناء وزنبيل مشغول بأمتعة غير المشتري لم يكف نقله قبل تفريغه؟ فيه نظر، ولا يبعد الجريان، وإن كان نقل المنقول استيلاء حقيقيا. اه. (قوله: وقبض منقول) أي حاضر بمحل العقد ثقيل. وخرج بالحاضر: الغائب - وسيذكر حكمه قريبا -، وبالثقيل: الخفيف - فقبضه تناوله باليد إن لم يكن بيد المشتري، فإن كان بيده اعتبر في قبضه مضي زمن يمكن فيه النقل أو التخلية، ولا يحتاج فيه إلى إذن البائع، إلا إن كان له حق الحبس. (وقوله: من سفينة) أي يمكن جرها - كما في التحفة والنهاية - فإن لم يمكن جرها فهي كالعقار، سواء كانت في البر أو البحر. (قوله: بنقله) متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وهو قبض، المقدر بين العاطف والمعطوف - أي وقبض المنقول كائن بنقله، ونقل مصدر مضاف لمفعوله بعد حذف الفاعل - أي نقل المشترى إياه، وذلك لما روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نشتري الطعام جزافا، فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نبيعه حتى ننقله من مكانه. وقيس بالطعام: غيره. والمراد بنقله: تحويل المشتري له - ولو بنائبه -. قال سم: ولو تبعا، لتحويل منقول آخر هو بعض المبيع، كما لو اشترى عبدا وثوبا هو حامله، فإذا أمره بالانتقال بالثوب: حصل قبضهما. اه. (قوله من محله) أي المنقول، أي المحل الذي فيه ذلك المنقول. (وقوله: إلى محل آخر) أي لا يختص به البائع - كشارع أو دار للمشتري - أو يختص به لكن كان النقل إليه بإذنه، فيكون حينئذ معيرا له. (قوله: مع تفريغ السفينة) أي من الأمتعة التي لغير المشتري، ومثل السفينة: كل منقول، فلا بد من تفريغه - كما مر عن سم -. (قوله: ويحصل القبض أيضا) أي كما يحصل بما مر. (قوله: بوضع البائع المنقول) أي الخفيف. (وقوله: بين يدي المشتري) أي أو عن يمينه أو يساره أو خلفه. فالمراد: وضعه في مكان يلاحظه فيه. (وقوله: بحيث لو مد) أي المشتري. (وقوله: إليه) أي المنقول. (قوله: لناله) أي أمسكه، وأخذه. (قوله: وإن قال) أي المشتري، وهو غاية لحصول القبض بوضعه بين يدي المشتري. (وقوله: لا أريده) أي المنقول المبيع. وفي التحفة ما نصه: نعم، إن وضعه بغير أمره فخرج مستحقا لم يضمنه، لأنه لم يضع يده عليه، وضمان اليد لا بد فيه من حقيقة وضعها. اه. (قوله: وشرط في غائب) أي في صحة قبض مبيع غائب مطلقا - منقولا، أو غير منقول -. (وقوله: عن محل العقد) أي مجلسه، وإن كان بالبلد. اه. ع ش. (قوله: مع إذن البائع في القبض) الظرف المذكور متعلق بشرط. (قوله: مضي زمن) نائب فاعل شرط، وإنما اشترط ذلك: لأن الحضور الذي كنا نوجبه - لولا المشقة - لا يتأتى إلا بهذا الزمن، فلما أسقطناه لمعنى ليس موجودا في الزمن

مؤجلا، أو سلم الحال. (وجاز استبدال) في غير ربوي بيع بمثله من جنسه (عن ثمن) نقد أو غيره: لخبر ابن عمر رضي الله عنه: كنت أبيع الابل بالدنانير، وآخذ مكانها الدارهم، وأبيع بالدراهم، وآخذ مكانها الدنانير، فأتيت رسول الله (ص)، فسألته عن ذلك، فقال: لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ (و) عن (دين) ـــــــــــــــــــــــــــــ بقي اعتبار الزمن. اه. شرح المنهج. (قوله: يمكن فيه المضي إليه) أي الوصول إلى ذلك المبيع الغائب. ويشترط أيضا أن يمكن فيه النقل في المنقول، والتخلية والتفريغ في غيره. فالشرط في الجميع: الإمكان. وهذا إن كان المبيع بيد المشتري، فإن كان بيد غيره فلا بد بعد مضي إمكان الوصول إليه من النقل بالفعل في المنقول، والتخلية والتفريغ في غيره. (قوله: ويجوز لمشتري استقلال بقبض) أي بمعنى أنه لا يتوقف صحة قبضه على تسليم البائع ولا إذنه في القبض، ولكن إن كان المبيع في دار البائع أو غيره، لم يكن للمشتري الدخول لأخذه من غير إذن في الدخول، لما يترتب عليه من الفتنة وهتك ملك الغير بالدخول. فإن امتنع صاحب الدار من تمكينه جاز له الدخول لأخذ حقه، لأن صاحب الدار - بامتناعه من التمكين - يصير كالغاصب للمبيع. ع ش. (وقوله: إن كان الثمن مؤجلا) أي وإن حل بعده، وإنما جاز له ذلك لأن البائع رضي ببقائه في ذمته. (وقوله: أو سلم الحال) أي أو لم يكن مؤجلا، بل كان حالا كله أو بعضه، وسلم الحال - أي لمستحقه - فإن لم يسلمه لم يستقل بقبضه، فإن استقل به لزمه رده، لأن البائع يستحق حبسه، ولا ينفذ تصرفه فيه. (قوله: وجاز استبدال) أي ولو قبض المبيع، لكن بعد لزوم العقد - لا قبله -. قال في التحفة: وشرط الإستبدال لفظ يدل عليه صريحا أو كناية مع النية - كأخذته عنه -. وقوله: لفظ: أي إيجاب وقبول، والأول من المشتري كاستبدلتك هذه الدراهم بهذه الإبل، أو خذ هذه بدل هذه، فيقول البائع قبلت، أو أخذته منك - فلو لم يوجد لفظ لا يصح الاستبدال - فلا يملك ما يأخذه. قال سم: وبحث الأذرعي الصحة، بناء على صحة المعاطاة. اه. (قوله: في غير ربوي) متعلق بجاز، وخرج به الربوي، فلا يجوز الاستبدال عنه، إذا لم يوجد قبض في المجلس، لتفويته ما شرط فيه من قبض ما وقع العقد به. وعبارة شرح الروض: هذا كله فيما لا يشترط قبضه في المجلس، أما غيره - كربوي بيع بمثله، ورأس مال سلم - فلا يجوز الاستبدال عنه، إذا لم يوجد قبض المعقود عليه في المجلس. إلخ. اه. (قوله: بيع بمثله) الجملة صفة لربوي: أي ربوي موصوف بأنه بيع ربوي مثله. (وقوله: من جنسه) حال من مثله - أي حال كون ذلك المثل من جنس الربوي. قال سم: لم يذكر هذا القيد في شرح الإرشاد، ولا في شرح الروض. اه. (قوله: عن ثمن) متعلق باستبدال، والمراد ثمن في الذمة. (وقوله: نقد أو غيره) تعميم في الثمن - أي لا فرق في الثمن الكائن في الذمة بين أن يكون نقدا - أي دراهم أو دنانير - أو غير نقد. قال في التحفة: والثمن النقد إن وجد أحد الطرفين، وإلا فما اتصلت به الباء، والمثمن مقابله. نعم، الأوجه فيما لو باع قنه مثلا بدراهم سلما أنه لا يصح الاستبدال عنها، وإن كانت ثمنا لأنها في الحقيقة مسلم فيها، فليقيد بذلك إطلاقهم صحة الإستبدال عن الثمن. اه. (قوله: لخبر إلخ) تعليل لجواز الإستبدال عن الثمن. (قوله: كنت إلخ) أي قال: كنت إلخ. فهو مقول لقول محذوف. (قوله: فسألته عن ذلك) أي أخذ الدراهم بدل الدنانير، وأخذ الدنانير بدل الدراهم. والمراد: سألته عن حكم ذلك، هل هو جائز أو لا؟ (قوله: فقال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وقوله: لا بأس) أي لا لوم. (وقوله: وليس بينكما شئ) أي من عقد الاستبدال. قال في حاشية الجمل: وهو إشارة إلى التقابض. اه. أي إلى أن الاستبدال من جنس الربوي يشترط في صحته التقابض في المجلس، كاستبدال الدراهم بالدنانير، وعكسه في السؤال. (قوله: وعن دين) معطوف على ثمن، أي وجاز استبدال عن دين، أي غير ثمن وغير مثمن. أما الأول فقد ذكره قبل. وأما الثاني فلا يجوز الاستبدال عنه - كما سيذكره بقوله: ولا يبدل نوع أسلم فيه أو مبيع في الذمة إلخ - وصنيعه: يفيد أن الثمن المعطوف عليه غير دين، مع أنه دين - كما علمت - فلو

قرض، وأجرة، وصداق، لا عن مسلم فيه، لعدم استقراره. ولو استبدل موافقا في علة الربا، كدرهم عن دينار، اشترط قبض البدل في المجلس، حذرا من الربا، لا إن استبدل ما لا يوافقه في العلة، كطعام عن درهم ، ولا يبدل نوع أسلم فيه، أو مبيع في الذمة عقد بغير لفظ السلم بنوع آخر، ولو من جنسه: كحنظة سمراء عن بيضاء، لان المبيع مع تعينه لا يجوز بيعه قبل قبضه، فمع كونه في الذمة. أولى. نعم، يجوز إبداله بنوعه الاجود، وكذا الاردأ بالتراضي. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال - كما في المنهج - وصح استبدال عن دين غير مثمن بغير دين ودين قرض، لكان أولى وأخصر. (قوله: قرض إلخ) بدل من دين، وعطف بيان له. (قوله: لا عن مسلم فيه) أي لا يجوز الاستبدال عنه، لكن بما لم يتضمن إقالة، بأن كان بغير جنس رأس مال المسلم فيه، أو نقص. أما لو استبدل بما يتضمن ذلك فإنه يصح، ويكون إقالة. (وقوله: لعدم استقراره) أي المسلم فيه، وذلك لأنه معرض بانقطاعه للفسخ، ولأن عينه تقصد. (قوله: ولو استبدل موافقا إلخ) بيان لمفهوم قوله في غير ربوي. (وقوله: في علة الربا) يفيد أن قوله المار من جنسه: ليس بقيد، فهو مؤيد لما علمته عن سم. (قوله: كدرهم عن دينار) أي كاستبدال درهم عن دينار واقع ثمنا لمتاع. (قوله: اشترط إلخ) جواب لو. (وقوله: قبض البدل في المجلس) قال في التحفة مع المتن: والأصح أنه لا يشترط التعيين للبدل في العقد - أي عقد الاستبدال - بأن يقول هذا. (قوله: حذرا من الربا) علة لاشتراط ذلك. (قوله: لا إن استبدل) أي لا يشترط قبض البدل في المجلس إن استبدل إلخ، وذلك لعدم الربا فيه. قال في النهاية: لكن لا بد من التعيين في المجلس قطعا. (قوله: ولا يبدل نوع أسلم فيه) هذا عين قوله لا عن مسلم فيه، فالأولى حذفه والاقتصار على المعطوف بعده، كأن يقول ولا يبدل نوع مبيع في الذمة إلخ. ولو قال بدل قوله لا عن مسلم فيه: لاعن مثمن في الذمة مسلما فيه، أو مبيعا في الذمة بغير لفظ السلم، لكان أولى وأخصر. وعبارة التحفة مع المنهاج: ولا يصح بيع المثمن الذي في الذمة نحو المسلم فيه، ولا الاعتياض عنه قبل قبضه بغير نوعه، لعموم النهي عن بيع، ما لم يقبض، ولعدم استقراره، فإنه معرض بانقطاعه للانفساخ، أو الفسخ. والحيلة في ذلك: أن يتفاسخا عقد السلم، ليصير رأس المال دينا في ذمته، ثم يستبدل عنه. اه. وقوله: المثمن الذي في الذمة: قال سم: دخل فيه بيع الموصوف في الذمة بغير لفظ السلم ونحوه. اه. (قوله: عقد) أي ذلك المبيع في الذمة. (وقوله: بغير لفظ السلم) أي بأن كان عقد عليه بلفظ البيع وهذا عل غير طريقة شيخ الإسلام، أما على طريقته فالمبيع في الذمة مسلم فيه، وإن عقد بلفظ البيع، نظرا للمعنى. (قوله: بنوع آخر) متعلق بيبدل. (قوله: ولو من جنسه) أي ولو كان النوع الآخر من جنس النوع المبدل منه. (قوله: كحنطة سمراء إلخ) أي كإبدال حنطة سمراء عن حنطة بيضاء مبيعة في الذمة. (قوله: لأن المبيع إلخ) علة لعدم جواز إبدال المبيع في الذمة، واقتصاره على المبيع - مع عدم ذكره المسلم فيه - يؤيد ما قلنا آنفا من أن الأولى الاقتصار على المبيع في الذمة. (قوله: لا يجوز بيعه) المناسب إبداله، لأنه لم يتعرض لبيعه، وإن كان الحكم واحدا. والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في بيع الاصول والثمار (يدخل في بيع أرض) وهبتها ووقفها، والوصية بها مطلقا، لا في رهنها والاقرار بها (ما فيها) من بناء وشجر رطب وثمره الذي لم يظهر عند البيع، وأصول بقل تجز مرة بعد أخرى، كقثاء، وبطيخ، لا ما يوءخذ دفعة، كبر وفجل لانه ليس للدوام والثبات، فهو كالمنقولات في الدار. (و) يدخل (في) بيع (بستان)، وقرية ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في بيع الأصول والثمار أي في بيان بيع الأمور التي تستتبع غيرها، وهي الشجر، والأرض، والدار، والبستان، والقرية. فالمعقود عليه إذا كان واحدا من هذه الأمور - يندرج في غيره - كما وضحه الشارح رحمه الله تعالى. وقوله: والثمار: أي وبيع الثمار جمع ثمر جمع ثمرة، وهي ليست من الأصول، فالعطف مغاير. (قوله: يدخل في بيع أرض وهبتها إلخ) أي ونحوها من كل ناقل للملك: كإصداق، وعوض خلع وصلح. ولو قال في نحو بيع أرض، لكان أولى. (قوله: والوصية بها) أي بالأرض. قال ع ش: وعليه فلو أوصى له بأرض، وفيها بناء وشجر حال الوصية: دخلا في الأرض - بخلاف ما لو حدثا أو أحدهما بغير فعل من المالك - كما لو ألقى السيل بذرا في الأرض فنبت، فمات الموصي وهو موجود في الأرض - لأنهما حادثان بعد الوصية، فلم تشملهما فيختص بهما الوارث. اه. (وقوله: مطلقا) راجع لجميع ما قبله من البيع وما بعده. والمراد بالإطلاق: عدم التقييد بإدخال وإخراج، فإن قيد بالأول - بأن قال بعتك الأرض بما فيها - دخل نصا، لا تبعا. أو قيد بالثاني - بأن قال بعتك الأرض دون حقوقها، أو ما فيها - لم يدخل. (قوله: لا في رهنها والإقرار بها) أي لا يدخل في رهن الأرض والإقرار بها ما فيها. ومثل الرهن: كل ما لا ينقل الملك: كإجارة، وعارية. والفرق بين ما ينقل الملك وبين غيره: أن الأول قوي فتبعه غيره، بخلاف الثاني. ومحل عدم الدخول - فيما ذكر - إذا لم يصرح بالدخول، فإن صرح به - كأن قال رهنتك، أو آجرتك، أو أعرتك الأرض بما فيها، أو بحقوقها - دخل قطعا. (قوله: ما فيها) أي الأرض. وما: اسم موصول فاعل يدخل. أي يدخل الشئ الذي استقر فيها. قال ع ش: وخرج بفيها: ما في حدها، فإذا دخل الحد في البيع دخل ما فيه، وإلا فلا. (قوله: من بناء وشجر) بيان لما. (قوله: رطب) خرج به: اليابس، فلا يدخل. (قوله: وثمره) أي الشجر، فهو يدخل أيضا. (وقوله: الذي لم يظهر عند البيع) فإن ظهر عنده لا يدخل. (قوله: وأصول بقل) البقل خضروات الأرض. قال في الصحاح: كل نبات اخضرت به الأرض فهو بقل. (قوله: تجز) أي تلك الأصول، وفيه أن الأصل لا تجز، لأنها الجذور، وهي لا تجز. فلو قال يجز - بالياء التحتية كما في متن المنهج - لسلم من ذلك. وخرج بالأصول: الثمرة، والجزة الظاهرتان عند البيع - فهما للبائع. (قوله: كقثاء إلخ) في المنهج وشرحه ما نصه: وأصول بقل يجز مرة بعد أخرى، أو تؤخذ ثمرته مرة بعد أخرى. فالأول: كقت. والثاني: نحو بنفسج، ونرجس، وقثاء، وبطيخ. اه. ومثله في فتح الجواد، وغيره. إذا علمت ذلك: فكان الأولى أن يزيد: أو تؤخذ ثمرته، ويكون قوله - كقثاء - مثالا له، أو يمثل لما يجز بالقت، أي البرسيم، أو الكراث، أو غير ذلك مما يجز مرة بعد أخرى. (وقوله: وبطيخ) بكسر الباء فاكهة معروفة، وفي لغة لأهل الحجاز تقديم الطاء على الباء. والعامة تفتح الأول، وهو غلط، لفقد فعليل بالفتح. اه. بجيرمي. (قوله: لا ما يؤخذ دفعة) أي لا يدخل في بيع الأرض ما يؤخذ دفعة - كبر وفجل - بضم الفاء، بوزن قفل - فهو للبائع، وللمشتري الخيار حينئذ في الأرض أن جهل الزرع الذي لا يدخل، لتأخر انتفاعه، وصح قبضها مشغولة به، ولا أجرة له مدة بقاء الزرع، لأنه رضي بتلف المنفعة تلك المدة. (قوله: لأنه ليس للدوام والثبات) علة لعدم دخوله، وهذا بخلاف ما قبله، فإنه لما كان للدوام والثبات في الأرض، تبعها في البيع. (قوله:

(أرض، وشجر، وبناء) فيهما، لا مزارع حولهما، لانها ليست منهما. (و) في بيع (دار هذه الثلاثة) أي الارض المملوكة للبائع بحملتها، حتى تخومها إلى الارض السابعة، والشجر المغروس فيها، وإن كثر، والبناء فيها بأنواعه، (وأبواب منصوبة) وأغلاقها المثبتة، لا الابواب المقلوعة، والسرر والحجارة المدفونة بلا بناء، (لا في) ـــــــــــــــــــــــــــــ فهو) أي ما يؤخذ دفعة واحدة. (قوله: كالمنقولات في الدار) أي كالمنقولات الكائنة في الدار المبيعة، فإنها لا تدخل تبعا، وهي كأثاث البيت. (قوله: ويدخل في بيع بستان إلخ) قد يخرج الرهن، وهو ممنوع، فإن ألحق وفاقا لم أر أنه يدخل في رهن البستان والقرية ما فيهما من بناء وشجر، خلافا لما يوهمه كلام شرح البهجة سم على منهج ع ش. (وقوله: أرض) فاعل يدخل، ومحل دخولها - كما سيصرح به قريبا - إن كانت مملوكة للبائع، وإلا فإن كانت محتكرة أو موقوفة، فلا تدخل، لكن يتخير المشتري إن كان جاهلا بذلك. (قوله: وشجر) أي وكل ما له أصل ثابت من الزرع، لا نحو غصن يابس، وشجرة وعروق يابسين. اه. نهاية. (قوله: وبناء) أي ويدخل بناء، وهذا هو المذهب، لثباته. وقيل لا يدخل. قال ع ش: ويدخل أيضا الآبار، والسواقي المثبتة عليها. اه. (قوله: فيهما) متعلق بمحذوف صفة للثلاثة قبله، وضميره يعود على البستان والقرية. (قوله: لا مزارع حولهما) أي لا يدخل المزارع الكائنة حول البستان والقرية، أي من خارج السور. وعبارة التحفة مع الأصل: لا المزارع الخارجة عن السور والمتصلة به، فلا تدخل - على الصحيح - لخروجها عن مسماها، وما لا سور لها يدخل ما اختلط ببنائها. اه. (قوله: لأنها) أي المزارع ليست منهما، أي ليست داخلة في مسماهما. (قوله: وفي بيع دار الخ) معطوف على في بيع بستان، أي ويدخل في بيع دار إلخ. وفي البجيرمي: ومثلها الخان، والحوش، والوكالة، والزريبة، ويتجه إلحاق الربع بذلك. اه. (قوله: هذه الثلاثة) فاعل يدخل المقدر. (قوله: أي الأرض إلخ) بدل من الثلاثة. (وقوله: المملوكة للبائع) خرج ما لو كانت موقوفة، أو محتكرة فلا تدخل، لكن يتخير المشتري إن كان جاهلا بذلك - كما علمت - (وقوله: بجملتها) متعلق بعامل البدل المقدر، أي تدخل الأرض بجملتها، أي بجميع ما فيها. (قوله: حتى تخومها) حتى: إبتدائية، والخبر محذوف، أي حتى تخومها تدخل. قال ع ش: وفي الشامي في سيرته ما نصه: التخوم - جمع تخمة - الحد الذي يكون بين أرض وأرض. وقال ابن الأعرابي وابن السكيت: الواحد تخوم، كرسول، ورسل. وعبارة المختار: التخم - بالفتح - منتهى كل قرية أو أرض، وجمعه تخوم - كفلس، وفلوس -. وقال الفراء: تخوم الأرض: حدودها. وقال أبو عمرو: هي تخوم الأرض، والجمع تخم - مثل صبور، وصبر. والتخمة: أصلها الواو، فتذكر في وخم. اه. (قوله: والشجر) معطوف على الأرض. (وقوله: المغروس فيها) عبارة التحفة: وشجر رطب فيها، ويابس قصد دوامه - كجعله دعامة مثلا - لدخوله في مسماها. اه. وكتب سم: قوله: قصد دوامه: خرج يابس لم يقصد دوامه، ففي دخوله وجهان. قال في شرح العباب كما لو كان فيها أوتاد، وقضيته دخولها، لكن الوجه خلافه. اه. (وقوله: وإن كثر) أي الشجر، فإنه يدخل. (قوله: والبناء فيها) معطوف على الأرض، وهذا هو الثالث. (وقوله: بأنواعه) أي البناء. والمراد بها: كونه من حجر أو خشب، أو سعف. (قوله: وأبواب) معطوف على اسم الإشارة. (وقوله: منصوبة) أي مسمرة. قال ع ش: ومثلها المخلوعة وهي باقية بمحلها، أما لو نقلت من محلها فهي كالمقلوعة، فلا تدخل. اه. (قوله: وإغلاقها) أي الأبواب، وهي الضبب المعروفة ونحوها. ويدخل مفاتيحها أيضا. (وقوله: المثبتة) خرج بها المنقولة، فلا تدخل هي ولا مفاتيحها. (قوله: لا الأبواب المقلوعة) أي لا تدخل الأبواب المقلوعة، وهي محترز منصوبة. (قوله: والسرور) أي ولا السرر - جمع سرير - لأنها منقولة. ومثل السرر: كل منقول - كالدلو، والبكرة، والسلم، والرفرف غير المسمرين - (قوله: والحجارة المدفونة بلا بناء) أي ولا تدخل الحجارة المدفونة في الأرض بلا

بيع (قن) ذكر أو غيره (حلقة) بأذنه، أو خاتم، أو نعل، (و) كذا (ثوب) عليه خلافا للحاوي، كالمحرر، وإن كان ساتر عورته. (وفي) بيع (شجر) رطب بلا أرض عند الاطلاق (عرق) ولو يابسا إن لم يشرط قطع الشجر، بأن شرط إبقاوه أو أطلق، لوجوب بقاء الشجر الرطب. ويلزم المشتري قلع اليابس عند الاطلاق، للعادة، فإن شرط قطعه أو قلعه: عمل به، أو إبقاؤه: بطل البيع ولا ينتفع المشتري بمغرسها (وغصن رطب)، لا يابس، والشجر رطب، لان العادة قطعه، وكذا ورق رطب، لا ورق حناء على الاوجه، (لا) يدخل في بيع الشجر ـــــــــــــــــــــــــــــ بناء، فإن كانت ببناء دخلت. (قوله: لا في بيع قن) أي لا يدخل في بيع قن. (وقوله: حلقة) - بفتح اللام - وهي فاعل يدخل المقدر. (وقوله: بإذنه) أي كائنة بإذن القن (قوله: وكذا ثوب عليه) أي وكذلك لا يدخل في بيعه ثوب عليه - اقتصارا على مقتضى اللفظ. وقيل يدخل ثوبه الذي عليه حالة البيع. (قوله: وإن كان ساتر عورته) أي لا يدخل الثوب، وإن كان ساترا لعورته. قال سم: إذا قلنا لا تدخل ثياب العبد حتى ساتر عورته، فهل يلزم البائع إبقاء ساتر عورته إلى أن يأتي المشتري بساتر؟ فيه نظر. ويدل على عدم اللزوم جواز رجوع معير ساتر العورة - كما تقرر في باب العارية -. (قوله: وفي بيع شجر رطب إلخ) مثله اليابس في أحكام، وهي دخول عروقه، وأغصانه، وأوراقه، وعدم دخول مغرسه. وليس مثله في أحكام، وهي ما ذكرها بقوله: ويلزم المشتري قلع اليابس إلخ. وحاصلها أنه إذا أطلق البيع في اليابس: يلزمه قلعه، وإذا شرط بقاؤه فسد البيع - إذ لا ينتفع بمغرسه - بخلاف الرطب في الثلاثة، فالتقييد بالرطب بالنسبة لما ذكر فقط. (قوله: بلا أرض) متعلق ببيع، وقيد به لأن الأحكام الآتية من شرط القلع أو القطع، وعدم دخول المغرس إنما تناسب بيعه وحده، لا مع الأرض. (قوله: عند الإطلاق) متعلق بيدخل المقدر، ومثل الإطلاق: شرط الإبقاء أو القلع - كما يؤخذ مما بعده - ولو اقتصر على قوله الآتي: إن لم يشرط قطع الشجر - لكان أولى - لشموله لذلك كله. تأمل. (قوله: عرق) بكسر فسكون، وهو فاعل يدخل المقدر، أي يدخل في الشجر عرق، أي ولو امتد وجاوز العادة. (قوله: ولو يابسا) هذا معتمد ابن حجر، تبعا لشيخ الإسلام. وخالف م ر، فاعمد عدم دخول اليابس. (قوله: إن لم يشرط) أي يدخل العرق، وإن لم يشرط قطع للشجر، فإن شرط: فلا يدخل، عملا بالشرط، وتقطع الشجرة حينئذ من وجه الأرض - بقاء على ما جرت به العادة في مثلها - فلو أراد المشتري حفر جزء من الأرض ليتوصل به إلى زيادة ما يقطعه لم يمكن. (وقوله: بأن شرط إبقاؤه) أي أو شرط قلعه، فعدم اشتراط القطع صادق بثلاث صور: أن لا يشترط شئ أصلا - وهذه صورة الإطلاق - وأن يشترط الإبقاء. وأن يشترط القلع. ويعمل بالشرط مطلقا. (قوله: أو أطلق) أي لم يقيد بشرط إبقاء، أو قلع، أو قطع. (قوله: لوجوب بقاء الشجر الرطب) أي وبقاؤه ببقاء عروقه، وهو علة لدخول العرق، أي وإنما يدخل في بيع الشجر: العرق - لوجوب إلى آخره، وهذه العلة ظاهرة بالنسبة لما ذكره من الإطلاق، أو شرط الإبقاء. وأما بالنسبة لاشتراط القلع فلا تظهر - لأنه يجب القلع في هذه الحالة، وعدم إبقائه. تأمل. (قوله: ويلزم المشتري قلع اليابس) أي الشجر اليابس، وهو مفهوم قوله رطب. قال البجيرمي: وظاهره أن قطعها غير كاف، مع أن فيه تركا لبعض حقه، إلا أن يقال: محل لزوم القلع إذا كان بقاء الأصل مضرا بالبائع. اه. (وقوله: عند الإطلاق) أي عدم التقييد بشرط إبقاء أو قطع أو قلع، كما تقدم. (قوله: فإن شرط قطعه أو قلعه) الضمير فيهما لليابس. (قوله: عمل به) أي بالشرط. (قوله: أو إبقاؤه بطل البيع) أي أو شرط إبقاؤه، فإنه يبطل البيع لمخالفته للعرف. ومحل البطلان إن لم يكن للبائع غرض صحيح في اشتراط الإبقاء، وإلا صح. (قوله: ولا ينتفع المشتري بمغرسها) أي اليابسة، بخلاف الرطبة، فإنه ينتفع بمغرسها - كما مر - ومعنى الانتفاع بذلك أن له منع البائع أن يفعل فيه ما يضر بالشجرة، وليس معنى ذلك أن له إجارته، أو وضع متاع فيه أو إعارته. (قوله: وغصن رطب) أي ويدخل أيضا غصن رطب مطلقا، سواء شرط الإبقاء أو القطع، أو القلع، أو أطلق. ومثله يقال في الورق، فهما يخالفان العروق في اشتراط القطع. (قوله: لا يابس والشجر

(مغرسه)، فلا يتبعه في بيعه، لان اسم الشجر لا يتناوله (و) لا ثمر (ظهر): كطلع نخل بتشقق، وثمر نحو عنب: ببروز، وجوز: بانعقاد، فما ظهر منه: للبائع، وما لم يظهر: للمشتري. ولو شرط الثمر لاحدهما: فهو له، عملا بالشرط: سواء أظهر الثمر أم لا، (ويبقيان) أي الثمر الظاهر والشجر عند الاطلاق، فيستحق البائع تبقية الثمر إلى أوان الجداد، فيأخذه دفعة، لا تدريجا، وللمشتري تبقية الشجر ما دام حيا، فإن انقلع، فله غرسه إن نفع لا بد له (و) يدخل (في) بيع (دابة حملها) المملوك لمالكها، فإن لم يكن مملوكا لمالكها، لم يصح البيع، كبيعها دون حملها، وكذا عكسه. ـــــــــــــــــــــــــــــ رطب) أي لا يدخل الغصن اليابس، والحال أن الشجر رطب. فإن كان الشجر يابسا دخل - كما مر - (قوله: لأن العادة قطعه) أي اليابس، فكان كالثمرة. (قوله: وكذا ورق رطب) أي مثل الغصن في الدخول: ورق رطب، أما اليابس فلا يدخل - كالغصن اليابس - بجامع اعتياد قطع يابس كل منهما، خلافا لما وقع في شرح المنهج من تعميمه في الورق. (قوله: لا ورق حناء) أي ونحوه مما ليس له ثمر غيره - كورق النيلة، فإنه لا يدخل. (قوله: على الأوجه) أي عند ابن حجر. وخالف م ر. فعنده تدخل الأوراق مطلقا. وعبارته: ولا فرق في دخول الورق بين أن يكون من فرصاد، وسدر، وحناء، وتوت أبيض، ونيلة - لأن ذلك من مسماها - كما أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى. اه. ببعض تصرف. (قوله: لا يدخل في بيع الشجر إلخ). ولكن المشتري ينتفع به ما دام الشجر باقيا تبعا بلا عوض. (وقوله: مغرسة) بكسر الراء، أي موضع غرسه، وهو ما سامته من الأرض وما يمتد إليه عروقه. (قوله: فلا يتبعه في بيعه) هو عين قوله لا يدخل في بيع الشجر، فالأولى حذفه. (قوله: لأن اسم الشجر لا يتناوله) أي المغرس، وهو تعليل لعدم الدخول. (قوله: ولا ثمر ظهر) أي ولا يدخل ثمر ظهر، بل هو للبائع. والثمر ما يقصد من المبيع، ولو مشموما. (قوله: كطلع نخل) تمثيل للثمر. (قوله: يتشقق) خبر لمبتدأ محذوف، مرتبط بالطلع، أي وظهوره يكون بتشقق له، وهكذا يقدر فيما بعده، فالظهور يختلف باختلاف الثمرة، ففي طلع النخل بالتشقق، وفيما يخرج ثمره بلا نور - أي زهر: كتين، وعنب - بالبروز. وفي نحو الجوز بالانعقاد. وفي نحو الورد بالتفتح. (قوله: فما ظهر منه: للبائع، وما لم يظهر: للمشتري) هذا لا يلائم التقييد بقوله أولا: ظهر. بل الملائم أن يقول فهو للبائع، ويحذف لفظ فما ظهر منه، ثم يقول: فإن لم يظهر: فهو للمشتري. (قوله: ولو شرط الثمر) أي جميعه أو بعضه المعين، كالنصف. اه. شرح م ر. (وقوله: لأحدهما) أي المتبايعين. (قوله: فهو) أي الثمر. (وقوله: له) أي للمشروط له من المتبايعين، البائع، أو المشتري. (قوله: عملا بالشرط) تعليل لكونه للمشروط له. (قوله: سواء أظهر إلخ) تعميم في كونه للمشروط له. (وقوله: أم لا) قد يقتضي أنه يصح أن يشرط للبائع حال عدم وجوده أصلا، وهو ممنوع، بل هو فرع الوجود - كما هو الفرض - لتفسيرهم الظهور بالتأبير، وعدم الظهور بعدم ذلك. أفاده البجيرمي. (قوله: ويبقيان) بالبناء للفاعل أو المفعول. فعلى الأول: يكون بفتح الأول، والثالث من بقي. وعلى الثاني: يكون بضم الأول، وفتح الثالث من أبقى. (قوله: أي الثمر الظاهر) أي المستحق للبائع. (وقوله: والشجر) أي المستحق للمشتري. (قوله: عند الإطلاق) أي أو عند شرط الإبقاء، بأن باع الشجر مطلقا، أو بشرط إبقاء الثمر الظاهر، أو الشجر - فإن شرط القطع: لزمه - كما تقدم. (قوله: الجداد) بفتح الجيم وكسرها، وإهمال الدالين وإعجامهما، بمعنى القطع. (قوله: لا تدريجا) أي ما لم تجر العادة بأخذه كذلك. (قوله: وللمشتري) عبادة فتح الجواد: والمشتري - بحذف لام الجر، وعطفه على البائع - وهي أولى. (قوله: ما دام) أي الشجر، حيا أو رطبا. (قوله: فإن انقلع) أي الشجر الحي بنفسه، وكذا إن قلع. (قوله: فله) أي المشتري. (وقوله: غرسه) أي الشجر الحي بعد قلعه. (قوله: لا بد له) بالجر، عطف على ضمير غرسه. أي ليس له غرس بدله - تحكيما للعادة -. (قوله: حملها) بفتح الحاء. (قوله: فإن لم يكن مملوكا لمالكها) بأن كان موصى به لغير مالكها. (وقوله: كبيعها) أي كعدم صحة بيعها من غير حملها. (قوله: وكذا عكسه) أي بيع حملها بدونها، فإنه لا يصح.

فصل في اختلاف المتعاقدين (ولو اختلف متعاقدان) - ولو وكيلين، أو وارثين - (في صفة عقد) معاوضة كبيع، وسلم، وقراض، وإجارة، وصداق، (و) الحال أنه قد (صح) العقد باتفاقهما، أو يمين البائع: (كقدر عوض) من نحو مبيع، أو ثمن، أو جنسه، أو صفته، أو أجل، أو قدره، (ولا بينة لاحدهما) بما ادعاه، أو كان لكل منهما بينة، ولكن قد ـــــــــــــــــــــــــــــ (تتمة) لم يتعرض المؤلف رحمه الله تعالى للشق الثاني من الترجمة، وهي بيع الثمار، والترجمة لشئ غير مذكور معيبة عندهم. لا يقال إنه ذكره في قوله: ولا ثمر ظهر، لأنا نقول تكلمه هناك على الثمر من حيث التبعية للشجر، فهو ليس بمبيع، بدليل أنه قد يكون للبائع، وقد يكون للمشتري. والقصد التكلم عليه من حيث إنه مبيع استقلالا. وحاصل الكلام عليه أنه إن بدا صلاحه جاز بيعه مطلقا، وبشرط الإبقاء أو القطع. وإلا فإن بيع منفردا عن الأصل جاز، لكن بشرط القطع. وإن بيع مع الأصل جاز من غير شرط قطع، فإن شرط لم يجز، لما فيه من الحجر عليه في ملكه. والله أعلم. فصل في اختلاف المتعاقدين أي في بيان ما يترتب على اختلافهما من التحالف والفسخ، والأصل في ذلك الحديث الصحيح: إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة، فهو ما يقول رب السلعة، أو يتتاركا، أي يترك كل ما يدعيه، وذلك إنما يكون بالفسخ. وأو - هنا - بمعنى إلا. وصح أيضا أنه - صلى الله عليه وسلم -: أمر البائع أن يحلف، ثم يتخير المبتاع، إن شاء أخذ، وإن شاء ترك. (قوله: ولو اختلف متعاقدان) قال في الروض وشرحه: لا في زمن الخيار - أي خيار الشرط، أو المجلس، فلا يتحالفان، لإمكان الفسخ بالخيار. كذا قاله القاضي. وأجاب عنه الإمام: بأن التحالف لم يوضع للفسخ، بل عرضت اليمين رجاء أن ينكل الكاذب، فيتقرر العقد بيمين الصادق. اه. (قوله: ولو وكيلين) أي أو قنين أذن لهما سيداهما، أو وليين، أو مختلفين، بأن كان أحدهما مالكا، والآخر وكيلا، أو قنا، أو الآخر وارثا. (قوله: في صفة عقد) أي فيما يتعلق به من الحالة التي يقع عليها من كونه بثمن قدره كذا، وصفته كذا. وخرج بقوله في صفة عقد: اختلافهما في نفس العقد، وسيأتي في قوله: ولو ادعى أحدهما بيعا والآخر رهنا أو هبة إلخ. (وقوله: معاوضة) أي ولو غير محضة أو غير لازمة - كصداق، وخلع، وصلح عن دم، وقراض، وجعالة -. وفائدته في غير اللازم: لزوم العقد بالنكول من أحدهما اه. بجيرمي. وخرج بالمعاوضة غيرها - كوقف، وهبة، ووصية - فلا تحالف فيه. (قوله: والحال إلخ) أفاد به أن الواو الداخل على الفعل الماضي واو الحال. (وقوله: العقد) أي عقد البيع أو غيره من القراض. (قوله: باتفاقهما) أي المتعاقدين. (قوله: أو يمين البائع) أي أو بيمين البائع، وإنما خصه لما سيأتي أنه إذا اختلفا في صحة العقد وفساده، وادعى البائع صحته، صدق بيمينه. (قوله: كقدر عوض) تمثيل لصفة العقد المختلف فيها. (وقوله: من نحو مبيع أو ثمن) بيان للعوض. وصورة الأول: أن يدعي المشتري أن المبيع أكثر - كطاقتين من قماش - ويدعي البائع أنه طاقة واحدة. وصورة الثاني: أن يدعي البائع أن الثمن عشرون مثلا، ويدعي المشتري أنه عشرة مثلا. (قوله: أو جنسه) أي العوض، وهو معطوف على قدر، وذلك كذهب، أو فضة، أو بر، أو شعير. (قوله: أو صفته) أي العوض، وهو معطوف على قدر أيضا، وذلك كصحاح، أو مكسرة. والمراد بالمكسرة: المقطعة بالمقراض أجزاء معلومة، لأجل شراء الحاجات، والأشياء الصغيرة، لا كأرباع القروش وأنصاف الريالات. (قوله: أو أجل) معطوف على

تعارضتا بأن أطلقتا، أو أطلقت إحداهما وأرخت الاخرى، أو أرختا بتاريخ واحد، وإلا حكم بمقدمة التاريخ. (حلف كل) منهما يمينا واحدة، تجمع نفيا لقول صاحبه، وإثباتا لقوله، فيقول البائع مثلا: ما بعت بكذا، ولقد بعت بكذا. ويقول المشتري: ما اشتريت بكذا، ولقد اشتريت بكذا، لان كلا: من المدعي والمدعى عليه. والاوجه: عدم الاكتفاء بما بعت إلا بكذا، لان النفي فيه: صريح والاثبات: مفهوم، (فإن) رضي أحدهما بدون ما ادعاه، أو سمح للآخر بما ادعاه، لزم العقد، ولا رجوع، فإن (أصرا) على الاختلاف: (فلكل) منهما (أو) للحاكم (فسخه) أي العقد، وإن لم يسألاه، قطعا، للنزاع. ولا تجب الفورية هنا. ثم بعد الفسخ: يرد المبيع ـــــــــــــــــــــــــــــ قدر أيضا وإنما لم يقل أو أجله - بالضمير، كالذي قبله - لئلا يتوهم رجوع الضمير في قوله بعد: أو قدره للعوض، مع أنه ليس كذلك. والاختلاف في نفسه الأجل معناه أن يثبته أحدهما وينفيه الآخر. (وقوله: أو قدره) أي لأجل، كيوم ويومين. (قوله: ولا بينة لأحدهما) معطوف على جملة صح الواقعة حالا، فهي حال أيضا، أي والحال أنه لا بينة لأحد المتعاقدين فيما ادعاه يعتد بها، فإن وجدت بينة كذلك فيحكم له بما ادعاه. (قوله: أو كان الخ) أي أو وجد لكل من المتعاقدين بينة على ما ادعاه، ولكن قد تعارضتا. وبين التعارض بقوله بعد: بأن إلخ. (قوله: بأن أطلقتا) أي البينتان، أي لم تؤرخا أصلا. (قوله: أو أطلقت إحداهما) أي إحدى البينتين، أي لم تؤرخ. (وقوله: وأرخت الأخرى) أي البينة الأخرى، بأن تقول نشهد أنه اشتراه بمائة من سنة مثلا. (قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم تؤرخا بتاريخ واحد، بل أرختا بتاريخين مختلفين، كأن نقول إحدى البينتين: نشهد أنه اشتراه بمائة من سنة، وتقول الأخرى: نشهد أنه باعه بخمسين من ستة أشهر - فيحكم للأولى - لتقدمها. (قوله: حلف إلخ) جواب لو. (قوله: كل منهما إلخ) أي لخبر مسلم: اليمين على المدعى عليه وكل منهما مدعى عليه، كما أنه مدع. قال ع ش: والتحالف يكون عند الحاكم، وألحق به المحكم، فخرج تحالفهما بأنفسهما، فلا يؤثر فسخا ولا لزوما. ومثله فيما ذكر: جميع الأيمان التي يترتب عليها فصل الخصومة، فلا يعتد بها إلا عند الحاكم أو المحكم. اه. (وقوله: يمينا) مفعول مطلق لحلف. (وقوله: تجمع إلخ) وذلك لأن الدعوى واحدة ومنفى كل منهما في ضمن مثبتة، فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والإثبات، ولأنها أقرب لفصل الخصومة، ويجوز أن يحلف كل يمينين، بل هو أولى - خروجا من الخلاف - ويندب تقديم النفي على الإثبات، ولو نكل أحدهما عن النفي فقط، أو الإثبات فقط: قضى للحالف. وإن نكلا معا: وقف الأمر، وكأنهما تركا الخصومة. (قوله: فيقول الخ) بيان لصيغة الحلف الجامعة لما ذكره. قال في المنهاج مع المغني: ويبدأ في اليمين بالبائع - ندبا - لحصول الغرض مع تقديم المشتري. وقيل وجوبا، واختاره السبكي. اه. (قوله: لأن كلا إلخ) تعليل لقوله حلف كل منهما. (قوله: والأوجه عدم الإكتفاء إلخ) أي عدم الإكتفاء بصيغة لم تجمع الإثبات والنفي صريحا. ومقابل الأوجه: الإكتفاء بذلك، لأنه أسرع إلى فصل القضاء، قاله الصيمري. (قوله: لأن النفي فيه صريح، والإثبات مفهوم) أي والأيمان لا يكتفي فيها بالمفهوم واللوازم، بل لا بد فيها من الصريح، لأن فيها نوع تعبد. (قوله: فإن رضي أحدهما) أي ثم بعد التحالف إن رضي أحدهما بدون ما ادعاه، بأن ادعى البائع مثلا أن الثمن عشرون وادعى المشتري أنه عشرة، فرضي البائع بالعشرة. وعبارة المنهاج: وإذا تحالفا: فالصحيح أن العقد لا ينفسخ بنفس التحالف، بل إن تراضيا على ما قال أحدهما: أقر العقد، وإلا بأن استمر تنازعهما: فيفسخانه أو أحدهما أو الحاكم. اه. بزيادة. (قوله: أو سمح للآخر بما ادعاه) أي الآخر، بأن سمح المشتري في الصورة المذكورة بالعشرين للبائع. ولو اقتصر على هذا - كما في المنهج - وقال فإن سمح أحدهما للآخر بما ادعاه الخ، لكان أولى - لصدقه بالصورتين المذكورتين كما لا يخفى - ونص عبارة المنهج: ثم بعد تحالفهما إن أعرضا أو تراضيا، وإلافإن سمح أحدهما أجبر الآخر، وإلا فسخاه، أو أحدهما أو الحاكم. اه. (قوله: لزم العقد) جواب إن. (قوله: ولا رجوع) أي بعد أن رضي للآخر أو سمح إلخ. كما لو رضي بالعيب. (قوله: فإن أصرا) أي داما بعد التحالف على الاختلاف. (وقوله: فلكل منهما أو الحاكم فسخه) ولا بد

بزيادته المتصلة، فإن تلف حسا أو شرعا، كأن وقفه أو باعه، رد مثله إن كان مثليا، أو قيمته إن كان متقوما. ويرد على البائع قيمة آبق فسخ العقد، وهو آبق من عند المشتري، والظاهر اعتبارها بيوم الهرب. (ولو ادعى) أحدهما (بيعا، والآخر رهنا، أو هبة): كأن قال أحدهما بعتكه بألف، فقال الآخر: بل رهنتنيه، أو وهبتنيه، فلا تخالف إذا لم يتفقا على عقد واحد، بل (حلف كل) منهما للآخر (نفيا)، أي يمينا نافية لدعوى الآخر لان الاصل: عدمه، ثم يرد مدعى البيع الالف، لانه مقر بها، ويسترد العين بزوائدها المتصلة والمنفصلة. (و) إذا ـــــــــــــــــــــــــــــ من اللفظ في الفسخ، ولا ينفسخ بنفسه، ثم إن فسخ الحاكم أو الصادق منهما: ينفذ ظاهرا وباطنا، وغير الصادق ينفذ ظاهرا فقط. (قوله: وإن لم يسألاه) أي الحاكم، وهو غاية لفسخه. (قوله: قطعا للنزاع) تعليل لكون كل منهما أو الحاكم له الفسخ. (قوله: ولا تجب الفورية هنا) أي في الفسخ بعد التحالف - بخلافها في العيب، فتجب - كما تقدم. وعبارة المغني: وحق الفسخ بعد التحالف ليس على الفور، فلو لم يفسخا في الحال: كان لهما بعد ذلك - على الأوجه - في المطلب، لبقاء الضرر المحوج للفسخ. اه. (قوله: ثم بعد الفسخ) قال ع ش: لو تقارا - بأن قالا: أبقينا العقد على ما كان عليه، أو أقررناه، عاد العقد بعد فسخه لملك المشتري، من غير صيغة بعت واشتريت، وإن وقع ذلك بعد مجلس الفسخ الأول. اه. (قوله: يرد المبيع بزيادته المتصلة) أي أو المنفصلة إن حدثت بعد الفسخ. ومثل المبيع: الثمن، فيجب على البائع رده كذلك. ومؤنة الرد على الراد - للقاعدة: أن من كان ضامنا لعين كانت مؤنة ردها عليه. (قوله: فإن تلف إلخ) أفاد به أن محل رد المبيع إن كان باقيا لم يتعلق به حق لازم. (قوله: كأن وقفه أو باعه) مثالان للتلف الشرعي، ولم يمثل للتلف الحسي، ومثاله ما إذا مات. (قوله: رد) أي المشتري. (وقوله: مثله) أي المبيع التالف. (قوله: إن كان مثليا) أي كالحبوب. (قوله: أو قيمته) أي أو رد قيمته، أي وقت التلف - حسا أو شرعا - وهي للفيصولة. وإنما اعتبرت وقته - لا وقت القبض، ولا وقت العقد، لأن مورود الفسخ العين ولو بقيت، والقيمة خلف عنها، فتعتبر عند فوات أصلها - ولأن الفسخ: يرفع العقد من حينه، لا من أصله -. (وقوله: إن كان متقوما) أي كالخشب والحيوان. (قوله: ويرد) أي المشتري. (قوله: قيمة آبق) أي عبد آبق بعد الفسخ أو قبله، وهي للحيلولة بينه وبين ملكه - لتعذر حصوله - فإن رجع العبد رده واستردها، لأنها ليست للفيصولة. فمورد الفسخ: هو - لا قيمته -. (وقوله: فسخ العقد وهو آبق) أي والحال أنه آبق من عند المشتري، فالواو للحال. وأفادت الجملة الحالية أنه إذا فسخ العقد وهو ليس بآبق لا يلزمه شئ. (قوله: والظاهر اعتبارها) أي القيمة. (وقوله: بيوم الهرب) أي تنزيلا له منزلة التلف، فلا يعتبر بيوم القبض، ولا بيوم العقد. (قوله: ولو ادعى أحدهما بيعا إلخ) هذا محترز قوله ولو اختلف متعاقدان في صفة عقد - كما علمت - إذ هذا اختلاف في أصل العقد لا في صفته. (قوله: كأن قال إلخ) تمثيل لصورة ادعاء أحد المتعاقدين بيعا والآخر خلافه. (قوله: فلا تحالف) أي فلا يحلف كل منهما واحدة تجمع نفيا لقول صاحبه وإثباتا لقوله. (قوله: إذ لم يتفقا على عقد واحد) أي بل اختلفا في العقد الواقع بينهما. (قوله: بل حلف كل منهما إلخ) يعلم من هذا الفرق بين التحالف والحلف، وهو أن الأول لا بد فيه من نفي وإثبات، بخلاف الثاني. (قوله: لدعوى الآخر) أي لما ادعى به الآخر. (وقوله: لأن الأصل عدمه) علة لكون كل يحلف يمينا نافية - أي وإنما حلف كل نفيا - لا إثباتا - لأن الأصل عدم ما ادعاه الآخر، فضمير عدمه يعود على دعوى، وذكره - مع أنها مؤنثة - لاكتسابها التذكير من المضاف إليه، أو باعتبار المذكور. (قوله: ثم يرد إلخ) أي ثم بعد الحلف يرد مدعي البيع - وهو البائع - عل المشتري الألف. (وقوله: لأنه) أي مدعي البيع، وهو علة لكونه يرد الألف. (قوله: ويسترد) أي البائع. (وقوله: المتصلة والمنفصلة) استشكل رد المنفصلة في صورة الهبة مع اتفاقهما على حدوثها في ملك الراد، بدعواه الهبة وإقرار البائع له بالبيع، فهو كمن وافق على الإقرار له بشئ وخالف في الجهة. قال في التحفة: وأجاب عنه الزركشي بأن دعوى الهبة وإثباتها: لا يستلزم الملك - لتوقفه على القبض بالإذن، ولم يوجد - وفيه نظر، لتأتي ذلك فيما لو ادعى الهبة والقبض، فالوجه الجواب بأنه ثبت بيمين كل أن لا عقد، فعمل بأصل بقاء الزوائد بملك مالك العين. اه.

اختلف العاقدان: فادعى أحدهما اشتمال العقد على مفسد من إخلال ركن أو شرط، كأن ادعى أحدهما رؤيته، وأنكرها الآخر: (حلف مدعي صحة) العقد غالبا، تقديما للظاهر من حال المكلف، وهو اجتنابه للفاسد، على أصل عدمها لتشوف الشارع إلى إمضاء العقود، وقد يصدق مدعي الفساد، كأن قال البائع: لم أكن بالغا حين البيع، وأنكر المشتري، واحتمل ما قاله البائع: صدق بيمينه، لان الاصل: عدم البلوغ. وإن اختلفا: هل وقع الصلح على الانكار أو الاعتراف؟ فيصدق مدعي الانكار: لانه الغالب. ومن وهب في مرضه شيئا، فادعت ورثته غيبة عقله حال الهبة: لم يقبلوا، إلا إن علم له غيبة قبل الهبة، وادعوا استمرارها إليها. ويصدق منكر أصل نحو البيع. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وإذا اختلف العاقدان) أي في صحة العقد وفساده، فادعى أحدهما الصحة والآخر الفساد. وهذا محترز قوله وقد صح العقد باتفاقهما. (قوله: فادعى أحدهما) أي أحد المتعاقدين - بائعا، أو مشتريا -. (قوله: على مفسد) أي للعقد. (قوله: من إخلال ركن) أي فقد ركن، وهو بيان للمفسد. وذلك كعدم وجود القبول من المشتري، أو الإيجاب من البائع. (قوله: أو شرط) أي أو إخلال شرط من شروط صحة العقد. (قوله: كأن ادعى إلخ) تمثيل للإخلال بشرط. (قوله: رؤيته) أي المبيع. (قوله: وأنكرها) أي الرؤية. ويعلم من كلامه: أن الإختلاف في أصل الرؤية، وأن القول قول مثبتها من بائع أو مشتر. قال سم: قال م ر: بخلاف ما لو اختلفا في كيفية الرؤية، فالقول قول الرائي، لأنه أعلم بها - أي كأن ادعى أنه رآه من وراء زجاج، وقال الآخر بل رأيته بلا حيلولة زجاج، فالقول قول مدعي الرؤية من وراء زجاج - كما أفتى به - فليراجع، ففيه نظر. اه. (قوله: حلف مدعي إلخ) جواب إذا التي قدرها الشارح (قوله: غالبا) أي في الغالب. وسيذكر محترزه. (قوله: تقديما للظاهر إلخ) عبارة التحفة: لأن الظاهر في العقود الصحة، وأصل عدم العقد الصحيح يعارضه أصل عدم الفساد في الجملة. اه. (قوله: وهو) أي الظاهر من حال المكلف. (وقوله: على أصل عدمها) متعلق بتقديما، وإضافة أصل لما بعده، للبيان. وضمير عدمها يعود على الصحة. (وقوله: لتشوف الشارع) علة التقديم. (وقوله: إلى إمضاء العقود) أي إنفاذها، وإجرائها، واستمرارها. (قوله: وقد يصدق) مدعي الفساد إلخ) محترز قوله غالبا. (قوله: كأن قال البائع لم أكن بالغا إلخ) أي أو كنت مجنونا، أو محجورا علي، وعرف له ذلك. ففي الجميع، يصدق البائع. (وقوله: واحتمل ما قاله البائع) أي أمكن ما قاله البائع. فإن لم يحتمل ما قاله: كأن كان البيع من منذ خمسة أشهر، وبلوغه من منذ سنة، فلا يصدق، بل يصدق المشتري. (قوله: وإن اختلفا) أي المتخاصمان. ولو قال: وكأن اختلفا - عطفا على كأن قال البائع الخ - لكان أولى. (وقوله: هل وقع الصلح على الإنكار) أي من المدعى عليه، فيكون عقد الصلح باطلا، لأن شرط صحة الصلح أن يكون مع الإقرار. (وقوله: أو الاعتراف) أي أو وقع الصلح على الاعتراف، أي الإقرار من المدعى عليه، فيكون صحيحا. (قوله: فيصدق مدعي الإنكار) أي ويكون الصلح باطلا. (قوله: لأنه الغالب) أي لأن وقوع الصلح على الإنكار هو الغالب. قال في التحفة: أي مع قوة الخلاف فيه، وزيادة شيوعه ووقوعه. وبه يندفع إيراد صور الغالب فيها وقوع المفسد المدعي. ومع ذلك، صدقوا مدعي الصحة فيها. اه. (قوله: ومن وهب إلخ) عبارة التحفة: ويؤخذ من ذلك أن من وهب إلخ. اه. (وقوله: من ذلك) أي من أنه إذا ادعى نحو صبا أمكن، أو جنونا، أو حجر، وعرف له ذلك، فيصدق. (قوله: إلا أن علم له غيبة قبل الهبة إلخ) قال في التحفة: وجزم بعضهم بأنه لا بد في البينة بغيبة العقل إن تبين ما غاب به، أي لئلا تكون غيبته بما يؤاخذ به: كسكر تعدى به. اه. (قوله: وادعوا استمرارها) أي الغيبة. (وقوله: إليها) أي إلى الهبة. (قوله: ويصدق منكر أصل نحو البيع) في العبارة حذف يعلم من عبارة التحفة، ونصها - بعد كلام -: وما لو ادعت أن نكاحها بلا ولي ولا شهود، فتصدق بيمينها، لأن ذلك إنكار لأصل العقد. ومن ثم،

(فروع) لورد المشتري مبيعا معينا معيبا. فأنكر البائع أنه المبيع. فيصدق بيمينه، لان الاصل مضي العقد على السلامة. ولو أتى المشتري بما فيه فأرة، وقال قبضته كذلك، فأنكر المقبض صدق بيمينه. ولو أفرغه في ظرف المشتري، فظهرت فيه فأرة، فادعى كل أنها من عند الآخر: صدق البائع بيمينه إن أمكن صدقه، لانه مدع للصحة، ولان الاصل في كل حادث: تقديره بأقرب زمن. والاصل براءة البائع. وإن دفع لدائنه دينه فرده بعيب، فقال الدافع ليس هو الذي دفعته: صدق الدائن - لان الاصل: بقاء الذمة. ويصدق غاصب رد عينا، وقال هي المغصوبة، وكذا وديع. فصل في القرض والرهن (الاقراض) وهو تمليك شئ على أن يرد مثله (سنة)، لان فيه إعانة على كشف كربة، فهو من السنن ـــــــــــــــــــــــــــــ يصدق منكر أصل نحو البيع. اه. (قوله: فروع) أي ستة. (قوله: مبيعا معينا) خرج به، ما إذا كان المبيع في الذمة - ولو مسلما فيه - بأن قبض المشتري - ولو مسلما - المؤدى عما في الذمة، ثم أتى بمعيب، فقال البائع - ولو مسلما إليه - ليس هذا المقبوض. فيصدق المشتري ولو مسلما بيمينه - أي المقبوض - لأن الأصل بقاء شغل ذمة البائع - ولو مسلما إليه - حتى يوجد قبض صحيح. (قوله: لأن الأصل مضي العقد على السلامة) عبارة التحفة: لأن الأصل السلامة، وبقاء العقد. اه. (قوله: ولو أتى المشتري بما فيه فأرة) في بعض نسخ الخط: بمائع فيه فأرة. (قوله: وقال) أي المشتري، قبضته - أي المائع - (وقوله: كذلك) أي فيه فأرة. (قوله: فأنكر المقبض) أي وهو البائع، وقال قبضته وليس فيه ذلك. (وقوله: صدق) أي المقبض، وذلك لأنه مدعي الصحة. (قوله: ولو أفرغه) أي المائع المبيع. (وقوله: في ظرف المشتري) خرج به ما لو كان في ظرف البائع، فالقول قول المشتري. اه. ع ش. (قوله: فظهرت فيه) أي في الظرف. (قوله: فادعى كل) أي من المتبايعين. (وقوله: أنها) أي الفأرة. (قوله: صدق البائع) جواب لو (قوله: إن أمكن صدقه) أي البائع. فإن لم يمكن صدقه: صدق المشتري. (قوله: لأنه) أي البائع، وهو علة لتصديق البائع. (قوله: ولأن الأصل في كل حادث) أي وهو هنا وجود الفأرة في المبيع. (وقوله: تقديره بأقرب من) أي وكونها في ظرف المشتري أقرب زمنا من كونها كانت في ظرف البائع قبل قبض المشتري. (قوله: والأصل براءة البائع) أي ولأن الأصل براءته، وهو علة ثالثة. (قوله: وإن دفع) أي المدين. (قوله: فرده) أي رد الدائن الدين. (قوله: فقال الدافع) أي وهو المدين. (قوله: ويصدق غاصب) أي بيمينه. (وقوله: رد) أي للمغصوب منه. (وقوله: عينا) أي مغصوبة. (قوله: وقال) أي الغاصب: هي العين المغصوبة، أي وأنكر المغصوب منه ذلك وقال هذه ليست التي غصبتها مني. (قوله: وكذا وديع) أي وكذا يصدق وديع رد العين المودوعة عنده، وقال إنها هي التي عندي، وأنكر ذلك المودع. والله أعلم. فصل في القرض والرهن أي في بيانهما. والقرض - بفتح القاف، وسكون الراء - لغة: القطع. وشرعا: يطلق بمعنى اسم المفعول - وهو المقرض - بمعنى المصدر - وهو الإقراض، الذي هو تمليك الشئ على أن يرد مثله. وتسمية أهل الحجاز: سلفا. والرهن لغة: الثبوت، وشرعا: جعل عين مال وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه. وإنما جمعهما في فصل، لما بينهما من تمام التعلق والارتباط، إذ الرهن وثيقة للقرض. (قوله: الإقراض) عبر به إشارة إلى أن القرض في الترجمة بمعنى الإقراض، لا بمعنى المقرض، الذي هو اسم المفعول. (قوله: وهو) أي الإقراض شرعا. (قوله: تمليك شئ على أن يرد مثله) وما جرت به العادة في زماننا من دفع

الاكيدة، للاحاديث الشهيرة كخبر مسلم من نفس على أخيه كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. والله في عون العبد، ما دام العبد في عون أخيه وصح خبر من أقرض الله مرتين: كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به والصدقة أفضل منه، خلافا لبعضهم. ومحل ندبه: إن لم يكن المقترض مضطرا، وإلا وجب. ويحرم الاقتراض على غير مضطر لم يرج الوفاء من جهة ظاهرة فورا في الحال، وعند الحلول في ـــــــــــــــــــــــــــــ النقوط في الأفراح لصاحب الفرح في يده أو يد مأذونه، هل يكون هبة أو قرضا؟ أطلق الثاني جمع، وجرى على الأول بعضهم. قال: ولا أثر للعرف فيه - لاضطرابه - ما لم يقل خذه مثلا، وينوي القرض. ويصدق في نية ذلك: هو ووارثه، وعلى هذا. يحمل إطلاق من قال بالثاني. وجمع بعضهم بينهما: بحمل الأول على ما إذا لم يعتد الرجوع، ويختلف باختلاف الأشخاص والمقدار والبلاد. والثاني: على ما إذا اعتيد وحيث علم اختلاف تعين ما ذكر. اه. بجيرمي (قوله: سنة) خبر الإقراض، وسيذكر قريبا أنه قد يجب، وقد يحرم. (قوله: لأن فيه إلخ) علة للسنية. (قوله: على كشف كربة) أي إزالة شدة. فالكشف: الإزالة، والكربة: الشدة. اه. بجيرمي. (قوله: فهو إلخ) الأولى عدم التفريع، ويكون مستأنفا، كما في النهابة. (قوله: من نفس) أي فرج. (وقوله: على أخيه) أي في الإسلام. فالمراد: أخوة الإسلام. (قوله: نفس الله عنه كربة) يجوز أن تلك الكربة عشر كرب من كرب الدنيا، لأن أمور الآخرة لا يقاس عليها. فلا يقال كان الأولى أن يقال عشر كرب من كرب يوم القيامة، لأن الحسنة بعشر أمثالها - أو يقال نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، زيادة على ثواب عمله - فذلك التنفيس: كالمضاعفة. اه. ع ش. (قوله: والله إلخ) من تتمة الحديث. (وقوله: في عون العبد) أي قائم بحفظه، ورعايته، ومعونته. (قوله: وصح خبر إلخ) الأولى: وخبر، عطفا على خبر الأول. (قوله: من أقرض لله مرتين إلخ) يعني إنه إذا أقرض درهما مثلا مرتين، كان له أجر صدقة مرة واحدة. (قوله: والصدقة أفضل منه) أي القرض، أي لعدم العوض فيها، وللخبر المار. (قوله: خلافا لبعضهم) أي القائل بأن القرض أفضل، مستدلا بما في سنن ابن ماجة: عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لقد رأيت مكتوبا على باب الجنة - ليلة أسري بي - الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل قد يسأل وعنده ما يكفيه، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة. وبخبر البيهقي: قرض الشئ خير من صدقته. (فإن قيل) هذان الخبران يعارضان الخبر الذي في الشراح - أعني من أقرض إلخ - فكيف يجزم الشارح بأن الصدقة أفضل؟ (أجيب) بأن الخبر الذي في الشرح أصح منهما، فوجب تقديمه عند التعارض. قال في النهاية: ويمكن رد الخبر الثاني - الدال على أفضليته عليها - للأول - أعني من أقرض لله مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به الدال على أفضليتها عليه بحمله - أي الثاني - على درجات صغيرة، بحيث أن الثمانية عشرة فيه تقابل بخمسة في الصدقة. كما في خبر صلاة الجماعة أو بحمل الزيادة في القرض، إن صحت على أنه - صلى الله عليه وسلم - أعلمها بعد. أو يقال: القرض فضل الصدقة باعتبار الابتداء، لامتيازه عنها بصونه ماء وجه من لم يعتد السؤال عن بذله لكل أحد - بخلافها، وهي فضلته - باعتبار الغاية، لامتيازها عنه بأنه لا مقابل فيها ولا بد - بخلافه. وعند تقابل الخصوصيتين قد تترجح الأولى، وقد تترجح الثانية، باعتبار الأثر المترتب. اه. (قوله: محل ندبه) أي الإقراض، فهو مرتبط بالمتن. (قوله: إن لم يكن المقترض مضطرا) أي مدة عدم كونه مضطرا، أي محتاجا (قوله: وإلا) أي بأن كان مضطرا. (وقوله: وجب) أي الإقراض، ولو من مال محجوره. كما يجب عليه بيع مال محجوره للمضطر المعسر، نسيئة. اه. بجيرمي. (قوله: ويحرم الاقتراض) أي ما لم يعلم المقرض بحاله، وإلا فلا يحرم (وقوله: على غير مضطر إلخ) أي بخلاف المضطر - فيجوز أن يقترض - وإن لم يرج الوفاء - بل يجب، حفظا لروحه. (وقوله: لم يرج الوفاء) الجملة صفة لغير المضاف لمضطر. (وقوله: من جهة ظاهرة) أي سبب ظاهر - أي

المؤجل، كالاقراض عند العلم، أو الظن من آخذه أنه ينفقه في معصية. ويحصل (بإيجاب: كأقرضتك) هذا، أو ملكتكه على أن ترد مثله، أو خذه ورد بدله، أو إصرفه في حوائجك ورد بدله، فإن حذف ورد بدله: فكناية. وخذه فقط: لغو، إلا إن سبقه أقرضني هذا، فيكون قرضا، أو أعطني، فيكون هبة. ولو اقتصر على ملكتكه، ولم ينو البدل: فهبة، وإلا فكناية. ولو اختلفا في نية البدل: صدق الدافع، لانه أعرف بقصده. أو في ذكر البدل: صدق الآخذ في عدم الذكر، لانه الاصل. والصيغة ظاهرة فيما ادعاه. ولو قال لمضطر أطعمتك بعوض، ـــــــــــــــــــــــــــــ قريب الحصول - كغلة أرضه وعقاره. فإن رجال الوفاء منها لم يحرم. (قوله: فورا إلخ) منصوب بإسقاط الخافض، متعلقا بالوفاء، أي الوفاء بالفور في الدين الحال، وعند حلوله في المؤجل. (قوله: كالإقراض عند إلخ) أي كحرمة الإقراض إلخ، أي فيحرم الاقتراض لغير المضطر المذكور. كما يحرم الإقراض على المالك عند علمه أو ظنه أن آخذه ينفقه في معصية، وذلك لأن فيه إعانة عليها، وهي حرام. وقد يكره الإقراض. (فالحاصل) أن الإقراض تارة يندب، وتارة يجب، وتارة يحرم، وتارة يكره. فتعتريه أحكام أربعة. قال ع ش: ولم يذكروا الإباحة، ويمكن تصويرها بما إذا دفع إلى غني، بسؤال من الدافع مع مدع احتياج الغني إليه، فيكون مباحا - لا مستحبا - لأنه لم يشتمل على تنفيس كربة. وقد يكون في ذلك غرض للدافع، كحفظ ماله بإحرازه في ذمة المقترض. اه. (قوله: ويحصل بإيجاب إلخ). (اعلم) أن أركان القرض ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة. وقد أخذ في بيان صيغته، فقال: ويحصل بإيجاب - أي من المقرض - وهو على قسمين: صريح - وهو ما ذكره - وكناية: كخذ هذا الدرهم بدرهم، فهو يحتمل البيع والقرض، فإن نوى به البيع فبيع، وإن نوى به القرض فقرض. ومثله: خذه فقط - على ما ستعرفه - (قوله: فإن حذف ورد بدله) أي حذف هذا اللفظ. والظاهر أن حذفه من الصورة الأخيرة فقط. ولا يصح كونه من الصورتين، أعني قوله خذه ورده بدله. وقوله: أو اصرفه في حوائجك ورد بدله. وإلا نافى قوله بعد: وخذه فقط لغو. وقوله: فكناية: أي كناية، قرض، إن نوى به القرض ثبت، وإلا فلا. (قوله: وخذه فقط) أي من غير أن يقول ورد بدله. (وقوله: لغو إلا إن سبقه إلخ) عبارة التحفة تقتضي أنه لا يكون لغوا أصلا، بل إن سبقه لفظ أقرضني فهو كناية قرض، وإلا فهو محتمل لأن يكون كناية قرض، أو كناية هبة، أو كناية بيع. ونصها - بعد كلام -: أو خذه ورد بدله، أو اصرفه في حوائجك ورد بدله، فإن حذف ورد بدله: فكناية - كخذه فقط، أي إن سبقه أقرضني - وإلا فهو كناية قرض، أو بيع، أو هبة. اه. ومثله في البجيرمي، نقلا عن ق ل، ونص عبارته - بعد كلام -: وأما أخذه فقط: فكناية، لأنه يحتمل القرض والصدقة، ونية البدل أو المثل كذكره، ويصدق في إرادتهما إلخ. اه. (قوله: ولو اقتصر على ملكتكه) أي ولم يقل على أن ترد مثله. (قوله: فهبة) أي فهو هبة. (قوله: وإلا فكناية) أي وإلا لم ينو البدل بأن نواه: فكناية، أي كناية قرض، وليس من الصريح. (قوله: ولو اختلفا إلخ) يعني لو اختلف المالك الدافع والآخذ في نية البدل في قوله ملكتك، فقال الآخذ: لم تنو البدل، فهو هبة. وقال الدافع نويت البدل، فهو قرض. فإنه يصدق الدافع، لأنه أعرف بقصد نفسه. (قوله: أو في البدل الخ) معطوف على نية البدل، أي أو اختلفا في ذكر البدل - أي التلفظ به - بأن قال الدافع: قلت ملكتكه على أن ترد بدله. وقال الآخذ: قلت ملكتكه فقط، ولم تذكر على أن ترد بدله. فإنه يصدق الآخذ في عدم الذكر، لأنه الأصل، أي ويكون هبة. (قوله: والصيغة إلخ) علة ثانية لتصديق الآخذ. (وقوله: فيما ادعاه) أي الآخذ، وهو أنه لم يذكر لفظ البدل. (قوله: ولو قال لمضطر إلخ) دفع بهذا ما يرد على تصديق الآخذ في الصورة السابقة، من أنه لم لم يصدق المضطر أيضا في دعواه أنه أطعمه إباحة لا قرضا، وصدق المطعم المالك؟ وحاصل الدفع أن ذلك لأجل حمل الناس على هذه المكرمة. وعبارة

فأنكر، صدق المطعم، حملا للناس على هذه المكرمة ولو قال وهبتك بعوض، فقال مجانا: صدق المتهب. ولو قال اشتر لي بدرهمك خبز، فاشتري له: كان الدرهم قرضا، لا هبة، على المعتمد، (وقبول) متصل به: كأقرضته، وقبلت قرضه. نعم: القرض الحكمي - كالانفاق على اللقيط المحتاج، وإطعام الجائع، وكسوة العاري، لا يفتقر إلى إيجاب وقبول. ومنه أمر غيره بإعطاء ماله غرض فيه: كإعطاء شاعر، أو ظالم، أو إطعام فقير، أو فداء أسير - وعمر داري. وقال جمع: لا يشترط في القرض: الايجاب والقبول واختاره الاذرعي. وقال قياس جواز المعاطاة في البيع: جوازها هنا، وإنما يجوز القرض من أهل تبرع: فيما يسلم فيه من حيوان وغيره ـــــــــــــــــــــــــــــ التحفة: وإنما صدق مطعم مضطر أنه قرض حملا إلخ - وهي أولى. (قوله: حملا للناس على هذه المكرمة) أي الخصلة الحميدة التي بها إحياء النفوس، ولأنه أعرف بكيفية بذله. (قوله: ولو قال) أي الدافع، بعد أن وهب شيئا لآخر. (قوله: فقال) أي المتهب. (وقوله: مجانا) أي بلا عوض. (قوله: صدق المتهب) أي الموهوب له. (قوله: وقبول) معطوف على إيجاب، أي ويحصل بقبول - قياسا على البيع - ومن ثم، اشترط فيه شروط البيع السابقة في العاقدين والصيغة - كما هو ظاهر - حتى موافقة القبول للإيجاب. فلو قال: أقرضتك ألفا، فقبل بخمسمائة، أو بالعكس، لم يصح. اه. تحفة. (وقوله: متصل به) أي بالإيجاب - بأن لا يتخلل بينهما سكوت طويل، ولا لفظ أجنبي - نظير ما مر في البيع - (قوله: كأقرضته) يقرأ بالبناء للمجهول. وفي بعض النسخ: كاقترضته - وهو ظاهر -. (قوله: نعم، إلخ) استدراك من اشتراط الإيجاب والقبول. (وقوله: القرض الحكمي) مبتدأ، خبره قوله لا يفتقر إلى إيجاب وقبول. والمراد أنه في حكم القرض في وجوب رد المثل. (قوله: كالإنفاق على اللقيط المحتاج) أي ممن لا يجب عليه، بأن كان معسرا. بخلاف ما إذا كان موسرا، وكان المنفق عليه معسرا، فلا يكون قرضا. والمراد أيضا: الإنفاق بإذن الحاكم، فإن لم يوجد: أشهد بالإنفاق. فإن لم يوجدوا: أنفق بنية الرجوع، وإلا لم يرجع - كذا في البجيرمي - (قوله: وإطعام الجائع) في ع ش ما نصه: محل عدم اشتراط الصيغة في المضطر: وصوله في حالة لا يقدر معها على صيغة، وإلا فيشترط. ولا يكون إطعام الجائع، وكسوة العاري، ونحوهما، قرضا، إلا أن يكون المقترض غنيا. وإلا بأن كان فقيرا، والمقرض غنيا فهو صدقة - لما تقرر في باب السير - إن كفاية الفقراء واجبة على الأغنياء وينبغي تصديق الآخذ: فيما لو ادعى الفقر، وأنكره الدافع، لأن الأصل عدم لزوم ذمته شيئا (قوله: ومنه) أي القرض الحكمي. (وقوله بإعطاء ما له غرض فيه) أي بإعطاء شئ للآمر غرض في إعطائه. (وقوله: كإعطاء إلخ) أي كالأمر بإعطاء شاعر لغرض دفع الهجو عنه، وإعطاء ظالم لغرض دفع الشر عنه حيث لم يعطه. (وقوله: إطعام فقير) الأحسن أنه هو وما بعده معطوف على قوله بإعطاء إلخ، أي ومنه أمر غيره بإطعام فقير أو بفداء أسير. (وقوله: وعمر داري) الأولى أن يقول وتعمير داري. (واعلم) أنه في الجميع يرجع المأمور على آمره إن شرط الرجوع، وذلك لأن ما كان لازما - كالدين - أو منزل منزلة اللازم - كقول الأسير لغيره: فأدنى - لا يحتاج فيه لشرط الرجوع، وما لم يكن كذلك يحتاج فيه إلى شرط الرجوع. قال ع ش: ويحتمل أنه لا يحتاج لشرط الرجوع فيما يدفعه للشاعر والظالم، لأن الغرض من ذلك دفع هجو الشاعر له حيث لم يعطه، ودفع شر الظالم عنه بالإعطاء، وكلاهما منزل منزلة اللازم. وكذا في عمر داري، لأن العمارة - وإن لم تكن لازمة - لكنها تنزل منزلة اللازم، لجريان العرف بعدم إهمال الشخص لملكه حتى يخرب. اه. (قوله: وقال: قياس جواز المعاطاة في البيع جوازها هنا) قال في النهاية: وما اعترض به الغزي - من أنه سهو، لأن شرط المعاطاة: بذل العوض، أو التزامه في الذمة، وهو مفقود هنا - غير صحيح، بل هو السهو، لأنهم أجروا خلاف المعاطاة في الرهن وغيره مما ليس فيه ذلك. فما ذكره شرط للمعاطاة في البيع دون غيره. اه. (قوله: وإنما يجوز القرض إلخ) شروع في بيان شرط المقرض والمعقود عليه، فبين أنه يشترط في المقرض أن يكون من أهل تبرع فيما يقرضه، فلا يصح إقراض الولي مال محجوره بلا ضرورة، لأنه ليس أهلا للتبرع فيه.

ولو نقدا مغشوشا. نعم. يجوز قرض الخبز، والعجين، والخمير الحامض، لا الروبة، على الاوجه، وهي خميرة لبن حامض، تلقى على اللبن ليروب، لاختلاف حموضتها المقصودة. ولو قال أقرضني عشرة، فقال خذها من فلان، فإن كانت له تحت يده: جاز، وإلا فهو وكيل في قبضها، فلا بد من تجديد قرضها. ويمتنع على ولي قرض مال موليه بلا ضرورة. نعم: يجوز للقاضي إقراض مال المحجور عليه بلا ضرورة، لكثرة أشغاله: ـــــــــــــــــــــــــــــ ومراد المؤلف بأهلية التبرع في المقرض: أهلية التبرع المطلق - أي في سائر التصرفات - لأنه المراد عند الإطلاق، وهي تستلزم رشده واختياره فيما يقرضه، فلا يرد عليه السفيه، فإنه لا يصح إقراضه، مع أنه أهل للتبرع ببعض التصرفات - كصحة الوصية منه، وتدبيره - لأنه ليس أهلا للتبرع المطلق. وبين أيضا أنه يشترط أن يكون المعقود عليه مما يصح أن يسلم فيه، أي في نوعه، فما صح السلم فيه صح إقراضه، وما لا فلا. وذلك لأن ما لا ينضبط أو يندر وجوده، ويتعذر أو يتعسر رد مثله. وترك المصنف شرط المقترض، وهو: الرشد والاختيار. (قوله: حيوان وغيره) بيان لما يسلم فيه. (قوله: ولو نقدا مغشوشا) غاية فيما يسلم فيه، أي كل ما يسلم فيه، ولو نقدا مغشوشا، لأنه مثلي تجوز المعاملة به في الذمة، وإن جهل قدر غشه. وهي للرد على الروياني القائل بعدم صحة إقراضه. (قوله: نعم، يجوز قرض الخبز إلخ) هذا مستثنى من مفهوم قوله إنما يجوز القرض فيما يسلم فيه، وهو أن ما لا يسلم فيه لا يجوز قرضه. فما ذكر - من الخبز وما بعده - يجوز فيه القرض، ولا يجوز فيه السلم. قال في الروض وشرحه: واستثنى جواز قرض الخبز وزنا، لإجماع أهل الأمصار على فعله في الأعصار، بلا إنكار. هذا ما قطع به المتولي والمستظهري وغيرهما. واقتضى كلام النووي ترجيحه، قال في المهمات: والراجح جوازه. وقد اختاره في الشرح الصغير. قال الخوارزمي: ويجوز إقراضه عددا. ثم قال: ويحرم إقراض الروبة، لاختلاف حموضتها. وهي - بضم الراء - خميرة من اللبن الحامض، تلقى على الحليب ليروب. قال في الروضة: وذكر في التتمة وجهين في إقراض الخمير الحامض، أحدهما الجواز - لاطراد العادة به. قال السبكي: والعبرة بالوزن - كالخبز اه. (قوله: لا الروبة) بضم الراء، أي فلا يجوز إقراضها - كما لا يجوز السلم فيها - فهي جاءت على القاعدة. (قوله: وهي) أي الروبة. (وقوله: ليروب) أي ليصير رائبا. (قوله: لاختلاف إلخ) تعليل لعدم جواز القرض فيها. أي لا يجوز القرض فيها لاختلاف حموضتها، فهي ليست مضبوطة. (قوله: ولو قال أقرضني إلخ) المناسب تقديمه على قوله وإنما يجوز القرض إلخ، لأنه من متعلقات الصيغة (قوله: فقال) أي المقرض. (قوله: فإن كانت له تحت يده) أي فإن كانت العشرة ملكا للمقرض، وهي وديعة مثلا تحت يد فلان المأخوذ منه، جاز، وصح القرض بهذه الصيغة، ولا يحتاج إلى تجديدها. (وقوله: وإلا فهو وكيل في قبضها) أي وإن لم تكن وديعة تحت يد فلان، بل كانت في ذمته، صح قبضها بطريق الوكالة عنه، ولكن لا بد من تجديد عقد القرض منه. هكذا ينبغي حل كلام الشارح، ويدل عليه عبارة النهاية، ونصها: ولو قال اقبض ديني، وهو لك قرضا، أو مبيعا، صح قبضه - للإذن - لا قوله وهو إلخ. أو اقبض وديعتي مثلا، وتكون لك قرضا صح، وكان قرضا. وكتب ع ش ما نصه: قوله: وتكون لك قرضا: صح، والفرق بين هذه وما قبلها: أن الدين لا يتعين إلا بقبضه، بخلاف الوديعة. اه. (قوله: ويمتنع على ولي إلخ) أي لأنه ليس من أهل تبرع في مال موليه، فهذا خرج بقوله: من أهل تبرع. (وقوله: بلا ضرورة) خرج ما إذا كان هناك ضرورة، كأن يكون الزمن زمن نهب، وكانت المصلحة في إقراضه، فإنه يجوز حينئذ. (قوله: نعم، يجوز إلخ) استدراك من امتناع الإقراض على

إن كان المقترض أمينا موسرا، (وملك مقترض بقبض) بإذن مقرض، وإن لم يتصرف فيه، كالموهوب. قال شيخنا: والاوجه في النقوط المعتاد في الافراح أنه هبة، لا قرض، وإن اعتيد رد مثله. ولو أنفق على أخيه الرشيد وعياله سنين وهو ساكت: لا يرجع به، على الاوجه، (و) جاز (لمقرض استرداد) حيث بقي ذلك المقترض، وإن ـــــــــــــــــــــــــــــ الولي. فكأنه قال: إلا إذا كان الولي القاضي، فإنه يجوز إقراضه مال المحجور عليه. (قوله: لكثرة أشغاله) أي بأحكام الناس، فربما غفل عن المال، فضاع، فيقرضه ليحفظه عند المقترض. (قوله: إن كان المقترض إلخ) شرط في جواز إقراض القاضي. ويشترط أيضا عدم الشبهة في مال المقترض إن سلم منها مال المحجور عليه. قال م ر: ويجب الإشهاد عليه، ويأخذ رهنا إن رأى ذلك. اه. وهذه الشروط معتبرة في إقراض الولي أيضا، لضرورة. ويرد عليه أن من الضرورة: ما لو كان المقترض مضطرا. وقد نقل عن ابن حجر أنه يجب على الولي إقراض المضطر من مال المولى عليه، مع انتفاء هذه الشروط. ومن الضرورة أيضا: ما لو أشرف مال المولى عليه على الهلاك بنحو غرق، وتعين خلاصه في إقراضه. ويبعد اشتراط ما ذكر في هذه الصورة. اه. بجيرمي. بتصرف. (قوله: وملك مقترض) أي المعقود عليه. فمفعول ملك محذوف - هذا إن قرئ الفعل بالبناء للفاعل، فإن قرئ بالبناء للمجهول فلا حذف، لكن يقرأ مقترض - بصيغة اسم المفعول - أي شئ مقترض. (وقوله: بقبض) أي فلا يجوز له التصرف فيه قبله. (وقوله: وإن لم يتصرف الخ) غاية لكونه يملك بالقبض. أي يملك بالقبض، وإن لم يتصرف فيه المقترض. وهي للرد على الضعيف القائل بأنه إنما يملك بالتصرف فيه المزيل للملك. والمعنى أنه إذا تصرف فيه يتبين به أنه ملكه من حين القبض. (قوله: كالموهوب) الكاف للتنظير، لكونه يملك بالقبض. (قوله: قال شيخنا: والأوجه في النقوط إلخ) عبارة التحفة: والذي يتجه في النقوط المعتاد في الأفراح أنه هبة، ولا أثر للعرف فيه - لاضطرابه - ما لم يقل خذه مثلا، وينوي القرض، ويصدق في نية ذلك هو أو وارثه. وعلى هذا، يحمل إطلاق جمع أنه قرض - أي حكما -. ثم رأيت بعضهم لما نقل قول هؤلاء، وقول البلقيني أنه هبة، قال: ويحمل الأول على ما إذا اعتيد الرجوع به، والثاني على ما لم يعتد. قال: لاختلافه بأحوال الناس والبلاد. اه. وحيث علم اختلافه. تعين ما ذكرته، ويأتي قبيل اللقطة تقييد هذا الخلاف بما يتعين الوقوف عليه. اه. وحاصله أن محله إذا دفع لصاحب الفرح في يده، فإن دفع للخاتن فلا رجوع. وفي حاشية البجيرمي على شرح المنهج: والذي تحرر من كلام الرملي وابن حجر وحواشيهما: أنه لا رجوع في النقوط المعتاد في الأفراح - أي لا يرجع به مالكه إذا وضعه في يد صاحب الفرح، أو يد مأذونه - إلا بشروط ثلاثة: أن يأتي بلفظ: كخذه، ونحوه. وأن ينوي الرجوع، ويصدق هو أو وارثه فيها. وأن يعتاد الرجوع فيه. وإذا وضعه في يد المزين ونحوه، أو في الطاسة المعروفة، لا يرجع إلا بشرطين: إذن صاحب الفرح، وشرط الرجوع - كما حققه شيخنا ح ف. اه. (ولو أنفق على أخيه الرشيد إلخ) عبارة التحفة: ووقع لبعضهم أنه أفتى في أخ أنفق على أخيه الرشيد وعياله سنين وهو ساكت، ثم أراد الرجوع عليه بأنه يرجع، أخذا من القول بالرجوع في مسألة النقوط، وفيه نظر - بل لا وجه له - أما أولا: فلأن مأخذ الرجوع، ثم إطراد العادة به عندهم، ولا عادة في مسألتنا، فضلا عن إطرادها بذلك. وأما ثانيا: فلأن الأئمة جزموا في مسائل بما يفيد عدم الرجوع، منها: من أدى واجبا عن غيره - كدينه بلا إذنه - صح، ولا رجوع له عليه - بلا خلاف - والنفقة على ممون الأخ واجبة عليه، فكان أداؤها عنه كأداء دينه. اه. (قوله: وجاز لمقرض استرداد) أي لما أقرضه، ويكون بصيغة: كرجعت فيه، أو فسخته، وللمقترض رده عليه قهرا. (وقوله: حيث بقي بملك المقترض) أي حيث كان ما أقرضه باقيا بحاله في ملك المقترض - أي لم يتعلق به حق لازم، وإنما جاز له الرجوع فيه - حيث كان

زال عن ملكه ثم عاد على الاوجه، بخلاف ما لو تعلق به حق لازم، كرهن، وكتابة، فلا يرجع فيه حينئذ. نعم: لو آجره رجع فيه، ويجب على المقترض رد المثل في المثلى، وهو النقد والحبوب، ولو نقدا أبطله السلطان، لانه أقرب إلى حقه، ورد المثل صورة في المتقوم، وهو الحيوان، والثياب والجواهر، ولا يجب قبول الردئ عن الجيد، ولا قبول المثل في غير محل الاقراض إن كان له غرض صحيح، كأن كان لنقله مؤنة، ولم يتحملها المقترض، أو كان الموضع مخوفا. ولا يلزم المقترض الدفع في غير محل الاقراض إلا إذا لم يكن لحملة مؤنة، أو له مؤنة وتحملها المقرض، لكن له مطالبة في غير محل الاقراض بقيمة بمحل الاقراض وقت المطالبة فيما لنقله مؤنة ولم يتحلمها المقرض لجوزا الاعتياض عنه. (و) جاز لمقرض (نفع) يصل له من مقترض، كرد الزائد ـــــــــــــــــــــــــــــ كذلك - لأن له تغريم بدله عند الفوات، فالمطالبة بعينه أولى (قوله: وإن زال عن ملكه) أي المقترض، ثم عاد إليه، وذلك لأن الزائل العائد هنا كالذي لم يزل. (قوله: بخلاف ما لو تعلق به) مفهوم قوله حيث بقي إلخ. والمناسب في التقابل، بخلاف ما لو لم يبق بحاله. (قوله: كرهن وكتابة) أي من المقترض في المال المقرض - كأن رهن ما اقترضه أو كاتبه - ومثل ذلك: ما لو تعلق برقبته أرش جناية. (قوله: فلا يرجع) أي المقرض - أي لا يصح رجوعه (وقوله فيه) أي في المقرض. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ تعلق به حق لازم. (قوله: نعم، لو آجره) أي الشئ المقرض، وهو استدراك من الذي تعلق به حق لازم. (قوله: رجع) أي المقرض فيه، أي المؤجر. أي ويأخذه مسلوب المنفعة من غير أجرة له حتى يستوفي المستأجر مدة الإجارة، أو يأخذ بدله، فهو مخير بين أخذه مسلوب المنفعة وبين أخذ البدل. (قوله: ويجب على المقترض رد المثل) أي حيث لا استبدال، فإن استبدل عنه - كأن عوضه عن بر في ذمته ثوبا أو دراهم - فلا يمتنع، لجواز الاعتياض عن غير المثمن. (قوله: وهو) أي المثلي (قوله: ولو نقدا إلخ) أي يجب رد المثل، ولو كان نقدا أبطل السلطان المعاملة به. (قوله: لأنه أقرب إلى حقه) تعليل لوجوب رد المثل، أي يجب ذلك لأن المثل أقرب إلى حق المقرض. (قوله: ورد المثل صورة) معطوف على رد، أي ويجب رد المثل في الصورة، وإن كان ليس مثله حقيقة، وذلك لخبر مسلم: أنه - صلى الله عليه وسلم - استسلف بكرا - أي وهو الثني من الإبل - ورد رباعيا - أي وهو ما دخل في السنة السابعة - وقال: إن خياركم أحسنكم قضاء. (قوله: وهو) أي المتقوم. (قوله: ولا يجب قبول الردئ إلخ) هذا مرتب على محذوف مذكور في المنهج وشرحه، وهو يجب أداء الشئ المقترض صفة ومكانا - كمسلم فيه - فلا يجب قبول الردئ عن الجيد. اه. بتصرف. وكان الأولى التصريح به. (قوله: ولا قبول المثل إلخ) أي ولا يجب قبول المثل في غير محل الإقراض. (قوله: إن كان له) أي للمقرض غرض صحيح، أي في عدم قبوله. (قوله: كأن كان الخ) تمثيل لما إذا كان هناك غرض صحيح. (وقوله: لنقله) أي الشئ المقترض من مكان التسليم إلى مكان الإقراض. (قوله: ولم يتحملها) أي المؤنة المقترض، فإن تحملها، أجبر المقرض على القبول. (قوله: أو كان الموضع مخوفا) أي أو كان له مؤنة وتحملها المقترض، لكن كان الموضع الذي وقع التسليم فيه مخوفا، فلا يجب قبوله فيه (قوله: ولا يلزم المقترض الدفع إلخ) أي لما فيه من الكلفة. (قوله: إلا إذا لم يكن لحمله) أي الشئ المقترض (قوله: لكن له إلخ) استدراك من عدم لزوم المقترض الدفع، دفع به إيهام أنه إذا لم يلزمه ذلك، فليس للمقرض المطالبة بالقيمة أيضا. (قوله: بقيمة بمحل الإقراض) أي قيمة معتبرة بمحل الإقراض، لأنه محل التملك. (وقوله: وقت المطالبة) أي ومعتبرة أيضا وقت المطالبة، لأنه وقت استحقاقها. وإذا أخذ القيمة فهي للفيصولة - لا للحيلولة، حتى لو اجتمعا بمحل الإقراض لم يكن للمقرض ردها وطلب المثل، ولا للمقترض استردادها ودفع المثل. (وقوله: فيما لنقله مؤنة) متعلق بمطالبة. (وقوله: لجواز الاعتياض عنه) أي عن الشئ المقرض، وهو علة لجواز المطالبة بذلك. (قوله: وجاز لمقرض نفع إلخ) قال في فتح الجواد: والأوجه أن الإقراض ممن تعود الزيادة بقصدها: مكروه. اه. (قوله: يصل) أي النفع. (وقوله: له) أي

قدرا أو صفة، والاجود في الردئ (بلا شرط) في العقد، بل يسن ذلك لمقترض، لقوله (ص): إن خياركم: أحسنكم قضاء ولا يكره للمقرض أخذه، كقبول هديته، ولو في الربوي. والاوجه أن المقرض يملك الزائد من غير لفظ، لانه وقع تبعا، وأيضا فهو يشبه الهدية، وأن المقترض إذا دفع أكثر مما عليه، وادعى أنه إنما دفع ذلك ظنا أنه الذي عليه: حلف، ورجع فيه. وأما القرض بشرط جر نفع لمقرض ففاسد، لخبر كل قرض جر منفعة، فهو ربا وجبر ضعفه: مجئ معناه عن جمع من الصحابة. ومنه القرض لمن يستأجر ملكه، أي مثلا بأكثر من قيمته لاجل القرض. إن وقع ذلك شرطا، إذ هو حينئذ حرام إجماعا، وإلا كره عندنا، وحرام عند كثير من ـــــــــــــــــــــــــــــ للمقرض. (وقوله: من مقترض) متعلق بيصل. (قوله: كرد الزائد إلخ) تمثيل للنفع. (وقوله: قدرا) أي كأحد عشر عن عشرة. (وقوله: أو صفة) أي كصحاح عن مكسرة. (وقوله: والاجود في الردئ) هو مندرج في الصفة، فهو من ذكر الخاص بعد العام. (قوله: بلا شرط في العقد) متعلق بجاز، وسيذكر محترزه. (قوله: بل يسن ذلك) أي رد الزائد لمقترض، ومحله: ما لم يقترض لنحو محجوره، أو جهة وقف، وإلا امتنع رد الزائد. (قوله: لقوله - صلى الله عليه وسلم - إلخ) دليل للسنية. وقوله: إن خياركم أحسنكم قضاء خياركم: يحتمل أن يكون مفردا بمعنى الخير، وأن يكون جمعا. (فإن قلت) أحسن كيف يكون خبرا له وهو مفرد؟ (قلت) أفعل التفضيل المضاف لمعرفة، يجوز فيه الإفراد والمطابقة. قال ابن مالك: وتلو ال طبق وما لمعرفة أضيف ذو وجهين عن ذي معرفة (قوله: ولا يكره للمقرض أخذه) أي الزائد. (قوله: كقبول هديته) أي كما أنه لا يكره له قبول هدية المقترض. قال في النهاية: نعم، الأولى كما قاله الماوردي: تنزهه عنها قبل رد البدل. اه. (قوله: ولو في الربوي) غاية لعدم الكراهة. أي لا يكره أخذ الزائد، ولو وقع القرض في الربوي - كالنقد - (قوله: والأوجه أن المقرض يملك الزائد إلخ) أي ولو كان متميزا، كأن اقترض دراهم فردها ومعها نحو سمن. (قوله: من غير لفظ) أي إيجاب وقبول. (قوله: لأنه وقع تبعا) علة لكون الزائد يملك من غير لفظ، أي وإنما يملك كذلك لانه تابع للشئ المقترض. (قوله: وأيضا فهو) أي الزائد. (وقوله: يشبه الهدية) أي وهي تملك من غير لفظ. (قوله: وأن المقترض الخ) معطوف على أن المقرض، أي والأوجه أن المفترض إذا دفع زائدا عما عليه، ثم ادعى أنه دفعه ظانا أن هذا الزائد من جملة الدين، فإنه يحلف، ويرجع بالزائد الذي دفعه. وعبارة ع ش: ويصدق الآخذ في كون ذلك هدية، لأن الظاهر معه، إذ لو أراد الدافع أنه إنما أتى به ليأخذ بدله لذكره. ومعلوم مما صورناه به أنه رد المقرض والزيادة معا، ثم ادعى أن الزيادة ليست هدية، فيصدق الآخذ. أما لو دفع إلى المقرض سمنا - أو نحوه - مع كون الدين باقيا في ذمته، وادعى أنه من الدين - لا هدية - فإنه يصدق الدافع في ذلك. اه. وهي تفيد أنه لا يصدق الدافع إلا في الصورة الثانية فقط. (قوله: حلف) جواب إذا. (وقوله: ورجع فيه) أي الزائد. (قوله: وأما القرض بشرط إلخ) محترز قوله بلا شرط في العقد. (قوله: جر نفع لمقرض) أي وحده، أو مع مقترض - كما في النهاية - (قوله: ففاسد) قال ع ش: ومعلوم أن محل الفساد حيث وقع الشرط في صلب العقد. أما لو توافقا على ذلك ولم يقع شرط في العقد، فلا فساد. اه. والحكمة في الفساد أن موضوع القرض: الإرفاق، فإذا شرط فيه لنفسه حقا: خرج عن موضوعه فمنع صحته. (قوله: جر منفعة) أي شرط فيه جر منفعة. (قوله: فهو ربا) أي ربا القرض، وهو حرام (قوله: وجبر ضعفه) أي أن هذا الخبر ضعيف، ولكن جبر ضعفه. - أي قوى ضعفه - مجئ معناه - أي الخبر - وهو أن شرط جر النفع للمقرض مفسد للقرض. وعبارة النهاية: وروي - أي هذا الخبر - مرفوعا بسند ضعيف، لكن صحح الإمام والغزالي رفعه، وروي البيهقي معناه عن جمع من الصحابة. اه. (قوله: ومنه القرض إلخ) أي ومن ربا القرض: القرض لمن يستأجر ملكه. (وقوله: أي مثلا) راجع للاستئجار - يعني أن الاستئجار ليس قيدا، بل مثالا. ومثله القرض، لمن يشتري ملكه بأكثر من قيمته. (وقوله: لأجل القرض) علة للاستئجار بأكثر من قيمته. (قوله:

العلماء، قاله السبكي، ويجوز الاقراض بشرط الرهن أو الكفيل. ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن، فأقرضه المائة - أو بعضها - كان ضامنا، على الاوجه، للحاجة: كألق متاعك في البحر وعلي ضمانهم وقال البغوي: لو ادعى المالك القرض، والآخذ الوديعة: صدق الآخذ لان الاصل: عدم الضمان، خلافا للانوار. (ويصح رهن) وهو جعل عين يجوز بيعها وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه، فلا يصح رهن وقف ـــــــــــــــــــــــــــــ إن وقع ذلك) أي الاستئجار المذكور، شرطا، أي في صلب العقد. (قوله: إذ هو) أي القرض لمن يستأجر ملكه. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ وقع ذلك شرطا في صلب العقد. (قوله: وإلا كره) أي وإن لم يقع ذلك شرطا في صلب العقد: كره - أي ولا يكون ربا. (قوله: عندنا) أي معاشر الشافعية. (قوله: ويجوز الإقراض بشرط الرهن أو الكفيل) أي أو الإشهاد، وذلك لأنها توثيقات، لا منافع زائدة - فللمقرض إذا لم يوف المقترض بها الفسخ. (فائدة) الشرط الواقع في القرض ثلاثة أقسام: إن جر نفعا للمقرض يكون فاسدا مفسدا للقرض. وإن جر نفعا للمقترض يكون فاسدا غير مفسد له، كأن أقرضه عشرة صحيحة ليردها مكسرة. وإن كان للوثوق - كشرط رهن، وكفيل - فهو صحيح. (قوله: ولو قال: اقرض إلخ) هذه المسألة من فروع الضمان، إلا أنه ذكرها هنا لأن لها مناسبة من جهة أنها مشتملة على القرض. (قوله: كان ضامنا على الأوجه) في شرح البهجة ما نصه: (فرع) لو قال: أقرض هذا مائة وأنا ضامن لها، فأقرضه المائة، أو بعضها، لزمه الضمان. قاله الماوردي. قال الزركشي: ولعله أراد به ما أرادوه بقوله: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، لكن ذاك جوز للحاجة. اه. وما قاله الماوردي هنا - من صحة الضمان - مفرع على القديم. وقال في باب الضمان بعدم صحته - وهو الجديد -، وصححه الناظم كالشخين. اه. (قوله: كألق متاعك في البحر وعلي ضمانه) أي فيكون الآخر ضامنا له إذا ألقي وتلف، لكن يشترط في الضمان أن يقول له ذلك عند الإشراف على الغرق أو القرب منه. ولم يختص نفع الإلقاء بالملقي - كما صرح بذلك في متن المنهاج، في باب الديات - وعبارته مع التحفة هناك: ولو قال لغيره: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، أو على أني ضامن له، فألقاه وتلف، ضمنه المستدعى - وإن لم تحصل النجاة - لأنه التماس لغرض صحيح بعوض، فلزمه. ولو اقتصر على قوله ألق متاعك، ولم يقل وعلي ضمانه، أو على أني ضامن، فلا يضمنه - على المذهب - لعدم الالتزام. وإنما يضمن ملتمس لخوف غرق، فلو قال في الأمن ألقه وعلي ضمانه: لم يضمنه، إذ لا غرض. ولم يختص نفع الإلقاء بالملقي بأن اختص بالملتمس، أو به بالمالك، أو بغيرهما، أو بالمالك وأجنبي، أو بالملتمس وأجنبي، أو عم الثلاثة - بخلاف ما لو اختص بالمالك وحده، بأن أشرفت سفينة وبها متاعه على الغرق، فقال له من بالشط أو سفينة أخرى: ألق متاعك وعلي ضمانه، فلا يضمنه، لأنه وقع لحظ نفسه، فكيف يستحق به عوضا؟ اه. بحذف. (قوله: لو ادعى المالك إلخ) يعني لو اختلف الدافع والآخذ في المال الذي أخذه وقد تلف، فقال الدافع إنه قرض فعليك الضمان، وقال الآخذ إنه وديعة فليس علي شئ، فإنه يصدق الآخذ، لأن الأصل عدم الضمان (وقوله: خلافا للأنوار) أي في قوله إن المصدق المالك. (قوله: ويصح رهن) شروع في القسم الثاني من الترجمة (واعلم) أن الوثائق بالحقوق ثلاثة: شهادة، ورهن، وضمان. فالأولى لخوف الجحد، والآخران لخوف الإفلاس. وأن أركان الرهن أربعة: عاقد، ومرهون، ومرهون به، وصيغة. وقد اشتمل تعريف الرهن المذكور عليها كلها (فقوله: وهو جعل) يشير للعاقد وللصيغة. (وقوله: عين) يشير للمرهون. (وقوله: بدين) يشير للمرهون به. (قوله: وهو) أي الرهن شرعا. أما لغة: فهو الثبوت. وقوله جعل عين:

وأم ولد (بإيجاب وقبول) كرهنت، وأرتهنت ويشترط ما مر في البيع، من اتصال اللفظين، وتوافقهما معنى، ويأتي هنا خلاف المعاطاة (من أهل تبرع)، فلا يرهن ولي - أبا كان، أو جدا، أو وصيا، أو حاكما - مال صبي ومجنون، كما لا يرتهن لهما - إلا لضرورة، أو غطبة ظاهرة، فيجوز له الرهن والارتهان - كأن يرهن على ما ـــــــــــــــــــــــــــــ مصدر مضاف لمفعوله بعد حذف الفاعل، تقديره جعل المالك - أو من قام مقامه - عينا. وخرج بها: الدين، فلا يصح رهنه، ولو ممن هو عليه، لأنه غير مقدور على تسليمه. وخرج أيضا: المنفعة، فلا يصح رهنها، لأن المنفعة تتلف، فلا يحصل بها استيثاق. (وقوله: يجوز بيعها) أي يصح. وخرج به ما لا يصح بيعها - كوقف ومكاتب، وأم ولد - (وقوله: وثيقة بدين) أي ولو منفعة. وخرج بالدين: العين، فلا يصح الرهن على العين - مضمونة كانت: كالمغصوبة والمستعارة، أو غير مضمونة: كمال القراض والمودع - وذلك لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة، فلا يثبت في غيرها، ولأنها لا تستوفى من ثمن المرهون، وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع. (وقوله: يستوفى منها) أي يستوفي ذلك الدين من العين - أي من ثمنها - وهذا ليس من التعريف، بل بيان لفائدته. ومن - في قوله منها - للابتداء، لا للتبعيض، لأنه يقتضي اشتراط أن تكون قيمة العين المرهونة زائدة على الدين، مع أنه لا يشترط. (وقوله: عند تعذر وفائه) متعلق بيستوفى، وهو ليس بقيد. والضمير - في وفائه - عائد على جنس الدين، الصادق ببعضه. - كذا في البجيرمي -. (قوله: فلا يصح رهن وقف وأم ولد) أي لأنه لا يجوز بيعهما. (قوله: بإيجاب وقبول) متعلق بيصح، وهو بيان للصيغة - التي هي أحد أركان الرهن السابقة -. ومثل الإيجاب: الاستيجاب - كارهني. (قوله: كرهنت) هذا هو الإيجاب. (وقوله: وارتهنت) هذا هو القبول. (قوله: ويشترط ما مر في البيع) وذلك لأنه عقد مالي، مثل البيع. (قوله: من اتصال اللفظين) بيان لما مر. والمراد باتصالهما: عدم تخلل كلام أجنبي أو سكوت طويل بينهما. والمراد باللفظين: الإيجاب، والقبول - وهما جزآ الصيغة. ومما مر أيضا في البيع: عدم التعليق، وعدم التأقيت. (قوله: وتوافقهما معنى) أو ومن التوافق بين اللفظين في المعنى، فلو اختلفا فيه - كأن قال رهنتك هذا بألف فقبل بخمسمائة، أو قال رهنتك هذين فقيل أحدهما - لم يصح. وفي ع ش ما يخالفه، وعبارته: قوله: كنظيره في البيع - يفيد أنه لو قال رهنتك هذين فقبل أحدهما: لم يصح العقد - نظير ما مر في القرض -. وقد يفرق بأن هذا تبرع محض، فلا يضر فيه عدم موافقة القبول للإيجاب - كالهبة - وقياسه أيضا أنه لو قال رهنتك هذا بألف فقبل بخمسمائة: الصحة. اه. بحذف. (قوله: ويأتي هنا) أي في الرهن. (وقوله: خلاف المعاطاة) أي الخلاف في جواز البيع بالمعاطاة، فأجازها بعضهم هنا ومنعها آخرون. قال في المغني: وصورة المعاطاة هنا - كما ذكره المتولي - أن يقول أقرضني عشرة لأعطيك ثوبي هذا رهنا، فيعطي العشرة، ويقبضه الثوب. اه. (قوله: من أهل تبرع) متعلق بمحذوف صفة لما قبله، أي إيجاب وقبول صادرين من أهل تبرع، أو متعلق بيصح، أي يصح رهن من أهل تبرع - وهذا بيان للركن الثاني، وهو العاقد، موجبا كان أو قابلا -. والمراد بأهلية التبرع: أهلية التبرع المطلق، وهي تستلزم الرشد والاختيار - كما تقدم في القرض - فيخرج الصبي، والمجنون، والمحجور عليه بالسفه، والمكره. (قوله: فلا يرهن ولي) مفرع على المفهوم، وإنما لم يصح رهنه لأنه يحبسه من غير عوض، وهو لا يصح. (قوله: أو جدا) أي عند فقد الأب. (وقوله: أو وصيا) أي عمن تأخر موته منهما. (وقوله: أو حاكما) أي عند فقد الثلاثة. اه. بجيرمي. (قوله: مال صبي ومجنون) أي أو سفيه، ولو قال: مال محجوره لكان أولى. (قوله: كما لا يرتهن لهما) أي لا يجوز رهن الولي مال موليه - كما أنه لا يجوز له ارتهانه - وذلك لأنه في حالة الاختيار لا يصح أن يبيع مال موليه إلا بحال مقبوض، ولا يقرض إلا القاضي - كما مر - (قوله: إلا لضرورة إلخ) استثناء من عدم جواز الرهن والارتهان، فهو مرتبط بما قبل التنظير وما بعده. (قوله: أو غبطة ظاهرة) احترز بذلك عما لو اشترى متاعا بمائة مؤجلة، وهو يساوي مائة حالة، فإن الغبطة في هذه الصورة موجودة، لكنها لا تظهر لكل أحد. عزيزي، وعبارة الشوبري: أو غبطة ظاهرة، سيأتي في شركة أن الغبطة: مال له وقع - أي قدر - لا يتسامح أي لا يتساهل به. فانظر ما مفاد قوله ظاهرة؟ ويجاب بأن معنى قوله ظاهرة: أي محققة للولي. اه بجيرمي.

يقترض لحاجة المؤنة ليوفي مما ينتظر من الغلة أو حلول الدين، وكأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه، للزوم الارتهان حينئذ (ولو) كان العين المرهونة جزءا مشاعا، أو (عارية)، وإن لم يصرح بلفظها، كأن قال له مالكها: ارهنها بدينك لحصول التوثق بها. ويصح إعارة النقد لذلك، على الاوجه، وإن ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: فيجوز له) أي للولي، وهو تفريع على الاستثناء. (قوله: كأن يرهن إلخ) مثل للرهن والارتهان للضرورة، ولم يمثل لهما للغبطة. فمثال الرهن لها: أن يرهن ما يساوي مائة على ثمن ما اشتراه بمائة نسيئة، وهو يساوي مائتين. ومثال الارتهان لها: أن يرتهن على ما يبيعه نسيئة بمائتين، وهو يساوي مائة. قال في فتح الجواد: وشرط صحة بيعه نسيئة - مع ما ذكر من غبطة وارتهان - أمانة مشتر، وغناء ووفاء الرهن بالثمن، وقصر الأجل، وكذا إشهاد عند جماعة - وهو متجه مدركا، لكن الجمهور على أنه لا بطلان بتركه. اه. (قوله: ما يقترض) بالبناء للفاعل، العائد محذوف ويصح بالبناء للمجهول، وعليه لا حذف وقوله لحاجة المؤنة الإضافة للبيان والمراد الحاجة الشديدة ليلائم قوله إلا لضرورة، وبهذا يندفع ما يقال الحاجة أعم من الضرورة، فإنها تشمل التفكه وثياب الزينة مثلا. اه. بجيرمي بالمعنى. (قوله: ليوفي) أي ما يقترض، فهو بالبناء للمجهول. ويصح بالبناء للفاعل، ومفعوله محذوف، أي ليوفي المقترض ما اقترضه. (وقوله: مما ينتظر) أي يترقب. وهو أيضا بالبناء للمجهول، ويصح بالبناء للفاعل، والعائد محذوف. (وقوله: من الغلة أو حلول الدين) بيان لما. (قوله: وكأن يرتهن) معطوف على كأن يرهن. (وقوله: على ما يقرضه) أي من مال محجوره. (وقوله: أو يبيعه) معطوف على يقرضه. أي أو يرتهن على ما يبيعه من مال محجوره. ويشترط أيضا: كون المشتري أمينا - إلى آخر ما مر آنفا - (قوله: لضرورة نهب) متعلق بيقرضه ويبيعه. (وقوله: أو نحو) أي نحو النهب، كالسرقة. (قوله: للزوم الارتهان حينئذ) أي حين إذا أقرض أو باع مال الصبي لضرورة النهب أو غيره. ولا يظهر هذا التعليل لما قبله، لأن ما قبله تمثيل لجواز الارتهان للضرورة، فينحل المعنى بجواز الارتهان على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة، للزوم الارتهان حينئذ، ولا يخفى ما فيه. وعبارة المنهاج: فلا يرهن الولي مال الصبي والمجنون، ولا يرتهن لهما، إلا لضرورة، أو غبطة ظاهرة. قال في التحفة: فيلزمه الارتهان بالثمن، وهي ظاهرة. ولو أخر الشارح قوله: فيجوز له الرهن والارتهان - عن المثال الثاني، ثم أضرب وقال: بل يلزمه الارتهان حينئذ - لكان أولى. ثم إنه سيأتي للشارح - في فصل الحجر - تقييد لزوم الإرتهان: بما إذا لم يكن المشتري موسرا. ونص عبارته هناك: وله بيع ماله نسيئة لمصلحة، وعليه ارتهان بالثمن رهنا وافيا إن لم يكن المشتري موسرا. انتهت. (قوله: ولو كانت العين إلخ) غاية لمقدر، وهي للتعميم. والمعنى يصح الرهن بعين، ولو كانت جزءا مشاعا بين الراهن وغيره - كأن كان يملك ربع دار مشاعا: أي ليس معينا فرهنه، فإنه يصح، وقبضه يكون بقبض الجميع - كما في البيع - فيكون بالتخلية في غير المنقول، وبالنقل في المنقول. ويجوز رهنه على الشريك، وعلى غيره، ولا يحتاج لإذن الشريك إلا في المنقول، فإن لم يأذن ورضي المرتهن كونه بيده: جاز، وناب عنه في القبض، وإلا أقام الحاكم عدلا يكون في يده لهما. ولو اقتسما فخرج المرهون لشريكه: لزمه قيمته رهنا، لأنه حصل له بدله. (قوله: أو عارية) أي ولو كانت ضمنية، كارهن عبدك عني على ديني ففعل، فإنه كما لو قبضه ورهنه. اه. تحفة ونهاية. قال ع ش: يشير بهذا إلى أنه لا يشترط كون المرهون ملكا للراهن، بل يصح، ولو معارا. اه. (واعلم) أن عقد العارية بعد الرهن في قول: إنه عارية - أي باق على حكمها - وفي قول: إنه ضمان دين في رقبة ذلك الشئ، لأن الانتفاع إنما يحصل بإهلاك العين ببيعها في الدين، فهو مناف لوضع العارية، وهذا القول هو الأظهر - كما في المنهاج. (قوله: وإن لم يصرح بلفظها) أي العارية، أي فلا يشترط أن يقول للمالك أعرني هذه لأرهنها، أو يقول هو

منعنا إعارته لغير ذلك، فيصح رهن معار بإذن مالك بشرط معرفته المرتهن، وجنس الدين وقدره. نعم، في الجواهر لو قال له ارهن عبدي بما شئت: صح أن يرهنه بأكثر من قيمته. ولو عين قدرا فرهن بدونه: جاز، ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن العارية، فلو تلف في يد الراهن، ضمن لانه مستعير الآن، اتفاقا، أو في يد المرتهن: فلا ضمان عليهما، إذ المرتهن أمين، ولم يسقط الحق عن ذمة الراهن. نعم: إن رهن فاسدا: ضمن بالتسليم، على ما قاله غير واحد، ويباع المعار بمراجعة مالكه عند حلول الدين، ثم يرجع المالك على الراهن ـــــــــــــــــــــــــــــ للراهن: أعرتك هذه لترهنها. (قوله: كأن قال إلخ) تمثيل لعدم التصريح بلفظ العارية. (وقوله: له) أي للراهن. (وقوله: مالكها) أي العارية. (قوله: لحصول التوثيق بها) أي بالعارية. وهو علة لجواز كون العين المرهونة عارية، أي وإنما جاز رهن العارية لحصول التوثق الذي هو المقصود من الرهن بها. (قوله: ويصح إعارة النقد لذلك) أي للرهن. قال ع ش: ثم بعد حلول الدين - إن وفى المالك: فظاهر، وإن لم يوف: بيعت الدراهم بجنس حق المرتهن إن لم تكن من جنسه، فإن كانت من جنسه جعلها له عوضا عن دينه بصيغة تدل على نقل الملك. اه. (قوله: وإن منعنا إعارته) أي النقد. (وقوله: لغير ذلك) أي الرهن، كإعارته للنفقة، أو ليصرفه في مشترى عين. (قوله: فيصح رهن معار إلخ) تفريع على أو عارية. (وقوله: بإذن مالك) أي في الرهن، فلو لم يأذن المالك فيه لا يصح رهنه. (قوله: بشرط معرفته) أي المالك. (وقوله: المرتهن) مفعول المصدر، ومعرفته تكون بعينه أو اسمه ونسبه - لا بوصفه فقط - كما هو ظاهر. (وقوله: وجنس الدين) أي وبشرط معرفته جنس الدين، كذهب، وفضة. (وقوله: وقدره) أي كعشرة، ومائة. ولا بد من معرفته صفته أيضا - كحلول، وتأجيل، وصحة، وتكسير - وذلك لاختلاف الأغراض بذلك. (قوله: نعم، في الجواهر) تقييد لاشتراط معرفته جنس الدين وقدره، فكأنه قال: محل اشتراط ما ذكر: ما لم يفوض الأمر إلى خيرة المدين، وإلا لم يشترط ذلك. (وقوله: صح أن يرهنه بأكثر من قيمته) قال في التحفة: ويؤيده ما يأتي في العارية من صحة انتفع به بما شئت. لكن قال سم: سيأتي في العارية أن المعتمد في انتفع به بما شئت، إنه يتقيد بالمعتاد في مثله، فقياسه أنه يتقيد هنا بما يعتاد رهن مثله عليه. اه. وفرق ع ش: بأن الانتفاع في المعار بغير المعتاد يعود منه ضرر على المالك، بخلاف الرهن بأكثر من قيمته لا يعود ضرر عليه، إذ غايته أن يباع في الدين، وما زاد على ثمنه باق في ذمة المستعير. اه. (قوله: ولو عين قدرا إلخ) استثناء من محذوف - كما يعلم من عبارة شرح المنهج - تقديره: وإذا عين المالك للمستعير جنس الدين وقدره وصفته لم تجز مخالفته أي ويستثنى من ذلك ما لو عين له قدرا فرهن بدونه، فإنه يجوز. (وقوله: فرهن بدونه) أي من جنسه. فلو استعاره ليرهنه على مائة دينار، فرهنه على مائة درهم، لم يجز. اه. س ل. بجيرمي. (قوله: ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن) أي وإلا لم يكن لهذا الرهن معنى، إذ لا وثوق به. وأفهم جواز الرجوع قبل قبضه - وهو كذلك - لعدم لزومه قبله. (قوله: فلو تلف) أي المعار في في يد الراهن. قال سم: هو شامل لما قبل الرهن ولما بعد انفكاكه. وعبارة العراقي في شرح البهجة: أما لو تلف في يد الراهن قبل الرهن، أو بعده: فإنه يجب عليه ضمانه. اه. (وقوله: ضمن) أي الراهن. (وقوله: لأنه مستعير) أي والعارية مضمونة. (وقوله: الآن) أي إذا كان المعار في يده. (قوله: أو في يد المرتهن) أي أو تلف في يد المرتهن. (قوله: فلا ضمان عليهما) أي على الراهن والمرتهن. ومحله: ما لم يقصرا. فإن قصرا ضمنا. (وقوله: إذ المرتهن أمين) علة لعدم تضمين المرتهن. (وقوله: ولم يسقط الحق عن ذمة الراهن) علة لعدم تضمين الراهن. اه. ع ش. (قوله: نعم، إن رهن فاسدا) أي بأن فقد شرط من الشروط السابقة. (وقوله: ضمن بالتسليم) أي ضمن الراهن بتسليم المعار للمرتهن. قال في التحفة بعده: أي لأن المالك لم يأذن فيه، ولأنه مستعير، وهو ضامن ما دام لم يقبضه عن جهة رهن صحيح، ولم يوجد. ويلزم من ضمانه تضمين المرتهن، لترتب يده على يد ضامنه، ويرجع عليه إن لم يعلم الفساد، وكونها مستعارة.

بثمنه الذي بيع به (لا) يصح (بشرط ما يضر) الراهن، أو المرتهن: (كأن لا يباع) أي المرهون، عند المحل، أي وقت حلول الدين، أو إلا بأكثر من ثمن المثل، (وكشرط منفعته) أي المرهون (لمرتهن) كأن يشرطا أن الزوائد الحادثة - كثمر الشجر - (مرهونة) فيبطل الرهن في الصور الثلاث، (ولا يلزم) الرهن كالهبة (إلا بقبض) ـــــــــــــــــــــــــــــ وأفتى بعضهم بعدم ضمانه، محتجا بأنه إذا بطل الخصوص - وهو التوثقة هنا - لا يبطل العموم، وهو إذن المالك بوضعها تحت يد المرتهن. اه. (قوله: ويباع المعار بمراجعة مالكه) أي يبيعه الحاكم بمراجعة مالكه لعله يفديه، فإن لم يأذن في بيعه، بيع قهرا عليه. (تنبيه) ألغز العلامة الدميري هنا فقال: لنا مرهون يصح بيعه جزما بغير إذن المرتهن. وصورته: استعار شيئا ليرهنه بشروطه ففعل، ثم اشتراه المستعير من المعير بغير إذن المرتهن لعدم تفويت الوثيقة، وهو الأوجه - خلافا للبلقيني - حيث تردد. وقد نظم ذلك بعضهم بقوله: عين لنا مرهونة قد صححوا بيعا لها من غير إذن المرتهن ذاك معار باعه المعير من من استعار للرهان فارتهن (قوله: ثم يرجع إلخ) أي ثم بعد بيعه في الدين يرجع المالك عل الراهن المستعير بالثمن الذي بيع به. قال في المغني: لانتفاع الرهن به - سواء أبيع بقيمته، أم بأكثر، أم أقل بقدر يتغابن الناس بمثله - هذا على قول الضمان. وأما على قول العارية: فيرجع بقيمته إن بيع بها، أو بأقل - وكذا بأكثر - عند الأكثرين. اه. (قوله: لا يصح) أي الرهن بمعنى العقد. (قوله: بشرط ما يضر الراهن أو المرتهن) أي بشرط شئ يضر الراهن أو المرتهن - أي أو كليهما - فأو: مانعة خلو، فتجوز الجمع. وخرج بذلك: ما لا يضرهما أو أحدهما كأن شرط فيه مقتضاه - كتقدم مرتهن بالمرهون عند تزاحم الغرماء - أو شرط ما فيه مصلحة له - كإشهاد به، أو شرط ما لا غرض فيه - كأن يأكل العبد المرهون كذا، فإنه يصح عقد الرهن في الجميع، ويلغو الشرط في الأخير. (قوله: كأن لا يباع) أي أصلا، وهو تمثيل لما يضر المرتهن. (وقوله: عند المحل) هو بكسر الحاء. (قوله: أو أكثر) أي أولايباع عند المحل إلا بأكثر من ثمن المثل، وهو أيضا تمثيل لما يضر المرتهن. (قوله: وكشرط منفعته إلخ) هذا مثال لما يضر الراهن، ولذلك أعاد الكاف. وإنما كان مضرا به لأن منافع المرهون - كسكنى الدار، وركوب الدابة - مستحقة للراهن، فإذا شرطت للمرتهن أضر بالراهن. (قوله: كأن يشرطا) الموافق لقوله بعد في الصور الثلاث أن يزيد واو العطف، بأن يقول: وكأن يشرطا إلخ. وعبارة المنهج وشرحه: كأن لا يباع عند المحل، وكشرط منفعته - أي المرهون للمرتهن - أو شرط أن تحدث زوائده - كثمر الشجرة، ونتاج الشاة - مرهونة. اه. (قوله: مرهونة) خبر أن، أي شرطا أن الزوائد التي تحدث تكون مرهونة أيضا في الدين. (قوله: فيبطل الرهن في الصور الثلاث) هي قوله كأن لا يباع، وقوله كشرط منفعته، وقوله كأن يشرطا إلخ. وإنما بطل فيها: لإخلال الشرط في الأولى بالغرض من الرهن الذي هو البيع عند المحل، ولتغيير قضية العقد في الثانية. وذلك لأن قضية العقد أن تكون منافع المرهون للراهن، لأن التوثق إنما هو بالعين. ولجهالة الزوائد وعدمها في الثالثة. ومحل البطلان في الثانية: ما لم تقدر المنفعة بمدة كسنة - وكان الرهن مشروطا في بيع، فإن كان كذلك، فلا بطلان - بل هو جمع بين بيع وإجارة. وصورة ذلك أن يقول بعتك هذا العبد بمائة، على أن ترهنني به دارك هذه، ويكون سكناها إلى سنة فيقبل الآخر. (قوله: ولا يلزم الرهن) أي من جهة الراهن فقط، لأنه من جهة المرتهن جائز مطلقا. (وقوله: إلا بقبض) أي لقوله تعالى: * (فرهان مقبوضة) * (1) فلو لزم بدون القبض لم يكن للتقييد به فائدة، ولأنه عقد تبرع يحتاج إلى القبول، فلا يلزم إلا بالقبض - كالهبة -. ولا ترد الوصية، لأنها إنما تحتاج إلى القبول فيما إذا كان الموصى له معينا. اه. شرح

_ (1) سورة البقرة، الاية: 238.

بما مر في قبض المبيع (بإذن) من راهن يصح تبرعه، ويحصل الرجوع عن الرهن قبل قبضه بتصرف يزيل الملك كالهبة، والرهن لآخر، ولا بوطئ، وتزويج، وموت عاقد، وهرب مرهون. (واليد) في المرهون (لمرتهن) بعد لزوم الرهن غالبا (وهي) على الرهن (أمانة) أي يد أمانة، ولو بعد البراءة من الدين، فلا يضمنه المرتهن إلا ـــــــــــــــــــــــــــــ الروض. (وقوله: بما مر إلخ) أي ويكون القبض هنا بمثل ما مر في قبض المبيع - من النقل في المنقول، والتخلية في غيره. (قوله: بإذن من راهن) متعلق بمحذوف صفة لقبض، أي قبض كائن بإذن من راهن، أي أو إقباض منه. ولكل من الراهن والمرتهن إنابة غيره في القبض والإقباض، ما لم يلزم اتحاد القابض والمقبض. فلو أذن الراهن لغيره في الإقباض امتنعت إنابته في القبض. وكذلك يمتنع على المرتهن أن ينيب الراهن في القبض، كأن يقول المرتهن للراهن: أنبتك عني في القبض. (وقوله: يصح تبرعه) أي تبرعا مطلقا. وصحة التبرع لا تكون إلا من بالغ، عاقل، رشيد، مختار - كما تقدم - فخرج به حينئذ: الصبي، والمجنون، والمحجور عليه، والمكره، فلا يصح إذنهم في القبض. (قوله: ويحصل الرجوع عن الرهن قبل قبضه بتصرف يزيل الملك) أما بعض القبض فلا رجوع به، لعدم نفوذ التصرف منه بعده. وسيبين هذا بقوله بعد: وليس للمالك بعد لزوم الرهن بيع ووقف إلخ. (قوله: كالهبة) تمثيل ما يزيل الملك. وقيد في المنهاج والمنهج الهبة بكونها مقبوضة. وقال في المغني: تقييده تبعا للرافعي الهبة والرهن وبالقبض يقتضي أن ذلك بدون قبض لا يكون رجوعا. والذي نقله السبكي وغيره على النص: أنه رجوع، وهو المعتمد. وقال الأذرعي: والصواب على المذهب حذف لفظ القبض في الهبة والرهن جميعا، لأنها زيادة موهمة. اه. (قوله: والرهن لآخر) ظاهره أنه معطوف على الهبة، فيفيد حينئذ أن الرهن مزيل للملك، وليس كذلك. وعبارة غيره: ويحصل الرجوع بتصرف يزيل الملك - كهبة لزوال محل الرهن، وبرهن - لتعلق حق الغير به -. اه. فأعاد العامل إشارة إلى استقلاله، وعدم عطفه على هبة. فكان الأولى للشارح أن يصنع كصنيعه. (قوله: لا بوطئ إلخ) أي لا يحصل الرجوع بوطئ وتزويج - أي لعدم منافاتهما للرهن - لأن الوطئ من قبيل الاستخدام، والتزويج لا تعلق له بمورد الرهن، بل رهن المزوج ابتداء: جائز - سواء كان المزوج عبدا أو أمة -. ومعنى كون هذه المذكورات لا يحصل بها رجوع: أن الرهن لا ينفسخ بها، بل هو باق بحاله. ومحل عدم الرجوع بالوطئ: إذا لم يحصل منه إحبال، وإلا حصل الرجوع به. (قوله: وموت عاقد) أي ولا يحصل الرجوع بموت عاقد من راهن، أو مرتهن، أو وكيلهما، أو وكيل أحدهما. (قوله: وهرب مرهون) أي ولا يحصل الرجوع بهرب المرهون. قال ع ش: وظاهره وإن أيس من عوده. وينبغي - في هذه - أن له مطالبة الراهن بالدين، حيث حل، لأنه في هذه الحالة يعد كالتالف. اه. (قوله: واليد في المرهون لمرتهن) المراد من اليد: اليد الحسية - أي كونه في حرزه، وفي بيته مثلا - لا الشرعية: أي كونه في سلطنته وفي ولايته، بحيث يمتنع على الراهن التصرف فيه بما يزيل الملك أو ينقصه بغير إذن المرتهن، وإلا لم يكن للتقييد - بقوله غالبا - فائدة، لأن اليد الشرعية على المرهون للمرتهن دائما، حتى في الصور الخارجة به. كذا في البجيرمي. (قوله: بعد لزوم الرهن) أي وهو يحصل بالقبض - كما مر - (قوله: غالبا) أي ومن غير الغالب قد لا تكون اليد للمرتهن - كما لو رهن مسلما أو مصحفا عند كافر، أو سلاحا عند حربي - فإنه يوضع عند من يصح تملكه لها. وكما لو رهن جارية تشتهي عند أجنبي فتوضع عند امرأة ثقة. وكما لو شرطا وضعه عند ثالث. (قوله: وهي) أي يد المرتهن. (وقوله: أمانة) أي لا يلزم ضمانه. فلو شرط كونه مضمونا على المرتهن لم يصح الرهن. واستثنى البلقيني من هذه القاعدة - تبعا للمحاملي - ثمان مسائل يكون فيها الضمان على المرتهن. الأولى: مغصوب تحول رهنا عند غاصبه. الثانية: مرهون تحول غصبا عند مرتهنه. الثالثة: مرهون تحول عارية عند مرتهنه. الرابعة: عارية تحولت رهنا عند مستعيرها. الخامسة: مقبوض سوما تحول رهنا عند سائمه. السادسة: مقبوض ببيع فاسد تحول رهنا عند قابضه. السابعة: أن يقبله في بيع شئ ثم يرهنه منه قبل قبضه. الثامنة: أن يخالعها على شئ ثم يرهنه منها قبل القبض. وإنما ضمن في هذه المسائل لوجود مقتضيه، والرهن ليس بمانع. اه. نهاية. بتصرف.

بالتعدي: كأن امتنع من الرد بعد سقوط الدين (وصدق) أي المرتهن (كالمستأجر في) دعوى (تلف) بيمينه (لا في رد) لانهما قبضا لغرض أنفسهما، فكانا كالمستعير، بخلاف الوديع، والوكيل، ولا يسقط بتلفه شئ من الدين. ولو غفل عن نحو كتاب، فأكلته الارضة، أو جعله في محل هو مظنتها، ضمنه لتفريطه. (قاعدة) وحكم فساد العقود إذا صدر من رشيد، حكم صحيحها في الضمان وعدمه، لان صحيح العقد ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ولو بعد البراءة من الدين) غاية لكون اليد على الرهن أمانة. (قوله: فلا يضمنه المرتهن) مفرع على كونه أمانة. (قوله: إلا بالتعدي) أي لا يضمنه إلا إن تعدى وتسبب في تلفه. (قوله: كأن امتنع إلخ) تمثيل للتعدي، أي وكأن ركب الدابة وحمل عليها أو استعمل الإناء، فيضمنه حينئذ لخروجه عن الأمانة. (قوله: بعد سقوط الدين) أي وبعد المطالبة. أما بعد سقوطه وقبل المطالبة فهو باق على أمانته. اه. نهاية. (قوله: وصدق إلخ) أي من غير ضمان، وإلا فالغاصب والمستعير يصدق أيضا بيمينه في دعوى التلف، لكن مع الضمان. (قوله: كالمستأجر) الكاف للتنظير، أي فإنه يصدق أيضا فيما ذكر. (قوله: في دعوى تلف بيمينه) أي على التفصيل الآتي في الوديعة. وحاصله أنه يحلف في تلفها مطلقا - أي من غير ذكر سبب - أو بذكر سبب خفي كسرقة أو ظاهر كحريق عرف - دون عمومه - فإن عرف عمومه، ولم يتهم: فلا يحلف. وإن جهل السبب الظاهر طولب ببينة بوجوده، ثم يحلف أنها تلفت به. (قوله: لا في رد) أي لا يصدق المرتهن كالمستأجر في دعوى رد، أي لما قالوه - من أن كل أمين ادعى الرد على من ائتمنه صدق بيمينه إلا المرتهن والمستأجر - لأن كلا منهما يقبض لغرض نفسه. والفرق بين الرد وبين التلف - حيث يصدقان فيه - أن التلف غالبا لا يتعلق باختيارهما، فلا يتمكنان من إقامة البينة عليه، فيعذران. بخلال الرد، فإنه يتعلق باختيارهما، فلا تتعذر فيه البينة. (قوله: لأنهما) أي المرتهن والمستأجر. (وقوله: قبضا لغرض أنفسهما) أي وهو التوثق بالنسبة للمرتهن، والانتفاع بالمؤجر بالنسبة للمستأجر. (وقوله: فكانا كالمستعير) أي في عدم تصديقه في دعوى الرد، لكون قبضه لغرض نفسه، وهذا قياس أدنى - لأن المستعير ليس بأمين، بل هو ضامن - (قوله: بخلاف الوديع والوكيل) أي وسائر الأمناء، فإنهم يصدقون في دعوى الرد أيضا، لأنهم لم يقبضوا لغرض أنفسهم. (قوله: ولا يسقط بتلفه) أي المرهون شئ من الدين، بل يجب عليه دفع جميعه لصاحبه الذي هو المرتهن، خلافا للحنفية، والمالكية - حيث قالوا يسقط بتلفه قدره من الدين - بناء على أنه من ضمان المرتهن. (قوله: ولو غفل عن نحو كتاب) أي كصوف. (وقوله: فأكلته الأرضة) أي الدودة. (قوله: أو جعله) أي نحو الكتاب، وهو معطوف على غفل. (قوله: هو) أي ذلك المحل. (وقوله: مظنتها) أي الأرضة. قال في القاموس: مظنة الشئ - بكسر الظاء - موضع يظن فيه وجوده. اه. (قوله: ضمنه) جواب لو، وضميره يعود على نحو الكتاب - الذي أكلته الأرضة - (وقوله: لتفريطه) أي المرتهن، وهو علة الضمان. (قوله: قاعدة) أي في بيان أن فاسد العقود كصحيحها. (قوله: وحكم فاسد العقود إذا صدر من رشيد) قال البجيرمي: بأن كان كل من العاقدين رشيدا - أي غير محجور عليه - فيشمل السفيه المهمل. والمراد صدر من رشيد مع رشيد، فلو صدر مع سفيه فلا يضمن السفيه مطلقا. اه. وقال سم: اعترض بعضهم التقييد بالرشيد بأنه لا حاجة إليه، لأن عقد غيره باطل - لاختلال ركنه - لا فاسد. والكلام في الفاسد، وأقول: هذا الاعتراض ليس بشئ، لأن الفاسد والباطل عندنا سواء، إلا فيما استثنى بالنسبة لأحكام مخصوصة، فالتقييد في غاية الصحة والاحتياج إليه. فتأمل. اه. (قوله: حكم صحيحها) أي كحكم الصحيح من العقود. (وقوله: في الضمان) أي في مطلق الضمان، وإن كان المبيع في البيع الصحيح يضمن بالثمن، وفي البيع الفاسد يضمن بأقصى القيم في المتقوم، وبالمثل في المثلى. قال في التحفة: والمراد التشبيه في أصل الضمان، لا الضامن، فلا يرد كون الولي لو استأجر لموليه فاسدا تكون الأجرة عليه، وفي الصحيحة على موليه، ولا في القدر: فلا يرد كون صحيح البيع مضمونا: أي مقابلا بالثمن وفاسده بالبدل، والقرض بمثل المتقوم الصوري وفاسده بالقيمة، ونحو القراض والمساقاة والإجارة بالمسمى وفاسدها بأجرة المثل. اه. وقوله وعدمه: أي وفي عدم

إذا اقتضى الضمان بعد القبض - كالبيع والقرض - ففاسده أولى، أو عدمه - كالمرهون، والمستأجر والموهوب، ففاسده كذلك. (فرع) لو رهن شيئا وجعله مبيعا من المرتهن بعد شهر، أو عارية له بعده، بأن شرطا في عقد الرهن ثم قبضه المرتهن: لم يضمنه قبل مضي الشهر، وإن علم فساده - على المعتمد - وضمنه بعده لانه يصير بيعا، أو ـــــــــــــــــــــــــــــ الضمان (قوله: لأن صحيح الخ) تعليل لكون حكم الفاسد كحكم الصحيح (قوله: بعد القبض) أي قبض المعقود عليه (قوله: كالبيع والقرض) أي كعقد البيع والقرض (قوله: ففاسده أولى) أي في اقتضاء الضمان، لأن الصحيح قد أذن فيه الشارع والمالك، والفاسد لم يأذن فيه الشارع، بل في التجرؤ عليه. اه. بجيرمي (قوله: أو عدمه) على الضمان: أي أو اقتضى عدمه. (وقوله: كالمرهون والمستأجر والموهوب) الأولى أن يقول: كالرهن، والإجاة، والهبة، لأن الكلام في العقود، لا في المعقود عليه. (وقوله: ففاسده كذلك) أي لا يقتضي الضمان، بل هو مساو له في عدم الضمان، قال سم على المنهج: ولم يقل أولى، لأن الفاسد ليس أولى بعدم الضمان، بل بالضمان. اه. ووجه ذلك: أن عدم الضمان تخفيف، وليس الفاسد أولى به، بل حقه أن يكون أولى بالضمان، لإشتماله على وضع اليد على مال الغير بلا حق، فكان أشبه بالغصب. اه. قال ع ش: واستثنى من الأول، أعني قوله في الضمان: ما لو قال قارضتك عى أن الربح كله لي، فهو قراض فاسد، فصحيحه يقتضي ضمان عمل العامل بالربح المشروط، وفاسده المذكور لا يقتضي شيئا. وما لو قال: ساقيتك على أن الثمرة كلها لي فهو فاسد، ولا يستحق العامل شيئا، مع أنه في الصحيح: يستحق جزءا من الربح، فهذا صحيحه اقتضى الضمان، وفاسده لا يقتضيه، واستثنى من الثاني - أعني قوله وعدمه - الشركة، فإنه لا يضمن كل من الشريكين عمل الآخر، مع صحتها، ويضمنه مع فسادها. وما لو رهن أو آجر نحو غاصب فتلفت العين في يد المرتهن أو المستأجر، فلمالك تضمينه، وإن كان القرار على الراهن أو المؤجر، مع أن صحيح الرهن والإجارة لا ضمان فيه. قال في النهاية: وإلى هذه المسائل أشار الأصحاب بالأصل في قولهم الأصل أن فاسد كل عقد الخ. وفي الحقيقة: لا يصح استثناء شئ من هذه القاعدة، لا طردا ولا عكسا، لأن المراد بالضمان: المقابل للأمانة بالنسبة للعين، لا بالنسبة لأجرة ولا غيرها. فالرهن صحيحه أمانة، وفاسده كذلك، والإجارة مثله. والبيع والعارية صحيحهما مضمون، وفاسدهما مضمون، فلا يرد: شئ. اه. (قوله: فرع: لو رهن شيئا إلخ) هذا من فروع القاعدة المذكورة، فالبيع والعارية من طردها، والرهن من عكسها. وعبارة الروض وشرحه: فرع: لو رهنه أرضا وأذن له في غرسها بعد شهر، فهي قبل الشهر أمانة، بحكم الرهن، وبعده عارية مضمونة، بحكم العارية. وكذا لو شرط كونها مبيعة بعد شهر، فهي أمانة قبل الشهر - لما مر - ومبيعة مضمونة بعده، بحكم البيع، فإن غرس فيها المرتهن في الصورتين قبل الشهر: قلع مجانا، أو بعده: لم يقلع في الأولى ولا في هذه مجانا، لوقوعه بإذن المالك، وجهله المعلوم من قوله إلا أن علم فساد البيع وغرس فيقلع مجانا لتقصيره. اه (قوله: وجعله مبيعا من المرتهن) أي للمرتهن أو عليه، فمن: بمعنى اللام، أو على. (وقوله: أو عارية بعده) أي أو جعله عارية بعد شهر (قوله: بأن شرطا) أي البيع والعارية. والباء للتصوير، وصورة ذلك أن يقول: رهنتك هذا بشرط أنه بعد شهر يكون مبيعا لك، أو عارية لك، فحينئذ يفسد الرهن لتأقيته، ويفسد البيع أو العارية لتعليقه، فهو قبل مضي الشهر: أمانة، لأنه مقبوض بحكم الرهن الفاسد. وبعده: مضمون، بحكم الشراء الفاسد، أو العارية الفاسدة. (وقوله: لم يضمنه) أي المرتهن إذا تلف. (وقوله قبل مضي الشهر) أي لأنه أمين حينئذ - كما علمت - (قوله: وإن علم فساده) غاية في عدم ضمان المرتهن: أي لم يضمنه قبل مضي الشهر، وإن علم بفساد الرهن: أي العقد بذلك. (وقوله: على المعتمد) لم يذكره في المنهاج وشرحيه - النهاية، والتحفة - ولا في المنهج وشرحه. فانظره، فإنه يفيد أن خلاف المعتمد يضمنه: إذا علم الفساد (قوله: وضمنه بعده) أي ضمن المرتهن المرهون بعد مضي الشهر، وهذا محترز قوله قبل مضي الشهر (قوله: لأنه) أي الرهن، وهو علة للضمان

عارية فاسدين لتعليقهما بانقضاء الشهر. فإن قال رهنتك، فإن لم أقض عند الحلول فهو مبيع منك: فسد البيع، لا الرهن، على الاوجه، لانه لم يشترط فيه شيئا. (وله) أي للمرتهن (طلب بيعه) أي المرهون، أو طلب قضاء دينه إن لم يبع. ولا يلزم الراهن البيع بخصوصه، بل إنما يطلب المرتهن أحد الامرين (إن حل دين)، وإنما يبيع الراهن بإذن المرتهن عند الحاجة، لان له فيه حقا ويقدم المرتهن بثمنه على سائر الغرماء. فإن أبى المرتهن الاذن. قال له الحاكم ائذن في بيعه، أو أبرئه من الدين. (ويجبر راهن) أي يجبره الحاكم على أحد الامرين إذا امتنع بالحبس، وغيره، (فإن أصر) على الامتناع، أو كان غائبا وليس له ما يوفى منه غير الرهن. (باعه) عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا تلف بعده (قوله: لتعليقهما) أي البيع والعارية، وهو علة لفسادهما (قوله: فإن قال رهنتك الخ) غرضه بهذا بيان محترز قوله: بأن شرطا. وعبارة النهاية: وخرج بقوله ما لو شرط، ما لو قال رهنتك الخ. اه. (وقوله: فسد البيع) أي لتعليقه. (وقوله: لا الرهن على الأوجه) أي لا يفسد الرهن، أي لعدم تأقيته، وفي النهاية: والأوجه فساده أيضا. قال ع ش: ووجه الفساد أن مثل هذا إذا وقع يكون مرادا به الشرط. اه. (قوله: لأنه) أي الرهن. (وقوله: لم يشترط فيه) أي عقد الرهن شيئا. قال سم: لك أن تقول كيف يقال لم يشرط فيه شئ، ومعنى العبارة كما ترى رهنتك بشرط أن يكون مبيعا منك عند انتفاء الوفاء؟ لا يقال صورة المسألة تراخي هذا القول عن صيغة الرهن، لأنا نقول: ذاك بديهي الصحة، لا يحتاج إلى التنبيه عليه، ويكون قول السبكي - فيما يظهر - لا معنى له. اه (قوله: وله الخ) هذا ثمرة الرهن وفائدته (قوله: طلب بيعه) أي من الراهن (قوله: أو طلب قضاء دينه) أي من غير المرهون (قوله: ولا يلزم) هو من ألزم، فالفاعل يعود على المرتهن. وقوله: الراهن: مفعول أول، والبيع: مفعول ثان (قوله: بل إنما يطلب المرتهن) إظهار في مقام الإضمار. (وقوله: أحد الأمرين) هما بيعه، والتوفية من غيره. قال في النهاية: وفهم من طلب أحد الأمرين أن للراهن أن يختار البيع والتوفية من ثمن المرهون، وإن قدر على التوفية من غيره، ولا نظر لهذا التأخير، وإن كان حق المرتهن واجبا فورا، لأن تعليقه ألحق بعين الرهن رضا منه باستيفائه منه وطريقه البيع. اه (قوله: إن حل دين) أي ابتداء أو طرأ حلوله، إذ قبل الحلول: لا تتوجه المطالبة. اه. فتح الجواد (قوله: وإنما يبيع الراهن) أي: أو وكيله (قوله: بإذن المرتهن) فان عجز عن استئذانه واستأذن الحاكم: صح بيعه، لكن لا يتصرف في ثمنه، لتعلق حق الغير به. وفائدة البيع: استراحته من النفقة عليه مثلا. اه. بجيرمي (قوله: عند الحاجة) هو ساقط من عبارة فتح الجواد، وهو الأولى، وإن كان ثابتا في متن المنهج. إذ يللراهن بيعه بإذن المرتهن مطلقا، كانت له حاجة أو لا، كحلول الدين، وإشراف الرهن على الفساد (قوله: لأن الخ) علة لكونه إنما يكون بإذن المرتهن. وقوله له أي للمرتهن، وقوله فيه: أي في المرهون (قوله: ويقدم المرتهن بثمنه الخ) وذلك لأن حقه متعلق به وبالذمة، وحقهم متعلق بالذمة فقط. اه. شرح المنهج (قوله: فإن أبى المرتهن الإذن، قال له الحاكم الخ) أي دفعا لضرر الراهن. قال في التحفة: فإن أصر: باعه الحاكم، أو أذن للراهن في بيعه، ومنعه من التصرف في ثمنه، إلا إذا أبى أيضا من أخذ دينه منه، فيطلق للراهن التصرف فيه. اه. (قوله: ويجبر راهن) يقرأ الفعل بالبناء للمجهول. (وقوله: أي يجبره الحاكم) أي يلزمه (قوله: على أحد الأمرين) هما بيع المرهون ليوفي منه، ووفاء الدين من غيره (قوله: إذا امتنع) أي الراهن مما طلبه منه المرتهن (قوله: بالحبس) متعلق بيجبره. (وقوله: وغيره) أي غير الحبس مما يراه الحاكم، كالتعزير (قوله: فإن أصر) أي الراهن: أي دام على الامتناع ولم ينفع إجبار الحاكم. وفي التحفة ما نصه: وقضية المتن وغيره أن القاضي لا يتولى البيع إلا بعد الإصرار على الإباء: وليس مراد أخذا من قولهم في التفليس، إنه بالامتناع من الوفاء: يخير القاضي بين توليه للبيع، وإكراهه عليه. اه. (قوله: أو كان غائبا) هذه معطوف على أصر، وهو مرتب على إجبار الحاكم، فهذا مرتب عليه أيضا، وإجبار الحاكم إياه يقتضي أنه حاضر ليس بغائب، والفرض أنه غائب، فالمناسب أن يجعله تنظيرا: بأن يقول، كما لو كان غائبا، (وقوله: وليس له) أي للراهن، ممتنعا كان، أو غائبا. وقوله ما يوفي منه: أي شئ يوفي ذلك الدين منه غير المرهون، فإن كان له ما يوفي منه

(قاض) بعد ثبوت الدين، وملك الراهن والرهن، وكونه بمحل ولايته وقضى الدين من ثمنه، دفعا لضرر المرتهن، ويجوز للمرتهن بيعه في دين حال بإذن الراهن وحضرته، بخلافه في غيبته. نعم، إن قدر له الثمن: صح مطلقا، لانتفاء التهمة ولو شرطا أن يبيعه ثالث عند المحل: جاز بيعه بثمن مثل حال: ولا يشترط مراجعة الراهن في البيع، لان الاصل بقاء إذنه، بل المرتهن، لانه قد يمهل، أو يبرئ (وعلى مالكه) من راهن، أو معير له: (مؤنة) للمرهون - كنفقة رقيق، وكسوته، وعلف دابة، وأجرة رد آبق، ومكان حفظ، وإعادة ما يهدم ـــــــــــــــــــــــــــــ غيره: لا يتعين بيعه. في النهاية ما نصه: أفتى السبكي بأن للحاكم بيع ما يرى بيعه من المرهون وغيره عند غيبة المديون أو امتناعه، لأن له ولاية على الغائب، فيفعل ما يراه مصلحة، فإن كان للغائب نقد حاضر من جنس الدين، وطلب المرتهن: وفاه منه، وأخذ المرهون، فإن لم يكن له نقد حاضر، وكان بيع المرهون أروج، وطلب المرتهن: باعه دون غيره، ولو لم يجد المرتهن عند غيبة الراهن بينة، أو لم يكن ثم حاكم في البلد، فله بيعه بنفسه، كالظافر بغير جنس حقه. اه. بحذف (قوله: باعه عليه) أي قهرا عليه (قوله: بعد ثبوت الدين) أي ببينة. (وقوله ملك الراهن) أي وبعد ثبوت أن العين المرهونة ملك للراهن. وقد يقال: اليد عليه للمرتهن، فيكفي إقراره بأنه ملك للراهن. (وقوله والرهن) أي وبعد ثبوت أنها رهن عند المرتهن، لاحتمال كونها وديعة مثلا. (وقوله وكونه بمحل ولايته) أي وبعد ثبوت كون الرهن بمحل ولاية القاضي، فالضمير يعود على الرهن، بمعنى المرهون (قوله: وقضى الدين الخ) معطوف على باعه (قوله: دفعا لضرر المرتهن) تعليل لبيع القاضي المرهون (قوله: ويجوز للمرتهن إلخ) أي كما يجوز له طلب البيع من الراهن وطلب قضاء الدين (قوله: في دين حال) مثله المؤجل، إلا أنه لا يشترط فيه أن يكون البيع بحضرة الراهن - كما ستعرفه - (قوله: بإذن الراهن) أي في بيعه، ومحله إذا قال له بعه لي، أو أطلق، فإن قال بعه لك: لم يصح، للتهمة. اه. بجيرمي نقلا عن ابن حجر (قوله: بخلافه في غيبته) أي بخلاف البيع في غيبة الراهن، فإنه لا يصح، وذلك لأنه يبيعه لغرض نفسه، فيهتم بترك الاحتياط (قوله: نعم إلخ) استدراك من قوله بخلافه في غيبته. (وقوله إن قدر له الثمن) أي قدر الراهن للمرتهن الثمن الذي يباع به المرهون، كعشرة ومثله ما لو كان الدين مؤجلا، وأذن له في البيع حالا، أو كان ثمن المرهون لا يفي بالدين، والاستيفاء من غيره متعذر، أو متعسر بفلس أو غيره. (وقوله: صح مطلقا)، أي سواء كان الراهن حاضرا أو غائبا (قوله: ولو شرطا) أي الراهن والمرتهن في عقد الرهن (قوله: أن يبيعه) أي المرهون (قوله: عند المحل) بكسر الحاء: أي حلول الدين (قوله: جاز بيعه) أي الثالث للمرهون، والمناسب جاز الشرط، وصح البيع، وعلله في التحفة: بأنه لا محذور فيه. وقوله بثمن مثل حال: أي ومن نقد البلد، فإن أخل بشئ من هذه الثلاثة: لم يصح البيع، لكن لا يضر النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به الناس، لأنهم يتسامحون به. اه. شرح المنهج (قوله: ولا يشترط مراجعة الراهن) أي مراجعة الثالث المأذون له في البيع الراهن، فالمصدر مضاف إلى مفعوله بعد حذف الفاعل (قوله: لأن الأصل بقاء إذنه) أي إذن الراهن الذي تضمنه الشرط (قوله: بل المرتهن) أي بل يشترط مراجعة المرتهن. وفي شرح المنهج: أما المرتهن، فقال العراقيون يشترط مراجعته قطعا، فربما أمهل أو أبرأ. وقال الإمام: لا خلاف أنه لا يراجع، لأن غرضه توقية الحق، والمعتمد الأول، لأن أنه في البيع قبل القبض: لا يصح. اه (قوله: لأنه) أي المرتهن. (وقوله: قد يمهل) أي الراهن الذي هو المدين. (وقوله ويبرئ) أي يسامح في الدين الذي له (قوله: وعلى مالكه) أي المرهون. (وقوله من راهن أو معير) بيان للمالك. (وقوله: أي للراهن)، وهو متعلق بمعير (قوله: مؤنة للمرهون) المراد بها ما يسمى في العرف مؤنة، وهي التي يكون بها بقاؤه، فخرج حينئذ أجرة الفصد، والحجامة، وتوديج دابة، وهو كالفصد في الآدمي، والمعالجة بالأدوية، فلا تجب عليه، لأنها لا تسمى مؤنا عرفا (قوله: كنفقة رقيق الخ) تمثيل للمؤنة. (وقوله: وعلف دابة) أي وأجرة سقي أشجار، وجذاذ ثمار، وتجفيفها. (وقوله: ومكان حفظ) أي وأجرة المكان الذي يحفظ فيه المرهون، ومثل ذلك: أجرة نفس الحفظ. وعبارة التحفة: ومنها أجرة حفظه، وسقيه، وجذاذه، وتجفيفه، ورده إن أبق. اه (قوله: وإعادة ما يهدم) أي وكإعادة الدار المرهونة التي قد هدمت (قوله:

إجماعا، خلافا لما شذ به الحسن. فإن غاب أو أعسر. راجع المرتهن الحاكم، وله الانفاق بإذنه ليكون رهنا بالنفقة أيضا. فإن تعذر استئذانه، وأشهد بالانفاق ليرجع، رجع، وإلا فلا، (وليس له) أي للمالك بعد لزوم الرهن: بيع، ووقف، و (رهن لآخر)، لئلا يزاحم المرتهن (ووطئ) للمرهونة بلا إذنه، وإن لم تحبل، حسما للباب، بخلاف سائر التمتعات، فتحل، إن أمن الوطئ، (وتزويج) الامة مرهونة، لنقصه القيمة، (لا) إن كان التزويج (منه): أي المرتهن، أو بإذنه، فلا يمتنع على الراهن، وكذا لا تجوز الاجارة لغير المرتهن بلا إذن إن ـــــــــــــــــــــــــــــ إجماعا) مرتبط بالمتن: أي هي على المالك إجماعا. (وقوله: خلافا لما شذبه إلخ) أي من أن المؤنة على المرتهن. اه. مغني. (وقوله: الحسن) أي البصري، كما في النهاية، وفي التحفة: الحسن البصري، أو الحسن بن صالح، فهو متردد في ذلك (قوله: فإن غاب أو أعسر) أي المالك. (وقوله: راجع المرتهن الحاكم) وفي القليوبي، ولو تعذرت المؤنة من الراهن لغيبته أو إعساره: ماله الحاكم من ماله - إن رأى له مالا، وإلا فيقترض عليه، أو يبيع جزءا منه. ولو ماله المرتهن: رجع إن كان بإذن الحاكم (قوله: وله الإنفاق بإذنه) أي للمرتهن أن ينفق على المرهون بإذن الحاكم. (وقوله: ليكون) أي المرهون رهنا بالنفقة. (وقوله: أيضا) أي كما أنه رهن بالدين (قوله: فإن تعذر استئذانه) أي الحاكم لفقده مثلا، (وقوله: وأشهد) أي المرتهن. (وقوله: بالإنفاق) أي على إنفاقه للمرهون. (وقوله: رجع) أي كفى ذلك، ورجع على المالك بما أنفقه (قوله: وإلا) أي وإن لم يتعذر استئذانه: بأن سهل ولم يستأذن، سواء شهد أم لا، أو تعذر ولم يشهد، فالنفي راجع للمعطوف، والمعطوف عليه. ويستخرج من ذلك ثلاث صور. وقوله: فلا: أي فلا يرجع بما أنفقه في الصور الثلاث المذكورة (قوله: وليس له إلخ) إي يحرم عليه ذلك، ولا ينفذ منه شئ من التصرفات، إلا إعتاق الموسر، وإيلاده، فينفذان منه، ويغرم قيمته وقت إحباله وإعتاقه، وتكون رهنا مكانه بغير عقد، لقيامها مقامه. (وقوله: بعد لزوم الرهن) أي وهو يحصل بالقبض، كما مر (قوله: ورهن لاخر) أي ليس له رهنه لآخر غير المرتهن الأول، وليس له أن يرهنه للأول أيضا بدين آخر، لأنه مشغول، والمشغول لا يشغل، ويصح الرهن فوق الرهن بالدين الواحد، ولذا قال ابن الوردي: والرهن فوق الرهن بالدين لا الدين فوق الدين بالرهين (قوله: لئلا يزاحم المرتهن) تعليل لعدم صحة رهن المرهون لآخر: أي لا يصح ذلك، لئلا يزاحم ذلك الآخر المرتهن الأول في حقه، فيفوت مقصود الرهن. ويصح قراءة الفعل بصيغة المبني للمجهول، وبصيغة المبني للفاعل، فهو بفتح الحاء وكسرها (قوله: ووطئ للمرهونة) أي وليس للمالك وطئ للأمة المرهونة. قال في النهاية: نعم، لو خاف الزنا لو لم يطأها: فله وطؤها، فيما يظهر، لأنه كالمضطر. اه (قوله: بلا إذنه) ظاهر صنيعه أنه متعلق بوطئ فقط، مع أنه متعلق بجميع ما قبله: من البيع، والوقف، والرهن. ولو قدم الغاية - أعني قوله وإن لم تحبل عليه - لأمكن رجوعه للجميع. وعبارة شرح المنهج: ويجوز التصرف المذكور مع المرتهن ومع غيره بإذنه. اه. وهي ظاهرة (قوله: وإن لم تحبل) غاية لحرمة وطئها: أي لا يجوز وطئ الأمة المرهونة، وإن لم تكن ممن تحبل كأن كانت صغيرة، أو آيسة (قوله: حسما للباب) عبارة التحفة: وذلك لخوف الحبل فيمن يمكن حبلها، وحسما للباب في غيرها. اه. قال في المصباح: حسم من باب ضرب، فانحسم: بمعنى قطعه، فانقطع، وحسمت العرق، على حذف مضاف. والأصل: حسمت دم العرق، إذا قطعته ومنعته السيلان بالكي بالنار. ومنه قيل للسيف حسام، لأنه قاطع لما يأتي عليه. وقولهم حسما للباب: أي قطعا للوقوع قطعا كليا. اه، أي أنه إنما منع من وطئها، ولو لم تحبل، قطعا لباب الوطئ: أي للوقوع في الوطئ قطعا كليا (قوله: بخلاف سائر التمتعات) كالمعانقة، والمفاخذة، والقبلة (قوله: فتحل إن أمن الوطئ) فإن لم يأمنه: فلا تحل (قوله: وتزويج) أي وليس له تزويج أمته المرهونة على غيره، فإن زوج: فالنكاح باطل. وخرج بقوله تزويج: ما لو راجع أمته المطلقة على زوجها، فإنها صحيحة، لتقدم حق الزوج (قوله: لنقصه) أي التزويج القيمة، وهو علة لعدم

جاوزت مدتها المحل. ويجوز له الانتفاع بالركوب والسكنى، لا بالبناء والغرس. نعم، لو كان الدين مؤجلا، وقال: أنا أقلع عند الاجل، فله ذلك. وأما وطئ المرتهن الجارية المرهونة، ولو بإذن المالك، فزنا، حيث علم التحريم، فعليه الحد، ويلزمه المهر، ما لم تطاوعه، عالمة بالتحريم، وما نسب إلى عطاء، من تجويزه الوطئ بإذن المالك، ضعيف جدا، بل قيل إنه مكذوب عليه. (وسئل) القاضي الطيب الناشري عن الحكم فيما اعتاده النساء من ارتهان الحلى مع الاذن في لبسها. (فأجاب) لا ضمان على المرتهنة مع اللبس، لان ذلك في حكم إجارة فاسدة معللا ذلك: بأن المقرضة، ـــــــــــــــــــــــــــــ صحة التزويج المذكور (قوله: لأمنه) أي له. فمن: بمعنى اللام، أي لا إن كان التزويج منه، أي للمرتهن نفسه (قوله: إن جاوزت مدتها المحل) بكسر الحاء: أي زمن الحلول، بأن كان الدين حالا أو مؤجلا يحل قبل انقضائها، أي مدة الإجارة: فتبطل من أصلها، وإن جوزنا بيع المؤجر. وإنما لم تصح الإجارة حينئذ: لأنها تنقص القيمة، أي وتقلل الرغبات، فإن كان يحل بعد انقضائها، أو معه: صحت، إن لم تؤثر نقصا في القيمة، ولم يطل تفريغ المأجور بعد الحلول، وكان المستأجر عدلا، أو رضي به المرتهن، لانتفاء المحذور حالة البيع. اه. فتح الجواد (قوله: ويجوز له) أي للمالك: راهنا كان، أو معيرا. (وقوله: الانتفاع) أي الذي لا ينقصه، أي مع عدم استرداده من المرتهن إن أمكن الانتفاع الذي يريده منه عنده: كأن يكون عبدا يخيط وأراد منه الخياطة، أو مع استرداده منه إن لم يمكن ذلك عنده، كأن يكون دارا يسكنها، أو دابة يركبها، أو عبدا يخدمه، لكن يرده إلى المرتهن ليلا، ويشهد عليه المرتهن بالاسترداد للانتقاع شاهدين في كل استردادة. (وقوله: بالركوب) لو قال بنحو الركوب، لكان أولى. والمراد به: أن يكون في البلد، وإن اتسعت جدا، لامتناع السفر به، وإن قصر بلا إذن، إلا لضرورة: كنهب، أو جدب (قوله: لا بالبناء والغرس) أي لا يجوز له الانتفاع بهما، وذلك لأنهما ينقصان قيمة الأرض، لكونها مشغولة بالبناء والغرس الخارجين عن الرهن، لأن حق المرتهن: تعلق بالأرض خالية منهما، فتباع للدين وحدها مع كونها مشغولة بهما (قوله: نعم: لو كان الدين إلخ) استدراك من عدم جواز الانتفاع بالبناء والغرس (قوله: وقال) أي المالك (قوله: فله ذلك) أي الانتفاع بالبناء والغرس، ومحله: ما لم تنقص قيمة الأرض بالقلع، ولم تطل مدته. اه. ح ل (قوله: وأما وطئ المرتهن الخ) مقابل لمحذوف: أي ما تقدم من التفصيل في الوطئ بين أن يكون بإذن المرتهن، فيصح، وبين أن لا يكون بإذنه، فلا يصح بالنسبة للراهن. أما بالنسبة للمرتهن، فلا يصح منه رأسا، فلو فعله: كان زنا (قوله: فزنا) أي فهو زنا. (وقوله: حيث علم التحريم) أي وحيث لا شبهة، فإن جهل التحريم، أي تحريم الزنا، بوطئ المرهونة لظنه أن الارتهان مبيح للوطئ وعذر، بأن قرب إسلامه، ولم يكن مخالطا لنا بحيث لا يخفى عليه ذلك، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء بذلك، أو كان الوطئ شبهة بأن ظنها زوجته أو أمته: فلا يحد، لأنه ليس زانيا، ويلزمه المهر فقط، والولد حر نسيب، وعليه قيمة الولد لمالكها لتفويته الرق عليه (قوله: فعليه الحد) أي فعلى الواطئ الذي هو المرتهن الحد، لأنه زان. (وقوله: ويلزمه المهر) أي مهر ثيب إن كانت ثيبا، ومهر بكر إن كانت بكرا، وأرش بكارة إن لم يأذن له في الوطئ، وإلا لم يجب الأرش. اه. شوبري. (وقوله: ما لم تطاوعه عالمة بالتحريم) صادق بصورتين، عدم مطاوعتها له أصلا: بأن أكرهها، ومطاوعتها له مع جهلها بالتحريم، كأعجمية لا تعقل. واحترز به: عما إذا طاوعته عالمة بالتحريم، فإنه لا مهر لها (قوله: وما نسب إلى عطاء من تجويزه الوطئ) أي وطئ المرتهن الأمة المرهونة. (وقوله: ضعيف جدا) خبر ما (قوله: بل قيل إنه) أي ما نسب لعطاء (قوله: عن الحكم الخ) أي من الضمان وعدمه. وقوله من ارتهان الحلى: بيان لما، أي توثقة لما يقرضنه من أموالهن. (وقوله: مع الإذن) أي من الراهن. (وقوله: في لبسها) أي الحلي. والمناسب تذكير الضمير (قوله: لأن ذلك) أي الارتهان مع اللبس. (وقوله: في حكم إجارة فاسدة) أي وهو عدم الضمان (قوله: معللا ذلك) أي كون ما ذكر في حكم

لا تقرض مالها إلا لاجل الارتهان واللبس، فجعل ذلك عوضا فاسدا في مقابلة اللبس. (ولو اختلفا) أي الراهن، والمرتهن (في أصل رهن)، كأن قال رهنتني كذا، فأنكر الآخر، (أو) في (قدره): أي المرهون كرهنتني الارض مع شجرها، فقال: بل وحدها، أو قدر المرهون به: كبألفين، فقال بل بألف: (صدق راهن) بيمينه. وإن كان المرهون بيد المرتهن لان الاصل عدم ما يدعيه المرتهن. ولو ادعى مرتهن هو بيده أنه قبضه بالاذن، وأنكره الراهن، وقال بل غصبته، أو أعرتكه، أو آجرتكه: صدق في جحده بيمينه. (فرع) من عليه ألفان بأحدهما رهن أو كفيل، فأدي ألفا وقال أديته عن ألف الرهن: صدق بيمينه، لان المؤدي أعرف بقصده وكيفيته. ومن ثم لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه وقع عنه، وإن ظنه الدائن هدية، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإجارة الفاسدة (قوله: لا تقرض مالها إلا لأجل الخ) أي فهو في مقابلة الرهن واللبس (قوله: فجعل ذلك) أي قرض النسوة مالهن. (وقوله: عوضا فاسدا) أي لعدم الصيغة، ولأن ما ذكر لا يصح أن يكون عوضا. (وقوله: في مقابلة اللبس) أي لبس الحلي المرهون، والأنسب في مقابلة الارتهان واللبس (قوله: ولو اختلفا الخ) شروع في الاختلاف في الرهن وما يتبعه، وقد عقد المنهاج له فصلا مستقلا (قوله: في أصل رهن) أي رهن تبرع، وهو الذي لم يشترط في بيع أو رهن مشروط في بيع (قوله: كأن قال) أي الدائن الذي هو المرتهن. (وقوله: رهنتني كذا) أي ثوبا، أو حليا، أو عبدا، أو غير ذلك. (وقوله: فأنكر الآخر) أي أصل الرهن، وقال لم أرهنك شيئا. وهذا الذي وضعته عندك مثلا وديعة. وتسميته حينئذ راهنا: بحسب زعم المرتهن، أو بحسب الصورة (قوله: أو في قدره) أي أو في عينه، كأن قال رهنتي هذا العبد، فقال بل الثوب أو صفته كقدر الأجل. (وقوله: أي المرهون) في كلامه استخدام، لأنه ذكر الرهن أولا بمعنى العقد، وأعاد عليه الضمير بمعنى المرهون (قوله: أو قدر المرهون به) أي أو اختلفا في قدر المرهون به: أي الدين الذي رهن هذا الشئ فيه، أي أو في عينه كدراهم ودنانير، أو صفته: كأن يدعي المرتهن أنه رهن على المائة الحالة، فيستحق الآن بيعه، وادعى الراهن أنه على المؤجل. (وقوله: كبألفين) أي كأن قال المرتهن رهنتني الأرض، أو العبد بألفين، فقال له الراهن بل بألف، وفائدة ذلك: انفكاك الرهن بأداء الألف على أن القول قول الراهن، وعدم انفكاكه بأدائها على أن القول قول المرتهن (قوله: صدق راهن بيمينه) جواب لو. وفي سم ما نصه: في شرح العباب قال الزركشي: والكلام في الاختلاف بعد القبض، لأنه قبله لا أثر له في تحليف ولا دعوى، ويجوز أن تسمع فيه الدعوى، لاحتمال أن ينكل الراهن، فيحلف المرتهن، ويلزم الراهن بإقباضه له، كما ذكره في الحوالة والقرض ونحوهما. اه. اعتمده م ر: هذا الاحتمال. اه (قوله: وإن كان المرهون بيد المرتهن) غاية لتصديق الراهن، وهي للرد على القول الضعيف القائل: إذا كانت العين بيد المرتهن: فهو المصدق، ترجيحا لدعواه بيده - كما في الدميري - اه. بحيرمي. (قوله: لأن الأصل عدم الخ) وإن لم يبين الراهن جهة كونه في يده، وهو تعليل لتصديق الراهن (قوله: ولو ادعى مرتهن هو) أي ذلك المرهون. (وقوله: بيده) أي المرتهن. ومثل ذلك: ما إذا كان بيد الراهن، وقال المرتهن رهنتني إياه، وأخذته مني للانتفاع به مثلا (قوله: أنه الخ) المصدر المؤول مفعول ادعى، وضميره يعود على المرهون ويصح عوده على المرتهن (وقوله: قبضه بالإذن) أي إذن الراهن (قوله: وأنكره الراهن) أي أنكر القبض بالإذن (قوله: صدق) أي الراهن، لأن الأصل: عدم لزوم الرهن، وعدم إذنه في القبض عن الرهن. قال ع ش: وعليه فلو تلفت في هذه الحالة في يد المرتهن - فهل يلزمه قيمتها وأجرتها أم لا؟ فيه نظر. والأقرب: الثاني. لأن يمين الراهن: إنما قصد به دفع دعوى المرتهن لزوم الرهن، ولا يلزم من ذلك ثبوت الغصب ولا غيره. اه (قوله: وقال أديته عن ألف الرهن) أي أو عن ألف الكفيل (قوله: صدق) أي من قال ذلك (قوله: لأن المؤدي أعرف بقصده وكيفيته) أي الأداء. قال ع ش: ومن ذلك ما لو اقترض شيئا ونذر أن للمقرض كذا ما دام المال في ذمته أو شئ منه، ثم دفع له قدرا يفي بجميع المال، وقال قصدت به الأصل: فيصدق، ولو كان المدفوع من غير جنس الدين. اه (قوله: ومن ثم إلخ) أي ومن أجل التعليل المذكور، وهو أن المؤدي

كذا قالوه، ثم إن لم ينو الدافع، شيئا حالة الدفع: جعله عما شاء منهما، لان التعيين إليه. (تتمة) المفلس من عليه دين لآدامي حال زائد على ماله: يحجر عليه، بطلبه الحجر على نفسه، أو طلب غرمائه وبالحجر: يتعلق حق الغرماء بماله، فلا يصح تصرفه فيه بما يضرهم. كوقف، وهبة، ولا بيعه، ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ أعلم بقصده وكيفية أدائه، يؤخذ أنه لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه: وقع عنه. وذلك لأنه مؤد، وهو أعلم بقصده. والظاهر أنه يقال هنا أيضا إذا لم ينو شيئا حال الأداء، ثم بعده نوى أنه عن الدين: وقع عنه (قوله: ثم إن لم ينو الخ) مرتبط بالمسألة الأولى، أعني قوله من عليه ألفان، أي ثم إن لم ينو الدافع الذي عليه ألفان وبأحدهما رهن أو كفيل بالألف التي دفعها شيئا: أي لم يلاحظ حال الدافع أنها عن ألف الرهن أو غيرها (قوله: جعله) أي ما أداه عما شاء منهما: أي من ألف الرهن، أو الكفيل، أو الألف الثانية التي فيها رهن ولا كفيل، فإن جعله عنهما: قسط عليهما بالسوية، فإن مات قبل التعيين قام وارثه مقامه. وقوله لأن التعيين إليه: أي أمره موجه إليه، أي المؤدي. (خاتمة) نسأل الله حسنها. من مات وعليه دين مستغرق أو غيره لله تعالى، أو لآدمي: تعلق بتركته كتعلق الدين بالمرهون، لأن ذلك أحوط للميت، وأقرب لبراءة ذمته، فلا ينفذ تصرف الوارث في شئ منها غير إعتاقه وإيلاده إن كان موسرا كالمرهون سواء أعلم الوارث الدين أم لا، لأن ما تعلق بالحقوق: لا يختلف بالعلم والجهل، ولا يمنع التعلق إرثا، ولا يتعلق الدين بزوائد التركة الحادثة بعد الموت. ولو تصرف الوارث ولا دين، فظهر دين بنحو رد مبيع بعيب: تلف ثمنه، ولم يسقط الدين بأداء أو إبراء أو نحوه: فسخ التصرف، لأنه كان سائغا له في الظاهر (قوله تتمة: المفلس الخ) قد أفردها الفقهاء بكتاب مستقل، والأصل فيه: ما رواه الدارقطني وصحح الحاكم إسناده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حجر على معاذ، وباع ماله في دين كان عليه، وقسمه بين غرمائه، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ليس لكم إلا ذلك، ثم بعثه إلى اليمن، وقال لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك، فلم يزل باليمن حتى توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - (وقوله: المفلس من عليه الخ) أي شرعا، وأما لغة: فهو المعسر. ويقال من صار ماله فلوسا، والمفلس في الآخرة. من تعطى حسناته لسيئاته، كما في الحديث، (وقوله: فين) أي لازم، فلا حجر بدين غير لازم، كمال كتابة، لتمكن المدين من إسقاطه. (وقوله: الآدمي) أي أو لله تعالى، بشرط فوريته، فلا حجر بدين لله تعالى غير فوري، كنذر مطلق، وكفارة لم يعص بسببها، هذا ما جرى عليه شيخ الإسلام وابن حجر. وفي المغني والنهاية: عدم الحجر بديون الله تعالى لا فرق فيها بين الفورية وغيرها، (وقوله: حال) فلا حجر بمؤجل، لأنه لا يطالب به. وقوله زائد على ماله: فلا حجر بالمساوي لماله، أو الناقص عنه. والمراد بماله: ماله العيني، أو الدين الذي يتيسر الأداء منه حالا، بأن يكون على ملئ مقر أو عليه به بينة، بخلاف نحو منفعة، ومغصوب، وغائب، ودين ليس كذلك، فلا تعتبر الزيادة عليها، لأنها بمنزلة العدم قال في التحفة وأفهم قوله على ماله أنه إذا لم يكن له مال: لا حجر عليه وبحث الرافعي: الحجر عليه منعا له من التصرف فيما عساه أن يحدث: مردود بأن الأصح أن الحجر إنما هو على ماله دون نفسه وما يحدث إنما يدخل تبعا - لا استقلالا. اه (قوله: يحجر عليه) جملة مستأنفة لبيان حكم المفلس، يعني أن المفلس: هو من عليه الخ. وحكمه أنه يحجر عليه الخ. ويصح كونها خبرا عن المفلس، واسم الموصول بعده بدل منه، والحاجر عليه الحاكم بلفظ يدل عليه: نحو منعته من التصرف في أمواله، أو حجرت عليه فيها، أو أبطلت تصرفاته فيها (قوله: بطلبه) أي ولو بوكيله: بأن أثبت غرماؤه الدين عليه فطلب وحده، لأن له فيه غرضا ظاهرا أما طلبه بدون ذلك: فلا يؤثر. اه حجر (قوله: أو طلب غرمائه) أي ولو بنوا بهم، كأوليائهم، لأن الحجر لحقهم، ولا يحجر عليه بغير طلب منهم، لأنه لمصلحتهم، وهم أصحاب نظر. نعم: لو ترك ولي المحجور السؤال فعله الحاكم، وجوبا، نظرا لمصلحة المحجور عليه، ومثله ما لو كان المسجد، أو جهة عامة: كالفقراء، أو المسلمين فيمن مات وورثوه وله مال على مفلس والدين مما يحجر به (قوله: وبالحجر) الباء سببية. (وقوله يتعلق حق الغرماء بماله): أي عينا كان أو دينا، ولو مؤجرا، فلا يصح إبراؤه منه أو منفعة، فتؤجر أم ولده وما وقف

لغرمائه بدينهم، بغير إذن القاضي. ويصح إقراره بعين أو دين أسند وجوبه لما قبل الحجر. ويبادر قاض يبيع ماله، ولو مسكنه، وخادمه، بحضرته مع غرمائه، وقسم ثمنه بين غرمائه كبيع مال ممتنع عن أداء حق وجب عليه أداوه. ولقاض إكراه ممتنع من الاداء بالحبس وغيره من أنواع التعزير. ويحبس مدين مكلف عهد له المال ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه مرة بعد أخرى حتى يوفي ما عليه من الدين. ويستثنى من ذلك: ما لو حجر عليه في زمن خيار البيع، فإنه لا يتعلق حق الغرماء بالمعقود عليه، بل يجوز له الفسخ والإجازة على خلاف المصلحة. وخرج بحق الغرماء: حق الله تعالى غير الفوري، على ما مر، كزكاة، وكفارة، ونذر، فلا يتعلق بمال المفلس (قوله: فلا يصح تصرفه) أي المفلس فيه: أي في ماله بما يضرهم: أي الغرماء. وفي البجيرمي ما نصه: ضابط ما لا يصح منه من التصرفات: هو كل تصرف ما لي متعلق بالعين مفوت على الغرماء حقهم إنشائي في الحياة ابتداء، فخرج بالمال: نحو الطلاق، وبالعين: الذمة كالسلم، وبالمفوت: ملكه من يعتق عليه بهبة أو إرث أو صداق لها، بأن كانت محجورا عليها وجعل من يعتق عليها صداقا لها أو وصية. وبالإنشاء: الإقرار، وبالحياة: التدبير والوصية ونحوهما وبالابتداء: رده بعيب ونحوه. قال الأذرعي وله التصرف في نفقته وكسوته بأي وجه كان. ق ل. وقوله كوقف وهبة: أي وإيلاد على المعتمد، (قوله: ولا بيعه الخ) معطوف على تصرفه: أي ولا يصح بيع المفلس، ولو على غرمائه، وذلك لأن الحجر يثبت لأجل الغرماء الحاضرين وغيرهم. ومن الجائز أن يكون له غريم آخر. والغاية للرد على القائل بصحة البيع حينئذ إن اتحذ جنس الدين، وباعهم بلفظ واحد. وقوله بغير إذن القاضي - فإن كان بإذنه: صح (قوله: ويصح إقراره الخ) أي فيقبل في حق الغرماء ما أقر به، فيأخذ المقر له العين المقر بها، ويزاحمهم في الدين. (وقوله: بعين) أي مطلقا أسند وجوبها لما قبل الحجر، أولا، (وقوله: أو دين أسند وجوبه) أي ثبوته في ذمته لما قبل الحجر، فإن أسند وجوبه لما بعد الحجر، وقيده بمعاملة أو لم يقيده بها ولا بغيرها، أو لم يسند وجوبه لما قبل الحجر ولا لما بعده: لم يقبل إقراره في حقهم، فلا يزاحمهم المقر له. وأما في حقه: فيقبل، فما أقر به: يثبت في ذمته (قوله: ويبادر قاض ببيع ماله) أي ندبا، وقيل وجوبا. وذلك لئلا يطول زمن الحجر، ولا يشرع في المبادرة لئلا يطمع فيه بثمن بخس. ومراده بالقاضي: قاضي بلد المفلس، إذ الولاية على ماله، ولو بغير بلده، له تبعا للمفلس. ومثل ماله، كما في ق ل، النزول عن الوظائف بدراهم. (وقوله: ولو مسكنه وخادمه) أي ومركوبه، وإن احتاجها لمنصبه، أو غيره كزمانة، لأن تحصيلها بالكراء يمكن، بل هو أسهل. (وقوله: بحضرته مع غرمائه) أي والبيع المذكور يكون بحضرة المفلس، أي أو نائبه، وبحضرة الغرماء، أي أو نوابهم، وذلك لأن ما ذكر: أطيب للقلوب، وأنفى للتهمة، ولأن المفلس قد يبين ما في ماله من العيب فلا يرد، أو يذكر صفة مطلوبة فتكثر فيه الرغبة، وهم قد يزيدون في الثمن (قوله: وقسم ثمنه الخ) معطوف على بيع ماله: أو ويبادر القاضي بعد البيع بقسم ثمنه بينهم، فهم مقدمون على غيرهم، كما تقدم - نعم: يقدم المفلس على الغرماء بمؤنته ومؤنة عياله ومؤن تجهيز وتجهيزهم ويترك له ولهم دست ثوب يليق بهم، وهي بفتح الدال: جملة من الثياب، وهي المسماة في عرف العامة بالبدلة: وهي قميص، وسراويل، ومنديل ومكعب: أي مداس، بكسر الميم وزاد في الشتاء نحو جبة، وفروة ولا يترك له فرش وبسط، ولكن يتسامح باللبد والحصير القليل القيمة. ويترك للعالم: كتبه - إن لم يكتف عنها بكتب الوقف، ويترك للجندي سلاحه وخيله المحتاج إليهما، إن لم يكن متطوعا بالجهاد، وإلا فوفاء الدين له أفضل (قوله: كبيع مال إلخ) الكاف للتنظير - يعني أن القاضي يبادر ببيع مال المفلس وقسمه، كما أنه له ذلك في مال ممتنع من أداء حق وجب عليه أداؤه. وعبارة النهاية: وما ثبت للمفلس من بيع ماله، كما ذكر، رعاية لحق الغريم، يأتي نظيره في ممتنع عن أداء حق وجب عليه: بأن أيسر وطالبه به صاحبه وامتنع من أدائه، فيأمر الحاكم به، فإن امتنع وله مال ظاهر وهو من جنس الدين. وفى منه، أو من غيره باع عليه ماله إن كان بمحل ولايته. ولكن يفارق الممتنع: المفلس، في أنه لا يتعين على القاضي بيع ماله كالمفلس، بل له بيعه، كما تقرر، وإكراه الممتنع مع تعزيره بحبس أو غيره على بيع ما يفي بالدين من ماله، لا على بيعه جميعه مطلقا. الخ. اه (قوله: ولقاض إكراه إلخ) بيان لما يفارق فيه الممتنع المفلس. (وقوله: بالحبس) متعلق بإكراه. (وقوله: وغيره) أي

لا أصل وإن علا من جهة أب أو أم بدين فرعه، خلافا للحاوي، كالغزالي، وإذا ثبت إعسار مدين: لم يجز حبسه، ولا ملازمته - بل يمهل حتى يوسر. وللدائن ملازمة من لم يثبت إعساره، ما لم يختر المدين الحبس، فيجاب إليه، وأجرة الحبس، وكذا الملازم على المدين. وللحاكم منع المحبوس: الاستئناس بالمحادثة، وحضور الجمعة، وعمل الصنعة - إن رأى المصلحة فيه - ولا يجوز للدائن تجويع المدين بمنع الطعام - كما أفتى به شيخنا الزمزمي، رحمه الله تعالى - ويجوز لغريم المفلس المحجور عليه أو الميت: الرجوع فورا إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ الحبس. (وقوله: من أنواع التعزير) بيان لغير الحبس (قوله: ويحبس مدين مكلف الخ) وإذا ادعى أنه معسر، أو قسم ماله بين غرمائه، أو أن ماله المعروف تلف، وزعم أنه لا يملك غيره، وأنكر الغرماء ذلك، فإن لزمه الدين في معاملة مال، كشراء، أو قرض، فعليه البينة بإعساره في الأولى، وبأنه لا يملك غيره في الثانية، لأن الأصل: بقاء ما وقعت عليه المعاملة، وبالتلف في الثالثة: وإن لم يلزمه في معاملة مال، كصداق وضمان وإتلاف، ولم يعهد له مال: صدق بيمينه في الأصح، لأنه خلق، ولا مال له، والأصل بقاء ذلك. والبينة: رجلان، لا رجل وامرأتان، ولا رجل ويمين، ويشترط في بينة الإعسار: خبره باطنة بطول جوار، وكثرة مخالطة، لأن الأموال تخفى، وأما بينة التلف: فلا يشترط فيها ما ذكر، ولتقل عند الشهادة: هو معسر، لا يملك إلا ما يبقى لممونه، فتقيد النفي، ولا تمحضه: كقولها لا يملك شيئا لأنه كذب (قوله: لا أصل الخ) أي لا يحبس أصل بدين فرعه، لأنه عقوبة، ولا يعاقب الوالد بالولد، ولا فرق بين دين النفقة وغيرها (قوله: خلافا للحاوي كالغزالي) أي خلافا لما جرى عليه في الحاوي الصغير، تبعا للغزالي من حبسه، لئلا يمتنع من الأداء فيعجز الابن عن الاستيفاء منه، ورد بمنع العجز عن الاستيفاء لأنه مبني ثبت للوالد مال: أخذه القاضي قهرا وصرفه إلى دينه (قوله: وإذا ثبت إعسار مدين) أي بالبينة إن عهد له مال، أو باليمين إن لم يعهد له مال، كما تقدم، وقوله لم يجز حبسه: أي لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (1) (وقوله: ولا ملازمته) أي دوام مطالبته (قوله: بل يمهل) أي ولا يحبس، ولا يطالب، بل تحرم مطالبته (قوله: وللدائن ملازمة من لم يثبت إعساره) أي مطالبته بدلا عن الحبس (قوله: ما لم يختر المدين) إظهار في مقام الإضمار (قوله: فيجاب) أي المدين. (وقوله: إليه) أي إلى ما اختاره، والفعل منصوب بأن مضمرة، لوقوعها بعد فاء السببية، الواقعة بعد النفي (قوله: وأجرة الحبس، وكذا الملازم) أي السجان على المدين، أي المحبوس، ومثل ذلك: نفقته، فهي عليه، هذا إذا كان له مال ظاهر، فإن لم يكن له مال: فعلى بيت المال، وإلا فعى مياسير المسلمين (قوله: وللحاكم منع المحبوس الاستئناس بالمحادثة) أي وشم الرياحين لترفه. (وقوله: وحضور الجمعة)، بالنصب: عطف على الاستئناس - أي ومنعه حضور الجمعة. (وقوله: وعمل الصنعة) أي ومنعه عمل الصنعة. والذي في فتح الجواد: لا يمنعه من عمل الصنعة. اه (قوله: إن رأي) أي الحاكم المصلحة فيه. أي في المنع المذكور (قوله: ويجوز لغريم المفلس الخ) ذلك لخبر الصحيحين إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها: فهو أحق بها من الغرماء ولخبر أبي هريرة أيما رجل أفلس، أو مات مفلسا: فصاحب المتاع أحق بمتاعه وخرج بغريم المفلس: غريم موسر ممتنع، أو غائب، أو ميت، وإن امتنع وارثه، فلا يرجع في متاعه، وذلك لإمكان الاستيفاء بالسلطان، وعجزه نادر. (وقوله: المحجور عليه) بدل من المفلس، أو صفة له. (وقوله: أو الميت) أي أو المفلس الذي مات، ولو قبل الحجر. (قوله: الرجوع) أي بشروط تسعة - أولها: كونه في معاوضة محضة كبيع، وهي التي تفسد بفساد المقابل، فخرج: النكاح، والخلع، فلو تزوج امرأة بصداق في ذمته، ودخل بها، ثم أفلس: فليس لها الرجوع في بعضها، أو خالعها على عوض في ذمتها، ثم حجر عليها بالفلس، فليس له الرجوع في المرأة. ثانيها: رجوعه عقب علمه بالحجر. ثالثها: كون رجوعه بنحو فسخت البيع. رابعها: كون عوضه غير مقبوض، فلو كان قبض منه شيئا: ثبت الرجوع بما يقابل الباقي. خامسها: تعذر استيفاء العوض بسبب الإفلاس. سادسها: كون العوض

_ (1) سورة البقرة، الاية: 280.

متاعه، إن وجد في ملكه ولم يتعلق به حق لازم، والعوض حال، وإن تفرخ البيض المبيع، ونبث البذر واشتد حب الزرع، لانها حدثت من عين ماله. ويحصل الرجوع من البائع، ولو بلا قاض، بنحو فسخت، ورجعت في المبيع - لا بنحو بيع وعتق فيه. فصل ـــــــــــــــــــــــــــــ دينا، فلو كان عينا: قدم بها على الغرماء سابعها: حلول الدين. ثامنها: بقاؤه في ملك المفلس. تاسعها: عدم تعلق حق لازم به. وقد ذكر المؤلف بعض هذه الشروط (قوله: فورا) خرج به تراخي العالم، بأن له ذلك فورا لتقصيره، بخلاف الجاهل، ولو كان مسلما مخالطا لنا: فيما يظهر، لخفاء ذلك على أكثر العامة، بل المتفقهة. وقوله إلى متاعه: أي كله، إن لم يقبض شيئا من الثمن، أو بعضه: إن قبض شيئا منه. (وقوله: إن وجد) أي المتاع في ملكه، أي المفلس وخرج به: ما لو خرج عن ملكه حسا أو شرعا: كتلف، وبيع، ووقف، فلا رجوع. (وقوله: ولم يتعلق به حق لازم) أي يمنع بيعه. وخرج به: ما لو تعلق به ذلك، كرهن مقبوض، وجناية توجب مالا متعلقا برقبته، وكتابة صحيحة، فلا رجوع أيضا. (وقوله: والعوض حال) أي دين حال وتعذر حصوله بسبب الإفلاس. فخرج بدين: العين، كما لو اشترى عبدا بأمة ولم يسلمها للبائع حتى حجر عليه، فيطالب البائع بها، ولا يرجع في العبد - وبحال: أي وقت الرجوع ما لو كان مؤجلا وقته وبتعذر حصوله بسبب الإفلاس: ما لو لم يتعذر بسببه - كأن كان به رهن يفي، أو ضمان ملئ مقر، فلا رجوع في جميع هذه المخرجات (قوله: وإن تفرخ البيض الخ) أي: له الرجوع في عين ماله، وإن تغيرت صفته: كأن صار البيض فرخا، أو صار البذر نباتا، أو صار الزرع مشتد الحب. وفي البجيرمي ما نصه: ولو تغيرت صفة المبيع حتى صار الحب زرعا أخضر، أو البيض فرخا، أو العصير خلا، أو الزرع مشتد الحب، أو زوجت الأمة وولدت، أو خلط الزيت أو نحوه من المثليات بمثله، أو بدونه: رجع البائع فيه نباتا، وفراخا، وخلا، ومشتد الحب، لأنها من عين ماله، اكتسبت صفة أخرى، فأشبه صيرورة الودي نخلا. اه. ابن حجر: قال سم: وقياسه على الودي في مجرد ثبوت الرجوع، فلا ينافي أن الزيادة في الودي إذا صار نخلا للبائع، كما هو ظاهر، بخلاف الزيادة في المذكورات، فإنها للمفلس. اه (قوله: ولو بلا قاض) أي فلا يحتاج في الرجوع إلى الرفع له. (وقوله: بنحو فسخت) متعلق بيحصل - أي يحصل بنحو فسخت العقد: كنقضته، أو أبطلته (قوله: لا بنحو بيع وعتق) أي لا يحصل الرجوع بنحو بيع وعتق من وقف ووطئ. قال في النهاية: وتلغو هذه التصرفات، لمصادفتها ملك الغير. اه. (وقوله: فيه) أي في المبيع. وفي: بمعنى اللام، أي له. والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل أي في بيان حجر المجنون والصبي والسفيه. (واعلم) أن الحجر نوعان: نوع شرع لمصلحة الغير قصدا وبالذات، كالحجر على المفلس للغرماء، والراهن للمرتهن في المرهون، والمريض للورثة في ثلثي ماله، والعبد لسيده، والمكاتب لسيده، ولله تعالى، والمرتد للمسلمين، ولها تراجم، تقدم بعضها، وبعضها يأتي. ونوع شرع لمصلحة المحجور عليه، وهو ما ذكر في هذا الفصل، وقد نظم بعضهم أقسام الحجر بنوعيه بقوله: ثمانية لم يشمل الحجر غيرهم تضمنهم بيت وفيه محاسن: صبي، ومجنون، سفيه، ومفلس رقيق، ومرتد، مريض، وراهن فالثلاثة الأول: حجر عليهم لحقهم، ومن بعدهم لحق غيرهم. والرقيق في البيت: شامل للقن وللمكاتب. وفي قوله لم يشمل الحجر غيرهم نظر ظاهر، وذلك لعدم انحصار النوع الأول، إذ منه: الحجر على السيد في العبد الذي

(يحجز بجنون إلى إفاقة وصبا إلى بلوغ) بكمال خمس عشرة سنة قمرية، تحديدا، بشهادة عدلين خبيرين، أو خروج مني، أو حيض، وإمكانهما ـــــــــــــــــــــــــــــ كاتبه، والحجر على الورثة في التركة، والحجر على المشتري في المبيع قبل القبض. وقد أنهاه بعضهم إلى نحو سبعين صورة، بل قال الأذرعي: هذا باب واسع جدا، لا تنحصر أفراد مسائله (قوله: يحجر بجنون الخ) وذلك لقوله تعالى: * (فإن كان الذي عليه الحق سفيها، أو ضعيفا، أو لا يستطيع أن يمل هو، فليملل وليه بالعدل) * (1) فجعل تعالى لهم أولياء، فدل على الحجر عليهم. وفسر الإمام الشافعي - رضي الله عنه - السفيه: بالمبذر، والضعيف: بالصبي، والذي لا يستطيع أن يمل هو: بالمغلوب على عقله - وهو المجنون - ثم إن معنى الحجر لغة: المنع. ومنه تسمية العقل حجرا: لمنعه صاحبه من ارتكاب ما لا يليق، وهذا إذا كان بفتح الحاء. وأما إذا كان بكسرها: فيطلق على الفرس، وعلى حجر إسماعيل، وعلى العقل وعلى حجر ثمود، وعلى المنع، وعلى الكذب، وعلى حجر الثوب ونظمها بعضهم في قوله: ركبت حجرا وطفت البيت خلف الحجروحزت حجرا عظيما ما دخلت الحجر لله حجر منعني من دخول الحجر ما قلت حجرا ولو أعطيت ملء الحجر فقوله ركبت حجرا: أي فرسا. وطفت البيت خلف الحجر: أي حجر إسماعيل. وحزت حجرا: أي عقلا، ما دخلت الحجر: أي حجر ثمود، لله حجر: أي منع، منعني من دخول الحجر: أي حجر ثمود، فهو مكرر، ما قلت حجرا: أي كذبا. ولو أعطيت ملء الحجر: أي حجر الثوب. ومعنى الحجر شرعا: منع من تصرف خاص بسبب خاص. والحاجر لغير السفيه، هو الولي الآتي بيانه. وللسفيه فيه تفصيل: حاصله أنه إن بلغ رشيدا، ثم بذر: يكون القاضي هو الحاجر، فهو وليه لا غير - فإن لم يحجر عليه: يسمى سفيها، مهملا، وتصرفاته غير نافذة. وقوله: بجنون: وهو يسلب العبارة، أي ما يعبر به عن المقصود: كعبارة المعاملة، والدين بكسر الدال كالبيع والإسلام. ويسلب الولاية: كولاية النكاح، والأيتام، وكالإيصاء. (وقوله: إلى إفاقة) أي ويستمر ذلك الحجر إلى إفاقة منه، فإذا أفاق: ينفك من الحجر بلا فك قاض، لأنه حجر ثبت بلا قاض، فلا يتوقف زواله على فكه (قوله: وصبا) معطوف على جنون: أي ويحجر بصبا قائم بذكر أو أنثى ولو مميزا، وهو أيضا يسلب العبارة والولاية، إلا ما استثني من عبادة مميز، وإذن في دخول، وإيصال هدية (قوله: إلى بلوغ) أي ويستمر حجره إلى بلوغ، فإذا بلغ: انفك من حجر الصبا. وعبر في المنهاج: ببلوغه رشيدا، ولا خلاف في ذلك، فمن عبر ببلوغه رشيدا: أراد الانفكاك الكلي. ومن عبر ببلوغه: فقد أراد الانفكاك من حجر الصبا فقط، وهذا أولى، لأن الصبا: سبب مستقل في الحجر، وكذا التبذير، وأحكامهما متغايرة (قوله: بكمال خمس عشرة سنة) متعلق بمحذوف: أي ويحصل البلوغ بكمال ذلك، لخبر ابن عمر عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، ولم يرني بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازني، ورآني بلغت رواه ابن حبان. وقوله: وأنا ابن خمس عشرة سنة: أي استكملتها، لأن غزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاث، والخندق في جمادى سنة خمس، فبينهما سنتان. وقوله تحديدا: قال في النهاية: فلو نقصت يوما لم يحكم ببلوغه، وابتداؤها من انفصال جميع الولد. اه (قوله: بشهادة عدلين خبيرين) متعلق بمحذوف أيضا: أي ويحكم له بالبلوغ بذلك بشهادة عدلين خبيرين، بأن عمره خمس عشرة سنة (قوله: أو خروج مني) معطوف على كمال خمس عشرة سنة: أي ويحصل البلوغ أيضا بخروج مني لآية * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) * (2) والحلم: الاحتلام وهو لغة: ما يراه النائم، أي من إنزال المني وقيل مطلقا. والمراد به هنا: خروج المني في نوم، أو يقظة: بجماع، أو غيره. قال في التحفة: وخرج بخروجه: ما لو أحس بانتقاله من صلبه، فأمسك ذكره، فرجع، فلا يحكم ببلوغه - كما لا غسل عليه - اه. (وقوله: أو حيض) معطوف على مني: أي أو خروج حيض (قوله: وإمكانهما) أي

_ (1) سورة البقرة، الاية: 282. (2) سورة النور، الاية: 59.

كمال تسع سنين. ويصدق مدعي بلوغ: بإمناء، أو حيض، ولو في خصومة، بلا يمين. إذ لا يعرف إلا منه. ونبت العانة الخشنة، بحيث تحتاج إلى الحلق في حق كافر: ذكر أو أنثى، أمارة على بلوغه بالسن أو الاحتلام. ومثله: ولد من جهل إسلامه، لا من عدم من يعرف سنه: على الاوجه، وقيل يكون علامة في حق المسلم أيضا. وألحقوا، بالعانة: الشعر الخشن في الابط، وإذا بلغ الصبي رشيدا: أعطى ماله والرشد: صلاح الدين، والمال، بأن لا يفعل محرما يبطل عدالة: من ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة مع عدم غلبة طاعاته معاصيه، ـــــــــــــــــــــــــــــ خروج المني، وخروج الحيض. (وقوله: كمال تسع سنين) أي قمرية تقريبا عند حجر. وعند م ر: تحديدا في خروج المني، وتقريبا في الحيض. وفرق بينهما: بأن الحيض ضبط له أقل وأكثر، فالزمن الذي لا يسع أقل الحيض والطهر: وجوده كالعدم، بخلاف المني (قوله: ويصدق مدعى الخ) أي إلا أن طلب سهم المقاتلة: كأن كان من الغزاة، أو طلب إثبات اسمه في الديوان، فإنه يحلف. اه. بجيرمي. (وقوله: ولو في خصومة) أي ولو في دعوى خصومة، وهو غاية لتصديقه في ذلك. (وقوله: بلا يمين) متعلق بيصدق. (وقوله: إذ لا يعرف) أي البلوغ بالإمناء أو الحيض. (وقوله: إلا منه) أي إلا من مدعيه (قوله: ونبت العانة الخ) مبتدأ، خيره أمارة. وذلك لخبر عطية القرظي قال: كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون من أنبت الشعر: قتل، ومن لم ينبت: لم يقتل، فكشفوا عانتي، فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي رواه ابن حبان والحاكم والترمذي، وقال حسن صحيح. ومثل نبت العانة في ذلك: الحبل، فهو أمارة على البلوغ بالإمناء، فيحكم بعد الوضع بالبلوغ قبله بستة أشهر ولحظة. (وقوله: الخشنة) ليس قيدا، بل المدار على ما يحتاج في إزالتها إلى حلق، ولو كانت ناعمة، (وقوله: في حق كافر) خرج به المسلم، فلا يكون علامة في حقه. (وقوله: أمارة على بلوغه) أي فإذا ادعى عدم البلوغ: لم يصدق (قوله: ومثله) أي الكافر في أن نبت العانة أمارة على ما ذكره. (وقوله: ولد من جهل إسلامه) أي لم يدر، هل هو مسلم أو كافر؟ (قوله: لا من عدم الخ) معطوف على ولد: أي ليس مثله من عدم من يعرف سنه، أي أن من عدم الشهود الذين يعرفون سنه: لا يكون مثل الكافر، في كون نبات العانة أمارة على بلوغه (قوله: وقيل يكون) أي نبت العانة. وقوله علامة في حق المسلم أيضا: أي كما أنه علامة في حق الكافر (قوله: وألحقوا الخ) عبارة التحفة: وخرج بها نبات نحو اللحية، فليس بلوغا، كما صرح به في الشرح الصغير في الإبط، وألحق به اللحية والشارب بالأولى، فإن البغوي ألحق الإبط بالعانة، دونهما. وفي كل ذلك نظر، بل الشعر الخشن من ذلك - كالعانة - في ذلك، وأولى، إلا أن يقال: إن الاقتصار عليهما أمر تعبدي. اه (قوله: وإذا بلغ الصبي رشيدا: أعطي ماله) أي لزوال المانع، ولآية * (فإن آنستم منهم رشدا، فادفعوا إليهم أموالهم) * (1) فلو بذر بعد بلوغه رشيدا، بأن زال صلاح تصرفه في ماله، حجر عليه الحاكم، دون غيره: من أب، أو جد، وذلك لقوله تعالى: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * (2) أي لا تؤتوا أيها الأولياء: السفهاء المبذرين، من الرجال، والنساء، والصبيان، أموالهم التي تحت أيديكم. فإضافة أموال إلى المخاطبين: لأدنى ملابسة. ولو زال صلاحه في دينه مع بقاء صلاحه في ماله بعد رشده: لم يحجر عليه، لأن السلف: لم يحجروا على الفسقة (قوله: والرشد صلاح الدين والمال) أي معا، كما فسره به ابن عباس رضي الله عنهما في آية * (فإن آنستم منهم رشدا) * (3) وقيل هو صلاح المال فقط، وعليه الإمام مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما، ومال إليه ابن عبد السلام. ويختبر، وجوبا، رشد الصبي في الدين والمال قبيل البلوغ، ليعرف رشده وعدمه، لآية * (وابتلوا اليتامى) * (4) واليتيم: إنما يقع على غير البالغ، أما في الدين: فبمشاهدة حاله في العبادات بقيامه بالواجبات، واجتنابه المحظورات والشبهات. وأما في المال: فيختلف بمراتب الناس، فيختبر ولد تاجر: بمشاحة في معاملة، ويسلم له المال ليماكس لا ليعقد، ثم إن أريد العقد: عقد وليه. ويختبر ولد زراع: بزراعة، ونفقة عليها، بأن

_ (1) سورة النساء، الاية:: 6. (2) سورة النساء، الاية:: 5. (3) سورة النساء، الاية:: 6. (4) سورة النساء، الاية:: 6.

وبأن لا يبذر بتضييع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة، وإنفاقه، ولو فلسا في محرم. وأما صرفه في الصدقة، ووجوه الخير، والمطاعم، والملابس، والهدايا التي لا تليق به، فليس بتبذير. وبعد إفاقة المجنون وبلوغ الصبي - ولو بلا رشد - يصح الاسلام، والطلاق، والخلع، وكذا التصرف المالي بعد الرشد. وولي ـــــــــــــــــــــــــــــ ينفق على القائمين بمصالح الزرع، ويختبر ولد المحترف: بما يتعلق بحرفته. وتختبر المرأة: بأمر غزل، وصون نحو أطعمة عن نحو هرة. ويختبر الخنثي: بما يختبر به الذكر والأنثى. ويشترط: تكرر الاختبار مرتين أو أكثر، حتى يغلب على الظن رشده، فلا تكفي المرة، لأنه قد يصيب فيها، اتفاقا (قوله: بأن لا يفعل محرما) تصوير لصلاح الدين. واحترز بالمحرم، عما يمنع قبول الشهادة لإخلاله بالمروءة، كالأكل بالسوق، فلا يمنع الرشد، لأن الإخلال بالمروءة: ليس بحرام على المشهور. (وقوله: من ارتكاب كبيرة) أي مطلقا. غلبت طاعاته معاصيه أو لا (قوله: مع دم غلبة طاعاته معاصيه) راج للإصرار على الصغيرة، فإن أصر عليها لكن مع غلبة طاعاته معاصيه. بأن يكون مواظبا على فعل الواجبات، وترك المنهيات، يكون رشيدا (قوله: وبأن لا يبذر الخ) تصوير لصلاح المال (قوله: باحتمال الخ) قال البجيرمي: لم يظهر للفظ احتمال فائدة، فلعلها زائدة. فتأمل. (وقوله: غبن فاحش في المعاملة: أي وقد جهله حال المعاملة، فإن كان عالما به: كان الزائد صدقة خفية محمودة (واعلم) أنه لا يصح تصرف المبذر ببيع ولا غيره، كما سيأتي، قال سم: وقد يشكل عليه قصة حبان بن منقذ: أنه كان يخدع في البيوع، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال له من بايعت فقال لا خلابة الخ، فإنها صريحة في أنه كان يغبن، وفي صحة بيعه مع ذلك، لانه - صلى الله عليه وسلم - لم يمنعه من ذلك، بل أقره، وأرشده إلى اشتراط الخيار إلا أن يجاب بأنه: من أين كان يغبن غبنا فاحشا؟ فلعله إنما كان يغبن غبنا يسيرا. ولو سلم: فمن أين أن غبنه كان عند بلوغه؟ فلعله عرض له بعد بلوغه رشيدا، ولم يحجر عليه، فيكون سفيها مهملا، وهو يصح تصرفه، لكن قد يشكل على الجواب بما ذكر: أن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم في المقال، وقد أقره - صلى الله عليه وسلم - على المبايعة، وأرشده إلى اشتراط الخيار، ولم يستفصل عن حاله: هل طرأ له بعد بلوغه رشيدا أو لا؟ وهل كان الغبن فاحشا أو يسيرا؟ فليتأمل. اه (قوله: أيضا - غبن فاحش) هو ما لا يحتمل غالبا. وخرج به: اليسير - كبيع ما يساوي عشرة من الدراهم: بتسعة منها، فلا يكون مبذرا به (قوله: وإنفاقه) معطوف على احتمال: أي أو بتضييع المال بإنفاقه الخ. ومثله: رميه في بحر. (وقوله: ولو فلسا) أي جديدا. وهو قطعة من النحاس كانت معروفة. (وقوله: في محرم) متعلق بإنفاق: أي إنفاقه في محرم، أي ولو صغيرة، لما فيه من قلة الدين (قوله: وأما صرفه) أي المال، وهو مقابل إنفاقه في محرم (قوله: ووجوه الخير) معطوف على الصدقة: عطف عام على خاص (قوله: التي لا تليق به) صفة للثلاثة قبله (قوله: فليس بتبذير) أي على الأصح، لأن له في ذلك غرضا صحيحا، وهو الثواب، أو التلذذ. ومن ثم قالوا: لا سرف في الخير، كما لا خير في السرف. وفرق الماوردي بين التبذير والسرف، بأن الأول: الجهل بمواقع الحقوق. والثاني: الجهل بمقاديرها. وكلام الغزالي يقتضي ترادفهما، ويوافقه قول غيره: حقيقة السرف ما يقتضي حمدا عاجلا، ولا أجرا آجلا. ومقابل الأصح: يكون مبذرا فيها إن بلغ مفرطا في الإنفاق، فإن بلغ مقتصدا ثم عرض له ذلك بعد البلوغ، فلا (قوله: وبعد إفاقة) متعلق بقوله بعد يصح الخ (والحاصل) إذا زال المانع من الجنون والصبا بالإفاقة في الأول، وبالبلوغ في الثاني: يرتفع حجر الجنون وحجر الصبا. وتقدم أن الصبي: مسلوب العبارة والولاية، فلا يصح عقوده، ولا إسلامه، ولو مميزا، ولا يكون قاضيا، ولا واليا، ولا يلي النكاح، إلا ما استثنى من عبادة المميز، والإذن في الدخول، وأن المجنون مسلوب ما ذكر من غير استثناء شئ، فإذا أفاق المجنون: صح منه جميع ما ذكر، أو بلغ الصبي كذلك: يصح منه جميع ما ذكر، إلا إن بلغ غير رشيد بعدم صلاحه في دينه وماله، فحينئذ يعتريه مانع آخر، وهو السفه. وحكم السفيه أنه مسلوب العبارة في التصرف المالي كبيع، وشراء، ولو بإذن الولي: إلا عقد النكاح منه بإذن وليه، فيصح، وتصح عبادته، بدنية، أو مالية، واجبة، ولكن لا يدفع المال، كالزكاة، بلا إذن من وليه، أما المالية المندوبة، كصدقة التطوع، فلا تصح منه (قوله: وكذا التصرف المالي) أي وكذلك يصح منه التصرف المالي. (وقوله بعد الرشد) قيد في صحة التصرف المالي منه - كما مر -

الصبي: أب عدل، فأبوه وإن علا، فوصي فقاضي بلد المولى، إن كان عدلا أمينا، فإن كان ماله ببلد آخر: فولي ماله قاضي بلد المال - في حفظه، وبيعه، وإجارته عند خوف هلاكه - فصلحاء بلده ويتصرف الولي بالمصلحة ويلزمه حفظ ماله، واستنماؤه قدر النفقة، والزكاة، والمؤن، إن أمكنه، وله السفر به في طريق آمن لمقصد آمن برا، لا بحرا، وشراء عقار يكفيه غلته أولى من التجارة، ولا يبيع عقاره إلا لحاجة أو غبطة ظاهرة وأفتى بعضهم ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وولي الصبي إلخ) شروع في بيان من يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه. والمراد بالصبي: الجنس، فيشمل الصبية. قال في التحفة: وخرج بالصبي: الجنين، فلا ولاية لهؤلاء على ماله ما دام مجتنا: أي بالنسبة للتصرف فيه، لا لحفظه. ولا ينافيه ما يأتي من صحة الإيصاء عليه، ولو مستقلا، لأن المراد، كما هو ظاهر، أنه إذا ولد: بان صحة الإيصاء. (وقوله: أب عدل، فأبوه وإن علا) أي كولاية النكاح، وإنما لم يثبت بعدهما لباقي العصبة، كالنكاح، لقصور نظرهم في المال، وكماله في النكاح. وتكفي عدالتهما الظاهرة: لوفور شفقتهما. فان فسقا: نزع الحاكم منهما المال - كما ذكره في باب الوصية. اه. نهاية. ولا يشترط إسلامهما، إلا أن يكون الولد مسلما، إذ الكافر يلي ولده الكافر، لكن إن ترافعوا إلينا: لم تقرهم، ونلي نحن أمرهم. اه. شرح المنهج (قوله: فوصي) أي ممن تأخر موته من الأب وأبيه، لقيامه مقامه، وشرطه العدالة أيضا (قوله: فقاضي بلد المولي) أي لخبر السلطان: ولي من لا ولي له رواه الترمذي والحاكم وصححه (قوله: إن كان) أي القاضي عدلا أمينا، فلو لم يوجد إلا قاض فاسق، أو غير أمين: كانت الولاية لصلحاء المسلمين، كما سيذكره بعد بقوله: فصلحاء الخ. (قوله: فإن كان ماله) أي الصبي. (وقوله: ببلد آخر) أي غير بلد الصبي. (وقوله: قولي ماله قاضي بلد المال في حفظه الخ) أي في هذه المذكورات فقط، أما بالنسبة لاستنمائه: فالولاية عليه لقاضي بلد المولي. وعبارة التحفة: والعبرة بقاضي بلد المولي - أي وطنه - وإن سافر عنه بقصد الرجوع إليه، كما هو ظاهر في التصرف والاستنماء، وبقاضي بلد ماله: في حفظه، وتعهده، ونحو بيعه، وإجارته عند خوف هلاكه. اه (قوله: فصلحاء بلده) أي فإذا لم يوجد أحد من الأولياء المذكورين، فالولاية تكون لصلحاء المسلمين من أهل بلده - في النظر في مال محجورهم وتولى حفظه لهم - وفي النهاية: وأفتى ابن الصلاح فيمن عنده يتيم أجنبي، ولو سلمه لحاكم خان فيه - بأنه بجوز التصرف في ماله - للضرورة. اه (قوله: ويتصرف الولي) أي أبا أو غيره: بالمصلحة، وذلك لقوله تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * وقوله: تعالى: * (وإن تخالطوهم فإخوانكم، والله يعلم المفسد من المصلح) * ومن المصلحة: بيع ما وهبه له أصله بثمن مثله: خشية رجوعه فيه، وبيع ما خيف خرابه، أو هلاكه، أو غصبه، ولو بدون ثمن مثله، (قوله: ويلزمه حفظ ماله) أي يلزم الولي حفظ مال المولي: من أسباب التلف (قوله: واستنماؤه) أي ويلزمه استنماؤه: أي طلب نموه وتكثيره. قال ع ش: فلو ترك استنماءه مع القدرة عليه، وصرف ماله عليه في النفقة: فهل يضمنه أو لا؟ فيه نظر. وقياس ما يأتي - فيما لو ترك عمارة العقار حتى خرب: الضمان، وقد يفرق بأن ترك العمارة يؤدي إلى فساد المال، وترك الاستنماء إنما يؤدي إلى عدم التحصيل، وإن ترتب عليه ضياع المال في النفقة. اه. (وقوله: إن أمكنه) أي الاستنماء المذكور (قوله: وله السفر به) أي للولي السفر بمال المولي، (وقوله: في طريق آمن لمقصد آمن) خرج بذلك ما لو كان الطريق أو المقصد الذي يقصده مخوفا، فإنه يمتنع عليه السفر به. وكتب ع ش ما نصه: قوله: في زمن أمن، مفهومه أنه لو احتمل تلفه في السفر: امتنع. وفي سم على المنهج: فيه تردد، فليراجع، والأقرب المفهوم: المذكور، حيث قوي جانب الخوف. اه (قوله: برا لا بحرا) أي له السفر به في البر، لا في البحر، وإن غلبت السلامة فيه، لأنه مظنة عدمها. قال ع ش: ظاهره ولو تعين طريقا، وهو كذلك، حيث لم تدع ضرورة إلى السفر به. وقال في التحفة: نعم، إن كان الخوف في السفر ولو بحرا أقل منه في البلد ولم يجد من يقترضه: سافر به. (قوله: وشراء عقار يكفيه غلته) أي يكفي المولى غلته نفقة وكسوة وغيرهما (قوله: أولى

_ (1) سورة الانعام، الاية:: 152. (1) سورة البقرة، الاية:: 220.

بأن للولي الصلح على بعض دين المولي إذا تعين ذلك طريقا لتخليص ذلك البعض، كما أن له، بل يلزمه، دفع بعض ماله لسلامة باقية. انتهى. وله بيع ماله نسيئة لمصلحة، وعليه أن يرتهن بالثمن رهنا وافيا إن لم يكن المشتري موسرا. ولولي إقراض مال محجور لضرورة. ولقاض ذلك مطلقا، بشرط كون المقترض مليئا أمينا، ـــــــــــــــــــــــــــــ من التجارة) هو خبر عن المبتدأ الذي هو شراء. قال في النهاية: ومحله عند الأمن عليه من جور السلطان وغيره، أو خراب للعقار ولم يجد به ثقل خراج. اه (قوله: ولا يبيع عقاره) أي لا يبيع الولي عقار المولي، لأنه أسلم وأنفع من غيره. وفي المغني: وكالعقار، فيما ذكر، آنية القنية من نحاس وغيره، كما ذكره ابن الرفعة عن البندنيجي، قال: وما عداهما لا يباع أيضا، إلا لغبطة أو حاجة، لكن يجوز لحاجة يسيرة، وربح قليل لائق، بخلافهما. وينبغي. كما قال ابن الملقن، أنه يجوز بيع أموال التجارة من غير تقييد بشئ، بل لو رأى البيع بأقل من رأس المال، ليشتري بالثمن ما هو مظنة للربح: جاز، كما قاله بعض المتأخرين، اه (قوله: إلا لحاجة) أي كخوف ظالم، أو خرابه، أو عمارة بقية أملاكه، أو لنفقته وليس له غيره ولم يجد مقرضا، أو رأى المصلحة في عدم القرض، أو لكونه بغير بلده ويحتاج لكثرة مؤنة لمن يتوجه لإيجاره وقبض غلته، ويظهر ضبط هذه الكثرة، بأن تستغرق أجرة العقار أو قريبا منها، بحيث لا يبقى منها إلا مالا وقع له عرفا. اه. تحفة. (وقوله: أو غبطة ظاهرة) أي بأن يرغب فيه بأكثر من ثمن مثله، وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن أو خيرا منه بكله وفي البجيرمي ما نصه. تنبيه: المصلحة أعم من الغبطة، إذ الغبطة: بيع بزيادة على القيمة لها وقع، والمصلحة لا تستلزم ذلك، لصدقها بنحو شراء ما يتوقع فيه الربح، وبيع ما يتوقع فيه الخسران لو بقي. اه (قوله: وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح على بعض دين المولي. الخ) قال في التحفة، بعد ذكر الإفتاء المذكور، وفيه نظر: إذ لا بد في صحة الصلح من الإقرار. اللهم إلا أن يفرض خشية ضياع البعض، ولو مع الإقرار، ويتعين الصلح، لتخليص الباقي. اه. وكتب السيد عمر البصري على قول التحفة، وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح الخ، ما نصه: يؤخذ منه بعد التأمل أن المراد جواز إقدام الولي على ذلك للضرورة، لا صحة الصلح المذكور في نفس الأمر، فإنها مسكوت عنها. وحينئذ: فلا فرق بين الإقرار وعدمه، وأن بقية ماله باق بذمة المدين باطنا، بل وظاهرا إذا زال المانع وتيسر استيفاء الحق منه، كما في المسألة المنظر بها، وهي دفع بعض ماله لسلامة باقيه، فإنه يجوز للولي الإقدام عليه، لأنه عقد صحيح يملكه به الآخذ، بل هو ضامن له مطلقا على ما تقرر. اه (قوله: إذا تعين ذلك) أي الصلح على بعض دين المولي. (وقوله: لتخليص ذلك البعض) أي المصالح عليه، أي على أخذه، وذلك لأن القاعدة: أن الصلح يتعدى بالباء. وعلى: للمأخوذ، وبمن وحتى: للمتروك (قوله: كما أن له، بل يلزمه) الكاف للتنظير، والضمير أن للولي. (وقوله: دفع بعض ماله) إسم أن مؤخر، وفاعل يلزم: يعود عليه، وهو وإن كان مؤخرا لفظا: مقدم رتبة، وضمير ماله يعود على المولي (قوله: وله) أي للولي. (وقوله بيع ماله) أي المولي. (وقوله نسيئة) أي بأجل. واشترط يسار المشتري، وعدالته، وزيادة على النقد تليق بالنسيئة، وقصر الأجل عرفا. اه. تحفة. (وقوله: لمصلحة) أي كربح، وخوف من نهب (قوله: وعليه أن يرتهن إلخ) أي ويجب على الولي أن يرتهن بالثمن رهنا واقيا، ويستثني من ذلك: ما لو باع مال ولده من نفسه نسيئة، لأنه أمين في حق ولده. ويجب عليه أيضا: أن يشهد على البيع (قوله: إن لم يكن المشتري موسرا) مفهومه أنه إن كان موسرا: لا يجب عليه الارتهان، وهذا هو ما قاله الإمام، واقتضاه كلام الشيخين، ولم يرتضه في التحفة، ونصها، بعد كلام، ولا تغني عنه، أي الارتهان - ملاءة المشتري، لأنه قد يتلف احتياطا للمحجور، فإن ترك واحد مما ذكر، أي الإشهاد، والارتهان، بطل البيع، إلا إذا ترك الرهن والمشتري موسر على ما قاله الإمام، واقتضاه كلامهما، وقال السبكي: لا استثناء، وضمن. نعم: إن باعه لمضطر لا رهن معه: جاز. اه (قوله: ولولي الخ) أي ويجوز لولي، أن يقرض مال موليه إذا كان لضرورة، فإن لم توجد: امتنع عليه أن يقرضه، كما مر في القرض - وعبارته هناك: ويمتنع على ولي قرض مال موليه بلا ضرورة. نعم: يجوز للقاضي إقراض مال المحجور عليه بلا ضرورة، لكثرة أشغاله، إن كان المقترض أمينا موسرا. اه (قوله:

ولا ولاية لام على الاصح، ومن أدلى بها، ولا لعصبة. نعم، لهم الانفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه، لانه قليل، فسومح به عند فقد الولي الخاص. ويصدق أب أو جد في أنه تصرف لمصلحة بيمينه، وقاض بلا يمين، إن كان ثقة عدلا، مشهور العفة، وحسن السيرة، لا وصي، وقيم، وحاكم، وفاسق، بل المصدق بيمينه هو المحجور، حيث لا بينة، لانهم قد يتهمون. ومن ثم: لو كانت الام وصية كانت كالاولين، وكذا آباؤها. (فرع) ليس لولي أخذ شئ من مال موليه إن كان غنيا مطلقا، فإن كان فقيرا وانقطع بسببه عن كسبه: أخذ قدر نفقته، وإذا أيسر: لم يلزمه بدل ما أخذه. قال الاسنوي: هذا في وصي وأمين، أما أب أو جد، فيأخذ قدر كفايته - اتفاقا - سواء الصحيح وغيره. وقيس بولي اليتيم فيما ذكر: من جمع مالا لفك أسير، أي مثلا، فله إن كان فقيرا الاكل منه. وللاب والجد: استخدام محجوره فيما لا يقابل بأجرة ولا يضربه على ذلك، خلافا لمن ـــــــــــــــــــــــــــــ ولقاض) أي ويجوز لقاض. (وقوله: ذلك) أي الإقراض. (وقوله: مطلقا) أي وجدت ضرورة، أو لم توجد (قوله: بشرط الخ) ظاهر صنيعه أنه مرتبط بقوله لقاض فقط، لكن المعنى يقتضي أن الولي غير القاضي مثله (قوله: ولا ولاية لأم على الأصح) أي قياسا على النكاح، ومقابله أنها تلي بعد الأب والجد، وتقدم على وصيهما، لكمال شفقتها (قوله: ومن أدلى بها) أي ولا ولاية لمن أدلى إلى المحجور بالأم: كالأخ للأم (قوله: ولا لعصبة) أي ولا ولاية لعصبة: كالأخ، وابنه، والعم. (قوله: نعم. لهم الخ) أي يجوز للعصبة، أي العدل منهم، الإنفاق على الطفل فيما يحتاجه من ماله. (وقوله: عند فقد الولي الخاص) هو الأب، فأبوه - وإن علا. قال في التحفة: وقضيته أن له - أي للعدل منهم - ذلك، ولو مع وجود قاض، وهو متجه إن خيف منه عليه، بل في هذه الحالة: للعصبة، وصلحاء بلده، بل عليهم، كما هو ظاهر، تولي سائر التصرفات في ماله بالغبطة: بأن يتفقوا على مرضي منهم يتولى ذلك، ولو بأجرة. اه (قوله: ويصدق أب أو جد) أي فيما إذا ادعى الولد عليهما بعد بلوغه، أو إفاقته، أو رشده - بأن تصرفكما من غير مصلحة، وادعيا أنه بمصلحة: فيصدقان باليمين، لأنهما لا يتهمان: لوفور شفقتهما (قوله: وقاض بلا يمين) أي ويصدق قاض من غير يمين (قوله: إن كان) أي القاضي (قوله: لا وصي وقيم وحاكم وفاسق) أي لا يصدقون في أن تصرفهم لمصلحة (قوله: حيث لا بينة) أي تشهد بمدعاهم - فإن وجدت: فهم المصدقون (قوله: لأنهم قد إلخ) أي لا يصدقون، لأنهم قد يتهمون (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل التعليل المذكور: يؤخذ أنه لو كانت الأم وصية: كانت كالأولين - أي الأب والجد: أي فتصدق باليمين. وذلك لعدم التهمة (قوله: وكذا آباؤها) أي: وكذا يصدق آباؤها لو كانوا أوصياء (قوله: فرع إلخ) الأولى: فروع - كما هو ظاهر - (قوله: ليس لولي الخ) أي يحرم عليه ذلك (قوله: إن كان) أي الولي. وقوله: مطلقا أي سواء انقطع بسببه عن كسبه أم لا (قوله: فإن كان فقيرا الخ) مقابل قوله غنيا (قوله: أخذ قدر نفقته) قال في التحفة: ورجح المصنف أنه يأخذ الأقل منها ومن أجرة مثله. اه (قوله: وإذا أيسر) أي الولي. (وقوله: لم يلزمه بدل ما أخذه) أي لم يلزمه أن يدفع لموليه بدل ما أخذه من ماله (قوله: هذا) أي ما ذكر، من التفصيل بين الفقير المنقطع عن كسبه، والغني، (وقوله: في وصي وأمين) أي وقيم (قوله: سواء الصحيح وغيره) في بعض نسخ الخط: سواء الموسر الصحيح وغيره، لكن الموافق للتحفة: الأول، وقال فيها: واعترض بأنه إن كان مكتسبا: لا تجب نفقته، ويرد بأن المعتمد أنه لا يكلف الكسب، فإن فرض أنه اكتسب ما لا يكفيه: لزم فرعه تمام كفايته، وحينئذ فغاية الأصل هنا أنه اكتسب دون كفايته، فيلزم الولد تمامها، فاتجه أن له أخذ كفاية البعض في مقابلة عمله، والبعض لقرابته. اه (قوله: فيما ذكر) أي في التفصيل المذكور (قوله: أي مثلا) أي أن فك الأسير: ليس بقيد، بل مثله: إصلاح ثغر، أو حفر بئر، أو تربية يتيم (قوله: فله) أي لمن جمع مالا لما ذكر، وهذا بيان لمن ذكر. (وقوله: إن كان فقيرا) أي وانقطع بسببه عن كسبه. وقوله الأكل منه، قال في التحفة بعده: كذا قيل، والوجه أن يقال فله أقل الأمرين، أي السابقين، اه (قوله: وللأب والجد: استخدام محجوره إلخ) أي من غير أجرة. قال في التحفة: وله إعارته لذلك، ولخدمة من يتعلم منه ما ينفعه دينا أو دنيا، وإن قوبل بأجرة، كما يعلم مما

جزم بأن له ضربه عليه، وأفتى النووي بأنه لو استخدم ابن ابنته: لزمه أجرته إلى بلوغه ورشد، وإن لم يكرهه. ولا يجب أجرة الرشيد إلا إن أكره. ويجري هذا في غير الجد للام، وقال الجلال البلقيني: لو كان للصبي مال غائب فأنفق وليه عليه من مال نفسه بنية الرجوع، إذا حضر ماله رجع، إن كان أبا أو جدا، لانه يتولى الطرفين، بخلاف غيرهما: أي حتى الحاكم، بل يأذن لمن ينفق، ثم يوفيه وأفتى جمع فيمن ثبت له على أبيه دين فادعى إنفاقه عليه: بأنه يصدق هو أو وارثه باليمين. فصل في الحوالة ـــــــــــــــــــــــــــــ يأتي أول العارية - اه. (وقوله: فيما لا يقابل بأجرة) قضيته أنه لو استخدمه فيما يقابل بها: لزمته، وإن لم يكرهه، لكنه بولايته عليه إذا قصد بإنفاقه عليه جعل النفقة في مقابلة الأجرة اللازمة برئت ذمته. اه. بجيرمي (قوله: ولا يضر به على ذلك) أي على الاستخدام (قوله: وأفتى النووي بأنه لو استخدم) أي الجد من الأم المعلوم من المقام. (وقوله: لزمه أجرته إلى بلوغه رشده) قال في التحفة، أي لأنه ليس من أهل التبرع بمنافعه المقابلة بالعوض. اه (قوله: وإن لم يكرهه) أي على الاستخدام، وهو غاية للزوم الأجرة (قوله: ولا يجب أجرة الرشيد) أي في مقابلة الاستخدام. (وقوله: إلا إن أكره) أي عليه، فإن لم يكره: فلا أجرة (قوله: ويجري هذا) أي التفصيل بين لزوم الأجرة على من استخدمه إلى البلوغ والرشد، وعدم لزومها عليه بعده، إلا إن أكره وقوله في غير الجد للأم: يشمل الأب والجد للأب اه. سم. وهذا لا ينافي ما قبل الإفتاء، لأنه مفروض فيما لا يقابل بأجرة، وهذا فيما يقابل بها. فتأمل (قوله: لو كان للصبي مال غائب) أي عن بلده (قوله: من مال نفسه) متعلق بأنفق: أي أنفق الولي عليه من ماله. (وقوله: بنية الرجوع) متعلق بأنفق (قوله: إذا حضر ماله) أي الصبي. والظرف متعلق بالرجوع (قوله: رجع) جواب لو، وضميره المستتر يعود على الولي (قوله: إن كان إلخ) قيد في الرجوع (قوله: لأنه) أي من ذكر من الأب أو الجد يتولى الطرفين: أي الإيجاب والقبول، وهو تعليل لرجوعه إذا نواه عند الإنفاق (قوله: بخلاف غيرهما) أي غير الأب والجد من بقية الأولياء، فإنه إذا أنفق من مال نفسه على الصبي: لا يرجع، ولو نوى الرجوع عند الإنفاق، لعدم صحة تولية الطرفين (قوله: بل يأذن الخ) أي بل إذا أراد غيرهما - الصادق بالحاكم - الرجوع: يأذن لمن ينفق عليه، ثم إذا حضر ماله: يوفيه منه (قوله: فادعى إنفاقه عليه) أي فادعى الأب أنه أنفق ما ثبت في ذمته على ابنه (قوله: بأنه إلخ) متعلق بأفتى: أي أفتى بأن الأب يصدق باليمين، وإذا مات: قام وارثه مقامه. والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل في الحوالة أي في بيان حكمها، وبيان بعض أركانها، وشرائطها، وهي بفتح الحاء، وحكي كسرها، لغة: التحول، والانتقال. وشرعا عقد يقتضي تحول دين من ذمة إلى ذمة. وقد تطلق على هذا الانتقال نفسه. والأصل فيها قبل الإجماع: خبر الشيخين: مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على ملئ - بالهمز - فليتبع بتشديد التاء، أو سكونها، وتفسره رواية البيهقي وإذا أحيل أحدكم على ملئ، فليحتل وقوله: مطل الغني ظلم أي إطالة المدافعة فسق. قال في التحفة: ويؤخذ منه أن المطل كبيرة، لأنه جعله ظلما، فهو كالغصب، فيفسق بمرة منه. قال السبكي: مخالفا للمصنف في اشتراط تكرره نقلا عن مقتضى مذهبنا، وأيده غيره بتفسير الأزهري للمطل، بأنه إطالة المدافعة، أي فالمرة لا تسمى مطلا، ويخدشه، أي يضعفه، حكاية المصنف اختلاف المالكية: هل يفسق بمرة منه أو لا؟ فاقتضى اتفاقهم على أنه لا يشترط في تسميته مطلا تكرره، وإلا لم يأت اختلافهم. وقد يؤيد هذا تفسير القاموس له بأنه، أي المطل، التسويق بالدين، وبه يتأيد ما قاله السبكي. اه. والأصح أنها بيع دين بدين جوز للحاجة، وذلك لأن المحيل: باع ما في

(تصح حوالة بصيغة) وهي إيجاب من المحيل: كأحلتك على فلان بالدين الذي لك علي، أو نقلت حقك إلى فلان، أو جعلت مالي عليه لك، وقبول من المحتال بلا تعليق، ويصح بأحلني، (وبرضا محيل، ومحتال) ولا يشترط رضا المحال عليه. (ويلزم بها) أي الحوالة (دين محتال محالا عليه) فيبرأ المحيل بالحوالة عن دين المحتال، والمحال عليه عن دين المحيل، ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه إجماعا، (فإن تعذر أخذه منه بفلس) حصل للمحال عليه، وإن قارن الفلس الحوالة، (أو جحد) أي إنكار منه للحوالة، أو دين المحيل وحلف عليه، أو بغير ذلك: كتعزز المحال عليه، وموت شهود الحوالة: (لم يرجع) المحتال (على ـــــــــــــــــــــــــــــ ذمة المحال عليه بما في ذمته للمحتال، والمحتال: باع ما في ذمة المحيل بما في ذمة المحال عليه. فالبائع: المحيل، والمشتري: المحتال، والمبيع: دين المحيل، والثمن: دين المحتال. وقيل إنها استيفاء حق (قوله: تصح حوالة بصيغة). (واعلم) أن أركان الحوالة ستة: محيل، ومحتال، ومحال عليه، ودينان: دين للمحتال على المحيل، ودين للمحيل على المحال عليه، وصيغة. وشرائط الحوالة خمسة: رضا المحيل والمحتال. وثبوت الدينين الذي على المحيل والذي على المحال عليه، فلا تصح ممن لا دين عليه، ولا على من لا دين عليه. وصحة الإعتياض عنهما: فلا تصح بدين السلم ورأس ماله، ولا عليهما، لعدم صحة الإعتياض عنهما، وكذا لا تصح بدين الجعالة قبل الفراغ من العمل ولا عليه لما ذكر. والعلم بالدينين قدرا وصفة وجنسا: فلو جهل ذلك العاقدان، أو أحدهما، فهي باطلة. وتساويهما كذلك: فلو عدم التساوي، أو جهل، فهي باطلة. (قوله: وهي) أي الصيغة (قوله: كأحلتك على فلان بالدين الذي لك علي) قال في التحفة: فإن لم يقل بالدين، فكناية اه. وقال م ر: هو صريح، وإن لم يقل بالدين الذي لك علي ولم ينوه - فعلى ما جرى عليه حجر: أن الكناية تدخل الحوالة، وعلى ما جرى عليه م ر: أنها لا تكون إلا صريحة، فلا تدخلها الكناية. (قوله: أو نقلت إلخ) أشار به إلى أنه لا يتعين في الصيغة لفظ الحوالة، بل يكفي ما يؤدي معناها: كنقلت حقك إلى فلان، أو جعلت ما أستحقه على فلان لك، أو ملكتك الدين الذي عليه. والمعتمد، عند الرملي، عدم الإنعقاد بلفظ البيع، ولو نواها. وعند ابن حجر: الانعقاد إن نواها (قوله: وقبول) بالرفع، عطف على إيجاب (قوله: بلا تعليق) راجع للإيجاب والقبول، كما في البيع (قوله: ويصح) أي القبول بلفظ أحلني: أي فهو استيجاب قائم مقام القبول، ومثله: ما لو قال احتل على فلان بما لك علي من الدين، فقال: احتلت، أو قبلت، فيكون استقبالا قائما مقام الإيجاب. أفاده ع ش (قوله: وبرضا محيل ومحتال) هذا مستغنى عنه بالصيغة، إذ الإيجاب والقبول يتضمن رضاهما، إلا أن يقال ليس هو مقصودا بالذات، بل المقصود: مفهومه، وهو قوله بعد: ولا يشترط رضا المحال عليه. والمحيل: هو من عليه الدين للمحتال. والمحتال: هو من له الدين على المحيل (قوله: ولا يشترط رضا المحال عليه) أي لأنه محل الحق، فلمن له الحق أن يستوفيه بنفسه وبغيره (قوله: ويلزم بها الخ) شروع في فائدة الحوالة المترتبة عليها، وحاصلها براءة ذمة المحيل من دين المحتال، وبراءة ذمة المحال عليه من دين المحيل، وتحول حق المحتال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. وقوله دين محتال: أي نظيره يصير في ذمة المحال عليه. (قوله: فإن تعذر أخذه) أي المحتال على إضافة المصدر لفاعله أو الدين على إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل. (وقوله: منه) أي من المحال عليه (قوله: بفلس) متعلق بتعذر، والباء سببية: أي تعذر الأخذ بسبب فلس. (وقوله: حصل للمحال عليه) المقام للإضمار، فكان عليه أن يقول: حصل له (قوله: وإن قارن الفلس الحوالة) أي لا فرق في الفلس بين أن يكون طارئا على الحوالة أو مقارنا لها، فلا رجوع للمحتال على المحيل في الحالتين (قوله: أو جحد) معطوف على فلس: أي أو تعذر أخذه منه بجحد. (وقوله: أي إنكار منه) أي المحال عليه لأصل الحوالة (قوله: أو دين المحيل) معطوف على الحوالة: أي أو إنكار لدين المحيل (قوله: وحلف) يقرأ بصيغة المصدر: عطفا على إنكار، أو بصيغة الماضي وجعل الواو للحال.

محيل) بشئ، وإن جهل ذلك، ولا يتخير لو بان المحال عليه معسرا وإن شرط يساره. ولو طلب المحتال المحال عليه فقال أبرأني المحيل قبل الحوالة، وأقام بذلك بينة: سمعت، وإن كان المحيل في البلد. ثم المتجه أن للمتحال: الرجوع بدينه على المحيل، إلا إذا استمر على تكذيب المحال عليه. ولو باع عبدا وأحال بثمنه، ثم اتفق المتبايعان على حريته وقت البيع، أو ثبتت حريته حينئذ ببينة شهدت حسبة، أو أقامها العبد: لم تصح الحوالة، وإن كذبهما المحتال في الحرية ولا بينة فلكل منهما تحليفه على نفي العلم بها، وبقيت الحوالة. (ولو اختلفا) أي الدائن والمدين في أنه (هل وكل أو أحال؟) بأن قال المدين: وكلتك لتقبض لي، ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله: عليه) أي على الإنكار المذكور، يعني أن تعذر الأخذ المذكور. يحصل بإنكار المحال عليه الدين أو الحوالة مع حلفه على ذلك. (قوله: أو بغير ذلك) يعني أو تعذر أخذه بغير الفلس والجحد. (قوله: كتعزز المحال عليه) أي تقويه وتغلبه (قوله: لم يرجع المحتال على محيل) جواب فإن، وإنما لم يرجع عليه، لأن الحوالة بمنزلة القبض، وقبولها متضمن، لاعترافه باستجماع شرائط الصحة. قال في التحفة: نعم. له، أي المحتال، تحليف المحيل أنه لا يعلم براءة المحال عليه على الأوجه. وعليه فلو نكل: حلف المحتال، كما هو ظاهر، وبان بطلان الحوالة، لأنه حينئذ كرد المقر له الإقرار. اه. ولو شرط فيها الرجوع عند التعذر بشئ مما ذكر: لم تصح الحوالة، لأنه شرط خالف مقتضاها (قوله: وإن جهل) أي المحتال. (وقوله: ذلك) أي تعذر الاخذ بشئ مما يذكر (قوله: ولا يتخير لو بان الخ) لا فائدة له بعد الغاية السابقة، أعني قوله وإن قارن الفلس الحوالة، وجزمه بعدم الرجوع، ولو مع الجهل، إلا أن يقال: ذكره لأجل الغاية التي بعده. وعبارة المنهج: فيها إسقاط ذلك، وذكر الغاية بعد قوله: لم يرجع على محيل، وهي أولى (قوله: وإن شرط يساره) أي المحال عليه: أي فلا عبرة بالشرط المذكور، لأنه مقصر بترك الفحص. وقيل له الخيار إن شرط يساره، ثم تبين إعساره (قوله: ولو طلب المحتال المحال عليه الخ) هذه المسألة نقلها في التحفة عن ابن الصلاح (قوله: فقال) أي المحال عليه. (وقوله: أبرأني المحيل) قال سم - هل كذلك إذا قال أقر أنه لم يكن له علي دين حتى يكون للمحتال الرجوع؟ اه. (قوله: قبل الحوالة) قال في التحفة: هو صريح في أنه لا تسمع منه دعوى الإبراء، ولا تقبل منه بينته، إلا أن صرح بأنه قبل الحوالة، بخلاف ما لو أطلق. ومن ثم أفتى بعضهم بأنه لو أقام بينة بالحوالة، فأقام المحال عليه بينة بإبراء المحيل له: لم تسمع بينة الإبراء، أي وليس هذا من تعارض البينتين، لما تقرر أن دعوى الإبراء المطلق والبينة الشاهدة به فاسدان، فوجب العمل ببينة الحوالة، لأنها لم تعارض. اه. (قوله: بذلك) أي بالبراءة المفهومة من أبرأني. (قوله: سمعت) أي البينة في وجه المحتال. قال الغزي: وهذا صحيح في دفع المحتال. أما إثبات البراءة من دين المحيل، فلا بد من إعادتها في وجهه. اه. تحفة (قوله: ثم المتجه) أي ثم بعد سماع بينة المحال عليه بالبراءة المتجهة الخ. (وقوله: إلا إذا استمر) أي المحتال، أي فلا يرجع على المحيل (قوله: ولو باع عبدا) أي أو أمة، ولو قال رقيقا: لشملهما (قوله: وأحال بثمنه) أي أحال البائع بثمن العبد على المشتري (قوله: ثم اتفق المتبايعان) أي والمحتال أيضا، بدليل قوله بعد: وإن كذبهما المحتال الخ. وقوله على حريته: أي على أن العبد حر وقت البيع. (قوله: أو ثبتت حريته حينئذ) أي حين البيع (قوله: ببينة شهدت حسبة) قال البجيرمي: شهادة الحسبة هي التي تكون بغير طلب، سواء أسبقها دعوى، أم لا (قوله: أو أقامها العبد) أي أو أقام العبد البينة على حريته: أي ولم يصرح بالرق قبل ذلك، لأنها تكذب قوله. ومثل العبد: ما إذا أقامها أحد الثلاثة، أعني المتبايعين، والمحتال، ولم يصرح بأن المبيع مملوك، بل اقتصر على البيع (قوله: لم تصح الحوالة) جواب لو. والمراد أنه بان عدم انعقادها لتبين أن لا بيع، فلا ثمن، فيرد المحتال ما أخذه من المشتري، ويبقى حقه كما كان (قوله: وإن كذبهما) أي المتبايعين المتفقين على الحرية، فهو مقابل للصورة الأولى (قوله: ولا بينة) أي على الحرية (قوله: فلكل منهما) أي المتبايعين. (وقوله: تحليفه) أي المحتال، ولو حلفه أحدهما: لم يكن للثاني تحليفه، لاتحاد خصومتهما (قوله: على نفي العلم بها) أي لأن هذه قاعة الحلف على النفي الذي لا يتعلق بالحالف، فيقول: والله لا أعلم حريته (قوله: وبقيت الحوالة) وحيئنذ يأخذ المحتال المال من المشتري، ويرجع

فقال الدائن: بل أحلتني، وقال المدين: أحلتك، فقال الدائن: بل وكلتني، (صدق منكر حوالة) بيمينه، فيصدق المدين في الاولى، والدائن في الاخيرة. لان الاصل بقاء الحق في ذمة المستحق عليه. (تتمة) يصح من مكلف رشيد: ضمان بدين واجب، سواء استقر في ذمة المضمون له: كنفقة اليوم وما ـــــــــــــــــــــــــــــ المشتري على البائع المحيل، لأنه قضى دينه بإذنه الذي تضمنته الحوالة (قوله: ولو اختلفا) أي بعد إذن مدين لدائنه في القبض. (وقوله: أي الدائن والمدين) بيان لضمير التثنية. (وقوله: في أنه) أي المدين، والجار والمجرور متعلق باختلفا، أي اختلفا في أن المدين وكل أو أحال؟ والمراد: اختلفا في اللفظ الصادر من المدين، هل هو لفظ الوكالة، أو الحوالة؟ (قوله: بأن قال المدين: وكلتك لتقبض لي) أي أو قال: أردت بقولي أحلتك الوكالة (قوله: فقال الدائن: بل أحلتني) أي أو أردت الحوالة (قوله: صدق منكر حوالة) جواب لو (قوله: فيصدق في المدين) أي بيمينه في أنه وكل، أو في أنه أراد الحوالة. وبحلفه: تندفع الحوالة، وبإنكار الآخر الوكالة: ينعزل، فيمتنع قبضه، فإن كان قد قبض: برئ الدافع له، لأنه وكيل أو محتال، ويلزمه تسليم ما قبضه للحالف، وحقه عليه باق. (قوله: والدائن) أي ويصدق الدائن: أي بيمينه. (وقوله: في الأخيرة) أي فيما إذا ادعى الوكالة، والمدين الحوالة. وبحلفه: تندفع الحوالة، ويأخذ حقه من المستحق عليه، ويرجع هذا على المحال عليه (قوله: لأن الأصل الخ) علة لتصديق منكر الحوالة. (وقوله: المستحق عليه) هو، بفتح الحاء، المدين. والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله: تتمة) أي في بيان أحكام الضمان، وأحكام الصلح. وقد ترجم الفقهاء لكل منهما بباب مستقل، وذكرهما بعد الحوالة، لأن كلا منهما يترتب عليه قطع النزاع، كالحوالة، والضمان لغة: الالتزام، وشرعا: يقال لالتزام دين أو بدن أو عين، ويقال للعقد الذي يحصل به ذلك. ويسمى الملتزم لذلك: ضامنا، وضمينا، وحميلا، وزعيما، وكفيلا، وصبيرا. قال الماوردي: لكن العرف خص الضمين: بالمال، أي ومثله الضامن، والحميل: بالدية، والزعيم: بالمال العظيم، والكفيل: بالنفس، والصبير: يعم الكل: والأصل فيه: حديث العارية مؤداة، أي مردودة، والزعيم غارم، والدين مقضي وحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - تحمل عن رجل عشرة دنانير. وأركانه خمسة: ضامن، ومضمون عنه، ومضمون له، ومضمون، وصيغة. وهو مندوب لقادر واثق بنفسه، وإلا فمباح. قال العلماء: الضمان أوله شهامة، أي شدة حماقة، وأوسطه ندامة، وآخره غرامة. ولذلك قيل نظما: ضاد الضمان بصاد الصك ملتصق فإن ضمنت: فحاء الحبس فيالوسط ومن مستلطف كلامهم، ثلاثة أحرف شنيعة: ضاد الضمان، وطاء الطلاق، وواو الوديعة. وقال بعضهم: عاشر ذوي الفضل واحذر عشرة السفل وعن عيوب صديقك كف وتغفل وصن لسانك إذا ما كنت في محفل ولا تشارك ولا تضمن ولاتكفل (قوله: يصح من مكلف رشيد) أي ولو حكما: ليدخل من بذر بعد رشده ولم يحجر عليه، ومن فسق، ومن سكر متعديا، فإن هؤلاء في حكم الرشيد، ولا بد أن يكون مختارا أيضا، فخرج الصبي، والمجنون، والسفيه، والمكره، ولو قنا أكرهه سيده، فلا يصح ضمانهم. ولا بد، على الأصح، أن يعرف عين المضمون له، وهو رب الدين، لتفاوت الناس في المطالبة تشديدا وتسهيلا، فلا يكفي معرفته مجرد نسبه أو اسمه، وإنما كفت معرفة عينه، لأن الظاهر عنوان الباطن، وتقوم معرفة وكيله مقام معرفته عند م ر تبعا لوالده، وجرى ابن حجر، تبعا لشيخ الإسلام، على عدم الإكتفاء بذلك. (قوله: ضمان بدين) أي ولو منفعة: كالعمل الملتزم الذمة بالإجارة، أو المساقاة. وشمل الدين: الزكاة، فيصح ضمانها لمستحقين انحصروا. اه. بجيرمي. (وقوله: واجب) أي ثابت، ولو باعتراف الضامن، وإن لم يثبت على المضمون عنه شئ. كما صرح به الرافعي، بل الضمان متضمن، لاعترافه بوجود شرائطه، فيلزم الضامن المال الذي اعترف به. ويشترط في الدين: أن يكون معلوم القدر، والجنس، والصفة. وخرج بذلك: الديون المجهولة، فلا يصح ضمانها (قوله: سواء استقر) المراد من الإستقرار: اللزوم، وقيل المراد بالمستقر: الذي أمن من سقوطه. (وقوله: في ذمة

قبله للزوجة، أو لم يستقر، كثمن مبيع لم يقبض، وصداق قبل وطئ، لا بما سيجب، كدين قرض، ونفقة غد للزوجة، ولا بنفقة القريب مطلقا. ولا يشترط رضا الدائن والمدين. وصح ضمان الرقيق بإذن سيده. وتصح منه كفالة بعين مضمونة، كمغصوبة، ومستعارة، وببدن من يستحق حضوره مجلس حكم بإذنه، ويبرأ الكفيل ـــــــــــــــــــــــــــــ المضمون له) صوابه المضمون عنه، وهو المدين الذي ضمن عنه ما عليه. (وقوله: كنفقة اليوم وما قبله) تمثيل للذي استقر في ذمته. (قوله: أو لم يستقر) أي لكنه آيل إلى الإستقرار (قوله: كثمن مبيع لم يقبض) أي ذلك المبيع، وهو تمثيل للذي لم يستقر (قوله: وصداق قبل وطئ) التمثيل به لما لم يستقر مبني على أن المراد بالإستقرار، عدم تطرق السقوط إليه، والصداق قبل الوطئ يتطرق السقوط إليه، كأن تفسخ النكاح بعيبه، أما على أن المراد به اللزوم، فلا يصح جعله تمثيلا له، لأنه لازم بالعقد (قوله: لا بما سيجب) أي لا يصح الضمان بما سيجب .. ويستثنى من ذلك: ضمان درك المبيع، أو الثمن، وهو أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقا، أو معيبا ورد. ويضمن للبائع المبيع إن خرج الثمن كذلك. وإضافة ضمان الدرك: لأدنى ملابسة، لأن المضمون في الصورة الأولى: الثمن عند إدراك المستحق للمبيع، وفي الصورة الثانية: عند إدراك المستحق للثمن، فظهر من ذلك أن الدرك: اسم مصدر، بمعنى الإدراك، وفسره بعضهم: بالعهد والتبعة، فكأنه قال: يضمن له عهدة الثمن أو المبيع والتبعة به، أي المطالبة به، ولذلك يسمى ضمان العهدة أيضا. ولا يصح الضمان المذكور إلا بعد قبض المضمون، لأنه إنما يضمن: ما دخل في ضمان البائع أو المشتري. (قوله: كدين قرض) أي سيقع، وكان الأولى التقييد به، كما في فتح الجواد، وعبارته: لا بما سيجب، كدين قرض أو بيع سيقع - اه. وذلك كأن قال أقرض هذا مائة وأنا ضامنها، فلا يصح ضمانه، لأنه غير ثابت. وقد تقدم للشارح، في فصل القرض، ذكر هذه المسألة، وأنه يكون ضامنا فيها، وعبارته هناك: ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن، فأقرضه المائة، أو بعضها، كان ضامنا، على الأوجه. اه. وحينئذ فيكون ما هنا، من عدم صحة الضمان، منافيا لما مر عنه، من أن الأجوه: الضمان إلا أن يقال إنه هناك جرى على قول، وهنا على قول، وتقدم عن شرح البهجة في الكتابة التي على قوله كان ضامنا على الأوجه: أنه وقع للماوردي نظير ما وقع لشارحنا من أنه صحح الضمان هناك، ولم يصححه في باب الضمان، وأنه حمل ما قاله هناك على أنه مفرع على القول القديم، وما قاله هنا على القول الجديد، الذي صححه الشيخان فارجع إليه إن شئت. (قوله: ونفقة غد للزوجة) عبارة الروض وشرحه: وكذا نفقة ما بعد اليوم للزوجة وخادمها، وإن جرى سبب وجوبها، لأنه توثقة، فلا يتقدم ثبوت الحق كالشهادة. اه. (قوله: ولا بنفقة القريب الخ) معطوف على لا بما سيجب: أي ولا يصح الضمان بنفقة القريب مطلقا، أي سواء كانت ماضية، أو مستقبلة، وذلك لأن سبيلها البر والصلة، لا الديون. وفي البجيرمي: لأنها مجهولة، ولسقوطها بمضي الزمان، وهذا ما رجحه الأذرعي، وجزم به ابن المقري. ز ي. اه. (قوله: ولا يشترط رضا الدائن) أي لا يشترط في صحة الضمان رضا الدائن: أي ولا قبوله، وهذا هو الأصح. وقيل يشترط الرضا، ثم القبول لفظا، وذلك لأن الضمان محض التزام، لم يوضع على قواعد المعاقدات. (وقوله: والمدين) أي ولا يشترط رضا المدين، وهذا بالإتفاق، لجواز أداء الدين من غير إذنه، فالتزامه أولى (قوله: وصح ضمان الرقيق) أي المكاتب وغيره. (وقوله: بإذن سيده) وذلك لأن الضمان إثبات مال في الذمة بعقد، وهو لا يصح من غير إذن. قال في التحفة: وإنما صح خلع أمة بمال في ذمتها بلا إذن، لأنها قد تضطر إليه لنحو سوء عشرته. اه. وإذا ضمن بالإذن، فإن عين السيد للأداء جهة يقضي منها الدين: عمل بتعيينه، وإن لم يعين له جهة، بأن اقتصر له على الإذن بالضمان، تعلق الغرم بما يكسبه، وبما في يده من أموال التجارة، إن كان مأذونا له فيها، فإن لم يكن مأذونا له فيها: تعلق بما يكسبه فقط بعد الإذن. (قوله: وتصح منه) أي من المكلف الرشيد، (وقوله: كفالة بعين) أي التزام ردها إلى مالكها. (واعلم) أن الكفالة ترادف الضمان لغة وشرعا، كما عرفت، وتغايره عرفا: إذ هو خص الضمان بالمال مطلقا، عينا كان أو دينا، والكفالة بالبدن. (وقوله: مضمونة) أي ضمان يد، كالمغصوب، والمستام، أو ضمان عقد. وخرج به:

بإحضار مكفول، شخصا كان أو عينا، إلى المكفول له، وإن لم يطالبه، وبحضوره عن جهة الكفيل بلا حائل: كمتغلب بالمكان الذي شرط في الكفالة الاحضار إليه، وإلا فحيث وقعت الكفالة فيه. فإن غاب لزمه إحضاره، إن عرف محله، وأمن الطريق، وإلا فلا. ولا يطالب كفيل بمال، وإن فات التسليم بموت أو غيره. فلو شرط أنه ـــــــــــــــــــــــــــــ غير المضمونة، كالوديعة، والرهن، فلا تصح الكفالة بهما. (قوله: وببدن الخ) معطوف على بعين: أي وتصح منه كفالة بإحضار بدن من يستحق حضوره في مجلس الحكم: أي لأجل حق الآدمي مطلقا، ما لا كان، أو عقوبة: كقصاص، وحد قذف، أو حق لله تعالى مالي: كزكاة، وكفارة. بخلاف غيره. كحدود الله تعالى، وتعازيره: كحد خمر، وزنا، وسرقة. لأنا مأمورون بسترها، والسعي في إسقاطها ما أمكن. (وقوله: بإذنه) متعلق بتصح، أو بكفالة المقدرين، أي إنما تصح كفالة بدن من ذكر: بإذنه، وإلا لفات مقصود الكفالة من إحضاره، لأنه لا يلزمه الحضور مع الكفيل من غير إذن، ويعتبر إذن المكفول بنفسه إن كان ممن يعتبر إذنه ولو سفيها وبوليه إن كان صبيا، أو مجنونا، أو وارثه إن كان ميتا، ليشهدوا على صورته، وكان الشاهد تحمل الشهادة عليه كذلك، ولم يعرف نسبه واسمه، فإن عرفهما: لم يحتج إليها. ومحل ذلك قبل إدلائه في هواء القبر، وإلا فلا تصح الكفالة، لأن في إخراجه بعد ذلك إزراء به. وعلم تقرر أن من مات، ولم يأذن في كفالته، ولا وارث له، لا تصح كفالته. (قوله: ويبرأ الكفيل بإحضار مكفول) من إضافة المصدر إلى مفعوله بعد حذف الفاعل: أي ويبرأ الكفيل بإحضاره بنفسه أو وكيله المكفول، وإن لم يقل عن الكفالة. وكما يبرأ بذلك: يبرأ بإبراء المكفول له. (وقوله: شخصا كان) أي المكفول، أو عينا: فهو تعميم في المكفول. (وقوله: إلى المكفول له) متعلق بإحضار، أي أو وارثه. (وقوله: وإن لم يطالبه) الضمير المستتر يعود على المكفول له، والبارز يعود على الكفيل. (قوله: وبحضوره) أي المكفول. وهو معطوف على بإحضار: أي ويبرأ الكفيل بحضور المكفول. والمراد به هنا خصوص البدن، إذ لا يتصور حضور العين بنفسها إلا إن كانت حيوانا. ويشترط فيه أن يكون بالغا عاقلا، فلا يكفي حضور الصبي والمجنون. (وقوله: عن جهة الكفيل) أي مع إتيانه بلفظ يدل عليه، وذلك بأن يقول: حضرت أو سلمت نفسي عن جهة الكفيل: فلا يكفي مجرد حضوره من غير أن يقول ما تقدم، كما في التحفة، ونصها: وظاهر كلامهم اشتراط اللفظ هنا، أي فيما إذا حضر بنفسه، لا فيما قبله، أي فيما إذا حضره الكفيل. ويفرق بأن مجئ هذا وحده: لا قرينة فيه، فاشترط لفظ يدل، بخلاف مجئ الكفيل به، فلا يحتاج إلى لفظ. ونظيره أن التخلية في القبض: لا بد فيها من لفظ يدل عليها، بخلاف الوضع بين يدي المشتري، كما مر، نعم: إن أحضره بغير محل التسليم، فلا بد من لفظ يدل على قبوله له حينئذ، فيما يظهر، اه. (قوله: بلا حائل) متعلق بكل من إحضار وحضور: أي يشترط لبراءة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره بنفسه: أن لا يكون هناك حائل بينه وبين المكفول له، فإن كان هناك حائل، كمتغلب يمنعه من تسلمه، فلا يبرأ، لعدم حصول المقصود. قال في التحفة: نعم، إن قبل مختارا: برئ. اه. فقوله كمتغلب: أي ظالم، تمثيل للحائل (قوله: بالمكان) متعلق أيضا بكل من إحضار وحضور: أي ويبرأ الكفيل بإحضاره المكفول، أو حضوره بنفسه إلى المكان المذكور. فإن أحضره، أو حضر بنفسه في غيره: لم يلزم المستحق القبول، إن كان له غرض في الإمتناع، وإلا فالظاهر، كما قاله الشيخان، لزوم القبول، فإن امتنع: رفعه إلى الحاكم يقبض عنه، فإن فقد: أشهد شاهدين أنه سلمه (قوله: وإلا فحيث وقعت الكفالة فيه) أي وإن لم يشترط مكان: فيعتبر المكان الذي وقعت الكفالة فيه، لكن إن صلح فإن خرج عن الصلاحية: تعين أقرب مكان صالح على ما هو قياس السلم أفاده سم. (قوله: فإن غاب) أي المكفول من بدن أو عين. (وقوله: لزمه) أي الكفيل إحضاره أو ولو من دار الحرب، ومن فوق مسافة القصر، ولو في بحر غلبت السلامة فيه، فيما يظهر، وما يغرمه الكفيل من مؤنة السفر في هذه الحالة: في مال نفسه ولو كان المكفول ببدنه يحتاج لمؤن السفر ولا شئ معه: اتجه أن يأتي فيه ما لو كان المكفول محبوسا بحق. وقد ذكر صاحب البيان، وغيره، فيه: أنه، أي الكفيل، يلزمه قضاؤه، أي الدين، أي فيقال هنا يلزمه مؤن السفر، ثم إنه يمهل مدة ذهاب وإياب عادة، فإن مضت المدة المذكورة ولم يحضره: حبس ما لم يؤد الدين لأنه مقصر. (وقوله: إن عرف محله وأمن

يغرم المال، ولو مع قوله إن فات التسليم للمكفول، لم تصح. وصيغة الالتزام فيهما: كضمنت دينك على فلان، أو تحملته، أو تكفلت ببدنه، أو أنا بالمال، أو بإحضار الشخص ضامن، أو كفيل. ولو قال أوءدي المال، أو أحضر الشخص، فهو وعد بالتزام، كما هو صريح الصيغة، نعم: إن حفت به قرينة تصرفه إلى الانشاء: انعقد به، كما بحثه ابن الرفعة، واعتمده السبكي، ولا يصحان بشرط براءة أصيل، ولا بتعلق وتوقيت. وللمستحق مطالبة الضامن والاصيل. ولو برئ: برئ الضامن. ولا عكس في الابراء، دون الاداء، ولو مات ـــــــــــــــــــــــــــــ الطريق) أي ولم يكن ثم من يمنعه منه عادة (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يعرف المحل بأن جهله، ولم يأمن الطريق. فلا يلزمه إحضاره. قال في النهاية: ويقبل قوله في جهله ذلك بيمينه. اه. ولا يكلف السفر إلى الناحية التي علم ذهابه إليها، وجهل خصوص القرية التي هو بها ليبحث عن الموضع الذي هو به. اه. ع ش (قوله: ولا يطالب كفيل بمال) أي ولا يطالب الكفيل بإحضار البدن أو العين إذا تلف كل منهما بمال، وذلك لأنه إنما التزم حضور ما ذكر، ولم يلتزم المال، فإذا فات ما التزمه: لا شئ عليه. (قوله: وإن فات التسليم) أي من المكفول. وقوله بموت: الباء سببية، متعلقة بفات. أي فات بسبب موته. (قوله: أو غيره) أي الموت، كهرب، أو توار ولم يدر محله (قوله: فلو شرط أنه يغرم المال) أي كقوله: كفلت بدنه بشرط الغرم، أو على أني أغرم، أو نحوه. قال البجيرمي: وليس من الشرط ما لو قال كفلت بدنه، فإن مات فعلي ضمان المال، فتصح الكفالة، وهذا وعد لا يلزم الوفاء به. اه. (قوله: لم تصح) أي الكفالة، لأن ذلك خلاف مقتضاه، وهو عدم غرم الكفيل المال. (قوله: وصيغة الإلتزام) شروع في بيان الصيغة التي هي أحد أركان الضمان. (وقوله: فيهما) أي في الضمان والكفالة (قوله: كضمنت دينك الخ) أشار به إلى أن شرط الصيغة لهما لفظ يشعر بالتزام، ويقوم مقامه الكتابة مع النية، وإشارة أخرس (قوله: ولو قال أؤدي الخ) أي لو أتى بصيغة لا تشعر بالتزام: لا ينعقد الضمان (قوله: فهو وعد بالتزام) أي قوله المذكور وعد بالتزام، ولا يدل على التزام: أي والوعد لا يجب الوفاء به. (وقوله: كما هو صريح الصيغة) يعني أن الصيغة المذكورة، وهي أؤدي الخ، صريحة في الوعد وعدم الإلتزام (قوله: نعم، إن حفت به) أي أحاطت به، أي بقوله ؤدي الخ، قرينة: كأن رأى صاحب الحق يريد حبس المديون، فقال الضامن أنا أؤدي المال، فذلك قرينة على أنه يريد أنا ضامنه، ولا تتعرض له. ع ش. (وقوله: تصرفه) أي القول المذكور. (وقوله: إلى الإنشاء) أي إلى إنشاء عقد الإلتزام (قوله: انعقد) أي الضمان به (قوله: كما بحثه ابن الرفعة، واعتمده السبكي) قال في التحفة بعده: وبحث الأذرعي أن العامي إذا قال قصدت به التزام ضمان أو كفالة: لزمه، وهو أوجه مما قبله، ويؤيده ما يأتي: أنه لو قال داري لزيد، كان لغوا، إلا إن قصد بالإضافة كونها معروفة به مثلا، فيكون إقراره. وقد يقال البحثان متقاربان، فإن الظاهر أن ابن الرفعة لا يريد أن القرينة تلحقه بالصريح، بل تجعله كناية، فحينئذ إن نوى: لزمه، وإلا فلا، لكنه يشترط شيئين: القرينة، والنية من العامي وغيره. والأذرعي لا يشترط إلا النية من العامي، ويحتمل في غيره أن يوافق ابن الرفعة، وأن يأخذ بإطلاقهم أنه لغو. اه. (قوله: ولا يصحان) أي الضمان والكفالة. (وقوله: بشرط براءة أصيل) هو المدين الذي عليه الحق، وذلك لمنافاته مقتضاهما. قال ع ش: هو ظاهر في الضمان، ويصور في الكفالة بإبراء كفيل الكفيل بأن يقول: تكفلت بإحضار من عليه الدين على أن من تكفل به قبل برئ. اه. وفي كون هذا يسمى أصيلا نظر، إلا أن يقال إنه أصيل بالنسبة للثاني، فتأمل. وقال بعضهم: المراد بالأصيل في الكفالة: المكفول. اه. بجيرمي. (قوله: ولا بتعليق) أي ولا يصحان بتعليق نحو: إذا جاء الغد فقد ضمنت ما على فلان، أو كفلت بدنه. وتوقيت: أي ولا بتوقيت: نحو أنا ضامن ما على فلان، أو كفيل ببدنه إلى شهر، فإذا مضى: برئت، وإنما لم يصحا بما ذكر، لأنهما عقدان، كالبيع، وهو لا يدخله تعليق ولا تأقيت، فكذلك هما (قوله: وللمستحق الخ) هذا ثمرة الضمان وفائدته، والمستحق شامل للمضمون له ووارثه. (وقوله: مطالبة الضامن والأصيل) بأن يطالبهما جميعا، أو يطالب أيهما شاء بالجميع، أو يطالب أحدهما ببعضه، والآخر بباقيه. أما الضامن: فللخبر السابق (الزعيم غارم)، وأما الأصيل: فلأن الدين باق عليه. قال في التحفة: ولا محذور في مطالبتهما، وإنما المحذور: في تغريهما

أحدهما والدين مؤجل: حل عليه. ولضامن رجوع على أصيل، إن غرم. ولو صالح عن الدين بما دونه: لم يرجع إلا بما غرم ولو أدى دين غيره بإذن: رجع، وإن لم يشرط له الرجوع، لا إن أداه بقصد التبرع. (فرع) أفتى جمع محققون بأنه لو قال رجلان لآخر: ضمنا مالك على فلان: طالب كلا بجميع الدين. وقال جمع متقدمون: طالب كلا بنصف الدين، ومال إليه الاذرعي. قال شيخنا: إنما تقسط الضمان في: ـــــــــــــــــــــــــــــ معا كل الدين، والتحقيق أن الذمتين إنما اشتغلنا بدين واحد كالرهنين بدين واحد، فهو كفرض الكفاية: يتعلق بالكل، ويسقط بفعل البعض. فالتعدد فيه: ليس في ذاته، بل بحسب ذاتيهما. ومن ثم: حل على أحدهما، فقط، وتأجل في حق أحدهما فقط. ولو أفلس الأصيل فطلب الضامن بيع ماله أو لا: أجيب، إن ضمن بإذنه، وإلا فلا، لأنه موطن نفسه على عدم الرجوع. اه. (قوله: ولو برئ) أي الأصيل بأداء أو إبراء أو حوالة. (وقوله: برئ الضامن) أي لسقوط الحق. (قوله: ولا عكس في الإبراء) أي لو برئ الضمان بإبراء المستحق له لم يبرأ الأصيل لأنه إسقاط للوثيقة، فلا يسقط به الدين. قال في التحفة: وشمل كلامهم ما لو أبرأ الضامن من الدين، فيكون كإبرائه من الضمان، وهو متجه، خلافا للزركشي، وقوله إن الدين واحد تعدد محله فيبرأ الأصيل بذلك: يرده ما مر في التحقيق من التعدد الإعتباري، فهو على الضامن: غيره على الأصيل، باعتبار أن ذاك: عارض له اللزوم، وهذا: أصلي فيه، فلم يلزم من إبراء الضامن من العارض: إبراء الأصيل من الذاتي. اه. وقال سم: يمكن رد ما قاله الزركشي مع تسليم اتحاد الدين، لأن معنى أبرأتك من الدين: أسقطت تعلقه بك. ولا يلزم من سقوط تعلقه به: سقوطه من أصله، وإنما سقط عن الضامن: بإبراء الأصيل، لأن تعلقه به تابع لتعلقه بالأصل، فإذا سقط الأصل: سقط تابعه. اه. (قوله: دون الأداء) أي بخلاف ما لو برئ الضامن بأداء الدين للمستحق، فإنه يبرأ الأصيل (قوله: ولو مات أحدهما) أي الضامن أو الأصيل (قوله: والدين مؤجل) أي والحال أن الدين مؤجل: أي عليهما بأجل واحد (قوله: حل عليه) أي على الميت منهما لوجود سبب الحلول في حقه، وأما الآخر الحي: فلا يحل عليه، لعدم وجوده في حقه، ولأنه ينتفع بالأجل. وإذا مات الأصيل، وله تركة، فللضامن مطالبة المستحق، بأن يأخذ منها، أو يبرئه، لاحتمال تلفها، فلا يجد مرجعا إذا غرم. وإذا مات الضامن وأخذ المستحق ماله من تركته: لا ترجع ورثته على الأصيل إلا بعد الحلول (قوله: ولضامن رجوع على أصيل إن غرم) محله إذا كان الضمان والأداء بإذنه، وكان الأداء من ماله، فإن انتفى إذنه له فيهما، أو كان الأداء، لا من ماله، بل من سهم الغارمين، فلا رجوع، فإذا وجد الإذن في الضمان دون الأداء: رجع في الأصح، لأنه إذن في سبب الأداء، فإن وجد الإذن في الأداء، دون الضمان، فلا رجوع: إلا إن أدى بشرط الرجوع فيرجع (قوله: ولو صالح) أي الضامن (وقوله عن الدين بما دونه) أي كأن صالح عن مائة بما دونها (قوله: لم يرجع) أي على الأصيل. (وقوله: إلا بما غرم) أي وهو القدر الذي صولح به، وذلك لأنه هو الذي بذله. وفي التحفة: قال شارح التعجيز: والقدر الذي سومح به يبقى على الأصيل، إلا أن يقصد الدائن مسامحته به أيضا. اه. وفيه نظر ظاهر، لأنه لم يسامح هنا بقدر، وإنما أخذه بدلا عن الكل، فالوجه: إبراء الأصيل منه أيضا. اه. (قوله: ولو أدى دين غيره بإذن) أي بإذن ذلك الغير في الأداء. وخرج به: ما إذا لم يأذن له في ذلك، فلا رجوع مطلقا، لأنه متبرع (قوله: رجع) أي المؤدي على المؤدى عنه (قوله: وإن لم يشرط له الرجوع) غاية للرجوع: أي يرجع، وإن لم يشرط الآذن الرجوع عليه إذا أدى. وهو للرد على القول الضعيف، بأنه لا يرجع، معللا له بأن الإذن لا يقتضي الرجوع، وهذا لا ينافي ما مر آنفا، من أنه إذا وجد الإذن في الأداء دون الضمان، فلا رجوع، إلا أن يشرط الرجوع، لأن هنا وجد ضمان بلا إذن، فلما وجد هناك سبب آخر للأداء غير الإذن فيه وهو كون الأداء عن جهة الضمان الذي بلا إذن اعتبر شرط الرجوع (قوله: إلا إن أداه بقصد التبرع) أي لا يرجع إن أداه بقصد التبرع، ويعرف بإقراره: سواء شرط له الآذن الرجوع عليه أم لا. (قوله: طالب كلا بجميع الدين) أي كرهنا عبدنا بألف: يكون نصف كل رهنا بجميع الألف. (وقوله: وقال جمع متقدمون طالب كلا بنصف الدين) أي كاشترينا هذا بألف. واعتمد في التحفة: الأول، قال: والقياس على الرهن واضح، وعلى البيع غير واضح، لتعذر شراء كل بألف، فتعين

متاعك في البحر وأنا وركاب السفينة ضامنون، لانه ليس ضمانا حقيقة، بل استدعاء إتلاف مال لمصلحة فاقتضت التوزيع، لئلا ينفر الناس عنها. (واعلم) أن الصلح جائز مع الاقرار، وهو على شئ غير المدعي معاوضة - كما لو قال: صالحتك عما ـــــــــــــــــــــــــــــ تنصيفه بينهما، ثم قال رأيت شيخنا اعتمد ما اعتمدته، قال: وبه أفتيت، وعلله بأن الضمان وثيقه لا تقصد فيه التجزئة، واعتمد في النهاية الثاني. قال: وبه أفتى الوالد رحمه الله تعالى، لأنه اليقين، وشغل ذمة كل واحد بالزوائد مشكوك فيه. وبذلك أفتى البدر بن شهبة عند دعوى أحد الضامنين ذلك وحلفهما عليه، لأن اللفظ ظاهر فيه، وبالتبعيض قطع الشيخ أبو حامد. وفي سم: قال شيخنا الشهاب الرملي، المعتمد في مسألة الضمان: أن كلا ضامن للنصف فقط، وفي مسألة الرهن: أن نصف كل رهن: بالنصف، فالقياس على الرهن: قياس ضعيف على ضعيف. اه. (قوله: قال شيخنا إلخ) أتى به في التحفة جوابا عما يرد على معتمده من عدم التقسيط فيما لو قالا: ضمنا مالك على فلان. وحاصل الجواب أن هذا لا يرد على المسألة المذكورة، لأنه ليس ضمانا حقيقة، والكلام فيما هو ضمان حقيقة (قوله: لأنه ليس ضمانا حقيقة) أي لأنه على ما لم يجب، والضمان حقيقة أن يكون على ما وجب (قوله: بل استدعاء إتلاف مال) أي طلب ذلك. وقوله لمصلحة: هي السلامة (قوله: فاقتضت) أي المصلحة. (وقوله: التوزيع) أي تقسيط الضمان على الكل. (وقوله: عنها) أي عن المصلحة. والله سبحانه وتعالى أعلم. (قوله: واعلم أن الصلح الخ) شروع في بيان أحكام الصلح: من صحته مع الإقرار، ومن جريان حكم البيع عليه، وهو لغة: قطع النزاع. وشرعا: عقد يحصل به ذلك. وهو أنواع: صلح بين المسلمين والكفار، وعقدوا له باب الهدنة، والجزية، والأمان، وصلح بين الإمام والبغاة، وعقدوا له باب البغاة، وصلح بين الزوجين عند الشقاق، وعقدوا له باب القسم والنشوز، وصلح في المعاملات، وعقدوا له هذا الباب. والأصل فيه قوله تعالى: * (والصلح خير) * لأنه إن كان المراد به مطلق الصلح، كما يدل عليه الإتيان بالإسم الظاهر، دون الضمير، فالأمر ظاهر. وإن كان المراد الصلح بين الزوجين، كما يدل عليه السياق، فغيره بالقياس عليه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا وإنما خص المسلمين، مع جوازه بين الكفار أيضا، لانقيادهم للأحكام غالبا. وشرط صحة الصلح: سبق خصومة بين المتداعيين، فلو قال: صالحني من دارك مثلا بكذا، من غير سبق خصومة، فأجابه: فهو باطل، على الأصح، لأن لفظ الصلح: يستدعي سبق الخصومة، سواء كانت عند حاكم أم لا. ولفظه يتعدى للمأخوذ: بالباء أو على، وللمتروك: بمن أو عن. وقد نظم بعضهم هذه القاعدة بقوله: في الصلح للمأخوذ باء وعلى والترك من وعن كثير إذا جعلا ونظمها بعضهم أيضا بقوله: بالباء أو على يعدى الصلح لما أخذته فهذا نصح ومن وعن أيضا لما قد تركافي أغلب الأحوال ذا قد سلكا فإذا قال صالحتك من الدار، أو عنها، بألف، أو عليه: فالدار متروكة، لدخول من، أو عن، عليها، والألف مأخوذة لدخول الباء، أو على، عليه. وقد يعكس الأمر على خلاف الغالب. (وقوله: جائز مع الإقرار) أي صحيح معه. ولو أنكر بعده فإذا أقر ثم أنكر: جاز الصلح، بخلاف ما لو أنكر فصولح، ثم أقر فإن الصلح باطل، فإن صولح ثانيا بعد الإقرار: كان صحيحا. ومثل الإقرار إقامة البينة واليمين المردودة، لأن لزوم الحق بالبينة، كلزومه بالإقرار. واليمين المردودة: بمنزلة الإقرار، أو البينة. وليس من الإقرار: صالحني عما تدعيه بكذا، لأنه قدير يريد به قطع الخصومة (قوله: وهو على شئ غير المدعي الخ) يعني أن الصلح غير المدعي، بأن يكون المدعى دراهم، فصولح على ثوب، يكون

_ (1) سورة النساء، الاية: 128.

تدعيه على هذا الثوب، فله حكم البيع، وعلى بعض المدعى إبراء إن كان دينا، فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك: لم يضر، ويلغى الصلح حيث لا حجة للمدعي مع الانكار، أو السكوت من المدعى عليه، فلا يصح ـــــــــــــــــــــــــــــ بيعا (واعلم) أن الصلح إما أن يكون عن عين، وإما أن يكون عن دين. وكل منهما: إما أن يجري من المدعى به على غيره، ويسمى صلح المعاوضة، أو على بعضه، ويسمى صلح الحطيطة، فالأقسام أربعة. واقتصر المؤلف على القسم الأول من قسمي العين، وترك الثاني، وهو الصلح منها على بعضها، وذكر الثاني من قسمي الدين، وترك الأول، وهو الصلح منه على غيره، ثم إنه إما أن يجري بين متداعبين، وهو ما ذكره المؤلف، وإما أن يجري بين مدع وأجنبي، وهذا لم يذكره. وحاصله أن الأجنبي إن صالح عن عين للمدعى عليه، فإن لم يكن وكيلا عنه لم يصح صلحه، لأنه فضولي. وإن كان وكيلا عنه، فإن صرح بالوكالة، بأن قال: وكلني في الصلح معك وهو مقر لك بها، أو وهي لك، صح، ووقع للموكل، فإن لم يصرح بالوكالة، أو قال وهو مبطل في إنكاره، أو لم يزد على قوله وكلني الغريم في الصلح معك: لم يصح. وإن صالح عنها لنفسه بعين ماله، أو بدين في ذمته، فإن قال وهو مقر لك، أو وهي لك: صح له، وإن قال وهو مبطل لك فشراء شئ مغصوب، فإن قدر، ولو في ظنه، على انتزاعه ممن هو تحت يده: صح، وإلا فلا. وإن قال وهو محق أو لا أعلم حاله أو لم يزد على قوله صالحني بكذا: لغا الصلح، هذا كله إن صالح عن عين، فإن عن دين بغير دين بغير دين ثابت من قبل، فإن قال هو مقر لك، أو وهو لك، وهو مبطل في إنكاره: صح للمدعى عليه فيما إذا صالح له، أو لنفسه فيما إذا صالح لها. فإن صالح عنه بدين ثابت من قبل الصلح: لم يصح (قوله: فله حكم البيع) وهو مفرد مضاف، فيعم، فكأنه قال: فله أحكام البيع، أي من الشفعة، والرد بالعيب، وخيار المجلس والشرط، ومنع التصرف قبل القبض، وإنما جرت عليه أحكام البيع، لأن الصلح المذكور بيع للعين المدعاة من المدعي للمدعى عليه بلفظ الصلح. (قوله: وعلى بعض المدعي الخ) معطوف على شئ غير المدعي: أي وهو على بعض المدعي إبراء: أي كصالحتك عن الألف التي لي عليك على خمسمائة. (وقوله: إن كان) أي المدعى به دينا، فإن كان عينا وجرى الصلح على بعضها، فهبة منها للباقي لذي اليد، فتثبت فيه أحكامها، من إذن في قبض، ومضى إمكانه، فيصح بلفظ الصلح: كصالحتك من الدار على بعضها، كما يصح بلفظ الهبة، بأن يقول وهبتك نصفها، وصالحتك على نصفها. ولا يصح بلفظ البيع: بأن يقول بعتك نصفها، وصالحتك على نصفها - لعدم الثمن - لأن العين كلها ملك المقر له، فإذا باعها ببعضها: فقد باع ملكه بملكه، والشئ ببعضه - وهو محال - (قوله: فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك لم يضر) أي لا يشترط في الصلح المذكور أن يكون بلفظ الإبراء، بل يصح بلفظ الصلح، كالصيغة المتقدمة، ولفظ الإبراء والإسقاط ونحوهما: كالحط والوضع. ثم إنه لا يفتقر إلى القبول إلا إن جرى بلفظ الصلح، كصالحتك على نصفه. فيفتقر إليه، لأن اللفظ يقتضيه، ورعاية اللفظ في العقود: أكثر من رعاية معناها. (قوله: ويلغو الصلح الخ) أي كأن أدعى عليه دارا فأنكر أو سكت، ثم تصالحا على بعضها أو غيرها، فالصلح باطل، لأنه على إنكار أو سكوت. وهذا محترز قوله المار مع الإقرار. وقد يصح الصلح مع عدم الإقرار في مسائل، منها اصطلاح الورثة فيما وقف بينهم، كما إذا مات الميت عن ابن وولد خنثى مسألة الذكورة من اثنين ومسألة الأنوثة من ثلاثة والجامعة ستة فيعطى الابن ثلاثة والخنثى اثنين، ويوقف واحد إلى الإتضاح، أو الصلح: كأن يصطلحا على أن يكون لكل منهما نصف القيراط. ومنها ما لو أسلم الزوج على أكثر من أربع، ومات قبل الإختيار، فيوقف الميراث بينهن حتى يصطلحن، وكذا إذا طلق إحدى زوجتيه، ومات قبل البيان فيما إذا كانت معينة في نيته، أو قبل التعيين فيما إذا كانت مبهمة عنده. ومنها ما لو تداعيا وديعة عند آخر، فقال لا أعلم لأيكما هي؟ فيصطلحان على أنها بينهما على تفاضل أو تساو. (قوله: حيث لا حجة للمدعي) الظرف متعلق بيلغو: أي يلغو حيث لا حجة موجودة للمدعي. أما إذا كانت له حجة، وهي البينة من شاهدين، أو رجل وامرأتين، أو يمين وشاهد، فيصح، لكن بعد تعديلها، وإن لم يحكم بالملك على الأوجه. وقال سم: وصورة المسألة أنه أقام البينة ثم صالح. ويبقى ما لو صالح ثم أقامها. وفي شرح العباب: ولو أقيمت بينة بعد الصلح على الإنكار بأنه ملك وقته، فهل يلحق بالإقرار؟ قال الجوهري: يلحق به، بل أولى، لأنه يمكن الطعن فيها، لا فيه. اه. (قوله: فلا يصح الصلح الخ) هو

الصلح على الانكار، وإن فرض صدق المدعي، خلافا للائمة الثلاثة. نعم، يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل له في الصلح على الانكار، ثم إن وقع بغير مدعى به كان ظافرا وسيأتي حكم الظفر. (فرع) يحرم على كل أحد غرس شجر في شارع، ولو لعموم النفع للمسلمين، كبناء دكة، وإن لم يضر فيه، ولو لذلك أيضا، وإن انتفى الضرر حالا، أو كانت الدكة بفناء داره. ويحل الغرس بالمسجد للمسلمين أو ليصرف ريعه بل يكره. ـــــــــــــــــــــــــــــ عين قوله ويلغو الصلح، فكان الأولى أن يقتصر على الغاية وما بعدها. (وقوله: على الإنكار) أي أو السكوت (قوله: وإن فرض صدق المدعى) غاية في بطلان الصلح (قوله: خلافا للأئمة الثلاثة) أي في قولهم: إن الصلح لا يبطل مع ذلك (قوله: نعم. يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل الخ) عبارة شرح الروض: وإذا كان على الإنكار، وكان المدعي محقا، فيحل له فيما بينه وبين الله أن يأخذ ما بذل له. قاله الماوردي. وهو صحيح في صلح الحطيطة. وفيه فرض كلامه - فإذا صالح على غير المدعي، ففيه ما يأتي في مسألة الظفر. قاله الأسنوي. اه (قوله: وسيأتي حكم الظفر) أي في باب الدعوى والبينات، وعبارته هناك: وله - أي للشخص - بلا خوف فتنة عليه أو على غيره: أخذ ماله، استقلالا للضرورة من مال مدين له مقر مماطل به، أو جاحد له، أو متوار، أو متعزز، وإن كان على الجاحد بينة، أو رجا إقراره لو رفعه للقاضي، لاذنه - صلى الله عليه وسلم - لهند لما شكت إليه شح أبي سفيان أن تأخذ ما يكفيها وولده بالمعروف، ولأن في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة، وإنما يجوز له الأخذ من جنس حقه. ثم عند تعذر جنسه يأخذ غيره، ويتعين في أخذ غير الجنس تقديم النقد على غيره. ثم إن كان المأخوذ من جنس ماله: يتملكه، ويتصرف فيه بدلا عن حقه، فإن كان من غير جنسه: فيبيعه الظافر نفسه، أو مأذونه للغير، لا لنفسه، اتفاقا، ولا لمحجوره: لامتناع تولي الطرفين وللتهمة. انتهت. (قوله: فرع: يحرم على كل أحد إلخ) شروع في بيان الحقوق المشتركة، ومنع التزاحم عليها. وقد أفرده الفقهاء بباب مستقل. وحاصل الكلام على ذلك: أنه يحرم غرس الشجر في الشارع وإن انتفى الضرر وكان النفع لعموم المسلمين ويحل في المسجد مع الكراهة للمسلمين كأكلهم من ثماره، أو ليصرف ريعه في مصالح المسجد. ويحرم بناء دكة مطلقا في الشارع، أو في المسجد، ولو انتفى الضرر بها، أو كانت بفناء داره. وإنما حرم ذلك: لأنه قد تزدحم المارة، فيعطلون بذلك، لشغل المكان به، ولأنه إذا طالت المدة: أشبه موضعه الأملاك، وانقطع عنه أثر استحقاق الطروق. (وقوله: غرس شجر) مثله كل ما يضر المار في مروره، كإخراج روشن، أو ساباط، أي سقيفة، على حائطين، والطريق بينهما. فإن لم يتضرر المار به، بأن رفعه بحيث يمر تحته الشخص التام الطويل مع حمولة على رأسه، وبحيث يمر تحته المحمل على البعير إذا كانت الطريق ممر فرسان وقوافل: جاز ذلك. هذا إذا كان ما ذكر في شارع، أي طريق نافذ، فإن كان في غيره، فلا يجوز إلا بإذن الشركاء فيه. (وقوله: في شارع) هو مرادف للطريق النافد. وأما الطريق لا بقيد النافذ، فهو أعم من الشارع عموما مطلقا. ومادة الإجتماع الطريق النافذ. وينفرد في طريق غير نافذ (قوله: كبناء دكة) الكاف للتنظير: أي نظير حرمة بناء دكه، وهي المسطبة العالية. والمراد هنا: مطلق المسطبة. قال في التحفة: ومثلها ما يجعل بالجدار المسمى بالكبش، إلا إن اضطر إليه لخلل بنائه. ولم يضر المارة، لأن المشقة تجلب التيسير. اه. (قوله: وإن لم يضر) مفعوله محذوف: أي لم يضر ذلك البناء والمارة. (وقوله: فيه) أي في الشارع، وهو متعلق بلفظ بناء (قوله: ولو لذلك) ولو كان البناء لذلك: أي لعموم النفع للمسلمين (قوله: وإن انتفى الضرر حالا) لم يظهر لهذه الغاية فائدة بعد الغاية الأولى. أعني قوله: وإن لم يضر، فكان الأولى إسقاطها (قوله: ويحل الغرس بالمسجد الخ) وإنما امتنع في الشارع مطلقا، لكون توقع الضرر فيه أكثر. ويجوز حفر البئر في الشارع، وفي المسجد، حيث لا ضرر، وكان بإذن الإمام وفي شرح الرملي: تقييد الجواز بكونه لعموم المسلمين، وإذن الإمام. (وقوله: للمسلمين) أي لنفعهم كأكلهم من ثمارها. (وقوله: أو ليصرف ريعه) أي ما غرس. وقوله: له أي للمسجد أي لمصالح المسجد، كترميم، وإسراج (قوله: بل يكره) المناسب والأخصر أن يقول: مع الكراهة، كما عبرت به فيما مر. والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب في الوكالة والقراض

باب في الوكالة والقراض (تصح وكالة) شخص متمكن لنفسه كعبد، وفاسق في قبول نكاح، ولو بلا إذن سيد، لا في إيجابه، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في الوكالة والقراض أي في بيان أحكامهما، وشرائطهما. وجمع بين الوكالة والقراض في ترجمة واحدة، مع أن الفقهاء أفردوا كلا بترجمة مستقلة، لما بينهما من تمام الإرتباط، إذ القرض توكيل وتوكل، فالمالك، كالموكل، فيشترط فيه شروطه، والعامل كالوكيل، فيشترط فيه شروطه، والوكالة، بفتح الواو، وكسرها، لغة: التفويض، والمراعاة، والحفظ. وشرعا، ما سيذكره الشارح من قوله: وهي تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة. وهي ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وذلك لقوله تعالى: * (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) * (1) وهما وكيلان لا حاكمان على المعتمد، ولخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث السعاة لأخذ الزكاة، ولكون الحاجة داعية إليها. ولهذا ندب قبولها، لأنها قيام بمصلحة الغير. وقد تحرم: إن كان فيها إعانة على محرم. وقد تكره: إن كان فيها إعانة على مكروه. وقد تجب: إن توقف عليها دفع ضرر الموكل، كتوكيل المضطر في شراء طعام قد عجز عنه، وقد تتصور فيها الإباحة كما إذا لم يكن للموكل حاجة في الوكالة، وسأله الوكيل إياها من غير غرض وأركانها أربعة: موكل، ووكيل، وموكل فيه، وصيغة. وشرط في الموكل: صحة مباشرته ما وكل فيه بملك أو ولاية، وإلا فلا يصح توكيله لأنه إذا لم يقدر على التصرف بنفسه، فبنائبه أولى. فلا يصح توكيل غير مكلف في تصرف إلا السكران المتعدي، فيصح توكيله، ولا توكيل مكاتب في تبرع بلا إذن سيده، وسفيه فيما لا يستقل به، ولو بإذن وليه، وفاسق في إنكاح ابنته. ويستثنى من ذلك: الأعمى، فيصح توكيله في نحو بيع، وشراء، وإجارة وهبة، وإن لم تصح مباشرته له للضرورة والمحرم فيصح أن يوكل حلالا في النكاح بعد التحلل، أو يطلق. وشرط في الوكيل: صحة مباشرته ما وكل فيه، كالموكل، لأنه إذا لم يقدر على التصرف فيه لنفسه، فلغيره أولى فلا يصح توكيل صبي ومجنون، ومغمى عليه، ولا توكل امرأة في نكاح ولا محرم فيه ليعقده في إحرامه، وشرط في الموكل فيه: أن يكون قابلا للنيابة، وأن يملكه الموكل حين التوكيل، وأن يكون معلوما، ولو بوجه، فلا يصح فيما لا يقبل النيابة، كالعبادات، ولا فيما لا يملكه الموكل، كالتوكيل في بيع ما سيملكه، نعم، يصح فيما ذكر تبعا: كوكلتك في بيع ما أملكه، وكل ما سأملكه. ولا فيما ليس بمعلوم، كوكلتك في كل قليل وكثير، أو في كل أموري، وبيع بعض أموالي، لما في ذلك من الغرر العظيم، الذي لا ضرورة إلى احتماله. وشرط في الصيغة، لفظ من موكل يشعر برضاه. ولا يشترط من الوكيل: القبول لفظا، بل الشرط: عدم الرد منه، فلو ردها، كأن قال لا أقبل، أو لا أفعل، بطلت. وكل ما ذكر يستفاد من كلام الشارح (قوله: تصح وكالة شخص) من إضافة المصدر لمفعوله. (وقوله: متمكن لنفسه) أي متمكن من التصرف لنفسه فالجار والمجرور متعلق بمحذوف. وهذا شرط للوكيل، (وقوله: كعبد وفاسق) تمثيل للمتمكن من التصرف لنفسه. (وقوله: في قبول النكاح) أي أن تمكن العبد والفاسق ليس مطلقا، بل بالنسبة لقبول النكاح، فيصح توكلهما فيه، لتمكنهما منه لأنفسهما. (وقوله: ولو بلا إذن سيد) أي أو ولي فيما إذا كان الفاسق سفيها. وعبارة شرح المنهج: والسفيه والعبد فيتوكلان في قبول النكاح بغير إذن الولي والسيد. اه. والغاية للرد على من يقول:

_ (1) سورة النساء، الاية: 35.

وهي تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة ليفعله في حياته، فتصح (في كل عقد): كبيع، ونكاح، وهبة، ورهن، وطلاق منجز، (و) في كل (فسخ) كإقالة، ورد بعيب. وفي قبض، وإقباض للدين أو العين، وفي إستيفاء عقوبة آدمي، والدعوى والجواب، وإن كره الخصم، وإنما تصح الوكالة فيما ذكر، إن كان (عليه ولاية لموكل) بملكه التصرف فيه حين التوكيل، فلا يصح في بيع ما سيملكه وطلاق من سينكحها، لانه لا ولاية له عليه حينئذ، وكذا لو وكل من يزوج موليته إذا طلقت أو انقضت عدتها، على ما قاله الشيخان هنا، لكن رجح ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يصح توكل العبد في قبول النكاح بغير إذن سيده، وعلى من يقول بصحة ذلك: في القبول وفي الإيجاب (قوله: لا في إيجابه) أي لا يصح توكلهما في إيجاب النكاح، وذلك لعدم تمكنهما منه لكونه ولاية، وهما ليسا من أهلها (قوله: وهي) أي الوكالة شرعا. (وقوله: تفويض شخص) في البجيرمي، هلا أطلقها على العقد أيضا كما مر في الأبواب قبله، وسيأتي في أبواب أخر؟ فليحرر، فإن الظاهر إطلاقها عليه شرعا. شوبري. اه. وقد يقال: المراد تفويض شخص الخ بصيغة (قوله: فيما يقبل النيابة) أي مما يقبلها، ففي: بمعنى من - البيانية لأمره - وهي حال منه: أي حال كون ذلك الأمر مما يقبل النيابة. فإن قلت: النيابة هي الوكالة، وقد أخذت في تعريف الوكالة، وهذا دور. أجيب بأن النيابة شرعا أعم من الوكالة، فلا دور، إلا أنه يرد عليه أنه يصير التعريف به غير مانع. (وقوله: ليفعله في حياته) خرج به الإيصاء، فإنه إيما يفعله بعد موته (قوله: فتصح) أي الوكالة، وهو مفرع على ما يقبل النيابة (قوله: كبيع ونكاح وهبة) أي وضمان ووصية وحوالة، فيقول: جعلت موكلي ضامنا لك كذا، أو موصيا بكذا أو أحلتك بمالك على موكلي من كذا بنظيره مما له على فلان (قوله: وطلاق منجز) أي لمعينة، فلو وكله بتطليق إحدى نسائه، لم يصح، في الأصح (قوله: وفي كل فسخ) معطوف على في كل عقد: أي وتصح الوكالة في كل فسخ، والمراد بالفسخ: الذي ليس على الفور، أو على الفور، وحصل عذر لا يعد به التأخير بالتوكيل فيه تقصيرا، فإن عد التوكيل فيه تقصيرا، فلا يصح التوكيل فيه (قوله: كإقالة) تمثيل للفسخ، وهي طلب المشتري من البائع الفسخ (قوله: وفي قبض وإقباض) معطوف على في كل عقد: أي وتصح الوكالة في قبض وإقباض للدين أو العين (قوله: وفي استيفاء عقوبة آدمي) معطوف على في كل عقد أيضا: أي وتصح في كل استيفاء عقوبة لآدمي، كقصاص، وحد قذف، ويصح التوكيل أيضا في استيفاء عقوبة لله تعالى، لكن من الإمام أو السيد (قوله: والدعوى) أي وتصح الوكالة في الدعوى: أي بنحو مال أو عقوبة لغير الله تعالى، والجواب عن ذلك (قوله: وإن كره الخصم) غاية لصحة التوكيل في الدعوى والجواب: أي يصح التوكيل في الدعوى، وفي الجواب عنها، سواء رضي الخصم بذلك أو لا. ومذهب الإمام أبي حنيفة، رضي الله عنه، اشتراط رضا الخصم (قوله: وإنما تصح الوكالة فيما ذكر) أي من العقود والفسوخ (قوله: إن كان عليه ولاية لموكل الخ) هذا شرط في الموكل فيه، وهو ما مر من العقود والفسوخ وما بعدهما: أي أنه يشترط فيه أن يكون للموكل ولاية عليه، أي سلطنة، بسبب ملكه التصرف فيه: سواء كان مالكا للعين أو لا، كالولي، والحاكم، فعبارته أعم من قول المنهج، وشرط في الموكل فيه أن يملكه حين التوكيل، إذ هو خاص بمالك العين، ولا يشمل الولي والحاكم (قوله: فلا يصح) أي التوكيل. (وقوله: في بيع ما سيملكه) أي استقلالا، لا تبعا، فيصح في بيع ما لا يملكه تبعا للملوك، أو في بيع عين يملكها، وأن يشتري له بثمنها كذا. وقياس ذلك، صحة توكيله بطلاق من سينكحها تبعا لمنكوحته، كذا في شرح المنهج (قوله: لأنه لا ولاية الخ) علة لعدم الصحة: (وقوله: له) أي للموكل. (وقوله: عليها) أي على ما سيملكه، أو من سينكحها. (وقوله حينئذ) أي حين إذ وكل (قوله: وكذا لو وكل) أي وكذلك لا يصح التوكيل لو وكل الولي من يزوج موليته إذا طلقت أو إذا انقضت عدتها، وذلك لعدم ولايته عليها حين التوكيل. (وقوله: إذا طلقت أي وانقضت عدتها)،

في الروضة، في النكاح، الصحة. وكذا لو قالت له، وهي في نكاح أو عدة، أذنت لك في تزويجي إذا حللت، ولو علق ذلك على الانقضاء أو الطلاق، فسدت الوكالة، ونفذ التزويج للاذن، (لا) في (إقرار) أي لا يصح التوكيل فيه، بأن يقول لغيره: وكلتك لتقر عني لفلان بكذا، فيقول الوكيل أقررت عنه بكذا، لانه إخبار عن حق، فلا يقبل التوكيل، لكن يكون الموكل مقرا بالتوكيل، (و) لا في (يمين)، لان القصد بها تعظيم الله تعالى، ـــــــــــــــــــــــــــــ كما هو ظاهر، (وقوله: هنا) أي في باب الوكالة (قوله: لكن رجح في الروضة في النكاح) أي في باب النكاح: الصحة، أي صحة الوكالة، ونصها. فرع في فتاوى البغوي أن التي يعتبر إذنها في تزويجها إذا قالت لوليها وهي في نكاح أو عدة: أذنت لك في تزويجي إذا فارقني زوجي، أو انقضت عدتي، فينبغي أن يصح الإذن، كما لو قال الولي للوكيل، زوج بنتي إذا فارقها زوجها وانقضت عدتها، وفي هذا التوكيل، وجه ضعيف، إنه لا يصح، وقد سبق في الوكالة. اه. (قوله: وكذا لو قالت له إلخ) أي وكذا رجح في الروضة، في باب النكاح، صحة الإذن فيما لو قالت لوليها، وهي في نكاج أو عدة، أذنت لك في تزويجي إذا حللت، بأن يطلقها زوجها وتنقضي عدتها في الصورة الأولى، أو تنقضي العدة في الثانية فقط. وفي النهاية: أفتى الوالد، رحمه الله تعالى، بصحة إذن المرأة المذكورة لوليها، كما نقلاه في كتاب النكاح، عن فتاوى البغوي، وأقراه، وعدم صحة توكيل الولي المذكور، كما صححاه في الروضة وأصلها هنا، والفرق بينهما: أن تزويج الولي، بالولاية الشرعية، وتزويج الوكيل، بالولاية الجعلية. وظاهر أن الأولى أقوى، فيكتفي فيها بما لا يكتفي به في الثانية. وأن باب الإذن أوسع من باب الوكالة. وما جمع به بعضهم، بين ما ذكر في البابين، بحمل عدم الصحة على الوكالة، والصحة على التصرف، إذ قد تبطل الوكالة، ويصح التصرف، رد بأنه خطأ صريح، مخالف للمنقول، إذا الإبضاع يحتاط لها فوق غيرها. اه. (قوله: ولو علق ذلك الخ) أي ولو علق الولي ذلك: أي توكيل التزويج، بأن قال إذا طلقت بنتي، أو انقضت عدتها، فقد وكلتك في تزويجها، فسدت الوكالة، ونفذ التزويج للإذن. قال سم: كذا في شرح الروض، لكن أطال ابن العماد في توقيف الحكام في بيان عدم النفوذ إذا فسد التوكيل في النكاح، وفي تغليط من سوى بين النكاح وغيره في النفوذ بذلك. اه. وانظر: ما الفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى المارة، وهي كذا لو وكل الخ، فإنها متضمنة للتعليق، وإن لم يكن صريحا فيها؟ ويمكن الفرق بأن الوكالة هنا معلقة، وهناك منجزة، والمعلق إنما هو التزويج، وهو لا يضر، لما سيأتي: أن المضر تعليق الوكالة، وأما تعليق التصرف: فغير مضر (قوله: لا في إقرار) عطف على في كل عقد (قوله: أي لا يصح التوكيل فيه) بيان لمنطوق ما قبله، والمناسب لما قبله في الحل أن يقول: أي لا تصح الوكالة في إقرار (قوله: بأن يقول) أي الموكل، وهو تصوير للوكالة في الإقرار: إيجابا، وقبولا (قوله: فيقول الوكيل: أقررت عنه) أي عن موكلي: أي أو يقول جعلته مقرا بكذا (قوله: لأنه) أي الإقرار، وهو تعليل لعدم صحة الوكالة في الإقرار: أي وإنما لم تصح فيه لأن الإقرار إخبار عن حق، وهو لا يقبل التوكيل، كالشهادة (قوله: لكن يكون الموكل مقرا بالتوكيل) أي لإشعاره بثبوت الحق عليه، وقيل ليس بإقرار: لأن التوكيل بالإبراء ليس بإبراء، ومحل الخلاف: إذا قال وكلتك لتقر عني لفلان بكذا، فلو قال أقر عني بألف له علي كان إقرار قطعا، ولو قال له أقر علي بألف، لم يكن إقرارا قطعا: صرح به صاحب التعجيز اه. شرح الروض. وقوله فلو قال أقر عني بألف له علي: أي لو جمع بين عني وعلي، كان إقرار قطعا، وقوله: ولو قال أقر علي بألف: أي ولو اقتصر على علي، لم يكن إقرارا قطعا، وخالف بعضهم في هذه، فقال إنه يكون مقرا، لأنها أولى من عني. وفي البجيرمي: والحاصل أنه إذا أتى بعلي وعني، يكون إقرارا قطعا. وإن حذفهما، لا يكون إقرارا قطعا، وإن أتى بأحدهما، يكون إقرارا، على الأصح، كما يؤخذ من كلام ح ل، وعلى كلام ق ل وع ش وز ي: لا يكون مقرا قطعا إذا أتى بعلي. اه. (قوله: ولا في يمين) عطف على في كل عقد أيضا: أي لا تصح الوكالة في يمين (قوله: لأن القصد بها) أي

فأشبهت العبادة. ومثلها: النذر، وتعليق العتق والطلاق بصفة، ولا في الشهادة، إلحاقا لها بالعبادة، والشهادة على الشهادة ليست توكيلا، بل الحاجة جعلت الشاهد المتحمل عنه، كحاكم أدى عنه عند حاكم آخر، (و) لا في (عبادة)، إلا في حج، وعمرة، وذبح نحو أضحية، ولا تصح الوكالة إلا (بإيجاب) وهو ما يشعر برضا الموكل الذي يصح مباشرته الموكل فيه في التصرف: (كوكلتك) في كذا، أو فوضت إليك، أو أنبتك، أو أقمتك مقامي فيه، (أو بع) كذا، أو زوج فلانة، أو طلقها، أو أعطيت بيدك طلاقها وأعتق فلانا. قال السبكي: يوءخذ من ـــــــــــــــــــــــــــــ باليمين، وهو علة لعدم صحة الوكالة في اليمين (قوله: فأشبهت العبادة) أي فأشبهت اليمين العبادة: أي في كون القصد تعظيم الله تعالى (قوله: ومثلها النذر إلخ) أي ومثل اليمين في عدم صحة الوكالة، النذر، وتعليق العتق، والطلاق بصفة، فلا يصح أن يقول وكلتك في أن تنذر عني، أو تعلق عتق عبدي، أو طلاق زوجتي بصفة، إلحاقا لها باليمين. ونقل المتولي في التعليق أوجها: ثالثها إنه إن كان التعليق بقطعي، كطلوع الشمس، صح، وإلا فلا، فإنه يمين، لأنه حينئذ يتعلق به حث أو منع أو تحقق خبر، واختاره السبكي، أفاده في شرح الروض (قوله: ولا في شهادة) أي ولا يصح التوكيل فيها، (وقوله: إلحاقا لها بالعبادة) أي إلحاقا للشهادة بالعبادة. وانظر وجه الإلحاق. وعبارة المغني: لأنا احتطنا، ولم نقم غير لفظها مقامها، فألحقت بالعبادة، ولأن الحكم فيها منوط بالشاهد، وهو غير حاصل للوكيل. اه. (قوله: والشهادة على الشهادة الخ) هذا جواب عما يقال: كيف لا يصح التوكيل بالشهادة، مع أن الشهادة على الشهادة جائزة بالاتفاق. وحاصل الجواب أنها ليست توكيلا، بل هي تحمل عن الشاهد. وعبارة المغني: فإن قيل: الشهادة على الشهادة باسترعاء ونحوه جائزة كما سيأتي، فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن ذلك ليس توكيلا، كما صرح به القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ، بل شهادة على شهادة، لأن الحاجة الخ. اه. وقوله باسترعاء أي طلب من الشاهد، بأن يقول له أنا شاهد بكذا، وأشهدك، أو اشهد على شهادتي به. وقوله ونحوه: أي نحو الاسترعاء، كالسماع، بأن يسمعه يشهد عند حاكم إلى آخر ما سيأتي في باب الشهادة (قوله: المتحمل عنه.) أي المؤدي عنه، وهو بصيغة اسم المفعول، (وقوله: كحاكم أدى عنه) أي جعلته بمنزلة حاكم أدى عنه حكمه عند حاكم آخر، بأن حكم حاكم على غائب، وأنهى حكمه إلى حاكم بلد الغائب، فهذا الذي أدى حكم الحاكم عند الحاكم الآخر، ليس بوكيل عنه، وإنما هو مؤد، ورسول، وكذلك المتحمل للشهادة: ليس بوكيل، وإنما هو مؤد لشهادة الشاهد (قوله: ولا في عبادة) أي لا يصح التوكيل فيها، وإن لم تتوقف على نية. وذلك لأن مباشرها: مقصود بعينه، اختيارا من الله تعالى، ولا فرق بين أن تكون العبادة فرضا أو نفلا، كصلاة، وصوم، واعتكاف، فليس له أن يترك الصلاة ويوكل غيره ليصلي عنه، أو يصلي منفردا ويوكل غيره ليصليها جماعة له، ويكون ثوابها له. وكذا البقية. أما القيام بالوظائف، كمن عليه إمامة مسجد، أو تدريس، فينيب غيره، حيث كان النائب مثله، أو أكمل منه، أفاده الشرقاوي (قوله: إلا في حج وعمرة) أي فيصح التوكل فيهما، ولا بد أن يكون الموكل معضوبا أو وصيا عن ميت، ويندرج فيهما، توابعهما، كركعة الطواف، فيصح التوكيل فيهما، تبعا لهما، بخلاف ما لو أفردهما بالتوكيل: فلا يصح. والحاصل أن العبادة على ثلاثة أقسام: إما أن تكون بدنية محضة، فيمتنع التوكيل فيها، إلا ركعتي الطواف تبعا. وإما أن تكون مالية محضة، فيجوز التوكيل فيها مطلقا، وإما أن تكون مالية غير محضة، كنسك، فيجوز التوكيل فيها بالشرط المار (قوله: وذبح نحو أضحية) أي فله أن يوكل في ذلك. وهناك أشياء أخر مستثناة يجوز التوكيل فيها، فلتراجع (قوله: لا تصح الوكالة إلخ) شروع في بيان الصيغة (قوله: وهو ما يشعر الخ) أي الإيجاب لفظ يشعر الخ. ومثل اللفظ: كتابة، أو إشارة أخرس مفهمة، (وقوله: الذي يصح مباشرته الموكل فيه) هذا شرط للموكل، كما تقدم، (وقوله: في التصرف) متعلق برضا، أي يشعر برضا الموكل في تصرف الوكيل في الموكل فيه (قوله: قال السبكي إلخ) عبارة التحفة قبل ذلك: وخرج بكاف الخطاب، ومثلها وكلت فلانا، ما لو قال وكلت كل من أراد بيع داري مثلا، فلا يصح، ولا ينفذ

كلامهم صحة قول من لا ولي لها: أذنت لكل عاقد في البلد أن يزوجني. قال الاذرعي: وهذا، إذا صح محله، إن عينت الزوج ولم تفوض إلا صيغة فقط. وبنحو ذلك. أفتى ابن الصلاح، ولا يشترط في الوكالة: القبول لفظا، لكن يشترط عدم الرد فقط. ولو تصرف غير عالم بالوكالة: صح، إن تبين وكالته حين التصرف، كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا. ولا يصح تعليق الوكالة بشرط: كإذا جاء رمضان فقد وكلتك في كذا، فلو تصرف بعد وجود الشرط المعلق، كأن وكله بطلاق زوجة سينكحها، أو ببيع عبد سيملكه، أو بتزويج بنته إذا طلقت واعتدت: فطلق بعد أن نكح، أو باع بعد أن ملك، أو زوج بعد العدة نفذ عملا بعموم الاذن. وإن قلنا بفساد الوكالة بالنسبة إلى سقوط الجعل المسمى إن كان ووجوب أجرة المثل، وصح تعليق التصرف فقط، كبعه لكن ـــــــــــــــــــــــــــــ تصرف أحد فيها بهذا الإذن، لفساده، نعم: بحث السبكي صحة ذلك فيما لا يتعلق بعين الوكيل فيه غرض، كوكلت كل من أراد في إعتاق عبدي هذا، أو تزويج أمتي هذه. قال: ويؤخذ من هذا قول من لا ولي لها، إلى آخر ما ذكره الشارح (قوله: قال الأذرعي: وهذا إن صح الخ) كتب العلامة الرشيدي ما نصه: (قوله: وهذا إن صح) أي ما ذكر من تزويج الأمة، وعبارته، أي الأذرعي، في قوته نصها: وما ذكره، يعني السبكي، في تزويج الأمة، إن صح، ينبغي أن يكون فيما إذا عين الزوج ولم يفوض إلا صيغة العقد، ثم قال. وسئل ابن الصلاح عمن أذنت أن يزوجها العاقد في البلد من زوج معين بكذا، فهل لكل أحد عاقد بالبلد تزويجها؟ فأجاب إن اقترن بإذنها قرينة تقتضي التعيين، بأن سبق إذنها قريبا ذكر عاقد معين، أو كانت تعتقد أن ليس بالبلد غير واحد، فإن إذنها حينئذ تختص، ولا يعم. وإن لم يوجد شئ من هذا القبيل، فذكرها العاقد محمول على مسمى العاقد على الإطلاق، وحينئذ: لكل عاقد بالبلد تزويجها. هذا مقتضى الفقه في هذا. اه. (قوله: وبنحو ذلك) أي وبمثل ما ذكره السبكي أفتى ابن الصلاح، وقد علمت إفتاءه في عبارة الرشيدي، فلا تغفل (قوله: ولا يشترط في الوكالة القبول لفظا) أي لأنها إباحة ورفع حجر، كإباحة الطعام، فلا يتعين فيها القبول لفظا. نعم: لو كان لإنسان عين معارة، أو مؤجرة، أو مغصوبة فوهبها لآخر فقبلها، وأذن له في قبضها، ثم إن الموهوب له ولك في قبضها المستعير، أو المستأجر، أو الغاصب، اشترط قبوله لفظا، ولا يكتفي بالفعل، وهو الإمساك، لأنه استدامه لما سبق، فلا دلالة فيه على الرضا بقبضه عن الغير. اه. شرح الروض (قوله: لكن يشترط) أي في الوكالة. (وقوله: عدم الرد) أي بأن يرضى ويمتثل، فإن رد، لم تصح الوكالة. وإلا صحت (قوله: ولو تصرف) أي فضولي. وعبارة التحفة: ولا يشترط هنا فور ولا مجلس. ومن ثم لو تصرف غير عالم الخ. اه. (قوله: صح) أي تصرفه، أي لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر (قوله: كمن باع الخ) الكاف للتنظير في صحة البيع المذكور (قوله: ولا يصح تعليق الوكالة بشرط) أي صفة أو وقت، والظاهر أن المراد بالتعليق: ما كان بالأدوات وبغيرها، بدليل أمثلته الآتية (قوله: فلو تصرف) أي الوكيل (قوله: كأن وكله بطلاق الخ) أي كأن قال له وكلتك في طلاق زوجتي التي سأنكحها، أو في بيع عبدي الذي سأملكه، ففيما ذكر، تعليق الوكالة بصفة، أعني النكاح والملك، وذلك لأنه في قوة قوله إن نكحت فلانة، فأنت وكيل في طلاقها، أو إن ملكت فلانا، فأنت وكيل في بيعه (قوله: أو بتزويج بنته إذا طلقت) قد تقدم عن ابن العماد ما فيه، فلا تغفل (قوله: نفذ) أي التصرف المذكور، وهو جواب لو (قوله: عملا بعموم الإذن) أي الذي تضمنته الوكالة، فهي، وإن كانت فاسدة بخصوصها، لا يفسد الإذن بعمومه، لأنه بفساد الخاص، لا يفسد العام، وإنما كان الإذن أعم من الوكالة: لأن باب الإذن أوسع من باب الوكالة، وعبارة الروض: ولو علقها بشرط: فسدت، ونفذ تصرف صادف الإذن. قال في شرحه: وكذا حيث فسدت الوكالة، إلا أن يكون الإذن فاسدا. كقوله وكلت من أراد بيع داري - فلا ينفذ التصرف قاله الزركشي اه. (قوله: وإن قلنا بفساد الوكالة الخ) هذا بيان لما يترتب على الوكالة الفاسدة، وهو سقوط الجعل المسمى إن كان، وتجب أجرة

بعد شهر، وتأقيتها: كوكلتك إلى شهر رمضان. ويشترط في الوكالة أن يكون الموكل فيه معلوما للوكيل، ولو بوجه، كوكلتك في بيع جميع أموالي، وعتق أرقائي، وإن لم تكن أمواله وأرقاؤه معلومة، لقلة الغرر فيه، بخلاف بع هذا أو ذاك، وفارق إحدى عبيدي، بأن الاحد صادق على كل، وبخلاف بع بعض مالي. نعم: يصح بع، أو هب منه ما شئت. وتبطل في المجهول، كوكلتك في كل قليل وكثير، أو في كل أموري، أو تصرف في أموري كيف شئت لكثرة الغرور فيه (وباع) كالشريك (وكيل) صح مباشرته التصرف لنفسه (بثمن مثل) فأكثر (حالا)، ـــــــــــــــــــــــــــــ المثل، كما أن الشرط الفاسد في النكاح يفسد الصداق المسمى، ويوجب مهر المثل، بخلاف الوكالة الصحيحة، فإنه يستقر فيها الجعل المسمى إن كان. والحاصل الوكالة الصحيحة والفاسدة يستويان: بالنسبة لنفوذ التصرف، ويتغايران، بالنسبة للجعل المسمى، فيسقط في الفاسدة، ويستقر في الصحيحة. تنبيه قال في المغني: هل يجوز الإقدام على التصرف بالوكالة الفاسدة؟ قال ابن الرفعة: لا يجوز، لكن استبعده ابن الصلاح، وهذا هو الظاهر، لأن هذا ليس من تعاطي العقود الفاسدة، لأنه يقدم على عقد صحيح. اه. (قوله: إن كان) أي وجد الجعل. (وقوله: ووجوب) معطوف على سقوط (قوله: وصح تعليق التصرف فقط) أي دون الوكالة، إنها منجزة، والمعلق التصرف، كوكلتك في كذا، وإذا جاء رمضان فبعه، (قوله: وتأقيتها) أي وصح تأقيتها، أي الوكالة (قوله: إلى شهر رمضان) متعلق بوكلتك، وحينئذ إذا دخل الشهر المذكور، ينعزل (قوله: أن يكون الموكل فيه) يقرأ بصيغة المجهول، ونائب الفاعل: الجار والمجرور (قوله: معلوما للوكيل ولو بوجه) أي بحيث يقل معه غرر في الموكل فيه: بأن يذكر من أوصافه ما لا بد منه في تمييزه، فيجب في توكيله في شراء عبد، بيان نوعه، كتركي، وهندي، وبيان صفته، كرومي، ونوبي، إن احتيج إلى ذلك، بأن اختلفت أصناف ذلك النوع اختلافا ظاهرا، وفي شراء دار: بيان محله، أي حارة وسكة، ثم محل بيان ما ذكر، إذا لم يقصد به التجارة، وإلا فلا يجب بيان شئ من ذلك، بل يكتفي: اشتر بهذا ما شئت من العروض، أو ما رأيته مصلحة (قوله: كوكلتك الخ) تمثيل لما هو معلوم من وجه، مجهول من وجه آخر، فالوجه الذي هو معلوم منه في الوكالة في بيع جميع الأموال خصوص كونه مالا، والوجه المجهول منه أنواع المال، والوجه المعلوم في عتق الأرقاء خصوص كونه عتقا، وجهة الجهل عدم العلم بالعدد وكونها ذكورا أو إناثا. اه. بجيرمي (قوله: وإن لم تكن أمواله وأرقاؤه معلومة) أي من بعض الوجوه: ككون الوكيل والموكل لم يعرفا نوعها وصنفها وعددها، وكون الأرقاء ذكورا أو إناثا، وبه يندفع ما يتراءى من التنافي في كلامه، حيث اشترط أولا العلم، ثم ذكر ما يفيد علم الاشتراط، وحاصل الدفع، أن الشرط: العلم، ولو من بعض الوجوه، وهذا لا ينافي أنه لا يضر الجهل من بعض آخر (قوله: لقلة الغرر) تعليل لمحذوف: أي فإنه يصح التوكل فيما كر، لقلة الغرر فيه (قوله: بخلاف بع هذا أو ذاك) أي فإنه لا يصح، وذلك لكثرة الغرر فيه (قوله: وفارق أحد عبيدي) أي فارق قوله المذكور: ما إذا قال بع أحد عبيدي، أي فإنه يصح (قوله: بأن الأحد الخ) متعلق بفارق. (وقوله: صادق على كل) أي على كل عبد أي فالعقد وجد موردا يتأثر به، بخلافه في الأول، فإنه لم يجد ذلك، لأن أو، للإبهام، فلذلك لم يصح فيه، وصح في الثاني. وعبارة شرح الروض. وفرق بينهما بأن العقد لم يجد في الأول موردا يتأثر به، لأن أو: للإبهام، بخلاف الثاني، فإنه صادق على كل عبد. اه. (قوله: بخلاف بع بعض مالي) أي فإنه لا يصح: أي لكثرة الغرر فيه، لكون الموكل فيه شديد الإبهام (قوله: نعم، يصح بع، أو هب منه ما شئت) فرق في شرح الروض بين هذه الصورة - حيث صح التوكيل فيها، وبين الصورة المارة قيله، حيث لم يصح فيها، بأن الموكل فيه فيها مبهم، ولأنه نكرة، لا عموم فيه ولا خصوص، بخلافه في هذه الصورة، فإنه معرفة عامة مخصوصة، وحيث صح فيها، فإنما يصح التصرف في البعض، دون الجميع، لأن من، للتبعيض (قوله: وتبطل) أي الوكالة (وقوله: في المجهول) أي من كل وجه، بدليل ما قبله. وكان الأولى زيادته (قوله: لكثرة الغرر فيه)

فلا يبيع نسيئة، ولا بغير نقد البلد، ولا بغبن فاحش، بأن لا يحتمل غالبا، فبيع ما يساوي عشرة بتسعة: محتمل، وبثمانية: غير محتمل. ومتى خالف شيئا مما ذكر فسد تصرفه، وضمن قيمته يوم التسليم، ولو مثليا، إن أقبض المشتري، فإن بقي: استرده، وله حينئذ بيعه بالاذن السابق، وقبض الثمن، ولا يضمنه. وإن تلف، غرم الموكل ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في التحفة: إذ يدخل فيه ما لا يسمح الموكل ببعضه، كطلاق زوجاته، والتصدق بأمواله (قوله: وباع الخ) شروع فيما يجب على الوكيل وما يمتنع عليه في الوكالة المطلقة والمقيدة بعد صحتها (قوله: كالشريك) الكاف للتنظير (قوله: صح مباشرته إلخ) الجملة صفة لوكيل، ولا حاجة إليه، لأنه قد علم من قوله، في صدر الباب، تصح وكالة شخص متمكن لنفسه الخ (قوله: بثمن مثل فأكثر) متعلق بباع: أي باع بثمن مثل فأكثر، وهو قيد أول، وسيذكر محترزه. (وقوله: حالا) قيد ثان. وسيذكر محترزه أيضا (قوله: فلا يبيع نسيئة) أي بأجل، ولو بأكثر من ثمن المثل، لأن المعتاد، غالبا، الحلول مع الخطر في النسيئة. اه. نهاية. قال ع ش: ويظهر أنه لو وكله وقت نهب: جاز له البيع نسيئة، إذا حفظ عن النهب. وكذا لو وكله وقت الأمن، ثم عرض النهب لأن القرينة قاضية قطعا برضاه. الخ. اه. (قوله: ولا بغير نقد البلد) هذا محترز قيد ملحوظ في المتن، وهو بنقد البلد والمراد بنقد البلد: ما يتعامل به أهلها غالبا، نقدا كان أو عرضا، الدلالة القرينة العرفية عليه، فإن تعدد لزمه بالأغلب، فإن تساويا، فبالأنفع، وإلا تخير، أو باع بهما. والمراد بالبلد: ما وقع فيه البيع بالإذن، لدلالة القرينة العرفية عليه، فإن سافر بما وكل في بيعه لبلد بلا إذن، لم يجز له بيعه إلا بنقد البلد المأذون فيها (قوله: ولا بغبن فاحش) محترز قوله بثمن مثل: أي لا يبيع بدونه إذا كان بغبن فاحش، وهو ما لا يحتمل، أي يغتفر في الغالب، أما إذا كان لا بغبن فاحش، جاز البيع به (قوله: بأن لا يحتمل) تصوير للغبن الفاحش (قوله: فبيع ما يساوي عشرة بتسعة) أي من الدراهم. أو الأنصاف، لا من الدنانير، (وقوله: محتمل) أي مغتفر، وينبغي أن يكون المراد حيث لا راغب بتمام القيمة أو أكثر، وإلا فلا يصح، أخذا مما سيأتي. فيما لو عين له الثمن أنه لا يجوز له الإقتصار على ما عينه إذا وجد راغبا كما سيأتي، وقد يفرق سم على منهج. أقول: وقد يتوقف في الفرق بأن الوكيل يجب عليه رعاية المصلحة، وهي منتفية فيما لو باع بالغبن اليسير مع وجود من يأخذ بكامل القيمة. اه. ع ش (قوله: وبثمانية غير محتمل) أي وبيع ما يساوي عشرة بثمانية غير محتمل. والصواب، الرجوع في ذلك إلى العرف المطرد، كما في التحفة، والنهاية، وعبارتها: قال ابن أبي الدم: العشرة إن سومح بها في المائة يتسامح بالمائة في الألف، فالصواب: الرجوع للعرف، ويوافقه قولهما عن الروياني: إنه يختلف بأجناس الأموال، لكن قوله في البحر، إن اليسير يختلف باختلاف الأموال، فربع العشر كثير في النقد والطعام، ونصفه يسير في الجواهر والرقيق ونحوهما، محل نظر، وهو محمول على عرف زمنه، إذ الأوجه: اعتبار العرف المطرد في كل ناحية بما يتسامح به فيها. اه. (قوله: ومتى خالف) أي الوكيل، وقوله شيئا مما ذكر، أي من كونه حالا، وبنقد البلد، وبثمن المثل، ومخالفته لذلك، بأن باع مؤجلا، أو بغير نقد البلد، أو بغير ثمن المثل، (وقوله: فسد تصرفه) أي بيعه المذكور، لفقد الشروط المعتبرة فيه (قوله: وضمن) أي الوكيل، لتعديه بتسليمه له ببيع فاسد والقيمة المغرومة للحيلولة، لا للفيصولة. (وقوله: قيمته) أي أقصى قيمه. (وقوله: يوم التسليم) أي تسليم الموكل للمشتري (قوله: ولو مثليا) غاية لضمانه القيمة، وهي للرد على من يفصل بين المتقوم والمثلي (قوله: إن أقبض) أي الوكيل، وهو قيد لتضمينه القيمة، فإن لم يقبضه: فلا ضمان، كما هو ظاهر (قوله: فإن بقي) أي المبيع عند المشتري، وقوله استرده، أي الوكيل من المشتري. قال ع ش: ولا يزول الضمان بالاسترداد، بل إما بالبيع الثاني، أو استئمان من المالك. اه. (قوله: وله) أي للوكيل، (وقوله: حينئذ) أين حين إذ استرده، (وقوله: بيعه) أي ثانيا، (وقوله: بالإذن السابق) أي فلا يحتاج إلى تجديد الإذن (قوله: ولا يضمنه) أي الثمن لو تلف، فيده عليه يد أمانة. وعبارة شرح المنهج: ولا يضمن ثمنه. وكتب البجيرمي: أي فيما إذا باعه بالإذن السابق. اه. (قوله: وإن تلف) أي المبيع عند المشتري وهو مقابل قوله فإن بقي

بدله الوكيل أو المشتري والقرار عليه. وهذا كله، (إذا أطلق الموكل) الوكالة في البيع، بأن لم يقيد بثمن، ولا حلول، ولا تأجيل، ولا نقد، وإن قيد بشئ، اتبع. فرع: لو قال لوكيله بعه بكم شئت، فله بيعه بغبن فاحش، لا بنسيئة، ولا بغير نقد البلد، أو بما شئت، أو بما تراه، فله بيعه بغير نقد البلد، لا بغبن، ولا بنسيئة، أو بكيف شئت فله بيعة بنسيئة، لا بغبن، ولا بغير نقد البلد، أو بما عز وهان، فله بيعه بعرض وغبن، لا بنسيئة، (ولا يبيع) الوكيل لنفسه وموليه، وإن أذن له في ذلك، وقدر له بالثمن، خلافا لابن الرفعة، لامتناع اتحاد الموجب والقابل، وإن انتفت التهمة، بخلاف أبيه وولده ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: بدله) أي بدل المبيع التالف. والمراد به: البدل الشرعي من مثل أو قيمة، وهذا بالنسبة للوكيل. وأما المشتري: فيضمن المثل إن كان مثليا، وأقصى القيم إن كان متقوما، لأنه مقبوض بعقد فاسد. اه. بجيرمي (قوله: والقرار عليه) أي على المشتري، لأنه قبضه بعقد فاسد (قوله: وهذا كله) أي ما ذكر: من اشتراط كون البيع بثمن مثل حال، وبنقد البلد إذا أطلق الموكل الوكالة في البيع (قوله: بأن لم يقيد الخ) تصوير للإطلاق المذكور (قوله: وإن قيد بشئ) المناسب: فإن قيد، بفاء التفريع، وقوله: اتبع، أي ما قيد به الموكل، فلو قيد بثمن، تعين، ولو وكله ليبيع مؤجله، صح. ثم إن أطلق الأجل، حمل على عرف في المبيع بين الناس، فإن لم يكن عرف، راعى الأنقع للموكل في قدر الأجل. ويشترط الإشهاد في هذه الحالة، وإن قدر الأجل، اتبع الوكيل ما قدره الموكل، فإن باع بحال أو نقص عن الأجل الذي قدره، كأن باع إلى شهر ما، قال له الموكل بعه إلى شهرين، صح البيع، إن لم ينهه الموكل، ولم يكن عليه فيه ضرر، كنقص ثمن، أو مؤنة حفظ، ولم يعين المشتري، وإلا فلا يصح، لظهور قصد المحاباة (قوله: فرع) هو مشتمل على مسائل أربع، فمن ثم عبر غيره بفروع، وهو الأولى، والغرض منه، تقييد قوله وباع كالشريك وكيل بثمن مثل الخ، أي محل كونه كالشريك، وأنه لا يبيع إلا بالقيد المتقدمة إن لم يأت بصيغة من هذه الصيغ الآتية في الفرع، فإن أتى بها، عمل بمقتضاها (قوله: لو قال) أي الموكل (قوله: فله بيعه بغبن فاحش) أي لأن كم للعدد، فيشمل القليل والكثير (قوله: أو بما شئت) أي أو قال له بعه بما شئت (قوله: فله بيعه بغير نقد البلد) أي لأن ما يصدق بالعرض والنقد (قوله: أو بكيف شئت) أي أو قال له: بعه بكيف شئت. (وقوله: فله بيعه بنسيئة) أي لأن كيف، للأحوال، فيشمل الحال والمؤجل (قوله: أو بما عز وهان) أي أو قال بعه بما عز وهان. قال في المصباح: عز الرجل، عزا بالكسر، وعزازة، بالفتح، قوي، وفيه أيضا: هان يهون هونا، بالضم، وهوانا، ذل وحقر. اه. إذا علمت ذلك، فالمراد بهما هنا، الكثرة والقلة علي سبيل المجاز المرسل من ذكر المسبب وإرادة السبب في الأول، وذلك لأن القوة، سببها الكثرة غالبا، وبالعكس في الثاني. وذلك لأن الحقارة: سببها القلة غالبا (قوله: فله بيعه بعرض وغبن) أي لأن ما تصدق بالنقد والعرض، كما علمت، ولما اقترنت بعز وهان، صدقت أيضا بالقليل والكثير (قوله: ولا يبيع الوكيل لنفسه) أي على نفسه. (وقوله: وموليه) أي ولا على موليه من صغير ومجنون وسفيه، وإنما منع من بيعه له، لئلا يلزم تولي الطرفين. وقولهم يجوز للأب تولي ذلك، هو في معاملته لنفسه مع موليه، وهنا ليس كذلك، لأن المعاملة لغيره. وفي البجيرمي، وإنما جاز تولي الجد تزويج بنت ابنه، ابن ابنه الآخر، لأن الولاية له أصالة من الشرع (قوله: وإن أذن) أي الموكل (وقوله: له) أي للوكيل. (وقوله: في ذلك) أي في البيع لنفسه أو موليه (قوله: خلافا لابن الرفعة) أي في تجويزه البيع لنفسه وموليه. قال في التحفة: وقوله اتحاد الطرفين عند انتفاء التهمة جائز: بعيد من كلامهم، لأن علة منع الاتحاد: ليست التهمة، بل عدم انتظام الإيجاب والقبول من شخص واحد. اه. وكتب السيد عمر البصري ما نصه، (قوله: خلافا لابن الرفعة الخ) كلام ابن الرفعة وجيه جدا، من حيث المعنى، لكن ترجيحهم منع توكيله للهبة من نفسه، يرده من حيث النقل. اه. (قوله: لامتناع اتحاد إلخ) علة لعدم صحة البيع المذكور. (وقوله: وإن انتفت التهمة) الغاية للرد (قوله: بخلاف أبيه

الرشيد، ولا يصح البيع بثمن المثل مع وجود راغب بزيادة لا يتغابن بمثلها إن وثق به، قال الاذرعي: ولم يكن مماطلا، ولا ماله أو كسبه حراما، أي هو كله، أو أكثره، فإن وجد راغب بالزيادة في ثمن خيار المجلس أو الشرط ولو للمشتري وحده ولم يرض بالزيادة فسخ الوكيل العقد، وجوبا، بالبيع، للراغب بالزيادة، وإلا انفسخ بنفسه ولا يسلم الوكيل بالبيع بحال المبيع حتى يقبض الثمن الحال، وإلا ضمن للموكل قيمة البيع، ولو مثليا، (وليس له) أي للوكيل بالشراء (شراء معيب) لاقتضاء الاطلاق عرفا السليم (ووقع) الشراء (له) أي للوكيل (إن علم) العيب واشتراه بثمن في الذمة، وإن ساوى المبيع الثمن إلا إذا عينه الموكل، وعلم بعيبه، فيقع له، كما إذا ـــــــــــــــــــــــــــــ وولده الرشيد) أي بخلاف بيع الوكيل لأبيه، ومثله سائر أصوله، وولده الرشيد، ومثله سائر فروعه المستقلين، فإنه يصح، وذلك لانتفاء اتحاد الموجب والقابل، وقيل لا يصح، لأنه متهم بالميل إليهم (قوله: ولا يصح البيع الخ) الأولى تقديم هذا على قوله: ومتى خالف شيئا الخ، فتنبه (قوله: لا يتغابن بمثلها) في ع ش ما نصه: قوله وثم راغب، أي ولو بما لا يتغابن به، أخذا من إطلاقه. وفي شرح الروض، التقييد بما لا يتغابن بمثله. قال سم على منهج، بعد نقله ذلك عن شرح الروض، وهو يفهم الصحة، إذا وجد الراغب بالذي يتغابن بمثله. وفيه نظر. اه. (أقول) وقد يقال العرف في مثله جار بالمسامحة، وعدم الفسخ للزيادة اليسيرة. اه (قوله: أن وثق) أي الوكيل (وقوله: به) أي بذلك الراغب (قوله: ولم يكن) أي ذلك الراغب مماطلا: أي في دفع الثمن (قوله: أي هو كله أو أكثره) في بعض نسخ الخط إسقاط أي، وفي بعضها إسقاط هو، وهو أولى من إثباتهما معا، كما في النسخ التي بأيدينا (قوله: ولو للمشتري) أي ولو كان الخيار للمشتري وحده وفي ع ش، نقلا عن الزيادي، تقييد الخيار بكونه للبائع، أو لهما، قال: فإن كان للمشتري: امتنع، أي الفسخ، اه. وفي سم: ما يؤيده، ونص عبارته، قوله: أو حدث في زمن الخيار، عبارته في شرح الإرشاد هنا، خيار المجلس، أو خيار الشرط، ولو للمشتري وحده. اه. وفيما ذكره من المبالغة نظر لا يخفى اه. ووجهه أنه إذا كان الخيار للمشتري وحده، يمتنع الفسخ، للزوم البيع من جهة البائع (قوله: ولم يرض) أي المشتري، (وقوله: بالزيادة)، أي بتسليمها (قوله: فسخ الوكيل العقد) جواب فإن وجد (قوله: بالبيع للراغب) الباء بمعنى اللام التعليلية: أي لأجل أن يبيعه على الراغب للشراء بالزيادة (قوله: وإلا انفسخ) أي وإن لم يفسخ الوكيل، انفسخ العقد بنفسه، لكن بشرط أن يكون باذل الزيادة باقيا على رغبته (قوله: ولا يسلم الوكيل) أي لا ينبغي له ذلك إلا إن قبض الثمن، بدليل صحة العقد المستلزمة للحل غالبا، وإن كان مقتضى ما في شرح الإرشاد أنه يحرم عليه ذلك ولا يحل قبل القبض، وعبارته بعد كلام، فإن عكس، أي سلم قبل القبض، أثم، وغرم، أي للحيلولة، قيمة المبيع، ولو مثليا. اه. وفي البجيرمي على شرح المنهج ما يؤيد ما قلناه، وعبارته: وله تسليم المبيع أو لا، ويصح البيع، وإن كان يضمن. اه. (وقوله: بحال) أي بثمن حال، فإن كان مؤجلا، فله فيه تسليم المبيع، لكن ليس له قبضه إذا حل، إلا بإذن جديد، أو قامت قرينة عليه، (وقوله: المبيع)، مفعول يسلم (قوله: وإلا ضمن) أي وإلا يسلم بعد القبض، بأن سلم قبله، ضمن للموكل قيمته، أي وقت التسليم، وهي للحيلولة، فإذ أغرمها ثم قبض الثمن: دفعه إلى الموكل، واسترد ما غرم (قوله: وليس له: أي للوكيل الخ) أي لا ينبغي له ذلك، فلا ينافي حينئذ صحة شرائه في غالب الأقسام الآتية (قوله: لاقتضاء الإطلاق عرقا السليم) يشعر بأن الكلام في الوكالة المطلقة، وهو كذلك، ويؤيده الاستثناء الآتي قريبا (قوله: ووقع الشراء له) أي وإذا اشترى الوكيل المعيب، وقع الشراء له (قوله: إن علم العيب) سيأتي محترزه (قوله: واشتراه) أي اشترى الوكيل المعيب (قوله: بثمن في الذمة) أي في ذمته واحترز به عما إذا اشتراه بعين مال الموكل، وكان عالما بالعيب، فإنه لا يقع لواحد منهما، ويحرم لتعاطيه عقدا فاسدا، وسيذكره في كلامه (قوله: وإن ساوى المبيع الثمن) أي وقع له، وإن ساوى المبيع الذي اشتراه الثمن، فهو غاية لوقوعه له (قوله: إلا إذا عينه) أي المعيب الموكل، وهو مرتبط بكلام المصنف، أي أنه إذا اشترى المعيب، يقع له، إلا إذا عينه الموكل له عالما بحاله،

اشتراه بثمن في الذمة، أو بعين ماله جاهلا بعيبه، وإن لم يساو المبيع الثمن، وعلم مما مر أنه حيث لم يقع للموكل، فإن كان الثمن عين ماله، بطل الشراء، وإلا وقع للوكيل. ويجوز لعامل القراض شراؤه، لان القصد ثم الربح، وقضيته أنه لو كان القصد هنا الربح جاز، وهو كذلك، ولكل من الموكل والوكيل، في صورة الجهل، رد بعيب، لا لوكيل إن رضي به موكل. ولو دفع موكله إليه مالا للشراء، وأمره بتسليمه في الثمن، فسلم من عنده، فمتبرع، حتى ولو تعذر مال الموكل، لنحو غيبة مفتاح، إذ يمكنه الاشهاد على أنه أدى عنه ليرجع أو إخبار الحاكم بذلك، فإن لم يدفع له شيئا، أو لم يأمره بالتسليم فيه، رجع للقرينة الدالة على إذنه له في التسليم عنه، (ولا) له (توكيل بلا إذن) من الموكل (فيما يتأتى منه) لانه لم يرض بغيره. نعم، لو وكله في قبض دين فقبضه ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه يقع للموكل (قوله: كما إذا اشتراه الخ) أي كما يقع للموكل أيضا إذا اشتراه الوكيل بثمن في ذمته، أو بعين مال الموكل مع جهله بعيبه في الصورتين (قوله: وعلم مما مر الخ) لا يخفى ما في عبارته، فكان الأولى والأخصر أن يقول: وعلم مما مر أنه حيث لم يقع للوكيل ولا للموكل يبطل الشراء، وذلك لأنه ذكر لوقوعه للوكيل صورة، وهي ما إذا اشتراه بثمن في الذمة وعلم بالعيب، وذكر لوقوعه للموكل ثلاثا: وهي ما إذا عين المبيع وعلم بعيبه، وما إذا اشتراه الوكيل بثمن في الذمة وكان جاهلا بالعيب، وما إذا اشتراه بعين مال الموكل وكان كذلك، فيعلم من هذا أنه حيث لم يقع لا لهذا ولا لهذا، بأن فقدت القيود، يبطل الشراء فتأمل. (وقوله: أنه حيث لم يقع للموكل)، أي بأن كان الوكيل عالما بالعيب، (وقوله: فإن كان الثمن عين ماله)، أي الموكل، (وقوله: وإلا)، أي وإن لم يكن عين ماله، بل في الذمة ووقع للوكيل (قوله: ويجوز لعامل القراض شراؤه) أي المعيب (قوله: لأن القصد ثم) أي في القراض الربح (قوله: وقضيته) أي التعليل المذكور، (وقوله: أنه لو كان القصد هنا)، أي في الوكالة الربح، وذلك بأن وكله في التصرف في أمواله بالبيع والشراء، وقوله جاز، أي شراء المعيب (قوله: وهو) أي ما ذكر من كون مقتضى التعليل الجواز هنا أيضا. (وقوله: كذلك) أي مسلم. وفي شرح الروض، وبه جزم الأذرعي وغيره اه (قوله: ولكل الخ) أما الموكل، فلأنه المالك، والضرر لاحق به، وأما الوكيل فلأنه لو لم يكن له رد فربما لا يرضى به الموكل، فتعذر الرد، لأنه فوري، ويقع الشراء له، فيتضرر به. وفي التحفة: نعم، شرط رده، أي الموكل، على البائع أن يسميه الوكيل في العقد، أو ينويه، ويصدقه البائع، وإلا رده على الوكيل. اه (قوله: في صورة الجهل) أي في صورة ما إذا اشتراه جاهلا بعيبه (قوله: لا لوكيل) أي لا رد لوكيل إن رضي به، أي بالمعيب الموكل (قوله: ولو دفع موكله إليه) أي إلى الوكيل (قوله: وأمره بتسليمه) أي المال المدفوع (قوله: فمتبرع) أي بالثمن، ولا رجوع للوكيل عليه، ويلزمه رد ما أخذه من الموكل إليه. وهذا يقع كثيرا، أي يدفع شخص لآخر دراهم يشتري بها له شيئا، فيدفع من ماله غيرها. اه بجيرمي (قوله: حتى ولو تعذر الخ) أي حتى أنه يكون متبرعا، ولا يرجع، ولو تعذر دفع مال الموكل ثمنا، بسبب غيبه مفتاح الصندوق الذي فيه مال الموكل (قوله: إذ يمكنه الخ) تعليل لكونه يكون متبرعا بماله الذي دفعه: أي وإنما يكون متبرعا بذلك لأنه يمكنه أن يشهد على أنه أدى عنه من ماله ليرجع عليه (قوله: أو إخبار الحاكم) بالرفع عطف على إشهاد، (وقوله: بذلك) أي بأنه أدى عنه ليرجع عليه (قوله: فإن لم يدفع) أي الموكل. (وقوله: له) للوكيل، (وقوله: أو لم يأمره بالتسليم فيه) أي أو دفع له شيئا لكن لم يأمره بتسليمه في الثمن (قوله: رجع) أي الوكيل على موكله بالمال الذي دفعه ثمنا (قوله: للقرينة الخ) أي وهي توكيله بشراء شئ ولم يدفع له شيئا، أو دفع لكن لم يصرح له أن يدفعه في الثمن، وفي كون هذه الأخيرة قرينة دالة على إذنه في التسليم عنه من ماله نظر، إذ ما دفعه إليه إلا ليسلم في الثمن. فتأمل (قوله: ولا له توكيل الخ) أي ولا يصح للوكيل أن يوكل في الشئ الذي يمكنه أن يتصرف فيه بنفسه من غير إذن من الموكل (قوله: لأنه) أي الموكل لم يرض بغيره أي بتصرف غيره، وهو تعليل لعدم صحة توكيل الوكيل (قوله: نعم إلخ) استدراك على عدم صحة توكيل الوكيل مما يتأتى منه

، وأرسله مع أحد من عياله، لم يضمن كما قاله الجوري، قال شيخنا: والذي يظهر أن المراد بهم، أولاده ومماليكه، وزوجاته، بخلاف غيرهم، ومثله، إرسال نحو ما اشتراه له مع أحدهم، وخرج بقولي فيما يتأتى منه: ما لم يتأت منه، لكونه يتعسر عليه الاتيان به لكثرته، أو لكونه لا يحسنه، أو لا يليق به، فله التوكيل عن موكله، لا عن نفسه، وقضية التعليل المذكور امتناع التوكيل عند جهل الموكل بحاله. ولو طرأ له العجز لطرو نحو مرض أو سفر، لم يجز له أن يوكل، وإذا وكل الوكيل بإذن الموكل، فالثاني وكيل الموكل، فلا يعزله الوكيل. فإن قال الموكل، وكل عنك، ففعل، فالثاني وكيل الوكيل، لانه مقتضي الاذن، فينعزل بعزله، ويلزم الوكيل أن لا يوكل إلا أمينا، ما لم يعين له غيره مع علم الموكل بحاله، أو لم يقل له وكل من شئت، على الاوجه، كما لو قالت ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: لم يضمن كما قاله الجوري) هذا ما جرى عليه ابن حجر، وجرى في النهاية على خلافه، وعبارتها: وشمل كلامه، ما لو أراد إرسال ما وكل في قبضه من دين مع بعض عياله، فيضمن إن فعله، خلافا للجوري. اه. لكن قيد الأذرعي عدم الضمان، بما إذا كان المرسل معه أهلا للتسليم، بأن يكون رشيدا (قوله: قال شيخنا الخ) عبارته، وكأن وجه اغتفار ذلك في عياله، والذي يظهر، أن المراد بهم أولاده، ومماليكه وزوجاته اعتياد استنابتهم في مثل ذلك، بخلاف غيرهم. اه. (وقوله: أولاده ومماليكه وزوجاته) قال ع ش، وينبغي أن يلحق بمن ذكر، خدمته بإجارة ونحوها. اه (قوله: ومثله إرسال) أي ومثل إرسال ما قبضه من الدين، إرسال ما اشتراه لموكله، فلا يضمنه لو تلف (قوله: ما لم يتأت منه) فاعل خرج، أي خرج الموكل فيه الذي لا يتأتى للوكيل التصرف فيه بنفسه (قوله: لكونه إلخ) علة لعدم التأتي منه (قوله: فله التوكيل) أي فللوكيل أن يوكل فيما لا يتأتى منه (قوله: لا عن نفسه) فإن وكل عنها، بطل على الأصح، أو أطلق، وقع عن موكله. شوبري. اه. بجيرمي (قوله: وقضية التعليل المذكور) التعليل الذي يعنيه ساقط من عبارته، كما يعلم من عبارة التحفة، ونصها، وإن لم يتأت ما وكل فيه منه، لكونه لا يحسنه أو لا يليق به، فله التوكيل عن موكله، لأن التفويض لمثله، إنما يقصد به الاستنابة، ومن ثم لو جهل الموكل حاله، أو اعتقد خلاف حاله، امتنع التوكيل. اه. فقول الشارح وقضية التعليل، يعني به قوله لأن التفويض الخ، وإنما كان مقتضى التعليل ما ذكره، لأنه يشعر بعلم الموكل بحاله. فتدبر. (وقوله: امتناع التوكيل) أي توكيل الوكيل، (وقوله: عند جهل الموكل بحاله) وهو أنه لا يتأتى منه مباشرة الموكل فيه بنفسه بأن كان معتقدا أنه يتأتى منه ذلك (قوله: ولو طرأ له) أي للوكيل، (وقوله: لم يجز له أن يوكل) أي من غير إذن موكله، قال ع ش: وذلك لما تقدم من أن الموكل لم يرض بتصرف غيره، لكن قضية قوله: ثم ولا ضرورة كالمودع الخ أنه لو دعت الضرورة إلى التوكيل عند طرو ما ذكر، كأن خيف تلفه لو لم يبع، ولم يتيسر الرفع فيه إلى قاض، ولا إعلام الموكل، جاز له التوكيل، بل قد يقال بوجوبه، وهو ظاهر. وبقي عكسه، وهو ما لو وكل عاجزا ثم قدر، هل له المباشرة بنفسه أم لا؟ فيه نظر. والأقرب الثاني، أخذا من قول الشارح المار، كابن حجر، لأن التفويض لمثله إنما يقصد به الاستنابة، لكن عبارة شرح المنهج، لأن التفويض لمثل هذا لا يقصد منه عينه. اه. ومقتضاها أنه إنما قصد حصول الموكل فيه من جهة الوكيل، فيتخير بين المباشرة بنفسه والتفويض إلى غيره. اه (قوله: وإذا وكل الخ) المناسب أن يقول عطفا على قوله فيما يتأتى منه، وبلا إذن من الموكل: ما إذا أذن له الموكل في التوكيل، فإنه يجوز منه، ثم يقول: وإذا وكل الخ. (قوله: فالثاني) أي الوكيل الثاني. (وقوله: وكيل الموكل) أي لا وكيل الوكيل الأول (قوله: فلا يعزله الوكيل) أي لأن الموكل أذن له في التوكيل - لا في العزل -. (قوله: فإن قال الموكل) أي لوكيله، (وقوله: وكل عنك) أي لا عني، (وقوله: ففعل) أي وكل عنه، بأن قال له أنت وكيلي (قوله: لأنه) أي كونه وكيل الوكيل مقتضى الإذن أي الدال عليه الصيغة (قوله: فينعزل) أي الوكيل الثاني، (وقوله: بعزله) أي بعزل الوكيل الأول إياه، فالإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله وحذف مفعوله، وينعزل أيضا بعزل الموكل له، لأن م ملك عزل الأصل، ملك عزل الفرع بالأولى، كما قاله م ر (قوله: ويلزم الوكيل الخ) أي حيث جاز له التوكيل (قوله: إلا أمينا) أي فيه كفاية لذلك

لوليها: زوجني ممن شئت، فله تزويجها من غير الكفء أيضا، وقوله لوكيله في شئ، افعل فيه ما شئت، أو كل ما تفعله جائز، ليس إذنا في التوكيل. فرع: لو قال بع لشخص معين كزيد، لم بيع من غيره، ولو وكيل زيد، أو بشئ معين من المال، كالدينار، لم يبع بالدراهم، على المعتمد، أو في مكان معين، تعين، أو في زمان معين، كشهر كذا، أو يوم كذا، تعين ذلك، فلا يجوز قبله، ولا بعده، ولو في الطلاق، وإن لم يتعلق به غرض، عملا بالاذن، وفارق إذا ـــــــــــــــــــــــــــــ التصرف (قوله: ما لم يعين له غيره) قيد في لزوم توكيله أمينا، أي يلزمه ذلك ما لم يعين الموكل للوكيل غير أمين. فإن عينه: اتبع تعيينه لإذنه فيه، (وقوله: مع علم الموكل بحاله) قيد في القيد، أي محل كونه يوكل غير الأمين إذا عينه الموكل له إذا علم بحاله، فإن لم يعلم بحاله، امتنع توكيله، فإن عين له فاسقا فزاد فسقه، امتنع توكيله أيضا (قوله: أو لم يقل له الخ) معطوف على لم يعين: أي وما لم يقل له وكل من شئت، فإن قال له ذلك، فله توكيل غير الأمين، على الأوجه، عند حجر، وعند م ر: خلافه. وعبارته، ومقتضى كلام المصنف عدم توكيل غير الأمين، وإن قال له وكل من شئت، وهو كذلك، خلافا للسبكي، وفارق ما لو قالت لوليها: زوجني ممن شئت، حيث جاز له تزويجها من غير كفء، بأن المقصود هنا حفظ المال، وحسن التصرف فيه، وغير الأمين لا يتأتى منه ذلك، وثم مجرد صفة كمال هي الكفاءة، وقد يتسامح بتركها، بل قد يكون غير الكفء أصلح. اه (قوله: كما لو قالت إلخ) الكاف للتنظير، وقوله أيضا، أي كما له تزويجها من الكفء (قوله: وقوله) أي الموكل، وهو مبتدأ، خبره جملة ليس إذنا في التوكيل أو قوله أو كل ما تفعله جائز، أي أو قوله لوكيله كل الخ (قوله: ليس إذنا في التوكيل) أي أن القول المذكور ليس إذنا من الموكل للوكيل في توكيله غيره. قال في شرح الروض: أي لأنه يحتمل ما شئت من التوكيل، وما شئت من التصرف فيما أذن له فيه، ولا يوكل بأمر محتمل كما لا يهب. اه (قوله: فرع) أي في بيان ما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة (قوله: لو قال) أي الموكل لوكيله. (وقوله: لشخص معين) هو كما في التحفة حكاية للفظ الموكل بالمعنى، فإن الموكل لا يقول ذلك، بل يقول بع لزيد مثلا، ومثله، يقال فيما عطف عليه (قوله: لم يبع من غيره) أي لا يجوز أن يبيع الوكيل على غير المعين، وإن رغب بزيادة عن ثمن المثل الذي دفعه المعين، لأنه لا عبرة بهذه الزيادة، لامتناع البيع لدافعها، ووجه تعيينه، أنه قد يكون للموكل غرض في تخصيصه كطيب ماله، بل وإن لم يكن له غرض أصلا: عملا بإذنه. قال في النهاية: ولو مات زيد، أي المعين، بطلت الوكالة، كما صرح به الماوردي، بخلاف ما لو امتنع من الشراء، إذ تجوز رغبته فيه بعد ذلك، وكتب ع ش، قوله بطلت الوكالة، ينبغي أن محله ما لم يغلب على الظن أنه لم يرده بخصوصه، بل لسهولة البيع منه بالنسبة لغيره. اه (قوله: ولو وكيل زيد) أي ولو كان ذلك الغير وكيلا لزيد المعين، فلا يصح بيعه له، قال في التحفة: وقيده ابن الرفعة بما إذا تقدم الإيجاب أو القبول، ولم يصح بالسفارة. اه. وقال سم: وبحث الأذرعي الصحة، فيما إذا كان الموكل مما لا يتعاطى الشراء بنفسه، كالسلطان. اه (قوله: أو بشئ معين) معطوف على لشخص معين، أي أو قال بع بشئ معين من المال، (وقوله: كالدينار) تمثيل للشئ المعين من المال (قوله: لم يبع بالدراهم) جواب لو المقدرة، أي ولا يصح له ذلك وإن زادت الدراهم، إذ لم يأت بالمأمور به، ولا بما اشتمل عليه، بخلاف بعه بمائة، فباعه بمائة وثوب. ويؤيد ذلك أن من نذر التصديق بدرهم، لا يجزئه بدينار. اه. فتح الجواد (قوله: أو في مكان معين) معطوف أيضا على لشخص معين، أي أو قال له بعه في مكان معين، كمكة مثلا، (وقوله: تعين) أي ذلك المكان، فلا يصح البيع في غيره، وإن لم يكن نقد المعين أجود، ولا الراغبون فيه أكثر. وذلك، لأنه قد يقصد الموكل إخفاءه (قوله: أو في زمان معين) معطوف أيضا على لشخص معين، أي أو قال له في زمان معين، (وقوله: تعين ذلك) أي الزمان، ووجهه أن الحاجة قد تدعو للبيع فيه خاصة (قوله: فلا يجوز) أي البيع. (وقوله: قبله ولا بعده) أي قبل ذلك الزمان المعين أو بعده (قوله: ولو في الطلاق) غاية لتعين الزمان الذي ذكره في التوكيل بقطع النظر عن كونه في البيع أو غيره،

جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك، ولم يرد التقييد برأسه، فله إيقاعه بعده، بخلاف طلقها يوم الجمعة، فإنه يقتضي حصر الفعل فيه، دون غيره، وليلة اليوم، مثله إن استوى الراغبون فيهما. ولو قال يوم الجمعة، أو العيد مثلا، تعين أول جمعة أو عيد يلقاه، وإنما يتعين المكان، إذا لم يقدر الثمن، أو نهاه عن غيره، وإلا جاز البيع في غيره. (وهو) أي الوكيل ولو بجعل (أمين) فلا يضمن ما تلف في يده بلا تعد، ويصدق بيمينه في دعوى التلف والرد على الموكل، لانه ائتمنه بخلاف الرد على غير الموكل كرسوله، فيصدق الرسول بيمينه، ولوكله بقضاء دين فقال قضيته، وأنكر المستحق دفعه إليه صدق المستحق بيمينه، لان الاصل عدم القضاء، فيحلف، ويطالب ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلا فلا يصلح أن يكون غاية، أي فلو قال له طلق يوم الجمعة، لم يجز قبله ولا بعده، وقال الدارمي: إنه يقع بعده، لأن المطلقة فيه مطلقة بعده، ورد بأنه غريب، مخالف للنظائر ومثل الطلاق في ذلك العتق. قال في التحفة: والفرق بينه، أي الطلاق، وبين العتق: بأنه يختلف باختلاف الأوقات في الثواب، بخلاف الطلاق ممنوع، بل قد يكون له غرض ظاهر في طلاقها في وقت مخصوص، بل الطلاق أولى، لحرمته زمان البدعة، بخلاف العتق. اه (قوله: وان لم يتعلق به) أي بالزمان المعين، فهو غاية لتعين الزمان في التوكيل. ويحتمل أن يكون غاية لجميع ما تقدم من الصور، وعليه يراد بالمعين: الذي عاد إليه ضمير به ما عينه الموكل من الشخص، والمال، والمكان، والزمان. (قوله: عملا بالإذن) أي وإنما تعين ذلك الزمان، ولا يجوز قبله ولا بعده، عملا بالإذن، فهو علة لتعين الزمان فقط، ويحتمل أن يكون علة لتعين ما تقدم جميعه، كما مر في الغاية، إلا أنه يبعد الاحتمال الثاني هنا وفيما مر في الغاية قوله بعد، وفارق الخ، لأنه خاص بالزمان، كما ستعرفه (قوله: وفارق) أي ما ذكر من تعين الزمان فيما إذا قال له بع يوم الجمعة، أو طلق يوم الجمعة، قول الموكل لوكيله إذا جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك، حيث لم يتعين فيه الزمان، ولم يذكر الشارح ما يفرق به، ولعله ساقط من الناسخ، كما يعلم من عبارة فتح الجواد، ونصها: وفارق إذا جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك، ولم يرد التقييد برأسه، فله إيقاعه بعده، باقتضاء هذه الصيغة حينئذ أن رأسه أول أوقات الفعل الذي فوضه إليه من غير حصر فيه، بخلاف طلقها يوم الجمعة، فإنه يقتضي حصر الفعل فيه، دون غيره. اه. فقوله باقتضاء الخ: متعلق بفارق. وهذا هو الفارق بين الصورتين. تأمل (قوله: بخلاف الخ) مرتب على الساقط المار، كما يعلم من عبارة فتح الجواد المارة (قوله: وليلة اليوم مثله) أي أنه إذا عين اليوم فله التصرف في ليلته بالقيد الذي ذكره، وعبارة شرح الروض، ولو باع الوكيل ليلا، فإن كان الراغبون فيه مثل النهار، صح، وإلا فلا. قاله القاضي في تعليقه. اه. (قوله: ولو قال) أي الموكل لوكيله، (وقوله: يوم الجمعة أو العيد) أي بع يوم الجمعة أو يوم العيد (قوله: تعين أول جمعة أو عيد يلقاه) هذا يدل على أنه قال ذلك قبل دخول يوم الجمعة ويوم العيد. وبقي ما لو قاله في يوم الجمعة أو العيد، فهل يحمل على بقيته، أو على أول جمعة أو عيد يلقاه بعد ذلك اليوم؟ فيه نظر، والأقرب الثاني: لأن عدوله عن اليوم إلى الجمعة أو العيد قرينة على عدم إرادته بقية اليوم. اه. ع ش (قوله: وإنما يتعين المكان) أي الذي عينه الموكل له، (وقوله: إذا لم يقدر) أي الموكل للوكيل الثمن، (وقوله: أو نهاه عن غيره) أي أو قد الثمن ونهاه عن البيع في غير المكان المعين (قوله: وإلا) أي بأن قدر له الثمن ولم ينهه عن غيره، (وقوله: جاز البيع في غيره) أي غير المكان المعين، ولو قبل مضي المدة التي يتأتى فيها الوصول إلى المكان المأذون فيه، لأن الزمان إنما اعتبر تبعا للمكان لتوقفه عليه، فلما سقط اعتبار المتبوع سقط اعتبار التابع. اه. سم (قوله: وهو أي الوكيل، ولو بجعل أمين) وذلك لأنه نائب عن الموكل في اليد والتصرف، فكانت يده كيده، ولأن الوكالة عقد إرفاق ومعونة، والضمان مناف لذلك. اه. سم (قوله: بخلاف الرد على غير الموكل) أي بخلاف دعوى الرد على غير الموكل، فلا يصدق إلا ببينة، فإن لم يأت بها، صدق غير الموكل بيمينه في عدم الرد، وقوله كرسوله. أي الموكل، ودخل تحت الكاف: وارثه، ووكيله، وفي البجيرمي: وكذا دعوى الرد من رسول الوكيل أو وارثه أو وكيله على الموكل، فلا بد من بينة في ذلك كله. اه (قوله: ولو وكله بقضاء دين) أي ولو وكل المدين شخصا في

الموكل فقط. (فإن تعدى) كأن ركب الدابة ولبس الثوب تعديا: (ضمن) كسائر الامناء، ومن التعدي، أن يضيع منه المال ولا يدري كيف ضاع، أو وضعه بمحل ثم نسيه ولا ينعزل بتعديه بغير إتلاف الموكل فيه. ولو أرسل إلى بزاز ليأخذ منه ثوبا سوما فتلف في الطريق: ضمنه المرسل، لا الرسول. فرع: لو اختلفا في أصل الوكالة بعد التصرف، كوكلتني في كذا، فقال ما وكلتك. أو في صفتها، بأن قال وكلتني بالبيع نسيئة، أو بالشراء بعشرين، فقال: بل نقدا، أو بعشرة، صدق الموكل بيمينه في الكل لان الاصل ـــــــــــــــــــــــــــــ قضاء الدين الذي عليه من مال ذلك المدين (قوله: فقال) أي الوكيل، (وقوله: قضيته) أي الدين عنك (قوله: وأنكر المستحق دفعه إليه) أي وأنكر الدائن دفع الدين إليه، فإن صدقه، صدق الوكيل بيمينه. فإن قيل: ما فائدة اليمين مع تصديق المستحق؟. قلنا: فائدتها تظهر إذا كان وكيلا بجعل، فالوكيل يدعي الدفع للمستحق ليأخذ الجعل، والموكل ينكره ليمنعه منه، ففائدتها. استحقاق الوكيل الجعل. مرحومي. اه. بجيرمي (قوله: لأن الأصل عدم القضاء) أي للدين، وهو علة لتصديق المستحق (قوله: فيحلف) أي المستحق (قوله: ويطالب الموكل فقط) أي وليس له مطالبة الوكيل (قوله: فإن تعدى) أي الوكيل في تلف الموكل فيه (قوله: كأن ركب الدابة) تمثيل للتعدي، ومحل كون الركوب يعد تعديا، حيث كان يليق به سوقها، ولم تكن جموحا، وإلا لم يكن تعديا (قوله: ولبس الثوب) أي وكأن لبس الثوب، (وقوله: تعديا) لا حاجة إليه، لأن مراده، التمثيل لما كان تعديا، نعم: كان له أن يقيد اللبس، بما إذا كان لغير إصلاحه، أما إذا كان له كلبسه لأجل دفع العث عنه، فلا يعد تعديا، ومن لبس الثوب تعديا والركوب كذلك، كما قال ع ش، لبس الدلالين للأمتعة التي تدفع إليهم، وركوب الدواب أيضا التي تدفع إليهم لبيعها، ما لم يأذن في ذلك، أو تجر به العادة، ويعلم الدافع بجريان العادة بذلك، وإلا فلا يكون تعديا، لكن يكون عارية، فإن تلف بالاستعمال المأذن فيه حقيقة أو حكما، بأن جرت به العادة على ما مر، فلا ضمان، وإلا ضمن بقيمته وقت التلف (قوله: ضمن) أي صار متسببا في الضمان بمعنى أنه لو تلف بعد ذلك ولو بغير تفريط ضمنه. اه. بجيرمي (قوله: أن يضيع منه) أي من الوكيل (قوله: ولا يدري كيف ضاع) أي ولا يدري على أي حالة وقع الضياع؟ (قوله: أو وضعه بمحل) معطوف على يضيع، ولو عبر بصيغة المضارع، لكان أنسب، أي ومن التعدي، أن يضعه بمحل، ثم ينسى ذلك المحل الموضوع فيه (قوله: ولا ينعزل بتعديه) أي لأن الوكالة إذن في التصرف، والأمانة حكم يترتب عليها، ولا يلزم من ارتفاع الحكم، بطلان الإذن نعم ينزع المال منه لعدل، ويتصرف فيه الوكيل، وهو عنده أمانة. (وقوله: بغير إتلاف الموكل فيه) أما به، فينعزل (قوله: ولو أرسل إلى بزاز) هو بائع البز، أي القماش (قوله: ضمنه المرسل لا الرسول) قال ع ش: ويؤخذ منه جواب حادثة وقع السؤال عنها، وهي أن رجلا أرسل إلى آخر جرة ليأخذ فيها عسلا، فملأها ودفعها للرسول ورجع بها، فانكسرت منه في الطريق، وهو أن الضمان على المرسل، ومحله في المسألتين، كما هو واضح، حيث تلف الثوب والجرة بلا تقصير من الرسول، وإلا فقرار الضمان عليه، وينبغي أن يكون المرسل طريقا في الضمان. اه (قوله: لو اختلفا) أي الموكل والوكيل (قوله: في أصل الوكالة) أي في وجودها (قوله: بعد التصرف) أي أما قبله فتعمد إنكار الوكالة عزل، فلا فائدة للمخاصمة، وتسميته فيها موكلا، بالنظر لزعم الوكيل اه. نهاية (قوله: أو في صفتها) أي أو اختلفا في صلة الوكالة، أي باعتبار ما اشتملت عليه، وهو الموكل فيه، وذلك لأن ما ذكره اختلاف في صفة الموكل فيه، لا في الوكالة (قوله: فقال) أي الموكل بل نقدا، أي بل وكلتك بالبيع نقدا، أي حالا، وهو راجع للأول. (وقوله: أو بعشرة) أي أو وكلتك بالشراء بعشرة، وهو راجع للثاني (قوله: صدق الموكل بيمينه في الكل) أي وبعد تصديقه بالنسبة للصورة الأخيرة، أعني قوله أو بالشراء بعشرين، فقال بل بعشرة، فإن كان الوكيل قد اشترى بعين مال الموكل وسماه في العقد، بأن قال اشتريته لفلان بهذا والمال له، أو قال بعد الشراء بعين مال الموكل اشتريته لفلان والمال له، وصدقه البائع فيما ذكره فالبيع باطل، لأنه

معه (وينعزل) الوكيل (بعزل أحدهما) أي بأن يعزل الوكيل نفسه، أو يعزله الموكل، سواء كان بلفظ العزل أم لا، كفسخت الوكالة، أو أبطلتها، أو أزلتها، وإن لم يعلم المعزول. (و) ينعزل أيضا، بخروج أحدهما عن أهلية التصرف (بموت، أو جنون) حصلا لاحدهما، وإن لم يعلم الآخر به، ولو قصرت مدة الجنون، وزوال ملك الموكل عما وكل فيه أو منفعته، كأن باع أو وقف أو آجر أو رهن أو زوج أمة. ولا يصدق الموكل (بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ ثبت بالتسمية أو التصديق أن المال والشراء لغير العاقد، وثبت بيمين ذي المال أنه لم يأذن له في الشراء بذلك القدر، فبطل الشراء، وإن كذبه البائع، بأن قال له: إنما اشتريته لنفسك والمال لك، أو سكت عن المال، حلف على نفي العلم بالوكالة، ووقع الشراء للوكيل. وكذا يقع الشراء له إن اشترى في الذمة ولم يسم الموكل في العقد، وكذا إن سماه وكذبه البائع في الوكالة، بأن قال سميته ولست وكيلا عنه (قوله: لأن الأصل معه) أي الموكل، وهو تعليل لتصديق الموكل بيمينه (قوله: وينعزل الوكيل الخ) أشار بهذا إلى أن الوكالة جائزة من الجانبين، وذلك لأن لزومها يضرهما، إذ قد يظهر للموكل مصلحة في العزل. وقد يعرض للوكيل ما يمنعه عن العمل. (وقوله: بعزل أحدهما) من إضافة المصدر إلى فاعله، ومفعوله محذوف، ولفظ المضاف إليه، وهو أحدهما، صادق بالموكل وبالوكيل، فعلى الأول، يقدر المفعول الوكيل، وعلى الثاني، يقدر نفسه، أي بعزل الموكل الوكيل، أو بعزل الوكيل نفسه (قوله: بأن يعزل الوكيل نفسه) قال البجيرمي: قياس ما يأتي في الأصل أن لو خيف من العزل ضياع المال، حرم، ولم ينعزل، وإن كان المالك حاضرا فيما يظهر. ابن حجر. اه (قوله: أو يعزله الموكل) أي وإن ترتب على عزله للوكيل استيلاء ظالم على مال الموكل، فلا يحرم، وينعزل بذلك، ولا يقال فيه تضييع لماله، لأنه من التروك بل لا يزيد على ما لو استولى على ماله ظالم يحضرته وقدر على دفعه، فلا يجب عليه الدفع عنه، اه. ع ش. اه. بجيرمي (قوله: كفسخت الوكالة أو أبطلتها أو أزلتها) قال في التحفة: ظاهره انعزال الحاضر بمجرد هذا اللفظ، وإن لم ينوه به، ولا ذكر ما يدل عليه. وأن الغائب في ذلك كالحاضر، وعليه، فلو تعدد له وكلاء ولم ينو أحدهم، فهل ينعزل الكل، لأن حذف المعمول يفيد العموم، أو يلغو، لإيهامه للنظر في ذلك مجال، والذي يتجه في حاضر أو غائب ليس له وكيل غيره، إنعزاله بمجرد هذا اللفظ، وتكون أل للعهد الذهني الموجب لعدم إلغاء اللفظ وأنه في التعدد ولا نية ينعزل الكل كالقرينة حذف المعمول، ولأن الصريح، حيث أمكن استعماله في معناه المطابق له خارجا، لا يجوز إلغاؤه. اه (قوله: وينعزل أيضا) أي كما ينعزل بعزل نفسه أو بعزل الموكل إياه، ينعزل أيضا بخروجه أو خروج موكله عن أهلية التصرف (قوله: بموت) متعلق بخروج، أي الخروج يكون بموت أو جنون، ومثلهما إغماء وطرو رق، كأن كان حربيا فاسترق وحجر سفه، وكذا حجر فلس فيما لا ينفذ منه، وكذا فسق في نحو نكاح مما يشترط فيه العدالة، قالا في التحفة والنهاية، واللفظ للنهاية: وخالف ابن الرفعة فقال: الصواب أن الموت ليس بعزل، وإنما تنتهي به الوكالة، قال الزركشي: وفائدة عزل الوكيل بموته إنعزال من وكله عن نفسه، إن جعلناه وكيلا عنه. اه. وقيل لا فائدة لذلك في غير التعاليق. اه. وفي سم ما نصه: (فرع) لو سكر الوكيل، ينبغي أن يقال، إن تعدى بسكره، لم ينعزل، وإلا انعزل أخذا من قولهم. واللفظ للروض: ويصح توكيل السكران بمحرم. اه. قال في شرحه: كسائر تصرفاته، بخلاف السكران بمباح، كدواء، فإنه كالمجنون، اه. وكلامهما في الوكيل، لا في الموكل، كما هو صريح سياقهما، على أنه لو كان في الموكل، كان الأخذ بحاله - كما لا يخفى. اه. (قوله: حصلا) أي الموت والجنون (قوله: لأحدهما) أي الوكيل أو الموكل (قوله: وإن لم يعلم الآخر) أي الذي لم يحصل له ذلك، وهذه غاية، كالتي بعدها، للإنعزال بما ذكر (قوله: ولو قصرت مدة الجنون) أي لأنه لو قارن العقد، لمنع الإنعقاد، فإذا طرأ، أبطله (قوله: وزوال ملك موكل) معطوف على موت، أي وينعزل أيضا بزوال الخ، قال في النهاية، فلو عاد لملكه، لم تعد الوكالة. اه. (قوله: أو منفعته) معطوف على ملك: أي أو زوال منفعة ما وكل فيه، (وقوله: كأن باع أو وقف) تمثيل لزوال الملك. (وقوله: أو آجر) تمثيل لزوال المنفعة، (وقوله: أو

تصرف) أي تصرف الوكيل في قوله كنت عزلته (إلا ببينة) يقيمها على العزل. قال الاسنوي: وصورته إذا أنكر الوكيل العزل، فإن وافقه على العزل لكن ادعى أنه بعد التصرف فهو كدعوى الزوج تقدم الرجعة على انقضاء العدة، وفيه تفصيل معروف، انتهى. ولو تصرف وكيل أو عامل بعد انعزاله جاهلا في عين مال موكله، بطل، وضمنها إن سلمها، أو في ذمته انعقد له. فروع: لو قال لمدينه إشتر لي عبدا بما في ذمتك، ففعل، صح للموكل، وبرئ المدين، وإن تلف، على الاوجه، ولو قال لمدينه: أنفق على اليتيم الفلاني كل يوم درهما من ديني الذي عليك، ففعل، صح، ـــــــــــــــــــــــــــــ رهن) هو وما بعده لا يصلحان مثالا لزوال الملك ولا لزوال المنفعة، إذ المرهون أو المزوجة لم يزل ملك الموكل عنهما ولا يمنع من الانتفاع بهما، ولو قال، كما في شرح المنهج، ومثله ما لو رهن أو زوج، لكان أولى. وعبارة النهاية: ولو وكله في بيع، ثم زوج، أو آجر، أو رهن وأقبض، كما قاله ابن كج، أو وصى، أو دبر، أو علق عتقه بصفة أخرى، كما بحثه البلقيني وغيره، أو كاتب: انعزل، لأن مريد البيع، لا يفعل شيئا من ذلك. اه. (قوله: في قوله الخ) متعلق بيصدق، وكان الأولى للؤلف، أن يجعل هذا من المتن، (وقوله: كنت عزلته) أي قبل التصرف (قوله: قال الأسنوي وصورته) أي عدم تصديق الموكل في قوله كنت عزلته قبل التصرف إلا ببينة (قوله: إذا أنكر الوكيل العزل) أي من أصله (قوله: فإن وافقه) أي وافق الوكيل الموكل (قوله: لكن ادعى) أي الوكيل أنه بعد التصرف: أي العزل وقع بعد التصرف، أي وادعى الموكل أنه قبله، وكان المناسب ذكره ليرجع إليه الضمير بعده، أعني قوله فهو، إذ المناسب رجوعه لدعوى الموكل العزل قبل التصرف، كما هو ظاهر (قوله: وفيه تفصيل) أي في دعوى الزوج تقدم الرجعة تفصيل معروف أي وهو ما ذكره الشارح في باب الرجعة، وعبارته هناك، ولو ادعى رجعة في العدة وهي منقضية، ولم تنكح، فإن اتفقا على وقت الإنقضاء، كيوم الجمعة، وقال راجعت قبله، فقالت بل بعده، حلفت أنها لا تعلم أنه راجع، فتصدق، لأن الأصل عدم الرجعة قبله. فلو اتفقا على وقت الرجعة، كيوم الجمعة، وقالت انقضت يوم الخميس، وقال بل انقضت يوم السبت، صدق بيمينه أنها ما انقضت يوم الخميس، لاتفاقهما على وقت الرجعة، والأصل عدم انقضاء العدة قبله. اه. أي فيقال هنا أيضا، إذا اتفقا على وقت العزل وقال الوكيل تصرفت قبله، وقال الموكل بعده، حلف الموكل أنه لا يعلمه تصرف قبله، ويصدق، لأن الأصل عدمه لما بعده، أو اتفقا على وقت التصرف، وقال عزلتك قبله، فقال الوكيل بل بعده حلف الوكيل أنه لا يعلم عزله قبله، ويصدق (قوله: أو عامل) أي في القراض (قوله: جاهلا) أي بالعزل (قوله: في عين مال موكله) متعلق بتصرف: أي تصرف في عين مال موكله، وكان المناسب أن يزيد، أو مقارضه، لأنه ذكر العامل، وهو يلائم المقارض. (قوله: بطل) أي تصرفه (قوله: وضمنها) أي العين. (وقوله: إن سلمها) أي العين للمتصرف منه، وهو قيد في الضمان (قوله: أو في ذمته) معطوف على في عين الخ: أي أو تصرف الوكيل أو العامل في ذمته، بأن اشترى بمال في ذمته، لا بعين مال الموكل، أو المقارض. (قوله: انعقد) أي ذلك التصرف، وقوله له: أي لمن ذكر، من الوكيل، والعامل (قوله: فروع) أي ستة (قوله: لو قال) أي الدائن لمدينه (قوله: ففعل) أي المدين ما أمره به دائنه (قوله: صح) أي الشراء (قوله: وبرئ المدين) أي من الدين الذي عليه (قوله: وإن تلف) أي ما اشتراه المدين، وهو العبد. (قوله: على الأوجه) متعلق بقوله صح، أي صح للموكل على الأوجه، أي عند شيخه ابن حجر، تبعا لما في في الأنوار، والذي استوجهه غيره، أنه لا يقع للموكل، بل للمدين، وعبارة ع ش. (فرع) وكل الدائن المدين أن يشتري له شيئا بما في ذمته، لم يصح، خلافا لما في الأنوار، لأن ما في الذمة، لا يتعين إلا بقبض صحيح، ولم يوجد، لأنه لا يكون قابضا مقبضا من نفسه. اه. سم. على منهج، واعتمد ابن حجر ما في الأنوار، ومنع كونه من اتحاد القابض والمقبض، فليراجع. وقول سم لم يصح: أي وإذا فعل وقع الشراء للمدين، ثم

وبرئ على ما قاله بعضهم: يوافقه قول القاضي لو أمر مدينه أن يشتري له بدينه طعاما، ففعل، ودفع الثمن وقبض الطعام، فتلف في يده: برئ من الدين. ولو قال لوكيله: بع هذه ببلد كذا، واشتر لي بثمنها قنا، جاز له إيداعها في الطريق، أو المقصد، عند أمين، من حاكم فعيره، إذ العمل غير لازم له، ولا تغرير منه، بل المالك هو المخاطر بماله، ومن ثم لو باعها، لم يلزمه شراء القن، ولو اشتراه، لم يلزمه رده، بل له إيداعه عند من ذكر، وليس له رد الثمن، حيث لا قرينة قوية تدل على رده، كما استظهره شيخنا، لان المالك لم يأذن فيه فإن فعل فهو في ضمانه، حتى يصل لمالكه ومن ادعى أنه وكيل لقبض ما على زيد من عين أو دين، لم يلزمه الدفع إليه، إلا ببينة بوكالته. ولكن يجوز الدفع له إن صدقه في دعواه، أو ادعى أنه محتال به وصدقه، وجب الدفع له، لاعترافه بانتقال المال إليه، وإذا دفع إلى مدعي الوكالة فأنكر المستحق وحلف أنه لم يوكل، فإن كان المدفوع هينا، استردها إن بقيت، وإلا غرم من شاء منهما، ولا رجوع للغارم على الآخر، لانه مظلوم بزعمه، أو دينا، طالب ـــــــــــــــــــــــــــــ إن دفعه للدائن، رده، إن كان باقيا، وإلا رد بدله. اه. (قوله: على ما قاله بعضهم) قال في التحفة بعده أخذا مما يأتي في إذن المؤجر للمستأجر في الصرف في العمارة، وإذن القاضي للمالك في هرب عامل المساقاة والجمال، ومما لو اختلع زوجته بألف وأذن لها في إنفاقه على ولدها، ومما نقله الأذرعي عن الماوردي وغيره عن ابن سريج، أنه لو وكل مدينه في شراء كذا من جملة دينه، صح، وبرئ الوكيل مما دفعه، ثم قال فيها. ولك أن تقول هذا كله لا دلالة فيه، لما قاله ذلك البعض، لأن القابض في مسألتنا، ليس أهلا للقبض، إذ اليتيم صغير، لا أب له. الخ. اه. (قوله: ويوافقه) أي ما قاله بعضهم (قوله: فتلف في يده) أي تلف الطعام في يد المشتري، الذي هو المدين (قوله: برئ) أي المدين من الدين (قوله: بع هذه) أي العين (قوله: جاز له) أي للوكيل (قوله: عند أمين) متلعق بإيداعها، (وقوله: من حاكم فغيره) بيان له (قوله: إذ العمل غير لازم له) أي للوكيل، وهو علة لجواز إيداعها (قوله: ولا تغرير منه) أي الوكيل (قوله: ومن ثم) أي من أجل العمل غير لازم له (قوله: ولو اشتراه) أي الوكيل القن، (وقوله: لم يلزمه رده) أي إلى الوكيل (قوله: بل له) أي للوكيل. (وقوله: إيداعه) أي القن، (وقوله: عند من ذكر) أي عند أمين حاكم فغيره. (قوله: وليس له رد الثمن الخ) أي ليس للوكيل إذا باع العين أن يرد ثمنها للموكل، إلا إذا وجدت قرينة قوية منه تدل على الرد، بأن قال له بع العين واشتر لي بثمنها قنا، وإذا لم تشتره، فلا تبق الثمن عند أحد، فحينئذ يرد، ولا يضمن لو تلف (قوله: حيث لا قرينة قوية) أي موجودة، فخبر لا محذوف، وقوية، بالنصب، صفة لقرينة (قوله: لأن المالك لم يأذن فيه) أي في رد الثمن، وهو علة لقوله وليس له رد (قوله: فإن فعل) أي رد الثمن، (وقوله: فهو) أي الثمن في ضمانه، أي الوكيل (قوله: لقبض ما على زيد من عين أو دين) استعمال على، في العين، تغليب، وعبارة غيره، لقبض ما عليه من دين، أو عنده من عين. اه. (قوله: لم يلزمه) أي زيدا، وهو جواب من. (وقوله: الدفع إليه) أي إلى مدعي الوكالة، (وقوله: إلا ببينة بوكالته) أي لاحتمال أن الموكل ينكر فيغرمه، تحفة (قوله: ولكن يجوز إلخ) قال في شرح الروض: هذا مسلم في الدين، لأنه يسلم ملكه، وأما في العين، فلا، لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه. اه. وقوله وأما في العين فلا، محله إن لم يغلب على ظنه إذن المالك له في قبضها بقرينة قوية، وإلا فيجوز ذلك، كما في النهاية (قوله: أو ادعى أنه محتال به) أي بما على زيد من الدين خاصة، لأن الحوالة مختصة به، ومثل ذلك، ما إذا ادعى أنه وارث له مستغرق، أو وصي، أو موصى له منه. (قوله: وصدقه) أي صدق المحال عليه المحتال في دعواه الحوالة، (وقوله: وجب الدفع) أي دفع المحال عليه ما عليه، (وقوله: له) أي للمحتال. (وقوله: لاعترافه) أي المحال عليه، (وقوله: بانتقال المال إليه) أي إلى المحتال. وفي البجيرمي على الخطيب ما نصه، وبقول الشارح لاعترافه الخ، حصل الفرق بينه وبين الأول، حيث يجوز له الدفع إذا صدقه، ولا يجب. اه. (قوله: وإذا دفع) أي زيد الذي عليه الحق (قوله: فأنكر) أي الوكالة، (وقوله: المستحق) أي الذي له الحق على زيد (قوله: فإن كان المدفوع عينا: استردها) أي المستحق، وعبارة الروض

الدافع فقط، أو إلى مدعي الحوالة فأنكر الدائن الحوالة وحلف، أخذ دينه ممن كان عليه ولا يرجع المؤدي على من دفع إليه، لانه اعترف بالملك له. قال الكمال الدميري، لو قال أنا وكيل في بيع أو نكاح وصدقه من يعامله، صح العقد، فلو قال بعد العقد لم يكن وكيلا: لم يلتفت إليه. (ويصح قراض: وهو) أن يعقد على مال يدفعه ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرحه، فإن كان عينا، وبقيت، أخذها، أو أخذها، الدافع وسلمها إليه. اه. (قوله: وإلا غرم) أي وإن لم تبق، بأن تلفت، غرم المستحق من شاء منهما، أي من مدعي الوكالة، والدافع له (قوله: ولا رجوع للغارم على الآخر) محله، إذا تلفت من غير تفريط من القابض، فإن كان بتفريط منه، فإن كان هو الغارم، فلا يرجع على الدافع، وإن كان الدافع هو الغارم، رجع عليه. وذلك لأن القابض، وكيل في زعم الدافع، والوكيل، يضمن بالتقصير، والمستحق، ظلم الدافع بأخذ القيمة منه، وماله في ذمة القابض، فيستوفيه الدافع منه حينئذ، في مقابلة حقه الذي أخذه منه المستحق، ومحله أيضا، ما لم يشترط الضمان على القابض لو أنكر المالك، أو تلف بتفريط القابض، وإلا فيرجع الدافع عليه حينئذ (قوله: لأنه مظلوم بزعمه) أي لأن الغارم مظلوم بزعم نفسه لغير الآخر، بسبب إنكار المستحق الوكالة، والمظلوم لا يرجع إلا على ظالمه، وهو المستحق، فضمير لأنه بزعمه، راجع للغارم، ومتعلق مظلوم، محذوف، وعبارة الروض وشرحه، وإن تلفت طالب بها من شاء، ثم لا يرجع أحدهما على الآخر، لاعترافهما أن الظالم غيرهما، فلا يرجع إلا على ظالمه. اه. وفي البجيرمي على الخطيب ما نصه، (وقوله: لأنه مظلوم) فلا يرجع على غير ظالمه، ويؤخذ منه حكم الشكية المعلومة، وهو، ما لو اشتكى شخص شخصا لذي شوكة، وغرمه مالا، فإنه يرجع به عليه، ولا يرجع على الشاكي، خلافا للأئمة الثلاثة. اه. (وقوله: عليه) أي على ذي الشوكة الذي غرمه، وقوله ولا يرجع على الشاكي، أي لأنه غير ظالمه (قوله: أو دينا) أي أو إن كان المدفوع دينا، (وقوله: طالب) أي المستحق، (وقوله: الدافع فقط) أي ولا يطالب القابض، لأنه فضولي بزعم المستحق، والمقبوض ليس حقه، وإنما هو مال المديون. وإذا غرم الدافع، فإن بقي المدفوع عند القابض، فله استرداده منه، وإن صار للمستحق في زعمه، لأنه مال من ظلمه، وقد ظفر به، فإن تلف، فإن كان بلا تفريط منه، لم يغرمه، وإلا غرمه. اه. ملخصا من الروض وشرحه (قوله: أو إلى مدعي الحوالة) معطوف على قوله إلى مدعي الوكالة: أي وإذا دفع المحال عليه المحال به إلى مدعي الحوالة (قوله: أخذ) أي الدائن، وهو جواب إذ المقدرة. وقوله: ممن كان عليه، وهو المدين المحال عليه (قوله: لا يرجع المؤدي) أي وهو المحال عليه. (وقوله: على من دفع إليه) وهو مدعي الحوالة (قوله: لأنه) أي المؤدي، (وقوله: اعترف بالملك له) أي لذي الحوالة. قال البجيرمي، فهو، أي المحال عليه، مظلوم بإنكار المحيل الحوالة، فلا يرجع على غير ظالمه، وهو المحيل. اه. (وقوله: وهو) أي ظالمه (قوله: قال الكمال الدميري: لو قال أنا وكيل الخ) عبارة الروض وشرحه: ويجوز عقد البيع والنكاح ونحوهما بالمصادقة على الوكالة به، ثم بعد العقد إن كذب الوكيل نفسه، بأن قال لم أكن مأذونا فيه: لم يؤثر، وإن وافقه المشتري في مسألة البيع على التكذيب، لأن فيه حقا للموكل، إلا إن أقام المشتري بينة بإقراره أنه لم يكن مأذونا له في ذلك العقد، فيؤثر فيه، وكالمشتري، في ذلك، كل من وقع العقد له. اه. (قوله: ويصح قراض) شروع في القسم الثاني من الترجمة، والقراض، بكسر القاف، مصدر قارض، كالمقارضة، كما قال ابن مالك: لفاعل الفعال والمفاعلة. ويقال له المضاربة، من الضرب، بمعنى السفر، قال تعالى: * (وإذا ضربتم في الأرض) * (1) أي سافرتم، لاشتماله عليه غالبا، والقراض والمقارضة، لغة أهل الحجاز، والمضاربة: لغة أهل العراق، والأصل فيه: الإجماع، والحاجة، لأن صاحب المال، قد لا يحسن التصرف، ومن لا مال له يحسنه، فيحتاج الأول إلى الإستعمال، والثاني إلى العمل. واحتج له أيضا بقوله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * (2) أي ليس عليكم حرج في أن تطلبوا زيادة من ربكم، وهي الربح. والآية، وإن لم تكن نصا في المدعي، يصح الإحتجاج بها من حيث عمومها، إذ الفصل فيها بمعنى الربح أعم

_ (1) سورة النساء، الاية: 101. (2) سورة البقرة، الاية: 198.

لغيره ليتجر فيه، على أن يكون الربح مشتركا بينهما (في نقد خالص مضروب) لانه عقد غرر، لعدم انضباط العمل والوثوق بالربح وإنما جوز: للحاجة، فاختص بما يروج غالبا، وهو النقد المضروب. ويجوز عليه، وإن أبطله السلطان، وخرج بالنقد، العرض، ولو فلوسا، وبالخالص، المغشوش وإن علم قدر غشه، أو استهلك، ـــــــــــــــــــــــــــــ من أن يكون حاصلا بأموالهم أو بأموال غيرهم، ونظيرها قوله تعالى: * (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) * (1) واحتج له أيضا بأنه - صلى الله عليه وسلم - ضارب لخديجة بمالها إلى الشام، وأنفذت معه عبدها ميسرة، بفتح السين، وضمها، واعترض الإستدلال بما ذكر، بأن سفره لخديجة كان على سبيل الإستئجار، لا على سبيل المضاربة، لما قيل من أنها استأجرته بقلوصين، أي ناقتين، وأجيب باحتمال تعدد الواقعة، فمرة سافر على سبيل الإستئجار، ومرة على سبيل المضاربة، أو أن من عبر بالإستئجار، تسمح به، فعبر به عن الهبة، ووجه الدلالة مما ذكره، أنه - صلى الله عليه وسلم - حكاه بعد البعثة مقررا له، فدل على جوازه، وأركانه ستة: مالك، وعامل، وعمل، ومال، وربح، وصيغة. وحقيقته أن أوله، أي قبل ظهور الربح، وكالة، وآخره، أي بعد ظهور الربح، جعالة (قوله: وهو) أي القراض شرعا، وأما لغة: فهو مشتق من القرض، وهو القطع. وسمي المعنى الشرعي به، لأن المالك قطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها، وقطة من الربح، ويستفاد من التعريف المذكور، أركان القراض الستة، فالمالك والصيغة، مأخوذان من قوله أن يعقد، وقوله: لغيره هو العامل، وقوله ليتجر. فيه اشارة للعمل، والمال والربح ظاهران (قوله: على مال يدفعه) خرج به، ما لو قارضه على منفعة كسكنى داره يؤجرها مرة بعد أخرى، وما زاد على أجرة لمثل يكون بينهما، أو على دين عليه، أو على غيره يحصل ذلك ويتجر فيه، وما تحصل من الربح يكون بينهما. وما لو قال بع هذا، وقارضتك على ثمنه، فلا يصح كل ذلك. نعم: البيع صحيح، وله أجرة مثل العمل إن عمل (قوله: ليتجر فيه) خرج به ما لو عامله على شراء بر يطحنه ويخبزه، أو على غزل ينسجه ويبيعه، فلا يصح، لأن الطحن وما بعده لا يسمى تجارة، بل هي أعمال مضبوطة يستأجر عليها، فلا تحتاج إلى القراض عليها، المشتمل على الجهالة المغتفرة للحاجة (قوله: على أن يكون الربح مشتركا بينهما) خرج به اختصاص أحدهما به فلا يصح (قوله: في نقد الخ) متعلق بيصح، وأسقط من الشروط، كونه معلوما جنسا، وقدرا، وصفة، وكونه معينا، وكونه بيد العامل، فلا يصح على مجهول جنسا، وقدرا، وصفة، وعلى غير معين، كأن قارضه على ما في الذمة من دين أو عين، نعم: لو قارضه على نقد في ذمته، ثم عينه في المجلس، صح. وكذا لو كان في ذمة العامل، وعينه كذلك، ولا على شرط كون المال بيد غير العامل كالمالك ليوفي من ثمنه ما اشتراه العامل، لأنه قد لا يجده عند الحاجة (قوله: لأنه الخ) علة لمحذوف، أي ولا يصح في غيره لأنه الخ. (وقوله: عقد غرر) أي عقد مشتمل على غرر، (وقوله: لعدم انضباط العمل) بيان للغرر، فهو علة العلة (قوله: والوثوق بالربح) أي ولعدم الوثوق بالربح، فهو معطوف على انضباط. وإنما لم يكن موثوقا به: لأنه قد يحصل، وقد لا يحصل (قوله: وإنما جوز للحاجة) أي وإنما جوز القراض، مع كونه مشتملا على غرر، للحاجة (قوله: فاختص بما يروج غالبا) أي في غالب الأحوال، وعبارة فتح الجواد، وإنما جوز للحاجة، واختص بما يروج بكل حال، أي باعتبار الأصل، إذ الأوجه، جوازه بنقد خالص لا يتعامل به، أو أبطله السلطان، أو مغشوش راج رواج الخالص في كل مكان. اه. وعبارة شيخ الإسلام: فاختص بما يروج بكل حال، وتسهل التجارة به. اه. وقوله بكل حال، أي بحيث لا يرده أحد، بخلاف التبر، والمغشوش، والفلوس. وقوله: وتسهل التجارة به. أي بخلاف العرض، فالعطف مغاير، ويصح أن يكون للتفسير، أو عطف لازم. اه. ش ق (قوله: وهو) أي الذي يروج غالبا، (وقوله: النقد المضروب) أي لأنه ثمن الأشياء (قوله: ويجوز) أي القراض. (وقوله: عليه) أي على النقد. (وقوله: وإن أبطله) أي ذلك النقد، أي أو كان في ناحية لا يتعامل به فيها (قوله: وخرج بالنقد، والعرض) أي كالنحاس، والقماش. (وقوله: ولو فلوسا) أي جددا، فهي من العروض، لأنها قطع من النحاس، ومن جعلها من

_ (1) سورة المزمل، الاية: 20.

وجاز التعامل به. وبالمضروب التبر، وهو ذهب أو فضة لم يضرب، والحلي فلا يصح في شئ منها، وقيل يجوز على المغشوش إن استهلك غشه. وجزم به الجرجاني. وقيل إن راج. واختاره السبكي وغيره. وفي وجه ثالث في زوائد الرضة أنه يجوز على كل مثلي، وإنما يصح القراض (بصيغة) من إيجاب من جهة رب المال: كقارضتك، أو عاملتك في كذا، أو خذ هذه الدراهم واتجر فيها، أو بع، أو اشتر على أن الربح بيننا، وقبول فورا من جهة العامل لفظا، وقيل يكفي في صيغة الامر، كخذ هذه واتجر فيها القبول بالفعل، كما في الوكالة، وشرط المالك والعامل، كالموكل والوكيل، صحة مباشرتهما التصرف (مع شرط ربح لهما) أي للمالك والعامل، ـــــــــــــــــــــــــــــ النقد، أراد كونه يتعامل بها كالنقد. قال ع ش: وأخذه غاية للخلاف فيه. اه. أي فهي للرد (قوله: وبالخالص) أي وخرج بالخالص (قوله: وإن علم قدر غشه) وعلى هذا لا يصح بالريالات الفرانسة ونحوها مما دخله النحاس، والغاية للرد، كالتي بعدها (قوله: وبالمضروب: التبر) أي وخرج بالمضروب: التبر (قوله: وهو) أي التبر. (وقوله: ذهب أو فضة لم يضرب) سواء في ذلك القراضة وغيرها، هذا باعتبار عرف الفقهاء، وإلا فهو كسارة الذهب والفضة إذا أخذ من معدنهما قبل تنقيتهما (قوله: وقيل يجوز على المغشوش الخ) اعتمده م ر. وقوله إن استهلك غشه، المراد به، كما استوجهه ع ش، عدم تميز النحاس عن الفضة مثلا في رأي العين، وليس المراد به أن لا يتحصل منه شئ بالعرض على النار، وإلا لما صح قراض أصلا (قوله: وقيل إن راج) أي وإن لم يستهلك. اه. ع ش (قوله: وفي وجه ثالث) لعله رابع، أو بالنسبة لما في زوائدها. وقوله على كل مثلي: أي كالحبوب والثمار، ومقتضاه أنه لا يجوز في المتقوم، كالرقيق (قوله: وإنما يصح القراض) دخول على المتن، فقوله بصيغة، متعلق به، وقدره لطول الكلام على ما مر (قوله: من إيجاب) بيان للصيغة، (وقوله: من جهة إلخ) متعلق بمحذوف صفة لإيجاب، أي إيجاب حاصل من جهة رب المال (قوله: كقارضتك الخ) أمثلة للإيجاب (قوله: أو بع أو اشتر) أو: بمعنى الواو، المعبر بها في التحفة والنهاية والمغني، وقال في المغني، فلو قال اشتر، ولم يذكر البيع، لم يصح في الأصح اه. (قوله: على أن الربح بيننا) راجع لجميع الصيغ المتقدمة، كما نص عليه الرشيدي، فلو لم يذكره فيها، فسد القراض، وللعامل أجرة المثل، كما سيصرح به المتن، إلا في الصيغة الأخيرة، فلا شئ له أصلا، كما صرح به في التحفة، فيها، ونصها. فإن اقتصر على بع أو اشتر، فسد ولا شئ له لأنه لم يذكر له مطمعا. اه. وكتب الرشيدي على قول النهاية، فلو اختصر على بع واشتر فسد، ما نصه: أي ولا شئ له، كما في التحفة، وهذا حكمة النص على هذه، دون ما قبلها، وإلا فالفساد قدر مشترك بين الجميع، حيث لم يقل والربح بيننا، فكان على الشارح أن يذكره، وقضية ما في التحفة، استحقاق العامل في مسألة اتجر فيها إذا لم يقل الربح بيننا، وانظر: ما وجهه؟ اه. (قوله: وقبول فورا من جهة العامل لفظا) أي كالبيع، لأنه عقد معاوضة يختص بمعين، بخلاف الوكالة، لأنها مجرد إذن والحوالة لأنها لا تختص بمعين. اه. شرح الروض (قوله: وقيل يكفي في صيغة الأمر) أي فيما إذا صدر من رب المال صيغة الأمر. وقوله القبول بالفعل، فاعل يكفي، والباء فيه للتصوير، أي القبول المصور بالفعل، أي فعل ما أمر به من غير لفظ، وقوله كما في الوكالة، أي والجعالة، ورد بأنه عقد معاوضة يختص بمعين. كما تقدم، فلا يشبه ذينك - لكن قد يشكل عليه قوله بعد قريبا. وشرط المالك والعامل، كالموكل والوكيل، وقول البهجة: عقد القراض يشبه التوكيلا الخ، إلا أن يقال. المراد لا يشبه ذينك في هذا الحكم، أو من كل الوجوه، بل من بعضها، أفاده سم (قوله: كالموكل والوكيل) أي لأن القراض توكيل وتوكل بعوض، فيشترط أهلية التوكيل في المالك، وأهلية التوكل في العامل، فلا يصح إذا كان أحدهما محجورا عليه، أو عبدا أذن له في التجارة، أو كان العامل أعمى، (وقوله: صحة مباشرتهما التصرف) خبر بعد خبر، لأن الجار والمجرور قبله خبر، ولا يخفى ما في ذكره من الركاكة، فلو اقتصر عليه أو على الجار والمجرور قبله، كما في المنهاج، أو قال في صحة، بزيادة الجار، ويكون بيانا لوجه الشبه لكان أولى، فتأمل (قوله: مع شرط ربح لهما) متعلق بيصح الذي قدره الشارح، أي وإنما يصح

فلا يصح على أن لاحدهما الربح (ويشترط كونه) أي الربح (معلوما بالجزئية) كنصف، وثلث. ولو قال قارضتك على أن الربح بيننا، صح مناصفة، أو على أن لك ربع سدس العشر، صح، وإن لم يعلماه عند العقد، لسهولة معرفته، وهو جزء من مائتين وأربعين جزءا. ولو شرط لاحدهما عشرة، أو ربح صنف، كالرقيق، فسد القراض. (ولعامل في) عقد قراض (فاسد: أجرة مثل) وإن لم يكن ربح، لانه عمل طامعا في المسمى، ومن القراض الفاسد، على ما أفتي به شيخنا ابن زياد رحمه الله تعالى، ما اعتاده بعض الناس من دفع مال إلى آخر بشرط أن يرد له لكل عشرة اثني عشر إن ربح أو خسر، فلا يستحق العامل إلا أجرة المثل، وجميع الربح أو الخسران على المالك، ويده على المال يد أمانة. فإن قصر، بأن جاوز المكان الذي أذن له فيه، ضمن المال. انتهى. ولا أجرة للعامل في الفاسد إن شرط الربح كله للمالك لانه لم يطمع في شئ. ويتجه أنه لا يستحق شيئا ـــــــــــــــــــــــــــــ القراض مع شرط ربح لهما، ومحط الشرطية قوله لهما (قوله: فلا يصح) أي القراض. وقوله على أن لأحدهما الربح، أي أو أن لغيرهما منه شيئا لعدم كونه لهما. قال في الروض وشرحه، ولو قال قارضتك على أن نصف الربح لي ساكتا عن نصيب العامل، لم يصح، لأن الربح فائدة رأس المال، فهو للمالك، إلا ما ينسب منه للعامل، ولم ينسب له شئ منه، أو على أن نصف الربح لك، صح، وتناصفاه، لأن ما لم ينسبه للعامل، يكون للمالك بحكم الأصل، سواء سكت عن نصيبه نفسه، أو قدر لنفسه أقل، كأن قال علي أن لك النصف ولي السدس، وسكت عن الباقي، ولو قال قارضتك على النصف، أو على السدس، صح المشروط للعامل، لأن المالك يستحق بالملك، لا بالشرط. اه. (قوله: ويشترط كونه، أي الربح معلوما بالجزئية) لو قال وبالجزئية، بزيادة الواو، لكان أولى، لأن أصل العلم شرط، وكونه بالجزئية شرط آخر. وخرج بالأول، ما لو لم يعلم أصلا، كأن قال قارضتك على أن لك فيه شركة أو نصيبا، وخرج بالثاني، ما إذا علم، لكن بالجزئية كأن قال قارضتك على أن لك عشرة، أو ثمانية مثلا، وسيصرح بمحترز الثاني (قوله: كنصف وثلث) تمثيل للجزئية (قوله: صح مناصفة) أي على الأصح، إذ المتبادر من ذلك عرفا، المناصفة، كما لو قال: هذه الدار بيني وبين فلان، ومقابل الأصح يقول: لا يصح، لاحتمال اللفظ لغير المناصفة، فلا يكون الجزء معلوما (قوله: أو علي أن لك ربع سدس العشر) أي أو قال قارضتك على أن لك ربع سدس العشر، وتعبيره بما ذكر: أولى من تعبير بعضهم بسدس ربع العشر، لأن تقديم أعظم الكسرين، أولى من تأخيره. (وقوله: وإن لم يعلماه) أي قدر ربع ما ذكر، (وقوله: وهو) أي ربع ما ذكر جزء من مائتين وأربعين جزءا، بيانه أن عشر المائتين وأربعين، أربعة وعشرون، وسدس العشر أربعة، وربع سدسه واحدا، وذلك كله مجرد مثال (قوله: ولو شرط لأحدهما عشرة) بفتحتين، أي والباقي للآخر، أو بينهما (قوله: أو ربح صنف) أي أو شرط له ربح صنف واحد. (وقوله: كالرقيق) مثال للصنف (قوله: فسد القراض) أي لعدم العلم بالجزئية، ولأنه قد لا يربح غير العشرة، أو غير ذلك الصنف، فيفوز أحدهما بجميع الربح. اه. شرح المنهج (قوله: ولعامل) خبر مقدم، وأجرة مثل، مبتدأ مؤخر (قوله: في عقد قراض) الإضافة للبيان، وقوله فاسد، أي بسبب فقده شرطا من الشروط المارة، ككون رأس المال غير نقد، أو شرط أن الربح لأحدهما (قوله: وإن لم يكن ربح) أي يوجد، فهو من كان التامة، وهو غاية في كونه له أجرة المثل (قوله: لأنه) أي العامل، (وقوله: عمل طامعا في المسمى) أي وقد فات، فوجب رد عمله على عامله، وهو متعذر، فرجع إلى أجرة المثل (قوله: ومن القراض الفاسد على ما أفتى به الخ) وإنما كان فاسدا في الصورة المذكورة: لعدم العلم بالجزئية، لأنه قد لا يربح إلا الذي شرط عليه به، فيفوز أحدهما حينئذ بالربح، ولاشتراط أخذ الزيادة منه، ولو مع وجود الخسارة، ولعدم وجود صيغة القراض (قوله: ويده) أي العامل (قوله: فإن قصر) أي في حفظ المال حتى تلف (قوله: بأن جاوز المكان الخ) تصوير لتقصيره، أي بأن تعدي العامل المكان المأذون له في التصرف فيه (قوله: ضمن المال) جواب إن (قوله: ولا أجرة الخ) هذا تقييد للمتن: أي محل كون العامل له أجرة المثل، إن لم يشرط الربح كله للمالك، وإن لم يعلم الفساد، وأنه لا أجرة له، ولو قدم هذا

أيضا إذا علم الفساد، وأنه لا أجرة له. ويصح تصرف العامل مع فساد القراض، لكي لا يحل له الاقدام عليه بعد علمه بالفساد. ويتصرف العامل، ولو بعرض، لمصلحة، لا بغبن فاحش، ولا بنسيئة، بلا إذن فيهما، ولا يسافر بالمال بلا إذن، وإن قرب السفر، وانتفى الخوف والموءنة، فيضمن به، ويأثم، ومع ذلك القراض باق على حاله، أما بالاذن، فيجوز، لكن لا يجوز ركوب في البحر إلا بنص عليه (ولا يمون) أي لا ينفق منه على نفسه حضرا ولا سفرا، لان له نصيبا من الربح، فلا يستحق شيئا آخر، فلو شرط المؤنة في العقد، فسد (وصدق) عامل بيمينه (في) دعوى (تلف) في كل المال أو بعضه، لانه مأمون، نعم، نص في البويطي، ـــــــــــــــــــــــــــــ على قوله، ومن القراض الفاسد، لكان أنسب، وقوله إن شرط، يقرأ بالبناء للمجهول (قوله: لأنه لم يطمع في شئ) أي فهو راض بالعمل مجانا. قال في التحفة: نعم، إن جهل ذلك، بأن ظن أن هذا لا يقطع حقه من الربح أو الأجرة، وشهد حاله بجهله لذلك استحق أجرة المثل، فيما يظهر. اه (قوله: ويتجه أنه لا يستحق شيئا إلخ) أي لأنه لم يطمع في شئ أيضا، وفي النهاية يستحق ذلك، وإن علم الفساد، وظن أنه لا أجرة له، (وقوله: وأنه لا أجرة له) قال سم - قضيته، أن مجرد علم الفساد لا يمنع الإستحقاق، ووجهه أنه حينئذ طامع فيما أوجبه الشارع من أجرة المثل. اه. (قوله: ويصح تصرف العامل مع فساد القراض) أي نظرا لبقاء الإذن، كالوكالة، هذا إذا كان الفساد لفوات شرط ككونه غير نقد والحال أن المقارض مالك، أما إذا كان لعدم أهلية العاقد أو المقارض ولي أو وكيل، فلا ينفذ تصرفه، كذا في البجيرمي (قوله: لكن لا يحل له) أي للعامل: أي فيأثم بذلك. (وقوله: الإقدام عليه) أي على التصرف. وقوله بعد علمه، أي العامل بالفساد (قوله: يتصرف العامل الخ) شروع في بيان بعض أحكام القراض، وقوله ولو بعرض، أي وإن لم يأذن له المالك، إذ الغرض، الربح، وقد يكون فيه، وقوله بمصلحة أي لأنه في الحقيقة وكيل، وهو متعلق بيتصرف (قوله: لا بغبن فاحش) أي لا يتصرف بغبن فاحش في بيع أو شراء، وتقدم بيانه في الوكالة، فلا تغفل، قال ع ش: وظاهره أنه يبيع بغير الغبن الفاحش، ولو كان ثم من يرغب فيه بتمام قيمته، ولعله غير مراد، أخذا مما تقدم في الوكالة، أن محل الصحة، إذا لم يكن ثم راغب يأخذه بهذه الزيادة، اه (قوله: ولا بنسيئة) أي ولا يتصرف بنسيئة، أي بأجل في بيع أو شراء أيضا للغرر، ولأنه قد يتلف رأس المال، فتبقى العهدة متعلقة بالمالك، اه. تحفة. وقوله: بلا إذن فيهما، أي في الغبن والنسيئة، أما بالإذن، فيجوز، لأن المنع لحقه، وقد زال بإذنه، ويأتي في البيع نسيئة ما مر في الوكالة، من أنه إن قدر للعامل مدة تعينت، فلا يزيد عليها، ولا ينقص. وإن أطلق الأجل، حمل على العرف، ومنه وجوب الإشهاد أيضا، فإن تركه، ضمن (قوله: ولا يسافر بالمال بلا إذن) أي لأن فيه خطرا وتعريضا للتلف، قال في المغني، نعم، لو قارضه بمحل لا يصلح للإقامة، كالمفازة، فالظاهر، كما قال الأذرعي: أنه يجوز له السفر به إلى مقصده المعلوم لهما، ثم ليس له بعد ذلك أن يحدث سفرا إلى غير محل إقامته. اه. (قوله: فيضمن به) أي فيضمن العامل بالسفر، أي يكون في ضمانه، ولو تلف بعد ذلك بلا تقصير، كما تقدم (قوله: ومع ذلك) أي ومع ما ذكر من الضمان والإثم بسبب السفر. القراض باق بحاله، أي لا ينفسخ، سواء سافر بعين المال، أو العروض التي اشتراها به، ثم إذا باع فيما سافر إليه وهو أكثر قيمة مما سافر منه أو استويا، صح البيع للقراض، أو قل قيمة بما لا يتغابن به، لم يصح (قوله: أما بالإذن: فيجوز) أي السفر به (قوله: لكن لا يجوز ركوب في البحر) أي المالح، ومثله الأنهار إذا زاد خطرها على خطر البر. اه. ح ل. (وقوله: إلا بنص) أي من المالك عليخه، أي على ركوب البحر، أي أو على بلد لا يصل لها إلا منه، فإنه يجوز حينئذ ذلك (قوله: ولا يمون) أي العامل (قوله: أي لا ينفق) تفسير بالأخص. (وقوله: منه) أي من مال القراض، (وقوله: على نفسه) أي العامل، قال في الروض وشرحه، وعليه أن ينفق على مال القراض منه، لأنه من مصالح التجارة. اه. (قوله: لأن له) أي للعامل نصيبا من الربح، أي شأنه ذلك، فلا ينافي أنه قد لا يربح، قال سم، وأيضا قد تكون النفقة قدر الربح، فيفوز به العامل، وقد تكون أكثر، فيؤدي إلى أن يأخذ جزءا من رأس المال. اه. (قوله: فسد) أي العقد، لأن ذلك مخالف لمقتضاه (قوله: وصدق عامل بيمينه في دعوى تلف) أي على التفصيل الآتي في الوديعة. وحاصله أنه إن لم يذكر سببا،

واعتمده جمع متقدمون، أنه لو أخذ ما لا يمكنه القيام به، فتلف بعضه ضمنه، لانه فرط بأخذه، ويطرد ذلك في الوكيل، والوديع، والوصي، ولو ادعى المالك بعد التلف أنه قرض، والعامل أنه قراض، حلف العامل، كما أفتى به ابن الصلاح، كالبغوي، لان الاصل عدم الضمان، خلافا لما رجحه الزركشي وغيره، من تصديق المالك، فإن أقاما بينة، قدمت بينة المالك، على الاوجه، لان معها زيادة علم. (و) في (عدم ربح)، أصلا (و) في (قدره) عملا بالاصل فيهما، (و) في (خسر) ممكن، لانه أمين. ولو قال ربحت كذا، ثم قال غلطت في ـــــــــــــــــــــــــــــ أو ذكر سببا خفيا، كسرقة، أو ظاهرا، كحريق، عرف هو دون عمومه، أو عرف، هو وعمومه، واتهم صدق بيمينه، فإن لم يتهم في الأخيرة صدق بلا يمين، أو جهل السبب الظاهر، طولب ببينة بوجوده، ثم حلف يمينا أنه تلف، فالصور ست، وقد تقدم هذا التفصيل في الوكالة (قوله: في كل المال) متعلق بمحذوف صفة لتالف. أي تلف حاصل في كل المال أو في بعضه (قوله: لأنه) أي العامل مأمون، وهو تعليل لتصديقه بيمينه (قوله: نعم نص) أي الشافعي (قوله: واعتمده) أي النص المذكور في البويطي (قوله: أنه الخ) أي على أنه، فإن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بعلى مقدرة متعلقة بنص (قوله: لو أخذ) أي العامل، (وقوله: ما لا يمكنه القيام به) أي العمل فيه كله (قوله: فتلف بعضه) قال سم، أنظر مفهومه، اه. وكتب الرشيدي ما نصه، قوله فتلف بعضه، أي بعد عمله فيه، كما هو نص البويطي، ولفظه، وإذا أخذ مالا لا يقوى مثله على عمله فيه ببدنه، فعمل فيه، فضاع، فهو ضامن، لأنه مضيع. اه (قوله: لأنه فرط بأخذه) الأصوب ما علل به الشافعي رضي الله عنه في نصه السابق من قوله لأنه مضيع. اه. رشيدي (قوله: ويطرد ذلك) أي ما نص عليه في البويطي، (وقوله: في الوكيل والوديع) أي المودع عنده والوصي، أي فيقال إذا أخذوا ما لا يمكنهم القيام به فتلف، ضمنوه (قوله: ولو ادعى المالك بعد التلف أنه قرض) أي ليلزم الآخذ بدله، وخرج ببعد التلف. ما لو ادعى المالك عليه ذلك قبله، فيصدق هو، لأن العامل يدعي عليه الإذن في التصرف وحصته من الربح والأصل عدمهما (قوله: والعامل أنه قراض) أي وادعى العامل أنه قراض، لئلا يلزمه بدله (قوله: حلف العامل) أي صدق العامل بيمينه، وكان الأولى، التعبير به وهو جواب لو (قوله: لأن الأصل) علة لتصديق العامل بيمينه (قوله: خلافا لما رجحه الزركشي وغيره من تصديق المالك) جرى على هذا في النهاية، ولفظها، ولو ادعى المالك بعد تلف المال أنه قرض، والعامل أنه قراض، صدق المالك بيمينه، كما جزم به ابن المقري، وجرى عليه القمولي في جواهره، وأفتى به الوالد رحمه الله، خلافا للبغوي، وابن الصلاح، إذ القاعدة أن من كان القول قوله في أصل الشئ، فالقول قوله في صفته، مع أن الأصل عدم الإئتمان الدافع للضمان، وقال في الخادم، إنه الظاهر، لأن القابض يدعي سقوط الضمان عنه، مع اعترافه بأنه قبض، والأصل عدم السقوط، الخ. اه. قال في التحفة، وجمع بعضهم بحمل الأول، أي تصديق العامل، على ما إذا كان التلف قبل التصرف، لأنهما حينئذ اتفقا على الإذن، واختلف في شغل الذمة، والأصل براءتها، وحمل الثاني، أي تصديق المالك، على ما إذا كان بعد التصرف، لأن الأصل في التصرف في مالك الغير، أنه يضمن، ما لم يتحقق خلافه، والأصل عدمه (قوله: فإن أقاما بينة) أي أقاما كل واحد بينة، (وقوله: قدمت بينة المالك) وفي النهاية قدمت بينة العامل، وفي التحفة، وقال بعضهم الحق التعارض، أي فيأتي فيه ما مر عند عدم البينة. اه. أي من تصديق العامل، إن كان التلف قبل التصرف، وتصديق المالك، إن كان بعده (قوله: لأن معها زيادة علم) أي بانتقال الملك إلى الآخر، فهي أثبت شغل الذمة، بخلاف بينة العامل، فهي مستصحبة لأصل البراءة، والبينة الناقلة مقدمة على المستصحبة، أفاده البجيرمي (قوله: وفي عدم ربح) معطوف على في تلف، أي وصدق في دعوى عدم ربح. (وقوله: وفي قدره) معطوف أيضا على في تلف، أي وصدق في دعوى قدر ربح كعشرة (قوله: عملا بالأصل) وهو ما يعديه العامل، (وقوله: فيهما) أي في عدم الربح وفي قدره (قوله: وفي خسر) معطوف على في تلف أيضا، أي وصدق في دعوى خسر (قوله: ممكن) أي محتمل، بأن عرض كساد فيما يتصرف فيه، فإن لم يمكن، لا يصدق (قوله: لأنه أمين) أي وصدق في ذلك، لأنه،

الحساب، أو كذبت، لم يقبل، لانه أقر بحق لغيره فلم يقبل رجوعه عنه، ويقبل قوله بعد خسرت، إن احتمل، كأن عرض كساد. (و) في (رد) للمال على المالك، لانه ائتمنه كالمودع. ويصدق العامل أيضا في قدر رأس المال، لان الاصل عدم الزائد، وفي قوله اشتريت هذا لي أو للقراض والعقد في الذمة لانه أعلم بقصده، أما لو كان الشراء بعين مال القراض، فإنه يقع للقراض، وإن نوى نفسه، كما قاله الامام، وجزم به في المطلب. وعليه فتسمع بينة المالك أنه اشتراه بمال القراض. وفي قوله لم تنهني عن شراء كذا، لان الاصل عدم النهي، ولو اختلفا في القدر المشروط له، أهو النصف، أو الثلث، مثلا؟ تحالف. وللعامل بعد الفسخ أجرة المثل، والربح جميعه للمالك، أو في أنه وكيل أو مقارض، صدق المالك بيمينه، ولا أجرة عليه للعامل. (تتمة) الشركة نوعان: أحدهما فيما ملك اثنان مشتركا بإرث أو شراء. والثاني أربعة أقسام: منها قسم ـــــــــــــــــــــــــــــ أي العامل، أمين، فهو تعليل لتصديقه في دعوى الخسر (قوله: ولو قال) أي العامل، وقوله ربحت كذا، أي قدرا معينا، كألف، (وقوله: ثم قال غلطت في الحساب أو كذبت) أي أن القدر الذي أخبرتكم بأني ربحته وقع مني غلطا، أو كذبت فيه، فأنا ما ربحت القدر المذكور، وقوله لم يقبل، أي قوله إن غلطت أو كذبت، قال في التحفة بعده، نعم، له تحليف المالك، وإن لم يذكر شبهة. اه. (قوله: لأنه) أي العامل أقر بحق لغيره، وهو المالك قوله فلم يقبل رجوعه عنه، أي عن إقراره (قوله: ويقبل قوله بعد) أي بعد قوله ربحت كذا، وقوله خسرت، مقول القول، وقوله إن احتمل، أي قوله المذكور، وقوله كأن عرض كساد، أي نقص في قيمة السلعة (قوله: وفي رد المال) معطوف على في تلف أيضا، أي وصدق في دعوى رد المال على المالك، وقوله لأنه، أي المالك ائتمنه، أي العامل، وقوله كالمودع، هو بفتح الدال، أي فإنه يصدق في دعواه الرد على المودع، بكسرها (قوله: في قدر رأس المال) أي أو في جنسه (قوله: لأن الأصل عدم الزائد) أي عدم دفع زيادة إليه، وهو تعليل لتصديق العامل في قدر رأس المال (قوله: وفي قوله اشتريت هذا لي) أي ويصدق العامل في قوله اشتريت هذا لي، أي وإن كان رابحا، وقوله أو للقراض، أي أو اشتريته للقراض، وإن كان خاسرا، وقوله والعقد في الذمة، أي والحال أنه في الذمة، أي ذمة العامل، والظاهر أنه راجع للصورة الأولى، أعني قوله اشتريت هذا لي، بدليل المحترز (قوله: لأنه أعلم بقصده) أي بقصد نفسه، أي وهو مأمون (قوله: وعليه) أي على ما قاله الإمام، من أنه إذا اشتراه بعين مال القراض، يقع للقراض، وقوله فتسمع بينة المالك، أي فيما إذا اختلفا فيما حصل الشراء به، هل هو مال القراض أو مال العامل؟ قال في التحفة، لما تقرر أنه مع الشراء بالعين لا ينظر إلى قصده وهو أحد وجهين في الرفعي من غير ترجيح، ورجح جمع متقدمون مقابله، لأنه قد يشتري به لنفسه متعديا، فلا يصح البيع، وقد يجمع بحمل ما قاله الإمام على ما إذا نوى نفسه، ولم يفسخ القراض، ومقابله على ما إذا فسخ، وحينئذ فالذي يتجه: سماع بينة المالك، ثم يسأل العامل، فإن قال فسخت، حكم بفساد الشراء، وإلا فلا. اه. وقوله ورجح جمع متقدمون الخ. استوجهه في النهاية. (قوله: وفي قوله لم تنهني الخ) أي كأن اشترى سلعة، فقال نهيتك عن شرائها، فقال العامل لم تنهني، فيصدق العامل، وتكون للقراض، لأن الأصل، عدم النهي، أما لو قال المالك، لم آذنك في شراء كذا، فقال العامل بل أذنت لي، فالمصدق المالك. اه. نهاية. (قوله: ولو اختلفا) أي المالك والعامل (قوله: في القدر المشروط له) أي للعامل من الربح. وقوله تحالفا، أي لاختلافهما في عوض العقد مع اتفاقهما على صحته، فأشبه اختلاف المتبايعين. اه. تحفة، ولا ينفسخ العقد بالتحالف، وإنما ينفسخ بفسخهما، أو أحدهما، أو الحاكم (قوله: وللعامل الخ) أي لتعذر رجوع عمله إليه، فوجب له قيمته، وهو الأجرة. (قوله: أو في أنه وكيل أو مقارض) أي أو اختلفا في ذلك، فقال المالك أنت وكيل، وقال العامل أنا مقارض، وقوله صدق المالك بيمينه، نعم. إن أقاما بينتين، قدمت بينة العامل، لأن معها زيادة علم بوجوب الأجرة. والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله: تتمة) أي في بيان أحكام الشركة، بكسر الشين، وإسكان الراء، وبفتح الشين مع كسر الراء وإسكانها، وقد أفردها الفقهاء بباب مستقل، وذكرها بعد الوكالة،

صحيح، وهو أن يشترط اثنان في مال لهما ليتجرا فيه، وسائر الاقسام باطلة، كأن يشترك اثنان ليكون كسبهما بينهما بتساو، أو تفاوت، أو ليكون بينهما ربح ما يشتريانه في ذمتهما بمؤجل، أو حال، أو ليكون بينهما كسبهما ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنها من أفرادها، إذ كل من الشريكين، وكيل عن الآخر، وموكل له، والأصل فيها قبل الإجماع، خبر السائب أنه كان شريك النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل المبعث، وافتخر بشركته بعد المبعث، والخبر الصحيح القدسي: يقول الله تعالى: أنا ثالث الشريكين، ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه، خرجت من بينهما أي أنا كالثالث للشريكين في إعانتهما وحفظهما وأنزل البركة في أموالهما مدة عدم الخيانة، فإذا حصلت الخيانة، رفعت البركة والإعانة عنهما، وهو معنى خرجت من بينهما، وهي لغة: الإختلاط شيوعا، أو مجاورة، بعقد أو غيره. وشرعا، عقد يقتضي ثبوت الحق في شئ لأكثر من واحد على جهة الشيوع (قوله: الشركة نوعان) أي اللغوية، لأن النوع الأول: ليس فيه عقد، والنوع الثاني: قسمه إلى أربعة أقسام، بعضها صحيح، وبعضها باطل، والمعنى الشرعي، مختص بالصحيح، على ما قاله بعضهم (قوله: أحدهما فيما ملك) أي أحدهما ثابت بسبب ملك اثنين مشتركا. ففي سببية، وما مصدرية، وقوله مشتركا، أي مالا مشتركا، أي مختلطا بحيث لا يتميز. وهو مفعول ملك، ويحتمل أن تكون في باقية على معناها، وما، موصول اسمي، وجملة ملك، صلة، والعائد عليها، محذوف، ومشتركا، حال، أي أحدهما ثابت في المال الذي ملكاه حال كونه مشتركا، أي مختلطا، بحث لا يتميز تأمل. وقوله بإرث أو شراء، متعلق بملك، وهو يشير إلى أنه لا فرق في ثبوت الملك لهما، بين أن يكون على جهة القهر، كالإرث، أو الاختيار، كالشراء (قوله: والثاني أربعة أقسام) لا يحسن مقابلته لما قبله فكان الأولى أن يقول، وثانيهما فيما عقد عليه اثنان الشركة، وعبارة التحرير، هو نوعان، أحدهما في الملك قهرا كان أو اختيار، كإرث وشراء، والثاني بالعقد لها، وهي أنواع أربعة الخ، وهي ظاهرة (والحاصل) أن الشركة لها سببان، السبب الأول، الملك من غير عقد شركة، بأن يملك اثنان مالا موروثا، أو مالا مشترى. والثاني، العقد، أي أن يعقد اثنان الإشتراك بينهما على مال أو غيره (قوله: منها قسم صحيح) أي بالإجماع، ويسمى شركة العنان، بكسر العين، من عن الشئ، أي ظهر، فهي أظهر الأنواع، لظهورها بصحتها، أو لأنه ظهر لكل من الشريكين مال الآخر، أو من عنان الدابة، لاستواء الشريكين فيها في نحو الولاية والربح والسلامة من الغرر، كاستواء طرفي العنان، أو لمنع كل منهما الآخر لما يشتهي، كمنع العنان الدابة وأركانها خمسة، عاقدان، ومعقود عليه، وذكر عمل، وصيغة، أو شرط في العاقدين ما شرط في الموكل والوكيل، من صحة التصرف، وشرط في المعقود عليه، أن يكون مثليا، كالدراهم والدنانير، والبر، لأنه إذا اختلط بجنسه، لم يتميز، بخلاف المتقوم وقد تصح فيه بأن يكون مشتركا بينهما قبل العقد، كأن ورثاه، أو اشترياه، أو باع أحدهما بعض عرضه ببعض عرض الآخر، كنصف بنصف، أو ثلث بثلثين، وأذن كل لصاحبه في لتصرف بعد القبض، وذلك لعدم تميز المالين حينئذ، وأن يتحدا المالان جنسا وصفة، بحيث لو خلطا، لم يتميزا كل منهما عن الآخر، وأن يخلطا قبل العقد، لتحقق معنى الشركة. وأن يشترطا الربح والخسران على قدر المالين، عملا بقضية العقد، وقد ذكر شرط العمل بقوله، ويتسلط كل واحد منهما الخ، وشرط الصيغة بقوله، وشرط فيها لفظ الخ. (قوله: وهو) أي القسم الصحيح، وقوله: أن يشترط اثنان، أي يصح التصرف منهما، كما علمت، وقوله من مال لهما، أي مثلي نقد أو غيره، على ما عرفت (قوله: وسائر الأقسام) أي باقيها، وهو ثلاثة، شركة الأبدان، وشركة المفاوضة، وشركة الوجوه، وقوله باطلة، أي لكثرة الغرر فيها، لا سيما شركة المفاوضة، ولخلوها عن المال المشترك، كما ستعرفه (قوله: كأن يشترك اثنان ليكون كسبهما بينهما) أي مكسوبهما ببدنهما خاصة، وإلا كانت عين شركة المفاوضة الآتية، سواء اتفقا حرفة، كخياطين، أو اختلفا فيها، كخياط ورفاء، وهذه تسمى شركة الأبدان، وهي باطلة، لعدم المال، فمن انفرد بشئ، فهو له، وما اشتركا فيه يوزع عليهما بنسبة أجرة المثل، بحسب الكسب، وجوزها أبو حنيفة رضي الله عنه مطلقا، ومالك وأحمد رضي الله عنهما مع اتحاد الحرفة (قوله: بتساو أو تفاوت) متعلق بمحذوف حال من الضمير في الخبر: أي حال كون الكسب الكائن بينهما حاصلا بتساو أو تفاوت، أي بحسب ما شرطاه (قوله: أو ليكون بينهما الخ)

وربحهما ببدنهما، أو مالهما، وعليهما ما يعرض من غرم، وشرط فيها لفظ يدل على الاذن في التصرف بالبيع والشراء، فلو اقتصر على اشتراكنا: لم يكف عن الاذن فيه ويتسلط كل واحد منهما على التصرف بلا ضرر أصلا، بأن يكون فيه مصلحة، فلا يبيع بثمن مثل وثم راغب بأزيد. ولا يسافر به حيث لم يضطر إليه لنحو قحط وخوف، ولا يبضعه بغير إذنه، فإن سافر به، ضمن، وصح تصرفه، أو أبضعه بدفعه لمن يعمل لهما فيه، ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أو يشترك اثنان ليكون بينهما ربح ما يشتريانه في ذمتهما، أي يشتريه وجيهان في ذمتهما، ومثل ذلك، ما إذا اشتراه وجيه في ذمته وفوض بيعه لخامل والربح بينهما، وأعطى خامل ماله لوجيه ليس له مال ليعمل فيه والربح بينهما، وهذه تسمى شركة الوجوه، من الوجاهة، أي العظمة، والصدارة، وهي باطلة، إذ ليس بينهما مال مشترك، فكل من اشترى شيئا، فهو له، عليه خسره، وله ربحه (قوله: أو ليكون بينهما الخ) أي أو يشترك اثنان ليكون بينهما كسبهما وربحهما ببدنهما أو مالهما: أي من غير خلط، أو معه. وتفارق حينئذ شركة العنان بالشرط المذكور بعد، أو، مانعة خلو، فتجوز الجمع، وقوله وعليهما، أي المشتركين ما يعرض من غرم، قيد في كل من كون الكسب والربح بالبدن، ومن كونهما بالمال، وخرج به، بالنسبة للأول، شركة الأبدان، وبالنسبة للثاني، شركة العنان. والمراد، غرم لا بسبب الشركة، كغصب وغيره، وإلا فالغرم بسببها موجود في شركة العنان، وفي الكلام اكتفاء، أي ولهما ما يحصل من غنم، وهذه تسمى شركة مفاوضة، من تفاوضا في الحديث، شرعا فيه جميعا، قال م ر: أو من قوم فوضى، بفتح الفاء، أي مستوين في الأمور، ومنه قول الشاعر: لا يصلح الناس فوضى سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا وهي باطلة أيضا، لاشتمالها على أنواع من الغرر، ولعدم وجود المال في بعض صورها، فيختص حينئذ كل بما كسبه ببدنه، إن لم يكن مال، فإن كان هناك مال من غير خلط، فظاهر أن مال كل له، ومع الخلط يكون الزائد بينهما على قدر المالين، ويرجع كل على الآخر بأجرة عمله (قوله: وشرط فيها) أي الشركة. وغيره ذكر الأركان المارة، ثم قال: وشرط في الصيغة، فلو صنع كصنعه لكان أولى. وقوله لفظ: في معناه ما مر، من الكتابة، وإشارة الأخرس. وقوله يدل على الإذن في التصرف، أي بأن يقولا لا اشتركنا وأذنا في التصرف. والمراد، الإذن لمن يتصرف من كل منهما أو من أحدهما، وقوله بالبيع والشراء، متعلق بالتصرف (قوله: فلو اقتصر على اشتركنا) أي على قولهما ذلك قال سم: لو وقع هذا القول من أحدهما مع الإذن في التصرف، فينبغي أن لا يكفي، لأنه عقد متعلق بمالهما، فلا يكفي فيه اللفظ من أحد الجانبين، بل لا بد معه من وقوعه من الآخر، أو قبوله، وفاقا للرملي. اه. بتصرف (قوله: لم يكف عن الإذن فيه) أي في التصرف لاحتمال أن يكون إخبارا عن حصول الشركة (قوله: ويتسلط كل واحد منهما) أي الشريكين، وهو شروع في شروط العمل (قوله: بلا ضرر) أي في المال المشترك، وهو متعلق بيتسلط (قوله: بأن يكون) تصوير لعدم وجود ضرر أصلا. ولو قال ويتسلط كل واحد منهما بمصلحة، لكان أخصر. وعبارة المنهج، وشرط في العمل مصلحة، ثم قال في شرحه، وتعبيري بمصلحة، أولى من قوله بلا ضرر، لاقتضائه جواز البيع بثمن المثل، مع وجود راغب بزيادة. اه. (قوله: ولا يسافر به) قال في فتح الجواد: نعم، إن اشتركا بمفازة، سافر به لمقصده، ولو بلا إذن، للقرينة. اه. (قوله: حيث لم يضطر إليه) أي السفر به، فإن اضطر إليه، سافر به، بل يلزمه في هذه الحالة، كالوديع، وعبارة التحفة، ولا يسافر به، حيث لم يعطه في السفر، ولا اضطر إليه لنحو قحط أو خوف، ولا كان من أهل النجعة. اه. وقوله لنحو قحط، أي في بلده، وقوله أو خوف، أي من حريق، أو نهب (قوله: ولا يبضعه) بضم التحتية فسكون الموحدة، أي يجعله بضاعة يدفعه لمن يعمل لهما فيه، ولو متبرعا، لأنه لم يرض بغير يده. اه. تحفة (قوله: بغير إذنه) متعلق بكل من يسافر ومن يبضع، وإن كان ظاهر عبارته تعلقه بالثاني فقط، أي لا يسافر بغير إذنه ولا يبضعه بغير إذنه، فإن كان بإذنه، صح، ولا ضمان، لكن مجرد الإذن في السفر، لا يتناول ركوب البحر، بل لا بد من النص عليه، أو تقوم عليه قرينة

تبرعا بلا إذن، ضمن أيضا والربح والخسران بقدر المالين، فإن شرطا خلافه، فسد العقد، فلكل على الآخر أجرة عمله له، ونقد التصرف منهما مع ذلك للاذن، وتنفسخ بموت أحدهما وجنونه، ويصدق في دعوى الرد إلى شريكه في الخسران والتلف، في قوله اشتريته لي أو للشركة، لا في قوله اقتسمنا وصار ما بيدي لي مع قول الآخر: لا، بل هو مشترك، فالمصدق المنكر، لان الاصل عدم القسمة، ولو قبض وارث حصته من دين مورثه، شاركه الآخر ولو باع شريكان عبدهما صفقة، وقبض أحدهما حصته، لم يشاركه الآخر. (فائدة) أفتى النووي، كابن الصلاح، فيمن غصب نحو نقد أو بر وخلطه بماله، ولم يتميز، بأن له إفراز قدر المغصوب، ويحل له التصرف في الباقي. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: فإن سافر به) أي من غير إذنه، وقوله صح تصرفه، أي لبقاء الإذن فيه (قوله: أو أبضعه) معطوف على سافر، أي أو إن أبضعه، بدفعه الخ. تصوير للإبضاع، كما عرفت، وقوله بلا إذن، متعلق بأبضعه. وقوله ضمن أيضا، جواب أن المقدرة بعد أو (قوله: والربح والخسران بقدر المالين) أي باعتبار القيمة، لا الأجزاء، فلو خلط قفيزا بمائة، وقفيزا بخمسين، فهي أثلاث، لصاحب الأول، ثلثان، ولصاحب الثاني ثلث. (قوله: فإن شرطا خلافه) أي خلاف ما ذكر، كأن شرطا تساوي الربح والخسران مع تفاوت المالين، أو شرطا تساوي المالين مع التفاوت في الربح والخسران، وقوله فسد العقد، أي لمخالفة ذلك موضوعها (قوله: فلكل على الآخر أجرة عمله له) أي وإذا فسد العقد يكون لكل على الآخر أجرة عمله بحسب ماله، فإذا كان لأحدهما ألفان، وللآخر ألف، وأجرة عمل كل منهما مائة، فثلثا عمل الأول في ماله، وثلثه على الثاني، وعمل الثاني بالعكس، فللأول عليه ثلث المائة، وله على الأول ثلثاها، فيقع التقاص بثلثها، ويرجع على الأول بثلثها، وقد يقع التقاص إن استويا في المال والعمل، قال في التحفة، نعم، إن تساويا مالا، وتفاوتا عملا، وشرط الأقل للأكثر عملا لم يرجع بالزائد، إن علم الفساد، وأنه لا شئ في الفاسد، لأنه عمل غير طامع في شئ، كما لو عمل أحدهما فقط في فاسدة. اه. (قوله: ونفذ التصرف منهما) أي من الشريكين. وقوله مع ذلك، أي مع فساد العقد، أي ويكون الربح والخسران على قدر المالين بعد إخراج أجرة عمل كل منهما وقوله للإذن، أي لوجود الإذن في التصرف، وهو علة لنفوذ التصرف (قوله: وتنفسخ) أي الشركة، وذلك لأنها عقد جائز من الجانبين، فهي كالوكالة. وقوله بموت أحدهما وجنونه، أي وإغمائه، والحجر عليه بسفه أو فلس (قوله: ويصدق) أي الشريك في دعوى الرد إلى شريكه، وذلك لأن يده أمانة، كالمودع، والوكيل، فيصدق في ذلك، وقوله في الخسران، أي وفي قدر الربح، وقوله والتلف: أي ويصدق في التلف، لكن على التفصيل المتقدم بيانه (قوله: وفي قوله اشتريته لي أو للشركة) أي ويصدق فيما إذا اشترى الشريك شيئا، وقال اشتريته للشركة أو لنفسي، وكذبه الآخر، لأنه أعرف بقصده، قال في التحفة: نعم، لو اشترى شيئا فظهر عيبه، وأراد رد حصته، لم يقبل قوله على البائع أنه اشتراه للشركة، لأن الظاهر، أنه اشتراه لنفسه، فليس له تفريق الصفقة عليه. اه. (قوله: لا في قوله اقتسمنا إلخ) أي لا يصدق في ذلك، لأن الأصل عدم القسمة، قال في التحفة: وإنما قبل قوله في الرد، مع أن الأصل عدمه، لأن من شأن الأمين قبول قوله فيه توسعة عليه. اه. (قوله: شاركه الآخر) أي لاتحاد الجهة، وهي الإرث (قوله: ولو باع شريكان عبدهما) أي أو وكل أحدهما الآخر فباعه (قوله: لم يشاركه الآخر) فرق في التحفة بين هذه والتي قبلها، بأن المشترك بنحو الشراء يتأتى فيه تعدد الصفقة المقتضي لتعدد العقد وترتب الملك، فكان كل من الشريكين فيه كالمستقل، ولأن حقه لا يتوقف وجوده على وجود غيره، فإذا قبض قدر حصته، أو بعضها، فاز به، بخلاف نحو الإرث، فإنه حق يثبت في الورثة دفعة واحدة، من غير أن يتصور فيه ترتب ولا توقف، فكان جميعه كالحق الذي لا يمكن تبعيضه، فلم يختص قابض شئ منه به. اه. (قوله: أفتى النووي - كابن الصلاح - فيمن غصب نحو نقد الخ) ساق الإفتاء المذكور في التحفة، ثم قال: ويأتي لذلك تتمة قبيل الأضحية، ولا بأس بذكرها، تتميما للفائدة، وهي ما نصه، لو اختلط مثلي حرام، كدرهم أو دهن، أو حب

فصل في أحكام الشفعة ـــــــــــــــــــــــــــــ بمثله له، جاز له أن يعزل قدر الحرام بنية القسمة، ويتصرف في الباقي ويسلم الذي عزله لصاحبه إن وجد، وإلا فلناظر بيت المال، واستقل بالقسمة على خلاف المقرر في الشريك للضرورة، إذ الفرض، الجهل بالمالك، فاندفع ما قيل يتعين الرفع للقاضي ليقسمه عن المالك، وفي المجموع، طريقه أن يصرف قدر الحرام إلى ما يجب صرفه فيه، ويتصرف في الباقي بما أراد، ومن هذا، اختلاط أو خلط نحو دراهم لجماعة، ولم يتميز فطريقه أن يقسم الجميع بينهم على قدر حقوقهم، وزعم العوام أن اختلاط الحلال بالحرام يحرمه، باطل. إلخ. اه. (قوله: بأن له الخ) متعلق بأفتى. وقوله إفراز: أي فصل وإخراج. والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل في أحكام الشفعة أي في بيان بعض أحكام الشفعة، وهي بإسكان الفاء، وحكي ضمها، لغة من الشفع، ضد الوتر، فكأن الشفيع يجعل نفسه أو نصيبه شفعا، بضم نصيب شريكه إليه، أو من الشفاعة، لأن الأخذ بها كان جاهلية. وشرعا، حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث بسبب الشركة فيما ملك بعوض. وشرعت لدفع الضرر: أي ضرر مؤنة القسمة، واستحداث المرافق في الحصة السائرة إليه لو قسم، كالمصعد، والمنور، والبالوعة، وغير ذلك، وهذا الضرر كان يمكن حصوله قبل البيع، وكان من حق الراغب في البيع أن يخلص صاحبه منه بالبيع له، فلما باع لغيره، سلطه الشارع على أخذه منه قهرا، والأصل فيها خبر البخاري: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شفعة أي حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة بالمشترك الذي لم تقع فيه القسمة بالفعل، مع كونه يقبلها لأن الأصل في النفي بلم، أن يكون في الممكن بخلافه بلا، واستعمال أحدهما محل الآخر، تجوز، كما في قوله تعالى: * (لم يلد، ولم يولد) * (1) أي لا يلد، ولا يولد، وكما في قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * (2) أي لم يمسه. وقوله فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، أي فإذا وقعت حدود القسمة بين الشريكين، وبينت الطرق، فلا شفعة، وهذا كناية عن حصول القسمة، فكأنه قال: فإذا قسم، فلا شفعة، وأركانها ثلاثة: شفيع، وهو الآخذ، ومشفوع، وهو المأخوذ، ومشفوع منه، وهو المأخوذ منه، وشرط في الشفيع، أن يكون شريكا بخلطة الشيوع، لا بالجوار، فلا شفعة لجار الدار، ملاصقا كان أو غيره، خلافا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، فإنه أثبتها للجار فلو قضى بها حنفي للجار، ولو شافعيا، لم ينقض حكمه، وشرط في المشفوع، أن يكون مما ينقسم، أي مما يقبل القسمة إذا طلبها الشريك، دون ما لا ينقسم، كحمام صغير، وطاحون صغيرة، ودار، وحانوت، وساقية كذلك، والضابط في ذلك، أن ما يبطل نفعه المقصود منه لو قسم، بحيث لا يمكن جعل الحمام حمامين، ولا الطاحون طاحونين، وهكذا، لا تثبت فيه الشفعة، وما لا يبطل نفعه المقصود منه لو قسم، بل يكون بحيث ينتفع به بعد القسمة إذا طلبها الشريك من الوجه الذي كان ينتفع به قبلها، كطاحون، وحمام كبيرين، بحيث يمكن جعلهما طاحونين وحمامين، تثبت فيه الشفعة، وشرط فيه أيضا، أن يكون مما لا ينقل من الأرض، فلا شفعة فيما ينقل، وشرط في المشفوع منه، تأخر سبب ملكه عن سبب ملك الآخذ، فيكفي في أخذ الشفيع بالشفعة، تقدم سبب ملكه عن سبب ملك المأخوذ منه، وإن تقدم ملكه على ملك الآخذ، فلو باع أحد الشريكين نصيبه لزيد بشرط الخيار للبائع، أو لهما فباع الآخر نصيبه لعمرو في زمن الخيار بيع بت، فالشفعة للمشتري الأول، وهو زيد، إن لم يشفع بائعه على المشتري الثاني، وهو عمرو، لتقدم سبب ملك الأول عن سبب ملك الثاني. فلو اشترى اثنان دارا، أو بعضها معا، فلا شفعة لأحدهما على الآخر، لعدم السبق، وليست الصيغة ركنا فيها، لأنها، كما تقدم، حق تملك، أي استحقاقه، وهو لا يتوقف ثبوته على صيغة، نعم تجب في التملك، فلا يملك الشفيع الشقص، إلا بلفظ يشعر به، كتملكت، أو أخذت بالشفعة، وسيذكره الشارح بقوله، ولا يملك الشفيع إلا

_ (1) سورة الاخلاص، الاية: 3. (2) سورة الواقعة، الاية: 79.

إنما تثبت الشفعة لشريك لا جار في بيع أرض مع تابعها كبناء، وشجر وثمر غير مؤبر فلا شفعة في شجر أفرد بالبيع، أو بيع مع مغرسه فقط، ولا في بئر، ولا يملك الشفيع لا بلفظ، كأخذت بالشفعة مع بذل الثمن للمشتري. ـــــــــــــــــــــــــــــ بلفظ الخ (قوله: إنما ثبت الشفعة لشريك) أي ولو كان مكاتبا، أو غير عاقل، كمسجد له شقص لم يوقف باعه شريكه، فإنه يأخذ له الناظر بالشفعة أو ذميا، وقوله لا جار، أي لخبر البخاري المار، وما ورد فيه، محمول على الجار الشريك، جمعا بين الأحاديث. وقوله في بيع أرض، متعلق بثبت (قوله: مع تابعها) أي إن كان، فلا يقال مفهومه أن الأرض الخالية عن التابع لا شفعة فيها، والمراد بالتابع، ما يتبعها في مطلق البيع من بناء، وما يتبعه من باب، ورف سمر، ومفتاح غلق مثبت، وكل منفصل توقف عليه نفع متصل (قوله: كبناء) تمثيل للتابع. وقوله وشجرا، أي رطب على الأوجه. اه. فتح الجواد (قوله: وثمر غير مؤبر) أي عند البيع، فيؤخذ بالشفعة، ولو لم يتفق الآخذ حتى أبر، وعبارة م ر، غير مؤبر، أي عند البيع، وإن كان مؤبرا عند الأخذ، وكذا كل ما دخل في البيع ثم انقطعت تبعيته، فإنه يأخذه بالشفعة. اه. وما المؤبر عنده، فلا تثبت فيه الشفعة، لانتفاء التبعية (قوله: فلا شفعة في شجر أفرد الخ) عبارة فتح الجواد مع الأصل، فلا تثبت في منقول غير تابع لما ذكر، وإن بيع مع الأرض، كزرع يؤخذ دفعة واحدة، ولا في تابع كبناء، أو غراس بيع دون أرض، وكبناء على سقف، ولو مشتركا، لأن المنقول، لا يدوم، فلا يدوم ضرر الشركة فيه، والتابع إذا أفرد عن متبوعه، يشبه المنقول ومن ثم، لو باعها مع الأس أو المغرس فقط، لم تثبت أيضا لأن المبيع من الأرض هنا، تابع، والمتبوع، وهو البناء والشجر، منقول، ولا في شجر جاف شرط دخوله في بيع أرض لانتفاء التبعية. اه. (قوله: ولا في بئر) عبارة الروض: ولو باع نصيبه من أرض تنقسم، وفيها بئر لا تنقسم، ويسقي منها، ثبتت، أي الشفعة في الأرض دونها، أي البئر. اه. (قوله: مع بذل الثمن للمشتري) أي أو رضاه بكون الثمن يكون في ذمة الشفيع، أو قضاء القاضي له بها إذا حضر مجلسه وأثبت حقه فيها وطلبه. تتمة: الشفعة على الفور، لأنها حق ثبت لدفع الضرر، فكانت كالرد بالعيب، بجامع أن كلا شرع لدفع الضرر، وحينئذ فليبادر الشفيع إذا علم بيع الشقص بأخذه، وتكون المبادرة على العادة، فلا يكلف الإسراع على خلاف العادة، بعدو، أو غيره، ولو كان في الصلاة أو في الحمام، أو في قضاء الحاجة، لم يكلف القطع، بل له التأخير إلى فراغ ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب في الإجارة

باب في الإجارة هي لغة: اسم للاجرة، وشرعا، تمليك منفعة بعوض بشروط آتية. (تصح إجارة بإيجاب، كآجرتك) ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في الإجارة أي في بيان أحكامها، وشروطها، وهي بكسر الهمزة أشهر من ضمها وفتحها، من آجره، بالمد، يؤجره، إيجارا، ويقال أجره، بالقصر، يأجره، بضم الجيم، وكسرها أجرا، والأصل فيها قبل الإجماع آيات: كقوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم، فآتوهن أجورهن) * ووجه الدلالة منه أن آتوهن أجورهن: أمر، والأمر للوجوب، والإرضاع بلا عقد، تبرع لا يوجب أجرة، وإنما يوجبها، العقد، فتعين الحمل عليه، أي آتوهن أجورهن إذا أرضعن لكم بعقد، وكقوله تعالى: * (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) * وأخبار: كخبر مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن المزارعة، وأمر بالمؤاجرة وكخبر البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم - والصديق استأجرا رجلا من بني الديل يقال له عبد الله بن الأريقط، أي ليدلهما على طريق المدينة لما هاجرا من مكة، لكونهما سلكا طريقا غير الجادة، اختفاء من المشركين، وإسناد الاستئجار للنبي - صلى الله عليه وسلم - مجاز عقلي، لأن المستأجر، أبو بكر، وأقره عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمعنى فيها، أن الحاجة داعية إليها، إذ ليس لكل أحد، مركوب، ومسكن، وخادم، وغير ذلك. فجوزت لذلك، كما جوز بيع الأعيان وأركانها ثلاثة إجمالا، ستة تفصيلا عاقد مكر ومكتر، ومعقود عليه أجرة ومنفعة وصيغة إيجاب وقبول، ويشترط في العاقدين ما مر في البائع والمشتري، من الرشد، وعدم الإكراه بغير حق، نعم، يصح استئجار كافر لمسلم، ولو إجارة عين، مع الكراهة، لكن لا يمكن من استخدامه مطلقا، لأنه لا يجوز خدمه المسلم للكافر أبدا ويصح إيجار سفيه لما لا يقصد من عمله كالحج لجواز تبرعه، ويشترط في الأجرة والمنفعة ما سيذكره، من كون الأجرة معلومة، ومن كون المنفعة متقومة معلومة، ويشترط في الصيغة جميع ما مر في صيغة البيع، إلا عدم التأقيت، وقد استوفاها الشارح في التعريف، فقوله تمليك منفعة، أي بعقد يستفاد منه الصيغة، ومعلوم أنها تستلزم العاقد، وقوله منفعة مع قوله بعوض، هو المعقود عليه (قوله: هي لغة اسم للأجرة) أي سواء أخذت بعقد أم لا، وقيل لغة، اسم للإثابة، يقال آجرته، بالمد، والقصر، إذا أثبته. ولا مانع من أن يكون لها معنيان في اللغة. اه. ش ق (قوله: وشرعا: تمليك منفعة) أي بعقد، وخرج به، عقد النكاح، لأنه لا تملك به المنفعة، وإنما يملك به الانتفاع، فيستحق الزوج أن ينتفع بالبضع، ولا يستحق منفعة البضع، بدليل أنها لو وطئت بشبهة، كان المهر لها، لا له، فالعقد على منفعة البضع لا يسمى إجارة، بل يسمى نكاحا. وقوله بعوض: متعلق بتمليك، وخرج به، هبة المنافع والوصية بها وإعارتها، فلا تسمى إجارة، لأنها عقد على منفعة بلا عوض، وقوله بشروط آتية، خرج به المساقاة والجعالة، لأن من الشروط الآتية، كون العوض معلوما، وهما لا يشترط فيهما علم العوض، وإن كان قد يكون معلوما، كمساقاة على ثمرة موجودة، وجعالة على معلوم، فاندفع ما ورد على التعريف المذكور بأنه غير مانع، لصدقه على الجعالة وعلى المساقاة، نعم، يرد عليه بيع حق الممر، فإنه تمليك منفعة بعوض معلوم، وهو بيع، لا إجارة، وأجيب عنه بأنه ليس بيعا محضا، بل فيه شوب إجارة، وإنما سمي بيعا، نظرا لصيغته فقط، فهو إجارة معنى، وعلم من قوله تمليك منفعة، أن مورد الإجارة، المنفعة، سواء وردت على العين، كآجرتك هذه الدابة بدينار، أو على الذمة، كألزمت ذمتك

_ (1) سورة الطلاق، الاية: 6. (2) سورة الطلاق، الاية: 6.

هذا، أو أكريتك، أو ملكتك منافعه سنة: (بكذا، وقبول، كاستأجرته)، واكتريت، وقبلت. قال النووي في شرح المهذب، إن خلاف المعاطاة يجري في الاجارة والرهن والهبة، وإنما تصح الاجارة، (بأجر) صح كونه ثمنا (معلوم) للعاقدين، قدرا، وجنسا، وصفة، إن كان في الذمة، وإلا كفت معاينته في إجارة العين أو الذمة، فلا يصح إجارة دار ودابة بعمارة لها وعلف، ولا استئجار لسلخ شاة بجلد، ولطحن نحو بر ببعض دقيق (في ـــــــــــــــــــــــــــــ حملي إلى مكة بدينار، ولا يجب قبض الأجرة في المجلس في الواردة على العين، وتصح الحوالة بها، وعليها، والاستبدال عنها، وأما الواردة على الذمة، فيشترط فيها قبض الأجرة في المجلس، ولا تصح الحوالة بها، ولا عليها، ولا الاستبدال عنها، لأنها سلم في المنافع، فتجري فيها أحكام السلم (قوله: تصح إجارة بإيجاب) شروع في بيان الصيغة، وهي إما صريحة، كآجرتك، أو أكريتك هذا، أو منافعه، أو ملكتكها سنة بكذا، فيقبل المكتري، أو كناية، كجعلت لك منفعته سنة بكذا، أو اسكن داري شهرا بكذا، ومنها، الكتابة، والأصح منع انعقادها بقوله بعتك أو اشتريت منفعتها، لأن لفظ البيع والشراء موضوع لتمليك العين، فلا يستعمل في المنفعة. وجرى م ر على أنه ليس صريحا ولا كناية، وجرى حجر على أنه كناية، وما ذكره من الصيغ، لإجارة العين وإجارة الذمة، خلافا لمن خصها بإجارة العين، وتختص إجارة الذمة بنحو ألزمت ذمتك، أو سلمت إليك هذه الدراهم في خياطة هذا، أو في دابة صفتها كذا، أو في حملي إلى مكة (قوله: سنة) ظرف لمقدر، أي وانتفع به سنة، فهو على حد قوله تعالى: * (فأماته الله مائة عام) * (1) أي وألبثه مائة عام، وليس ظرفا لآجر وما بعده، لأنه إنشاء، وهو ينقضي بانقضاء لفظه، فلا يبقى سنة مثلا، قال في التحفة: فإن قلت: يصح جعله ظرفا لمنافعه المذكورة، فلا يحتاج لتقدير، وليس كالآية كما هو واضح. قلت: المنافع أمر مرهوم الآن، والظرفية تقتضي خلاف ذلك، فكان تقدير ما ذكر، أولى، أو متعينا اه. ومثله في النهاية. ونازع في ذلك سم، فليراجع وقوله بكذا: أي بعشرة مثلا، وأفهم كلامه أنه لا بد من التأقيت، وذكر الأجرة، لانتفاء الجهالة حينئذ، ولا يشترط أن يقول من الآن (قوله: إن خلاف المعاطاة يجري في الإجارة الخ) أي فالمعتمد أنها لا تصح فيها، ومقابله تصح، فلو أعطى مالك الدار الأجرة، وسلم له المالك المفاتيح، وسكن فيها من غير صيغة، كانت إجارة صحيحة على هذا، وفاسدة على الأول (قوله: وإنما تصح الإجارة بأجر) قدر متعلق الجار والمجرور، لئلا يلزم تعلق حرفي جر بمعنى واحد بعامل واحد، وقوله بأجر، أي بعوض، وقوله صح كونه ثمنا، أي بأن يكون طاهرا منتفعا به، مقدورا على تسلمه، فلا يصح جعل نجس العين والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره، وغير المنتفع به، وغير المقدور على تسلمه، كالمغصوب، أجرا، أي عوضا، لأن لا يصح جعله ثمنا (قوله: معلوم للعاقدين) صفة ثانية لأجر من الوصف بالمفرد بعد الوصف بالجملة. وقوله قدرا، أي كعشرة، وقوله وجنسا، أي كذهب أو فضة. وقوله وصفة أي كصحيح أو مكسر، ولا يقال يشكل على اشتراط العلم، صحة الاستئجار للحج بالنفقة، وهي مجهولة، كما جزم به في الروضة، لأنا نقول ليس ذاك بإجارة، بل نوع جعالة، وهي يغتفر فيها الجهل بالجعل، وقيل إنه مستثنى توسعة في تحصيل العبادة، وقوله إن كان أي ذلك الأجر في الذمة، أي التزم في الذمة، وهو قيد في اشتراط العلم في الأجر (قوله: وإلا كفت معاينته) أي وإن لم يكن في الذمة بأن كان معينا أغنت معاينته، أي رؤيته، عن علم جنسه، وقدره، وصفته (قوله: في إجارة العين أو الذمة) الظاهر أنه متعلق بكل من معلوم ومن كفت معاينته، والمعنى، يشترط في الأجر أي العوض، أن يكون معلوما، إذا كان في الذمة، سواء كانت الإجارة في العين، أو في الذمة، فإن لم يكن الأجر في الذمة، كفت معاينته، سواء كانت الإجارة في العين، أو في الذمة أيضا (قوله: فلا يصح إجارة دار ودابة الخ) أي للجهل في ذلك، قال في شرح المنهج: فإن ذكر معلوما، وأذن له خارج العقد في صرفه في العمارة أو العلف، صحت. اه. وقوله خارج العقد، فإن كان في صلبه، فلا يصح، كآجرتكها بدينار على أن تصرفه في عمارتها أو علفها للجهل بالصرف، فتصير الأجرة مجهولة، فإن صرف وقصد

_ (1) سورة البقرة، الاية: 259.

منفعة متقومة) أي لها قيمة (معلومة)، عينا، وقدرا، وصفة (واقعة للمكتري غير متضمن، لاستيفاء عين قصدا) بأن لا يتضمنه العقد. وخرج بمتقومة ما ليس لها قيمة، فلا يصح اكتراء بياع للتلفظ بمحض كلمة أو كلمات يسيرة على الاوجه، ولو إيجابا وقبولا، وإن روجت السلعة، إذ لا قيمة لها. ومن ثم اختص هذا بمبيع مستقر القيمة في البلد، كالخبز، بخلاف نحو عبد وثوب مما يختلف ثمنه باختلاف متعاطيه، فيختص بيعه، من البياع ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجوع رجع، وإلا فلا. اه. بجيرمي، وقوله بعمارة لها: أي للدار، وهو راجع للأول، وقوله علف، بسكون اللام، وفتحها، وهو بالفتح، ما يعلف به، وهو راجع للثاني، فهو على اللف والنشر المرتب (قوله: ولا استئجار لسلخ) أي ولا يصح استئجار لسلخ شاة بأخذ الجلد، ولا استئجار لطحن نحو بر بأخذ بعض الدقيق، وذلك للجهل بثخانة الجلد، وبقدر الدقيق، ولعدم القدرة على الأجرة حالا، وخرج بقوله ببعض الدقيق، ما لو استأجره ببعض البر ليطحن باقيه، فلا يمتنع، كما قاله ع ش (قوله: منفعته) متعلق بتصح: أي إنما تصح الإجارة في منفعة، وذكر لها أربعة شروط: كونها متقومة، وكونها معلومة، وكونها واقعة للمكتري، وكونها غير متضمنة استيفاء عين قصدا، وبقي عليه خامس: وهو كونها مقدورة التسلم حسا وشرعا، فلا يصح اكتراء شخص لما لا يتعب ولا مجهول، كأحد العبدين، ولا آبق ومغصوب وأعمى لحفظ، ولا اكتراء لعبادة تجب فيها نية لها، أو لمتعلقها، كالصلوات، وإمامتها، ولا اكتراء بستان لثمره، لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة قصدا، بخلافها تبعا، كما في الاكتراء للإرضاع (قوله: أي لها قيمة) أي ليحسن بذل المال في مقابلتها، وإلا بأن كانت محرمة أو خسيسة، كان بذل المال في مقابلتها سفها، وأفاد بهذا التفسير، أنه ليس المراد بالمتقوم ما قابل المثلي، بل كل ما كان له قيمة، ولو كان مثليا (قوله: معلومة عينا) أي في إجارة العين. وقوله وقدرا، أي فيهما. وقوله وصفه، أي في إجارة الذمة. قال البجيرمي: والمراد بعلم عين المنفعة وقدرها وصفتها، علم محلها كذلك، بدليل تمثيله بعد، بأحد العبدين اه. ثم التقدير للمنفعة، إما بالزمان، كسكنى الدار، وتعليم القرآن مثلا سنة، أو بمحل عمل، كركوب الدابة إلى مكة، وكخياطة هذا الثوب، فلو جمعها، كأن استأجره ليخيط الثوب بياض النهار، لم يصح، لأن المدة قد لا تفي بالعمل (قوله: واقعة للمكتري) أي واقعة تلك المنفعة للمكتري أو المستأجر (قوله: غير متضمن) الأولى أن يقول غير متضمنة، بتاء التأنيث، وتكون غير صفة لمنفعة، أو حالا من ضميرها. وعبارة المنهج: لا تتضمن، بالتاء الفوقية، وهي ظاهرة، وقوله بأن لا يتضمنه العقد، مثله في شرح المنهج، وهو تصوير لعدم تضمن المنفعة، أي استيفائها لاستيفاء العين قصدا (قوله: وخرج بمتقومة إلخ) شروع في بيان المحترزات (قوله: فلا تصح اكتراء بياع) أي دلال، وقوله بمحض كلمة انظر ما فائدة زيادة لفظ محض؟ وفي المنهاج إسقاطه، وهو أولى، قال في فتح الجواد، والفعل الذي لا تعب فيه، كالكلمة التي لا تعب فيها، نعم، في الإحياء يجوز أخذ الأجرة على ضربة من ماهر يصلح بها اعوجاج سيف، أي وإن لم يكن فيها مشقة، لأن من شأن هذه الصنائع، أن يتعب في تحصيلها بالأموال وغيرها، بخلاف الأقوال. اه. (قوله: على الأوجه) راجع للكلمات اليسيرة. وقوله ولو إيجابا، أي ولو كانت تلك الكلمة أو الكلمات إيجابا وقبولا، فلا يصح الاستئجار عليها (قوله: وإن روجت) أي تلك الكلمات أو الكلمات الصادرة من البياع. وفي القاموس، راج، رواجا، نفق وروجته ترويجا نفقته. اه. (قوله: إذ لا قيمة لها) أي الكلمة أو الكلمات اليسيرة، وهو علة لعدم صحة اكتراء من ذكر (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن عدم صحة اكتراء بياع للتلفظ بمحض كلمة أو كلمات يسيرة لانتفاء كونه له قيمة اختص هذا، أي عدم الصحة فيما ذكر، بمبيع مستقر القيمة في البلد، وفي النهاية خلافه، ونصها، وشمل كلام المصنف ما كان مستقر القيمة، وما لم يستقر، خلافا لمحمد بن يحيى، إلا أن يحمل كلامه على ما فيه تعب اه. وقوله خلافا لمحمد بن يحيى: أي حيث قال محل عدم صحة الإجارة على كلمة لا تتعب، إذا كان المنادي عليه مستقر القيمة. اه. ع ش (قوله: بخلاف نحو عبد وثوب) أي بخلاف الإكتراء على التلفظ بكلمة أو كلمات يسيرة، لأجل بيع نحو عبد أو ثوب، فإنه يصح، لأنه ليس مستقر القيمة، وهذا يقتضي الصحة مع عدم التعب في ذلك. وقال سم: بخلافه، وهو أنه إن كان فيه تعب، صح، وإلا فلا فرق. اه. بالمعنى وقوله مما يختلف

بمزيد نفع، فيصح استئجاره عليه. وحيث لم يصح، فإن تعب بكثرة تردد أو كلام، فله أجرة المثل، وإلا فلا. وأفتى شيخنا المحقق ابن زياد بحرمة أخذ القاضي الاجرة على مجرد تليقن الايجاب، إذ لا كلفة في ذلك، وسبقة العلامة عمر الفتى، بالافتاء بالجواز إن لم يكن ولي المرأة فقال إذا لقن الولي والزوج صيغة النكاح، فله أن يأخذ ما اتفقا عليه بالرضا، وإن كثر، وإن لم يكن لها ولي غيره فليس له أخذ شئ على إيجاب النكاح، لوجوبه عليه حينئذ، انتهى. وفيه نظر لما تقرر آنفا، ولا استئجار دراهم ودنانير غير المعراة للتزين، لان منفعة نحو التزيين بها لا تقابل بمال، وأما المعراة: فيصح استئجارها، على ما بحثه الاذرعي لانها حينئذ حلى، واستئجار الحلى صحيح قطعا. وبمعلومة، استئجار المجهول، فأجرتك إحدى الدارين باطل، وبواقعة للمكتري، ما يقع نفعها للاجير، فلا يصح الاستئجار لعبادة تجب فيها نية غير نسك، كالصلاة، لان المنعة في ـــــــــــــــــــــــــــــ الخ، بيان لنحو. وقوله باختلاف متعاطيه، أي مشتريه (قوله: فيصح استئجاره عليه) أي على بيعه. والمراد على التلفظ بكلمة أو كلمات يسيرة لأجل بيعه، كما علمت، قال ع ش: وكأنهم اغتفروا جهالة العمل هنا للحاجة، فإنه لا يعلم مقدار الكلمات التي يأتي بها، ولا مقدار الزمان الذي يصرف فيه التردد للنداء، ولا الأمكنة التي يتردد إليها. اه. (قوله: وحيث لم يصح) أي اكتراء بياع الخ: بأن كان على كلمة، أو كلمات لا تتعب، مع كون الثمن مستقر القيمة. وقوله فإن تعب، أي البياع، ولا يخفى أن الصورة مفروضة في الإكتراء على ما لا يتعب حتى لا يصح، فيكون التعب هذا عارضا غير الذي انتفي من أصل العقد وبه يندفع ما يقال إن في كلامه تنافيا، فتأمل (قوله: فله أجرة المثل) أي وإن كان ذلك غير معقود عليه، لأن المعقود لما لم يتم إلا به عادة، نزل منزلته، فلم يكن متبرعا به، لأنه عمل طامعا في عوض، وقوله وإلا فلا، أي وإن لم يتعب بما ذكر، فليس له أجرة المثل (قوله: إذ لا كلفة في ذلك) أي في مجرد تلقين الجواب، أي وما لا كلفة فيه لا يصح الاستئجار عليه (قوله: وسبقه) أي ابن زياد. وقوله العلامة عمر الفتى، بفتح التاء المخففة، وهو من العلماء المحققين، وله قبر مشهور، يزار في بيد. وقوله بالإفتاء بالجواز أي جواز أخذ القاضي الأجرة (قوله: إن لم يكن) أي القاضي ولي المرأة (قوله: فقال) أي العلامة عمر، وقوله إذا لقن، أي القاضي، وقوله صيغة النكاح، أي لقن الولي الإيجاب ولقن الزوج القبول (قوله: فله) أي للقاضي، وقوله أن يأخذ ما أنفقا، أي القاضي والمذكور من الولي والزوج، وقوله وإن كثر، أي ما اتفقا عليه (قوله: وإن لم يكن لها) أي للمرأة ولي غيره أي القاضي (قوله: لوجوبه) أي الإيجاب عليه، أي القاضي. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ لم يكن لها ولي غيره (قوله: وفيه نظر) أي في الإفتاء بالجواز بالقيد المذكور نظر، وقوله لما تقرر آنفا، أي من أنه لا كلفة في ذلك حتى يصح أخذ الأجرة عليه (قوله: ولا استئجار دراهم الخ) معطوف على إكتراء بياع: أي ولا يصح استئجار دراهم ودنانير. (وقوله: غير المعراة) أي المجعول فيها عرا، وسيذكر محترزه. (وقوله: للتزيين) أي لأجل التزيين بها، أي أو الوزن بها أو الضرب على سكتها، ولو قال لنحو التزيين، كما في العلة بعد، لكان أولى (قوله: لأن منفعة نحو التزيين بها) إضافة منفعة إلى ما بعده للبيان، أي منفعة هي نحو التزيين، والمراد من التزيين، التزين بها، (وقوله: لا تقابل بمال) أي فهي غير متقومة وعبارة المغني، لأن منفعة التزيين بالنقد غير مقومة، فلا تقابل بمال. اه. (قوله: وأما المعراة) مثلها المثقوبة، بناء على أنه يحل التزيين بها، أما على أنه لا يحل، فيحرم استئجارها. قال سم: والمعتمد حل التزيين بالمعراة دون المثقوبة اه. (قوله: لأنها) أي الدراهم أو الدنانير، (وقوله: حينئذ) أي حين إذ كانت معراة (قوله: بمعلومة) أي وخرج بمعلومة فهو معطوف على بمتقومه، وكذا يقال فيما بعده، (وقوله: استئجار المجهول) كان الأولى إسقاط المضاف، على وفاق ما قبله وما بعده (قوله: إحدي الدارين) أي أو الثوبين، (وقوله: باطل) خبر آجرتك (قوله: وبواقعة للمكتري) أي وخرج بواقعة للمكتري، أي المستأجر (قوله: فلا يصح الاستئجار لعبادة الخ) وذلك لأن القصد امتحان المكلف بها بكسر نفسه بالامتثال وغيره لا يقوم مقامه فيه، ولا يستحق الأجير شيئا، وإن عمل طامعا، كما يدل عليه قولهم كل ما لا يصح

ذلك للاجير لا المستأجر والامامة، ولو نقل كالتراويح، لان الامام مصل لنفسه، فمن أراد، اقتدي به، وإن لم ينو الامامة أما ما لا يحتاج إلى نية، كالاذان والاقامة فيصح الاستئجار عليه، والاجرة مقابلة لجميعه، مع نحو رعاية الوقت، وتجهيز الميت، وتعليم القرآن كله أو بعضه، وإن تعين على المعلم، للخبر الصحيح: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا: كتاب الله قال شيخنا في شرح المنهاج: يصح الاستئجار لقراءة القرآن عند القبر أو مع ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستئجار له، لا أجرة لفاعله، وإن عمل طامعا. اه. نهاية. قال ع ش: ومن ذلك ما يقع لكثير من أرباب البيوت، كالأمراء، أنهم يجعلون لمن يصلي بهم قدرا معلوما في كل شهر من غير عقد إجارة، فلا يستحقون معلوما، لأن هذه إجارة فاسدة، وما كن فاسدا، لكونه ليس محلا للصحة أصلا، لا شئ فيه للأجير، وإن عمل طامعا، فطريق من يصلي أن يطلب من صاحب البيت أو غيره أن ينذر له شيئا معينا، ما دام يصلي، فيستحقه عليه. اه. (قوله: تجب فيها نية) أي تجب في تلك العبادة نية، ولا فرق بين أن تكون النية للعبادة نفسها أو لمتعلقها كالإمامة، فإن النية، وإن لم تجب فيها، فهي واجبة في متعلقها، وهو الصلاة (قوله: غير نسك) بجر غير، صفة لعبادة، وبنصبه حال من ضمير فيها، وأما النسك، فيجوز الاستئجار له سواء كان حجا أو عمرة، ويتبعهما صلاة ركعتي نحو الطواف، لوقوعهما عن المستأجر، ومثله، تفرقه زكاة، وكفارة، وذبح، وتفرقه أضحية، وهدى، وصوم عن ميت، فيجوز الاستئجار لها وإن توقفت على النية، لما فيها من شائبة المال (قوله: لأن المنفعة الخ) تعليل لعدم صحة الاستئجار للعبادة المذكورة، (وقوله: في ذلك) أي في العبادة (قوله: والإمامة) معطوف على كالصلاة، أي وكالإمامة، وفي البجيرمي ما نصه: قال ح ل، ولا يبعد أن تكون الخطبة كالإمامة. اه. وما يقع من أن الإنسان يستنيب من يصلي عنه إماما بعوض، فذاك من قبيل الجعالة. اه. (قوله: كالأذان والإقامة) أي معا، أو الأذان وحده، وتدخل الإقامة تبعا، وعبارة فتح الجواد، وأذان وإقامة أوله فتدخل تبعا، لا لها وحدها قالوا: لعدم الكلفة. اه. وفي البجيرمي، ويدخل في الأذان الإقامة، ولا تجوز الإجارة لها، أي الإقامة وحدها، كذا قاله الرافعي، ولا يخلو عن وقفة. اه. قال ع ش: وينبغي أن يدخل في مسمى الأذان إذا استؤجر له ما جرت به العادة من الصلاة والسلام بعد ذلك في غير المغرب لأنهما وإن لم يكونا من مسماه شرعا صارا منه بحسب العرف. اه. (قوله: فيصح الاستئجار عليه) الضمير يعود على ما: أي فيصح الاستئجار على ما لا يحتاج لنية. (وقوله: والأجرة) مقابلة لجميعه الضمير يعود على ما أيضا، لكن باعتبار بعض أفراده، وهو الأذان، إذ أفراد ما لا يحتاج لنية كثيرة، ولا يناسب منهما إلا الأذان، بدليل قوله مع رعاية الوقت (وقوله: مع نحو رعاية الوقت) دخل تحت لفظ نحو كل ما له تعلق بالأذان، كرفع الصوت، وكالصلاة والسلام بعده في غير المغرب، كما تقدم، وعبارة الروض وشرحه، والأجرة تؤخذ عليه بجميع صفاته، لا على رفع الصوت، ولا على رعاية الوقت، ولا على الحيعلتين، كما قيل بكل منها. اه. وهي مخالفة لكلام الشارح، إلا أن يكون مراده، لا على رفع الصوت وحده الخ. (قوله: وتجهيز الميت) معطوف على الأذان، أي وكتجهيز الميت (قوله: تعليم القرآن الخ) معطوف أيضا على الأذان، أي وكتعليم القرآن. وقوله كله أو بعضه، أي مع تعيين ذلك البعض، وإلا فلا يصح قال في الروض وشرحه: لو استأجره ليعلمه عشر آيات من سورة كذا، لم يصح، حتى يعينها، لتفاوتها في الحفظ والتعليم، صعوبة وسهولة، ولو عين سورة كاملة: أغنى عن ذكر الآيات، وحتى يكون المتعلم مسلما، أو كافرا يرجى إسلامه، إذ غيره: لا يجوز تعليمه القرآن، فلا تجوز الإجارة له، ثم قال: لو كان المتعلم ينسى ما يتعلمه، فهل عليه أي الأجير، إعادة تعليمه، أو لا. يرجع فيه إلى العرف الغالب، فإن لم يكن عرف غالب، فالأوجه اعتبار ما دون الآية، فإذا علمه بعضها فنسيها قبل أن يفرغ من باقيها، لزم الأجير إعادة تعليمها. اه. (قوله: وإن تعين) أي التعليم على المعلم، بأن لم يوجد غيره، وهو غاية المقدر، أي ويصح الاستئجار على تعليم القرآن، وإن تعين عليه، (وقوله: للخبر الصحيح) تعليل لذلك المقدر (قوله: أجرا) أي أجرة (قوله: يصح الاستئجار الخ) حاصل ما ذكره أربع صور، وإن كان قوله الآتي ومع ذكره في القلب صورة مستقلة، وهي القراءة عند القبر، والقراءة لا عنده، لكن مع الدعاء عقبها، والقراءة بحضرة المستأجر والقراءة مع ذكره في القلب، وخرج بذلك، القراءة لا مع أحد

الدعاء بمثل ما حصل له من الاجر له أو لغيره عقبها، عين زمانا أو مكانا أو لا، ونية الثواب له غير دعاء لغو، خلافا لجمع، وإن اختار السبكي ما قالوه، وكذا أهديت قراءتي أو ثوابها له خلافا لجمع أيضا، أو بحضرة المستأجر، أي أو نحو ولده، فيما يظهر، ومع ذكره في القلب حالتها، كما ذكره بعضهم، وذلك لان موضعها موضع بركة وتنزل رحمة، والدعاء بعدها أقرب إجابة، وإحضار المستأجر في القلب سبب لشمول الرحمة له إذا نزلت على قلب القارئ، وألحق بها الاستئجار لمحض الذكر، والدعاء عقبه، وأفتى بعضهم، بأنه لو ترك من القراءة المستأجر عليها آيات، لزمه قراءة ما تركه، ولا يلزمه استئناف ما بعده. وبأن من استوءجر لقراءة على قبر، لا يلزمه عند الشروع أن ينوي أن ذلك عما استؤجر عنه، أي بل الشرط عدم الصارف. ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الأربعة، فلا يصح الاستئجار لها، ولو استؤجر لها، فقرأ جنبا، ولو ناسيا، لم يستحق شيئا، لأن القصد بالاستئجار لها، حصول ثوابها، لأنه أقرب إلى نزول الرحمة، وقبول الدعاء عقبها، والجنب، لا ثواب له على قراءته، بل على قصده في صورة النسيان، وقوله لقراءة القرآن عند القبر، أي مدة معلومة، أو قدرا معلوما، وإن لم يعقبها بالدعاء للميت، أو لم يجعل أجرها له، لعود منفعتها إليه بنزول الرحمة في محلها. اه. فتح الجواد (قوله: أو مع الدعاء) معطوف عند القبر، وكذا قوله أو بحضرة مستأجر، أي أو عند غير القبر مع الدعاء، وقوله بمثل ما حصل له، أي للقارئ وقوله من الأجر، بيان لما. وقوله له أو لغيره، تعميم في المدعو له، وهو متعلق بالدعاء، أي أو مع الدعاء بمثل ما حصل للقاري من الأجر، سواء كان ذلك الدعاء للميت أو لغير، كالمستأجر، وعبارة التحفة فيها إسقاط له الأولى، وإبدال اللام بالباء من لغيره، ونصها، أو مع الدعاء بمثل ما حصل من الأجر له أو بغيره. اه. وكتب سم ما نصه: قوله أو بغيره عطف على بمثل، والغير كالمغفرة. ش. اه. فلعل في عبارة شارحنا تحريفا من النساخ، تأمل (قوله: عقبها) أي القراءة وهو متعلق بالدعاء (قوله: عين) أي المستأجر زمانا أو مكانا أو لا. أي أنه يصح الإستئجار للقراءة مع الدعاء عقبها، سواء عين المستأجر للأجير زمانا، أو مكانا للقراءة أو لا (قوله: وفيه الثواب له) أي نية القارئ جعل ثواب القراءة له. أي للمدعو له وقوله من غير دعاء، أي عقبها. وقوله لغو: أي لأن ثواب القراءة للقارئ، ولا يمكن نقله للمدعو له (قوله: خلافا لجمع) أي قالوا إنه ليس بلغو، فعليه تصح الإجارة ويستحق الأجرة (قوله: وإن اختار السبكي ما قالوه) عبارة شرح الروض. بعد كلام. قال السبكي تبعا لابن الرفعة، بعد حمله كلامهم على ما إذا نوى القارئ أن يكون ثواب قراءته للميت بغير دعاء، على أن الذي دل عليه الخبر بالاستنباط، أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه، إذ قد ثبت أن القارئ لما قصد بقراءته نفع الملدوغ نفعه، وأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي بالقصد، كان نفع الميت بها أولى، لأنه يقع عنه من العبادات بغير إذنه، ما لا يقع عن الحي. اه. (قوله: وكذا أهديت الخ) أي وكذلك ما ذكر لغو، لعدم الدعاء (قوله: ومع ذكره في القلب حالتها) أي القراءة، وهو معطوف على بحضرة المستأجر، وهو يفيد أنه لا بد من اجتماع المستأجر، وذكره في القلب، ولا يكفي مجرد كون القراءة بحضرة من ذكر، وقد يقال قياس ما تقدم في القراءة عند القبر: خلافه، فإن كان قوله ومع ذكره الخ وجها مستقلا ليس من تتمة ما قبله، فلا إشكال. اه. سم. بتصرف (قوله: وذلك لأن موضعها) أي وإنما صح الاستئجار لقراءة القرآن مع أمر من هذه الأمور، لأن موضعها أي القراءة، موضع بركة، وهو علة لصحة الاستئجار عند القبر. وقوله والدعاء بعدها أقرب إجابة، علة لصحته مع الدعاء عقبها، وقوله وإحضار الخ. علة لصحته بحضرة المستأجر، فهو على اللف والنشر المرتب (قوله: وألحق بها) أي بالقراءة. وقوله والدعاء عقبه، معطوف على محض الدعاء، والواو بمعنى مع، أي الاستئجار بمحض الذكر مع الدعاء عقبه، أي الذكر (قوله: ولا يلزمه) أي الأجير (قوله: ما بعده) أي المتروك (قوله: وبأن) معطوف على بأنه، أي وأفتى بعضهم بأن من استؤجر الخ (قوله: أن ذلك) أي ما يقرؤه (قوله: بل الشرط عدم الصارف) أي أن لا

فإن قلت: صرحوا في النذر بأنه لا بد أن ينوي أنها عنه. قلت: هنا قرينة صارفة لوقوعها عما استؤجر له، ولا كذلك ثم، ومن ثم لو استؤجر هنا لمطلق القراءة وصححناه: احتاج للنية فيما يظهر أولا لمطلقها، كالقراءة بحضرته لم يحتج لها، فذكر القبر مثال، انتهى ملخصا. وبغير متضمن لاستيفاء عين ما تضمن استيفاءها، فلا يصح اكتراء بستان لثمرته، لان الاعيان لا تملك بعقد الاجارة قصدا، ونقل التاج السبكي في توشيحه اختيار والده التقي السبكي في آخر عمره، صحة إجارة ـــــــــــــــــــــــــــــ يصرف القراءة لغير ما استؤجر عنه (قوله: صرحوا في النذر) أي نذر القراءة. وقوله أن ينوي، أي عند الشروع، وقوله أنها، أي القراءة. وقوله عنه، أي عما نذره (قوله: قلت هنا) أي في الاستئجار للقراءة على القبر (قوله: قرينة صارفة) أي وهي كونه عند القبر (قوله: لوقوعها) متعلق بصارفه، والضمير يعود على القراءة، (وقوله: عما استؤجر له) متعلق بوقوعها، وعن: بمعنى اللام، أي أن هنا قرينة تصرف القراءة لما استؤجر له. اه. رشيدي. بتصرف (قوله: ولا كذلك ثم) أي وليس في النذر قرينة تصرف القراءة لما ذكر، وانظر: لو نذر القراءة عند القبر فمقتضاه أنه لا يحتاج لنية لوجود القرينة. ثم رأيت سم كتب على قول التحفة، قرينة صارفة، ما نصه: إن كانت كونه عند القبر، فقد يرد ما نذر القراءة عنده (قوله: ومن ثم لو استأجر هنا الخ) أي ومن أجل أن عدم وجوب النية لوجود القرينة لو استؤجر لمطلق القراءة على القول بصحته احتاج للنية، فيما يظهر، لفقد القرينة (قوله: وصححناه) أي قلنا بصحة استئجار مطلق القراءة، أي على خلاف ما مر من الحصر في الأربع، والمعتمد عدم الصحة، لأن شرط الإجارة، عود منفعتها للمستأجر، وليس هنا منفعة تعود عليه فيما إذا استؤجر لقراءة مطلقة (قوله: أو لا لمطلقها) أي أو استؤجر لا لمطلق القراءة، (وقوله: كالقراءة بحضرته) أي المقروء له، وقوله لم يحتج لها، أي النية (قوله: فذكر القبر) أي في قول بعضهم، من استؤجر لقراءة على قبر، (وقوله: مثال) أي لا قيد، إذ المدار، على وجود القرينة الصارفة، سواء كانت هي كونه عند القبر، أو كونه بحضرة المقروء له، أو غير ذلك. تنبيه: قال في التحفة، ما اعتيد في الدعاء بعد القراءة من: اجعل ثواب ذلك، أو مثله مقدما إلى حضرته - صلى الله عليه وسلم -، أو زيادة في شرفه، جائز، كما قاله جماعة من المتأخرين، بل حسن مندوب إليه، خلافا لمن وهم فيه، لانه - صلى الله عليه وسلم - أذن لنا بأمره بنحو سؤال الوسيلة له في كل دعاء له بما فيه زيادة تعظيمه الخ. اه. وفي ع ش: فائدة جليلة: وقع السؤال عما يقع من الداعين عقب الختمات من قولهم، إجعل اللهم ثواب ما قرئ زيادة في شرفه - صلى الله عليه وسلم -، ثم يقول، واجعل مثل ثواب ذلك، وأضعاف أمثاله، إلى روح فلان، أو في صحيفته، أو نحو ذلك، هل يجوز ذلك، أم يمتنع، لما فيه من إشعار تعظيم المدعو إليه بذلك، حيث اعتني به فدعا له بأضعاف مثل ما دعا به للرسول - صلى الله عليه وسلم -؟. أقول: الظاهر أن مثل ذلك لا يمتنع، لأن الداعي لم يقصد بذلك تعظيما لغيره عليه الصلاة والسلام، بل كلامه محمول على إظهار احتياج غيره للرحمة منه سبحانه وتعالى، فاعتناؤه به، للاحتياج المذكور، وللإشارة إلى أنه - صلى الله عليه وسلم -، لقرب مكانته من الله عزوجل، الإجابة بالنسبة له محققة، فغيره، لبعد رتبته عما أعطيه عليه الصلاة والسلام، لا تتحقق الإجابة له، بل قد لا تكون مظنونة - فناسب تأكيد الدعاء له، وتكريره رجاء الإجابة. اه (قوله: وبغير متضمن الخ) معطوف على بمتقومه، أي وخرج بغير متضمن لاستيفاء عين، ما تضمن استيفاءها: أي استئجار منفعة تضمن استيفاء عين، كاستئجار الشاة للبنها، وبركة لسمكها، وشمعة لوقودها، وبستان لثمرته، فكل ذلك لا يصح. وهذا مما تعم به البلوى، ويقع كثيرا (قوله: لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة قصدا) أي بخلافها تبعا، كما في اكتراء امرأة للإرضاع، فإنه يصح. لأن استيفاء اللبن تابع للمعقود عليه، وبيان ذلك: ان الإرضاع هو الحضانة الصغرى، وهي وضعه في الحجر وإلقامه الثدي، وعصره له لتوقفه عليها، فهي المعقود عليه، واللبن تابع إذا بالإجارة موضوعة للمنافع، وإنما الأعيان تتبع

الاشجار لثمرها، وصرحوا بصحة استئجار قناة أو بئر للانتفاع بمائها للحاجة. قال في العباب: لا يجوز إجارة الارض لدفن الميت لحرمة نبشه قبل بلائه، وجهالة وقت البلى (و) يجب (على مكر تسليم مفتاح دار) لمكتر، ولو ضاع من المكتري، وجب على المكري تجديده. والمراد بالمفتاح، مفتاح الغلق المثبت. أما غيره، فلا يجب تسليمه، بل ولا قفله، كسائر المنقولات. (وعمارتها)، كبناء وتطيين سطح، ووضع باب، وإصلاح منكسر. وليس المراد بكون ما ذكر واجبا على المكري أنه يأثم بتركه، أو أنه يجبر عليه، بل إنه إن تركه، ثبت للمكتري الخيار، كما بينته بقولي: (فإن بادر) وفعل ما عليه، فذاك (وإلا فللمكتري خيار) إن نقصته المنفعة، ـــــــــــــــــــــــــــــ للضرورة. ويشترط لصحة ذلك تعيين مدة الرضاع، ومحله، من بيته، أو بيت المرضعة، وتعيين الرضيع بالرؤية، أو بالوصف، لاختلاف الأغراض باختلاف حاله، وكما يصح الاستئجار للإرضاع الذي هو الحضانة الصغرى، يصح للحضانة الكبرى، ولهما معا والحضانة الكبرى: تربية صبي بما يصلحه، كتعهده بغسل جسده، وثيابه، ودهنه، وكحله، وربطه في المهد، وتحريكه لينام، ونحوها مما يحتاجه (قوله: ونقل التاج السبكي الخ) ضعيف (قوله: صحة إجارة الخ) مفعول اختيار المضاف لفاعله (قوله: وصرحوا) أي الفقهاء. (وقوله: بصحة استئجار قناة) عبارة الروض وشرحه، ويجوز للشخص استئجار القناة، وهي الجدول المحفور للزراعة، بمائها الجاري إليها من النهر، لا إستئجار القرار منها دون الماء، بأن استأجرها ليكون أحق بمائها الذي يحصل فيها بالمطر والثلج في المستقبل، لأنه استئجار لمنفعة مستقبلة. اه (قوله: ويجب على مكر) يعني يتعين لدفع الخيار الآتي، وليس المراد أنه يأثم بذلك لو تركه، كما سيبينه، (وقوله: تسليم مفتاح دار) أي تسليم مفتاح ضبة دار، أي مع الدار، وقوله لمكتر، أي مستأجر، وهو متعلق بتسليم، ويده على المفتاح يد أمانة، فإذا تلف بتقصيره، ضمنه، أو عدمه، فلا (قوله: ولو ضاع) أي المفتاح. (وقوله: وجب على المكري تجديده) أي ولو ضاع من المكتري بتقصيره، لكن عليه القيمة في هذه الحالة، فإن أبى، لم يجبر، ولم يأثم، لكن يتخير المكتري (قوله: والمراد بالمفتاح) أي الذي يجب على المكري (قوله: الغلق المثبت) أي كالضبة المسمرة (قوله: أما غيره) أي أما مفتاح غير الغلق المثبت، فلا يجب تسليمه (قوله: بل ولا قفله) بالجر، عطف على ضمير تسليمه، أي ولا يجب تسليم قفله، ويجوز فيه الرفع، على أنه بعد حذف المضاف أقيم مقامه، فارتفع ارتفاعه، وعبارة الفتح مع الأصل، وعلى مكر أيضا مفتاح لغلق مثبت تبعا له، بخلاف قفل منقول ومفتاحه، وإن اعتيد، وهو أمانة بيده، فلا يضمنه بتلفه بلا تفريط، وجدده إذا ضاع أو تلف، ولو بتقصير، لكن له، مع التقصير، قيمته. اه (قوله: كسائر المنقولات) أي التي في الدار كالأبواب المقلوعة السرر، من كل ما لا يدخل في الدار إذا بيعت، والكاف للتنظير في عدم وجوب تسليمه على المكري (قوله: وعمارتها) بالرفع: معطوف على تسليم، أي ويجب على المكري أيضا عمارة الدار (قوله: كبناء) أي للخراب الذي في الدار، وهو تمثيل للعمارة (قوله: وتطيين سطح) أي وضع الطين فيه (قوله: ووضع باب) أي انقلع، ومثله، وضع ميزاب، وإعادة رخام، سواء قلعه المكري، أو غيره، قال في التحفة: ولا نظر لكون الفائت به مجرد الزينة، لأنها غرض مقصود (قوله: وإصلاح منكسر) أي من الأخشاب المغلقة، أو غير الأخشاب (قوله: وليس المراد بكون ما ذكر) أي من تسليم مفتاح الدار، ومن عمارتها (قوله: أنه) أي المكري. (وقوله: يأثم بتركه) أي كما هو تفسير الوجوب شرعا (قوله: أو أنه يجبر عليه) أي على ما ذكر، فالضمير يعود على ما وليس عائدا على الترك، كما هو ظاهر، أي وليس المراد بكون ما ذكر واجبا، أنه يجبر عليه. قال البجيرمي: ومحل عدم وجوب العمارة في حق من يؤجر مال نفسه، أما الوقف، فيجب على الناظر العمارة، حيث كان فيه ريع - وفي معناه: المتصرف بالاحتياط - كولي المحجور عليه، بحيث لو لم يعمر، فسخ المستأجر الإجارة، وتضرر المحجور عليه. اه (قوله: بل أنه الخ) أي بل المراد بكون ما ذكر واجبا على المكري، أنه إن تركه ثبت الخيار للمكتري. (والحاصل) المراد بالوجوب: التعين بالنسبة لدفع الخيار، كما علمت (قوله: كما بينته) أي هذا المراد (قوله:

(وعلى مكتر. تنظيف عرصتها) أي الدار، (من كناسة)، وثلج، والعرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها شئ من بناء، وجمعها: عرصات، (وهو) أي المكتري (أمين) على العين المكتراة (مدة الاجارة) إن قدرت بزمن، أو مدة إمكان الاستيفاء إن قدرت بمحل عمل، (وكذا بعدها) ما لم يستعملها، استصحابا لما كان، ولانه لا يلزمه الرد ولا مؤنته، بل لو شرط أحدهما عليه، فسد العقد. وإنما الذي عليه، التخلية، كالوديع، ورجح السبكي أنه كالامانة الشرعية، فيلزمه إعلام مالكها بها أو الرد فورا، وإلا ضمن. والمعتمد خلافه. وإذا قلنا ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن بادر) أي المكري. (وقوله: وفعل ما عليه) أي وفعل الأمر الذي وجب عليه، من تسليم المفتاح وعمارة الدار، أي قبل مضي مدة لمثلها أجرة (قوله: فذاك) أي واضح، وهو جواب إن (قوله: وإلا) أي وإن لم يبادر بفعل ما عليه، فللمكتري خيار، أي فإن شاء فسخ عقد الإجارة، وإن شاء أمضاه (قوله: إن نقصته المنفعة) أي بعدم العمارة وإصلاح الخلل، وذلك لتضرره بنقصها. قال في شرح المنهج: نعم، إن كان الخلل مقارنا للعقد، وعلم به، فلا خيار له. اه (قوله: وعلى مكتر تنظيف عرصتها) معطوف على قوله على مكر إلخ، من عطف المفردات، أي ويجب على مكتر ذلك، وليس المراد بالوجوب أنه يلزم المكتري نقله، بل المراد أنه لا يلزم المؤجر ذلك، (وقوله: من كناسة وثلج) متعلق بتنظيف، أي يجب تنظيفها من الكناسة ومن الثلج، أما الكناسة، وهي ما تسقط من القشور، والطعام، ونحوهما، فلحصولها بفعله، وأما الثلج، فللتسامح بنقله عرفا. وفي البجيرمي ما نصه: (والحاصل) أن إزالة الكناسة كالرماد، وتفريغ نحو الحش كالبالوعة، على المؤجر مطلقا، إلا ما حصل منها بفعل المستأجر، فعليه في الدوام، وكذا بعد الفراغ في نحو الكناسة، لجريان العادة بنقلها شيئا فشيئا، وليس المراد بكون شئ من ذلك على المستأجر بمعنى نقله إلى نحو الكيمان، بل المراد جمعه في محل من الدار معتاد له فيها، ويتبع في ربط الدوات، العادة. ق ل. قال م ر: وبعده انقضاء المدة يجبر المكتري على نقل الكناسة. اه (قوله: والعرصة الخ) عبارة المصباح، عرصة الدار، ساحتها، وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء، والجمع عراص، مثل كلبة، وكلاب، وعرصات، مثل سجدة، وسجدات، وفي التهذيب، وسميت ساحة الدار عرصة لأن الصبيان يعرصون فيها، أي يلعبون ويمرحون. اه بحذف (قوله: وهو) أي المكتري أمين على العين المكتراة، أي سواء انتفع بها أم لا، إذ لا يمكن استيفاء المنفعة بدون وضع يده عليها، ومع ذلك لو ادعى على المؤجر، لم يصدق، إلا ببينة، لأن القاعدة، أن كل أمين ادعى الرد على من ائتمنه، صدق بيمينه، إلا المرتهن، والمستأجر (قوله: وكذا بعدها) أي وكذلك يكون أمينا فيها بعد مدة الاجارة (وقوله: ما لم يستعملها) قيد في كونه أمينا فيها بعد مدة الاجارة وسيأتي محترزه (قوله: استصحابا لما كان) علة لقوله وكذا بعدها، أي وإنما يكون أمينا بعدها أيضا استصحابا لما كان، أي من أمانته قبل انقضائها (قوله: ولأنه لا يلزمه الرد) أي بعد انقضائها، أي وإذا لم يلزمه الرد بعد ذلك، بقي على ما كان عليه من الأمانة، وقوله ولا مؤنته، أي الرد (قوله: بل لو شرط أحدهما) أي الرد أو المؤنة في العقد. (وقوله: عليه) أي على المكتري، (وقوله: فسد العقد) أي عقد الإجارة، وهو جواب لو (قوله: وإنما الذي عليه الخ) أي وإنما الواجب عليه، أي المكتري، (وقوله: التخلية) أي يخلي بينها وبين مالكها، بأن لا يستعملها، ولا يحبسها لو طلبها (قوله: كالوديع) أي نظير الوديع، فإنه لا يلزمه الرد، وإنما يلزمه التخلية، وإذا كان المكتري كالوديع لزمه ما يلزمه، من دفع ضرر عن العين المؤجرة، من حريق، ونهب، وغيرهما، إذ قدر على ذلك، من غير خطر (قوله: ورجح السبكي أنه كالأمانة الشرعية) الضمير يعود على ما ذكر من العين المكتراة، ويصح رجوعه للمستأجر، ويقدر مضاف بعد الكاف: أي أنه كذي الأمانة، وعبارة النهاية، وما رجحه السبكي، من أنها كالأمانة الشرعية فعليه إعلام مالكها بها أو ردها فورا، وإلا ضمنها، غير معول عليه، لظهور الفرق بأن هذا وضع يده عليه بإذن مالكه ابتداء، بخلاف ذي الأمانة الشرعية. اه. ويعلم من الفرق المذكور، ضابط الأمانة الشرعية، والجعلية، وأن الأولى، هي التي لم يأذن المالك في وضع اليد عليها ابتداء، وإنما أذن الشارع في ذلك حفظا

بالاصح أنه ليس عليه إلا التخلية، فقضيته أنه لا يلزم إعلام المؤجر بتفريغ العين، بل الشرط أن لا يستعملها، ولا يحبسها لو طلبها. وحينئذ يلزم من ذلك أنه لا فرق بين أن يقفل باب نحو الحانوت بعد تفريغه أو لا. لكن قال البغوي: لو استأجر حانوتا شهرا، فأغلق بابه، وغاب شهرين، لزمه المسمى للشهر الاول، وأجرة المثل للشهر الثاني. قال شيخنا في شرح المنهاج: وما ذكره البغوي، في مسألة الغيبة، متجه، ولو استعمل العين بعد المدة لزمه أجرة المثل، (كأجير) فإنه أمين، ولو بعد المدة أيضا، (فلا ضمان على واحد منهما) فلو اكترى دابة، ولم ينتفع بها فتلفت، أو اكتراه لخياطة ثوب أو صبغه فتلف، فلا يضمن، سواء انفرد الاجير باليد أم لا، كأن قعد ـــــــــــــــــــــــــــــ لها، والثانية: هي التي أذن المالك في ذلك ابتداء (قوله: فيلزمه) أي المكتري، وهذا مفرع على أنه كالأمانة الشرعية، (وقوله: إعلام مالكها بها) أي بالعين، وانظر ما المراد بإعلامه بذلك؟ ثم ظهر من كلامه بعد، أن المراد إعلامه بتفريغها من أمتعته (قوله: والمعتمد خلافه) أي خلاف ما رجحه السبكي، لما علمت من الفرق (قوله: أنه) أي المكتري، والمصدر المؤول بدل من الأصح (قوله: ليس عليه) أي بعد انقضاء المدة، وقوله إلا التخلية، أي بين العين ومالكها (قوله: فقضيته) أي قضية كونه ليس عليه إلا التخلية (قوله: لو طلبها) أي المالك (قوله: وحينئذ يلزم من ذلك الخ) أي وحين إذ كان ليس عليه إلا التخلية، يلزم منه أنه لا فرق في التخلية بين أن يغلق باب نحو الحانوت أو لا، ولا تتوقف التخلية على عدم غلقه لبابه، وهذا ما جرى عليه في التحفة (قوله: لكن قال البغوي إلخ) جرى عليه في النهاية، ونصها، وعلى الأول، الأصح لا يلزم المكتري إعلام المكري بتفريغ العين، كما هو مقتضى كلامهم، بل الشرط أن لا يستعملها، ولا يحبسها، وإن لم يطلبها، فلو أغلق الدار، أو الحانوت بعد تفريغة، لزمته الأجرة، فيما يظهر، فقد صرح البغوي بأنه لو استأجر إلخ. اه (قوله: قال شيخنا في شرح المنهاج) عبارته بعد عبارة البغوي التي ذكرها الشارح، قال وقد رأيت الشيخ القفال قال: لو أستأجر دابة يوما، فإذا بقيت عنده، ولم ينتفع بها، ولا حبسها عن مالكها، لا تلزمه أجرة المثل لليوم الثاني، لأن الرد ليس واجبا عليه، وإنما عليه التخلية إذا طلب مالكها، بخلاف الحانوت، لأنه في حبه وعلقته، وتسليم الحانوت والدار لا يكون إلا بتسليم المفتاح. اه. وما قاله في الدابة، واضح، وفي الحانوت والدار، من توقف التخلية فيهما على عدم غلقه لبابهما، فيه نظر. ولا نسلم له ما علل به، لأن التسليم لهما هنا يحصل وإن لم يدفع المؤجر له مفتاحهما. نعم، ما ذكره البغوي، في مسألة الغيبة، متجه لأن التقصير حينئذ من الغائب، لأن غلقه مع غيبته مانع للمالك من فتحه، لاحتمال أن له، أي للغائب، فيه شيئا. اه. بحذف (قوله: ولو استعمل العين الخ) هذا محترز قوله ما لم يستعملها. قال سم: خرج باستعمالها، مجرد بقاء الأمتعة فيها، فلا أجرة، كما قدمته، وكذا مجرد بقاء البناء والغراس فيها، وقد شرط الإبقاء بعد المدة أو أطلق، فلا أجرة، كما قدمته عن الروض. اه. (وقوله: بعد المدة) أي بعد انقضاء مدة الإجارة، (وقوله: لزمه أجرة المثل) أي بالنسبة لما بعد المدة، وتكون من نقد البلد الغالب في تلك المدة، وعليه الضمان (قوله: كأجير: فإنه أمين) أي على ما استؤجر لحفظه، أو للعمل فيه - كالراعي، والخياط، والصباغ، شوبرى (قوله: ولو بعد المدة) أي مدة الإجارة إن قدرت بزمن، أي أو بعد تمام العمل إن قدرت بعمل، كخياطة وغيرها، (وقوله: أيضا) أي كالمكتري (قوله: فلا ضمان الخ) تفريع على كون المكتري والأجير أمينين، (وقوله: على واحد منهما) أي من المكتري والأجير (قوله: فلو اكترى الخ) تفريع على عدم تضمين واحد منهما، وهذا هو المكتري (قوله: ولم ينتفع بها) هذا ليس بقيد كما في البجيرمي، بل مثله. ما إذا انتفع بها، لكن الانتفاع المأذون له فيه (قوله: فتلفت) أي الدابة بآفة سماوية (قوله: أو اكتراه) أي شخص، فالفاعل يعود على معلوم من المقام (قوله: لخياطة ثوب) أي أو لحراسة (قوله: أو صبغه) بفتح أوله مصدرا، قال في المصباح: وصبغت الثوب صبغا، من بابي، نفع، وقتل، وفي لغة، من باب ضرب. اه (قوله: فتلف) أي الثواب بآفة سماوية (قوله: فلا يضمن) جواب لو والفاعل يعود على كل من المكتري ومن الأجير المعبر عنه بقوله أو اكتراه، كما علمت، قال البجيرمي: ومع عدم ضمان الأجير هو

المكتري معه حتى يعمل، أو أحضره منزله ليعمل، (إلا بتقصير) كأن ترك المكتري الانتفاع بالدابة فتلفت بسبب، كانهدام سقف اصطبلها عليها في وقت لو انتفع بها فيه عادة سلمت، وكأن ضربها، أو أركبها أثقل منه. ولا يضمن أجير لحفظ دكان مثلا إذا أخذ غيره ما فيها. قال الزركشي: إنه لا ضمان أيضا على الخفير، وكأن استأجره ليرعى دابته فأعطاها آخر يرعاها فيضمنها كل منهما، والقرار على من تلفت بيده. وكأن أسرف خباز في الوقود، أو مات المتعلم من ضرب المعلم، فإنه يضمن، ويصدق الاجير في أنه لم يقصر، ما لم يشهد خبيران ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يستحق الأجرة، لأنه لم يسلم العين كما تسلمها، فلو تعجلها، وجب عليه ردها لصاحبها، ومنه ما يقع من دفع كراء المحمول معجلا، ثم تغرق السفينة قبل وصولها مكان التسليم، فإنه يجب على المتعجل ردها، لتبين عدم استحقاقها. اه. بتصرف (قوله: سواء انفرد الأجير باليد) أي كأن عمل وحده (قوله: كأن قعد الخ) هو وما بعده مثالان لما إذا لم ينفرد بالعمل. وقوله أو أحضره منزله: أي وإن لم يقعد معه، أو حمل المتاع ومشي خلفه، لثبوت يد المالك عليه حكما. اه. تحفة (قوله: إلا بتقصير) مرتبط بالمتن، أي فلا ضمان على المكتري والأجير إلا إن حصل منهما تقصير حتى تلف ما تحت يدهما (قوله: كأن ترك الخ) تمثيل لما إذا حصل منهما تقصير في ذلك (قوله: كانهدام سقف الخ) تمثيل للسبب في التلف، (وقوله: في وقت لو انتفع الخ) المراد، كما في البجيرمي، ويؤخذ من عبارة سم أنه حصل الانهدام في وقت جرت العادة بالانتفاع بها فيه وتركه، وخرج به، ما لو حصل الانهدام في وقت لم تجر العادة بالانتفاع بها فيه وتركه، فإنه لا يضمن، لأنه لا يعد مقصرا بترك الانتفاع فيه وهذا هو المراد وإن كانت الجملة الشرطية لا تفيده، فتنبه. قال سم، هذا التفصيل المذكور. في الدابة ينبغي جريانه في غيرها، كثوب استأجره للبسه، فإذا ترك لبسه وتلف، أو غصب في وقت لو لبسه سلم من ذلك، ضمنه، فليتأمل. اه. وقال في فتح الجواد، والضمان بذلك، أي بالانهدام، ضمان جناية، لا يد على الأوجه فلو لم يتلف، لم يضمن. قال الزركشي، ويضمن لو سافر به في وقت لم يعتد السير فيه فتلف أو غصب اه. وقوله سلمت، أي من التلف بذلك السبب. قال البجيرمي: ووجه كونه تعديا أنه لما نشأ الانهدام عليها، من ترك الانتفاع بها فيه، كان كأنه بفعله، اه. ولو ترك الانتفاع وتلفت بسبب غيره، كما لو لدغتها حية أو نحوها، لم يضمن، عند الرملي (قوله: وكأن ضربها) عطف على كأن ترك، والمراد: ضربها فوق العادة ومثله ما لو نخعها باللجام كذلك، بخلاف ما لو كان مثل العادة فيهما فلا يضمن، وقوله أو أركبها أثقل منه، أي أو حملها مائة رطل شعير بدل مائة رطل بر، أو عكسه، وذلك لاجتماع مائة البر بسبب ثقلها في محل واحد، والشعير لخفته يأخذ من ظهر الدابة أكثر، فتتضرر بذلك، وضررهما مختلف (قوله: ولا يضمن أجير الخ) أي لعدم تقصيره، لأنه لم يسلم إليه المتاع، وإنما هو بمنزلة حارس سكة سرق بعض بيوتها، قال ش ق: ويعلم منه أن خفراء الأسواق بمصر أو الدواب بالأرياف، لا ضمان عليهم، لعدم تقصيرهم، ولا يلزمهم إلا إيقاظ الملاك بالنداء، لا دفع اللصوص، فإن قصروا بنوم أو نحوه، ضمنوا، وإن لم يسلم لهم البهائم، لأن ذلك ليس بشرط، ولو في أول ليلة، خلافا لبعضهم، بل الشرط، أن يعرفوا ما يحرسونه. اه. (وقوله: إذا أخذ غيره) أي غير الأجير. (وقوله: ما فيها) أي الدكان، وعبارة المغني: الأجير لحفظ الدكان مثلا لا ضمان عليه إذا أخذ ما فيه، لأنه لا يدله على المال. اه. وقوله ما فيه أي الدكان. ويعلم من عبارتنا، مع عبارة المغني، أن الدكان يذكر ويؤنث، فانظره. ثم رأيت البجيرمي كتب على قول المنهج، في آخر مبحث زكاة الماشية، ما نصه، قوله ودكان، بضم الدال المهملة، وهو الحانوت، وفي المصباح، أنه يذكر ويؤنث، وأنه اختلف في نونه: فقيل أصلية، وقيل زائدة، فعلى الأول، وزنه فعلال، وعلى الثاني، فعلان. اه. فتفطن (قوله: لا ضمان أيضا) أي كما لا ضمان على الأجير لحفظ دكان. وقوله على الخفير، أي الحارس مطلقا في الأسواق، أو الأرياف، كما علم مما مر (قوله: وكأن استأجره ليرعى دابته) عطف على قوله كأن ترك المكتري. قال سم: ظاهره ولو ذمة، ففي الضمان نظر. اه. وقوله فيضمنها كل منهما أي من الأجير الأول، والأجير الثاني، وقوله والقرار على من تلفت بيده، أي حيث كان عالما، وإلا فالقرار على الأول. شرح م ر (قوله: وكأن أسرف خباز في الوقود) أي حتى احترق الخبز، وهو معطوف

بخلافه. ولو اكترى دابة ليركبها اليوم ويرجع غدا، فأقام بها ورجع في الثالث، ضمنها فيه فقط، لانه استعملها فيه تعديا. ولو اكترى عبدا لعمل معلوم، ولم يبين موضعه، فذهب به من بلد العقد إلى آخر، فأبق: ضمنه مع الاجرة. فرع: يجوز لنحو القصار حبس الثوب، كرهنه، بأجرته حتى يستوفيها. (ولا أجرة) لعمل: كحلق رأس، ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا على كأن ترك الخ. والوقود، بفتح الواو، ما يوقد به قال تعالى: * (وقودها الناس والحجارة) * (1) وبالضم: الفعل (قوله: أو مات الخ) معطوف على أسرف، أو على ترك، أي وكأن مات المتعلم من ضرب المعلم. قال ع ش: وإن كان مثله معتادا للتعليم، لكن يشكل وصفه حينئذ بالتعدي وقد يجاب عنه بما يأتي، من أن التأديب كان ممكنا بالقول، وظن عدم إفادته إنما يفيد الإقدام، وإذا مات تبين أنه متعد به. اه. وعبارة الروض وشرحه، ولو ضرب الأجير الصبي للتأديب والتعليم فمات، فمتعد لأن ذلك ممكن بغير الضرب. اه (قوله: ويصدق الأجير) يعني لو اختلفا في التقصير وعدمه، صدق، الأجير بيمينه في عدمه، لأنه الأصل (قوله: ما لم يشهد خبيران بخلافه) أي بخلاف ما ادعاه الأجير. قال ع ش، ومفهومه أنه لا يكفي رجل وامرأتان، ولا رجل ويمين، وهو ظاهر، لأن الفعل الذي وقع التنازع فيه، ليس مالا، وإن ترتب عليه الضمان. اه (قوله: ولو اكتري) أي شخص. وقوله اليوم، أي يوم الاستئجار، وقوله غدا، أي بعد يوم الاستئجار (قوله: فأقام) أي المكتري للدابة. وقوله بها: أي بالدابة (قوله: ورجع) أي إلى محله. وقوله في الثالث، أي اليوم الثالث (قوله: ضمنها فيه) أي في الثالث، قال ع ش، أي ضمان يد، أخذا من قوله الاستعمال الخ، وعليه أجرة مثل اليوم الثالث، وأما الثاني، فيستقر فيه المسمى، لتمكنه من الانتفاع فيه مع كون الدابة في يده، والكلام فيما إذا تأخر، لا لنحو خوف، وإلا فلا ضمان عليه، ولا أجرة لليوم الثالث، لأن الثاني لا يحسب عليه. اه. وقوله فقط، أي غير الأول والثاني (قوله: لأنه استعملها الخ) قال سم: أنظر لو لم يستعملها؟ اه (قوله: ولم يبين موضعه) أي العمل، كمحل العقد، أو غير، وقوله فذهب، أي المكتري، وقوله به، أي بالعبد، وقوله إلى آخر، أي إلى بلد آخر، أي غير بلد العقد (قوله: فأبق) أي العبد، أي هرب (قوله: ضمنه) قال ع ش: هذا قد يشكل على ما مر من جواز السفر بالعين، حيث لا خطر، فإن مقتضاه عدم الضمان بتلفها في السفر، إلا ان يصور ما هنا بما لو استأجر القن لعمل لا يكون السفر طريقا لاستيفائه، كالخياطة، دون الخدمة، وما مر، بما إذ استؤجرت العين لعمل يكون السفر من طرق استيفائه كالركوب والحمل، فليراجع. اه. (وقوله: مع الأجرة) أي أجرة العبد، وظاهره، ولو لم يستوف به العمل (قوله: يجوز لنحو القصار) هو المبيض للثياب. قال في القاموس: وقصرت الثوب قصرا بيضته. والقصارة، بالكسر، الصناعة. والفاعل قصار. اه. ويندرج تحت لفظ نحو: الخياط، والراعي. وعبارة التحفة: ومر أوائل المبيع قبل قبضه أن للمستأجر حبس ما استؤجر عليه للعمل فيه ثم لاستيفاء أجرته، ومحله، ما إذا لم يتعدد، وإلا كاستأجرتك لكتابة كذا كل كراس بكذا، فليس له حبس كراس على أجرة آخر، لأن الكراريس حينئذ بمنزلة أعيان مختلفة. اه. وقوله حبس الثوب، أي عنده وقوله كرهنه أي الثوب، وظاهره أن الكاف للتنظير، وأنه يجوز لنحو القصار أن يرهن الثوب عند غيره بأجرته من غير إذن مالكه، وليس كذلك، فالصواب، التعبير باللام، بدل الكاف، والمعنى: يجوز لنحو القصار حبس الثوب عنده قبل استيفائه الأجرة، لأنه مرهون بأجرته. ثم رأيت في التحفة، التعبير باللام، في كتاب المساقاة، ونصها: (فرع) أذن لغيره في زرع أرضه فحرثها وهيأها للزراعة، فزادت قيمتها بذلك، فأراد رهنها، أو بيعها مثلا من غير إذن العامل: لم يصح لتعذر الانتفاع بها بدون ذلك العمل المحترم فيها، ولأنها صارت مرهونة في ذلك العمل الزائد به قيمتها، وقد صرحوا بأن لنحو القصار حبس الثوب لرهنه بأجرته حتى يستوفيها. اه (قوله: حتى يستوفيها) أي نحو القصار الأجرة من المكتري (قوله: ولا أجرة لعمل الخ) في البجيرمي: ومن هذه القاعدة ما لو جلس إنسان عند طباخ،

_ (1) سورة البقرة، الاية: 24.

وخياطة ثوب، وقصارته، وصبغه بصبغ مالكه (بلا شرط) الاجرة. فلو دفع ثوبه إلى خياط ليخيط، أو قصار ليقصره، أو صباغ ليصبغه، ففعل، ولم يذكر أحدهما أجرة، ولا ما يفهمها، فلا أجرة له، لانه متبرع. قال في البحر: ولانه لو قال اسكني دارك شهرا، فأسكنه، لا يستحق عليه أجرة إجماعا، وإن عرف بذلك العمل بها، لعدم التزامها. ولا يستثنى وجوبها على داخل حمام، أو راكب سفينة مثلا بلا إذن، لاستيفائه المنفعة من غير أن يصرفها صاحبها إليه بخلافه بإذنه. أما إذا ذكر أجرة، فيستحقها قطعا إن صح العقد، وإلا فأجرة المثل. وأما إذا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أطعمني رطلا من اللحم، ولم يسم ثمنا، فأطعمه، لم يستحق عليه قيمته، لأنه بالتقديم له، مسلط له عليه، وليس هذا من البيوع الفاسدة حتى يضمن بالإتلاف، لأنه لم يذكر فيه الثمن. والبيع إن صح أو فسد: يعتبر فيه ذكر الثمن. اه. من القول التام في آداب دخول الحمام، لابن العماد (قوله: كحلق رأس الخ) تمثيل للعمل (قوله: وقصارته) أي الثوب، وهو بكسر القاف: تبييضه (قوله: وصبغه) بفتح الصاد. (وقوله: بصبغ) بكسر الصاد، ما يصبغ به. قال في القاموس. الصبغ، بكسر الصاد - والصبغة، والصباغ أيضا: كله بمعنى، وهو ما يصبغ به، ومنهم من يقول، الصباغ جمع صبغ، مثل بئر وبئار. اه. (وقوله: بصبغ مالكه) أي مالك الثوب، ومفاده إنه إذا كان صبغه بصبغ نفسه، استحق الأجرة، فانظره، فإنه أطلق في التحفة والنهاية مع الأصل والروض وشرحه، ولم يقيدوا بصبغ مالكه، ولا بصبغ نفسه (قوله: بلا شرط الأجرة) وهو يحصل بذكرها، أو بذكر ما يقتضيها. ولو قال بلا ذكر ما يقتضي الأجرة، لكان أولى، ليوافق التفريع بعد (قوله: فلو دفع الخ) تفريع على المنطوف (قوله: ففعل) أي من ذكر من الخياط والقصار والصباغ المأذون له فيه، وأفرد الضمير، مع أن المرجع جمع، لأن العطف بأو، وهي للأحد الدائر، أو باعتبار تأويله بالمذكور (قوله: لا ما يفهمها) أي لم يذكر أحدهما ما يفهمها، أي الأجرة، كأن قال اعمل وأنا أرضيك، أو لا أخيبك، أو ما ترى مني إلا ما يسرك، أو اعمل وأنا أثيبك، ونحو ذلك، وفي هذه، يستحق أجرة المثل، كما سيذكره بقوله، أما إذا عرض بها الخ (قوله: فلا أجرة له) جواب لو، وضمير له، يعود أيضا على من ذكر. وفي شرح الروض: قال الأذرعي، والأشبه أن عدم استحقاقه الأجرة، محله إذا كان حرا، مكلفا، مطلق التصرف، فلو كان عبدا، أو محجورا عليه بسفه، أو نحوه، استحقها إذ ليسوا من أهل التبرع بمنافعهم المقابلة بالأعواض. اه (قوله: لأنه متبرع) أي فهو لم يعمل طامعا (قوله: ولأنه لو قال الخ) عطف على قوله، لأنه متبرع (قوله: لا يستحق عليه) أي على سكناه الدار. قال ع ش، ومثله ما جرت به العادة، من أنه يتفق أن إنسانا يتزوج امرأة ويسكن بها في بيت أهلها مدة، ولم تجر بينهما تسمية أجرة ولا ما يقوم مقام التسمية، لكن قول الشارح أسكني دارك شهرا الخ، يفهم وجوب الأجرة في هذه المسألة، وهو ظاهر. اه (قوله: وإن عرف بذلك العمل بها) غاية لقوله ولا أجرة بلا شرط، واسم الإشارة عائد على عدم الشرط المفهوم من قوله بلا شرط، والباء الداخلة عليه بمعنى مع، والعمل نائب فاعل عرف، والضمير في بها، عائد على الأجرة، أي لا أجرة بلا شرط، وإن عرف أن هذا العمل يكون بالأجرة مع عدم الشرط. قال البجيرمي: وفي سم، قوله وإن عرف بذلك العمل، لكن أفتى الروياني باللزوم في المعروف بذلك، وقال ابن عبد السلام: هو الأصح، وأفتى به خلق من المتأخرين، وعليه عمل الناس الآن، ويعلم منها أن الغاية للرد. اه (قوله: لعدم التزامها) علة لما تضمنته الغاية، أي لا أجرة له إذا كان معروفا عمله بها، لعدم التزام الأجرة في مقابلة عمله، وهي عين الأولى، أعني قوله لأنه متبرع، فلو اقتصر على إحداهما لكان أخصر (قوله: ولا يستثنى وجوبها) أي الأجرة من القاعدة المذكورة، أعني ولا أجرة لعامل بلا شرط - إذ هو ليس من أفرادها، إذ العامل فيها صرف منفعته بنفسه، وداخل الحمام أو راكب السفينة استوفاها من غير أن يصرفها صاحبها إليه (قوله: أو راكب سفينة) في فتح الجواد، وكداخل الحمام، راكب السفينة، لكن بحثه ابن الرفعة أنه متى علم به مالكها حين سيرها، لم يستحق شيئا، كما لو وضع متاعه على دابة غيره فسيرها مالكها، فإنه لا أجرة له (قوله: بخلافه بإذنه) أي بخلاف ما إذا كان دخول الحمام أو ركوب السفينة بإذن صاحبها، فإنه صاحبها، فإنه لا أجرة عليه كالأجير.

عرض بها، كأرضيك، أو لا أخيبك، أو ترى ما يسرك، فيجب أجرة المثل (وتقررت) أي الاجرة التي سميت في العقد (عليه) أي المكتري (بمضي مدة) في الاجارة المقدرة بوقت أو مضي مدة إمكان الاستيفاء في المقدرة بعمل (وإن لم يستوف) المستأجر المنفعة، لان المنافع تلفت تحت يده، وإن ترك لنحو مريض، أو خوف طريق، إذ ليس على المكري إلا التمكين من الاستيفاء، وليس له، بسبب ذلك، فسخ ولا رد إلى تيسير العمل (وتنفسخ) الاجارة (بتلف مستوفى منه معين) في العقد، كموت نحو دابة وأجير معينين، وانهدام دار، ولو بفعل المستأجر (في) زمان (مستقبل) لفوات محل المنفعة فيه، لا في ماض بعد القبض إذا كان لمثله أجرة، ـــــــــــــــــــــــــــــ (تنبيه) قال في المغني: ما يأخذه الحمامي، أجرة الحمام والآلة، من سطل، وإزار، ونحوهما، وحفظ المتاع، لا ثمن الماء، كما مرت الإشارة إليه، لأنه غير مضبوط، فلا يقابل بعوض. فالحمامي مؤجر، أي للآلة، وأجير مشترك في الأمتعة، فلا يضمنها كسائر الأجراء، والآلة غير مضمونة على الداخل، لأنه مستأجر لها، ولو كان مع الداخل الآلة، ومن يحفظ المتاع، كان ما يأخذه الحمامي أجرة الحمام فقط. اه (قوله: أما إذا ذكر أجرة) محترز قوله ولم يذكر أحدهما أجرة (قوله: فيستحقها) أي يستحق العامل الأجرة. وقوله قطعا، أي بلا خوف، وقوله إن صح العقد، أي بأن استكمل الشروط المارة (قوله: وإلا فأجرة المثل) أي وإن لم يصح العقد فيستحق أجرة المثل، لا المسمى (قوله: وأما إذا عرض بها) محترز قوله ولا ما يفهمها. وقوله فيجب أجرة المثل: أي لأنه لم يعمل متبرعا (قوله: وتقررت: أي الأجرة الخ) أي استقرت كلها بمضي مدة الاجارة، وقولهم تملك الأجرة بالعقد معينة كانت أو في الذمة، معناه أنها تملك ملكا مراعى بمعنى أنه كلما مضى زمان على السلامة، بان أن المؤجر استقر ملكه منها على ما يقابل ذلك إن قبض المكتري العين أو عرضت عليه فامتنع فلا تستقر كلها إلا بمضي المدة (قوله: في الإجارة المقدرة الخ) لو قال للإجارة في المقدرة بوقت، لكان أولى لأن المدة للإجارة، ولأنه أنسب بقوله بعد في المقدرة بعمل، فإنه حذف منه لفظ الإجارة (قوله: وإن لم يستوف الخ) غاية لتقرر الأجرة: أي تتقرر الأجرة بذلك على المستأجر، سواء استوفى المنفعة أم لا، كأن لم يسكن الدار، ولم يركب الدابة (قوله: لأن المنافع تلفت تحت يده) أي المستأجر، فهو المقصر بترك الانتفاع (قوله: وإن ترك لنحو مرض) غاية ثانية لما ذكر: أي تستقر الأجرة على المكتري وإن ترك الانتفاع بها لما ذكر (قوله: إذ ليس الخ) علة لما تضمنته الغاية قبله، أي وإنما استقرت الأجرة إذا ترك الانتفاع لنحو مرض أو خوف طريق، لأنه ليس على المؤجر إلا تمكين المستأجر من الانتفاع من العين المؤجرة (قوله: وليس له بسبب ذلك الخ) أي ليس للمكتري بسبب المرض أو خوف الطريق أو نحوهما: فسخ لعقد الإجارة ولا رد للعين المؤجرة إلى أن يتيسر له العمل فيها فيسترجعها منه. مبحث انفساخ الإجارة (قوله: وتنفسخ الإجارة الخ) شروع فيما يقتضي الانفساخ للإجارة وما يقتضي الخيار (قوله: بتلف مستوفى منه) أي حسا كان ذلك التلف، كمثال للشارح، أو شرعا، كحيض امرأة اكتريت لخدمة مسجد مدة معينة، وقوله معين في العقد، سيذكر محترزه (قوله: كموت نحو الخ) تمثيل للتلف الحاصل للمستوفى منه، وقوله وأجير، معطوف على نحو، وهو من أفراده، فالعطف من عطف الخاص على العام (قوله: وانهدام دار) أي وكانهدام دار، ومحل كونه موجبا للانفساخ، إذا كان كلها، أما انهدام بعضها، فيثبت الخيار للمستأجر، ما لم يبادر المؤجر، ويصلحها قبل مضي زمن لا أجرة له، ولم يقيد الدار بكونها معينة، لأن إجارة العقار لا تكون إلا إجارة عين (قوله: ولو بفعل المستأجر) أي ولو كان التلف حاصلا بفعل المستأجر، فإنه يكون موجبا للإنفساخ، ويكون هذا مستثنى من قولهم، من استعجل بشئ قبل أوانه، عوقب بحرمانه، ويلزمه بإتلاف نحو الدابة، قيمتها، وبإتلاف نحو الدار، أرش نقصها، لا إعادة بنائها. قال في المغني:

لاستقراره. بالقبض، فيستقر قسطه من المسمى باعتبار أجرة المثل، وخرج بالمستوفى منه، غيره مما يأتي وبالمعين في العقد، المعين عما في الذمة، فإن تلفهما: لا يوجب انفساخا، يل يبدلان، ويثبت الخيار على التراخي، على المعتمد، بعيب نحو الدابة المقارن إذا جهله، والحادث لتضرره، وهو ما أثر في المنفعة تأثيرا ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإن قيل) لو أتلف المشتري المبيع استقر عليه الثمن، ولا ينفسخ البيع، فهلا كان المستأجر كذلك؟ (أجيب) بأن البيع ورد على العين، فإذا أتلفها، صار قابضا لها، والإجارة واردة على المنافع، ومنافع الزمن المستقبل معدومة، لا يتصور ورود الإتلاف عليها. اه (قوله: في زمان مستقبل) متعلق بتنفسخ، أي تنفسخ بالنظر للزمان المستقبل وقوله لفوات محل المنفعة، وهو العين، وهو علة لكون الإجارة تنفسخ بالنسبة للمستقبل، وقوله فيه، أي في المستقبل (قوله: لا في ماض) معطوف على في زمان مستقبل، أي لا تنفسخ بالنظر للزمن الماضي، وقوله بعد القبض، قيد في عدم الانفساخ بالنظر لما مضى، أي لا تنفسخ بالنظر لذلك بشرط أن يكون التلف حصل بعد القبض، وخرج به. ما إذا كان التلف قبل القبض، فإنها تنفسخ في جميع ما مضى وما يأتي، كما في المغني، (وقوله: إذا كان لمثله أجره) أي إذا كان لمثل الماضي، أي لمثل منفعة المستوفى منه في الزمان الماضي أجرة، وهو قيد في القيد ولو قال، كما في المغنى، وكان لمثله أجرة، لكان أولى. وخرج به، ما إذا لم يكن لمثله أجرة، فإنها تنفسخ في الجميع، كما في المغنى وعبارته: أما إذا كان قبل القبض، أو بعده ولم يكن لمثله أجرة، فإنه ينفسخ في الجميع. اه (قوله: لاستقراره) أي الماضي: أي أجرته. (وقوله: بالقبض) أي قبض المنفعة، أي استيفائها وهو علة لعدم الانفساخ في الماضي (قوله: فيستقر قسطه) أي الماضي، (وقوله: من المسمى) أي في العقد، (وقوله: باعتبار أجرة المثل) أي لكل زمن بما يناسبه فتقوم منفعة المدة الماضية والباقية، ويوزع المسمى على نسبة قيمتها وقت العقد، دون ما بعده، لا على نسبة المدتين، إذ قد تزيد أجرة شهر على شهور، فلو كانت مدة الإجارة مثلا سنة، ومضى نصفها، وكان المسمى ثلاثين، وأجرة مثل الماضي عشرون، وجب من المسمى ثلثاه، وهكذا (قوله: وخرج بالمستوفى منه غيره مما يأتي) وهو المستوفي، والمستوفى به، والمستوفى فيه. وفي البجيرمي، أنظر صورة المستوفى فيه؟ ولعلها إذا حصل في الطريق خوف يمنع السير فيها. اه (قوله: وبالمعين الخ) أي وخرج بالمستوفى منه المعين في القعد، المستوفى منه المعين عما في الذمة، بأن كانت الإجارة ذمية، وسلم المؤجر للمستأجر مستوفى منه معينا عما في ذمته (قوله: فإن تلفهما) أي تلف غير المستوفى منه، وتلف المعين عما في الذمة (قوله: بل يبدلان) أي غير المستوفى منه والمعين عما في الذمة، فيجوز إبدال المستوفي إذا تلف بغيره، كراكب بآخر، وساكن بآخر، والمستوفى به بغيره، كمحمول من طعام، وغيره، والمستوفى فيه، كالطريق بغيره، لأنه يجوز مع السلامة كما سيذكره قريبا، فمع التلف أولى، ويجوز إبدال المعين عما في الذمة إذا تلف بغيره، بل يجب، كما ستعرفه (قوله: يثبت الخيار) أي في إجارة العين، كما يدل عليه قوله بعد، ولا خيار في إجارة الذمة الخ، وقوله على التراخي، أي لأن الضرر يتكرر بتكرر الزمان، وجعله في الروض على التراخي، في عيب يتوقع زواله، وإلا فعلى الفور، وعبارته مع شرحه: وإن رضي المستأجر بعيب يتوقع زواله لم ينقطع خياره، لأن الضرر يتجدد ويتعذر قبض المنفعة، فهو كما لو تركت المطالبة بعد مدة الإيلاء والفسخ بعد ثبوت الإعسار، لها العود إليه، وإلا بأن لا يتوقع زواله، انقطع خياره، لأنه عيب واحد، وقد رضي به. اه (قوله: على المعتمد) مقابله يقول إن الخيار على الفور (قوله: بعيب نحو الدابة) متعلق بيثبت، ونحو الدابة، العبد الأجير، والدار (قوله: المقارن) أي للعقد، وهو صفة لعيب، (وقوله: إذا جهله) أي المكتري، أما إذا علمه، فلا خيار (قوله: والحارث) أي بعد العقد في يد المكتري (قوله: لتضرره) أي المكتري بذلك العيب، وهو علة لثبوت الخيار به (قوله: وهو ما أثر الخ) أي العيب الذي يثبت الخيار وهو ما يؤثر في المنفعة أثرا يظهر له تفاوت في الأجرة، ككونها تعثر، أو تتخلف عن القافلة، لا كخشونة مشيها، كما جزم به الشيخان، وخالف ابن الرفعة، فجعله عيبا، وصوبه الزركشي، قال: وبه جزم الرافعي في عيب

يظهر به تفاوت أجرتها، ولا خيار في إجارة الذمة بعيب الدابة، بل يلزمه الابدال. ويجوز في إجارة عين وذمة استبدال المستوفي، كالراكب، والساكن، والمستوفى به كالمحمول، والمستوفى فيه كالطريق بمثلها، أو بدون مثلها، ما لم يشترط عدم الابدال في الآخرين. فرع: لو استأجر ثوبا للبس المطلق، لا يلبسه وقت النوم ليلا، وإن اطردت عادتهم بذلك، ويجوز لمستأجر الدابة مثلا منع المؤجر من حمل شئ عليها. فائدة: قال شيخنا: إن الطبيب الماهر، أي بأن كان خطوه نادرا، لو شرطت له أجرة، وأعطي ثمن الادوية، فعالجه بها، فلم يبرأ، استحق المسمى، إن صحت الاجارة، وإلا فأجرة المثل. وليس للعليل الرجوع ـــــــــــــــــــــــــــــ المبيع، قال في المغني، وجمع بين ما هنا وبين ما هناك، بأن المراد هنا خشونة لا يخاف منها السقوط، بخلافه هناك. اه. وقوله تفاوت أجرتها، أما القيمة فليس ظهور التفاوت معتبرا فيها، لأن مورد العقد هنا، المنفعة، لا العين، حتى تعتبر القيمة (قوله: ولا خيار في إجارة الذمة الخ) هذا يدل على أن قوله أولا ويثبت الخيار الخ مفروض في إجارة العين، كما علمت، وقول بعيب الدابة، أي ونحوها. ومثل العيب - بالأولى، التلف (قوله: بل يلزمه) أي المكري الإبدال، أي لأن المعقود عليه في الذمة يثبت فيها بصفة السلامة، وهذا غير سليم، فإذا لم يرض به المكتري، رجع إلى ما في الذمة، فإن عجز المكري عن إبدالها، تخير المكتري، كما قاله الأذرعي (قوله: ويجوز في إجارة عين أو في ذمة استبدال الخ) أي لأنه لا ضرر فيه. وقوله المستوفي، بكسر الفاء، اسم فاعل. وقوله كالراكب والساكن، أي واللابس (قوله: والمستوفى به) أي ويجوز إبدال ما تستوفى المنفعة به. (وقوله: كالمحمول) أي من طعام أو غيره، أي وكالثوب المعين للخياطة، والصبي المعين للتعليم أو الارتضاع، (وقوله: والمستوفى فيه) أي ويجوز إبدال ما تستوفي فيه المنفعة، كالطريق (قوله: بمثلها) أي المذكورات، وهو متعلق باستبدال، أي يجوز استبدال المستوفى بمثله، أي طولا، وقصرا، وضخامة، ونحافة، وغيرها، واستبدال المستوفى به بمثله كذلك، والمستوفى فيه بمثله، كطريق بمثله، لا بأصعب منه، ولا أطول، ولا أخوف، وقوله أو بدون مثلها، هذا مفهوم بالأولى (قوله: ما لو يشترط) أي المكري علي المكتري عدم الإبدال، فإن اشترط عليه، اتبع. (وقوله: في الآخرين) أي المستوفى به والمستوفى فيه، ولا يجوز اشتراطه في الأول، أي المستوفي، بكسر الفاء. فإن شرطه، بطل العقد، لما فيه من الحجر عليه من جهة أنه لا يؤجره لغيره، فأشبه منع بيع المبيع (قوله: فرع) الأولى فرعان بصيغة التثنية (قوله: للبس المطلق) أي غير المقيد بليل أو نهار (قوله: وإن اطردت عادتهم بذلك) أي بلبسه وقت النوم، وخالف بعضهم فقال: لا يلبسه وقت النوم إن اعتيد ذلك بذلك المحل، وإلا لم يجب نزعه مطلقا، وعبارة الروض وشرحه، ليس له النوم ليلا في ثوب مستأجر للبلس. قال الرافعي، عملا بالعادة، نعم. لا يلزمه نزع الإزار، كذا قاله المصنف في شرح الإرشاد، وقال الأذرعي: الظاهر أن المراد غير التحتاني، كما يفهمه تعليل الرافعي، اه. وظاهر كلام الأصحاب: الأول، وطريقه، إذا أراد النوم فيه أن يشرطه وينام فيه نهارا، ولو غير القيلولة، ساعة أو ساعتين، لا أكثر النهار، عملا بالعرف، بل لا في القميص الفوقاني، أي لا ينام فيه، ولا يلبسه كل وقت، بل إنما يلبسه عند التجمل في الأوقات التي جرت العادة فيها بالتجمل، كحال الخروج إلى السوق ونحوه، ودخول الناس عليه اه (قوله: ويجوز لمستأجر الدابة الخ) أي لأنه استحق جميع منفعتها، فله أن يمنع المؤجر من التصرف فيه بما يزاحم حقه، وقوله مثلا: أي أو عبدا (وقوله: من حمل شئ عليها) قال سم: أي كتعليق مخلاة عليها. اه (قوله: قال شيخنا) أي في التحفة، ولفظها، اقتضى كلامهم، وصرح به بعضهم، أن الطبيب الماهر، أي بأن كان خطؤه نادرا، وإن لم يكن ماهرا في العلم، فيما يظهر، لأنا نجد بعض الأطباء استفاد من طول التجربة والعلاج ما قل به خطؤه جدا. وبعضهم لعدم ذلك ما كثر به خطؤه، فتعين الضبط بما ذكرته لو شرطت له، إلى آخر ما ذكره الشارح (قوله: وأعطى ثمن الأدوية) أي زيادة على الأجرة (قوله: فعالجه بها) أي فعالج الطبيب المريض بالأدوية التي أخذ

عليه بشئ، لان المستأجر عليه المعالجة لا الشفاء، بل إن شرط، بطلت الاجارة، لانه بيد الله تعالى لا غير. أما غير الماهر، فلا يستحق أجرة ويرجع عليه بثمن الادوية، لتقصيره بمباشرته بما ليس له بأهل. ولو اختلفا: أي المكري والمكتري (في أجرة أو مدة) أو قدر منفعة، هل هي عشرة فراسخ، أو خمسة؟ أو في قدر المستأجر: هل هو كل الدار، أو بيت منها؟ (تحالفا، وفسخت)، أي الاجارة، ووجب على المكتري أجرة المثل لما استوفاه. فرع: لو وجد المحمول على الدابة مثلا ناقصا نقصا يؤثر، وقد كاله المؤجر، حط قسطه من الاجرة، إن ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمنها (وقوله: فلم يبرأ) أي المريض بمعالجة الطبيب (قوله: استحق المسمى) أي الأجرة التي سميت في العقد (قوله: إن صحت الإجارة) كأن قدرت بزمان معلوم. ع ش (قوله: وإلا فأجرة المثل) أي وإن لم تصح استحق أجرة المثل (قوله: الرجوع عليه) أي على الطبيب (قوله: لأن المستأجر عليه) بفتح الجيم، أي لان الشئ الذي استؤجر عليه هو المعالجة، لا الشفاء (قوله: بل أن شرط) أي الشفاء في عقد الإجارة (قوله: لأنه) أي الشفاء بيد الله تعالى. قال في التحفة: نعم إن جاعله عليه، صح، ولم يستحق المسمى إلا بعد وجوده. اه (قوله: أما غير الماهر) هذا مفهوم قوله الماهر، (وقوله: فلا يستحق أجرة) في سم ما نصه، هل استئجاره صحيح أو لا؟ إن كان الأول: فقد يشكل الحكم الذي ذكره، وإن كان الثاني، فقد يقيد الرجوع بثمن الأدوية بالجهل بحاله. م ر. فليحرر. اه. قال ع ش: والظاهر الثاني، ولا شئ له في مقابلة عمله، لأنه لا يقابل بأجرة، لعدم الانتفاع به، بل الغالب على عمل مثله الضرر. اه (قوله: لتقصيره الخ) أي لتقصير غير الماهر بسبب مباشرته للأمر الذي هو لبس بأهل له، فجميع الضمائر تعود على غير الماهر، ما عدا ضمير له، فإنه يعود على ما (قوله: ولو اختلفا إلخ) عقد له في الروض فصلا مستقلا، وما ذكره عين عبارته (قوله: في أجرة) أي في قدرها: هل هي خمسة دراهم، أو عشرة مثلا؟ (قوله: أو مدة) أي قدرها أيضا، هل هي شهر أو سنة؟ (قوله: أو قدر منفعة) أي قدر الانتفاع بالدابة مثلا؟ وقوله هل هي عشرة فراسخ أو خمسة، بيان للاختلاف في قدر المنفعة، أي هل الانتفاع بالدابة يكون في عشرة فراسخ أو خمسة؟ (قوله: أو في قدر المستأجر) بفتح الجيم: أي أو اختلفا في الشئ الذي له استؤجر، هل هو كل الدار أو بعضها؟ (قوله: تحالفا) أي المكري والمكتري، وهو جواب لو: أي يحلف كل منهما يمينا يجمع نفيا لدعوى صاحبه وإثباتا لدعواه (قوله: أجرة المثل لما استوفاه) أي من منفعة المستأجر، بفتح الجيم (قوله: فرع) الأولى فرعان (قوله: لو وجد الخ) يعني لو وجد المستأجر ما حمله على دابة المؤجر من نحو البر أو الشعير ناقصا عما شرطه عليه، كأن شرط عليه في عقد الإجارة حمل عشرة آصع مثلا، فما حمل إلا تسعة، فإن كان الذي كاله ناقصا عما ذكر هو المؤجر، وكانت الإجارة ذمية: حط قسط من الأجرة قدر النقص، وهو عشرها في الصورة المذكورة، لأنه لم يف بالمشروط. وإن كان الذي كاله ناقصا هو المستأجر نفسه، وأعطاه للمؤجر ليحمله، أو كانت الإجارة عينية، بأن كان استأجر دابته ليحمل عليها عشرة آصع، فما حمل عليها إلا تسعة، لم يحط شئ من الأجرة، لأنه هو الذي رضي على نفسه بالنقص وكان قادرا على الاستيفاء، ومحله في الإجارة العينية، ما إذا علم المستأجر بالنقص، أما إذا لم يعلم به، بأن أذن للمؤجر في الكيل، فكان ناقصا عن المشروط، فإنه يحط أيضا من أجرته بقدر النقص، وهذا كله مصرح به الروض وشرحه، وعبارته: (فرع) وإن كان المحمول على الدابة ناقصا عن المشروط نقصا يؤثر، بأن كان فوق ما يقع به التفاوت بين الكيلين، أو الوزنين، وقد كاله المؤجر حط قسطه من الأجرة، إن كانت الإجارة في الذمة، لأنه لم يف بالمشروط أولا كذلك، بل كانت إجارة عين، لكن لم يعلم المستأجر النقص، فإن علمه لم يحط شئ من الأجرة، لأن التمكين من الاستيفاء قد حصل، وذلك كاف في تقرير الأجرة، فهو كما لو كال المستأجر بنفسه ونقص. أما النقص الذي لا يؤثر، فلا عبرة به، اه. بقي ما لو كاله المؤجر أو المستأجر تاما، كما شرط في العقد، ثم سرق بعضه، فهل يضمن المؤجر النقص

كانت الاجارة في الذمة وإلا لم يحط شئ من الاجرة. ولو استأجر سفينة فدخلها سمك، فهل هو له، أو للمؤجر؟ وجهان. ـــــــــــــــــــــــــــــ مع حط الأجرة أو لا يضمن؟ قياس ما مر من عدم الضمان إلا بتقصير فيما لو اكتراه لخياطة ثوب فتلف انه هنا كذلك، فتنبه (قوله: ولو استأجر) أي شخص، وقوله سفينة، أي أو نحوها كسنبوك، أو مركب، أو بابور (قوله: فدخلها) أي السفينة (قوله: فهل هو) أي السمك وقوله له، أي للمستأجر (قوله: وجهان) قال في المغني: حكاهما ابن جماعة في فروقه، أوجههما، أنه للمستأجر، لأنه ملك منافع السفينة ويده عليها، فكان أحق به. اه. (تتمة) في بيان أحكام الجعالة التي تركها المؤلف وكان حقه أن يذكرها تبعا لغيره من الفقهاء، واختلفوا في موضع ذكرها، فمنهم من ذكرها عقب الإجارة، كالغزالي، وصاحب التنبيه، وتبعهم في الروضة لاشتراكهما في غالب الأحكام، إذ الجعالة لا تخالف الإجارة إلا في خمسة أحكام، أحدها صحتها على عمل مجهول عسر علمه، كرد الضالة والآبق، فإن لم يعسر علمه، اعتبر ضبطه، كما سيأتي، إذ لا حاجة إلى احتمال الجهل حينئذ. ثانيها: صحتها مع غير معين، كأن يقول من رد ضالتي فله علي كذا. ثالثها: كونها جائزة من الطرفين، طرف الجاعل، وطرف العامل. رابعها: العامل لا يستحق الجعالة إلا بعد تمام العمل. خامسها: عدم اشتراط القبول، ومنهم من ذكرها عقب اللقطة، وهم الجمهور، وتبعهم النووي في منهاجه، نظرا إلى ما فيها من التقاط الضالة، وهي بتثليث الجيم لغة، ما يجعل للإنسان على فعل شئ، سواء كان بعقد، أو بغيره، وشرعا التزام عوض معلوم على عمل معين أو مجهول عسر علمه، وأركانها إجمالا أربعة، وكلها قد تضمنها التعريف المذكور، الركن الأول: العاقد، وهو الملتزم للعوض، ولو غير المالك، والعامل، وشرط في الأول، اختيار، وإطلاق تصرف، فلا تصح التزام مكره، وصبي، ومجنون، ومحجور سفه، وفي الثاني: ولو كان غير معين، علمه بالالتزام، فلو قال إن رد آبقي زيد فله كذا، فرده غير عالم بذلك، لم يستحق شيئا، والمثال الأول للمعين، والثاني لغيره، وشرط فيه أيضا، إذا كان معينا، أهلية العمل، فيصح ممن هو أهل له، ولو عبدا، وصبيا، ومجنونا، ومحجور سفه، بخلاف صغير لا يقدر على العمل، لأن منفعته معدومة، فالجعالة معه كاستئجار أعمى للحفظ، وهو لا يصح، فكذلك هذا الركن الثاني: الصيغة، وهي من طرف الجاعل، لا العامل، فلا يشترط قبول منه لفظا، بل يكفي العمل منه، وشرط فيها عدم التأقيت، لأن التأقيت قد يفوت الغرض، الركن الثالث، الجعل وشرط فيه ما شرط في الثمن، فما لا يصح ثمنا لكونه مجهولا أو نجسا، لا يصح جعله جعلا، ويستحق العامل أجرة المثل في المجهول والنجس المقصود، كخمر، وجلد ميتة، فإن لم يكن مقصودا، كدم، فلا شئ له. الركن الرابع: العمل وشرط فيه كلفة، وعدم تعينه، فلا جعل فيما لا كلفة فيه، كأن قال من دلني على مالي فله كذا، فدله عليه، وهو بيد غيره، ولا كلفة، ولا فيما تعين، كأن قال من رد مالي فله كذا، فرده من تعين عليه الرد لنحو غصب، لأن ما لا كلفة فيه وما تعين عليه شرعا، لا يقابلان بعوض، ولو حبس ظلما فبذل مالا لمن يخلصه بجاهه أو غيره كعلمه وولايته، جاز، لأن عدم التعين صادق بكون العمل فرض كفاية. ولا فرق في العمل بين كونه معلوما، وكونه مجهولا عسر علمه للحاجة، كما في القراض، فإن لم يعسر علمه، اشترط ضبطه، ففي بناء حائط، يذكر موضعه، وطوله، وعرضه، وارتفاعه، وما يبنى به، وفي الخياطة، يعتبر وصفها ووصف الثوب، والأصل فيها قبل الإجماع، خبر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو الراقي، وذلك أنه كان مع جماعة من الصحابة في السفر، فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فلم يضيفوهم، فباتوا بالوادي، فلدغ رئيس ذلك الحي، فأتوا له بكل دواء، فلم ينجع، أي لم ينفع بشئ، فقال بعضهم لبعض، سلوا هذا الحي الذي نزل عندكم، فسألوهم، فقالوا هل فيكم من راق، فإن سيد الحي لدغ؟ فقالوا نعم، ولكن لا يكون ذلك إلا بجعل، لكونهم لم يضيفوهم، فجعلوا لهم قطيعا من الغنم،

تتمة: تجوز المساقاة وهي أن يعامل المالك غيره على نخل أو شجر عنب مغروس معين في العقد مرئي ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان ثلاثين رأسا، وكانت الصحابة كذلك، فقرأ عليه أبو سعيد، الفاتحة ثلاث مرات فكأنما نشط من عقال وإنما رقاه بالفاتحة، دون غيرها، لانه - صلى الله عليه وسلم - قال: فاتحة الكتاب شفاء لكل داء، ثم توقفوا في ذلك فقالوا، كيف نأخذ أجرا على كتاب الله تعالى؟ فلما قدموا المدينة أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وسألوه عن ذلك، فقال: إن أحق - وفي رواية إن أحسن - ما أخذتم عليه أجرا، كتاب الله تعالى زاد بعضهم: اضربوا لي معكم بسهم وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك تطييبا لقلوبهم، لا طلبا لنصيب معهم حقيقة، وأيضا، الحاجة قد تدعوا إليها، فجازت كالإجارة، لأن القياس يقتضي جواز كل ما دعت إليه الحاجة، ويستأنس للجعالة بقوله تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير) * وكان الحمل معلوما عندهم، كالوسق، وإنما كان هذا استئناسا، لا دليلا، لأنه في شرع من قبلنا، وهو ليس شرعا لنا، وإن ورد في شرعنا ما يقرره على الراجح، وقد نظم معظم ما مر ابن رسلان في زبده فقال: صحتها من مطلق التصرف بصيغة وهي بأن يشرط في ردود آبق وما قد شاكله معلوم قدر حازه من عمله وفسخها قبل تمام العمل من جاعل عليه أجر المثل والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله: تتمة) أي في بيان المساقاة، والمزارعة، والمخابرة، وقد أفردها الفقهاء بباب مستقل، وذكرت عقب الإجارة، لأن كلا استيفاء منفعة بعوض، ولاشتراط التأقيت فيها، وغير ذلك، والأصل في المساقاة، خبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم -: عامل أهل خيبر على نخلها وأرضها على ما يخرج منها من ثمر أو زرع لأنه لما فتحها ملك نخلها وزرعها، فصار الزرع من عند المالك، فقام مقام البذر، فكانت مساقاة ومزارعة، وهي تصح، تبعا للمساقاة، كما سيأتي، والحاجة داعية إليها، لأن مالك الأشجار، قد لا يحسن العمل فيها، أو لا يتفرغ له، ومن يحسن ويتفرغ، قد لا يكون له أشجار فيحتاج ذاك إلى الاستعمال، وهذا إلى العمل، وأركانها: مالك، وعامل، وعمل، ومورد، وثمر، وصيغة. وكلها تعلم مما يأتي (قوله: تجوز المساقاة) أي من جائز التصرف، وهو الرشيد المختار، دون غيره، كالقراض، وتصح لصبي، ومجنون، وسفيه ومن وليهم، عند المصلحة (قوله: وهي الخ) أي شرعا، وأما لغة، فهي مشتقة من السقي، بفتح السين، وسكون القاف، وتخفيف الياء، وإنما اشتققت منه، لاحتياجها إليه غالبا، لأنه أنفع أعمالها وأكثرها مؤنة، لاسيما في أرض الحجاز، فإنهم يسقون من الآبار، وقيل مشتقة من السقي، بكسر القاف، وتشديد الياء، وهو صغار النخل، وعليه إنما اشتقت منه، لأنه موردها. والأول أظهر، لأن السقي عليه مصدر، والاشتقاق منه ظاهر (قوله: أن يعامل المالك غيره) أي بصيغة، كما يفيده قوله بعد معين في العقد، إذ هو يفيد أن المعاملة تكون بعقد، أي صيغة، نحو ساقيتك على هذا النخل، أو العنب، أو أسلمته إليك لتتعهده بكذا، وقد اشتمل التعريف المذكور على أركان المساقاة، وهي ستة: مالك، وعامل، وعمل، وثمر، وصيغة، ومورد، فقوله معين في العقد، إشارة إلى الصيغة، وقوله المالك غيره، هما الركنان الأولان، (وقوله: على نخل أو شجر) هو السادس، وقوله لتتعهده، هو الثالث، إذ التعهد عمل. وقوله على أن الثمرة الخ، هو الرابع (قوله: على نخل أو شجر عنب)، متعلق بيعامل، وما ذكر، هو المورد، كما مر (قوله: مغروس الخ) صفة لكل من نخل وشجر، وذكر ثلاثة شروط للمورد، وهي، الغرس، والتعيين في العقد، والرؤية. وبقي عليه شرطان، كونه بيد عامل، وكونه لم يبد صلاح ثمره، سواء ظهر أو لا، فلا تصح على غير مغروس، كودي، ليغرسه، ويتعهده، وتكون الثمرة بينهما، كما لو سلمه بذرا ليزرعه، ولأن الغرس ليس من عمل المساقاة فضمه إليه يفسده، ولا على مبهم، كأحد البساتين، ولا على غير مرئي لهما عند العقد، وذلك للجهل بالمعقود

_ (1) سورة يوسف، الاية: 72.

لهما عنده ليتعهده بالسقي والتربية، على أن الثمرة الحادثة أو الموجودة لهما. وإلا تجوز في غير نخل وعنب لا تبعا لهما. وجوزها القديم في سائر الاشجار، وبه قال مالك وأحمد، واختاره جمع من أصحابنا، ولو ساقاه على ودي غير مغروس ليغرسه ويكون الشجر أو ثمرته إذا أثمر لهما، لم تجز، لكن قضية كلام جمع من السلف، جوازها، والشجر لمالكه، وعليه لذي الارض أجرة مثلها، والمزارعة: هي أن يعامل المالك غيره على أرض ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه، ولأنه عقد غرر من حيث أن العوض معدوم في الحال، وهما جاهلان بقدر ما يحصل وبصفاته، فلا يحتمل ضم غرر آخر، ولا كونه بغير يد العامل كيد المالك، ولا على ما بدا صلاح ثمره لفوات معظم الأعمال، وقوله ليتعهده بالسقي والتربية، بيان للعمل المختص بالعامل، وذلك لأن للعمل في المساقاة على ضربين، عمل يعود نفعه إلى الثمرة، كسقي النخل، وتلقيحه بوضع شئ من طلع الذكور في طلع الإناث، وهذا مختصر بالعامل، وعمل يعود نفعه إلى الأرض، كنصب الدولاب، وحفر الأنهار، وبناء حيطان البستان، وهذا مختص بالمالك، ولا يجوز أن يشترط على المالك أو العامل ما ليس عليه، فلو شرط على العامل أن يبني جدار الحديقة، أو على المالك تنقية النهر، لم يصح. وقوله على أن الثمرة الحادثة، أي بعد العقد، وقوله أو الموجودة، أي عنده، لكن بشرط أن لا يكون قد بدا صلاحها، كما مر، وقوله لهما، أي للمالك والعامل، أي مختصة بهما، فلا يجوز بشرط بعضها لغيرهما، ولا شرط كلها للمالك، ولا يستحق في هذه العامل أجرة، لأنه عمل غير طامع، كما في القراض، ولا بد أيضا من أن يكون القدر الذي للعامل معلوما بالجزئية: كربع، وثلث، بخلاف ما لو كان معلوما بغير الجزئية: كقنطار، أو قنطارين (قوله: ولا تجوز) أي المساقاة، والأولى التفريع. (وقوله: في غير نخل وعنب) أي للنص على النخل، وألحق به العنب، بجامع وجوب الزكاة، وإمكان الخرص وغيرهما ليس منصوصا عليه، ولا في معناه، فلم تجز المساقاة عليه إلا تبعا لهما، فتجوز فيه. وعبارة م ر: فتصح على أشجار مثمرة، تبعا للنخل والعنب، إذا كانت بينهما، وإن كثرت، وإن قيدها الماوردي بالقليلة، وشرط الزركشي، بحثا، تعذر إفرادها بالسقي، نظير المزارعة. اه. وعليه حملت معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الزرع في الخبر، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فالمراد بمعاملتهم، مساقاتهم، ومزارعتهم، تبعا، فالواقع منه - صلى الله عليه وسلم -، مزارعة تابعة للمساقاة. (قوله: وجوزها) أي المساقاة وقوله في سائر الأشجار، أي كالخوخ، والتين، والتفاح، وذلك لقوله في الخبر السابق: من ثمر أو زرع ولعموم الحاجة، والجديد: المنع، لأنها رخصة، فتختص بموردها، ولأنه لا زكاة في ثمرها، فأشبهت غير المثمرة، ولأنها تنمو من غير تعهد وفي البجيرمي. (فائدة) النخل والعنب يخالفان بقية الأشجار في أربعة أمور، الزكاة، والخرص، وبيع العرايا، والمساقاة. اه. برماوي. وأسقط خامسا، وهو: جواز استقراض ثمرتها لإمكان معرفتها بالخرص فيهما، وتعذر خرصها في غيرهما. اه. شوبري. اه (قوله: وبه) أي بجواز المساقاة في غير النخل وشجر العنب (قوله: ولو ساقاه على ودي الخ) محترز قوله مغروس، وهو بفتح الواو، وكسر الدال، وتشديد الياء، صغار النخل (قوله: ويكون الخ) بالنصب: معطوف على يغرسه، أي وليكون الشجر أو ثمرته إذا أثمر، للمالك وللعامل (قوله: لم تجز) أي المساقاة، وهو جواب لو (قوله: جوازها) أي المساقاة على الودي المذكور (قوله: والشجر لمالكه الخ) راجع للمنع، كما في سم، أي وعلى منع المساقاة في الودي لو عمل العامل فيه يكون الشجر لمالك الودي، وعليه لصاحب الأرض أجرة مثلها، ومحل هذا، إذا كان مالك الودي العامل، فإن كان صاحب الأرض، فالشجر يكون له، وللعامل أجرة عمله عليه، وعبارة الروض وشرحه، وإن دفع ذلك، أي الودي، وعمل العامل وكانت الثمرة متوقعة في المدة، فله الأجرة، أي أجرة عمله، على المالك، وإلا فلا، لا إن كان الغراس للعامل، فلا أجرة له، بل يلزمه للمالك أجرة الأرض، فإن كانت الأرض للعامل، استحق أجرة عمله وأرضه. اه. (قوله: والمزارعة) هي لغة: مشتقة من الزرع، وشرعا، ما ذكره بقوله، هي أن يعامل

ليزرعها بجزء معلوم مما يخرج منها، والبذر من المالك، فإن كان البذر من العامل، فهي مخابرة، وهما باطلان، للنهي عنهما، واختار السبكي، كجمع آخرين، جوازهما، واستدلوا بعمل عمر رضي الله عنه وأهل المدية، وعلى المرجح، فلو أفردت الارض بالمزارعة، فالمغل للمالك، وعليه للعامل أجرة عمله ودوابه وآلاته، وإن أفردت الارض بالمخابرة، فالمغل للعامل، وعليه لمالك الارض أجرة مثلها وطريق جعل الغلة لهما ولا أجرة أن ـــــــــــــــــــــــــــــ الخ. والمراد بالعقد كأن يقول له، عاملتك على الأرض لتزرعها، والغلة الحاصلة بيننا نصفان (قوله: ليزرعها) أي الأرض ذلك الغير الذي هو العامل، وقوله بجزء معلوم، أي على جزء معلوم، كربع، ونصف، وقوله مما يخرج منها، متعلق بمحذوف صفة لجزء، أي جزء كائن مما يخرج من الأرض، أي من الزرع الحاصل فيها (قوله: والبذر من المالك) أي والحال أن البذر كائن من المالك، فالجملة حالية (قوله: فهي مخابرة) الضمير يعود على المعاملة المفهومة من أن يعامل، أي فإن كان البذر من المالك فالمعاملة على الأرض، وتسمى مخابرة. ولا يصح رجوعه للمزارعة، كما هو ظاهر (قوله: وهما) أي المزارعة والمخابرة، وقوله باطلان: أي استقلالا فقط في المزارعة، ومطلقا في المخابرة. وقد نظم بعضهم ذلك بقوله: مزارعة بطلانها مستقلة مخابرة بطلانها مطلقا نقل وصاحب بذر مالك الأرض في التي بدأنا وبذر في الأخيرة من عمل قال في شرح المنهج، وإنما لم تصح المخابرة تبعا، كالمزارعة، لعدم ورودها كذلك. اه. (قوله: للنهي عنهما) أي عن المزارعة والمخابرة في الصحيحين. قال البجيرمي: صيغة النهي الواردة في المخابرة، كما في الدميري نقلا عن سنن أبي داود، من لم يذر المخابرة، فليؤذن بحرب من الله ورسوله. اه. والمعنى في المنع فيهما أن تحصيل منفعة الأرض ممكنة بالإجارة، فلم يجز العمل فيها ببعض ما يخرج منها، كالمواشي، بخلاف الشجر، فإنه لا يمكن عقد الإجارة عليه، فجوزت المساقاة للحاجة (قوله: واختار السبكي الخ) عبارة شرح المنهج، واختار النووي من جهة الدليل صحة كل منهما مطلقا، تبعا لابن المنذر وغيره. قال: والأحاديث مؤولة على ما إذا شرط لواحد زرع قطعة معينة ولآخر أخرى، والمذهب ما تقرر. ويجاب عن الدليل المجوز لهما، بحمله في المزارعة على جوازها تبعا أو بالطريق الآتي. وفي المخابرة: على جوازها بالطريق الآتي. اه. (قوله: وعلى المرجح) هو عدم الجواز (قوله: فلو أفردت الأرض بالمزارعة) التقييد بالإفراد لإخراج ما لو لم تفرد، بأن عقد عليها تبعا للمساقاة، فإنه لا يقع المغل فيها للمالك، بل يكون بينهما، وقوله فالمغل للمالك، أي لأن البذر له، والزرع تابع له. قال م ر: فلو كان البذر لهما فالغلة لهما، ولكل على الآخر أجرة ما صرفه من منافعه على حصة صاحبه (قوله: وعليه للعامل أجرة عمله) أي وعلى المالك للعامل أجرة عمله ودوابه وآلاته لبطلان العقد، ولا يمكن إحباط عمله مجانا، ولا فرق بين أن يسلم الزرع أو يتلف (قوله: وإن أفردت الأرض بالمخابرة) التقييد بالإفراد هنا غير ظاهر، لما مر من أنها باطلة مطلقا، فكان الأولى أن يقول فلو حصلت أو وجدت المخابرة في الأرض وقوله فالمغل للعامل، أي لأنه مالك البذر، وقوله وعليه، أي العامل، وقوله أجرة مثلها، أي الأرض، وإن زادت الأجرة على الخراج (قوله: وطريق جعل الغلة لهما الخ) أشار بذلك لحيلة تسقط الأجرة، وتجعل الغلة مشتركة بين المالك والعامل في إفراد المزارعة وفي المخابرة وعبارة الروض مع شرحه، فإن أراد صحة ذلك فليستأجر العامل من المالك نصف الأرض بنصف منافعه، ومنافع آلاته، ونصف البذر إن كان منه. قال في الأصل: أو يستأجره بنصف البذر، ويتبرع بالعمل والمنافع، أو يقرض المالك نصف البذر، ويستأجر منه نصف الأرض بنصف عمله وعمل آلاته. وإن كان البذر من المالك استأجره، أي المالك، العامل بنصف البذر ليرزع له نصف الأرض، ويعيره نصف الأرض الآخر وإن شاء استأجره بنصف البذر ونصف منفعة تلك الأرض ليزرع له باقيه في باقيها. اه. (قوله:

يكتري العامل نصف الارض بنصف البذر ونصف عمله ونصف منافع آلاته، أو بنصف البذر ويتبرع بالعمل والمنافع إن كان البذر منه، فإن كان من المالك استأجرة بنصف البذر ليزرع له النصف الآخر من البذر في نصف الارض، ويعيره نصفها. ـــــــــــــــــــــــــــــ بنصف البذر) أي ويسلمه للمالك، لئلا يتحد القابض والمقبض، وقوله ونصف عمله، هو وما بعده معطوفان على نصف البذر، واغتفر الجهل في الأمور المذكورة، للضرورة (قوله: أو بنصف البذر) أي أو يكتري العامل نصف الأرض بنصف البذر، ويتبرع بالعمل (قوله: إن كان البذر منه) أي من العامل (قوله: فإن كان) أي البذر من المالك: أي مالك الأرض، وهذه طريق جعل الغلة بينهما في المزارعة، والأولى للمخابرة وقوله استأجره، أي استأجر المالك العامل. وقوله ويعيره نصفها، أي يعير العامل نصف الأرض، فيكون حينئذ لكل منهما نصف المغل شائعا. (واعلم) أن الطريق المذكورة وغيرها تقلب المزارعة والمخابرة إجارة، فلا بد من رعاية الرؤية وتقدير المدة وغيرهما من شروط الإجارة، كما في التحفة، والمغني، والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب في العارية

باب في العارية بتشديد الياء وتخفيفها: وهي اسم لما يعار للعقد المتضمن لاباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه ليرده. من عار: ذهب، وجاء بسرعة، لا من العار. وهي مستحبة أصالة لشدة الحاجة إليها، وقد تجب، كإعارة ثوب توقفت صحة الصلاة عليه، وما ينقذ غريقا، أو يذبح به حيون محترم يخشى موته. (صح) من ذي ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في العارية أي في بيان أحكامها وشرائطها، وذكرها عقب الإجارة لأن كلا منهما استيفاء منفعة، ولاتحاد شرط ما يؤجر وما يعار، ولذا قيل، كل ما جازت إجارته جازت إعارته. واستثنى من ذلك بعض فروع، والأصل فيها قبل الإجماع، قوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (1) وفسر جمهور المفسرين، الماعون في قوله تعالى: * (ويمنعون الماعون) * (2) بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض، كالفأس، والدلو، والإبرة، وفسره بعضهم بالزكاة، وخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم -: " استعار فرسه من أبي طلحة فركبه، ودرعا من صفوان بن أمية يوم حنين، فقال أغصب يا محمد أو عارية؟ فقال بل عارية مضمونة " قال الروياني وغيره: وكانت واجبة أول الإسلام، للآية السابقة، ثم نسخ وجوبها، فصارت مستحبة، أي أصالة، وإلا فقد تجب، كإعارة الثوب لدفع حر أو برد، وإعارة الحبل لإنقاذ غريق، والسكين لذبح حيوان محترم يخشى موته، وقد تحرم: كإعارة الصيد من المحرم، والأمة من الأجنبي، وقد تكره، كإعارة العبد المسلم من كافر، وقد تباح، كالإعارة لغني، كأن استعار من له ثوب مستغن به من صاحب ثياب ثوبا، وقولهم ما كان أصله الاستحباب لا تعتريه الإباحة، أمر أغلبي، وأركانها أربعة: معير، ومستعير، ومعار، وصغية. وشرط المعير: صحة تبرعه، واختياره، وشرط المستعير: تعينه، فلا يصح لغير معين، كأعرت أحدكما، وإطلاق تصرف، فلا تصح لصبي ومجنون وسفيه إلا بعقد وليهم، إذا لم تكن العارية مضمونة، كأن استعار من مستأجر، وشرط المعار، حل الانتفاع به مع ملك منفعته، وبقاء عينه. وشرط الصيغة، لفظ يشعر بالإذن في الانتفاع (قوله: بتشديد الياء وتخفيفها) وفيها لغة ثالثة، وهي: عارة، كناقة (قوله: وهي اسم لما يعار، وللعقد) أي العارية شرعا، تطلق على المعار، وعلى العقد، فهي مشتركة بينهما، كذا في ع ش (قوله: من عار) أي وهي مأخوذة من عار، أي على مذهب الكوفيين، أو من مصدره على مذهب البصريين (قوله: ذهب وجاء بسرعة) أي أن معنى عار في اللغة: ذهب وجاء بسرعة، ومنه قيل للغلام الخفيف، عيار، بتشديد الياء، لكثرة ذهابه ومجيئه، وإنما أخذت العارية الشرعية منه، لذهابها ومجيئها بسرعة لمالكها غالبا. وقيل مأخوذة من التعاور، وهو التناوب، لأن المستعير والمالك، يتناوبان في الانتفاع بها (قوله: لا من العار) أي ليست مأخوذة من العار، وهو العيب. وقيل مأخوذة منه، لأن طلبها عار وعيب، ورد بأن عين العارية، واو، وعين العار ياء. وبأنه - صلى الله عليه وسلم - استعار فرسا ودرعا، كما مر، فلو كانت عيبا لما وجدت منه - صلى الله عليه وسلم - (قوله: وهي) أي العارية. وقوله مستحبة أصالة، أي أن الأصل فيها الاستحباب، وقد يعرض لها غيره، من الوجوب، والحرمة، والكراهة، (قوله: لشدة الحاجة إليها) أي العارية (قوله: وقد تجب) أي العارية، أي وقد تحرم، وقد تكره، وقد تباح، كما علمت (قوله: كإعارة ثوب) أي كإعارة المالك الثوب، وهو تمثيل للوجوب، (وقوله: توقفت صحة الصلاة عليه) أي على الثوب، والجملة صفة الثوب، أي ثوب توقفت صحة الصلاة عليه

_ (1) سورة المائدة، الاية: 2. (2) سورة الماعون، الاية: 7.

تبرع. (إعارة عن) غير مستعارة (لانتفاع) مع بقاء عينه (مملوك) ذلك الانتفاع، ولو بوصية أو إجارة أو وقف، وإن لم يملك العين، لان العارية ترد على المنفعة فقط. وقيد ابن الرفعة صحتها من الموقوف عليه، بما إذا كان ناظرا. قال الاسنوي: يجوز للامام إعارة مال بيت المال (مباح) فلا يصح إعارة ما يحرم الانتفاع به كآلة لهو، ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن لم يوجد غيره، ومحل كون إعارته واجبة، حيث لا أجرة له لقلة الزمن، وإلا لم يجب بذله له بلا أجرة فيما يظهر. ثم رأيت الأذرعي ذكره. اه. تحفة، بتصرف (قوله: وما ينقذ غريقا) معطوف على ثوب: أي وكإعارة ما ينقذ غريقا، كحبل، فإنها واجبة، وقوله أو يذبح به، معطوف على ينقذ، أي وكإعارة ما يذبح به كسكين، فإنها واجبة أيضا، قال سم: ولا ينافي وجوب الإعارة هنا أن المالك لا يجب عليه ذبحه، وإن كان فيه إضاعة مال، لأنها بالترك هنا، وهو غير ممتنع، لأن عدم الوجوب عليه، لا ينافي وجوب إسعافه إذا أراد حفظ ماله، كما يجب الاستيداع إن تعين وإن جاز للمالك الإعراض عنه إلى التلف، وهذا ظاهر، وإن توهم بعض الطلبة المنافاة. اه. (قوله: يخشى موته) الجملة صفة لحيوان محترم، أي يخشى موته لو ترك ذبحه، فإعارة السكين لأجل تذكيته، واجبة، لئلا يصير ميتة، فلا ينتفع به (قوله: صح من ذي تبرع) أي مختار، وهو بيان للمعير، فلا تصح من صبي ومجنون ومكاتب بغير إذن سيده، ومحجور سفه وفلس مكره بغير حق. أما به، كما لو أكره على إعارة واجبة عليه، فتصح (قوله: إعارة عين) أي لمستعير معين مطلق التصرف. (وقوله: غير مستعارة) قيد سيأتي محترزه (قوله: لانتفاع) متعلق بإعارة: أي إعارتها لأجل الانتفاع بها (قوله: مع بقاء عينه) أي المعار، فالضير يعود على معلوم من المقام، والظرف متعلق بمحذوف صفة لانتفاع: أي انتفاع للعين كائن مع بقائها، وهو قيد أيضا سيأتي محترزه (قوله: مملوك) أي للمعير، وهو بالجر صفة لانتفاع. وقوله ذلك الانتفاع، بيان لنائب الفاعل المستتر، لا أنه ظهر، كما هو ظاهر، وعبارته صريحة في أن الانتفاع، هو الذي يوصف بالملكية، وليس كذلك، بل الذي يوصف بذلك، المنفعة، لا الانتفاع، إذ هو وصف المستعير، لا المعير، وعبارة المنهاج، وملكه للمنفعة، وهي ظاهرة (قوله: ولو بوصية إلخ) غاية في حصول ملكيه الانتفاع، أي ولو كان ملك المعير للانتفاع حاصلا بسبب وصية بأن أوصى للمعير بمنفعة الدار. (وقوله: أو إجارة) أي بأن استأجر الدار، (وقوله: أو وقف) أي بأن وقفت عليه الدار. ففي الجميع، يملك المنفعة، فيجوز له إعارتها (قوله: وإن لم يملك العين) غاية ثانية: أي المدار على ملك المنفعة، سواء ملك العين معها أم لا، ولو حذف لفظ، ولو من الغاية الأولى، وأخر قوله بوصية الخ عن هذه الغاية، وجعله تمثيلا لملك المنفعة من غير ملك العين، بأن يقول كأن آلت إليه بوصية الخ، لكان أولى وأخصر (قوله: لأن العارية ترد على المنفعة) تعليل لما تضمنته الغاية الثانية مع عدم اشتراط ملك العين، أي وإنما لم يشترط ملك العين، لأن العارية إنما ترد على المنفعة، لا على العين حتى يشرط ملكها. وقوله فقط، أي لا مع العين (قوله: وقيد ابن الرفعة صحتها) أي العارية (قوله: بما إذا كان ناظرا) محل صحتها منه، كما يؤخذ من النهاية، والتحفة، إذا لم يشرط الواقف استيفاءها بنفسه، وإلا فلا تصح، ومحل عدم صحتها من غير الناظر، إذا لم يأذن الناظر له في الإعارة، فإن أذن له، صحت منه، كما يؤخذ من التحفة (قوله: قال الأسنوي: يجوز للإمام إعارة مال بيت المال) أي لأنه إذا جاز له التمليك، فالإعارة أولى. قال في التحفة، ومثله في النهاية، ورد بأنه إن أعاره لمن له حق في بيت المال، فهو إيصال حق لمستحقه، فلا يسمى عارية، أو لمن لا حق له فيه، لم يجز، لأن الإمام فيه كالولي في مال موليه، وهو لا يجوز له إعارة شئ منه مطلقا الخ. اه. (قوله: مباح) صفة ثانية لانتفاع، وهو يصح وصفه بالإباحة، فلا اعتراض فيه بالنسبة لهذا الوصف، وأما بالنسبة للوصف الأول، فهو معترض، كما علمته (قوله: فلا يصح إعارة ما يحرم الانتفاع به) في البجيرمي ما نصه: هذا مسلم عند م ر في آلة اللهو، وأما في السلاح والفرس، فجرى فيهما في شرحه على صحة الإعارة مع الحرمة. وجمع ع ش: بحمل كلامه على ما إذا لم يعلم أو يظن أن الحربي يستعين بهما على قتالنا، وبحمل كلام شرح المنهج، على ما إذا علم أو ظن ذلك. ثم نظر في كلام م ر بعد حمله على ما ذكر، بأنه لا وجه للحرمة حينئذ (قوله: كآلة لهو) أي كالمزمار، والطنبور، والدربكة. قال ع ش: قضية التمثيل بما ذكر للمحرم، أن ما يباح استعماله من الطبول

وفرس، وسلاح لحربي، وكأمة مشتهاة لخدمة أجنبي، وإنما تصح الاعارة من أهل تبرع. (بلفظ يشعر بإذن فيه) أي الانتفاع. (كأعرتك، وأبحتك) منفعة، وكاركب، وخذه لتنتفع به. ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر. ولا يجوز لمستعير إعارة عين مستعارة بلا إذن معير، وله إنابة من يستوفي المنفعة له، كأن يركب دابة استعارها للركوب من هو مثله أو دونه لحاجته، ولا يصح إعارة ما لا ينتفع به مع بقاء عينه، كالشمع للوقود، لاستهلاكه. ـــــــــــــــــــــــــــــ ونحوها، لا يسمى آلة لهو، وهو ظاهر، وعليه، فالشطرنج تباح إعارته، بل إجارته. اه. (قوله: وفرس وسلاح لحربي) أي أو لقاطع طريق (قوله: وكأمة) معطوف على كآلة لهو، وانظر: لم أعاد الكاف، ومثل الأمة، الأمرد الجميل، فيحرم إعارته؟ وقوله مشتهاة، قال في شرح المنهج: أما غير مشتهاة، لصغر، أو قبح، فصحح في الروضة، صحة إعارتها، وفي الشرح الصغير، منعها. وقال الأسنوي: المتجه الصحة في الصغيرة، دون القبيحة. اه. وكالقبيحة، الكبيرة غير المشتهاة. اه. (وقوله: لخدمة أجنبي) خرج به المحرم، وفي معناه، المرأة، والممسوح، وزوج الجارية، ومالكها، كأن يستعيرها من مستأجرها، أو الموصى له بمنفعتها، إذ لا محذور في ذلك. اه. شرح الروض (قوله: وإنما تصح الإعارة من أهل تبرع) دخول على المتن، ولا حاجة إليه، لعدم طول العهد بمتعلقه المذكور، وهو قوله صح الخ (قوله: بلفظ) أي أو ما في معناه، ككتابة، وإشارة أخرى مفهمة، وذلك لأن الانتفاع بمال الغير يتوقف على رضاه المتوقف على ذلك اللفظ أو نحوه. قال في التحفة: وقد تحصل بلا لفظ ضمنا، كأن فرش له ثوبا ليجلس عليه، كما جرى عليه المتولي واقتضى كلامهما اعتماده، وكأن إذن له في حلب دابته واللبن للحالب، فهي مدة الحلب عارية تحت يده، وكأن سلمه البائع المبيع في ظرف، فهو عارية. وكأن أكل الهدية من ظرفها المعتاد أكلها منه، وقبل أكلها هو أمانة، وكذا إن كانت الهدية عوضا. اه. وفي البجيرمي: ويستثنى من اشتراط اللفظ، ما إذا اشترى شيئا، وسلمه له البائع في ظرف، فالظرف معار، في الأصح، وما لو أكل المهدي إليه الهدية في ظرفها، فإنه يجوز، إن جرت العادة بأكلها منه، كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها وهو معار، فيضمنه بحكم العارية، إلا إذا كان للهدية عوض، وجرت العادة بالأكل منه، فلا يضمنه بحكم الإجارة الفاسدة، فإن لم تجر العادة بما ذكر ضمنه في الصورتين، بحكم الغصب. اه. سلطان. (والحاصل) أن الظرف أمانة قبل الإستعمال مطلقا، ومغصوب بالإستعمال الغير المعتاد مطلقا، وعارية بالإستعمال المعتاد إن لم يكن عوض، وإلا فمؤجر إجارة فاسدة. اه. (قوله: كأعرتك الخ) تمثيل للفظ الذي يشعر بالإذن فيه، وقوله وأبحتك، الواو بمعنى، أو. وقوله منفعة، تنازعه كل من أعرتك ومن أبحتك، وضميره يعود على المعار. ومثله، أعرتك هذا (قوله: وكاركب) أي هذا، ومثله: اركبني (قوله: وخذه) أي أو خذه، أي الثوب مثلا لتنتفع به (قوله: ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر) فلو قال أعرني فأعطاه، أو قال له أعرتك فأخذ، صحت العارية، كما في إباحة الطعام، ولا يشترط اللفظ من جانب المعير، بخلافه في الوديعة، لأنها أمانة، فاحتيج إلى لفظ من جانب المالك، ولا يكفي الفعل من الطرفين إلا فيما استثني، ولا سكوت أحدهما من غير فعل، ولا يشترط الفور في القبول، والمعتمد أن العقد يرتد بالرد، وكون العارية من قبيل الإباحة، إنما هو من حيث جواز الإنتفاع (قوله: ولا يجوز لمستعير إعارة عين) أي لأنه لا يملكها، وإنما يملك أن ينتفع بها (قوله: بلا إذن معير) متعلق بإعارة، أي الإعارة بلا إذن معير لا تجوز، أي أما بإذنه، فتجوز. قال الماوردي: ثم إن لم يسم المالك من يعير له، فالأول على عاريته، وهو المعير للثاني، والضمان باق عليه، وله الرجوع فيها. وإن ردها الثاني عليه، برئ، أي الثاني، وأما الأول، فباق على الضمان، وإن سماه انعكست هذه الأحكام. اه. بجيرمي (قوله: وله) أي للمستعير. (وقوله: إنابة من يستوفي المنفعة له) أي للمستعير، أي لأجل قضاء حاجته، وإنما جازت الإنابة لذلك، لأن الانتفاع راجع إليه. وخرج بقوله له: ما لو أناب من يستوفي المنفعة لا له بل للمستوفي فإنه لا يجوز (قوله: كأن يركب) من أركب، فهو بضم الأول وكسر الثالث، (وقوله: من هو مثله) مفعول يركب. (وقوله: أو دونه) أشار به وبما قبله إلى أن له الإستنابة إذا لم يكن فيها ضرر زائد على

ومن ثم، صحت للتزين به، كالنقد، وحيث لم تصح العارية فجرت، ضمنت، لان للفاسد حكم صحيحه، وقيل لا ضمان، لان ما جرى بينهما ليس بعارية صحيحة، ولا فاسدة، ولو قال احفر في أرضي بئرا لنفسك، فحفر، لم يملكها، ولا أجرة له على الآمر، فإن قال أمرتني بأجرة، فقال مجانا، صدق الآمر، ووارثه. ولو أرسل ـــــــــــــــــــــــــــــ استعمال المستعير، وفي النهاية قال في المطلب، وكذا زوجته، أو خادمه، لرجوع الانتفاع إليه أيضا، قال الأذرعي: نعم، يظهر أنه، إذا ذكر له أنه يركبها زوجته زينب، وهي بنت المعير، أو أخته، أو نحوهما، لم يجز له إركاب ضرتها، لأن الظاهر، أن المعير لا يسمح بها لضرتها. اه. وكتب ع ش: قوله لرجوع الانتفاع إليه أيضا، يؤخذ منه أن محل جواز ذلك، فيما لو أركب زوجته أو خادمه لقضاء مصالحة، أما لو أركبهما لما لا تعود منفعة إليه، كأن أركب زوجته لسفرها لحاجتها، لم يجز. اه (قوله: لحاجته) متعلق بيركب، أي يركبه لأجل قضاء حاجة المستعير، أما لو كان لأجل حاجة الراكب، فلا يجوز، كما مر، ولا يجوز أيضا إذا كان من هو مثله أو دونه عدوا للمعير، كما في سم (قوله: ولا يصح إعارة ما لا ينتفع به مع بقاء عينه) أي ولا يصح إعارة الشئ الذي لا ينتفع به مع بقاء عينه، بل ينتفع به مع استهلاك عينه. فالنفي مسلط على القيد، أعني مع بقاء عينه، وهذا محترز قوله، الانتفاع مع بقاء عينه (قوله: كالشمع) بفتح الميم، جمع شمعة بفتحها أيضا، وإن اشتهر على ألسنة المولدين سكانها، وقوله للوقود، متعلق بمحذوف، أي كإعارة الشمع للوقود وهو بضم الواو، لأنه بالفتح، اسم لما يوقد به، وليس مرادا هنا. وكذلك إعارة المطعوم لأكله، والصابون للغسل به، فلا تصح، لأن الانتفاع بذلك، يحصل باستهلاكه وفي البجيرمي، وهل ينزل الاستقذار منزلة إذهاب العين، فلا تصح إعارة الماء للغسل أو الوضوء، وإن لم يتنجس أو تصح، نظرا لبقاء عينه مع طهارته؟ محل نظر. وجرى ق ل على صحة إعارة ذلك، لكن تبعا للظرف. ومشى الرملي في شرحه على جواز إعارة الماء للغسل والوضوء والتبرد، لأنه يبقى في ظرفه، والأجزاء الذاهبة منه بمنزلة ما يذهب من الثوب المعار بالإنمحاق. اه. (قوله: لاستهلاكه) علة لعدم صحة إعارة الشمع للوقود - أي وإنما لم تصح: لاستهلاك الشمع بالوقود (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن العلة في عدم صحة إعارة الشمع للوقود استهلاكه: صحت إعارة الشمع للتزين به لعدم استهلاكه (قوله: كالنقد) الكاف للتنظير: أي نظير صحة إعارة النقد للتزين به. وعبارة الروض وشرحه: ولا يعار النقدان - إذ مننفعة التزين بهما، والضرب على طبعهما: منفعة ضعيفة قلما تقصد، ومعظم منفعتهما في الإنفاق والإخراج - إلا للتزيين، أو للضرب على طبعهما - فيما يظهر: بأن صرح بإعراتهما لذلك، أو نواها فيما يظهر - فتصح: لاتخاذ هذه المنفعة مقصدا - وإن ضعفت. اه. (قوله: وحيث لم تصح العارية) أي لفقد شرط من الشروط السابقة، كأن لا يكون مملوكا لمعير، أو لم يكن الانتفاع به مباحا، أو كان ينتفع بالمعقود عليه مع استهلاك عينه (قوله: فجرت) أي العارية: أي صورتها (قوله: ضمنت) أي العارية بمعنى المعار، ففي الكلام استخدام (قوله: لأن للفاسد حكم صحيحه) علة للضمان. قال في التحفة: ويؤخذ من ذلك أنها مع اختلال شرط أو شروط مما ذكروه: تكون فاسدة مضمونة - بخلاف الباطلة قبل استعمالها والمستعير أهل للتبرع، وهي التي اختل فيها بعض الأركان. اه. وكتب سم ما نصه: قوله ويؤخذ من ذلك الخ - كذا في شرح الرملي، وفيه نظر، والوجه الضمان - لأن اليد: يد ضمان. ثم رأيت م ر توقف فيه بعد أن كان وافقه، ثم ضرب على قوله وحيث لم تصح العارية فجرت إلى هنا من شرحه. اه (قوله: وقيل لا ضمان: لأن ما جرى بينهما ليس بعارية) أسقط شيئا من جملة التعليل ذكره في التحفة: وهو من قبض مال غيره بإذنه لا لمنفعة: كان أمانة، وإنما لم يكن عارية أصلا: لأن حقيقتها إباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به الخ. وهذا ليس كذلك، لأنه فقد قيد من القيود، فلم توجد تلك الحقيقة. (قوله: ولو قال) أي مالك أرض (قوله: فحفر) أي المأمور (قوله: لم يملكها) أي البئر الحافر لعدم شروط البيع. وانظر: هل تكون عارية أو لا؟ والظاهر الأول. وإعارة الأرض لحفر بئر فيها: صحيحة - كما في النهاية - ونصها: وفي الروضة - عن البيان - لو أعاره أرضا لحفر بئر فيها: صح، فإذا نبع الماء: جاز للمستعير أخذه، لأنه مباح بالإباحة الخ. اه. (قوله: ولا أجرة له) أي للحافر في

صبيا ليستعير له شيئا، لم يصح، فلو تلف في يده، أو أتلفه لم يضمنه هو، ولا مرسله، كذا في الجواهر. (و) يجب (على مستعير ضمان قيمة يوم تلف) للمعار إن تلف كله أو بعضه في يده، ولو بآفة من غير تقصير، بدلا أو أرشا، وإن شرطا عدم ضمانه، لخبر أبي داود وغيره: العارية مضمونة، أي بالقيمة، يوم التلف، لا يوم القبض في المتقوم، وبالمثل في المثلي على الاوجه. وجزم في الانوار بلزوم القيمة، ولو في المثلي: كخشب، ـــــــــــــــــــــــــــــ مقابلة حفره (قوله: فإن قال) أي الحافر للآمر. (وقوله: أمرتني) أي بالحفر (قوله: فقال) أي الآمر. (وقوله: مجانا) أي بلا أجرة (قوله: صدق الآمر) أي في أنه أمره بالحفر من غير أجرة (قوله: ولو أرسل) أي شخص (قوله: لم يصح) أي الإعارة له بمعنى العقد، ولذلك ذكر الضمير، لكن الأولى لم تصح، بتاء الغائبة، وإنما لم تصح: لأنه يشترط في المستعير ما اشترط في المعير - من كونه أهل تبرع (قوله: فلو تلف) أي الشئ المعار بآفة. (وقوله: في يده) أي الصبي (قوله: أو أتلفه) أي أو كان الإتلاف بفعله (قوله: لم يضمنه هو) أي الصبي لتسليط المالك له، فهو مقصر بذلك، وحينئذ يكون هذا مستثنى من قوله: وحيث لم تصح العارية، فجرت: ضمنت. (وقوله: ولا مرسله) أي ولم يضمن مرسل الصبي. قال ع ش: أي لأنه لم يدخل في يده (قوله: كذا في الجواهر) قال في التحفة بعده: ونظير غيره في قوله أو أتلفه، والنظر واضح إذ الإعارة ممن علم أنه رسول لا تقتضي تسليطه على الإتلاف، فليحمل ذلك على ما لم يعلم أنه رسول. اه. وكتب سم ما نصه: قوله فليحمل ذلك الخ. (أقول) فيه نظر أيضا، لأن الإعارة لا تقتضي تسليط المستعير على الإتلاف - غاية الأمر أنها تقتضي المسامحة بالتلف بواسطة الاستعمال المأذون فيه. فليتأمل. اه. وقال ع ش: ويمكن الجواب بأنها - وإن لم تقتض التسليط بالإتلاف - لكنها اقتضته بالتسليط على العين المعارة بوجوه الانتفاع المعتاد، فأشبهت المبيع. وقد صرحوا فيه بأن المقبوض بالشراء الفاسد من السفيه: لا يضمنه إذا أتلفه. اه. (قوله: ويجب على مستعير الخ) شروع فيما يترتب على العارية من الأحكام (قوله: ضمان قيمة) هذا في المتقوم أو ضمان مثله في المثلى على الأوجه - كما سيصرح به قريبا (قوله: يوم تلف) متعلق بمحذوف صفة لقيمة. أي قيمة كائنة له يوم تلفه، لا يوم قبضه - فإذا تلف المعار: قوم يوم تلفه - أي وقته، لا يوم قبض المستعير له من المعير. وقوله للمعار: متعلق بمحذوف صفة لكل من قيمة ومن تلف (قوله: إن تلف) لا حاجة إليه بعد قوله تلف، فالأولى حذفه، ويكون قوله بعد كله توكيدا للمعار. (وقوله: أو بعضه) معطوف عليه (قوله: في يده) هكذا في فتح الجواد، والذي في التحفة والنهاية: عدم اشتراط كونه في يده، وعبارتهما: ولا يشترط في ضمان المستعير كون العين في يده، بل وإن كانت بيد المالك، كما صرح به الأصحاب انتهت: أي كأن أرسل المستعير مالكها معها (قوله: ولو بآفة) أي ولو كان التلف بآفة (قوله: من غير تقصير) من جملة الغاية، ولو زادوا العطف: لكان أولى أي ولو من غير تقصير، ولا يغني عنه قوله بآفة، لأنه قد يكون بها، لكن مع تقصير منه، بأن سافر بالمعار (قوله: بدلا) حال من قيمة: أي يجب ضمان قيمة حال كونها بدلا من المعار، وهذا إذا تلف كله. (وقوله: أو أرشا) أي إذا تلف بعضه، وهو مقدار ما نقص من قيمته (قوله: وإن شرطا) أي أنه يضمن بالتلف، وإن شرط العاقدان عدم ضمانه بذلك، ويلغو الشرط المذكور فقط، ولا يفسد العقد به. قال في فتح الجواد: ولو شرط كونها أمانة: لغا الشرط فقط. ويوجه بأن فيه زيادة رفق بالمستعير، فهو كشرط فيه رفق بالمقترض، بجامع مع أن كلا المقصود منه إرفاق الآخد. اه. واعتمد م ر: فساد العقد بالشرط المذكور (قوله: لخبر أبي داود وغيره: العارية مضمونة) هذا ليس لفظ الخبر، ولفظه: روى أبي داود وغيره بإسناد جيد أنه - صلى الله عليه وسلم - استعار درعا من صفوان بن أمية يوم حنين فقال أغصب: يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة (قوله: أي بالقيمة الخ) تفسير مراد للضمان في الخبر من الشارح، ولو قدمه على الخبر وجعله تقييدا لضمان القيمة الذي في المتن - ومحل التقييد قوله في المتقوم - لكان أولى (قوله: يوم التلف) أي وقته (قوله: لا يوم القبض) أي لا وقته، فلا تعتبر بوقت القبض: أي ولا بأقصى القيم - أي أبعدها وأكثر من يوم القبض إلى يوم التلف، وإلا لزم تضمين ما نقص بالاستعمال المأذون فيه (قوله: في المتقوم) أي يضمن بالقيمة في المتقوم. (وقوله: وبالمثل) معطوف على بالقيمة

وحجر. وشرط التلف المضمن، أن يحصل (لا باستعمال)، وإن حصل معه، فإن تلف هو، أو جزؤه باستعمال مأذون فيه: كركوب، أو حمل، أو لبس اعتيد، فلا ضمان للاذن فيه، وكذا لا ضمان على مستعير من نحو مستأجر إجارة صحيحة، فلا ضمان عليه، لانه نائب عنه، وهو لا يضمن، فكذا هو. وفي معنى المستأجر، الموصى له بالمنفعة، والموقوف عليه، وكذا مستعار لرهن تلف في يد مرتهن لا ضمان عليه، كالراهن، وكتاب موقوف على المسلمين مثلا استعاره فقيه فتلف في يده من غير تفريط، لانه من جملة الموقوف عليهم. فرع: لو اختلفا في أن التلف بالاستعمال المأذون فيه، أو بغيره: صدق المعير، كما قاله الجلال ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: على الأوجه) أي عند شيخه ابن حجر، ووافقه الخطيب في الإقناع، حيث قال: وهذا هو الجاري على القواعد، فهو المعتمد (قوله: وجزم في الأنوار الخ) اعتمده م ر (قوله: كخشب وحجر) تمثيل للمثلي، كما في البجيرمي (قوله: وشرط التلف الخ) دخول على المتن. (وقوله: المتضمن) بصيغة اسم الفاعل، فهو بكسر الميم المشددة (قوله: أن يحصل) أي التلف وقوله باستعمال: أي مأذون فيه، كما يدل عليه المفهوم (قوله: وإن حصل) أي التلف معه: أي الإستعمال المأذون فيه، كأن استعار دابة لاستعمالها في ساقية، فسقطت في بئرها، فماتت: فيضمنها المستعير، لأنها تلفت في الإستعمال، لا به (قوله: فإن تلف هو إلخ) مفهوم قوله باستعمال، قال البجيرمي: حاصله أن يقال إن تلفت بالاستعمال المأذون فيه: لا ضمان، ولو بالتعثر من ثقل حمل مأذون فيه، وموت به، وإنمحاق ثوب بلبسه، لا نومة فيه، حيث لم تجر العادة بذلك، بخلاف تعثره بانزعاج، أو عثوره في وهدة، أو ربوة، أو تعثره لا في الاستعمال المأذون فيه: فإنه يضمن في هذه الأمور. ومثله: سقوطها في بئر حال السير - كما قاله م ر. اه (قوله: فلا ضمان) جواب إن. وقوله للإذن فيه أي في الإستعمال (قوله: وكذا لا ضمان على مستعير الخ) أي لا ضمان على مستعير الخ - مثل أنه لا ضمان على من تلف المعار تحت يده بالاستعمال المأذون فيه. (وقوله: من نحو مستأجر إجارة صحيحة) قال في فتح الجواد - بخلاف المستعير من مستأجر آجارة فاسدة، لأن معيره ضامن - كما جزم به البغوي وعلله بأنه فعل ما ليس له - قال: والقرار على المستعير، ولا يقال حكم الفاسدة حكم الصحيحة في كل ما تقتضيه، بل في سقوط الضمان بما يتناوله الإذن فقط. اه. وقوله بما يتناوله الإذن فقط: أي والإذن في الفاسدة لم يتناول الإعارة، لأن المستأجر فيها لا يملك المنفعة (قوله: فلا ضمان عليه) أي على المستعير من المستأجر، ولا حاجة إليه بعد قوله وكذا لا ضمان الخ (قوله: لأنه) أي المستعير. وقوله نائب عنه: أي المستأجر (قوله: وهو) أي المستأجر لا يضمن. وقوله فكذا هو: أي المستعير (قوله: وفي معنى المستأجر: الموصى له بالمنفعة، والموقوف عليه) أي فلا ضمان على المستعير منهما (قوله: وكذا مستعار الخ) أي ومثل المستعار من المستأجر والموصى له بالمنفعة والموقوف عليه، المستعار من المالك ليرهنه، فإنه لا ضمان إذا تلف في يد المرتهن، لا على المستعير الذي هو الراهن، ولا على المرتهن، لأن الثاني، أمين، والأول، لم يسقط الحق عن ذمته، كما مر للشارح في مبحث الرهن، أما إذا تلف في يد الراهن قبل الرهن، أو بعد فكاك الرهن، فالضمان عليه، لأنه مستعير الآن (قوله: لا ضمان عليه) أي المرتهن. وقوله كالراهن، أي كما أنه لا ضمان على الراهن، وقد علمت العلة في ذلك (قوله: وكتاب موقوف) بالرفع معطوف على مستعار، أي وكذا كتاب موقوف، فإنه لا ضمان على من استعاره إذا تلف. وقوله على المسلمين، أي وهو أحدهم. وقوله مثلا، اندرج فيه الموقوف على العلماء أو السادة وهو ممنهم (قوله: استعاره فقيه) أي من الناظر (قوله: فتلف في يده من غير تفريط) أي أما به: فيضمن (قوله: لأنه الخ) تعليل لمحذوف: أي فهو لا يضمنه، لأنه من جملة المسلمين الموقوف عليهم (قوله: لو اختلفا) أي المعير والمستعير، صدق المعير، أي بيمينه، وجرى م ر على تصديق المستعير، لأن الأصل براءة ذمته، وعبارته، ولو اختلف في حصول التلف بالاستعمال المأذون فيه أو لا: صدق المستعير بيمينه، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، لعسر إقامة البينة عليه،

البلقيني، لان الاصل في العارية، الضمان، حتى يثبت مسقطه. (و) يجب (عليه) أي على المستعير (مؤنة رد) للمعار على المالك، وخرج بمؤنة الرد، مؤنة المعار، فتلزم المالك، لانها من حقوق الملك. وخالف القاضي، فقال إنها على المستعير. (و) جاز (لكل) من المعير والمستعير (رجوع) في العارية، مطلقة كانت أو مؤقتة، حتى ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأن الأصل براءة ذمته، خلافا لما عزى للجلال البلقيني من تصديق المعير. اه. (قوله: لأن الأصل الخ) علة لتصديق المعير. (وقوله: حتى ينبت مسقطه) أي الضمان، وهو ما مر من كون العارية تكون من مستأجر إجارة صحيحة، أو من المالك للرهن، ونحو ذلك (قوله: ويجب عليه، أي على المستعير مؤنة رد) أي للخبر الصحيح على اليد ما أخذت حتى تؤديه ولأنه قبضها لمنفعة نفسه. قال في المغني، ويجب على المستعير الرد عند طلب المالك، إلا إذا حجر على المالك المعير، فإنه لا يجوز الرد إليه، بل إلى وليه. اه. (قوله: على المالك) متعلق برد، أي رد، على المالك، أي أو نحوه، من مكتر، وما في معناه، كالموصى له بالمنفعة (قوله: وخرج بمؤنة الرد) هي أجرة حمله أو من يوصله إلى المالك (وقوله: مؤنة المعار) أي من نفقة وكسوة ونحوهما (قوله: وخالف القاضي) ضعيف (قوله: وجاز لكل من المعير الخ) شروع في بيان أن العارية جائز من الطرفين، وإنما كانت كذلك لأنها مبرة من المعير، وارتفاق من المستعير، فلا يليق بها الإلزام منهما، أو من أحدهما. (واعلم) أن العقود التي يعتبر فيها عاقدان تنقسم ثلاثة أقسام: أحدها جائز من الطرفين، فلكل من العاقدين فسخه، وهو العارية، والوكالة، والشركة، والقراض، والوديعة، والجعالة قبل الشروع في العمل، أو بعده وقبل تمامه، والوصية للغير بشئ من الأموال، وغير ذلك، كالرهن قبل القبض، والهبة كذلك، والثاني لازم منهما، فليس لأحدهما فسخه بلا موجب يقتضيه، كعيب وهو البيع، والسلم بعد انقضاء الخيار، والصلح، والحوالة، والإجارة، والمساقاة، والهبة بعد القبض، إلا في حق الفرع والوصية بعد موت، وغير ذلك، كالنكاح والخلع، والثالث، جائز من أحدهما، وهو الرهن بعد القبض بالإذن، فإنه جائز من جهة المرتهن، لازم من جهة الراهن والضمان، فإنه جائز من جهة المضمون له، لازم من جهة الضامن. والكتابة: فإنها جائزة من جهة المكاتب، لازمة من جهة السيد، وهبة الأصل لرفعه بعد القبض بالإذن، فإنها جائزة من جهة الأصل، لازمة من جهة الفرع، وغير ذلك، كالجزية، فإنها جائزة من جهة الكافر، لازمة من جهة الإمام، وقد نظمها بعضهم في قوله: من العقود جائز ثمانية وكالة، وديعة، وعارية وهبة من قبل قبض، وكذا شركة، جعالة قراضية ثم السباق ختمها، ولازم من العقود مثلها وها هيه: إجارة، خلع، مساقاة، كذا وصية، بيع نكاح الغانية والصلح أيضا، والحوالة التي تنقل حق ذمة لثانيه وخمسة لازمة من جهة: رهن، ضمان، جزية، أمانيه كتابة، وهي ختام يا فتى فاسمع بأذن للصواب واعية وقوله ثمانية، ليس القصد الحصر، وإلا فهي تزيد على ذلك، ومثله يقال في قوله، ولازم من العقود مثلها، وقوله ثم السباق، أي المسابقة، أي عقدها، وفيه أنها إن كانت من غير عوض من أحدهما، فهي لازمة من الطرفين، وإن كانت بعوض من أحدهما، فهي جائزة في حق الآخر، وقوله أمانيه، بتخفيف الياء، ومراده بها الأمان، فهو جائز من جهة الكافر، لازم من جهتنا، وزاد بعضهم في اللازمة منهما، فقال: وهبة من بعد قبض يا فتى فإنها من بعد قبض لازمه واستثن أصلا أن يهب لفرعه من بعد قبض الفرع فهي جائزة

في الاعارة لدفن ميت قبل مواراته بالتراب، ولو بعد وضعه في القبر، لا بعد المواراة، حتى يبلى، ولا رجوع لمستعير حيث تلزمه الاستعارة، كإسكان معتدة، ولا لمعير في سفينة صارت في اللجة وفيها متاع المستعير. وبحث ابن الرفعة أن له الاجرة. ولا في جذع لدعم جدار مائل بعد استناده، وله الاجرة من الرجوع. ولو استعار ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: حتى في الإعارة لدفن ميت) أي لا يجوز الرجوع، حتى في الإعارة لدفن ميت. وقوله قبل مواراته، متعلق برجوع، أو بجاز (قوله: ولو بعد وضعه في القبر) غاية لجواز الرجوع قبل المواراة. قال سم: المتجه عدم الرجوع بمرجد إدلائه، أي وإن لم يصل إلى أرض القبر، لأن في عوده من هواء القبر بعد إدلائه، إذراء به. اه. قال ع ش: وقوله بمجرد إدلائه، أي أو بعضه، فيما يظهر. اه. (قوله: لا بعد المواراة) أي ليس له الرجوع بعد المواراة، وقوله حتى يبلى، أي يندرس قال سم، قضيته امتناع الرجوع مطلقا فيمن لا يندرس، كالنبي، والشهيد. اه. وقوله كالنبي الشهيد، أو ونحوهما من كل من لا تأكل الأرض جسده. وقد نظمهم بعضهم بقوله: لا تأكل الأرض جسما للنبي ولا لعالم، وشهيد قتل معترك ولا لقارئ قرآن، ومحتسب أدانه، لا له مجرى الفلك ونظمهم الشمس البرلسي بقوله: أبت الأرض أن تمزق لحمالشهيد، وعالم، ونبي وكذا قارئ القرآن، ومن أذن لله حسبة دون شي (قوله: ولا رجوع لمستعير الخ) شروع في ذكر مسائل مستثناة من جواز الرجوع لهما، ومما استثنى أيضا منه غير الذي ذكره، ما إذا أعار كفنا وكفن فيه ميت، وإن لم يدفن، فلا رجوع له، لأن في أخذه إزراء بالميت بعد الوضع. قال ع ش: ويتجه عدم الفرق في الإمتناع بين الثوب الواحد والثلاث، بل والخمس، بخلاف ما زاد. ومنه، ما لو قال أعيروا داري بعد موتي شهرا، لم يكن للوارث الرجوع قبله، إن خرجت أجرته من الثلث ومنه، ما لو أعار دابة أو سلاحا للغزو، فالتقى الصفان، فليس له الرجوع في ذلك، حتى ينكشف القتال ومنه، لو أعاره السترة للصلاة فلا يجوز الرجوع فيها، إذا كانت الصلاة فرضا، وشرع فيها، بل هي لازمة من جهتهما، فإن كانت الصلاة نفلا أو فرضا ولم يحرم بها، جاز للمعير الرجوع فيها. ومنه، ما لو أعار ما يدفع به عما يجب الدفع عنه، كسلاح أو ما بقي نحو برد مهلك، أو ما ينقذ به غريقا. ومنه ما لو أعار أرضا للزرع، فيمتنع الرجوع حتى يبلغ أوان قلعه، إن لم يقصر بتأخيره، فإن قصر، فله الرجوع، حتى لو عين مدة، ولم يدرك فيها الزرع، لتقصير من المستعير قلعه المعير مجانا (قوله: حيث تلزمه الإستعارة كإسكان معتدة) أي فلو استعار دارا لسكن معتدة، فليس له الرد، لأنها لازمة من جانبه (قوله: ولا لمعير في سفينة إلخ) أي ولا رجوع لمعير في سفينة أعارها لوضع متاع فيها قبل وصولها للشط (قوله: وبحث ابن الرفعة أن له) أي للمعير الأجرة فيها: أي من حين الرجوع. وفي البجيرمي: ومقتضى لزوم الأجرة أنه يصح رجوعه. ومقتضى كلام الشارح إنه لا يصح رجوعه إلا بعد وصولها للشط، إلا أن يراد بالرجوع في كلامه، تفريغ المال منها، لا الرجوع بالقول. وضعف س ل كلام الشرح، وقال، الصحيح أنه له الرجوع قبل الشط، ويستحق الأجرة اه. وفي سم ما نصه، وظاهر هذه العبارة المذكورة في هذا المقام أنه حيث قيل بوجوب الأجرة: لا يتوقف وجوبها على عقد، بل حيث رجع: وجب له أجرة مثل كل مدة مضت، ولا يبعد أنه حيث وجبت الأجرة صارت العين أمانة، لأنها وإن كانت عارية صار لها حكم المستأجرة الخ. اه (قوله: ولا في جذع الخ) أي رجوع لمعير في جذع أعاره لدعم جدار، أي لإسناد جدار مائل بعد استناده به (قوله: وله الأجرة) أي ويستحق الأجرة من حين الرجوع في الجذع. وفي ع ش ما نصه. (فائدة) كل مسألة امتنع على المعير الرجوع فيها، تجب له الأجرة إذا رجع، إلا في ثلاث مسائل: إذا أعار أرضا للدفن فيها، فلا رجوع له قبل اندراس الميت، ولا أجرة له إذا رجع، ومثلها: إعارة الثوب للتكفين فيه، لعدم جريان

للبناء أو الغراس، لم يجز له ذلك إلا مرة واحدة. فلو قلع ما بناه أو غرسه، لم يجز له إعادة إلا بإذن جديد، إلا إذا صرح له بالتجديد مرة أخرى. فروع: لو اختلف مالك عين والمتصرف فيه، كأن قال المتصرف أعرتني، فقال المالك بل آجرتك بكذا. صدق المتصرف بيمينه، إن بقيت العين، ولم يمض مدة لها أجرة، وإلا حلف المالك واستحقها، كما لو أكل طعام غيره وقال كنت أبحت لي، وأنكر المالك، أو عكسه، بأن قال المتصرف آجرتني بكذا، وقال المالك بل ـــــــــــــــــــــــــــــ العادة بالمقابل. وإذا أعار الثوب لصلاة الفرض، فليس له الرجوع بعد الإحرام، ولا أحرة له أيضا، وإذا أعار سيفا للقتال، فإذا التقى الصفان: امتنع الرجوع، ولا أجرة له، لقلة زمنه عادة: كما يفيد ذلك كلام سم على المنهج، ونقل اعتماد م ر فيه. اه. (قوله: ولو استعار) أي أرضا، وكان الأولى إفراد هذه المسألة بتتمة، لعدم ارتباطها بما قبلها، وذكرها في التحفة بعد كلام يناسب ارتباطها به، ونص عبارته مع الأصل، وإذا استعار لبناء أو غراس، فله الزرع، لأنه أخف، ولا عكس، لأن ضررهما أكثر، والصحيح أنه لا يغرس مستعير لبناء، وكذا العكس، لاختلاف الضرر، فإن ضرر البناء في ظاهر الأرض أكثر من باطنها، والغراس بالعكس، لانتشار عروقه، وما يغرس للنقل في عامه، ويسمى الشتل، كالزرع، وإذا استعار لواحد مما ذكر ففعله ثم مات، أو قلعه ولم يكن قد صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى: لم يجز له فعل نظيره، ولا إعادته مرة ثانية إلا بإذن جديد. اه. وقوله: لم يجز له: أي للمستعير، وقوله ذلك، أي البناء، أو الغراس (قوله: فلو قلع الخ) تفريع على المفهوم. وقوله أو غرسه، معطوف على بناه، أي أو قلع ما غرسه، (وقوله: إلا بإذن جديد) أي من المعير (قوله: إلا إذا صرح) أي المعير له: أي للمستعير، (وقوله: بالتجديد) أي بتجديد البناء أو الزرع مرة أخرى (قوله: فروع) أي خمسة، أحدها قوله لو اختلف الخ، ثانيها، قوله ولو أعطى رجلا الخ، ثالثها، ولو أخذ الخ، رابعها، ولو استعار حليا الخ، خامسها، ومن سكن الخ (قوله: لو اختلف الخ) أي ولم تكن بينة، كما هو ظاهر وقوله مالك عين، أي كدابة أو ثوب، (وقوله والمتصرف فيها)، أي في تلك العين بركوب أو لبس أو نحوهما (قوله: كأن قال الخ) تمثيل للإختلاف بينهما (وقوله أعرتني)، أي الدابة أو الثوب أو نحوهما (قوله: صدق المتصرف بيمينه) قال في شرح الروض: أي لأنه لم يتلف شيئا حتى نجعله مدعيا لسقوط بدله ويحلف ما آجرتني لتسقط عنه الأجرة، ويرد العين إلى مالكها، فإن نكل، حلف المالك يمين الرد، واستحق الأجرة. اه. (وقوله: إن بقيت العين ولم يمض مدة لها أجرة) قيدان في تصديق المتصرف بيمينه، فلو انتفيا معا، بأن تلفت العين، ومضت مدة لمثلها أجرة، فمدعي العارية مقر بالقيمة لمنكر لها يدعي الأجرة، وهو المالك، فيعطي، الأجرة للمالك بلا يمين، لتوافقهما عليها في ضمن القيمة، هذا إن لم تزد الأجرة على القيمة، فإن زادت عليها، حلف المالك، لأخذ الزائد فقط، فيقول، والله ما أعرتك، بل آجرتك، أو انتفى القيد الأول فقط، بأن تلفت العين ولم تمض مدة لمثلها أجرة، فهو مقر بالقيمة أيضا لمنكرها، وحينئذ تبقى في يده إلى أن يعترف المالك بالعارية، فيدفعها إليه بعد إقراره له بها، قياسا على ما لو أقر شخص لآخر فأنكره، أو انتفى القيد الثاني فقط، بأن مضت مدة لمثلها أجرة وبقيت العين، صدق المالك بيمينه واستحق الأجرة. وهذه الصورة، هي التي ذكرها بقوله وإلا إلخ (قوله: وإلا حلف المالك) راجع للقيد الثاني فقط، كما عرفت، أي وإلا لم تمض مدة لها أجرة، بأن مضت مدة لها أجرة مع بقاء العين، حلف المالك، واستحق الأجرة. (وقوله: كما لو أكل طعام غيره الخ) الكاف للتنظير، أي وما ذكر من تصديق المالك، نظير ما لو أكل طعام غيره وقال كنت أبحت لي الأكل من طعامك وأنكر المالك ذلك، فالمصدق المالك بيمينه، ويستحق بدل الطعام. قال في شرح الروض، عاطفا على قوله كما لو أكل الخ، ولأنه إنما يؤذن في الإنتفاع غالبا بمقابل، وفرقوا بين هذه وبين ما لو قال الغسال أو الخياط فعلت بالأجرة ومالك الثوب مجانا، حيث لا يصدق مالك المنفعة بل مالك الثوب، بأن العامل فوت منفعة نفسه ثم ادعى عوضا على الغير والمتصرف فوت منفعة مال غيره وطلب إسقاط الضمان عن نفسه فلم يصدق. اه. (قوله: أو عكسه) بالجر معطوف على المصدر

أعرتك والعين باقية، صدق المالك بيمينه، ولو أعطى رجلا حانوتا ودراهم، أو أرضا وبذرا، وقال اتجر، أو ازرعه فيها لنفسك، فالعقار عارية، وغيره قرض، على الاوجه، لا هبة خلافا لبعضهم، ويصدق في قصده، ولو أخذ كوزا من سقاء ليشرب منه، فوقع من يده وانكسر قبل شربه أو بعده، فإن طلبه مجانا، ضمنه، دون الماء، أو بعوض والماء قدر كفايته، فعكسه. ولو استعار حليا، وألبسه بنته الصغيرة، ثم أمر غيره بحفظه في بيته، ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤول من أن وقال: أي وكعكس ذلك، أو بالنصب عطف على مقول القول، أي أو قال كل منهما عكس ما مر. وقوله بأن قال الخ: تصوير للعكس (قوله: والعين باقية) فلو اختلفا بعد تلفها وبعد مضي، مدة لها أجرة، فالمالك يدعي القيمة، وينكر الأجرة، والآخر بالعكس، فيأخذ المتفق عليه بلا يمين، وهو الأجرة، فإن زادت الأجرة على القيمة، حلف عليه، وأخذه، كما تقدم، فإن لم تمض تلك المدة، حلف المالك، وأخذ القيمة، لأن الأصل، عدم مسقطها. (وقوله: صدق المالك بيمينه) الأولى فيصدق المالك بيمينه، بفاء التفريع، أي يصدق في نفي الإجارة بيمينه، لأن الآخر يدعي استحقاق المنفعة عليه، والأصل عدمه، ثم يسترد العين، فإن نكل حلف المتصرف، واستوفى المدة، ويكون مقرا له بأجرة ينكرها، فتبقى في يده إلى إقرار المالك كما تقدم قريبا (قوله: ولو أعطى رجلا حانوتا الخ) عبارة الروض مع شرحه. (فرع) لو أعطاه حانوتا ودراهم، أو أرضا وبذرا، وقال اتجر بالدراهم فيه، أي الحانوت، أو ازرعه، أي البذر فيها: أي الأرض، لنفسك، فالأرض في الثانية، والحانوت في الأولى عارية. وهل الدراهم أو البذر قرض أو هبة؟ وجهان، قياس ما مر في الوكالة، من أن لو قال: اشتر لي عبد فلان بكذا، ففعل، ملكه الآمر، ورجع عليه المأمور ببدل ما دفعه ترجيع الأول. ثم رأيت الشيخ ولي الدين العراقي نبه على ذلك، وزاد في الأنوار بعد قوله فيه وجهان، والقول قوله في القصد. اه. (قوله: وقال اتجر) أي بالدراهم في الحانوت، فخذف معمولاه لدلالة ما بعده عليه. (وقوله: أو ازرعه) أي البذر فيها، أي في الأرض، (وقوله: لنفسك) متعلق بكل من اتجر، أو ازرعه (قوله: فالعقار) أي من الأرض والحانوت (قوله: وغيره) أي غير العقار من الدراهم والبذر، وقوله قرض: أي حكمي (قوله: خلافا لبعضهم) أي في جعله غير العقار هبة (قوله: ويصدق في قصده) يعني إذا اختلفا، فقال المالك قصدت القرض، وقال الآخر قصدت الهبة، فإنه يصدق المالك فيما قصده (قوله: ولو أخذ كوزا من سقاء الخ) قد أوضح هذه المسألة ابن العماد في أحكام الأواني والظروف وما فيها من المظروف كما نقلها البجيرمي عنه وعبارته. (فرع) قال المتولي: إذا قال للسقاء اسقني، فناوله الكوز، فوقع من يده، فانكسر قبل أن يشرب الماء، فإن كان قد طلب أن يسقيه بغير عوض، فالماء غير مضمون عليه، لأنه حصل في يده بحكم الإباحة، والكوز مضمون عليه، لأنه عارية في يده وأما إذا شرط عليه عوضا، فالماء مضمون عليه بالشراء الفاسد، والكوز غير مضمون، لأنه مقبوض بالإجارة الفاسدة. وإن أطلق فالإطلاق يقتضي البدل، لجريان العرف به، فإن انكسر الكوز بعد الشرب، فإن لم يكن قد شرط العوض، فالكوز مضمون، والماء غير مضمون وإن كان قد شرط العوض، لم يضمن الكوز ولا بقية الماء الفاضل في الكوز، لأن المأخوذ على سبيل العوض، القدر الذي يشربه، دون الباقي، فيكون الباقي، أمانة في يده. اه. ومثل الكوز، في التفصيل المذكور، فنجان القهوة المأخوذ بها لشربها، وقنينة الفقاع، أي قزازة الزبيب، المأخوذة به لشربه. (قوله: فإن طلبه) أي طلب الآخذ السقاء، أي أن يسقيه بأن قال له اسقني، فمفعول طلب الثاني محذوف. وقوله مجانا، أي بغير عوض، (وقوله: ضمنه) أي الكوز، لأنه في حكم العارية. (وقوله: دون الماء) أي فلا يضمنه، لأنه مأخوذ بطريق الإباحة (قوله: أو بعوض) معطوف على مجانا: أي أو طلبه بعوض بأن قال له اسقني بكذا. و (وقوله: والماء قدر كفايته) أي والحال أن الماء الذي في الكوز قدر كفايته، وخرج به، ما لو زاد عليها، فإنه يضمن قدر الكفاية دون الزائد لأن

ففعل، فسرق غرم المالك المستعير، ويرجع على الثاني، إن علم أنه عارية، وإن لم يكن يعلم أنه عارية، بل ظنه للآمر، لم يضمن. ومن سكن دارا مدة بإذن مالك أهل، ولم يذكر له أجرة، لم تلزمه. مهمة قال العبادي وغيره في كتاب مستعار رأى فيه خطأ لا يصلحه إلا المصحف فيجب. قال شيخنا: والذي يتجه أن المملوك غير المصحف لا يصلح فيه شئ، إلا إن ظن رضا مالكه به، وأنه يجب إصلاح المصحف، لكن إن لم ينقصه خطه، لرداءته، وأن الوقف يجب إصلاحه، إن تيقن الخطأ فيه. ـــــــــــــــــــــــــــــ المأخوذ بالعوض، هو الأول، دون الثاني، فهو أمانة في يده، كما تقدم آنفا، وقوله فعكسه، أي فالمضمون عكسه، وهو الماء، لأنه مأخوذ بطريق البيع الفاسد دون الكوز، لأنه مأخوذ بطريق الإجارة الفاسدة، وفاسد كل عقد كصحيحه (قوله: ولو استعار) أي شخص من مالك الحلي (قوله: ثم أمر) أي المستعير بعد نزعه من بيته، (وقوله: غيره) أي شخصا آخر غيره، (وقوله: بحفظه) أي الحلى، (وقوله: في بيته) أي ذلك الغير. (وقوله: ففعل) أي أخذه ذلك الغير وحفظه في بيته. (وقوله: فسرق) أي ذلك الحلى (قوله: غرم) بتشديد الراء: جواب لو (قوله: ويرجع) أي المستعير، (وقوله: على الثاني) أي المأمور بحفظه، (وقوله: إن علم) أي الثاني، وهو قيد في الرجوع، وإنما رجع عليه حينئذ، لأنه إذا علم بذلك، كان عليه أن يعتني بحفظه، فهو ينسب إلى تقصير إذا سرق من عنده (قوله: وإن لم يكن) أي الثاني تصريح بالمفهوم (قوله: بل ظنه للآمر) أي ملكا له (قوله: لم يضمن) جواب إن (قوله: بإذن مالك أهل) أي للإذن، بأن كان رشيدا (قوله: ولم يذكر) أي المالك له أي للساكن، أي لم يشرط عليه أجرة (قوله: لم تلزمه) أي لم تلزم الساكن الأجرة، أي لأن المالك متبرع بالسكنى. قال ع ش: في باب الإجارة، ومثل ذلك، أي في عدم لزوم الأجرة، ما جرت به العادة، من أنه يتفق أن إنسانا يتزوج امرأة، ويسكن بها في بيت أهلها مدة، ولم تجر بينهما تسمية أجرة، ولا ما تقوم مقام التسمية. اه. (قوله: قال شيخنا الخ) عبارته. (فرع) قال العبادي وغيره، واعتمدوه في كتاب مستعار، أي فيه خطأ لا يصلح إلا المصحف، فيجب، ويوافقه إفتاء القاضي، بأنه لا يجوز رد الغلط في كتاب الغير، وقيده الريمي بغلط لا يغير الحكم، وإلا رده، وكتب الوقف أولى، وغيره، بما إذا تحقق ذلك دون ما ظنه، فليكتب، لعله كذا ورد بأن كتابه لعله، إنما هي عند الشك في اللفظ، لا الحكم، والذي يتجه، أن المملوك غير المصحف لا يصلح فيه شيئا مطلقا إلا إن ظن رضا مالكه به. وأنه يجب إصلاح المصحف، لكن إن لم ينقصه خطه، لرداءته، وأن الوقف يجب إصلاحه، وإن تيقن الخطأ فيه، وكان خطه مستصلحا، سواء المصحف وغيره، وأنه متى تردد في عين لفظ، أو في الحكم، لا يصلح شيئا، وما اعتيد من كتابة، لعله كذا، وإنما يجوز في ملك الكاتب. اه. قال ع ش: أقول قول حجر إن لم ينقصه خطه الخ: ينبغي أن يدفعه لمن يصلحه، حيث كان خطه مناسبا للمصحف، وغلب على ظنه إجابة المدفوع إليه، ولم تلحقه مشقة في سؤاله، (وقوله: وكان خطه مستصلحا) أي وخرج بذلك كتابة الحواشي بهامشه، فلا يجوز، وإن احتيج إليها، لما فيه من تغيير الكتاب عن أصله، ولا نظر لزيادة القيمة بفعلها، للعلة المذكورة. اه. (قوله: أن المملوك) أي الكتاب المملوك (قوله: إلا إن ظن رضا مالكه) أي فإنه يجوز. (وقوله: به) أي بالإصلاح (قوله: وأن الوقف) أي الكتاب الموقوف، وهو معطوف على أن المملوك ومقابل له (قوله: إن تيقن الخطأ فيه) أي وكان خطه مستصلحا. والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في بيان أحكام الغصب الغصب: استيلاء على حق غير، ولو منفعة، كإقامة من قعد بمسجد أو سوق بلا حق، كجلوسه على ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في بيان أحكام الغصب أي في بيان أحكام الغصب، كوجوب رده، ولزوم أرش نقصه، وأجرة مثله، إلى غير ذلك والمعتمد أنه كبيرة مطلقا، وقيل كبيرة إن كان المغصوب مالا بلغ نصاب سرقة، وإلا فصغيرة، كالإختصاص ونحوه. والأصل في تجريمه قبل الإجماع آيات: كقوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (1) أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، وقوله تعالى: * (ويل للمطففين) * (2) وأخبار كخبر إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم وخبر من ظلم شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين رواهما الشيخان، وفي رواية لهما: من غصب قيد شبر من أرض: طوقه من سبع أرضين يوم القيامة وقيد بكسر القاف وسكون الياء: بمعنى قدر. وطوقه، بضم أوله، وكسر الواو المشددة، يحتمل أنه على حقيقته، بأن يجعل كالطوق في عنقه، ويطول عنقه جدا حتى يسع ذلك، ويحتمل أنه كناية عن شدة عذابه ونكاله (قوله: الغصب الخ) أي شرعا، أما لغة، فهو أخذ الشئ ظلما مجاهرة وقيل أخذ الشئ ظلما مطلقا، ودخل في الشئ، المال، وإن لم يتمول، كحبة بر، والاختصاص، كالسرجين، والخمر المحترمة، وخرجت السرقة على القول الأول، ودخلت على القول الثاني، فتسمى غصبا لغة (قوله: استيلاء على حق غير) استيلاء، مصدر استولى يقال استولى على كذا إذا صار في يده قال البجيرمي: والمراد به ما يشمل منع الغير من حقه، وإن لم يستول عليه، بدليل قوله: كإقامة من قعد بمسجد فهو استيلاء حكما. اه. وتعبيره بقوله على حق، غير أعم من قول غيره على مال الغير، لأنه يدخل في الحق، الاختصاص، والمنافع، بخلاف المال، فلا يدخل فيه ما ذكر وفي شرح الروض، ولا يصح قول من قال هو الإستيلاء على مال الغير، لأنه يخرج، الكلب، والخنزير والسرجين، وجلد الميتة، وخمر الذمي، وسائر الاختصاصات، وحق التحجر. (قوله: ولو منفعة) أي: ولو كان ذلك الحق منفعة، وقوله كإقامة من قعد بمسجد أو سوق، زاد في التحفة بعده، والجلوس محله، ولم يزده في النهاية. وكتب البجيرمي: قوله من قعد بمسجد، أي وإن لم يستول على محله. اه. وهو يوافق تعريفه السابق للاستيلاء، أي فإذا أقام من قعد في مسجد أو سوق، أي أو موات، أو منعه من سكنى بيت رباط مع استحقاقه له، فهو غاصب (قوله: بلا حق) متعلق باستيلاء، وكان الأولى تقديمه على المثال، لتنضم القيود إلى بعضها، والمثل إلى بعضها، ولأن ظاهر عبارته يقتضي أنه متعلق بإقامة، مع أنه من تتمة التعريف، فهو متعلق باستيلاء. وخرج به: العارية، والسوم، ونحوهما، كالبيع، فإن في ذلك استيلاء على حق الغير، لكن بحق. ودخل فيه، ما لو أخذ مال غيره يظنه ماله، فإنه غصب، والتعبير به أولى من قول غيره عدونا، لأنه يخرج به ما ذكر، فيقتضي أن ذلك ليس غصبا، مع أنه غصب حقيقة، على المعتمد خلافا لقول الرافعي، إن الثابت في هذه حكم الغصب، لا حقيقته، وهو ناظر إلى أن الغصب يقتضي الإثم مطلقا، وليس كذلك، بل هو غالب فقط. (والحاصل) أن الغصب، إما أن يكون فيه الإثم والضمان، كما إذا استولى على مال غيره المتمول عدوانا، أو الإثم دون الضمان، كما إذا استولى على اختصاص غيره، أو ماله الذي لا يتمول عدوانا، أو الضمان دون الإثم، كما إذا استولى على مال غيره المتمول يظنه ماله، فهذه ثلاثة أقسام، وزاد بعضهم قسما رابعا: هو ما انتفى فيه الإثم والضمان، كأن أخذ اختصاص غيره يظنه اختصاصه. (تنبيه) لو أخذ مال غيره بالحياء، كان له حكم الغصب، فقد قال الغزالي: من طلب من غيره مالا في الملأ، أي

_ (1) سورة البقرة، الاية: 188. (2) سورة المطففين، الاية: 1.

فراش غيره، وإن لم ينقله، وإزعاجه عن داره، وإن لم يدخلها، وكركوب دابة غيره، واستخدام عبده. (وعلى الغاصب: رد وضمان متمول تلف بأقصى قيمه من حين غصب إلى تلف ويضمن) مثلي، وهو ما حصره كيل، أو وزن. وجاز السلم فيه كقطن، ودقيق، وماء ومسك، ونحاس ودراهم ودنانير، ولو مغشوشا، وتمر، وزبيب، ـــــــــــــــــــــــــــــ الجماعة من الناس، فدفعه إليه لباعث الحياء، لم يملكه، ولا يحل له التصرف فيه. وهو من باب أكل أموال الناس بالباطل. (قوله: كجلوسه على فراش غيره) معطوف على كإقامة، بحذف العاطف، ولعله سقط من النساخ، كما هو ظاهر، أي وكجلوسه على فراش غيره، أي بغير إذنه، فهو غاصب له وإن لم ينقله. ثم إن كان الفراش صغيرا، ضمنه كله، وإن كان كبيرا، ضمن ما يعد مستوليا عليه منه، لا جميعه، ولو جلس عليه آخر بعد قيام الأول، فهو غاصب له، ويضمنه أيضا. وقرار الضمان على من تلف تحت يده. فإن تلف بعد انتقال كل منهما عنه، فعلى كل القرار، بمعنى أن من غرم منهما، لا يرجع على صاحبه، لا أن المالك يغرم كلا منهما بدل كل المغصوب، كما هو ظاهر (قوله: وإزعاجه عن داره) معطوف على جلوسه على فراش غيره: أي وكإزعاجه، أي إخراجه منها، ومثله، منعه من دخولها، وإن لم يدخلها (قوله: وكركوب دابة غيره) أي من غير إذنه، وإن كان مالكها حاضرا وسيرها، بخلاف ما لو وضع عليها متاعا من غير إذنه بحضوره فسيرها المالك، فإنه يضمن المتاع، ولا يضمن مالكه الدابة، إذ لا استيلاء منه عليها. اه. تحفة، ونهاية (قوله: واستخدام عبده) أي الغير: أي بغير إذنه وعبارة فتح الجواد، وألحق بها، أي الدابة، ابن كج: استخدام العبد. اه. وهذه المثل كلها من قوله كإقامة من قعد الخ للإستيلاء على المنافع (قوله: وعلى الغاصب رد) أي للمغصوب فيما إذا بقي، وهذا شروع فيما يلزم الغاصب بغصبه، فذكر أنه يلزمه الرد والضمان، ويلزمه أيضا التعزير لحق الله تعالى، يستوفيه منه الإمام أو نائبه، وإن أبرأه المالك، والرد على الفور في المتمول وغيره عند التمكن، وإن عظمت المؤنة في رده وله استئجار المالك في رده، (وقوله: وضمان متمول) أي محترم، وهو بفتح الواو، أخذا من قول المصباح، تمول: اتخذ مالا، وموله غيره. ع ش وخرج بالمتمول: غيره، كحبة بر، وكلب، وزبل، وسائر الاختصاصات، فلا ضمان فيه، حتى لو كان صاحب اليد قد تكلف على نقل الجلود والسرجين أموالا كثيرة. وبالمحترم، غيره كمرتد، وزان محصن، وقاطع طريق، وتارك صلاة، فلا ضمان فيه أيضا. (وقوله: تلف) أي بآفة أو بإتلاف (قوله: بأقصى قيمة) متعلق بضمان، أي وعلى الغاصب ضمان متمول تلف بأقصى قيمة، أي أبعدها وأكثرها من حين غصب إلى حين تلف. وهذا يفيد أن المتمول هو المتقوم، لأنه هو الذي يضمن بأقصى القيم، وليس كذلك، بل هو شامل له وللمثلي. وعبارة المنهج، وعلى الغاصب رد وضمان متمول تلف، ثم قال: ويضمن مغصوب متقوم تلف بأقصى قيمة من غصب إلى تلف الخ، فلا بد من تأويل في كلامه بحمل المتمول على خصوص المتقوم، أو بتقدير متعلق: أي ويضمن متقوم بأقصى الخ ومثلي بمثله، ثم إنه يضمنه بذلك، وإن زاد على دية الحر، لتوجه الرد عليه حال الزيادة، فيضمن الزائد (قوله: ويضمن مثلي) أي مغصوب مثلي (قوله: وهو) أي المثلي. (وقوله: ما حصره كيل أو وزن) أي ما ضبطه شرعا كيل أو وزن، بمعنى أنه يقدر شرعا بالكيل أو الوزن، وليس المراد ما أمكن فيه ذلك، فإن كل شئ يمكن وزنه، حتى الحيوان، فخرج بذلك، ما يعد كالحيوان، أو يذرع كالثياب. وقوله وجاز السلم فيه، خرج به الغالية والمعجون ونحوهما، لأن المانع من ثبوت ذلك في الذمة بعقد السلم، مانع من ثبوته بالتلف والإتلاف، وشمل التعريف الردئ نوعا. أما الردئ عيبا، فليس بمثلي، لأنه لا يجوز السلم فيه. قال في شرح الروض، وأورد الأسنوي عليه القمح المختلط بالشعير، فإنه لا يجوز السلم فيه، مع أن الواجب فيه المثل، فيخرج القدر المحقق منهما، ويجاب بأن إيجاب رد مثله لا يستلزم كونه مثليا، كما في إيجاب رد مثل المتقوم في القرض. اه. وقوله فيخرج القدر المحقق منهما، أي من البر والشعير، ويتصور ذلك بإخراج أكثر من الواجب، فإذا كان الواجب أردبا مثلا، وبعضه بر وبعضه شعير، وشك، هل البر نصف أو ثلث؟ فيخرج من البر نصفا، ومن الشعير ثلثين، وقال بعضهم: معناه أنا إن تحققنا قدر كل منهما: أخرجنا، وإلا عدلنا إلى القيمة. اه. بجيرمي، (وقوله: ويجاب الخ) حاصل هذا الجواب، منع كونه مثليا، بل هو

وحب جاف، ودهن، وسمن (بمثله) في أي مكان حل به المثلي، فإن فقد المثل، فيضمن بأقصى قيم من غصب إلى فقد. ولو تلف المثلي: فله مطالبته بمثله في غير المكان الذي حل به المثلي، إن لم يكن لنقله مؤنة، وأمن الطريق وإلا فبأقصى قيم المكان. ويضمن متقوم أتلف، كالمنافع والحيوان، بالقيمة. ويجوز أخذ القيمة ـــــــــــــــــــــــــــــ متقوم وإن وجب رد مثله، فهو جواب بالمنع (قوله: كقطن) أي وإن لم ينزع حبه، وهو تمثيل لما حصره وزن. (وقوله: ودقيق وماء) مثالان لما حصره كيل وما حصره وزن، لأن كلا منهما يقدر بكيل وبوزن قال البجيرمي: ولا فرق في الماء بين أن يكون عذبا أو ملحا مغلي، أو لا، على المعتمد هنا وفي الربا، ومن المثلي: الخلول مطلقا سواء كان فيها ماء أم لا، على المعتمد، خلافا لمن قيدها بالتي لا ماء فيها، لأن الماء من ضرورياتها، ومثلها سائر المائعات، سواء أغليت أم لا، على المعتمد أيضا. ع ش. بنوع تصرف. (وقوله: على المعتمد) أي عند م ر والخطيب، والذي جرى عليه شيخ الإسلام وابن حجر، أن الماء المغلي متقوم وليس بمثلي (قوله: ومسك) مثال لما حصره وزن فقط وذلك لأن ليسيره المختلف بالكيل والوزن، مالية كثيرة، ومثل المسك، ما بعده من النحاس، والدراهم، والدنانير: فإنها لما حصره الوزن. وأما التمر وما بعده، إلى آخر الأمثلة، فهي تقدر بالكيل وبالوزن، فتكون أمثلة لما حصره كيل، ولما حصره وزن (قوله: ولو مغشوشا) أي ولو كان كل من الدراهم والدنانير مغشوشا: أي أو مكسرا (قوله: وحب جاف) هكذا قيد به في شرح الروض، ولم تقيد به في التحفة، وفي فتح الجواد، وحب صاف، بالصاد المهملة، واحترز به عن المختلط بالشعير، فإنه متقوم، وإن وجب رد مثله، كما مر (قوله: بمثله) متعلق بيضمن، أي يضمن مثلي تلف بمثله، وذلك لآية * (فمن اعتدى عليكم) * (1) ولأنه أقرب إلى التالف، ولأن المثل، كالنص، لأنه محسوس، والقيمة: كالإجتهاد، ولا نظر إلى الإجتهاد إلا عند فقد النص، ويشترط لضمانه بالمثل، شروط خمسة. الأول: أن يكون له قيمة في محل المطالبة، فلو فقدت قيمته فيه كأن أتلف ماء بمفازة، ثم اجتمع بمحل لا قيمة للماء فيه أصلا. لزمه قيمته بمحل الإتلاف، الثاني: أن لا يكون لنقله من محل المطالبة إلى محل الغصب مؤنة، فإن كان لنقله من ذلك، غرمه قيمته بمحل التلف، الثالث: أن لا يتراضيا على القيمة، الرابع: أن لا يصير المثلي متقوما أو مثليا آخر. والأول، كجعل الدقيق خبزا، والثاني، كجعل السمسم شيرجا، فإن صار كذلك، فإن كان الذي صار إليه المثلي أكثر قيمة، فيضمن بقيمته في الأولى، ويتخير المالك بمطالبته بأي المثلين في الثانية، وإن لم يكن كذلك، ضمن المثل فيهما مطلقا سواء ساوت قيمته الآخر، أو زادت عليه. الخامس: وجود المثل، فإن فقد، عدل عنه إلى القيمة. وقوله في أي مكان حل به المثلي، متعلق بيضمن أيضا، والمراد بالضمان، المطالبة، أي يطالب بمثله في أي مكان نقل الغاصب المغصوب المثلي إليه (قوله: فإن فقد المثل) أي حسا أو شرعا: كأن لم يوجد بمكان الغصب ولا حواليه، أو وجد بأكثر من ثمن مثله (قوله: فيضمن بأقصى قيم) أي قيم المكان الذي حل به المثلي. (وقوله: من غصب إلى فقد) أي من حين غصب إلى حين فقد للمثل. وفي التحفة ما نصه: هل المعتبر قيمة المثل أو المغصوب؟ وجهان، رجح السبكي وغيره، الأول، قالوا: لأنه الواجب، وإن كان المغصوب هو الأصل الخ. اه. وفي البجيرمي، بعد كلام، وإنما قلنا المضمون هو المثل لا المثلي، لئلا يلزم تقويم التالف، فلو غصب زيتا في رمضان فتلف في شوال، وفقد مثله في المحرم، طولب بأقصى قيمة المثل من رمضان إلى المحرم، فإن كانت قيمته في الحجة أكثر، اعتبرت. اه. (قوله: ولو تلف المثلي الخ) صنيعه يقتضي أن المثلي في قوله ويضمن مثلي بمثله الخ لم يكن قد تلف، وأن القيدين الآتيين، أعني قوله إن لم يكن لنقله مؤنة، (وقوله: وأمن الطريق) ليسا راجعين إليه، وليس كذلك، فكان الأولى والأخصر أن يحذف قوله ولو تلف المثلي، ويقول وله مطالبته به في غير المكان الذي حل به المثلي. والمعنى أنه يضمن المثلي بمثله، أي يطالب بمثله في أي مكان حل به المثلي، وله أن يطالب بمثله في غير المكان المذكور، ويكون القيدان راجعين لقوله ويضمن الخ، ولقوله وله أن يطالب الخ، أي

_ (1) سورة البقرة، الاية: 194.

عن المثلي بالتراضي. وإذا أخذ منه القيمة، فاجتمعا ببلد التلف، لم يرجعا إلى المثل، وحيث وجب مثل، فلا أثر لغلاء، أو رخص. ـــــــــــــــــــــــــــــ يضمن في أي مكان حل به المثلي إن لم يكن لنقله من محل المطالبة إلى مكان الغصب مؤنة، وكان الطريق آمنا. وله أن يطالب في غير المكان المذكور، إن لم يكن كذلك، وكان الطريق كذلك، فتنبه. وقوله في غير المكان الذي حل به المثلي، سواء كان المكان الذي حل به هو الذي تلف فيه، أو كان مكانا آخر. بجيرمي (قوله: إن لم يكن لنقله الخ) أي إن لم يكن لنقله، أي من بلد الغصب أو التلف إلى البلد الآخر الذي ظفر به فيه مؤنة، وكان الطريق بين البلدين آمنا، إذ لا ضرر حينئذ على واحد منهما. قال في التحفة: وقضيته بل صريحه، وصريح ما مر في السلم والقرض، أن ماله مؤنة وتحملها المالك، كما لا مؤنة له، بل هو داخل فيه، لأنه بعد التحمل، يصدق عليه أنه لا مؤنة له، ولا ينافيه قوله لو تراضيا على المثل لم يكن له تكليفه مؤنة النقل، ولا قول السبكي والقمولي كالبغوي لو قال له الغاصب خذه وخذ مؤنة حمله، لم يجبر، أما الأول: فلأن على الغاصب ضررا في أخذ المثل، ومؤنة النقل منه. وأما الثاني: فلأن على المالك ضررا في تكليفه حمله إلى بلده، وإن أعطاه الغاصب مؤنة، وأما صورتنا فلا ضرر فيها على واحد منهما، لأن المالك إذا رضي بأخذ المثل، ودفع مؤنة حمله، لم يكن على الغاصب ضرر بوجه. اه. وفي البجيرمي، قوله إن لم يكن لنقله مؤنة، أي على المالك، أو الغاصب. وقوله وأمن، أي كل من المالك والغاصب، وهذان في الحقيقة شرطان لإجبار المالك الغاصب على دفع المثل، ولإجبار الغاصب المالك على أخذه، فقوله فلا يطالب بالمثل، أي لا يجبر الغاصب على دفع المثل إن كان على الغاصب مؤنة في نقل المغصوب إلى هذا المكان، أو خاف الطريق، كأن غصب برا بمصر وتلف بها، ثم طالبه بمكة لا يجب هناك دفع المثل، وقوله ولا للغاصب الخ، أي إن كان على المالك مؤنة في رد المثل إلى مكان الغصب، أو خاف الطريق، كما لو غصب برا بمكة وتلف فيها، ثم لقي المالك بمصر، ليس له تكليفه قبول المثل. اه. (قوله: وإلا) أي بأن كان لنقله مؤنة، ولم يتحملها المالك، أخذا مما تقرر، أو خاف الطريق، (وقوله: فبأقصى قيم المكان) أي فيضمنه بأقصى قيم المكان الذي حل به المثلي، وعبارة المنهاج، وإلا فلا مطالبة بالمثل، بل يغرمه قيمة بلد التلف قال في التحفة، سواء كانت بلد الغصب أم لا، هذا إن كانت أكثر قيمة من المحال التي وصل إليها المغصوب، وإلا فقيمة الأقصى من سافر البقاع التي حل بها المغصوب، وذلك لأن تعذر الرجوع للمثل كفقده، والقيمة هنا للفيصولة، فإذا غرمها، ثم احتمعا في بلد المغصوب، لم يكن للمالك ردها وطلب المثل، ولا للغاصب استردادها وبذل المثل. اه (قوله: ويضمن متقوم أتلف) هذا يغني عنه قوله سابقا، وضمان متمول تلف بأقصى قيمة الخ. إلا أن يحمل ما هنا على غير المغصوب، ويؤيده التصريح به في عبارة المنهج ونصها: ويضمن متقوم أتلف بلا غصب بقيمة وقت تلف. وكتب البجيرمي: هذا محترز قوله متقوم مغصوب. اه. فلو صنع المؤلف كصنيع المنهج، لكان أولى (قوله: كالمنافع والحيوان) تمثيل للمتقوم، وصورة تلف المنافع المغصوبة أن يسكن دار غيره، أو يركب الدابة، فتلزمه القيمة، وهي هنا أجرة المثل، وصورة تلف غير المغصوبة، أن يعير المستعير الدار التي استعارها من غير إذن مالكها، فالمالك يضمن المستعير، وهو يرجع إلى الساكن بالقيمة وهي ما مر (قوله: بالقيمة) متعلق بيضمن، أي يضمن بالقيمة، أي وقت التلف فقط، إن حمل قوله ويضمن متقوم على غير المغصوب، كما علمت، فإن حمل على المغصوب، كما هو ظاهر صنيعه، فيضمن بأقصى القيم من حين الغصب إلى حين التلف (قوله: ويجوز أخذ القيمة الخ) الأولى تقديمه هو وما بعده على قوله ويضمن متقوم الخ (قوله: وإذا أخذ منه) أي من الغاصب، وهو مرتبط بقوله ويجوز أخذ القيمة على المثلي وجعله شرح المنهج مرتبطا بقوله وإلا فبأقصى قيم المكان، والمعنى إذا أخذ منه القيمة في غير المكان الذي حل به المثلي، ثم اجتمعا في بلد الغصب أو التلف: لم يرجعا إلى المثل، فهي للفيصولة (قوله: وحيث وجب مثل الخ) عبارة الروض وشرحه: وحيث وجب المثل، فحدث فيه غلاء أو رخص لم يؤثر في استحقاق المالك له، فلو أتلف مثليا في وقت الرخص فله طلب المثل في وقت الغلاء، ولو أتلفه في وقت الغلاء وأتى به في وقت الرخص لزمه القيمة. نعم:

(فروع) لوحل رباط سفينة فغرقت بسببه ضمنها، أو بحادث ريح، فلا. وكذا إن لم يظهر سبب، ولو حل وثاق بهيمة، أو عبد لا يميز، أو فتح قفصا عن طير، فخرجوا، ضمن إن كان بتهييجه وتنفيره. وكذا إن اقتصر على الفتح، إن كان الخروج حالا لا عبدا عاقلا حل قيده فأبق، ولو معتادا للاباق. ولو ضرب ظالم عبد غيره فأبق، لم يضمن. ويبرأ الغاصب برد العين إلى المالك، ويكفي وضعها عنده ولو نسيه برئ بالرد إلى القاضي. ولو خلط مثليا أو متقوما بما لا يتميز: كدهن، أو حب، وكذا درهم، على الاوجه، بجنسه، أو غيره، وتعذر ـــــــــــــــــــــــــــــ إن أخرج المثل عن أن يكون له قيمة أصلا، لزمه قيمة المثل. اه. بحذف (قوله: فروع) أي خمسة، وكلها استطرادية، ما عدا الرابع، والخامس، وهما قوله ويبرأ الغاصب الخ، وقوله ولو خلط الخ. ومحلها، في الجنايات، ومناسبتها للغصب، من حيث الضمان (قوله: لو حل رباط سفينة) أي فك رباطها (قوله: فغرقت) أي السفينة، وقوله بسببه: أي الحل (قوله: أو بحادث ريح) أي أو غرقت لا بسبب الحل، بل بسبب ريح حادث أو غيره. وقوله: فلا، أي فلا يضمنها. (قوله: وكذا إن لم يظهر سبب) أي وكذلك لا ضمان إن لم يظهر سبب للغرق، أي من ريح أو غيره، عبارة الروض. (فرع) حل رباط سفينة فغرقت بحله: ضمن، أو بحادث ريح، فلا - فإن لم يظهر حادث: فوجهان قال في شرحه: أحدهما المنع، أي من الضمان، كالزقاق، قال الزركشي: وهو الأقرب، للشك في الموجب. والثاني: يضمن، لأن الماء أحد المتلفات. اه (قوله: ولو حل وثاق بهيمة) أي رباطها (قوله: أو عبد لا يميز) أي أو حل وثاق عبد غير مميز، بأن كان مجنونا، أو صغيرا، أما إذا كان مميزا، فلا ضمان بحل وثاقه، كما يأتي قريبا (قوله: أو فتح الخ) معطوف على حل (قوله: فخرجوا) أي ذهبوا، بأن هربت البهيمة، وأبق العبد، وطار الطير (قوله: ضمن) جواب لو (قوله: إن كان بتهييجه الخ) هذا وما بعده إنما يلائم الأخير، أعني فتح القفص عن الطير، وعبارة الروض وشرحه. (فرع) لو فتح قفصا عن طائر، فطار في الحال، وإن لم يهيجه، ضمن، لأن طيرانه في الحال يشعر بتنفيره، وإلا بأن وقف ثم طار، فلا يضمنه، لأن طيرانه بعد الوقوف، يشعر باختياره وإن أخذته هرة بمجرد الفتح وقتلته، وإن لم تدخل القفص، أو لم يعهد ذلك منها، فيما يظهر، أو طار فصدمه جدار فمات، أو كسر في خروجه قارورة، أو القفص، ضمن ذلك، لأنه ناشئ من فعله، ولأن فعله في الأولى، في معنى إغراء الهرة وحل رباط البهيمة، والعبد المجنون، وفتح باب مكانهما كفتح القفص فيما ذكر وفي معنى المجنون: الصبي الذي لا يميز، لا العبد العاقل، ولو كان آبقا، لأنه صحيح الإختيار. اه. بحذف (قوله: وكذا إن اقتصر الخ) أي وكذلك يضمن إن اقتصر على الفتح، ولم يهيجه، لكن بشرط خروجه من القفص حالا، وإن فلا ضمان (قوله: لا عبدا عاقلا الخ) أي لا يضمن عبدا عاقلا حل وثاقه فأبق، لأنه صحيح الاختيار، فخروجه عقب ما ذكر، يحال عليه. وهذا محترز قوله لا يميز، وكان المناسب والأخصر، لا عبد مميز - بالجر - وبإبدال عاقل بمميز، وحذف قوله حل قيده الخ، ولعله إنما غير الأسلوب، لأجل الغاية بعده (قوله: ويبرأ الغاصب برد العين) مرتبط بقوله وعلى الغاصب رد، فكان الأولى، تقديمه هو وما بعدده على الفروع (قوله: ويكفي) أي في الرد وقوله وضعها: أي العين. وقوله عنده أي المالك (قوله: ولو نسيه) أي نسي الغاصب المالك برئ. أي الغاصب بالرد إلى القاضي (قوله: ولو خلط) أي الغاصب، أي أو اختلط فنفسه عنده، قال في التحفة: وخرج بخلط، أو اختلط عنده، الاختلاط، حيث لا تعدى، كأن انثال بر على مثله، فيشترط مالكاهما بحبسهما، فإن استويا قيمة فبقدر كيلهما، فإن اختلفا قيمة، بيعا، وقسم الثمن بينهما بحسب قيمتهما. اه. (وقوله: مثليا) أي مغصوبا مثليا، وقوله أو متقوما، أي أو اختلط مغصوبا متقوما، وفي البحيرمي ما نصه: قوله كزيت بزيت، وكالزيت كل مثلي، كالحبوب، والدراهم، على المعتمد، بخلاف المتقوم، فلا يأتي فيه ذلك، بدليل وجوب الاجتهاد في اشتباه شاته بشاة غيره، وفي اختلاط حمام البرجين، قاله شيخنا م ر ق ل. اه. وقوله بما لا يتميز، متعلق بخلط، والصلة جارية على غير من هي له وعائد الموصول محذوف، أي خلط المغصوب مثليا أو متقوما بالذي لا يتميز ذلك منه، والمراد بما يتعذر تمييزه منه، بعد خلطه

التمييز، صار هالكا، لا مشتركا فيملكه الغاصب، لكن الاوجه أنه محجور عليه في التصرف فيه حتى يعطى بدله. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه، وعبارة المنهج: ولو خلط مغصوبا بغيره، وأمكن تمييزه منه، لزمه، وإلا فكتالف. اه (قوله: كدهن الخ) أي كخلط دهن، وقوله بجنسه، متعلق بالمضاف المقدر، وذلك كخلط سمن بسمن، أو زيت بزيت وقوله أو غيره، كسمن بزيت، ومثل لخلط، المثليات، ولم يمثل لخلط المتقومات، وهو يؤيد ما في البجيرمي (قوله: وتعذر التمييز) خرج به: ما إذا أمكن التمييز كبر أبيض بأحمر، أو بشعير، فإنه يلزمه، وإن شق عليه، (قوله: صار هالكا) جواب لو، أي صار المغصوب المختلط بغيره كالهالك، أي التالف (قوله: لا مشتركا) أي لا يصير المال المغصوب المختلط مع مال الغاصب مشتركا بينه وبين المغصوب منه (قوله: فيملكه الغاصب) قال في التحفة: أن قبل التملك، وإلا كتراب أرض موقوفة خلطه بزبل وجعله آجرا، غرم مثله، أي التراب، ورد الآجر للناظر، ولا نظر لما فيه من الزبل، لأنه اضمحل بالتراب. اه. وفي البجيرمي ما نصه: (واعلم) أي السبكي اعترض القول بجعله تالفا واستشكله، وقال: كيف يكون التعدي سببا للملك؟ وساق أحاديث جمة، واختار أن ذلك شركة بينهما، كالثوب المصبوغ، قال: وفتح هذا الباب فيه تسلط الظلمة على ملك الأموال بخلطها قهرا على أرباب الأموال زي ومع ذلك، فهو ضعيف، كما في شرح م ر - وعبارته، ولهذا صوب الزركشي قول الهلاك، قال: ويندفع المحذور بمنع الغاصب من التصرف فيه، وعدم نفوذه منه، حتى يدفع البدل. اه. (قوله: لكن الأوجه الخ) استدراك على كونه يملكه الغاصب دفع به ما يتوهم من جواز التصرف قبل إعطاء البدل، وقوله أنه، أي الغاصب وقوله محجور عليه الخ، أي ممنوع من التصرف في المال المختلط فيه المغصوب، وقوله حتى يعطى بدله، أي المغصوب، وله أن يعطيه من المخلوط إن خلطه بمثله، أو بأجود، دون الأردأ، إلا أن يرضى به، ولا أرش وله أن يعطيه من غيره، إن لم يرض، لأن الحق انتقل إلى ذمة الغاصب، وانقطع تعلق المالك بعين المخلوط. قال في التحفة: ويكفي كما في فتاوى المصنف، أن ينعزل من المخلوط: أي بغير الأردإ قدر حق المغصوب منه ويتصرف في الباقي، والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب في الهبة

باب في الهبة أي مطلقها: الشامل للصدقة والهدية. (الهبة: تمليك عين) يصح بيعها غالبا، أو دين من أهل تبرع، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في الهبة أي في بيان أحكامها: كجوازها، وعدم لزومها إلا بالقبض، وهي لغة مأخوذة من هبوب الريح، أي مروره، لمرورها من يد إلى أخرى، أو من مصدر هب من نومه بمعنى استيقظ، لأن فاعلها استيقظ للإحسان بعد أن كان غافلا عنه. وشرعا، تطلق على ما يعم الصدقة والهدية والهبة ذات الأركان، أي على معنى عام يشمل الثلاثة، وهو تمليك تطوع في حياة، وتطلق على ما يقابلهما، وهو تمليك تطوع في حياة، لا لإكرام، ولا لأجل ثواب أو احتياج بإيجاب وقبول، وهذا هو معنى الهبة ذات الأركان، وهو المراد عند الإطلاق، فكل صدقة وهدية، هبة، ولا عكس - لانفرادها في ذات الأركان والأصل فيها، بالمعنى الأعم، قبل الإجماع آيات، كقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (1) أي ليعن بعضكم بعضا على ما فيه بر وتقوى، وقوله تعالى: * (وآتى المال على حبه) * (2) أي مع حب المال أو لأجل حب الله، فالضمير عائد على المال، وعلى، بمعنى مع، أو لله. وعلى بمعنى لام التعليل، وأخبار: كخبر الصحيحين لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة أي لا تحقرن جارة مهدية لجارتها المهدى إليها، أو بالعكس، ولو ظلف شاة مشويا. وهو مبالغة في القلة، أي ولو شيئا قليلا، ويروى أن عائشة رضي الله عنها أعطت سائلا حبة عنب، فأخذ يقلبها بيده استحقارا لها، فقالت زجرا، كم في هذه من مثقال ذرة؟ والله تعالى يقول: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * (3). وأركانها، بالمعنى الخاص، أركان البيع، فهي ثلاثة إجمالا، عاقد، وموهوب، وصيغة، وشرط في العاقد، بمعنى الواهب، أهلية أن يتبرع، وبمعنى الموهوب له أهلية أن يتبرع عليه، فلا تصح من مكاتب بغير إذن سيده، ولا من ولي في مال موليه، ولا لحمل، ولا لبهيمة، ولا لنفس الرقيق، وشرط في الموهوب، صحة جعله عوضا، إلا نحو حبة بر، فتصح هبتها، وإن لم يصح بيعها، فنقل اليد عن الاختصاص، لا يسمى هبة، وإلا هبة موصوف في الذمة، كأن يقول وهبتك كذا في ذمتي، فلا يصح، لأن الهبة إنما ترد على الأعيان، لا على ما في الذمة، بخلاف البيع، فإنه يرد عليهما وشرط في الصيغة ما شرط في صيغة البيع، ومنه توافق الإيجاب والقبول، فلو وهب له شيئين، فقبل أحدهما، أو شيئا واحدا، فقبل بعضه، لم يصح، وقيل بالصحة. وفرق بين الهبة والبيع، بأنه معاوضة، فضيق فيه، بخلافها (قوله: أي مطلقها الشامل للصدقة والهدية) أي المراد بالهبة في الترجمة، ما يشمل الصدقة والهدية، لا ما يقابلهما، وفيه أن التعريف المذكور خاص بالثاني، فيلزم عليه أنه ترجم لشئ ولم يذكره، وهو معيب (قوله: الهبة تمليك عين) خرج بها المنافع، وسيأتي ما فيها، قال في التحفة: وخرج بالتمليك، العارية والضيافة، فإنها إباحة، والملك إنما يحصل بالازدراد والوقف، فإنه تمليك منفعة لا عين، كذا قيل. والوجه أنه لا تمليك فيه، وإنما هو بمنزلة الإباحة. (وقوله: يصح بيعها غالبا) أشار بذلك لقاعدة، وهي أن كل ما صح بيعه، صحت هبته، وما لا يصح بيعه، لا تصح هبته. واستثنى من المنطوق، مسائل منها: الجارية المرهونة إذا استولدها الراهن المعسر أو أعتقها، فإنه يجوز بيعها، للضرورة، ولا يجوز هبتها، ومنها المكاتب، يجوز بيع

_ (1) سورة المائدة، الاية: 2. (2) سورة االبقرة، الاية: 177. (3) سورة الزلزلة، الاية: 7.

(بلا عوض). واحترز بقولنا بلا عوض، عن البيع والهبة بثواب، فإنها بيع حقيقة (بإيجاب: كوهبتك) هذا، وملكتكه، ومنحتكه. (وقبول) متصل به، (كقبلت) ورضيت وتنعقد بالكتابة: كلك هذا، أو كسوتك هذا. وبالمعاطاة على المختار. قال: قال شيخنا في شرح المنهاج: وقد لا تشترط الصيغة، كما لو كانت ضمنية، كأعتق عبدك عني، فأعتقه، وإن لم يقل مجانا، وكما لو زين ولده الصغير بحلى، بخلاف زوجته، لانه قادر على ـــــــــــــــــــــــــــــ ما في يده، ولا تصح هبته. ومنها المنافع، يجوز بيعها بالإجارة، وفي هبتها وجهان: أحدهما لا تصح، لأنها ليست بتمليك، بناء على أن ما وهبت منافعه عارية، وثانيهما تصح، لأنها تمليك، بناء على أن ما وهبت منافعه أمانة، وهو ما رجحه ابن الرفعة والسبكي وغيرهما، واستثني من المفهوم أيضا مسائل، منها ما سيذكره الشارح بقوله: وقد تصح الهبة دون البيع كهبة حبتي بر ونحوهما الخ، ومنها. حق التحجر كأن نصب علامات على موات ولم يحيه، فإنه يثبت له فيه حق التحجر، فيجوز هبته، ولا يجوز بيعه ومنها: صوف الشاة المجعولة أضحية ولبنها وجلدها. ومنها الثمار قبل بدو الصلاح، فتجوز هبتها من غير شرط القطع، بخلاف البيع ومنها اختلاط حمام أحد البرجين بالآخر، أو بره أو مائعه ببر آخر أو مائعه فانه إذا وهب أحدهما نصيبه للآخر صحت هبته، وإن جهل قدره وصفته دون بيعه، وقد أشار إلى هذه المستثنيات بقوله: غالبا (قوله: أو دين) معطوف على عين، أي أو تمليك دين، أي لغير من هو عليه، وأما لمن هو عليه، فإبراء لا يحتاج إلى قبول، كما سيصرح به المؤلف (قوله: من أهل تبرع) متعلق بتمليك، أو بمحذوف حال منه: أي حال كونه كائنا من أهل تبرع، فهو قيد في صحة الهبة. وتقيد أيضا بأن تكون على من هو أهل لأن يتبرع عليه، كما تقدم (قوله: بلا عوض) أي بلا أخذ عوض من الموهوب له، وهو أيضا متعلق بتمليك، أو بمحذوف حال منه (قوله: واحترز) فعل ماض مبني للمجهول. ويحتمل أن يكون فعلا مضارعا مبدوء بهمزة المتكلم، وهو الأولى، وقوله عن البيع، أي فهو ليس بهبة، لأنه تمليك عين بعوض، وقوله والهبة بثواب، أي وعن الهبة بثواب، أي عوض، كقوله وهبتك هذا على أن تثيبني عليه، فيقبله. ومقتضى عبارته أن الهبة بثواب لا يطلق عليها اسم الهبة لوجود العوضية، وبه صرح الزبيري، كما في المغنى (قوله: فإنها) أي الهبة بثواب بيع حقيقة، أي بالنظر للمعنى، وهو وجود العوض، فيجري فيها حينئذ أحكام البيع من الخيارين والشفعة وحصول الملك بالعقد، لا بالقبض، ومنع قبول بعض الموهوب ببعض الثواب أو كله، لاشتراط المطابقة في البيع، بخلاف التي بلا ثواب، فإنه لا يضر فيها قبول بعض الموهوب على ما تقدم (قوله: بإيجاب) متعلق بتمليك، أو حال منه، على نحو ما مر، والمراد لفظا في حق الناطق، وإشارة في حق الأخرس (وقوله: كوهبتك هذا الخ) دخل تحت الكاف، أكرمتك، وعظمتك ونحلتك، وكذا أطعمتك ولو في غير طعام، كما نص عليه (قوله: وقبول) أي لفظا أو إشارة أيضا، (وقوله: متصل به) أي بالإيجاب، فيضر الفصل بينهما بأجنبي. قال في النهاية، والأوجه، كما رجحه الأذرعي، اغتفار قوله بعد وهبتك وسلطتك على قبضه، فلا يكون فاصلا مضرا لتعلقه بالعقد، اه (قوله: وتنعقد) أي الهبة. وقوله بالكناية، أي مع النية، ومنها الكتابة (قوله: كلك هذا) قال ع ش: ومنه ما اشتهر من قولهم في الإعطاء بلا عوض جبي، فيكون هبة حيث نواها به. اه (قوله: أو كسوتك هذا) ظاهره ولو في غير الثياب، ويكون بمعنى نحلتك. اه. ع ش (قوله: وبالمعاطاة على المختار) أي وتنعقد بالمعاطاة على قول اختير، كما عبر به في التحفة، وفي النهاية: وبالمعاطاة على القول بها، اه. وكان الأولى: التعبير بذلك لما لا يخفى ما في عبارته من الإيهام (قوله: وقد لا تشترط الصيغة) أي التصريح بها، وإلا فهي معتبرة تقديرا، كما قاله المحلي في أول البيع. اه. ع ش (قوله: كما لو كانت) أي الهبة، وقوله ضمنية: أي مندرجة في ضمن غيرها (قوله: كأعتق عبدك عني) أي فكأنه قال له هبني عبدك وأعتقه عني، وقوله فأعتقه، أي المالك عنه، فحينئذ يدخل العبد في ملك الآمر هبة، ويعتقق عليه، ولا يحتاج للقول (قوله: وإن لم يقل مجانا) أي تصح الهبة الضمنية من غير صيغة بقوله أعتق الخ: سواء قال له أعتق عبدك عني مجانا، أي بلا عوض، أو لم يقل ذلك، فالغاية المقدر (قوله: وكما لو زين ولده الصغير) أي فإنه يكون ملكا له، ولا يحتاج إلى صيغة، وهو عطف على قوله كما لو كانت ضمنية (قوله: بخلاف زوجته) أي فإن تزيينه لها بحلى لا يكون

تمليكه بتولي الطرفين. قاله القفال، وأقره جمع، لكن اعترض بأن كلام الشيخين يخالفه، حيث اشترطا في هبة الاصل، تولي الطرفين بإيجاب وقبول. وهبة ولي غيره أن يقبلها الحاكم أو نائبه. ونقلوا عن العبادي وأقره: أنه لو غرس أشجارا، وقال عند الغرس أغرسها لابني مثلا، لم يكن إقرارا، بخلاف ما لو قال لعين في يده اشتريتها لابني، أو لفلان الاجنبي، فإنه إقرار. ولو قال جعلت هذا لابني، لم يملكه إلا إن قبض له، وضعف السبكي والاذرعي وغيرهما قول الخوارزمي وغيره، أن إلباس الاب الصغير حليا يملكه إياه. ونقل جماعة عن فتاوى القفال نفسه أنه لو جهز بنته مع أمتعة بلا تمليك، يصدق بيمينه في أنه لم يملكها، إن ادعته، وهذا صريح في رد ـــــــــــــــــــــــــــــ تمليكا لها (قوله: لأنه قادر على تمليكه) علة لمقدر، أي وإنما كان تزيينه لولده تملكا له، بخلاف تزيين الزوجة، لأنه قادر على تمليك ولده بتولي الطرفين، بخلاف الزوجة. قال ع ش: ويؤخذ منه، أي من التعليل المذكور، أي غير الأب والجد إذا دفع إلى غيره شيئا، كخادمه، وبنت زوجته، لا يصير ملكا له، بل لا بد من إيجاب وقبول من الخادم إن تأهل للقبول، أو وليه إن لم يتأهل له. فليتنبه له، فإنه يقع كثيرا بمصرنا. نعم، إن دفع ذلك لمن ذكر لاحتياجه له أو قصد ثواب الآخرة، كان صدقة، فلا يحتاج إلى إيجاب ولا قبول. ولا يعلم ذلك إلا منه، وقد تدل القرائن الظاهرة على شئ فيعمل به. اه. (قوله: قاله القفال) أي قال ما ذكر: من أن تزيين الأب ولده الصغير بحلى تمليك له (قوله: اعترض) أي اعترض جمع من الفقهاء ما قاله القفال، وأقره عليه جمع، من أن تزيين الأب لولده الصغير تمليك له (قوله: حيث إلخ) بيان لوجه المخالفة (قوله: بإيجاب وقبول) الباء للتصوير، أي الطرفين المصورين بالإيجاب والقبول، كما هو ظاهر، قال ع ش: أي فلا فرق بين الزوجة والولد وغيرهما في أن التزيين لا يكون تمليكا. اه (قوله: وهبة ولي غيره أن يقبلها الحاكم) أي وحيث اشترطا في هبة ولي غير الأصل قبول الهبة من الحكم أو نائبه فهبة، مجرور معطوف على هبة الأصل، وهو مضاف إلى ما بعده، وولي يقرأ بالتنوين وغيره بدل منه، والضمير فيه يعود على الأصل، والمصدر المؤول من أن ويقبلها منصوب مفعول لاشترطا مقدر (قوله: ونقلوا عن العبادي إلخ) هذا تأييد للاعتراض: أي نقل المعترضون عن العبادي، وأقروه أنه، أي الأصل، لو غرس أشجارا، وقال عند الغرس اغرسها لابني مثلا، لم يكن إقرارا له. قال ع ش: أي ولا يكون تمليكا للإبن. وفي التحفة، والفرق بأن الحلي صار في يد الصبي دون الغرس، لا يجدي، لأن صيرورته في يده بغير لفظ تملك، لا يفيد شيئا، على أن كون هذه الصيرورة تفيد الملك هو محل النزاع، فلا فرق. اه (قوله: بخلاف الخ) خبر مبتدأ محذوف، أي وهو متلبس بخلاف الخ. وقوله ما لو قال، أي الأصل (قوله: فإنه إقرار) أي فإن قوله المذكور إقرار بالعين لابنه ولو رشيدا أو للأجنبي. قال ع ش: وذلك لاحتمال أن يكون الأجنبي وكله مثلا في شرائها له ومثله ولده الرشيد، وأن يكون تملكها لغير الرشيد من مال نفسه أو مال المحجور عليه اه (قوله: ولو قال جعلت هذا لابني الخ) عبارة الروض وشرحه، فإن غرس شجرا وقال عنده، أي عند غرسه، اغرسه لطفلي، لم يملكه، ولو قال جعلته له، صار ملكه، لأن هبته له، لا تقتضي قبولا، بخلاف ما لو جعله لبالغ، هذا إن اكتفينا بأحد الشفين من الوالد، فإن لم نكتف به، وهو الأصح، لم يصرح ملكه. اه. (وقوله: لم يملكه) أي الإبن. وينبغي أن يكون كناية. اه. ع ش. (وقوله: إلا إن قبض له) أي بعد القبول له، كأن يقول قبلت له، ثم يقبض. وعبارة التحفة: إلا إن قبل وقبض له. اه (قوله: وضعف السبكي الخ) هذا تأييد للاعتراض أيضا، وساقه في التحفة عقب قوله فلا فرق في الفرق الذي نقلته عنها بلفظ ثم رأيت الأذرعي قال إنه لا يتمشى على قواعد المذهب والسبكي والأذرعي وغيرهما ضعفوا قول الخوارزمي وغيره أن إلباس الخ ثم رأيت آخرين نقلوا عن القفال نفسه أنه لو جهز الخ (قوله: أن إلباس الأب الخ) هو عين التزيين المار، بل أخص منه، فلذلك ساقه تأييدا للإعتراض، كما علمت (قوله: ونقل الخ) تأييد أيضا للاعتراض، كما يشير إليه قوله، وهذا صريح إلخ (قوله: أنه) أي الأصل لو جهز بنته، أي بعثها إلى بيت زوجها مع أمتعة، وقوله بلا تمليك، أي من غير أن يصدر منه صيغة تمليك (قوله: يصدق) أي الأصل، وهو جواب لو (قوله: في أنه الخ) متعلق بيصدق. (وقوله: إن ادعته)

ما سبق عنه، وأفتى القاضي فيمن بعث بنته وجهازها إلى دار الزوج، بأنه إن قال هذا جهاز بنتي، فهو مالك لها، وإلا فهو عارية، ويصدق بيمينه. وكخلع الملوك، لاعتياد عدم اللفظ فيها، انتهى. ونقل شيخنا ابن زياد عن فتاوى ابن الخياط: إذا أهدى الزوج للزوجة بعد العقد بسببه، فإنها تملكه، ولا يحتاج إلى إيجاب وقبول ومن ذلك، ما يدفعه الرجل إلى المرأة صبح الزواج مما يسمى صبحية في عرفنا، وما يدفعه إليها إذا غضبت، أو تزوج عليها، فإن ذلك تملكه المرأة بمجرد الدفع إليها. انتهى. ولا يشترط الايجاب والقبول قطعا في الصدقة، وهي ما أعطاه محتاجا، وإن لم يقصد الثواب أو غنيا لاجل ثواب الآخرة، بل يكفي فيها الاعطاء والاخذ ولا في الهدية ـــــــــــــــــــــــــــــ أي التمليك (قوله: وهذا صريح الخ) أي ما نقله جماعة من القفال نفسه: صريح في رد ما سبق منه، من أنه لو زين ولده الصغير، يكون تمليكا، وكتب الرشيدي ما نصه، قوله وهو صريح في رد إلخ، فيه نظر إذ ذاك في الطفل كما مر، بخلاف ما هنا، فإنه في البالغة، كما يرشد إليه قوله، إن ادعته، نعم إن كانت البنت صغيرة، أتى فيها ما مر في الطفل، كما لا يخفى. اه (قوله: وجهازها) بكسر الجيم وفتحها، أي أمتعتها (قوله: فهو) أي الجهاز ملك لها، أي مؤاخذة بإقراره (قوله: وإلا فهو عارية) أي وإن لم يقل هذا جهاز بنتي، فهو عارية عندها. وفي ع ش: قال سم كذك يكون عارية فيما يظهر إذا قال جهزت ابنتي بهذا، إذ ليس هذا صيغة إقرار بملك. م ر. اه. والفرق بين هذه ومسألة القاضي، أي التي نقلها المؤلف، أن الإضافة إلى من يملك، تقتضي الملك، فكان ما ذكره في مسألة القاضي: إقرارا بالملك، بخلاف ما هنا. اه (قوله: ويصدق بيمينه) أي فيما إذا تنازعا في القول المذكور بأن ادعت أنه قال هذا جهاز بنتي، وأنكر هو ذلك، فيصدق بيمينه في أنه ما قال ذلك (قوله: وكخلع الملوك) عطف على قوله السابق: كما لو كانت ضمنية - وهي بكسر الخاء، وفتح اللام، جمع خلعة، الكسوة التي تخلع على الأمراء وغيرهم، من نحو مشايخ البلد، فإنها هبة، ولا تحتاج إلى صيغة، وقال بعضهم، إنها هدية، لا هبة، لأن القصد فيها الإكرام (قوله: لاعتياد الخ) تعليل لصحة هبة خلع الملوك من غير صيغة، أي وإنما صحة الهبة فيها من غير صيغة، لأن العادة جرت بعدم اللفظ فيها (قوله: انتهى) أي ما قاله شيخه في شرح المنهاج، لكن بتصرف وحذف، كما يعلم بالوقوف على عبارته (قوله: ونقل شيخنا إلخ) هذا لا يلائم ما قبله، فإنه في الهبة التي تحتاج إلى صيغة، وهذا في الهدايا التي لا تحتاج إلى صيغة، كما هو صريح قوله إذا أهدى الخ (قوله: بعد العقد) يفيد أنه إذا كان قبل العبد لا تملكه إلا بإيجاب وقبول، لكن قد علمت أن قوله أهدي، يقتضي أنه هدية، وعليه فلا فرق على أنه سيأتي آخر الباب أن من دفع لمخطوبته طعاما أو غيره ليتزوجها فرد قبل العقد، رجع على من أقبضه. فيقتضي حينئذ أنه إذا لم يرد، لا يرجع فيه، فهي تملك ما دفع لها قبل العقد لأجله من غير صيغة، وقوله بسببه، أي العقد يفيد أيضا أنه إذا كان لا بسببه لا تملكه إلا بإيجاب وقبول. وقد علمت ما فيه (قوله: ومن ذلك) أي مما لا يحتاج إلى إيجاب وقبول، ما يدفعه الرجل الخ (قوله: فإن ذلك) أي المدفوع إليها. (وقوله: تملكه المرأة بمجرد الدفع إليها) أي من غير احتياج إلى صيغة (قوله: ولا يشترط الإيجاب والقبول الخ) شروع في بيان الصدقة. والهدية (قوله: قطعا) أي بخلاف (قوله: وهي ما أعطاه محتاجا الخ) فإن كان ذلك بلا صيغة، فهي صدقة فقط، وإن كان معها، فهي صدقة وهبة، ومثله، يقال في الهدية. (والحاصل) أنه إن ملك لأجل الاحتياج أو لقصد الثواب مع صيغة، كان هبة وصدقة، وإن ملك بقصد الإكرام مع صيغة، كان هبة وهدية، وإن ملك لا لأجل الثواب ولا الإكرام بصيغة، كان هبة فقط. وإن ملك لأجل الاحتياج أو الثواب من غير صيغة، كان صدقة فقط، وإن ملك لأجل الإكرام من غير صيغة، كان هدية فقط، فبين الثلاثة عموم وخصوص من وجه (قوله: أو غنيا لأجل ثواب الآخرة) أي أو أعطاه غنيا لأجل ثواب الآخرة، وهو يفيد أنه إن أعطاه غنيا لا لأجل ثواب الآخرة، لم يكن صدقة وهو ظاهر (قوله: ولا في الهدية) أي ولا يشترط الإيجاب والقبول في الهدية، وظاهره أن ذلك قطعا، لأنه معطوف على قوله في الصدقة المسلط عليه، ولا يشترط الإيجاب والقبول قطعا، وليس كذلك، بل هو على

ولو غير مأكول، وهي ما نقله إلى مكان الموهوب له إكراما، بل يكفي فيها البعث من هذا، والقبض من ذاك، وكلها مسنونة، وأفضلها الصدقة، وأما كتاب الرسالة الذي لم تدل قرينة على عوده، فقد قال المتولي إنه ملك المكتوب إليه، وقال غيره: هو باق بملك الكاتب، وللمكتوب إليه الانتفاع به على سبيل الاباحة. وتصح الهبة ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيح، كما صرح به في متن المنهاج، وعبارته: ولا يشترطان، أي الإيجاب والقبول، في الهدية على الصحيح، بل يكفي البعث من هذا والقبض من ذلك، قال في المغني، كما جرى عليه الناس في الأعصار، وقد أهدى الملوك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكسوة والدواب والجواري. وفي الصحيحين: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة رضي الله عنها وعن أبويها ولم ينقل إيجاب ولا قبول. اه. (لطيفة): قال بعضهم ست كلمات جوهرية لا يحويها إلا العقول الذكية، أصل المحبة، الهدية، وأصل البغضة، الأسية، وأصل القرب، الأمانة، وأصل البعد، الخيانة. وأصل زوال النعمة، البطر، وأصل العفة، غض البصر (قوله: ولو غير مأكول) غاية لعدم اشتراط الإيجاب والقبول في الهدية. ولفظ غير، منصوب بإسقاط الخافض، أي ولو كانت الهدية بغير مأكول، أي من كل ما ينقل، كالثياب، والعبيد، وأما غير المنقول، كالعقار، فلا يقع عليه اسم الهدية، كما يفيده قوله بعد، وهي ما نقله الخ. قال في شرح الروض، واستشكل ذلك بأنهم صرحوا في باب النذر بما يخالفه، حيث قالوا، لو قال لله علي أن أهدي هذا البيت، أو الأرض، أو نحوهما، مما لا ينقل، صح، وباعه، ونقل ثمنه. ويجاب بأن الهدي، وإن كان من الهدية، لكنهم تواسعوا فيه بتخصيصه بالإهداء إلى فقراء الحرم، وبتعميمه في المنقول وغيره، ولهذا لو نذر الهدي، انصرف إلى الحرم، ولم يحمل على الهدية إلى فقير. اه. (قوله: وهي) أي الهدية، وقوله ما نقله: أي تمليك ما نقله المهدي، ومثله: ما لو بعثه. وقد عبر به بعضهم (قوله: إلى مكان الموهوب له) المناسب المهدي إليه، كما هو ظاهر (قوله: إكراما) أي لأجل الإكرام، قال السبكي، والظاهر أن الإكرام ليس شرطا، والشرط، هو النقل. قال الزركشي، وقد يقال احترزوا به عن الرشوة (قوله: بل يكفي الخ) إضراب انتقالي من قوله ولا في الهدية، أي ولا يشترطان في الهدية بل يكفي فيها الخ. وقوله البعث. الأنسب بما قبله النقل بدله، (وقوله: من هذا) أي المهدي، فالبعث منه بمنزلة الإيجاب منه، (وقوله: القبض من ذاك) أي المهدى إليه، أي وهو بمنزلة القبول منه. قال سم: هل يشترط الوضع بين يديه كما في البيع؟ ثم رأيت في تجريد المزجد ما نصه: في فتاوى البغوي يحصل ملك الهدية بوضع المهدي بين يديه إذا أعلمه به، ولو أهدى إلى صبي ووضعه بين يديه أو أخذه الصبي لا يملكه. اه. وهو يفيد ملك البالغ بالوضع بين يديه، وقد جعلوا ذلك قبضا في البيع. اه. (قوله: وكلها مسنونة) أي الهبة، والصدقة، والهدية، (وقوله: وأفضلها الصدقة) أي لأنها في الغالب تعطى للمحتاجين. قال في الروض وشرحه، والكل مستحب، وإن كانت الصدقة أفضل، وصرفه إلى الجيران والأقارب أفضل منه إلى غيرهم. ولا يحتقر المهدي ولا المهدى إليه القليل، فيمتنع الأول من إهدائه، والثاني من قبوله، لخبر: لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة ويستحب أن يدعو كل منهما للآخر بالبركة ونحوها، بأن يدعو المهدى إليه للمهدي، ثم يدعو له الآخر. اه. (قوله: وأما كتاب الرسالة الخ) الأولى حذف أما، لعدم تقدم ما يقابلها، وذكر هذه المسألة في التحفة بعد كلام يلائمها، ونصها مع الأصل، ولو بعث هدية في ظرف، فإن لم تجر العادة برده، كقوصرة تمر، أي وعائه، فهو هدية أيضا، كالذي في الظرف، تحكيما للعرف المطرد، وكتاب الرسالة الخ. اه. بتصرف. فلو صنع الشارح كصنيع شيخه، لكان أولى (قوله: الذي لم تدل قرينة على عوده) قال ع ش: كأن كتب له فيه رد الجواب على ظهره (قوله: فقد قال المتولي إلخ) قال في النهاية، هو أوجه من قول غيره (قوله: وقال غيره) أي غير المتولي (قوله: هو) أي الكتاب المرسل (قوله: وللمكتوب إليه الانتفاع به) أي بأن يتعلم على الخطر الذي فيه أو يحفظ ما فيه ليكتب نظيره إلى صاحبه، وانظر، هل يجوز أن يكتب في ظهره

باللفظ المذكور: (بلا تعليق)، فلا تصح مع تعليق كإذا جاء رأس الشهر فقد وهبتك، أو أبرأتك، ولا مع تأقيت بغير عمرى ورقبى فإن أقت الواهب الهبة بعمر المتهب، كوهبت لك هذا عمرعك، أو ما عشت، صحت، وإن لم يقل فإذا مت فهي لورثتك، وكذا إن شرط عودها إلى الواهب أو وارثه بعد موت المتهب فلا تعود إليه ولا إلى وارثه للخبر الصحيح، وتصح ويلغو الشرط. فإذا أقت بعمر الواهب أو الاجنبي، كأعمرتك هذا عمري، أو عمر فلان. لم تصح. ولو قال لغيره أنت في حل مما تأخذ أو تعطي أو تأكل من مالي، فله الاكل فقط، لانه إباحة، وهي تصح بمجهول، بخلاف الاخذ والاعطاء، قاله العبادي، ولو قال وهبت لك جميع ما لي، أو نصف ما لي، صحت إن كان المال أو نصفه معلوما لهما، وإلا فلا. وفي الانوار: لو قال أبحت لك ما في داري، أو ما في ـــــــــــــــــــــــــــــ مسائل يتحفظها أم لا؟ مقتضى إطلاقه، جواز الانتفاع الأول (قوله: وتصح الهبة إلخ) دخول على المتن، (وقوله: باللفظ المذكور) أي وهو كوهبتك هذا في الإيجاب، وكقبلت ورضيت في القبول (قوله: بلا تعليق) متعلق بتصح (قوله: فلا تصح مع تعليق) مفرع على المفهوم (قوله: ولا مع تأقيت) زائد على المفهوم، فكان الأولى أن يفرده عما قبله بأن يقول: ولا تصح مع تأقيت أيضا. (قوله: بغير عمرى ورقبى) أي أما التأقيت بهما، فلا يضر، ولا يخفى أن لفظ العمرى والرقبى من ألفاظ الهبة، لكنه صيغة مخصوصة، فالعمرى: من العمر، لذكر لفظ العمر فيها. والرقبى، من الرقوب، لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه (قوله: فإن أقت الواهب الهبة بعمر المتهب) أي أو أرقبه إياها، كقوله أرقبتك هذه الدار وجعلتها لك رقبى، أي إن مت قبلي، عادت إلي، وإن مت قبلك، استقرت لك، فقبل وقبض، صحت، وتكون مؤبدة (قوله: أو ما عشت) أي أو وهبت لك هذا ما عشت، بتاء المخاطب (قوله: صحت) أي الهبة (قوله: وإن لم يقل الخ) غاية في الصحة، أي صحت الهبة، وإن لم يقل الواهب بعد قوله وهبت لك هذا عمرك فإذا مت، بفتح التاء، فهي لورثتك (قوله: وكذا إن شرط الخ) أي وكذا تصح الهبة إن شرط عودها إلى الواهب، بأن قال له أعمرتك هذه الدار، فإت مت، عادت إلي أو إلى ورثتي (قوله: فلا تعود إليه الخ) أي وإذا شرط ذلك، فلا تعود إلى الواهب ولا إلى وارثه، فيلغو الشرط المذكور، كما سيصرح به (قوله: للخبر الصحيح) دليل لكون التأقيت بهما لا يضر، وهو لا تعمروا ولا ترقبوا، فمن أعمر شيئا أو أرقبه، فهو لورثته أي لا تعمروا ولا ترقبوا طمعا في أن يعود إليكم، فإن مصيره الميراث لورثة المعمر والمرقب، بلفظ اسم المفعول فيهما (قوله: وتصح) أي الهبة، يغني عنه قوله صحت (قوله: ويلغو الشرط المذكور) أي في العمرى والرقبى، والمراد المذكور ولو بحسب القوة، ليشمل ما إذا لم يصرح بالشرط فإنه يفهم من اللفظ. (فائدة) ليس لنا موضع يصح فيه العقد ويلغو فيه الشرط الفاسد المنافي لمقتضاه، إلا هذا (قوله: فإذا أقت بعمر الواهب الخ) محترز قوله بعمر المتهب، وكان المناسب أن يظهر فاعل أقت، ويضمر المضاف إليه عمر، بأن يقول، فإذا أقت الواهب بعمره، أي عمر نفسه (قوله: لم تصح) أي الهبة، وذلك لأن فيهما تأقيت الملك، لأن الواهب أو زيدا قد يموت أولا، وإنما اغتفر الأول، مع أن فيه تأقيت، لأنه تصريح بالواقع، لأن الإنسان لا يملك إلا مدة حياته (قوله: ولو قال لغيره الخ) انظر، ما مناسبة ذكر هذه المسألة هنا؟ فإن الكلام في الهبة، لا في الإباحة التي تضمنتها هذه المسألة، إلا أن يقال إنها صورة هبة. وذكر في التحفة والنهاية والمغني في ضمن مستثنيات من مفهوم الشرط الآتي، وهو قوله وشرط الموهوب كونه عينا يصح بيعها، لكن صنيع الشارح أولى من صنيعه، إذ لا وجه للاستثناء، كما نص عليه سم، وع ش (قوله: فله الأكل فقط) قال سم: ما قدره. اه. قال ع ش: أقول ينبغي أن يأكل قدر كفايته، وإن جاوز العادة، حيث علم المالك بحاله، وإلا امتنع أكل ما زاد على ما يعتاده مثله غالبا لمثله، اه. (قوله: لأنه إباحة) تعليل لأصل حل الأكل، لا لامتناع غيره. اه. رشيدي. وقوله وهي، أي الإباحة دون الهبة، وقوله تصح بمجهول، أي كما في هذه المسألة (قوله: بخلاف الأخذ والإعطاء) محترز قوله فقط، أي له الأكل، لا الأخذ، والإعطاء، لأن الأول، إباحة دونهما (قوله: صحت) أي الهبة. وقوله إن كان المال: أي كله في الصورة الأولى، وقوله أو نصفه، أي في الصورة الثانية، وقوله معلوما لهما،

كرمي، من العنب، فله أكله دون بيعه، وحمله، وإطعامه لغيره، وتقتصر الاباحة على الموجود، أي عندها في الدار أو الكرم. ولو قال أبحت لك جميع ما في داري أكلا واستعمالا، ولم يعلم المبيح الجميع، لم تحصل الاباحة. اه. وجزم بعضهم أن الاباحة لا ترتد بالرد. وشرط الموهوب كونه عينا يصح بيعها، فلا تصح هبة المجهول كبيعه، وقد مر آنفا بيانه، بخلاف هديته وصدقته، فتصحان، فيما استظهره شيخنا، وتصح هبة المشاع، كبيعه، ولو قبل القسمة: سواء وهبه للشريك أو غيره. وقد تصح الهبة دون البيع، كهبة حبتي بر ونحوهما من المحقرات، وجلد نجس، على تناقض فيه في الروضة، وكذا دهن متنجس (وتلزم) أي الهبة ـــــــــــــــــــــــــــــ أي الواهب والمتهب (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يكن معلوما لهما فلا تصح، لأن هذا لا يصح بيعه، وما لا يصح بيعه، لا تصح هبته (قوله: من العنب) بيان لما الأولى والثانية (قوله: فله أكله) أي ما في الدار أو الكرم (قوله: دون بيعه وحمله وإطعامه لغيره) أي لأنه إباحة، وهي خاصة بما يأكله هو (قوله: على الموجود) أي على أكل العنب الموجود، (وقوله: أي عندها) أي الإباحة (قوله: في الدار أو الكرم) متعلق بالموجود (قوله: ولو قال أبحت لك جميع ما في داري) أي من عنب وغيره (قوله: أكلا واستعمالا) منصوبان على التمييز المحول عن المضاف، أي أبحت لك أكل جميع ما في داري واستعماله (قوله: ولم يعلم المبيح الجميع) أي جميع ما في الدار (قوله: لم تحصل الإباحة) أي فيمتنع عليه أخذ شئ مما لم يعلمه المبيح. قال في التحفة: وهذا لا ينافي ما مر من صحة الإباحة بالمجهول، لأن هذا مجهول من كل وجه، بخلاف ذاك. اه. وكتب سم ما نصه: في كونه كذلك وكون ما مر ليس كذلك نظر. اه. (قوله: وجزم بعضهم أن الإباحة لا ترتد بالرد) يعني أن المباح له لو رد المباح للمبيح: لا يرتد، فله العود بعد الرد. (واعلم) أن التبرع خمسة أنواع: وصية، وعتق، وهبة، ووقف، وإباحة، وهي كإباحة الشاة لشرب لبنها، والطعام للفقراء، وهي لا يتصرف فيها المباح له تصرف الملاك، بل يقتصر فيها على ما يأكله أو يشربه، ولا يجوز له أن يتصدق أو يبيع منه. (قوله: وشرط الموهوب، كونه عينا) هذا يفيد أن الموهوب لا بد أن يكون عينا، وقد تقدم في كلامه جواز هبة الدين في التعريف السابق أول الباب، وسيأتي التصريح في كلامه، بأن هبة الدين للمدين إبراء له عنه، ولغيره هبة صحيحة، وقوله يصح بيعها، هذا يغني عنه قوله في التعريف السابق أول الباب يصح بيعها، فكان الأولى والأخصر، أن يقول، كعادته، واحترز بقوله يصح بيعها عما لا يصح بيعه كالمجهول. وقد علمت ما استثني من منطوق ما ذكر ومفهومه، فلا تغفل (قوله: فلا تصح هبة المجهول) أي كوهبتك أحد العبدين أو الثوبين، وقوله كبيعه، أي كعدم صحة بيعه، أي المجهول (قوله: قد مر آنفا بيانه) أي بيان عدم صحة هبة المجهول في قوله: ولو قال وهبت لك جميع مالي الخ، ومحل البيان قوله وإلا فلا (قوله: بخلاف هديته وصدقته) أي المجهول (قوله: وتصح هبة المشاع) أي كدار أو أرض مشتركة بين اثنين، وقوله كبيعه، أي كصحة بيع المشاع (قوله: ولو قبل القسمة) أي ولو حصلت الهبة قبل قسمة الدار، وهو يفيد أنه بعدها يكون مشاعا. وفيه نظر. وعبارة الروض وشرحه، وتجوز هبة مشاع، وإن كان لا ينقسم، كعبد، اه. وهي ظاهرة (قوله: سواء الخ) تعميم في صحة الهبة، أي تصح مطلقا، سواء وهبه الشريك لشريكه، أم لغيره (قوله: وجلد نجس) أي وكجلد نجس، فتصح هبته دون بيعه، وقوله على تناقض فيه في الروضة، أي مع وجود تناقض في كلام الروضة في صحة هبة الجلد النجس، أي اختلف كلام الروضة فيها، ففي باب الأواني، قال بالصحة، وفي باب الهبة، قال بعدمها، وجمع بينهما بحمل الصحة على نقل اليد وعدمها على الملك الحقيقي (قوله: وكذا دهن متنجس) أي مثل الجلد النجس في صحة هبته دون بيعه، الدهن المتنجس (قوله: وتلزم الخ) ظاهره أن الهبة تملك بالعقد، ولا تلزم إلا بالقبض، وليس كذلك، بل لا تملك ولا تلزم إلا بالقبض، وفي البجيرمي عبارة سم، ولا تلزم الهبة الشاملة للهدية والصدقة، ولا يحصل الملك فيها إلا بالقبض من الواهب أو نائبه أو بإذنه فيه، فتلزم، ويحصل الملك الخ. اه. ولذلك فسر في الإقناع اللزوم بالملك حيث قال: ولا تلزم، أي لا تملك، اه. والكلام في الهبة الصحيحة غير الضمنية، وغير

بأنواعها الثلاثة: (بقبض)، فلا تلزم بالعقد، بل بالقبض على الجديد، لخبر أنه (ص) أهدى للنجاشي ثلاثين أوقية مسكا، فمات قبل أن يصل إليه، فقسمه (ص) بين نسائه، ويقاس بالهدية. الباقي، وإنما يعتد بالقبض إن كان بإقباض الواهب أو بإذنه أو إذن وكيله فيه، ويحتاج إلى إذنه فيه وإن كان الموهوب في يد المتهب. ولا يكفي هنا الوضع بين يدي المتهب بلا إذن فيه، لان قبضه غير مستحق له، فاعتبر تحققه، بخلافه في المبيع، فلو مات ـــــــــــــــــــــــــــــ ذات الثواب، فخرج بالصحيحية، الفاسدة، فلا تملك أصلا، ولو بالقبض. وبغير الضمنية الهبة الضمنية، كما لو قال أعتق عبدك عني مجانا، فأعتقه عنه، فإنه يسقط القبض فيها، وبغير ذات الثواب، الهبة ذات الثواب، فإنها تملك وتلزم بالعقد بعد انقضاء الخيار، لأنها بيع. (وقوله: بأنواعها الثلاثة) أي الصادقة بأنواعها، وهي الصدقة، والهدية، والهبة ذات الأركان (قوله: بقبض) أي كقبض المبيع فيما مر بتفصيله. نعم، لا يكفي هنا التخلية، ولا الوضع بين يديه، ولا الإتلاف، لأنه غير مستحق للقبض، قال في الروض وشرحه. (فرع) ليس الإتلاف من المتهب للموهوب قبضا، بخلاف المشتري إذا أتلف المبيع، إلا أن يأذن له في الأكل أو العتق عنه، فيكون قبضا، وتقدر أنه ملكه قبل الازدراد والعتق. اه. بحدف (قوله: فلا تلزم بالعقد، بل بالقبض) تصريح بما صرح به أولا (قوله: على الجديد) لم يقيد به في المنهاج (قوله: لخبر إلخ) دليل على أنها إنما تلزم بالقبض، ومحل الاستدلال، قوله فقسمه الخ، أي فرده - صلى الله عليه وسلم -، ثم قسمه بين نسائه، لكون النجاشي مات قبل القبض، فيعلم منه أنها لا تلزم قبل القبض، إذ لو لزمت لما ردها - صلى الله عليه وسلم - (قوله: أهدى للنجاشي) بفتح النون، ونقل كسرها، وآخره ياء ساكنة، وهو الأكثر رواية، ونقل ابن الأثير تشديدها، ومنهم من جعله غلطا وهو لقب لكل من ملك الحبشة، واسمه أصحمة، ومعناه بالعربية. عطية، وهو الذي هاجر إليه المسلمون في رجب سنة خمس من النبوة، فآمن وأسلم بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتوفي سنة تسع من الهجرة، ونعاه، أي أخبر بموته، وذكر محاسنه، النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصورة الكتاب. بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي ملك الحبشة. أما بعد: فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس السلام. وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعوك إلى الله وحده، لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وترضى بالذي جاءني، فإني رسول الله، وإني أدعوك وجندك إلى الله تعالى، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، قد بعثت إليكم ابن عمي جعفرا، ومعه نفر من المسلمين، والسلام على من اتبع الهدى. وبعث الكتاب مع عمرو بن أمية الضمري. اه. بجيرمي (قوله: فمات) أي النجاشي. (وقوله: قبل أن يصل) أي المهدي إلى النجاشي. وفي بعض النسخ، تصل - بالتاء - والملائم بقوله بعد فقسمه الأول. وفي المغني بدل قوله فمات الخ، ثم قال لأم سلمة إني لأرى النجاشي قد مات، ولا أرى الهدية التي أهديت إليه إلا سترد، فإذا ردت إلي، فهي لك، فكان كذلك، أي موت النجاشي، ورد الهدية، لكن لما ردت، قسمها - صلى الله عليه وسلم - بين نسائه، ولم يخص بها أم سلمة، (وقوله: بين نسائه) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (قوله: ويقاس بالهدية) أي في الخبر، (وقوله: الباقي) هو الهبة والصدقة (قوله: وإنما يعتد بالقبض) أي في لزوم الهبة (قوله: إن كان) أي القبض. (وقوله: بإقباض الواهب) أي الموهوب للمتهب، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله وحذف معمولاه (قوله: أو بإذنه) أي الواهب، أي أو كان القبض حصل بإذن الواهب (قوله: أو إذن وكيله) أي وكيل الواهب. وقوله فيه، أي القبض (قوله: يحتاج إلى إذنه) أي الواهب فيه، أي القبض. وكان الأولى الأخصر، الاقتصار على الغاية بعده، وحذف هذا، وذلك لأن قوله وإنما يعتد بالقبض المسلط على قوله أو بإذنه الخ، يغني عنه. ولا بد من أن يكون الإذن بعد تمام الصيغة، فلو قال: وهبتك هذا، وأذنت لك في قبضه، فقال: قبلت. لم يكف (قوله: ولا يكفي هنا) أي في الهبة (قوله: الوضع) أي وضع الموهوب (قوله: بلا إذن فيه) أي في القبض (قوله: لأن قبضه) أي المتهب، أو الموهوب، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله أو مفعوله، (وقوله: غير مستحق له) بصيغة

أحدهما قبل القبض، قام مقامه وارثه في القبض والاقباض. ولو قبضه فقال الواهب رجعت عن الاذن قبله، وقال المتهب بعد صدق الواهب على ما استظهره الاذرعي، لكن ميل شيخنا إلى تصديق المتهب، لان الاصل عدم الرجوع قبله، وهو قريب. ويكفي الاقرار بالقبض، كأن قيل له وهبت كذا من فلان وأقبضته، فقال نعم، وأما الاقرار، أو الشهادة بمجرد الهبة. فلا يستلزم القبض. نعم، يكفي عنه قول الواهب ملكها المتهب ملكا لازما. قال بعضهم: وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه، لئلا يتنبه له، (ولاصل) ذكر أو أنثى من جهة الاب أو الام وإن علا (رجوع فيما وهب)، أو تصدق، أو أهدى، لا فيما أبرأ (لفرع) وإن سفل، إن بقي الموهوب (في ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم المفعول، وضمير له يعود على المتهب. وإنما لم يكن مستحقا له، لأن الملك لا يحصل إلا بالقبض، (وقوله: فاعتبر تحققه) أي القبض، ولا يكون إلا بالإذن (قوله: بخلافه في المبيع) محترز قوله هنا، أي بخلاف الوضع المذكور في المبيع، فإنه كاف، لأن قبضه مستحق له. وعبارة شرح الروض: لأنه غير مستحق القبض، فاعتبر تحققه، بخلاف المبيع، فجعل التمكين منه قبضا (قوله: فلو مات أحدهما) أي الواهب، أو المتهب، (وقوله: قبل القبض) أي بإقباض أو إذن فيه (قوله: قام مقامه) أي الميت، ولا ينفسخ العقد، لأنه آيل إلى اللزوم، وكالموت: الجنون، والإغماء اه. ش ق (قوله: في القبض) أي إن كان الميت هو المتهب، (وقوله: والإقباض) أي إن كان هو الواهب (قوله: ولو قبضه) أي بالإذن بدليل ما بعده (قوله: فقال الخ) أي فاختلف الواهب والمتهب في الرجوع عن الإذن قبل القبض فقال الخ. (وقوله: قبله) أي قبل القبض، فيكون غير صحيح، فلا تلزم الهبة (قوله: وقال المتهب بعد) أي رجعت بعد القبض، فهو صحيح والهبة لازمة (قوله: صدق الواهب) جواب لو (قوله: لكن ميل شيخنا) أي في شرح المنهاج، وعبارته، ولو قبضه فقال الواهب رجعت عن الإذن قبله، وقال المتهب بعده، صدق الواهب، على ما استظهره الأذرعي من تردد له في ذلك، ولا احتمال بتصديق المتهب، لأن الأصل عدم الرجوع قبله، وهو قريب، ثم رأيت أن هذا هو المنقول، كما ذكرته في شرح الإرشاد، اه (قوله: لأن الأصل عدم الرجوع) قال ع ش: ظاهره إن اتفقا على وقت الرجوع واختلفا في وقت القبض، ولو قيل بمجئ تفسير الرجعة فيه، لم يبعد، فيقال إن اتفقا على وقت القبض، واختلفا في وقت الرجوع، صدق المتهب. وفي عكسه، يصدق الواهب وفيما إذا لم يتفقا على شئ، يصدق السابق بالدعوى، وإن ادعيا معا، صدق المتهب. اه (قوله: وهو قريب) صنيعه يفيد أنه من كلامه، وليس كذلك، بل هو من كلام شيخه، كما يعلم من عبارته المارة (قوله: ويكفي) أي في لزوم الهبة الإقرار بالقبض، بخلاف الإقرار بالهبة فقط (قوله: كأن قيل له) أي للواهب، (وقوله: وهبت كذا) بتاء المخاطب، (وقوله من فلان) أي عليه، فمن: بمعنى على (قوله: فقال) أي الواهب، (وقوله: نعم) أي وهبته، وأقبضته (قوله: وأما الإقرار أو الشهادة الخ) قال في الروض وشرحه: وليس الإقرار بالهبة ولو مع الملك إقرارا بالقبض للموهوب، لجواز أن يعتقد لزومها بالعقد، والإقرار يحمل على اليقين. اه (قوله: فلا يستلزم القبض) أي ويترتب عليه عدم لزوم الهبة به (قوله: نعم يكفي عنه الخ) لا محل للاستدراك هنا، فكان الأولى أن يقول، ويكفي عنه الخ. والمراد أنه يقوم مقام إقراره بالقبض فيما إذا قيل له وهبت هذا وأقبضته قد ملكها ملكا لازما، فقوله المذكور، بدل قوله نعم وهبته وأقبضته. قال ع ش: وينبغي أن يأتي مثله فيما لو قال لشاهد أشهد أنه ملكه ملكا لازما فيغني ذلك عن قوله وهبه وأقبضه. اه. (قوله: وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه) قال ع ش: أي عن القبض. اه. والمراد أنه إذا شهد عند الحاكم بمجرد الهبة، فليس للحاكم أن يسأل الشاهد ويقول له تشهد أنه أقبضه، وذلك لئلا يتنبه الشاهد لذلك، فيشهد به، بل يحكم بعد لزوم الهبة، لما علم أن الإقرار أو الشهادة بمجرد الهبة، لا يستلزم القبض (قوله: ولأصل إلخ) أي لخبر لا محل لرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده واختص بذلك، لانتفاء التهمة فيه، إذ ما طبع عليه من إيثاره لولده على نفسه، يقضي بأنه إنما رجع لحاجة، أو مصلحة (قوله: ذكر أو أنثى الخ) تعميم في الأصل، وهو بدل منه، (وقوله: من جهة الأب أو الأم) الجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف، أو متعلق بمحذوف صفة لكل من ذكر ومن أنثى. ولا يصح أن يكون صفة لأصل، لأن البدل لا يتقدم عليها إذا اجتمعا. (وقوله: وإن علا) أي

سلطنتة بلا استهلاك) وإن غرس الارض، أو بنى فيها، أو تخلل عصير موهوب، أو آجره، أو علق عتقه، أو رهنه، أو وهبه بلا قبض فيهما لبقائه في سلطنته، فلا رجوع إن زال ملكه بهبة مع قبض، وإن كانت الهبة من الابن لابنه أو لاخيه لابيه، أو ببيع، ولو من الواهب، على الاوجه، أو بوقف. ويمتنع الرجوع بزوال الملك، وإن عاد إليه، ولو بإقالة أو رد بعيب، لان الملك غير مستفاد منه حينئذ. ولو وهبه الفرع لفرعه وأقبضه ثم رجع فيه: ـــــــــــــــــــــــــــــ كل منهما، فالضمير المستتر يعود إلى المذكور، ويصح أن يعود إلى الأصل (قوله: رجوع الخ) أي بشروط ثلاثة: أن يكون الفرع حرا، وأن يبقى الموهوب في سلطنته، وأن يكون عينا لا دينا وقد أشار إلى الأخير بقوله لا فيما أبرأ، وصرح بالثاني بقوله إن بقي الخ، وقال في النهاية: ولا يتعين الفور، أي في الرجوع، بل له ذلك متى شاء. اه (قوله: لا فيما أبرأ) أي ليس له رجوع فيما أبرأ به ولده، كأن كان له على ولده دين فأبرأه منه، فيمتنع الرجوع جزما، سواء قلنا إنه تمليك، أم إسقاط، إذ لا بقاء للدين، فأشبه ما لو وهبه شيئا فتلف (قوله: لفرع) متعلق بوهب وما بعده، ويكون متعلق رجوع محذوفا، أي عليه (قوله: وإن سفل) أي الفرع كابن ابن ابنه (قوله: إن بقي الموهوب) أي أو المتصدق به أو المهدى به (قوله: في سلطنته) أي الفرع. قال البجيرمي: هي عبارة عن جواز التصرف، وليس المراد بها الملك، بدليل شمول زوالها لما لو جنى الموهوب أو أفلس المتهب وحجر عليه، أو رهن الموهوب وأقبضه، فإن هذه لا تزيل الملك، لكنها تزيل جواز التصرف، وعبارة م ر على التحرير، (قوله: في سلطنته) أي استيلائه، وهي أولى من التعبير ببقاء الملك، لشمولها ما لو كانت العطية عصيرا فتخمر، ثم تخلل، فإن له الرجوع، لبقاء السلطنة، وإن لم يبق الملك. اه (قوله: بلا استهلاك) أي بأن تبقى عينه. وسيأتي محترزه (قوله: وإن غرس الأرض الخ) غاية في جواز رجوع الأصل، أي له الرجوع، وإن غرس، أي الفرع، الأرض الموهوبة، أو بنى فيها الخ. (وقوله: أو تخلل عصير موهوب) أي بعد تخمره، وعبارة الإرشاد وشرحه، وإن تخمر، ثم تخلل عصير موهوب، لأن المالك الثابت في الخل: سببه ملك العصير، فكأنه الملك الأول بعينه (قوله: أو آجره) عبارة المنهاج: وكذا الإجارة على المذهب، قال م ر: لبقاء العين بحالها، ومورد الإجارة المنفعة، فيستوفيها المستأجر، ومقابل المذهب: قول الإمام إن لم يصح بيع المؤجر، ففي الرجوع تردد،. اه (قوله: أو علق عتقه) أي العبد الموهوب (قوله: أو رهنه) أي رهن الفرع الموهوب عند غيره بدين أخذه منه، (وقوله: أو وهبه) أي لآخر (قوله: بلا قبض فيهما) أي في الرهن والهبة، بخلافهما بعده، فليس له الرجوع، كما سيصرح به (قوله: لبقائه) أي المذكور من الأرض التي غرسها أو بنى فيها، ومن العصير الذي تخلل الخ هو تعليل لجواز الرجوع في الجميع (قوله: فلا رجوع الخ) مفرع على مفهوم قوله إن بقي الموهوب في سلطنته (قوله: إن زال ملكه) الأنسب بسابقه إن زالت سلطنته (قوله: وإن كانت الهبة من الابن) أي الموهوب له لابنه، وهو غاية لعدم الرجوع، أي لا يرجع الأصل على فرعه بعد أن وهب الفرع وأقبض، وإن كان الموهوب له فرعا أيضا للأصل بأن وهب الابن لابن أخيه من أبيه لإزالة الملك عن فرعه الذي وهب له ذلك الأصل (قوله: أو لأخيه لأبيه) أي أو الشقيق، وقيد بالأب، لإخراج الأخ للأم، فإنه لا يتوهم فيه الرجوع، لأنه أجنبي بالنسبة لذلك الأصل (قوله: أو ببيع) معطوف علي بهبة، أي ولا رجوع إن زال ملكه ببيع (قوله: ولو من الواهب) أي ولو كان البيع من الواهب نفسه الذي هو الأصل، فإنه لا رجوع له، وعبارة شرح الروض: وقضية كلامهم امتناع الرجوع بالبيع، وإن كان البيع من أبيه الواهب، وهو ظاهر. اه. وفي التحفة، يمتنع الرجوع، وإن كان الخيار باقيا للولد، كما اقتضاه إطلاقهم، لكن بحث الأذرعي جوازه إن كان البيع من أبيه الواهب وخياره باق، وهو ظاهر. اه. (وقوله: على الأوجه) هكذا في فتح الجواد، وانظر مقابله، فإن كان ما بحثه الأذرعي، فقد استظهره في التحفة، وفي النهاية أيضا. وإن كان الجواز مطلقا، ولو لم يكن الخيار باقيا، فهو ظاهر، لكن لم أقف عليه في الكتب التي بأيدينا (قوله: أو بوقف) معطوف على بهبة أيضا، أي ولا رجوع أيضا إذا زال الملك عن الفرع بوقفه الموهوب. قال في التحفة: أي مع القبول من الموقوف عليه إن شرطناه، فيما يظهر، لأنه قبله لم يوجد عقد يفضي إلى خروجه عن ملكه. اه (قوله: ويمتنع الرجوع الخ) لو حذفه وجعلت الغاية لقوله فلا رجوع لكان أولى (قوله: وإن عاد

ففي رجوع الاب وجهان، والاوجه منهما: عدم الرجوع، لزوال ملكه، ثم عوده، ويمتنع أيضا إن تعلق به حق لازم، كأن رهنه لغير أصل وأقبضه ولم ينفك، وكذا إن استهلك، كأن تفرخ البيض، أو نبت الحب، لان الموهوب صار مستهلكا. ويحصل الرجوع (بنحو رجعت) في الهبة، كنقضتها، أو أبطلتها، أو رددت الموهوب إلى ملكي. وكذا بكناية، كأخذته، وقبضته، مع النية، لا بنحو بيع وإعتاق وهبة لغيره ووقف، لكمال ملك الفرع. ولا يصح تعليق الرجوع بشرط، ولو زاد الموهوب رجع بزيادته المتصلة، كتعلم الصنعة، لا ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه) غاية في امتناع الرجوع بزوال الملك، وهي للرد، أي يمتنع الرجوع، وإن عاد الموهوب إلى الفرع بعد زوال الملك عنه، فيكون الزوال الزائل العائد هنا كالذي لم يعد، وقد نظم ذلك بعضهم بقوله: وعائد كزائل لم يعد في فلس مع هبة للولد في في البيع والقرض وفي الصداق بعكس ذاك الحكم باتفاق (قوله: ولو بإقالة) أي ولو كان العود بسبب إقالته للمشتري البيع، أو بسبب رد المبيع عليه بعيب (قوله: لأن الملك الخ) تعليل لإمتناع الرجوع بعد العود، أي وإنما امتنع الرجوع بعد العود، لأن الملك، أي الآن غير مستفاد من الأصل حتى يزيله بالرجوع فيه، (وقوله: حينئذ) أي حين إذ زال الملك وعاد (قوله: ثم رجع) أي الفرع الواهب (وقوله: فيه) أي الموهوب (قوله: ففي رجوع الخ) جواب لو، (وقوله: الأب) لو عبر بالأصل لكان أولى (قوله: والأوجه منهما) أي من الوجهين (وقوله: عدم الرجوع) قال في التحفة: سواء قلنا إن الرجوع، أي من الفرع، إبطال للهبة أم لا، لأن القائل بالإبطال لم يرد به حقيقته، وإلا لرجع في الزيادة المنفصلة. اه (قوله: لزوال ملكه ثم عوده) أي وهو بمنزلة العدم (قوله: ويمتنع) أي الرجوع، وقوله أيضا: أي كما يمتنع فيما إذا زال ملكه عنه (قوله: إن تعلق به) أي: بالموهوب (قوله: كأن رهنه لغير أصل) فإن كان له: فله الرجوع، قال الزركشي: لأن المانع منه، أي الرجوع، في صورة الأجنبي، وهو إبطال حقه، منتف هنا. ولهذا صححوا بيعه من المرتهن دون غيره. اه. شرح الروض (قوله: وأقبضه) قيد أول، خرج به ما إذا لم يقبضه، فللأصل الرجوع فيه، ما مر، لبقاء سلطنة الوالد عليه (قوله: ولم ينفك) أي المرهون، وهو قيد ثان، خرج به، ما إذا انفك، فله الرجوع (قوله: وكذا إن استهلك) أي وكذا يمتنع الرجوع إن استهلك الموهوب، بأن لم تبق عينه، وهو محترز قوله بلا استهلاك (قوله: كأن تفرخ البيض) أي صار البيض الموهوب فراخا (قوله: أو نبت الحب) أي بأن زرعه ونبت (قوله: لأن الموهوب صار مستهلكا) علة لمقدر: أي فيمتنع الرجوع في البيض الذي تفرخ، وفي الحب الذي نبت، لأن الموهوب صار مستهلكا. قال في النهاية: ويفرق بينه وبين نظيره في الغصب حيث يرجع المالك فيه، وإن تفرخ ونبت، بأن استهلاك الموهوب يسقط به حق الواهب بالكلية، واستهلاك المغصوب ونحوه لا يسقط به حق مالكه. اه (قوله: ويحصل الرجوع بنحو رجعت) أفاد به أنه لا بد من لفظ يدل على الرجوع (قوله: كنقضتها إلخ) تمثيل لنحو رجعت، ومثله ارتجعت الموهوب واسترددته (قوله: وكذا بكناية) أي وكذا يحصل الرجوع بكناية. (وقوله: مع النية) أي نية الرجوع (قوله: لا بنحو بيع) أي لا يحصل الرجوع بنحو بيع، أي من الأصل مع كونه في يد الفرع، لأن ما هو في ملك الغير لا ينتقل عنه بتصرف غيره فيه، وهذه التصرفات باطلة. اه. بجيرمي. وعبارة الروض وشرحه، فلو باع الوالد أو أتلف أو وهب أو وقف أو أعتق أو وطئ أو استولد الموهوب، لم يكن رجوعا، لأنه ملك للولد بدليل نفوذ تصرفاته فيه، ولا ينفذ فيه تصرف الوالد. ويخالف المبيع في زمن الخيار، بأن الملك فيه ضعيف، بخلاف ملك الولد للموهوب، فيلزمه بالإتلاف والاستيلاد: القيمة، وبالوطئ، المهر، وتلغو البقية. اه. (قوله: وإعتاقه) الأولى كإعتاق، ويكون تمثيلا لنحو البيع. (وقوله: وهبة لغيره) أي الفرع الموهوب له أولا (قوله: ووقف) أي من الأصل للموهوب، ولا يصح وقفه كإعتاقه (قوله: لكمال ملك الفرع) تعليل لعدم حصول الرجوع بما ذكر، أي لا يحصل الرجوع بما ذكر لكمال ملك الفرع. قال في التحفة، فلم يقو الفعل على إزالته. اه (قوله: ولا يصح تعليق الرجوع بشرط) أي بوصف، كإذا

المنفصلة، كالاجرة والولد والحمل الحادث على ملك فرعه. ويكره للاصل، الرجوع في عطية الفرع، إلا لعذر، كأن كان الولد عاقا، أو يصرفه في معصية، وبحث البلقيني امتناعه في صدقة واجبة، كزكاة، ونذر، وكفارة، وبما ذكره أفتى كثيرون ممن سبقه وتأخر عنه، وله الرجوع فيما أقر بأنه لفرعه، كما أفتى به النووي، واعتمده جمع متأخرون، قال الجلال البلقيني عن أبيه، وفرض ذلك فيما إذا فسره بالهبة، وهو فرض لا بد منه. انتهى. وقال النووي: لو وهب وأقبض ومات فادعى الوارث كونه في المرض، والمتهب كونه في الصحة، ـــــــــــــــــــــــــــــ جاء رأس الشهر فقد رجعت، وذلك لأن الفسوخ لا تقبل التعليق، كالعقود (قوله: ولو زاد الموهوب) أي عند الفرع (قوله: رجع) أي الأصل، ومتعلق الفعل محذوف: أي فيه (قوله: بزيادته المتصلة) أي مع زيادة الموهوب المتصلة. فالباء بمعنى مع، وذلك لأنها تتبع الأصل (قوله: كتعلم الصنعة) تمثيل للزيادة المتصلة، والمراد: التعلم الذي لا معالجة للسيد فيه. قاله زي. والمراد بالسيد: الولد الموهوب له، ومفهومه أن التعلم إن كان فيه معالجة تقابل بأجرة، دفعها الواهب لابنه إن طلبها. تأمل. اه. بجيرمي (قوله: لا المنفصلة) أي لا الزيادة المنفصلة عن الموهوب، فلا يرجع الأصل فيها (قوله: كالأجرة) تمثيل للزيادة المنفصلة. وقوله والولد، أي الحادث الحمل به بعد القبض، بخلاف القديم، فيرجع فيه، لأنه من جملة الموهوب، بناء على أن الحمل يعلم (قوله: الحمل الحادث) معطوف على الأجرة، ومقتضاه أنه من الزوائد المنفصلة، وليس كذلك، بل هو من الزوائد المتصلة، وألحق بالزوائد المنفصلة في عدم الرجوع فيه، ولو قال - كما في شرح المنهج - وكذا حمل حادث، لكان أولى، وقوله على ملك فرعه، متعلق بالحادث، أي الذي حدث على ما هو ملك للفرع، وهو الأم، ويلزم منه أن يكون بعد القبض، وعبارة شرح المنهج: لحدوثه على ملك الفرع. اه. وهي أولى، لأنها أفادت علة كون الحمل الحادث لا يرجع الأصل فيه، بل إنما يرجع في أمه فقط (قوله: ويكره للأصل: الرجوع في عطية الفرع إلخ) شروع في بيان حكم الرجوع (قوله: إلا لعذر) أي فلا يكره (قوله: كأن الخ) تمثيل للعذر، وعبارة التحفة، كأن كان الولد عاقا أو يصرفه في معصية فلينذره به، فإن أصر. لم يكره - كما قالاه - وبحث الأسنوي ندبه في العاصي وكراهته في العاق إن زاد عقوقه، وندبه، إن أزاله، وإباحته، إن لم يفد شيئا. والأذرعي عدم كراهته، إن احتاج الأب له لنفقة أو دين، بل ندبه إن كان الولد غنيا عنه، ووجوبه في العاصي إن تعين طريقا في ظنه إلى كفه عن المعصية، والبلقيني: امتناعه في صدقة واجبة، كزكاة، ونذر، وكفارة، وكذا في لحم أضحية تطوع، لأنه إنما يرجع، ليستقل بالتصرف، وهو فيه ممتنع، وبما ذكره، أفتى كثيرون ممن سبقه وتأخر عنه، وردوا على من أفتى بجواز الرجوع في النذر، بكلام الروضة وغيرها. اه (قوله: وبحث البلقيني امتناعه) أي الرجوع (قوله: كزكاة الخ) تمثيل للصدقة الواجبة. قال ع ش: لا يقال كيف يأخذ الزكاة أو النذر، مع إنه إذا كان فقيرا فنفقته واجبة على أبيه فهو غني بماله، وإن كان غنيا فليس له أخذ الزكاة من أصلها، لأنا نقول: نختار الأول، ولا يلزم من وجوب نفقته على أبيه، غناه، لجواز أن يكون له عائلة كزوجة، ومستولدة يحتاج للنفقة عليهما، فيأخذ من الزكاة ما يصرفه في ذلك، لأنه إنه يجب على أصله نفقته، لا نفقة عياله، فيأخذ من صدقة أبيه ما زاد على نفقة نفسه. اه (قوله: وبما ذكره) أي البلقيني من امتناع الرجوع (قوله: ممن سبقه) أي تقدم عليه في الزمن، (وقوله: وتأخر عنه) أي فيه (قوله: وله الرجوع الخ) أي للأصل الرجوع في المال الذي أقر ذلك الأصل بأنه لفرعه (قوله: عن أبيه) أي نقلا عن أبيه (قوله: وفرض ذلك) أي فرض كونه له الرجوع فيما أقر به إن لفرعه (قوله: فيما إلخ) الجار والمجرور خبر فرض، أي كائن فيما إذا فسر ما أقر به له بهبة. قال سم، قضيته أنه لا يكفي ترك التفسير مطلقا، وفيه نظر. اه (قوله: وهو فرض) أي فرض الرجوع في المقر به بما إذا فسره بهبة فرض لا بد منه، أي لا غنى عنه (قوله: لو وهب) أي المالك لغيره شيئا. (وقوله: وأقبض) أي الموهوب للمتهب. (وقوله: ومات) أي الواهب بعد الإقباض (قوله: فادعى الوارث كونه) أي ما ذكر من الهبة والإقباض واقعا في المرض: أي لأجل أن يعد من الثلث، لأن التصرفات الكائنة في مرض الموت تحسب منه (قوله: والمتهب) أي وادعى

صدق. انتهى ولو أقاما بينتين قدمت بينة الوارث، لان معها زيادة علم (وهبة دين للمدين إبراء) له عنه، فلا يحتاج إلى قبول، نظرا للمعنى. (ولغيره) أي المدين هبة (صحيحة) إن علما قدره، كما صححه جمع، تبعا للنص، خلافا لما صححه المنهاج. (تنبيه) لا يصح الابراء من المجهول للدائن أو المدين، لكن فيما فيه معاوضة، كأن أبرأتني فأنت طالق، لا فيما عدا ذلك: على المعتمد، وفي القديم: يصح من المجهول مطلقا. ولو أبرأ، ثم ادعى الجهل: لم يقبل ـــــــــــــــــــــــــــــ المتهب أن ما ذكر واقع في الصحة، لأجل أن يأخذه بتمامه من رأس المال (قوله: صدق) أي المتهب بيمينه، لأن العين في يده، والأصل دوام الصحة (قوله: ولو أقاما) أي الوارث والمتهب، (وقوله: بينتين) أي تشهد بينة كل بما ادعاه (قوله: قدمت إلخ) جواب لو (قوله: لأن معها) أي بينة الوارث وقوله زيادة علم، أي بالمرض الذي هو خلاف الأصل. (تنبيه) قال في المغني: لو وهب لولده عينا، وأقبضه إياها في الصحة، فشهدت بينة لباقي الورثة أن أباه رجع فيما وهبه له، ولم تذكر ما رجع فيه: لم تسمع شهادتها، ولم تنزع العين منه، لاحتمال أنها ليست من المرجوع فيه. اه. (قوله: وهبة دين) أي أو التصدق به، (وقوله: الدين) متعلق بهبة (قوله: إبراء) أي صريحا، خلافا لما في الذخائر من أنه كناية، نعم، إن كان بلفظ الترك كأن يقول له تركته، أو لا آخذه منك، فهو كناية إبراء، وقوله له، أي للمدين. وقوله عنه، أي عن الدين. (قوله: فلا يحتاج إلى قبول) مفرع على كونه إبراء (قوله: نظرا للمعنى) هو كون هذه الهبة إبراء (قوله: ولغيره) معطوف على للمدين أي وهبة دين لغير المدين، كأن كان الدين على زيد، فوهبه لعمرو (قوله: هبة صحيحة) خبر المبتدأ المقدر قبل الجار والمجرور، أعني قوله لغيره (قوله: إن علما) أي الواهب والمتهب قدره، أي الدين، فإن لم يعلما قدره، فهي باطلة، لما مر من أن شرط صحة الهبة علم المتعاقدين بالموهوب (قوله: كما صححه إلخ) مرتبط بقوله هبة صحيحة (قوله: خلافا لما صححه المنهاج) أي من البطلان، وعبارته، وهبة الدين للمدين إبراء، ولغيره باطلة في الأصح. اه. قال في النهاية: لأنه غير مقدور على تسليمه، لأن ما يقبض من المدين، عين، لا دين، وظاهر كلام جماعة، واعتمده الوالد رحمة الله تعالى، بطلان ذلك، وإن قلنا بما مر من صحة بيعه لغير من هو عليه بشروطه السابقة، وهو كذلك، ويؤيده ما مر من صحة بيع الموصوف دون هبته، والدين مثله، بل أولى، الخ. اه. (قوله: تنبيه الخ) ذكره في المنهاج والمنهج في باب الضمان، ولم يذكره المؤلف هناك، وذكره هنا، لأنه لما بين أن هبة الدين للمدين إبراء، ناسب أن يذكر ما يتعلق بالإبراء (قوله: لا يصح الإبراء من المجهول) أي الذي لا تسهل معرفته، بخلاف ما تسهل معرفته، كإبرائه من حصته من تركة مورثه، لأنه، وإن جهل قدر حصته، لكن يعلم قدر تركته، فتسهل معرفة الحصة، وعدم صحة ما ذكر، بالنسبة للدنيا. وأما في الآخرة: فتصح، لأن المبرئ راض بذلك ولا يصح أيضا الإبراء المؤقت، كأن يقول أبرأتك مما لي عليك سنة، والمعلق بغير الموت. أما المعلق به، كإذا مت فأنت برئ، فهو وصية، فيجري فيه تفصيلها (قوله: للدائن) متعلق بالمجهول (قوله: أو المدين) أي أو المجهول للمدين، (وقوله: لكن فيما فيه معاوضة) راجع للمدين، لا للدائن، كما في البجيرمي، ونص عبارته، فلا بد من علم المبرئ مطلقا وأما المدين، فإن كان الإبراء في معاوضة، كالخلع، بأن أبرأته مما عليه في مقابلة الطلاق، فلا بد من علمه أيضا، لتصح البراءة، وإلا فلا يشترط الخ. اه (قوله: لا فيما عدا ذلك) أي لا تنتفي الصحة فيما عدا ما فيه معاوضة، فيصح إبراء المجهول للمدين في غير الذي فيه معاوضة، كدين ثبت عليه، وهو جاهل به فأبرأه منه الدائن العالم بقدره، (وقوله: على المعتمد) مرتبط بهذا فقط (قوله: وفي القديم الخ) أفاد به أن الأول، هو القول الجديد، وهو كذلك، كما صرح به في المنهاج، وعبارته: والإبراء من المجهول باطل في الجديد، قال في المغني، لأن البراءة متوقفة على الرضا، ولا يعقل مع الجهالة، والقديم أنه صحيح، لأنه إسقاط محض، كالإعتناق، ومأخذ القولين إنه تمليك أو إسقاط، فعلى الأول، يشترط العلم بالمبرأ، وعلى الثاني، لا يصح. اه. (وقوله: يصح) أي الإبراء. (وقوله: مطلقا) أي فيما فيه معاوضة

ظاهرا، بل باطنا. ذكره الرافعي. وفي الجواهر عن الزبيلي: تصدق الصغيرة المزوجة إجبارا بيمينها في جهلها بمهرها. قال الغزي: وكذا الكبيرة المجبرة إن دل الحال على جهلها، وطريق الابراء من المجهول، أن يبرئه مما يعلم أنه لا ينقص عن الدين، كألف شك هل دينه يبلغها أو ينقص عنها؟ ولو أبرأ من معين معتقدا أنه لا يستحقه، فبان أنه يستحقه، برئ، ويكره لمعط: تفضيل في عطية فروع، وإن سفلوا، ولو الاحفاد مع وجود الاولاد، على الاوجه، سواء كانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا. أو أصول، وإن بعدوا، سواء الذكر وغيره إلا لتفاوت حاجة، أو فضل، على الاوجه، قال جمع: يحرم، ونقل في الروضة عن الدارمي: فإن ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي غيره (قوله: ولو أبرأ) أي الدائن (قوله: ثم ادعى الجهل) أي فيما أبرأه (قوله: لم يقبل) أي ما ادعاه. وقوله ظاهرا أي بالنسبة للدنيا، وقوله بل باطنا، أي بل يقبل باطنا ويترتب عليه أنه لا يحل للمدين، وأنه في الآخرة يطالب به (قوله: ذكره الرافعي) في التحفة بعده، لكن في الأنوار أنه إن باشر سبب الدين لم يقبل، وإلا كدين ورثه قبل. وفي الجواهر نحوه، فليخص به كلام الرافعي. اه (قوله: تصدق الصغيرة الخ) ظاهره أنها تصدق بيمينها في حال صغرها، وليس كذلك، بل بعد بلوغها، ولو قال تصدق المزوجة صغيرة الخ، لأفاد ذلك، إذ يكون المراد عليه تصدق بعد بلوغها، وعبارة التحفة، في باب الخلع، ولو أبرأت، ثم ادعت الجهل بقدره، فإن زوجت صغيرة، صدقت بيمينها، أو بالغة ودل الحال على جهلها به، ككونها مجبرة، لم تستأذن، فكذلك، وإلا صدق بيمينه، وإطلاق الزبيلي تصديقه في البالغة، محمول على ذلك اه. ومثلها عبارة مؤلفنا هناك، وقوله المزوجة إجبارا، أي بالإجبار لها من أبيها أو جدها وقوله بيمينها، متعلق بتصدق، وكذلك قوله في جهلها بمهرها (قوله: وكذا الكبيرة إلخ) أي وكذا تصدق الكبيرة المزوجة إجبارا، (وقوله: إن دل الحال على جهلها) أي إن دلت القرينة على جهلها به، ككونها لم تستأذن (قوله: وطريق الإبراء من المجهول) أي الحيلة في صحة الإبراء من المجهول (قوله: أن يبرئه) أي يبرئ الدائن مدينة، (وقوله مما يعلم الخ) أي من قدر يعلم المبرئ أنه لا ينقص عن الدين الذي له، كأن يبرئه من ألف وهو يعلم أن دينه لا يزيد عليها، بل شك، هل يبلغها، أو ينقص عنها؟ (قوله: ولو أبرأ الخ) يعني لو أبرأ شخص شخصا من دين معين كمائة ريال حال كون المبرئ، بكسر الراء، معتقدا أنه لا يستحقها، فتبين بعد ذلك أنه يستحقها وقت الإبراء، بأن مات مورثه وله مائة ريال عند المبرأ، بفتح الراء، فيبرأ منها، لأن العبرة بالواقع. (فائدة) يكفي في الغيبة التوبة والإستغفار للمغتاب بأن يقول اللهم اغفر له إن لم تبلغه وإلا فلا بد من تعيينها بل وتعيين حاضرها إن اختلف به الغرض ثم ان أبرأه منها مطلقا أو في الدنيا والآخرة أو في الدنيا فقط سقطت وإلا فلا ومحله ما لم تكن كبيرة فإن كانت كبيرة بأن كانت في أهل العلم والقرآن فلا بد من التوبة المعتبرة في الكبائر (قوله: ويكره لمعط الخ) وذلك لخبر البخاري اتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم وخبر أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لمن أراد أن يشهد على عطية لبعض أولاده لا تشهدني على جور لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم (وقوله في عطية فروع) أفهم أنه لا يكره التفضيل في غيرها كالتودد بالكلام وغيره لكن وقع في بعض نسخ الدميري لا خلاف أن التسوية بينهم مطلوبة حتى في التقبيل وله وجه وافهم قوله: فروع أن هذا الحكم لا يحري في الأخوة وغيرهم وهو كذلك، (قوله: وإن سفلوا) أي الفروع أي نزلوا (قوله: ولو الأحفاد) أي ولو كانوا أحفادا فإنه يكره التفضيل بينهم وهم أولادا لأولاد وفي القاموس أحفاد الرجل بناته أو أولاد أولاده. اه وقوله مع وجود الأولاد ليس بقيد كما هو ظاهر (قوله: على الأوجه) راجع للغاية ومقابله يخصص كراهة ذلك بالأولاد وعبارة التحفة ولو الأحفاد مع وجود الأولاد على الأوجه وفاقا لغير واحد وخلافا لمن خصص الأولاد. اه (قوله: سواء إلخ) تعميم في العطية وقوله أم وقفا أي أم تبرعا آخر كالإباحة (قوله: أو أصول) بالجر عطف على فروع أي ويكره أيضا التفضيل في عطية أصول (قوله: وإن بعدوا) أي الأصول (قوله: سواء الذكر وغيره) أي سواء

فضل في الاصل فليفضل الام، وأقره لما في الحديث أن لها ثلثي البر، بل في شرح مسلم عن المحاسبي، الاجماع على تفصيلها في البر على الاب. ـــــــــــــــــــــــــــــ في كراهة التفضيل الذكر منهم والأنثى (قوله: إلا لتفاوت الخ) راجع لقوله يكره بالنسبة للصنفين الفروع والأصول أي يكره ما ذكر إلا لتفاوت في الحاجة أو الفضل فلا يكره والحاصل محل الكراهة عند الإستواء في الحاجة وعدمها وفي الدين وقلته وفي البر وعدمه وإلا فلا كراهة وعلى ذلك يحمل تفضيل الصحابة بعض أولادهم كالصديق رضي الله عنه فإنه فضل السيدة عائشة على غيرها من أولاده كسيدنا عمر فإنه فضل ابنه عاصما بشئ وكسيدنا عبد الله بن عمر فإنه فضل بعض أولاده على بعضهم رضي الله عنهم أجمعين (قوله: على الأوجه) متعلق ببكره أيضا أي يكره ذلك على الأوجه ومقابلة ما ذكر بعد قوله قال: جمع يحرم أي التفضيل وعبارة التحفة فإن لم يعدل لغير عذر كره عند أكثر العلماء وقال: جمع يحرم. اه (قوله: ونقل) بصيغة المبني للمعلوم وفاعله يعود على النووي ومفعوله الجملة بعده فهي المنقولة وساقه في التحفة مستدركا به على كراهة تفضيل الأصول ونصها فإن فضل كره خلافا لبعضهم نعم في الروضة فإن فضل فالأولى أن يفضل الأم الخ. ثم قال: وقضيته عدم الكراهة إذ لا يقال في بعض جزئيات المكروه أنه أولى من بعض اه. وسياق عبارة الشارح يفيد أنه إذ أراد أن يفضل مع ارتكابه للكراهة أو للحرمة على القولين فليفضل الأم مع أنه ليس كذلك فكان الأولى له أن يسلك ما سلكه شيخه ليسلم من ذلك فتنبه (قوله: فإن فضل) أي أراد ذلك وقوله في الأصل أي في أصوله وهذا ليس في عبارة التحفة فهو من زيادته فكان الأولى أن يزيد أي التفسيرية (قوله: بل في شرح مسلم) الاضراب انتقالي (قوله: الاجماع على تفضيلها في البر) قال في التحفة وإنما فضل عليها في الإرث لما يأتي أن ملحظه العصوبة والعاصب أقوى من غيره وما هنا ملحظه الرحم وهي فيه أقوى لأنها أحوج اه. (واعلم أن أفضل البر، بر الوالدين، بالإحسان إليهما، وفعل ما يسرهما من الطاعات لله تعالى وغيرهما مما ليس بمنهي عنه. قال تعالى: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحسانا) * (1) الآية، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كان تحتي امرأة، وكنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي طلقها، فأبيت، فأتى عمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: طلقها رواه الترمذي وحسنه، ومن برهما: الإحسان إلى صديقهما، لخبر مسلم: إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه ومن الكبائر: عقوق الوالدين، وهو أن يؤذيهما أذى ليس بالهين - ما لم يكن أذاهما به واجبا وصلة الرحم، أي القرابة مأمور بها أيضا، وهي فعلك مع قريبك ما تعد به واصلا، وتكون بالمال، وقضاء الحوائج، والزيارة، والمكاتبة، والمراسلة بالسلام، ونحو ذلك. روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاثة في ظل العرش يوم القيامة: واصل الرحم، وامرأة مات زوجها وترك أيتاما فتقوم عليهم حتى يغنيهم الله أو يموتوا، ورجل اتخذ طعاما ودعا إليه اليتامى والمساكين وقال - صلى الله عليه وسلم -: رأيت في الجنة قصورا من در وياقوت وزمرد، يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، فقلت يا جبريل: لمن هذه المنازل قال: لمن وصل الأرحام، وأفشى السلام، وأطعم الطعام، ورفق بالأيتام، وصلى بالليل والناس نياهم ويتأكد أيضا استحباب وفاء الوعد، قال تعالى: * (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) * (2)، وقال: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (3)، وقال: * (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) * (4) ويتأكد كراهة إخلاف الوعد. قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * (5) وروى الشيخان خبر: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان زاد مسلم

_ (1) سورة الاسراء، الاية: 23. (2) سورة النحل، الاية: 91. (3) سورة المائدة، الاية: 1. (4) سورة الاسراء، الاية: 34. (5) سورة الصف، الاية: 2، 3.

(فروع) الهدايا المحمولة عند الختان ملك للاب، وقال جمع: للابن. فعليه يلزم الاب قبولها، ومحل الخلاف إذا أطلق المهدي فلم يقصد واحدا منهما، وإلا فهي لمن قصده، اتفاقا، ويجري ذلك فيما يعطاه خادم الصوفية فهو له فقط عند الاطلاق، أو قصده. ولهم عند قصدهم وله ولهم عند قصدهما، أي يكون له النصف فيما يظهر، وقضية ذلك أن ما اعتيد في بعض النواحي من وضع طاسة بين يدي صاحب الفرح ليضع الناس فيها دراهم، ثم يقسم على الحالق أو الخاتن أو نحوهما، يجري فيه ذلك التفصيل، فإن قصد ذلك وحده، أو مع نظرائه المعاونين له، عمل بالقصد. وإن أطلق، كان ملكا لصاحب الفرح، يعطيه لمن يشاء. وبهذا يعلم أنه لا نظر هنا للعرف، أما مع قصد خلافه، فواضح، وأما مع الاطلاق، فلان حمله على من ذكر، من الاب والخادم ـــــــــــــــــــــــــــــ في رواية: وإن صام وصلى اللهم بجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - اهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، آمين (قوله: فروع) أي خمسة، الأولى: قوله الهدايا الخ الثاني: قوله ولو أهدى الخ، الثالث: قوله ولو قال خذها الخ، الرابع: قوله ومن دفع الخ، الخامس قوله ولو بعث هدية الخ (قوله: الهدايا المحمولة) أي إلى أب المختون (قوله: ملك للأب) خبر المبتدأ، وهو الهدايا. وصح ذلك، مع أن المبتدأ جمع، والخبر مفرد، لأن لفظ ملك مصدر، وهو يخبر به عن المثنى والجمع والمفرد (قوله: وقال جمع للإبن) أي أنها مالك للإبن، لا للأي (قوله: فعليه) أي على القول الثاني، وهو أنها للإبن، وقوله يلزم الأب قبولها، أي عند انتفاء المحذور، كما لا يخفى، ومنه قصد التقرب للأب وهو نحو قاض، فيمتنع عليه القبول، كما بحثه بعض الشراح، وهو ظاهر. اه. نهاية وتحفة (قوله: ومحل الخلاف) أي بين كونها للأب أو للإبن (قوله: إذا أطلق المهدي) بكسر الدال: اسم فاعل. (وقوله: فلم يقصد الخ) مفرع على الإطلاق، ولو قال: أي لم يقصد، بأداة التفسير، لكان أولى، إذ هو عين الإطلاق، لا مرتب عليه (قوله: وإلا) أي وإن لم يطلق المهدي، بأن وجد منه قصد (قوله: فهي) أي الهدايا، وقوله لمن قصده، أي من الأب، أو من الإبن، أو منهما (قوله: ويجري ذلك) أي التفصيل بين حالة الإطلاق وحالة القصد. والمراد يجري بعض ذلك، لأنه في حالة الإطلاق هنا لا خلاف في أنه للخادم، بخلافه هناك، فإن فيه خلافا بين كونه للأب أو للإبن، بدليل التفريع بعده (قوله: فهو) أي ما يعطي للخادم، (وقوله: له) أي ملك له. (وقوله: فقط) أي لا له معهم، (وقوله: عند الإطلاق) أي إطلاق المعطي، بكسر الطاء، (وقوله: أو قصده) أي أو عند قصده، أي الخادم، والإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعذ حذف الفاعل، أي عند قصد المعطى إياه (قوله: ولهم) أي وهو ملك لهم، أي الصوفية، (وقوله: عند قصدهم) أي قصد المعطي إياهم فقط (قوله: وله ولهم) أي وهو ملك للخادم والصوفية، (وقوله: عند قصدهما) أي قصد المعطي إياهما معا (قوله: أي يكون له النصف) يعني إذا قصدهما المعطي بالعطية، يكون له هو النصف، ولهم النصف الآخر. قال في التحفة بعده، أخذا مما يأتي في الوصية لزيد الكاتب والفقراء. اه. قال سم: كذا في شرح م ر، وقد يفرق. اه. (قوله: وقضية ذلك) أي ما ذكر من جريان التفضيل فيما يعطاه خادم الصوفية (قوله: بين يدي صاحب الفرح) أي ختانا كان أو غيره (قوله: ليضع الناس فيها) أي في الطاسة (قوله: ثم يقسم) أي ما ذكر من الدراهم، والأولى تقسم: بالتاء، كما في التحفة، (وقوله: أو نحوهما) أي كالمعينين لهما (قوله: يجري الخ) الجملة خبر أن. (وقوله: ذلك التفصيل) أي الكائن فيما يعطاه الخادم، والمراد يجري نظيره (قوله: فإن قصد الخ) بيان للتفصيل، وقوله ذلك، أي المذكور من الحالق أو الخاتم أو نحوهما (قوله: أو مع نظرائه المعاونين له) قال سم: هل يقسم بينه وبين المعاونين له بالسوية، أو بالتفاوت؟ وما ضابطه؟ ولا بد من اعتبار العرف في ذلك. اه. (قوله: وبهذا يعلم) أي ويجريان التفصيل في هذه المسائل الثلاث، وقوله هنا، أي في هذه المسائل، وقوله للعرف: أي العادي (قوله: أما مع قصد خلافه) أي العرف. وقوله فواضح، خبر لمبتدأ محذوف، أي فهو، أي عدم النظر للعرف، واضح (قوله: وأما مع الإطلاق) أي عدم القصد رأسا (قوله: فلأن حمله) أي الإعطاء: أي تخصيصه بمن ذكر، وقوله من

وصاحب الفرح، نظرا للغالب أن كلا من هؤلاء هو المقصود هو عرف الشرع، فيقدم على العرف المخالف له، بخلاف ما ليس للشرع فيه عرف، فإنه تحكم فيه العادة. ومن ثم لو نذر لولي ميت بمال، فإن قصد أنه يملكه، لغا، وإن أطلق، فإن كان على قبره ما يحتاج للصرف في مصالحه، صرف له، وإلا فإن كان عنده قوم اعتيد قصدهم بالنذر للولي، صرف لهم، ولو أهدي لمن خلصه من ظالم لئلا ينقص ما فعله لم يحل له قبوله، وإلا حل، أي وإن تعين عليه تخليصه، ولو قال خذ هذا واشتر لك به كذا، تعين ما لم يرد التبسط، أي أو تدل ـــــــــــــــــــــــــــــ الأب، أي بالنسبة للصورة الأولى، (وقوله: والخادم) أي بالنسبة للثانية، (وقوله: وصاحب الفرح) أي بالنسبة للثالثة، (قوله: أن كلا إلخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بمن مقدرة بيانا للغالب (قوله: هو المقصود) خبر أن الثانية (قوله: هو عرف الشرع) خبر أن الأولى، أي أن الحمل المذكور نظرا للغالب هو عرف الشرع (قوله: فيقدم) أي عرف الشرع، (وقوله: على العرف) أي العادي. (وقوله: المخالف له) أي لعرف الشرع (قوله: بخلاف الخ) خبر لمبتدأ محذوف، أو حال مما قبله، كما تقدم غير مرة. (قوله: فإنه تحكم فيه العادة) أي العرف العادي، والإسناد فيه من قبيل المجاز العقلي، وفي بعض نسخ الخط فإنه يحكم فيه بالعادة (قوله: ومن ثم إلخ) أي من أجل أن ما ليس للشرع فيه عرف تحكم العادة فيه. (قوله: ولو نذر) أي من ينعقد نذره، وهو والمسلم المكلف (قوله: ميت) صفة لولي (قوله: بمال) متعلق بنذر (قوله: فإن قصد) أي الناذر، وقوله أنه، أي الولي الميت، (وقوله: يملكه) أي المال بنذره له، (وقوله: لغا) أي النذر، لأنه ليس أهلا للملك (قوله: وإن أطلق) أي لم يقصد شيئا (قوله: فإن كان الخ) أي في ذلك تفضيل، فإن كان الخ (قوله: ما يحتاج للصرف في مصالحه) أي شئ يحتاج لأن يصرف المنذور في مصالحه، كقناديل معلقة عليه فيحتاج لشراء زيت للإسراج به فيها، وتقدم، في مبحث النذر، أن الإنتفاع به شرط، فلو لم يوجد هناك من ينتفع به من مصل أو نائم أو نحوهما، لم يصح النذر. (قوله: وإلا) أي وإن لم يكن على قبره ما يحتاج للصرف فيه (قوله: فإن كان عنده) أي عند قبر الولي الميت، (وقوله: اعتيد قصدهم بالنذر) أي اطردت العادة بأنهم يقصدون بالنذر لذلك الولي (قوله: صرف لهم) أي صرف ذلك لهؤلاء القوم الذين اعتيد صرف النذر لهم، عملا بالعادة المطردة، ولم يذكر حكم ما إذا لم يكن هناك شئ يحتاج للصرف فيه ولم يكن قوم هناك يعتاد صرف النذر إليهم. وقد تقدم في مبحث النذر في صورة ما إذا خرج أحد من ماله للكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة ما نصه: أنه إن اقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها، صرف إليها واختصت به، فإن لم يقتض العرف شيئا، فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف لرأي ناظرها. اه. بتصرف. ويمكن أن يقال هنا كذلك، وهو إنه إذا كان لقبر ذلك الولي ناظر، فيكون الرأي فيه له، ولا يلغو النذر، ويمكن خلافه. فليراجع (قوله: ولو أهدى لمن خلصه من ظالم الخ) عبارة المغني: ولو خلص شخص آخر من يد ظالم، ثم أنفذ إليه شيئا، هل يكون رشوة أو هدية؟ قال القفال في فتاويه: ينظر، إن كان أهدى إليه مخافة أنه ربما لو لم يبره بشئ لنقض جميع ما فعله، كان رشوة، وإن كان يأمن خيانته، بأن لا ينقض ذلك بحال، كان هبة. اه. (قوله: لئلا ينقض) أي المهدى إليه، (وقوله: ما فعله) أي من تخليصه من ظالم (قوله: لم يحل له قبوله) أي لأنه إنما أعطاه خوفا من أن ينقض ما فعله، فهو رشوة، وفي التحفة، ولو شكا إليه أنه لم يعرف أجرته كاذبا، فأعطاه درهما أو أعطاه بظن صفة فيه أو في نسبه فلم يكن فيه باطنا، لم يحل له قبوله ولم يملكه، ويكتفي في كونه أعطى لأجل تلك الصفة بالقرينة. اه. (قوله: وإلا حل) أي وإن لم يهد إليه، لئلا ينقض ما فعله، بل أهدى إليه لا لما ذكر، حل قبوله، وقوله إن تعين عليه تخليصه، بأن لم يكن هناك من يخلصه إلا هو، وهذا مبني على الأصح، أنه يجوز أخذ العوض على الواجب العيني إذا كان في كلفة (قوله: ولو قال) أي شخص لآخر (قوله: خذ هذا) أي الدرهم أو الدينار (قوله: تعين) أي الشراء المأمور به. (وقوله: ما لم يرد) أي بقوله واشتر كذا، (وقوله: التبسط) أي التوسع وعدم تعيين ما أمره بشرائه، وقوله أو تدل قرينة حاله، الإضافة للبيان. وقوله عليه، أي على التبسط. قال في التحفة: لأن القرينة هنا محكمة، ومن ثم قالوا لو

قرينة حاله عليه. ومن دفع لمخطوبته أو وكيلها أو وليها طعاما أو غيره ليتزوجها فرد قبل العقد، رجع على من أقبضه، ولو بعث هدية إلى شخص فمات المهدي إليه قبل وصولها، بقيت على ملك المهدي، فإن مات المهدى، لم يكن للرسول حملها إلى المهدى إليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ أعطى فقيرا درهما بنية أن يغسل به ثوبه، أي وقد دلت القرينة عليه، تعين له (قوله: ومن دفع لمخطوبته الخ) هذه المسألة سيذكرها الشارح في أواخر باب الصداق، ونصها: لو خطب امرأة، ثم أرسل أو دفع إليها، بلا لفظ مالا قبل العقد، أي ولم يقصد التبرع، ثم وقع الإعراض منها أو منه، رجع بما وصلها منه. اه. قال في التحفة هناك، أي لأن قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعث أو دفع إليها لتتم تلك الخطبة. اه (قوله: فرد قبل العقد) أي لم يقبل، وقوله رجع على من أقبضه، أي لأنه إنما دفع إليها ما ذكر لأجل التزويج، ولم يوجد، وفي حاشية الجمل، في باب النكاح، ما نصه. (سئل م ر) عمن خطب امرأة، ثم أنفق عليها نفقة ليتزوجها، فهل له الرجوع بما أنفقه أم لا؟. (فأجاب) بأن له الرجوع بما أنفقه على من دفع له، سواء كان مأكولا، أو مشروبا، أم ملبسا، أم حلوا، أم حليا، وسواء رجع هو، أم مجيبه، أم مات أحدهما، لأنه إنما أنفقه لأجل تزوجها، فيرجع به إن بقي، وببدله إن تلف، وظاهر أنه لا حاجة إلى التعرض لعدم قصده الهدية لا لأجل تزوجه بها، لأنه صورة المسألة، إذ لو قصد ذلك، أي الهدية، لا لأجل تزوجه بها، لم يختلف في عدم الرجوع. اه. (قوله: ولو بعث) أي شخص (قوله: فمات المهدى إليه) أي الشخص الذي أهدي إليه (قوله: قبل وصولها) أي الهدية (قوله: بقيت على ملك المهدي) أي لما تقدم أن الهبة بأنواعها الثلاثة لا تملك إلا بالقبض بدليل أنه لما مات النجاشي قبل وصول ما أهداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رد له وقسمه بين زوجاته (قوله: فإن مات المهدي) أي قبل وصول ما أهداه للمهدى إليه، (وقوله: لم يكن للرسول الخ) أي لا يجوز له ذلك إلا بإذن الوارث. وعبارة الروض وشرحه. (فرع) وإن مات المهدي أو المهدى إليه قبل القبض: فليس للرسول إيصالها، أي الهدية، إلى المهدى إليه، أو وارثه، إلا بإذن جديد. اه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب في الوقف

باب في الوقف هو لغة: الحبس. وشرعا: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح وجهة والاصل فيه: خبر مسلم: إذا مات المسلم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في الوقف (أي في بيان أحكام الوقف) وهو ليس من خصائص هذه الأمة، كما في شرح م ر. وقال الحافظ، في الفتح، وأشار الشافعي: إلى أن الوقف من خصائص أهل الإسلام: أي وقف الأرض والعقار. اه. قال الرشيدي، وعبارة الشافعي رضي الله عنه: ولم يحبس أهل الجاهلية، فيما علمته، دارا ولا أرضا، وإنما حبس أهل الإسلام. انتهت. وأركانه أربعة: واقف، وموقوف عليه، وموقوف، وصيغة. وشرط الواقف أهلية التبرع، فلا يصح وقف المجنون والصبي والمكره والمحجور عليه والمكاتب. وشرط الموقوف عليه إن كان معينا، إمكان تملكه للموقوف حال الوقف عليه، فلا يصح الوقف على جنين، لعدم صحة تملكه، ولا وقف عبد مسلم أو مصحف على كافر، وشرط الموقوف أن يكون عينا معينة مملوكة، إلى آخر ما سيأتي، وشرط الصيغة، لفظ يشعر بالمراد صريحا: كوقفت، وسبلت، وحبست كذا على كذا، وكناية: كحرمت، وأبدت هذا للفقراء، وكتصدقت به على الفقراء، ويشترط فيها عدم التعليق، فلو قال إذا جاء رأس الشهر فقد وقفت كذا على الفقراء، لم يصح، وعدم التأقيت: فلو قال وقفت كذا على الفقراء سنة، لم يصح، وسيذكر الشارح معظم ذلك (قوله: هو لغة الحبس) يقال وقفت كذا: أي حبسته. قال الرشيدي: أنظر ما المراد بالحبس في اللغة؟ اه. (قوله: وشرعا: حبس الخ) قد اشتمل هذا التعريف على الأركان الأربعة، وعلى معظم الشروط، فقوله حبس، يتضمن حابسا، وهو الواقف، ويتضمن صيغة. (وقوله: مال) هو الموقوف، (وقوله: يمكن الانتفاع به الخ) بيان لمعظم الشروط، والمراد بالمال، العين المعينة بشرطها الآتي، غير الدراهم والدنانير، لأنها تنعدم بصرفها، فلا يبقى لها عين موجودة، (وقوله: بقطع التصرف) متعلق بحبس. والمراد بالقطع، المنع والباء للملابسة، أو التصوير، يعني أن الحبس مصور بقطع الخ، أو متلبس به، (وقوله: في رقبته) أي ذاته متعلق بالتصرف، (وقوله: على مصرف) متعلق بحبس أيضا وهو الموقوف عليه. (وقوله: مباح) خرج به المحرم، فلا يصح الوقف عليه. (وقوله: وجهة) قال في فتح الجواد: كذا عبر به بعضهم، والأولى حذف آخرين لجهة، لإيهامه وعدم الإحتياج إليه لشمول ما قبله له. اه. (قوله: والأصل فيه خبر مسلم الخ) أي وقوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * (1) ولما سمعها أبو طلحة رضي الله عنه رغب في وقف بيرحاء، وكانت أحب أمواله إليه، وهي حديثة مشهورة، مأخوذة من البراح، وهو الأرض الظاهرة، واستشكل هذا بأن الذي في حديث أبي طلحة: وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وأنها صدقة لله تعالى عزوجل وهذه الصيغة لا تفيد الوقف لشيئين: أحدهما أنها كناية، فتتوقف على العلم بأنه نوى الوقف بها، لكن قد يقال سياق الحديث دال على أنه نواه بها، ثانيهما، وهو العمدة، أنهم شرطوا في الوقف بيان المصرف، فلا يكفي قوله لله عزوجل عنه، وحينئذ فكيف يقولون إنه وقفها؟ أفاده حجر (قوله: إذا مات المسلم) وفي رواية ابن آدم وقوله انقطع عمله، أي ثواب عمله، وقوله إلا من ثلاث: هذا العدد لا مفهوم له، فقد زيد على ذلك أشياء، نظمها العلامة السيوطي - فقال:

_ (1) سورة آل عمران: الاية 92.

علم ينتفع به، أو ولد صالح أي مسلم يدعو له، وحمل العلماء: الصدقة الجارية على الوقف دون نحو الوصية بالمنافع المباحة. ووقف عمر رضي الله عنه أرضا أصابها بخيبر بأمره (ص) وشرط فيها شروط: منها أنه لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب، وأن من وليها يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقا غير متمول. رواه الشيخان. وهو ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من خصال غير عشر علوم بثها، ودعاء نجل، وغرس النخل، والصدقات تجري وراثة مصحف، ورباط ثغر، وحفر البئر، أو إجراء نهر وبيت للغريب بناه يأوي إليه، أو بناء محل ذكر وزاد بعضهم: وتعليم لقرآن كريم فخذها من أحاديث بحصر وقوله علوم بثها، أي بتعليم، أو تأليف، أو تقييد بهوامش (قوله: أو علم ينتفع به) بالبناء للفاعل، أو للمفعول (قوله: أو ولد) فائدة التقييد به، مع أن دعاء الغير ينفعه، تحريض الولد على الدعاء لأصله. وقوله أي مسلم، أي أن المراد بالصالح: المسلم، فأطلق الخاص وأراد العام. وعبارة المغني، والولد الصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق العباد، ولعل هذا محمول على كمال القبول، وأما أصله فيكفي فيه أن يكون مسلما. اه. (وقوله: يدعو له) أي لأبيه بنفسه، أو بتسبب في دعاء الغير لأبيه. فدعاؤه له مستعمل في حقيقته وفي مجازه، وهو التسبب (قوله: وحمل العلماء) أي العارفون بالكتاب والسنة، وورد في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم -: خطب للناس يوما، فقال: يا أيها الناس اتبعوا العلماء، فإنهم سرج الدنيا، ومصابيح الآخرة، وورد ثلاثة تضئ في الأرض لأهل السماء، كما تضئ النجوم في السماء لأهل الأرض، وهي المساجد، وبيت العالم، وبيت حافظ القرآن (قوله: على الوقف) قال في المغني: والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف، كما قاله الرافعي، فإن غيره من الصدقات ليست جارية، بل يملك المتصدق عليه أعيانها ومنافعها ناجزا. وأما الوصية بالمنافع، وإن شملها الحديث، فهي نادرة، فحمل الصدقة في الحديث على الوقف أولى. اه. وقال البجيرمي: ما المانع من حمل الصدقة الجارية على بقية العشرة التي ذكروا أنها لا تنقطع بموت ابن آدم؟ ولعل الشارح تبرأ من حملها على الوقف بخصوصه بقوله محمولة عند العلماء إشارة إلى أنه يمكن حملها على جميعها. اه. (قوله: دون نحو الوصية بالمنافع) أي فإنهم لم يحملوا الصدقة الجارية في الحديث عليها وإن كانت مؤبدة، وقد علمت أنه يكون ذلك نادرا، ويندرج تحت نحو النذر: الهبة، بناء على جوازها في المنافع، فيملكها المتهب، وهذا مبني أيضا على أن ما يوهب منافعه أمانة (قوله: وقف عمر الخ) بصيغة الفعل، وهو دليل آخر. ويصح قراءته بصيغة المصدر عطف على خبر مسلم، أي والأصل فيه أيضا وقف الخ (قوله: أرضا أصابها) أي جزءا مشاعا من أرض أصابها غنيمة. قال الجلال المحلي: وقف مائة سهم من خيبر. اه. (قوله: وشرط) أي عمر رضي الله عنه في صيغة الوقف. وقوله فيها، أي في الأرض التي وقفها (قوله: منها) أي الشروط. (وقوله: أصلها) أي رقبتها، أي أصل هو هي، فالإضافة للبيان (قوله: وأن من وليها) أي تولي أمرها، أي الأرض الموقوفة (قوله: يأكل منها بالمعروف) قال النووي في شرح مسلم: معناه يأكل المعتاد ولا يتجاوزه، ويطعم، أي غيره، فهو من الإطعام. (وقوله: غير متمول) حال من فاعل يطعم. قال ع ش: لعل المراد غير متصرف فيه تصرف ذي الأموال، ولا يحسن حمله على الفقير، لأنه لو كان مرادا، لم يتقيد بالصديق اه. (قوله: رواه الشيخان) أي بلفظ: أنبأني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخير، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأمره فيها، فقال يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، قال فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن

أول من وقف في الاسلام. وعن أبي يوسف أنه لما سمع خبر عمر أنه لا يباع أصلها رجع عن قول أبي حنيفة ببيع الوقف، وقال لو سمعه لقال به. (صح وقف عين) معينة (مملوكة) ملكا يقبل النقل (تفيد) فائدة حالا أو مآلا: كثمرة، أو منفعة يستأجر لها غالبا (وهي باقية) لانه شرع ليكون صدقة جارية وذلك كوقف شجر لريعه وحلى للبس ونحو مسك لشم وريحان مزروع بخلاف عود البخور، لانه لا ينتفع به إلا باستهلاكه. والمطعوم، لان ـــــــــــــــــــــــــــــ يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقا غير متمول وقوله في الحديث أنه الخ المصدر المؤول مجرور بعلى مقدرة، والضمير يعود على أصلها، أي فتصدق بها عمر على أن أصلها لا يباع الخ (قوله: وهو) أي عمر رضي الله عنه (قوله: وعن أبي يوسف) أي ونقل عن أبي يوسف (قوله: أنه) أي أبا يوسف (قوله: أنه لا يباع أصلها) بدل من خبر عمر بدل بعض من كل (قوله: ببيع الوقف) أي بصحة بيعه، أي الاستبدال به (قوله: وقال لو سمعه لقال به) أي وقال أبو يوسف لو بلغ هذا الخبر أبا حنيفة لقال به، أي بما تضمنه، من عدم صحة بيع الوقف، قال في التحفة بعده، إنما يتجه الرد به على أبي حنيفة إن كان يقول ببيعه، أي الإستبدال به، وإن شرط الواقف عدمه. اه. قال سم: أي لأن عمر رضي الله عنه شرط عدم البيع، فهو إنما يدل على عدم البيع عند شرطه، لا عند عدمه. ثم قال: وقد يقال إنما شرط عمر ذلك ليبين عدم جواز بيع الوقف، فليتأمل. اه. (قوله: صح الوقف الخ) شروع في بيان شروط الموقوف. فقوله عين، احترز به عن المنفعة، وقوله معينة، احترز به عما في الذمة عن المبهم، كواحد من عبديه. وقوله مملوكة، احترز به عن الذي لا يملك، كمكتري، وموصى بمنفعته له، وحر، وكلب. (وقوله: يقبل النقل) أي من ملك شخص إلى ملك شخص آخر، واخترز به عن أم ولد ومكاتب لأنهما لا يقبلان النقل، لأنهما قد حلهما حرمة العتق، فالتحقا بالحر، (وقوله: تفيد فائدة) أي يحصل منها فائدة، واحترز به: عما لا يفيد، كزمن لا يرجى زوال زمانته، (وقوله: حالا) أي كثمرة بستانه الحاصلة، (وقوله: أو مآلا) أي كعبد وجحش صغيرين، فيصح وقفهما، وإن لم تكن الفائدة موجودة في الحال. (وقوله: أو منفعة) بالنصب، عطف على فائدة، من عطف الخاص على العام إن أريد بالفائدة ما يشمل الحسية والمعنوية. وإن خصت بالحسية، كان من عطف المغاير. (وقوله: يستأجر لها) الجار والمجرور نائب فاعل، والتقدير أو منفعة يستأجر الشخص العين لأجلها. واحترز به عن ذي منفعة لا يستأجر لها، كآلة لهو، وطعام، (وقوله: غالبا) قال في شرح الروض احترز به عن الرياحين ونحوها فإنه لا يصح وقفها، كما سيأتي مع أنها تستأجر، لأن استئجارها نادر، لا غالب. اه. وقوله الرياحين: أي المحصودة، لا المزروعة، كما سيأتي - واحترز به أيضا عن فحل الضراب، فإنه يصح وقفه له، وإن لم تجز إجارته له، إذ يغتفر في القربة ما لا يغتفر في المعاوضة. (وقوله: وهي باقية) أي تفيد ما ذكر، والحال أنها باقية، واحترز به عما يفيد، لكن باستهلاكه، كالمطعومات، فجميع هذه المحترزات لا يصح وقفها (قوله: لأنه) أي الوقف، وهو علة لاشتراط كون العين تفيد فائدة وهي باقية، أي وإنما اشترط ذلك لكون الوقف إنما شرع ليكون صدقة جارية، ولا يكون كذلك إلا إن حصل الإنتفاع بالعين مع بقائها. (قوله: وذلك) اسم الإشارة يحتمل عوده على وقف في قوله صح وقف، أي وذلك الوقف الصحيح بسبب استكمال القيود كائن كوقف شحر الخ، ويحتمل عوده على العين المستكملة لما ذكر وتذكير اسم الإشارة على تأويلها بالمذكور، أي وذلك المذكور من العين التي يصح وقفها كائن كوقف الخ. لكن لا بد عليه من تأويل وقف بموقوف، وتكون الإضافة من إضافة الصفة للموصوف، أي كشجر وقف لريعه الخ. فتنبه (قوله: لريعه) أي نمائه متعلق بوقف، أي وقفه لأجل تحصيل ريعه (قوله: وحلي للبس) أي وكوقف حلي للبسه (قوله: ونحو مسك) معطوف على شجر: أي وكوقف نحو مسك كعنبر لأجل شمه، وقوله لشم، خرج به ما إذا كان للأكل، فلا يصح وقفه. قال في شرح الروض، قال الخوارزمي وابن الصلاح يصح وقف المشموم الدائم نفعه، كالعنبر والمسك. اه. (قوله: وريحان مزروع) معطوف على نحو مسك، من عطف الخاص على العام، أي وكوقف ريحان مزروع لأجل شمه، فيصح، لأنه يبقى مدة. وفيه أيضا نفع آخر، وهو التنزه، ولا بد أن يكون للشم، لا للأكل، وإلا فلا يصح أيضا. واحترز بالمزروع، عن المحصود، فلا يصح وقفه، لسرعة فساده (قوله: بخلاف عود البخور) أي فلا يصح وقفه.

نفعه في إهلاكه. وزعم ابن الصلاح: صحة وقف الماء اختيار له ويصح وقف المغصوب وإن عجز عن تخليصه ووقف العلو دون السفل مسجدا. والاوجه صحة وقف المشاع، وإن قل، مسجدا. ويحرم المكث فيه على الجنب، تغليبا للمنع، ويمنع إعتكاف وصلاة به من غير إذن ما لك المنفعة (بوقفت وسبلت)، وحبست (كذا ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله: لأنه الخ) علة لمقدر، أي وإنما لم يصح وقفه، لأنه لا ينتفع به إلا باستهلاكه، أي بزوال عينه (قوله: والمطعوم) أي وبخلاف المطعوم، فهو معطوف على عود البخور. (وقوله: لأن نفعه الخ) علة لمقدر أيضا، أي فلا يصح وقف المطعوم، لأن النفع به إنما يكون في إهلاكه. وهذه العلة عين العلة المارة، فلو حذف تلك، وجعل هذه علة للمعطوف والمعطوف عليه، لكان أخصر (قوله: وزعم ابن الصلاح الخ) مبتدأ. وقوله اختيار له، أي لابن الصلاح، خبره: أي وإذا كان مجرد اختيار له فقط، فلا يعترض به على عدم صحة وقف المطعوم (قوله: ويصح وقف المغصوب) أي ويصح للمالك أن يوقف العين التي غصبت عليه، لأنها ليس فيها إلا العجز عن صرف منفعتها إلى جهة الوقف في الحال، وذلك لا يمنع الصحة. (قوله: وإن عجز) أي الواقف، (وقوله: عن تخليصه) أي المغصوب من الغاصب (قوله: ووقف العلو) أي ويصح وقف العلو فقط من دار أو نحوها، دون سفلها، (وقوله: مسجدا) عبارة الفتح: ولو مسجدا. اه. وهي أولى، لإفادتها التعميم (قوله: والأوجه صحة وقف المشاع) أي كجزء من دار أو من أرض. ويصح وقفه، وإن جهل قدر حصته أو صفتها، لأن وقف عمر السابق، كان مشاعا، ولا يسري للباقي، ولو كان الواقف موسرا، بخلاف العتق. (وقوله: وإن قل) أي المشاع الموقوف مسجدا، والغاية للرد، كما تفيده عبارة النهاية، ونصها، ولا فرق فيما مر بين أن يكون الموقوف مسجدا هو الأقل أو الأكثر، خلافا للزركشي ومن تبعه اه. ولو أخرها عن قوله ويحرم المكث الخ، لكان أولى، لأن مراد النهاية بقوله فيما مر، حرمة المكث، (وقوله: مسجدا) مفعول وقف، والأولى أن يأخذه غاية، بأن يقول: ولو مسجدا، كما يفيده إطلاق المنهاج، وعبارته: ويصح وقف عقار ومنقول ومشاع. اه. قال في النهاية: وشمل كلامه ما لو وقف المشاع مسجدا. اه. (قوله: ويحرم المكث فيه) أي في المشاع الموقوف مسجدا، وفي شرح الروض، وأفتى البارزي بجواز المكث فيه، ما لم يقسم. اه. وفي النهاية: وتجب قسمته لتعينها طريقا، وما نوزع به مردود، وتجويز الزركشي المهايأة هنا بعيد، إذ لا نظير لكونه مسجدا في يوم وغير مسجد في آخر. اه. وفي البجيرمي: وتصح فيه التحية دون الإعتكاف، لأن الإعتكاف، لا يصح إلا في المسجد الخالص، ولا يجوز فيه التباعد عن الإمام أكثر من ثلاثمائة ذراع بين المصلين. اه. (وقوله: تغليبا للمنع) أي منع المكث الذي هو مقتضى الوقف به على جواز المكث الذي هو مقتضى الملك. ولو قال تغليبا للوقف على الملك، أي للجزء الموقوف على الجزء المملوك، لكان أولى. قال في المغني: (فإن قيل) ينبغي عدم حرمة المكث فيما إذا كان الموقوف مسجدا أقل، كما أنه لا يحرم حمل التفسير إذا كان القرآن أقل على المحدث. (أجيب) بأن المسجدية هنا شائعة في جميع أجزاء الأرض، غير متميزة في شئ منها، فلم يمكن تبعية الأقل للأكثر، إذ لا تبعية إلا مع التمييز، بخلاف القرآن، فإنه متميز عن التفسير، فاعتبر الأكثر، ليكون الباقي تابعا. اه. (قوله: ويمتنع اعتكاف إلخ) عبارة التحفة، ومر في مبحث خيار الإجارة أنه يتصور لنا مسجد تملك منفعته، ويمتنع نحو اعتكاف وصلاة فيه من غير إذن مالك المنفعة اه. (وقوله: ومر الخ) عبارته هناك، ومما يتخير به أيضا ما لو استأجر محلا لدوابه فوقفه المؤجر مسجدا، فيمتنع عليه تنجيسه وكل مقذر له من حينئذ، ويتخير، فإن اختار البقاء، انتفع به إلى مضي المدة، وامتنع على الواقف وغيره الصلاة ونحوها فيه بغير إذن المستأجر، وحينئذ، يقال لنا مسجد منفعته مملوكة الخ اه. إذا علمت ذلك، تعلم أن عبارة الشارح سقطا من النساخ (قوله: بوقفت الخ) متعلق بقوله صح وقف عين، وهو شرع في بيان الصيغة، وقد تقدم بيان شروطها، فلا تغفل. (وقوله: وسبلت وحبست) بتشديد الباء فيهما، وهما من الصرائح، على الصحيح، لاشتهارهما فيه شرعا وعرفا. أما الأول، وكل ما كان مشتقا من لفظ الوقف فصريح قطعا

على كذا) أو أرضي موقوفة، أو وقف عليه. ولو قال تصدقت بكذا على كذا صدقة محرمة أو مؤبدة، أو صدقة لاتباع أو لا توهب أو لا تورث: فصريح - في الاصح - (و) من الصرائح قوله: (جعلت هذا) المكان (مسجدا) فيصير به مسجدا، وإن لم يقل لله، ولا أتى بشئ مما مر: لان المسجد لا يكون إلا وقفا. ووقفته للصلاة: صريح في الوقفية، وكناية في خصوص المسجدية. فلا بد من نيتها في غير الموات. نقل القامولي عن الرواياني وأقره من أنه لو عمر مسجدا خرابا ولم يقف آلاته: كانت عارية له، يرجع فيها متى شاء. انتهى. ولا يثبت حكم المسجد من صحة الاعتكاف وحرمة المكث للجنب لما أضيف من الارض الموقوفة حوله إذا احتيج ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: كذا على كذا) متعلقان بكل من وقفت وما بعده. قال في المغني، فإن لم يقل على كذا، لم يصح. اه. (قوله: أو أرضي موقوفه أو وقف عليه) أي أو قال ذلك، وهو من الصريح بلا خلاف، كما علمت (قوله: فصريح في الأصح) تصريحه بالصراحة هنا وعدم تصريحه بها فيما سبق، يفيد أن جميع ما سبق متفق على صراحته، مع أنه ليس كذلك، لأن بعضه متفق عليه وهو ما كان مشتقا من لفظ الوقف، وبعضه مختلف فيه وهو ما عداه، كما تقدم، فكان عليه أن ينص على ذلك، وإنما كان ما ذكر صريحا في الأصح، لأن لفظ التصدق مع هذه القرائن لا يحتمل غير الوقف (قوله: ومن الصرائح الخ) أي على الأصح (قوله: فيصير) أي المكان. (وقوله: به) أي بقوله جعلت الخ (قوله: وإن الخ) غاية في صيرورته مسجدا بقوله المذكور (قوله: ولا أتي بشئ مما مر) أي: من قوله لا يباع ولا يوهب ولا يورث (قوله: لأن المسجد الخ) علة لصيرورته مسجدا بذلك، أي أنه يصير مسجدا بمجرد قوله جعلته مسجدا، لأن المسجد لا يكون إلا وقفا، فأغنى لفظه عن لفظ الوقف ونحوه (قوله: ووقفته للصلاة إلخ) أي وإذا قال الواقف وقفت هذا المكان للصلاة فهو صريح في مطلق الوقفية (قوله: وكناية في خصوص المسجدية، فلا بد من نيتها) فإن نوى المسجدية، صار مسجدا، وإلا صار وقفا على الصلاة فقط، وإن لم يكن مسجدا، كالمدرسة (قوله: في غير الموات) لا يظهر تعقله بما قبله، فكان الأولى إسقاطه، أو تأخيره وذكره بعد قوله فلو بنى بناء على هيئة مسجد الخ، كما في التحفة، وفتح الجواد، وعبارة الثاني، ووقفته للصلاة صريح في الوقفية، وكناية في خصوص المسجدية، فلا بد من نيتها، بخلاف البناء على هيئة المسجد، فإنه غير كناية، وإن أذن في الصلاة فيه، إلا بموات، فيصير مسجدا بمجرد البناء مع النية، خلافا للفارقي، لأن اللفظ إنما احتيج إليه لإخراج ما كان في ملكه عنه، وهذا لم يدخل في ملك من أحياه مسجدا، فلم يحتج للفظ، وصار للبناء حكم المسجد تبعا، ومن ثم اتجه جريان ذلك في بناء مدرسة أو رباط أو حفر بئر وإحياء مقبرة في الموات بقصد التسبيل. اه. ويحتمل على بعد أنه مرتبط بكلام المتن فيكون خبرا لمبتدأ محذوف، أي ما ذكر من كون صحة الوقف بوقفت الخ في غير الموات، أما في الموات، وهو الأرض التي لم تعمر قط، أو عمرت جاهلية، فيصح الوقف من غير ذلك (قوله: من أنه الخ) الصواب إسقاط لفظ من، ولا يصح جعلها زائدة، لأنها لا تزاد في الإثبات إلا على رأي ضعيف، وقوله لو عمر، بتخفيف الميم، من العمارة، أما بالتشديد، فمن التعمير في السن، أي طول الأجل، ومن الأول، قوله تعالى: * (إنما يعمر مساجد الله) * (1) ومن الثاني، قوله تعالى: * (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) * (2)، * (أو لم نعمركم) * (3) الآية. اه. ش ق. (وقوله: ولم يقف آلاته) أي التي حصلت العمارة بها، من خشب، وحجر، ونحوهما، وضميره يعود على الشخص المعمر، كضمير الفعل قبله (قوله: كانت) أي الآلات، وهو جواب لو. (وقوله: عارة له) أي للمسجد. (وقوله: يرجع الخ) بيان لحكم العارية. وفي النهاية: وقول الروياني لو عمر الخ يمكن حمله على ما إذا لم يبن بقصد المسجد، والقول بخلافه على ما إذا بني بقصد ذلك. وفي كلام البغوي ما يرد كلام الروياني. اه. وقوله وفي كلام البغوي، هو ما سيذكره الشارح قريبا بقوله قال البغوي في فتاويه الخ، كما في التحفة (قوله: لما أضيف) أي للمسجد،

_ (1) سورة المائدة، الاية: 18. (2) سورة البقرة، الاية: 96. (3) سورة الفاطر، الاية: 37.

إلى توسعته على ما أفتى به شيخنا ابن زياد وغيره. وعلم مما مر أن الوقف لا يصح إلا بلفظ، ولا يأتي فيه خلاف المعاطاة. فلو بنى بناء علي هيئة مسجد وأذن في إقامة الصلاة فيه: لم يخرج بذلك عن ملكه، كما إذا جعل مكانا على هيئة المقبرة، وأذن في الدفن - بخلاف ما لو أذن في الاعتكاف فيه فإنه يصير بذلك مسجدا. قال البغوي في فتاويه. لو قال لقيم المسجد اضرب اللبن من أرضي للمسجد، فضربه، وبنى به المسجد، صار له حكم المسجد، وليس له نقضه، وله استرداده قبل أن يبنى به. انتهى. وألحق البلقيني بالمسجد في ذلك: البئر المحفورة للسبيل. والاسنوي: المدارس والربط. وقال الشيخ أبو محمد: وكذا لو أخذ من الناس ليبنى به زاوية أو رباطا فيصير كذلك بمجرد بنائه. و2 ضعفه بعضهم. ويصح وقف بقرة على رباط ليشرب لبنها من نزله أو ليباع نسلها لمصالحه. (وشرط له) أي للوقف (تأبيد) فلا يصح تأقيته. كوقفته على زيد سنة. (وتنجيز)، فلا يصح ـــــــــــــــــــــــــــــ والجار والمجرور متعلق بيثبت. (وقوله: من الأرض) بيان لما. (وقوله: حوله) متعلق بأضيف، أي أضيف حول المسجد (قوله: إذا احتيج إلى توسعه) أي المسجد، أي ولم يوقف ما أضيف له مسجدا أيضا، وإلا ثبت له حكم المسجد، كما هو ظاهر (قوله: وعلم مما مر) أي من قول المصنف صح وقف بوقفت الخ (قوله: ولا يأتي فيه) أي الوقف خلاف المعاطاة، وفارق نحو البيع بأنها عهدت فيه جاهلية، فأمكن تنزيل النص عليها، ولا كذلك الوقف. اه. تحفة. والنص هو قوله: إنما البيع عن تراض، فحمل على البيع المعروف لهم، ولو بالمعاطاة عقد من يقول بها. اه. ع ش (قوله: فلو بنى الخ) مفرع على قوله ولا يأتي فيه الخ (قوله: لم يخرج بذلك) أي بما ذكر من البناء على هيئة المسجد والإذن بإقامة الصلاة فيه عن كونه ملكا له، وهذا في غير الموات، أما فيه فلا يحتاج إلى لفظ، كما مر آنفا (قوله: كما إذا إلخ) الكاف للتنظير: أي وهذا نظير ما لو بنى مكانا على هيئة مقبرة وأذن في الدفن، فإنه لا يخرج بذلك عن ملكه (قوله: بخلاف ما لو أذن في الاعتكاف) أي بخلاف ما لو بنى على هيئة مسجد وأذن في الإعتكاف فيه فإنه يصير مسجدا بذلك، قال في التحفة: ويوجه ما فيه بأن الإعتكاف يستلزم المسجدية، بخلاف نحو الصلاة. اه. وكتب سم ما نصه: المتجه أن مجرد الإذن في الإعتكاف فيه ليس إنشاء لوقفه مسجدا، بل متضمن للاعتراف بذلك، فلا يصير مسجدا في نفس الأمر بمجرد ذلك. م ر. اه. (قوله: لو قال) أي مالك أرض (قوله: لقيم المسجد) أي للقائم على عمارته (قوله: صار له) أي اللبن (قوله: وليس له) أي للقائل لقيم المسجد ما ذكر. (وقوله: نقضه) بفتح النون، أي هدمه وأخذ لبنه، ويحتمل أنه بكسر النون بمعنى المنقوض، أي ليس له إذا خرب المسجد منقوضه، والمراد اللبن الذي قطع من أرضه، بل حكمه حكم بقية آلات المسجد. قال في القاموس: النقض للبناء، والحبل والعهد ضد الإبرام، كالانتقاض، والتناقض، وبالكسر: المنقوض. اه. (قوله: وله) أي للقائل ما مر. (وقوله: استرداده) أي اللبن، أي الرجوع فيه، (وقوله: قبل أن يبني به) أي قبل أن يبني المسجد بذلك اللبن (قوله: وألحق البلقيني بالمسجد في ذلك) لم يتقدم لاسم الإشارة مرجع، فلعل في العبارة سقطا من الناسخ يعلم من عبارة التحفة ونصها: نعم بناء المسجد في الموات تكفي فيه النية، ثم قال: وألحق الأسنوي بالمسجد في ذلك نحو المدارس والربط، والبلقيني أخذ منه أيضا البئر المحفورة للسبيل والبقعة المحياة مقبرة الخ. اه. ومثله في النهاية ومغني الخطيب. وكتب ع ش: قوله في ذلك، أي أنه يصير وقفا بنفس البناء. اه. (قوله: فيصير كذلك) أي وقفا بمجرد بنائه (قوله: وضعفه بعضهم) أي ضعف ما قاله الشيخ. وفي التحفة، واعترض بعضهم ما قاله الشيخ بأنه قرعه على طريقة ضعيفة. اه. (قوله: ويصح وقف بقرة على رباط ليشرب لبنها من نزله، أو ليباع نسلها لمصالحه) قال في الروض وشرحه: وإن أطلق فلا يصح، وإن كنا نعلم أنه يريد ذلك، لأن الاعتبار باللفظ ذكره في الروضة عن القفال، ونقله عن الرافعي أواخر الباب مع نظيره فيما لو وقف شيئا على مسجد كذا ولم يبين جهة مصرفه لكنه قال عقبهما، ومقتضى إطلاق الجمهور الصحة. اه. (قوله: وشرط له إلخ) شروع في ذكر شروط الوقف، وذكر ثلاثة منها، وهي التأبيد، والتنجيز، وإمكان التمليك. والثاني في الحقيقة من شروط الصيغة، والثالث

تعليقه: كوقفته على زيد إذا جاء رأس الشهر. نعم: يصح تعليقه بالموت: كوقفت داري بعد موتي على الفقراء. قال الشيخان: وكأنه وصية، لقول القفال إنه عرضها للبيع كان رجوعا. (وإمكان تمليك) للموقوف عليه العين الموقوفة إن وقف على معين واحد، أو جمع: بأن يوجد خارجا متأهلا للملك. فلا يصح الوقف على ـــــــــــــــــــــــــــــ للموقوف عليه، كما تقدم بيانه أول الباب (قوله: تأبيد) قال البجيرمي، معنى تأبيده أن يقف على ما لا ينقرض عادة، كالفقراء والمساجد، أو على من ينقرض ثم على من لا ينقرض، كأولاد زيد، ثم الفقراء (قوله: فلا يصح تأقيته) أي لفساد الصيغة به، إذ وضعه على التأبيد، وسواء في ذلك طويل المدة وقصيرها. نعم، ينبغي أن يقال لو وقفه على الفقراء ألف سنة أو نحوها مما يبعد بقاء الدنيا إليه، صح، كما بحثه الزركشي، كالأذرعي، لأن القصد منه التأبيد دون حقيقة التأقيت، ومحل فساد الصيغة به فيما لا يضاهي التحرير، أي يشابهه، في انفكاكه عن اختصاص الآدميين، أما فيما يضاهيه، كالمسجد والرباط والمقبرة: كقوله جعلته مسجدا سنة، فإنه يصح مؤبد ويلغو التأقيت، كما لو ذكر فيه شرطا فاسدا (قوله: كوقفته على زيد سنة) تمثيل للمؤقت. قال في شرح الروض: نعم إن عقبه بمصرف آخر، كأن وقف على أولاده سنة، ثم على الفقراء، صح. وروعي فيه شرط الواقف. نقله الخوارزمي. اه. (قوله: وتنجيز) معطوف على تأبيد: أي وشرط له تنجيز (قوله: فلا يصح تعليقه) أي الوقف، لأنه عقد يقتضي إزالة الملك في الحال، ومحله أيضا فيما لا يضاهي التحرير، فلو قال إذا جاء رمضان فقد جعلت هذا المكان مسجدا، صح، كما ذكره ابن الرفعة، ولا يصير مسجدا إلا إذا جاء رمضان. وأفهم كلامه أنه لو نجز الوقف وعلق الاعطاء، صح، كوقفته على زيد، ولا يصرف إليه إلا أول شهر كذا مثلا، وهو كذلك، كما نقله البجيرمي، عن الزركشي، عن القاضي حسين، (قوله: نعم يصح) تعليقه بالموات استثناء من عدم صحة التعليق، والمراد به مطلق الربط، ولو لم يكن بواسطة أداة الشرط، كمثاله المذكور بعد، ومثال ما كان بواسطة الأداة، إذا مت فداري وقف على كذا أو فقد وقفتها، بخلاف إذا مت وقفتها فإنه لا يصح، كما في التحفة ونصها، نعم يصح تعليقه بالموت كإذا مت فداري وقف على كذا أو فقد وقفتها، إذ المعنى فاعلموا أني قد وقفتها، بخلاف إذا مت وقفتها. والفرق أن الأول إنشاء تعليق، والثاني تعليق إنشاء، وهو باطل، لأنه وعد محض. ذكره السبكي. اه. (قوله: قال الشيخان وكأنه وصية) أي وكأن المعلق بالموت وصية، أي في حكمها. وفي الرشيدي ما نصه: قال الشارح في شرحه للبهجة. (والحاصل) أنه يصح ويكون حكمه حكم الوصايا في اعتباره من الثلث، وفي جواز الرجوع عنه، وفي عدم صرفه للوارث، وحكم الأوقاف في تأبيده، وعدم بيعه وهبته وارثه. اه. (قوله: لقول القفال الخ) تعليل لكونه في حكم الوصية، أي وإنما كان في حكمها لقول القفال أنه لو عرضها، أي الدار، المعلق وقفها على الموت للبيع، كان عرضه المذكور رجوعا عن الوقف المذكور، كالوصية، فإنه لو عرض الموصي ما أوصى به للبيع، كان رجوعا. ويفرق بينه وبين المدبر، حيث كان العرض فيه ليس رجوعا، بل لا بد من البيع بالفعل، بأن الحق المتعلق به، وهو العتق، أقوى، فلم يجز الرجوع عنه إلا بنحو البيع دون العرض عليه، كذا في التحفة والنهاية (قوله: وإمكان تمليك) معطوف على تأبيد، أي وشرط له إمكان تمليك الواقف للموقوف عليه العين الموقوفة، ففاعل المصدر محذوف، والعين مفعوله. والأولى: وإمكان تملكه - كما عبر به في المنهج - وشرط في الموقوف عليه عدم المعصية، فلو قال وقفت على زيد ليقتل من يحرم قتله أو على مرتد أو حربي، لم يصح (قوله: إن وقف على معين) قيد في هذا الشرط، وخرج به، ما إذا وقف على جهة فيصح الوقف بدون هذا الشرط، أعني إمكان تمليكه، نعم، يشترط فيها عدم المعصية. وعبارة المنهج مع شرحه، وشرط في الموقوف عليه إن لم يتعين، بأن كان جهة عدم كونه معصية فيصح الوقف على فقراء وعلى أغنياء، وإن لم تظهر فيهم قربة، نظرا إلى أن الوقف تمليك، كالوصية، لا على معصية، كعمارة كنيسة للتعبد. وشرط فيه، إن تعين مع ما مر، إمكان تملكه للموقوف عليه من الواقف، لأن الوقف تمليك للمنفعة. اه. (قوله: واحد أو جمع) بدل من معين أو صفة له (قوله: بأن يوجد الخ) تصوير لإمكان التمليك. أي أنه مصور بوجود الموقوف عليه حال الوقف خارجا متأهلا للملك

معدوم: كعلى مسجد سيبني، أو على ولده - ولا ولد له - أو على من سيولد لي ثم الفقراء. لانقطاع أوله. أو على فقراء أولاده ولا فقير فيهم، أو على أن يطعم المساكين ريعه على رأس قبره - بخلاف قبر أبيه الميت. وأفتى ابن الصلاح بأنه لو وقف على من يقرأ على قبره بعد موته فمات ولم يعرف له قبر: بطل. انتهى. ويصح على المعدوم تبعا للموجود: كوقفته على ولدي ثم على ولد ولدي، ولا على أحد هذين، ولا على عمارة مسجد - إن لم يبينه - ولا على نفسه: لتعذر تمليك الانسان ملكه أو منافع ملكه لنفسه. ومنه أن يشرط نحو قضاء ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: فلا يصح الوقف على معدم) أي لعدم وجوده خارجا حال الوقف، فهو لا يمكن تمليكه (قوله: كعلى مسجد سيبنى) أي كأن يقول: وقفت هذا على مسجد، وهو معدوم (قوله: أو على ولده ولا ولد له) أي أو قال وقفت هذا على أولادي، والحال أنه لا أولاد له، فلا يصح، ومحله إن لم يكن له ولد ولد، وإلا حمل عليه قطعا، صيانة للفظ عن الإلغاء، فلو حدث له ولد بعد ذلك، فالظاهر الصرف إليه، لوجود الحقيقة، وأنه يصرف لولد الولد معه فلا يحجبه، بل يشتركان. أفاده م ر. اه. ش ق (قوله: أو على من سيولد لي) أي أو قال وقفت على من سيولد لي (قوله: ثم الفقراء) راجع للجميع، ويحتمل رجوعه للأخير فقط. (وقوله: لانقطاع أوله) علة لعدم الصحة في الجميع، أي لا يصح الوقف على مسجد سيبنى، أو على ولده ولا ولد له، أو على من سيولد له، لانقطاع أوله، والوقف المنقطع الأول باطل، لتعذر الصرف إليه حالا، ومن بعده فرعه، ولو لم يذكر بعد الأول مصرفا، فهو باطل بالأولى، لأنه منقطع الأول والآخر كما سيأتي (قوله: أو علي فقراء أولاده) أي أو قال وقفت هذا على فقراء أولادي (قوله: ولا فقير فيهم) أي والحال أنه لا فقير في أولاده موجود حال الوقف، فإن كان فيهم فقير صح، وصرف للحادث فقره، لصحته على المعدوم تبعا، كما سيأتي، ومثله ما لو وقف على أولاده وليس عنده إلا ولد واحد، فإنه يصح، ويصرف للحادث وجوده (قوله: أو علي أن يطعم) بالبناء للمجهول، وهو يطلب مفعولين: فالمساكين نائب فاعل، وهو مفعوله الأول، وريعه مفعوله الثاني، ويصح العكس، عملا بقول ابن مالك: وباتفاق قد ينوب الثان من باب كسا فيما التباسه أمن (وقوله على رأس قبره) أي قبر نفسه والحال أنه حي. وإنما لم يصح الوقف على ما ذكر، لأنه حينئذ منقطع الأول، لأنهم لا يطعمون من ريعه على قبره وهو حي، وكتب سم ما نصه: قوله أو علي أن يطعم المساكين ريعه، كيف يصدق هنا المعين حتى يحتاج إلى إخراجه بإمكان تمليكه بدليل جعله في حيز التفريع؟ اه. (قوله: بخلاف قبر أبيه الميت) أي بخلاف ما لو وقف على أن يطعم المساكين ريعه على قبر أبيه الميت فإنه يصح، وذلك لعدم انقطاع الأول، لبيان المصرف أو لا (قوله: وأفتى ابن الصلاح بأنه) أي الواقف (قوله: على قبره) أي قبر نفسه (قوله: بعد موته) متعلق إما بيقرأ فتكون هذه الصورة الوقف فيها منجز وإلا عطاء معلق على القراء ببعد الموت، أو بوقف فيكون الوقف فيها معلقا ببعد الموت. وحينئذ فيكون ما أفتى به ابن الصلاح عين الصورتين اللتين سيذكرهما الشارح بقوله بخلاف وقفته الآن أو بعد موتي على من يقرأ على قبري الخ. فتنبه (قوله: فمات ولم يعرف له قبر) أي والحال أنه لم يعرف قبره، فإن عرف له قبر: لم يبطل، كما سيذكره الشارح، (وقوله: بطل) أي الوقف. قال في التحفة، وكأن الفرق، أي بين مسألة الإطعام ومسألة القراءة، أن القراءة على القبر مقصودة شرعا، فصحت، بشرط معرفته، ولا كذلك الإطعام عليه، على أنه يأتي تفصيل في مسألة القراءة على القبر، فاعلمه اه. وذلك التفصيل، هو ما سيذكره الشارح (قوله: ويصح) أي الوقف، وهذا كالتقييد لقوله فلا يصح على معدوم، أي محله ما لم يكن تبعا للموجود الموقوف عليه، وإلا صح (قوله: ولا على أحد هذين) معطوف على قوله معدوم، أي ولا يصح الوقف على أحد هذين، أي لإبهامه، والمبهم غير صالح للملك. وزاد في التحفة شرط التعيين لإخراج هذا (قوله: ولا على عمارة مسجد) أي ولا يصح على عمارة مسجد مبهم لإبهامه. (وقوله: إن لم يبينه) أي المسجد في صيغة الوقف، فإن بينه، بأن قال، وقفت هذا على عمارة المسجد الفلاني، صح

دينه مما وقفه أو انتفاعه به، لا شرط نحو شربه أو مطالعته من بئر وكتاب وقفهما على نحو الفقراء. كذا قاله بعض شراح المنهاج. ولو وقف على الفقراء مثلا ثم صار فقيرا: جاز له الاخذ منه، وكذا لو كان فقيرا حال الوقف. ويصح شرط النظر لنفسه ولو بمقابل - إن كان بقدر أجرة مثل فأقل - ومن حيل صحة الوقف على نفسه: أن يقف ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ولا على نفسه) أي ولا يصح الوقف على نفسه، أي في الأصح، ولا يصح أيضا على جنين، ولا على العبد لنفسه، لأنه ليس أهلا للملك. فإن أطلق الوقف عليه، فهو لسيده، إن كان غير الواقف، وإلا فلا يصح أيضا، ولا على بهيمة مملوكة لأنها ليست أهلا للملك، إلا إن قصد مالكها فهو وقف عليه. وخرج بالمملوكة: الموقوفة، كالخيل المسبلة في الثغور ونحوها، فيصح الوقف عليها. وكذلك الوقف على الأرقاء الموقوفين على خدمة الحرم والكعبة المشرفة والروضة المنيفة، فإنه يصح (قوله: لتعذر تمليك الإنسان إلخ) علة لعدم صحة الوقف على نفسه، أي وإنما لم يصح ذلك لتعذر أن يملك الإنسان ملكه أو المنافع لنفسه، وذلك لأنه حاصل ويمتنع تحصيل الحاصل، وعلى مقابل الأصح يصح، لاختلاف الجهة، لأن استحقاقه ملكا غيره وقفا. ورده في التحفة بأن اختلاف الجهة لا يقوى على دفع ذلك التعذر، ثم إن التردد المستفاد من أو، في قوله أو منافع ملكه، مبني على القولين في كون الوقف تمليك العين للموقوف عليه والمنفعة فقط، والمعتمد الثاني، وأما العين فهي تنتقل لله تعالى، بمعنى أنها تنفك عن اختصاص الآدميين، كما سيأتي، (قوله: ومنه) أي ومن الوقف على نفسه الباطل (قوله: أن يشرط) أي الواقف، ويبطل الوقف بهذا الشرط. (وقوله: نحو قضاء دينه) دخل تحت نحو أخذه من ريعه مع الفقراء، فهو باطل، كما في المغنى (قوله: أو انتفاعه به) أي أو يشرط انتفاعه به، أي بما وقفه بنحو سكناه فيه. قال ابن حجر: أي ولو بالصلاة فيما وقفه مسجدا. اه. أي فيبطل الوقف بهذا الشرط، قال ع ش: ومثل ذلك في البطلان ما وقع السؤال عنه من أن شخصا وقف نخيلا على مسجد بشرط أن تكون ثمرتها له، والجريد والليف والخشب ونحوهما للمسجد (قوله: لا شرط الخ) معطوف على المصدر المؤول من أن ويشرط، أي لا من الوقف على نفسه أن يشرط أن يشرب من البئر التي وقفها، أو أن يطالع في الكتاب الذي وقفه، أي فلا يبطل الوقف به (قوله: كذا قاله بعض شراح المنهاج) قال في التحفة بعده، وليس بصحيح، وكأنه توهمه من قول عثمان رضي الله عنه في وقف بئر رومة بالمدينة دلوي فيها كدلاء المسلمين، وليس بصحيح، فقد أجابوا عنه بأنه لم يقل ذلك على سبيل الشرط، بل على سبيل الإخبار بأن للواقف أن ينتفع بوقفه العام، كالصلاة بمسجد وقفه، والشرب من بئر وقفها، ثم رأيت بعضهم جزم بأن شرط نحو ذلك يبطل الوقف. اه. (قوله: ولو وقف على الفقراء مثلا) أي أو العلماء، أو الغزاة، أو نحو ذلك (قوله: ثم صار) أي الواقف (قوله: جاز له الأخذ منه) أي من وقفه ويكون كأحد الفقراء، وهذا كالإستثناء من عدم صحة الوقف على نفسه. وذكر في المغني مسائل كثيرة مستثناة منه، وعبارته، ويستثنى من عدم صحة الوقف على نفسه مسائل، منها ما لو وقف على العلماء ونحوهم كالفقراء واتصف بصفتهم، أو على الفقراء ثم افتقر، أو على المسلمين كأن وقف كتابا للقراءة أو نحوها أو قدرا للطبخ فيه أو كيزانا للشرب بها ونحو ذلك، فله الانتفاع معهم، لأنه لم يقصد نفسه، ومنها ما لو وقف على أولاد أبيه الموصوفين بكذا، وذكر صفات نفسه، فإنه يصح، كما قاله القاضي الفارقي، وابن يونس، وغيرهما، واعتمده ابن الرفعة، وإن خالف فيه الماوردي، ومنها ما لو شرط النظر لنفسه بأجرة المثل، لأن استحقاقه لها من جهة العمل لا من جهة الوقف، فينبغي أن لا تستثنى هذه الصورة، فإن شرط النظر بأكثر منها، لم يصح الوقف، ومنها أن يؤجر ملكه مدة يظن أن لا يعيش فوقها ثم يقفه بعد على ما يريد، فإنه يصح الوقف، ويتصرف هو في الأجرة، كما أفتى به ابن الصلاح وغيره، ومنها أن يرفعه إلى حاكم يرى صحته، كما عليه العمل الآن، فإنه لا ينقض حكمه. اه. وقد ذكر الشارح بعض هذه المستثنيات (قوله: وكذا لو كان الخ) أي وكذلك يجوز له الأخذ منه لو كان فقيرا حال الوقف (قوله: ويصح شرط النظر لنفسه) أي بأن يقول وقفت داري هذه على الفقراء مثلا بشرط النظر لي (قوله: ولو بمقابل) أي ولشرط النظر بمقابل، أي بأجرة، فإنه يصح، (وقوله: إن كان إلخ) قيد في صحته بمقابل، أي ويصح به إن كان ذلك المقابل بقدر أجرة مثل فأقل، وإلا بطل الوقف، لأنه وقف على نفسه، كما تقدم،

على أولاد أبيه ويذكر صفات نفسه، فيصح، كما قاله جمع متأخرون، واعتمده ابن الرفعة، وعمل به في حق نفسه، فوقف على الافقه من بني الرفعة، وكان يتناوله. ويبطل الوقف في جهة معصية: كعمارة الكنائس، وكوقف سلاح على قطاع طريق، ووقف على عمارة قبور غير الانبياء والعلماء والصالحين. (فرع) يقع لكثيرين أنهم يقفون أموالهم في صحتهم على ذكور أولادهم قاصدين بذلك حرمان إناثهم، وقد تكرر، - من غير واحد - الافتاء ببطلان الوقف حينئذ. قال شيخنا - كالطنبداوي - فيه نظر ظاهر، بل الوجه الصحة. (لا قبول) فلا يشترط (ولو من معين) نظرا إلى أنه قربة، بل الشرط عدم الرد. وما ذكرته في المعين هو ـــــــــــــــــــــــــــــ وكما في شرح الروض، (قوله: ومن حيل الخ) وهذا من المستثنيات المارة (قوله: ويذكر) أي الواقف في صيغة الوقف صفات نفسه، بأن يقول: علي أعلم أولاد زيد، أو أعقلهم، أو أزهدهم، وكان هو المنفرد بذلك الوصف من بين إخوته (قوله: فيصح) أي الوقف (قوله: كما قاله جمع متأخرون الخ) خالف فيه الإسنوي وغيره تبعا للغزالي وللخوارزمي فأبطلوه إن انحصرت الصفة فيه، والأصح لغيره. قال السبكي: وهو أقرب، لبعده عن قصد الجهة. اه. تحفة. (وقوله: لبعده إلخ) تعليل لما قبل قوله والأصح (قوله: وكان) أي ابن الرفعة، وقوله يتناوله، أي يأخذ غلة ما وقفه على الأفقه من بني الرفعة (قوله: ويبطل الوقف الخ) الأنسب أن يذكر مقابل قوله سابقا إن وقف على معين: يأن يقول فإن وقف على جهة اشترط فيه عدم كونها معصية فقط، كعلى الفقراء، فإن كانت معصية، بطل (قوله: كعمارة الكنائس) أي كالوقف على عمارة الكنائس إنشاء وترميما، ومحله إذا كان للتعبد فيها، بخلاف كنيسة تنزلها المارة أو موقوفة على قوم يسكنونها، فيصح الوقف على عمارتها (قوله: وكوقف سلاح على قطاع طريق) أي فهو باطل، لأنه إعانة على معصية، والوقف إنما شرع للتقرب، فهما متضادان (قوله: ووقف على عمارة الخ) أي وكوقف على عمارة قبور غير الأنبياء والعلماء والصالحين فإنه باطل، لأنه معصية للنهي عنها. أما قبور من ذكر، فالوقف على عمارتها صحيح، لاستثنائها. وعبارة الروض وشرحه، ويصح الوقف على المؤن التي تقع في البلد من جهة السلطان أو غيره، لا على عمارة القبور، لأن الموتى صائرون إلى البلى، ولا تليق بهم العمارة. نعم، ينبغي استثناء قبور الأنبياء والعلماء والصالحين، كنظيره في الوصية، ذكره الأسنوي. وينبغي حمله على ما حمله عليه صاحب الذخائر، ثم من عمارتها ببناء القباب والقناطر عليها على وجه مخصوص يأتي، ثم لا ببنائها نفسها للنهي عنه. اه. (قوله: يقفون أموالهم في صحتهم) أي في حال صحتهم، أي أو في حال مرضهم، بل عدم صحة الوقف فيه أولى، بناء على الإفتاء المذكور، وإذا جرينا على صحة الوقف المذكور، كما هو الأوجه، ووقف في حال مرضه، فلا يصح إلا بإجازة الإناث، لأن التبرع في مرض الموت على بعض الورثة يتوقف على رضا الباقين (قوله: على ذكور أولادهم) متعلق بيقفون (قوله: قاصدين بذلك) منصوب على الحال، أي حال كونهم قاصدين بالوقف على ذكور أولادهم حرمان إناثهم من الموقوف (قوله: ببطلان الوقف حينئذ) أي حين إذ قصدوا حرمان أناثهم (قوله: قال شيخنا، كالطنبداوي، فيه نظر ظاهر) أي في بطلان الوقف نظر ظاهر، وعبارة شيخه، وفيه نظر ظاهر، بل الأوجه الصحة، أما أولا، فلا نسلم أن قصد الحرمان معصية، كيف وقد اتفق أئمتنا، كأكثر العلماء، على أن تخصيص بعض الأولاد بماله كله أو بعضه هبة أو وقفا أو غيرهما لا حرمة فيه، ولو لغير عذر. وهذا صريح في أن قصد الحرمان لا يحرم، لأنه لازم للتخصيص من غير عذر، وقد صرحوا بحله، كما علمت، وأما ثانيا: فبتسليم حرمته هي معصية خارجة عن ذات الوقف، كشراء عنب بقصد عصره خمرا، فكيف يقتضي إبطاله؟ اه. (وقوله: بل الوجه الصحة) أي صحة الوقف حينئذ. قال ع ش، أي مع عدم الإثم أيضا. اه. (قوله: لا قبول) معطوف على تأبيد (قوله: ولو من معين) غاية في عدم الاشتراط، أي ولو من موقوف عليه معين (قوله: نظرا الخ) علة لعدم الاشتراط، أي وإنما لم يشترط ذلك نظرا لكون الوقف قربة، وهي لا يشترط فيها ذلك (قوله: بل الشرط عدم الرد) أي

المنقول عن الاكثرين. واختاره في الروضة ونقله في شرح الوسيط عن نص الشافعي. وقيل يشترط من المعين القبول، نظرا إلى أنه تمليك، وهو ما رجحه في المنهاج كأصله. فإذا رد المعين: بطل حقه - سوءاء شرطنا قبوله أم لا - نعم: لو وقف على وارثه الحائز شيئا يخرج من الثلث: لزم، وإن رده. وخرج بالمعين: الجهة العامة وجهة التحرير - كالمسجد - فلا قبول فيه جزما: ولو وقف على اثنين معينين ثم الفقراء فمات أحدهما فنصيبه ـــــــــــــــــــــــــــــ عدم رد الموقوف عليه المعين العين الموقوفة (قوله: وما ذكرته في المعين) أي من عدم اشتراط قبوله (قوله: ونقله في شرح الوسيط عن نص الشافعي) قال في التحفة بعده وانتصر له جمع، بأنه الذي عليه الأكثرون واعتمدوه، بل قال المتولي محل الخلاف إن قلنا إنه ملك للموقوف عليه، أما إذا قلنا إنه لله تعالى، فهو كالإعتاق. واعترض بأن الإعتاق لا يرتد بالرد، ولا يبطله الشرط الفاسد. ويرد بأن التشبيه به في حكم لا يقتضي لحوقه به في غيره (قوله: وقيل يشترط من المعين القبول) أي فورا، كالبيع، وعليه لا يشترط قبول من بعد البطن الأول، بل الشرط عدم ردهم، وإن كان الأصح أنهم يتلقونهم عن الواقف، فإن ردوا، فمنقطع الوسط. واستحسن في التحفة اشتراط قبولهم، وفي النهاية يشترط قبوله إن كان أهلا، وإلا فقبول وليه عقب الإيجاب أو بلوغ الخبر، كالهبة، والوصية، إذ دخول عين أو منفعة في ملكه قهرا بغير الإرث بعيد. اه. (قوله: وهو ما رجحه في المنهاج) عبارته: والأصح أن الوقف على معين يشترط فيه قبوله. اه. واعتمد هذا أيضا في النهاية وفي المغني، وعبارة الأخير: وبالجملة فالأول هو المعتمد، وإلحاق الوقف بالعتقف ممنوع، لأن العتق لا يرتد بالرد، ولا يبطل بالشروط الفاسدة، بخلاف الوقف. اه. ولم يرجح واحدا منهما في التحفة، فانظرها. (وقوله: كأصله) أي المنهاج وهو المحرر للرافعي (قوله: فإن رد المعين) أي الموقوف عليه المعين البطن الأول، أو من بعده جميعهم أو بعضهم. اه. تحفة. (وقوله: بطل حقه) أي من الوقف. وخرج بحقه: أصل الوقف، فإن كان الراد البطن الأول، بطل الوقف، أو من بعده فمنقطع الوسط، وفي سم ما نصه: قوله: بطل حقه، قال العراقي في النكت، أي من الوقف، كما صححوه. وقال الماوردي: من العلة، فعلى الأول إن كان البطن الأول صار منقطع الأول، فيبطل كله على الصحيح، أو الثاني، فمنقطع الوسط. اه. (قوله: سواء شرطنا قبوله أم لا) تعميم في بطلان حقه بالرد، أي يبطل حقه على كلا القولين في اشتراط القبول وعدمه (قوله: نعم لو وقف إلخ) استثناء من بطلان حق المعين برده. قال سم: وكأن وجه الاستثناء أن للإنسان غرضا تاما في دوام نفع ورثته، فوسع له في إلزام الوقف عليهم قهرا ليتم له ذلك الغرض. اه. (وقوله: على وارثه الحائز) أي واحدا كان أو أكثر، كولده، أو ولديه، أو ولده وبنته وكان الوقف بحسب نصيبهما، كأن وقف على البنت الثلث، وعلى الولد الثلثين. وخرج بالحائز، أي للتركة كلها، غيره، كأن وقف على بنته فقط داره، فإنه لا يلزم إذا ردته وإذا لم ترده يلزم، لكن محله إذا كان في مرض الموت أن يجيز باقي الورثة، وإلا فلا يلزم، كما تقدم (قوله: لزم) أي الوقف، (وقوله: وإن رده،) قال في التحفة: أي لأن القصد من الوقف دوام الأجر للواقف، فلم يملك الوارث رده، إد لا ضرر عليه فيه، ولأنه يملك إخراج الثلث عن الوارث بالكلية، فوقفه عليه أولى. اه. (قوله: وخرج بالمعين) أي في قوله وقيل يشترط من المعين. (وقوله: الجهة العامة) أي كالفقراء والمساكين، (وقوله: وجهة التحرير) أي الجهة التي تشبه التحرير، أي العتق في انفكاكه عن اختصاص الآدميين. (وقوله: كالمسجد) أي والرباط والمدرسة والمقبرة، (وقوله: فلا قبول فيه) أي فيما ذكر من الجهة العامة وجهة التحرير، أي فلو وقف على نحو مسجد، لم يشترط فيه القبول. قال في التحفة: ولم ينب الإمام عن المسلمين فيه، بخلافه في نحو القود، لأن هذا لا بد له من مباشر، ولا يشترط قبول ناظر المسجد ما وقف عليه، بخلاف ما وهب له اه. (قوله: ولو وقف) أي مالك الدار مثلا، (وقوله: على اثنين معينين) أي كزيد وعمرو، (وقوله: ثم الفقراء) أي بأن قال وقفت هذه الدار على زيد وعمرو ثم على الفقراء (قوله: فنصيبه) أي الميت. وقوله يصرف للآخر. قال في النهاية: ومحله ما لم يفصل، وإلا بأن قال وقفت على كل منهما نصف هذا، فهما وقفان، كما ذكره السبكي، فلا يكون نصيب الميت منهما للآخر، بل الأقرب انتقاله للفقراء إن قال ثم على الفقراء، فإن قال ثم من بعدهما على الفقراء، فالأقرب انتقاله للأقرب

يصرف للآخر، لانه شرط في الانتقال إلى الفقراء انقراضهما جميعا، ولم يوجد (ولو انقرض) أي الموقوف عليه المعين (في منقطع آخر) كأن قال وقفت على أولادي - ولم يذكر أحدا بعد - أو على زيد ثم نسله ونحوهما مما لا يدوم: (فمصرفه) الفقير (الاقرب) رحما - لا إرثا - (إلى الواقف) يوم انقراضهم: كابن البنت وإن كان هناك ابن أخ مثلا، لان الصدقة على الاقارب أفضل، وأفضل منه الصدقة على أقربهم فأفقرهم. ومن ثم يجب أن يخص ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الواقف، ولو وقف عليهم وسكت عمن يصرف له بعدهما، فهل نصيبه للآخر أو لأقرباء الواقف؟ وجهان، أوجههما، كما أفاده الشيخ، الأول، وصححه الأذرعي، ولو رد أحدهما أو بان ميتا، فالقياس، على الأصح، صرفه للآخر. اه. (قوله: لأنه شرط) أي ضمنا بتعبيره بثم المفيدة للترتيب لا صراحة، كما هو ظاهر. (وقوله: انقراضهما) أي الاثنين المعينين، (وقوله: ولم يوجد) أي الشرط، وهو انقراضهما معا (قوله: ولو انقرض إلخ) شروع في بيان الوقف المنقطع الآخر. (واعلم) أن الوقف باعتبار الانقطاع ثلاثة أقسام: منقطع الأول، كوقفته على من سيولد لي. ومنقطع الوسط: كوقفته على أولادي ثم رجل ثم الفقراء، ومنقطع الآخر، كوقفته على أولادي ويصح فيما عدا منقطع الأول، ويصرف في منقطع الآخر، لأقرب الناس إليه رحما. وفي منقطع الوسط يصرف للمصرف الآخر كالفقراء إن لم يكن المتوسط معينا، فإن كان معينا، كالدابة، فمصرفه مدة حياته كمنقطع الأخر (قوله: أي الموقوف عليه المعين) بيان للفاعل المستتر، فهو حل معنى لا حل إعراب، لأنه لا يصح حذف الفاعل، كما مر غير مرة (قوله: في منقطع آخر) أي في وقت منقطع المصرف الآخر، فالتركيب المذكور إضافي. (قوله: كأن قال الخ) تمثيل لمنقطع الآخر (قوله: ولم يذكر أحدا) أي ممن يصرف إليه. (وقوله: بعد) أي بعد قوله أولادي، ولو أخر هذا عن قوله أو على زيد ثم نسله، لكان أولى، لأنه لم يزد فيه شيئا بعده أيضا (قوله: أو على زيد ثم نسله) أي أو كأن قال وقفت على زيد ثم نسله. ويدخل في الوقف على الذرية والنسل والعقب، أولاد البنات، لصدق اللفظ بهم، كما سيأتي. (قوله: ونحوهما) أي نحو الأولاد في المثال الأول، ونحو زيد ونسله في المثال الثاني، (وقوله: مما لا يدوم) بيان لنحوهما: كأن يقول وقفت على زيد، ثم عمرو، ثم رجل (قوله: فمصرفه) أي الوقف بمعنى الموقوف، والمراد به ريعه وغلته (قوله: الأقرب رحما لا إرثا) أي الأقرب من جهة الرحم، لا من جهة الإرث، فالمراد بالقرب، قرب الدرجة والرحم، لا قرب الإرث والعصوبة. فيقدم ابن البنت على ابن العم، ويستوفي العم والخال، لاستوائهما درجة، قال في المغني. (فإن قيل) الزكاة وسائر المصارف الواجبة عليه شرعا لا يتعين صرفها ولا الصرف منها إلى الأقارب، فهلا كان الوقف كذلك؟ (أجيب) بأن الأقارب مما حث الشارع عليهم في تحبيس الوقف، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة: أرى أن تجعلها في الأقربين فجعلها في أقاربه وبني عمه. وأيضا الزكاة ونحوها من المصارف الواجبة لها، مصرف متعين فلم تتعين الأقارب، وهنا ليس معنا مصرف متعين. والصرف إلى الأقارب أفضل. فعيناه. اه. قال س ل، ولو كان الفقير متعددا في درجة فهل تجب التسوية؟ الظاهر، نعم. وهو أحد احتمالين لوالد الروياني. وثانيهما: الأمر إلى رأي الحاكم. اه. (قوله: إلى الواقف) متعلق بالأقرب. (قوله: يوم انقراضهم)، أي الموقوف عليهم، والأولى انقراضه، بإفراد الضمير، لأن مرجعه مفرد، وهو الموقوف عليه المعين (قوله: كابن البنت) تمثيل للأقرب رحما لا إرثا (قوله: وإن كان هناك الخ) غاية لمحذوف، أي يعطي ابن البنت، وإن كان هناك ابن أخ فابن البنت مقدم عليه، وإن كان الأول غير وارث، والثاني وارث. (وقوله: مثلا) أدخل ابن العم (قوله: لأن الصدقة الخ) تعليل لكونه يعطى للأقرب بعد انقراض الموقوف عليه، أي وإنما أعطى للأقرب لأن الصدقة على الأقارب أفضل لما فيه من صلة الرحم (قوله: وأفضل منه) أي من هذا الأفضل. (وقوله: الصدقة على أقربهم) أي أقرب الأقارب، كأن اجتمع ابن بنت وابن بنت بنت فالصدقة على الأول

به فقراءهم فإن لم يعرف أرباب الوقف أو عرف ولم يكن له أقارب فقراء بل كانوا أغنياء - وهم من حرمت عليه الزكاة - صرفه الامام في مصالح المسلمين. وقال جمع يصرف إلى الفقراء والمساكين: أي ببلد الموقوف. ولا يبطل الوقف على كل حال بل يكون مستمرا عليه إلا فيما لم يذكر المصرف كوقفت هذا وإن قال لله، لان الوقف يقتضي تمليك المنافع، فإذا لم يعين متملكا بطل. وإنما صح أوصيت بثلثي وصرف للمساكين، لان غالب الوصايا لهم، فحمل الاطلاق عليهم، وإلا في منقطع الاول: كوقفته على من يقرأ على قبري بعد موتي، أو ـــــــــــــــــــــــــــــ أفضل منها على الثاني. (وقوله: أفقرهم) أي أشدهم فقرا واحتياجا. (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أنه إنما يصرف على الأقرباء لكون الصدقة عليهم أفضل يجب اختصاص الوقف بالفقير منهم لأن الصدقة غالبا إنما تكون له (قوله: فإن لم يعرف أرباب الوقف) أي جهل أهله المستحقون لريعه وصريح عبارته، أنه في هذه الحالة يصرف لمصالح المسلمين. وصريح التحفة والنهاية وشرح الروض والمنهج، أنه يصرف للأقرب إلى الواقف كما إذا انقرضوا. وعبارة المنهاج مع التحفة، فإذا انقرض المذكور، ومثله ما لو لم تعرف أرباب الوقف، فالأظهر أنه يبقى وقفا، وأن مصرفه أقرب الناس رحما. اه. (وقوله: أو عرف) الصواب: عرفوا، بواو الجمع لأن المرجع جمع وهو أرباب ومقاد هذا أن أرباب الوقف إذا عرفوا ولم يكن له أقارب فقراء يصرف للمصالح. وفيه نظر، لأنهم حينئذ هم المستحقون له مطلقا. وعبارة التحفة ولو فقدت أقاربه أو كانوا كلهم أغنياء على المنقول صرفه الإمام في مصالح المسلمين الخ اه. وهي ظاهرة. ولو قال، فإن لم يكن له أقارب فقراء بل كانوا أغنياء صرفه الإمام في مصالح المسلمين لكان أولى وأخصر (قوله: وهم) أي الأغنياء، (وقوله: من حرمت عليه الزكاة) والغني في باب الزكاة هو من عنده مال يكفيه العمر الغالب أو كسب يليق به (قوله: صرفه الإمام الخ) جواب فإن. (وقوله: في مصالح المسلمين) أي كسد الثغور وعمارة الحصون وأرزاق القضاة والعلماء والأئمة والمؤذنين (قوله: وقال جمع الخ) مقابل قوله فمصرفه الأقرب رحما إلى الواقف، فهو مرتبط بالمتن. وعبارة المنهاج، والأظهر أنه يبقى وقفا وأن مصرفه الأقرب. اه. وقال في المغني، والثاني: أي مقابل الأظهر، يصرف إلى الفقراء والمساكين لأن الوقف يؤول إليهم في الإنتهاء (قوله: أي ببلد الموقوف) أي أن المراد بالفقراء والمساكين من كانوا ببلد الموقوف، ومثله في شرح الروض وعبارته، وقياس اعتبار بلد المال في الزكاة اعتبار بلد الوقف حتى يختص بفقرائه ومساكينه. قاله الزركشي. اه. وفي الأنوار خلافه، وهو أنه لا يختص بفقراء بلد الموقوف، بخلاف الزكاة، كذا النهاية. (قوله: ولا يبطل الوقف على كل حال) أي سواء قلنا إن مصرفه الأقرب رحما أو الفقراء والمساكين (قوله: بل يكون مستمرا عليه) يقرأ مستمرا بصيغة اسم المفعول وعليه نائب فاعله والضمير المستتر في يكون وفيه عليه يعود على الوقف، أي بل يكون الوقف مجري عليه دائما (قوله: إلا فيما لم يذكر المصرف) أي إلا في حالة عدم ذكر المصرف رأسا فيبطل. فما مصدرية وما بعدها مؤول بالمصدر والإستثناء منقطع، إذ الكلام الذي قبل الإستثناء مخصوص بمنقطع الآخر، وهذا ليس كذلك، ويحتمل جعل الإستثناء متصلا لكن يجعل المراد بقوله السابق في كل حال منقطع الأول ومنقطع الوسط ومنقطع الآخر، وما لم يذكر المصرف رأسا فيكون المستثنى منه شاملا للمستثنى ثم أخرج المستثنى عنه بأداة الإستثناء لكن عليه لا يلائم قوله ولا يبطل الوقف إلى آخر ما قبله، فيصير مستأنفا (قوله: وإنما صح أوصيت بثلثي) أي مع عدم ذكر الموصى له، وهذا جواب عن سؤال وارد على بطلان الوقف حين عدم الموقوف عليه، وحاصله أنه كيف يبطل الوقف حينئذ مع أن الوصية تصح بدون ذكر الموصى له؟ فهلا كان الوقف كذلك؟ وحاصل الجواب أنه فرق بينهما: لأن غالب الوصايا للمساكين، فحمل الإطلاق عليه، بخلاف الوقف (قوله: لأن غالب الخ) أي ولبناء الوصية على المساهلة لصحتها حتى بالمجهول والنجس، بخلاف الوصف فيهما (قوله: فحمل الإطلاق) أي فحملت الوصية حال إطلاقها: أي عن ذكر الموصى له. (وقوله: عليهم) أي على المساكين (قوله: وإلا في منقطع الأول) أي وإلا في حالة عدم ذكر

على قبر أبي وهو حي: فيبطل - بخلاف وقفته الآن، أو بعد موتي على من يقرأ على قبري بعد موتي، فإنه وصية. فإن خرج من الثلث أو أجيز وعرف قبره: صحت، وإلا فلا. وحيث صحت، وإلا فلا. وحيث صححنا الوقف أو الوصية: كفي قراءة شئ من القرآن بلا تعيين بسورة يس، وإن كان غالب قصد الواقف ذلك - كما أفتى به شيخنا الزمزمي - وقال بعض أصحابنا: هذا إذا لم يطرد عرف في البلد بقراءة قدر معلوم أو سورة معينة وعلمه الواقف، وإلا فلا بد منه: إذ عرف البلد المطرد في زمنه بمنزلة شرطه (ولو شرط) أي الواقف (شيئا) يقصد ـــــــــــــــــــــــــــــ المصرف الأول فيبطل لتعذر الصرف إليه حالا (قوله: كوقفته على من يقرأ على قبري الخ) أي ثم على الفقراء، لأنه تمثيل لمنقطع الأول فقط، وإلا كان منقطع الأول والآخر، ومثله، وقفته على ولدي ثم الفقراء، ولا ولد له، وقوله بعد موتي، الصواب إسقاطه، وإلا لساوت هذه الصورة صورة وقفته الآن على من يقرأ على قبري بعد موتي، إن جعل الظرف متعلقا بيقرأ، وصورة وقفته بعد موتي على من يقرأ على قبري، إن جعل متعلقا بوقفت، مع أن الصورتين صحيحتان، كما سيصرح به قريبا، ثم رأيته ساقطا من عبارة التحفة، فلعله زائد من الناسخ، (وقوله: أو على قبر أبي وهو حي) أي أو قال وقفته على من يقرأ على قبر أبي، والحال أن أباه حي (قوله: فيبطل) أي الوقف لعدم ذكر المصرف أولا، إذ لا قبر لهما حال حياتهما، فضلا عن كونه يقرأ عليه. (قوله: بخلاف وقفته الآن الخ) ذكر صورتين، صورة فيها تنجيز الوقف وتعليق الإعطاء ببعد الموت، وصورة فيها تعليق الوقف ببعد الموت. ويصح الوقف في كلا الصورتين، إلا أنه يكون منجزا في الصورة الأولى ومنافعه تكون للواقف مدة حياته، وإذا مات تنتقل الموقوف عليه، ومعلقا في الصورة الثانية بالموت (قوله: فإنه وصية) راجع للصورة الثانية، لأنها هي التي الوقف فيها معلق بالموت، أو المراد، كما تقدم، أنه في حكم الوصية في اعتباره من الثلث، وجواز الرجوع عنه وعدم صرفه للوارث وحكم الأوقاف في تأييده وعدم بيعه وهبته وإرثه بعد موته (قوله: فإن خرج) أي الموقوف من الثلث، أي وفى به الثلث ولم يزد عليه، وهو تفريع على كونه وصية، أي في حكمها، (وقوله: أو أجيز) أي أو لم يخرج من الثلث، أي لم يف به الثلث بل زاد عليه، ولكن أجيز ذلك الزائد، أي أجازه الورثة (قوله: وعرف قبره) أي الواقف، ومثله قبر أبيه. وقيد به عملا بمفهوم إفتاء ابن الصلاح المار بأنه إذا جهل قبره بطل الوقف (قوله: صحت) أي الوصية. وعبارة التحفة، صح، أي الوقف، اه. وهي أولى، لأن الكلام في الوقف وإن كان في حكم الوصية، (وقوله: وإلا) أي بأن لم يخرج من الثلث بل زاد عليه ولم يجز الورثة، وبأن لم يعرف قبره، (وقوله: فلا) أي لا تصح الوصية على عبارته أو الوقف على عبارة التحفة. ثم إن ظاهره عدم الصحة مطلقا في الصورة الأولى المندرجة تحت وإلا، وهي ما إذا زاد على الثلث ولم تجز الورثة الزائد مع أنه إنما يظهر في الزائد فقط، فتنبه (قوله: وحيث صححنا الوقف أو الوصية) فيه أنه لم يتقدم منه خلاف في كونه وصية أو وقف حتى يصح هذا التردد منه، بل جزم بأنه وقف في حكم الوصية على ما بينته (قوله: كفى) جواب حيث على القول بأنها تتضمن معنى الشرط، ولو لم تدخل ما الزائدة عليها (قوله: بلا تعيين) أي للقراءة، أي لا يشترط ذلك، بل يكفي قراءة أي سورة (قوله: وإن كان غالب قصد الواقف) أي بقوله وقفت هذا على من يقرأ على قبر أبي مثلا، وهو غاية للإكتفاء بقراءة أي شئ من القرآن (وقوله: ذلك) أي قراءة سورة يس (قوله: هذا) أي ما ذكر من الإكتفاء بقراءة شئ من القرآن بلا تعيين الخ (قوله: في البلد) الذي يظهر أن المراد بلد الواقف. فانظره (قوله: بقراءة قدر معلوم) أي من القرآن، سواء كان سورة أو بعض سورة يس أو غيرها، فهو أعم مما بعده (قوله: أو سورة معينة) أي أو بقراءة سورة معينة، كيس أو غيرها، وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام (قوله: وعلمه) أي علم ذلك العرف المطرد في البلد (قوله: وإلا) أي بأن اطرد عرف في البلد علمه الواقف. (وقوله: فلا بد منه) أي مما اطرد به العرف من قراءة قدر معلوم أو سورة معينة (قوله: إذ عرف البلد الخ) تعليل لكونه لا بد من العمل بما اطرد به العرف. (وقوله: في زمنه) أي الواقف، (وقوله: بمنزلة شرطه) الجار والمجرور خبر عرف (قوله: ولو شرط الخ) شروع في ذكر بعض الشروط التي لا تبطل الوقف، وقوله شئ يقصد، لعل المراد به

كشرط أن لا يؤجر مطلقا، أو إلا كذا: كسنة، أو أن يفضل بعض الموقوف عليهم على بعض - أو أنثى على ذكر - أو يسوى بينهم، أو اختصاص نحو مسجد - كمدرسة ومقبرة - بطائفة كشافعية: (اتبع) شرطه - في غير حالة الضرورة - كسائر شروطه التي لم تخالف الشرع. وذلك لما فيه من وجوه المصلحة: أما ما خالف الشرع: كشرط العزوبة في سكان المدرسة - أي مثلا - فلا يصح - كما أفتى به البلقيني - وخرج بغير حالة الضرورة، ما لم يوجد غير المستأجر الاول وقد شرط أن لا يوءجر لانسان أكثر من سنة أو أن الطالب لا يقيم أكثر من سنة ولم ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي لا ينافي الوقف، ثم رأيت في فتح الجواد ما يؤيده، وعبارته، وتبع شرطه حيث لم يناف الوقف. اه. والشرط الذي ينافيه، كشرط الخيار لنفسه في إبقاء وقفه الرجوع فيه متى شاء أو شرط أن يبيعه وأن يزيد فيه أو ينقص من شاء وغير ذلك مبطل للوقف، إذ وضع الوقف على اللزوم (قوله: كشرط أن لا يؤجر) أي الموقوف، وحيئنذ ينتفع به الموقوف عليه بنفسه ولا يؤجره (قوله: مطلقا) أي عن التقييد بسنة أو غيرها (قوله: أو إلا كذا) أي أو كشرط أن لا يؤجر إلا كذا، كسنة وسنتين (قوله: أو أن يفضل بعض الموقوف عليهم على بعض) أي أو كشرط أن يفضل الخ، كأن يصرف لزيد مائة ولعمرو خمسون، (وقوله: أي يسوي بينهم) كأن يصرف لكل واحد منهم مائة درهم (قوله: أو اختصاص الخ) أي أو كشرط اختصاص نحو مسجد بطائفة، كشافعية، فلا يصلي ولا يعتكف به غيرهم، رعاية لغرضه، وإن كره هذا الشرط. اه. تحفة. وفي سم ما نصه، في فتاوى السيوطي المسجد الموقوف على معينين: هل يجوز لغيرهم دخوله والصلاة فيه والإعتكاف بإذن الموقوف عليهم؟ نقل الأسنوي في الألغاز أن كلام القفال في فتاويه يوهم المنع، ثم قال الإسنوي من عنده: والقياس جوازه، وأقول الذي يترجح: التفصيل، فإن كان موقوفا على أشخاص معينة، كزيد وعمرو وبكر مثلا، أو ذريته أو ذرية فلان، جاز الدخول بإذنهم، وإن كان على أجناس معينة، كالشافعية والحنفية والصوفية لم يجز لغير هذا الجنس الدخول، ولو أذن لهم الموقوف عليهم، فإن صرح الواقف بمنع دخول غيرهم، لم يطرقه خلاف ألبتة، وإذا قلنا بجواز الدخول بالإذن في القسم الأول في المسجد والمدرسة والرباط، كان لهم الانتفاع على نحو ما شرطه الواقف للمعينين، لأنهم تبع لهم، وهم مقتدون بما شرطه الواقف. اه (قوله: اتبع شرطه) أي الواقف، وهو جواب لو، وإنما اتبع شرطه، مع خروج الموقوف عن ملكه، نظرا للوفاء بغرضه الذي مكنه الشارع فيه، فلذلك يقولون شرط الواقف كنص الشارع (قوله: في غير حالة الضرورة) متعلق باتبع، وسيذكر محترزه (قوله: كسائر شروطه) أي الواقف، فإنه يجب اتباعها (قوله: وذلك الخ) أي اتباع شرط الواقف ثابت، لما فيه من وجوه المصلحة العائدة على الواقف، وعبارة النهاية: من وجود - بالدال بدل الهاء (قوله: أما ما خالف) أي أما الشرط الذي يخالف الشرع. (قوله: فلا يصح) أي الشرط المذكور. قال في التحفة: كما أفتى به البلقيني، وعلله بأنه مخالف للكتاب والسنة والإجماع: أي من الحض على التزوج وذم العزوبة. ويؤخذ من قوله لا يصح المستلزم لعدم صحة الوقف، عدم صحته أيضا فيما لو وقف كافر على أولاده إلا من يسلم منهم. اه. وكتب سم ما نصه، قوله فلار يصح كما أفتى الخ، الوجه الصحة. م ر. اه (قوله: وخرج بغير حالة الضرورة الخ) قال ع ش: يؤخذ منه أنه لو وجد من يأخذ بأجرة المثل ويستأجر على ما يوافق شرط الواقف ومن يطلبه بزيادة على أجرة المثل في إجارة تخالف شرط الواقف عدم الجواز، فليتنبه له. وأنه لو وجد من يأخذ بدون أجرة المثل ويوافق شرط الواقف في المدة، ومن يأخذ بأجرة المثل ويخالف شرط الواقف، عدم الجواز أيضا، رعاية لشرط الواقف فيهما. اه. وقوله أولا عدم الجواز، نائب فاعل يؤخذ، والمصدر المؤول من أن والفعل مجرور بحرف جر مقدر، أي يؤخذ منه في هذه الصورة، ومثله يقال في قوله ثانيا عدم الجواز فتنبه (قوله: ما لم الخ) ما مصدرية، والمصدر المؤول منها ومما بعدها فاعل خرج، أي وخرج عدم وجود غير المستأجر الأول الخ، ولو قال وخرج بغير حالة الضرورة حالة الضرورة كأن لم يوجد الخ، لكان أولى وأنسب. ويوجد في بعض نسخ الخط زيادة لو بعد ما وقبل لم. وعليه: فهي إما زائدة، وإما مصدرية، أو بالعكس (قوله: وقد الخ) أي والحال أن الواقف قد شرط أن لا يؤجر الموقوف لإنسان أكثر من سنة (قوله: أو إن الطالب الخ) يتعين أن يكون المصدر المؤول نائب فاعل محذوف معطوف على مدخول

يوجد غيره في السنة الثانية: فيهمل شرطه حينئذ - كما قاله ابن عبد السلام. (فائدة) الواو العاطفة للتسوية بين المتعاطفات: كوقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي وثم والفاء للترتيب ويدخل أولاد بنات في ذرية ونسل وعقب وأولاد أولاد، إلا إن قال على من ينسب إلي منهم، فلا ـــــــــــــــــــــــــــــ ما، أي: وخرج ما لو شرط أن الطالب، أي للعلم مثلا، ولا يجوز عطفه على مدخول شرط، وإن كان هو ظاهر صينعه، لأن ذلك في مبحث الإجارة، وهذا في الطالب الساكن في مدرسة أو نحوها. وقوله لا يقيم، أي في مدرسة ونحوها. وقوله ولم يوجد غيره، أي والحال أنه لم يوجد غير هذا الطالب الذي سكن في السنة الأولى. وقوله في السنة الثانية، متعلق بكل من يوجد الأول ويوجد الثاني، أي لم يوجد غير المستأجر الأول في السنة الثانية، أو لم يوجد غير الطالب الأول في السنة الثانية (قوله: فيهمل شرطه) أي الواقف حينئذ، أي حين إذ لم يوجد غير المستأجر الأول في السنة الأولى وغير الطالب الأول فيها. ومثل ذلك، ما لو انهدمت الدار المشروط عدم إجارتها إلا مقدار كذا ولم يمكن عمارتها إلا بإجارتها أكثر من ذلك، فيهمل شرطه، وتؤجر بقدر ما يفي بالعمارة فقط، وإنما أهمل الشرط المذكور، لأن الظاهر أن الواقف لا يريد تعطيل وقفه، فيراعي مصلحة الواقف (قوله: فائدة) أي في بيان أحكام الوقف المتعلقة بلفظ الواقف (قوله: الواو العاطفة) أي المذكورة في صيغة الواقف (قوله: للتسوية الخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وهو الواو العاطفة: أي الواو العاطفة كائنة للتسوية بين المتعاطفات في الإستحقاق، لأن الواو لمطلق الجمع، لا للترتيب، ولا فرق فيها بين الذكر والأنثى والخنثى (قوله: كوقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي) أي فيكون الوقف عليهم بالسوية. قال في شرح الروض: ولا يدخل فيهم من عداهم من الطبقة الثالثة فمن دونها، إلا أن يقول أبدا أو ما تناسلوا أو نحوه (قوله: وثم والفاء للترتيب) أي بين المتعاطفات، وذلك، كوقفت هذا على أودلاي ثم أولاد أولادي أو فأولاد أولادي، فلا يصرف الوقف على الطبقة الثانية إلا بعد انقراض الأولى، للترتيب المستفاد من الأداة. قال في شرح المنهج: ثم إن ذكر معه، أي مع الإتيان بثم، ما تناسلوا أو نحوه، لم يختص الترتيب بهما، أي بالبطنين، وإلا اختص، وينتقل الوقف بانقراض الثاني لمصرف آخر، إن ذكره، وإلا فمنقطع الآخر. اه. واستشكل ذلك بأن ثم أو الفاء أتى بها بين البطن الأول وما بعده فقط، ولم يوجد حرف مرتب بعد ذلك. وأجيب بأن الترتيب في المذكور أولا قرينة على الترتيب فيما يتناوله ما بعده، وهو ما تناسلوا أو نحوه، أفاده سم (قوله: ويدخل أولاد بنات في ذرية الخ) يعني إذا قال وقفت هذا على ذريتي أو على نسلي أو على عقبي، دخل أولاد البنات فيهم لصدق هذه الألفاظ بهم، أما في الذرية، فلقوله تعالى: * (ومن ذريته داود وسليمان) * (1) إلى أن ذكر عيسى، وليس هو إلا ولد البنت، والنسل والعقب في معنى الذرية. (وقوله: وأولاد أولاد) بالجر عطف على المجرور قبله، أي ويدخل أولاد بنات في أولاد الأولاد فيما إذا قال وقفت هذا على أولاد أولادي، لصدق اللفظ بهم أيضا، لأن الولد يشمل الذكر والأنثى (قوله: إلا أن قال الخ) مستثنى من دخول من ذكر في الوقف على الذرية أو النسب أو العقب أو أولاد الأولاد، أو يدخلون فيها، إلا أن قال الواقف في صيغة الوقف عقب كل منهما من ينسب إلي منهم، بأن قال وقفت هذا على ذريتي من ينسب إلي منهم، وهكذا، فلا يدخلون، لأن أولاد البنات لا ينسبون إلا لآبائهم، قال تعالى: * (ادعوهم لآبائهم) * (2) وأما خبر إن ابني هذا سيد في حق الحسن بن علي رضي الله عنهما. فجوابه أن من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أن تنسب أولاد بناته إليه ومحل عدم الدخول، إن كان الواقف رجلا، فإن كان امرأة، دخل أولاد بناتها في وقفها، ويجعل الإنتساب في صيغتها لغويا، لا شرعيا، لأنه لا نسب فيها شرعي، للآية السابقة، ويكون تقييدها بقولها على من ينسب إلي منهم، لبيان الواقع، لا للإخراج، لأن كل فروعها ينسبون إليها بالمعنى اللغوي.

_ (1) سورة الانعام، الاية: 84. (2) سورة الاحزاب، الاية: 5.

يدخلون حينئذ، والمولى يشمل معتقا وعتيقا. تنبيه حيث أجمل الواقف شرطه، اتبع فيه العرف المطرد في زمنه - لانه بمنزلة شرطه - ثم ما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين - كما يدل عليه كلامهم - ومن ثم امتنع في السقايات المسبلة على الطرق غير الشرب ونقل الماء منها ولو للشرب. وبحث بعضهم حرمة نحو بصاق وعسل وسخ في ماء مطهرة المسجد، وإن كثر. ـــــــــــــــــــــــــــــ (واعلم) أن أولاد الأولاد لا يدخلون في الأولاد، لأنه لا يقع عليهم اسم الأولاد حقيقة، ولهذا صح أن يقال ما هو ولدي، بل ولد ولدي. نعم، يحمل عليهم الوقف عند عدم الأولاد، صيانة للفظ عن الإلغاء، ثم إذا وجدوا، شاركوهم. (تنبيه) قال في المغني، يدخل الخنثى في الوقف على البنين والبنات، لأنه لا يخرج عنهم، والاشتباه إنما هو في الظاهر، نعم، إنما يعطي المتيقن إذا فاضل بين البنين والبنات. ويوقف الباقي إلى البيان، ولا يدخل في الوقف على أحدهما الاحتمال أنه من الصنف الآخر وظاهر هذا، كما قال الأسنوي، أن المال يصرف إلى من عينه من البنين أو البنات، وليس مرادا، لأنا لم نتيقن استحقاقهم لنصيب الخنثى، بل يوقف نصيبه إلى البيان، كما في الميراث، وقد صرح به ابن المسلم ولا يدخل في الواقف على الأولاد المنفي باللعان على الصحيح، لانتفاء نسبه عنه فلو استلحقه بعد نفيه، دخل جزما، والمستحقون في هذه الألفاظ لو كان أحدهم حملا عند الوقف لم يدخل على الأصح، لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولدا، فلا يستحق غلة مدة الحمل. فلو كان الموقوف نخلة، فخرجت ثمرتها قبل خروج الحمل، لا يكون له من تلك الثمرة شئ. اه. وقوله ابن المسلم، ضبطه الشرقاوي، في باب النكاح، بكسر اللام المشددة. فتنبه. وقوله مدة الحمل، أفهم أنه بعد انفصاله يستحق من غلة ما بعده، وهو كذلك، كما صرح به في التحفة. (قوله: والمولى) أي المذكور في صيغة الواقف، كأن قال وقفت هذا على أولادي مثلا ثم على مولاي. (وقوله: يشمل معتقا وعتيقا) أي فيدخلان فيه فلو اجتمعا، اشتركا سوية، والذكر كالأنثى، فإن وجد أحدهما، اختص به، ولا يشاركه الآخر، ولو وجد بعد، وفارق ما تقدم في أولاد الأولاد، بأن إطلاق المولى على كل منهما على سبيل الاشتراك اللفظي، وقد دلت القرينة على إرادة أحد معنييه، وهي الانحصار في الموجود، فصار المعنى الآخر غير مراد (قوله: حيث أجمل الواقف شرطه) أي جعله مجملا، أي غير واضح الدلالة، كما إذا قال وقفت هذا على من يقرأ على قبر أبي الميت، وأطلق القراءة ولم يعينها بقدر معلوم ولا بسورة معينة، فيعمل بالعرف المطرد في زمنه، كما تقدم (قوله: اتبع فيه) أي في شرطه المجمل أو في الوقف، فالضمير يصح رجوعه للأول وللثاني، وقوله في زمنه، أي الواقف. وفي التحفة، وظاهر كلام بعضهم اعتبار العرف المطرد الآن في شئ فيعمل به، لأن الظاهر وجوده في زمن الواقف، وإنما يقرب العمل به، حيث انتفى كل من الأولين. اه. والمراد بالأولين، العرف المطرد في زمنه، وما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين (قوله: لأنه) أي العرف المطرد في زمنه، (وقوله: بمنزلة شرطه) أي الواقف (قوله: ثم ما كان أقرب الخ) أي ثم إذا فقد العرف المطرد، اتبع ما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين (قوله: ومن ثم امتنع الخ) أي من أجل أنه يتبع ما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين إذا فقد العرف المطرد: امتنع في السقايات، أي التي لم يعلم فيها قصد الواقف غير الشرب، وامتنع نقل الماء منها، ولو للشرب، وذلك لأن الأقرب إلى قصد الواقفين، الشرب فيها فقط (قوله: وبحث بعضهم حرمة الخ) أي لأن العرف اطرد في أن مثل هذا من كل ما يقذر يلقى خارج الماء، لا فيه، لئلا يقع الانتفاع به. ولعل هذا هو وجه مناسبة ذكر هذا البحث هنا. (وقوله: في ماء مطهرة المسجد) متعلق بكل من بصاق وغسل وسخ، ومفهومه بالنسبة للثاني أنه لو غسل الوسخ بالماء، لا فيه، وألقى الوسخ خارجا، لا يحرم، وهو محمول على ما إذا اطرد عرف بذلك أيضا، كما سيذكره بعد (قوله: وان كثر) أي الماء. قال في التحفة بعده: وبحث بعضهم أيضا أن ما وقف للفطر به في رمضان، وجهل مراد الواقف، ولا عرف له، يصرف لصوامه في المسجد، ولو قبل الغروب، ولو أغنياء وأرقاء، ولا يجوز الخروج به منه، وللناظر التفضيل والتخصيص. اه. والوجه أنه لا يتقيد بمن في المسجد، لأن القصد حيازة فضل الإفطار، وهو لا يتقيد

(وسئل) العلامة الطنبداوي عن الجوابي والجرار التي عند المساجد فيها الماء إذا لم يعلم أنها موقوفة للشرب، أو الوضوء أو الغسل الواجب، أو المسنون، أو غسل النجاسة؟ (فأجاب) إنه إذا دلت قرينة على أن الماء موضوع لتعميم الانتفاع: جاز جميع ما ذكر من الشرب وغسل النجاسة وغسل الجنابة وغيرها. ومثال القرينة: جريان الناس على تعميم لانتفاع من غير نكير من فقيه وغيره، إذا الظاهر من عدم النكير: أنهم أقدموا على تعميم الانتفاع بالماء بغسل وشرب ووضوء وغسل نجاسة. فمثل هذا إيقاع يقال بالجواز. وقال إن فتوى العلامة عبد الله بامخرمة يوافق ما ذكره. انتهى. قال القفال وتبعوه: ويجوز شرط رهن من مستعير كتاب وقف يأخذه الناظر منه ليحمله على رده وألحق به شرط ضامن. وأفتى بعضهم في الوقف على النبي (ص) أو النذر له بأنه يصرف لمصالح حجرته الشريفة فقط، أو على أهل بلد أعطي مقيم بها أو غائب عنها لحاجة غيبة لا تقطع نسبته إليها عرفا. ـــــــــــــــــــــــــــــ بمحل. اه. (قوله: وسئل العلامة الطنبداوي عن الجوابي والجرار) أي عن استعمال ما فيهما من الماء استعمالا عاما للشرب والوضوء وغسل النجاسة ونحو ذلك، هل يجوز أم لا؟ فالمسؤول عنه مقدر يدل عليه سياق الكلام. والجوابي، حفر يوضع فيها الماء، والجرار، أوان من الخزف (قوله: التي عند المساجد) الأولى اللتين، بصيغة التثنية، إذ الموصوف: الجوابي والجرار، وهما اثنان. وقوله فيها الماء، الجملة من المبتدأ والخبر حال منهما، والأولى أيضا فيهما بضمير المثنى. (وقوله: إذا لم يعلم أنها) أي الجوابي والجرار، والأولى أنهما، كما في الذي قبله، (وقوله: موقوفة) أي موقوف ما فيهما من الماء معهما (قوله: فأجاب) أي الطنبداوي (قوله: أنه) أي الحال والشأن. (وقوله: إذا دلت قرينة) مفهومه أنها إذا لم تدل قرينة على ذلك يمتنع التعميم (قوله: موضوع) أي في الجوابي والجرار، أي وضعه الواقف فيهما. (وقوله: لتعميم الإنتفاع) أي للإنتفاع به العام، أي مطلقا من غير تخصيص بوضوء أو غسل أو نحوهما (قوله: جاز جميع ما ذكر) جواب إذا (وقوله: من الشرب الخ) بيان لما. (وقوله: وغيرها) أي كغسل الوسخ الظاهر (قوله: جريان الناس) أي ذهابها واستمرارهم. (وقوله: على تعميم الانتفاع) أي بالماء المذكور. (وقوله: من غير نكير) أي انكار. (وقوله: من فقيه) متعلق بنكير. وقوله انهم الخ، ظاهر صنيعه أن الضمير يعود على الناس، وهو لا يصح، لأنه يلزم عليه تعليل الشئ بنفسه، إذ المعنى عليه، ومثال القرينة جريان الناس الخ، لأن الناس أقدموا الخ. ولا فائدة في ذلك، فيتعين إرجاعه إلى معلوم من السياق، وهو الواقفون. وقوله أقدموا، أي رضوا، كما في المصباح، وعبارته، وأقدم على العيب إقداما، كناية عن الرضا به. اه. والمراد أن جريان الناس على عموم الانتفاع به قرينة دالة على أن الواقف راض به. فتنبه (قوله: فمثل هذا) أي الذي جرى الناس على عميم الانتفاع به. وقوله إيقاع: أي وقوع وحصول بالفعل، وفي بعض نسخ الخط، فمثل هذا يقال بالجواز فيه، بإسقاط لفظ إيقاع، وقوله يقال بالجواز، أي يحكم عليه بالجواز (قوله: وقال) أي العلامة الطنبداوي، وقوله يوافق ما ذكره، أي العلامة المذكور، وكان المناسب توافق، بالتاء، لأن فاعله عائد على الفتوى (قوله: وتبعوه) أي تبع القفال الفقهاء فيما قاله (قوله: ويجوز شرط رهن الخ) أي يجوز لواقف كتاب أن يشترط رهنا على من يستعيره ليرده، ومثله شرط ضامن. قال في التحفة: وليس المراد منهما حقيقتهما. اه. وقوله من مستعير، متعلق برهن، وهو مضاف إلى كتاب المضاف إلى وقف. وقوله يأخذه، أي الرهن. وقوله منه، أي المستعير. وقوله ليحمله: الفاعل يعود على الرهن، والمفعول يعود على المستعير، وهو تعليل لجواز شرط الرهن (قوله: وألحق به) أي شرط الرهن في الجواز (قوله: وأفتى بعضهم في الوقف على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو النذر له، بأنه يصرف لمصالح حجرته الشريفة فقط) قد تقدمت هذه المسألة للشارح في مبحث النذر بأبسط مما هنا، ولنسق عبارته هنا، تكميلا للفائدة، فنصها: ويصح النذر للجنين كالوصية له، لا للميت، إلا لقبر الشيخ الفلاني وأراد به قربة، ثم كإسراج ينتفع به

(فروع) قال التاج الفزاري والبرهان المراغي وغيرهما: من شرط قراءة جزء من القرآن كل يوم كفاه قدر جزء، ولو مفرقا ونظرا، وفي المفرق نظر. ولو قال ليتصدق بغلته في رمضان أو عاشوراء ففات: تصدق بعده، ولا ينتظر مثله. نعم: إن قال فطرا لصوامه انتظره. وأفتى غير واحد بأنه لو قال على من يقرأ على قبر أبي كل جمعة يس بأنه إن حد القراء بمدة معينة، أو عين لكل سنة غلة: اتبع، وإلا بطل - نظير ما قالوه من بطلان الوصية لزيد كل شهر بدينار إلا في دينار واحد. انتهى. وإنما يتجه إلحاق الوقف بالوصية: إن علق بالموت، لانه حينئذ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو اطرد عرففيحمل النذر له على ذلك، ويقع لبعض العوام، جعلت هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيصح، كما بحث لأنه اشتهر في عرفهم للنذر، ويصرف لمصالح الحجرة الشريفة. قال السبكي: والأقرب عندي، في الكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة، أن من خرج من ماله عن شئ لها واقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها، صرف إليها واختصت به. اه. قال شيخنا: فإن لم يقتض العرف شيئا فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف لرأي ناظرها، وظاهر أن الحكم كذلك في النذر إلى مسجد غيرها، خلافا لما يوهمه كلامه. اه. (قوله: أو على أهل بلد) معطوف على قوله على النبي، أي وأفتى بعضهم في الوقف على أهل بلد. وقوله أعطي الخ: المناسب في التعبير أن يزيد لفظ بأنه، ويعبر بصيغة المضارع، بأن يقول بأنه يعطي، أي أفتى في الوقف عليهم بأنه يعطي، فتنبه. وقوله مقيم بها، أي بالبلد، أي حاضر فيها بدليل المقابلة. (وقوله: أو غائب عنها) أي عن البلد، (وقوله: غيبة لا تقطع نسبته إليها عرفا) أي لا تقطع تلك الغيبة نسبة ذلك الغائب إلى تلك البلد في العرف، بأن سافر وترك ماله وأمتعته فيها ولم يستوطن غيرها، وخرج بذلك ما لو كانت الغيبة تقطع نسبته إليها فيه بأن استوطن بلدا غيرها فإنه تنقطع نسبته بالإستيطان، ولو كان يتردد إلى بلدته التي كان فيها. وما ذكرته، من ضبط انقطاع النسبة وعدمه بما تقرر، يستفاد من فتاوي ابن حجر في باب الجمعة (قوله: فروع) أي سبعة، وهي قوله قال التاج الخ، وقوله ولو قال ليتصدق الخ، وقوله وأفتى غير واحد الخ، وقوله ولو قال الواقف، وقوله ولو وقف أو أوصى للضيف الخ، وقوله وسئل الخ، وقوله وقال ابن عبد السلام الخ. وكلها، ما عدا السادس، في التحفة لشيخة (قوله: من شرط قراءة جزء من القرآن إلخ) أي بأن قال مثلا وقفت هذا على فلان بشرط أن يقرأ كل يوم جزءا من القرآن، ولم يقيده بكونه غير مفرق أو بكونه عن ظهر غيب (قوله: كفاه الخ) جواب من. وقوله قدر جزء، أي قراءة قدر جزء. وقوله ولو مفرقا، أي ولو كان ذلك القدر مفرقا، بأن كان من سور متعددة، فإنه يكفيه. وقوله ونظرا، أي ولو كان نظرا، أي يقرؤه نظرا، أي لا عن ظهر غيب. فإنه يكفيه (قوله: وفي المفرق نظر) أي وفي الإكتفاء بقراءة المفرق، نظر. ولعل وجهه أن الأقرب إلى قصد الواقفين غير المفرق، لجريان العادة بإطلاق الجزء على ما كان على نسق واحد (قوله: ولو قال ليتصدق الخ) أي ولو قال الواقف وقفت كذا ليتصدق بغلته في رمضان أو عاشوراء. وقوله ففات، أي مضى المذكور من رمضان أو عاشوراء ولم يتصدق فيه، وقوله تصدق بعده أي بعد ذلك الفائت، وهو ما بعد شهر رمضان أو بعد يوم عاشوراء (قوله: ولا ينتظر مثله) أي ولا ينتظر مجئ رمضان آخر مثله أو عاشوراء مثله من السنة الآتية ويتصدق فيه (قوله: نعم إن قال إلخ) أي نعم إن قيد الواقف التصدق فيما ذكر، بقوله فطرا لصوامه، انتظر مجئ المثل، عملا بشرط الواقف (قوله: بأنه) أي الواقف، وهو متعلق بأفتى (قوله: لو قال على من يقرأ على قبر أبي) أي لو قال وقفت هذا على من يقرأ على قبر أبي كل جمعة يس (قوله: بأنه إلخ) متعلق بأفتى، وفيه أنه يلزم عليه تعلق حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى بعامل واحد، وهو لا يجوز، ويمكن أن يقال أن الباء الأولى بمعنى في، فلا اتحاد (قوله: إن حد القراءة بمدة معينة) أي خصها بمدة معينة، كسنة (قوله: أو عين لكل سنة غلة) أي بأن قال مثلا: وقفت هذا المصحف على من يقرأ على قبر أبي كل جمعة سورة يس وله في كل سنة من غلة أرضى أو نحوها عشرة دراهم مثلا (قوله: اتبع) أي شرطه (قوله: وإلا) أي بأن لم يحد القراءة أو لم يعين لكل سنة غلة. وقوله بطل، أي الوقف (قوله: نظير ما قالوه) أي وما ذكر من بطلان الوقف هو نظير ما قالوه الخ (قوله: من بطلان الوصية) بيان لما، ووجه بطلانها فيما ذكر، أنها لا تنفذ إلا في الثلث ومعرفة مساواة هذه الوصية له وعدمها، أي المساواة متعذرة. اه. تحفة (قوله: وإنما يتجه إلحاق الوقف بالوصية) أي في البطلان

وصية. وأما الوقف الذي ليس كالوصية: فالذي يتجه صحته، إذ لا يترتب عليه محذور بوجه - لان الناظر إذا قرر من يقرأ كذلك: استحق ما شرط ما دام يقرأه فإذا مات مثلا: قرر الناظر غيره، وهكذا. ولو قال الواقف وقفت هذا على فلان ليعمل كذا: قال ابن الصلاح: احتمل أن يكون شرطا للاستحقاق، وأن يكون توصية له لاجل وقفه. فإن علم مراده: اتبع، وإن شك: لم يمنع الاستحقاق. وإنما يتجه فيما لا يقصد عرفا صرف الغلة في مقابلته، وإلا كلتقرأ أو تتعلم كذا: فهو شرط للاستحقاق - فيما استظهره شيخنا - ولوقف وأوصى للضيف: صرف للوارد على ما يقتضيه العرف ولا يزاد على ثلاثة أيام مطلقا، ولا يدفع له حب إلا إن شرطه الواقف. وهل يشترط فيه الفقر؟ قال شيخنا: الظاهر لا. (وسئل) شيخنا الزمزمي عمال وقف ليصرف غلته للاطعام عن رسول الله (ص): فهل يجوز للناظر أن ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: إن علق) أي الوقف بالموت (قوله: لأنه) أي الوقف. وقوله حينئذ، أي حين إذ علق بالموت (قوله: وأما الوقف الذي ليس كالوصية) وهو غير المعلق بالموت (قوله: فالذي يتجه صحته) أي الوقف. قال في التحفة: وعجبت توهم أن هذه الصورة كالوصية. اه. (قوله: إذ لا إلخ) علة لاتجاه صحته. (وقوله: عليه) أي على الوقف، أي على صحته (قوله: لأن الناظر الخ) علة لعدم ترتب محذور على صحته، (وقوله: من يقرأ كذلك) أي كل جمعة يس (قوله: استحق) أي القارئ. وقوله ما شرط: أي له (قوله: ما دام يقرأ) متعلق باستحق، أي استحق ذلك مدة دوام قراءته (قوله: فإذا مات مثلا) أي أو غاب (قوله: قرر الناظر غيره) أي غير القارئ الأول الذي مات أو غاب (قوله: وهكذا) أي إذا مات الثاني أيضا قرر غيره، فالمدار على حصول القراءة على القبر من أي شخص كان (قوله: ولو قال الواقف: وقفت هذا على فلان ليعمل كذا) أي ليتعلم، أو يقرأ، أو نحوهما (قوله: احتمل أن يكون) أي قوله ليعمل كذا، (وقوله: شرطا للإستحقاق) أي لاستحقاق الموقوف، أي لكون الموقوف عليه يستحقه، فلو لم يوجد لا يستحقه (قوله: وأن يكون توصية) أي ويحتمل أن يكون قوله المذكور توصية له للعمل، أي عليه. (وقوله: لأجل وقفه) أي لأجل صلاح وقفه (قوله: فإن علم مراده) أي الواقف من كونه أتى به على وجه أنه شرط أو توصية (قوله: اتبع) أي مراده (قوله: وإن شك) أي في مراده. (وقوله: لم يمنع) أي الموقوف عليه من الاستحقاق، أي فلا يحمل على الشرطية، وإنما يحمل على التوصية (قوله: وإنما يتجه) أي ما قاله ابن الصلاح من التفصيل المذكور. (وقوله: فيما لا يقصد إلخ) أي في العمل الذي لا يقصد صرف الغلة في مقابلته، كنحو كلمة أو كلمتين من كل ما لا يتعب (قوله: وإلا) أي بأن كان يقصد فيه ما ذكر. (وقوله: كلتقرأ أو تتعلم) أي بأن قال وقفت عليك كذا لتقرأ أو لتتعلم، (وقوله: فهو شرط للإستحقاق) أي فقوله المذكور شرط للإستحقاق، ولا يحمل على الوصية (قوله: ولو وقف أو أوصى) أي وقف ثمرة شجرة مثلا أو أوصى بها. (وقوله: للضيف) أي لإكرامه (قوله: صرف) أي الموقوف أو الموصى به وقوله للوارد، أي في محل الموقوف أو الموصى به، قال ع ش: سواء جاء قاصدا لمن نزل عليه أو اتفق نزوله عنده لمجرد مروره على المحل واحتياجه لمن يأمن فيه على نفسه. (قوله: ولا يزاد على ثلاثة أيام) أي لا يزاد في ضيافته من الموقوف أو الموصى به فوق ثلاثة أيام. (وقوله: مطلقا) أي سواء عرض له ما يمنعه من السفر، كمرض أو خوف، أو لا. اه. ع ش (قوله: ولا يدفع له) أي للضيف. (وقوله: إلا إن شرطه الواقف) أي شرط إعطاءه حبا، أي فيتبع شرطه ويعطى حبا (قوله: وهل يشترط فيه) أي الضيف (قوله: الظاهر لا) أي لا يشترط فيه الفقر. قال ع ش: ويجب على الناظر رعاية المصلحة لغرض الواقف، فلو كان البعض فقراء والبعض أغنياء ولم تف الغلة الحاصلة بهما قدم الفقير. اه (قوله: وسئل شيخنا الزمزي عما وقف) أي من أشجار أو عقار أو نحوهما (قوله: ليصرف الخ) اللام بمعنى على، أي وقف على أن تصرف غلة الموقوف. (وقوله: للإطعام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي في إطعام من ينزل في محل الموقوف بقصد جعل ثوابه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

يطعمها من نزل به من الضيفان في غير شهر المولد بذلك القصد أو لا؟ وهل يجوز للقاضي أن يأكل من ذلك إذا لم يكن له رزق من بيت المال ولا من مياسير المسلمين؟ (فأجاب) بأنه يجوز للناظر أن يصرف الغلة المذكورة في إطعام من ذكر، ويجوز للقاضي الاكل منها أيضا - لانها صدقة - والقاضي إذا لم يعرفه المتصدق ولم يكن القاضي عارفا به. قال السبكي لا شك في جواز الاخذ له. وبقوله أقول: لانتفاء المعنى المانع، وإلا يحتمل أن يكون كالهدية. ويحتمل الفرق بأن المتصدق إنما قصد ثواب الآخرة. انتهى. وقال ابن عبد السلام: ولا يستحق ذو وظيفة كقراءة أخل بها في بعض الايام. وقال النووي: وإن أخل استناب لعذر - كمرض، أو حبس - بقي استحقاقه، وإلا لم يستحق لمدة الاستنابة. فأفهم ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد في شهر المولد، كما سيأتي، (قوله: فهل يجوز للناظر الخ) هذا محل السؤال (قوله: من نزل به) أي بالناظر: أي بمحله (قوله: في غير شهر المولد) متعلق بنزل، وهذا يدل على أن المراد في صدر السؤال بقوله للإطعام إلخ، أي في شهر المولد (قوله: بذلك القصد) أي قصد الإطعام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو متعلق بيطعم (قوله: أو لا) أي أو لا يجوز للناظر أن يطعمها من نزل به في غير شهر المولد، وهو يفيد أنه يجوز ذلك في شهر المولد (قوله: وهل يجوز للقاضي الخ) معطوف على جملة فهل يجوز الخ. (وقوله: أن يأكل من ذلك) أي من ذلك الطعام المشتري من غلة الوقف المذكور، أو الذي هو عين الغلة. وقوله إذا لم يكن له، أي للقاضي (قوله: في إطعام من ذكر) أي من نزل به من الضيفان في غير شهر المولد (قوله: ويجوز للقاضي الخ) أي بالتفصيل الآتي قريبا، وقوله الأكل منها، أي من الغلة. وقوله لأنها، أي الغلة (قوله: والقاضي الخ) قصده بهذا بيان ما اتفقوا عليه في جواز أخذ القاضي للصدقة وما اختلفوا فيه. وحاصله أن المتصدق إذا لم يعرف أن المتصدق عليه هو القاضي وهو أيضا لم يعرف المتصدق، يجوز له الأخذ اتفاقا، وإلا كان فيه خلاف (قوله: وبقوله) أي السبكي (قوله: لانتفاء المعنى المانع) أي من جواز الأخذ وهو ميل قلبه إلى من يتصدق عليه (قوله: وإلا) أي بأن عرفه المتصدق وكان القاضي عارفا به (قوله: كالهدية) أي وهي يحرم على القاضي أخذها، للأخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال، ولحرمة قبوله الهدية شروط: أن يكون المهدي ممن لا عادة له بها قبل ولايته، وأن يكون في محل ولايته، أو يكون له خصومة عنده (قوله: ويحتمل الفرق) أي بين الصدقة والهدية، والأوجه عدم الفرق، كما تدل عليه عبارة الشارح في باب القضاء ونصها، وكالهدية والهبة والضيافة، وكذا الصدقة، على الأوجه، وجوز له السبكي في حلبياته قبول الصدقة ممن لا خصومة له ولا عادة. اه. (قوله: بأن المتصدق الخ) متعلق بالفرق، والباء للتصوير، أي الفرق المصور بأن المتصدق إنما ينوي بصدقته ثواب الآخرة، وهذا القصد لا يختلف بإعطائها للقاضي أو غيره، بخلاف الهدية. (قوله: وقال ابن عبد السلام الخ) في سم ما نصه: (فرع) في فتاوي السيوطي مسألة رجل وقف مصحفا على من يقرأ فيه كل يوم حزبا ويدعو له، وجعل له على ذلك معلوما من عقار وقفه لذلك، فأقام القارئ مدة يتناول المعلوم ولم يقرأ شيئا، ثم أراد التوبة: فما طريقه؟ الجواب طريقه أن يحسب الأيام التي لم يقرأ فيها، ويقرأ عن كل يوم حزبا، ويدعو عقب كل حزب للواقف حتى يوفي ذلك. اه. وظاهره أنه إذا فعل هذا الطريق، استحق ما تناوله في الأيام التي عطلها، وظاهر ما نقله الشارح عن ابن عبد السلام وعن المصنف خلاف ذلك. فليحرر. اه. (قوله: ولا يستحق ذو وظيفة) أي من غلة الموقوف على من يقرأ كل يوم مثلا جزء من القرآن (قوله: كقراءة) تمثيل للوظيفة (قوله: أخل بها) أي بالوظيفة، والجملة في محل جر لوظيفة (قوله: وقال النووي) حاصله التفصيل، وهو أنه إن أخل لغير عذر، لم يستحق شيئا مدة الإخلال فقط ويستحق فيما عداها وإن أخل لعذر واستناب، فيستحق مدة الإخلال وغيرها، بخلاف ما قاله ابن عبد السلام، فإنه عنده لا يستحق مطلقا شيئا، سواء كان الإخلال لعذر أو لغيره (قوله: لعذر) متعلق بأخل (قوله: كمرض أو حبس) تمثيل للعذر (قوله: بقي استحقاقه) أي مطلقا في مدة الإخلال وغيرها، وهو جواب إن (قوله: وإلا لم يستحق) صادق بما إذا أخل لغيره عذر واستناب، وبما إذا

بقاء أثر أستحقاقه لغير مدة الاخلال، وهو ما اعتمده السبكي - كابن الصلاح - في كل وظيفة تقبل الانابة: كالتدريس والامامة. (ولموقوف عليه) عين مطلقا أو لاستغلال ريعها لغير نفع خاص منها (ريع) وهو فوائد الموقوف جميعها: كأجرة ودر وولد حادث بعد الوقف، وثمر وغصن يعتاد قطعه، أو شرط ولم يوءد قطعه لموت أصله فيتصرف في فوائده تصرف الملاك بنفسه وبغيره - ما لم يخالف شرط الواقف - لان ذلك هو المقصود من ـــــــــــــــــــــــــــــ أخل لعذر ولم يستنب، (وقوله: لمدة الإستنابة) الأولى أن يقول لمدة الإخلال سواء استناب أم لا، ويمكن أن يقال المراد لمدة إمكانها. سواء استناب بالفعل أو لا. (قوله: فأفهم) أي قوله لم يستحق لمدة الإستنابة. (وقوله: أثر استحقاقه) الإضافة للبيان، أي أثر هو استحقاقه. وقوله لغير مدة الإخلال، هذا يؤيد ما قلنا سابقا من أولوية التعبير هناك بمدة الإخلال فتنبه (قوله: وهو) أي ما قاله النووي، (وقوله: ما اعتمده السبكي) في ع ش وما قاله ابن عبد السلام قال السبكي إنه في غاية الضيق ويؤدي إلى محذور، فإن أحدا لا يمكنه أن لا يخل بيوم ولا بصلاة إلا نادرا، ولا يقصد الواقفون ذلك. اه (قوله: في كل وظيفة) متعلق باعتمد. (وقوله: تقبل الإنابة) خرج به ما لا تقبل الإنابة، كالتعلم، (قوله: كالتدريس والإمامة) تمثيل للتي تقبل الإنابة، قال في التحفة: قيل ظاهر كلام الأكثر جواز استنابة الأدون لكن صرح بعضهم بأنه لا بد من المثل (قوله: ولموقوف عليه إلخ) شروع في بيان أحكام الوقف المعنوية. وقوله عين نائب فاعل موقوف. وقوله مطلقا، أو وقفا مطلقا، أي عن التقييد بكونه لاستغلال أو غيره، وقوله أو لاستغلال ريعها، الجار والمجرور متعلق بمحذوف معطوف على اسم المفعول، أي أو موقوف عليه عين لاستغلال ريعها، كأن قال وقفت هذه الدار لتستغل ويعطي غلتها لفلان. (واعلم) إنه إذا كان الوقف للإستغلال لم يتصرف فيه سوى ناظره الخاص أو العام، وإذا كان لينتفع به الموقوف عليه وأطلق أو قال كيف شاء، فللموقوف عليه استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره (قوله: لغير نفع خاص منها) أي من العين، وهو متعلق بقوله موقوف عليه، وسيأتي محترزه (قوله: ريع) مبتدأ، خبره الجار والمجرور قبله، أي ريع الموقوف ملك للموقوف عليه، وأما ملك رقبته، فهو ما سيذكره بقوله واعلم الخ (قوله: وهو) أي الريع (قوله: كأجرة) أي للموقوف، وهو تمثيل للفوائد. قال في المعني: (تنبيه) قد يفهم هذا أن الناظر لو أجر الوقف سنين بأجرة معجلة أن له صرفها إليه في الحال (قوله: ودر) هو بفتح الدال اللبن (قوله: وولد حادث بعد الوقف) أي حدث حمل أمه به بعد الوقف، وليس المراد به انفصاله بعد الوقف سواء حملت أمه به قبل الوقف أو حالته أو بعده، كما هو ظاهر، وخرج به، ما إذا حدث الحمل به قبل الوقف فهو ملك للواقف، وما إذا قارن الوقف فهو وقف، كما سيصرح بهذا قريبا، (قوله: وثمر) أي حدث بعد الوقف، أما الثمر الموجود حال الوقف فهو للواقف إن تأبر، وإلا شمله الوقف، كذا في التحفة والنهاية، وقال الخطيب في مغنيه، ينبغي أن يكون للموقوف عليه. اه. (قوله: وغصن يعتاد قطعه) خرج به ما لا يعتاد قطعه، فلا يكون للموقوف عليه. وعبارة الروض وشرحه، وهي كالدر والصوف والثمرة، لا الأغصان، فليست له إلا الأغصان من شجر خلاف ونحوه مما يعتاد قطعه، لأنها كالثمرة. اه. وقوله أو شرط، أي قطعه. (وقوله: لم يؤد الخ) قيد في الصورتين، كما في سم، وعبارته: وقوله ولم يؤد الخ: ظاهره رجوعه إلى أو شرط أيضا. اه. قال ع ش: وهو ظاهر، لأن العمل بالشرط إنما يجب حيث لم يمنع منه مانع. اه. (قوله: فيتصرف) أي الموقوف عليه، وهو تفريع على قوله ولموقوف عليه ريع (قوله: بنفسه) أي كأن يركب الدابة (قوله: وبغيره) أي بإجارة أو إعارة إن كان له النظر، وإلا لم يتعاط ذلك إلى الناظر أو نائبه (قوله: ما لم يخالف شرط الواقف) أي أن محل كونه يتصرف فيه كما ذكر: إذا لم يخالف تصرفه شرط الواقف، وإلا فليس له ذلك. فإذا وقف داره على أن يسكنها معلم الصبيان، أو الموقوف عليهم، أو على أن يعطي أجرتها، فيمتنع في الأولى غير سكناه. وما نقل عن الإمام النووي، أنه لما ولي دار الحديث وبها قاعة للشيخ أسكنها غيره، اختيار له، ولعله لم يثبت عنده أن الواقف

الوقف. وأما الحمل المقارن: فوقف تبعا لامة. أما إذا وقفت عليه عين لنفع خاص - كدابة للركوب - ففوائدها من در ونحوه للواقف. ولا يجوز وطئ أمة موقوفة - ولو من واقف أو موقوف عليه - لعدم ملكها، بل يحدان، ويزوجها قاض بإذن الموقوف عليه - لا له، ولا للواقف. (واعلم) أن الملك في رقبة الموقوف على معين أو جهة ينتقل إلى الله تعالى: أي ينفك عن اختصاص الآدميين. فلو شغل المسجد بأمتعة وجبت الاجرة له فتصرف لمصالحه على الاوجه. ـــــــــــــــــــــــــــــ نص على سكنى الشيخ، ويمتنع في الثانية غير استغلالها (قوله: لأن ذلك) أي كون الريع للموقوف عليه هو المقصود من الوقف، وهو تعليل للمتن، أي وإنما كان الريع للموقوف عليه لأن الريع هو المقصود من الوقف، (قوله: وأما الحمل المقارن) أي للوقف، وهو مقابل قوله وولده حادث، ولكن المقابلة لا تحسن إلا أن قال فيما سبق وحمل حادث، وكان الأولى أن يسقط لفظ أما، إذ لا بد لها من مقابل، ويقول والحمل المقارن الخ، أو يقول وخرج بالحادث المقارن، وعبارة الروض وشرحه، والحمل المقارن للوقف كالأم في كونه وقفا مثلها بناء على أن الحمل يعلم، والحمل الحادث كالدر فيكون للموقوف عليه. اه. بحذف (قوله: فوقف تبعا لأمه) أي فيكون ريعه أيضا للموقوف عليه (قوله: أما إذا وقفت إلخ) محترز قوله لغير نفع خاص منها، وكان الأولى أن يقول، كعادته، وخرج بقولي لغير نفع خاص، ما إذا الخ. وقوله لنفع خاص، أي كركوب وسكنى وتعليم (قوله: كدابة للركوب) أي كوقف دابة ليركبها فلان (قوله: ففوائدها) أي العين الموقوفة لنفع خاص (قوله: للواقف) أي ملك له ومؤنها عليه أيضا، لأنه لم يجعل منها للمستحق إلا الركوب، فكأنها باقية على ملكه اه. ع ش (قوله: ولا يجوز وطئ أمة الخ) عبارة الروض وشرحه: ووطؤها من الواقف والموقوف عليه والأجنبي حرام لعدم ملكهم، أو لأن ملك الأولين ناقص. اه (قوله: بل يحدان) أي الواقف والموقوف عليه. قال في فتح الجواد: وكأنهم لم ينظروا للقول بملكهما لضعفه، ولا يخلو عن نظر ولا مهر على الموقوف عليه، إذ لو وجب، وجب له ولا قيمة ولدها الحادث، لأنه ملكه. اه. ومحل حدهما، حيث لا شبهة، وإلا فلا (قوله: ويزوجها قاض) أي بالولاية العامة، لأن الملك فيها لله تعالى. وخرج بالقاضي، الناظر، فلا يزوجها، وإن شرط نظيره حال الوقف. وإذا زوجها القاضي، يستحق المهر الموقوف عليه، لأنه من جملة الفوائد. ومثله في استحقاقه المهر، ما إذا وطئت بشبهة منها، كأن أكرهت أو طاوعته وهي نحو صغيرة أو معتقدة الحل وعذرت (قوله: بإذن الموقوف عليه) متعلق بيزوجها، أي يزوجها القاضي بشرط أن يأذن الموقوف عليه فيه لتعلق حقه بها. وعبارة الروض وشرحه: وإذن الموقوف عليه له شرط في صحة تزويجها لتعلق حقه بها، ولا يلزمه الإذن في تزويجها وإن طلبته منه، لأن الحق له، فلا يجبر عليه. وليس لأحد إجبارها عليه أيضا، كالعتيقة، اه. ومحل اشتراط ما ذكر، إذا تأتى إذنه، فإن كان الموقوف عليه جهة، فينبغي أن يستقل الحاكم بالتزويج ح ل. وقال البرماوي: يزوجها الناظر حينئذ (قوله: لا له الخ) أي لا يزوجها للموقوف عليه ولا للواقف، مراعاة للقولين الضعيفين، وهما: أنها ملك للموقوف عليه أو للواقف، وعبارة فتح الجواد: وإنما لم يجز لهما احتياطا، ومن ثم لو وقفت عليه زوجته، انفسخ نكاحه إن قبل وشرطنا القبول. اه. (قوله: واعلم أن الملك في رقبة الموقوف) أي ذاته، وهذا كالمقابل لما في المتن، فكأنه قال: وأما ملك الرقبة الخ (قوله: ينتقل إلى الله تعالى) أي فلا يكون للواقف، وفي قول يكون له، كما هو مذهب الإمام مالك، ولا للموقوف عليه، وفي قول يكون له، كالصدقة، كما هو مذهب الإمام أحمد، ومحل الخلاف فيما يقصد به تملك ريعه، بخلاف ما هو مثل التحرير نصا، كالمسجد والمقبرة والرباط والمدرسة، فإنه ينتقل لله تعالى باتفاق (قوله: أي ينفك الخ) تفسير مراد لمعنى انتقاله إلى الله، وهو دفع لما استشكل من أن الموجودات بأسرها ملك لله تعالى في جميع الحالات بطريق الحقيقة وغيره، وإن سمي ملكا، فإنما هو بطريق التوسع، فلا معنى لتخصيص الموقوف من بين سائر الموجودات بذلك. وحاصل الدفع أن المراد بالانتقال إلى الله تعالى، انفكاك الموقوف عن اختصاص الآدمي، بخلاف غيره، فإنه لم ينفك عن ذلك (قوله: فلو شغل المسجد الخ) لا

(فائدة) ومن سبق إلى محل من مسجد لاقراء قرآن أو حديث أو علم شرعي أو آلة له أو لتعلم ما ذكر أو كسماع درس بين يدي مدرس وفارقه ليعود إليه ولم تطل مفارقته بحيث انقطع عنه الالفة: فحقه باق، لان له غرضا في ملازمة ذلك الموضع ليألفه الناس. وقيل يبطل حقه بقيامه. وأطالوا في ترجيحه نقلا ومعنى أو للصلاة ـــــــــــــــــــــــــــــ يظهر تفريعه على ما قبله. وعبارة الروض وشرحه: وينتقل ملك الموقوف إلى الله تعالى وجعل البقعة مسجدا أو مقبرة تحريرا لها كتحرير الرقبة في أن كلا منهما ينتقل إلى الله تعالى، وفي أنهما يملكان كالحر، وفي أنهما لو منع أحد المسلمين منهما بغلق أو غيره ولم ينتفع بهما لا أجرة عليه. اه. باختصار. وعبارة المنهاج وشرحه لابن حجر، والأصح أنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفة، كالشافعية، اختص بهم، فلا يصلي ولا يعتكف فيه غيرهم. وبحث بعضهم أن من شغله بمتاعه لزمه أجرته لهم، وفيه نظر، إذ الذي ملكوه هو أن ينتفعوا به لا المنفعة، كما هو واضح، فالأوجه صرفها لمصالح الموقوف. اه. إذا علمت ذلك فكان الأولى للمؤلف أن يذكر قبل التفريع ما يتفرع عليه بأن يقول، وجعل البقعة مسجدا تحرير لها كتحرير الرقبة فيملك كالرقبة المحررة، ثم يفرع عليه ويقول: فلو شغل المسجد الخ (قوله: وجبت الأجرة له) أي للمسجد، لأنه يملك. وقوله فتصرف لمصالحه، هذا معنى وجوب الأجرة له. (وقوله: على الأوجه) متعلق بوجبت، ومقابله يقول تجب الأجرة لمن خصه الواقف بالمسجد، كما يعلم من عبارة ابن حجر المارة آنفا (قوله: فائدة الخ) هذه الفائدة ذكرها الفقهاء في باب إحياء الموات، والمؤلف، بسبب عدم ذكره هذا الباب، ذكرها هنا، لما بينها وبين ما هنا من المناسبة، وهي أن المسجد موقوف، فلما ذكر ناسب أن يذكر ما هو متعلق به (قوله: ومن سبق إلى محل من مسجد الخ) يجري هذا التفصيل فيمن سبق إلى مكان من الشارع للإرتفاق بالجلوس فيه لنحو معاملة (قوله: لإقراء قرآن) منه تعليم القرآن لحفظه في الألواح، وخرج به: ما إذا جلس لقراءة ما يحفظه من القرآن، فسيأتي أنه كالجلوس للصلاة (قوله: أو حديث) أي أو لإقراء حديث (قوله: أو علم شرعي) عطفه على حديث من عطف العام على الخاص، إذ هو صادق بالحديث وبغيره، كالفقه والتفسير (قوله: أو آلة له) أي للعلم الشرعي، كالنحو والصرف (قوله: أو لتعلم ما ذكر) أي من القرآن وما بعده (قوله: بين يدي مدرس) أي إن أفاد أو استفاد، كما في التحفة، (قوله: وفارقه) أي محل جلوسه، ولو بلا عذر، وبه فارق مسألة الصلاة الآتية (قوله: ليعود إليه) قال في التحفة: وألحق به ما لو فارقه بلا قصد عود وعدمه. اه. وخرج بذلك: ما لو فارقه لا ليعود إليه، فإنه يبطل حقه بمفارقته (قوله: ولم تطل مفارقته) أي ولو لعذر، وإن ترك فيه نحو متاعه. (وقوله: بحيث انقطع الخ) تصوير للطول المنفي. والألفة جمع آلف، كبررة جمع بار، وكملة جمع كامل. وفي بعض نسخ الخط، ألافه، وهو أيضا جمع آلف، كعذل جمع عاذل. قال سم: ينبغي أن يكون المراد أن تمضي مدة من شأنها أن تنقطع ألافه فيها، وإن لم ينقطعوا بالفعل. اه. وفي البجيرمي ما نصه: وليس من الغيبة ترك الجلوس فيه في الأيام التي جرت العادة ببطلانها ولو شهرا، كما هو العادة في قراءة الفقه في الجامع الأزهر، ومما لا ينقطع به حقه أيضا، ما لو اعتاد المدرس قراءة الكتاب في سنتين وتعلق غرض بعض الطلبة بحضور النصف الأول في سنة، فلا ينقطع حقه بغيبته في الثاني. اه. ع ش على م ر. وقرره ح ف. اه. (قوله: فحقه باق) جواب من، وذلك لخبر مسلم: من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به لكن لغيره الجلوس فيه ما دام غائبا، لئلا تتعطل منفعة الموضع في الحال، قال م ر: وكذا حال جلوسه لغير الإقراء والإفتاء، فيما يظهر، لأنه إنما استحق الجلوس فيه لذلك، لا مطلقا. اه. (قوله: لأن له غرضا الخ) علة لبقاء حقه عند مفارقته، أي وإنما بقي حق من سبق إلى محل الخ، لأن له قصدا في ملازمة ذلك الموضع، لأجل أن يألفه الناس ويترددون إليه لأجل دوام النفع به والانتفاع، وهذه العلة إنما تظهر بالنسبة لمن سبق، لإقراء قرآن أو للتعليم، أما بالنسبة للتعلم أو سماع درس، فلا تظهر، لأنه لا معنى لكون هذا يألفه الناس (قوله: وقيل يبطل حقه) أي من سبق إلى محل من المسجد ثم فارقه (قوله: وأطالوا الخ) أي أطال الفقهاء في ترجيح هذا القيل من جهة أنه هو المنقول عن المذهب ومن جهة المعنى، وعبارة شرح الروض: فلا يبطل حقه بمفارقته الموضع، وهذا ما نقله الأصل عن أبي عاصم العبادي والغزالي ونقل عن الماوري أنه يبطل حقه بذلك: لقوله

ولو قبل دخول وقتها أو قراءة أو ذكر وفارقه بعذر: كقضاء حاجة وإجابة داع، فحقه باق - ولو صبيا - في الصف الاول في تلك الصلاة، وإن لم يترك رداءه فيه. فيحرم - على غير العالم - الجلوس فيه بغير إذنه، أو ظن رضاه. نعم: إن أقيمت الصلاة في غيبته واتصلت الصفوف: فالوجه سد الصف مكانه، لحاجة إتمام الصفوف. ذكره ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: * (سواء العاكف فيه والباد) * (1) زاد النووي: قلت وهو ما حكاه في الأحكام السلطانية عن جمهور الفقهاء، وعن مالك أنه، أي من سبق ثم فارق، أحق، فمقضتى كلامه أن الشافعي وأصحابه من الجمهور، زاد الأذرعي وقال: يعني الماوردي، أن القول بأنه أحق ليس بصحيح، وقال في البحر إنه غلط، والظاهر أن ما حكاه الماوردي هو المذهب المنقول، وهو ما ارتضاه الإمام كأبيه، قال: وقول النووي في شرح مسلم، إن أصحابنا قالوا إنه أحق به، وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه الظاهر أنه أخذه من كلام الرافعي مسلما، والمنقول ما قدمناه. وما قاله العبادي والغزالي تفقه، لا نقل. اه. والماوردي مخالف في مجالس الأسواق أيضا، كما نبه عليه الأسنوي، والأوجه خلاف قوله في الموضعين وهو ما جزم به المنهاج كأصله، اه. بحذف، وعبارة فتح الجواد، وما ذكره في المسجد هو المعتمد، وإن انتصر الأذرعي وغيره لمقابله بأنه المنقول، وأن الأول غلط. اه. (قوله: أو للصلاة) معطوف على لإقراء قرآن، أي أو سبق إلى محل من المسجد للصلاة. وإنما فصل هذه المسألة عن التي قبلها، لأن بينهما فرقا. وحاصله أن تلك شرط في بقاء حقه فيها أن ينوي العود عند المفارقة ولو لغير عذر، وهذه يشترط فيها العذر ولو لم ينو المفارقة (قوله: ولو قبل دخول وقتها) في البجيرمي، وشمل الجلوس للصلاة من لم يكن أهلا لذلك المحل لعدم صحة استخلافه، وهو كذلك، وما لو جلس قبل دخول وقتها وهو كذلك إن عد منتظرا لها عرفا، لا نحو بعد صبح لانتظار ظهر، وهو ظاهر، إلا إن استمر جالسا. اه. (قوله: أو قراءة أو ذكر) معطوف على للصلاة، أي أو سبق إلى محل من المسجد لقراءة أو ذكر أو نحوهما من كل عبادة قاصر نفعها عليه وعبارة المغني، ويلحق بالصلاة الجلوس في المسجد لسماع وعظ أو حديث، أي أو قراءة في لوح مثلا، وكذا من يطالع منفردا، بخلاف من يطالع لغيره، ولم أر من تعرض لذلك. وهو ظاهر. اه. (قوله: وفارقه بعذر) أي وفارق ذلك المحل الذي جلس فيه للصلاة أو القراءة أو الذكر بعذر ولو لم ينو العود. قال في فتح الجواد: فإن فارقه لغير عذر بطل حقه، وإن نوى العود أو فارقه بعذر لا ليعود، بطل حقه، لأن الصلاة ببقاع المسجد لا تختلف، ولا نظر لزيادة ثوابها في الصف الأول، لأنه لو ترك له موضعه منه وأقيمت الصلاة لزم إدخال نقص على أهل الصف بعدم اتصاله، فإنه مكروه ومجيئه أثناءها لا يجبر خلل أولها. اه. (قوله: كقضاء حاجة الخ) تمثيل للعذر (قوله: فحقه باق) جواب الشرط المقدر قبل قوله للصلاة، أي أو من سبق للصلاة وما بعدها وفارقه بعذر فحقه باق للحديث المار (قوله: ولو صبيا في الصف الأول) غاية في بقاء حقه أي يبقى حق من سبق للصلاة ولو كان صبيا وجلس في الصف الأول، وهي للرد، كما يدل عليها عبارة المغني ونصها، وشمل ما لو كان الجالس صبيا، وهو الأصح. اه. (قوله: في تلك الصلاة) متعلق بباق، أي حقه باق بالنسبة لتلك الصلاة، أي وما ألحق بها مما اعتيد فعله بعد الصلاة من الاشتغال بالأذكار، أما بالنسبة لغير تلك الصلاة فلا حق له فيه (قوله: وإن لم يترك رداءه فيه) غاية ثانية لبقاء حقه، أي يبقى حقه وإن لم يترك رداءه في ذلك المحل الذي قام منه (قوله: فيحرم الخ) مفرع على ثبوت بقاء حق من سبق إلى مسجد بالنسبة للصور كلها، أي وإذا كان حقه باقيا فيحرم على شخص غيره عالم ببقاء الحق لمن سبق الجلوس في محله إن كان بغير إذنه أو ظن رضاه. قال سم: وينبغي أن المراد الجلوس على وجه منعه منه إذا جاء، أما إذا جلس على وجه إذا جاء له قام عنه فلا وجه لمنعه من ذلك. اه. (قوله: نعم إلخ) استدراك على حرمة الجلوس في مكان من سبق بالنسبة لبعض الصور، وهو من سبق للصلاة. (وقوله: في غيبته) أي من سبق (قوله: واتصلت الصفوف) أي إلا الصف الذي فارقه من سبق إلى موضع منه، كما هو ظاهر، (قوله: فالوجه إلخ) جواب أن (قوله: مكانه) بالجر بدل من الصف بدل بعض من كل، ولو قال سد مكانه من الصف، لكان أولى (قوله: لحاجة إتمام) الإضافة للبيان، أي لحاجة هي إتمام الصفوف، وهو تعليل

_ (1) سورة الحج، الاية: 25.

الاذرعي وغيره. فلو كان له سجادة فيه فينحيها برجله من غير أن يرفعها بها عن الارض، لئلا تدخل في ضمانه. أما جلوسه لاعتكاف فإن لم ينو مدة بطل حقه بخروجه - ولو لحاجة - وإلا لم يبطل حقه بخروجه أثناءها لحاجة. وأفتى القفال بمنع تعليم الصبيان في المساجد (ولا يباع موقوف وإن خرب) فلو انهدم مسجد وتعذرت إعادته: لم يبع، ولا يعود ملكا بحال - لامكان الصلاة والاعتكاف في أرضه - أو جف الشجر الموقوف أو قلعه ريح لم ـــــــــــــــــــــــــــــ لكون الأوجه سد ذلك (قوله: فلو كان له) أي لمن سبق ثم فارق الصف. (وقوله: سجادة) بفتح السين. وقوله فيه، أي في الصف (قوله: فينحيها برجله) أي يزيلها من أراد سد الصف برجله (قوله: من غير أن يرفعها) أي السجادة. وقوله بها، أي برجله (قوله: لئلا تدخل في ضمانه) علة لكونه لا يرفعها برجله. وعبارة فتح الجواد، ولغيره تنحيتها بما لم يدخلها في ضمانه بأن لم تنفصل على بعض أعضائه، كما هو ظاهر، ويتجه في فرشها خلف المقام بمكة وفي الروضة المكرمة حرمته، لأن فيه تحجر المحل الفاضل، إذ الناس يهابون تنحيتها وإن جازت لغلبة وقوع الخصام فيه حينئذ، وفي الجلوس خلف المقام لغير دعاء مطلوب وصلاة أكثر من سنة الطواف حرمتهما أيضا إن كان وقت احتياج الناس للصلاة، ثم لأن فيه ضررا لهم لمنعهم من المحل الفاضل لغير عذر. اه. وفي مناسك البطاح. ويحرم بسط السجادة والجلوس في المحل الذي كثر طروق الطائفين له، ويزعج من جلس في ذلك على وجه يمنع غيره من الصلاة خلفه، حيث كان عالما عامدا، وينحي السجادة بنحو رجله. ومثل المقام، تحت الميزاب، والصف الأول، والمحراب عند إقامة الصلاة وحضور الإمام. ومثل ذلك، الروضة الشريفة، لأن فيه تحجيرا للبقعة الفاضلة المطلوب فيها الصلاة. اه. (قوله: أما جلوسه لاعتكاف) مقابل الأمور المارة من الإقراء والصلاة والقراءة والذكر (قوله: فإن لم ينو مدة إلخ) أي بأن نوى الإعتكاف مطلقا. قال سم: قد يؤخذ من هذا التفصيل في الاعتكاف أنه لو جلس لقراءة مثلا، فإن لم ينو قدرا بطل حقه بمفارقته، وإلا لم يبطل بذلك، بل يبقى حقه إلى الإتيان بما قصده، وإن خرج لحاحة وعاد. اه. وكتب ع ش: أقول وقد يمنع الأخذ بأن المسجد شرط للإعتكاف، بخلاف القراءة، إلا أن يقال: الاعتكاف كما يصح في المحل الذي فارقه يصح في غيره، فبقاع المسجد بالنسبة للاعتكاف مستوية. اه. (قوله: وإلا) أي بأن نوى مدة لم يبطل حقه بخروجه، وعبارة الروض وشرحه: ولو نوي اعتكاف أيام في المسجد فخرج لما يجوز الخروج له في الاعتكاف عاد لموضعه. والمراد أنه أحق به، والظاهر أن خروجه لغير ذلك ناسيا كذلك، وإن نوى اعتكافا مطلقا فهو أحق بموضعه ما لم يخرج من المسجد صرح به في الروضة. اه. (قوله: وأفتى القفال بمنع تعليم الصبيان) قال في التحفة: لأن الغالب إضرارهم به، وكأنه في غير كاملي التمييز إذا صانهم المعلم عما لا يليق بالمسجد. اه. (تنبيه) قال في المغني: ويندب منع من يجلس في المسجد لمبايعة وحرفة، إذ حرمته تأبى اتخاذه حانوتا، وتقدم في باب الاعتكاف أن تعاطي ذلك فيه مكروه، ولا يجوز الارتفاق بحريم المسجد إذا أضر بأهله، ولا يجوز للإمام الإذن فيه حينئذ، وإلا جاز، ويندب منع الناس من استطراق حلق القراء والفقهاء في الجوامع وغيرها توقيرا لهم. اه. (قوله: ولا يباع موقوف) أي ولا يوهب للخبر المار أول الباب، وكما يمتنع بيعه وهبته، يمتنع تغيير هيئته جعل البستان دارا. وقال السبكي يجوز بثلاثة شروط: أن يكون يسيرا لا يغيره مسماه، وعدم إزالة شئ من عينه بل ينقله من جانب إلى آخر، وأن يكون فيه مصلحة للوقف. أفاده م ر (قوله: وإن خرب) أي الموقوف وخالف في هذا الإمام أبو حنيفة فأجاز بيع المحل الخراب بشرط أن يكون قد آل إلى السقوط ويبدل بمحل آخر أحسن منه، وأن يكون بعد حكم حاكم يرى صحته (قوله: فلو الخ) تفريع على عدم جواز بيع الموقوف الخراب. (وقوله: انهدم مسجد) أي أو تعطل بخراب البلد مثلا (قوله: وتعذرت إعادته) أي لم يمكن إعادته حالا لعدم وجود ما يصرف في عمارته (قوله: لم يبع) جواب لو. (وقوله: ولا يعود) أي هذا المسجد المنهدم ملكا بحال، أي أصلا، والمراد لا يعود ملكا، ولا في حال من الأحوال. وعطفه على قوله لم يبع: من عطف الملزوم على لازمه، إذ يلزم من عدم عوده ملكا، عدم صحة بيعه، أي وهبته، إذ لا يباع ويوهب إلا الذي دخل في الملك (قوله: لإمكان الصلاة إلخ) تعليل لعدم صحة بيعه وعدم عوده ملكا، أي لا يصح ذلك لإمكان الانتفاع

يبطل الوقف، فلا يباع ولا يوهب، بل ينتفع الموقوف عليه - ولو بجعله أبوابا، إن لم يمكنه إجارته خشبا بحاله - فإن تعذر الانتفاع به إلا باستهلاكه: كأن صار لا ينتفع به إلا بالاحراق: انقطع الوقف - أي ويملكه الموقوف عليه حينئذ - على المعتمد فينتفع بعينه ولا يبيعه. ويجوز بيع حصر المسجد الموقوفة عليه إذا بليت، بأن ذهب جمالها ونفعها وكانت المصلحة في بيعها، وكذا جذوعه المنكسرة - خلافا لجمع فيهما - ويصرف ثمنها لمصالح ـــــــــــــــــــــــــــــ به حالا بالصلاة والإعتكاف في أرضه، وبه فارق ما لو وقف فرس على الغزو فكبر ولم يصلح حيث جاز بيعه لعدم إمكان الانتفاع به حالا (قوله: أو جف الشجر) معطوف على انهدم، فهو داخل في حيز التفريع (قوله: أو قلعه ريح) أي وإن لم يمكن إعادته إلى مغرسه قبل جفافه (قوله: ولم يبطل الوقف) أي وإن امتنع وقفه ابتداء لقوة الدوام، وذلك لبقاء عين الموقوف (قوله: فلا يباع ولا يوهب) تفريع على عدم بطلان الوقف (قوله: بل ينتفع الموقوف عليه) أي بالشجر الجاف أو المقلوع بريح (قوله: ولو بجعله أبوابا) غاية للانتفاع، أي ينتفع به انتفاعا عاما، ولو بتقطيعه وجعله أبوابا (قوله: إن لم يمكنه إجارته الخ) قيد في الغاية، أي محل الانتفاع بجعله أبوابا إن لم يمكن إجارته حال كونه خشبا باقيا بحاله، فإن أمكن ذلك لا يجوز الانتفاع بغيره (قوله: فإن تعذر الانتفاع به) أي مع بقاء عينه، (وقوله: إلا باستهلاكه) أي إلا بزوال عينه فلا يتعذر الانتفاع به. وفي سم ما نصه: لو أمكن والحالة هذه بيعها وأن يشتري بثمنها واحدة من جنسها أو شقصا، اتجه وجوب ذلك، لا يقال الفرض تعذر الانتفاع فلا يصح بيعها، لأنا نقول هي منتفع بها باستهلاكها، فيصح بيعها. اه. (قوله: كأن صار) أي الشجر، وهو تمثيل لتعذر الانتفاع إلا باستهلاكه، (وقوله: إلا بالإحراق) أي إحراق الشجر، أي للإيقاد به أو جعله فحما (قوله: انقطع الوقف) جواب أن (قوله: أي ويملكه الخ) الأولى حذف أي التفسيرية، كما مر غير مرة، وما ذكره الشارع من انقطاع الوقف وعوده إلى ملكه، تبع فيه شيخه ابن حجر، ولم يذكر في شرح الروض الانقطاع، بل اقتصر على صيرورته ملكا، واستشكل ذلك مع عدم بطلان الوقف، ونص عبارته مع المتن، وإلا بأن لم يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاكها بإحراق أو نحوه صارت ملكا للموقوف عليه، لكنها لا تباع ولا توهب، بل ينتفع بعينها كأم الولد ولحم الأضحية، وهذا التفصيل صححه ابن الرفعة والقمولي، ونقله الأصل عن اختيار المتولي وغيره، لكن اقتصر المنهاج كأصله، والحاوي الصغير، على قوله وإن جفت الشجرة لم ينقطع الوقف. وقضيته أنه لا يصير ملكا بحال، وهو المعتمد الموافق للدليل، وكلام الجمهور على أن عوده ملكا مع القول بأنه لا يبطل الوقف، مشكل. اه. وأجاب في النهاية عن إشكاله المذكور بما حاصله: أن معنى عود ملكا أنه ينفتع به ولو باستهلاك عينه كالإحراق، ومعنى عدم بطلان الوقف أنه ما دام باقيا لا يفعل به ما يفعل بسائر الأملاك من بيع ونحوه كما مر. اه. والذي يظهر من كلامهم أن الخلف لفظي فمن عبر ببطلان الوقف وعوده ملكا. مراده به جواز الإنتفاع به بأي شئ، ولو باستهلاك عينه إلا بالبيع والهبة فلا يجوز. ومن عبر بعدم بطلانه مراده به أنه لا يتصرف فيه تصرف الأملاك مطلقا حتى بالبيع والهبة، بل يتصرف فيه بغير ذلك من إحراق ونحوه (قوله: فينتفع بعينه) أي بأي انتفاع، ولو بالاستهلاك، كما علمت (قوله: ولا يبيعه) هذا لا يظهر تفريعه على ما قبله، فكان الأولى أن يدخل عليه أداة الاستدراك بأن يقول، كما في شرح الروض، ولكن لا يبعيه، أي ولا يوهبه (قوله: ويجوز بيع حصر المسجد الخ) قال في التحفة، أي لئلا تضيع فتحصيل يسير من ثمنها يعود على الوقف أولى من ضياعها، واستثنيت من بيع الوقف، لأنها صارت كالمعدومة. اه. (قوله: بأن ذهب جمالها ونفعها) أي مع بقاء عينها، وهو تصوير لبلائها (قوله: وكانت المصلحة) أي للوقف. (وقوله: في بيعها) أي الحصر (قوله: وكذا جذوعه الخ) أي ومثل الحصر، الجذوع، فيجوز بيعها إذا انكسرت. وجذع النخلة ما بين أصلها الذي في الأرض ورأسها، كما في تفسير الخطيب، (وقوله: المنكسرة) أي أو المشرفة على الانكسار. وزاد في متن المنهاج، ولم تصلح إلا للإحراق. قال في التحفة، وخرج بقوله ولم تصلح الخ: ما إذا أمكن أن يتخذ منه نحو ألواح، فلا تباع قطعا، بل يجتهد الحاكم ويستعمله فيما هو أقرب لمقصود الواقف. قال السبكي: حتى لو أمكن استعماله بإدراجه في آلات العمارة، امتنع بيعه فيما يظهر. اه. (قوله: خلافا لجمع فيهما) أي في الحصر والجذوع صححوا

المسجد إن لم يمكن شراء حصير أو جذع به. والخلاف في الموقوفة - ولو بأن اشتراها الناظر ووقفها - بخلاف الموهوبة والمشتراة للمسجد، فتباع جزما، لمجرد الحاجة: أي المصلحة - وإن لم تبل - وكذا نحو القناديل. ولا يجوز استعمال حصر المسجد ولا فراشه في غير فرشه مطلقا - سواء كانت لحاجة أم لا - كما أفتى به شيخنا. ولو اشترى الناظر أخشابا للمسجد، أو وهبت له وقبلها الناظر: جاز بيعها لمصلحة - كأن خاف عليها نحو سرقة - لا إن كانت موقوفة من أجزاء المسجد، بل تحفظ له وجوبا. ذكره الكمال الرداد في فتاويه. ولا ينقض المسجد إلا إذا خيف على نقضه فينقض يحفظ، أو يعمر به مسجد آخر إن رآه الحاكم. والاقرب إليه أولى، ولا يعمر به ـــــــــــــــــــــــــــــ عدم جواز بيعهما بصفتهما المذكور وإدامة للوقف في عينهما، ولأنه يمكن الانتفاع بهما في طبخ جص أو آجر. قال السبكي، وقد تقوم قطعة من الجذوع مقام أجرة، كذا في المغني، وفيه أيضا، وأجاب الأول، أي القائل بصحة البيع، بأنه لا نظر إلى إمكان الانتفاع في هذه الأمور، لأن ذلك نادر لندرة اصطناع هذه الأشياء لبعض المساجد. اه. وعبارة شرح المنهج، وما ذكرته فيها، أي من عدم جواز البيع بصفتهما المذكورة، هو ما اقتضاه كلام الجمهور وصرح به الجرجاني والبغوي والروياني وغيرهم، وبه أفتيت، وصحح الشيخان تبعا للإمام أنه يجوز بيعهما لئلا يضيعا ويشتري بثمنهما مثلهما، والقول به يؤدي إلى موافقه القائلين بالاستبدال. اه. (قوله: ويصرف ثمنهما) أي الحصر والجذوع إذا بيعا (قوله: إن لم يمكن شراء حصير أو جذع به) أي بالثمن، فإن أمكن اشتري به ولا يصرف لمصالح المسجد (قوله: والخلاف) أي بين جواز البيع وعدمه، (وقوله: في الموقوفة) أي في الحصر الموقوفة أو الجذوع كذلك (قوله: ولو بأن اشتراها الناظر ووقفها) غاية في الموقوفة، أي ولو كانت الموقوفة اشتراها الناظر من غلة الوقف ووقفها على المسجد، فإن الخلاف يجري فيها أيضا (قوله: بخلاف الموهوبة الخ) أي بخلاف المملوكة للمسجد بهبة أو شراء. وهذا محترز قوله الموقوفة (قوله: والمشتراة) أي ولو من غلة الوقف حيث لم يقفها الناظر. وقوله للمسجد، متعلق بالوصفين قبله (قوله: فتباع جزما) أي بلا خلاف، وتصرف على مصالح المسجد، ولا يتعين صرفها في شراء حصر بدلها. اه. ع ش (قوله: وإن لم تبل) أي الموهوبة أو المشتراة، وهذا بالنسبة للحصر، وقياسه، بالنسبة للجذوع، أن يقال، وإن لم تنكسر (قوله: وكذا نحو القناديل) أي مثل الحصر والجذوع في التفصيل المذكور، نحو القناديل، أي فإذا كانت موقوفا على المسجد وانكسرت، جرى الخلاف فيها بين جواز البيع وعدمه، أو مملوكة، جاز بيعها جزما لمجرد المصلحة، وإن لم تنكسر، (قوله: ولو اشترى الناظر) أي من غلة الموقوف على المسجد، (وقوله: أخشابا للمسجد) أي أخشابا تحفظ وتهيأ لما يحدث في المسجد من خراب (قوله: أو وهبت) أي الأخشاب، وقوله له أي للمسجد (قوله: وقبلها الناظر) قيد في الهبة، فإن لم يقبلها الناظر لا تصح الهبة له، بخلاف الوقف له، فإنه يصح، ولو لم يقبل الناظر، كما مر (قوله: جاز بيعها) أي الأخشاب التي اشتراها الناظر أو وهبت له (قوله: لمصلحة) أي تعود للمسجد (قوله: كأن خاف الخ) تمثيل للمصلحة (قوله: لا إن كانت موقوفة) أي فلا يجوز بيعها. (وقوله: من أجزاء المسجد) أي من جملة أجزائه الموقوفة (قوله: بل تحفظ) إضراب من مقدر، أي فلا يجوز بيعها بل تحفظ له وجوبا، وهذا مفروض في أخشاب سليمة لم يسقف بها المسجد، بل وقفت لتسقيف المسجد بها إذا خرب أو زادت من عمارة المسجد، فلا ينافي ما مر في الجذوع المنكسرة من جريان الخلاف فيها بين جواز البيع وعدمه (قوله: ولا ينقض المسجد) أي المنهدم المتقدم ذكره في قوله فلو انهدم مسجد. ومثل المنهدم: المتعطل. (والحاصل) أن هذا المسجد الذي قد انهدم، أي أو تعطل بتعطيل أهل البلد له، كما مر، لا ينقض، أي لا يبطل بناؤه بحيث يتمم هدمه في صورة المسجد المنهدم، أو يهدم من أصله في صورة المتعطل، بل يبقى على حاله من الانهدام أو التعطيل، وذلك لإمكان الصلاة فيه وهو بهذه الحالة ولإمكان عوده كما كان (قوله: إلا إذا خيف على نقضه) هو بكسر النون أو ضمها بمعنى منقوضه من الحجارة والأخشاب، وعبارة المصباح، نقضت البناء نقضا من باب قتل،

غير جنسه كرباط وبئر - كالعكس - إلا إذا تعذر جنسه. والذي يتجه ترجيحه في ريع وقف المنهدم، أنه إن توقع عوده: حفظ له، وإلا صرف لمسجد آخر. فإن تعذر: صرف للفقراء، كما يصرف النقض لنحو رباط. (وسئل) شيخنا عما إذا عمر مسجد بآلات جدد، وبقيت آلاته القديمة: فهل يجوز عمارة مسجد آخر قديم بها أو تباع ويحفظ ثمنها؟ (فأجاب) بأنه يجوز عمارة مسجد قديم وحادث بها حيث قطع بعدم احتياج ما هي منه إليها قبل فنائها، ـــــــــــــــــــــــــــــ والنقض مثل قفل وحمل بمعنى المنقوض واقتصر الأزهري على الضم، قال: النقض اسم البناء المنقوض إذا هدم، وبعضهم يتقصر على الكسر ويمنع الضم، والجمع نقوض. اه. وقوله فينقض، أي يبطل بناؤه بالحيثية السابقة. وقوله ويحفظ، أي نقضه. وقوله أو يعمر به، أي بالنقض. وقوله إن رآه الحاكم، أي رأى تعمير مسجد آخر به أصلح (قوله: والأقرب إليه أولى) أي وعمارة المسجد الأقرب إلى المنهدم أولى من غير الأقرب. قال ع ش: وبقي ما لو كان ثم مساجد متعددة واستوى قربه من الجميع، هل يوزع على الجميع أو يقدم الأحوج؟ فيه نظر. والأقرب الثاني، فلو استوت الحاجة والقرب، جاز صرفه لواحد منها. اه. (قوله: ولا يعمر به غير جنسه) أي ولا يعمر بالنقض ما هو من غير جنس المسجد. وقوله كرباط وبئر، تمثيل لغير جنس المسجد، وقوله كالعكس: هو أن لا يعمر بنقض الرباط والبئر غير الجنس كالمسجد (قوله: إلا إذا تعذر جنسه) أي فإنه يعمر به غير الجنس (قوله: والذي يتجه ترجيحه الخ) في سم ما نصه، الذي اعتمده شيخنا الشهاب الرملي أنه إن توقع عوده حفظ، وإلا صرفه لأقرب المساجد، وإلا فللأقرب إلى الواقف، وإلا فللفقراء والمساكين أو مصالح المسلمين. وحمل اختلافهم على ذلك. اه. (واعلم) أن الوقف على المسجد إذا لم يذكر له مصرف آخر بعد المسجد من منقطع الآخر، كما قال في الروض، وإن وقفها، أي الدار على المسجد صح، ولو لم يبين المصرف وكان منقطع الآخر إن اقتصر عليه ويصرف في مصالحه اه. وقد تقرر في منقطع الآخر أنه يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف، فقولهم هنا إنه إذا لم يتوقع عوده يصرف إلى مسجد آخر أو أقرب المساجد، يكون مستثنى من ذلك. فليتأمل. اه. (وقوله: وقف المنهدم) أي في الموقوف على المسجد المنهدم. قال في التحفة: أما غير المنهدم فما فضل من غلة الموقوف على مصالحه فيشتري له بها عقار ويوقف عليه، بخلاف الموقوف على عمارته يجب ادخاره لأجلها، أي إن توقعت عن قرب. اه. وقوله أنه، أي المنهدم. وقوله إن توقع عوده، أي ترجى أنه يعود ويعمر كما كان. وقوله حفظ، أي الريع، وهو جواب إن. وقوله له، أي للمنهدم بعد عوده (قوله: وإلا) أي وإن لم يتوقع عوده، وقوله صرف، أي ذلك الريع. وقوله لمسجد آخر، والأقرب أولى، كما علمت، (قوله: فإن تعذر) أي صرفه لمسجد آخر (قوله: صرف للفقراء) أي فقراء محل المسجد المنهدم (قوله: كما يصرف النقض لنحو رباط) أي كما يصرف نقض المسجد إذا تعذر تعمير مسجد آخر لنحو رباط كبئر، والتشبيه في كون الريع صرف لغير الجنس عند تعذر صرفه للجنس (قوله: وسئل شيخنا عما إذا عمر مسجد) ما واقعة على مسجد، وحينئذ فكان الأولى حذف قوله مسجد، لأنه على ثبوته يصير المعنى سئل عن المسجد الذي إذا عمر مسجد، وفيه ركاكة لا تخفى. وفي بعض النسخ عما إذا عمر مسجدا، بنصب مسجدا، وعليه فيلزم وقوع ما، على من يعقل، ويلزم جعل السؤال عن الشخص، لا عن المسجد، فلو قال عن مسجد عمر بآلات الخ، لكان أولى وأخصر. وتقدم أن عمر، في مثل هذا المحل، يقرأ بالتخفيف من العمارة، بخلافه في مثل عمر فلان، فهو بالتشديد، من التعمير في السن، بمعنى طول الأجل، فلا تغفل (قوله: بآلات جدد) أي لعمارة المسجد، وهي كالخشب والحجر والحديد (قوله: وبقيت آلاته القديمة) أي لم يعمر بها (قوله: فهل يجوز عمارة مسجد آخر قديم بها) أي بآلات المسجد الأول القديمة (قوله: أو تباع) أي تلك الآلات (قوله: ويحفظ ثمنها) أي للمسجد الذي كانت تلك الآلات فيه (قوله: فأجاب) أي شيخه (قوله: بأنه) أي الحال والشأن، (وقوله: يجوز عمارة مسجد قديم) أي قد خرب، (وقوله: وحادث) أي بأن

ولا يجوز بيعه بوجه من الوجوه. انتهى. ونقل نحو حصير المسجد وقناديله كنقل آلته. ويصرف ريع الموقوف على المسجد مطلقا، أو على عمارته في البناء - ولو لمنارته - وفي التجصيص المحكم والسلم، وفي أجرة القيم - لا المؤذن والامام والحصر والدهن، إلا إن كان الوقف لمصالحه، فيصرف في ذلك - لا في التزويق والنقش - وما ذكرته - من أنه لا يصرف للمؤذن والامام في الوقف المطلق - هو مقتضى ما نقله النووي في الروضة عن البغوي، لكنه نقل بعده عن فتاوي الغزالي أنه يصرف لهما، وهو الاوجه - كما في الوقف على مصالحه - ولو وقف على دهن لاسراج المسجد به أسرج كل الليل إن لم يكن مغلقا مهجورا. وأفتى ابن عبد السلام بجواز إيقاد اليسير من المصابيح فيه ليلا - احتراما - مع خلوه من الناس، واعتمده جمع. وجزم في الروضة بحرمة إسراج الخالي. قال في المجموع: يحرم أخذ شئ من زيته وشمعه - كحصاه وترابه -. ـــــــــــــــــــــــــــــ ينشأ بتلك الآلات مسجد (وقوله: بها) أي بآلات المسجد الذي كانت فيه (قوله: حيث الخ) قيد في الجواز، فإذا فقد، بأن احتيج إلى تلك الآلات قبل فنائها لعمارة المسجد الذي كانت فيه لا يجوز عمارة مسجد آخر بها (قوله: بعدم احتياج ما هي منه) أي بعدم احتياج المسجد الذي هي، أي تلك الآلات، منه. وقوله إليها، أي إلى الآلات، وهو متعلق باحتياج. وقوله قبل فنائها أي الآلات وهو متعلق أيضا باحتياج (قوله: ولا يجوز بيعه) الأولى بيعها بتأنيث الضمير العائد إلى الآلات (قوله: ونقل) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده. (وقوله: نحو حصير المسجد) أي كفرشه غير الحصير. (وقوله: كنقل آلاته) أي في أنه إن لم يحتج المسجد إليه جاز نقله إلى مسجد آخر، وإلا فلا يجوز. وتقدم آنفا أنه يجوز بيع نحو الحصر الموقوفة إذا بليت وكانت المصلحة في بيعها. وخالف جمع في ذلك، وأن المملوكة يجوز بيعها لمصلحة مطلقا (قوله: ويصرف ريع الموقوف على المسجد مطلقا) أي وقفا مطلقا، أي من غير تقييد بكونه لعمارته (قوله: أو علي عمارته) معطوف على قوله على المسجد، أي ويصرف ريع الموقوف على عمارته (قوله: في البناء) متعلق بيصرف. (وقوله: ولو لمنارته) أي ولو كان البناء لمنارته. (وقوله: وفي التجصيص) معطوف على قوله في البناء، أي ويصرف في التجصيص، ومنه البياض المعروف (قوله: والسلم) أي وفي السلم، أي الذي يحتاج إليه في المسجد (وقوله: وفي أجرة القيم) أي لأنه يحفظ العمارة (قوله: لا المؤذن الخ) أي لا يصرف لهذه المذكورات (قوله: إلا إن كان الوقف لمصالحه) أي إلا إن كان الوقف كائنا على مصالح المسجد، والاستثناء منقطع، إذ المستثنى منه ريع الموقوف على المسجد مطلقا، أو مقيدا بالعمارة، والمسنثنى الوقف على المصالح (قوله: فيصرف) أي ريعه، (وقوله: في ذلك) أي المذكورة من المؤذن والإمام والحصر والدهن، وذلك لأنها من المصال (قوله: لا في التزويق والنقش) أي لا يصرف فيهما، بل لو وقف عليهما ما يصح، لأنه منهي عنه (قوله: وما ذكرته) مبتدأ، خبره قوله هو مقتضى إلخ. (وقوله: من أنه) بيان لما، وضمير أنه يعود على الربيع (قوله: لكنه) أي النووي (قوله: نقل بعده) أي بعد نقله عن البغوي (قوله: إنه يصرف لهما) أي المؤذن والإمام. قال في النهاية: ويتجه إلحاق الحصر والدهن بهما. اه. (قوله: كما في الوقف على مصالحه) أي وكما في نظيره من الوصية للمسجد. (قوله: ولو وقف على دهن إلخ) مثله في الروض وشرحه ونصهما، فلو وقف على دهن لإسراج المسجد به أسرج كل الليل إن لم يكن مغلقا مهجورا بأن ينتفع به من مصل ونائم وغيرهما، لأنه أنيط له، فإن كان مغلقا مهجورا لم يسرج، لأنه إضاعة مال. اه. (وقوله: لم يسرج) أي رأسا ولا في جزء من الليل، بدليل العلة بعده (قوله: وأفتى الخ) مخالف لما قبله (قوله: فيه) أي المسجد. وقوله ليلا أما نهارا فيحرم مطلقا للإسراف ولما فيه من التشبه بالنصارى (قوله: احتراما) أي تعظيما للمسجد (قوله: مع خلوه) متعلق بجواز (قوله: وجزم في الروضة بحرمة إسراج الخالي) أي مطلقا، فهو مؤيد لما قبل إفتاء ابن عبد السلام، وعبارة التحفة، وفي الروضة يحرم إسراج الخالي، وجمع بحمل هذا على ما إذا أسرج من وقف المسجد أو ملكه، والأول على ما إذا تبرع به من يصح تبرعه، وفيه نظر، لأنه إضاعة مال، بل الذي يتجه الجمع بحمل الأول على ما إذا توقع ولو على ندور احتياج

(فرع) ثمر الشجر النابت بالمقبرة المباحة مباح وصرفه لمصالحها أولى، وثمر المغروس في المسجد ملكه إن غرس له، فيصرف لمصالحه. وإن غرس ليوءكل أو جهل الحال فمباح. وفي الانوار: ليس للامام إذا اندرست مقبرة ولم يبق بها أثر: إجارتها للزراعة - أي مثلا - وصرف غلتها للمصالح وحمل على الموقوفة: فالمملوكة لمالكها إن عرف، وإلا فمال ضائع: أي إن أيس من معرفته يعمل فيه الامام بالمصلحة، وكذا المجهولة. (وسئل) العلامة الطنبداوي في شجرة نبتت بمقبرة مسبلة ولم يكن لها ثمر ينتفع به إلا أن بها أخشابا كثيرة ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد لما فيه من النور، والثاني على ما إذا لم يتوقع ذلك. اه (قوله: يحرم أخذ شئ من زيته وشمعه) أي للمسجد، أي المختص به، بأن يكون موقوفا عليه أو مملوكا له بهبة أو شراء من ريع موقوف على مصالحه وإذا أخذ منه ذلك وجب رده. (وقوله: كحصاة وترابه) أي كما يحرم أخذ حصي المسجد وترابه. قال النووي في إيضاحه: ولا يجوز أخذ شئ من طيب الكعبة لا للتبرك ولا لغيره، ومن أخذ شيئا من ذلك لزمه رده إليها، فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده فمسحها به ثم أخذه. اه (قوله: ثمر الشجر النابت بالمقبرة المباحة) أي لدفن المسلمين فيها بأن كانت موقوفة أو مسبلة لذلك. وخرج بها: المملوكة، فإن ثمر الشجر النابت فيها مملوك أيضا، وقوله مباح، خبر ثمر، أي فيجوز لكل أحد الأكل منه (قوله: وصرفه) أي الثمر. (وقوله: لمصالحها) أي المقبرة كتعميرها. (وقوله: أولى) أي من تبقيته للناس، وعبارة الروض وشرحه، ولو نبتت شجرة بمقبرة فثمرتها مباحة للناس تبعا للمقبرة، وصرفها إلى مصالح المقبرة أولى من تبقيتها للناس، لا ثمرة شجرة غرست للمسجد فيه، فليست مباحة بلا عوض، بل يصرف الإمام عوضها لمصالحه، أي للمسجد، وتقييده بالإمام من زيادته، وظاهر أن محله إذا لم يكن ناظر خاص، وإنما خرجت الشجرة عن ملك غارسها هنا بلا لفظ، كما اقتضاه كلامهم، للقرينة الظاهرة. وخرج بغرسها للمسجد، غرسها مسبلة للأكل، فيجوز أكلها بلا عوض، وكذا إن جهلت نيته حيث جرت العادة به. اه (قوله: وثمر المغروس) أي الشجر المغروس في المسجد. وقوله ملكه، أي المسجد بمعنى أنه يصرف في مصالحه، كما يفيده التفريع بعده، وليس مباحا للناس (قوله: إن غرس له) أي للمسجد بقصده لا للناس (قوله: فيصرف) أي الثمر، وهو تفريع على كونه ملكه (قوله: وإن غرس) أي الشجر. وقوله ليؤكل، أي الشجر، وهو على حذف مضاف، أي ثمره. والمراد غرس بقصد إباحته للناس (قوله: أو جهل الحال) أي لم يدر، هل هو غرس للمسجد أو ليؤكل؟ (قوله: فمباح) أي فثمره مباح، لأنه الظاهر في الصورة الجهل، أنه إنما غرس لعموم المسلمين (قوله: ليس للإمام الخ) أي فيحرم عليه ذلك. (وقوله: إذا اندرست مقبرة) أي بليت وخفيت آثارها. قال في المصباح: درس المنزل دروسا، عفا وخفيت آثاره، اه. وحنيئذ فقوله بعد ولم يبق بها أثر، تفسير له (قوله: إجارتها) اسم ليس مؤخر. وقوله أي مثلا، راجع للزراعة، أي أو للبناء فيها (قوله: وصرف غلتها) عطف على إجارتها، أي وليس له صرف غلتها. (وقوله: للمصالح): أي مصالح المسلمين (قوله: وحمل) أي ما في الأنوار، (وقوله: على الموقوفة) أي على المقبرة الموقوفة لدفن الأموات فيها (قوله: فالمملوكة لمالكها) أي فأما المقبرة المملوكة فأمرها مفوض لمالكها إن عرف، فيجوز له أن يتصرف فيها بإجارة وبإعارة وبغير ذلك، لأنها ملكه (قوله: وإلا) أي وإن لم يعرف (قوله: فمال ضائع) أي فهي كالمال الضائع. (وقوله: أي إن أيس من معرفته) الأولى حذف أي التفسيرية، كما مر في مثل هذا، (قوله: يعمل فيه الإمام بالمصلحة) بيان لحكم المال الضائع، أي أن حكم المال الضائع أن الإمام يعمل فيه بالمصلحة (قوله: وكذا المجهولة) أي مثل المملوكة التي أيس من معرفة مالكها المقبرة المجهولة، أي التي لا يدري أنها مملوكة أو موقوفة، فإنها كالمال الضائع (قوله: وسئل العلامة الطنبداوي في شجرة نبتت بمقبرة الخ) لم يتعرض للشجرة النابتة في المسجد، وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس عما يوجد من الأشجار في المساجد ولم يعرف، هل هو وقف أو لا؟ ماذا يفعل فيه إذا جف؟ والجواب أن الظاهر من غرسه في المسجد أنه موقوف، لما صرحوا به في الصلح من أن محل

تصلح للبناء، ولم يكن لها ناظر خاص، فهل للناظر العام - أي القاضي - بيعها وقطعها وصرف قيمتها إلى مصالح المسلمين؟. (فأجاب) نعم: للقاضي في المقبرة العامة المسبلة بيعها وصرف ثمنها في مصالح المسلمين، كثمر الشجرة التي لها ثمر، فإن صرفها في مصالح المقبرة أولى. هذا عند سقوطها بنحو ريح. وأما قطعها مع سلامتها فيظهر إبقاوها للرفق بالزائر والمشيع. (ولو شرط واقف نظرا له) أي لنفسه (أو لغيره اتبع) كسائر شروطه. وقبول من شرط له النظر: كقبول الوكيل - على الاوجه - وليس له عزل من شرط نظره حال الوقف - ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ جواز غرس الشجر في المسجد إذا غرسه لعموم المسلمين، وانه لو غرسه لنفسه لم يجز، وإن لم يضر بالمسجد، وحيث عمل على أنه لعموم المسلمين فيحتمل جواز بيعه وصرف ثمنه على مصالح المسلمين، وإن لم يمكن الانتفاع به جافا، ويحتمل وجوب صرف ثمنه لمصالح المسجد خاصة، ولعل هذا الثاني أقرب، لأن واقفه إن وقفه مطلقا وقلنا بصرف ثمنه لمصالح المسلمين، فالمسجد منها، وإن كان وقفه على خصوص المسجد، امتنع صرفه لغيره. فعلى التقديرين جواز صرفه لمصالح المسجد محقق، بخلاف صرفه لمصالح غيره مشكوك في جوازه، فيترك لأجل المحقق. اه (قوله: نبتت بمقبرة مسبلة) أي غير مملوكة (قوله: ولم يكن لها ثمر ينتفع به) خرج به ما إذا كان لها ذلك فإنه لا يجوز قطعها وبيعها (قوله: إلا أن بها) أي بالشجرة. (وقوله: أخشابا كثيرة) أي فروعا كثيرة، (وقوله: تصلح) أي تلك الأخشاب. (وقوله: للبناء) أي بتلك الأخشاب بأن توضع سقفا للبنيان (قوله: ولم يكن لها) أي للمقبرة (قوله: أي القاضي) تفسير للناظر العام، وكان الأولى أن يقول، أي الإمام أو نائبه وهو القاضي (قوله: فأجاب) أي العلامة الطنبداوي (قوله: نعم للقاضي في المقبرة العامة) أي في شجرتها النابتة فيها. وقوله بيعها، أي تلك الشجرة (قوله: وصرف ثمنها في مصالح المسلمين) في بعض نسخ الخط في مصالح المقبرة، وعليه يكون مكررا مع قوله بعد فإن صرفها في مصالح المقبرة أولى، فما في النسخ التي بأيدينا أولى (قوله: كثمرة الشجرة التي لها ثمر) أي فإن للقاضي بيعه وصرف ثمنه في مصالح المسلمين على ما في النسخة التي بأيدينا، أو في مصالح المقبرة على ما في بعض النسخ (قوله: فإن صرفها في مصالح المقبرة أولى) الظاهر أن إن شرطية، وأولى خبر لمبتدأ محذوف، والجملة من المبتدأ المحذوف والخبر جواب الشرط، والأولى تذكير الضمير من صرفها، لأن مرجعه مذكر، وهو الثمن، ويوجد في بعض نسخ الخط، وإن صرفها، بواو العطف، وعليه تكون إن هي الناصبة للإسم، الرافعة للخبر، والجملة معطوفة على جملة وصرف ثمنها في مصالح المسلمين (قوله: هذا) أي ما ذكر من جواز بيعها، وصرف ثمنها، (وقوله: عند سقوطها) أي الشجرة النابتة في المقبرة. (وقوله: بنحو ريح) أي كسيل (قوله: وأما قطعها الخ) محترز قوله عند سقوطها بنحو ريح، وهو في الحقيقة جواب الطرف الثاني من قول السائل، وما قبله جواب الطرف الأول منه وقوله مع سلامتها، أي الشجرة أي عدم سقوطها (قوله: فيظهر إبقاؤها) أي الشجرة، وهو جواب أما (قوله: للرفق الخ) أي لنفع الزائر للقبور والمشيع للجنازة بظلها (قوله: ولو شرط واقف إلخ) شروع في بيان النظر على الوقف وشروط الناظر (قوله: نظرا له) مفعول شرط، أي شرط في صيغة الوقف النظر لنفسه أو لغيره (قوله: اتبع) أي شرطه، أي عمل به، وذلك لخبر البيهقي المسلمون عند شروطهم ولما روي أن سيدنا عمر رضي الله عنه ولي أمر صدقته، ثم جعله لحفصة ما عاشت، ثم لأولى الرأي من أهلها (قوله: كسائر شروطه) أي الواقف، فإنها تتبع ويعمل بها، كما تقدم ذلك (قوله: وقبول) مبتدأ خبره الجار والمجرور، أي وقبول الناظر الذي شرط الواقف له النظر كائن كقبول الوكيل، أي في أنه لا يشترط فيه التلفظ، بل عدم الرد فقط. وعبارة الروض وشرحه: ولقبوله، أي المشروط له النظر، حكم قبول الوكيل بجامع اشتراكهما في التصرف، وفي جواز الامتناع منهما بعد قبولهما ولا يشترط قبوله لفظا. اه. قال سم: وظاهر أن من لم يشرط له النظر، بل فوضه إليه الواقف حيث كان له النظر أو الحاكم حكم قوله كقبول الوكيل أيضا، وإنما خص من شرط له النظر، لئلا يتوهم أنه كالموقوف عليه المعين، كما أشار

لمصلحة - (وإلا) يشرط لاحد (فهو لقاض) أي قاضي بلد الموقوف بالنسبة لحفظه وإجارته، وقاضي بلد الموقوف عليه بالنسبة لما عدا ذلك على المذهب: لانه صاحب النظر العام، فكان أولى من غيره، ولو واقفا أو موقوفا عليه. وجزم الخوارزمي بثبوته للواقف وذريته بلا شرط ضعيف. قال السبكي: ليس للقاضي أخذ ما شرط للناظر إلا أن صرح الواقف بنظره كما أنه ليس له أخذ شئ من سهم عامل الزكاة قال ابنه التاج: ومحله في قاض له قدر كفايته. وبحث بعضهم أنه لو خشي من القاضي أكل الوقف لجوره جاز لمن هو بيده صرفه في مصارفه: أي إن عرفها، وإلافوضه لفقيه عارف بها أو سأله وصرفها. وشرط الناظر - واقفا كان أو غيره - العدالة، ـــــــــــــــــــــــــــــ له بقوله بعد، لا الموقوف عليه. اه (قوله: على الأوجه) مقابله يقول إنه كقبول الموقوف عليه المعين، فيشترط القبول لفظا فورا. وعبارة التحفة، كقبول الوكيل على الأوجه، لا الموقوف عليه، إلا أن يشرط له شئ من مال الوقف على ما بحث. اه. (قوله: وليس له عزل الخ) أي ليس للواقف أن يعزل من شرط النظر له حالة الوقف. ومثل شرط النظر، شرط التدريس حالة الوقف. قال في التحفة، بأن يقول وقفت هذا مدرسة، بشرط أن فلانا ناظرها أو مدرسها، وإن نازع فيه الأسنوي، فليس له كغيره عزله من غير سبب يخل بنظره، لأنه لا نظر له بعد شرطه لغيره، ومن ثم لو عزل المشروط له نفسه لم ينصب له بدله إلا الحاكم. اه (قوله: ولو لمصلحة) غاية في عدم جواز عزله، أي لا يجوز عزله، ولو كان لمصلحة (قوله: وإلا يشترط لأحد) أي وإن لا يشترط الواقف النظر لأحد. قال ع ش: بأن لم يعلم شرطه لأحد، سواء علم عدم شرطه أو جهل الحال. اه (قوله: فهو) أي النظر لقاض، والجملة جواب إن الشرطية المدغمة في لا النافية (قوله: بالنسبة لحفظه وإجارته) قال البجيرمي: أي ونحوهما. اه. وانظر ما هو هذا النحو؟ ولعله العمارة والترميم، وقوله لما عدا ذلك، أي الحفظ والإجارة، وذلك كتحصيل الغلة وقسمتها على مستحقيها وتنميته، كما في مال اليتيم، قال البيجيرمي: وليس لأحد القاضيين فعل ما ليس له. قاله شيخنا. اه. (قوله: على المذهب) مرتبط بالمتن، أي فهو لقاض على المذهب، ومقابل المذهب يقول إن النظر مرتب على أقوال الملك، أي فإن قيل إن الملك في الموقوف للواقف، كان النظر له، أو للموقوف عليه كان النظر له، وإن قيل لله تعالى، كان النظر للقاضي (قوله: لأنه الخ) تعليل لكونه للقاضي على المذهب، أي وإنما كان النظر للقاضي على المذهب إذا لم يشرط لأحد، لأنه صاحب النظر العام، (وقوله: فكان) أي القاضي، (وقوله: أولى من غيره) أي أحق بالنظر من غيره (قوله: ولو واقفا) أي ولو كان ذلك الغير واقفا (قوله: وجزم الخوارزمي) مبتدأ خبره ضعيف، وعبارة التحفة: وجزم الماوردي بثبوته للواقف بلا شرط في مسجد المحلة، والخوارزمي في سائر المساجد. وزاد أن ذريته مثله ضعيف. اه (قوله: قال السبكي ليس للقاضي أخذ ما شرط للناظر) أي ليس للقاضي أن يأخذ ما شرطه الواقف للناظر من الغلة فيما إذا فسق الناظر مثلا وانتقل النظر للقاضي (قوله: إلا أن صرح الواقف بنظره) أي إلا أن صرح الواقف في حال الوقف بأن النظر يكون للقاضي، فإنه يصح له أخذ ما شرط للنظر (قوله: كما أنه ليس الخ) الكاف للتنظير، أي نظير أنه ليس للقاضي أخذ شئ من سهم عامل الزكاة، وذلك لأن رزق القاضي في سهم المصالح (قوله: قال ابنه) أي السبكي. وقوله ومحله، أي محل عدم جواز أخذ ما شرط للناظر إذا لم يصرح الواقف بالنظر له. وقوله في قاض له قدر كفايته: أي من بيت مال المسلمين (قوله: ويحث بعضهم أنه) أي الحال والشأن. وقوله لو خشي، بالبناء للمجهول، أي خيف وقوله أكل الوقف، أي غلته، وقوله لجوره، أي القاضي، أي خيف منه ذلك لكونه جائرا، أي ظالما (قوله: جاز الخ) جواب لو. وقوله لمن هو بيده، أي للشخص الذي ذلك الوقف تحت يده، وقوله صرفه، أي الوقف، وهو فاعل جاز، وقوله في مصارفه، أي الوقف كالفقراء (قوله: إن عرفها) أي إن عرف من هو تحت يده مصارفه (قوله: وإلا) أي وإن لم يعرفها (قوله: فوضه) أي الصرف. وقوله الفقيه عارف بها، أي بالمصارف (قوله: أو سأله) أي سأل الفقيه العارف بها عن المصارف. وقوله وصرفها، الأولى وصرفه، لأن الضمير عائد على الوقف، ويحتمل أن المراد وصرفها، أي غلته المعلومة من المقام (قوله: وشرط الناظر الخ) لم يبين وظيفته، وكان حقه أن يبينها كما بين الشروط.

والاهتداء إلى التصرف المفوض إليه. ويجوز للناظر ما شرط له من الاجرة وإن زاد على أجرة مثله، ما لم يكن الواقف. فإن لم يشرط له شئ فلا أجرة له. نعم: له رفع الامر إلى الحاكم ليقرر له الاقل من نفقته وأجرة مثله - كولي اليتيم - وأفتى ابن الصباغ بأن له الاستقلال بذلك من غير حاكم وينعزل الناظر بالفسق، فيكون النظر للحاكم. وللواقف عزل من ولاه ونصب غيره، إلا إن شرط نظره حال الوقف. ـــــــــــــــــــــــــــــ (والحاصل) أن وظيفته عمارة وإجارة وحفظ أصل وهو الموقوف وغلة وهي الأجرة التي تستغل منه وجمعها وقسمتها على مستحقيها، فإن فوض له بعض هذه الأمور، لم يتجاوزه. ونفقة الموقوف ومؤنة تجهيزه إذا كان عبدا وعمارته من حيث شرطها الواقف من ماله أو مال الوقف، وإلا فمن منافع الموقوف، ككسب العبد، وغلة العقار، فإذا انقطعت منافعه، فالنفقة ومؤنة التجهيز من بيت المال، صيانة لروحه في الأولى، ولحرمته في الثانية. أما العمارة: فلا تجب في بيت المال (قوله: واقفا كان) أي الناظر. وقوله أو غيره، أي غير واقف، وفي حاشية الجمل ما نصه: إطلاق المصنف يتناول الأعمى والبصير. اه. زي. ويتناول المرأة أيضا. اه (قوله: العدالة) قال البجيرمي نقلا عن شيخه: محل اشتراطها ما لم يكن الناظر القاضي، وإلا فلا يشترط عدالته، لأن تصرفه بالولاية العامة. وأما منصوبه فلا بد فيه من العدالة. اه. وبحث بعضهم اشتراط العدالة الباطنة في منصوب القاضي والإكتفاء بالظاهرية فيمن شرطه الواقف أو استنابه. اه. واعتمد م ر وابن حجر اعتبار العدالة الباطنية في الجميع، حتى الواقف إذا شرط النظر لنفسه. اه. والعدالة الباطنة هي التي يرجع فيها إلى قول المزكين، والظاهرة هي التي لم يعرف لصاحبها مفسق (قوله: والاهتداء إلى التصرف) أي القوة والقدرة على التصرف فيما هو ناظر فيه. (تنبيه) عبر في المنهج بالكفاية بدل الاهتداء وجمع في المنهاج بينهما فقال: وشرطه الكفاية والاهتداء إلى التصرف. وكتب الخطيب في مغنيه الكفاية فسرها في الذخائر بقوة الشخص وقدرته على التصرف فيما هو ناظر فيه، ثم قال: وفي ذكر الكفاية كفاية عن قوله والاهتداء إلى التصرف، ولذلك حذفه من الروضة كأصلها، وحينئذ فعطف الاهتداء على الكفاية من عطف التفسير. اه. (وقوله: المفوض إليه) صفة للتصرف، والضمير يعود على الناظر، أي التصرف الذي فوضه الواقف إلى الناظر (قوله: ويجوز للناظر ما شرط له) أي أخذ ما شرط له، (وقوله: من الأجرة) بيان لما (قوله: وإن زاد) أي ما شرط له، وهو غاية للجواز (قوله: ما لم يكن الواقف) أي ما لم يكن الناظر هو الوقف، وهو قيد في الغاية أي أن جواز أخذ الزائد ما لم يكن الناظر هو الواقف، فإن كان هو فلا يجوز أن يأخذ إلا أجرة المثل أو أقل، وفي الروض وشرحه، وللناظر من غلة الوقف ما شرطه الواقف وإن زاد على أجرة المثل وكان ذلك أجرة عمله. نعم، إن شرطه لنفسه تقيد ذلك بأجرة المثل، كما مر، فإن عمل بلا شرط فلا شئ له. اه (فإن لم يشرط له) أي للناطر، (وقوله: فلا أجرة له) أي لأنه إنما عمل مجانا (قوله: نعم الخ) استثناء من عدم ثبوت أجرة له إذا لم يشرط له شئ: أي لا يثبت له أجرة إلا إن رفع الأمر إلى الحاكم وطلب منه أن يقرر له الأقل من نفقته أو أجرة مثله، فإنه إذا قرره فيه يستحقه ويثبت له (قوله: كولي اليتيم) أي فإنه إذا تبرع بحفظ مال الطفل ورفع الأمر إلى القاضي ليثبت له أجرة فإنه يستحقها إذا قررها له (قوله: وأفتى ابن الصباغ بأن له) أي للناظر، (وقوله: الاستقلال بذلك) أي بأخذ الأقل من نفقته وأجرة مثله (قوله: وينعزل الناظر بالفسق) عبارة النهاية: وعند زوال الأهلية يكون النظر للحاكم، كما رجحه السبكي، لا لمن بعده من الأهل بشرط الواقف، خلافا لابن الرفعة، لأنه لم يجعل للمتأخر نظر إلا بعد فقد المتقدم، فلا سبب لنظره بغير فقده، وبهذا فارق انتقال ولاية النكاح للأبعد بفسق الأقرب لوجود السبب فيه، وهو القرابة. اه (قوله: وللواقف) أي يجوز للواقف عزل الناظر الذي ولاه النظر كالموكل، فإنه يجوز له عزل وكيله. (تنبيه) قال في المغني: قد يقتضي كلامه أن له العزل بلا سبب، وبه صرح السبكي في فتاويه، فقال إنه يجوز للواقف وللناظر الذي من جهته عزل المدرس ونحوه إذا لم يكن مشروطا في الوقف لمصلحة ولغير مصلحة، لأنه كالوكيل

(تتمة) لو طلب المستحقون من الناظر كتاب الوقف ليكتبوا منه نسخة حفظا لاستحقاقهم: لزمه تمكينهم - كما أفتى به بعضهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ المأذون له في إسكان هذه الدار لفقير، فله أن يسكنها من شاء من الفقير، وإذا سكنها الفقير مدة فله أن يخرجه ويسكن غيره لمصلحة ولغير مصلحة، وليس تعينه لذلك يصير كأنه مراد الواقف حتى يمتنع تغييره. اه (قوله: إلا إن شرط نظره حال الوقف) أي فلا يعزله، وقد تقدم الكلام عليه (قوله: كتاب الوقف) أي الكتاب المكتوب فيه وقفية الشئ المكتوب، وهو المسمى عند أهل الحجاز بالحجة. (خاتمة) نسأل الله حسن الختام. في الدميري في آخر كتاب الوقف ما نصه: قال الشيخ السكبي قال لي ابن الرفعة أفتيت ببطلان وقف خزانة كتب وقفها واقفها لتكون في مكان معين في مدرسة الصلاحية، لأن ذلك المكان مستحق لغير تلك المنفعة. قال الشيخ: ونظيره إحداث منبر في مسجد لم يكن فيه جمعة فلا يجوز، وكذا إحداث كرسي مصحف مؤبد يقرأ فيه، كما يفعل بالجامع الأزهر، فلا يصح وقفه، ويجب إخراجه من المسجد، لما تقرر من استحقاق تلك المنفعة لغير هذه الجهة. والعجب من قضاة يثبتون وقف ذلك شرعا * (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * (1). اه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ (1) سورة الكهف، الاية: 104.

باب في الإقرار

باب في الإقرار هو لغة الاثبات، وشرعا إخبار الشخص بحق عليه. ويسمى اعترافا (يؤاخذ بإقرار مكلف مختار) فلا ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في الإقرار أي في بيان أحكام الإقرار، من كونه لا يصح الرجوع عنه إذا كان لحق آدمي. والأصل فيه قبل الإجماع، قوله تعالى: * (أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري؟) * أي عهدي، * (قالوا أقررنا) * (1) وقوله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) * (2) وفسرت شهادة المرء على نفسه بالإقرار، وقوله تعالى: * (وليملل الذي عليه الحق) * إلى قوله * (فليملل وليه بالعدل) * (3) أي فليقر بالحق، دل أوله على صحة إقرار الرشيد على نفسه، وآخره على صحة إقرار الولي على موليه، وخبر الصحيحين اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فذهب إليها، فاعترفت، فرجمها وأجمعت الأمة على المؤاخذة به. وأركانه أربعة: مقر، ومقر له، ومقر به، وصيغة. وشرط فيها لفظ يشعر بالالتزام، وفي معناه الكتابة مع النية وإشارة الأخرس المفهمة، كلزيد علي أو عندي كذا، فلو حذف علي أو عندي لم يكن إقرارا، كما سيأتي، وشرط في المقر له أن يكون معينا نوع تعيين، بحيث يتوقع منه الدعوى والطلب، حتى لو قال لأحد هؤلاء الثلاثة علي كذا، صح إقراره، بخلاف ما لو قال لواحد من أهل البلد علي كذا، وأن يكون أهلا لاستحقاق في المقر به ولصحة إسناده إليه. فلو قال لهذه الدابة علي كذا لم يصح، لأنها ليست أهلا لذلك، إلا إن قال علي بسببها لفلان كذا حملا على أنه جنى عليها أو استعملها تعديا أو اكتراها من مالكها. ومحل البطلان في الدابة المملوكة، بخلاف غيرها، كالخيل المسبلة، فالأشبه، كما قاله الأذرعي، الصحة. ويحمل على أنه من غلة وقف عليها أو وصية لها. وأن يكون غير مكذب للمقر، فلو كذبه في إقراره له بمال ترك في يد المقر، لأنها تشعر بالملك، وسقط الإقرار بمعارضة الإنكار، فلو رجع عن التكذيب لم يعد له إلا بإقرار جديد، وشرط في المقر إطلاق تصرف واختيار. وشرط في المقر به أن لا يكون ملكا للمقر حين يقر. فقوله ديني أو داري لعمرو لغو، لأن الإضافة إليه تقتضي ملكه، فتنافي الإقرار لغيره في جملة واحدة، وأن يكون بيد المقر، ولو مآلا، فلو لم يكن بيده حالا ثم صار بها عمل بمقتضى إقراره، وغالب ما ذكر يستفاد من كلام المؤلف (قوله: هو) أي الإقرار. (وقوله: لغة الإثبات) أي فهو مأخوذ من أقر بمعنى أثبت يقر إقرارا، فهو مقر، فقولهم مأخوذ من قر، بمعنى ثبت فيه تجوز (قوله: وشرعا الخ) قال ع ش: بين المعنى اللغوي والشرعي التباين، لأن إخبار الشخص الخ غير الإثبات، وبينهما التناسب بحسب الأول. اه. (وقوله: بحق عليه) أي بحق على المقر لغيره، فخرجت الشهادة، لأنها إخبار يحق للغير على الغير، والدعوى أيضا لأنها إخبار بحق له على غيره، وهذا كله في الأمور الخاصة، وأما الأمور العامة، أي التي تقتضي أمرا عاما لكل أحد، فإن أخبر فيها عن محسوس كإخبار الصحابي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إنما الأعمال بالنيات فرواية، وإن أخبر عن أمر شرعي، فإن كان فيه إلزام فحكم، وإلا ففتوى. فتحصل ان الأقسام ستة (قوله: أيضا بحق عليه) كان ينبغي أن يزيد أو عنده، ليشمل الإقرار بالعين. اه. ش ق (قوله: ويسمى) أي مذلول الإقرار لغة، أو شرعا، (وقوله: اعترافا) أي كما يسمى إقرارا (قوله: يؤخذ بإقرار مكلف) يصح في إعراب هذا التركيب

_ (1) سورة آل عمران، الاية: 81. (2) سورة النساء، الاية: 135. (3) سورة البقرة، الاية: 282.

يؤاخذ بإقرار صبي ومجنون ومكره بغير حق على الاقرار بأن ضرب ليقر، إما مكره على الصدق: كأن ضرب ليصدق في قضية اتهم فيها فيصح حال الضرب وبعده على إشكال قوي فيه، سيما إن علم أنهم لا يرفعون الضرب إلا بأخذت مثلا. ولو ادعى صبا أمكن أو نحو جنون عهد أو إكراها، وثم أمارة كحبس أو ترسيم وثبت ببينة أو بإقرار المقر له أو بيمين مردودة: صدق بيمينه، ما لم تقم بينة بخلافه. وأما إذا ادعى الصبي بلوغا بإمناء ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون الجار والمجرور نائب فاعل يؤاخذ، ومكلف مجرور بالإضافة، وأن يكون مكلف نائب فاعل، ويفسر الفعل على الأول بيعمل، وعلى الثاني بيلزم. والأول هو الأقرب إلى كلامه، والمراد بالمكلف، البالغ بإمناء أو حيض أو سن العاقل، ولا بد أيضا أن يكون رشيدا، ولو حكما، كالسفيه المهمل إن كان المقر به مالا أو اختصاصا أو نكاحا ولو عبر بمطلق التصرف، كما عبر به في المنهاج، لكان أولى (قوله: فلا يؤاخذ الخ) الأولان مفرعان على مفهوم التكليف، والثالث مفرع على مفهوم الاختيار. وقوله بإقرار صبي: أي ولو كان مراهقا أو بإذن وليه، وقوله ومجنون، ومثله المغمي عليه وزائل العقل بما يعذر فيه، فإن لم يعذر به، بأن تعدى به، فإقراره صحيح، كبقية تصرفاته، (قوله: ومكره) أي فلا يصح إقراره بما أكره عليه، وذلك لقوله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * (1) جعل سبحانه وتعالى الإكراه مسقطا لحكم الكفر، فبالأولى ما عداه. (وقوله: بغير حق) خرج به المكري بحق، فيصح إقراره، وفي البجيرمي، قال سم انظر ما صورة الإكراه بحق؟ قال شيخنا: ويمكن تصويره بما إذا أقر بمبهم وطولب بالبيان فامتنع، فللقاضي إكراهه على البيان، وهو إكراه بحق. اه. أج. اه. وفيه أن هذا إكراه على التفسير، لا عليه الإقرار. وقوله على الإقرار، متعلق بمكره، أي مكره على الإقرار (قوله: بأن ضرب ليقر) تصوير للإكراه بغير حق، والضرب في هذا وفيما بعده حرام، خلافا لمن توهم حله في الثاني. أفاده سم (قوله: أما مكره على الصدق) أي على أن يصدق، إما بنفي أو إثبات (قوله: كأن ضرب ليصدق إلخ) أي بأن يسئل عن قضية فلا يجيب بشئ لا نفيا ولا إثباتا، فيضرب حينئذ ليتكلم بالصدق (قوله: فيصح) أي إقراره (قوله: على إشكال قوي فيه) أي في صحة إقراره حال الضرب أو بعده، وعبارة الروض وشرحه: فلو ضرب ليصدق في القضية فأقر حال الضرب أو بعده لزمه ما أقر به، لأنه ليس مكرها، إذ المكره، من أكره على شئ واحد، وهذا إنما ضرب ليصدق، ولا ينحصر الصدق في الإقرار، ولكن يكره إلزامه حتى يراجع ويقر ثانيا. نقل في الروضة ذلك عن الماوردي، ثم قال: وقبول إقراره حال الضرب مشكل، لأنه قريب من المكره، ولكنه ليس مكرها، وعلله بما قدمته، ثم قال وقبول إقراره بعد الضرب فيه نظر إن غلب على ظنه إعادة الضرب إن لم يقر. قال الزركشي: والظاهر ما اختاره النووي من عدم قبول إقراره في الحالين، وهو الذي يجب اعتماده في هذه الأعصار مع ظلم الولاة وشدة جرأتهم على العقوبات، وسبقه إليه الأذرعي وبالغ، وقال الصواب إنه إكراه. اه. وقوله وسبقه إليه الأذرعي الخ: نقل لفظه في المغني ونصه، قال الأذرعي والولاة في زماننا يأتيهم من يتهم بسرقة أو قتل أو نحوهما فيضربونه ليقر بالحق، ويراد بذلك الإقرار بما ادعاه خصمه، والصواب أن هذا إكراه سواء أقر في حال ضربه أم بعده. وعلم أنه إن لم يقر لضرب ثانيا. اه. وهذا متعين. اه (قوله: سيما) أي خصوصا، وهي تدل على إثبات ما بعدها وأوليته بحكم ما قبلها. وقوله إن علم، أي المكره الذي يضرب، وقوله لا يرفعون الضرب إلا بأخذت، أي إلا بإقراره بقوله أخذت (قوله: ولو ادعى صبا الخ) أي وقت الإقرار لأجل أن لا يصح. وقوله أمكن أي الصبا بأن لا يكذبه الحس بأن كان الكبر ظاهرا فيه وادعى الصغر (قوله: أو نحو جنون) أي كإغماء. وقوله عهد، أي نحو الجنون قبل إقراره. قال ع ش: ولو عهد منه مرة. اه. (قوله: أو إكراها) أي أو ادعى إكراها (قوله: وثم أمارة) أي وكان هناك قرينة على الإكراه (قوله: كحبس الخ) تمثيل للأمارة عى الإكراه (قوله: أو ترسيم) أي تضييق عليه من الحاكم كأن يوكل الحاكم من يلازمه حتى يأمن من هربه قبل فصل لخصومة (قوله: وثبت ببينة) أي ثبت ما ذكر من الحبس أو الترسيم، ولو قال ثبتت: أي الأمارة، كما في

_ (1) سورة النحل، الاية: 106

ممكن، فيصدق في ذلك ولا يحلف عليه، أو بسن: كلف ببنة عليه وإن كان غريبا لا يعرف - وهي رجلان - نعم: إن شهد أربع نسوة بولادته يوم كذا: قبلن ويثبت بهن السن تبعا - كما قاله شيخنا (وشرط فيه) أي الاقرار (لفظ) يشعر بالتزام بحق (كعلي) أو (عندي كذا) لزيد، ولو زاد: فيما أظن أو أحسب: لغا. ثم إن كان المقر به ـــــــــــــــــــــــــــــ البجيرمي، لكان أولى وعبارته، ولا تجوز الشهادة على إقرار نحو محبوس وذي ترسيم لوجود أمارة الإكراه، وثبت الأمارة بإقرار المقر له، وبالبينة بها وباليمين المردودة اه. (قوله: أو بيمين مردودة) أي من المقر له بأن طلب منه مدعي الإكراه يمينا على أنه ما حبسه أو ما ضيق عليه، فأبى أن يحلف، فحلف المقر بذلك اليمين المردودة (قوله: صدق بيمينه) جواب لو. قال البجيرمي: لكن تؤخر يمين الصبي لبلوغه فيما يظهر. اه. وفصل في الباجوري بين ما إذا ادعاه قبل ثبوت بلوغه فيصدق بلا يمين، وبين ما إذا ادعاه بعد ثبوته فيصدق بيمين، وعبارته: ولو ادعى صباه صدق، ولا يحلف، ولو بعد بلوغه إن ادعاه قبل ثبوت بلوغه، وإلا حلف إن أمكن. اه. (قوله: ما لم تقم بينة بخلافه) قيد في تصديقه بيمينه، أي محل تصديقه بها بالنسبة للصور الثلاث إذا لم تقم بينة، بخلاف ما ادعاه، فإن قامت البينة بذلك، كأن شهدت بكونه وقت إقراره بالغا أو عاقلا أو مختارا فلا يصدق، لما فيه من تكذيب البينة (قوله: وأما إذا ادعى الصبي بلوغا الخ) قال ع ش: أي ليصح إقراره أو ليتصرف في أمواله. اه. وهذه المسألة ذكرها الشارح مقابلة لقوله ولو ادعى صبا أمكن الخ، وذكرها في المنهاج والمنهج مفرعة على قولهما إن إقرار الصبي والمجنون لاغ. والمناسبة ظاهرة في الكل، ومثل الصبي الصبية إذا ادعت البلوغ بالحيض (قوله: بإمناء ممكن) أي بأن بلغ تسع سنين قمرية (قوله: فيصدق في ذلك) أي فيما ادعاه من البلوغ بالإمناء، لأنه لا يعرف إلا من جهته، وقوله ولا يحلف عليه، أي على ادعاه من البلوغ بالإمناء وإن فرضت خصومة، لأنه إن كان صادقا فلا حاجة إلى يمين، وإلا فلا فائدة فيها، لأن يمين الصبي غير منعقدة (قوله: أو بسن) معطوف على بإمناء، أي أو ادعى بلوغا بسن بأن قال استكملت خمس عشر سنة. وفي البجيرمي: ولو ادعى بلوغا وأطلق حمل على الاحتلام، ولا يحتاج إلى استفسار، خلافا للأذرعي حيث قال: يحتاج إليه، ووافقه ابن حجر وقال، فإن تعذر استفساره بأن مات لغا إقراره، لأن الأصل الصبا. اه (قوله: كلف الخ) أي طولب ببينة تخبر بسنه، وذلك لإمكانها. قال في التحفة: ويشترط فيه إذا تعرضت البينة للسن أن تبينه للاختلاف فيه. نعم، لا يبعد الإطلاق من فقيه موافق للحاكم في مذهبه، لأن هذا ظاهر لا اشتباه فيه ولا خلاف فيه عندنا. اه. وكتب سم ما نصه. قوله للاختلاف فيه، لا يقال إنما يظهر هذا إن كان ذهب أحد إلى أنه أقل من خمسة عشر، ويحتمل أن الأمر كذلك على أنه يكفي في التعليل أن الشاهد قد يظن كفاية دون الخمسة عشر، لأنا نقول منهم من ذهب إلى أنه أكثر من خمسة عشر. اه (قوله: وان كان غريبا لا يعرف) غاية لتكليفه الإتيان ببينة على السن، أي يكلف من ادعى البلوغ بالسن الإتيان بالبينة وإن كان غريبا لا يعرفه أحد في البلد لإمكانه. وقال في التحفة: لسهولة إقامتها في الجملة (قوله: وهي) أي البينة هنا. وقوله رجلان، أي فقط، فلا يكفي رجل وامرأتان، وذلك لأن ما يظهر للرجال غالبا وليس بمال ولا المقصود منه مال، يشترط فيه رجلان (قوله: نعم إن إلخ) استدراك على ما يقتضيه قوله وهي رجلان من أن البلوغ بالسن لا يثبت بغيرهما. وقوله أربع نسوة، أي أو رجل وامرأتان، لأن ما ذكر يكفي في إثبات الولادة ونحوها مما يظهر للنساء غالبا، كالحيض والنكارة، وقوله بولادته: أي الصبي الذي ادعى البلوغ بالسن وليس عنده بينة عليه. وقوله يوم كذا، أي وشهر كذا، أي وسنة كذا، حتى يعلم قدر سنه أنه خمس عشر سنة. وقوله أقبلن، أي النسوة التي شهدن بولادته، لأنهن يقبلن فيما يظهر للنساء، كما علمت (قوله: ويثتت بهن) أي بالنسوة الأربع اللاتي شهدن بالولادة. وقوله تبعا، أي للولادة (قوله: كما قاله شيخنا) أي في التحقة ومثله في النهاية (قوله: وشرط فيه الخ) شروع في بيان الصيغة التي هي أحد الأركان الأربعة. وقوله أي الإقرار، أي صحته. وقوله لفظ، مثله الكتابة مع النية أو إشارة أخرس، كما تقدم. وقوله بالتزام بحق، أي على المقر (قوله: كعلي أو عندي. كذا لزيد) تمثيل للفظ الذي يشعر بالالتزام بحق (قوله: ولو زاد) أي في الصيغة المذكورة، بأن قال علي لزيد كذا فيما أظن أو أحسب، أو عندي كذا لزيد فيما أظن أو أحسب، وقوله لغا، أي قوله المذكور، ولا يكون

معينا: كلزيد هذا الثوب، أو خذ به أو غيره كله ثوب أو ألف: اشترط أن يضم إليه شئ مما يأتي: كعندي، أو علي. وقوله علي أو في ذمتي للدين، ومعي أو عندي للعين ويحمل العين على أدنى المراتب، وهو الوديعة، فيقبل قوله بيمينه في الرد والتلف (و) ك (- نعم)، وبلى وصدقت، (وأبرأتني) منه، أو أبرئني منه. (وقضيته لجواب أليس لي) عليك كذا؟ (أو) قال له (لي عليك كذا) من غير استفهام، لان المفهوم من ذلك: الاقرار. ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ إقرارا، وذلك لعدم إشعاره بالالتزام، بخلاف ما لو قال له علي ألف فيما أعلم، أو أشهد، أو علمي، أو شهادتي، فإنه إقرار، لأنه التزام (قوله: ثم إن كان الخ) مستأنف، لأنه لا يظهر ترتيبه على ما قبله، وذكره في التحفة بعد قول المنهاج لزيد كذا صيغة إقرار وترتبه عليه ظاهر. (وقوله: كلزيد هذا الثوب) تمثيل للمقر به المعين. وقوله أو خذ به، أي ألزم به، فيلزم تسليمه للمقر له إن كان في يده حال الإقرار أو انتقل إليه (قوله: أو غيره) معطوف على معينا، أي أو كان المقر به غير معين. وقوله كله ثوب أو ألف، تمثيل للمقر به الغير المعين (قوله: اشترط أن يضم إليه الخ) قال في النهاية: لأنه مجرد خبر لا يقتضي لزوم شئ للمخبر. اه. وقوله شئ مما يأتي كعندي أو علي، فيه أن هذا ذكره متقدما أيضا، كما أنه ذكره متأخرا بقوله علي أو في ذمتي الخ، فالأخصر والأولى أن يقول، أن يضم إليه لفظ عندي أو علي أو نحوهما، كفي ذمتي ومعي، (قوله: وقوله علي أو في ذمتي للدين) أي يأتي بهما للإقرار بالدين، لأنه المتبادر منهما عرفا، فإن ادعى إرادته العين قبل في علي فقط لإمكانه، أي علي حفظها (قوله: ومعي. أو عندي) مثلهما لدي، بتشديد الياء، وقوله للعين، أي يؤتى بهما للإقرار بالعين، وأما قبلي، بكسر ففتح، فهو صالح للإقرار بهما. وقد نظم ذلك بعضهم بقوله: علي أو في ذمتي للدين معي وعندي يا فتي للعين وقبلي إن قلته فمحتمل للدين مع عين كما عنهم نقل (قوله: ويحمل العين الخ) يعني أنه عند إطلاق العين المقر بها بأن قال عندي ثوب لزيد ولم يذكر أنه وديعة أو مغصوب تحمل على أدنى المراتب في جعلها عنده وهو كونها مودعة عنده لا مغصوبه ولا معارة. قال في شرح الروض: وقول الزركشي لا معنى لاقتصاره على التفسير بالوديعة، بل التفسير بالمغصوبة كذلك لم يقع في محله: إذ ليس الكلام في التفسير، بل في أن ذلك عند الإطلاق يحمل على ما إذا. اه. (قوله: فيقبل قوله إلخ) مفرع على محذوف، أي فلو ادعى أدنى المراتب وهو الوديعة قبل قوله في ردها على مالكها أو في أنها تلفت بيمينه لأنه أمين. قال البجيرمي: فإن غلظ على نفسه كأن ادعى أنها مغصوبة أو فسره بالدين قبل من غير يمين. اه. (قوله: وكنعم الخ) عطف على قوله كعلي أو عندي كذا، ومثل نعم: جير، وأجل، وإي (قوله: وأبرأتني منه) لو حذف لفظ منه لم يكن إقرار لاحتمال البراءة من الدعوى (قوله: أو أبرئني منه) بصيغة الأمر (قوله: وقضيته) أي أديته لك (قوله: لجواب إلخ) متعلق بمحذوف حال من جميع ما قبله من لفظ نعم وما بعده، أي حال كونها مقولة لجواب الخ. ولولا زيادة الشارح كاف الجر قبل نعم، لكانت نعم وما عطف عليها مبدأ ويكون الجار والمجرور خبره. والمعنى أنه إذا أتى المقر بنعم، أو ما بعده جوابا لقول المدعي أليس لي عليك كذا، بأداة الاستفهام، كان ذلك إقرارا. قال البجيرمي: فلو حذف أداة الاستفهام وقال ليس لي عليك ألف، فإن قال بلى، كان مقرا، لأن بلى: لرد النفي، ونفي النفي إثبات. وإن قال نعم، لم يكن إقرارا، لأن نعم، لتقرير النفي. اه. وقد نظم الأجهوري معنى ذلك في قوله: نعم: جواب للذي قبله إثباتا أو نفيا كذا قرروا بلى: جواب النفي، لكنه يصير إثباتا، كذا حروروا (قوله: أو قال له الخ) الأولى حذف قال ومتعلقه لعدم وجود ما يعطف عليه وزيادة الجواب بعد أو العاطفة، بأن يقول أو لجواب لي عليك كذا. وعبارة فتح الجواد، لجواب من قال له أليس لي عليك ألف مثلا أو قال له لي عليك ألف، وهي ظاهرة لوجود ما يعطف عليه فيها (قوله: لأن المفهوم من ذلك) أي من قوله نعم وما بعده، وهو علة لمقدر، أي وإنما

قال اقض الالف الذي لي عليك، أو أخبرت أن لي عليك ألفا فقال نعم، أو أمهلني، أو لا أنكر ما تدعيه، أو حتى أفتح الكيس، أو أجد المفتاح أو الدراهم مثلا: فإقرار - حيث لا استهزاء - فإن اقترن بواحد مما ذكر قرينة استهزاء: كإيراد كلامه بنحو ضحك وهز رأسه مما يدل على التعجب والانكار: أي وثبت ذلك - كما هو ظاهر - لم يكن به مقرا على المعتمد. وطلب البيع إقرار بالملك والعارية والاجارة بملك المنفعة، لكن تعينها إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت هذه المذكورات إقرارا لأن المفهوم، أي المتبادر منها عرفا، ذلك، لكن هذه العلة لا تظهر إلا في الثلاثة الأول، أعني نعم وبلى وصدقت، لا فيما عداها، أعني أبرأتني وما بعده، فكان عليه أن يزيد بعد هذه العلة ولأن دعوى الإبراء أو القضاء اعتراف بالأصل، وعبارة المغني: أما الثلاثة الأول فلأنها ألفاظ موضوعة للتصديق، وفي معناها ما ذكر معها، وأما دعوى الإبراء والقضاء، فلأنه قد اعترف بالشغل وادعى الإسقاط والأصل عدمه. اه. وفي النهاية ما نصه: وفي نعم، بالنسبة لقوله أليس لي عليك ألف، وجه أنها ليست بإقرار، لأنها في اللغة تصديق للنفي المستفهم عنه، بخلاف بلى، فإنها رد له، ونفي النفي إثبات، ولهذا جاء عن ابن عباس في آية: * (ألست بربكم) * (1) لو قالوا نعم لكفروا ورد هذا الوجه بأن الأقارير ونحوها مبنية على العرف المتبادر من اللفظ، لا على دقائق العربية، وعلم منه عدم الفرق بين النحوي وغيره خلافا للغزالي ومن تبعه. اه. بتصرف (قوله: ولو قال) أي المدعي، وقوله اقض الألف الذي لي عليك، أي أد الألف التي أستحقها في ذمتك (قوله: أو أخبرت الخ) أي أو قال أخبرت أن لي عليك ألفا، والفعل يقرأ بصيغة المجهول (قوله: فقال) أي المدعى عليه جوابا لقول المدعي ما مر. وقوله نعم. أو أمهلني، أي أو أقضي غدا، كما في المنهاج، قال في التحفة. (تنبيه) ظاهر كلامهم، أو صريحه، أنه لا يشترط نحو ضمير أو خطاب في أقضي أو أمهلني. ويشكل عليه اشتراطه في أبرأتني وأبرئني أو أنا مقر. ومن ثم قال الأسنوي في أقضي: لا بد من نحو ضمير، لاحتماله للمذكور وغيره على السواء. اه. (قوله: أو لا أنكر ما تدعيه) أي أو قال جوابا له لا أنكر ما تدعيه (قوله: أو حتى أفتح الخ) أو داخله عن مقدر، أي أو قال أمهلني حتى أفتح الكيس أو أجد المفتاح أو الدراهم (قوله: فإقرار) أي فهو إقرار، والجملة جواب لو. وإنما كانت إقرارا لأنه هو المفهوم من هذه الألفاظ عرفا، وهذا هو الأصح. ومقابله يقول ليست بإقرار، لأنها ليست صريحة في الالتزام (قوله: حيث لا استهزاء) أي مقترن بواحد من هذه الألفاظ، والأحسن جعل الظرف متعلقا بمحذوف، لا بلفظ إقرار الواقع قبله، وإن كان هو ظاهر صنيعه، وتقدير ذلك المحذوف، ومحل كون الجواب بجميع هذه الألفاظ نعم وما بعده إقرارا، حيث لا استهزاء موجود، وإلا فلا يكون إقرارا (قوله: فإن اقترن الخ) مفهوم القيد المذكور. وقوله بواحد مما ذكر، أي قوله نعم وما بعده على ما ذكرته، وقوله قرينة استهزاء، أي قرينة تدل على الاستهزاء (قوله: كإيراد كلامه) أي كلام نفسه، وهو تمثيل للقرينة الدالة على الاستهزاء (قوله: مما يدل الخ) بيان لنحو الضحك (قوله: أي وثبت ذلك) أي قرينة الاستهزاء المذكور، أي ببينة أو بإقرار المقر له أو يمين مردودة (قوله: لم يكن به مقرا على المعتمد) أي عند الرافعي من احتمالين له، وجزم به الرملي، ورجح ابن حجر والخطيب مقابله، وهو صحة الإقرار، وعبارة فتح الجواد لابن حجر، وإنما يتضمن كل من هذه الألفاظ الإقرار إن صدر بلا قرينة استهزاء، وإلا كتحريك الرأس تعجبا أو إنكارا لم يكن إقرارا لكن على أحد احتمالين، ذكرهما الرافعي وميله إليه، لكن الأوجه، كما قاله الأسنوي وغيره مقابله لضعف القرينة. اه. (قوله: وطلب البيع) أي كأن قال المدعى عليه للمدعي يعني ما تدعيه علي. وقوله إقرار بالملك، أي متضمن للإقرار له بأنه ملكه، وإلا لما طلب شراءه منه (قوله: والعارية والإجارة) أي وطلبهما كأن يقول المدعى عليه له أعرني ما تدعيه أو أجرني إياه، وقوله بملك المنفعة، أي إقرار بملكها، أي لا العين (قوله: لكن تعينها) أي المنفعة في صورة طلب العارية وصورة طلب الإجارة. قال العلامة الرشيدي: وظاهر أن المراد

_ (1) سورة الاعراف، الاية: 172

المقر. وأما قوله ليس لك علي أكثب من ألف، جوابا لقوله لي عليك ألف أو نتحاسب أو اكتبوا لزيد علي ألف درهم أو اشهدوا علي بكذا أو بما في هذا الكتاب، فليس بإقرار - بخلاف أشهدكم، مضافا لنفسه. وقوله - لمن شهد عليه - هو عدل فيما شهد به إقرار: كإذا شهد علي فلان بمائة أو قال ذلك فهو صادق، فإنه إقرار - وإن لم يشهد - (و) شرط (في مقر به أن لا يكون) ملكا (لمقر) حين يقر، لان الاقرار ليس إزالة عن الملك، وإنما هو إخبار عن كونه ملكا للمقر له إذا لم يكذبه. فقوله داري أو ثوبي أو داري التي اشتريتها لنفسي لزيد، أو ديني ـــــــــــــــــــــــــــــ تعيين جهة المنفعة من وصية أو إجارة أو غيرهما حتى لو عينها بإجارة يوم مثلا قبل، وهذا ظاهر. فليراجع. اه. وقوله إلى المقر، أي موجه إليه (قوله: وأما قوله ليس لك الخ) في التحفة لو قال لزيد علي أكثر مما لك، بفتح اللام، لم يكن إقرارا لواحد منهما، بخلاف ما لو كسرها فإنه إقرار لزيد. اه. قال سم: ويقبل تفسيره بما قل. اه. (قوله: أو نتحاسب) معطوف على الجملة الأولى: أي أو قوله نتحاسب، جوابا لقوله لي عليك ألف، ولو قدم هذا وما بعده على قوله جوابا، لكان أولى (قوله: فليس بإقرار) جواب أما، وذلك لأن نفي الزائد في الصورة الأولى على المدعى به لا يوجب إثباته ولا إثبات ما دونه، ولأنه في الصورة الثانية لم يعترف له بشئ وفي الصورة الثالثة إنما أمر بالكتابة فقط، وهي ليست إقرارا بلا لفظ، ومحله إن لم ينو الإقرار بها، وإلا فهي إقرار، وفي الصورة الرابعة إنما أذن بالشهادة عليه، وهو ليس بإقرار (قوله: بخلاف أشهدكم مضافا لنفسه) أي بخلاف أشهدكم بأن لزيد علي ألف درهم مثلا فإنه إقرار. قال في التحفة، وفي الفرق بين أشهدكم واشهدوا علي، نظر ظاهر. ثم رأيت كلام الغزالي صريحا في أن اشهدوا علي بكذا، إقرار أيضا. اه. (قوله: وقوله) مبتدأ خبره إقرار. وجملة هو عدل فيما شهد به مقول القول (قوله: كإذا شهد الخ) أي كقوله إذا شهد علي فلان كزيد بمائة أو قا ذلك، أي قال فلان إن علي مائة (قوله: فهو) أي فلان الذي شهد علي بمائة لزيد أو الذي قال ذلك، وقوله صادق، أي فيما شهد به أو قاله. ولو قال بدل فهو صادق صدقته لا يكون إقرارا لأن ذلك وعد وغير الصادق قد يصدق (قوله: فإنه إقرار) أي فإن قوله إذا شهد الخ إقرار. قال في فتح الجواد: ويوجه بأن فهو صادق كالصريح في أن الألف لا زمة له، فلذا لم ينظر للتعليق في قوله إذا أو إن شهد. اه. وقوله وإن لم يشهد، أي فلان بما ذكر، وهو غاية لكون القول المذكور يثبت به الإقرار (قوله: وشرط في مقر به الخ) شروع في بيان شرط المقر به الذي هو أحد الأركان أيضا (قوله: أن لا يكون ملكا الخ) قال ع ش: لعل المراد من هذا أن لا يأتي في لفظه، أي الإقرار، بما يدل على أنه ملك للمقر، وليست صحة الإقرار وبطلانه دائرين على ما في نفس الأمر، لأنه لا إطلاع لنا عليه حتى نرتب الحكم عليه. نعم، في الباطن العبرة بما في نفس الأمر. اه. قال البجيرمي: وحين إذ كان هذا هو المراد فحق هذا الشرط أن يكون من شروط الصيغة، أي من شروط صراحتها، كما يشير له قول الشارح، قال البغوي: فإن أراد به الإقرار قبل منه. اه. بتصرف. وقوله حين يقر، ظرف للنفي أو ظرف للمكان، أي الشرط انتفاء ملكه في حالة الإقرار. اه. بجيرمي (قوله: لأن الإقرار الخ) علة للشرط المذكور، أي وإنما اشترط ما ذكر لأن الإقرار ليس نقل ملك شخص لشخص آخر حتى يصح أن يكون المقر به ملكا للمقر ثم ينقله لغيره، وإنما هو إخبار عن كونه مملوكا للغير، فلا بد من تقديم المخبر عنه على الخبر، وقوله إذا لم يكذبه: هو ساقط من عبارة التحفة والمغني وغيرهما، وهو الأولى، لأن الإقرار، الإخبار المذكور مطلقا سواء كذبه المقر له أم لا. نعم، هو شرط ثبوت الملك بالإقرار للمقر له، كما تقدم (قوله: فقوله إلخ) مبتدأ خبره لغو، وهو مفرع على مفهوم الشرط. وقال ع ش: محل كونه لغوا ما لم يرد به الإقرار بمعنى أن الدار التي كانت ملكي قبل هي لزيد الآن، غايته أنه أضافها لنفسه باعتبار ما كان مجازا. اه. (قوله: أو داري التي اشتريتها لنفسي) قال ع ش: قياسه أن مثل ذلك ما لو قال مالي الذي ورثته من أبي لزيد. اه. (قوله: لزيد) مرتبط بجميع ما قبله، أي داري لزيد أو ثوبي لزيد، أو داري التي اشتريتها لنفسي لزيد، وهو خبر عن واحد منها مع حذف خبر غيره لدلالته عليه. وقوله أو ديني الخ، الجملة معطوفة على جملة قوله داري الخ، فهي مسلط عليها القول، أي وقوله ديني الذي على زيد لعمرو (قوله:

الذي على زيد لعمرو: لغو - لان الاضافة إليه تقتضي الملك له، فتنافى الاقرار به لغيره: إذ هو إقرار بحق سابق. ولو قال مسكني أو ملبوسي لزيد، فهو إقرار، لانه قد يسكن ويلبس ملك غيره. ولو قال: الدين الذي كتبته أو باسمي على زيد لعمرو: صح، أو الدين الذي لي على زيد لعمرو: لم يصح، إلا إن قال: واسمي في الكتاب عارية. ولو أقر بحرية عبد معين في يد غيره أو شهد بها ثم اشتراه لنفسه أو ملكه بوجه آخر: حكم بحريته. ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الإضافة الخ) أي إضافة المقر به لنفسه، وهو علة لكونه لغوا، وقوله تقتضي الملك، أي حيث لم يكن المضاف مشتقا ولا في حكمه، فإن كان كذلك اقتضى الاختصاص بالنظر لما دل عليه مبدأ الاشتقاق. فمن ثم كان قوله داري أو ديني لعمرو، لغوا، لأن المضاف فيه غير مشتق، فأفادت الإضافة الاختصاص مطلقا ومن لازمه الملك، بخلاف مسكني وملبوسي، فإن إضافته إنما تفيد الاختصاص من حيث السكنى واللبس، لا مطلقا، لاشتقاقه. اه. ع ش: وهذا التفصيل مستفاد من كلام المؤلف، لأنه ذكر أن من قال داري الخ لعمرو يكون لغوا، وسيذكر أن من قال مسكني أو ملبوسي لعمرو يكون إقرارا، وفي البجيرمي. (والحاصل) أن المضاف إلى المقر تارة يكون جامدا وتارة يكون مشتقا، فإن كان جامدا، كما في مثاله، اقتضى عدم الصحة لأنه يقتضي الاختصاص من جميع الوجوه، وهو يفيد الملك. وأما إذا كان مشتقا، كان إقرارا، كمسكني أو ملبوسي، إذ هو يقتضي الاختصاص بما منه الاشتقاق وهو السكنى واللبس والاختصاص من بعض الوجوه لا يستلزم الملك. اه. (قوله: فتنافي) أي الإضافة. وقوله به، أي بالملك (قوله: إذ هو) أي الإقرار، وهو علة المنافاة، أي وإنما حصلت المنافاة بالإضافة المذكورة لأن الإضافة تقتضي ثبوت الملك له، والإقرار يفيد ثبوته للغير، وهما متنافيان، فألغى الإقرار، وقوله إقرار بحق سابق، المناسب أن يقول إخبار بحق سابق، كما عبر به في شرح المنهج والمغني، (قوله: ولو قال مسكني أو ملبوسي لزيد فهو إقرار) أي أنه لا منافاة، إذ هو يقتضي الاختصاص بما منه الاشتقاق الذي هو السكنى أو اللبس كما تقدم (قوله: لأنه قد يسكن الخ) أي فلا منافاة بالإضافة المذكورة (قوله: ولو قال الدين الذي كتبته) أي لنفسي (قوله: أو بإسمي) متعلق بمحذوف معطوف على الجملة الفعلية، أي أو الدين الذي أثبته باسمي. وقوله على زيد، متعلق بكل من الفعلين الظاهر والمقدر. وقوله لعمرو، خبر المبتدأ، أي الدين الذي في ذمة زيد هو لعمرو، لا لي، وإن كان مكتوبا باسمي، وقوله صح، أي لعدم المنافاة بين كون كتبه له أو كونه باسمه وبين إقراره بأنه لغيره لاحتمال أن يكون وكيلا عنه، كما في شرح الروض، وعبارته: ولعله كان وكيلا عنه، أي عن عمرو، في المعاملة التي أوجبت الدين. اه. وفي المغني، فلو طالب عمرو زيدا فأنكر، فإن شاء عمرو أقام بينة بإقرار المقر أن الدين الذي كتبه على زيد له ثم يقيم بينته عليه بالمقر به، وإن شاء أقام بينته بالمقر به ثم بينة بالإقرار. اه. (قوله: أو الدين الخ) أي أو قال الدين الذي لي على زيد لعمرو (قوله: لم يصح) أي لما مر في قوله داري أو ثوبي لزيد من الإضافة تقتضي الملك. وقوله إلا إن قال واسمي في الكتاب عارية، أي فإنه يصح، ويحمل حينئذ قوله لي، على التجوز، وإن المراد الذي باسمي. قال في النهاية، عقب قوله إلا أن قال الخ، وكذا يصح إن أراد الإقرار فيما يظهر. اه. (قوله: ولو أقر بحرية الخ) مرتب على شرط للمقر به لم يذكره المؤلف، وذكره في متن المنهاج وغيره، وهو أن يكون المقر به بيد المقر وتصرفه ولو مآلا، فلو لم يكن بيده حالا ثم صار بها، عمل بمقتضى إقراره. فلو أقر بحرية عبد غيره ثم اشتراه، حكم بها عليه، وكان شراؤه افتداء له من جهته، وبيعا من جهة البائع، فله الخيار، دون المشتري (قوله: عبد معين) خرج به ما لو أقر بحرية عبد مبهم، ثم اشترى عبدا، فلا يحكم بحريته، لاحتمال أن الذي اشتراه غير الذي أقر به (قوله: أو شهد بها) أي بالحرية والشهادة بها إقرار بها (قوله: ثم اشتراه) أي العبد الذي أقر بحريته أو شهد بها، وهذا الشراء صوري، والقصد منه الافتداء، لأن الاعتراف بالحرية، يوجب بطلان الشراء وقوله لنفسه، قال في النهاية: فلو اشتراه لموكله لم يحكم بحريته، لأن الملك يقع ابتداء للموكل، وكما لو اشترى أباه بالوكالة. اه. (قوله: أو ملكه) أي العبد الذي أقر بحريته أو شهد بها. وقوله

أشهد أنه سيقر بما ليس عليه، فأقر أن عليه لفلان كذا: لزمه، ولم ينفعه ذلك الاشهاد. (وصح إقرار من مريض) مرض موت (ولو لوارث) بدين أو عين، فيخرج من رأس المال - وإن كذبه بقية الورثة - لانه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب الفاجر، فالظاهر صدقه. لكن للوارث تحليف المقر له على الاستحقاق - فيما استظهره شيخنا - خلافا للقفال. ولو أقر بنحو هبة مع قبض في الصحة قبل، وإن أطلق أو قال في عين عرف أنها ملكه هذه ملك لوراثي نزل على حالة المرض. قاله القاضي. فيتوقف على إجازة بقية الورثة: كما لو قال وهبته ـــــــــــــــــــــــــــــ بوجه آخر، أي غير الشراء، كهبة أو وصية، (قوله: حكم بحريته) أي بعد انقضاء مدة خيار البائع، وإذا حكم بها بعد ذلك فترفع يد المشتري عنه. قال ع ش: وينبغي أن يأتي مثل ذلك في كتب الوقف، فإذا علم بوقفيتها ثم اشتراها، كان شراؤه اقتداء، فيجب عليه ردها لمن له ولاية حفظها، إن عرف، وإلا سلمها لمن يعرف المصلحة، فإن عرفها هو وأبقاها في يده، وجب عليه الإعارة، كما جرت به العادة، وليس من العلم بوقفيتها، ما يكتب بهوامشها من لفظ، وقف. اه. بزيادة (قوله: ولو أشهد أنه سيقر بما ليس عليه) أي سيقر لغيره بما ليس عليه (قوله: فأقر) أي بعد أن أشهد (قوله: لزمه) أي ما أقر به مؤاخذة بإقراره (قوله: ولم ينفعه ذلك الإشهاد) أي الواقع قبل الإقرار (قوله: وصح إقرار من مريض) أي كما يصح من غير المريض. وقوله مرض موت، أي مرضا يتولد الموت من جنسه، كإسهال دائم، ودق، بكسر أوله، وهو داء يصيب القلب، ونحوهما (قوله: ولو لوارث) غاية في الصحة، أي صح إقراره ولو كان لوارث: أي على المذهب. ومقابله طريقان، الطريق الأول عدم الصحة، وهو ما سيصرح به الشارح بقوله واختار الخ. والطريق الثاني، القطع بالقبول، والغاية للرد على الطريق الأول وعلى الأئمة الثلاثة، لأنهم يقولون بعدم الصحة، كما في ق ل، والاعتبار في كونه وارثا بحال الموت، فلو أقر لزوجته ثم أبانها ومات، لم يعمل بإقراره، ولو أقر لأجنبية ثم تزوجها، عمل بإقراره (قوله: بدين أو عين) متعلق بإقرار، أي صح إقرار المريض بدين أو عين (قوله: فيخرج من رأس المال) مفرع على صحة الإقرار من المريض، أي فيحسب ما أقر به من رأس المال، لا من الثلث (قوله: وإن كذبه) أي كذب المريض المقر بقية الورثة. وهو غاية بالنسبة لإقراره لوارث (قوله: لأنه انتهى إلى حالة الخ) علة لصحة إقرار المريض ولو لوارث (قوله: فالظاهر صدقه) أي صدق المريض فيما أقر به (قوله: لكن للوارث الخ) هذا الاستدراك يظهر بالنسبة لإقراره لأجنبي، لأنه هو الذي خالف فيه القفال وغيره، كابن الملقن، وأما بالنسبة لإقراره لوارث، فبلا خلاف تحلف بقية الورثة الوارث المقر له، فإن نكل، حلفوا، وقاسموه، وبدل عليه صنيع شيخه، فإنه ذكر هذا الاستدراك بعينه بعد قول المنهاج ويصح إقرار المريض مرض الموت لأجنبي، وذكر بعد قوله أيضا وكذا يصح إقراره لوارث ما نصه، ولبقية الورثة تحليفه أنه أقر له بحق لازم يلزمه الإقرار به الخ. اه. ومثله في النهاية، وحينئذ فكان الأولى للشارح أن يذكر لكل من إقرار لأجنبي والإقرار لوارث ما يناسبه، لأن صنيعه يقتضي أن الاستدراك الذي ذكره راجع لكل من الإقرار لأجنبي والإقرار لوارث، وليس كذلك، كما علمت، (قوله: خلافا للقفال) أي فإنه قال ليس للوارث تحليف المقر له الأجنبي على الاستحقاق، ووافقه في المغني حيث قال: ولو أراد الوارث تحليف المقر له على الاستحقاق لم يكن له ذلك، كما حكاه ابن الملقن وأقره، ثم فرق بين هذا وبين ما لو أراد بقية الورثة أن تحلف الوارث المقر له، فإن لهم ذلك، ويجب على المقر له أن يحلف بأن التهمة في الوارث أشد منها في الأجنبي (قوله: ولو أقر بنحو هبة) أي أقر المريض للوارث بنحو هبة، كهدية وصدقة وإبراء. وقوله مع قبض، متعلق بمحذوف صفة لنحو هبة، أي نحو هبة مصحوب بقبضه للمقر له وقوله في الصحة، متعلق بقبض، أو بمحذوف صفة، أي قبض كائن في حال صحته. وخرج به، ما لو أقر بأنه أقبضه في حال مرضه، فإنه لا يصح إلا بإجازة بقية الورثة، كما سيصرح به، وقوله قبل، أي إقراره. قال في شرح الروض: فتحصل البراءة بتقدير صدقه. اه. (قوله: وان أطلق) أي لم يقيد القبض بكونه في الصحة بأن قال في حال مرضه وهبت لوارثي كذا وكذا وأقبضته إياه، ولم يقل في حال صحتي (قوله: أو قال) أي المريض، ومقوله جملة هذه ملك لوارثي (قوله: نزل

في مرضي. واختار جمع عدم قبوله إن اتهم لفساد الزمان، بل قد تقطع القرائن بكذبه، فلا ينبغي لمن يخشى الله أن يقضي أو يفتي بالصحة، ولا شك فيه إذا علم أن قصده الحرمان. وقد صرح جمع بالحرمة حينئذ، وأنه لا يحل للمقر له أخذه، ولا يقدم إقرار صحة على إقرار مرض (و) صح إقرار (بمجهول) كشئ أو كذا، فيطلب من المقر تفسيره - فلو قال له علي شئ أو كذا قبل تفسيره بغير عيادة المريض ورد سلام ونجس لا يقتنى ـــــــــــــــــــــــــــــ إلخ) جواب أن، أي حمل ما ذكر من الهبة مع القبض. وقوله على حالة المرض، أي على أنه صدر منه حالة المرض (قوله: فيتوقف على إجازة بقية الورثة) أي يتوقف نفوذ ما أقر به على إجازة بقية الورثة (قوله: كما لو قال إلخ) الكاف للتنظير، وهو مفهوم قوله مع قبض في الصحة، أي نظير ما لو قال المريض وهبته، أي وأقبضته في حال مرضي، فإنه يتوقف نفوذه على إجازة بقية الورثة (قوله: واختار جمع الخ) هذا مقابل ما في المتن من صحة إقرار المريض، لكن بالنسبة لما إذا كان للوارث، فهو مرتبط به. وفي المغني ما نصه. (تنبيه) الخلاف في الصحة، وأما التحريم، فعند قصد الحرمان لا شك فيه، كما صرح به جمع، منهم القفال في فتاويه وقال لا يحل للمقر له أخذه. اه. وقوله عدم قبوله، أي الإقرار للوارث، في حال مرضه. وقوله إن اتهم، أي المقر بأن قصده حرمان بقية الورثة. وقوله لفساد الزمان، علة لمحذوف، أي والتهمة حاصلة الآن لفساد الزمان (قوله: بل قد تقطع الخ) إضراب إبطالي، أي بل قد تفيد القرائن كذب المقر في إقراره قطعا، أي يقينا (قوله: فلا ينبغي) مفرع على ما إذا قطعت القرائن بكذبه، أي وإذا قطعت القرائن بذلك، فلا يليق بمن يخشى الله، من القاضي أو المفتي، أن يقضي أو يفتي بصحة إقراره (قوله: بالصحة) أي صحة الإقرار (قوله: ولا شك فيه) في عبارة النهاية والتحفة قبل قوله فلا ينبغي زيادة لفظ قال الأذرعي، ثم قالا ولا شك فيه. قال ع ش: أي في قول الأذرعي. وحينئذ فيؤخذ منه أن ضمير فيه، في عبارتنا، عائد على عدم انبغاء ما ذكر، وكان المناسب للشارح أن يريد تلك الزيادة مثلهما، وذلك لأنه إذا كان قوله فلا ينبغي الخ من كلامه، فلا فائدة في قوله ولا شك فيه، لأن ذاك مجزوم به، ولا يقال إن قوله فلا ينبغي مما اختاره جمع، فهو من كلامهم، وقوله ولا شك من كلام نفسه، لأنا نقول لا يصح ذلك، لأن مختار الجمع انتهى بقوله لفساد الزمان، كما يدل عليه اعتراض الرشيدي على صاحب النهاية في تأخيره لفظ، قال الأذرعي، عن قوله بل قد تقطع الخ، قال: كان الأولى تقديمه، لأنه من كلام الأذرعي. فتنبه. وقوله إذا علم، أي من يخشى الله من القاضي أو المفتي إن قصد المقر حرمان بقية الورثة (قوله: وقد صرح جمع بالحرمة) أي حرمة إقراره. وقوله حينئذ، أي حين إذ قصد الحرمان. وعبارة فتح الجواد: وصرح جمع بتأثيمه أن قصد الحرمان، وليس بقيد إلا لمزيد الإثم، لإثمه بالكذب، وإن لم يقصد حرمانا. اه. (قوله: وأنه لا يحل للمقر له أخذه) في الرشيدي: لا يخفى أن حل الأخذ وعدمه منوط بما في نفس الأمر. اه. (قوله: ولا يقدم إقرار صحة على إقرار مرض) يعني لو أقر في حال صحته بدين لإنسان وفي مرضه بدين لآخر، لم يقدم الأول، بل يتساويان، كما لو ثبتا بالبينة، ولو أقر المريض لإنسان بدين، ولو متفرقا، ثم أقر لآخر بعين أو عكسه، قدم صاحبها، لأن الإقرار بالدين لا يتضمن حجرا في العين (قوله: وصح إقرار بمجهول) قال في النهاية: إجماعا، ابتداء كان أو جوابا لدعوى، لأنه إخبار عن حق سابق، فيقع مجملا ومفصلا. وأراد به ما يعم المبهم، كأحد العبدين. اه. (قوله: كشئ أو كذا) تمثيل للمجهول (قوله: فيطلب من المقر تفسيره) أي للمجهول المقر به، فإن امتنع منه فالصحيح أنه يحبس، لامتناعه من واجب عليه، فإن مات قبل التفسير، طولب وارثه به، ووقف جميع التركة (قوله: فلو قال إلخ) مفرع على محذوف، أي ويقبل تفسيره بما يقرب فهمه من اللفظ في معرض الإقرار فلو قال الخ (قوله: على شئ إلخ) خرج به، ما لو قال له عندي شئ، فإنه يقبل تفسيره بنجس لا يقتنى، لأنه لا يشعر بالوجوب. وقوله أو كذا، أي أو قال له علي كذا، وهي مركبة من اسم الإشارة وكاف التشبيه، ثم نقلت عن ذلك وصار يكنى بها عن المبهم وغيره من العدد. وقوله قبل تفسيره بغير عبادة الخ، أي مما هو مال وإن لم يتمول، كفلس وحبة بر، أو غير مال، كقود، وحق شفعة، وحد قذف، ونجس يقتنى، ككلب معلم، وزبل، وذلك لصدق اسم الشئ على ما ذكر. وخرج

كخنزير. ولو قال له علي مال قبل تفسيره بمتمول وإن قال - لا بنجس - ولو قال هذه الدار وما فيها لفلان صح، واستحق جميع ما فيها وقت الاقرار. فإن اختلفا في شئ أهو بها وقته؟ صدق المقر، وعلى المقر له البينة. (و) صح إقرار (بنسب ألحقه بنفسه): كأن قال هذا ابني (بشرط إمكان) فيه بأن لا يكذبه الشرع والحس - بأن يكون دونه في السن بزمن يمكن فيه كونه ابنه، وبأن لا يكون معروف النسب بغيره (و) مع (تصديق مستلحق) أهل له ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك، تفسيره بشئ من الثلاثة المذكورة، فلا يقبل، لبعد فهمها في معرض الإقرار، إذ لا يطالب بها أحد، مع أن شرط المقر به أن يكون مما تجوز به المطالبة (قوله: ولو قال له علي مال) أفاد به وبالمثال السابق أن المجهول تارة يكون مجهولا من كل الوجوه، أي جنسا وقدرا وصفة، كالمثال السابق، أو من بعضها، أي قدرا وصفة، كهذا المثال، وقوله قبل تفسيره بمتمول، أي مما يقابل بمال يسد مسدا ويقع موقعا، وضد غير المتمول وإن كان يسمى مالا فكل متمول مال، ولا عكس، كحبة بر، وقوله وإن قل، أي ذلك المتمول كفلس فإنه يقبل تفسير المال به، ولا فرق في قبول تفسير المال بما قل بين أن يطلق المال أو يصفه بنحو عظيم، كقوله مال عظيم أو كبير أو كثير، ويكون وصفه بالعظيم من حيث إثم غاضبه وكفر مستحله. قال الإمام الشافعي، رضي الله عنه، أصل ما أبني عليه الإقرار، أن ألزم اليقين وأطرح الشك، ولا أستعمل الغلبة، أي لا أعول على الغالب، أي لا أبني عليها الأحكام الشرعية، كالمثال السابق، فإن الغالب فيه أنه مال له وقع، فقبول تفسيره بما قل فيه عدم التعويل على الغالب. وقوله لا بنجس، أي لا يقبل تفسيره به، سواء كان يقتنى، كزبل وكلب معلم، أو لا، كخنزير، وذلك لانتفاء صدق المال عليه (قوله: ولو قال) أي المقر، وقوله وما فيها، أي في الدار من أثاث ونحوه. وقوله لفلان، خبر المبتدأ (قوله: صح) أي إقراره (قوله: واستحق) أي فلان المقر له. وقوله جميع ما فيها، في العبارة حذف، أي الدار وجميع ما فيها. وقوله وقت الإقرار، الظرف متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله، أي استحق جميع ما كان فيها وقت الإقرار (قوله: فإن اختلفا) أي المقر والمقر له. وقوله في شئ أهو بها وقته، أي وذلك الشئ بالدار وقت الإقرار أو لا؟ فالمقابل محذوف، والأول دعوى المقر له، والثاني دعوى المقر (قوله: صدق المقر) أي حيث لا بينة. (وقوله: وعلى المقر له البينة) أي فإذا أتى بها صدق (قوله: وصح إقرار بنسب) وهو مع الصدق واجب، ومع الكذب في ثبوته أو نفيه حرام من الكبائر، وما صح في الخبر من أنه كفر، محمول على مستحله، أو على كفر النعمة، فإن حصول الولد له نعمة من الله، فإنكارها جحد لنعمته تعالى. وشرط في المقر أن يكون بالغا عاقلا، ولو سكران، ذكرا مختارا، ولو سفيها، أو كافرا أو قنا، (قوله: ألحقه بنفسه) أي من غير واسطة. وإن ألحقه بغيره ممن يتعدى النسب منه إليه، كهذا أخي أو عمي، شرط فيه، زيادة على ما ذكره من شروط الإلحاق بنفسه، كون الملحق به رجلا، كالأب والجد، بخلاف المرأة، لأن استلحاقها لا يقبل، فبالأولى استلحاق وارثها. وكونه ميتا، بخلاف الحي، ولو مجنونا، لاستحالة ثبوت نسب الأصل مع وجوده بإقرار غيره وكون المقر لا ولاء عليه، فلو أقر من عليه ولاء بأب أو أخ، لم يقبل، لتضرر من له الولائ بذلك، لأن عصبة النسب مقدمة على عصبة الولاء. وكونه وارثا، بخلاف غيره، كقاتل ورقيق، وكونه حائزا لتركة الملحق به، واحدا كان أو أكثر، كابنين أقر بثالث، فيثبت نسبه، ويرث منهما ويرثان منه. (قوله: كأن قال هذا ابني) ومثله أنا أبوه، لكن الأولى أولى، إذ الإضافة فيه إلى المقر (قوله: بشرط إمكان فيه) أي في إلحاقه به (قوله: بأن لا يكذبه الخ) تصوير للإمكان المذكور (قوله: بأن يكون) أي المستلحق بالفتح دونه، أي المستلحق بالكسر، وبأن يكون أيضا غير ممسوح، وإلا لم يلحقه، لأن الحس يكذبه (قوله: وبأن لا يكون الخ) تصوير للشرعي، وما قبله للحسي، فهو على اللف والنشر والمشوش، فإن كان معروف النسب بغير المقر، فلا يثبت الاستلحاق، وإن صدقه المقر به، لأن النسب الثابت من شخص لا ينتقل لغيره. قال في النهاية. (واعلم) أن اشتراط عدم تكذيب المقر الحس والشرع، غير مختص بما هنا، بل هو شامل لسائر الأقارير. كما علم مما مر أنه يشترط في المقر له أهلية استحقاق المقر به حسا وشرع، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى. اه. (قوله: ومع تصديق) الأولى إسقاط لفظ مع. وقوله مستلحق، بفتح الحاء، أي غير منفي بلعان عن فراش، نكاح صحيح، فإن

فإن لم يصدقه أو سكت: لم يثبت نسبه إلا ببينة. (ولو أقر ببيع أو هبة وقبض وإقباض) بعدها (فادعى فساده لم يقبل) في دعواه فساده. وإن قال أقررت لظني الصحة، لان الاسم عند الاطلاق يحمل على الصحيح. نعم: إن قطع ظاهر الحال بصدقه - كبدوي جلف فينبغي قبول قوله. - كما قاله شيخنا - وخرج بإقباض: ما لو اقتصر على الهبة، فلا يكون مقرا بإقباض. فإن قال ملكها ملكا لازما وهو يعرف معنى ذلك: كان مقرا بالاقباض، وله تحليف المقر له أنه ليس فاسدا لامكان ما يدعيه، ولا تقبل ببيته، لانه كذبها بإقراره فإن نكل حلف المقر أنه كان فاسدا وبطل البيع أو الهبة، لان اليمين المردودة كالاقرار. ولو قال هذا لزيد بل لعمرو، أو غصبت من زيد بل من ـــــــــــــــــــــــــــــ كان كذلك، لم يصح لغير النافي استلحاقه. وقوله أهل له، أي للتصديق، بأن كان بالغا عاقلا حيا، وخرج به غيره، كصبي ومجنون وميت، فلا يشترط تصديقه، بل لو بلغ الصبي بعد استلحاقه فكذب المستلحق له لم يبطل نسبه، لأن النسب يحتاط له، فلا يبطل بعد ثبوته (قوله: فإن لم يصدقه) أي بأن كذبه. وقوله أو سكت، أي لم يصدقه ولم يكذبه (قوله: لم يثبت نسبه) أي المستلحق، بفتح الحاء، وقوله إلا ببينة، فإن لم توجد حلف المستلحق، بالكسر، المستلحق، بالفتح، فإن حلف: سقطت دعواه، وإن نكل، حلف الأول وثبت نسبه، ولو تصادقا ثم رجعا لم يسقط النسب (قوله: ولو أقر ببيع) أي بأن قال قد بعت عبدي من فلان (قوله: أو هبة وقبض) أي مع قبض، أي بأن قال وهبت عبدي لفلان وقد قبضه بإذني. وقوله وإقباض، الواو بمعنى أو، ولو اقتصر على الأول لكان أخصر، إذ القبض إما بالإذن من الواهب، أو بإقباضه له (قوله: بعدها) أي الهبة، ولا يشترط الإقرار بالقبض أو الإقباض بعد البيع، إذ حكمه باعتبار اللزوم وعدمه لا يختلف بالنسبة إليه، بخلاف الهبة، فإنه يختلف، ولذا اشترط فيها الإقرار بذلك بعدها (قوله: فادعى فساده) أي ما أقر به من البيع أو الهبة، وقال أقررت لظني صحة ذلك (قوله: لم يقبل) أي المدعي. وقوله في دعواه فساد، متعلق بيقبل (قوله: لأن الاسم) أي اسم المقر به من البيع أو الهبة، أي لفظه، وهو علة لعدم قبول الفساد منه. وقوله عند الإطلاق، أي عند التقيد بكونه فاسدا. وقوله يحمل على الصحيح، أي على العقد الصحيح (قوله: نعم: إن قطع الخ) استدراك على عدم قبول ذلك منه. وقوله ظاهر الحال، أي حال المدعي لذلك (قوله: كبدوي جلف) تمثيل للذي قطع ظاهر الحال بصدقه. وفي المصباح: الجلف العربي الجافي. ونقل ابن الأنباري أن الجلف: جلد الشاة والبعير، وكأن المعنى العربي بجلده لم يتزي بزي الحضر في رقتهم ولين أخلاقهم، فإنه إذا تزيى بزيهم وتخلق بأخلاقهم، كأنه نزع جلده ولبس غيره. اه. والذي يظهر، أن المراد به هنا الجاهل الذي لا يميز بين الصحيح والفاسد، فظن الصحة أولا فيما أقر به، ثم أخبره بأنه فاسد، فادعى فساده (قوله: فينبغي قبول قوله) جواب إن. وقوله كما قاله شيخنا: مثله في النهاية (قوله: وخرج بإقباض) كان الأولى أن يقول وخرج بقبض وإقباض، لأنه ذكرهما في المتن. (وقوله: ما لو اقتصر على الهبة) أي بأن قال وهبته كذا ولم يقل وأقبضته (قوله: فلا يكون الخ) تفريع على ما لو اقتصر على ذلك. وقوله مقرا بإقباض يقال فيه، وفيما سيأتي، مثل ما قيل فيما مر آنفا (قوله: فإن قال) أي المقتصر على الهبة. (وقوله: ملكها ملكا لازما) أي بأن قال وهبت دابتي له وملكها ملكا لازما (قوله: وهو يعرف معنى ذلك) أي معنى قوله ملكها ملكا لازما: أي ما يترتب على ذلك، وهو أن المتهب له أن يتصرف كيف شاء في الموهوب، وليس للواهب الرجوع فيه، وذلك لا يكون إلا بعد القبض، فلذلك كان قوله المذكور، بمنزلة قوله وأقبضته إياه (قوله: كان) أي القائل ذلك في صيغة الإقرار (قوله: وله تحليف المقر له) أي ومع عدم قبول دعوى الفساد منه له أن يحلف المقر له بأن ما أقر به من البيع والهبة ليس فاسدا. (وقوله: لإمكان ما يدعيه) أي لاحتمال ما يدعيه، أي وقد يخفى المفسد أو يغفل عنه (قوله: ولا تقبل ببينته) أي مدعي الفساد. (وقوله: لأنه كذبها) أي البينة. (وقوله: بإقراره) أي المقتضي لصحة ما أقر به (قوله: فإن نكل) أي امتنع المقر له من الحلف على عدم الفساد (قوله: حلف المقر أنه) أي ما ذكر من البيع والهبة (قوله: وبطل) أي حكم ببطلانه. وقوله البيع أو الهبة، المحل للإضمار (قوله: لأن اليمين المردودة الخ) علة للبطلان. وقوله كالإقرار، أي من المقر له، أي كأنه

عمرو: سلم لزيد - سواء قال ذلك متصلا بما قبله أم منفصلا عنه، وإن طال الزمن، لامتناع الرجوع عن الاقرار بحق آدمي وغرم بدله لعمرو. ولو أقر بشئ ثم أقر ببعضه دخل الاقل في الاكثر. ولو أقر بدين لآخر ثم ادعى أداءه إليه وأنه نسي ذلك حالة الاقرار: سمعت دعواه للتحليف فقط. فإن أقام بينة بالاداء: قبلت - على ما أفتى به بعضهم - لاحتمال ما قاله كما لو قال لا بينة لي ثم أتى ببينة تسمع. ولو قال لا حق لي على فلان ففيه خلاف. والراجح منه أنه إن قال فيما أظن أو فيما أعلم ثم أقام بينة بأن له عليه حقا قبلت، وإن لم يقل ذلك لم تقبل ببينته إلا إن اعتذر بنحو نسيان أو غلط ظاهر. ـــــــــــــــــــــــــــــ أقر بالفساد. اه. بجيرمي (قوله: ولو قال) أي المقر. وقوله هذا، أي الثوب أو البيت أو نحوه (قوله: بل لعمرو) أي أو ثم لعمرو (قوله: أو غصبت إلخ) أي أو قال غصبت هذا الشي من زيد بل من عمرو (قوله: سلم) أي المقر به لزيد لسبق الإصرار له (قوله: سواء قال ذلك) أي ما ذكر من قوله بل لعمرو في الصورة الأولى، ومن قوله بل من عمرو في الصورة الثانية، وهو تعميم في تسليمه لزيد (قوله: وإن طال الزمن) غاية في المنفصل (قوله: لامتناع الرجوع الخ) علة لتسليمه لزيد، أي وإنما سلم لزيد ولم يسلم لعمرو لامتناع الخ (قوله: وغرم بدله) أي بدل ما سلم لزيد، أي من مثل في المثلي وقيمة في المتقوم عند ابن حجر، أو من القيمة مطلقا عند الرملي، وذلك لحيلولته بينه وبين ملكه بإقراره الأول (قوله: ولو أقر بشئ ثم أقر ببعضه) كأن أقر بألف ثم بخمسائة. (وقوله: دخل الأقل في الأكثر) أي لأنه يحتمل أنه ذكر بعض ما أقر به، ولو أقر بألف ثم أقر له بألف، ولو في يوم آخر، لزمه ألف فقط، وإن كتب بكل وثيقة محكوما بها، لأنه لا يلزم من تعدد الخبر تعدد المخبر عنه. ولو وصفها بصفتين، كألف صحاح وألف مكسرة، أو أسندهما إلى جهتين، كثمن مبيع مرة وبدل قرض أخرى، لزم القدران لتعذر اتحادهما حينئذ. ومثل ذلك، ما لو قال قبضت منه يوم السبت عشرة، ثم قال قبضت منه يوم الأحد عشرة، فيلزمه القدران (قوله: ولو أقر بدين) أي بأن قال في ذمتي لفلان كذا (قوله: ثم ادعى) أي المقر. وقوله أداء، أي الدين إليه. وقوله وإنه نسي ذلك حالة الإقرار، أي نسي أنه أدى الدين فأقر به ظانا أنه لم يؤده (قوله: سمعت دعواه للتحليف) أي بالنسبة لتحليف المقر له على نفي الأداء رجاء أن ترد اليمين عليه فيحلف المقر ولا يلزمه شئ، فإن حلف المقر له على نفي الأداء، لزمه المقر به، ما لم تقم بينة على الأداء فلا يلزمه، وقوله فقط، أي لا بالنسبة لسقوط المقر به عنه بنحو دعواه (قوله: فإن أقام) أي مدعي الأداء (قوله: قبلت) أي البينة، ولو حلف المقر له (قوله: على ما أفتى به بعضهم) مثله في التحفة، وظاهره التبري منه، ولكن كتب سم عليه ما نصه: اعتمده م ر. اه. (قوله: لاحتمال ما قاله) أي من ادعاء الأداء. قال في التحفة بعده: فلا تناقض (قوله: كما لو قال لا بينة لي ثم أتى ببينة تسمع) أي فإنها تقبل. قال في التحفة عقبه: وفيه، أي في القياس على ما ذكر، نظر، والفرق ظاهر، إذ كثيرا ما يكون للإنسان بينة ولا يعلم بها، فلا ينسب لتقصير، بخلاف مسألتنا اه. (قوله: ولو قال لا حق لي الخ) في الروض وشرحه، وإن قال زيد لا حق لي فيما في يد عمرو، ثم قال زيد، وقد ادعى عينا في يد عمرو، لم أعلم كون هذه العين في يده حين الإقرار صدق بيمينه، لاحتمال ما قاله. اه. وهي لا تفيد التفصيل الذي ذكره الشارح (قوله: ففيه خلاف) في عبارته حذف قبل هذا، وهو ثم ادعى أن له حقا عنده، وكان الأولى ذكره (قوله: والراجح منه) أي من الخلاف. وقوله أنه إن قال، أي بعد قوله أولا لا حق لي. وقوله ثم أقام، أي المقر أولا بأنه لا حق له على فلان (قوله: قبلت) أي البينة، وهو جواب إن (قوله: وإن لم يقل ذلك) أي المذكور من قوله فيما أظن أو فيما أعلم (قوله: لم تقبل بينته) أي لأنها تناقض إقراره، وإنما لم يوجد التناقض فيما إذا قال ذلك، لأنه لا يلزم من نفي علمه أو ظنه بأن له عند فلان كذا أنه ليس له ذلك في الواقع، فقد يكون له في الواقع شئ، مثلا، وهو لم يعلم به، فيقر بأنه ليس له كذا عند فلان ثم يعلم به ويدعيه ويقيم بينة عليه (قوله: إلا إن اعتذر بنحو نسيان) أي نسيان لما ادعى به أنه عند فلان وقوله أو غلط ظاهر، أي في قوله لا حق لي، بأن قال مثلا أردت أن أقول لي عنده كذا فغلطت وقلت لا حق لي عنده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (تتمة) يصح الاستثناء بإلا أو إحدى أخواتها في الإقرار كغيره بشروط، الأول وصل المستثني بالمستثنى منه عرفا، فلا يضر سكتة تنفس وعي وانقطاع صوت، بخلاف الفصل بسكوت طويل وكلام أجنبي، ولو يسيرا، الثاني أن ينويه قبل فراغه من المستثنى منه، وإلا لزم رفع الإقرار بعد لزومه. الثالث عدم استغراق المستثني للمستثنى منه، فإن استغرقه، نحو له علي عشرة إلا عشرة، لم يصح، ما لم يتبعه باستثناء آخر غير مستغرق نحو له علي عشرة إلا عشرة إلا خمسة، فيصح، ويلزمه خمسة. ثم أنه لا فرق في صحة الاستثناء بين أن يكون متصلا، نحو له علي عشرة إلا خمسة، أو منقطعا، نحو له علي ألف إلا ثوبا، ولا فرق أيضا بين تأخير المستثني عن المستثنى منه أو تقديمه عليه، نحو له علي إلا عشرة مائة، ولا فرق أيضا بين الإثبات والنفي. فلو قال ليس له علي شئ إلا عشرة، لزمه عشرة. ولو قال ليس له علي عشرة إلا خمسة، لم يلزمه شئ، لأن العشرة إلا خمسة، عبارة عن خمسة، فكأنه قال ليس له علي خمسة. وإذا تكرر الاستثناء بعطف، فالكل من الأول، نحو له علي عشرة إلا ثلاثة وإلا ألاربعة، فمجموع المستثنى سبعة، وهو مستثنى من العشرة، فيلزمه ثلاثة أو بغير عطف، فكل واحد مستثنى مما قبله، فلو قال على عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدا، لزمه خمسة. وطريق معرفة ذلك، أن تخرج المستثنى الأخير مما قبله، ثم تخرج ما بقي مما قبله، وهكذا، ففي هذا المثال تخرج الواحد من الاثنثن وما بقي من الثلاثة وما بقي من الأربعة، وهكذا حتى تنتهي إلى الأول، فما بقي، فهو المقر به. ولك أن تخرج الواحد من الثلاثة، وما بقي من الخمسة، وهكذا مقتصرا على الأوتار. وهذا أسهل من الأول ومحصل للمطلوب. ولك طريق أخرى، وهي أن الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، فالمعنى له علي عشرة تلزم إلا تسعة لا تلزم إلا ثمانية تلزم، وهكذا. فتجمع الأعداد المثبتة، وكذلك المنفية، ثم تسقط مجموع المنفية من مجموع المثبتة، فالأعداد المثبتة، في المثال المذكور، ثلاثون، والمنفية خمسة وعشرون، فإذا أسقطت المجموع من المجموع، بقي خمسة، وهي المقر به. (ظريفة): قال السيوطي: دخل أبو يوسف على الخليفة هارون الرشيد وعنده الكسائي فقال أبو يوسف له: لو تفقهت لكان أنبل لك. فقال يا أبا يوسف: ما تقول في رجل أقر لفلان بلفظ علي مائة درهم إلا عشرة دراهم إلا درهما واحدا، كم ثبت عليه من الإقرار؟ فقال: تسعة وثمانون. فقال الكسائي له، أخطأت. فقال ولم؟ قال: لأن الله تعالى يقول: * (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين) * فهل كانت المرأة مستثناة من الآل أو من القوم؟ قال من الآل. قال كم ثبت حينئذ عليه من الإقرار؟ فقال: أحد وتسعون. اه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ (1) سورة الحجر، الاية: 58

باب في الوصية

باب في الوصية هي لغة الايصال: من وصى الشئ بكذا وصله به، لان الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه. وشرعا تبرع بحق مضاف لما بعد الموت. وهي سنة مؤكدة إجماعا. وإن كانت الصدقة بصحة فمرض أفضل، فينبغي أن لا ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في الوصية أي في بيان أحكامها. وقدمها على الفرائض لأنه هو الأنسب، إذ الإنسان يوصي ثم يموت ثم تقسم تركته. وأكثرهم أخرها عنها لأن قبولها وردها ومعرفة قدر الثلث ومن يكون وارثا متأخر عن الموت، ولأن الفرائض أقوى وأهم منها، إذ هي ثابتة بحكم الشرع لا تصرف للميت فيها، وهذه عارضة فقد توجد وقد لا توجد، والأصل فيها قبل الإجماع، قوله تعالى، في أربعة مواضع، * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * (1) وتقديمها على الدين للاهتمام بشأنها، ولأن النفس قد لا تسمح بها لكونها تبرعا، وإلا فهو مقدم عليها شرعا بعد مؤن التجهيز. وأخبار، كخبر ابن ماجه: المحروم من حرم الوصية، من مات على وصية مات على سبيل وسنة وتقى وشهادة ومات مغفورا له وكالخبر الذي ساقه الشارح. وكانت أول الإسلام واجبة بكل المال للوالدين والأقربين، لقوله تعالى: * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) * (2) ثم نسخ بوجوبها بآية المواريث، وبقي استحبابها في الثلث فأقل لغير الوارث، وإن قل المال وكثر العيال، قال الدميري، رأيت بخط ابن الصلاح أبي عمرو، أن من مات بغير وصية لا يتكلم في مدة البرزخ، وأن الأموات يتزاورون في قبورهم سواه، فيقول بعضهم لبعض، ما بال هذا؟ فيقال مات من غير وصية اه. قال ع ش: ويمكن حمل ذلك على ما إذا مات من غير وصية واجبة، بأن نذرها، أو خرج مخرج الزجر. اه. وأركانها أربعة: موص، وموصى له، وموصى به، وصيغة. وكلها بشرائطها تعلم من كلامه (قوله: هي لغة الإيصال) أي أنه الوصية في اللغة معناها الإيصال (قوله: من وصى) أي أن الوصية مأخوذة من وصى، وهو بالتخفيف، كوعى، ومن قرأه بالتشديد فقد صحفه (قوله: لأن الموصي الخ) كان الأنسب تأخيره عن المعنى الشرعي، لأنه توجيه لتسميته وصية. اه. بجيرمي (قوله: وصل خير دنياه بخير عقباه) الإضافة فيهما على معنى في: أي وصل الخير المنجز الواقع منه في الدنيا، وهو الطاعات الواقعة منه حال حياته التي من جملتها الإتيان بصيغة الوصية بالخير الواقع في آخرته المسبب عما قبله في حال حياته، فإذا قال أوصيت له بكذا، أو أوصيت بعتق هذا العبد، فهذا خير واقع منه في دنياه، وإعطاء الموصى له الوصية بعد الموت أو إعتاق الوارث بعده خير عقباه، لا يقال القربة الصادرة من الموصي ليست إلا الوصية وهي في حياته، والواقع بعد موته إنما هو أثر ذلك، وهو وصول الموصي به للموصى له أو إعتاق العبد، وهذا الأثر ليس فعل الموصي، لأنا نقول إنما نسب ذلك إليه لتسببه فيه، كما أشرنا إليه، فقد حصل له بإيصائه خير بعد موته، وصدر منه في حياته خير، وقد وصل أحدهما بالآخر، ويحتمل أن المراد أنه وصل خير دنياه، أي تمتعه في الدنيا بالمال، بخير عقباه، أي انتفاعه بالثواب الحاصل بالوصية بالمال، وعلى كل، ففي العبارة قلب، والأصل وصل خير عقباه بخير دنياه، لأن الوصلة تقع بعده فالذي يوصل هو المتأخر، وقد يقال لا حاجة لذلك لأن الإيصال أمر نسبي، فكل منهما متصل بالآخر. اه. ش ق (قوله: وشرعا) عطف على لغة (قوله: مضاف) بالرفع صفة لتبرع، وبالجر صفة لحق، وهو

_ (1) سورة النساء، الاية: 11. (2) سورة البقرة، الاية: 180

يغفل عنها ساعة: كما صرح به الخبر الصحيح ما حق أمرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه أي ما الحزم أو المعروف شرعا إلا ذلك، لان الانسان لا يدري متى يفجؤه الموت. وتكره الزيادة على الثلث إن لم يقصد حرمان ورثته، وإلا حرمت (تصح وصية مكلف حر) مختار عند، الوصية، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى، لأن التبرع في الحال، والحق إنما يعطى للموصى له بعد الموت، فهو المضاف لما بعد الموت، لا التبرع، ثم إن إضافته لما بعد الموت: إما حقيقة: كأعطوه كذا بعد موتي، أو تقديرا: كأوصيت له بكذا، فكأنه قال: بعد موتي، لأن الوصية لا تكون إلا بعد الموت. وزاد شيخ الإسلام وغيره في التعريف: ليس بتدبير ولا تعليق عتق بصفة، لأن كلا منهما ليس بوصية وإن التحقا بها حكما من حيث الاعتبار من الثلث بدليل أنهما لا يتوقفان على القبول، ولا يقبلان الرجوع بالقول، وإن قبلا الرجوع بالفعل، كبيع ونحوه ولو كانا من قبيل الوصية لصح الرجوع عنهما بالقول (قوله: وهي سنة مؤكدة إجماعا) وقد تباح، كالوصية للأغنياء وللكافر والوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات، وعليه حمل قول الرافعي إنها ليست عقد قربة. وقد تجب، كما إذا نذرها، أو ترتب على تركها ضياع حق عليه أو عنده. وقد تحرم كما إذا غلب على ظنه أن الموصى له يصرف الموصى به في معصية، وكما إذا قصد حرمان ورثته بالزائد على الثلث. وقد تكره، كما إذا لم يقصد حرمان ورثته بالزائد على الثلث، وسيذكرهما، فتعتريها الأحكام الخمسة (قوله: وإن كانت الخ) غاية في تأكد الوصية، أي هي مؤكدة، وإن كانت الصدقة المنجزة في حال صحته ثم في حال مرضه أفضل من الوصية. وقوله فمرض، أفاد بالفاء الترتيب في الفضل، فهي في حال الصحة أفضل منها في حال المرض، لخبر الصحيحين: أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا (قوله: فينبغي أن لا يغفل عنها) أي الوصية. وقوله ساعة: أي وقتا ما (قوله: كما صرح به) أي بالانبغاء المذكور (قوله: ما حق امرئ الخ) ما نافية، وحق مبتدأ خبره ما بعد إلا، وجملة له شئ، صفة لامرئ، وجملة يوصي فيه، صفة لشئ، وجملة ببيت، صفة ثانية لامرئ، وهي من بات التامة. ويحتمل أنها هي خبر المبتدأ، وما بعد إلا حال، وهو الأولى، لأن الخبر لا يقترن بالواو، وإن كان الأول هو مقتضى حل الشارح. والمعنى عليه: ما الحزم والرأي حقه أن يبيت ليلة أو ليلتين إلا في هذه الحالة المذكورة لا في غيرها والليلة والليلتان ليستا للتقييد، فالمراد أنه لا يمضي عليه زمن إلا في هذه الحالة، وقوله مكتوبة عند رأسه، أي مع الإشهاد عليها لأن الكتابة بلا إشهاد لا عبرة بها، لما ذكروه في الوديعة أنه لا عبرة بخط ميت على شئ أن هذا وديعة فلان أو في دفتره أن لفلان عندي كذا وديعة، لاحتمال التلبيس. ولو اقتصر على الإشهاد كفى، ولكن السنة الجمع بين الكتابة والشهادة (قوله: أي ما الحزم الخ) تفسير لحاصل معنى الخبر. والحزم هو الرأي السديد. (وقوله: أو المعروف) أي المطلوب. (وقوله: إلا ذلك) أي أن يبيت ووصيته مكتوبة عند رأسه (قوله: لأن الإنسان الخ) علة لكون الحزم والمعروف شرعا ذلك، أي وإنما كان الحزم والمعروف شرعا للإنسان ذلك، لأنه لا يدري متى يفجؤه الموت، ولا يخلو غالبا من أن يكون له أو عليه حقوق فتضيع ورثته أو يضيع أرباب الحقوق من حقهم الذي عنده إذا لم يكن بينة. وينبغي له أن يعدل في وصيته لما روى الإمام أحمد والدارقطني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، فإذا جار في وصيته، فيختم له بسوء عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة فيعدل في وصيته، فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة (قوله: وتكره الزيادة الخ) المناسب تأخير هذه المسألة وذكرها بعد قوله وينبغي لمن ورثته أغنياء أو فقراء أن لا يوصي بزائد على الثلث الخ، وإذا كرهت الزيادة على الثلث. قال سم: فلا يقال فلتبطل الوصية حينئذ، لأن الوصية بالمكروه هنا وقعت تابعة للوصية بالأصل التي هي غير مكروهة، بل مطلوبة، ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره. اه. (قوله: وإلا حرمت) أي وإن قصد حرمان ورثته حرمت، وضعف الحرمة في التحفة، واعتمد الكراهة مطلقا، وعبارتها، بعد قول المنهاج ينبغي أن لا يوصي بأكثر من ثلث، ومن ثم صرح جمع بكراهة الزيادة عليه، وأما تصريح آخرين بحرمتها فهو ضعيف وإن قصد بذلك حرمان ورثته، كما علم مما قدمته في شرح قوله في الوقف كعمارة الكنائس فباطل، وأيضا فهو لا حرمان منه أصلا، أما

فلا تصح من صبي ومجنون ورقيق ولو مكاتبا لم يأذن له السيد ولا من مكره والسكران كالمكلف. وفي قول تصح من صبي مميز (لجهة حل): كعمارة مسجد ومصالحه، وتحمل عليهما عند الاطلاق: بأن قال أوصيت به للمسجد - ولو غير ضرورية - عملا بالعرف. ويصرفه الناظر للاهم والاصلح باجتهاده. وهي للكعبة وللضريح ـــــــــــــــــــــــــــــ الثلث، فلأن الشارع وسع له في ثلثه ليتدارك به ما فرط منه، فلم يؤثر قصده به ذلك. وأما الزائد عليه، فهو إنما ينفذ إن أجازوه، ومع إجازتهم لا ينسب إليه حرمان، فهو لا يؤثر قصده. اه. وقوله كما علم مما قدمته الخ: عبارته هناك. (فرع) يقع لكثيرين أنهم يقفون أموالهم في صحتهم على ذكور أولادهم قاصدين بذلك حرمان إناثهم، وقد تكرر، من غير واحد، الإفتاء ببطلان الوقف حينئذ، وفيه نظر ظاهر، بل الوجه، الصحة. أما أولا فلم نسلم أن قصد الحرمان معصية، كيف وقد اتفق أئمتنا، كأكثر العلماء، على أن تخصيص بعض الأولاد بماله كله أو بعضه هبة أو وقفا أو غيرهما لا حرمة فيه ولو لغير عذر؟ وهذا صريح في أن قصد الحرمان لا يحرم الخ. اه. (قوله: تصح وصية الخ) شروع في بيان شروط الموصي الذي هو أحد الأركان الأربعة (قوله: مكلف حر مختار) أي وإن كان مفلسا أو سفيها لم يحجر عليه أو حجر عليه على المذهب لصحة عبارته أو كان كافرا ولو حربيا (قوله: عند الوصية) قيد في الكل، فالعبرة باستكمال الشروط عند الوصية (قوله: فلا تصح من صبي الخ) شروع في محترزات القيود، وإنما تصح منهم لعدم صحة عبارتهم ولعدم ملك الرقيق أو ضعفه. وقوله ورقيق، أي كله، وأما المبعض فتصح منه بما ملكه ببعضه الحر لوجود أهليته والقول بعدمها، لأنه يستعقب الولاء وهو من غير أهله ممنوع، لأنه إن عتق قبل موته فذاك، وإلا فقد زال رقه بموته. أفاده م ر. وقوله ولو مكاتبا، أي ولو كان الرقيق مكاتبا. وقوله لم يأذن له السيد، أما إذا أذن له فتصح منه (قوله: ولا من مكره) أي ولا تصح من مكره كسائر العقود (قوله: والسكران) أي المتعدي. اه. سم. وقوله كالمكلف، أي فتصح وصيته (قوله: وفي قول تصح من صبي مميز) أي لأنها لا تزيل الملك حالا، ويجاب بأنه لا نظر لذلك مع فساد عبارته حتى في غير المال. اه. تحفة (قوله: لجهة حل) متعلق بوصية، وهو شروع في بيان الموصى له. وأفاد بالإضافة اشتراط عدم معصية في الوصية له إذا كان جهة، ومثلها ما إذا كان غير جهة، وإن كان ظاهر صنيعه يوهم خلافه، فيتشرط فيه عدم المعصية أيضا. وشرط فيه أيضا كونه موجودا معينا أهلا للملك حين الوصية، فلا تصح لكافر بنحو مسلم أو مصحف، ولا لحمل سيحدث لعدم وجوده، ولا لميت لأنه ليس أهلا للملك، ولا لأحد هذين الرجلين لإبهامه، كما سيذكره، ولا فرق في جهة الحل بين أن تكون قربة، كالفقراء وبناء المساجد وعمارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وألحق الشيخ أبو محمد بها قبور العلماء والصالحين لما فيه من إحياء الزيارة أو التبرك بها، أو مباحة لا تظهر فيها القربة كالوصية للأغنياء، وفك أسارى الكفار من المسلمين (قوله: كعمارة مسجد الخ) تمثيل لجهة الحل، أي كأن قال أوصيت بمالي هذا ليعمر به المسجد الفلاني (قوله: ومصالحه) أي المسجد، وهو عطف عام على خاص (قوله: وتحمل) أي الوصية. وقوله عليهما، أي على العمارة وعلى المصالح (قوله: عند الإطلاق) أي إطلاق الوصية وعدم تقييدها بعمارة أو مصالح. وقوله بأن قال الخ: تصوير للإطلاق (قوله: ولو غير ضرورية) أي ولو كانت المصالح الشاملة للعمارة غير ضرورية: أي لازمة لنحو المسجد (قوله: عملا بالعرف) علة للحمل عليهما عند الإطلاق (قوله: ويصرفه الناظر) أي يصرف الموصى به للمسجد للأهم والأصلح من المصالح. قال ع ش: فليس للوصي الصرف بنفسه، بل يدفعه للناظر أو لمن قام مقام الناظر. ومنه ما يقع الآن من النذر لإمامنا الشافعي رضي الله عنه أو غيره من ذوي الأضرحة المشهورة، فيجب على الناظر صرفه لمتولي القيام بمصالحه، وهو يفعل ما يراه فيه. ومنه أن يصنع بذلك طعاما أو خبزا لمن يكون بالمحل المنذور عليه التصدق من خدمته الذين جرت العادة بالإنفاق عليهم لقيامهم بمصالحه اه. (قوله: وهي) أي الوصية. وقوله للكعبة، أي بأن قال أوصيت بمالي للكعبة. وقوله وللضريح النبوي، أي القبر النبوي. وقوله تصرف لمصالحهما، أي الكعبة والضريح النبوي. وفي ع ش: لو أوصى بدراهم لكسوة الكعبة أو الضريح النبوي وكانا غير محتاجين لذلك حالا وفيما شرط من وقفه لكسوتهما ما يفي بذلك، فينبغي أن يقال بصحة الوصية، ويدخر ما أوصى به أو تجدد به كسوة أخرى، لما

النبوي تصرف لمصالحهما الخاصة بهما كترميم ما، وهي من الكعبة دون بقية الحرم، وقيل في الاولى لمساكين مكة. قال شيخنا: يظهر أخذا مما قالوه في النذر للقبر المعروف بجرجان صحة الوصية كالوقف لضريح الشيخ الفلاني، وتصرف في مصالح قبره والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرأون عليه. أما إذا قال للشيخ الفلاني ولم ينو ضريحه ونحوه: فهي باطلة. ولو أوصى لمسجد سيبني: لم تصح، وإن بني قبل موته إلا تبعا، وقيل تبطل فيما لو قال أردت تمليكه وكعمارة نحو قبة على قبر نحو عالم في غير مسبلة. ووقع في زيادات العبادي: ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ في ذلك من التعظيم. اه. (قوله: كترميم ما وهى من الكعبة) أي سقط منها، وهو تمثيل للمصالح الخاصة بالكعبة. وكان المناسب أن يزيد، ومن البناء الكائن على الضريح النبوي، حتى يصير تمثيلا للمصالح الخاصة بالضريح النبوي أيضا (قوله: دون بقية الحرم) أي أرض الحرم، فلا يصرف في مصالحه. ويقال بالنسبة للضريح النبوي دون الأستار الخارجة عنه. ولو أوصى للحرم ويصرف في مصالح الكعبة وبقية الحرم (قوله: وقيل في الأولى) هي الوصية للكعبة. وقوله لمساكين مكة، أي يصرف لهم (قوله: قال شيخنا) عبارته. ويظهر أخذا مما تقرر، أي من صحة الوصية للضريح النبوي وللكعبة، ومما قالوه في النذر للقبر المعروف بجريان صحتها كالوقف لضريح الشيخ الفلاني، ويصرف في مصالح قبره، والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرؤون عليه. ويؤيد ذلك ما مر آنفا من صحتها ببناء قبة على قبر ولي. اه. (قوله: صحة الوصية) فاعل يظهر. وقوله كالوقف، أي كصتحه (قوله: لضريح الشيخ الفلاني) متعلق بكل من الوصية ومن الوقف (قوله: وتصرف) أي الوصية بمعنى الموصى به. ولو قال ويصرف، بالياء، كما في التحفة، لكان أولى. (وقوله: في مصالح قبره) أي كترميم وإسراج ونحوهما (قوله: والبناء الجائز عليه) أي على القبر، كقبة، والعطف من عطف المغاير، إن لم تجعل المصالح شاملة له، وإلا كان من عطف الخاص، والبناء الجائز هو أن يكون في غير مسبلة، كما سيأتي (قوله: ومن يخدمونه) أي وتصرف لمن يخدمون الضريح بكنسه وخدمة الزوار وإسراج المصابيح فيه المحتاج إليها. وفي سم، هل يجري هذا في الوصية للكعبة والضريح النبوي كما هو قياسه؟ اه. (قوله: أو يقرؤون عليه) أي ولمن يقرؤون على الضريح. قال ع ش: هل المراد من اعتاد القراءة عليه كالاسباع التي اعتيد قراءتها في أوقات مخصوصة، أو لكل من اتفقت قراءته عليه وإن لم يكن له عادة بها؟ فيه نظر. ولا يبعد الأول. اه. (قوله: أما إذا قال للشيخ الفلاني) أي أوصيت به للشيخ الفلاني أو أوقفته عليه (قوله: ولم ينو ضريحه) أي صرفه لمصالح ضريحه، وتعلم النية بإخباره. قال ع ش: وشمل قوله ولم ينو، ما لو أطلق وقياس الصحة عند الأطلاق في الوقف على المسجد الصحة هنا، ويحل على عمارته ونحوها. اه. وقوله ونحوه، أي ولم ينو نحو الضريح، أي صرفه لنحوه، كالبناء عليه، أو من يخدمونه، أو يقرؤون عليه (قوله: فهي) أي الوصية لما ذكر. وقوله باطلة، أي لأنها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع (قوله: ولو أوصى لمسجد سيبنى) أي بأن قال أوصيت بهذا المال ليصرف في مصالح المسجد الذي سيبنى (قوله: لم تصح) أي الوصية، لما مر آنفا من أنها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع (قوله: إلا تبعا) أي للموجود، فإنها تصح: كأوصيت لمسجد فلان وما سيبنى من المساجد (قوله: وقيل تبطل الخ) مرتبط بقوله وتحمل عليهما عند الأطلاق، بأن قال أوصيت به للمسجد، فكان الأولى ذكره عقبه، وليس مرتبطا بقوله ولو أوصى لمسجد سيبنى، كما هو ظاهر، وعبارة المنهج وشرحه، وتحمل عند الإطلاق عليهما عملا بالعرف. فإن قال أردت تمليكه، فقيل تبطل الوصية. وبحث الرافعي صحتها بأن للمسجد ملكا وعليه وقفا. قال النووي: هذا هو الأفقه الأرجح. اه. ومثلها عبارة المغني ونصها بعد قول المنهاج وكذا إن أطلقت على الأصح، ويحمل على عمارته ومصالحه. (تنبيه) سكت المصنف عما إذا قال أردت تمليك المسجد، ونقل الرافعي عن بعضهم أن الوصية باطلة، ثم قال ولك أن تقول سبق أن للمسجد ملكا وعليه وقفا، وذلك يقتضي صحة الوصية. قال المصنف، وهو الأفقه الأرجح. وقال ابن الرفعة: في كلام الرافعي في اللقطة ما يفهم جواز الهبة للمسجد. وقال ابن الملقن، وبه صرح القاضي في تعليقه،

أوصى بأن يدفن في بيته بطلت الوصية. وخرج بجهة حل: جهة المعصية - كعمارة كنيسة وإسراج فيها وكتابة نحو توراة وعلم محرم (و) تصح (لحمل) موجود حال الوصية يقينا، فتصح لحمل انفصل وبه حياة مستقرة لدون ستة أشهر من الوصية أو لاربع سنين فأقل ولم تكن المرأة فراشا لزوج أو سيد وأمكن كون الحمل منه، لان ـــــــــــــــــــــــــــــ والكعبة في ذلك كالمسجد، كما صرح في البيان نقلا عن الشيخ أبي علي. اه. وقوله بأن للمسجد ملكا وعليه وقفا، أي بأن اللفظ المشتمل على قوله للمسجد يكون ملكا والمشتمل على قوله عليه يكون وقفا، فالتعبير باللام يفيد الملك، وبعلى يفيد الوقف (قوله: وكعمارة) عطف على كعمارة مسجد. وقوله نحو قبة، أي كقنطرة. وقوله على قبر نحو عالم، كنبي وولي. وعبارة النهاية: وشمل عدم المعصية القربة كعمارة المساجد ولو من كافر، وقبور الأنبياء والعلماء والصالحين لما في ذلك من إحياء الزيارة والتبرك بها. ولعل المراد به، أي بتعمير القبور، أن تبنى على قبورهم القباب والقناطر، كما يفعل في المشاهد، لا بناء القبور نفسها، للنهي عنه. اه. باختصار. وقوله في غير مسبلة، متعلق بعمارة، أي عمارة ذلك في غير مقبرة مسبلة، بأن كانت مملوكة لنحو ذلك الولي أو لمن دفنه فيها، فإن كانت مسبلة أو موقوفة، حرم ذلك لما فيه من التضييق (قوله: ووقع) أي وجد. وقوله ولو أوصى الخ: فاعل الفعل (قوله: بطلت الوصية) قال في التحفة: ولعله بناه على أن الدفن في البيت مكروه، وليس كذلك ومثله في النهاية (قوله: وخرج بجهة حل جهة المعصية) أي فالوصية لها باطلة، وذلك لأن القصد منها تدارك ما فات في حال الحياة من الإحسان، فلا يجوز أن يكون معصية (قوله: كعمارة كنيسة) أي كالوصية لعمارة كنيسة، أي لأجل التعبد فيها فلا يجوز، لأنها معصية. أما كنيسة تنزلها المارة، أو موقوفة على قوم يسكنونها، أو تحمل أجرتها للنصارى، فتجوز. وحكى الماوردي وجها إنه إن خص نزولها بأهل الذمة حرم، واختاره السبكي. ولو وصي ببنائها لنزول المارة والتعبد معا، لم يصح في أحد وجهين. ويظهر ترجيحه تغليبا للحرمة، وسواء أوصى لما ذكر مسلم أو كافر، بل قيل إن الوصية ببناء الكنيسة من المسلم ردة، ولا تصح أيضا الوصية ببناء موضع لبعض المعاصي كالخمارة، وقوله وإسراج فيها، أي وكالوصية لإسراج في الكنيسة فلا تجوز، ومحله إذا كان ذلك بقصد تعظيمها، أما إذا قصد انتفاع المقيمين والمجاورين بضوئها فهي جائزة، وإن خالف في ذلك الأذرعي. أفاد ذلك كله في المغني (قوله: وكتابة نحو توراة) أي وكالوصية لكتابة نحو توراة كإنجيل فلا يجوز، ومثل الكتابة القراءة. قال ع ش: أي ولو غير مبدلين، لأن فيه تعظيما لهم. اه (قوله: وعلم محرم) أي وكتابة علم محرم كأحكام شريعة اليهود والنصارى وكتب النجوم والفلسفة، ومثل الكتابة القراءة، فالوصية لها باطلة أيضا (قوله: وتصح لحمل الخ) هذا مرتب على ما إذا كان الموصى له غير جهة الذي هو عديل قوله لجهة، فكان الأولى والأخصر أن يأتي به وشرطه، ثم يفرع عليه ما ذكر، كأن يقول مثلا ولغير جهة بشرط أن يكون موجودا حال الوصية يقينا فتصح لحمل الخ، كما صنع في المنهاج، وعبارته، وإذا أوصى لجهة عامة فالشرط أن لا تكون معصية، أو لشخص فالشرط أن يتصور له الملك، فتصح لحمل، وتنفذ إن انفصل حيا وعلم وجوده عندها. اه (قوله: موجود) أي معين، وسيبين محترزه (قوله: فتصح لحمل) أي حرا كان أو رقيقا من زوج أو شبهة أو زنا، وهو مفرع على وجوده حال الوصية يقينا، وكان الأولى، والأخصر أن يحذف هذه الجملة ويقتصر على ما بعدها ويذكر بعنوان التصوير، كأن يقول بأن انفصل الخ ويكون عليه قوله الآتي لا لحمل سيحدث معطوفا على قوله لحمل في المتن. فتنبه. وقوله انفصل، أي وتنفذ إن انفصل، كما يعلم من عبارة المنهاج المارة آنفا، وقوله وبه حياة مستقرة، أي والحال أن فيه حياة مستقرة، فإن انفصل وليست فيه، لم يستحق شيئا (قوله: لدون ستة أشهر) أي وإن كانت فراشا لزوج أو سيد، لأنها أقل مدة الحمل، فيعلم أنه كان موجودا عندها. اه. تحفة (قوله: أو لأربع سنين) أي أو انفصل لأربع سنين، فإن انفصل لأكثر من أربع سنين لا يستحق شيئا، للعلم بحدوثه بعدها. وقوله فأقل، أي من أربع سنين صادق بما إذا انفصل لدون ستة أشهر، وليس مرادا، لأنه قد صرح به فيما قبله، بل المراد ما انفصل لستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين (قوله: ولم تكن المرأة فراشا لزوج أو سيد) قيد في المعطوف، أعني قوله انفصل لأربع سنين فأقل فقط، لما علمت من التحفة أنه إذا انفصل لدون ستة أشهر لا فرق فيه بين أن تكون

الظاهر وجوده عندها لندرة وطئ الشبهة وفي تقدير الزنا إساءة ظن بها. نعم: لو لم تكن فراشا قط لم تصح الوصية قطعا لا لحمل سيحدث وإن حدث قبل موت الموصي: لانها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع، فأشبهت الوقف على من سيولد له. نعم، إن جعل المعدوم تبعا للموجود - كأن أوصى لاولاد زيد الموجودين ومن سيحدث له من الاولاد - صحت لهم تبعا، ولا لغير معين فلا تصح لاحد هذين. هذا إذا كان بلفظ الوصية، فإن كان بلفظ أعطوا هذا لاحدهما: صح، لانه وصية بالتمليك من الموصى إليه. (و) تصح (لوارث) للموصي (مع ـــــــــــــــــــــــــــــ فراشا وبين أن لا تكون كذلك. وخرج به ما إذا كانت فراشا لمن ذكر فإنه لا يستحق شيئا، لاحتمال حدوثه من ذلك الفراش بعد الوصية. وفي البجيرمي نقلا عن ق ل، المراد بالفراش وجود وطئ يمكن كون الحمل منه بعد وقت الوصية، وإن لم يكن من زوج أو سيد بل الوطئ ليس قيدا إذ المدار على ما يحال عليه وجود الحمل. اه. (قوله: وأمكن كون الحمل منه) الجملة حال من فراشا أي فراشا حال كونه يمكن أن يكون ذلك الحمل المنفصل لأربع سنين فأقل منه. وعبارة شرح المنهج أمكن، بإسقاط الواو وهو الأولى، وعليها فالجملة صفة لفراشا، أي فراشا موصوفا بإمكان كون الحمل منه، فإن كانت فراشا له لكن لا يمكن أن يكون ذلك الحمل منه، بأن يكون ذو الفراش ممسوحا، كان كالعدم واستحق الموصى به (قوله: لأن الظاهر الخ) علة لصحة الوصية للحمل بالنسبة لما إذا انفصل لأربع سنين فأقل. وقوله وجوده أي الحمل عندها أي الوصية (قوله: لندرة وطئ الشبهة) علة للعلة. قال البجيرمي: أي من غير ضرورة تدعو إلى ذلك فلا يرد ما إذا ولدته لدون ستة أشهر ولم تكن فراشا فيتعين حمله على وطئ الشبهة أو الزنا. اه. (قوله: نعم: لو لم تكن فراشا قط) أي لا قبل الوصية ولا بعدها. وفي البجيرمي ما نصه: هذا الإستدراك خرج مخرج التقييد لما سبق كأنه قال هذا إذا عرف لها فراش سابق ثم انقطع، فإن لم يكن لها فراش أصلا لم تصح الوصية لانتفاء الظهور وانحصار الطريق في وطئ الشبهة أو الزنا. ح ل. اه. وقوله لم تصح الوصية قطعا، أي لاحتمال وجوده معها أو بعدها من وطئ شبهة أو زنا، ولا يرد ما تقدم من أن وطئ الشبهة نادر وفي تقدير الزنا إساءة ظن، لأن محل ذلك ما لم يضطر إليه، كما تقدم آنفا عن البجيرمي - (قوله: لا لحمل سيحدث) معطوف على الحمل، أي لا تصح الوصية للحمل الذي سيوجد، وهذا محترز قوله موجود (قوله: وإن حدث الخ) غاية في عدم صحة الوصية للذي سيحدث (قوله: لأنها) أي الوصية، وهو علة لعدم صحتها للحمل الذي سيحدث. وقوله وتمليك المعدوم ممتنع، من جملة العلة (قوله: فأشبهت) أي الوصية. (وقوله: الوقف على من سيولد له) أي فإنه لا يصح عليه لأنه معدوم (قوله: نعم إلخ) استدراك على عدم صحة الوصية للمعدوم. (وقوله: إن جعل المعدوم تبعا للموجود) أي في الوصية. وقوله كأن أوصى الخ تمثيل لجعل المعدوم تبعا له (قوله: صحت) أي الوصية قال في التحفة: كما هو قياس الوقف، إلا أن يفرق بأن من شأن الوصية أن يقصد بها معين موجود، بخلاف الوقف، لأنه للدوام المقتضي لشموله للمعدوم ابتداء. ثم رأيت بعضهم اعتمد القياس وأيده إلخ. اه. (قوله: ولا لغير معين) أي ولا تصح لغير معين، أي لمبهم، وهذا محترز قيد ملحوظ في كلامه وهو كونه معينا، كما علمت. (قوله: فلا تصح لأحد هذين) الأخصر أن يجعله تمثيلا بأن يقول: كأحد هذين (قوله: هذا إلخ) أي ما ذكر من عدم صحتها لأحد هذين. وقوله إذا كان بلفظ الوصية، اسم كان يعود على الموصي، والجارو المجرور خبرها، إلا أنه يقدر المتعلق خاصا بدلالة المقام، أي إذا كان الموصى معبرا عما ذكر بلفظ الوصية، بأن قال أوصيت لأحد هذين (قوله: فإن كان بلفظ أعطوا) أي فإن كان الموصي معبرا عنه بلفظ أعطوا أحد هذين: صح (قوله: لأنه وصية بالتمليك من الموصى إليه) علة للصحة إذا كان التعبير بلفظ الإعطاء، أي وإنما صح حينئذ لأنه وصية بالتمليك الصادر من الموصى إليه وتمليكه لا يكون إلا لمعين، بخلاف ما إذا كان بلفظ الوصية فإنه تمليك من الموصى وهو لغير معين فلا يصح. (والحاصل) أن قصده بهذه العلة بيان الفرق بين ما إذا عبر بلفظ الوصية وما إذا عبر بلفظ الإعطاء وحاصله أنه في الأولى تمليك لغير معين وهو لا يصح، وفي الثانية فوض التمليك للموصى إليه والتمليك منه لا يكون إلا لمعين منهما فصح ذلك كما إذا قال الموكل للوكيل بعه لأحد هذين فإنه يصح، والوكيل يعين أحدهما (قوله: وتصح للوارث للموصي

إجازة) بقية (ورثته) بعد موت الموصي وإن كانت الوصية ببعض الثلث ولا أثر لاجازتهم في حياة الموصي: إذ لا حق لهم حينئذ، والحيلة في أخذه من غير توقف على إجازة أن يوصي لفلان بألف: أي وهو ثلثه فأقل إن تبرع لولده بخمسمائة، أو بألفين كما هو ظاهر. فإذا قبل وأدى للابن ما شرط عليه. أخذ الوصية، ولم يشارك بقية الورثة الابن فيما حصل له. ومن الوصية له إبراؤه وهبته والوقف عليه. نعم، لو وقف عليهم ما يخرج من الثلث على قدر نصيبهم نفذ من غير إجازة، فليس لهم نقضه. والوصية لكل وارث بقدر حصته - كنصف وثلث - لغو، ـــــــــــــــــــــــــــــ مع إجازة الخ) قيده شيخ الإسلام، وتبعه الخطيب في مغنيه بالخاص واحترز به عن العام كما لو أوصى لإنسان من المسلمين معين بالثلث فأقل وكان وارثه بيت المال فإنها تصح ولا تتوقف على إجازة الإمام، ورده في التحفة والنهاية بأن الوارث جهة الإسلام لا خصوص الموصى له فلا يحتاج للإحتراز عنه لأنه ليس بوارث فالوصية وصية لغير وارث، وهي إذا خرجت من الثلث لا تتوقف على إجازة. والعبرة بكونه وارثا وقت الموت دون وقت الوصية. فلو أوصى لأخيه ولا ابن له فحدث له ابن قبل موته تبين أنها وصية لغير وارث، أو أوصى لأخيه وله ابن فمات الابن قبل موت الموصي. فهي وصية لوارث. وقوله بقية ورثته، أي المطلقين التصرف، فلو لم يجيزوا بطلت. وكذلك تبطل فيما إذا لم يكن له وارث غير الموصى له، لتعذر إجازته لنفسه. وإذا كان فيهم محجور عليه بسفه أو صغر أو جنون فلا تصح إجازته، بل إن توقعت أهليته انتظرت، وإلا بطلت. قال في فتح الجواد. وإجازتهم هنا وفيما يأتي تنفيذ لصحة الوصية لكونها غير لازمة رعاية لهم، لا ابتداء تمليك، فلا رجوع لهم. اه. (قوله: بعد موت الموصي) متعلق بإجازة: أي وإنما تعتبر الإجازة، أي أو الرد، بعد موت الموصي، وسيأتي محترزه (قوله: وإن كانت الوصية ببعض الثلث إلخ) غاية في اشتراط إجازة بقية الورثة، أي لا بد من إجازتهم ولو كانت الوصية ببعض الثلث، وإن قل جدا، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - لا وصية لوارث إلا أن تجيز الورثة رواه البيهقي (قوله: ولا أثر لإجازتهم في حياة الموصي) هو محترز قوله بعد موت الموصي (قوله: إذ لا حق لهم حينئذ) علة لكونه لا أثر لإجازتهم قبل موته، أي وإنما كان لا أثر لذلك لأنهم لاحق لهم حين إذ كان الموصى حيا، وذلك لاحتمال برئه وموته (قوله: والحيلة في أخذه الخ) يعني إذا أراد المورث أن يخص أحد أولاده بشئ بعد موته ويأخذه من غير توقف على إجازة بقية الورثة، فليوص لأجنبي ويعلق الوصية على تبرعه لولده بشئ فإذا مات الموصي وقبل الأجنبي الوصية وتبرع لولده، صحت الوصية، وأخذ الولد ما تبرع به عليه من غير توقف على الإجازة، فهذه حيلة وطريق لأخذ الولد الوارث المال من غير توقف على الإجازة، لأنه في الظاهر ليس من مال المورث، وإنما هو من مال الأجنبي. وفي الحقيقة هو من مال مورثه، لأنه لو لم يوص للأجنبي لما تبرع ذلك الأجنبي على ولد الموصي (قوله: أن يوصي لفلان) أي الأجنبي (قوله: أي وهو) أي الألف ثلثه أي ثلث مال الموصى فأقل، أي أو أكثر، لكنه يتوقف على الإجازة في الزائد (قوله: إن تبرع) أي فلان الأجنبي، وقوله لولده: أي ولد الموصي (قوله: كما هو ظاهر) راجع لقوله أو بألفين، أي لا فرق في الذي يتبرع به فلان بين أن يكون أقل من الموصى به له أو أكثر (قوله: أخذ الوصية) أي الموصى به ولم يشارك بقية الورثة الابن. قال في التحفة بعده: ويوجه بأنه لم يحصل له من مال الميت شئ تميز به حتى يحتاج لإجازة بقية الورثة. اه. قال البجيرمي، بعد نقله ما ذكر: وعليه فلا يكون من الوصية لوارث إلا أن يقال أنه لما علق وصيته لزيد على ما ذكر جعل كأنه وصية لوارث. تأمل. اه. (قوله: ومن الوصية له الخ) أي ومن معنى الوصية للوارث إبراؤه من دين له عليه وهبته شيئا والوقف عليه، فيتوقف صحة ذلك على إجازة بقية الورثة. قال ع ش: والكلام في التبرعات المنجزة في مرض الموت أو المعلقة به. أما ما وقع منه في الصحة فينفذ مطلقا، ولا حرمة، وإن قصد به حرمان الورثة، اه. (قوله: نعم، لو وقف الخ) هذه الصورة مستثناة من الوقف. وقوله عليهم، أي على الورثة، وقوله على قدر نصيبهم، متعلق بوقف أي وقف ذلك على قدر نصيبهم، وذلك كمن له ابن وبنت وله دار تخرج من ثلثه فوقف ثلثيها على الابن وثلثها على البنت (قوله: نفذ) أي الوقف. وقوله من غير إجازة، أي من غير احتياج إلى إجازة بعض الورثة لبعضهم، لأنه لما لم يضر أحد الورثة لم تتوقف الصحة على الإجازة، ولأنه لو وقفها على أجنبي لم تتوقف على إجازتهم، فكذا عليهم (قوله:

لانه يستحقه بغير وصية، ولا يأثم بذلك. وبعين هي قدر حصته: كأن ترك ابنين وقنا ودارا قيمتهما سواء، فخص كلا بواحد صحيحة إن أجازا. ولو أوصى للفقراء بشئ لم يجز للوصي أن يعطى منه شيئا لورثة الميت، ولو فقراء - كما نص عليه في الام - وإنما تصح الوصية (بأعطوه كذا)، وإن لم يقل من ما لي أو وهبته له أو جعلته له (أو هو له بعد موتي) في الاربعة، وذلك لان إضافة كل منها للموت صيرتها بمعنى الوصية (وبأوصيت له) بكذا وإن لم يقل بعد موتي لوضعها شرعا لذلك. فلو اقتصر على نحو وهبته له: فهو هبة ناجزة، أو على نحو ادفعوا ـــــــــــــــــــــــــــــ فليس لهم) أي للورثة الموقوف عليهم. وقوله نقضه: أي إبطاله، أي الوقف، ولا إبطال شئ منه، لأنه تصرفه في ثلث ماله نافذ (قوله: والوصية) مبتدأ خبره لغو. وقوله لكل وارث، يخرج به البعض، كما لو كان له ثلاثة بنين فأوصى لواحد منهم معين بثلث ماله فتصح الوصية، لكن تتوقف على إجازة الباقين، فإن أجازها قاسمها في الثلثين الباقيين كما هو ظاهر اه. سم وقوله بقدر حصته، أي مشاعا. وقوله كنصف أو ثلث، كأن مات عن أخت وأم فالأولى لها النصف والثانية لها الثلث، فلو وقف داره عليهما بقدر حصتهما صح ذلك (قوله: ولا يأثم بذلك) أي بالوصية المذكورة. قال في التحفة: لأنه مؤكد للمعنى الشرعي لا مخالف له، بخلاف تعاطي العقد الفاسد. اه. (قوله: وبعين) معطوف على بقدر حصته، أي والوصية لكل وارث بعين هي قدر حصته. قال سم: فخرج بعض الورثة، لكن حكمه كالكل بالأولى. اه. وفي المغني: والدين كالعين فيما ذكر، كما بحثه بعضهم، اه (قوله: صحيحة) خبر المبتدأ المقدر. وقوله إن أجازا، أي أجاز كل منهما صاحبه، وإنما توقفت صحتها على الإجازة لاختلاف الأغراض في الأعيان (قوله: ولو أوصى للفقراء بشئ لم يجز للوصي الخ) وإنما جاز أخذ الواقف الفقير مما وقفه على الفقراء لأن الملك ثم لله فلم ينظر إلا لمن وجد فيه الشرط، وهنا ألحق لبقية الورثة وللميث فلم يعط وارثه. اه. تحفة (قوله: كما نص عليه في الأم) أي حيث قال في قول الموصى ثلث مالي لفلان يضعه حيث يراه الله تعالى، أي أو حيث يراه هو أنه لا يأحذ منه لنفسه شيئا ولا يعطي منه وارثا للميث، لأنه إنما يجوز له ما كان يجوز للميث بل يصرفه في القرب التي ينتفع بها الميت، وليس له حبسه عنده ولا إيداعه لغيره، ولا يبقى منه في يده شيئا يمكنه أن يخرجه ساعة من نهار، وفقراء أقاربه أولى، ثم أحفاده، ثم جيرانه، والأشد تعففا وفقرا أولى. اه. ملخصا. وكأنه أراد بأحفاده محارمه من الرضاع لينتظم الترتيب. اه. تحفة (قوله: وإنما تصح الوصية إلخ) شروع في بيان الصيغة التي هي أحد الأركان، وهي كل لفظ أشعر بالوصية، وهي تنقسم إلى صريح، وهو ما ذكره بقوله أعطوه كذا الخ، وإلى كناية، وهي ما ذكره بقوله وتنعقد بالكناية، كقوله عينت هذا له الخ (قوله: بأعطوه كذا) أي أو ادفعوا إليه كذا. (قوله: وإن لم يقل من مالي) غاية في صحة الوصية بأعطوه كذا، أي تصح الوصية بقوله أعطوه كذا، وإن لم يضف إليه من مالي (قوله: أو وهبته الخ) معطوف على أعطوه كذا. ومثله حبوته أو ملكته أو تصدقت عليه (قوله: أو هو) أي هذا المال مثلا له، أي لزيد مثلا (قوله: بعد موتي في الأربعة) أي هو قيد في الألفاظ الأربعة، أعني قوله أعطوه كذا الخ، ومثل قوله بعد موتي، قوله بعد عيني، أو إن قضى الله علي، وأراد الموت، (قوله: وذلك لأن إضافة كل منها الخ) أي وإنما صحت بهذه الألفاظ المذكورة، مع أنها ليست من مادة الوصية، لأن إضافة كل منها للموت صيرتها بمعنى الوصية، فاسم الإشارة عائد على كونها صحت بهذه الألفاظ. ولو زاد قبل إسم الإشارة وهذه الأربعة من الصريح في الوصية وجعل اسم الإشارة عائدا إليه لكان أولى (قوله: وبأوصيت الخ) معطوف على قوله بأعطوه، أي وتصح الوصية بأوصيت له بكذا، وإن لم يضم إليه بعد موتي، (قوله: لوضعها شرعا لذلك) أي لما كان بعد الموت، أي للتمليك الحاصل بعد الموت، وهو تعليل للغاية، أي وإنما صحت بأوصيت مع عدم انضمام بعد موتي إليه لأن هذه الصيغة موضوعة في الشرع لما ذكر (قوله: فلو اقتصر الخ) محترز تقييد الأربعة الألفاظ الأول ببعد الموت. وقوله على نحو وهبته، أي كحبوته وملكته. وقوله فهو هبة ناجزة، أي وليست وصية، وإن نواها، وذلك لأنه وجد نفاذا في موضوعه، وهو التمليك المنجز في حال الحياة، فلا يكون كناية في غيره، وهو الوصية. ثم إن كان في مرض الموت حسب من الثلث، كالوصية، وإن كان في الصحة أو مرض لم يمت فيه فمن رأس المال (قوله: أو نحو على ادفعوا) أي أو اقتصر

إليه من مالي كذا أو أعطوا فلانا من مالي كذا: فتوكيل يرتفع بنحو الموت وليست كناية وصية، أو على جعلته له: احتمل الوصية والهبة، فإن علمت نيته لاحدهما، وإلا بطل، أو على ثلث مالي للفقراء لم يكن إقرارا ولا وصية للفقراء. قال شيخنا: ويظهر أنه كناية وصية، أو على هو له فإقرار، فإن زاد من مالي فكناية وصية. وصرح جمع متأخرون بصحة قوله لمدينة إن مت فأعط فلانا ديني الذي عليك أو ففرقه على الفقراء، ولا يقبل قوله في ذلك، بل لا بد من بينة به. وتنعقد بالكناية: كقوله عينت هذا له، أو ميزته له، أو عبدي هذا له. والكتابة كناية فتنعقد بها ـــــــــــــــــــــــــــــ على نحو ادفعوا إليه من مالي كذا والمناسب أن يحذف هذا ويقتصر على نحو أعطوه كذا، لأنه هو المذكور في كلامه. وأما نحو ادفعوا فلم يذكره رأسا، ولعله سرى له من عبارة شيخه في التحفة (قوله: فتوكيل) أي فهو توكيل، والفاء واقعة في جواب لو مقدرة قبل قوله أو على نحو ادفعوا الخ: أي أو لو اقتصر على الخ فهو توكيل. وقوله يرتفع: أي التوكيل بنحو الموت، كالجنون، فإذا أعطى الوكيل قبل موته صح، وإن كان بعد موته لا يصح، لأنه ينعزل بموت الموكل (قوله: وليست الخ) أي وليست هذه الألفاظ الثلاث، أعني وهبته له، وادفعوا له، وأعطوه كذا، من غير تقييدها ببعد الموت، كناية وصية، وذلك لأنها من الصرائح في بابها، أعني باب الهبة، ووجدت طريقا في استعمالها في موضوعها، فلا تحمل على أنها كناية في غيره، نظير ما سيأتي في قوله، أو على قوله فإقرار، (قوله: أو علي جعلته له) أي أو اقتصر على جعلته له. (وقوله: احتمل الوصية والهبة) أي فهو صالح لأن يكون وصية وأن يكون هبة. وجعل الحاوي له من صرائح الوصية غلط (قوله: فإن علمت نيته لأحدهما) أي الوصية أو الهبة، وجواب إن محذوف، أي فيعمل به (قوله: وإلا بطل) أي وإن لم تعلم نيته لواحد منهما بطل اللفظ المذكور (قوله: أو على ثلث مالي للفقراء) أي أو لو اقتصر على قوله ثلث مالي للفقراء. والمناسب حذف هذا أيضا، لأنه لم يذكر في كلامه سابقا مقيدا حتى يصح قوله فإن اقتصر عليه، أي ذكره من غير تقييد بقوله بعد موتي، ولعله سرى له من عبارة شيخه أيضا (قوله: لم يكن إقرارا) أي للفقراء بثلث ماله. قال في التحفة. (فإن قلت) لم لم يكن إقرارا بنذر سابق؟ (قلت) لأن قوله مالي الصريح في بقائه كله على ملكه ينفي ذلك، وإن أمكن تأويله، إذ لا إلزام بالشك. ومن ثم لو قال ثلث هذا المال للفقراء لم يبعد حمله على ذلك ليصح، لأن كلام المكلف متى أمكن حمله على وجه صحيح من غير مانع فيه لذلك حمل عليه. اه. (قوله: ولا وصية) أي ولم يكن وصية، أي لأنه ليس من ألفاظها الصريحة ولا الكناية (قوله: ولا وصية للفقراء) أي صريحة (قوله: قال شيخنا ويظهر أنه كناية وصية) مثله في النهاية (قوله: أو على هو له) أي أو لو اقتصر على قوله هو، أي العبد مثلا، له. وقوله فإقرار، أي لأنه من صرائحه ووجد نفاذا في موضوعه، أي طريقا في استعماله في موضوعه، فلا يحمل على أنه كناية وصية. ومثله ما لو اقتصر على قوله هو صدقة أو وقف على كذا فينجز من حينئذ، وإن وقع جوابا ممن قيل له أوص، لأن وقوعه كذلك لا يفيد في صرفه عن كونه صدقة أو وقفا (قوله: فإن زاد من مالي) أي بأن قال هو له من مالي (قوله: فكناية وصية) أي لاحتمال الوصية والهبة الناجزة فافتقر للنية، فلو مات ولم تعلم نيته بطلت، لأن الأصل عدمها. قال في التحفة: والإقرار هنا غير متأت لأجل قوله مالي، نظير ما مر، اه (قوله: وصرح جمع متأخرون بصحة قوله) أي الدائن، وهو حينئذ وصية، لأنه علقه بالموت (قوله: ولا يقبل قوله) أي المدين. وقوله في ذلك، أي أن الدائن قال له أعط الدين لفلان أو فرقة للفقراء. (وقوله: بل لا بد من بينة به) أي بقول الدائن له ما ذكر نظير ما لو اعترف أن عنده مالا لفلان الميت، وادعى أنه قال له هذا لفلان أو أنت وصيي في صرفه في كذا، فإنه لا يصدق إلا ببينة - كما رجحه الغزي وغيره -. (تنبيه) قال في الأسني: لو قال كل من ادعى بعد موتي شيئا فأعطوه له ولا تطالبوه بالحجة، فادعى اثنان بعد موته بحقين مختلفي القدر ولا حجة، كان كالوصية تعتبر من الثلث، وإن ضاق على الوفاء قسم بينهما على قدر حقيهما. قاله

مع النية، ولو من ناطق - إن اعترف نطقا هو أو وارثه بنية الوصية بها - ولا يكفي هذا خطي وما فيه وصيتي، وتصح بالالفاظ المذكورة من الموصي (مع قبول) موصى له (معين) محصور إن تأهل، وإلا فنحو وليه (بعد موت موص) ولو بتراخ، فلا يصح القبول كالرد قبل موت الموصي، لان للموصي أن يرجع فيها. فلمن رد قبل الموت ـــــــــــــــــــــــــــــ الروياني. وفي الأشراف: لو قال المريض ما يدعيه فلان فصدقوه فمات، قال الجرجاني هذا إقرار بمجهول وتعيينه للورثة. اه. وقوله إقرار بمجهول، قال في التحفة: فيه نظر، لأن قوله يدعيه تبرؤ منه، ولأن أمره لغيره بتصديقه لا يقتضي أنه هو مصدقه، فلو قيل إنه وصية أيضا لم يبعد. اه. وفي سم ما نصه: في فتاوى السيوطي رجل له مساطير على غرماء من عشرين سنة وأكثر وأقل، وأوصى أن من أنكر شيئا مما عليه أو ادعى وفاءه يحلف ويترك، فهل يعمل بذلك والحال أن في الورثة أطفالا؟ (الجواب) نعم، يعمل به خصوصا إذا لم تكن بينة تشهد بما في المساطير فإنها لا تقوم بها حجة الخ. اه (قوله: وتنعقد) أي الوصية. وقوله بالكناية، هي التي تحتمل الوصية وغيرها، ومعلوم أن الكناية تفتقر إلى النية. قال ع ش: وهل يكتفي في النية باقترانها بجزء من اللفظ أو لا بد من اقترانها بجميع اللفظ كما في البيع؟ فيه نظر، والأقرب الأول. ويفرق بينهما بأن البيع لما كان في مقابلة عوض احتيط له، بخلاف ما هنا. اه (قوله: كقوله الخ) تمثيل للكناية. وقوله عينت هذا له أو ميزته له، إنما كان ما ذكر كناية في الوصية لشمول التمييز والتعيين للتمليك بالوصية ولغيره كالإعارة (قوله: أو عبدي هذا له) إنما كان كذلك لاحتمال أن يكون المراد موصى به له أو عارية له (قوله: والكتابة كناية) أي الوصية بالكتابة كناية، وإن كان المكتوب صريحا (قوله: فتنعقد) أي الوصية. وقوله بها، أي الكتابة. وقوله مع النية، أي نية الوصية، فإذا كتب لزيد كذا ونوى به الوصية صح ذلك وكان وصية (قوله: ولو من ناطق) غاية للانعقاد بالكتابة مع النية (قوله: إن اعترف الخ) قيد للانعقاد بها من الناطق، أي لا تنعقد بها منه إلا إن اعترف بالنية نطقا، بأن قال نويت بها الوصية لفلان، وخرج بالناطق، غيره، كمن اعتقل لسانه، فلا يشترط الاعتراف منه بذلك، لتعذه، بل يكفي منه - في صحة الوصية - الكتابة مع النية الإشارة أيضا كالبيع. وروي أن أمامة بنت أبي العاصي أصمتت، فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا؟ فاشارت أن نعم. فجعل ذلك وصية (قوله: ولا يكفي) أي عن الاعتراف بالنية نطقا هذا خطي وما فيه وصيتي، إذ مجرد الكتابة لا يلزم منه النية. وفي الروض وشرحه، فلو كتب أوصيت لفلان بكذا وهو ناطق وأشهد جماعة أن الكتابة خطه وما فيه وصية ولم يطلعهم عليه، أي على ما فيه، لم تنعقد وصيته، كما لو قيل له أوصيت لفلان بكذا؟ فأشار أن نعم. اه (قوله: وتصح) أي الوصية، وهو دخول على المتن. (وقوله: بالألفاظ المذكورة) أي الصريحة والكناية. (وقوله: من الموصي) متعلق بمحذوف صفة للألفاظ المذكورة، أي الألفاظ الصادرة من الموصي (قوله: مع قبول موصى له) أي باللفظ، ولا يكفي الفعل، وقيل يكفي. وعبارة التحفة، قال الزركشي ظاهر كلامهم أن المراد القبول اللفظي، ويشبه الاكتفاء بالفعل، وهو الأخذ، كالهداية. اه. وسبقه إليه القمولي فقال في الرهن يكفي التصرف بالرهن ونحوه، وكلاهما ضعيف. والفرق بين هذا والهداية ونحو الوكيل واضح، إذ النقل للإكرام الذي استلزمته الهدية عادة يقتضي عدم الاحتياج للفظ في القبول، ولا كذلك هنا. ونحو الوكالة لا يقتضي تملك شئ فلا يشبه ما هنا، وإنما يشبهه، أي ما هنا، الهبة، وهي لا بد فيها من القبول لفظا. اه (قوله: معين) خرج به الجهة، كالفقراء والمساكين. (وقوله: محصور) خرج به المعين غير المحصور، كالعلويين، فلا يشترط القبول منهم فيما إذا أوصى لهم (قوله: إن تأهل) أي إن كان أهلا للقبول (قوله: وإلا فنحو وليه) أي وإن لم يتأهل بأن كان صبيا أو مجنونا، فالمعتبر قبول نحو وليه كسيده أو ناظر المسجد على الأوجه، بخلاف نحو الخيل المسبلة بالثغور لا تحتاج لقبول لأنها تشبه الجهة العامة. ولو كانت الوصية للمعين بالعتق، كاعتقوا هذا بعد موتي، سواء قال عني أم لا، لم يشترط قبوله، لأن فيه حق مؤكدا لله تعالى، فكان كالجهة العامة، وكذا المدبر، بخلاف أوصيت له برقبته، لاقتضاء هذه الصفة القبول. اه. تحفة (قوله: بعد موت موص) متعلق بمحذوف

القبول بعده، ولا يصح الرد بعد القبول. ومن صريح الرد: رددتها، أو لا أقبلها. ومن كنايته: لا حاجة لي بها، وأنا غني عنها ولا يشترط القبول في غير معين كالفقراء، بل تلزم بالموت، ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم، ولا يجب التسوية بينهم. وإذا قبل الموصى له بعد الموت بأن به - أي بالقبول - الملك له في الموصي به من ـــــــــــــــــــــــــــــ صفة لقبول، أي قبول كائن بعد موت الموصي، فالمعتبر في القبول أن يكون بعد الموت فلا عبرة به قبله، كما سيذكره، قال في المنهج وشرحه، فإن مات الموصى له لا بعد موت الموصي، بأن مات قبله أو معه، بطلت الوصية، لأنها ليست لازمة ولا آيلة إلى اللزوم. ولو مات بعده وقبل القبول أو الرد خلفه الوارث في ذلك. اه (قوله: ولو بتراخ) غاية في اشتراط القبول بعد موت الموصي: أي يشترط القبول بعده ولو مع تراخ، وإنما لم يشترط الفور، لأنه إنما يشترط في العقود التي يشترط فيها ارتباط القبول بالإيجاب. قال في التحفة: نعم يلزم الولي القبول أو الرد فورا بحسب المصلحة، فإن امتنع مما اقتضته المصلحة عنادا انعزل، أو متأولا قام القاضي مقامه. اه. وقال سم: حاصل ما في شرح البهجة وغيره عن الرافعي، وهو المعتمد عند م ر، فيما لو أوصي لصبي أو وهب له فلم يقبل الولي أن للصبي إذا بلغ قبوله الوصية دون الهبة. اه (قوله: فلا يصح القبول الخ) محترز قوله بعد موت موص. وقوله كالرد، الكاف للتنظير (قوله: قبل موت الموصي) أي ولا معه (قوله: لأن للموصي إلخ) علة لعدم صحة القبول كالرد قبل موت الموصي، أي وإنما لم يصح حينئذ لأن للموصي الرجوع في وصيته ما دام حيا فلا يكون للموصى له حق حينئذ (قوله: فلمن رد قبل الموت القبول بعده) ومثله العكس، فلمن قبل قبل الموت الرد بعده (قوله: ولا يصح الرد بعد القبول) عبارة التحفة: نعم القبول بعد الرد لا يفيد، وكذا الرد بعد القبول قبل القبض أو بعده على المعتمد. اه (قوله: ومن صريح الرد الخ) مرتب على محذوف، وهو أنه لا بد في الرد من لفظ يدل عليه صريح أو كناية ومن الصريح كذا الخ. (وقوله: رددتها أو لا أقبلها) أي أو أبطلتها أو ألغيتها (قوله: ومن كنايته لا حاجة لي بها) أي أو هذه لا تليق بي، فإن نوى الركد بها ثبت وإلا فلا. (قوله: ولا يشترط القبول في غير معين) أي بأن كان جهة، أي أو معين لكنه غير محصور كالعلويين كما تقدم، وذلك لتعذره منهم. ومن ثم لو قال لفقراء محل كذا وانحصروا، بأن سهل عادة عدهم تعين قبولهم ووجب التسوية بينهم (قوله: بل تلزم بالموت) أي بل تلزم الوصية بموت الموصي، والإضراب انتقالي، وهو يفهم أن غير المحصورين لو ردوا لم ترد للزومها بالموت (قوله: ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم) أي من الفقراء، أي لكونهم غير محصورين. قال ع ش: أما المحصورون فيجب استيعابهم والتسوية بينهم. ومنه ما وقع السؤال عنه في الوصية لمجاوري الجامع الأزهر فتجب التسوية بينهم لانحصارهم لسهولة عدهم، لأن أسماءهم مكتوبة مضمونة، فيما يظهر، ويحتمل خلافه. اه (قوله: وإذا قبل الوصي له بعد الموت بأن الخ) أي وإن رد بان أنه ملك للوارث، فإن لم يقبل ولم يرد خيره الحاكم بينهما، فإن أبى حكم عليه بالإبطال: كمتحجر امتنع من الأحياء. وعبارة متن المنهاج مع شرح الرملي: وهل يملك الموصى له المعين الموصى به الذي ليس بإعتاق بموت الموصي أم بقبوله أم الملك موقوف. ومعنى الوقف هنا عدم الحكم عليه عقب الموت بشئ. (فإن قيل) بان أنه ملك بالموت، وإلا بأن لم يقبل بأن رد بان أنه ملك للوارث من حين الموت؟ أقوال، أظهرها الثالث، لأنه لا يمكن جعله للميت فإنه لا يملك، ولا للوارث فإنه لا يملك إلا بعد الوصية والدين، ولا للموصى له، وإلا لما صح رده، كالإرث، فتعين وقفه. وعليها، أي على الأقوال الثلاثة، تبنى الثمرة وكسب عبد حصلا بين الموت والقبول، وكذا بقية الفوائد الحاصلة حينئذ ونفقته وفطرته وغيرهما من المؤن، فعلى الأول له الأولان وعليه الآخران، وعلى الثاني لا، ولا قبل القبول، بل للوارث، وعليه وعلى المعتمد هي موقوفة، فإن قبل فله الأولان وعليه الآخران، وإلا فلا، وإذا رد فالزوائد بعد الموت للوارث، وليست من التركة، فلا يتعلق بها دين، ويطالب الموصى له بالنفقة إن توقف في قبوله ورده. اه. بتصرف. وقوله أي بالقبول، تفسير للضمير، ولو قال بان بالقبول لكان أخصر. وقوله الملك، فاعل بان. وقوله له، أي للموصى له. وقوله في الموصى به، ظرف لغو متعلق بالملك أو مستقر متعلق بمحذوف صفة له، أي

الموت: فيحكم بترتب أحكام الملك حينئذ من وجوب نفقة وفطرة والفوز بالفوائد الحاصلة وغير ذلك. (لا) تصح الوصية (في زائد على ثلث في) وصية وقعت في (مرض مخوف) لتولد الموت عن جنسه كثيرا (إن رده وارث) خاص مطلق التصرف، لانه حقه، فإن كان غير مطلق التصرف - فإن توقعت أهليته عن قرب: وقف إليها، وإلا بطلت، ولو أجار بعض الورثة فقط: صح في قدر حصته من الزائد وإن أجاز الوارث الاهل فإجازته تنفيذ للوصية بالزائد والمخوف: كإسهال متتابع، وخروج الطعام بشدة ووجع، أو مع دم من عضو شريف، ـــــــــــــــــــــــــــــ الملك الثابت في الموصى به. وقوله من الموت متعلق بالملك (قوله: فيحكم الخ) مرتب على تبين الملك من الموت، أي وإذا تبين ملكه للموصى به فيتبعه الفوائد الحاصلة منه كالثمرة والكسب فيملكها الموصى له، وعليه المؤن والفطرة. (قوله: بترتب أحكام الملك) أي عليه، فالمتعلق محذوف. وقوله حينئذ، أي حين إذ بان الملك له (قوله: من وجوب نفقة الخ) بيان لأحكام الملك (قوله: والفوز إلخ) أي ومن الفوز بالفوائد الحاصلة من الموصى به حين الموت، ككسب وثمرة (قوله: وغير ذلك) أي من بقية المؤن ككسوة وثمن دواء (قوله: لا تصح الوصية إلخ) شروع في بيان حكم الوصية بالزائد على الثلث وحكم التبرعات في المرض (قوله: في وصية) الأولى الاقتصار على ما قبله وحذف هذا، لأن ذكره يورث ركاكة، إذ المعنى عليه لا تصح الوصية في وصية الخ (قوله: وقعت في مرض مخوف) التقييد به يقتضي صحة الوصية في الزائد على الثلث في غير المرض المخوف وإن رده وارث خاص، وليس كذلك، إذ لا فرق في عدم الصحة حينئذ بين أن يوصي في حالة الصحة أو في حالة المرض المخوف وغيره. وعبارة المنهج والمنهاج، ليس فيها التقييد بما ذكر، فالصواب إسقاطه (قوله: لتولد الموت) بيان لضابط كونه مخوفا، وسيبين أفراده. وقوله عن جنسه، أي ذلك المرض. وقوله كثيرا، أي بأن لا يندر تولد الموت عنه، وإن لم يغلب الموت به. اه. ع ش (قوله: إن رده) أي الزائد، وهو قيد في عدم الصحة. وقوله وارث خاص، أي حائز، فان لم يكن الوارث خاصا، بل كان عاما، كبيت المال، بطلت ابتداء في الزائد لعدم تأتي الإجازة منه لأن الحق فيه لجميع المسلمين، أو كان خاصا لكنه غير حائز، كأخوين رد أحدهما وأجاز الآخر، بطلت في قدر حصته من الزائد، كما سيصرح به في قوله ولو أجاز بعض الورثة الخ. (قوله: مطلق التصرف) أي بأن لا يكون محجورا عليه بسفه أو صغر أو جنون (قوله: لأنه حقه) أي لأن الزائد حق الوارث، وهو علة لعدم الصحة عند الرد، أي وإنما لم تصح الوصية في الزائد إن رده وارث خاص، لأن ذلك الزائد حقه، أي مستحق له، فله أن يرد وله أن يجيز (قوله: فإن كان) أي ذلك الوارث الخاص. (وقوله: غير مطلق التصرف) أي بأن كان صغيرا أو مجنونا أو محجورا عليه بسفه. (وقوله: فإن توقعت أهليته) أي بالبلوغ أو الإفاقة أو الرشد. (وقوله: عن قرب) قيد به في فتح الجواد ولم يقيد به في التحفة والنهاية والمغني وغيرها من الكتب التي بأيدينا، بل اقتصرروا على توقع الأهلية. وعبارة المغني: ومقتضى إطلاقهم أن الأمر يوقف على تأهل الوارث، وهو كذلك إن توقعت أهليته، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين. قال شيخي رحمه الله: لأن يد الوارث عليه، فلا ضرر عليه في ذلك. اه. وقوله وقف، أي ذلك الزائد، أي الحكم فيه. وقوله إليها أي إلى الأهلية (قوله: وإلا) أي وإن لم تتوقع أهليته عن قرب، بأن لم تتوقع أهليته رأسا كمن به جنون مستحكم أيس من برئه بغلبة الظن بأن شهد بها خبيران، أو توقعت لا عن قرب. وقوله بطلت، أي الوصية في الزائد فقط، فإن برئ وأجاز بان نفوذها (قوله: ولو أجاز بعض الورثة الخ) محترز قيد ملحوظ في المتن، وهو كونه حائزا، كما أشرت إليه، (قوله: صح) أي المذكور من الوصية، ولو قال صحت، بالتاء، لكان أولى (قوله: وإن أجاز الخ) مقابل قوله في المتن إن رده وارث، والأنسب التفريع وتقديمه على قوله ولو أجاز بعض الورثة. (وقوله: الوارث الأهل) أي للتصرف، والمقام للإضمار، إلا أنه أظهر لئلا يعود الضمير لو أضمر على أقرب مذكور، وهو بعض الورثة، (قوله: فإجازته الخ) الأنسب بالمقابلة أن يقول فتصح الوصية في الزائد ثم يقول وإجازته الخ. (وقوله: تنفيد للوصية بالزائد) أي إمضاء للزائد الذي تصرف فيه الموصي بالوصية، إذ تصرفه صحيح بشرط الإجازة. فإذا وجدت كانت إمضاء فقط، نظير بيع الشخص المشفوع فإنه صحيح بشرط إجازة الشفيع، فإذا أجاز كانت إجازته إمضاء لتصرف

كالكبد، دون البواسير، أو بلا استحالة، وحمى مطبقة، وكطلق حامل، وإن تكررت ولادتها، لعظم خطره، ومن ثم كان موتها منه شهادة وبقاء مشيمة والتحام قتال بين متكافئين واضطراب ريح في حق راكب سفينة، وإن ـــــــــــــــــــــــــــــ الشريك في الشخص وهذا هو الأصح. ومقابله يقول إنها عطية مبتدأة من الوارث، والوصية بالزائد لغو، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - سعد بن أبي وقاص عن الوصية بالنصف وبالثلثين. رواه الشيخان. ويترتب على الخلاف المذكور أنه إن قلنا بالأول فليس للمجيز الرجوع قبل القبض ولا يحتاج إلى لفظ هبة ولا تجديد قبول وقبض وتنفذ من المفلس، وإن قلنا بالثاني كان له الرجوع في الزائد قبل القبض ويحتاج إلى ما ذكر من لفظ الهبة وتجديد وقبول وقبض ولا تنفذ من المفلس، ويترتب على ذلك أيضا أن الزوائد الحاصلة بعد الموت تكون للموصى له على الأول لا للوارث، وعلى الثاني بالعكس. ويترتب عليهما أنه لا بد من معرفة الوارث قدر الزائد على الثلث وقدر التركة إن كانت الوصية بمشاع، لا معين فلو جهل أحدهما لم يصح - كالإبراء من المجهول - ومن ثم لو أجاز وقال ظننت قلة المال أو كثرته ولم أعلم كميته وهي بمشاع حلف أنه لا يعلم ونفذت فيما ظنه فقط، أو بمعني لم يقبل: أفاده ابن حجر (قوله: والمخوف الخ) إن كان مراده بهذا تعداد أفراد المرض المخوف المذكور آنفا في كلامه فلا يناسب ذلك ذكره من جملة ذلك طلق الحامل والتحام القتال وما بعده، لأن ما ذكر ليس من المرض المخوف. وإن كان مراده تعداد أفراد المخوف مطلقا كان سواء مرضا أو غيره، فلا يناسب تقييده المرض فيما سبق بالمخوف، إذ علمت ذلك فكان الأولى أن يعد أفراد المرض المخوف ثم يقول ويلحق بذلك ترك الحامل وحالة التحام القتال ونحوهما، كما في المنهاج، فتنبه (قوله: كإسهال الخ) لم يذكر حد المخوف لطول الاختلاف فيه بين الفقهاء، فقيل هو كل ما يستعد بسببه للموت بالاقبال على العمل الصالح، وقيل كل ما اتصل به الموت، وقال الماوردي وتبعاه كل ما لا يتطاول بصاحبه معه الحياة، وقالا عن الإمام وأقراه ولا يشترط في كونه مخوفا غلبة حصول الموت به بل عدم ندرته، كالبرسام الذي هو ورم في حجاب القلب أو الكبد يصعد أثره إلى الدماغ، وهو المعتمد، وإن نازع فيه ابن الرقعة، فعلم أنه ما يكثر عنه الموت عاجلا وإن خالف المخوف عند الأطباء. اه. تحفة. وقوله متتابع، أي أياما، لأنه حينئذ ينشف رطوبات البدن، وكذا نحو يومين وانضم إليه إعجال ومنع نوم أو عدم استمساك أو خروج طعام غير مستحيل أو معه وجع وشدة، ويسمى الزحير أو دم من عضو شريف ككبد. اه. فتح الجواد. (قوله: وخروج طعام الخ) معطوف على إسهال، أي وكخروج طعام بشدة ووجع أو مع دم فهو من المخوف ولو لم يصحبه إسهال، كما صرح به الأطباء، لكن بشرط أن يتكرر تكرارا يفيد سقوط القوة. وذهب بعضهم إلى أنه يشترط أن يصحبه إسهال ولو غير متواتر، ونظر فيه في التحفة والنهاية (قوله: من عضو شريف) متعلق بمحذوف صفة لدم، أي دم كائن من عضو شريف. وقوله كالكبد تمثيل للعضو الشريف (قوله: دون البواسير) أي دون خروجه من البواسير، أي فلا يكون مخوفا (قوله: أو بلا استحالة) معطوف على قوله بشدة، أي أو خروج الطعام بلا استحالة، أي غير مستحيل لزوال القوة الماسكة، فيكون مخوفا (قوله: وحمى) عطف على إسهال، أي وكحمى مطبقة، بكسر الباء أشهر من فتحها، وهي الملازمة التي لا تبرح لأن إطباقها يذهب القوة التي هي قوام الحياة. قال في شرح الروض، ومحل كونها مخوفة إذا زادت على يوم أو يومين. اه. وكالحمي المطبقة حمى الورد، بكسر الواو، وهي التي تأتي كل يوم، وحمى الثلث، بكسر الثاء، وهي التي تأتي يومين وتقلع يوما، لا حمى الربع، بكسر الراء، وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين، لأن المحمول يأخذ قوة في يومي الإقلاع (قوله: وكطلق حامل) عطف على كإسهال، وأعاد العامل إشارة إلى أنه نوع آخر من المخوف غير الذي تقدم. وخرج بالطلق، نفس الحمل، فليس بمخوف ولا أثر لتولد الطلق المخوف منه، لأنه ليس بمرض. قال في الروض وشرحه: ويمتد خوفه، أي الطلق، إلى انفصال المشيمة، وهي التي تسميها النساء الخلاص، أو إلى زوال ما حصل بالولادة فيما لو انفصلت، أي المشيمة، وحصل من الولادة جرح أو ضربان شديد أو ورم. اه. (قوله: وان تكررت ولادتها) غاية المقدر، أي هو من المخوف، وإن تكررت ولادة صاحبة الطلق (قوله: لعظم خطره) أي الطلق، وهو علة لذلك المقدر المار آنفا (قوله: ومن ثم) أي من أجل عظم خظره كان موتها من الطلق يعد شهادة (قوله: وبقاء

أحسن السباحة وقرب من البر - وأما زمن الوباء والطاعون فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث. وينبغي لمن ورثته أغنياء أو فقراء أن لا يوصي بزائد على ثلث، والاحسن أن ينقص منه شيئا. (ويعتبر منه) أي الثلث ـــــــــــــــــــــــــــــ مشيمة) معطوف على طلق، أي وكبقاء مشيمة - وهي المسماة بالخلاص - إلى الوضع، فإذا انفصلت زال الخوف ما لم يبق بعده جرح أو ضربان شديد أو ورم، وإلا فلا يزول الخوف إلا بعد زواله. ومثله موت الجنين في جوفها (قوله: والتحام قتال) معطوف على طلق، أي وكالتحام قتال، فهو من المخوف، وعبارة المنهاج، والمذهب، أنه يلحق بالمخوف أسر كفار اعتادوا قتل الأسرى والتحام قتال بين متكافئين وتقديم لقصاص أو رجم واضطراب وهيجان موج في راكب سفينة. اه. وخرج بالتحام، قتال ليس فيه التحام، وإن تراميا بالنشاب، فهو ليس من المخوف. (وقوله: بين متكافئين) أي بين اثنين أو حزبين متكافئين، أي أو حزبي التكافؤ. وخرج به ما إذا عدم التكافؤ، كمسلمين وكافر، فلا يكون التحام القتال فيه من المخوف (قوله: واضطراب ريح) يلزم منه هيجان الموج، فمن جمع بينهما، كالمنهاج، أراد التأكيد. وعبارة الروض وشرحه، وهيجان البحر بالريح، بخلاف هيجانه بلا ريح. اه (قوله: وإن أحسن الخ) غاية المقدر: أي أن اضطراب الريح من المخوف في حق راكب السفينة وإن أحسن السباحة وقرب من البر. ومحله حيث لم يغلب على ظنه السلامة والنجاة من ذلك. كما في النهاية (قوله: وأما زمن الخ) الأولى حذف أما وعطف ما بعدها على طلق حامل، إذ ليس لها مقابل ومحمل في كلامه، وعبارة النهاية، ويلحق بالمخوف أشياء كالوباء والطاعون، أي زمنهما، فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث، لكن قيده في الكافي بما إذا وقع في أمثاله. وهو حسن، كما قاله الأذرعي، وهل يقيد به إطلاقهم حرمة دخول بلد الطاعون أو الوباء أو الخروج منها لغير حاجة، أو يفرق؟ فيه نظر، وعدم الفرق أقرب، وعموم النهي يشمل التحريم مطلقا اه. وقوله وعدم الفرق، أي بين تقييد حرمة الخروج بمن وقع في أمثاله وبين تقييد إلحاق المخوف بمن وقع في أمثاله. وقوله أقرب، أي فيقيد بما إذا وقع في أمثاله. (وقوله: يشمل التحريم مطلقا) أي فيشمل أمثاله وغيرهم، لكن التقييد أقرب كما قدمه، اه. ع ش. وفي شرح الروض، قال ابن الأثير: الطاعون المرض العام، والوباء يحصل بفساد الهواء فتفسد منه الأمزجة فجعل الوباء قسما من الطاعون، وبعضهم فسر الطاعون بغير ذلك، ولعله أنواع، وقيل الوباء المرض العام، وقيل الموت الذريع، أي السريع، اه (قوله: وينبغي لمن ورثته الخ) أي يطلب ذلك على سبيل الندب على المعتمد من كراهة الوصية بالزائد، وعلى سبيل الوجوب على مقابله، وإنما طلب ذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين عاده في مرضه وقال له أوصي بمالي كله؟ قال. لا. قال بثلثيه؟ قال: لا. قال: بثلثه؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ويجوز في الثلث الأول الرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف، أي كافيك، أو على أنه فاعل لفعل محذوف، أي يكفيك، والنصب على أنه مفعول لفعل محذوف، أي أعط الثلث. وأما الثلث الثاني فيتعين رفعه، لأنه مبتدأ خبره كثير. وأن تذر، بفتح الهمزة، على أنه مؤول بمصدر من معناه مبتدأ خبره خير، والجملة خبر إن، والتقدير إنك تركك ورثتك أغنياء خير من تركك إياهم عالة، أي فقراء لأن العالة جمع عائل، وهو الفقير، ومعنى يتكففون الناس يمدون أكفهم لسؤال الناس. ولقوله عليه الصلاة والسلام: أن الله تعالى تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم رواه ابن ماجة. ثم إن الاعتبار في كون الموصى به ثلث المال بيوم الموت لا بيوم الوصية، فلو أوصى بثلث ماله وتلف ثم كسب مالا أو لم يكن له مال ثم كسبه لزم الوارث إخراج الثلث، ولا تنفذ الوصية إلا في الثلث الفاضل بعد وفاء الدين أو سقوطه عنه، فلو كان عليه دين مستغرق لم تنفذ الوصية في شئ، لكنها تنعقد حتى لو أبرأه الغريم أو قضى عنه الدين من أجنبي أو من وارث نفذت الوصية في الثلث، كما جزم به الرافعي وغيره، ولو أوصى بالثلث وله عين ودين دفع للموصى له ثلث العين، وكلما نص من الدين شئ دفع له ثلثه. ولو أوصى بشئ هو ثلث ماله وباقيه غائب لم يتسلط الموصى له على شئ منه حالا لاحتمال تلف الغائب لا يقال كان يتسلط على ثلث الحاضر، لأنه يستحقه، سواء تلف الغائب أم لا، لأنا نقول تسلط الموصى له على شئ من الوصية متوقف على تسلط الوارث على

أيضا (عتق علق بالموت) في الصحة أو المرض (و) تبرع نجز في مرضه. (كوقف وهبة) وإبراء. ولو اختلف الوارث والمتهب: هل الهبة في الصحة أو المرض؟ صدق المتهب بيمينه، لان العين في يده. ولو وهب في ـــــــــــــــــــــــــــــ مثليه، والوارث لا يتسلط على ثلثي الحاضر، لاحتمال سلامة الغائب (قوله: والأحسن أن ينقص منه شيئا) أي خروجا من خلاف من أوجب ذلك ولأنه - صلى الله عليه وسلم - اسكثر الثلث، وهذا كالاستدراك على مفهوم مقابله، إذ مفهومه استواء الوصية لثلث فأقل في الحسن، فدفعه بقوله والأحسن الخ. قال زي قوله والأحسن، هذا ما رجحه في الروضة لكن قال في الأم إذا ترك ورثته أغنياء اخترت أن يستوعب الثلث، وإذا لم يدعهم أغنياء كرهت له أن يستوعب الثلث. ونقله في شرح مسلم عن الأصحاب. اه. اسعاد. اه (قوله: ويعتبر منه أي الثلث أيضا) أي كما تعتبر الوصية منه، وفيه أنه لم يتقدم منه أن الوصية تعتبر من الثلث حتى يحيل عليه ما هنا بقوله أيضا ويمكن أن يقال أنه تقدم منه ذلك بطريق المفهوم: إذ قوله لا تصح الوصية في زائد على ثلث يفهم أنها تصح في الثلث وتعتبر منه. تأمل. (واعلم) أنه إذا اجتمعت تبرعات متعلقة بالثلث وضاق عنها الثلث، فإن تمحضت عتقا، سواء كانت منجزة أو معلقة بالموت، فإن كانت مرتبة فيهما، كأن قال في الأولى أعتقت سالما فغانما فبكرا، أو قال في الثانية إذا مت فسالم حر ثم غانم ثم بكر، أو قال اعتقوا بعد موتي سالما ثم غانما ثم بكرا قدم أول فأول إلى تمام الثلث، وما زاد يتوقف على إجازة الورثة، وإن لم تكن مرتبة، كأن قال في المنجزة أعتقتكم أو أنتم أحرار أو قال في المعلقة إذا مت فأنتم أحرارا أو فسالم وغانم وبكر أحرار أقرع بينهم، فمن خرجت قرعته عتق منه ما يفي بالثلث ولا يعتق من كل بعضه حذرا من التشقيص، لأن المقصود من العتق تخليص الرقبة من الرق. وإن كان منجزا والبعض معلقا قدم المنجز على المعلق، لأن المنجز لازم لا يمكن الرجوع فيه، بخلاف المعلق وإن تمحضت غير عتق سواء كانت منجزة أو معلقة بالموت أيضا. فإن كانت مرتبة فيهما، كأن قال في الأولى تبرعت لزيد بكذا ثم تبرعت لعمرو بكذا وهكذا، أو قال في الثانية اعطوا لزيد كذا بعد موتي ثم اعطوا عمرا كذا بعد موتي وهكذا قدم أول فأول إلى تمام الثلث، ويتوقف ما زاد على إجازة الورثة، وإن وجدت دفعة منه أو من وكلائه كأن قال في المنجزة لجمع عليهم ديون له أبرأتكم أو تصدق أحد وكلائه ووهب آخر ووقف آخر كلهم معا، وكأن قال في المعلقة أوصيت لزيد بكذا ولعمرو بكذا ولبكر بكذا، أو إن مت فأعطوا زيدا كذا وعمرا كذا وبكرا كذا قسط الثلث على الجميع كما تقسط التركة بين أرباب الديون عند ضيقها عن الوفاء بها كلها، فإذا أوصى لزيد بمائة ولعمرو بخمسين ولبكر بخمسين وثلث المال مائة فقط فلزيد خمسون ولكل من عمرو وبكر خمسة وعشرن وإن كان البعض منجزا والبعض معلقا قدم المنجز على المعلق (قوله: عتق علق بالموت) أي ولو مع غيره، كأن قال إن مت ودخلت الدار فأنت حر فيشترط دخوله بعد الموت، إلا أن يريد الدخول قبله فيتبع، وقيل لا فرق بين تقدم الدخول وتأخره، والأول أصح، كما في شرح م ر في كتاب التدبير (قوله: في الصحة أو المرض) متعلق بعلق، وهو تعميم في التعليق، أي لا فرق فيه بين أن يقع في حال الصحة أو المرض (قوله: وتبرع الخ) معطوف على عتق، أو ويعتبر من الثلاث تبرع نجز في مرضه، أي الموت، ثم إن الموجود في النسخ الواو من قوله وتبرع من المتن، وقوله تبرع، أي كوقف من الشرح، وهو لا يصح، فإما أن يكون كله من المتن، كما في المنهج، أو كله من الشرح ويكون دخولا على المتن (قوله: كوقف الخ) أي وعتق لغير مستولدته، أما لها فهو من رأس المال، كما سيذكره، وكعارية عين سنة مثلا وتأجيل ثمن مبيع كذلك، فيعتبر من الثلث أجرة الأولى وثمن الثانية وإن باعها بأضعاف ثمن مثلها، لأن تفويت يدهم كتفويت ملكهم. أفاده في التحفة والنهاية (قوله: وهبة) أي كأن وهب عينا عنده لآخر في مرض موته فتعتبر من الثلث (قوله: وإبراء) أي كأن أبرأ الدائن في مرض موته المدين من الدين الذي عليه فيعتبر من الثلث (قوله: ولو اختلف الوارث الخ) هذا مندرج في قوله الآتي ولو اختلف في وقوع التصرف في الصحة أو في المرض الخ، فالمناسب والأولى أن يؤخره عن قوله ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض، ويزيد لفظ أقبض بعد أداة الاستفهام، بأن يقول هل أقبض في الصحة أو في المرض؟ كما هو صريح في فتح

الصحة وأقبض في المرض، اعتبر من الثلث. أما المنجز في صحته فيحسب من رأس المال، كحجة الاسلام، وعتق المستولدة، ولو ادعى الوارث موته في مرض تبرعه والمتبرع عليه شفاءه وموته من مرض آخر أو فجأة، فإن كان مخوفا صدق الوارث وإلا فالآخر. ولو اختلفا في وقوع التصرف في الصحة أو في المرض، صدق المتبرع عليه، لان الاصل دوام الصحة، فإن أقاما بينتين قدمت بينة المرض. (فرع) لو أوصى لجيرانه فلاربعين دارا من كل جانب فيقسم حصة كل دار على عدد سكانها، أو للعلماء ـــــــــــــــــــــــــــــ الجواد، وعبارته مع الأصل، وإقباض هبة، أي موهوب في المرض وإن وهب في الصحة اعتبارا بحالة القبض لتوقف الملك عليه، ولو اختلف الوارث والمتهب، هل أقبض في الصحة أو المرض؟ صدق المتهب بيمينه، لأن العين في يده. وقضيته أنها لو كانت في يد الوارث صدق، وهو محتمل. اه. ومثله في التحفة إلا أن فيها زيادة قوله الآتي ولو اختلفا في وقوع التصرف الخ، ونصها، وهبة في صحة وإقباض في مرض باتفاق المتهب والوارث وإلا حلف المتهب، لأن العين في يده الخ (قوله: هل الهبة) أي المقبوضة بدليل ما بعده (وقوله: في الصحة) أي وقعت في حال الصحة، وهذه دعوى المتهب لأجل حسبانها من رأس المال. (وقوله: أو في المرض) أي أو وقعت في حال المرض، وهذه دعوى الوارث لأجل حسبانها من الثلث (قوله: وصدق المتهب) أي في أنها وقعت الهبة في حال الصحة (قوله: لأن العين في يده) أي المتهب، وهو تعليل لتصديق المتهب. قال في التحفة، ومثله في النهاية، وقضيته أنها لو كانت بيد الوارث وادعى المتهب أنه ردها إليه أو إلى مورثه وديعة أو عارية صدق الوارث، وهو محتمل. اه (قوله: ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض) هذه الصورة غير صورة المتن، لأن تلك وقع فيها الهبة والقبض في حال المرض (قوله: اعتبر من الثلث) أي اعتبر ما أقبضه في حال المرض من الثلث كصورة المتن، لأن الهبة لا تملك إلا بالقبض، فلا أثر لتقدم الهبة (قوله: أما المنجز في صحته الخ) محترز قوله نجز في مرضه. (وقوله: فيحسب من رأس المال) أي لا من الثلث فقط (قوله: كحجة الإسلام) الكاف للتنظير، أي نظير حجة الإسلام، فإنها تحسب من رأس المال. سواء أوصى بها أم لا، إلا إن قيد بالثلث فمنه عملا بتقييده وفائدته مزاحمة الوصايا (قوله: وعتق المستولدة) أي وكعتق المستولدة فإنه يحسب من رأس المال لو نجز في مرض الموت ويكون حينئذ مستثنى من التبرع المنجز في المرض. وفي المغني بعد قول المنهاج ويعتبر من الثلث تبرع نجز في مرضه ما نصه، وخرج بتبرع ما لو استولد في مرض موته، فإنه ليس تبرعا، بل إتلاف واستمتاع، فهو من رأس المال، وبمرضه تبرع نجز في صحته، فيحسب من رأس المال، لكن يستثنى من العتق في مرض الموت عتق أم الولد إذا أعتقها في مرض موته فإنه ينفذ من رأس المال، كما سيأتي في محله، مع أنه تبرع نجز في المرض. اه. (قوله: ولو ادعى الوارث إلخ) أي لو اختلف الوارث والمتبرع عليه في أنه مات المتبرع في المرض الذي تبرع فيه أو في غيره مع اتفاقهما على أن التبرع واقع في حال مرض، فقال الوارث إنه مات في مرض التبرع، وقال المتبرع عليه إنه شفي من مرضه الذي تبرع فيه ومات من مرض آخر أو فجأة، ففيه تفصيل، فإن كان المرض الذي تبرع فيه مخوفا صدق الوارث، وإلا فالثاني (قوله: أو فجأة) عطف على قوله من مرض آخر (قوله: وإلا فالآخر) أي وإن لم يكن مخوفا صدق المتبرع عليه، وذلك لأن غير المخوف بمنزلة الصحة (قوله: ولو اختلفا) أي الوارث والمتبرع عليه، وعبارة التحفة، عقب قوله وإلا فالآخر، أي لأن غير المخوف بمنزلة الصحة، وهما لو اختلفا في وقوع التصرف فيها أو في المرض صدق المتبرع عليه، لأن الأصل دوام الصحة. اه. فلو صنع المؤلف مثل صنعها لكان أولى (قوله: لأن الأصل دوام الصحة) أي استمرار الصحة، فالتصرف واقع فيها (قوله: فإن أقاما) أي الوارث والمتبرع عليه. (وقوله: بينتين) أي تشهد كل بينة بمدعى من أقامها (قوله: قدمت بينة المرض) أي لأنها ناقلة وبينة الصحة مستصحبة، وتلك مقدمة عليها (قوله: فرع) الأولى فروع (قوله: لو أوصى لجيرانه) أي أو لجيران المسجد (قوله: فلأربعين دارا من كل جانب) أي فتعطى الوصية لأربعين دارا من كل جانب من الجهات الأربع، وذلك لخبر حق الجوار أربعون دارا هكذا وهكذا

فلمحدث يعرف حال الراوي قوة أو ضدها والمروي صحة وضدها، ومفسر يعرف معنى كل آية وما أريد بها، وفقيه يعرف الاحكام الشرعية نصا واستنباطا. والمراد هنا من حصل شيئا من الفقه، بحيث يتأهل به لفهم باقيه، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهكذا وهكذا - وأشار قداما وخلفا، ويمينا وشمالا رواه أبو داود وغيره مرسلا، وله طرق تقويه فجملة ذلك مائة وستون دارا وفي سم ما نصه: الوجه الوجيه الذي لا يتجه غيره أن هذا جرى على الغالب من أن للدار جوانب أربعا، وأن ملاصق كل جانب دار واحدة، فلو كانت الدار مثمنة مثلا ولاصق كل ثمن دار اعتبر أربعون من كل ثمن، ولو لم يلاصق إلا داران فقط، بأن اتسعت مسافة الملاصق فعمت إحدى الدارين جهتين من جهاتها الأربع، والأخرى الجهتين الباقيتين، اعتبر أربعون من أحد الملاصقتين وأربعون أخرى من الملاصقة الأخرى فتكون الجملة ثمانين فقط، كما ذكر، لكن لو لاصق كل دار من هاتين الدارين دور كثيرة، بأن اتسعت مسافة الدارين وضاقت مسافة ملاصقهما من الدور فهل يعتبر مع كل واحدة من الدارين تسعة وثلاثون على الامتداد من كل ملاصقة لها، أو لا يعتبر إلا تسعة وثلاثون فقط مما بعد كل من المتبعتين على الامتداد؟ فيه نظر. والمتجه الأول. اه. ملخصا. وقال في التحفة: ويجب استيعاب المائة والستين إن وفى بهم بأن يحصل لكل أقل متمول، وإلا قدم الأقرب. اه (قوله: فيقسم حصة كل دار على عدد سكانها) في العبارة حذف، وهو، فيقسم المال على عدد الدور، ثم يقسم حصة كل دار على عدد سكانها. وعبارة التحفة: ويقسم المال على عدد الدور، ثم ما خص كل دار على عدد سكانها، أي يحق عند الموت فيما يظهر فيهما، سواء في ذلك المسلم والغني والحر والمكلف وضدهم اه. (قوله: أو للعلماء) عطف على قوله لجيرانه، أي أو أوصى للعلماء وهم الموصوفون بأنهم أصحاب علوم الشرع يوم الموت، لا وقت الوصية، وهي ثلاثة: الحديث، والتفسير، والفقه. فلو عين علماء بلدة مثلا ولا عالم فيهم يوم الموت بطلت الوصية، لكن قال سم: قد يتجه أن محله ما لم يوجد بتلك البلد علماء بغير العلوم الثلاثة، وإلا حمل عليهم، كما لو أوصى بشاة ولا شاة له وعنده ظباء تحمل الوصية عليها. اه. (قوله: فلمحدث) أي فيصرف الموصى به لمحدث وقوله يعرف الخ، بيان لضابط المحدث. قال في المغني، والمراد به أي بعلم الحديث، معرفة معانيه ورجاله وطرقه وصحيحه وعليله وسقيمه وما يحتاج إليه، وهو من أجل العلوم بعد القرآن، فالعالم به من أجل العلماء، وليس من علمائه من اقتصر على السماع المجرد. اه. وقوله قوة: منصوب على التمييز: أي من جهة القوة. وقوله أو ضدها أي ضد القوة وهو الضعف. وقوله والمروي، معطوف على الراوي أي ويعرف حال المروي من جهة الصحة وضدها (قوله: ومفسر) معطوف على محدث، أي ويصرف أيضا لمفسر. قال في المغني: التفسير لغة بيان معنى اللفظ الغريب، وشرعا معرفة الكتاب العزيز وما أريد به، وهذا بحر لا ساحل له، وكل عالم يأخذ منه على قدره. اه. (قوله: يعرف معنى كل آية) قال اسم: ظاهره اعتبار معرفة الجميع، وقد يتوقف فيه. اه. (قوله: وما أريد بها) أي بالآية من الأحكام نقلا في التوقيفي، واستنباطا في غيره، ومن ثم قال الفارقي: لا يصرف لمن علم تفسير القرآن دون أحكامه، لأنه كناقل الحديث. اه. تحفة (قوله: وفقيه) معطوف على محدث، أي ويصرف الموصى به أيضا الفقيه. وقوله يعرف الأحكام الشرعية نصا واستنباطا، هذا بيان لضابط الفقيه المبحوث عنه في فن أصول الفقه، وهو المجتهد، وهذا ليس مرادا هنا، أي في الوصية، بل المراد به ما أفاده الشارح بقوله بعد والمراد به الخ. (وقوله: من حصل شيئا من الفقه الخ) المراد من عرف من كل باب من أبواب الفقه طرفا صالحا يهتدي به إلى معرفة باقية، دون من عرف طرفا أو طرفين منه فقط، كمن عرف أحكام الحيض أو الفرائض فقط، وإن سماها الشارع نصف العلم. وقال ع ش: المراد به في زماننا العارف بما اشتهر الإفتاء به، فهو يعد فقيها، وإن لم يستحضر من كل باب ما يهتدي به إلى باقيه. اه. بالمعنى. وفي المغني ما نصه: قال الماوردي: لو أوصي لأعلم الناس صرف للفقهاء، لتعلق الفقه بأكثر العلوم. وقال شارح التعجيز: أولى الناس بالفقه في الدين نور يقذف هيئته في القلب، أي من قدف في قلبه ذلك، وهذا القدر قد يحصل لبعض أهل العنايات موهبة من الله تعالى، وهو المقصود الأعظم، بخلاف ما يفهمه أكثر أهل الزمان، فذلك صناعة.

وليس منهم نحوي وصرفي ولغوي ومتكلم ويكفي ثلاثة من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها. ولو أوصى لاعلم الناس اختص بالفقهاء، أو للقراء لم يعط إلا من يحفظ كل القرآن عن ظهر قلب، أو لاجهل الناس صرف لعباد ـــــــــــــــــــــــــــــ (وسئل) الحسن البصري عن مسألة. (فأجاب) فقيل إن فقهاءنا لا يقولون ذلك، فقال وهل رأيتم فقيها قط؟ الفقيه هو القائم ليله، الصائم نهاره، الزاهد في الدنيا، الذي لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت منه حمد الله تعالى، وفقه عن الله أمره ونهيه، وعلم ما يحبه وما يكرهه، فذلك هو العالم الذي قيل فيه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فإذا لم يكن بهذه الصفة فهو من المغرورين. واختلف في الراسخ في العلم، فقيل هو من جمع أربع خصال: التقوى فيما بينه وبين الله، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين نفسه، والأصح أنه العالم بتصاريف الكلام، وموارد الأحكام، ومواقع المواعط، لأن الرسوخ الثبوت في الشئ. اه. ملخصا. (قوله: وليس منهم الخ) أي ليس من العلماء الذين تصرف الوصية لهم نحوي وصرفي ولغوي، أي عارف بعلم النحو أو الصرف أو اللغة أي أو المعاني والبيان والبديع أو العروض أو القوافي وغيرها من بقية علوم الأدب الإثني عشر علما عملا بالعرف المطرد عليه غالب الوصايا، فإنه حيث أطلق العالم لا يتبادر منه إلا أصحاب علوم الشرع الثلاثة: أعني الحديث، والتفسير، والفقه. وقوله ومتكلم، عبارة المنهاج وكذا متكلم عند الأكثرين. قال في المغني، أي فهو ليس منهم، لما ذكر. ونقله العبادي في زيادته عن النص. وقيل يدخل، وبه قال المتولي، ومال إليه الرافعي، وقال السبكي: إن أريد به العلم بالله وصفاته وما يستحيل عليه ليرد على المبتدعة ويميز بين الإعتقاد الصحيح والفساد فذاك من أجل العلوم الشرعية، وقد جعلوه في كتب السير من فروض الكفايات، وإن أريد به التوغل في شبهه والخوض فيه على طريق الفلسفة فلا. وهذا القسم هو الذي أنكره الشافعي، وقال: لأن يأتي العبد ربه بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بعلم الكلام. اه. بتصرف (قوله: ويكفي ثلاثة من أصحاب الخ) أي من كل صنف من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها، ولا يجزئ واحد من كل صنف، كما في فتح الجواد، ونص عبارته: والمراد بمحدث وما بعده الجنس، فيكفي ثلاثة فقهاء، ولا يجزئ واحد من كل صنف. اه. وعبارة الروض وشرحه، وإن أوصى للفقراء والمساكين وجب لكل منهما النصف، ولا يقسم ذلك على عدد رؤوسهم، أو أوصى لأحدهما دخل فيه الآخر، فيجوز الصرف إليهما، أو أوصى للرقاب أو غيرهم من الأصناف أو العلماء لم يجب الإستيعاب، بل يستحب عند الإمكان، كما في الزكاة، إذا فرقها المالك ويكفي ثلاثة من كل صنف، أي الإقتصار عليها، لأنها أول الجمع، ولا تجب التسوية بينهم اه. ومحل الإكتفاء بثلاثة من كل صنف، حيث لم يقيدوا بمحل أو قيدوا وهم غير محصورين، فإن قيدوا بمحل، كأن قال لعلماء بلد كذا وهم محصورون وجب التعميم والتسوية، بل والقبول. فإن لم يكن بها عالم بطلت الوصية (قوله: اختص بالفقهاء الخ) أي لتعلق الفقه بكثير من العلوم، كما مر (قوله: أو للقراء) أي أو أوصى للقراء (قوله: عن ظهر قلب) أي عرفا، فلا يضر غلط يسير ولا لحن كذلك فيما يظهر. اه. ع ش (قوله: أو لأجهل الناس) أي أو أوصى لأجهل الناس. وقوله صرف لعباد الوثن، قال في شرح الروض، قال الزركشي: وقضية كلامهم صحة الوصية وهو لا يلائم قولهم إنه يشترط للوصية للجهة عدم المعصية وقد تفطن لذلك صاحب الإستقصاء فقال: وينبغي عدم صحتها لما فيها من المعصية، كما لا تصح لقاطع الطريق. اه. وأجاب في التحفة عن ذلك ولفظها. واستشكلت صحة الوصية بأنها معصية، ويجاب بأن الضار ذكر المعصية، لا ما قد يستلزمها أو

_ (1) قوله الإثني عشر علما: أي المنظومة في قول بعضهم: صرف بيان معاني النحو قافية شعر عروض اشتقاق الخط انشاء محاضرات وثاني عشرها لغة تلك العلوم لها الاداب أسماء

الوثن، فإن قال من المسلمين فمن يسب الصحابة ويدخل في وصية الفقراء والمساكين وعكسه، ويدخل في أقارب زيد كل قريب، وإن كان بعد، لا أصل وفرع، ولا تدخل في أقارب نفسه ورثته (وتبطل الوصية المعلقة بالموت) ومثلها تبرع علق بالموت، سواء كان التعليق في الصحة أو المرض، فللموصي الرجوع فيها، كالهبة، قبل القبض، بل أولى. ومن ثم لم يرجع في تبرع نجزه في مرضه، وإن اعتبر من الثلث (برجوع) عن الوصية ـــــــــــــــــــــــــــــ يقارنها، كما هنا، ومن ثم ينبغي، بل يتعين بطلانها لو قال لمن يعبد الوثن أو يسب الصحابة. اه (قوله: فإن قال من المسلمين) أي وإن أوصى لأجهل الناس، وقيدهم بالمسلمين. (وقوله: فمن يسب الصحابة) أي فتصرف لمن يسبهم، لأنهم أجهل المسلمين، وقيل للمجسمة. وقيل لمرتكبي الكبائر من المسلمين، إذ لا شبهة لهم (قوله: ويدخل في وصية الفقراء الخ) وذلك لانطلاق كل على ما يشمل الآخر عند الإنفراد، وأما عند الإجتماع فيطلق كل على ما يقابل الآخر، كما مر في قسم الصدقات، (قوله: وعكسه) هو أن يدخل في وصية المساكين والفقراء (قوله: ويدخل في أقارب زيد الخ) أي في الوصية لأقارب زيد. (وقوله: كل قريب) أي مسلما كان أو كافرا، ذكرا أو أنثى أو خنثى، فقيرا، أو غنيا، ويدخل أيضا الأجداد والجدات والأحفاد، وذلك لأن هذا اللفظ يذكر عرفا شائعا لإرادة جهة الغرابة فعمم (قوله: لا أصل) أي لا يدخل أصل فقط. وقوله وفرع، أي ولد فقط، وإنما لم يقل أصول وفروع لما علمت من دخول الأجداد والجدات والأحفاد، وإنما لم يدخل الأصل والفرع لأنهما لا يسميان أقارب عرفا بالنسبة للوصية، وإن كانا يسميان أقارب بالنسبة لغيرها (قوله: ولا تدخل في أقارب نفسه) أي ولا تدخل في الوصية لأقارب نفسه وورثته اعتبارا بعرف الشرع، لا بعموم اللفظ، ولأن الوارث لا يوصى له عادة، وقيل يدخلون لوقوع الإسم عليهم ثم يبطل نصيبهم لتعذر إجازتهم لأنفسهم، ويصح الباقي لغيرهم. أفاده في شرح الروض. (قوله: وتبطل الوصية الخ) شروع في بيان حكم الرجوع عن الوصية وما يحصل به (قوله: المعلقة بالموت) أي المضافة لما بعد الموت لفظا، كما إذا كانت الصيغة من غير مادة الوصية، ومعنى كما إذا كانت من مادتها لما تقدم أن التقييد بقوله بعد موتي لازم في غير أوصيت من الصيغ كأعطوا أو ادفعوا، وأما في أوصيت فلا يلزم لوضعه شرعا لذلك (قوله: ومثلها تبرع علق بالموت) فيه أن هذا وصية لا مثلها، فهو مما يندرج تحت قوله المعلقة بالموت، إلا أن يحمل قوله المعلقة بالموت على ما إذا كان اللفظ المشتمل على التعليق من مادة الوصية. وقوله تبرع علق بالموت، على ما إذا كان من غيرها فلا يكون مندرجا، بل يكون قسيما، لكن يبقى الإيراد في الحكم عليه بالمثلية مع أنه نوع منها، فلو اقتصر المؤلف على قوله وتبطل الوصية برجوع بنحو نقضتها كأبطلتها أو رددتها أو أزلتها الخ، وأسقط ما بعد قوله وتبطل مما ذكره في الشرح لكان أولى وأخصر وأسلم من الركاكة الحاصلة في عبارته، وعبارة المنهاج له الرجوع عن الوصية وعن بعضها بقوله نقضت الوصية أو أبطلتها أو رجعت فيها أو فسختها. اه. قال في التحفة، إجماعا، وكالهبة قبل القبض بل أولى، ومن ثم لم يرجع في تبرع نجز في مرضه، وإن اعتبر من الثلث، لأنه عقد تام. اه. (قوله: فللموصي الرجوع فيها) أي يجوز له، وينبغي أن يأتي فيه ما تقدم في الوصية من الأحكام، فيقال هنا بعد حصول الوصية وإن كانت مطلوبة حين فعلها إذ عرض للموصى له ما يقتضي أنه صرفها في محرم وجب الرجوع، أو في مكروه ندب الرجوع، أو في طاعة كره الرجوع (قوله: كالهبة قبل القبض) الكاف للتنظير في جواز الرجوع في الهبة قبل قبضها، لأنها حينئذ غير لازمة (قوله: بل أولى) أي بل الرجوع عن الوصية أولى من الرجوع عن الهبة لعدم تنجيزها، بخلاف الهبة (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن الرجوع جائز في الوصية لكونها كالهبة غير المقبوضة، بل أولى، لم يرجع في تبرع نجزه في مرضه، كوقف وعتق وهبة مقبوضة، لأنه حينئذ ليس كالهبة غير المقبوضة. وفي شرح الروض، وإنما يرجع في المنجز، وإن كان معتبرا من الثلث، حيث جرى في المرض كالمعلق بالموت، لأن المقتضي للرجوع في الوصية كون التمليك لم يتم لتوقفه على القبول بعد الموت، والتبرع المنجز عقد تام بإيجاب وقبول، فأشبه البيع من وجه. وقوله وإن اعتبر من الثلث، غاية في عدم الرجوع (قوله: برجوع عن الوصية) متعلق بتبطل، ولو ادعى الوارث رجوع الموروث عنها فلا تقبل بينته، إلا إن تعرضت

(بنحو نقضتها)، كأبطلتها أو رددتها أو أزلتها. والاوجه صحة تعليق الرجوع فيها على شرط لجواز التعليق فيها، فأولى في الرجوع عنها (و) بنحو (هذا لوارثي) أو ميراث عني، سواء أنسي الوصية أم ذكرها. (وسئل) شيخنا عما لو أوصى له بثلث ماله إلا كتبه، ثم بعد مدة أوصى له بثلث ماله ولم يستثن: هل يعمل بالاولى أو بالثانية؟. (فأجاب) بأن الذي يظهر العمل بالاولى، لانها نص في إخراج الكتب، والثانية محتملة إنه ترك الاستثناء فيها لتصريحه به في الاولى، وأنه تركه إبطالا له، والنصب مقدم على المحتمل (و) بنحو (بيع ورهن) ولو بلا قبول (وعرض عليه) وتوكيل فيه (و) نحو (غراس) في أرض أوصى بها، بخلاف زرعه بها. ولو اختص نحو ـــــــــــــــــــــــــــــ لصدوره منه بعد الوصية. ولا يكفي عن التعرض قولها رجع عن جميع وصاياه. (قوله: بنحو نقضتها) أي ويحصل الرجوع بنحو نقضتها كأبطلتها الخ: أي وكفسختها، ورفعتها، ورجعت فيها. وهذه كلها صرائح: كهو حرام على الموصى له (قوله: والأوجه صحة تعليق الرجوع فيها على شرط) أي كإذا قدم فلان فقد رجعت في وصيتي (قوله: لجواز التعليق فيها) أي في الوصية نفسها (قوله: فأولى في الرجوع عنها) أي فجواز التعليق في الرجوع عنها أولى من جوازه في نفسها (قوله: وبنحو هذا لوارثي) معطوف على بنحو نقضتها، أي ويحصل الرجوع عن الوصية بقول الموصي هذا لوارثي أو ميراث عني حال كونه مشيرا إلى الموصى به، وذلك لأنه لا يكون لوارثه إلا وقد أبطل الوصية فيه فصار كقوله رددتها. قال في التحفة: ويفرق بينه وبين ما لو أوصى بشئ لزيد ثم به لعمرو فإنه يشرك بينهما لاحتمال نسيانه للأولى، بأن الثاني هنا لما ساوى الأول في كونه موصى له وطارئا استحقاقه لم يمكن ضمه إليه صريحا في رفعه، فأثر فيه احتمال النسيان وشركنا، إذ لا مرجح، بخلاف الوارث فإنه مغاير له واستحقاقه أصلي، فكان ضمه إليه رافعا لقوته. اه (قوله: سواء أنسي الخ) تعميم في حصول الرجوع بقوله المذكور (قوله: وسئل شيخنا الخ) السؤال والجواب في التحفة (قوله: عما لو أوصي له بثلث ماله إلا كتبه) أي بأن قال أوصيت لزيد بثلث مالي إلا كتبي، فاستثنى الكتب من دخولها في الوصية (قوله: ثم بعد مدة) أي من الوصية الأولى. (وقوله: أوصى له) أي للموصى له أولا (قوله: ولم يستثن) أي الكتب (قوله: هل يعمل بالأولى) أي بالوصية الأولى، وهي التي استثنى فيها الكتب. وقوله أو بالثانية: أي بالوصية الثانية، وهي التي لم يستثن فيها شيئا (قوله: فأجاب بأن الذي يظهر العمل بالأولى) وهي التي استثنى فيها الكتب، قال سم: ويحتمل العمل بالثانية، كما لو أوصى له بخمسين ثم بمائة (قوله: لأنها) أي الأولى، وقوله نص، أي صريح في إخراج الكتب (قوله: والثانية محتملة إلخ) أي وأما الوصية الثانية فهي محتملة لكونه ترك الإستثناء فيها لتصريحه بالإستثناء في الأولى، فتكون الكتب مستثناة تقديرا، ولا تدخل في الثلث (قوله: وأنه تركه الخ) أي ومحتملة أنه ترك الإستثناء إبطالا له، فلا تكون الكتب مستثناة وتدخل في الثلث (قوله: والنص مقدم على المحتمل) قال في التحفة بعده، وأيضا فقاعدة حمل المطلق على المقيد، تقدم المقيد أو تأخر، تصرح بذلك، (قوله: وبنحو بيع) أي ويحصل الرجوع بنحو بيع الموصى به. واندرج تحت نحو: إعتاقه، وإيلاده وكتابته، وإصداقه، وكل تصرف لازم ناجز: كهبة مقبوضة (قوله: ورهن) معطوف على نحو بيع، أي ويحصل الرجوع برهن للموصى به لتعريضة للبيع (قوله: ولو بلا قبول) راجع للبيع والرهن، وذلك لدلالتهما على الإعراض (قوله: وعرض عليه) أي ويحصل الرجوع بعرض الموصى به على ما ذكر من نحو البيع والرهن. (وقوله: وتوكيل فيه) أي فيما ذكر أيضا، وذلك لأن كلا من العرض والتوكيل وسيلة إلى ما يحصل به الرجوع (قوله: ونحو غراس) معطوف على نحو نقضتها، أي ويحصل الرجوع بنحو غراس كبناء (وقوله: بخلاف زرعه بها) أي بالأرض الموصى بها، فلا يحصل الرجوع به والفرق بينه وبين نحو الغراس أن كلا من الغراس ونحوه كالبناء يراد للدوام، بخلاف زرعه، لأنه ليس للدوام، فأشبه لبس الثوب ومما يحصل به الرجوع أيضا خلطه برا معينا أوصى به ببر مثله أو أجود أو أراد منه لأنه أخرجه بذلك عن إمكان التسليم، وخلطه صبرة أوصى بصاع منها بأجود منها، لأنه أحدث بالخلط زيادة

الغراس ببعض الارض، اختص الرجوع بمحله. وليس من الرجوع إنكار الموصي الوصية إن كان لغرض. ولو أوصى بشئ لزيد ثم أوصى به لعمرو، فليس رجوعا، بل يكون بينهما نصفين. ولو أوصى به لثالث كان بينهم أثلاثا، وهكذا. قاله الشيخ زكريا في شرح المنهج. ولو أوصى لزيد بمائة ثم بخمسين فليس له إلا خمسون، لتضمن الثانية الرجوع عن بعض الاولى، قاله النووي. ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يرض تسليمها، ولا يمكن بدونها، بخلاف ما لو خلطها بمثلها فلا يحصل الرجوع به، لأنه لم يحدث تعييب، إذ لا فرق بين المثلين. وكذا لو خلطها بأردأ منها في الأصح، قياسا على تعييب الموصى به، وهو لا يؤثر. ومما يحصل به الرجوع طحنه البر الموصى به، وعجن الدقيق الموصى به، وغزل القطن الموصى به. لإشعار ذلك كله بالإعراض عن الوصية. (تنبيه) قال في المغني: هذا كله في وصية بمعين، فإن أوصى بثلث ماله ثم هلك أو تصرف في جميعه ببيع أو غيره لم يكن رجوعا، لأن الثلث مطلق لا يختص بما ملكه وقت الوصية، بل العبرة بما ملكه عند الموت - زاد أو نقص أو تبدل - كما جزم به في الروضة وأصلها وغيرهما. اه. (قوله: ولو اختص نحو الغراس) أي كالبناء. (وقوله: ببعض الأرض) أي الموصى بكلها (قوله: اختص الرجوع بمحله) أي محل الغراس فقط ولا يحصل الرجوع في جميعها (قوله: وليس من الرجوع إنكار الموصي الوصية) ظاهره وإن لم يكن الإنكار جواب سؤال، وهو ظاهر، لأن الموصي قد يكون له غرض في إنكارها مطلقا، ولكن قيده م ر وحجر في شرحيهما بذلك، ولم يذكرا مفهومه. اه. بجيرمي (قوله: أن كان لغرض) كخوف من نحو ظالم عليه، وإلا فيكون رجوعا. وهذا التفصيل هو المعتمد. وقيل إنه رجوع مطلقا. وقيل إنه ليس برجوع مطلقا، كما في المغنى، وعبارته: ولو سئل عن الوصية فأنكرها قال الرافعي فهو على ما مر في جحد الوكالة، أي فيفرق فيه بين أن يكون لغرض، فلا يكون رجوعا، أو لا لغرض فيكون رجوعا، وهذا هو المعتمد. ووقع في أصل الروضة أنه رجوع، وفي التدبير أنه ليس برجوع، ويمكن حمل ذلك على ما مر. اه. (قوله: ولو أوصى بشئ) أي معين من ماله (قوله: ثم أوصى به) أي بذلك الشئ الذي أوصى به لزيد (قوله: فليس رجوعا) لاحتمال إرادة التشريك فيشرك بينهما، كما لو قال دفعة واحدة أوصيت بها لكما لكن لو رد أحدهما الوصية في الأولى كان الكل للآخر، بخلافه في الثانية، فإنه يكون له النصف فقط، لأنه الذي أوجبه له الموصي صريحا، بخلافه في الأولى. اه. مغني. وقد تقدم عن حجر الفرق بينه وبين قول الموصي في الموصى به هذا الوارثي، فلا تغفل (قوله: بل يكون بينهما نصفين) إلا إذا كان الموصي عالما بالوصية الأولى أو قال أوصيت لزيد بما أوصيت به لعمرو فيكون رجوعا اه. بجيرمي (قوله: ولو أوصى به) أي بهذا الشئ الذي أوصى به أولا لزيد وثانيا لعمرو. وقوله لثالث، أي لشخص ثالث كبكر. وقوله كان، أي الموصى به. وقوله بينهم، أي بين الثلاثة الموصى له أولا، والموصى له ثانيا، والموصى له ثالثا. وقوله وهكذا، أي فلو أوصى به لرابع غير الثلاثة كان بينهم أرباعا (قوله: قاله الشيخ زكريا) أي قال ما ذكر من قوله ولو أوصى بشئ لزيد ثم أوصى به لعمرو الخ (قوله: ثم بخمسين) أي ثم بعد الوصية الأولى أوصى له بخمسين (قوله: فليس له إلا خمسون الخ) فرق في التحفة بينه وبين ما تقدم فيما لو أوصي بثلث ماله إلا كتبه ثم أوصى بثلث ماله ولم يستثن شيئا، حيث عمل بالأولى هناك وعمل بالثانية هنا، بأنها هنا صريحة في مناقضة الأولى وإن قلنا إن مفهوم العدد ليس بحجة، لأن محله حيث لا قرينة كما هو معلوم من محله، وهنا القرينة المناقضة فعمل بالثانية لأنها المتيقنة، بخلاف الثانية هناك فإنها ليست صريحة في مناقضة الأولى، بل هي محتملة لأن يراد فيها ما أريد في الأولى من الإستثناء. ومحتملة لإبطال ما أريد في الأولى، فلم يعمل هناك بالثانية، بل عمل بالأولى المتيقنة، بعكس ما هنا. ولا يتأتى هنا اعتبارهم احتمال نسيان الأولى، لأنهم إنما اعتبروه في الوصية لاثنين، فقالوا فيها بالتشريك، بخلاف الوصيتين لواحد، فإن الثانية مبطلة للأولى، فاحتيط لها باشتراط تحقق مناقضتها للأولى اه. بتصرف. مطلب في الإيصاء وهو قول المحشي

مطلب في الايصاء ـــــــــــــــــــــــــــــ (تتمة) تعرض للوصية ولم يتعرض للإيصاء، وقد ترجم له الفقهاء بفصل مستقل، ولا بد من التعرض له تكميلا للفائدة - فأقول: حاصل الكلام عليه أن الإيصاء لغة الإيصال، كالوصية. وشرعا إثبات تصرف مضاف لما بعد الموت ولو تقديرا وإن لم يكن فيه تبرع، كالإيصاء بالقيام على أمر أطفاله، ورد ودائعه، وقضاء ديونه، فإنه لا تبرع في شئ من ذلك بخلاف الوصية فإنه لا بد فيها من التبرع وأركانه أربعة: موصي، ووصي، وموصى فيه، وصيغة. وشرط في الموصي بقضاء الحقوق التي عليه وتنفيذ الوصايا ورد الودائع ونحوها ما تقدم في الموصي بمال، من كونه مالكا بالغا عاقلا حرا مختارا. وشرط في الموصي بنحو أمر طفل ومجنون ومحجور عليه بسفه، مع ما مر من الشروط، أن يكون له ولاية عليه ابتداء من الشرع، لا بتفويض، فلا يصح الإيصاء من صبي ومجنون ورقيق ومكره، ولا من أم وعم، لعدم الولاية عليهما، ولا من الوصي، لأن ولايته ليست شرعية ابتداء، بل جعلية بتفويض الأب أو الجد إليه إلا إن أذن له فيه، كأن قال أوص عني، فأوصى عن الولي، لا عن نفسه، ولا يصح الإيصاء من أب على ولده والجد بصفة الولاية، لأن ولايته ثابتة شرعا ابتداء، بخلاف الوصي، كما علمت، وشرط في الوصي: الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والعدالة والاهتداء إلى التصرف وعدم عداوة منه للمولى عليه وعدم جهالة، فلا يصح الإيصاء إلى من فقد شيئا من ذلك، كصبي ومجنون وفاسق ومن به رق أو عداوة وكافر على مسلم، ومن لا يكفي في التصرف لهرم أو سفه. وتعتبر الشروط المذكورة عند الموت، لا عند الإيصاء، ولا بينهما، لأنه وقت التسلط على القبول حتى لو أوصى لمن خلا عن الشروط أو بعضها كصبي ورقيق ثم استكلمها عند الموت صح، ولا يضر عمى، لأن الأعمى متمكن من التوكيل فيما لا يتمكن منه، ولا أنوثة، لما في سنن أبي داود أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة رضي الله عنها، وإذا جمعت أم الطفل الشروط المذكورة فهي أولى من غيرها، لوفور شفقتها. واستجماعها للشروط معتبر عند الإيصاء. قال في التحفة: وقول غير واحد عند الموت عجيب، لأن الأولوية إنما يخاطب بها الموصي، وهو لا علم بما عند الموت. اه. ويشترط في الموصى فيه كونه تصرفا ماليا مباحا، فلا يصح الإيصاء في تزويج نحو بنته أو ابنه، لأن هذا لا يسمى تصرفا ماليا، وأيضا غير الأب والجد لا يزوح الصغيرة والصغير، ولا في معصية، كبناء كنيسة للتعبد، لكون الإيصاء قربة، وهو تنافي المعصية. ويشترط في الصيغة، لفظ يشعر بالإيصاء، كأوصيت إليك، أو جعلتك وصيا، أو أقمتك مقامي بعد موتي، فيما عدا أوصيت، على قياس ما مر في الوصية، ولا بد من بيان ما يوصى فيه. فلو اقتصر على نحو أوصيت إليك كان لغوا، ويجوز فيه التأقيت والتعليق: كأوصيت إليك إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد، وكإذا مت أو إذا مات وصيي فقد أوصيت إليك. ويشترط القبول بعد الموت، ولو بتراخ، ويكتفي فيه بالعمل كالوكالة، ولكل من الموصي والوصي رجوع متى شاء لأنه عقد جائز إلا إن تعين الوصي وغلب على ظنه استيلاء ظالم من قاض وغيره عليه فليس له الرجوع. ولو خاف الوصي على مال اليتيم ونحوه من استيلاء الظالم عليه فله تخليصه بشئ منه فيبذل شيئا القاضي السوء الذي لو لم يبذل له شيئا لانتزع المال منه وسلمه لبعض خونته وأدى ذلك إلى استئصاله. وكذا يجوز للوصي تعييب مال اليتيم ونحوه. كما قاله ابن عبد السلام، إذا خاف عليه الغصب لأجل حفظه، كما في قصة الخضر عليه السلام، وقد حكاها الله تعالى بقوله: * (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) * (1) وقد نظم ابن رسلان في زبده معظم ما يتعلق بالإيصاء بقوله: سن لتنفيذ الوصا ووفاديونه إيصاء حر كلفا ومن ولي ووصي أذنافيه على الطفل ومن تجننا إلى مكلف يكون عدلاوأم الأطفال بهذا أولى

_ (1) سورة الكهف، الاية: 79

(وتنفع ميتا) من وارث وغيره (صدقة) عنه، ومنها وقف لمصحف وغيره، وبناء مسجد، وحفر بئر، وغرس شجر منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته (ودعاء) له إجماعا. وصح في الخبر أن الله تعالى يرفع درجة العبد في الجنة باستغفار ولده له وقوله تعالى: * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) * عام مخصوص ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله من ولي، أي وسن الإيصاء من ولي وقول ووصي، أي ومن وصي لكن يقيدنا بإذن الولي له في الإيصاء عن نفسه أن عن الموصي، وإلا فلا يصح إيصاء الوصي. وقوله أذنا، يقرأ بالبناء للمجهول، وألفه للإطلاق، أي أذن الولي للوصي في الإيصاء. (وقوله: إلى مكلف) متعلق بإيصاء، أي سن إيصاء من ذلك إلى مكلف - والأحسن جعل إلى زائدة، إذ فعل الإيصاء يتعدى بنفسه. فتنبه. مطلب ما ينفع الميت (قوله: وتنفع ميتا الخ) جرت عادة الفقهاء يذكرون هذه المسألة في باب الوصية، ولها ارتباط به، إذ الوصية صدقة معلقة بالموت، كما يؤخذ من حدها المار. (قوله: من وارث وغيره) متعلق بمحذوف حال مما بعده، أي حال كون الصدقة أو الدعاء كائنين من وارث وغيره، وهو تعميم فيه (قوله: صدقة عنه) أي عن الميت، سواء كان المتصدق هو في حياته أو غيره، فقوله الآتي منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته راجع لهذا وما بعده. اه. رشيدي (قوله: ومنها) أي الصدقة. (وقوله وقف لمصحف) أي عن الميت. (وقوله وغيره) بالجر عطف على مصحف، أو وقف لغير المصحف كدار (قوله: وبناء مسجد الخ) أي وإجراء نهر وبيت بناه للغريب ليأوي فيه، أو بناه للذكر، وقد تقدم، في باب الوقف، بيان العشرة التي يبقى ثوابها له بعد موته، ولا ينقطع منها ما ذكر ومنها ما هو غير صدقة، كدعاء ولد له، وكعلم ينتفع به. وقد تقدم هناك أيضا نظمها للجلال السيوطي، ولا بأس بإعادته هنا وهو هذا: إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من خصال غير عشر علوم بثها ودعاء نجل وغرس لنخل والصدقات تجري وراثة مصحف ورباط ثغر وحفر البئر أو إجراء نهر وبيت للغريب بناه يأوي إليه أو بناء محل ذكر وتعليم لقرآن كريم فخدها من أحاديث بحصر (قوله: منه في حياته الخ) متعلق بمحذوف صفة لصدقة ولما بعدها من قوله وقف وبناء وحفر وغرس، أو حال منها كلها، أي الصادارت منه حال كونه حيا، أو حال كونها صادرة منه في حال كونه حيا. وقوله أو من غيره، معطوف على منه، أي أو الصادرات من غيره. وقوله عنه، متعلق بمحذوف حال من متعلق الجار والمجرور: أي حال كون هذه الأمور الصادرة من غيره مجعولة عنه. والمراد أن من صدرت منه جعل ثوابها لذلك الميت. وقوله بعد موته، متعلق بما تعلق به الجار والمجرور، أي الصادرات بعد موته (قوله: ودعاء) معطوف على صدقة، أي وينفعه أيضا دعاء له من وارث وغيره، ولو أخر قوله أولا من وراث وغيره عنه لكان أولى. (قوله: إجماعا) دليل لكل من الصدقة ومن الدعاء (قوله: وصح في الخبر الخ) دليل للدعاء، ومما يدل له أيضا قوله تعالى: * (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) * (2) فأثنى عليهم بالدعاء للسابقين. ومما يدل للصدقة، خبر سعد بن عبادة: قال: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال نعم: قال أي الصدقة أفضل؟ قال سقي الماء رواهما مسلم وغيره: ومما يدل لهما خبر: إذا مات ابن آدم الخ (قوله: باستغفار ولده له) أي بأن يقول: أستغفر الله لوالدي، أو اللهم اغفر له. وفي المغني بعد قوله في الجنة، فيقول يا رب أني لي هذا؟ فيقال باستغفار ولدك لك (قوله: وقوله تعالى) مبتدأ خبره عام، والقصد بإيراد هذه الآية دفع إيراد من تمسك بظاهرها، وقال لا ينفع الإنسان إلا ما حصله بنفسه، ولا ينفعه دعاء الغير له، ولا الصدقة عنه * (الهامش) (2) سورة الحشر، الاية: 10

بذلك، وقيل منسوخ. ومعنى نفعه بالصدقة أنه يصير كأنه تصدق. قال الشافعي - رضي الله عنه - وواسع فضل الله أن يثيب المتصدق أيضا. ومن ثم قال أصحابنا: يسن له نية الصدقة عن أبويه مثلا، فإنه تعالى يثيبهما ولا ينقص من أجره شيئا. ومعنى نفعه بالدعاء، حصول المدعو به له إذا استجيب، واستجابته محض فضل من الله تعالى. أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي، لانه شفاعة أجرها للشافع، ومقصودها للمشفوع له. نعم، دعاء الولد يحصل ثوابه، نفسه للوالد الميت، لان عمل ولده لتسببه في وجوده من جملة عمله، كما صرح به خبر ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث ثم قال: أو ولد صالح، أي مسلم، يدعو له حمل دعاءه من عمل الوالد. ـــــــــــــــــــــــــــــ وحاصل الدفع أن مفهوم الآية مخصوص بغير الصدقة والدعاء. وفي البجيرمي العموم في مفهومه وهو أنه ليس له شئ في غير سعيه فيخص بغير الصدقة والدعاء. (وقوله: مخصوص بذلك) أي بما ذكر من الإجماع وغيره. وعبارة التحفة: وهما مخصصان، وقيل ناسخان لقوله تعالى: * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * إن أريد ظاهره، وإلا فقد أكثروا في تأويله، ومنه أنه محمول على الكافر، أو أن معناه لا حق له إلا فيما سعى، وأما ما فعل عنه فهو محض فضل لا حق له فيه. وظاهر مما هو مقرر في محله أن المراد بالحق هنا نوع تعلق ونسبة إذ لا يستحق أحد على الله ثوابا مطلقا، خلافا للمعتزلة. اه. (قوله: ومعنى نفعه) أي الميت بالصدقة. (وقوله: أنه يصير كأنه تصدق) قال في التحفة: واستبعاد الإمام له بأنه لم يأمر به ثم تأويله بأنه يقع عن المتصدق وينال الميت بركته، رده ابن عبد السلام بأن ما ذكروه من وقوع الصدقة نفسها عن الميت حتى يكتب له ثوابها هو ظاهر السنة. اه. (قوله: وواسع فضل الله) الأنسب نصب واسع بإسقاط الخافض، وإضافته لما بعده من إضافة الصفة للموصوف، أي ومن فضل الله الواسع إثابة الله المتصدق أيضا كما يثيب الميت المتصدق عنه (قوله: ومن ثم إلخ) أي ومن أجل أن المتصدق يثاب أيضا، كما قال الإمام، قال أصحابنا: يسن لمن أراد أن يتصدق أن ينوي الصدقة عن أبويه ولا يقتصر على نية نفسه بها. وقوله مثلا، راجع للأبوين، أي الأبوين، أي أو غيرهما: كالأخوين (قوله: فإنه تعالى الخ) لا حاجة إليه بعد قوله ومن ثم (قوله: يثيبهما) أي الأبوين مثلا. (وقوله: ولا ينقص من أجره) أي المتصدق (قوله: ومعنى نفعه) أي الميت. (وقوله: بالدعاء) أي دعاء الغير له. (وقوله: حصول المدعو به له) أي حصول الشئ الذي دعي به للميت، كالمغفرة والرحمة، (وقوله: إذا استجيب) أي الدعاء (قوله: واستجابته) أي الدعاء. (وقوله: محض فضل من الله تعالى، أي ليس بواجب عليه، خلافا للمعتزلة (قوله: أما نفس الدعاء) وهو الطلب الصادر منه، كقوله مثلا اللهم اغفر لوالدي وللمسلمين. (وقوله: ونوابه) أي الدعاء لا معنى لكون الدعاء نفسه للداعي إلا كون ثوابه له، فيكون عطفه على ما قبله من قبيل عطف التفسير (قوله: لأنه) أي الدعاء للميت شفاعة. (وقوله: ومقصودها) أي الشفاعة، وهو المدعو به. (وقوله: للمشفوع له) هو الميت. (والحاصل) إذا طلب لوالديه المغفرة مثلا فنفس الطالب يثاب عليه الداعي لأنه شفاعة الخ، ونفس المطلوب، وهو المغفرة، يكون للميت، وهذا هو المراد من انتفاع الميت بالدعاء (قوله: نعم، دعاء الولد الخ) استدراك على قوله أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي. (وقوله: يحصل ثوابه) أي الدعاء. (وقوله: نفسه) بالرفع، توكيد لثواب. وقوله للولد الميت، قال ع ش: ومثله الحي، للعلة المذكورة، اه. وانظر، هل يحصل للولد ثواب أيضا أو لا؟ والظاهر أنه لا مانع من حصول الثواب له أيضا، إذ فضل الله واسع، وإن كان ظاهر العبارة يقتضي خلافه. (قوله: لأن عمل ولده الخ) تعليل لحصول الثواب للوالد. وقوله لتسببه، أي الوالد في وجوده، أي الولد، وهو علة لكونه من جملة عمله، فهو علة تقدمت على معلولها. وقوله من (وقوله: جملة عمله) أي الوالد، وهو خبر أن (قوله: كما صرح به) أي بما ذكر من أن عمل الولد من جملة عمل الوالد (قوله: ينقطع عمل ابن آدم الخ) أي ثوابه، كما تقدم في باب الوقف، وقوله ثم قال الخ، عطف

_ (1) سورة النجم، الاية: 39

أما القراءة فقد قال النووي في شرح مسلم: المشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل ثوابها إلى الميت. وقال بعض أصحابنا يصل ثوابها للميت بمجرد قصده بها، ولو بعدها، وعليه الائمة الثلاثة واختاره كثيرون من أئمتنا، واعتمده السبكي وغيره، فقال: والذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه وبين ذلك، وحمل جمع عدم الوصول الذي قاله النووي على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت ولم ينو القارئ ثواب ـــــــــــــــــــــــــــــ على مقدر، أي وعد الأولى والثانية من الثلاث، ثم قال في بيان الثالثة أو ولد صالح، والمراد مسلم، لأن الإسلام يستلزم قبول أصل الدعاء، والصلاح إنما هو شرط كماله، كما تقدم. (قوله: جعل) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاءه: أي الولد من عمل الوالد، وذلك لأن معنى الحديث ينقطع عمله إذا مات إلا من ثلاث، فلا ينقطع عمله منها، ومن جملة الثلاثة دعاء الولد له. قال في التحفة بعده: وإنما يكون منه، ويستثنى من انقطاع العمل إن أريد نفس الدعاء، لا المدعو به. اه. (قوله: أما القراءة الخ) لم يذكر في سابقه مجملا ولا مقابلا لأما، فكان المناسب أن يذكرهما أولا كأن يقول وينفع الميت أشياء، أما الصدقة والدعاء فبالإجماع، ثم يقول: وأما القراءة ففيها خلاف. أو يعدل عن تعبيره هذا ويقول وما ذكرته، من أنه ينفع الميت الصدقة والدعاء فقط، هو ما ذكره في المنهاج، وأفهم أنه لا ينفعه غيرهما من سائر العبادات، ولو قراءة وفيها خلاف فقد قال النووي الخ. وعبارة المغني: (تنبيه) كلام المصنف قد يفهم أنه لا ينفعه ثواب غير ذلك، أي الصدقة والدعاء كالصلاة عنه قضاء أو غيره وقراءة القرآن وهو المشهور عندنا، ونقله المصنف في شرح مسلم والفتاوى عن الشافعي رضي الله عنه والأكثرين، واستثنى صاحب التلخيص من الصلاة ركعتي الطواف وقال: يأتي بهما الأجير عن المحجور عنه تبعا للطواف، وصححاه، وقال ابن عبد السلام في بعض فتاويه: لا يجوز أن يجعل ثواب القراءة للميت، لأنه تصرف في الثواب من غير إذن الشارع فيه. وحكى القرطبي في التذكرة أنه رؤي في المنام بعد وفاته، فسئل عن ذلك، فقال كنت أقول ذلك في الدنيا، والآن بأن لي أن ثواب القراءة يصل إلى الميت. وحكى المصنف في شرح مسلم والأذكار وجها أن ثواب القراءة يصل إلى الميت، كمذهب الأئمة الثلاثة، واختاره جماعة من الأصحاب، منهم ابن الصلاح، والمحب الطبري، وابن أبي الدم، وصاحب الذخائر، وابن أبي عصرون. وعليه عمل الناس. وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. وقال السبكي. الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه، نفعه، إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته، وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى اه. (قوله: لا يصل ثوابها إلى الميت) ضعيف. (وقوله: وقال بعض أصحابنا يصل) معتمد. اه. بجيرمي (قوله: بمجرد قصده) أي الميت بها: أي بالقراءة. وقوله ولو بعدها، أي ولو وقع القصد بعد القراءة (قوله: وعليه) أي على وصول ثوابها للميت، الأئمة الثلاثة، وفي التحفة بعده على اختلاف فيه عن مالك. اه. (قوله: واختاره) أي اختار القول بوصول ثواب القراءة للميث كثيرون من أئمتنا، ولا حاجة إلى هذا بعد قوله وقال بعض أصحابنا الخ. وفي التحفة الاقتصار على الثاني، ولم يذكر الأول، أعني قوله وقال بعض أصحابنا ونصها، وفي القراءة وجه، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، واختاره كثيرون من أئمتنا الخ. وفي فتح الجواد: الاقتصار على الأول، وعبارته، وقال بعض أصحابنا يصل ثوابها للميت مطلقا، واعتمده السبكي وغيره وبين أن الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه، على أن جماعات من العلماء ذهبوا إلى أنه يصل إليه ثواب جميع العبادات من صلاة، وصوم، وقراءة، وغيرها. اه. فأنت تراه لفق بين العبارتين، فكان الأولى الاقتصار على أحدهما فتنبه (قوله: فقال) أي السبكي، والذي دل عليه الخبر، أي خبر الملدوغ. وقوله أن بعض القرآن، مثله كله بالأولى (قوله: وبين ذلك) أي بين السبكي ذلك، أي دلالة الخبر بالإستنباط على ما ذكر، فقال إذ قد ثبت أن القارئ لما قصد بقراءته نفع الملدوغ نفعته، وأقر ذلك - صلى الله عليه وسلم - بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى اه. ولك رده بأن الكلام ليس في مطلق النفع، بل في حصول ثوابها له، وهذا لا يدل عليه حديث الملدوغ. اه. تحفة (قوله: وحمل جمع عدم

قراءته له أو نواه ولم يدع. وقد نص الشافعي والاصحاب على ندب قراءة ما تيسر عند الميت والدعاء عقبها، أي لانه حينئذ أرجى للاجابة، ولان الميت تناله بركة القراءة: كالحي الحاضر قال ابن الصلاح: وينبغي الجزم بنفع: ـــــــــــــــــــــــــــــ الوصول الخ) أي وحملوا الوصول على القراءة بحضرة الميت، أو على نية القراءة له أو على الدعاء عقبها، كما في سم، وعبارته. (والحاصل) أنه إذا نوى ثواب قراءة له أو دعا عقبها بحصول ثوابها له أو قرأ عند قبره حصل له مثل ثواب قراءته، وحصل للقارئ أيضا الثواب. فلو سقط ثواب القارئ لمسقط، كأن غلب الباعث الدنيوي، بقراءته بأجرة، فينبغي أن لا يسقط مثله بالنسبة للميت. ولو استأجر للقراءة للميت ولم ينوه ولا دعا له بعدها ولا قرأ عند قبره علم يبرأ من واجب الإجارة. وهل تكفي نية القراءة في أولها وإن تخلل فيها سكوت؟ ينبغي نعم، إذا عد ما بعد الأول من توابعه. م ر. اه. لكن ظاهر كلام الشارح، كالتحفة وشرح المنهج، يفيد أن القراءة بحضرة الميت من غير نية ثواب القراءة له أو القراءة لا بحضرة الميت مع النية فقط من غير دعاء عقبها لا يحصل ثوابها لميت، فلا بد في الأولى من النية وفي الثانية من الجمع بين النية والدعاء (قوله: أو نواه) أي ثواب القراءة للميت. وقوله ولم يدع قضيته، كما علمت، أنه لا بد من الجمع بين النية والدعاء ولا يغني أحدهما عن الآخر. وقال سم، واعتمد م ر: الإكتفاء بنية جعل الثواب له، وإن لم يدع، (قوله: وقد نص الشافعي الخ) هذا ذكره في التحفة تأييد الكلام ساقط من عبارة الشارح ونصها بعد وحمل جمع عدم الوصول على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت إلى آخر ما ذكره المؤلف، أما الحاضر ففيه خلاف منشؤه الخلاف في أن الإستئجار للقراءة على القبر يحمل على ماذا؟ فالذي اختاره في الروضة أنه كالحاضر في شمول الروضة النازلة عند القراءة له، وقيل محملها أن يعقبها بالدعاء له، وقيل أن يجعل أجره الحاصل بقراءته للميت، وحمل الرافعي على هذا الأخير الذي دخل عليه عمل الناس. وفي الأذكار أنه الإختيار قول الشالوشي إن قرأ ثم جعل الثواب للميت لحقه. وأنت خبير أن هذا كالثاني صريح في أن مجرد نية وصول الثواب للميت لا يفيد ولو في الحاضر، ولا ينافيه ما ذكره الأول، وهو أنه كالحاضر، لأن كون مثله فيما ذكر إنما يفيده مجرد نفع، لا حصول ثواب القراءة الذي الكلام فيه، وقد نص الشافعي والأصحاب على ندب قراءة ما تيسر عند الميت والدعاء عقبها الخ، فكان المناسب للمؤلف أن يذكر ما قبل قوله وقد نص الشافعي أو يحذف الكل. فتنبه (قوله: لأنه) أي الدعاء. وقوله حينئذ، أي حين إذ كان الدعاء عقب القراءة. وقوله أرجى للإجابة، أي أقرب إليها، لأن موضع القراء موضع بركة. وقوله ولأن الميت تناله بركة القراءة. أي لا ثوابها، وهذا هو محط التأييد الذي ساق في التحفة قوله وقد نص الشافعي الخ، لأجله، وبيان ذلك أنه ادعى أن مجرد النية من غير دعاء لا يفيد، أي لا يحصل ثواب القراءة للميت، وإن كان يحصل له منها نفع مجرد، وأيد ذلك بما نص عليه الشافعي وأصحابه من أن الميت يناله بركة القراءة، وهي غير ثوابها. فتنبه. وقوله كالحي الحاضر، أي في محل القراءة فإنه تناله بركة القراءة قال في التحفة بعده: لا المستمع، لأن الإستماع يستلزم القصد، فهو عمل، وهو منقطع بالموت. اه. (قوله: قال ابن الصلاح الخ) عبارة المغني، وقال ابن الصلاح وينبغي أن يقول اللهم أوصل ثواب ما قرأنا لفلان، فيجعله دعاء، ولا يختلف في ذلك القريب والبعيد. وينبغي الجزم بنفع هذا لأنه إذا نفع الدعاء وجاز بما ليس للداعي فلأن يجوز بماله أولى، وهذا لا يختص بالقراءة، بل يجري في سائر الأعمال. وكان الشيخ برهان الدين الفزاري ينكر قولهم اللهم أوصل ثواب ما تلوته إلى فلان خاصة وإلى المسلمين عامة، لأن ما اختص بشخص لا يتصور التعميم فيه، كما لو قال خصصتك بهذه الدراهم لا يصح أن تقول وهي عاملة للمسلمين. قال الزركشي: والظاهر خلاف ما قاله، فإن الثواب قد يتفاوت، فأعلاه ما خص زيدا مثلا، وأدناه ما كان عاما، والله تعالى يتصرف فيما يعطيه من الثواب بما يشاء. وقد أشار الروياني في أول الحلية إلى هذا فقال صلاة الله على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة وعلى النبيين عامة. اه. وأما ثواب القراءة إلى سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنع الشيخ تاج الدين الفزاري منه وعلله بأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلا بما أذن فيه، ولم يأذن إلا في الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - وسؤال الوسيلة. قال الزركشي، ولهذا اختلفوا في جواز الدعاء بالرحمة، وإن كانت بمعنى الصلاة لما

اللهم أوصل ثواب ما قرأته أي مثله، فهو المراد، وإن لم يصرح به لفلان، لانه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي فماله أولى. ويجري هذا في سائر الاعمال من صلاة وصوم وغيرهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ في الصلاة من معنى التعظيم، بخلاف الرحمة المجردة، وجوزه بعضهم، واختاره السبكي، واحتج بأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعتمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر بعد موته من غير وصية. وحكى الغزالي في الإحياء عن علي ابن الموفق. وكان من طبقة الجنيد. أنه حج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حججا وعدها القاضي ستين حجة، وعن محمد بن إسحاق النيسابوري أنه ختم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من عشرة آلاف ختمة، وضحى عنه مثل ذلك. اه. ولكن هؤلاء أئمة مجتهدون، فإن مذهب الشافعي، أن التضحية عن الغير بغير إذنه لا تجوز، كما صرح به المصنف في باب الأضحية. اه. ومثلها الحج والعمرة، كما هو ظاهر، وقد تقدم في باب الإجارة، كلام يتعلق بما هنا، فارجع إليه إن شئت (قوله: فهو) أي المثل المراد. وقوله وإن لم يصرح به، أي بالمثل في العبارة، وهو غاية لكونه هو المراد (قوله: لفلان) متعلق بأوصل (قوله: لأنه الخ) تعليل لانبغاء الجزم بنفع الميت بما ذكر (قوله: بما ليس للداعي) أي بالشئ الذي لم يجعله الداعي لنفسه، أي لم ينوه به نفسه كالقراءة بقصد الميت. وقوله فماله أولى، أي فنفعه بما قصد به الداعي نفسه، كأن قرأ القرآن بقصد الثواب له أولى من ذلك (قوله: ويجري هذا في سائر الأعمال) ظاهره أن الإشارة راجعة لقول ابن الصلاح وينبغي الجزم الخ، ويحتمل أنه من كلام ابن الصلاح أيضا، وحينئذ فهو صريح أن الإنسان إذا صلى أو صام مثلا وقال اللهم أوصل ثواب هذا لفلان يصل إليه ثواب ما فعله من الصلاة أو الصوم مثلا. فتنبه وراجع. اه. رشيدي. وقوله فتنبه وراجع، قد تقدم لشارحنا في باب الصوم ما نصه: قال المحب الطبري يصل للميت كل عبادة تفعل عنه واجبة أو مندوبة. وفي شرح المختار لمؤلفه مذهب أهل السنة، إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره ويصله. اه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب الفرائض

باب الفرائض ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الفرائض أخره عن العبادات والمعاملات لاضطرار الإنسان إليهما، أو إلى أحدهما، من حين ولادته دائما، أو غالبا، إلى موته، ولأنهما معلقان بإدامة الحياة السابقة على الموت. ولما كان نصف العلم ناسب ذكره في نصب الكتاب والأصل فيها آيات المواريث، وأخبار، كخبر الصحيحين: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر وورد في الحث على تعلمها وتعليمها من الأخبار والآثار أشياء كثيرة، فمن الأول خبر تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض، وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدان من يقضي بينهما رواه الحاكم وصحح إسناده، وخبر من علم فريضة كان كمن عتق عشر رقاب، ومن قطع ميراثا قطع الله ميراثه من الجنة، وخبر تعلموا الفرائض فإنها من دينكم، وإنه نصف العلم، وإنه أول علم ينزع من أمتي رواه ابن ماجه وغيره. وسمي نصفا لتعلقه بالموت المقابل للحياة، وقيل النصف بمعنى الصنف كقول الشاعر: إذا مت كان الناس نصفان: شامت، وآخر مثن بالذي كنت أصنع فإن المراد بالنصفين الصنفان، أي النوعان، وقيل غير ذلك. ومن الثاني ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذ تحدثتم فتحدثوا بالفرائض، وإذا لهوتم فالهوا بالرمي واعلموا أن علم الفرائض يعرف بأنه فقه المواريث، وعلم الحساب الموصل إلى معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة. فحقيقته مركبة من فقه المواريث وعلم الحساب الموصل إلى ما ذكر. والمراد بفقه المواريث فهم مسائل قسمة التركات، وبعلم الحساب إدراك مسائل الحساب، وموضوعه التركات، وغايته معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة، والتركة ما خلفه الميت من مال أو حق، ويتعلق بها خمسة حقوق مرتبة، أولها الحق المتعلق بعين التركة، كالزكاة، والجناية، والرهن. ثانيها: مؤن التجهيز بالمعروف. ثالثها: الديون المرسلة في الذمة. رابعها: الوصايا بالثلث فما دونه لأجنبي. خامسها: الإرث. وقد نظم ذلك ابن رسلان في زبده بقوله: يبدأ من تركة الميت بحق كالرهن والزكاة بالعين اعتلق فمؤن التجهيز بالمعروف فدينه ثم الوصايا توفى من ثلث باقي الإرث الخ. وصورة الرهن أن تكون التركة مرهونة بدين على الميت فيقتضي بها دينه مقدما على مؤن التجهيز وسائر الحقوق، وصورة الزكاة أن تتعلق الزكاة، فالنصاب ويكون النصاب باقيا، فتقدم الزكاة على سائر الحقوق والديون، فإن كان النصاب تالفا كانت من جملة الديون المرسلة في الذمة، وللإرث أركان، وشروط، وأسباب، وموانع. فأركانه ثلاثة: وارث، ومورث، وحق موروث، وشروطه ثلاثة: تحقق حياة الوارث، وتحقق موت المورث، والعلم بجهة الإرث. وأسبابه ثلاثة: وهي نكاح، وولاء، ونسب، كما قال في الرحبية: أسباب ميراث الورى ثلاثة كل يفيد ربه الوراثة وهي نكاح وولاء ونسب ما بعدهن للمواريث سبب فالنكاح عقد الزوجية الصحيح وإن لم يحصل وطئ ولا خلوة. والولاء عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه.

أي مسائل قسمة المواريث جمع فريضة، بمعنى مفروضه. والفرض لغة التقدير، وشرعا هنا نصيب مقدر للوارث، وهو من الرجال عشرة: ابن، وابنه، وأب، وأبوه، وأخ مطلقا، وابنه، إلا من الام، وعم، وابنه، إلا ـــــــــــــــــــــــــــــ والنسب وهو القرابة، وهي الأبوة، والبنوة، والإدلاء بأحدهما. وموانعه ثلاثة: قتل، ورق، واختلاف دين، كما قال في الرحبية: ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين فلا يرث القاتل من مقتوله ولو بحق، والقاتل من له دخل في القتل، ولو بوجه، والرق مانع من الجانبين: أي جانب الرقيق وجانب قريبه، فلا يرث ولا يورث. واختلاف الدين بالإسلام والكفر، فلا توارث بين مسلم وكافر، لخبر الصحيحين: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم. (فائدة) كان في الجاهلية يورثون الرجال الكبار دون النساء والصغار، ثم كان في أول الإسلام بالتحالف والنصرة، ثم نسخ إلى التوارث بالإسلام والهجرة، ثم نسخ إلى وجوب الوصية، ثم نسخ بآيات المواريث. (فائدة أخرى) الناس في الإرث وعدمه على أربعة أقسام: قسم يرث ويورث، وقسم يرث ولا يورث، وقسم يورث ولا يرث، وقسم لا يرث ولا يورث. فالأول كثير، كالأخوين والأصل مع فرعه والزوجين. والثاني: كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإنهم لا يورثون لقوله - صلى الله عليه وسلم -: نحن معاشر الأنبياء نرث ولا نورث، ما تركناه صدقة. والثالث: المبعض فإنه لا يرث عندنا ويورث عنه جميع ما مكله ببعضه الحر، لأنه تام الملك. والرابع: كالرقيق والمرتد، فلا يرثان ولا يورثان (قوله: أي مسائل قسمة المواريث) تفسير مراد، أي أن المراد بالفرائض في الترجمة مسائل قسمة المواريث، أي التركات، سواء كانت بالفرض أو بالتعصيب، وليس المراد بها الأنصباء المقدرة فقط، فلا يرد أنه كان حقه أن يقول باب الفرائض والتعصيب. (وقوله: جمع فريضة الخ) بيان لمعناه الأصلي (قوله: والفرض لغة التقدير) قال تعالى: * (فنصف ما فرضتم) * (1) (قوله: وشرعا هنا) أي في هذا الباب بخصوصه، فلا ينافي أن الفرض شرعا يطلق على ما قابل الحرام والمندوب ونحوهما. وهو المطلوب فعله طلبا جازما وإن شئت قلت هو ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه (وقوله: نصيب مقدر للوارث) أي كنصف وربع وثمن. وخرج بالمقدر، التعصيب فإنه ليس مقدرا، بل يأخذ العاصب جميع التركة إن انفرد، وما أبقت الفروض إن لم تستغرق التركة (قوله: وهو) أي الوارث. (وقوله: من الرجال) أي حال كونه من الرجال، وسيذكر مقابله بقوله ومن النساء. وقوله عشرة، أي بطريق الاختصار، أما بطريق البسط فخمسة عشر: الابن، وابن الابن، وإن سفل، والأب، والجد، وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ للأب، والأخ للأم، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ للأب، والعم الشقيق، والعم للأب، وابن العم الشقيق، وابن العم للأب، والزوج، والمعتق، وقد نظمها بالطريق الأول صاحب الرحبية في قوله: والوارثون من الرجال عشرة أسماؤهم معروفة مشتهره الابن، وابن الابن، مهما نزلا والأب، والجد له، وإن علا والأخ من أي الجهات كانا قد أنزل الله به القرآنا وابن الأخ المدلي إليه بالأب فاسمع مقالا ليس بالمكذب والعم، وابن العم من أبيه فاشكر لذي الإيجاز والتنبيه والزوج، والمعتق ذو الولاء فجملة الذكور هؤلاء

_ (1) سورة البقرة، الاية: 237

للام، وزوج وذو ولاء. من النساء تسع: بنت، وبنت ابن، وأم، وجدة، وأخت، وزوجة وذات ولاء، ولو فقد الورثة كلهم فأصل المذهب أنه لا يورث ذوو الارحام، ولا يرد على أهل الفرض فيما إذا وجد بعضهم، بل ـــــــــــــــــــــــــــــ (واعلم) أنه لو اجتمع جميع الرجال فقط ورث منهم ثلاثة: الأب، والابن والزوج، لأنهم لا يحجبون والباقي محجوب، فابن الابن بالابن والجد بالأب، والباقي من الأخوة والأعمام محجوب بهما، ولا يكون الميت في هذه الصورة إلا امرأة، وهي الزوجة، ومسألتهم من اثني عشر، لأن فيها ربعا للزوج وسدسا للأب، وكل مسألة فيها ربع وسدس، فهي من اثني عشر، للأب السدس اثنان، وللزوج الربع ثلاثة، وللابن الباقي وهو سبعة (قوله: ومن النساء) معطوف على قوله من الرجال، أي وللوارث من النساء. (وقوله: سبع) أي بطريق الاختصار أيضا، أما بطريق البسط فعشر، البنت، وبنت الابن، وإن نزل، الأم، والجدة من جهة الأم، والجدة من جهة الأب، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والأخت للأم، والزوجة، والمعتقة. وقد نظم ذلك بالطريق الأول أيضا صاحب الرحبية بقوله: والوارثات من النساء سبع لم يعط أنثى غيرهن الشرع بنت، وبنت ابن، وأم مشفقة وزوجة، وجدة، ومعتقة والأخت من أي الجهات كانت فهذه عدتهن بانت وقوله وجدة، لا فرق فيها بين أن تكون من جهة الأم، كأم الأم، أو من جهة الأب، كأم الأب، بشرط أن لا تدلي بذكر بين أنثيين، بأن تدلي بمحض الإناث، أو بمحض الذكور، أو بمحض الإناث إلى مخص الذكور، فإن أدلت بذكريين أنثيين، كأم أبي الأم، فلا ترث، لأنها من ذوي الأرحام، وتسمى الجدة الفاسدة. (واعلم) أيضا أنه لو اجتمع جميع الإناث فقط ورث منهن خمس: البنت، وبنت الابن، والأم، والزوجة، والأخت الشقيقة، والباقي منهن محجوب الجدة بالأم والأخت للأم بالبنت، وكل من الأخت للأب والمعتقة بالشقيقة لكونها مع البنت، وبنت الابن عصبة تأخذ الفاضل عن الفروض، ولا يكون الميت في هذه إلا رجلا، وهو الزوج، ومسألتهن من أربعة وعشرين، لأن فيها سدسا وثمنا، والسدس من ستة، والثمن من ثمانية، وهما متوافقان بالنصف، فيضرب نصف أحدهما في كامل الآخر، فيتحصل أربعة وعشرون، للبنت النصف إثنا عشر، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين أربعة، وللأم السدس أربعة أيضا، وللزوجة الثمن ثلاثة، وللأخت الباقي، وهو واحد، ولو اجتمع كل الذكور وكل الإناث إلا الزوجة فإنها الميتة، أو كل الإناث وكل الذكور إلا الزوج فإنه الميت ورث في المسألتين خمسة الأبوان والابن والبنت وأحد الزوجين وهو الزوج حيث كان الميت الزوجة، أو الزوجة حيث كان الميت الزوج، والباقي محجوبون بهم، ومسألة الزوج من اثني عشر، للأبوين السدسان أربعة، وللزوج الربع ثلاثة، والباقي، وهو خمسة، بين الابن والبنت أثلاثا، لأن الابن برأسين، والبنت برأس ولا ثلث لها صحيح، فحصل الكسر على ثلاثة رؤوس، فتضرب ثلاثة في أصل المسألة، وهو اثنا عشر، بستة وثلاثين، ومنها تصح فتقول من له شئ من أصلها أخذه مضروبا في جزء سهمها وهو ثلاثة، فللأبوين أربعة في ثلاثة باثني عشر لكل منهما ستة وللزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة يبقى خمسة عشر، للإبن منها عشرة وللبنت خمسة. ومسألة الزوجة من أربعة وعشرين، للأبوين السدسان ثمانية وللزوجة الثمن ثلاثة، والباقي، وهو ثلاثة عشر، بين الإبن والبنت أثلاثا، لما علمت، ولا ثلث لها صحيح، فحصل الكسر على ثلاثة رؤوس، فتضرب ثلاثة في أصل المسألة، وهو أربعة وعشرون، باثنين وسبعين. ومنها تصح فتقول من له شئ من أصلها أخذه مضروبا في جزء سهمها وهو ثلاثة فللأبوين ثمانية في ثلاثة بأربعة وعشرين لكل منهما اثنا عشر، وللزوجة ثلاثة في ثلاثة بتسعة يبقى تسعة وثلاثون للإبن ستة وعشرون وللبنت ثلاثة عشر (قوله: ولو فقد الورثة كلهم فأصل المذهب أنه لا يورث ذوو الأرحام) أي لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم -: لما استفتى فيمن ترك عمته وخالته لا غير، رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم رجل ترك عمته وخالته لا وارث له غيرهما، ثم قال أين السائل؟ قال: ها أنا ذا. قال لا ميراث لهما (قوله: ولا يرد على أهل الفرض فيما إذا

المال لبيت المال، ثم إن لم ينتظم المال رد ما فضل عنهم عليهم غير الزوجين بنسبة الفروض، ثم ذوي الارحام، وهم أحد عشر: ولد بنت، وأخت، وبنت أخ، وعم وعم لام، وخال، وخالة، وعمة، وأبو أم، وأم أبي ـــــــــــــــــــــــــــــ وجد بعضهم) أي ولم يستغرق، كبنت أو أخت (قوله: بل المال) وهو الكل فيما إذا فقدوا كلهم، أو البعض فيما إذا فقد البعض لبيت المال (قوله: ثم إن لم ينتظم الخ) عبارته غير منتظمة لاقتضائها أن ما تقدم من كون أصل المذهب ما ذكر مقيد بما إذا انتظم، وليس كذلك، بل أصل المذهب ما تقدم مطلقا، انتظم أو لا، وإنما اختار المتأخرون عند عدم الانتظام أن يرد لذوي الفروض فإن فقدوا فلذوي الأرحام. ويدل على ذلك عبارة المنهاج ونصها: ولو فقدوا كلهم فأصل المذهب أنه لا يرث ذوو الأرحام ولا يرد على أهل الفرض، بل المال لبيت المال، وإن لم ينتظم، وأفتى المتأخرون إذا لم ينتظم أمر بيت المال بالرد على أهل الفرض، غير الزوجين، ما فضل عن فروضهم بالنسبة، فإن لم يكونوا صرف إلى ذوي الأرحام. اه. بزيادة يسيرة من التحفة. وقوله رد ما فضل عنهم، أي زاد على فروضهم المقدرة. وقوله عليهم، متعلق برد، أي رد عليهم. وقوله غير الزوجين، أما هما فلا يرد عليهما (قوله: بنسبة الفروض) متعلق برد، أي رد بنسبة فرض كل من يرد عليه إلى مجموع ما أخذ من فرضه وفرض رفقته، ففي أم وأخت منها يبقى بعد إخراج فرضيهما ثلاثة من ستة، فيرد بالنسبة لمجموع ما أخذ، وهو ثلاثة، فنسبة السهمين نصيب الأم لذلك ثلثان فلها ثلثا الباقي، وهو سهمان، ونسبة نصيب الأخت لذلك ثلث فلها ثلث، وهو سهم، فللأم أربعة وللأخت اثنان، وترجع بالإختصار إلى ثلاثة. اه. ش ق (قوله: ثم ذوي الأرحام) أي ثم إن لم يوجد أصحاب الفروض الذين يرد عليهم بأن لم يكن أحد من الورثة أصلا، أو كان هناك أحد من أهل الفروض الذين لا يرد عليهم كأحد الزوجين، صرف المال كله في الأولى أو الفاضل في الثانية لذوي الأرحام. هكذا يتعين حل العبارة، لا كما يقتضيه ظاهرها، لأنه فاسد. وذوو الأرحام كل قريب غير من تقدم من المجمع على إرثهم، فإن لم يوجد أحد من ذوي الأرحام فحكمه، كما قال العز بن عبد السلام، إنه إذا جارت الملوك في مال المصالح وظفر بالمال الذي لم يوجد له وارث ولو من ذوي الأرحام أحد يعرف المصالح أخذه وصرفه فيها كما يصرفه الإمام العادل وهو مأجور على ذلك قال: والظاهر وجوبه بشرط سلامة العاقبة، وإن كان يستحقه في بيت المال جاز له أن يأخذ منه لنفسه وعياله ما يحتاجه، والعبرة بالعمر الغالب (قوله: وهم أحد عشر) أي صنفا، وترجع بالإختصار إلى أربعة أصناف: الأول من ينتمي إلى الميت، أي ينتسب إليه لكونه أصله، وهم أولاد البنات وأولاد بنات الابن وإن نزلوا. الثاني: من ينتمي إليهم الميت لكونهم أصوله، وهم الأجداد والجدات الساقطون وإن علوا. الثالث: من ينتمي إلى أبو الميت: وهم أولاد الأخوات وبنات الإخوة وبنو الإخوة للأم ومن يدلي إلى الميت بهم. الرابع: من ينتمي إلى أجداد الميت وجداته، وهم الأعمام من جهة الأم والعمات مطلقا وبنات الأعمام مطلقا وإن تباعدوا وأولادهم وإن نزلوا، ثم إنه لا خلاف عند من ورث ذوي الأرحام أن من انفرد منهم حاز جميع المال، وإنما الخلاف عند الاجتماع في كيفية إرثهم، وفي ذلك مذهبان، أصحهما مذهب أهل التنزيل، ومحصله أنه ينزل كل منهم منزلة من يدلي به إلى الميت، فكل فرع ينزل منزلة أصله، وينزل أصله منزلة أصله. وهكذا درجة درجة إلى أن يصل إلى أصل وارث بالفرض أو التعصيب، وكل من نزل منزلة شخص يأخذ ما كان يأخذه ذلك الشخص فيفرض موت ذلك الشخص، وإن هذا المنزل منزلته وارثه، وهذا في غير الأخوال والخالات. أما هم فينزلون منزلة الأم لا منزلة من أدلوا به وهم الأجداد، وفي غير الأعمام من جهة الأم والعمات وبنات الأعمام. أما هم فينزلون منزلة الأب، لا منزلة من أدلوا به، وهم الأجداد، والثاني مذهب أهل القرابة ومحصلة تقديم الأقرب منهم إلى الميت فيقدم الصنف الأول على الثاني، وهو على الثالث، وهكذا، ففي بنت بنت وبنت بنت ابن المال على المذهب الثاني لبنت البنت لقربها إلى الميت، وعلى الأول بينهما أرباعا. ووجهه أن بنت البنت تنزل منزلة البنت فلها النصف وبنت بنت الابن تنزل منزلة بنت الابن فلها السدس تكملة الثلثين، فمسألتهما من ستة لدخول النصف في السدس، يبقى اثنان يقسمان عليهما ردا باعتبار نصيبهما، فلبنت البنت واحد ونصف، ولبنت بنت الابن نصف، فحصل الكسر على مخرج النصف، وهو اثنان، فيضرب في أصل المسألة، وهو ستة، يخرج اثنا

أم، وولد أخ لام. (الفروض) المقدرة (في كتاب الله) ستة: ثلثان، ونصف، وربع، وثمن وثلث، وسدس. فال (- ثلثان) فرض أربعة (لاثنين) فأكثر، (من بنت، وبنت ابن، وأخت لابوين، ولاب، وعصب كلا) من البنت ـــــــــــــــــــــــــــــ عشر، لبنت البنت تسعة فرضا وردا، ولبنت بنت الابن ثلاثة فرضا وردا. وترجع بالإختصار إلى أربعة. فأصل المسألة من ستة، وتصح من اثني عشر، وترجع بالإختصار إلى أربعة (قوله: الفروض الخ) شرع في بيان الفروض وأصحابها، وبيان قدر ما يستحقه كل منهم (قوله: المقدرة) اعترض بأن في ذكره بعد الفروض تكرارا لأن معنى الفروض: الأنصباء المقدرة، فكأنه قال: الانصباء المقدرة المقدرة. وأجيب بارتكاب التجريد فيها بأن يراد منها الأنصباء فقط وقوله في كتاب الله، أي المنصوص عليها في كتاب الله، وهو القرآن العظيم. وقيد به لأجل قوله بعد ستة لأنها هي الثابتة في كتاب الله وإلا ورد عليه أنها سبعة لا ستة فقط والسابع ثبت بالإجتهاد، وهو ثلث الباقي في مسائل الجد والإخوة حيث كان مع الجد ذو فرض وزادت الأخوة على مثليه. وذلك كأم وجد وخمسة إخوة أصلها من ستة، وتصح من ثمانية، وقيل من ثمانية عشر تأصيلا، لأن فيها سدسا، وثلث الباقي ثلاثة وللجد ثلث الباقي خمسة، ولكل أخ اثنان من العشرة الباقية. ومثله ثلث ما يبقي في الغرار سميا بذلك لشهرتهما، فهما كالكوكب الأغر: أي النير المضئ، وكما يسميان بالغواوين يسميان أيضا بالعمريتين: لقضاء سيدنا عمر فيهما بذلك، وبالغريبتين: لغرابتهما ومخالفتهما للقواعد، وهما أب وأم وزوج أو زوجة بأن ماتت الزوجة في المسألة الأولى عن أبيها وأمها وزوجها فللزوج النصف واحد لأنها من اثنين مخرج النصف وللأم ثلث الباقي وهو واحد، فانكسرت على مخرج الثلث: تضرب ثلاثة في اثنين بستة، فهي من ستة تصحيحا، وقيل تأصيلا، لأن فيها نصفا وثلث الباقي فللزوج النصف ثلاثة وللأم ثلث الباقي واحد وللأب اثنان، أو مات الزوج في المسألة الثانية عن أبيه وأمه زوجته فللزوجة الربع واحد لأنها من أربعة مخرج الربع وللأم ثلث الباقي واحد وللأب اثنان، وأما السبع والتسع في مسائل العول فمذكوران في كتاب الله تعالى: لأن الأول سدس عائل، والثاني ثمن عائل، كما سيأتي بيانه (قوله: ستة) أي مقدارا وعددا، وخمسة مخرجا: لأن مخرج الثلث والثلثين من ثلاثة (قوله: ثلثان الخ) أعلم أن لهم في عد الفروض طرقا ثلاثا: الأولى طريقة التدلي، وهي أن تذكر أولا الكسر الأعلى، ثم تنزل إلى ما تحته وهكذا: كأن تقول الثلثان والنصف ونصف كل ونصف نصفه، وعبارة الشارح قريبة من هذا، أو تقول الثلثان ونصفهما وربعهما والنصف ونصفه وربعه. والثانية طريقة الترقي، وهي أن تذكر أولا الكسر الأدق ثم ما فوقه وهكذا، كأن تقول الثمن والسدس وضعفهما وضعف ضعفهما، أو تقول الثمن وضعفه وضعف ضعفه والسدس وضعفه وضعف ضعفه. والثالثة طريقة التوسط، وهي أن تذكر أولا الكسر الوسط ثم تنزل درجة وتصعد درجة، كأن تقول الربع والثلث ونصف كل وضعف كل، أو تقول الربع ونصفه وضعفه والثلث ونصفه وضعفه. والمقصود من العبارات واحد، فهو تفنن في التعبير (قوله: فالثلثان) بدأ بهما اقتداء بالقرآن، ولأنه نهاية ما ضوعف (قوله: فرض أربعة) أي من الأصناف. ولو قال لأربعة لكان أولى، لأجل أن يناسب قوله بعد لاثنين، ومثله يقال فيما يأتي (قوله: لاثنين فأكثر) خبر لمبتدأ محذوف: أي وهما لاثنين فأكثر، ولو عبر بما جعلته أولى لكان بدلا منه، وقوله من بنت: بيان لاسم العدد، أعني الاثنين، أي حالة كون الاثنين فأكثر من صنف البنات، وقوله وبنت ابن، الواو بمعنى أو، ومثله يقال فيما بعده، أي أن الثلثين فرض اثنين فأكثر من البنات، وفرض اثنين فأكثر من بنات الابن، وفرض اثنين فأكثر من الأخوات لأبوين، وفرض اثنين فأكثر من الأخوات لأب، قال تعالى في البنات * (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) * (1) وبنات الابن كالبنات والبنتان وبنتا الابن مقيستان على الأختين. وقال تعالى في الأختين فأكثر: * (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * (2) إنزلت في سبع أخوات لجابر رضي الله عنه حين مرض وسأل عن إرثهن منه، فدل على أن المراد منها الأختان فأكثر. ويشترط لاستحقاق البنات الثلثين أن لا يكون لهن معصب، ولاستحقاق بنات الإبن لهما عدم أولاد الصلب، وأن لا يكون معصب، ولاستحقاق

_ (1) سورة النساء، الاية: 11. (2) سورة النساء، الاية: 176.

وبنت الابوين، والاخت لابويه أو لاب (أخ ساوى) له في الرتبة والادلاء، فلا يعصب ابن الابن البنت ولا ابن ابن الابن بنت ابن لعدم المساواة في الرتبة. ولا يعصب الاخ لابوين الاخت لاب ولا الاخ لاب الاخت لابوين لعدم المساواة في الادلاء، وإن تساويا في الرتبة، (و) عصب (الاخريين) أي الاخت لابوين أو لاب (الاوليان) وهما ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخوات لأبوين أن لا يكون ولد صلب. ولا ولد ابن ولا معصب، ولاستحقاق الأخوات لأب أن لا يكون ولد صلب ولا ولد ابن ولا أحد من الأشقاء ولا معصب (قوله: وعصب كلا الخ). (اعلم) أن العصبة ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس: وهم الذين سيذكرهم المؤلف بقوله وهي ابن وابنة الخ، ومعنى ذلك أن من انفرد منهم يأخذ جميع المال ويسقط إذا استغرقت أصحاب الفروض التركة إلا في المسألة المشركة، وهي زوج وأم وإخوة لأم وأخ شقيق فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوة للأم الثلث، ويشاركهم الأخ الشقيق. وعصبة بالغير: كالبنات بالبنين والأخوات بالإخوة، وهم الذين ذكرهم بقوله هنا وعصب كلا أخ الخ، ومعنى ذلك أنه يكون للذكر مثل حظ الأنثيين إجماعا لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * (1). وعصبة مع الغير: كالأخوات مع البنات أو بنات الإبن، وهم الذين ذكرهم بقوله وعصب الأخريين الأوليان، ومعنى ذلك أن للبنت أو بنت الابن النصف فرضا وللبنات أو لبنات الابن الثلثين كذلك، وما فضل فهو للأخت أو للأخوات المتساويات بالعصوبة (قوله: أخ ساوى له) اللام زائدة والضمير يعود على كلا من البنت الخ. وقوله في الرتبة، أي في الدرجة، متعلق بساوي، أي ساوى ذلك الأخ كلا من البنت وما بعدها. وخرج به من هو أعلى في الدرجة فلا يعصب من هي تحته فيها، بل يسقطها كالإبن مع بنت الإبن، ومن هو أنزل فيها فلا يعصب من هي أعلى منه، بل تأخذ فرضها وهو يأخذ الباقي كالبنت مع ابن الابن. نعم: بنت الإبن يعصبها الذكر النازل عنها درجة من أولاد الإبن إن لم يكن لها شئ من الثلثين، كبنتي صلب وبنت ابن وابن ابن ابن، فإن كان لها شئ من الثلثين لم يعصبها: كبنت وبنت ابن وابن ابن ابن، بل لبنت الصلب النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين والباقي له، لأن لها فرضا استغنت عن تعصيبه. قال ابن رسلان في زبده: وعصب الأخت أخ يماثل وبنت الإبن مثلها والنازل وقوله والإدلاء هو معطوف على الرتبة، أي وساواه في الإدلاء أي الانتماء والقرب للميت (قوله: فلا يعصب الخ) تفريع على مفهوم قوله ساوي له بالنسبة للرتبة. وقوله الآتي ولا يعصب الأخ الخ، تفريع على مفهومه بالنسبة للإدلاء. وقوله إبن الإبن البنت: وإنما لم يعصبها لأنه أنزل منها درجة، كما علمت (قوله: ولا ابن ابن الابن بنت ابن) أي ولا يعصب ابن ابن الابن بنت ابن لأنه أنزل منها أيضا. هذا إن كان لها شئ من الثلثين، وإلا عصبها، كما علمت (قوله: لعدم المساواة في الرتبة) علة لعدم تعصيب ابن الابن البنت وابن ابن ابن بنت ابن (قوله: ولا يعصب الأخ لأبوين الأخت لأب) أي بل يحجبها (قوله: ولا الأخ لأب الأخت لأبوين) أي ولا يعصب الأخ لأب الأخت لأبوين، بل يفرض لها معه ويأخذ الباقي بالتعصيب (قوله: لعدم المساواة في الإدلاء) هو علة لعدم تعصيب الأخ لأبوين الأخت لأب، وعدم تعصيب الأخ لأب الأخت لأبوين: أي وإنما لم يعصبها في الصورة الأولى لعدم مساواتها له في الإدلاء إلى الميت، إذ هي تدلي بالأب فقط، وهو يدلي بالأب والأم، بل تسقط، ولم يعصبها في الصورة الثانية لعدم المساواة أيضا في الإدلاء لأنها أدلت إلى الميت بالأبوين وهو بالأب فقط، بل تأخذ نصف التركة فرضا، وهو يأخذ الباقي تعصيبا (قوله: وإن تساويا في الرتبة) غاية في عدم تعصيب الأخ الخ (قوله: وعصب الأخريين الخ) قال في الرحبية: والأخوات إن تكن بنات فهن معهن معصبات

_ (1) سورة النساء، الاية: 11.

البنت وبنت الابن. والمعنى أن الاخت لابوين أو لاب مع البنت أو بنت الابن تكون عصبة، فتسقط أخت لابوين اجتمعت مع بنت أو بنت ابن أخا لاب، كما يسقط الاخ لاب (ونصف) فرض خمسة (لهن) أي لمن ذكرنا حال كونهن (منفردات) عن أخواتهن وعن معصبهن، (ولزوج ليس لزوجته فرع) وارث، ذكرا كان أو أنثى (وربع) فرض اثنين (له) أي للزوج (معه) أي مع فرعها، (و) ربع (لها) أي لزوجة فأكثر (دونه) أي دون فرع له، (وثمن ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما كانت الأخوات مع البنات عصبات لأنه إذا كان في المسألة بنتان فصاعدا أو بنتا ابن وأخوات وأخذت البنات الثلثين فلو فرضنا للأخوات وأعلنا المسألة نقص نصيب البنات فاستبعدوا أن يزاحم أولاد الأب الأولاد وأولاد الابن ولم يمكن إسقاط أولاد الأب فجعلن عصبات ليدخل النقص عليهن خاصة قاله إمام الحرمين. اه. من حاشية البقري (قوله: أي الأخت لأبوين) تفسير للأخريين. وقوله أو لأب، الأولى أن يقول والأخت للأب (قوله: الأوليان) فاعل عصب الذي قدره الشارح (قوله: وهما) أي الأوليان (قوله: والمعنى) أي معنى كون الأوليين يعصبان الأخريين. وقوله مع البنت أو بنت الابن، الظرف متعلق بمحذوف حال من الأخت، والمعنى أن الأخت حالة كونها مجتمعة مع البنت أو بنت لابن. (وقوله: تكون عصبة) أي فتأخذ ما زاد على فرض البنت أو بنت الابن (قوله: فتسقط أخت الخ) تفريع على كون الأخت تكون عصبة، لكن بالنسبة للشقيقة، أي وحيث كانت عصبة فتسقط أخت لأبوين اجتمعت مع بنت أو بنت ابن أخا لأب، وذلك لأنها صارت كالأخ الشقيق، فتحجب الإخوة لأب، ذكورا كانوا أو إناثا، ومن بعدهم من العصبات، واقتصر على الأخت لأبوين، ومثلها الأخت لأب، حيث صارت عصبة فتحجب بني الإخوة مطلقا ومن بعدهم من العصبات، كالأخ للأب فإنه يحجب بني الإخوة مطلقا. وقوله أخا لأب، مفعول تسقط. ولو قال ولد أب لكان أولى، لشموله الذكر والأنثى (قوله: كما يسقط الخ) تنظير. وقوله الأخ، أي الشقيق (قوله: ونصف) معطوف على ثلثان في المتن، وكان عليه أن يزيد في الشرح أل المعرفة، كما زادها في المعطوف عليه، وقوله فرض خمسة، خبر لمبتدأ محذوف، أي وهو فرض خمسة وهي الزوج والبنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت لأب، ولكل في استحقاقه النصف شروط، فالزوج يستحقه بشرط واحد، وهو أن لا يكون للزوجة فرع وارث، وبنت الصلب تستحقه بشرطين، وهما أن لا يكون لها معصب ولا مماثل، وبنت الابن تستحقه بثلاثة شروط، وهي أن لا يكون ولد صلب ولا معصب ولا مماثل، والأخت للأبوين تستحقه بأربعة شروط، أن لا يكون ولد صلب ولا ولد ابن ولا معصب ولا مماثل، والأخت للأب تستحقه بخمسة شروط، أن لا يكون ولد صلب ولا ولد ابن ولا أحد من الأشقاء ولا معصب ولا مماثل (قوله: منفردات عن أخواتهن) فإن لم ينفردن عنه ثبت لهن الثلثان. وقوله وعن معصبهن، فإن لم ينفردن عنه كان للذكر معهن مثل حظ الأنثيين، ويشترط أيضا أن ينفردن عمن يحجبهن حرمانا في غير البنات، لأنهن لا يحجبن حرمانا أصلا (قوله: ولزوج ليس لزوجته فرع وارث) أي لقوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) * (1) وولد الابن كولد الصلب في حجب الزوج من النصف إلى الربع إجماعا، إما لصدق الولد به مجازا فيكون مأخوذا من الآية على هذا، أو لقياسه عليه في ذلك بجامع الإرث والتعصيب فيكون بطريق القياس على هذا. وعدم فرعها المذكور صادق بأن لا يكون لها فرع أصلا أو لها فرع غير وارث كرقيق وقاتل أو مختلف دين. وقوله ذكرا كان أو أنثى، تعميم في الفرع (قوله: وربع) معطوف على ثلثان أيضا ويجري فيه ما تقدم. وقوله فرض اثنين، خبر لمبتدأ محذوف. وقوله له الجار والمجرور، خبر لمبتدأ محذوف، أي وهو كائن له (قوله: ومعه) أي مع فرعها، أي ذكرا كان أو غيره سواء كان منه أيضا أم لا قال تعالى: * (فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن) * (2) وجعل له في حالتيه ضعف ما للزوجة في حالتيها لأن فيه ذكورة، وهي تقتضي التعصيب، فكان معها كالابن مع البنت. اه. شرح المنهج (قوله: وربع لها الخ) لا حاجة إلى زيادة لفظة وربع، وذلك لقوله تعالى: * (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد) * (3) وقوله فأكثر، أي من زوجة كاثنتين وثلاث وأربع، فالأربع تشتركن في الربع، كمن

_ (1) سورة النساء، الاية: 12. (2) سورة النساء، الاية: 12. (3) سورة النساء، الاية: 12

لها) أي للزوجة (معه) أي مع فرع لزوجها، (وثلث فرض اثنين لام ليس لميتها فرع) وارث (ولا عدد) اثنان فأكثر (من إخوة) ذكرا كان أو أنثى، (ولولديها) أي ولدي أم فأكثر يستوي فيه الذكر والانثى (وسدس) فرض سبعة (لاب وجد لميتهما فرع) وارث (وأم لميتها ذلك أو عدد من إخوة) وأخوات اثنان فأكثر (وجدة) أم أب وأم أم، ـــــــــــــــــــــــــــــ دونهن، وقوله أي دون فرع له، لا فرق فيه بين الذكر وغيره، وبين أن يكون فرعها أيضا أو لا (قوله: وثمن) معطوف على ثلثان أيضا. وقوله لها معه، أي وهو فرض للزوجة في حال كونها كائنة مع فرع وارث لزوجها، سواء كان منها أم لا، وكان المناسب لسابقه ولاحقه أن يقول هنا وهو فرض واحدة، وإنما كان فرضها معه الثمن لقوله تعالى: * (فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) * (1) قال في التحفة: وجعل له، أي للزوج، في حالتيه ضعف ما لها في حالتيها لأن فيه ذكورة، وهي تقتضي التعصيب، فكان معها كالابن مع البنت. اه،. وتقدم مثله عن شرح المنهج. (واعلم) أنه لا يجتمع الثمن مع الثلث ولا الربع في فريضة واحدة. قال ابن الهائم: والثمن للميراث لا يجامع ثلثا ولا ربعا وغير واقع ووجه ذلك أن شرط إرث الثمن وجود الفرع الوارث، وشرط إرث الثلث عدمه. والشرطان متباينان، فيلزم منه تباين المشروطين، وكذا يقال في عدم اجتماع الثمن مع الربع للزوجة والزوجات، فإن شرط الأول وجود الفرع الوارث، والثاني عدمه. وأما عدم اجتماع الثمن مع الربع للزوج، مع أن شرط كل وجود الفرع الوارث، فلأنه لا يمكن اجتماع الزوج والزوجة في فريضة واحدة (قوله: وثلث) معطوف على ثلثان أيضا. وقوله فرض اثنين، خبر لمبتدأ محذوف (قوله: لأم) أي وهو لأم (قوله: ليس لميتها فرع وارث) أي بالقرابة الخاصة، بأن لم يكن له فرع أصلا، أوله فرع غير وارث كرقيق وقاتل، أو فرع وارث بالقرابة العامة كابن بنت، فالنفي داخل على مقيد بقيدين، فيصدق بنفيهما ونفي أحدهما (قوله: ولا عدد اثنان فأكثر من إخوة) أي سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم، وذلك لقوله تعالى: * (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * (2) قال في الرحبية: والثلث فرض الأم حيث لا ولدولا من الإخوة جمع ذو عدد كاثنين أو ثنتين أو ثلاث حكم الذكور فيه كالإناث وقد لا ترث الأم الثلث وليس هناك فرع وارث ولا عدد من الإخوة والأخوات، كما في الغراوين، بل تأخذ السدس أو الربع، ويقال له ثلث الباقي، كما تقدم، وسيأتي أيضا في قوله وثلث باقي الأم الخ (قوله: ولولديها) معطوف على قوله لأم، أي وهو لولدي الأم. وقوله فأكثر، أي من ولدين كثلاثة وأربعة، وذلك لقوله تعالى: * (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * (3) قال في الرحبية: وهو لاثنين أو اثنتين من ولد الأم بغير مين وهكذا إن كثروا أو زادوا فما لهم فيما سواه زادوا (قوله يستوي فيه) أي الثلث: الذكر والأنثى. قال في الرحبية: ويستوي الإناث والذكور فيه كما قد أوضح المسطور أي المكتوب، وهو القرآن العظيم في قوله تعالى: * (فهم شركاء في الثلث) * فإن التشريك إذا أطلق يقتضي المساواة، وهذا مما خالف فيه أولاد الأم غيرهم، فإنهم خالفوا غيرهم في أشياء لا يفضل ذكرهم على أنثاهم اجتماعا ولا انفرادا، ويرثون مع من أدلوا به ويحجب بهم نقصانا وذكرهم أدلى بأنثى ويرث (قوله: وسدس) معطوف أيضا على ثلثان، وقوله فرض سبعة، أي وهو فرض سبعة، فهو خبر لمبتدأ محذوف، على نسق ما تقدم، (قوله: لأب وجد) أي

_ (1) سورة النساء، الاية: 12. (2) سورة النساء، الاية: 11. (3) سورة النساء، الاية: 12

وإن علتا سواء كان معها ولد أم لا. هذا إ لم تدل بذكر بين أنثيين، فإن أدلت به كأم أبي أم لم ترث بخصوص القرابة، لانها من ذوي الارحام (وبنت ابن فأكثر مع بنت أو بنت ابن أعلى) منها (وأخت فأكثر لاب مع أخت ـــــــــــــــــــــــــــــ لقوله تعالى: * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * (1) والجد كالأب، والمراد جد لم يدل بأنثى، وإلا فلا يرث بخصوص القرابة، لأنه من ذوي الأرحام. وفي البجيرمي ما نصه. (فإن قيل) لا شك أن حق الوالدين أعظم من حق الولد لأن الله تعالى قرن طاعته بطاعتهما، فقال تعالى: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) * (2) فإذا كان كذلك، فما الحكمة في أنه جعل نصيب الأولاد أكثر؟ (وأجاب) عنه الإمام الرازي حيث قال: الحكمة أن الوالدين ما بقي من عمرهما إلا القليل، أي غالبا، فكان احتياجهما إلى المال قليلا، وأما الأولاد فهم في زمن الصبا، فكان احتياجهم إلى المال كثيرا، فظهر الفرق. اه. وقوله لميتهما فرع وارث، فإن لم يكن له فرع وارث كانا عصبة فيستغرقان جميع المال إن انفردا، فإن لم ينفردا أخذا ما بقي بعد الفروض. نعم، قد يفرض للجد السدس حينئذ، وذلك كما إذا كان مع الاخة وكان هناك ذو فرض وكان السدس أوفر له من ثلث الباقي، ومن المقاسمة كزوج وأم وجد وثلاثة إخوة للزوج النصف وللأم السدس والأوفر للجد السدس لأنه سهم كامل، فإن المسألة من ستة، ولو قاسم أو أخذ ثلث الباقي لأخذ أقل من ذلك. (قوله: وأم) بالجر معطوف على أب، أي ولأم. وقوله لميتها ذلك، أي فرع وارث. وقوله أو عدد من إخوة وأخوات، أي سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم أو كان البعض أشقاء والبعض غير أشقاء حتى لو كان لوجود الأخوين احتمالا كان للأم السدس على الراجح، كأن وطئ اثنان امرأة بشبهة وأتت بولد واشتبه الحال، ثم مات هذا الولد عن أمه قبل لحوقه بأحدهما، وكان هناك ولدان لأحدهما، فتعطى الأم السدس لاحتمال أن يكونا أخوين للميت (قوله: وجدة) بالجر عطف على أب، أي ولجدة واحدة أو أكثر فيشتركن في السدس لانه - صلى الله عليه وسلم - أعطى الجدة السدس رواه أبو داود وغيره، وقضى للجدتين في الميراث بالسدس بينهما. رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين، ومحل إعطائها السدس عند عدم الأم، أما عند وجودها فتسقط بالإجماع، فإنها إنما ترث بالأمومة، والأم أقرب منها. وقوله أم أب وأم أم: أي لا فرق في الجدة بين أن تكون من جهة الأب، كأم الأب، أو من جهة الأم، كأم الأم، أو من الجهتين معا، كأم أم وأم أب، ومثال الجهتين، تزوج ابن ابن هند بنت بنتها فولد لهما زيد، فهند جدته لأمه وأبيه: إذ هي أم أم أمه، وأم أبي أبيه. قال في الرحبية: والسدس فرض جدة في النسب واحدة كانت لأم وأب (قوله: سواء كان معها ولد أم أم لا) أي السدس فرضها مطلقا، سواء كان وجد معها ولد أم أم لا (قوله: هذا إن لم تدل الخ) أي محل كونها لها السدس إن لم تدل على الميت بذكر بين أنثيين، بأن أدلت بمحض ذكور كأم أبي الأب، أو إناث، كأم أم الأم، أو بمحض إناث إلى ذكور، كأم أم أب اوب (قوله: فإن أدلت به) أي بذكر بين أنثيين (قوله: لم ترث بخصوص القرابة) أي لإدلائها لمن لا يرث. وقوله لأنها، أي الجدة، وقوله من ذوي الأرحام، المناسب من ذوات الأرحام، وهن سبع، كما يؤخذ مما تقدم، وهن: العمة، والخالة، وبنت البنت، وبنت العم، وبنت الأخ، وبنت الأخت، وهذه الجدة. (فائدة) حاصل القول أن الجدات عندنا على أربعة أقسام: القسم الأول من أدلت بمحض إناث، كأم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص، والقسم الثاني من أدلت بمحض الذكور، كأم الأب وأم أبي الأب وأم أبي أبي الأب وهكذا بمحض الذكور. والقسم الثالث من أدلت بإناث إلى ذكور، كأم أب أو كأم أم أم أبي أب وهكذا، والقسم الرابع عكس

_ (1) سورة النساء، الاية: 11. (2) سورة النساء، الاية: 23

لابوين، وواحد من ولد أم) ذكرا كان أو غيره (وثلث باق) بعد فرض الزوج أو الزوجة (لام مع أحد زوجين وأب)، لا ثلث الجميع ليأخذ الاب مثلي ما تأخذه الام. فإن كانت مع زوج وأب فالمسألة من ستة، للزوج ثلاثة، وللاب اثنان، وللام واحد. وإن كانت مع زوجة وأب فالمسألة من أربعة، للزوجة واحد، وللام واحد، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث، وهي من أدلت بذكر غير وارث، كأم أبي الأم وهي الجدة الفاسدة (قوله: وبنت ابن) بالجر عطف على أب أيضا، أي وهو، أي السدس، لبنت ابن واحدة فأكثر مع البنت، وذلك لقضائه - صلى الله عليه وسلم - بالسدس في الواحدة. رواه البخاري. وقيس به الأكثر قال في الرحبية: وبنت الابن تأخذ السدس إذا كانت مع البنت مثالا يحتذي (قوله أو بنت ابن أعلى منها) أي أو مع بنت ابن أعلى منها، وذلك كبنت ابن ابن مع بنت ابن، فالثانية تأخذ النصف، والأولى تأخذ السدس تكملة الثلثين. وخرج بقوله مع بنت أو بنت ابن بالأفراد، ما لو كانت مع بنتين فأكثر فإنه لا شئ لها، إلا أن يكون معها ذكر يعصبها، سواء كان أخاها أو ابن عمها أو أنزل منها (قوله: وأخت الخ) بالجر أيضا عطف على أب، أي وهو لأخت واحدة فأكثر لأب مع أخت لأبوين، أي كما في بنت الابن مع البنت، فللأخت للأبوين النصف، وللأولى السدس تكملة الثلثين. قال في الرحبية: وهكذا الأخت مع الأخت التي بالأبوين يا أخي أدلت وخرج بقوله مع أخت بالأفراد، ما لو كانت مع أختين لأبوين، فإنه لا شئ لها، ما لم يكن لها أخ، فإن كان لها أخ عصبها، ويسمى الأخ المبارك، إذ لولاه لسقطت (قوله: وواحد من ولد أم) بالجر معطوف على أب، أي وهو لواحد من أولاد الأم لقوله تعالى: * (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) * (1) أي أخ من أم أو أخت منها قال في الرحبية: وولد الأم له إذا انفرد سدس جميع المال نصا قد ورد (قوله: وثلث باق الخ) هذا مستأنف وليس معطوفا على ما قبله، وهو القسم السابع الثابت بالاجتهاد وليس في كتاب الله تعالى. (قوله: بعد فرض إلخ) الظرف متعلق بباق (قوله: لأم) الجار والمجرور خبر المبتدأ (قوله: مع أحد زوجين وأب) الظرف متعلق بمحذوف صفة لأم: أي أم كائنة مع أحد زوجين ومع أب. وخرج بالأب الجد فللأم معه الثلث كاملا، لا ثلث الباقي، لأنه لا يساويها في الدرجة (قوله: لا ثلث الجميع) معطوف على ثلث باق، أي لها ثلث الباقي فقط لا ثلث جميع المال (قوله: ليأخذ الأب) علة لأخذها ثلث الباقي، لا ثلث الجميع، أي وإنما أخذت الأم ثلث الباقي ولم تأخذ ثلث الجميع، مع عدم وجود فرع وارث ولا عدد من الإخوة والأخوات، لأجل أن يأخذ الأب مثلي ما تأخذه الأم، وذلك لأنا لو أعطينا الأم الثلث كاملا لزم إما تفضيل الأم على الأب في صورة الزوج، وما أنه لا يفضل عليها التفضيل المعهود، وهو كونه مثليها في صورة الزوجة مع أن الأب والأم في درجة واحدة. والأصل في اجتماع الذكر مع الأنثى المتحدي الدرجة من غير أولاد الأم، أن يكون له ضعف ما لها (قوله: فإن كانت) أي الأم. (وقوله: مع زوج وأب) أي كائنة مع زوج للميتة وأب لها (قوله: فالمسألة من ستة) أي تصحيحا، لأنها من اثنين مخرج النصف للزوج واحد وللأم ثلث الباقي، فانكسرت على مخرج الثلث، وهو ثلاثة، فتضرب ثلاثة في اثنين بستة، وقيل تأصيلا، لأن فيها نصفا وثلث الباقي (قوله: وإن كانت) أي الأم. (وقوله: مع زوجة وأب) أي كائنة مع زوجة للميت وأب له. (وقوله: فالمسألة من أربعة) أي لأن فيها ربعا. وهذه المسألة والتي قبلها تلقبان بالغراوين تشبيها لهما بالكوكب الأغر، أي النير المضئ، وبالعمريتين، لقضاء عمر بهما، وبالغريبتين، لغرابتهما ومخالفتهما القواعد، وقد أشار إليهما في الرحبية بقوله:

_ (1) سورة النساء، الاية: 12

وللاب اثنان. واستبقوا فيهما لفظ الثلث محافظة على الادب في موافقة قوله تعالى: * (وورثه أبواه فلامه الثلث) * وإلا فما تأخذه الام في الاولى سدس وفي الثانية ربع. (ويحجب ولد ابن بابن أو ابن ابن أقرب منه، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن يكن زوج وأم وأب فثلث الباقي لها مرتب وهكذا مع زوجة فصاعدا فلا تكن عن العلوم قاعدا (قوله: استبقوا) أي الفرضيون. وقوله فيهما، أي في المسألتين، وقوله لفظ الثلث، أي دون معناه فإنه ليس بثلث حقيقة. وقوله محافظة على الأدب، أي على حصول الأدب، وهو علة لاستبقوا، وقوله في موافقة متعلق بالأدب، وفي بمعنى الباء، أي الأدب الحاصل بالموافقة (قوله: وإلا) أي وإلا يكن القصد المحافظة على حصول الأدب بالموافقة فلا يصح ذلك لأن ما تأخذه الأم في الحقيقة في المسألة الأولى، وهي ما إذا كان الميت الزوجة سدس، وفي المسألة الثانية، وهي ما إذا كان الميت الزوج، ربع. (تنبيه) علم مما تقدم أن أصحاب الفروض ثلاثة عشر، أربعة من الذكور، الزوج، والأخ للأم، والأب، والجد، وقد يرث الأب والجد بالتعصيب فقط، وقد يجمعان بينهما، كما إذا كان مع أحدهما بنت أو بنت ابن أو هما أو بنتا ابن فله السدس فرضا والباقي بعد فرضه وفرض البنت أو بنت البنت أو هما بالعصوبة (قوله: ويحجب إلخ) شروع في بيان الحجب، وهو لغة المنع، ومنه قول الشاعر: له حاجب في كل أمر يشينه وليس له عن طالب العرف حاجب قال بعضهم: يعني به النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي له - صلى الله عليه وسلم - مانع عن كل أمر يشينه، وليس له مانع عن طالب المعروف والإحسان. وشرعا، منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلية أو من أوفر حظية ويسمى الثاني حجب نقصان، وقد تقدم في ضمن بيان الفروض، كحجب الزوج بالفرع من النصف إلى الربع، وحجب الأم به من الثلث إلى السدس، ويسمى الأول حجب حرمان، وهو قسمان، حجب بالشخص أو بالاستغراق، وهذا هو المراد هنا، وحجب بالوصف، كأن قام به مانع من الموانع المتقدمة. ولا يدخل الحجب المراد هنا على الأبوين والزوجين وولد الصلب، ويدخل على من عداهم. وبيان ذلك ان ابن الابن يحجبه الابن أو ابن ابن أقرب منه، والجد يحجبه الأب أو جد أقرب منه والأخ الشقيق يحجبه ثلاثة الأب والابن وابن الابن، والأخ للأب يحجبه أربعة وهم من قبله والأخ الشقيق، والأخ للأم يحجبه ستة الأب والجد والابن والبنت وابن الابن وبنت الإبن وإن سفل وابن الأخ الشقيق يحجبه ستة أيضا: الأب والجد والإبن وابن الإبن والأخ الشقيق والأخ للأب، وابن الأخ للأب يحجبه سبعة هؤلاء الستة وابن الأخ الشقيق، والعم الشقيق يحجبه ثمانية وهم من قبله وابن الأخ للأب، والعم للأب يحجبه تسعة وهم من قبله والعم الشقيق، وابن العم الشقيق يحجبه عشرة وهم من قبله والعم للأب، وابن العم للأب يحجبه أحد عشر وهم من قبله وابن العم الشقيق، والمعتق يحجبه عصبة النسب، وبنت الإبن يحجبها الإبن أو بنتان إذا لم يكن معها من يعصبها وإلا أخذت معه الثلث الباقي تعصيبا، والجدة تحجب بالأم، سواء كانت من جهة الأب كأم الأب أو من جهة الأم كأم الأم، كما قال في الرحبية: وتسقط الجدات من كل جهة بالأم فاحفظه وقس ما أشبهه وتحجب الجدة من جهة الأب بالأب أيضا لأنها تدلي به، بخلاف الجدة من جهة الأم فلا تحجب بالأب والجدة القربى من كل جهة تحجب البعدي من تلك الجهة، فلا ترث البعدي مع وجود القربى مع اتحاد الجهة - وإن لم تدل بها - كأم أبي أب وأم أب فلا ترث الأولى مع الثانية، والقربى من جهة الأم كأم أم تحجب البعدي من جهة الأب كأم أم أب، والقربى من جهة الأب كأم أب لا تحجب البعدي من جهة الأم كأم أم أم. قال في الرحبية:

و) يحجب (جد بأب، و) تحجب (جدة لام بأم) لانها أدلت بها، (و) جدة (لاب بأب) لانها أدلت به، (وأم بالاجماع. (و) يحجب (أخ لابوين بأب وابن وابنه) وإن نزل (و) يحجب (أخ لاب بهما) أي بأب وابن (وبأخ لابوين) وبأخت لابوين معها بنت أو بنت ابن، كما سيأتي، (و) يحجب أخ (لام بأب) وأبيه، وإن علا، (وفرع) ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن تكن قربى لأم حجبت أم أب بعدي وسدسا سلبت وإن تكن بالعكس فالقولان في كتب أهل العلم منصوصان لا تسقط بالبعدي على الصحيح واتفق الجل على التصحيح والأخت من الجهات كلها كالأخ منها، فيحجبها من يحجبه، فتحجب الأخت لأبوين بالأب والابن وابن الابن كالأخ لأبوين والأخت لأب بهؤلاء وأخ لأبوين كالأخ لأب والأخت لأم بأب وجد وفرع وارث كالأخ لأم. نعم الشقيقة أو التي لأب لا يحجبها فروض مستغرقة بل يفرض لها وفتعول المسألة كما إذا ماتت امرأة عن زوج وأم وأختين لأم وأخت شقيقة أو لأب، فالمسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة، وللأم السدس واحد، وللأختين للأم الثلث اثنان، فتعول المسألة إلى تسعة بفرض الأخت الشقيقة أو لأب، وهو النصف ثلاثة والأخت التي لأب لها السدس مع الشقيقة، بخلاف الأخ الشقيق أو لأب فإنه يحجبه أصحاب الفروض المستغرقة، والأخوات الخلص لأب يحجبهن أيضا شقيقة مع بنت أو بنت ابن أو شقيقتان لأنه لم يبق من الثلثين شئ، والمعتقة كالمعتق فيحجبها عصبة النسب. (واعلم) أن شرط الحجب في كل ما مر، الإرث، فمن لم يرث لمانع قام به لا يحجب غيره، ومثله من لم يرث لكونه محجوبا فإنه لا يحجب غيره حرمانا أو نقصانا إلا في صور، كالإخوة مع الأب يحجبون به ويردون الأم من الثلث إلى السدس، وولدي الأم مع الجد يحجبان به ويردانها إلى السدس، ففي زوج وشقيقة وأم وأخ لأب لا شئ للأخ، مع أنه مع الشقيقة يردان الأم إلى السدس (قوله: ولد ابن) أي وإن سفل. (وقوله: بابن) أبا كان أو عما. (وقوله: أو ابن ابن الخ) بالجر عطف على ابن، أي ويحجب ولد ابن بابن ابن أقرب منه كابن ابن ابن وابن ابن ابن ابن، فالثاني يحجب بالأول: لأنه أقرب منه درجة، وكما يحجب ابن الأبن بمن ذكر يحجب بأصحاب فروض مستغرقة، كما إذ اجتمع مع أبوين وبنتين (قوله: ويحجب جد بأب) أي بذكر متوسط بينه وبين الميت، لأن كل من أدلى للميت بواسطة حجبته إلا أولاد الأم، وخرج بذكر من أدلى بأنثى فإنه لا يرث أصلا فلا يسمى حجبا، كما علم من جده السابق، (قوله: وتحجب جدة لأم) أي جدة الميت من جهة أمه كأم أمه. وقوله بأم، أي فقط، فلا تحجب بالأب، كما تقدم، وقوله لأنها، أي الجدة. وقوله أدلت بها، أي انتسبت وتوصلت الجدة بالأم (قوله: وجدة الخ) أي وتحجب جدة لأب بأب لإدلائها به، خلافا لجمع ذهبوا إلى عدم حجبه لها، لحديث فيه، لكن ضعفه عبد الحق وغيره. اه. نهاية (قوله: وأم) بالجر عطف على أب، أي وتحجب جدة لأب بالأم أيضا. (وقوله: بالإجماع) أي ولأنها أقرب منها في الأمومة التي بها الإرث (قوله: ويحجب أخ لأبوين بأب وابن وابنه) قال في الاسني: للإجماع، ولتقدم جهتي البنوة والأبوة على غيرهما. اه. وقوله وإن نزل، أي ابن الابن، فإنه يحجب الأخ (قوله: ويحجب أخ لأب بهما) الأولى بهم، أي بهؤلاء الثلاثة، لأن المرجع ثلاثة: وهم الأب والابن وابنه، ولعله توهم أن المرجع اثنان، بدليل اقتصاره في التفسير عليهما، وهما الأب والابن. وعبارة المنهاج ويحجب الأخ لأب بهؤلاء. اه. قال في التحفة: لأنهم حجبوا الشقيق، فهو أولى، وقوله وبأخ لأبوين، معطوف على بهما، أي ويحجب الأخ لأب أيضا بأخ لأبوين، وذلك لأنه أقوى وأقرب منه (قوله: وبأخت لأبوين الخ) معطوف على بهما، أي ويحجب أخ لأب أيضا بأخت لأبوين معها بنت لما تقدم من أنها تعصب بالبنت وأنها تصير بمنزلة الأخ الشقيق فتحجب الأخ لأب. وقوله كما سيأتي صوابه كما تقدم، أي في قوله فتسقط أخت لأبوين اجتمعت مع بنت أو بنت ابن أخا لأب (قوله: ويحجب أخ لأم بأب الخ) للخبر الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - فدسر الكلالة في الآية التي فيها إرث ولد الأم، بأنه من لم يخلف ولدا ولا والدا، فافهم تفسيرها بما ذكر أنه إن خلف ولدا أو والدا فلا يرثه أخوه لأمه، بل يسقط. وقوله

وارث للميت، وإن نزل، ذكرا كان أو غيره، (و) يحجب (إبن أخ لابوين بأب وجد وابن) وابنه، وإن نزل، (وأخ) لابوين أو لاب (و) يحجب (ابن أخ لاب بهؤلاء) الستة، (وبابن أخ لابوين) لانه أقوى منه، ويحجب عم لابوين بهولاء السبعة، وبابن أخ لاب وعم لاب بهؤلاء الثمانية، وبعم لابوين وابن عم لابوين بهؤلاء التسعة، وبعم لاب وابن عم لاب بهؤلاء العشرة، وبابن عم لابوين. ويحجب ابن ابن أخ لابوين بابن أخ لاب لانه أقرب منه، وبنات الابن بابن أو بنتين فأكثر للميت إن لم يعصب أخ أو ابن عم، فإن عصبت به أخذت معه الباقي بعد ثلثي البنتين بالتعصيب والاخوات لاب بأختين لابوين فأكثر، إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن. ويحجبن أيضا بأخت لابوين معها بنت أو بنت ابن. (واعلم) أن إبن الابن كالابن إلا أنه ليس له مع البنت مثلاها، والجدة كالام إلا أنها لا ترث الثلث ولا ثلث ـــــــــــــــــــــــــــــ وفرع وارث، بالجر عطف على أب، أي ويحجب بفرع وارث للميت. وقوله وإن نزل، أي الفرع كابن ابن ابن الابن. وقوله ذكرا كان أي الفرع. وقوله أو غيره، أي غير ذكر من أنثى وخنثى. (والحاصل) أن ولد الأم يحجب بستة، بالابن، وابن الابن، والبنت، وبنت الابن، والأب، والجد (قوله: ويحجب ابن أخ لأبوين بأب) أي لأنه أقرب منه. وقوله وجد، أي وإن علا، قال في التحفة: لأنه أقوى منه، وقيل يقاسم، أي ابن الأخ، أبا الجد، لاستواء درجتهما، كالأخ مع الجد، ورد، بأن هذا خارج عن القياس، فلا يقاس عليه. اه. وقوله وابن وابنه، وأي ويحجب ابن أخ لأبوين بابن وابنه لأنهما أقرب منه وأقوى. وقوله وأخ لأبوين أو لأب، أي ويحجب ابن أخ لأبوين بأخ لأبوين أو لأب، لأنه أقرب منه (قوله: ويحجب ابن أخ لأب بهؤلاء الستة) هو الأب، والجد، والابن، وابنه والأخ الشقيق، والأخ للأب. وقوله وبابن أم لأبوين، أي ويحجب أيضا ابن االأخ لأب بابن أخ لأبوين. وقوله لأنه، أي ابن الأخ لأبوين. وقوله أقوى منه، أي من ابن الأخ لأب لإدلائه إلى الميت بجهتين (قوله: ويحجب عم لأبوين) هو أخو أبي الميت الشقيق. وقوله بهؤلاء السبعة: هم الأب، والجد، والابن، وابنه، والأخ الشقيق، والأخ لأب وابن الأخ الشقيق وقوله وبابن أخ لأب، أي ويحجب زيادة على هؤلاء السبعة بابن أخ لأب (قوله: وعم لأب) أي ويحجب عم لأب، وهو أخو أبي الميت من أبيه. وقوله بهؤلاء الثمانية: هم السبعة المارة وزيادة ابن أخ لأب. وقوله وبعم لأبوين، أي ويحجب بعم لأبوين أيضا زيادة على الثمانية، فيكون المجموع تسعة (قوله: وابن عم لأبوين) أي ويحجب ابن عم لأبوين، وقوله بهؤلاء التسعة وبعم لأب، أي فيكون المجموع عشرة (قوله: وابن عم لأب) أي ويحجب ابن عم لأب. وقوله بهؤلاء العشرة وبابن عم لأبوين، أي فيكون المجموع أحد عشر (قوله: لأنه) أي ابن الأخ لأب. وقوله أقرب منه، أي من ابن ابن الأخ لأبوين. (واعلم) أن طريقة الفرضيين أنه إن اختلفت الدرجة عللوا بأنه أقرب منه، كابن أخ لأبوين وأخ لأب، وإن اتحدت عللوا بأنه أقوى منه، كالشقيق والأخ لأب (قوله: وبنات الابن بابن) أي وتحجب بنات الابن بابن مطلقا، لأنه إما أب أو عم، فهو أقوى وأقرب منهن. وقوله أو بنتين فأكثر للميت، أي وتحجب بنات الابن أيضا بهما، لأنه لم يبق من الثلثين شئ، وقوله إن لم يعصب أخ أو ابن عم أي محل حجبهن بالبنتين فأكثر إن لم يوجد من يعصبهن، فإن وجد كأخ لهن أو ابن عم، أخذن معه الثلث الباقي تعصيبا (قوله: فإن عصبت) أي البنات، وكان الأولى عصبن، بنون النسوة، وقوله به: أي بالمذكور من الأخ وابن العم (قوله: والأخواب لأب الخ) أي وتحجب الأخوات لأب بأختين لأبوين لأنهما استغرقا الثلثين فلم يبق لهما شئ (قوله: إلا أن يكون معهن ذكر) المراد به خصوص الأخ، لأنه الأخت لا يعصبها إلا أخوها، بخلاف بنات الابن فإنه يعصبهن من في درجتهن أو أسفل (قوله: ويحجبن الخ) أي الاخوات لأب وقوله بأخت لأبوين معها بنت أو بنت ابن، وإنما حجبنا الأخوات لأب لاستغراقهما التركة، إذ الأخت عصبة مع البنت، فكل منهما يأخذ

الباقي، بل فرضها دائما السدس. والجد كالاب إلا أنه لا يحجب الاخوة لابوين أو لاب، وبنت الابن كالبنت إلا ـــــــــــــــــــــــــــــ النصف (قوله: واعلم أن ابن الابن كالإبن) أي في أنه يستغرق المال بالعصوبة إذا انفرد ويعصب بنت الابن ويحجب الاخوة والاخوات ونحوهم من كل مائة ما تقدم مما يحجب بالابن. وقوله إلا أنه ليس له مع البنت، أي بنت الصلب مثلاها، بل تأخذ هي النصف فرضها وهو يأخذ الباقي بطريق العصوبة، وذلك لعدم المساواة في الرتبة، كما تقدم، (قوله: والجدة كالأم) أي في أنها ترث ولا تحجب إلا بالأم، وإن كانت من جهتها، وتحجب بالأب أيضا إن كانت من جهته (قوله: بل فرضها دائما السدس) أي لأنه - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس، وقضى به للجدتين (قوله: والجد كالأب) أي في أنه يستغرق المال بالعصوبة إذا انفرد، وفي أنه يحجب من يحجبون بالأب ما عدا الإخوة الأشقاء أو لأب. (واعلم) أن الجد مع الإخوة لم يرد فيهم شئ من الكتاب ولا من السنة، وإنما ثبت حكمهم باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم: فمذهب الإمام أبي بكر الصديق وابن عباس رضي الله عنهم وجماعة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم كأبي حنيفة، ان الجد كالأب مطلقا، فيحجب الإخوة. ومذهب الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزين بن ثابت رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنه أنهم يرثون، وهو مذهب الأئمة الثلاثة: الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين. وحاصل الكلام فيه على هذا المذهب أنه إذا اجتمع جد وإخوة وأخوات لأبوين أو لأب، فإن لم يكن معهم ذو فرض فله حالان المقاسمة أو ثلث المال، والمقاسمة أولى له في خمس صور، وضابطها أن تكون الإخوة أقل من مثليه وهي جد وأخ جد وأخت جد وأختان وثلاث أخوات جد وأخ وأخت، وإنما كانت أولى لأنه في الصورة الأولى يخصه نصف المال وهو أكثر من الثلث، وفي الصورة الثانية يخصه الثلثان وهما أكثر من الثلث، وفي الصورة الثالثة يخصه النصف، إذ هو له مثلا ما للأنثى، وفي الصورة الرابعة يخصه الخمسان وهما أكثر من الثلث، لأن العدد الجامع للكسرين خمسة عشرة فثلثه خمسة وخمساه ستة، وهي أكثر من الخمسة بواحد، ومثلها الصورة الخامسة وتستوي المقاسمة وثلث المال في ثلاث صور. وضابطها أن تبلغ الإخوة مثليه وهي جد وأخوان جد وأخ وأختا جد وأربع أخوات، وإن كان معهم ذو فرض فله بعد الفرض ثلاث حالات الأكثر من سدس جميع المال أو ثلث الباقي أو المقاسمة، فالسدس خير له في زوجة وبنتين وجد وأخ وثلث الباقي خير له في جدة وجد وخمسة إخوة، والمقاسمة خير له في جدة وجد وأخ، وقد لا يبقى شئ بعد أصحاب الفروض كبنتين وزوج وأم وجد، فيفرض له سدس ويزاد في العول، فأصل مسألتهم من اثني عشر، لأن فيها ربعا وسدسا وتعال إلى ثلاثة عشر ثم يزاد في العول للجد اثنان، وقد يبقى دون سدس كبنتين وزوج وجد فيفرض له وتعال، وقد يبقى سدس كبنتين وأم وجد فيفوز به الجد، وتسقط الإخوة والأخوات في هذه الأحوال لأنهم عصبة ولم يبق بعد الفروض شئ، ولو كان مع الجد إخوة أشقاء وإخوة لأب فالحكم فيه ما سبق ويعد الأشقاء عليه الإخوة للأب في القسمة فيدخلونهم معهم فيها إذا كانت خيرا له، فإذا أخذ حقه فإن كان في الأشقاء ذكر فالباقي لهم وتسقط الإخوة لأب كما في جد وأخ شقيق وأخ لأب، فإن لم يكن فيهم ذكر فتأخذ الشقيقة إلى النصف والباقي للإخوة للأب كما في عشرية زيد، وهي جد وشقيقة وأخ لأب أصل مسألتهم من خمسة، وتصح من عشرة لأن فيها نصفا ومخرجه اثنان فيضربان في عدد رؤوسهم وهو خمسة بعشرة للأخت النصف خمسة وللجد أربعة يبقى واحد للأخ من الأب، ومثلها عشرينية، زيد وهي جد وشقيقة وأختان من الأب هي من خمسة وتصح من عشرين وتأخذ الشقيقتان فصاعدا إلى الثلثين كجد وشقيقتين وأخ لأب هي من ستة ولا شئ للأخ للأب لأنه لا يفضل عن الثلثين شئ والجد مع الأخوات كأخ، فلا يفرض لهن معه إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وجد وأخت لأبوين أو لأب، فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف: إذ لا مسقط لها ولا معصب فتعول المسألة بنصيبها من ستة إلى تسعة. وتصح من سبعة وعشرين للزوج تسعة وللأم ستة وللجد والأخت اثنا عشر أثلاثا له الثلثان ثمانية ولها الثلث أربعة (قوله: إلا أنه) أي الجد وقوله لا يحجب الإخوة لأبوين أو لأب، أي بل يشاركونه، بخلاف الأب فإنه يسقطهم (قوله: وبنت الابن كالبنت) أي فعند فقدها لها النصف وعند وجودها لها السدس تكملة الثلثين. وقوله إلا أنها، أي بنت الابن. وقوله

أنها تحجب بالابن والاخ لاب كالاخ لابوين إلا أنه ليس له مع الاخت لابوين مثلاها، (وما فضل) من التركة عمن له فرض من أصحاب الفروض (أو الكل) أي كل التركة إن لم يكن له ذو فرض (لعصبة). وتسقط عند الاستغراق (وهي ابن ف) - بعده (ابنه) وإن سفل (فأب فأبوه) وإن علا (فأخ لابوين و) أخ (لاب فبنوهما) كذلك (فعم لابوين فلاب فبنوهما) كذلك، ثم عم الاب ثم بنوه ثم عم الجد ثم بنوه. وهكذا (ف) - بعد عصبة النسب ـــــــــــــــــــــــــــــ تحجب بالابن، بخلاف بنت الصلب فإنها لا تحجب به بل يعصبها (قوله: والأخ لأب كالأخ لأبوين) أي في أنه إذا انفرد يجوز جميع المال، وإذا لم ينفرد حاز الباقي بعد أرباب الفروض، إن لم يكن فيهم حاجب، وإلا سقط (قوله: إلا أنه) أي الأخ لأب، قال ش ق: أي وإلا أنه يحجب في المشتركة وهي زوج وأم وإخوة لأم وأخ شقيق، فلو وجد بدل الشقيق أخ لأب سقط، وفي اجتماع الأخت الشقيقة مع البنت أو بنت الابن، وفي اجتماع الزوج مع الأخت الشقيقة فلا شئ للأخ للأب فيما ذكر. وقوله ليس له مع الأخت لأبوين مثلاها، أي لأنه لا يعصبها، فتأخذ النصف حينئذ فرضا، ويأخذ الباقي تعصيبا (قوله: وما فضل الخ) ما اسم موصول مبتدأ. (وقوله: أو الكل) بالرفع عطف على ما. (وقوله: لعصبة) خبره، وهو شروع في بيان الإرث بالتعصيب. قال في الرحبية: فكل من أحرز كل المال من القرابات أو الموالي أو كان ما يفضل بعد الفرض له فهو أخو العصوبة المفضلة وتقدم أنها على ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير. وقتدم معنى كل. فلا تغفل. وفي البجيرمي: لفظ عصبة إما اسم جنس يصدق على الواحد والمتعدد والذكر والأنثى، أو جمع عاصب كطالب وطلبة، وعلى الثاني فيكون عصبات جمع الجمع اه. بالمعنى (قوله: تسقط عند الاستغراق) أي أن حكم العصبة أنها تسقط إذا استغرقت الفروض التركة، كزوج وأم وولد أم وعم، فلا شئ للعم للاستغراق (قوله: وهي) أي العصبة (قوله: فبعده ابنه) أي فبعد الابن ابنه، فهو عاصب بعده. وإنما قدم على الأب لأنه أقوى منه: إذ له معه السدس فقط (قوله: فأب) أي فبعد الابن وابنه أب، فهو لا يرث بالتعصيب إلا إذا فقدا. أما إذا وجدا أو أحدهما ورث السدس فرضا، وقد يرث الأب بهما معا فيما إذا كان للميت بنت أو بنت ابن فيأخذ السدس فرضا والباقي بعد فرضيهما تعصيبا، والجد كالأب في ذلك (قوله: فأخ لأبوين الخ) أي فبعد الابن وابنه والأب والجد أخ لأبوين وأخ لأب وبنوهما، فإذا فقدوا، بأن مات الميت ولم يخلف أصلا ولا فرعا، كانت الإخوة وبنوهم عصبة، وهم مرتبون: فالأخ الشقيق مقدم على الأخ لأب وهكذا في بنيهما. وقوله وأخ لأب، المناسب فأخ لأب، بالفاء، ولا بد من الترتيب بينهما، كما علمت (قوله: فبنوهما) أي الأخ لأبوين والأخ لأب وقوله كذلك، أي على هذا الترتيب، فيقدم ابن الأخ لأبوين على ابن الأخ لأب (قوله: فعم الخ) أي ثم بعد بني الأخوة عم لأبوين ثم عم لأب (قوله: فبنوهما) أي العم لأبوين والعم لأب. وقوله كذلك، أي على هذا الترتيب فيقدم ابن العم لأبوين على ابن العم لأب (قوله: ثم عم الأب الخ) أي ثم بعد أعمام الميت وبنيهم يعصب عم أبي الميت وهو أخو أبي أبي الميت. ولا فرق فيه أيضا بين أن يكون لأبوين أو لأب (قوله: ثم بنوه) أي ثم بنو عم الأب لأبوين أو لأب (قوله: ثم عم الجد) أي ثم بعد بني عم الأب يعصب عم جد الميت وهو أخو أبي أبي أبي الميت. ولا فرق فيه أيضا بين أن يكون لأبوين أو لأب (قوله: ثم بنوه) أي ثم بنو عم جد الميت لأبوين أو لأب (قوله: وهكذا) أي ثم عم أبي الجد ثم بنوه ثم عم جد الجد ثم بنوه وهكذا يقدم البعيد من الجهة المقدمة على القريب من الجهة المؤخرة. (والحاصل) جهات العصوبة عندنا سبع: البنوة، ثم الأبوة، ثم الجدودة والإخوة، ثم بنو الإخوة، ثم العمومة، ثم الولاء، ثم بيت المال. وقد نظمها بعضهم بقوله: بنوة أبوة أخوة جدودة بنو كذا الأخوة عمومة ولا بيت المال سبع لعاصب على التوالي

عصبة الولاء، وهو (معتق) ذكرا كان أو أنثى، (ف) - بعد المعتق (ذكور عصبته) دون إناثهم ويؤخر هنا الجد عن الاخ وابنه فمعتق المعتق فعصبته. فلو اجتمع بنون وبنات أو إخوة وأخوات فالتركة لهم (للذكر مثل حظ الانثين) ـــــــــــــــــــــــــــــ والأخوة والجدودة في مرتبة واحدة لاستوائهما في الإدلاء إلى الميت، لأن كلا منهما يدلي إليه بالأب. وإذا علمت ذلك فإذا اجتمعت عصبات، فمن كانت جهته مقدمة فهو مقدم، كابن وأب وأخ وهكذا. فالأول مقدم على الثاني، والثاني مقدم على الثالث، وهكذا. والمقدم يحجب المؤخر. هذا إذا اختلفت الجهة، فإذا اتحدت قدم بالقرب في الدرجة، كالابن وابن الابن وكابن الأخ ولو لأب وابن ابن الأخ ولو شقيقا، فيقدم الأول على الثاني لقربه في الدرجة مع اتحادهما في الجهة، وإذا استويا قربا قدم بالقوة كأخ شقيق وأخ لأب، وكعم شقيق وعم لأب فيقدم الأول منهما على الثاني لقوته عنه، فإن الأول أدلى بأصلين، والثاني أدلى بأصل واحد، وإلى ذلك أشار الجعبري بقوله: فبالجهة التقديم ثم بقربه وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا (قوله: فبعد عصبة النسب الخ) والحاصل أن من لا عصبة له بنسب وله معتق فله ماله كله أو الفاضل بعد الفروض أو الفرض، سواء كان المعتق رجلا أو امرأة، فإن لم يوجد فالمال لعصبته المتعصبين بأنفسهم، وترتيبهم هنا كترتيبهم في النسب، فيقدم عند موت العتيق ابن فابنه وإن سفل الأقرب فالأقرب فأب فجد، وإن علا، فبقية الحواشي، إلا أن أخا المعتق وابن أخيه يقدمان على جده هنا، فإن لم يكن له عصبة فلمعتق المعتق ثم عصبته كذلك، ولا ترث امرأة بولاء إلا معتقها، بفتح التاء، أو منتميا إليه بنسب أو ولاء. وقوله عصبة الولاء، الإضافة فيه من إضافة المسبب للسبب، أي عصبة سببها الولاء (قوله: وهو) أي العصبة، وذكر الضمير مراعاة للخبر. وقوله معتق، أي بأي وجه كان، ولو كان العتق بعوض، كما في الكتابة وغيرها، كأنت حر على ألف أو بعتك نفسك بألف، وإنما ثبت بالولاء العصوبة كما ثبتت بالنسب لقوله - صلى الله عليه وسلم -: الولاء لحمة كلحمة النسب. (واعلم) أن الإرث به ثابت من جهة المعتق خاصة، لأن الأنعام من جهته فقط، فاختص الإرث به، فلا يرث العتيق معتقه (قوله: ذكرا كان أو أنثى) تعميم في المعتق، وذلك لإطلاق قوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الولاء لمن أعتق وليس لنا عصبة من النساء إلا المعتقة، كما قال في الرحبية: وليس في النساء طرا عصبة إلا التي منت بعتق الرقبة (قوله: فبعد المعتق الخ) أي ثم العصبة بعد المعتق ذكور عصبته، أي من النسب، وذلك لأن العتيق لو كان رقيقا لاستحقوه وكذا ميراثه. وقوله دون إناثهم، أي إناث عصبته، أي بالغير، كالبنت مع الابن، أو مع الغير كالأخوات مع البنات، فلا ترث بنت المعتق ولا أخته ولا جدته. ولو قال دون الإناث، من غير إضافة، لكان أولى، ليشمل إناث العصبة وغيرهن، كالأم والجدة والزوجة (قوله: ويؤخر هنا) أي في الإرث بالولاء، واحترز به عن النسب فإنه لا يؤخر فيه الجد عنهما، بل يشارك الأخ ويسقط ابن الأخ. وقوله عن الأخ، متعلق بيؤخر، وإنما أخر الجد عنه لأن تعصيب الأخ يشبه تعصيب الابن، لإدلائه بالبنوة، وهي مقدمة على الأبوة. وكان قياس ذلك أنه في النسب كذلك، لكن صد عنه الإجماع. اه. تحفة. وقوله وابنه، بالجر عطف على الأخ، وضميره يعود عليه، وإنما أخر الجد عنه أيضا لقوة البنوة كما يقدم إبن الإبن على الأب، ويجري ذلك في عم المعتق أو ابنه مع أبي جده فيقدم عمه أو ابن عمه عليه (قوله: فمعتق المعتق) أي فبعد ذكور عصبة المعتق يكون العصبة معتق المعتق. وقوله فعصبته، أي فبعد معتق المعتق عصبته أي وبعد عصبته معتق معتق المعتق فعصبته، وهكذا. (تنبيه) كلام المؤلف كالصريح في أن الولاء لا يثبت للعصبة في حياة المعتق، بل إنما يثبت بعده، وليس بمراد، بل الولاء ثابت لهم في حياة المعتق على المذهب المنصوص في الأم، إذ لو لم يثبت لهم الولاء إلا بعد موته لم يرثوا وقال

وفضل الذكر بذلك لاختصاصه بلزوم ما لا يلزم الانثى من الجهاد وغيره. وولد ابن كولد وأخ لاب كأخ لابوين فيما ذكر. ـــــــــــــــــــــــــــــ السبكي، تلخص للأصحاب فيه وجهان، أصحهما أنه لهم معه، لكن هو المقدم عليهم فيما يمكن جعله له كإرث المال ونحوه كالصلاة عليه وولاية تزويجه إذا كان المعتق ذكرا، أما ما لا يمكن جعله له كغسله إذا كان أنثى والمعتق ذكرا فيقدم غيره عليه. قال في فتح الجواد مع المتن، ثم الولاء إما ولاء مباشرة على من مسه رق، أو سراية على عتقاء العتيق وعتقاء عتقائه والعصبة فيه من ذكر أو ولاء استرسال وسراية وهو الذي يثبت على أولاد العتيق وأحفاده تبعا، والعصبة فيه معتق أصل أب أو أم بالنسبة لمن رق أحد آبائه، أي أصوله، من جهة الأب دونه، فيرثه معتق ذلك الأصل باسترسال الولاء منه إليه، لأن النعمة عليه نعمة على فرعه. وأفهم كلامه أن شرط هذا أن يمس الرق أحد آبائه، فلا يكفي مسه لأمه وحدها، فلا ولاء عليه لمواليها لأن الانتساب إلى الأب وهو حر مستقل لا ولاء عليه فليكن الولد مثله، وأن لا يمسه رق وإلا كان ولاؤه لمعتقه فعصبة معتقه فمعتق معتقه فعصبته لأن ولاء المباشرة أقوى. اه (قوله: فلو اجتمع الخ) لا يظهر التفريع، فكان الأولى التعبير بالواو. وعقد في منهج والمنهاج لهذه المسألة فصلا مستقلا وذكر قبلها كلاما يناسبها. وعبارة الأول مع شرحه، فصل في كيفية إرث الأولاد أولاد الابن انفرادا واجتماعا، لابن فأكثر التركة إجماعا ولبنت فأكثر ما مر في الفروض من أن للبنت النصف وللأكثر الثلثين، ولو اجتمعا، أي البنون والبنات، فالتركة لهم، للذكر مثل حظ الأنثيين الخ. اه (قوله: فالتركة لهم للذكر مثل حظ الأنثيين) أي لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * (1) أي مثل نصيبهما (قوله: وفضل الذكر) أي على الأنثى وقوله بذلك، أي بأخذ مثل حظ الأنثيين (قوله: لاختصاصه) أي الذكر. وقوله بلزوم ما لا يلزم الأنثى، عبارة التحفة، وفضل الذكر لاختصاصه بنحو النصرة، وتحمل العقل والجهاد، وصلاحيته للإمامة والقضاء وغيرها. وجعل له مثلاها لأن له حاجتين: حاجة لنفسه، وحاجة لزوجته. وهي لها الأولى، بل قد تستغنى بالزوج. اه (قوله: وولد ابن) أي وإن نزل. (قوله: فيما ذكر) أي في نظير ما ذكر في البنين مع البنات والإخوة مع الأخوات، فإذا اجتمع ولد الابن مع أنثى في درجته كأخته أو بنت عمه أو اجتمع أخ لأب مع أخته من أبيه فالتركة لهم، للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذا يعصب ابن الابن من هي فوقه كإبن ابن ابن مع بنت الإبن، ومحله إن لم يكن لها سدس كبنت وبنت ابن وابن ابن ابن، وإلا فلا يعصبها. وعبارة المنهج مع شرحه، ولد الابن، وإن نزل، كالولد فيما ذكر إجماعا، فلو اجتمعا والولد ذكر أو ذكر معه أنثى حجب ولد الإبن إجماعا، أو أنثى وإن تعدت فله، أي لولد الإبن، ما زاد على فرضها من نصف أو ثلثين إن كانوا ذكورا أو ذكورا وإناثا، ويعصب الذكر في الثانية من في درجته كأخته وبنت عمه، وكذا من فوقه كعمته وبنت عم أبيه إن لم يكن لها سدس، وإلا فلا يعصبها، فإن كان ولد الإبن أنثى وإن تعددت فلها مع بنت سدس، كما مر، تكملة الثلثين، ولا شئ لها مع أكثر منها، كما مر، بالإجماع. وكذا كل طبقتين منهم: أي من ولد الابن، فولد ابن الإبن مع ولد الإبن كولد الإبن مع الولد فيما تقرر. اه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ (1) سورة النساء، الاية: 11

فصل في بيان أصول المسائل (أصل المسألة عدد الرؤوس إن كانت الورثة عصبات) كثلاثة بنين أو أعمام فأصلها ثلاثة (وقدر الذكر أنثيين إن اجتمعا) أي الصنفان من نسب. ففي ابن وبنت يقسم المتروك على ثلاثة: للابن اثنان، وللبنت واحد، ومخارج الفروض اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون. فإن كان في المسألة فرضان ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في بيان أصول المسائل أي في بيان ما يعول منها وما يتبع ذلك، ككون أحد العددين موافقا للآخر أو مباينا. والأصول جمع أصل، وهو لغة، ما بنى عليه غيره. وعرفا هنا، عدد مخرج فرض المسألة أو فروضها أو عدد رؤوس العصبة إن لم يكن فيها فرض، وتقدم أن علم الفرائض اسم لمجموع فقه المواريث وعلم الحساب الموصل إلى معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة. ولما أنهى الكلام على الجزء الأول، أعني فقه المواريث، أي فهم قسمة التركة، كقولنا للزوج النصف وهكذا، شرع يتكلم على الجزء الثاني، أعني علم الحساب، وهو المسائل التي يعرف بها تأصيل المسألة وتصحيحها، كقولنا كل مسألة فيها سدس فهي من ستة، وكل سهم انكسر على فريق وباينته سهامه يضرب عدد رؤوسه في أصل المسألة. وحاصل الأصول سبعة: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية، وإثنا عشر، وأربعة وعشرون، وهي مخارج الفروض. فالإثنان مخرج النصف، والثلاثة مخرج الثلث والثلثين، والأربعة مخرج الربع، والستة مخرج السدس، والثمانية مخرج الثمن، والإثنا عشر مخرج السدس والربع، أو الثلث والربع، والأربعة والعشرون مخرج السدس والثمن. وزاد بعض المتأخرين عليها أصلين آخرين في مسائل الجد والإخوة وهما ثمانية عشر وستة وثلاثون، فأولهما كأم وجد وخمسة إخوة لغير أم لأن فيها سدسا وثلث الباقي وثانيهما كزوجة وأم وجد وسبعة إخوة لغير أم لأن فيها ربعا وسدسا صحيحين وثلث الباقي. والذي يعول من الأصول ثلاثة، الستة تعول إلى سبعة: كزوج وأختين لغير أم، وإلى ثمانية: كهم وأم، وإلى تسعة: كهم وأخ لأم، وإلى عشرة: كهم وأخ آخر لأم. والإثنا عشر: تعول إلى ثلاثة عشر: كزوجة وأم وأختين لغير أم، وإلى خمسة عشر كهم وأخ لأم، وإلى سبعة عشر: كهم وأخ آخر لأم، والأربعة والعشرون تعول إلى سبعة وعشرين: كبنتين وأم وأب وزوجة (قوله: أصل المسألة عدد الرؤوس) أي بعد تقدير الذكر برأسين إذا كان معه أنثى، كما سيصرح به بقوله وقدر الذكر الخ (قوله: إن كانت الورثة عصبات) أي وتقسم التركة عليهم بالسوية إن تمحضوا ذكورا كبنين أو إناثا كثلاث نسوة أعتقن رقيقا بالسوية، ولا يتصور في غيرهن كما تقدم (قوله: كثلاثة بنين أو أعمام) هو تمثيل لكون الورثة عصبات (قوله: فأصلها) أي المسألة. وقوله ثلاثة. بعدد رؤوسهم (قوله: وقدر) فعل أمر بمعنى عد واحسب، فهو يتعدى إلى مفعولين: الأول قوله الذكر، والثاني قوله أنثيين. ويحتمل أن يكون ماضيا مبنيا للمجهول، والذكر نائب فاعله. وفي ش ق: إنما لم يقدر الأنثيان بذكر لأنه لا يطرد، إذ قد تكون الورثة ثلاث بنات وأخا، ولو قدر الأنثيان بذكر لبقيت واحدة، بخلاف العكس، فإنه مطرد في كل صورة. اه. (قوله: أي الصنفان) تفسير لضمير اجتمعا، وهما ذكور وإناث (قوله: من نسب) حال من الصنفان، أي حال كون الصنفين كائنين من النسب. وخرج به ما إذا كانا من الولاء فإن الإرث حينئذ لا بعدد الرؤوس، بل بحسب الشركة في العتق إن كانا معتقين، فإن كانا ورثة معتق فالإرث للذكر دون الإناث، كما تقدم (قوله: ففي ابن وبنت) تفريع على تقدير الذكر أنثيين عند اجتماع الصنفين، ولو جعله تمثيلا لذلك لكان أولى (قوله: يقسم المتروك) أي ما تركه الميت وخلفه، وهو التركة، سواء كانت مالا أو حقا (قوله: ومخارج الخ) كان المناسب أن يذكر قبله ما يقابل المتن، كأن يقول: فإن كانت الورثة أصحاب فروض أو بعضهم صاحب فرض وبعضهم تعصيب فأصلها من مخرج ذلك الفرض. والفرض هو الكسر، كالثمن والربع والنصف. ومخرج العدد، كالثمانية والأربعة والإثنين. قال م ر: وكلها، أي الفروض، مشتقة من اسم العدد، إلا النصف فإنه من المناصفة،

فأكثر اكتفى عند تماثل المخرجين بأحدهما، كنصفين في مسألة زوج وأخت فهي من الاثنين، وعند تداخلهما بأكثرهما كسدس وثلث في مسألة أم وولديها وأخ لابوين أو لاب فهي من ستة، وكذا يكتفي في زوجة وأبوين. ـــــــــــــــــــــــــــــ لتناصف القسمين واستوائهما. ولو أريد ذلك لقيل ثني، بضم أوله، كثلث وما بعده. اه. وقوله لقيل ثنى، أي يعبر عن النصف بثنى ليكون مشتقا من العدد، وهو اثنان. اه. سم (قوله: فإن كان في المسألة الخ) كأنه قال هذا إذا كان في المسألة فرض واحد فقط، فإن كان فيها فرضان الخ. وحاصل الكلام على ذلك أنه إذا كان في المسألة فرضان فأكثر أي عددان فأكثر، فإما أن يكون بينهما تماثل أو تدخل أو توافق أو تباين، فأما التماثل، فبأن يكون عدد أحد المتماثلين مثل عدد الآخر، وأما التداخل، فبأن يفنى الأكثر بالأقل مرتين فأكثر كثلاثة مع ستة أو تسعة، وأما التوافق، فبأن يكون بين العددين توافق في جزء من الأجزاء، وأما التباين، فبأن لا يحصل توافق بينهما في جزء من الأجزاء. ثم إن الحكم في المتماثلين أن تأخذ أحدهما وتكتفي به عن الآخر، وفي المتداخلين أن تأخذ العدد الأكبر، وفي المتوافقين أن تضرب وفق أحدهما في كامل الآخر، وفي المتباينين أن تضرب أحدهما كاملا في الآخر كذلك. ثم إن الشارح ذكر هذه النسب الأربع في تأصيل المسائل فقط، وهو تحصيل مخرج فروضها، وتجري أيضا في تصحيح المسائل وهو تحصيل أقل عدد يخرج منه نصيب كل وارث صحيحا، وسمي بذلك لكون القصد منه سلامة الحاصل لكل وارث من الكسر، وهو ناشئ عن التأصيل غالبا. وقد يتحدان، كما في مسألة زوج وأبوين التي هي إحدى الغراوين، وبيان ذلك أنك إذا عرفت أصل المسألة فإن انقسمت السهام فذاك واضح، وإن انكسرت السهام على صنف فقابل سهامه بعدده، فإما أن يتباينا أو يتوافقا، فإن تباينا فاضرب عدده في المسألة بعولها إن عالت، ومنه تصح، كزوجة وأخوين لهما ثلاثة منكسرة، فيضرب اثنان عددهما في أربعة أصل المسألة تبلغ ثمانية، ومنها تصح، وإن توافقا فاضرب وفق عدد الصنف في المسألة بعولها إن عالت، فما بلغ صحت منه، كأم وأربعة أعمام لهم سهمان يوافقان عددهما بالنصف فتضرب اثنين في ثلاثة تبلغ ستة، ومنها تصح. وإن انكسرت على صنفين فقابل سهام كل صنف بعدده أيضا، فإن توافقا رد عدد رؤوس الصنف الموافق إلى وفقه، وإن تباينا فاترك عدد كل فريق بحاله ثم انظر بين عدد رؤوسهما، فإن تماثلا فاضرب أحدهما في أصل المسألة بعولها إن كان، وإن تداخلا فاضرب أكثرهما في أصل المسألة كذلك، وإن توافقا فاضرب وفق أحدهما في الآخر ثم الحاصل في أصل المسألة بعولها إن كان، وإن تباينا فاضرب أحدهما في الآخر ثم الحاصل في أصل المسألة كذلك. (والحاصل) تنظر أولا بين السهام والرؤوس وتحفظ عدد الفريق الذي باينته سهامه ووفق الفريق الذي وافقته سهامه، ثم تنظر ثانيا في هذين المحفوظين، فإن كانا متماثلين فخذ أحدهما، وإن كانا متداخلين فخذ الأكثر، وإن كانا متوافقين فاضرب وفق أحدهما في جميع الآخر، وإن كانا متباينين فاضرب جميع أحدهما في جميع الآخر، ثم بعد ذلك تأخذ الحاصل في كل حالة من هذه الحالات الأربع، ويسمى جزء منهم المسألة، وتضربه في أصل المسألة بعولها إن عالت، ولنمثل لك لبعضها فنقول، مثال المحفوظين المتماثلين مع تباين السهام للرؤوس أم وخمسة إخوة لأن وخمسة أعمام، فأصل المسألة من ستة للأم السدس واحد وللإخوة للأم الثلث اثنان، منكسرة عليهم، وللخمسة أعمام ثلاثة منكسرة عليهم أيضا، وبين الرؤوس تماثل فتأخذ أحد المتماثلين وتضربه في أصل المسألة بثلاثين ومنها تصح، ومثالهما مع توافق السهام للرؤوس أم وعشرة إخوة لأم وخمسة عشرة عما، فأصل المسألة من ستة أيضا، للأم السدس واحد وللعشرة الإخوة اثنان الثلث وهما موافقان لرؤوسهم بالنصف فترد الرؤوس لوفقها وهو خمسة وللخمسة عشر عما ثلاثة وهي موافقة للرؤوس بالثلث، فترد الرؤوس لوفقها وهو خمسة وبين الوفقين تماثل، فتأخذ أحدهما، وهو خمسة، وتضربه في أصل المسألة، وهو ستة بثلاثين، ومنها تصح، وقس على ذلك أمثلة بقية الأحوال الأربعة، وقس أيضا على الإنكسار على صنفين الإنكسار على ثلاثة وعلى أربعة، وبيان ذلك كله مبسوط في محله، فاطلبه إن شئت (قوله: كنصفين) أي أو نصف، وما بقي كزوج وعم، كما سيأتي، وقوله في مسألة زوج وأخت، أي شقيقة أو لأب، وهذه المسألة تلقب باليتيمة، إذ ليس لنا شخصان يرثان المال مناصفة فرضا سواهما، فهي كالدرة اليتيمة، أي التي لا نظير لها (قوله: فهي) أي هذه المسألة. وقوله من الإثنين، أي أصلها من الإثنين، والأول حذف أل (قوله: وعند تداخلهما بأكثرهما) أي ويكتفي عند

وعند توافقهما بمضروب وفق أحدهما في الآخر، كسدس وثمن في مسألة أم وزوجة وابن، فهي من أربعة وعشرين، حاصل ضرب وفق أحدهما، وهو نصف الستة أو الثمانية، في الآخر، وعند تباينهما بمضروب أحدهما في الآخر، كثلث وربع في مسألة أم وزوجة أخ لابوين أو لاب، فهي من اثني عشر حاصل ضرب ثلاثة في أربعة (وأصل) مسألة (كل فريضة فيها نصفان) كزوج وأخت لاب (أو نصف وما بقي)، كزوج وأخ لاب (اثنان) مخرج النصف (أو) فيها (ثلثان وثلث) كأختين لاب وأختين لام (أو ثلثان وما بقي) كبنتين وأخ لاب (أو ـــــــــــــــــــــــــــــ تداخل المخرجين بأكثرهما، فالظرف معطوف على الظرف الأول، فهو متعلق بما تعلق به (قوله: كسدس وثلث) فالأول من ستة، والثاني من ثلاثة، وبينها تداخل، فيكتفي بالأكثر وهو الستة (قوله: وولديها) أي الأم، وهما أخو الميت من الأم (قوله: فهي من ستة) أي فالمسألة من ستة، للأم واحد سدسها، ولولديها اثنان ثلثها، والباقي، وهو ثلاثة، للأخ الشقيق أو للأب (قوله: وكذا يكتفي الخ) فصله بكذا، لأنه ليس فيه تداخل، إذ ثلث الباقي ليس داخلا في الأربعة، مع أنه يكتفي بالأكثر، وهو الربع، عن الأصغر، وهو ثلث الباقي، فتكون من أربعة تأصيلا. اه. ش ق. (وقوله: في زوجة وأبوين) فالزوجة لها الربع والأم لها ثلث الباقي، وما بقي للأب. فالمسألة من أربعة: للزوجة واحد من أربعة، والأم لها واحد من ثلاثة، والباقي للأب (قوله: وعند توافقهما) معطوف على عند تماثل المخرجين: أي واكتفى عند توافق المخرجين. (وقوله: بمضروب أحدهما في الآخر) أي بحاصل ذلك (قوله: كسدس وثمن) فالأول من ستة، والثاني من ثمانية، وبينهما توافق، إذ كل منهما له نصف صحيح، فيضرب نصف الستة، وهو ثلاثة، في كامل الآخر، وهو ثمانية، بأربعة وعشرين. وقوله في مسألة أم وزوجة وابن، فالأم لها السدس، والزوجة لها الثمن، وما بقي للإبن (قوله: وعند تباينهما) معطوف أيضا على عند تماثل المخرجين، أو واكتفى عند تباين المخرجين. (وقوله: بمضروب الخ) أي بحاصله (قوله: كثلث وربع) فالأول من ثلاثة، والثاني من أربعة. وقوله في مسألة أم وزوجة وأخ لأبوين أو لأب، فالأم لها الثلث والزوجة لها الربع، وما بقي فللأخ المذكور (قوله: فهي) أي المسألة. وقوله حاصل الخ، بدل من اثني عشر (قوله: وأصل مسألة كل فريضة إلخ) لا يخفى ما في عبارته متنا وشرحا من عدم الالتئام والارتباط، فكان المناسب أن يذكر أولا مفهوم القيد، أعني، قوله إن كانت الورثة عصبات، ويذكر ما هو مرتب عليه، كما نبهت عليه، كأن يقول فإن كانت الورثة أصحاب فروض كلهم أو بعض فأصل المسألة مخرج فرضها، ثم يعد مخارج الفروض السبعة التي ذكرها، ثم يرتب عليها قوله وأصل كل مسألة الخ، ويقدم ذلك كله على قوله في الشرح، فإن كان في المسألة فرضان الخ، ويذكر قوله المذكور كالتعليل لما ذكره بقوله وأصل كل مسألة الخ، كأن يقول وذلك لأنه إن كان في المسألة الخ. فتنبه. وقوله كل فريضة، أي: كل مسألة مشتملة على فريضة بمعنى مفروضة، أي سهام مقدرة، ولا يخفى ما في عبارته من الركاكة الحاصلة بزيادته لفظة مسألة قبل لفظة كل، لأن المعنيس عليه وأصل مسألة كل مسألة الخ. ولو أخر لفظة مسألة عن لفظة كل، كأن قال وأصل كل مسألة فريضة الخ، أي مسألة مشتملة على سهام مفروضة، لسلمت منها. وقوله فيها نصفان، الجملة صفة لفريضة، أي فريضة موصوفة بأن فيها نصفين. ولا يخفى أيضا ما فيه من ظرفية الشئ في نفسه، إذ الفريضة هي النصفان أو النصف وما بقي. وهكذا إلا أن يقال من ظرفية المفصل في المجمل. فتنبه (قوله: كزوج وأخت لأب) تمثيل للفريضة التي فيها نصفان، وذلك لأن الزوج له النصف والأخت لأب - أي أو شقيقة - لها النصف (قوله: أو نصف وما بقي) أي مع ما بقي من التركة. وقوله كزوج وأخ لأب، أي أو شقيق بالأولى، فالزوج له النصف والأخ له ما بقي لأنه عصبة (قوله: اثنان) خبر أصل. وقوله مخرج النصف، أي وهما مخرج النصف (قوله: أو فيها ثلثان) قدر الشارح لفظ فيها إشارة إلى أن ثلثان معطوف على نصفان. وقوله وثلث، أي مع ثلث. وقوله كأختين لأب وأختين لأم تمثيل للفريضة التي فيها ثلثان وثلث، فالأختان لأب أو لأب ولأم لهما الثلثان، والأختان لأم لهما الثلث. وقوله أو ثلثان وما بقي معطوف أيضا على نصفان، أي أو فيها ثلثان وما بقي (قوله: كبنتين وأخ لأب) تمثيل للفريضة التي فيها ثلثان وما بقي، إذ البنتان لهما الثلثان

ثلث وما بقي) كأم وعم (ثلاثة) مخرج الثلث (أو) فيها (ربع وما بقي) كزوجه وعم (أربعة) مخرج الربع (أو) فيها (سدس، وما بقي) كأم وابن (أو سدس وثلث) كأم وأخوين لام (أو) سدس (وثلثان) كأم وأختين لاب (أو) سدس ونصف كأم وبنت (ستة) مخرج السدس (أو) فيها (ثمن وما بقي) كزوجة وابن (أو) ثمن (ونصف ما بقي) كزوجة وبنت وأخ لاب (ثمانية) مخرج الثمن (أو) فيها (ربع وسدس) كزوجة وأخ لام (اثنا عشر) مضروب وفق أحد المخرجين في الآخر (أو) فيها (ثمن وسدس) كزوجة وجدة وابن (أربعة وعشرون) مضروب وفق أحدهما في ـــــــــــــــــــــــــــــ والأخ لأب له الباقي لأنه عصبة (قوله: أو ثلث وما بقي) معطوف أيضا على نصفان، أي أو فيها ثلث وما بقي. وقوله كأم وعم، تمثيل له، إذ الأم لها الثلث والعم له الباقي لأنه عصبة (قوله: ثلاثة) خبر أصل المقدر قبل فيها ثلثان، أي وأصل الفريضة التي فيها ثلثان الخ ثلاثة. (قوله: مخرج الثلث) بدل من ثلاثة أو خبر لمبتدأ محذوف، أي وهي مخرج الثلث (قوله: أو فيها ربع) معطوف على فيها نصفان، أي وأصل كل فريضة فيها ربع وما بقي. وقوله كزوجة وعم تمثيل له، إذ الزوجة لها الربع والعم له الباقي لأنه عصبة. وقوله أربعة، خبر المبتدأ المقدر قبل قوله فيها ربع. وقوله مخرج الربع، بدل، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي وهي مخرج الربع. (قوله: أو فيها سدس وما بقي الخ) معطوف أيضا على فيها نصفان. وقوله كأم وابن، تمثيل له: إذ الأم لها السدس والإبن له الباقي لأنه عصبة. وقوله أو سدس وثلث، أي أو فيها سدس وثلث، وقوله كأم وأخوين لأم، تمثيل له، إذ الأم لها السدس والأخوان لأم لهما الثلث. وقوله أو سدس وثلثان، أي أو فيها سدس وثلثان. وقوله كأم وأختين لأب، تمثيل له. إذ الأم لها السدس والأختان لهما الثلثان (قوله: أو سدس ونصف) أي أو فيها سدس ونصف. وقوله كأم وبنت تمثيل له: إذ الأم لها السدس والبنت لها النصف. وقوله ستة، خبر المبتدأ المقدر، وهو راجع للأربع صور. وقوله مخرج السدس، يقال فيه ما تقدم (قوله: وفيها ثمن وما بقي) معطوف أيضا على فيها نصفان، أي والأصل في كل فريضة فيها ثمن مع ما بقي. وقوله كزوجة وابن، تمثيل له، إذ الزوجة لها الثمن والابن له الباقي. وقوله أو ثمن ونصف وما بقي، أي أو فيها ثمن ونصف مع ما بقي. وقوله كزوجة وبنت وأخ لأب، تمثيل له، إذ الزوجة لها الثمن والبنت لها النصف والأخ للأب، أي الشقيق له الباقي لأنه عصبة (قوله: ثمانية) خبر المبتدأ المقدر، وهو راجع للمسألتين. وقوله مخرج الثمن، يقال فيه ما تقدم (قوله: أو فيها ربع وسدس) معطوف أيضا على فيها نصفان. وقوله كزوجة وأخ لأم، تمثيل له، إذ الزوجة لها الربع والأخ للأم له السدس. وقوله اثنا عشر، خبر المبتدأ المقدر أيضا. وقوله مضروب الخ، بدل أو خبر لمبتدأ محذوف، أي وهي مضروب، أي حاصل مضروب وفق أحد المخرجين في الآخر، إذ بينهما موافقة بالنصف. والقاعدة أنهما إذا كانا كذلك يضرب وفق أحدهما في كامل الآخر، فيضرب نصف الستة، وهو ثلاثة، في الأربعة، أو نصف الأربعة، وهو اثنان، في الستة فيكون الحاصل اثني عشر (قوله: أو فيها ثمن وسدس) أي وما بقي. وكان عليه أن يزيده وهو معطوف على فيها نصفان أيضا. (واعلم) أنه ذكر عند كل أصل من الأصول التي عدها لفظ فيها إشارة إلى أن ما دخلت عليه أصل، فإن لم يكن أصلا، كالمسائل المندرجة تحت الأصل، لم يذكر فيها ذلك إشارة إلى أنه ليس بأصل. فتنبه. وقوله أربعة وعشرون، خبر المبتدأ المقدر، وهو لفظ أصل. وقوله مضروب وفق أحدهما في الآخر، يقال فيه ما تقدم، فالأربعة والعشرون حاصل مضروب وفق أحد المخرجين في الآخر، وذلك لأن بين الثمانية والستة توافقا بالنصف فيضرب نصف أحدهما في كامل الآخر يبلغ أربعة وعشرين، وهذا آخر عدد أصول المسائل، وحاصلها سبعة، اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية وإثنا عشر وأربعة وعشرون، وهذه هي المتفق عليها. وأما المختلف فيه فثمانية عشر وستة وثلاثون، ولا يكونان إلا في مسائل الجد والإخوة حيث كان ثلث الباقي خيرا له. والراجح أنهما أصلان، لا تصحيحان، وذلك لأن ثلث الباقي فرض مضموم لفرض آخر أو لفرضين فيجب اعتباره، وأقل عدد يخرج منه السدس وثلث الباقي صحيحا ثمانية عشر كما في أم وجد وخمسة إخوة لغير أم فللأم ثلاثة وهي السدس وللجد ثلث الباقي خمسة ولكل أخ اثنان من العشرة الباقية وأقل عدد يخرج

الآخر (وتعول) من أصول مسائل الفرائض ثلاثة (ستة إلى عشرة) وترا وشفعا. فعولها إلى سبعة كزوج وأختين لغير أم، وإلى ثمانية كهم وأم، وإلى تسعة كهم وأخ لام، وإلى عشرة كهم وأخ آخر لام (و) تعول اثنا عشر إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ منه السدس والربع وثلث الباقي صحيحا ستة وثلاثون وذلك كما في أم وزوجة وجد وسبعة إخوة لغير أم للأم السدس ستة وللزوجة الربع تسعة وللجد ثلث الباقي سبعة، ولكل أخ اثنان من الأربعة عشر الباقية وهذا ما عليه المحققون. وقال بعضهم: تصحيح لا تأصيل، فأصل الأولى من ستة مخرج السدس ولا ثلث صحيح للباقي بعد سدس الأم تضرب ثلاثة في ستة بثمانية عشر، وقد علمت قسمتها. وأصل الثانية من اثني عشر مخرج السدس والربع ولا ثلث صحيح للباقي بعد سدس الأم وربع الزوجة تضرب ثلاثة في اثني عشر بستة وثلاثين، وقد علمت قسمتها (قوله: وتعول الخ) اعلم أن العول لغة الارتفاع والزيادة، وفي الإصطلاح زيادة ما يبلغه مجموع السهام المأخوذ من الأصل عند ازدحام الفروض عليه ومن لازمه دخول النقص على أهلها بحسب حصصهم. ولم يقع العول في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في زمن أبي بكر رضي الله عنه، وإنما وقع في زمن عمر رضي الله عنه. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أول من عال الفرائض عمر رضي الله عنه، لما التوت عليه الفرائض ودافع بعضها بعضا، وقال ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر، وكان امرءا ورعا، فقال ما أجد شيئا أوسع لي من أن أقسم التركة عليكم بالحصص، وأدخل على كل ذي حق ما أدخل عليه من عول الفريضة. اه. وروي أن أول فريضة عالت في الإسلام زوج وأختان، فلما رفعت إلى عمر رضي الله عنه قال إن بدأت بالزوج أو بالأختين لم يبق للآخر حقه، فأشيروا علي، فأول من أشار بالعول العباس رضي الله عنه على المشهور، وقيل علي رضي الله عنه، وقيل زيد بن ثابت رضي الله عنه، والظاهر، كما قال السبكي رحمه الله، أنهم كلهم تكلموا في ذلك لإستشارة عمر رضي الله عنه إياهم واتفقوا على العول. فلما انقضى عصر عمر رضي الله عنه أظهر ابن عباس رضي الله عنهما الخلاف في المباهلة، فقيل له ما بالك لم تقل هذا لعمر؟ فقال كان رجلا مهابا. وقوله ثلاثة، ضابطها الستة وضعفها وضعف ضعفها. قال في الرحبية: فإنهن سبعة أصول ثلاثة منهن قد تعول وبعدها أربعة تمام لا عول يعروها ولا انثلام (قوله: ستة إلى عشرة) أي تعول الستة أربع مرات على توالي الأعداد إلى أن تبلغ عشرة (قوله: كزوج وأختين لغير أم) أي فمسألتهم من ستة، لأن فيها نصفا وثلثين، فللزوج ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة، ومجموعهما سبعة، فيقسم المال بينهما أسباعا، للزوج نصف عائل، وهو ثلاثة أسباع، ولأختين ثلثان عائلان، وهما أربعة أسباع. (قوله: وإلى ثمانية) معطوف على قوله إلى سبعة، أي وعولها إلى ثمانية. وقوله كهم، أي زوج وأختين لغير أم. وقوله وأم، أي وزيادة أم عليهم، فللزوج النصف ثلاثة، وللأختين الثلثان أربعة، وللأم السدس واحد، ومجموع ذلك ثمانية فيصير للزوج ربع وثمن، وللأم ثمن وللأختين نصف. ومثل ذلك المباهلة، وهي زوج وأم وأخت شقيقة أو لأب، فللزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف ومجموعها ثمانية، وهذا هو مذهب الجمهور. وعند ابن عباس رضي الله عنهما للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للأخت، وعنه قول آخر هو أن للزوج النصف والباقي بين الأم والأخت وإنما لقبت بالمباهلة لقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن شاءوا فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. والإبتهال مأخوذ من قولهم بهله الله، أي لعنه وأبعده من رحمته، أو من قولك أبهلته، إذا أهملته. وأصل الإبتهال ما ذكر، ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه، وإن لم يكن التعانا، (قوله: وإلى تسعة) معطوف على قوله إلى سبعة، أي وعولها إلى تسعة. وقوله كهم وأخ لأم، أي كزوج وأختين لغير أم وأم وزيادة أخ لأم عليهم، فللزوج النصف ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة وللأم السدس واحد وللأخ للأم السدس كذلك ومجموعها تسعة، فيصير للزوج ثلاثة أتساع وللأختين أربعة أتساع وللأم تسع وللأخ كذلك (قوله:

سبعة عشر وترا فعولها إلى ثلاثة عشر كزوجة وأم وأختين لغير أم، وإلى خمسة عشر كهم وأخ لام، وإلى سبعة عشر كهم وأخ آخر لام (و) تعول (أربعة وعشرون لسبعة وعشرين) فقط كبنتين وأبوين وزوجة، للبنتين ستة عشر وللابوين ثمانية وللزوجة ثلاثة، وتسمى بالمنبرية، لان عليا رضي الله عنه كان يخطب على منبر الكوفة قائلا: الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعا ويجزي كل نفس بما تسعى وإليه المآل والرجعى، فسئل حينئذ عن هذه المسألة فقال ارتجالا: صار ثمن المرأة تسعا، ومضى في خطبته. وإنما عالوا ليدخل النقص على الجميع كأرباب الديون والوصايا إذا ضاق المال عن قدر حصتهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلى عشرة) معطوف على قوله إلى سبعة، أي وعولها إلى عشرة، وتلقب مسألتهم بأم الفروخ، لأنها شبهت بطائر وحوله أفراخه، وبالشريحية لأن القاضي شريحا أول من جعلها عشرة. وقوله كهم وأخ آخر لأم، أي كزوج وأختين لغير أم وأم وأخ لها زيادة أخ آخر لها أيضا، فللزوج النصف ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة وللأم السدس واحد وللأخوين الثلث اثنان ومجموعها عشرة فيصير للزوج ثلاثة أعشار وللأختين أربعة وللأم عشر وللأخوين عشران (قوله: وتعول اثنا عشر إلى سبعة عشر وترا) أي تعول ثلاث مرات وترا فقط: أي على توالي الأفراد (قوله: فعولها) أي الإثني عشر إلى ثلاثة عشر (قوله: كزوجة وأم وأختين لغير أم) أي فمسألتهم من اثني عشر لأن فيها ربعا وسدسا، فللزوجة الربع ثلاثة وللأم السدس اثنان وللأختين الثلثان ومجموعها ثلاثة عشر (قوله: وإلى خمسة عشر) أي وعولها إلى خمسة عشر. وقوله: كهم وأخ لأم، أي كزوجة وأم وأختين لغير أم وزيادة أخ لأم فيزاد له اثنان، فإذا ضما إلى الثلاثة عشر يصير المجموع خمسة عشر فيصير للزوج ثلاثة أخماس وللأم خمسان وللأخت ثمانية أخماس وللأخ للأم خمسان (قوله: وإلى سبعة عشر) أي وعولها إلى سبعة عشر. (وقوله: كهم وأخ آخر لأم) أي وزيادة أخ آخر لأم فيزداد له اثنان فإذا ضما إلى الخمسة عشر يصير المجموع سبعة عشر. ومثلها في ذلك أم الأرامل وهي جدتان وثلاث زوجات وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات لأبوين أو لأب، فللجدتين السدس اثنان وللزوجات الربع ثلاثة وللأخوات للأم الثلث أربعة وللأخوات للأبوين الثلثان ثمانية ومجموع ذلك سبعة عشر، وكما تلقب بذلك تلقب بأم الفروج، بالجيم، لأنوثة الجميع، وبالدينارية لأن الميت لو ترك سبعة عشر دينارا خص كلا دينار (قوله: وتعول أربعة وعشرون لسبعة وعشرين فقط) أي فعولها إلى ذلك مرة واحدة. وتلقب هذه المسألة بالبخيلة لقلة عولها. وقد نظمها وما قبلها في الرحيبة بقوله: فتبلغ الستة عقد العشرة في صورة معروفة مشتهرة وتلحق التي تليها في الأثر بالعول أفرادا إلى سبع عشر والعدد الثالث قد يعول بثمنه فاعمل بما أقول (قوله: كبنتين وأبوين وزوجة) فأصل مسألتهم من أربعة وعشرين لأن فيها ثمنا للزوجة وثلثين للبنتين وبينهما تباين فيضرب مخرج أحدهما وهو ثلاثة مثلا في كامل مخرج الآخر، وهو ثمانية، يكون الحاصل أربعة وعشرين، فللبنتين الثلثان ستة عشر وللأبوين الثلث ثمانية وللزوجة الثمن ثلاثة فتعال المسألة بها إلى سبعة وعشرين (قوله: وتسمى) أي هذه المسألة العائلة إلى سبعة وعشرين (قوله: لأن الخ) بيان لسبب تسميتها بالمنبرية (قوله: فقال ارتجالا) أي من غير تأمل (قوله: صار ثمن المرأة تسعا) أي لأن الثلاثة تسع السبعة والعشرين (قوله: ومضى في خطبته) أي كمل خطبته (قوله: وإنما عالوا) أي الفرضيون هذه الأصول الثلاثة (قوله: ليدخل النقص على الجميع) أي جميع الورثة (قوله: كأرباب الخ) تنظير. والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في بيان أحكام الوديعة صح إيداع محترم بأودعتك هذا أو استحفظتكه، وبخذه مع نية. وحرم على عاجز عن حفظ الوديعة أخذها، وكره على غير واثق بأمانته. ويضمن وديع بإيداع غيره - ولو قاضيا - بلا إذن من المالك، لا إن كان لعذر ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في بيان أحكام الوديعة أي في بيان أحكام الوديعة. وهي مناسبة للفرائض لأن مال الميت بلا وارث يصير كالوديعة في بيت مال المسلمين، والأصل فيها قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (1) أي يأمر كل من كان عنده أمانة أن يردها إلى صاحبها إذا طلبها، وهي وإن نزلت في مفتاح الكعبة فهي عامة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وخبر أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك وروى البيهقي عن عمر رضي الله عنه أنه قال وهو يخطب لا يعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل وهي لغة ما وضع عند غير مالكه لحفظه، من ودع يدع، إذا سكن، لأنها ساكنة عند الوديع. وقيل من الدعة أي الراحة لأنها تحت راحته ومراعاته. وشرعا العقد المقتضي للاستحفاظ أو العين المستحفظة، فهي حقيقة فيهما، ثم عقدها في الحقيقة توكيل من جهة المودع، وتوكل من جهة الوديع في حفظ مال أو اختصاص كنجس منتفع به، فخرجت اللقطة والأمانة الشرعية، كأن طير نحو ريح شيئا إليه أو إلى محله وعلم به. وأركانها بمعنى العقد أربعة: وديعة بمعنى العين المودوعة، وشرط فيها كونه محترمة وإن لم تكن متمولة ولو نجسة نحو حبة بر وكلب ينفع، بخلاف غير المحترمة نحو كلب لا ينفع وآله لهو. ومودع، بكسر الدال، ومودع بفتحها، وإن شئت قلت ووديع، وشرط فيهما ما مر في موكل ووكيل، وهو إطلاق تصرف لأن الإيداع استنابة في الحفظ. فلو أودع ناقص نحو صبي ناقصا مثله أو كاملا ضمن كل منهما ما أخذه منه لأن الإيداع باطل ولو أودع كامل ناقصا لم يضمن إلا بإتلافه لأنه لم يسلطه على إتلافه، ولا يضمن بغير الإتلاف ولو بالتفريط لتقصيره بالإيداع عنده. وبقيت صورة رابعة وهي أن يودع كامل كاملا ولا ضمان حينئذ إلا بالتفريط، وهذه الصورة هي مقصود الباب. وصيغة، وشرط فيها ما مر في الوكالة، وهو اللفظ من أحد الجانبين، وعدم الرد من الآخر حتى لو قال الوديع أودعنيها فدفعها له ساكتا صح. والإيجاب إما صريح: كأودعتك هذا أو استحفظتك، أو كناية مع النية: كخذه (قوله: صح إيداع محترم) أي وضع شئ محترم ولو اختصاصا، أما غيره، ككلب لا ينفع، وآله لهو، فلا يصح إيداعهما، كما تقدم (قوله: بأودعتك الخ) متعلق بإيداع، وهو بيان للصيغة. والمثالان الأولان للإيجاب الصريح، والثالث للكناية، كما تقدم أيضا (قوله: وحرم على عاجز عن حفظ الوديعة أخذها) وذلك لأنه يعرضها للتلف، قال في المغني: والإيداع صحيح مع الحرمة وأثر التحريم مقصور على الإسم. اه. (قوله: وكره) أي أخذ الوديعة. وقوله على غير واثق بأمانته، أي على غير من يثق بأمانة نفسه. (والحاصل) إن قدر على حفظها ووثق بنفسه حالا ومآلا ولم تتعين عليه بأن لم يوجد غيره استحب له أخذها، فإن عجز عنه حرم أو لم يثق بأمانة نفسه كره له إن لم يعلم به المالك في الصورتين، فإن علم به فلا حرمة في الصورة الأولى، ولا كراهة في الصورة الثانية ويكون مباحا، أو تعين عليه بأن لم يوجد غيره وجب. فتعتريها الأحكام الخمسة (قوله: ويضمن وديع الخ) شروع في ذكر أسباب تعرض للوديعة موجبة للضمان، وإلا فهي أصلها الأمانة بمعنى أنها متأصلة فيها، لا تبع، كالرهن، لأن الله تعالى سماها أمانة بقوله: * (فليؤد الذي اؤتمن أمانته) * (2) وعبارة المنهج وأصلها، الأمانة

_ (1) سورة النساء، الاية: 58 (2) سورة البقرة، الاية: 283

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تصير مضمونة بعوارض الخ. وحاصل تلك الأسباب التي تعرض للوديعة الموجبة للضمان عشرة نظمها الدميري بقوله: عوارض التضمين عشر ودعها وسفر ونقلها وجحدها وترك إيصاء ودفع مهلك ومنع ردها وتضييع حكي والإنتفاع وكذا المخالفة في حفظها إن لم يزد ما خالفه وقد ذكر معظهما الشارع رحمه الله تعالى. وقوله ودعها، بفتح الواو وسكون الدال، يعني إيداعها لغيره بلا إذن من المالك ولا عذر من الوديع ولو كان ذلك الغير قاضيا أو ولده أو زوجته أو خادمه، فما يقع كثيرا من أن الوديع يعطي الوديعة لولده أو زوجته أو خادمه ليحفظها كل منهم في حرزه موجب للضمان، لأن المودع لم يرض بذلك. نعم، له الإستعانة بمن يحملها لحرز أو يعلفها أو يسقيها لأن العادة جرت بذلك. وقوله وسفر، يعني السفر بها مع القدرة على ردها، لأنه عرضها للضياع، إذ حرز السفر دون حرز الحضر. وقوله ونقلها، يعني نقلها من محلة أو دار إلى أخرى دونها في الحرز، أي دون المحلة أو الدار الأولى في الحرز. وقوله وجحدها، أي بلا عذر بعد طلب من مالك لها، بخلاف ما لو جحدها بعذر كدفع ظالم عن مالكها أو جحدها بلا طلب من مالكها ولو بحضرته، لأن إخفاءها أبلغ في حفظها. وقوله وترك إيصاء، أي أن يترك الإيصاء بالوديعة عند المرض أو السفر للقاضي أو الأمين عند فقد القاضي، فإن الإيصاء بها لمن ذكر يقوم مقام ردها إليه، فهو مخير عند فقد المالك ووكيله بين ردها للقاضي والإيصاء بها إليه، وعند فقد القاضي بين ردها للأمين والإيصاء بها إليه. والمراد بالإيصاء بها الإعلام بها مع وصفها بما تتميز به إن كانت غائبة، أو الإشارة لعينها إن كانت حاضرة، والأمر بردها، فإن لم يفعل ما ذكر كما ذكر ضمن إن تمكن من ردها أو الإيصاء بها لأنه عرضها للفوات، إذ الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها لنفسه. وقوله ودفع مهلك، بالجر عطف على إيصاء، أي وترك دفع مهلك، كترك تهوية ثياب صوف وترك لبسها عند حاجتها لذلك وقد علمها فيلزمه تهويتها أو لبسها عند حاجتها لذلك وعلمه بها وباحتياجها لذلك وتمكنه منه بأن أعطاه المفتاح لأن الدود يفسدها وكل من الهواء وعبوق رائحة الآدمي بها يدفعه. وقوله ومنع ردها، أي بلا عذر بعد طلب مالكها لها، بخلاف ما لو كان بعذر كصلاة وأكل ونحوهما. والمراد بردها التخلية بينها وبين المالك، وأما حملها إليه فلا يلزمه. وقوله وتضييع: أي لها، أي يتسبب في ضياعها كأن يضعها في غير حرز مثلها أو ينساها أو يدل عليها ظالما معينا محلها أو يسلمها له ولو مكرها ويرجع الوديع إذا غرم بها على الظالم لأن قرار الضمان عليه فإن المستولي على المال عدوانا. ولو أخذها الظالم من يده قهرا عليه فلا ضمان على الوديع، وكذا لو أعلمه بأنها عنده من غير تعيين مكانها فلا يضمن بذلك وإن كان يجب عليه إنكارها والإمتناع من الإعلام بها جهده، وله أن يحلف على ذلك لمصلحة حفظها، ويجب عليه أن يوري في يمينه إن عرف التورية وأمكنته، فإن لم يور كفر عن يمينه إن حلف بالله، لأنه كاذب فيها، فإن حلف بالطلاق أو العتق حنث لأنه فدى الوديعة بزوجته أو رقيقه. وقوله والإنتفاع: أي بها كأن يلبس الثوب ويركب الدابة بلا عذر، بخلاف ما إذا كان لعذر كلبس الثوب لدفع الدود وركوب الدابة لدفع الجماح فلا ضمان بذلك لأنه لمصلحة المالك. وقوله وكذا المخالفة في حفظها، كقوله لا ترقد على الصندوق الذي فيه الوديعة فرقد وانكسر بثقله وتلف ما فيه بانكساره فيضمن بذلك لمخالفته المؤدية للتلف، لا إن تلف بغير ذلك، كسرقة فلا يضمن. وقوله إن لم يزد ما خالفه، أي لم يزد في الحفظ الذي خالفه، كأن قال لا تقفل عليه فأقفل (قوله: بإيداع غيره) أي بوضع الوديعة عند غيره، ومعنى كونه يضمن بإيداع غيره أنه يصير طريقا في الضمان لأن للمالك أن يضمن من شاء الأول أو الثاني، فإن ضمن الثاني وهو جاهل بالحال رجع على الأول، وإن ضمن الأول رجع على الثاني إن علم، لا إن جهل، كذا في المغني (وقوله: ولو قاضيا) أي ولو كان ذلك الغير قاضيا فإنه يضمن بإيداعه إياه، والغاية للرد على من يقول إن أودع القاضي لم يضمن لأنه نائب الشرع. (وقوله: بلا إذن من المالك) متعلق بإيداع، وهو قيد في الضمان. وخرج به ما لو أذن له في أن يودعها غيره فالثاني وديع أيضا ولا يخرج الأول عن الإيداع إلا إن ظهر من المالك قرينة على إستقلال

كمرض وسفر وخوف حرق وإشراف حرز على خراب، وبوضع في غير حرز مثلها، وبنقلها إلى دون حرز مثلها، وبترك دفع متلفاتها كتهوية ثياب صوف أو ترك لبسها عند حاجتها، وبعدول عن الحفظ المأمور به من ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني به لجواز استنابة اثنين فأكثر في حفظها. ثم إن صرح المالك باجتماعهما على حفظها تعين فيضعانها في حرز واحد لهما بأن يكون لكل منهما اليد عليه بملك أو إجارة اتفقا في ذلك أو اختلفا فيه ولكل منهما مفتاح عليه، فلو انفرد أحدهما بحفظها مع رضا الآخر ضمن كل منهما وعلى كل منهما قرار النصف، وإن لم يكن مع رضا الآخر اختص المنفرد وحده ضمانا وقرارا وإن لم يصرح المالك باجتماعهما على حفظها جاز الإنفراد زمانا ومكانا مناوبة، كأن يحفظها كل منهما في حرزه يوما أو نحوه (قوله: لا إن كان لعذر) أي لا يضمن بإيداعه للغير إن كان لعذر، ومحله إذا تعذر ردها لمالكها أو وكيله ويجب عند فقدهما وضعها عند قاض ثم أمين والمراد به مستور العدالة ولا يكلف تأخير السفر لما في ذلك من المشقة (قوله: كمرض) أي للمودع، وهو تمثيل للعذر. وقوله وسفر، أي مباح فلا يجوز إيداعه للغير إذا سافر إلا إذا كان السفر مباحا لأن إيداعها للغير رخصة فلا يبيحها سفر المعصية (قوله: وخوف الخ) أي للوديعة لوجود حريق في البقعة التى هي فيها (قوله: وإشراف حرز على خراب) أي ولم يجد حرزا ينقلها إليه (قوله: وبوضع في غيره حرز مثلها) عطف على بإيداع غيره، أي ويضمنها بوضعها في غير ذلك، وعبر غيره عن هذا السبب بتضييعها وهو أولى لأنه صادق بما إذا وضعها في غير حرز مثلها وبنسيانها وبدلالة ظالم عليها معينا محلها له، كما تقدم (قوله: وبنقلها) عطف بإيداع أيضا، أي ويضمنها أيضا بنقلها إلى دون حرز مثلها، أي بنقلها من محلها الذي هو حرز مثلها إلى ما هو دونه في الحرز ولو كان ذلك الدون حرز مثلها، وذلك لأنه عرضها للتلف بذلك، أما إذا تساويا أو كان المنقول إليه أحرز فلا يضمن لعدم التفريط من غير مخالفة، لكن محله ما لم ينهه المالك عن نقلها وإلا ضمن مطلقا. إن نقلها بظن أنها ملكه ولم ينتفع بها لم يضمن (قوله: وبترك دفع متلفاتها) عطف على بإيداع أيضا: أي ويضمنها أيضا بترك دفع متلفاتها التي يتمكن من دفعها على العادة لأنه من أصول حفظها. فعلم أنه لو وقع بخزانته حريق فبادر لنقل أمتعته فاحترقت الوديعة لم يضمنها مطلقا. ووجهه ابن الرفعة بأنه مأمور بالإبتداء بنفسه. ونظر الأذرعي فيما لو أمكنه إخراج الكل دفعة من غير مشقة لا تحتمل لمثله عادة، كما هو ظاهر، أو كانت فوق فنحاها وأخرج ماله الذي تحتها، والضمان في الأولى متجه وفي الثانية محتمل. اه. (قوله: كتهوية الخ) تمثيل للدفع المتروك، والأولى أن يقول كترك تهوية تمثيلا لترك دفع وليلائم ما بعده. وقوله أو ترك لبسها، أي ثياب الصوف. وقوله عند حاجتها: متعلق بتهوية أو بترك المقدر قبلها أو بترك لبسها وهنا متعلق محذوف، أي عند حاجة ثياب الصوف لما ذكر، أي لكل من التهوية واللبس. وفي التحفة: وظاهر كلامهم أنه لا بد من نية نحو اللبس لأجل ذلك وإلا ضمن به، ويوجه في حال الإطلاق لأن الأصل الضمان حتى يوجد صارف له. اه. وفي النهاية مع الأصل: وكذا عليه لبسها لنفسه إن لاق به عند حاجتها بأن تعين طريقا لدفع الدود بسبب عبق ريح الآدمي لها. نعم، إن لم يلق به لبسها ألبسها من يليق به بهذا القصد قدر الحاجة مع ملاحظته، كما قاله الأذرعي، فإن ترك ذلك ضمن ما لم ينهه. نعم، لو كان ممن لا يجوز له لبسها كثوب حرير ولم يجد من يلبسه ممن يجوز له لبسه أو وجده ولم يرض إلا بأجرة فالأوجه الجواز، بل الوجوب. ولو كانت الثياب كثيرة بحيث يحتاج لبسها إلى مضي زمن يقابل بأجرة فالأقرب أن له رفع الأمر للحاكم ليفرض له أجرة في مقابلة لبسها، إذ لا يلزمه أن يبذل منفعته مجانا كالحرز. اه. (قوله: وبعدول عن الحفظ المأمور به) عطف على بإيداع أيضا، أي ويضمنها أيضا إذا تلفت بسبب عدوله عن الحفظ المأمور به لتعديه، فلو قال له لا ترقد على الصندوق فرقد عليه وانكسر بثقله فتلف ما فيه ضمن لحصول التلف من جهة مخالفته وتقصيره، بخلاف ما لو تلف بغير ذلك كسرقة فلا يضمن لأن رقاده عليه زيادة في الحفظ. نعم، إن كان الصندوق في نحو المحراب فسرق من جانبه الذي لو لم يرقد على الصندوق لرقد فيه ضمن، ومثله ما لو أمره بالرقاد أمامه فرقد فوقه فسرق من أمامه. وقوله من المالك: متعلق بالمأمور، ولو أسقطه لكان أولى ليشمل الأمر الشرعي فيما إذا أعطاه دراهم ولم يبين له وجه الحفظ، فإنه إن ربطها في كمه وأمسكها بيده أو جعلها في جيبه ولو الذي على وركه وليس واسعا أو واسعا وزره لم يضمن، فإن لم

المالك، وبجحدها وتأخير تسليمها لمالك بلا عذر بعد طلب مالكها، وبانتفاع بها كلبس وركوب بلا غرض المالك، وبأخذ درهم مثلا من كيس فيه دراهم مودعة عنده وإن رد إليه مثله فيضمن الجميع إذا لم يتميز الدرهم المردود عن البقية، لانه خلطها بمال نفسه بلا تمييز، فهو متعد، فإن تميز بنحو سكة أو رد إليه عين الدرهم ضمنه ـــــــــــــــــــــــــــــ يمسكها بيده، فإن كان فوق ما ربطها فيه ثوب آخر لم يضمن مطلقا، وإلا فإن جعل الخيط المربوط به من خارج فضاعت بأخذ طرار، بفتح المهملتين وتشديد الثانية: أي شرطي، ضمن لأنه خالف الأمر الشرعي بإبرازها له حتى صير قطعها سهلا عليه (قوله: وبجحدها) معطوف على بإيداع أيضا: أي ويضمن أيضا بجحد المودع الوديعة. وقوله وتأخير تسليمها، الواو بمعنى أو، أي ويضمن أيضا بتأخير تسليمها. وقوله بلا عذر بعد طلب مالكها: قيدان للضمان بالنسبة للجحود وللتأخير، وذلك كأن قال له أعطني وديعتي فقال له لم تودعني شيئا أو ليس لك عندي وديعة ثم أقر أو أثبتها المالك ببينة أو قال له ذلك وماطله بتسليمها ثم ادعى تلفها، فيضمنها لأن جحودها خيانة. وخرج بقوله بلا عذر بالنسبة للجحود ما لو كان بعذر كأن طالب المالك بها ظالم فطالب المالك الوديع بها فجحدها دفعا للظالم ابتداء أو جوابا بالسؤال غير المالك ولو بحضرته أو لقول المالك لي عندك وديعة، لا وديعة لأحد عندي فلا يضمن أيضا لو تلف بعد ذلك لأن إخفاءها أبلغ في حفظها. وخرج بالأول أيضا بالنسبة للتأخير ما لو كان التأخير بعذر كأن كان في صلاة، وبالثاني بالنسبة له أيضا ما لو كان بغير طلب من مالكها فإنه لا يضمن لعدم تقصيره (قوله: وبانتفاع بها) عطف على بإيداع أيضا، أي ويضمن أيضا بانتفاعه بها لتعديه، وفي ش ق يضمن وإن جهل أنها الوديعة أو ظن أنها ماله، والتعليل بالتعدي أغلبي. اه. وقوله كلبس وركوب، تمثيل للإنتفاع بها (قوله: بلا غرض المالك) قيد في ضمانه بالانتفاع، وخرج به ما إذا لبس الثوب أو ركب الدابة لغرض المالك، أي مصلحته، كلبسه له لدفع دود وكركوبه لها لجماح فلا يضمن بذلك، كما تقدم، (قوله: وبأخذ درهم الخ) معطوف أيضا على قوله بإيداع: أي ويضمن أيضا بأخذ بعض الوديعة كأخذ درهم من كيس فيه دراهم. وحاصله أنه إذا أخذه ثم رده بعينه ضمنه فقط سواء تميز عن الباقي أم لم يتميز، وإن رد بدله، فإن تميز بعلامة ضمنه فقط أيضا، وإن لم يتميز ضمن جميع الوديعة. لكن محل ضمان الدرهم فقط في الصورتين إذا لم يفض ختما أو يكسر قفلا، وإلا ضمن الجميع (قوله: وإن رد إليه مثله) الواو للحال، وإن زائدة، أي والحال أنه رد إليه مثله. وسيذكر محترزه (قوله: فيضمن الجميع) أي جميع ما في الكيس من الدراهم لو تلف لا الدرهم الذي أخذه ورد مثله فقط. (وقوله: إذا لم يتميز) أي الدرهم المردود عن بقية الدراهم التي في الكيس، والمراد إذا عسر تمييزه عنها: كأن كانت السكة واحدة (قوله: لأنه خلطها الخ) تعليل لضمان الجميع، أي وإنما ضمن الجميع إذا أخذ درهما ورد مثله ولم يتميز لأنه خلط الوديعة التي هي مال الغير بمال نفسه عمدا وعسر تمييزه من غير رضا ذلك الغير بذلك الخلط فهو مقصر بذلك والضمان المذكور ضمان الغصوب، فهو قيمة المتقوم ومثل المثلي لأن المالك لم يرض بذلك. وقوله بمال نفسه، أي وهو المثل الذي رده إلى الكيس، وإنما كان ماله، مع أنه قد أخذ نظيره من الكيس، لأن المالك لا يملك المثل إلا بدفع إليه وهو لم يدفعه إليه، وإنما وضعه في الكيس بدل الذي أخذه. وقوله بلا تمييز، أي من عدم التمييز بين الدرهم المردود والدراهم التي في الكيس (قوله: فهو) أي المودع وقوله متعد، أي بأخذ درهم خلط مثله من غير رضا المالك (قوله: فإن تميز) أي الدرهم المردود، وهو محترز قوله إذا لم يتميز. وقوله بنحو سكة، كأن خالفت سكة الدرهم المردود سكة بقية الدراهم. واندرج تحت نحو، السواد والبياض. قال سم: قد يقال إن مجرد السكة لا تقتضي التمييز لأن المراد به سهولته وقد تختلف السكة ويعسر التمييز لكثرة المختلط. اه. (قوله: أو رد إليه) أي إلى الكيس. (وقوله: عين الدرهم) هذا محترز قوله وإن رد مثله (قوله: ضمنه) أي الدرهم المردود. وقوله فقط: أي ولا يضمن الجميع. (واعلم) أنه لم يتعرض لما إذا أخذه من الكيس ولم يرده أصلا. وحكمه أنه يضمن فقط، كما هو صريح التحفة، ونصها، وخرج بقوله الدراهم أخذ بعضها كدرهم فيضمنه فقط ما لم يفض ختما أو يكسر قفلا، فإن رده لم يزل ضمانه حتى لو تلف الكل ضمن درهما أو النصف ضمن نصف درهم ولا يضمن الباقي بخلطه به لم وإن يتميز - بخلاف رد بدله

فقط. وصدق وديع - كوكيل وشريك وعامل قراض - بيمين في دعوى ردها على مؤتمنه، لا على وارثه. وفي قوله ما لك عندي وديعة، وفي تلفها مطلقا، أو بسبب خفي كسرقة، أو بظاهر كحريق عرف - دون عمومه - فإن عرف عمومه لم يحلف حيث لا تهمة. (فائدة) الكذب حرام، وقد يجب: كما إذا سأل ظالم عن وديعة يريد أخذها فيجب إنكارها وإن كذب، وله الحلف عليه مع التورية. وإذا لم ينكرها ولم يمتنع من إعلامه بها جهده ضمن، وكذا لو رأى معصوما اختفى ـــــــــــــــــــــــــــــ إلخ. اه (قوله: وصدق وديع) كوكيل وشريك وعامل قراض: أي لأنهم أمناء، وكل أمين ادعى الرد على من ائتمنه يصدق بيمينه، ما عدا المرتهن والمستأجر فإنهما لا يصدقان في دعوى الرد وإن صدقا في دعوى التلف. وخرج بالأمين الضامن كالغاصب والمستعير والمستام فإنه لا يصدق في دعوى الرد إلا ببينة، وبمن ائتمنه وارث أحدهما مع الآخر، بأن ادعى وارث الوديع أنه ردها على المودع، أو ادعى الوديع أنه ردها على وارث المالك، أو ادعى وارث الوديع أنه ردها على وارث المودع فإنه لا يصدق إلا ببينة (قوله: وفي قوله ما لك عندي وديعة) أي يصدق بيمينه في قوله ليس عندي لك وديعة (قوله: وفي تلفها مطلقا) أي ويصدق في دعوى تلفها مطلقا، أي من غير تقييد بسبب ولا يلزمه بيان السبب. نعم، يلزمه الحلف أنها تلفت بغير تفريط منه (قوله: أو بسبب خفي) أي أو ادعى تلفها بسبب خفي. وقوله كسرقة، تمثيل للسبب الخفي، ومثلها الغضب إذا ادعى وقوعه في خلوة، وإلا طولب ببينة عليه، كما في النهاية، (قوله: أو بظاهر) أي أو ادعى تلفها بسبب ظاهر. وقوله كحريق: تمثيل للسبب الظاهر. وقوله عرف دون عمومه، أي للبقعة التي الوديعة فيها، وإنما صدق بيمينه لاحتمال ما ادعاه (قوله: فإن عرف عمومه) عبارة المنهاج: فإن عرف الحريق وعمومه، بالواو، وهي أولى، فلعل الواو ساقطة من الناسخ. فإن لم يعرف هو ولا عمومه طولب ببينة على وجوده وحلف على تلفها به (قوله: حيث لا تهمة) فإن كان هناك تهمة بأن عم ظاهرا لا يقينا فحلف لاحتمال سلامتها (قوله: فائدة) لما كان لها تعلق بالوديعة باعتبار بعض أحوالها ذكرها فيها (قوله: الكذب حرام) أي سواء أثبت به منفيا، كأن يقول وقع كذا لما لم يقع، أو نفى به مثبتا، كأن يقول لم يقع لما وقع، وهو مناقض للإيمان معرض صاحبه للعنة الرحمن لقوله تعالى: * (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هو الكاذبون) * (1) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والكذب يهدي إلى النار وقول سيدنا عمر رضي الله عنه: لأن يضعني الصدق وقلما يفعل أحب إلي من أن يرفعني الكذب وقلما يفعل (قوله: وقد يجب الخ) قال في الإحياء، والضابط في ذلك أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا، فالكذب فيه حرام أو بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود. وواجب إن وجب، كما لو رأى معصوما اختفى من ظالم يريد قتله أو إيذاءه لوجوب عصمة دمه أو سأله ظالم عن وديعة يريد أخذها فإنه يجب عليه إنكارها، وإن كذب، بل لو استحلف لزمه الحلف، ويوري، وإلا حنث، ولزمته الكفارة، وإذا لم يتم مقصود حرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قبل مجنى عليه إلا بكذب أبيح، ولو سأله سلطان عن فاحشة وقعت منه سرا، كزنا وشرب خمر، فله أن يكذب ويقول ما فعلت، وله أن ينكر سر أخيه. اه. (قوله: وله الحلف عليه) أي الإنكار. وقوله مع التورية: أي بأن يقصد غير ما يحلف عليه، كأن يقصد بالثوب في قوله والله ما عندي ثوب، الرجوع، من ثاب إذا رجع، وبالقميص في قوله ما عندي قميص غشاء القلب، وهي واجبة عليه تخلصا من الكذب إن أمكنه وعرفها، وإلا فلا (قوله: وإذا لم ينكرها) أي الوديعة، والمقام للتفريع. وقوله ولم يمتنع الخ، عطف لازم على ملزوم. وقوله من إعلامه، أي الظالم، وقوله بها، أي بالوديعة. وقوله جهده، أي وسعه وطاقته (قوله: ضمن) أي الوديعة إذا أخذها الظالم منه، لأنه تسبب في ضياعها (قوله: وكذا لو رأى معصوما) أي وكذلك يجب الكذب فيما لو رأى معصوما قصده ظالم يريد قتله وهو

_ (1) سورة النحل، الاية: 105

من ظالم يريد قتله. وقد يجوز كما إذا كان لا يتم مقصود حرب وإصلاح ذات البين وإرضاء زوجته إلا بالكذب فمباح، ولو كان تحت يده وديعة لم يعرف صاحبها وأيس من معرفته بعد البحث التام صرفها فيما يجب على الامام الصرف فيه، وهو أهم مصالح المسلمين مقدما أهل الضرورة وشدة الحاجة - لا في بناء نحو مسجد - فإن جهل ما ذكر دفعه لثقة عالم بالمصالح الواجبة التقديم، والاروع الاعلم أولى. فصل في بيان أحاكم اللقطة ـــــــــــــــــــــــــــــ قد اختفى منه وقد سأله ذلك الظالم عنه (قوله: وقد يجوز) أي الكذب (قوله: كما إذا كان) أي الحال والشأن. وقوله لا يتم مقصود حرب، أي وهو النصرة على العدو. وقوله وإصلاح ذات البين، أي ولا يتم إصلاح ذات البين، أي الحالة الواقعة بين القوم من الفتنة والخصومة: وقوله وإرضاء زوجته: أي ولا يتم إرضاء زوجته، وقوله إلا بالكذب، متعلق بيتم: أي لا يتم كل من الثلاثة إلا به (قوله: فمباح) يغني عنه قوله وقد يجوز، فالصواب إسقاطه (قوله: ولو كانت تحت يده) أي إنسان. (وقوله: لم يعرف صاحبها) أي بأن لم يعرف حاله بأن غاب غيبة طويلة وانقطع خبره (قوله: وأيس من معرفته) أي ومعرفة ورثته، ويمكن أن يحمل صاحبها على المالك لها مطلقا سواء كان الموروث أو الوارث، وقوله بعد البحث التام. أي عن صاحبها (قوله: صرفها) أي الوديعة، وهو جواب لو. (وقوله: فيما يجب على الإمام الصرف فيه) أي من مصالح المسلمين (قوله: وهو) أي ما يجب على الإمام الصرف فيه. وقوله أهم مصالح المسلمين. وهي كسد الثغور وأرزاق القضاة والعلماء وأهل الضرورات والحاجات، ولو حذف لفظ أهم لكان أولى لأن قوله بعد مقدما الخ يغني عنه إذ هو الأهم مطلقا، لكن في البجيرمي، في باب قسم الصدقات، أن الأهم مطلقا سد الثغور، لأن فيه حفظا للمسلمين (قوله: لا في بناء نحو مسجد) أي لا يصرفها في ذلك (قوله: فإن جهل) أي من تحت يده الوديعة. وقوله ما ذكر. أي ما يجب على الإمام الصرف فيه من المصالح (قوله: دفعه الخ) أي أو يسأل عن ذلك من ذكر وهو يفرقها بنفسه. (خاتمة) نسأل الله حسن الختام. قال في المغني: لو تنازع الوديعة اثنان بأن ادعى كل منهما أنها ملكه فصدق الوديع أحدهما بعينه فللآخر تحليفه، فإن حلف سقطت دعوى الآخر، وإن نكل حلف الآخر وغرم له الوديع القيمة، وإن صدقهما فاليد لهما والخصومة بينهما، وإن قال هي لأحدكما وأنسيته وكذباه في النسيان ضمن، كالغاصب، والغاصب إذا قال المغصوب لأحدكما وأنسيته فحلف لأحدهما على البت أنه لم يغصبه تعين المغصوب للآخر بلا يمين. اه. والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل أي في بيان أحكام اللقطة، وذكرها عقب الوديعة لما بينهما من المناسبة من حيث إن في اللقط معنى الأمانة والولاية عليه، فالملتقط أمين فيما لقطه والشارع ولاه حفظه، ومن حيث مشاركتهما لها في كثير من الأحكام كاستحباب لقطها عند الوثوق بنفسه وعدمه عند عدم الوثوق بأمانة نفسه. ويباح له أخذه في هذه الحالة إن لم يكن فاسقا، وإلا كره تنزيها وقيل تحريما، والأصل فيها قبل الإجماع الآيات الآمرة بالبر والإحسان، كقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (1) وفي أخذها لحفظها على مالكها وردها عليها بر وإحسان. والأخبار الواردة في ذلك: كخبر مسلم: والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه أي والله معين للعبد إعانة كاملة ما دام العبد معينا لأخيه، فلا يرد أن الله في عون كل أحد دائما، وكخبر الصحيحين، عن زيد بن خالد الجهني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن لقطة الذهب أو الورق. فقال: اعرف

_ (1) سورة المائدة، الاية: 2

لو التقط شيئا لا يخشى فساده - كنقد ونحاس بعمارة أو مفازة عرفه سنة في الاسواق وأبواب المساجد فإن ـــــــــــــــــــــــــــــ عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه، وإلا فشأنك بها. وسأله عن ضالة الإبل؟ فقال: ما لك ولها؟ دعها، فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها. وسأله عن الشاة فقال: خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب وقوله في الحديث فإن لم تعرف: أي صاحبها. وقوله فاستنفقها: السين والتاء زائدتان، أي أنفقها، وهو عطف على مقدر، أي فتملكها ثم أنفقها بعد التملك، فهو على حد * (اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) * (1) أي فضرب فانفجرت. (وقوله: ولتكن وديعة عندك) أي إن لم تنفقها بعد التملك، أما إذا أنفقتها فهي مضمونة كما سيأتي. (وقوله: فإن جاء صاحبها) تفريع على الشقين، أي سواء أنفقتها أم لم تنفقها. (وقوله: فأدها إليه) أي إن بقيت عندك، وإلا فبدلها الشرعي من مثل أو قيمة، كما سيأتي، وأركانها ثلاثة: لقط، وملقوط، ولاقط. وكلها تعلم من كلامه (قوله: ولو التقط شيئا لا يخشى فساده الخ) إعلم أن اللقطة تنقسم إلى أربعة أقسام: أحدها ما يبقى على الدوام، كذهب وفضة ونحاس، وحكمه أن يعرفه سنة على أبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعة وفي الموضع الذي وجد فيه وفي الأسواق ونحوها من مجامع الناس، ويكون التعريف على العادة زمانا ومكانا، وابتداء السنة من وقت التعريف. لا الإلتقاط، ولا يجب استيعاب السنة بالتعريف، بل يعرف أولا كل يوم مرتين طرفي النهار، لا ليلا ولا وقت القيلولة، ثم يعرف كل يوم طرقه أسبوعا أو أسبوعين، ثم يعرف كل أسبوع مرة أو مرتين إلى أن تتم سبعة أسابيع، ثم يعرف كل شهر مرة أو مرتين إلى آخر السنة. فالمراتب أربعة وإن احتاج التعريف إلى مؤنة فإن أخذ اللقطة ليحفظها على مالكها لم تلزمه، بل يرتبها القاضي من بيت المال أو يقترضها على المالك، وإن أخذها ليتملكها لزمته ثم بعد تعريفها سنة إن وجد صاحبها فذاك واضح، فإن لم يجده فهو مخير بين أن يتملكها بشرط الضمان وبين أن يحفظها على الدوام في حرز مثلها. ولا بد في التملك من لفظ يدل عليه كتملكت، ثم بعده إن ظهر المالك وهي باقية واتفقا في رد العين أو البدل، فالأمر واضح، وإن تنازعا فطلب المالك العين وأراد الملتقط العدول إلى البدل، أجيب المالك، وإن تلف بعده غرم الملتقط المثل إن كانت مثلية أو القيمة إن كانت متقومة يوم التملك، وهذا كله في غير الحرم أما هي فلا يجوز لقطها إلا لحفظ ويجب تعريفها أبدا، لخبر إن هذا البلد حرمه الله لا يلتقط لقطته إلا من عرفها وفي رواية البخاري: لا تحل لقطته إلا لمنشد معرف. والمعنى على الدوام وإلا فسائر البلاد كذلك، فلا تظهر فائدة للتخصيص. قال ع ش: فإن أيس من معرفة مالكه فينبغي أن يكون مالا ضائعا أمره لبيت المال، وثانيها ما لا يبقى على الدوام ولا يقبل التجفيف بالعلاج كالرطب الذي لا يتتمر والعنب الذي لا يتزبب وحكمه أنه يتخير بين تملكه في الحال أو أكله أو شربه وغرم بدله من مثل أو قيمة وبيعه بثمن مثله وحفظ ذلك الثمن ويعرفه ليتملك الثمن المذكور. وثالثها ما يبقى بالعلاج كالرطب الذي يتتمر والعنب الذي يتزبب. وحكمه أنه يتخير بين بيعه بثمن مثله وحفظ ذلك الثمن، كما مر، وبين تجفيفه وحفظه لمالكه. ورابعها ما يحتاح إلى نفقة كالحيوان. وحكمه أنه إن كان لا يمتنع من صغار السباع فهو مخير فيه بين تملكه ثم أكله في الحال وغرم قيمته إن وجده في المفازة. وإن وجده في العمران امتنعت هذه الخصلة لسهولة البيع فيه دون المفازة، وبين تركه بلا أكل بل يمسكه عنده فيتطوع في الإنفاق عليه، فإن لم يتطوع فلينفق بإذن الحاكم إن وجده وإلا أشهد، وبين بيعه بثمن مثله وحفظ ذلك الثمن ويعرفه ثم يتملك الثمن المذكور. وإن كان يمتنع من صغار السباع، فإن وجده في الصحراء الآمنة امتنع أخذه للتملك وجاز أخذه للحفظ، وإن وجده في صحراء غير آمنة بأن كان الزمن زمن نهب جاز أخذه للتملك وللحفظ أيضا، وإن وجده في الحضر تخير بين إمساكه والإنفاق عليه وبيعه وحفظ ثمنه وامتنع أكله كما تقدم (قوله: بعمارة) متعلق بالتقط، والباء بمعنى من: أي التقطة من عمارة: أي مكان عامر، قال شيخ الإسلام في شرح التحرير: والمراد بالعمارة الشارع والمسجد ونحوهما لأنها مع الموات محل اللقطة. اه. وكتب ش ق ما نصه: قوله ونحوهما، أي كالمدارس والربط، فإن وجد في ملك شخص فله

_ (1) سورة البقرة، الاية: 60

ظهر مالكه، وإلا تملكه بلفظ تملكت، وإن شاء باعه وحفظ ثمنه. أو ما يخشى فساده - كهريسة وبقل وفاكهة ورطب لا يتتمر - فيتخير ملتقطة بين أكله متملكا له ويغرم قيمته، وبين بيعه، ويعرفه بعد بيعه - ليتملك ثمنه بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن لم يدعه فلذي اليد قبله، وهكذا حتى ينتهي للمحيي، فإن لم يدعه فلقطة، كما تقدم عن م ر وظاهره أنه يكون لقطة بمجرد عدم دعواه. وقال سم: لا بد من نفيه ذلك عن نفسه. (وقوله: لأنها أي المذكورات مع الموات) أي الأرض التي لا مالك لها من العمارة، وحينئذ فالمراد بها ما عدا المفازة وملك الغير. اه. (قوله: أو مفازة) هي الأرض المخوفة، وتسميتها بذلك من تسمية الشئ بضده تفاؤلا بالفوز: أي النجاة (قوله: عرفه سنة) أي إذ لم يكن حقيرا، كما يدل عليه قوله بعد ويعرف حقير الخ. والحكمة في اعتبار السنة أن القوافل لا تتأخر عنها غالبا، ولأنه لو لم يعرف سنة لضاعت الأموال على أربابها، ولو جعل التعريف أبدا لامتنع الناس من التقاطها، فكان في اعتبار السنة نظر للفريقين معا. قال الخطيب: وقد يتصور التعريف سنتين، وذلك إذا قصد الحفظ فعرفها سنة ثم قصد التملك، فإنه لا بد من تعريفه سنة من حينئذ. اه. ويجب عليه قبل التعريف أن يعرف وعاءها من جلد أو خرقة، ووكاءها، أي الخيط الذي تربط به، وجنسها من ذهب أو فضة، وعددها أو وزنها، وأن يحفظها حتما في حرز مثلها (قوله: في الأسواق) متعلق بقوله عرفه ومثلها القهاوي ونحوها من كل ما يجتمع فيه الناس (قوله: وأبواب المساجد) أي وفي أبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعة. وعلم من قوله في أبواب المساجد أنه لا يعرف في المساجد، فيحرم إن شوش، وإلا كره. وبهذا يجمع بين قول من قال بأنه يكره التعريف فيها، وقول من قال بأنه يحرم التعريف فيها إلا المسجد الحرام لأنه مجمع الناس فيعرف فيه. ويعرف أيضا في الموضع الذي وجدها فيه لأن طلب الشئ فيه أكثر إلا أن يكون مفازة ونحوها من الأماكن الخالية فلا يعرف فيها، إذ لا فائدة في التعريف فيها، فإن مرت به قافلة تبعها وعرف فيها إن أراد ذلك، فإن لم يرد ذلك ففي بلد يقصدها ولو بلدته التي سافر منها، فلا يكلف العدول عنها إلى أقرب البلاد إلى ذلك المكان، خلافا لبعضهم (قوله: فإن ظهر مالكه) أي أعطاه إياه، فجواب الشرط محذوف (قوله: وإلا تملكه) أي وإن لم يظهر مالكه تملكه: أي إن شاء بدليل ما بعد، لكن بشرط الضمان (قوله: بلفظ تملكت) أي أنه لا بد في التملك من لفظ يدل على التملك إما صريح: كتملكت، أو كناية مع النية: كأخذته، أي لأنه تملك بيدل فافتقر إلى ذلك كالشراء. قال في المغني: وهذا فيما يملك، وأما غيره، كالكلب والخمر، فلا بد فيه من اختيار نقل الاختصاص الذي كان لغيره لنفسه كما قاله ابن الرفعة. اه. (قوله: وإن شاء باعه وحفظ ثمنه) مثله في شرح التحرير. والذي صرح به سم والخطيب على أبي شجاع أنه لا يباع في هذه الحالة، بل هو مخير بين تملكه وبين حفظه على الدوام، وصرح به الباجوري أيضا. وعبارة الخطيب مع الأصل. واللقطة على أربعة أضرب: أحدها ما يبقى على الدوام كالذهب والفضة فهذا، أي ما ذكرناه في الفصل قبله من التخيير بين تملكها وبين إدامه حفظها إذا عرفها ولم يجد مالكها، هو حكمه، أي هذا الضرب. اه. (قوله: أو ما يخشى فساده) ما نكرة موصوفة معطوفة على شيئا، أي أو التقط شيئا يخشى فساده: أي بالتأخير (قوله: كهريسة الخ) عدد المثل إشارة إلى أنه لا فرق بين المتقوم كالهريسة، والمثلي كالرطب. وقوله لا يتتمر: الجملة صفة لرطب وخرج به ما إذا كان يتتمر فإنه يتخير فيه بين بيعه وحفظ ثمنه، أو تتميره وحفظه، كما مر (قوله: فيتخير الخ) التخيير ليس بحسب التشهي، بل بحسب المصلحة لأنه يجب عليه الأحظ للمالك. وعبارة م ر: ويتعين فعل الأحظ منهما والأقرب أن لا يستقل بفعل الأحظ في ظنه، بل يراجع الحاكم ويمتنع إمساكه لتعذره. اه. باختصار. اه. ش ق. وقوله بين أكله، حالا، ولا فرق فيه بين الصحراء والعمران لسرعة فساده (قوله: متملكا له) حال من فاعل المصدر المقدر أي أكل الملتقط إياه حال كونه متملكا له، وهي تفيد أن التملك واقع حال الأكل، وهو لا يصح، لأن شرطه أن يكون قبله، وإلا كان غاصبا يلزمه أقصى القيم. ويمكن أن يقال إن الحال هنا ماضية، وهي قد أثبتها ابن هشام في مغنيه ومثل لها بقوله جاء زيد أمس راكبا وسماها محكية، لكن نظر فيها الأشموني. فانظره. ولو قال بعد تملكه لكان أولى (قوله: وبين بيعه) أي ويتخير بين بيعه، لكن بإذن الحاكم إن وجده ولم يخف منه، وإلا استقل به (قوله: ويعرفه) أي المبيع الملتقط (قوله: ليتملك ثمنه بعد

التعريف - فإن ظهر مالكه أعطاه قيمته إن أكله، أو ثمنه إن باعه. وفي التعريف بعد الاكل وجهان: أصحهما في العمارة وجوبه، وفي المفازة قال الامام: والظاهر أنه لا يجب، لانه لا فائدة فيه. ولو وجد ببيته درهما مثلا وجوز أنه لمن يدخلونه عرفه لهم - كاللقطة - قاله القفال. ويعرف حقير لا يعرض عنه غالبا، وقيل هو درهم زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه بعده غالبا ويختلف ذلك باختلاف المال: فدانق الفضة حالا، والذهب نحو ثلاثة أيام. أما ما يعرض عنه غالبا - كحبة زبيب - استبد به واجده بلا تعريف. ومن رأي لقطة فرفعها برجله ليعرفها وتركها لم يضمنها. ويجوز أخذ نحو سنابل الحصادين التي اعتيد الاعراض عنها، ولو مما فيه زكاة - خلافا للزركشي - ـــــــــــــــــــــــــــــ التعريف) أي ولا يعرف الثمن (قوله: فإن ظهر مالكه) أي بعد أكله في الصورة الأولى، أو بعد تعريفه الكائن بعد بيعه في الثانية. وقوله أعطاه قيمته، والمراد بها مطلق البدل وهو المثل في المثلى والقيمة في المتقوم (قوله: أو ثمنه) أي أو أعطاه ثمنه (قوله: وفي التعريف) أي تعريف الذي يخشى فساده بعد أكله (قوله: أصحهما) أي الوجهين (قوله: في العمارة) متعلق بما بعده وهو وجوبه، أي وجوب التعريف في العمارة (قوله: وفي المفازة) الذي يظهر أنه متعلق بمبتدأ محذوف خبره الجملة بعده: أي وتعريفه في المفازة. قال الإمام الخ. وقوله الظاهر أنه لا يجب قال شيخ الإسلام في شرح التحرير وفيه نظر. اه. وكتب ش ق قوله وفيه نظر، أي بناء على أن معنى كلام الإمام عدم وجوب التعريف بعد الأكل مطلقا، أما لو حمل على ما مر، من أنه لا يجب ما دام في المفازة فإذا وصل إلى العمران وجب، فلا نظر في كلامه. اه. (قوله: لأنه لا فائدة فيه) أي في التعريف في المفازة لعدم من يسمعه، وهذا تعليل لعدم وجوب التعريف فيها. ومفهومه أنه لو كان فيه فائدة بأن كان فيها أحد يسمع التعريف وجب. لكن عبارة التحفة صريحة في أنه لا يجب التعريف في المفازة مطلقا عند الإمام وعبارتها: ولا يجب تعريفه في هذه الخصلة على الظاهر عند الإمام، وعلل ذلك بأن التعريف إنما يراد للتملك وهو قد وقع قبل الأكل واستقر به بدله في الذمة. اه. (قوله: ولو وجد ببيته الخ) الأنسب تقديم هذه المسألة وما بعدها إلى قوله ومن رأى لقطة الخ على قوله أو ما يخشى فساده لأنه من فروع ما لا يخشى فساده (قوله: وجوز) أي ظن. وقوله أنه أي الدرهم. وقوله لمن يدخلونه، أي البيت. وقوله عرفه لهم: أي لمن يدخلونه. والظاهر أن التعريف خاص بهم. وقوله كاللقطة يفيد التشبيه أنه ليس بلقطه حقيقة، بل في حكمها، وليس كذلك، بل هو لقطة حقيقة، كما يؤخذ مما نقلته عن ش ق عند قوله بعمارة، فتنبه (قوله: ويعرف حقير الخ) أي في الأصح، وقيل إنه كغير الحقير في جميع ما تقدم. وقوله لا يعرض عنه، قيد، وسيذكر محترزه (قوله: وقيل هو) أي الحقير، ولعل في العبارة سقطا من النساخ يعلم من عبارة التحفة ونصها: قيل هو، أي الحقير، دينار، وقيل هو درهم، وقيل وزنه، وقيل دون نصاب السرقة، والأصح عندهما، أي الشيخين، أنه لا يتقدر، بل ما يظن أن صاحبه لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له غالبا. اه. (قوله: زمنا) ظرف متعلق بيعرف. وقوله يظن أن فاقده، أي ذلك الحقير (قوله: يعرض عنه بعده) أي بعد ذلك الزمن الذي حصل التعريف فيه (قوله: ويختلف ذلك) أي الزمن الذي يعرف فيه الحقير، والمراد قدره. وقوله باختلاف المال: أي قلته وكثرته (قوله: فدانق الفضة حالا) أي يعرف حالا، أي مدة يسيرة من لقطه. وقوله والذهب الخ: أي ودانق الذهب يعرف ثلاثة أيام (قوله: أما ما يعرض عنه) أي أما الحقير الذي يعرض عنه في الغالب، وهو محترز قوله لا يعرض عنه. وقوله كحبة زبيب: تمثيل لما يعرض عنه غالبا (قوله: استبد به واجده) أي استقل به. ولو في حرم مكة ولا يعرفه رأسا. وروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلا يعرف زبيبة فضربه بالدرة، وكانت من نعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: إن من الورع ما يمقت الله عليه (قوله: ومن رأى لقطة فرفعها برجله ليعرفها وتركها لم يضمنها) فيه أنه تقدم للشارح في باب الوقف ما يقتضي أنه لو رفع السجادة من الصف برجله ضمن، ونص عبارته هناك: فلو كان له سجادة فيه فينحيها برجله من غير أن يرفعها بها عن الأرض لئلا تدخل في ضمانه. اه. ثم رأيت في الروض وشرحه ما نصه: وإن رآها مطروحة فدفعها برجله مثلا ليعرفها جنسا أو قدرا وتركها حتى ضاعت لم يضمنها لأنها لم تحصل في يده. وقضيته عدم ضمانها وإن تحولت من مكانها بالدفع. وهو ظاهر. اه. فلعل في عبارة المؤلف تحريف دفعها، بالدال، برفعها بالراء من النساخ (قوله: ويجوز أخذ

وكذا برادة الحدادين وكسرة الخبز من رشيد ونحو ذلك مما يعرض عنه عادة، فيملكه آخذه، وينفذ تصرفه فيه أخذا بظاهر أحوال السلف. ويحرم أخذ ثمر تساقط إن حوط عليه وسقط داخل الجدار. قال في المجموع: ما سقط خارج الجدار إن لم يعتد إباحته حرم، وإن اعتيدت حل، عملا بالعادة المستمرة المغلبة على الظن إباحتهم له. ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو سنابل الخ) عبارة التحفة، ويجوز أخذ نحو سنابل الحصادين التي اعتيد الإعراض عنها. وقول الزركشي ينبغي تخصيصه بما لا زكاة فيه أو بمن تحل له كالفقير، معترض بأن الظاهر اغتفار ذلك، كما جرى عليه السلف والخلف، وبحث غيره تقييده بما ليس فيه حق بمن لا يعبر عن نفسه اعترضه البلقيني بأن ذلك إنما يظهر في نحو الكسرة مما قد يقصد وسبقت اليد عليه، بخلاف السنابل. اه. (قوله: وكذا برادة) أي وكذا يجوز أخذ برادة الحدادين، أي القطع الصغار التي تسقط عند برد الحديد (قوله: وكسرة خبز) أي يجوز أخذ كسرة خبز. وقوله من رشيد: راجع للأخير بدليل عبارة التحفة المارة آنفا. وخرج به غير الرشيد فلا يجوز أخذها منه (قوله: ونحو ذلك) أي المذكور من السنابل والبرادة وكسرة الخبز (قوله: فيملكه آخذه) أي ما ذكر مما مر (قوله: وينفذ تصرفه) أي الآخذ ببيع وهبة ونحوهما (قوله: ويحرم أخذ ثمر تساقط) أي من أشجاره كرطب وعنب وخوخ ومشمش وغيرها من بقية الأثمار (قوله: إن حوط عليه) أي على ذلك الثمر، والمراد على أشجاره (قوله: وسقط داخل الجدار) في التحفة في كتاب الصيد ما نصه: وكذا إن لم يحوط عليه أو سقط خارجه لكن لم تعتد المسامحة بأخذه. وقوله قال في المجموع إلخ: ساقه في التحفة تأييدا لكلامه المار، وهو أنسب من صنيع المؤلف. فتنبه (قوله: ما سقط خارج الجدار) أي المحوط على الأشجار (قوله: إن لم يعتد إباحته) أي إباحة المالك له. وقوله حرم: أي أخذه (قوله: وإن اعتيدت) أي الإباحة. وقوله حل: أي أخذه. قال في التحفة كما تحل هدية أوصلها مميز. اه. (قوله: عملا الخ) علة للحل. وقوله بالعادة المستمرة: أي المطردة. وقوله المغلبة: أي تلك العادة المطردة. وقوله على الظن: أي ظن الناس. وقوله إباحتهم: أي الملاك. وقوله له: أي لآخذه. (لطيفة) كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له أبو دجانة، فكان إذا صلى الفجر خرج مستعجلا ولا يصبر حتى يسمع دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له يوما: أليس لك إلى الله حاجة؟ فقال: بلى فقال فلم لا تقف حتى تسمع الدعاء؟ فقال: لي عذر يا رسول الله. قال وما عذرك؟ فقال إن داري ملاصقة لدار رجل، وفي داره نخلة، وهي مشرفة على داري، فإذا هب الهواء ليلا يقع من رطبها في داري، فإذا انتبه أولادي، وقد مسهم الضر من الجوع فما وجدوه أكلوه، فأعجل قبل انتباههم، وأجمع ما وقع وأحمله إلى دار صاحب النخلة، ولقد رأيت ولدي يوما قد وضع رطبة في فمه فأخرجتها بأصبعي من فيه وقلت له يا بني لا تفضح أباك في الآخرة، فبكى لفرط جوعه. فقلت له: لو خرجت نفسك لم أدع الحرام يدخل إلى جوفك، وحملتها مع غيرها إلى صاحبها. فدمعت عينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وسأل عن صاحب النخلة، فقيل له فلان المنافق، فاستدعاه وقال له: بعني تلك النخلة التي في دارك بعشرة من النخل: عروقها من الزبرجد الأخضر، وساقها من الذهب الأحمر، وقضبانها من اللؤلؤ الأبيض، ومعها من الحور العين بعدد ما عليها من الرطب. فقال له المنافق: ما أنا تاجر أبيع بنسيئة، لا أبيع إلا نقدا لا وعدا، فوثب أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقال: هي بعشرة من النخيل في الموضع الفلاني، وليس في المدينة مثل تلك النخيل، ففرح المنافق وقال بعتك. قال قد اشتريت، ثم وهبها لأبي دجانة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ضمنت لك يا أبا بكر عوضها، ففرح الصديق، وفرح أبو دجانة رضي الله عنهما، ومضى المنافق إلى زوجته يقول قد ربحت اليوم ربحا عظيما، وأخبرها بالقصة وقال قد أخذت عشرة من النخيل، والنخلة التي بعتها مقيمة عندي في داري أبدا نأكل منها ولا نوصل منها شيئا إلى صاحبها، فلما نام تلك الليلة وأصبح الصباح وإذا بالنخلة قد تحولت بالقدرة إلى دار أبي دجانة كأنها لم تكن في دار المنافق، فتعجب غاية العجب. وهذه معجزة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي قدرة الله تعالى ما هو أعظم من ذلك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (تتمة) تعرض المصنف للقطة ولم يتعرض للقيط، وحاصل الكلام عليه أنه إذا وجد لقيط، أي صغير، ضائع لا يعلم له كافل من أب أو جد أو من يقوم مقامهما أو مجنون بالغ بقارعة الطريق فأخذه وكفالته وتربيته واجبة على الكفاية لقوله تعالى: * (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) * (1) ولأنه آدمي محترم فوجب حفظه كالمضطر إلى طعام غيره، فإذا التقطه بعض من هو أهل لحضانة اللقيط الإثم عن الباقي، فإن لم يلتقطه أحد أثم الجميع، ولو علم به واحد فقط تعين عليه، ويحب الإشهاد على التقاطه خوفا من أن يسترقه اللاقط، ولو كان ظاهر العدالة، وفارق الإشهاد على التقاط اللقطة حيث لم يجب بأن الغرض منها المال غالبا والإشهاد في التصرف المالي مستحب ولأن الغرض منه حفظ حريته ونسبه فوجب الإشهاد عليه، كافي النكاح، فإنه يجب الإشهاد عليه لحفظ نسب الولد لأبيه وحريته، وبأن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ولا تعريف في اللقيط. ويجب الإشهاد على ما معه من المال تبعا له، وإن كان لا يجب الإشهاد على المال وحده، فلو ترك الإشهاد لم تثبت له ولاية الحفظ، بل ينزعه منه، وجوبا، الحاكم دون الآحاد، ثم إن لم يوجد له مال فنفقته في بيت المال من سهم المصالح، فإم لم يكن في بيت المال مال أو كان ثم ما هو أهم منه اقترض عليه الحاكم، فإن عسر الاقتراض وجب على موسرينا قرضا عليه إن كان حرا، وإلا فعلى سيده. وقد نظم ابن رسلان مبحث اللقيط في زبده فقال: للعدل أن يأخذ طفلا نبذافرض كفاية وحضنه كذا وقوته من ماله بمن قضى لفقده أشهد ثم اقترضا وعليه إذ يفقد بيت المال والقرض خذ منه لذي الكمال (واعلم) أن اللقيط في دار الإسلام، أو ما ألحق بها، مسلم تبعا للدار إلا إن أقام كافر بينة بنسبه فيتبعه في النسب والدين فيكون كافرا تبعا له، بخلاف ما إذا استلحقه بلا بينة لأنه قد حكم بإسلامه تبعا لدار الإسلام أو ما ألحق بها وهي دار الكفر التي بها مسلم يمكن كونه منه ولو أسيرا منتشرا أو تاجرا، ولا يكفي اجتيازه بدار الكفر، بخلافه بدار الإسلام فإنه يكفي اجتيازه بها لحرمتها. ولو وجد اللقيط بدار الكفر التي لا مسلم بها فهو كافر وهو حر وإن ادعى رقه لاقط أو غيره لأن غالب الناس أحرار إلا أن تقام برقه بينة متعرضة لسبب الملك كإرث أو شراء: كأن تشهد أنه رقيق لفلان ورثه من أبيه أو اشتراه، وإلا إن أقر بالرق بعد كماله لشخص ولم يكذبه المقر له، بأن صدقه أو سكت ولم يسبق منه قبل إقراره بالرق بعد كماله إقرار بحرية، أما إذا كذبه المقر له فلا يقبل إقراره بالرق له، وإن عاد المكذب وصدقه لأنه لما كذبه حكم بحريته بالأصل فلا يعود رقيقا، وكذا لو سبق منه قبل إقراره بالرق بعد كماله إقرار بحرية لأنه لما حكم بحريته بإقراره السابق لم يقبل إقراره بالرق بعد ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ (1) سورة المائدة، الاية: 32

باب النكاح

باب النكاح ـــــــــــــــــــــــــــــ باب النكاح هذا هو الربع الثالث من الفقه. وإنما قدموا العبادات لأنها أهم، ثم المعاملات لأن الاحتياج إليها أهم، ثم ذكروا الفرائض في أول النصف الثاني للإشارة إلى أنها نصف العلم، ثم النكاح لأنه إذا تمت شهوة البطن يحتاج لشهوة الفرج، ثم الجنايات لأن الغالب أن الجناية تحصل بعد استيفاء شهوتي البطن والفرج، ثم الأقضية والشهادات لأن الإنسان إذا وقعت منه الجنايات رفعوه للقاضي واحتاجوا للشهادة عليه، ثم ختموا بالعتق رجاء أن يختم الله لهم بالعتق من النار. والنكاح من الشرائع القديمة، فإنه شرع من لدن آدم عليه السلام واستمر حتى في الجنة، فإنه يجوز للإنسان النكاح في الجنة، ولو لمحارمه، ما عدا الأصول والفروع، فلا ينكح أمه ولا بنته فيها. قال الأطباء: ومقاصد النكاح ثلاثة: حفظ النسل، وإخراج الماء الذي يضر احتباسه بالبدن، ونيل اللذة. وهذه الثالثة هي التي تبقى في الجنة، إذ لا تناسل هناك ولا احتباس، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، فمن الأول قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) * (1) وقوله تعالى: * (وأنكحوا الأيامى منكم) *. (2) ومن الثاني قوله - صلى الله عليه وسلم -: من أحب فطرتي فليستسن بسنتي، ومن سنتي النكاح وفي رواية: فمن رغب عن سنتي فمات قبل أن يتزوج صرفت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة وقال - صلى الله عليه وسلم -: من ترك التزويج مخافة العالة (3) فليس مني وأخرج الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر: الدنيا كلها متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة وابن ماجة عن أبي أمامة: ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله والطبراني عن ابن مسعود تزوجوا الأبكار، فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاما، وأرضى باليسر والبيهقي عن أبي سعيد وابن عباس رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه، وإذا بلغ فليزوجه، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما فإنما إثمه على أبيه وروي أنه: دخل رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له عكاف، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - يا عكاف ألك زوجة؟ قال: لا، قال ولا جارية؟ قال ولا جارية. قال وأنت بخير موسر؟ قال وأنا بخير موسر. قال أنت من إخوان الشياطين. لو كنت من النصارى كنت من رهبانهم. إن من سنتي النكاح: شراركم عزابكم، أراذل أمواتكم عزابكم رواه الإمام أحمد في مسنده. وقد نظم ابن العماد هذا المعنى في قوله: شراركم عزابكم جاء الخبرأراذل الأموات عزاب البشر وفي المجالس السنية للفشني ما نصه: قال بعض الشراح إنما كان من لا يتزوج أو يتسرى مع القدرة عليه من شرار الأمة في الأحياء وأراذلها في الأموات لمخالفته ما أمر الله به ورسوله وحث عليه، وسمي من شرار الخلق لعدم غض بصره وتحصين فرجه، ولعدم ستر شطر دينه، للأخبار الواردة في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: من تزوج فقد ستر شطر دينه، فليتق الله في الشطر الآخر وأيضا فإن مثل هذا لا يؤمن غالبا على النساء ولا على المجاورة في السكنى وغيرها. فربما تسلط الشيطان فيقع الفساد. اه.

_ (1) سورة النساء، الاية: 3. (2) سورة النور، الاية: 32. (3) لعلها العلية

وهو لغة الضم والاجتماع. ومنه قولهم تناكحت الاشجار: إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض. وشرعا عقد يتضمن إباحة وطئ بلفظ إنكاح أو تزويج، وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطئ على الصحيح (سن) أي ـــــــــــــــــــــــــــــ (وحكي) أبو العباس أحمد بن يعقوب أنه رؤي معروف الكرخي في النوم، فقيل له ما صنع الله بك؟ قال أباحني الجنة، غير أن في نفسي حسرة: إني خرجت من الدنيا ولم أتزوج (وحكي) أن بعض الصالحين كان يعرض عليه التزوج فيأبى برهة من دهره، فانتبه من نومه ذات يوم وقال زوجوني، فزوجوه، فسئل عن ذلك: فقال لعل الله يرزقني ولدا ويقبضه فيكون لي مقدمة في الآخرة. ثم قال رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت وكنت من جملة الخلائق في الموقف وبي من العطش والكرب ما كاد أن يقطع عنقي، وكذا الخلائق في شدة العطش والكرب، فنحن كذلك إذ ولدان قد ظهروا وبأيديهم أباريق من فضة مغطاة بمناديل من نور وهم يتخللون الجموع ويتجاوزون أكثر الناس ويسقون واحدا بعد واحد، فمددت يدي إليهم وقلت لبعضهم اسقني فقد أجهدني العطش، فنظر إلي وقال ليس لك ولد فينا، إنما نسقي آباءنا وأمهاتنا. فقلت من أنتم؟ فقالوا: نحن أطفال المسلمين وأركان النكاح خمسة: زوج، وزوجة، وولي، وشاهدان، وصيغة (قوله: وهو لغة الضم والاجتماع) عطف الاجتماع على الضم من عطف العام على الخاص. وعبارة شيخ الإسلام والتحفة والنهاية، هو لغة الضم والوطئ. اه. فأفادت أنه يطلق لغة على الوطئ كما يطلق على الضم والاجتماع. وعبارة الخطيب: والعرب تستعمله بمعنى العقد والوطئ جميعا. اه. وكتب البجيرمي: عليها، أي يطلق على كل منهما، فهو من قبيل المشترك، فيكون حقيقة فيهما. اه. ونقل الباجوري عن النووي في شرح مسلم مثله فقال: قال النووي في شرح مسلم: هو لغة الضم والوطئ. ثم قال: قال الواحدي: قال أبو القاسم الزجاجي النكاح في كلام العرب بمعنى العقد والوطئ، ثم قال وقال أبو علي الفارسي فرقت العرب بينهما فرقا لطيفا: فإذا قالوا نكح فلانة أو بنت فلانة أرادوا عقد عليها، وإذا قالوا نكح امرأته أو زوجته أرادوا وطئها. اه. بتصرف. وأورد البرماوي على هذا بأن فيه تساهلا لأن الوطئ والعقد من معناه الشرعي، وهو كما قال، وإن رده الباجوري. فتنبه (قوله: ومنه) أي من النكاح بمعناه اللغوي الذي هو الضم والاجتماع، وقوله قولهم: أي العرب. وقوله إذا تمايلت الخ: أي تقول ذلك إذا تمايلت الأشجار وانضم بعضها إلى بعض، وهذا هو محل الاستدلال. وسمي المعنى الشرعي بذلك لما فيه من ضم أحد الوجهين إلى الآخر (قوله: وشرعا عقد الخ) اعلم أنه اختلف في كون عقد النكاح عقد إباحة أو تمليك على وجهين: أوجههما أنه عقد إباحة، وعليه التعريف المذكور. ويظهر أثر الخلاف فيما لو حلف لا يملك شيئا وله زوجة، فعلى الأول لا يحنث، وعلى الثاني يحنث. قال في المغني: واختار المصنف عدم الحنث إذا لم يكن له فيه، إذ لا يفهم منه الزوجية. اه. وقوله واختار عدم الحنث: أي حتى على أنه تمليك بدليل التعليل، وقال فيه أيضا: ويظهر أثر الخلاف فيما لو طئت بشبهة إن قلنا إنه ملك فالمهر له، وإلا فلها. اه. وهذا مبني على أن المراد بالملك ملك المنفعة، والمعتمد أن المراد به ملك الانتفاع فعليه المهر لها مطلقا. وفي حاشية الجمل منا نصه. (فرع) المعقود عليه في النكاح: حل الاستمتاع اللازم المؤقت بموت أحد الزوجين. ويجوز رفعه بالطلاق وغيره، وقيل المعقود عليه عين المرأة، وقيل منافع البضع. اه. وقوله يتضمن إباحة وطئ: أي يستلزمها، وقوله بلفظ إنكاح: متعلق بمحذوف، أي عقد يحصل بلفظ إنكاح الخ: أي بلفظ مشتق إنكاح أو مشتق تزويج. وخرج به بيع الأمة فإنه عقد يتضمن إباحة وطئ، لكن لا بلفظ إنكاح أو تزويج، وإنما قلنا أي بلفظ مشتق الخ لأنهما مصدران، والمصدر كناية لا ينعقد به النكاح. اه. بجيرمي (قوله: وهو) أي لفظ النكاح. وقوله حقيقة في العقد مجاز في الوطئ: لا يرد عليه قوله تعالى: * (حتى تنكح زوجا غيره) * لأن المراد به فيه العقد. وأما الوطئ فهو مستفاد من خبر حتى تذوقي عسيلته ويذوق

_ (1) سورة البقرة، الاية: 230

النكاح (لتائق) أي محتاج للوطئ - وإن اشتغل بالعبادة - (قادر) على مؤنة - من مهر، وكسوة فصل تمكين، ونفقة يومه - للاخبار الثابتة في السنن - وقد أوردت جملة منها في كتابي (إحكام أحكام النكاح) - ولما فيه من حفظ الدين وبقاء النسل. وأما التائق العاجز عن المؤن فالاولى له تركه وكسر حاجته بالصوم - لا بالدواء - وكره ـــــــــــــــــــــــــــــ عسيلتك فالعقد مستفاد من الكتاب، والوطئ مستفاد من السنة. والمراد به في ذلك الوطئ مجازا مرسلا: من إطلاق اسم السبب على المسبب بقرينة الخبر المذكور. وقوله على الصحيح: مقابله قولان أحدهما أنه حقيقة في الوطئ مجاز في العقد، وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه، وثانيهما أنه حقيقة فيهما بالاشتراك كعين، وعليه حمل النهي في قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (1) فإن المراد النهي عن العقد وعن الوطئ بملك اليمين معا على استعمال المشترك في معنييه. قال في المغني: وتظهر فائدة الخلاف فيمن زنى بامرأة فإنها تحرم على والده وولده عندهم لا عندنا. قاله الماوردي والروياني. وفيما لو علق الطلاق على النكاح فإنه يحمل على العقد عندنا، لا بالوطئ، إلا إن نوى. اه. وقوله عندنا: أي وأما عندهم فيحمل على الوطئ، ويفرق بينهما بالقرائن (قوله: سن الخ) ذكر له أربعة أحكام: السنية لتائق قادر على المؤن وخلاف الأولى لتائق غير قادر عليها، والكراهة لغير قادر وغير تائق، والوجوب لناذر له حيث ندب في حقه. وبقي الحرمة، وهي في حق من لم يقم بحقوق الزوجية (قوله: أي النكاح) تفسير للضمير المستتر، ويتعين أن يراد به التزوج، وهو القبول، إذ هو الذي من طرف الزوج. ففي كلام المصنف شبه استخدام حيث ذكر النكاح أولا في الترجمة بمعنى العقد المركب من الإيجاب والقبول، وذكره ثانيا بمعنى آخر وهو القبول الذي هو أحد طرفيه. وأما الإيجاب الذي هو الطرف الآخر فمتعلق بالولي فلا قدرة للزوج عليه، وهو أيضا مستحق إن كانت المرأة تائقة، فيستحب لها النكاح بمعنى التزوج الذي هو الإيجاب لكن بواسطة الولي. وفي معنى التائقة المحتاجة للنفقة والخائفة من اقتحام الفجرة، بل إن لم تندفع الفجرة عنها إلا بالنكاح وجب، فإن لم تكن تائقة ولا محتاجة ولا خائفة كره لها لأنها يخشى منها أن لا تقوم بحقوق الزوجية مع عدم السبب المقتضي للنكاح. وقوله لتائق: متعلق بسن، وقوله أي محتاج للوطئ: تفسير مراد له (قوله: وإن اشتغل بالعبادة) غاية في سنيته لمن ذكر. والمناسب تأخيرها عن القيد الثاني. أعني قوله قادر الخ، أي سن له ذلك مطلقا سواء كان مشتغلا بالعبادة أم لا. وذلك لوجود التوقان مع القدرة، بخلاف غير التائق القادر على المؤنة. فإن كان يتخلى للعبادة فهي أفضل، وإلا فهو أفضل لئلا تفضي به البطالة إلى الفواحش، كما قال بعضهم: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة (قوله: قادر على مؤنة) أي متعلقة بالنكاح زائدة عن مسكنه وخادمه ومركوبه وملبوسه (قوله: من مهر الخ) بيان للمؤنة، والمراد به الحال. وقوله وكسوة فصل تمكين: أي الفصل الذي حصل التمكين فيه. وقوله ونفقة يومه: أي يوم التمكين، أي وليلته، وعبر في جانب الكسوة بالفصل وفي جانب النفقة باليوم: لأن العبرة في الكسوة بفصل التمكين، كفصل الشتاء أو الصيف، وفي النفقة بيوم التمكين، أي وليلته (قوله: للأخبار الثابتة في السنن) هو تعليل لسنيته لمن ذكر (قوله: وقد أوردت حملة منها) أي من الأخبار، وقد علمت في أول الباب معظم ذلك، ومنها غير ما تقدم قوله - صلى الله عليه وسلم -: يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع لتوقانه والباءة، بالمد، لغة الجماع، والمراد بها هو مع المؤنة لرواية من كان منكم ذا طول فليتزوج (قوله: إحكام أحكام النكاح) الأولى بكسر الهمزة: مصدر بمعنى إتقان، والثانية بالفتح جمع حكم. وفي بعض نسخ الخط إسقاط الأولى (قوله: ولما فيه) أي النكاح، وهو معطوف على للأخبار (قوله: وأما التائق العاجز عن المؤن) هذا مفهوم قوله قادر على مؤنة، والأنسب أن يقول وخرج بقولي قادر العاجز (قوله: فالأولى له تركه) أي لقوله تعالى: * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) * ولمفهوم حديث من استطاع الخ (قوله: وكسر

_ (1) سورة البقرة، الاية: 221. (2) سورة النور، الاية: 33

لعاجز عن المؤن غير تائق. ويجب بالنذر، حيث ندب. (و) سن (نظر كل) من الزوجين بعد العزم على النكاح وقبل الخطبة (الآخر غير عورة) مقررة في شروط الصلاة. فينظر من الحرة وجهها ليعرف جمالها، وكفيها ظهرا ـــــــــــــــــــــــــــــ حاجته الخ) معطوف على تركه: أي والأولى له كسر حاجته: أي شهوته بالصوم لحديث من استطاع المار والمراد الصوم الدائم لأنه يثير الحرارة والشهوة في ابتدائه، ولا تنكسر إلا بدوامه. وفي البجيرمي: قال العلماء الصوم يثير الحركة والشهوة أولا، فإذا داوم سكنت. قال ابن حجر: ولا دخل للصوم في المرأة، لأنه لا يكسر شهوتها. قال سم: في إطلاقه نظر: ما المانع أنها كالرجل إذا كانت حاجتها الشهوة فتكسرها بالصوم؟ فليراجع. وفيه أن هذا أمر طبي لا دخل للفقهاء فيه. فكيف يقول ما المانع؟ اه. (قوله: لا بالدواء) معطوف على بالصوم: أي لا كسر حاجته بالدواء ككافور، بل يتزوج ويتوكل على الله، فإن الله تكفل بالرزق للمتزوج بقصد العفاف، فإن كسرها به، فإن قطع الشهوة بالكلية حرم، وإن لم يقطعها بالكلية بل يفترها كره. ومثل هذا التفصيل يجري في استعمال المرأة شيئا يمنع الحبل، فإن كان يقطع من أصله حرم، وإلا بأن كان يبطئه كره. وفي البجيرمي ما نصه: واختلفوا في جواز التسبب في إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم فقال أبو إسحاق المروزي يجوز إلقاء النطفة والعلقة، ونقل ذلك عن أبي حنيفة رضي الله عنه. وفي الإحياء، في مبحث العزل، ما يدل على تحريمه، وهو الأوجه، لأنها بعد الاستقرار آيلة إلى التخلق المهيأ لنفخ الروح، ولا كذلك العزل. اه. ابن حجر. والمعتمد أنه لا يحرم إلا بعد نفخ الروح فيه. اه. وسيذكره الشارح في آخر باب الجناية (قوله: وكره) أي النكاح بمعنى التزوج الذي هو القبول، كما تقدم. وقوله لعاجز عن المؤن غير تائق، هذا مفهوم قوله تائق، فهو على اللف والنشر المشوش. والأنسب هنا أيضا أن يقول وخرج بقولي تائق غيره فيكره إن عجز عن المؤنة. وعبارة المنهج وشرحه، وكره النكاح لغيره، أي غير التائق له، لعلة أو غيرها إن فقدها، أي أهبته، أو وجدها وكان به علة كهرم وتعنين لانتفاء حاجته إليه مع التزام فاقد الأهبة ما لا يقدر عليه وخطر القيام بواجبه فيمن عداه، وإلا بأن وجدها ولا علة به فتخل لعبادة أفضل. اه (قوله: ويجب بالنذر حيث ندب) أي إذا نذر النكاح وجب عليه إن ندب في حقه بأن كان تائقا قادرا على المؤنة، وهذا ما جرى عليه ابن حجر، ونص عبارته: نعم حيث ندب لوجود الحاجة والأهبة وجب بالنذر على المعتمد الذي صرح به ابن الرفعة وغيره. اه. والذي اعتمده م ر خلافه، ونص عبارته: ولا يلزم بالنذر مطلقا، وإن استحب، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، خلافا لبعض المتأخرين. اه. وعدم الانعقاد عنده نظرا لكون أصله الإباحة، والاستحباب فيه عارض. نعم: قد يجب بغير النذر فيما لو خاف على نفسه العنت وتعين طريقا لدفعه مع قدرته. وبحث بعضهم أيضا وجوبه فيما لو طلق مظلومة في القسم ليوفيها حقها من نوبة المظلوم لها (قوله: وسن نظر الخ) وذلك لما روي عن جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا خطب أحدكم المرأة، أي أراد خطبتها: - بدليل رواية أخرى -، فلا جناح عليه أن ينظر إليها وإن كانت لا تعلم رواه أبو داود والطبراني وأحمد. وأخرج ابن النجار وغيره عن المغيرة بن شعبة قال: خطبت جارية من الأنصار فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي رأيتها؟ فقلت لا. قال فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما، أي تدوم المودة والألفة، فأتيتهم فذكرت ذلك إلى والديها، فنظر أحدهما إلى صاحبه فقمت فخرجت، فقالت الجارية علي بالرجل، فوقفت ناحية خدرها، فقالت إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرك أن تنظر إلي فانظر، وإلا فأنا أحرج عليك أن تنظر فنظرت إليها، فتزوجتها، فما تزوجت امرأة قط أحب إلي منها ولا أكرم علي منها، وقد تزوجت سبعين امرأة (قوله: بعد العزم على النكاح) متعلق بسن أو بنظر. وخرج به ما إذا كان قبل العزم فلا يسن، بل يحرم لأنه لا حاجة إليه قبله (قوله: وقبل الخطبة) خرج به ما إذا كان بعدها فلا يسن النظر. نعم، يجوز، كما في التحفة، ونصها: وظاهر كلامهم أنه لا يندب النظر بعد الخطبة لأنه قد يعرض فتتأذى هي أو أهلها وأنه مع ذلك يجوز لأن فيه مصلحة أيضا، فما قيل يحتمل حرمته لأن إذن الشارع لم يقع إلا فيما قبل الخطبة يرد بأن الخبر مصرح بجوازه بعدها فبطل حصره، وإنما أولوه بالنسبة للأولوية، لا الجواز، كما هو واضح. اه (قوله: الآخر) مفعول المصدر المضاف لفاعله وهو نظر: أي سن أن ينظر كل الآخر، وهو قيد خرج به النظر إلى نحو ولد المخطوبة الأمرد، فلا يجوز له نظره وإن

وبطنا ليعرف خصوبة بدنها. وممن بها رق - ما عدا ما بين السرة والركبة - وهما ينظران منه ذلك. ولا بد في حل النظر من تيقنه خلوها من نكاح وعدة، وأن لا يغلب على ظنه أنه لا يجاب. وندب لمن لا يتيسر له النظر أن يرسل نحو امرأة لتتأملها وتصفها له. وخرج بالنظر: المس، فيحرم - إذ لا حاجة إليه. (مهمة) يحرم على الرجل - ولو شيخا هما - تعمد نظر شئ من بدن أجنبية - حرة أو أمة - بلغت حدا ـــــــــــــــــــــــــــــ بلغه استواؤهما في الحسن، خلافا لمن وهم فيه وزعم أن هذا حاجة مجوزة ممنوع: إذ الاستواء في الحسن المقتضي لكون نظره يكفي عن نظرها في كل ما هو المقصود منه يكاد يكون مستحيلا. اه. تحفة (قوله: غير عورة) منصوب على الاستثناء أو على البدلية من الآخر. وقوله مقررة في شروط الصلاة: وهي للرجل والأمة ما بين السرة والركبة، وللحرة جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها (قوله: فينظر من الحرة وجهها الخ) أي ولو بشهوة أو خوف فتنة، كما قاله الإمام والروياني، وإن قال الأذرعي في جواز نظره بشهوة نظر، والمعتمد الجواز، ولو بشهوة، وله تكريره إن احتاج إليه، ولو فوق الثلاث، حتى يتبين له هيئتها، فإن لم يحتج إليه لكونه تبين له هيئتها بنظرة حرم ما زاد عليها، لأن الضابط في ذلك الحاجة. وإذا لم تعجبه سكت ولا يقول لا أريدها، ولا يترتب على سكوته منع خطبتها لأن السكوت إذا طال وأشعر بالإعراض جازت، وضرر الطول دون ضرر لا أريدها. فاحتمل. أفاده م ر (قوله: ليعرف جمالها) علة لنظره وجهها (قوله: وكفيها) معطوف على وجهها: أي وينظر كفيها. وقوله لعيرف خصوبة بدنها: علة له، والخصوبة النعومة. وفي الخطيب، والحكمة في الاقتصار على الوجه والكفين أن في الوجه ما يستدل به على الجمال، وفي اليدين ما يستدل به على خصب البدن. اه. وكتب البجيرمي ما نصه: قد يقال هذه الحكمة توجد في الأمة، فمقتضاها أنه لا ينظر من الأمة إلا الوجه والكفين، كالحرة، للحكمة المذكورة، وأجيب بأن الحكمة لا يلزم اطرادها. اه. (قوله: وممن الخ) معطوف على من الحرة، أي وينظر من المرأة التي قام بها الرق، أي اتصفت به كلا أو بعضا، ما عدا ما بين السرة والركبة. قال في التحفة: ولا يعارضه ما يأتي أنها كالحرة في نظر الأجنبي إليها لأن النظر هنا مأمور به، ولو مع خوف الفتنة، فأنيط بما عدا عورة الصلاة. وفيما يأتي منوط بخوف الفتنة، وهو جار فيما عدا الوجه والكفين مطلقا. اه. (قوله: وهما) أي الحرة والأمة. وقوله تنظران منه، أي الرجل الخاطب إذا أرادتا تزوجه لأنهما يعجبهما منه ما يعجبه منهما. وقوله ذلك: أي ما عدا ما بين السرة والركبة، وقيل الحرة تنظر منه ما ينظر منها فقط، وهو الوجه والكفان (قوله: ولا بد في حل النظر الخ) ذكر لحل النظر قيدين: تيقن الخلو من نكاح وعدة، وغلبة ظنه أنه يجاب. وتقدم قيد أيضا له وهو العزم على النكاح، فلو انتفى أحد هذه القيود حرم عليه النظر لعدم وجود مسوغ، وقوله من تيقن خلوها من نكاح، قال سم: أو ظنه. وقوله وعدة، أي وخلوها من عدة. أي تحرم التعريض، كالرجعية، فإن لم تحرمه جاز النظر وإن علمت به لأن غايته أنه كالتعريض، فإطلاق بعضهم حرمته في العدة إذا كان بإذنها أو مع علمها بأنه لرغبته في نكاحها ينبغي حمله على ما ذكرته. اه. تحفة (قوله: وأن لا يغلب على ظنه الخ) المصدر معطوف على تيقن، أي ولا بد من عدم غلبة عدم الإجابة على الظن. وقوله أنه أي الخاطب. وقوله لإيجاب: أي لا يقبل إذا خطب (قوله: وندب لمن لا يتيسر له النظر) أي أو لا يريده بنفسه. وقوله أن يرسل الخ: وذلك لما روى الإمام أحمد في المسند أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث امرأة تخطب له امرأة، فقال انظري إلى وجهها وكفيها وعراقيبها، وتسمى عوارضها وقوله نحو امرأة: أي كمحرم لها وممسوح. وقوله ليتأملها، الضمير المستتر يعود على نحو المرأة، والبارز يعود على المخطوبة. وقوله ويصفها له، أي للمرسل الخاطب، ويجوز أن يصف له زائد على ما لا يحل له نظره. فيستفيد بالإرسال ما لا يستفيد بالنظر. قال في التحفة: وهذا لمزيد الحاجة إليه مستثنى من حرمة وصف امرأة لرجل. اه (قوله: وخرج بالنظر المس فيحرم) أي ولو لأعمى فلا يجوز له المس، بل يوكل من ينظر له. وقوله إذ لا حاجة إليه: أي إلى المس، وهو تعليل لحرمته (قوله مهمة) أي في بيان النظر المحرم والجائز وغير ذلك. وحاصله إنه إما أن يمتنع مطلقا، وذلك في الأجنبية،

تشتهى فيه - ولو شوهاء أو عجوزا - وعكسه، خلافا للحاوي - كالرافعي - وإن نظر بغير شهوة أو مع أمن الفتنة ـــــــــــــــــــــــــــــ وإما أن يجوز مطلقا، وذلك في الزوجة والأمة، وإما أن يجوز لما عدا ما بين السرة والركبة، وذلك في المحارم والأمة المزوجة والمعتدة، وإما أن يجوز لأجل الخطبة، وذلك للوجه والكفين في الحرة، وما عدا ما بينالسرة والركبة في الأمة، وإما أن يجوز لأجل المداواة، وذلك في محل الحاجة، وإما للمعاملة والشهادة، وذلك للوجه فقط. فإن كن للشهادة على رضاع أو زنا فبالنظر لذلك المحل وإما أن يكون لتقليب أمة يريد شراءها، وذلك إلى المواضع التي يحتاج إلى تقليبها من البدن ما عدا ما بين السرة والركبة. اه. بجيرمي بتصرف (قوله: يحرم على الرجل الخ) وذلك لقوله تعالى: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) * (1) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: النظرة سهم مسموم من سهام إبليس المرجوم، لأنها تدعو إلى الفكر، والفكر يدعو إلى الزنا وقوله عليه السلام: العين تزني، والقلب يصدق ذلك أو يكذبه ولذلك قال بعضهم: كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحبا بسرور عاد بالضرر والمراد بالرجل: الذكر البالغ، ولو احتمالا، فدخل الفحل وهو الذي بقي ذكره وأنثياه، والخصي وهو من قطع أنثياه وبقي ذكره، والمجبوب وهو من قطع ذكره وبقيت أنثياه، والخنثى المشكل لاحتمال ذكورته. وأما الممسوح فهو مع النساء الأجانب كالمحرم، وأما المجنون فلا يوصف بتحريم ولا تحليل كالبهيمة، لكن يلزم المرأة الاحتجاب عنه. وخرج بالذكر الأنثى فيحل نظرها لمثلها، وبالبالغ الصبي، لكن المراهق كالبالغ على الأصح. ومعنى حرمة النظر فيه، مع أنه غير مكلف، أنه يحرم على وليه تمكينه منه، ويحرم على المرأة أن تنكشف عليه (قوله: ولو شيخا هما) غاية في حرمة نظر الرجل، والهم، بكسر الهاء وتشديد الميم، الشيخ الفاني (قوله: تعمد نظر الخ) فاعل يحرم. وخرج به ما إذا حصل النظر اتفاقا فلا يحرم. وقوله شئ من بدن أجنبية: أي ولو الوجه والكفين فيحرم النظر إليهما. ووجه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة ومحرك للشهوة، وقد قال تعالى: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) * (2) واللائق بمحاسن الشريعة سد الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة بالأجنبية. قال في فتح الجواد: ولا ينافيه، أي ما حكاه الإمام من اتفاق المسلمين على المنع، ما نقله القاضي عياض عن العلماء أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة، وعلى الرجال غض البصر لأن منعهن من ذلك ليس لوجوب الستر عليهن، بل لأن فيه مصلحة عامة بسد باب الفتنة. نعم، الوجه وجوبه عليها إذا علمت نظر أجنبي إليها أخذا من قولهم يلزمها ستر وجهها عن الذمية، ولأن في بقاء كشفه إعانة على الحرام. اه. وقال في النهاية: حيث قيل بالتحريم وهو الراجح حرم النظر إلى المنتقبة التي لا يبين منها غير عينيها ومحاجرها، كما بحثه الأذرعي، لا سيما إذا كانت جميلة فكم في المحاجر من خناجر. اه. وقوله المحاجر: جمع محجر، كمجلس، وهو ما يبدو من النقاب. وفي القاموس: المحجر من العين ما دار بها وبدا من البرقع أو ما يظهر من نقابها، كذا في ع ش، وقوله من خناجر: جمع خنجر، وهو من آلات القتل، فشبه ما يبدو من البرقع بالخنجر بجامع حصول الهلاك بكل وإن كان في المشبه به حسيا وفي المشبه معنويا (قوله: حرة أو أمة) بدل من أجنبية، وهو تعميم فيها (قوله: بلغت) أي الأجنبية. (وقوله: تشتهي فيه) أي في ذلك الحد، والمراد تشتهي لذوي الطباع السليمة لو سلمت من مشوه بها. وخرج به الصغيرة التي لا تشتهي فيحل النظر إليها لأنها ليست مظنة الشهوة إلا الفرج فيحرم النظر إليه إلا لنحو الأم زمن الرضاع والتربية فلا يحرم، كما سيأتي (قوله: ولو شوهاء أو عجوزا) غاية في حرمة النظر للأجنبية، أي يحرم النظر إلى الأجنبية ولو كانت شوهاء، أي قبيحة المنظر أو عجوزة ولو مع أمن الفتنة، إذ ما من ساقطة إلا ولها لاقطة. وما أحسن ما قيل في هذا المعنى:

_ (1) سورة النور، الاية: 30. (2) سورة النور، الاية: 30

على المعتمد، لا في نحو مرآة، كما أفتى به غير واحد وقول الاسنوي، تبعا للروضة، الصواب حل النظر إلى الوجه والكفين عند أمن الفتنة: ضعيف، وكذا اختيار الاذرعي قول جمع يحل نظر وجه وكف عجوز يؤمن من نظرهما الفتنة ولا يحل النظر إلى عنق الحرة ورأسها قطعا. وقيل يحل مع الكراهة النظر بلا شهوة وخوف فتنة إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ لكل ساقطة في الحي لاقطة وكل كاسدة يوما لها سوق (قوله: وعكسه) فاعل لفعل محذوف: أي ويحرم عكسه، وهو تعمل نظر الاجنبية لشئ من بدن أجنبي وإن لم تخف فتنة ولم تنظر بشهوة، وذلك لقوله تعالى: * (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) * (1)، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر ميمونة وأم سلمة، وقد رآهما ينظران لابن أم مكتوم، بالاحتجاب منه، فقالت له أم سلمة: أليس هو أعمى لا يبصر؟ فقال ألستما تبصرانه؟ (قوله: خلافا للحاوي كالرافعي) راجع لصورة العكس فقط فإنهما خالفا في ذلك حيث قالا بجواز نظر المرأة إلى بدن الأجنبي، واستدلا بنظر عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - - صلى الله عليه وسلم - يراها، ورد بأنه ليس في الحديث أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنما نظرت لعبهم وحرابهم. ولا يلزم منه تعمد نظر البدن، وإن وقع بلا قصد صرفته حالا أو أن ذلك كان قبل نزول آية الحجاب، أو أنها كانت لم تبلغ مبلغ النساء. وعبارة المنهاج: والأصح جواز نظر المرأة إلى بدن أجنبي سوى ما بين سرته وركبته إن لم تخف فتنة. قلت الأصح التحريم كهو إليها. والله أعلم. اه. وقوله أولا والأصح، أي عند الرافعي (قوله: وإن نظر بغير شهوة) غاية في حرمة تعمد نظر الرجل، ولو قدمها على قوله وعكسه ثم قال ومثله العكس لكان أولى: أي يحرم تعمد النظر وإن نظر بغير شهوة وهي التلذذ بالنظر. وقوله أو مع أمن الفتنة: هي ميل النفس ودعاؤها إلى الجماع. وقوله على المعتمد: مقابله يقول بحل النظر مع عدم الشهوة وأمن الفتنة، لكن في خصوص الوجه والكفين (قوله: لا في نحو مرآة) أي لا يحرم نظره لها في نحو مرآة كماء وذلك لأنه لم يرها فيها وإنما رأى مثالها. ويؤيده قولهم لو علق طلاقها برؤيتها لم يحنث برؤية خيالها والمرأة مثله فلا يحرم نظرها له في ذلك. قال في التحفة: ومحل ذلك، كما هو ظاهر، حيص لم يخش فتنة ولا شهوة. اه (قوله: كما أفتى به غير واحد) مرتبط بالنفي (قوله: وقول الأسنوي) مبتدأ خبره ضعيف. وقوله الصواب حل النظر إلى الوجه والكفين: استدل عليه بقوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * (2) أي ما غلب ظهوره، وهو مفسر بالوجه الكفين. ورد بأن الآية واردة في خصوص الصلاة (قوله: وكذا اختيار الأذرعي قول جمع يحل) أي الآية * (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) * (3) ويرده ما مر من سد الباب وأن لكل ساقطة لاقطة، ولا دلالة في الآية، كما هو جلي، بل فيها إشارة للحرمة بالتقييد بغير متبرجات بزينة، واجتماع أبي بكر وأنس بأم أيمن وسفيان وأضرابه برابعة رضي الله عنهم لا يستلزم النظر على أن مثل هؤلاء لا يقاس بهم غيرهم، ومن ثم جوزوا لمثلهم الخلوة، كما يأتي قبيل الاستبراء إن شاء الله تعالى - اه تحفة. وقوله بل فيها إشارة الخ قال ع ش يتأمل وجه الإشارة، فإن ظاهرها جواز النظر إن لم تتبرج بالزينة، ومفهومها الحرمة إذا تزينت، وهو عين ما ذكره الأذرعي. اه (قوله: ولا يحل النظر إلى عنق الحرة ورأسها قطعا) أي بلا خلاف، وذلك لأن الخلاف في الحل وعدمه إنما هو في غير عورة الصلاة وهما من العورة، وإنما نص عليهما، مع أن غيرهما من سائر أجزاء البدن غير الوجه والكفين كذلك، لئلا يتوهم أنهما كالوجه لقربهما منه. هكذا ظهر (قوله: وقيل يحل الخ) مقابل التعميم السابق بقوله حرة أو أمة. وعبارة المنهاج: والأصح عند المحققين أن الأمة كالحرة والله أعلم. اه: أي لاشتراكهما في الأنوثة وخوف الفتنة، بل كثير من الإماء يفوق أكثر الحرائر جمالا، فخوفها فيهن أعظم، وضرب عمر رضي الله عنه لأمة استترت كالحرة وقال أتتشبهين بالحرائر يا لكاع؟ لا يدل للحل لاحتمال أنه لإيذائها الحرائر بظن أنهن هي: إذ الإماء كن يقصدن للزنا،

_ (1) سورة النور، الاية: 31. (2) سورة النور، الاية: 31. (3) سورة النور، الاية: 60

الامة إلا ما بين السرة والركبة لانه عورتها في الصلاة. وليس من العورة الصوت فلا يحرم سماعه إلا إن خشي منه فتنة أو التذ به - كما بحثه الزركشي - وأفتى بعض المتأخرين بجواز نظر الصغير للنساء في الولائم والافراح، والمعتمد عند الشيخين عدم جواز نظر فرج صغيرة لا تشتهى، وقيل يكره ذلك. وصحح المتولي حل نظر فرج الصغير إلى التمييز، وجزم به غيره، وقيل يحرم. ويجوز لنحو الام نظر فرجيهما ومسه زمن الرضاع والتربية - للضرورة - وللعبد العدل النظر إلى سيدته المتصفة بالعدالة ما عدا ما بين السرة والركبة كهي. ولمحرم - ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ والحرائر كن يعرفن بالستر. اه. تحفة. وقوله النظر الخ: فاعل يحل وخرج بالأمة المبعضة، فهي كالحرة قطعا. وقيل على الأصح. وقوله إلا ما بين السرة والركبة: أي فلا يحل. وقوله لأنه: أي ما بين السرة والركبة، وهو تعليل لعدم حل نظر ما بين سرتها وركبتها وحل ما عداه (قوله: وليس من العورة الصوت) أي صوت المرأة، ومثله صوت الأمرد فيحل سماعه ما لم تخش فتنة أو يلتذ به وإلا حرم (قوله: فلا يحرم سماعه) أي الصوت. وقوله إلا إن خشي منه فتنة أو التذ به: أي فإنه يحرم سماعه، أي ولو بنحو القرآن، ومن الصوت: الزغاريد. وفي البجيرمي: وصوتها ليس بعورة على الأصح، لكن يحرم الإصغاء إليه عند خوف الفتنة. وإذا قرع باب المرأة أحد فلا تجيبه بصوت رخيم، بل تغلظ صوتها، بأن تأخذ طرف كفها بفيها وتجيب. وفي العباب: ويندب إذا خافت داعيا أن تغل صوتها بوضع ظهر كفها على فيها. اه. (قوله: وأفتى بعض المتأخرين بجواز نظر الصغير) إن كان مراده بهذا بيان مفهوم تقييد الحرمة بالرجل الذي هو الذكر البالغ فلا معنى لتخصيص الجواز ببعض المتأخرين ولا لتخصيصه بالولائم والأفراح، وأيضا هو ليس بمسلم لأنه يقتضي أن الصغير مطلقا يجوز له النظر مع أنه مختص بغير المراهق وإن كان ليس مراده ذلك وإنما مراده بيان أن الصغير كالرجل البالغ. ولكن أفتى بعض المتأخرين بجواز نظره. فصنيع عبارته لا يفيده، وأيضا هو ليس بمسلم لأن الصغير ليس كالبالغ مطلقا، بل إذا كان مراهقا فقط، وهو من قارب الاحتلام باعتبار غالب سنه وهو قريب خمس عشرة سنة، وأما إذا لم يكن مراهقا فيحل نظره بالاتفاق. وكان المناسب والأولى أن يبين حكم غير الرجل، كأن يقول وخرج بالرجل الذي هو الذكر البالغ الأنثى فيحل نظرها لكن لمثلها والصغير فيحل نظره إذا كان غير مراهق. وأما إذا كان مراهقا فهو كالكبير أو يقول كالمنهاج: والمراهق كالبالغ على الأصح (قوله: والمعتمد عند الشيخين) عبارة المنهاج مع المغني: والأصح حل النظر إلى صغيرة لا تشتهي إلا الفرج، فلا يحل نظره. قال الرافعي، كصاحب العمدة، اتفاقا. ورده في الروضة بأن القاضي جوزه جزما، فليس ذلك اتفاقا، بل فيه خلاف. اه. بحدف (قوله: وصحح المتولي حل نظر فرج الصغير) أي قبله، كما هو ظاهر، اه سم. والفرق بين فرج الصغير - حيث حل النظر إليه - وفرج الصغيرة - حيث حرم النظر إليه - أن فرجها أفحش (قوله: وقيل يحرم) قال في التحفة: ويدل له خبر الحاكم أن محمد بن عياض قال: رفعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صغري وعلي خرقة وقد كشف عورتي، فقال غطوا عورته، فإن حرمة عورة الصغير كحرمة عورة الكبير، ولا ينظر الله إلى كاشف عورته اه (قوله: ويجوز لنحو الأم) أي من كل من يتولى الإرضاع والتربية، ولو أجنبية أو ذكرا. وقوله نظر فرجيهما: أي الصغير والصغيرة (قوله: ومسه) الأولى ومسهما: أي الفرجين (قوله: زمن الرضاع) متعلق بيجوز: أي يجوز ذلك من الرضاع، أي مدة الرضاع سنتين أو أكثر أو أقل. وقوله والتربية: أي وزمن التربية، أي التعهد والإصلاح (قوله: للضرورة) علة الجواز: أي وإنما جاز ذلك لأن الضرورة داعية إليه، إذ تحتاج الأم ونحوها إلى غسل الفرج من النجاسة ودهنه للتداوي وغير ذلك (قوله: وللعبد العدل الخ) أي ويجوز للعبد العدل النظر الخ، وذلك لقوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانهن) * (1) ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة رضي الله عنها وقد أتاها ومعه عبد قد وهبه لها وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجلها، وإذا غطت به رجلها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما تلقى قال إنه لا بأس عليك إنما هو أبوك وغلامك. رواه أبو داود. وخرج بالعدل الفاسق فلا يجوز نظره إليها ولا نظرها إليه. والمراد بالعبد غير المشترك وغير المبعض وغير

_ (1) سورة النساء، الاية: 3

فاسقا أو كافرا - نظر ما وراء سرة وركبة منها، كنظرها إليه، ولمحرم ومماثل مس ما وراء السرة والركبة. نعم: مس ظهر أو ساق محرمة كأمه وبنته وعكسه لا يحل إلا لحاجة أو شفقة. وحيث حرم نظره حرم مسه بلا حائل لانه أبلغ في اللذة. نعم: يحرم مس وجه الاجنبية مطلقا، وكل ما حرم نظره منه أو منها متصلا حرم نظره منفصلا: كقلامة يد أو رجل، وشعر امرأة وعانة رجل، فيجب مواراتهما وتحتجب - وجوبا مسلمة عن كافرة، وكذا عفيفة ـــــــــــــــــــــــــــــ المكاتب. قال سم: أما هم فلا يجوز نظر واحد منهم إياها، كما لا يجوز نظرها لواحد منهم، كما صرح به في شرح الإرشاد، وصرح فيه أيضا بأن سيد المشتركة والمبعضة يجوز نظره إلى ما عدا ما بين سرتها وركبتها وقد يفرق بأن نظر الرجل أقوى لأن التمتع له بالأصالة فجاز له من النظر ما لم يجز للمرأة، ولقة جانبه جاز النظر إليه تبعا. وفي شرح الروض: وسيأتي أنه يباح نظر الرجل إلى مكاتبته. اه. فانظر عكسه. اه. بتصرف. وقوله المتصفة بالعدالة، خرج به غيرها، فلا يجوز نظره لها ولا نظرها له خوفا من الفتنة (قوله: ما عدا ما بين السرة والركبة) أما ما بين السرة والركبة فلا يجوز النظر إليه، ويلحق به نفس السرة والركبة احتياطا، كما في التحفة، (قوله: كهي) أي كما أنه يجوز لها هي أن تنظر إلى عبدها العدل ما عدا ذلك (قوله: ولمحرم) أي ويجوز لمحرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة. وقوله نظر ما وراء سرة وركبة أي نظر غير السرة والركبة، أي وغير الذي بينهما أيضا بالأولى، فلا يقال إن ما وراءهما صادق بكل البدن حتى ما بينهما. وانظر لم عبر فيما قبله بما عدا ما بين السرة والركبة وهنا بما وراء ذلك مع أن الحكم واحد فيهما؟ وعبارة الإرشاد التعبير في الكل بما وراء السرة والركبة ونصها: ولا نظر ممسوح وعبدها ومحرم وراء سرة وركبة. اه. وهي ظاهرة. وقال في فتح الجواد: وما أفادته عبارته، من حرمة نظر السرة والركبة في هذه واللتين قبلها متجه لأنه الأحوط. اه. وقوله منها: أي من قريبته المحرم (قوله: كنظرها إليه) أي كجواز نظرها إلى ما وراء سرة وركبة من محرمها (قوله: ولمحرم ومماثل) أي امرأة مع امرأة ورجل مع رجل. وقوله مس ما وراء السرة والركبة، أي لأنه يحل نظره، وما حل نظره حل مسه، كما يفهم من قوله بعد وحيث حرم نظره حرم مسه وكان الأولى ذكر هذا عقبه لأنه مندرج في مفهومه (قوله: نعم مس ظهر أو ساق محرمة) استدرك من جوازه مس ما وراء السرة والركبة من المحرم أو المماثل. وعبارة م ر: وقد يحرم مس ما حل نظره من المحرم كبطنها ورجلها وتقبيلها بلا حائل لغير حاجة ولا شفقة، بل كيدها، على مقتضى عبارة الروضة، لكن قال الإسنوي: إنه خلاف إجماع الأمة. اه (قوله: وعكسه) أي مس المحرم كأمه وبنته لظهره أو ساقه (قوله: لا يحل) أي احتياطا كنفس السرة والركبة. وفارق النظر بأنه أبلغ في اللذة وحاجة النظر أعم، فسومح فيه ما لم يسامح في المس. اه. فتح الجواد (قوله: وحيث حرم نظره حرم مسه) أي كل موضع حرم نظره حرم مسه فحرم مس الأمرد كما يحرم نظره ومس العورة كما يحرم نظرها. وقد يحرم النظر دون المس كأن أمكن الطبيب معرفة العلة بالمس فقط، وقد يحرم المس دون النظر كمس بطن المحرم أو ظهرها. كما علمت. إذا علمت ذلك فالقاعدة المذكورة منطوقا ومفهوما أغلبية (قوله: بلا حائل) قال في التحفة وكذا معه إن خاف فتنة بل وإن أمنها على ما مر، بل المس أولى، اه (قوله: لأنه الخ) علة لترتب حرمة المس على حرمة النظر أو لمقدر: أي حرم مس بالأولى لأنه الخ. وقوله أبلغ في اللذة: أي وإثارة الشهوة وإنما كان أبلغ: أي من النظر لأنه لو أنزل به أفطر، بخلاف ما لو أنزل بالنظر فلا (قوله: نعم يحرم مس وجه الأجنبية مطلقا) أي وإن حل نظره لنحو خطبة أو تعليم أو شهادة. وعبارة التحفة، وما أفهمه المتن أنه حيث حل النظر حل المس أغلبي أيضا، فلا يحل لرجل مس وجه أجنبية وإن حل نظره لنحو خطبة أو شهادة أو تعليم، ولا لسيدة مس شئ من بدن عبدها وعكسه. اه (قوله: وكل ما حرم نظره الخ) أي وكل جزء حرم نظره حال كون ذلك الجزء المنظور إليه متصلا حرم النظر إليه حال كونه منفصلا. وقوله منه أو منها، تعميم في النظر: أي لا فرق في ذلك النظر بين أن يكون واقعا منه، وهذا بالنسبة لما إذا كان المنظور إليه منها أو واقعا منها، وهذا بالنسبة لما إذا كان المنظور إليه منه (قوله: كقلامة يد الخ) تمثيل للجزء المنفصل. قال ع ش: ومثل قلامة النظر دم الفصد والحجامة لأنها أجزاء دون البول لأنه ليس جزءا. وقال الشوبري: الذي يظهر أن نحو الريق والدم لا يحرم نظره لأنه ليس مظنة للفتنة برؤيته عند أحد. اه (قوله: فيجب

عن فاسقة - أي بسحاق، أو زنا، أو قيادة، ويحرم مضاجعة رجلين أو امرأتين عاريين في ثوب واحد، وإن لم يتماسكا أو تباعدا مع اتحاد الفراش، خلافا للسبكي، وبحث استثناء الاب أو الام لخبر فيه بعيد جدا ويجب التفريق بين ابن عشر سنين وأبويه وإخوته في المضجع، وإن نظر فيه بعضهم بالنسبة للاب أو الام. ويستحب ـــــــــــــــــــــــــــــ مواراتهما) الأولى مواراتها: أي القلامة والشعر والعانة، كما في النهاية، وإنما وجب ذلك لئلا ينظر إليها (قوله: وتحتجب وجوبا مسلمة عن كافرة) أي لأنه يحرم نظر الكافرة إليها على الأصح، وإذا حرم ذلك حرم على المسلمة تمكينها منه لأنها تعينها على محرم فيلزمها الاحتجاب منها. ويجوز للمسلمة النظر إلى الكافرة لعدم محذور فيه، ولا ينافيه وجوب الاحتجاب منها لأنه لا يلزم من وجوبه حرمة نظرها إلى الكافرة، وإنما حرم النظر عليها لقوله تعالى: * (أو نسائهن) * (1) أي المؤمنات، والكافرة ليست من نساء المؤمنات ولأنها ربما تحكيها للكافر فلو جاز لها النظر لم يبق للتخصيص فائدة. ثم المحرم إنما هو النظر لما لا يبدو عند المهنة أما لما يبدو فيحل على المعتمد، كما في التحفة والنهاية والخطيب، ثم إن كون الحرمة على الكافرة مبني على أن الكافر مخاطبون بفروع الشريعة وهو الأصح ومحل ذلك كله في كافرة غير محرم للمسلمة وغير مملوكة لها أما هما فيجوز لهما النظر إليها (قوله: وكذا عفيفة) أي وكذا يجب أن تحتجب عفيفة عن فاسقة: أي لأنها تعينها على ما يخشى منه مفسدة. وقوله بسحاقة. (اعلم) أن تساحق النساء حرام ويعزرن بذلك. قال القاضي أبو الطيب: وإثم ذلك كإثم الزنا وروي عنه: إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان (قوله: ويحرم مضاجعة الخ) أي لخبر مسلم. لا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد قال ع ش وكالمضاجعة ما يقع كثيرا في مصرنا من دخول اثنين فأكثر مغطس الحمام. فيحرم إن خيف النظر أو المس من أحدهما لعورة الآخر. اه. وقوله رجلين أو امرأتين، في التعبير بذلك اشارة إلى اشتراط بلوغ الشهوة، وهو مجاوزة تسع سنين، أي ببلوغ أول العشرة، قاله م ر. خلاقا للزركشي حيث اكتفى بمضي تسع سنين ولا فرق في ذلك بين الأجانب والمحارم، ولذا قال م ر: ولو أبا وابنه، وأما وبنتها وأخا وأخاه وأختا وأختها، فإذا كان مع الاتحاد حراما فمع عدم الاتحاد أولى: اه. بجيرمي، وقوله عاريين خرج به إذا لم يكونا كذلك فيجوز نومهما في فراش واحد - ولو متلاصقين - وظاهره ولو انتفى التجرد من أحدهما، وهو محتمل. بجيرمي. (وقوله: في ثوب واحد) ومثله بالأولى ما إذا لم يكونا في ثوب أصلا وقوله مع اتحاد الفراش، أي مع كونهما في فراش واحد إلا أن أحدهما في جانب والآخر في جانب آخر. (وقوله: خلافا للسبكي) أي فإنه يجوز ذلك مع تباعدهما وإن اتحد الفراش (قوله: وبحث استثناء الخ) أي والكلام مع العري، كما هو صريح الصنيع، اه سم. وقوله لخبر فيه: وهو لا تباشر المرأة المرأة، ولا الرجل الرجل: إلا الوالد لولده وفي رواية إلا ولد أو والد رواه أبو داود والحاكم، وقال إنه على شرط البخاري. قال في شرح الروض فهذه الزيادة تخصص خبر مسلم السابق ووجه ذلك قوة المحرمية بينهما وبعد الشهوة وكمال الاحتشام: وظاهر أن محله في مباشرة غير العورة وعند الحاجة على أنه يحتمل حمل ذلك على الولد الصغير. اه. وقال في التحفة. وبفرض دلالة الخبر لذلك يتعين تأويله بما إذا تباعدا بحيث يؤمن تماس وريبة قطعا. اه. وقوله بعيد جدا خبر بحث الواقع مبتدأ (قوله: ويجب التفريق الخ) قال في شرح الروض: واحتج الرافعي بخبر مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ولا دلالة فيه، كما قاله السبكي وغيره، على التفريق بينهم وبين آبائهم وأمهاتهم. اه. وقوله بين ابن عشر سنين: قال في شرح الروض: فازع فيه الزركشي وغيره فقالوا بل المعتبر السبع لخبر إذا بلغ أولادكم سبع سنين ففرقوا بين فرشهم رواه الدارقطني والحاكم، وقالوا أنه صحيح على شرط مسلم وهذا يدل على أن قوله في الخبر المشهور وفرقوا بينهم في المضاجع راجع إلى أبناء سبع وأبناء عشر جميعا. اه. وقوله وإخوته: أي الشاملين للأخوات عرفا (قوله: وإن نظر

تصافح الرجلين أو المرأتين إذا تلاقيا. ويحرم مصافحة الامرد الجميل كنظره بشهوة، ويكره مصافحة من به عاهة ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه) أي في وجوب التفريق بالنسبة للأب والأم وذلك لاستثنائهما في الخبر السابق الذي رواه أبو داود والحاكم، والمعتمد عدم استثنائهما، كما قاله الشيخان، قال في التحفة: وقد يوجه ما قالاه بأن ضعف عقل الصغير مع إمكان احتلامه قد يؤدي إلى محظور ولو بالأم، وقضية إطلاقهما حرمة تمكينها من التلاصق، ولو مع عدم التجرد، ومن التجرد، ولو مع البعد، وقد جمعهما فراش واحد، وليس ببعيد لما قررته وإن قال السبكي يجوز مع تباعدهما وإن اتحد الفراش. اه. وقوله ولو مع عدم التجرد: الذي في النهاية خلافه، ونصها: يجوز نومهما في فراش واحد مع عدم التجرد ولو متلاصقين فيما يظهر، ويمتنع مع التجرد في فراش واحد وإن تباعدا. اه. (قوله: ويستحب تصافح إلخ) أي لخبر ما من مسلمين يلتقيان يتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا وتكره المعانقة والتقبيل في الرأس إلا لقادم من سفر أو تباعد لقاء عرفا فسنة للاتباع. ويسن تقبيل يد الحي لصلاح أو نحوه من الأمور الدينية، كعلم وزهد، ويكره ذلك لغني أو نحوه من الأمور الدنيوية، كشوكة ووجاهة، ويسن القيام لأهل الفضل إكراما، لا رياء وتفخيما. اه. إقناع. وكتب البجيرمي: قوله ويسن القيام لأهل الفضل: لا ينافي ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: من أحب أن يتمثل الناس بين يديه قياما فليتبوأ مقعده من النار لأنه محمول على من أحب أن يقام له، وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه أمر أصحابه أن لا يقوموا إذا مر بهم، فمر يوما بحسان رضي الله عنه فقام وأنشد: قيامي للعزيز علي فرض وترك الفروض ما هو مستقيم عجبت لمن له عقل وفهم يرى هذا الجمال ولا يقوم! وقد أقره المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على ذلك. وفيه حجة لمن قال: إن مراعاة الأدب خير من امتثال الأمر. اه (قوله: ويحرم مصافحة الأمرد) وذلك لأنه أشد فتنة من النساء. قال بعض التابعين: ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه. (والحاصل) أقاويل السلف في التنفير عن المرد والتحذير من رؤيتهم ومن الوقوع في فتنتهم ومخالطتهم أكثر من أن تحصر، وكانوا، رضوان الله عليهم، يسمون المرد الإنتان والجيف، لأن الشرع الشريف استقذر النظر إليهم، ومنع من مخالطتهم. ولله در من قال: لا تصحبن أمردا يا ذا النهي واترك هواه وارتجع عن صحبته فهو محل النقص دوما والبلاكل البلاء أصله من فتنته (ويحكى) أن سفيان الثوري رضي الله عنه دخل عليه في الحمام أمرد حسن الوجه، فقال أخرجوه عني، فإني أرى مع كل امرأة شيطانا، ومع كل أمرد سبعة عشر شيطانا. والأمرد هو الشاب الذي لم تنبت لحيته. ولا يقال لمن أسن ولا شعر بوجهه أمرد، بل يقال له ثط، بالثاء والطاء المهملة، (قوله: الجميل) أي بالنسبة لطبع الناظر عند ابن حجر وقال. م ر: الجمال هو الوصف المستحسن عرفا لذوي الطباع السليمة. وقوله كنظره بشهوة: أي كحرمة نظر الأمرد بشهوة. وضابط الشهوة، كما في الإحياء، إن كل من تأثر بجمال صورة الأمرد بحيث يظهر من نفسه الفرق بينه وبين الملتجي فهو لا يحل له النظر، ولو انتفت الشهوة وخيف الفتنة حرم النظر أيضا. قال ابن الصلاح: وليس المعنى بخوف الفتنة غلبة الظن بوقوعها، بل يكفي أن لا يكون ذلك نادرا. وما ذكره من تقييد الحرمة، بكونه بشهوة، هو ما عليه الرافعي، والمعتمد ما عليه النووي من حرمة النظر إليه مطلقا سواء كان بشهوة أو خوف فتنة أم لا. قال في فتح الجواد: والخلوة به وإن تعدد أو مس شئ من بدنه حرام، حتى على طريقة الرافعي، لأنهما أفحش، والكلام في غير المحرم بنسب وكذا رضاع، كما هو ظاهر، لا مصاهرة فيما يظهر. والمملوك كله الناظر بشرط كون كل منهما ثقة فيما يظهر أخذا مما مر في نظر العبد لسيدته

كالابرص والاجذم - ويجوز نظر وجه المرأة عند المعاملة ببيع وغيره للحاجة إلى معرفتها، وتعليم ما يجب تعلمه - كالفاتحة - دون ما يسن على الاوجه والشهادة تحملا وأداء لها أو عليها. وتعمد النظر للشهادة لا يضر، وإن تيسر وجود نساء أو محارم يشهدن على الاوجه (و) يسن (خطبة) - بضم الخاء - من الولي (له) أي للنكاح الذي هو ـــــــــــــــــــــــــــــ أو عكسه. وبه علم حل نظر عبد لسيده الأمرد. اه (قوله: ويجوز نظر وجه المرأة) قال سم: أي بلا شهوة ولا خوف فتنة. اه. وخرج الوجه غيره فلا يجوز النظر إليه عند المعاملة ببيع وغيره، أي كرهن وحوالة وقراض، فإذا باع مثلا لامرأة ولم يعرفها نظر لوجهها خاصة. ويجوز أيضا لها أن تنظر لوجهه. وقوله للحاجة إلى معرفتها: علة للجواز، أي وإنما جاز ذلك للاحتياج إلى معرفتها لأنه ربما ظهر عيب في المبيع فيرده عليها، وهي أيضا تحتاج إلى معرفته لأنه ربما ظهر عيب في الثمن فترده إليه (قوله: وتعليم الخ) معطوف على المعاملة: أي ويجوز نظر وجه المرأة عند تعليمها ما يجب تعلمه كالفاتحة. وأقل التشهد، وما يتعين فيه ذلك من الصنائع المحتاج إليها. قال في النهاية: ومحل جواز ذلك عند فقد جنس ومحرم صالح وتعذره من وراء حجاب ووجود مانع خلوة، أخذا مما مر في العلاج، اه. وكما يجوز النظر لها لذلك يجوز النظر للأمرد لذلك، إلا إن الأوجه عدم اعتبار الشروط السابقة فيه، كما عليه الإجماع الفعلي، ويتجه اشتراط العدالة فيه وفي معلمه كالمملوك بل أولى. وقوله كالفاتحة: تمثيل لما يجب تعلمه (قوله: دون ما يسن) أي فلا يجوز نظر وجه المرأة عند تعليم ما يسن تعلمه كالسورة. وقوله على الأوجه: أي عند ابن حجر، والذي اعتمده م ر والخطيب التعميم. وعبارة الأخير، والمعتمد أنه يجوز النظر للتعليم للأمرد وغيره واجبا كان أو مندوبا، وإنما منع من تعليم الزوجة المطلقة لأن كلا من الزوجين تعلقت آماله بالآخر، فصار لكل منهما طماعية في الآخر، فمنع من ذلك. اه (قوله: والشهادة) معطوف على المعاملة أيضا: أي ويجوز نظر وجهها عند الشهادة. وقوله تحملا وأداء: منصوبان على التمييز، أي من جهة التحمل ومن جهة الأداء. وقوله لها أو عليها: راجع لكل منهما، والمراد بتحمل الشهادة لها أن يشهد أنها أقرضت مثلا فلانا كذا وكذا، وبتحملها عليها أن يشهد أنها اقترضت مثلا من فلان كذا وكذا. والمراد بأداء الشهادة لها أو عليها أداؤها عند القاضي. وإذا نظر إليها وتحمل الشهادة كلفت الكشف عند الأداء إن لم يعرفها في نقابها. وكما يجوز نظر وجهها للشهادة يجوز نظر فرجها للشهادة على الزنا تحملا لا أداء، ونظر ثدييها للشهادة على الرضاع. وهذا كله إذا لم يخف فتنة، فإن خافها لم ينظر إلا إن تعينت عليه بأن لم يوجد غيره لكن في غير الزنا، لأنه لا يتصور التعين فيه، لأنه يسن للشاهد التستر، لقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله ستير يحب من عباده الستيرين فينظر ويضبط نفسه. قال م ر: قال السبكي ومع ذلك، أي تعينها عليه، يأثم بالشهوة، وإن أثيب على التحمل لأنه فعل ذو وجهين، لكن خالفه غير فبحث الحل مطلقا لأن الشهوة أمر طبيعي لا ينفك عن النظر، فلا يكلف الشاهد بإزالتها ولا يؤاخذ بها، كما لا يؤاخذ الزوج بميل قلبه لبعض نسوته، والحاكم بميل قلبه لبعض الخصوم. اه. وقوله فعل ذو وجهين: هما الثواب من جهة الشهادة، والعقاب من جهة النظر بشهوة (قوله: وتعمد النظر للشهادة لا يضر) أي لا يحرم فلا يفسق به. وخرج بقوله للشهادة ما إذا تعمد النظر لغير الشهادة فإنه يحرم ويفسق به وترد شهادته، لكن إن لم تغلب طاعته على معاصيه، فإن غلبت عليها لم يفسق ولم ترد شهادته، لأن ذلك صغيرة، والصغيرة لا يفسق بها إلا حينئذ (قوله: وإن تيسر وجود نساء أو محارم) غاية في عدم الضرر. قال في التحفة: ويفرق بينه وبين ما مر في المعالجة بأن النساء ناقصات وقد لا يقبلن، والمحارم ونحوهم قد لا يشهدون. ثم رأيت بعضهم أجاب بأنهم وسعوا هنا اعتناء بالشهادة. اه. وقوله ما مر في المعالجة: وهو أنه لا يباح النظر لأجل المعالجة عند وجود امرأة أو محرم. (قوله: ويسن خطبة) أي لخبر أبي داود وغيره كل أمر ذي بال، وفي رواية: كل كلام، لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع أي عن البركة. والخطبة كلام مفتتح بحمد مختتم بدعاء ووعظ، كأن يقول ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى

العقد بأن تكون قبل إيجابه، فلا تندب أخرى من المخاطب قبل قبوله - كما صححه في المنهاج - بل يستحب تركها خروجا من خلاف من أبطل بها، كما صرح به شيخنا وشيخه زكريا رحمهما الله - لكن الذي في الروضة وأصلها ندبها. وتسن خطبة أيضا قبل الخطبة، وكذا قبل الاجابة، فيبدأ كل بالحمد والثناء على الله تعالى، ثم ـــــــــــــــــــــــــــــ آله وأصحابه. * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * (1). * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) * إلى قوله * (رقيبا) * (2) وتسمى هذه الخطبة خطبة الحاجة. وكان القفال يقول بعدها، أما بعد: فإن الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد، لا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر، ولا يجتمع اثنان ولا يفترقان إلا بقضاء وقدر، وكتاب من الله قد سبق، وإن مما قضى الله وقدر أن خطب فلان بن فلان فلانة بنت فلان على صداق كذا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين. وفي ق ل على الجلال. (فائدة) في ذكر خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - حين زوج بنته فاطمة لعلي ابن عمه أبي طالب ولفظها الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه وسطوته، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وسيرهم بأحكامه ومشيئته، وجعل المصاهرة سببا لاحقا، وأمرا مفترضا، أو شج، أو شبك، به الأنام، وأكرم به الأرحام، فقال عز من قائل: * (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) * (3)، ولكل قدر أجل، * (ولكل أجل كتاب) * (4)، * (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * (5). اه. (قوله: بضم الخاء) احتراز من الخطبة بكسر الخاء، وهي التماس النكاح من جهة المخطوبة، وستأتي (قوله: من الولي) الجار والمجرور صفة لخطبة: أي خطبة كائنة من الولي، أي أو الزوج أو الأجنبي، فالولي ليس بشرط (قوله: له) أي لأجله، فاللام تعليلية (قوله: الذي هو) أي النكاح، وقوله العقد: أي بمعنى العقد (قوله: بأن تكون) أي الخطبة المسنونة قبل إيجابه: أي التلفظ به، وما ذكر تصوير لسنها للنكاح بمعنى العقد. وأفاد به أن المراد بالعقد خصوص الإيجاب، لا هو مع القبول (قوله: فلا تندب الخ) تفريع على مفهوم التقييد بقبل الإيجاب (قوله: كما صححه في المنهاج) عبارته: ولو خطب الولي فقال الزوج الحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت صح النكاح على الصحيح، بل يستحب ذلك. قلت الصحيح لا يستحب والله أعلم. اه. (وقوله: صح النكاح) أي لأنها مقدمة القبول، فلا تقطع الولاء كالإقامة وطلب الماء والتيمم بين صلاتي الجمع، لكن محل ذلك إذا كانت قصيرة عرفا، أما إذا طالت لم يصح لإشعاره بالإعراض. وضبط القفال الطول بأن يكون زمنه لو سكتا فيه لخرج الجواب عن كونه جوابا، والأولى ضبطه (قوله: بل يستحب تركها) أي الخطبة قبل القبول، والإضراب انتقالي. وقوله من أبطل: أي النكاح، وعلله بأنها غير مشروعة فأشبهت الكلام الأجنبي (قوله: كما صرح به) أي باستحباب تركها (قوله: لكن الذي في الروضة وأصلها ندبها) وعليه فيسن في النكاح أربع خطب: خطبتان للخطبة، بكسر الخاء، واحدة من الخاطب، وواحدة من المجيب له، وخطبتان للعقد، وواحدة قبل الإيجاب، وأخرى قبل القبول (قوله: وتسن خطبة أيضا الخ) واعلم أني وجدت لبعض الأفاضل صورة الخطبة الكائنة قبل الخطبة، بكسر الخاء، وصورة الخطبة الكائنة قبل الإجابة لها، وصورة أيضا للخطبة الكائنة قبل العقد غير ما تقدم، والثلاث في غاية من البلاغة. ولا بأس بإيرادها هنا لتحفظ. فصورة الأولى: (بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي هدانا لاتباع الملة الحنيفية السمحة الزهراء، وأرشدنا لاقتفاء أوامرها المنيفة الغراء. أحمده سبحانه وتعالى حمدا أورد به موارد الفضل والإحسان. وأرقى به إلى الحور المقصورات في بحبوحة الجنان. وأشكره شكرا أستمطر به سحائب الكرم والامتنان. وأستفيد به ترادف المنن من فيض كرم المنعم الديان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المحسن لقاصد فضله

_ (1) سورة آل عمران، الاية: 102. (2) سورة النساء، الاية: 1. (3) سورة الفرقان، الاية: 54. (4) سورة الرعد، الاية: 38. (5) سورة الرعد، الاية: 39

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بتبليغ الأمل. والممتن على الواقف بباب جوده بقبول صالح العمل. وأشهد أن سيدنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله المخصوص بالخلق العظيم، والمخطوب إلى مناجاة حضرة السميع العليم. - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله الغر الكرام، وأصحابه نجوم الهداية ومصابيح الظلام، صلاة وسلاما دائمين متلازمين ما فاح عرف طيب وند. وفاه خطيب بأما بعد. فقد قادتنا أزمة قدرة الملك العلام. وجذبت أفئدتنا جواذب العناية كاشفة عن محياها اللثام، وساعدتنا أنظار عين الرعاية ساحبة ذيل الأمان والمرام إلى فسيح هذه الديار العامرة عالية الذرا والمقام، خاطبين عروس فخركم عزيزة الجناب. راغبين في اجتلاء ضوء نورها الغني عن المدح والإطناب. وها نحن قد حللنا بناديكم الرحيب وأنخنا مطايا الأمال في وسيع رحيبكم الرطيب، بالمهر الذي وقع عليه الرضا والاتفاق، راجين لهما من الله حسن الوفاق، فتفضلوا بقبوله قبولا جميلا، وباليمن والبركة والهنا والسرور بكرة وأصيلا. وصلى الله على سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام. وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام. دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام. وآخر دعواهم إن الحمد لله رب العالمين) وصورة الثانية: (إن أعذب ما رشفته أفواه المسامع من كؤوس الشفاه. وأعبق ما تعطرت معاطر الآذان بطيب نشره وشميم رياه. حمد الله المجيب دعاء من أخلص له في سره وإعلانه المعطي سائل من فيض جوده وفسيح امتنانه. أحمده حمدا هبت نسمات قبوله على أغصان التهاني. وأشكره شكر عبد تبلج بشر سؤله في أفق نيل الأماني. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي شرف مقام أحمد الخلق في الملإ الأعلى. وحلاه بمفاخر حلى العبادة الأعز الأغلى شهادة يرتع قائلها في نيل مطلوبه. وينشده بلبل الأفراح قائلا هنيئا لمن أمسى سمير حبيبه. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه وخليله الذي عنت لجلال نبوته الوجوه، فنالت ببركته الشاملة كل ما تؤمله من فضل الله وترجوه. صلى الله عليه وسلم وعلى آله الذين من تمسك بولائهم فقد ظفر ونجا. وأصحابه الذين نالوا بشرف صحبته كل مؤمل ومرتجى. صلاة وسلاما يقترنان اقتران القبول للإيجاب وينجلي بهما غيم الغي عن مطالع الهدى وينجاب. أما بعد لما كان التماس الإكفاء من أجل المطلوبات. وآكد المندوبات. لا سيما إذا كان الخاطب متصفا بالصدق والأمانة. ومتحليا بالصلاح والديانة. أجبنا لما نقلتم إليه أقدامكم أيها السادة الأمجاد، بالبشر والهناء والقبول والإنجاد من خطبتكم ذخيرة فخرنا وعقيلة خدرنا المرتضعة ثدي الصيانة في حجور الدلال. الرافلة في حلل العفاف والكمال. فأجبنا خطبتكم، ولبينا دعوتكم. امتثالا لقوله تعالى عز من كريم غافر. * (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر) * (1) وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الشهير: إذا خاطبكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير والله المسؤول أن يجعل منهما الطيب الكثير. إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير. ويشكر الله إحسان من حضر هذا المحفل المنيف ويبلغهم المآرب والمطالب ويحسن للجميع بمنه وكرمه العواقب. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلى الله على سيدنا محمد سيد السادات وآله وصحبه الكرام في المبدإ والختام) وصورة الثالثة: (الحمد لله الذي جعل سيدنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - عروس المملكة في السماء وأفضل البشر في الأرض. وبعث الرسل قبله وفضل بعضهم على بعض. فمنح إبراهيم الخلة وموسى المناجاة عند تمام وعده. وأتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ومنح من شاء من سائر أنبيائه ورسله، ما شاء من خصوصيات كرمه وفضله. أحمده حمدا هبت نسمات قبوله على أغصان التهاني. وأشكره شكرا تبلغ بشر سؤله في أفق نيل الأماني. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد له ولا ند له الذي لا تنفك أفعاله وأقواله عن مصالح وحكم. ولا يسئل عما فعل ولا أمر به وحكم. فمن حكمته الباهرة للعقول استباحة محرمات الفروج بشاهدي عدل وإيجاب وقبول. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله. وصفيه وحبيه وخليله. الحاث على التمسك به والائتساء بقوله حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله الذين من تمسك بولائهم فقد ظفر ونجا، وصحبه الذين نالوا بشرف صحبته كل مؤمل ومرتجى. ما فاح عرف طيب وند. وفاه خطيب بأما

_ (1) سورة البقرة، الاية: 232

بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يوصي بالتقوى، ثم يقول في خطبة الخطبة: جئتكم راغبا في كريمتكم - أو فتاتكم - وإن كان وكيلا: قال: جاءكم موكلي، أو جئتكم عنه خاطبا كريمتكم، فيخطب الولي أو نائبه كذلك، ثم يقول لست بمرغوب عنك. ويستحب أن يقول قبل العقد أزوجك على ما أمر الله به عز وجل من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد. فإيبن النكاح جنة يتقى بها من الفتنة وجنة يتلى على متفيئ ظلالها أسكن أنت وزوجك الجنة تثمر رياض الرحمة بين الزوجين والوداد. وتطلع زينة الحياة الدنيا إذا حملت غرائسه ثمرة الفؤاد وناهيك ما ورد فيه من الآيات والأحاديث الثابتة بصحيح الرواية فمن الآيات الشريفة قوله تعالى عز من قائل: * (يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل) * (1) وقوله تعالى في كتابه المصون * (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون) * (2) وقال تعالى معلنا بأن الفقر ليس عذرا عن اجتناء وصله وأن المعمول على فضله العميم * (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) * (3) ومن الأحاديث الشريفة قوله - صلى الله عليه وسلم - ناهيا عن التبتل والتأني: أما والله إني لأخشاكم من الله وأتقاكم، ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني. وقوله - صلى الله عليه وسلم - منبها على مزية الأبكار وفضلهن الكثير تزوجوا الأبكار، فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير وقوله - صلى الله عليه وسلم - مرشدا إلى أقوى المسالك خير النساء من تسرك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبك في نفسها ومالك وقوله - صلى الله عليه وسلم - محرضا على النكاح ومنفرا عن الطلاق لما فيه من الأرش تزوجوا ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتز منه العرش. هذا وقد ورد عن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين زوج سيدنا عليا بسيدتنا فاطمة رضي الله عنهما أنه خطب فقال. ونطق بأفصح مقال: الحمد لله المحمود بنعمته. المعبود بقدرته. المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه وسطوته النافذ أمره في سمائه وأرضه. الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه - صلى الله عليه وسلم - إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة سببا لاحقا وأمرا مفترضا أوشج به الأرحام. وألزم الأنام. فقال عز من قائل: * (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) * (4). فأمر الله يجري على قضائه وقضاؤه يجري إلى قدره ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * (5) * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) * (6) * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) * (7) أما بعد فإن الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد لا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر ولا يجتمع اثنان ولا يفترقان إلا بقضاء وقدر وكتاب من الله قد سبق. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدي ولمشايخي ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. (قوله: وقبل الخطبة) هي بكسر الخاء: التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة (قوله: وكذا قبل الإجابة) أي وكذا تسن قبل الإجابة من جهة المخطوبة (قوله: فيبدأ كل) أي من الخاطب والمجيب له. وقوله ثم يقول: أي أحدهما: وهو الخاطب (قوله: في كريمتكم) أي أختكم وقوله أو فتاتكم: هي الشابة. ع ش (قوله: فيخطب الولي أو نائبه كذلك) أي خطبة مشتملة على الحمد والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والوصية

_ (1) سورة الحجرات، الاية: 13. (2) سورة يس، الاية: 56. (3) سورة النور، الاية: 32. (4) سورة الفرقان، الاية: 54. (5) سورة آل عمران، الاية: 102. (6) سورة النساء، الاية: 1. (7) سورة الاحزاب، الاية: 70

(فروع) يحرم التصريح بخطبة المعتدة من غيره رجعية كانت أو بائنا بطلاق أو فسخ أو موت. ويجوز التعريض بها في عدة غير رجعية، وهو: كأنت جميلة، ورب راغب فيك. ولا يحل خطبة المطلقة منه ثلاثا حتى تتحلل وتنقضي عدة المحلل إن طلق رجعيا، وإلا جاز التعريض في عدة المحلل. ويحرم على عالم بخطبة ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتقوى، ويغني عما ذكر قوله فيبدأ كل الخ، فكان الأخصر أن يقول ويقول الولي في خطبة الإجابة لست بمرغوب عنك (قوله: ويستحب أن يقول) أي الولي. قال ع ش: فلا يطلب ذلك من غيره وعليه فلو أتى به أجنبي لا تحصل السنة ولا يكون جهل الولي بذلك عذرا في الإكتفاء به من الغير، بل ينبغي للعالم تعليمه ذلك حيث جهله. اه. ويستحب أيضا الدعاء للزوج عقب العقد ببارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير (قوله: فروع) أي خمسة: أولها قوله يحرم التصريح الخ، ثانيها قوله ويجوز التعريض الخ، ثالثها قوله ولا يحل الخ، رابعها قوله يحرم الخ، خامسها قوله ومن استشير الخ (قوله: يحرم التصريح بخطبة الخ) هو ما يقطع بالرغبة في النكاح، كأريد نكاحك وإذا انقضت عدتك نكحتك، ومثل التصريح بها النفقة في زمن العدة، كما يقع كثيرا، فهو حرام. ولو أنفق على المخطوبة ولم يتزوجها رجع بما أنفقه، حتى بالملح، ولو كان الترك منه أو بموتها. وفي حاشية الجمل ما نصه: (سئل م ر) عمن خطب امرأة وأنفق عليها ليتزوجها ولم يحصل التزوج بها فهل لها الرجوع بما أنفقه لأجل ذلك أم لا؟. (فأجاب) بأن له الرجوع بما أنفقه على من دفعه له سواء كان مأكلا أم مشربا أم ملبسا أم حليا، وسواء رجع هو أم مجيبه أم مات أحدهما لأنه إنما أنفق لأجل تزوجها فيرجع به إن بقي وببدله إن تلف. اه. ببعض تصرف. ومحل رجوعه حيث أطلق أو قصد الهدية لأجل النكاح، فإن قصد الهدية، لا لأجل ذلك فلا رجوع وإنما حرم التصريح بها لأنها ربما تكذب في انقضاء العدة إذا تحققت رغبته فيها لما عهد على النساء من قلة الديانة وتضييع الأمانة فإنهن ناقصات عقل ودين. (وقوله: المعتدة من غيره) خرج به ما إذا كانت معتدة منه فإنه يجوز له أن يصرح بالخطبة، كما له أن يعرض بها إن حل له نكاحها، كأن خالعها وشرعت في لعدة فيحل له التعريض والتصريح لأنه يجوز له نكاحها، فإن كان طلاقه لها رجعيا لم يكن له التصريح والتعريض بخطبتها لأنه ليس له نكاحها وإنما له مراجعتها. نعم، إن نوى بنكاحها الرجعة صح لأنه كناية فيها، فإن نواها به حصلت وإلا فلا. وأما من لا يحل له نكاحها كأن طلقها بائنا أو رجعيا ثم وطئت بشبهة وحملت من وطئ الشبهة، فإن عدة وطئ الشبهة تقدم إذا كانت بالحمل ويبقى عليها بقية كعدة الطلاق فلا يحل لصاحب عدة الشبهة أن يخطبها مع أنه صاحب العدة لأنه لا يجوز له العقد عليها حينئذ لما بقي عليها من عدة الطلاق اه. باجوري. وقوله رجعية كانت: أي المعتدة من غيره. وقوله أو بائنا: أي أو كانت بائنا. وقوله بطلاق: الباء سببية متعلقة ببائنا، أي بائنا بسبب طلاق، أي بالثلاث. وقوله أو فسخ، أي أو بسبب فسخ حاصل منها بعيبه أو منه بعيبها، أي أو انفساخ كما في الرضاع (قوله: ويجوز التعريض) أي لقوله تعالى: * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) * (1) والتعريض هو ما لا يقطع بالرغبة في النكاح، بل يحتملها كما يحتمل عدمها (قوله: في عدة غير رجعية) خرج به ما إذا كانت في عدة طلاق رجعي، فلا يحل التعريض له كالتصريح لأنها في حكم الزوجة، ومعلوم أن الزوجة يحرم فيها ذلك (قوله: وهو) أي التعريض (قوله: ولا يحل خطبة المطلقة منه) هذا مفرع على مفهوم قوله المعتدة من غيره، فكان عليه أن يذكر المفهوم أولا بأن يقول أما معتدته فله خطبتها فيحل له التصريح والتعريض إن حل له نكاحها وإلا فلا، ثم يقول فلا يحل خطبة المطلقة الخ (قوله: وتنقضي الخ) أي وحتى تنقضي عدة المحلل. وقوله إن طلق: أي المحلل وهو قيد في اشتراط انقضاء عدة المحلل (قوله: وإلا) أي وإن لم يطلق رجعيا بأن طلقها بائنا. وقوله جاز التعريض: أي لما تقدم آنفا من جواز التعريض في عدة غير رجعية (قوله: ويحرم على عالم الخ) وذلك لخبر الشيخين لا يخطب

_ (1) سورة البقرة، الاية: 235

الغير والاجابة له خطبة على خطبة من جازت خطبته وإن كرهت - وقد صرح لفظا بإجابته إلا بإذنه له من غير خوف ولا حياء، أو بإعراضه: كأن طال الزمن بعد إجابته، ومنه سفره البعيد. ومن استشير في خاطب أو نحو عالم يريد الاجتماع به ذكر - وجوبا - مساويه بصدق: بذلا للنصيحة الواجبة (ودينة) أي نكاح المرأة الدينة التي ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب في ذلك والحكمة في ذلك الإيذاء، ولكن لا يحرم ذلك إلا بشروط ذكر منها الشارح أربعة: وهي علمه بخطبة الغير، وبإجابته له، وقد صرح لفظا بالإجابة، وأن تكون خطبة الخاطب الأول جائزة. وبقي من الشروط: علمه بحرمة الخطبة على الخطبة، وبصراحة الإجابة، فخرج بما ذكر ما إذا لم تكن خطبة أصلا، أو لم يجب الخاطب الأول، أو أجيب تعريضا لا تصريحا، أو لم يعلم الثاني بالخطبة، أو علم بها ولم يعلم بالإجابة، أو علم بها ولم يعلم كونها بالصريح، أو علم كونها بالصريح ولم يعلم بالحرمة، أو علم بجميع ما ذكر لكن كانت الخطبة محرمة كأن خطب في عدة غيره فلا حرمة في جميع ما ذكر. وقوله والإجابة له: أي وعالم بالإجابة له وهي تكون ممن تعتبر إجابته وهو الولي إن كانت الزوجة مجبرة، ونفس الزوجة إن كانت غير مجبرة، وهي مع الولي إن كان الخاطب غير كفء لأن الكفاءة حق لهما معا، والسيد إن كانت أمة غير مكاتبة، وهو مع الأمة إن كانت مكاتبة، والسلطان إن كانت المرأة مجنونة بالغة ولا أب لها ولا جد لها. (وقوله: على خطبة من الخ) إظهار في مقام الإضمار، فالمناسب والأخصر أن يقول على خطبته إن جازت ويكون الضمير في خطبته عائدا على الغير المتقدم ذكره. وقوله جازت خطبته: أي بأن كانت المخطوبة خالية من الموانع. وخرج به من حرمت خطبته كأن خطبها في عدة غيره أو في نكاحه فلا تحرم لأنه لاحق للأول. وقوله وإن كرهت، أي الخطبة الأولى الجائزة بأن كان عاجزا عن المؤن وغير تائق. وقوله وقد صرح لفظا بإجابته، الواو للحال: أي والحال أنه قد صرح لفظا بإجابته، أي الخاطب، الأول، فلو لم يصرح بها لفظا، بأن رد أو سكت عنه، لم تحرم. وعبارة المنهاج مع المغني: فإن لم تجب ولم يرد بأن سكت عن التصريح بإجابة أو رد والساكت غير بكر يكفي سكوتها أو ذكر ما يشعر بالرضا نحو لا رغبة عنك لم تحرم في الأظهر، لأن فاطمة بنت قيس قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن معاوية وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد وجه الدلالة أن أبا جهم ومعاوية خطباها، وخطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسامة بعد خطبتهما لأنها لم تكن أجابت واحدا منهما. اه. (قوله: إلا بإذنه له) متعلق بيحرم: أي يحرم الخطبة المذكورة إلا إن أذن الخاطب الأول للخاطب الثاني فإنها حينئذ لا تحرم. (وقوله: من غير خوف ولا حياء) أي حال كون الإذن واقعا منه بنحو خوف، أي من الخاطب الثاني أو حياء منه فإن وقع مع خوف أو حياء لم ترتفع الحرمة (قوله: أو بإعراضه) معطوف على بإذنه، أي وإلا بإعراضه، أي الخاطب الأول فإنها لا تحرم. قال في المغني: وإعراض المجيب كإعراض الخاطب. اه. ومثله في التحفة والنهاية (قوله: كأن طال الخ) تمثيل للإعراض. وعبارة التحفة: كأن يطول الزمن بعد إجابته حتى تشهد قرائن أحواله بإعراضه. اه. (قوله: ومنه) أي الإعراض: أي مما يفيده. وقوله سفره البعيد: أي المنقطع، كما في التحفة والنهاية. وكتب ع ش: يظهر أن المراد بالانقطاع انقطاع المراسلة بينه وبين المخطوبة لا انقطاع خبره بالكلية. اه. وفي البجيرمي: ومنه، أي الإعراض، أن يتزوج من يحرم الجمع بينها وبين مخطوبته أو تطرأ ردته، لأن الردة، والعياذ بالله، قبل الوطئ تفسخ العقد، فالخطبة أولى، أو يعقد على أربع من خمس خطبهن معا أو مرتبا. اه. (قوله: ومن استشير في خاطب) أي هل يصلح أم لا (قوله: أو نحو عالم) أي أو استشير في نحو عالم كتاجر، وقوله يريد الاجتماع به: أي أو معاملته (قوله: ذكر) أي المستشار. وقوله وجوبا: محله إذا لم يندفع إلا بذكر العيوب، فإن اندفع بدونه، بأن اكتفى بقوله له هو لا يصلح، أو احتيج لذكر البعض دون البعض، حرم ذكر شئ منها في الأول وشئ من البعض الآخر في الثاني. وقوله مساويه، بفتح الميم، أي عيوبه الشرعية والعرفية، كالفقر والتقتير. وذلك للحديث المار إن فاطمة بنت قيس استشارت النبي - صلى الله عليه وسلم - في تزويج أبي جهم أو معاوية، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، كناية عن كثرة الضرب، قيل أو السفر، وأما معاوية فصعلوك أي فقير لا مال له. وفي

وجدت فيها صفة العدالة أولى من نكاح الفاسقة ولو بغير نحو زنا، للخبر المتفق عليه فاظفر بذات الدين (ونسيبة) أي معروفة الاصل وطيبته لنسبتها إلى العلماء والصلحاء أولى من غيرها: لخبر: تخيروا لنطفكم ـــــــــــــــــــــــــــــ البجيرمي: قال البارزي ولو استشير في أمر نفسه فإن كان فيه ما يثبت الخيار وجب ذكره للزوجة. وإن كان فيه ما يقلل الرغبة فيه ولا يثبت الخيار كسوء الخلق والشح استحب. وإن كان فيه شئ من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال وستر نفسه ولا يذكره. وإن استشير في ولاية فإن علم من نفسه عدم الكفاية أو الخيانة وأن نفسه لا تطاوعه على تركها وجب عليه أن يبين ذلك أو يقول لست أهلا للولاية. اه. ووجوب التفصيل بعيد. والأوجه دفع ذلك بنحو لا أصلح لكم. اه. وقوله ولو استشير في أمر نفسه، أي استشارت الزوجة خاطبها في أمر نفسه هل يصلح لها أم لا؟. (واعلم) أن ذكر المستشار العيوب ليس من الغيبة المحرمة، بل هو من باب النصيحة، كما أنه ليس من الغيبة أيضا ما إذا كانت الغيبة في فاسق متجاهر، لكن بشرط أن تغتابه بما فسق به، وأن تقصد زجره بذلك إذا بلغته، وما إذا كانت على وجه التظلم، كأن تقول فلان ظلمني، أن على وجه التحذير: كأن تقول فلان فعل كذا فلا تصحبه، أو على وجه الاستعانة: كأن تقول فلان فعل كذا فأعني عليه، أو على وجه الإستفتاء: كأن تقول فلان فعل كذا فهل يجوز له ذلك أم لا؟. وقد حصر بعضهم ما لا يعد غيبة في ستة أشياء ونظمها في قوله: القدح ليس بغيبة في ستة: متظلم ومعرف ومحذر ولمظهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر وقوله ومعرف هو المستشار. وذلك لأنه يعرف المستشير عيوب من استشير فيه، ويصدق التعريف أيضا بقوله فلان الأعمش أو الأعرج (قوله: بصدق) متعلق بذكر: أي ذكرها بصدق بأن يكون ما ذكره موجودا في المستشار فيه. وقوله بذلا للنصيحة: فيه إشارة إلى أنه لا بد من قصد النصيحة، لا الوقيعة، أي الخوض في عرضه. ويشترط ذكو العيوب المتعلقة بما حصلت الإستشارة من أجله، فإذا استشير في نكاح ذكر العيوب المتعلقة به، لا المتعلقة بالبيع مثلا وهكذا (قوله: ودينه) هو وما عطف عليه مبتدأ وخبره قوله في المتن أولى. والشارح قدر لكل خبرا (قوله: أي نكاح الخ) أفاد به أن في الكلام تقدير مضاف قبل المبتدأ وهو الذي يحكم عليه بالأولوية. وقوله التي وجدت الخ: الأولى زيادة أي التفسيرية: لأنه تفسير للدينة. وقوله صفة العدالة: هي فقد ارتكاب كبيرة وإصرار على صغيرة. وأفاد بما ذكر أن العفة عن الزنا فقط لا تكفي، وقد صرح به في التحفة. وقوله أولى من نكاح الفاسقة، هي من ارتكبت كبيرة أو أصرت على صغيرة. (وقوله: ولو بغير نحو زنا) أي: ولو كان فسقها بغير نحو زنا، فإن الدينة أولى منها. ونحو الزنا كل كبيرة كشرب الخمر وغير ذلك من الصغائر كالغيبة، بشرط الإصرار عليها، (قوله: للخبر المتفق عليه فاظفر الخ) هو بعض الخبر، ولفظه بتمامه تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك أي التصقتا بالتراب: كناية عن الفقر إن لم تفعل، واستغنيت إن فعلت. قال في التحفة: وتردد في مسلمة تاركة للصلاة، وكتابية، فقيل هذه أولى للإجماع على صحة نكاحها، ولبطلان نكاح تلك، لردتها عند قوم. وقيل تلك لأن شرط نكاح هذه أي الكتابية مختلف فيه، ورجح بعضهم الأول، وهو واضح، في الإسرائيلية لأن الخلاف القوي إنما هو في غيرها، ولو قيل الأولى لقوى الإيمان والعلم هذه لأمنه من فتنتها وقرب سياسته لها إلى أن تسلم ولغيره تلك لئلا تفتنه هذه لكان أوجه. اه. (قوله: أي معروفة الخ) تفسير لنسيبة، وكان الملائم لما قبله أن يقول أي نكاح النسيبة: أي معروفة الأصل فيقدر مضافا كما قدره فيما قبله. وقوله وطيبته: أي الأصل (قوله: لنسبتها الخ) علة للطيب، أي طيبها حاصل لأجل نسبتها إلى العلماء والصلحاء، أي أو الأشراف أو العرب (قوله: أولى) خبر نسيبة لما علمت أن الشارح قدر عند كل معطوف خبرا. وقوله من غيرها: أي غير النسيبة (قوله: لخبر تخيروا لنطفكم الخ) قال في المغني: قال أبو حاتم الرازي هذا الخبر ليس له أصل، وقال ابن الصلاح له أسانيد فيها مقال، ولكن صحة الحاكم. اه. وفي البجيرمي ورد: تخيروا لنطفكم، فإن العرق دساس وورد وإياكم وخضراء الدمن. قالوا من هي يا رسول الله؟ قال المرأة الحسناء في المنبت السوء فشبه المرأة التي أصلها ردئ

ولا تضعوها في غير الاكفاء وتكره بنت الزنا والفاسق، (وجميلة) أولى: لخبر: خير النساء من تسر إذا نظرت (و) قرابة (بعيدة) عنه ممن في نسبه أولى من قرابة قريبة وأجنبية لضعف الشهوة في القريبة، فيجئ الولد نحيفا. والقريبة من هي في أول درجات العمومة والخوولة، والاجنبية أولى من القرابة القريبة. ولا يشكل ما ذكر بتزوج النبي (ص) زينب مع أنها بنت عمته لانه تزوجها بيانا للجواز، ولا بتزوج علي فاطمة رضي الله عنهما لانها بعيدة إذ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالقطعة الزرع المرتفعة على غيرها التي منبتها موضع روث البهائم. اه. وقوله تخيروا لنطفكم. قال في لطائف الحكم شرح غرائب الأحاديث، أي تكلفوا طلب ما هو خير المناكح وأزكاها وأبعدها عن الخبث والفجور، ولا تضعوا نطفكم إلا في أصل ظاهر. وأصل النطفة الماء القليل. والمراد هنا المني: سمي نطفة لأن النطف القطر. اه. (قوله: وتكره بنت الزنا والفاسق) وذلك لأنه يعير بها لدناءة أصلها، وربما اكتسبت من طباع أبيها. اه. ع ش. قال الأذرعي: ويشبه أن يلحق بهما اللقيطة، ومن لا يعرف لها أب. اه. (قوله: وجميلة) أي بحسب طبعه ولو سوداء عند حجر أو بحسب ذوي الطباع السليمة عند م ر. وتكره بارعة الجمال لأنها إما أن تزهو، أي تتكبر، لجمالها، أو تمتد الأعين إليها (قوله: لخبر إلخ) دليل الأولوية الجميلة على غيرها. وقوله إذا نظرت: للبناء للمجهول، والتاء فيه للتأنيث. وتمام الحديث وتطيع إذا أمرت، ولا تخالف في نفسها ومالها (قوله: قرابة) أي يقرأ بالتنوين، وما بعده صفة. وفي الكلام حذف: أي ونكاح ذات قرابة بعيدة أولى من نكاح ذات قرابة قريبة أو أجنبية (قوله: ممن في نسبه) الأولى إسقاط لفظ ممن، والإقتصار على قوله في نسبه، ويكون الجار والمجرور متعلقا ببعيدة: أي بعيدة عنه في النسب، كما صنع في فتح الجواد، وذلك لأنه على إبقائه يصير الجار والمجرور صفة للقرابة، أو حالا على قول، ويكون المعنى حينئذ قرابة كائنة من الأقارب التي في نسبه أو حال كونها منهم، ولا معنى لذلك (قوله: وأجنبية) معطوف على قرابة قريبة، وهذا يعين تقدير المضاف المار لأنه لا معنى لكون القرابة البعيدة أولى من الأجنبية، إذ التفضيل بين الذوات لا بين الوصف والذات (قوله: لضعف الشهوة الخ) تعليل لأولوية غير ذات القرابة القريبة عليها. وفي حاشية الجمل ما نصه: قوله والبعيدة أولى من الأجنبية، قالوا لأن مقصود النكاح اتصال القبائل لأجل اجتماع الكلمة، وهذا مفقود في نكاح القريبة، لأن الإتصال فيها موجود، والأجنبية ليست من قبائله حتى يطلب اتصالها. اه. ح ل (قوله: والقريبة) المراد به المرأة القريبة، لا المتقدمة في الذكر، لأن تلك صفة القرابة (قوله: من هي في أول درجات العمومة والخؤولة) أي كبنت العم وبنت الخال وبنت العمة وبنت الخالة، والمرأة البعيد بضدها وهي التي لا تكون في أول درجات ما ذكر: كبنت ابن العم أو بنت ابن الخال أو بنت ابن العمة أو بنت ابن الخالة. (قوله: والأجنبية أولى من القرابة القريبة) أي أولى من ذات القرابة القريبة لما مر (قوله: ولا يشكل ما ذكر) أي من أن ذات القرابة البعيدة أولى من ذات القرابة القريبة ومن الأجنبية، وأن الأجنبية أولى من ذات القرابة القريبة (قوله: بتزوج النبي الخ) متعلق بيشكل. وقوله زينب: أي بنت جحش رضي الله عنها، وهي المعنية بقوله تعالى: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * (1) أي فلما طلقها وانقضت عدتها زوجناكها وكانت تفتخر على نسائه - صلى الله عليه وسلم - تقول: إن آباءكن أنكحوكن وإن الله تعالى أنكحني إياه من فوق سبع سموات. وفيها نزل الحجاب، وغضب عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقولها في صفية بنت حيي تلك اليهودية، فهجرها في ذي الحجة والمحرم وبعض صفر، وهي أول نسائه وفاة ولحوقا به - صلى الله عليه وسلم -. ففي حديث مسلم: عن عائشة أن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قلن له أينا أسرع بك لحوقا؟ قال: أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا، فكان أسرعهن لحوقا به زينب بنت جحش قيل إن طول يدها بسبب أنها كانت تعمل وتتصدق كثيرا توفيت سنة عشرين، وفيها فتحت مصر، وقيل إحدى وعشرين، وقد بلغت ثلاثا وخمسين سنة، ودفنت بالبقيع، وصلى عليها عمر بن الخطاب وكانت عائشة تقول هي التي تساويني في المنزلة عنده - صلى الله عليه وسلم -، وما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة. وقوله مع أنها أي زينب. وقوله بنت عمته: أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (قوله: لأنه تزوجها بيانا للجواز) أي جواز نكاح زوجة المتبني لأنها كانت تحت زيد بن حارثة الذي

_ (1) سورة الاحزاب، الاية: 37

هي بنت ابن عمه، لا بنت عمه، (وبكر) أولى من الثيب، للامر به في الاخبار الصحيحة. إلا لعذر: كضعف آلته عن الاقتضاض، (وولود) وودود (أولى) للامر بهما. ويعرف ذلك في البكر بأقاربها، والاولى أيضا أن تكون وافرة الععل وحسنة الخلق، وأن لا تكون ذات ولد من غيره إلا لمصلحة، وأن لا تكون شقراء ولا طويلة مهزولة ـــــــــــــــــــــــــــــ تبناه النبي - صلى الله عليه وسلم - (قوله: ولا بتزوج إلخ) أي ولا يشكل بتزوج لي رضي الله عنه سيدتنا فاطمة رضي الله عنها مع أنها من الأقارب لأنها ذات قرابة بعيدة لا قريبة (قوله: للأمر به) أي بتزوج البكر. وقوله في الأخبار الصحيحة: منها قوله عليه السلام: هلا بكرا تلاعبك وتلاعبها ومنها عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير ومعنى أنتق: أكثر أولادا، يقال للمرأة الكثيرة الأولاد: ناتق. قال البجيرمي: وفي البكارة ثلاث فوائد: إحداها أن تحب الزوج الأول وتألفه، والطباع مجبولة على الأنس بأول مأولف، وأما التي مارست الرجال فربما لا ترضى ببعض الأوصاف التي تخالف ما ألفته فتكره الزوج الثاني. الفائدة الثانية أن ذلك أكمل في مودته لها. الثالثة: لا تحن إلا للزوج الأول. ولبعضهم: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل؟ اه. وفي المغني: (روى) أبو نعيم عن شجاع بن الوليد قال: كان فيمن كان قبلكم رجل حلف لا يتزوج حتى يستشير مائة نفس وأنه استشار تسعة وتسعين رجلا واختلفوا عليه، فقال بقي واحد وهو أول من يطلع من هذا الفج وآخذ بقوله ولا أعدوه، فبينما هو كذلك إذ طلع عليه رجل راكب قصبة فأخبره بقصته، فقال النساء ثلاث: واحدة لك، وواحدة عليك وواحدة لا لك ولا عليك. فالبكر لك، وذات الولد من غيرك عليك، والثيب لا لك ولا عليك. ثم قال أطلق الجواد، فقال له أخبرني بقصتك. فقال أنا رجل من علماء بني إسرائيل مات قاضيهم، فركبت هذه القصبة وتباهلت لأخلص من القضاء. قال في الإحياء: وكما يستحب نكاح البكر يسن أن لا يزوج الولي ابنته إلا من بكر لم يتزوج قط لأن النفوس جبلت على الإيناس بأول مألوف، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في خديجة إنها أول نسائي (قوله: إلا لعذر: كضعف آلته عن الإفتضاض) أي إزالة البكارة: أي وكاحتياجه لمن يقوم على عياله. ومنه ما اتفق لجابر رضي الله عنه، فإنه لما قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟ اعتذر له فقال: إن أبي قتل يوم أحد وترك تسع بنات، فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن. فقال - صلى الله عليه وسلم - أصبت (قوله: وولود وودود أولى) أي من غير الولود والودود (قوله: للأمر بهما) أي بالولود والودود: أي بنكاحهما في قوله عليه السلام: تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده. وروي سوداء ولود خير من حسناء عقيم (قوله: ويعرف ذلك) أي كونها ولودا (قوله: والأولى أيضا أن تكون وافرة العقل وحسنة الخلق) قال بعضهم: ينبغي أن تكون المرأة دون الرجل بأربع وإلا استحقرته: بالسن، والطول، والمال، والحسب، وأن تكون فوقه بأربع: بالجمال، والأدب، والخلق، والورع. قال في المغني: وهذه الصفات كلها قل أن يجدها الشخص في نساء الدنيا، وإنما توجد في نساء الجنان. فنسأل الله تعالى أن لا يحرمنا منهن (قوله: وأن لا تكون الخ) أي والأولى أن لا تكون ذات ولد من رجل غيره. وقوله إلا لمصلحة: أي كتربية أولاده، كما في حديث جابر المار، ولأنه تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة ومعها ولد أبي سلمة للمصلحة (قوله: وأن لا تكون شقراء) قال في التحفة: قيل الشقرة بياض ناصع يخالفه نقط في الوجه لونها غير لونه. اه. وكأنه أخذ ذلك من العرف لأن كلام أهل اللغة مشكل فيه: إذ الذي في القاموس الأشقر من الناس من يعلو بياضه حمرة. اه. ويتعين تأويله بما يشير إليه قوله يعلوه بأن المراد أن الحمرة غلبت البياض وقهرته بحيث تصير كلهب النار الموقدة، إذ هذا هو المذموم، بخلاف مجرد تشرب البياض بالحمرة فإنه أفضل الألوان في الدنيا لأنه لونه - صلى الله عليه وسلم - الأصلي، كما بينته في شرح الشمائل، اه. (قوله: ولا

للنهي عن نكاحها. ومحل رعاية جميع ما مر حيث لم تتوقف العفة على غير متصفه بها، وإلا فهي أولى. قال شيخنا في شرح المنهاج: ولو تعارضت تلك الصفات فالذي يظهر أنه يقدم الدين مطلقا، ثم العقل وحسن الخلق، ثم الولادة، ثم النسب، ثم البكارة، ثم الجمال، ثم ما المصلحة فيه أظهر - بحسب اجتهاده. انتهى. وجزم في شرح الارشاد بتقديم الولادة على العقل. وندب للولي عرض موليته على ذوي الصلاح. ويسن أن ينوي بالنكاح السنة وصون دينه. وإنما يثاب عليه إن قصد به طاعة من نحو عفة أو ولد صالح. وأن يكون العقد ـــــــــــــــــــــــــــــ طويلة مهزولة) أي والأولى أن لا تكون طويلة مهزولة (قوله: للنهي عن نكاحها) دليل لأولوية عدم كونها ذات ولد الخ، فالضمير في نكاحها راجع للثلاث ذات الولد والشقراء والطويلة المهزولة، والأولى أن يأتي بنون النسوة، كما تقدم غير مرة، والنهي المذكور في حديث زيد بن حارثة وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - له لا تتزوج خمسا: شهبرة وهي الزرقاء البذية، ولا الهبرة وهي الطويلة المهزولة، ولا نهبرة وهي العجوز المدبرة، ولا هندرة وهي القصيرة الذميمة، ولا لفوتا وهي ذات الولد من غيرك (قوله: ومحل رعاية جميع ما مر) أي من الصفات من كونها دينة جميلة نسيبة بكرا ولودا (قوله: حيث لم تتوقف العفة على غير متصفة بها) أي بالصفات السابقة: أي ما عدا الوصف الأول، بأن وجدت العفة في غير المتصفة بالصفات. وكان الملائم بتعبيره أولا بدينة أن يقول: حيث لم تتوقف الديانة التي هي العدالة (قوله: وإلا) أي بأن توقفت على غير متصفة بها بأن وجدت العفة في غير متصفة بها. وقوله فهي: أي العفة، أي رعايتها، وقوله أولى: أي من بقية الصفات: أي رعايتها: فعفيفة غير متصفة ببقية الصفات أولى من متصفة ببقية الصفات غير عفيفة. لخبر: فاظفر بذات الدين (قوله: قال شيخنا الخ) هذا تقوية لقوله ومحل رعاية جميع الخ. (قوله: ولو تعارضت تلك الصفات) أي بأن وجد بعضها في بعض الآحاد من النساء وبعضها في بعض آخر ولم تجتمع كلها بأن وجد الدينة غير عاقلة أو عاقلة غير دينة فالمقدم الأولى، أو وجدت عاقلة حسنة الخلق غير ولود وولود غير عاقلة حسنة الخلق مع عدم الديانة فيهما فالمقدم الأولى، أو وجدت ولود غير نسيبة ونسيبة غير ولود مع فقد باقي الصفات فيهما فالمقدم الأولى، أو وجدت بكر غير جميلة وجميلة غير بكر مع فقد ما ذكر أيضا فيهما فالمقدم الأولى، فإذا فقدت هذه الصفات ولم توجد صفة منها في النساء راعى الخاطب ما فيه المصلحة له بحسب اجتهاده. وقوله يقدم الدين مطلقا: أي تقديما مطلقا أي على سائر الصفات (قوله: وجزم في شرح الإرشاد) عبارته: وعند تعارضها يقدم ما يرجع إلى الدين والعفة، ثم إلى النسل، ثم إلى العقل، ثم يتخير. اه. (قوله: وندب للولي عرض موليته إلخ) قال في المغني: كما فعل شعيب بموسى عليهما الصلاة والسلام، وعمر بعثمان وبأبي بكر رضي الله عنهم. اه. وقوله كما فعل شعيب بموسى: أي حيث قال له: * (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) * (1) قال بعض المفسرين ما نصه: فيه مشروعية عرض ولي المرأة لها على رجل، وهذه سنة ثابتة في الإسلام، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على أبي بكر وعثمان، والقصة معروفة، وغير ذلك مما وقع في أيام الصحابة وأيام النبوة، وكذلك ما وقع من عرض المرأة لنفسها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. اه. (قوله: ويسن أن ينوي بالنكاح السنة) أي اتباعها. وقوله وصون دينه: أي وينوي حفظ دينه، أي والنسل الصالح، وتكثير أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - (قوله: وإنما يثاب الخ) هذا يغني عنه قوله ويسن أن ينوي الخ، فالمناسب والأخصر أن يجعله تعليلا لما قبله بأن يقول لأنه إنما يثاب عليه بالنية. وفي فتح الجواد: الاقتصار على قوله وإنما يثاب الخ وعدم ذكر قوله ويسن الخ، وهو ظاهر. وإنما لم يثب عليه، أي النكاح، إلا بما ذكر لأن أصله الإباحة، كما مر، والمباح ينقلب طاعة بالنية، كما قال ابن رسلان في زبده: لكن إذا نوى بأكله القوى لطاعة الله: له ما قد نوى (قوله: وأن يكون الخ) معطوف على ينوي: أي ويسن أن يكون العقد في المسجد. قال في التحفة: للأمر به في خبر الطبراني. اه. وهو أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف، وليولم أحدكم ولو بشاة، * (الهامش *) (1) سورة القصص، الاية: 27

في المسجد ويوم الجمعة وأول النهار وفي شوال، وأن يدخل فيه أيضا. (أركانه) أي النكاح خمسة: (زوجة، وزوج، وولي، وشاهدان، وصيغة. وشرط فيها) أي الصيغة (إيجاب من الولي) وهو (كزوجتك أو أنكحتك) ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا خطب أحدكم امرأة وقد خضب بالسواد فليعلمها ولا يغرنها اه. غرائب الأحاديث. وقال في شرحه: قوله أعلنوا هذا النكاح، أي أظهروه إظهار السرور. وفرقا بينه وبين غيره واجعلوه في المساجد مبالغة في إظهاره واشتهاره، فإنه أعظم محافل الخير والفضل. وقوله واضربوا عليه بالدفوف: جمع دف، بالضم، ويفتح، ما يضرب به لحادث سرور. (فإن قلت) المسجد يصان عن ضرب الدف: فكيف أمر به؟ (قلت) ليس المراد أنه يضرب فيه، بل خارجه، والأمر فيه إنما هو في مجرد العقد. اه. (قوله: ويوم الجمعة) أي وأن يكون في يوم الجمعة لأنه أشرف الأيام وسيدها. وقوله أول النهار: أي وأن يكون في أول النهار: لخبر اللهم بارك لأمتي في بكورها حسنه الترمذي (قوله: وفي شوال) أي ويسن أن يكون العقد في شوال وقوله. وأن يدخل فيه: أي ويسن أن يدخل على زوجته في شوال أيضا، والدليل عليه وعلى ما قبله خبر عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال ودخل فيه، وأي نسائه كان أحظى عنده مني وفيه رد على من كره ذلك. (تتمة) يسن لمن حضر العقد من ولي وغيره الدعاء للزوج عقبه: ببارك الله لك، أو بارك عليك، وجمع بينكما في خير لصحة الخبر به. ويدعو لكل منهما ببارك الله لكل واحد منكما في صاحبه وجمع بينكما في خير. ويسن للزوج الأخذ بناصيتها أول لقائها، وأن يقول بارك الله لكل منا في صاحبه، ثم إذا أراد الجماع تغطيا بثوب وقدما قبيله التنظف والتطيب والتقبيل ونحو ذلك مما ينشط. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني لأحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي. وقال كل منهما، ولو مع اليأس من الولد: بسم الله. اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا. وليتحر استحضار ذلك بصدق من قلبه عند الإنزال. فإن له أثرا بينا في صلاح الولد وغيره. وفي المغني قال في الإحياء: يكره الجماع في الليلة الأولى من الشهر، والأخيرة منه، وليلة النصف منه. فيقال: إن الشيطان يحضر الجماع في هذه الليالي. اه. ورده في التحفة والنهاية بعدم ثبوت شئ من ذلك. قالا: وبفرض ثبوته: الذكر الوارد يمنعه. اه. ويسن للزوج إذا سبق إنزاله أن يمهلها حتى تنزل هي ويسن أن يتحرى بالجماع وقت السحر لانتفاء الشبع والجوع المفرطين حينئذ * إذ هو مع أحدهما مضر غالبا كما أن الإفراط فيه مضر مع التكلف، وضبط بعض الأطباء النافع من الوطئ بأن يجد داعية من نفسه، لا بواسطة تفكر ونحوه، ويسن أيضا أن يكون ليلة الجمعة ويومها قبل الذهاب إليها، وأن لا يتركه عند قدومه من سفر. ويندب التقوي له بأدوية مباحة مع رعاية القوانين الطبية ومع قصد صالح، كعفة ونسل، لأنه وسيلة لمحبوب فليكن محبوبا، وكثير من الناس يترك التقوي المذكور فيتولد من الوطئ مضار جدا. ووطئ الحامل والمرضع منهي عنه، فيكره إن خشي منه ضرر الولد، بل إن تحققه حرم. ومن أطلق عدم كراهته مراده ما إذا لم يخش منه ضرر. وسيذكر الشارح بعض ما ذكرته في آخر فصل الكفاءة (قوله: أركانه: أي النكاح) فيه أن النكاح معناه حقيقة العقد المركب من الإيجاب والقبول. وهذه الأمور التي ذكرها لم تتركب منها ماهيته، كما هو مقتضى التعبير بالأركان، لأن الركن ما تتركب منه الماهية كأركان الصلاة. ويجاب بأن المراد بالأركان ما لا بد منه فيشمل الأمور الخارجة، كما هنا، كالشاهدين فإنهما خارجان عن ماهية النكاح، ومن ثم جعلهما بعضهم شرطين. أفاده البجيرمي. وقوله خمسة: جعلها في التحفة أربعة بعد الزوجين ركنا واحدا (قوله: زوجة) بدل من خمسة (قوله: وشاهدان) عدهما ركنا واحدا لعدم اختصاص أحدهما بشرط دون الآخر، بخلاف الزوجين فإنه يعتبر في كل منهما ما لا يعتبر في الآخر (قوله: وصيغة) هي إيجاب وقبول ولو من هازل (قوله: وشرط فيها إلخ) شروع في بيان شروط الأركان الخمسة وبدأ بشروط الصيغة لمزيد الخلاف فيها وطول الكلام عليها. ولا يضر أن كثيرا ما يعللون تقديم الشئ بقلة الكلام عليه لأن النكات لا تتزاحم (قوله: إيجاب من الولي) أي أو نائبه (قوله: وهو) أي الإيجاب (قوله: كزوجتك الخ) لو حذف الكاف لكان أولى ليظهر تفريع الحصر عليه بقوله بعد فلا يصح الإيجاب الخ. وقوله موليته: تنازعه كل من زوجتك وأنكحتك. وقوله فلانة: أي ويعينها باسمها، أو صفتها، أو

موليتي فلانة، فلا يصح الايجاب إلا بأحد هذين اللفظين، لخبر مسلم: إتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله وهي ما ورد في كتابه، ولم يرد فيه غيرهما. ولا يصح بأزوجك أو أنكحك على الاوجه، ولا بكناية كأحللتك ابنتي أو عقدتها لك (وقبول متصل به) أي بالايجاب من الزوج وهو (كتزوجتها أو نكحتها) فلا بد من دال عليها من نحو اسم أو ضمير أو إشارة (أو قبلت أو رضيت) على الاصح ـــــــــــــــــــــــــــــ الإشارة إليها، كما سيذكره، (قوله: فلا يصح الخ) قد عرفت أنه لا يظهر التفريع إلا لو حذف الكاف الداخلة على زوجتك، وإن كان يمكن أن يقال إنها استقصائية. وقوله إلا بأحد هذين اللفظين: هو زوجتك، أو أنكحتك (قوله: لخبر مسلم الخ) دليل الحصر، ومحطة قوله بكلمة الله (قوله: بأمانة الله) أي بجعلهن تحت أيديكم كالأمانات الشرعية. اه. ع ش. قال البجيرمي: ويصح أن يراد بالأمانة الشرعية، أي شريعة الله، ويكون قوله واستحللتم إلخ من عطف الخاص على العام. اه. (قوله: وهي) أي كلمة الله، وهذا ليس من الحديث. وقوله ما ورد في كتابه: أي من قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * (1) وقوله تعالى: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * (2) (قوله: ولم يرد فيه) أي في كتاب الله. وقوله غيرهما: أي غير هذين اللفظين، وهما التزويج والإنكاح، والقياس ممتنع. لأن في النكاح ضربا من التعبد، فلا يصح بنحو لفظ إباحة وتمليك وهبة. أما جعله تعالى النكاح بلفظ الهبة في قوله تعالى: * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) * (3) الآية. فهو خصوصية له - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى: * (خالصة لك من دون المؤمنين) * (4) قال في شرح الروض: وما في البخاري من أنه - صلى الله عليه وسلم - زوج امرأة فقال: ملكتكها بما معك من القرآن فقيل وهم من الراوي بدليل رواية الجمهور زوجتكها. قال البيهقي: والجماعة أولى بالحفظ من الواحد. وقيل إنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بين اللفظين. اه. بتصرف ولا يرد ما سيأتي من صحة النكاح بالترجمة لوجود معنى الوارد فيها (قوله: ولا يصح) أي الإيجاب بأزوجك وأنكحك: أي لعدم الجزم بهما. وقوله على الأوجه: مقابله جزم بالصحة فيهما إن خليا عن نية الوعد. وعبارة التحفة: وجزم بعضهم بأن أزوجك وأنكحك كذلك إن خلا عن نية الوعد، وظاهره الصحة مع الإطلاق إن ذكرت قرينة تدل على ذلك كلفظ الآن، أولا. وفيه نظر. ثم قال رأيت البلقيني أطلق عنهم عدم الصحة فيهما، ثم بحث الصحة إذا انسلخ عن معنى الوعد بأن قال الآن وهو صريح فيما ذكرته. اه. وقوله وهو صريح فيما ذكرته. أي من أنه لا يكفي الإطلاق بل لا بد من زيادة لفظ الآن، وذلك لأنه قيد بالبلقيني الصحة بقوله: بأن قال الآن (قوله: ولا بكناية) أي ولا يصح الإيجاب بكناية، وذلك لأنها تحتاج إلى نية، والشهود ركن في صحة النكاح ولا إطلاع لهم على النية، ولأنها لا تتأتى في لفظ التزويج والإنكاح، والنكاح لا ينعقد إلا بهما. وفي البجيرمي: ويستثنى من عدم الصحة بالكناية كتابة الأخرس، وكذا إشارته التي اختص بفهمها الفطن، فإنهما كنايتان وينعقد بهما النكاح منه تزويجا وتزوجا. اه. قال في التحفة: وتصح الكناية في المعقود عليه، كما قال أبو بنات زوجتك إحداهن أو بنتي أو فاطمة، ونويا معينة، ولو غير المسماة، فإنه يصح. ويفرق بأن الصيغة هي المحللة، فاحتيط لها أكثر، ولا يكفي زوجت بنتي أحدكما مطلقا. اه. قال سم: أي وإن نويا معينا. اه. (قوله: كأحللتك ابنتي أو عقدتها لك) مثالان للكناية، ومثلهما زوجك الله ابنتي (قوله: وقبول) معطوف على إيجاب. وقوله متصل به: سيذكر محترزه (قوله: من الزوج) أي قبول صادر من الزوج: أي أو من وليه أو وكيله (قوله: وهو) أي القبول (قوله: كتزوجتها أو نكحتها) أي أو تزوجت أو نكحت هذه أو فلانة، ويعينها باسمها (قوله: فلا بد الخ) تفريع على ذكر الضمير المفعول العائد على الزوجة، وكان حقه أن يذكر قبله أيضا اسم الإشارة واسمها، كما ذكرته ليتم التفريع عليه. وقوله من دال عليها: أي من لفظ دال على المخطوبة. وقوله من نحو اسم الخ: بيان للدال عليها، والمراد بنحو ذلك الوصف، كما سيأتي، كزوجتك التي في الدار، ولكن ليس فيها غيرها (قوله: أو قبلت أو رضيت) معطوف على تزوجتها

_ (1) سورة النساء، الاية: 3. (2) سورة الاحزاب، الاية: 37. (3) سورة الاحزاب، الاية: 50. (4) سورة الاحزاب، الاية: 50

- خلافا للسبكي - لا فعلت (نكاحها) أو تزويجها أو قبلت النكاح أو التزويج - على المعتمد - لا قبلت ولا قبلتها مطلقا - أي المنكوحة - ولا قبلته - أي النكاح - والاولى في القبول: قبلت نكاحها لانه القبول الحقيقي (وصح) النكاح (بترجمة) أي ترجمة أحد اللفظين بأي لغة ولو ممن يحسن العربية لكن يشترط أن يأتي بما يعده أهل تلك اللغة صريحا في لغتهم. هذا إن فهم كل كلام نفسه وكلام الآخر والشاهدان. وقال العلامة التقي السبكي في ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كقبلت ورضيت (قوله: على الأصح) راجع لرضيت فقط، خلافا لما يوهمه صنيعه من رجوعه لقبلت أيضا. ويدل على ما ذكرته عبارة المغني ونصها: ورضيت نكاحها كقبلت نكاحها، كما حكاه ابن هبيرة الوزير عن إجماع الأئمة الأربعة، وإن توقف فيه السبكي، ومثله أردت، أو أحببت. اه. ومثلها عبارة فتح الجواد ونصها: أو رضيت نكاحها، والتوقف فيه لا وجه له، إذ لا فرق بينه وبين قبلت نكاحها، بل هذا أولى لأنه صريح في الرضا، وقبلت دال عليه. اه. (قوله: لا فعلت) أي لا يكفي فعلت نكاحها بدل قبلت أو رضيت. قال سم: وذلك لأنه لا بد من ذكر النكاح فيقع معمولا لفعلت وهو غير منتظم، سواء أريد بالنكاح الإيجاب أو العقد. اه. (قوله: نكاحها) مفعول لكل من قبلت ورضيت، والمراد به إنكاحها ليطابق الجواب ولاستحالة معنى النكاح، إذ هو المركب من الإيجاب والقبول. اه. تحفة. وكتب سم: قال الزركشي: نعم، صرح جماعة من اللغويين أن النكاح مصدر كالإنكاح، وعليه فيخرج كلام الفقهاء. اه. (قوله: أو قبلت النكاح أو التزويج على المعتمد) قال في التحفة: ولا نظر لإيهام نكاح سابق حتى يجب هذا أو المذكور، خلافا لمن زعمه، لأن القرينة القطعية بأن المراد قبول ما أوجب له تغني عن ذلك. اه. وقوله حتى يجب هذا: أي لفظ هذا بأن يقول هذا النكاح أو النكاح هذا. وقوله أو المذكور. بأن يقول النكاح المذكور (قوله: لا قبلت ولا قبلتها) أي لا يكفي قبلت فقط من غير ذكر نكاحها أو تزويجها، ولا قبلتها بالضمير العائد على الزوجة فقط من غير ذكر لفظ نكاح أو تزويج قبله. وقوله مطلقا، انظر ما معنى الإطلاق في كلامه؟ وفي التحفة بعد قوله ولا قبلته: زيادة إلا في مسألة المتوسط، فيكون المراد بالإطلاق في عبارة التحفة أنه لا فرق بين مسألة المتوسط وغيرها في قبلت وقبلتها فيعلم منها تفسير الإطلاق في عبارتنا بما ذكر ونصها لا قبلت ولا قبلتها مطلقا ولا قبلته إلا في مسألة المتوسط على ما في الروضة، لكن ردوه، ولا يشترط فيها أيضا تخاطب. فلو قال للولي زوجته ابنتك فقال زوجت على ما اقتضاه كلامهما لكن جزم غير واحد بأنه لا بد من زوجته أو زوجتها، ثم قال للزوج قبلت نكاحها فقال قبلته على ما مر أو تزوجتها فقال تزوجتها صح. ولا يكفي هنا نعم. اه. وقوله لكن ردوه: أي بأن الهاء لا تقوم مقام نكاحها. وقوله ولا يشترط فيها: أي في مسألة المتوسطة (قوله: ولا قبلته) أي النكاح كان الأولى أن يزيد بعده الإستثناء السابق في عبارة التحفة، وهو إلا في مسألة المتوسط. لعلم معنى الإطلاق السابق في كلامه. ولعله سقط من النساخ (قوله: والأولى الخ) أي الأولى في القبول من تزوجتها ونكحتها ورضيت نكاحها أن يقول قبلت نكاحها. وقوله لأنه القبول الحقيقي، مقتضاه أن ما عداه من ألفاظ القبول ليس قبولا حقيقيا وليس كذلك بل الكل قبول حقيقي شرعا، بل الوارد كما روي الآجري أن الواقع من علي في فاطمة رضي الله عنهما رضيت نكاحها (قوله: وصح النكاح بترجمة) قال في شرح الروض: اعتبارا بالمعنى، لأنه لفظ لا يتعلق به إعجاز، فاكتفى بترجمته. اه. (قوله: أي ترجمة أحد اللفظين) أي الإيجاب والقبول، ومثله ترجمة اللفظين معا، فقوله أحد ليس بقيد (قوله: بأي لغة) أي من لغة العجم، والمراد بها ما عدا العربية (قوله: ولو ممن يحسن العربية) غاية في الصحة: أي صحة النكاح بترجمته بما عدا لغة العرب، ولو ممن يحسن العربية. وهي للرد، كما يفيده عبارة المغني ونصها بعد قول المنهاج: ويصح بالعجمية في الأصح، والثاني لا تصح اعتبارا باللفظ الوارد، والثالث إن عجز عن العربية صح، وإلا فلا. اه. ومثله في النهاية (قوله: لكن يشترط الخ) لما كان إطلاق صحة النكاح بالترجمة يوهم عدم الفرق فيها بين الإتيان بالكناية أو بالصريح دفعة بقوله لكن يشترط الخ. وقوله أن يأتي الخ: يعني يشترط في الإكتفاء بالترجمة أن تكون صريحة في النكاح في تلك اللغة، لا كناية فيه، إذ الكناية لا تدخل في صيغة النكاح باللفظ العربي، وبالأولى لا تدخل فيها باللفظ العجمي (قوله: هذا إن فهم الخ) أي محل صحته بالترجمة إن فهم كل من العاقدين كلام

شرح المنهاج: ولو تواطأ أهل قطر على لفظ في إرادة النكاح من غير صريح ترجمته لم ينعقد النكاح به. انتهى. والمراد بالترجمة ترجمة معناه اللغوي كالضم، فلا ينعقد بألفاظ اشتهرت في بعض الاقطار للانكاح - كما أفتى به شيخنا المحقق الزمزمي - ولو عقد القاضي النكاح بالصيغة العربية لعجمي لا يعرف معناها الاصلي بل يعرف أنها موضوعة لعقد النكاح صح - كذا أفتى به شيخنا، والشيخ عطية - وقال في شرحي الارشاد والمنهاج: أنه لا يضر لحن العامي - كفتح تاء المتكلم، وإبدال الجيم زايا، أو عكسه. وينعقد بإشارة أخرس مفهمة وقيل ـــــــــــــــــــــــــــــ نفسه وكلام الآخر: سواء اتفقت لغتهما أم اختلفت، فإن فهمها ثقة دونهما وأخبرهما بمعناها: فإن كان بعد الإتيان بها لم يصح، أو قبله صح، إن لم يطل الفصل، على الأوجه (قوله: والشاهدان) معطوف على كل، أي وفهمها الشاهدان أيضا، لما سيذكره أنه لا بد فيهما من معرفة لسان المتعاقدين (قوله: وقال العلامة التقي السبكي الخ) هذا تقوية للإستدراك الذي ذكره، إذ هو يفيد مفاده (قوله: ولو تواطأ أهل قطر) أي اتفق أهل جهة على لفظ، وقوله في إرادة النكاح. الأولى أن يقول للنكاح ويحذف لفظ الجار والمجرور. وقوله من غير صريح ترجمته، حال من لفظ: أي حال كون ذلك اللفظ الذي تواطأ عليه كائنا من غير صريح ترجمة النكاح. وهو صادق بما إذا كان كناية فيه وبغيره (قوله: لم ينعقد النكاح) جواب لو. وقوله به: أي باللفظ الذي تواطأوا عليه (قوله: والمراد بالترجمة) أي التي يصح بها النكاح. وقوله ترجمة معناه اللغوي: أي ترجمة تفيد المعنى اللغوي للفظ النكاح وهو الضم، فلو أتي بترجمة للنكاح لا تفيده لم ينعقد بها النكاح. وحاصل توضيح هذا المقام أن الإيجاب والقبول كما يصحان باللفظ العربي يصحان أيضا باللفظ العجمي، لكن يشترط في اللفظ العجمي المترجم به أن يفيد معنى النكاح اللغوي الذي أفاده ذلك اللفظ العربي، وهو الضم والوطئ، فإذا أتى بترجمة زوجتك أو أنكحتك مثلا اشترط فيها أن تكون مفيدة لمعنى الضم والوطئ، فإن لم تفد ذلك المعنى في تلك اللغة لم ينعقد بها النكاح ولو تواطأوا عليها (قوله: فلا ينعقد) أي النكاح وهو تفريع على مفهوم المراد المكذور. وقوله بألفاظ: أي ليست مفيدة لمعنى النكاح اللغوي. وقوله اشتهرت في بعض الأقطار للإنكاح: أي للتزويج، أي لاستعمالها في ذلك (قوله: ولو عقد القاضي النكاح بالصيغة العربية) أي عبر عن النكاح بالصيغة العربية لا العجمية. وقوله لعجمي، متعلق بعقد. وقوله لا يعرف: أي ذلك العجمي. وقوله معناها: أي معنى الصيغة العربية، وقوله الأصلي: الذي يظهر أن المراد به اللغوي، لا الشرعي، الذي هو إنشاء الإيجاب أو القبول، وإلا لما صح قوله بعد بل يعرف أنها موضوعة لعقد النكاح، لأن المراد بعقد النكاح الإيجاب والقبول، فإذا عرفه عرف المعنى الشرعي فحينئذ لا يصح قوله لم يعرف معناها الأصلي - أي الشرعي - فتنبه (قوله: لا يضر لحن العامي) خرج به العارف فيضر لحنه. هذا ما جرى عليه ابن حجر، وجرى م ر على عدم الضرر منه أيضا. والمراد باللحن تغيير هيئة الحرف، وهو الحركة، أو تغييره نفس الحرف بأن يبدل بآخر، كما يدل عليه تمثيله، (قوله: كفتح تاء المتكلم الخ) أي من الإجياب والقبول، ولا ينافي عدم الضرر به هنا عدهم أنعمت، بضم التاء أو بكسرها، مما يضر في الصلاة لأن المدار في الصيغة على المتعارف في محاورات الناس، ولا كذلك القراءة (قوله: وإبدال الخ) معطوف على فتح، أي وكإبدال الجيم زايا، بأن يقول زوزتك. وقوله أو عكسه، أو إبدال الزاي جيما، بأن يقول جوجتك، قال في التحفة، وفي فتاوى بعض المتقدمين يصح أنكحتك، كما هو لغة قوم من اليمن، والغزالي لا يضر زوجت لك أو إليك لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى ينبغي أن يكون كالخطأ في الإعراب والتذكير والتأنيث. اه. (وقوله: والغزالي) أي وفتاوى الغزالي، فهو عطف على بعض (قوله: وينعقد) أي النكاح. وقوله بإشارة أخرس مفهمة، عبارة التحفة وينعقد نكاح الأخرس بإشارته التي لا يختص بفهمها الفطن، وكذا بكتابته بلا خلاف على ما في المجموع، لكنه معترض بأنه يرى أنها في الطلاق كناية والعقود أغلظ من الحلول، فكيف يصح النكاح بها فضلا عن كونه بلا خلاف؟ وقد يجاب بحمل كلامه على ما إذا لم تكن له إشارة مفهمة وتعذر توكيله لاضطراره حينئذ، ويلحق بكتابته في ذلك إشارته التي يختص بفهمها الفطن. اه. (قوله:

لا ينعقد النكاح إلا بالصيغة العربية. فعليه يصبر عند العجز إلى أن يتعلم أو يوكل. وحكي هذا عن أحمد. وخرج بقولي متصل ما إذا تخلل لفظ أجنبي عن العقد وإن قل: كأنكحتك ابنتي فاستوص بها خيرا. ولا يضر تخلل خطبة خفيفة من الزوج، وإن قلنا بعدم استحبابها - خلافا للسبكي وابن أبي الشريف - ولا فقل قبلت نكاحها لانه من مقتضى العقد. فلو أوجب ثم رجع عن إيجابه أو رجعت الآذنة في إذنها قبل القبول أو جنت أو ارتدت امتنع القبول. (فرع) لو قال الولي زوجتكها بمهر كذا، فقال الزوج قبلت نكاحها ولم يقل على هذا الصداق: صح النكاح بمهر المثل - خلافا للبارزي - (لا) يصح النكاح مع (تعليق) كالبيع بل أولى لاختصاصه بمزيد ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل لا ينعقد الخ) مقابل ما في المتن، وكان المناسب أن يزيد في المتن قوله على الأصح كالمنهاج، ثم يحكي المقابل. وقوله إلا بالصيغة العربية. قال في المغني: اعتبارا باللفظ الوارد. اه. (قوله: فعليه) أي على هذا القيل. وقوله يصبر: أي من لا يحسن العربية (قوله: وحكي هذا) أي القيل (قوله: وخرج بقولي متصل الخ) لو قدمه على قوله وصح بترجمة لكان أنسب (قوله: ماذا تخلل لفظ) أي أو سكوت لكن إن طال لإشعاره بالإعراض أيضا. وقوله أجنبي عن العقد: أي بأن يكون ليس من مقتضياته. وخرج به ما إذا لم يكن أجنبيا عنه بأن يكون من مقتضياته، فإن طال ضر، وإن قصر لم يضر، وقوله وإن قل: أي ذلك اللفظ المتخلل (قوله: كأنكحتك الخ) تمثيل للفظ الأجنبي المتخلل. ومحله قوله فاستوص بها خيرا، لا كل الصيغة، كما هو ظاهر. والمؤلف وافق العلامة الرملي في القول بالضرر باللفظ المذكور، وخالف شيخه العلامة ابن حجر في القول بعدم الضرر به، ووهم من قال بالضرر، ونص عبارته: ويؤخذ مما مر في البيع أن الفصل بأجنبي ممن طلب جوابه يضر، وإن قصر، وممن انقضى كلامه لا يضر، إلا إن طال، فقول بعضهم: لو قال زوجتك فاستوص بها خيرا، لم يصح، وهم. اه. ونص عبارة م ر: وقول بعضهم لو قال زوجتك فاستوص بها فقبل لم يصح صحيح، والمنازعة فيه بأنه وهم مفرع على أن الكلمة في البيع ممن انقضى كلامه لا تضر، وقد علمت رده. اه. (قوله: ولا يضر تخلل خطبة خفيفة) أي غير طويلة بأن تشتمل على حمد وصلاة ووصية بالتقوى، أما إذا طالت فيضر لإشعاره بالإعراض، وضبط القفال الطول بأن يكون زمنه لو سكتا فيه لخرج الجواب عن كونه جوابا، والأولى ضبطه بالعرف. وقوله من الزوج: أي صادرة منه بأن قال قبل القبول، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أوصيكم بتقوى الله قبلت نكاحها. وخرج به الخطبة الصادرة من الولي قبل الإيجاب فهي لا تضر مطلقا، ولو طالت، لأنها لا تعد فاصلا (قوله: وإن قلنا بعدم استحبابها) أي الخطبة من الزوج قبل القبول، وهو غاية في عدم الضرر (قوله: خلافا للسبكي وابن أبي الشريف) أي القائلين بضرر تخلل ذلك، وعللاه بأنه أجنبي من العقد (قوله: ولا فقل الخ) أي ولا يضر قول العاقد للزوج فقل قبلت نكاحها فهو معطوف على مدخول يضر. ونقل في حاشية الجمل عن شيخه الضرر به ونصها: والظاهر أنه يضر الفصل بقوله قل قبلت، قياسا على البيع بالأولى، لأن النكاح يحتاط له. اه. شيخنا. اه. ومثله في البجيرمي (قوله: لأنه من مقتضى العقد) تعليل لعدم الضرر بتخلل الخطبة الخفيفة، وبقوله فقل قبلت نكاحها فضمير أنه عائد على المذكور منهما وليس عائدا على الثاني فقط، وإن كان يوهمه صنيعه. (قوله: فلو أوجب الخ) مفرع على مقدر ملحوظ في كلامه وهو أنه إذا أتى أحد العاقدين بأحد شقي العقد فلا بد من إصراره عليه وبقاء أهليته حتى يوجد الشق الآخر، وكذا الآذنة في تزويجها حيث يعتبر إذنها، وكان الأولى التصريح بهذا المقدر. وقوله ثم رجع عن إيجابه: أي أو جن أو أغمي عليه أو ارتد (قوله: امتنع القبول) أي لم يصح ولو أتى به (قوله: لو قال الولي) أي للزوج ومثل الولي نائبه. وقوله زوجتكها: أي موليتي. وقوله بمهر كذا. أي بمهر مقداره كذا وكذا كمائة (قوله: فقال الزوج) مثله وليه أو وكيله. وقوله قبلت نكاحها، أي فقط (قوله: ولم يقل على هذا الصداق) أي أو نفاه (قوله: صح النكاح) جواب لو (قوله: خلافا للبارزي) أي القائل بعدم صحة النكاح حينئذ لعدم التوافق بين الإيجاب والقبول، وهو ضعيف، لأن التوافق

الاحتياط: كأن يقول الاب للآخر إن كانت بنتي طلقت أو اعتدت فقد زوجتكها فقبل ثم بان انقضاء عدتها وأنها أذنت له: فلا يصح لفساد الصيغة بالتعليق. وبحث بعضهم الصحة في إن كانت فلانة موليتي فقد زوجتكها وفي زوجتك إن شئت كالبيع: إذ لا تعليق في الحقيقة، (و) لا مع (تأقيت) للنكاح بمدة معلومة أو مجهولة فيفسد لصحة النهي عن نكاح المتعة - وهو المؤقت ولو بألف سنة - وليس منه ما لو قال زوجتكها مدة حياتك أو حياتها ـــــــــــــــــــــــــــــ حاصل والصداق ليس بركن حتى يحتاج إلى التوافق فيه كالثمن في البيع. نعم، يشترط للزومه ذكره في شقي العقد مع توافقهما فيه (قوله: لا يصح النكاح مع تعليق) أي ولو بإن شاء الله إن قصد التعليق أو أطلق، فإن قصد التبرك أو أن كل شئ بمشيئته تعالى صح، كما في النهاية. (قوله: كالبيع) أي نظير البيع، فإنه لا يصح التعليق فيه، فالكاف للتنظير (قوله: بل أولى) أي بل النكاح أولى بعدم صحته بالتعليق (قوله: لاختصاصه) أي النكاح، وهو علة الأولوية. وقوله بمزيد الاحتياط: أي بزيادة احتياط على غيره لأجل حفظ الأبضاع، والدليل عليه اشتراط الإشهاد فيه دون غيره (قوله: كأن يقول الأب الخ) تمثيل ما دخله التعليق، وقوله للآخر: المناسب حذف أل، بأن يقول لآخر، وهو الزوج، أو وليه، أو وكيله (قوله: إن كانت بنتي طلقت الخ) مثله ما لو بشر بولد، فقال إن كان أنثى فقد زوجتكها فقبل وبانت أنثى (قوله: فقبل) أي ذلك الآخر. وقوله ثم بان انقضاء إلخ: أي ثم بان طلاقها وانقضاء عدتها الخ. ففي الكلام حذف المعطوف عليه، وقوله وأنها أذنت له: أي وبان أنها أذنت لأبيها في نكاحها، وإنما ذكر هذا وما قبله لأن القصد ترتيب عدم الصحة على التعليق فقط لأنه إذا لم يتبين ما ذكر من طلاقها وإذنها لوليها في النكاح يكون عدم الصحة مرتبا على هذا أيضا (قوله: فلا يصح) أي التزويج بالقول المذكور. وقوله لفساد الصيغة بالتعليق: علة لعدم الصحة، ويرد عليه أنهم ذكروا في باب البيع أنه لو قال البائع إن كان هذا ملكي فقد بعتكه ثم تبين أنه ملكه فإنه يصح. فما الفرق؟ قال في التحفة: والوجه الفرق بمزيد الإحتياط هنا (قوله: وبحث بعضهم الصحة في إن كانت فلانة موليتي فقد زوجتكها) قال في التحفة: ويتعين حمله على ما إذا علم أو ظن أنها موليته (قوله: وفي زوجتك إن شئت) قال في التحفة: يتعين حمله على ما إذا لم يرد التعليق. اه. (قوله: إذ لا تعليق في الحقيقة) تعليل لبحث بعضهم الصحة في الصورتين، وهو على حد قوله تعالى: * (وخافون إن كنتم مؤمنين) * (1) وقولك: إن كنت زوجتي فأنت طالق. وهذا التعليل مبني على حمل التحفة السابق فيهما (قوله: ولا مع تأقيت) معطوف على مع تعليق: أي ولا يصح النكاح مع توقيته. قال ع ش: أي حيث وقع ذلك في صلب العقد، أما لو توافقا عليه قبل ولم يتعرضا له في العقد لم يضر، لكن ينبغي كراهته. اه. (قوله: بمدة معلومة) أي كسنة. وقوله أو مجهولة: أي كزمن وحين (قوله: فيفسد) لا حاجة إليه بعد قوله ولا مع تأقيت، لما علمت أنه معطوف على مع تعليق، وأن التقدير ولا يصح النكاح مع تعليق وعدم الصحة هو الفساد (قوله: لصحة النهي عن نكاح المتعة) قال في التحفة: وجاز أولا رخصة للمضطر، ثم حرم عام خيبر، ثم جاز عام الفتح وقبل حجة الوداع، ثم حرم أبدا بالنص الصريح. وفي البجيرمي: (والحاصل) أن نكاح المتعة كان مباحا، ثم نسخ يوم خيبر، ثم أبيح يوم الفتح، ثم نسخ في أيام الفتح، واستمر تحريمه إلى يوم القيامة. وكان فيه خلاف في الصدر الأول، ثم ارتفع وأجمعوا على تحريمه. قال بعض الصحابة: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما بين الركن والباب، وهو يقول: أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع. ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا وقد وقعت مناظرة بين القاضي يحيى بن أكثم وأمير المؤمنين المأمون فإن المأمون نادى بإباحة المتعة، فدخل يحيى بن أكثم وهو متغير بسبب ذلك وجلس عنده، فقال له المأمون ما لي أراك متغيرا؟ قال لما حدث في الإسلام. قال وما حدث؟ قال النداء بتحليل الزنا. قال المتعة زنا؟ قال نعم. قال ومن أين لك هذا؟ قال من كتاب الله وسنة رسوله: أما الكتاب فقد قال الله تعالى: * (قد أفلح

_ (1) سورة آل عمران، الاية: 175

لانه مقتضى العقد، بل يبقى أثره بعد الموت، ويلزمه في نكاح المتعة المهر والنسب والعدة، ويسقط الحد إن عقد بولي وشاهدين فإن عقد بينه وبين المرأة وجب الحمد إن وطئ: وحيث وجب الحد لم يثبت المهر ولا ما ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤمنون) * إلى قوله * (والذين هو لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) * (1) يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين؟ قال لا. قال فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث؟ قال لا. قال فقد صار متجاوز هذين من العادين. وأما السنة فقد روى الزهري بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها، فالتفت المأمون للحاضرين وقال: أتحفظون هذا من حديث الزهري؟ قالوا نعم. فقال المأمون: استغفر الله نادوا بتحريم المتعة. اه. ملخصا. (قوله: وهو) أي نكاح المتعة. وقوله المؤقت الخ: هذا ضابطه عند الجمهور، وأما عند ابن عباس فهو الخالي من الولي والشهود، كذا في شرح التحرير، قال ش ق عليه. وعلى كل فهو حرام، ولا حد فيه مطلقا للشبهة، وقال أيضا: إنما سمي بذلك لأن الغرض منه مجرد التمتع لا التوالد والتوارث اللذان هما الغرض الأصلي من النكاح المقتضيان للدوام. قال: ولكن هذا لا يظهر على الضابط الثاني، إلا أن يقال شأن الصادر بلا ولي ولا شهود أن يكون الغرض منه مجرد التمتع: إذ لو أراد الدوام لعقد بحضرة ولي وشهود. اه. بتصرف (قوله: وليس منه) أي من المؤقت، والمراد الباطل، وإلا فلا يمكن نفي التأقيت رأسا لأنه موجود في العبارة. وقوله ما لو قال زوجتكها مدة حياتك أو حياتها، أي ما لو أقت النكاح بمدة حياته أو حياتها. وقوله لأنه، الضمير يعود على التأقيت بمدة الحياة المفهوم من المثال. وقوله مقتضى العقد، أي وهو بقاء المعقود عليه إلى الموت، أي والتصريح بمقتضاه لا يضر، كنظيره فيما لو قال وهبتك أو أعمرتك هذه الدار مدة حياتك أو عمرك كذا في شرح الروض، وجرى عليه حجر في فتح الجواد ولم يرتضه في التحفة ونصها: وبحث البلقيني صحته إذا أقت بمدة عمره أو عمرها لأنه تصريح بمقضى الواقع، وقد ينازع فيه بأن الموت لا يرفع آثار النكاح كلها، فالتعليق بالحياة المقتضي لرفعها كلها بالموت مخالف لمقتضاه حينئذ، وبه يتأيد إطلاقهم. ويعلم الفرق بين هذا ووهبتك أو أعمرتك مدة حياتك بأن المدار ثم على صحة الحديث به، فهو إلى التعبد أقرب، على أنه يكفي طلب مزيد الاحتياط هنا فارقا بينه وبين غيره. اه. ومثله في النهاية ونصها: وبحث البلقيني صحته عند توقيته بمدة عمره أو عمرها لأنه تصريح بمقتضى الواقع ممنوع، فقد صرح بالأصحاب في البيع بأنه إذا قال بعتك هذا حياتك لم يصح البيع، فالنكاح أولى، ولأن الموت لا يرفع آثار النكاح كلها، فالتعليق بالحياة المقتضي لرفعها بالموت مخالف لمقتضاه حينئذ، وبه يتأيد إطلاقهم. اه. (قوله: بل يبقى أثره) أي النكاح: أي وهو الغسل والإرث. وانظر في هذا الإضراب فإنه ينافي التأقيت بمدة الحياة وينافي التعليل الذي ذكره، وذلك لأنهما يقتضيان عدم بقاء أثر النكاح بعد الموت، ولذلك نازع ابن حجر والرملي، القائلان بعدم الصحة، البلقيني القائل بالصحة، ولو اقتضيا بقاء الأثر لما نازعاه ولوافقاه في الصحة، ولعل شارحنا لم ينظر لما اقتضاه التأقيت والتعليل الناشئ عنه النزاع المذكور، فلذلك أثبت الصحة القائل بها البلقيني، وأثبت ما هو محل نزاعهما للبلقيني بالإضراب المذكور. فتنبه (قوله: ويلزمه في نكاح المتعة) أي ويلزم الواطئ بوطئه في نكاح المتعة. وقوله المهر: أي مهر مثل بكر إن كانت بكرا وثيب إن كانت ثيبا ولا يلزمه المسمى لفساد النكاح. وقوله والنسب: أي ويلزمه النسب: أي لو حملت منه وأتت بمولود فإنه ينسب إليه، وقوله والعدة لا معنى لعطفه على ما قبله، إذ يصير المعنى ويلزمه العدة وهو ليس عليه عدة فيتعين جعله فاعلا لفعل محذوف، أي ويلزمها العدة ولو لم يذكر ضمير يلزم البارز لصح العطف المذكور، ولكن يقدر المفعول بالنسبة للأولين ضميرا مذكرا، وبالنسبة للعدة ضميرا مؤنثا (قوله: ويسقط الحد) أي لشبهة اختلاف العلماء فيه. وعبارة متن الروض، نكاح المتعة، وهو المؤقت، باطل يسقط به الحد، وإن علم فساده لشبهة اختلاف العلماء، ولا يجوز تقليده فيه، وينقض الحكم به. اه. بزيادة (قوله: إن عقد بولي وشاهدين) مثله ما لو عقد بشاهدين من غير ولي فإنه يلزمه ما ذكر ويسقط عنه الحد، لكن بشرط أن لا يحكم حاكم

_ (1) سورة المؤمنون، الاية: 1 - 7

بعده وينعقد النكاح بلا ذكر مهر في العقد بل يسن ذكره فيه. وكره إخلاؤه عنه. نعم، لو زوج أمته بعيده لم يستحب (و) شرط (في الزوجة) أي المنكوحة (خلو من نكاح وعدة) من غيره (وتعيين) لها. فزوجتك إحدى ـــــــــــــــــــــــــــــ ببطلانه، وإلا وجب الحد (قوله: فإن عقد بينه وبين امرأة) أي من غير ولي وشاهدين. وقوله وجب الحد: أي لأنه زنا (قوله: وحيث وجب الحد) أي بأن كان النكاح بلا ولي ولا شهود. وقوله لم يثبت المهر الخ: أي لأنه زنا. وقوله ولا ما بعده: هو النسب والعدة (قوله: وينعقد النكاح الخ) ذكر هذا هنا، وإن كان سيصرح به في الصداق، لمناسبته للصيغة من حيث إن تسمية المهر إنما يكون فيها. فهو استطراد (قوله: بل يسن الخ) الإضراب انتقالي، والأولى أن يقول ويسن، بالواو بدل أداة الإضراب، وسيذكر في باب الصداق أنه قد يجب ذكره لعارض، كأن كانت المرأة غير جائزة التصرف لصغر أو جنون أو سفه (قوله: وكره إخلاؤه) أي العقد وقوله عنه: أي عن ذكر الصداق (قوله: نعم لو زوج أمته بعبده لم يستحب) أي ذكره في العقد، إذ لا فائدة فيه فإنه لا يثبت للسيد على عبده شئ، فلا حاجة إلى ذكره. ومحله حيث لا كتابة وإلا بأن كان أحدهما أو كلاهما مكاتبا استحب، إذ المكاتب كالأجنبي (قوله: وشرط في الزوجة الخ) لما أنهى الكلام على شروط الصيغة شرع في بيان شروط الزوجة التي هي أحد الأركان الخمسة، وذكر أربعة شروط: ثلاثة متنا، وهي خلوها من نكاح وعدة، وتعيين لها، وعدم محرمية. وواحد شرحا: وهو ما سيذكر في التنبيه من اشتراط أن تكون مسلمة أو كتابية (قوله: أي المنكوحة) أي التي يريد أن ينكحها، ولو قال أي المخطوبة لكان أولى، ليفيد أن المراد بالزوجة في عبارته ليس حقيقتها، وإنما المراد بها المخطوبة وإطلاق الزوجة عليها يكون باعتبار ما تؤول إليه (قوله: خلو من نكاح وعدة) أي ولو بادعائها فيجوز تزويجها ما لم يعرف لها نكاح سابق، فإن عرف لها وادعت أن زوجها طلقها أو مات وانقضت عدتها، جاز لوليها الخاص تزويجها (1)، ولا يزوجها الولي العام، وهو الحاكم، إلا بعد ثبوت ذلك عنده،

_ (1) قوله: جاز لوليها الخاص تزويجها) محله ما لم ينكر زوجها الاول طلاقها ولم تقم بينة على طلاقها، وإلا فلا يصح. وقد رفع سوال لمفتي السادة الشافعية شيخنا واستاذنا المرحوم بكرم الله مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان في خصوص هذه القضية واجاب عنه رحمه الله خالق البرية. وصورة السؤال ما قولكم دام فضلكم في امراة خرجت من بيت زجها الى بيت وليها هاربة ثم بعد مدة ذهبت الى القاضى وادعت أن زوجها طلقها وانها انقضت عدتها وطلبت منه أن يزوجها فطلب منها القاضى بينة الطلاق فلم تقمها، ثم ان الحاكم حكم عليها أن ترجع إلى بيت زجها فابت وهربت الى محل ثان، فجاء بعض علماء ذلك المحل وقال لوليها الخاص انك إذا صدقت قول موليتك في الطلاق وانقضاء العدة جاز لك ان تزوج موليتك، فاغتر بقوله، وزوج موليته، ثم ان الزوج الاول جاء الى الزوج الثاني وقال له ان نكاحك باطل لانك عقدت عليها وهى في عصمتي وانا لم اطلقها، فهل ما قاله الزوج الاول صحيح ويترتب عليه انها تنزع من الزوج الثاني وتسلم له أم لا؟ افتونا بالنص، فان المسالة وقع فيها خلاف عندهم بين علماء ذلك المحل، فمنهم من قال نعم لا يصح نكاح الزوج الثاني وتنزع منه وتسلم للاول، ومنهم من قال يصح نكاح الثاني ولاتنزع منه متمسكا بقولهم ان الولى الخاص إذا صدق قول موليته أن زوجها طلقها وانها انقضت عدتها له تزويجها ومتمسكا بما في التحفة في بال الرجعة وما كتبه سم عليه ونص التحفة: ولو ادعى على مزوجة انها زوجته وقالت كنت زوجتك فطلقتني جعلت زوجة له لاقرارها له كذا أطلقه، واطال الاذرعى في رده نقلا وتوجيها ثم حمله على مزوجة انها زوجته وقالت كنت زوجتك فطلقني جعلت زوجة له لاقرارها له كدا اطلقه، واطال الاذرعى في رده نقلا وتوجيها ثم حمله على ما إذا لم تعترف للثاني ولا مكنته ولا اذنت في نكاحها. انتهى. ونص ما كتبه سم: قوله ثم حمله الخ. في شرح الروض نحو هذا التقييد عن البغوي والبلقيني، فقال: نعم، ان اقرت اولا بالنكاح للثاني أو اذنت فيه لم تنزع منه ذكره البغوي، واشار إليه القاضى وكذا البلقينى فقال: يجب تقييده بما إذا لم تكن المراة اقرت النكاح لمن هي تحت يده ولا يثبت ذلك بالبينة، فان وجد احدهما لم تنزع منه جزما. انتهى. فقال البعض المذكور قول التحفة ثم حمله يدل على ما قلناه من ان نكاح الثاني صحيح وانها لا تنزع منه، وكذا ما نقله سم في شرح الروض عن البغوي والباقينى هذا حجته ودليله، فبينوا لنا ذلك فانكم لو لم تبينوا ذلك لنا عمل بهذه المسالة في ارضنا وحصل من ذلك ضرر عظيم .. لكم الاجر والثواب. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والسالكين نهجهم بعده. اللهم هداية للصواب. إن لم تقم المراة المذكورة ببينة عادلة على طلاقها من زوجها الاول على عدم الطلاق نزعت من زوجها الثاني لتبين فساد العقد، ثم بعد عدتها من وطئه ان كان تسلم لزوجها الاول، لان المراة المذكورة في صورة السؤال قد علمت زوجيتها للاول باعترافها السابق على تزوجها بالثاني. ومثله لو كانت زوجيتها له معلومة من غير اعترافها. قال العلامة ابن المقري في متن الإرشاد من باب العدد ما نصه: معلوما وادعت طلاقا وتزوجت برجل آخر وادعى الزوج الاول بقاء النكاح وأنه لم يطلقها فالقول قوله وقد ذكر في الحاوى مسالة غيرها فقال ما معناه: إذا تزوجت امراة برجل اخر فجاء اخر وادعاها زوجة فقالت له: طلقني فانكر: حكم بانها زوجته لاعترافها له بالنكاح، ويحلف انه ما طلقها ويستحقها. قال في المهمات: وكيف يستقيم ذلك، يعنى تسليمها الى من اعترفت بنكاحه وادعت طلاقه، وقد تعلق بها حق الزوج الثاني؟ وقد صحح الرافعى فيما إذا باع شيئا ثم اعترف بعد البيع بانه كان ملكا لغيره أنه لا يقبل منه لانهما قد بتواطان على ذلك. قال: ولعل المسألة مصورة بما إذا ثبت نكاح الأول. اه. ملخصا. وفي فتح الجواد ما نصه: وإن تزوجت امراة كانت في حباله زوج بأن ثبت ذلك ولو باقرارها به قبل نكاح الثاني فادعى عليها الأول بقاء نكاحه وانه يطلقها فسئلت، الجواب فإذا هي مدعية انه طلقها وانقضت عدتها منه قبل أن تنكح الثاني ولا بينة بالطلاق فحلف أنه لم يطلقها اخذها من الثاني لأنها أقرت له بالزوجية وهو اقرار صحيح: إذا لم يتفقا على الطلاق. اه. (والحاصل) أن المراة إذا تزوجت فجاء رجل وادعى عليها انها زجته فأجابته بانك طلقني ولم تات ببينة على الطلاق، كان لها في هذه الحالة صورتان: احدهما ان تكون زوجيتها من الاول المدعى معلومة ببينة أو بإقرارها أو بغير ذلك، ففى هذه الصورة يحلف زوجها الاول المدعى على عدم الطلاق ويأخذها من الثاني. وهذه هي مسالة السؤال ومسالة متن الارشاد، ولذا قيد في التمشية مسالة متنه بقوله: وقد اعترف بنكاح أو كان معلوما كما تقدم آنفآ. وقيد الشهاب ابن حجر في فتح الجواد ايضا بقوله: كانت في حبالة زوج بأن ثبت ذلك ولو باقرارها به قبل نكاح الثاني، كما تقدم آنفآ ايضا ثانيتهما: أن تكون المرأة مبهمة الحال: أي لم يعرف انها كانت زوجة المدعى وانه طلقها وفى هذه الصورة ينظر، فان كانت قد اذنت في نكاحها بالثاني أو مكنته بقيت عنده ولاتنزع منه، وإن لم تكن أذنت في النكاح منه ولا مكنته حلف زوجها الاول ونزعت من الثاني وردت إليه وهذه الصورة الثانية مع ما فيها من التفصيل من كون المراة المجيبة بما ذكر قد اذنت في نكاحها بالثاني أو مكنته أو لم تأذن ولم تمكنه هي مسالة التحفة وكلام ابن قاسم وشرح الروض فيها. إذا تبين ذلك علمت أنه لا يصح التمسك بما في التحفة والاستدلال به على مسالة السؤال. والله سبحانه وتعالى اعلم. امر برقمه المرتجي من ربه الغفران أحمد بن زيني دحلان. مفتي الشافعية، في مكة المحمية، غفر الله له ولوالديه ومشايخه والمسلمين آمين. (واجاب) عنه ايضا شيخنا مؤلف هذه الحاشية المذكورة فقال: اللهم هداية للصواب. نعم، النكاح الثاني باطل لأن الأصل عدم الطلاق وبقاء العصمة فتنزع من الزوج وتسلم للاول كرها، لكن محله إذا لم تقم بينة على الطلاق وحلف الزوج الاول على عدم الطلاق، كما صرح بذلك في متن الإرشاد في باب العدة، ونص عبارته: وان تزوجت مدعية انه طلقها فحلف اخذها. اه. قال محشيه التزيلى اليمني: يعنى إذا ادعت امراة أن زوجها طلقها ثم تزوجت باخر فانكر الزوج الاول الطلاق فانه يحلف وتسلم إليه المراة ويلغو نكاح الثاني، لأن الأصل عدم الطلاق. اه. ومثله في شرح ابن حجر في فتح الجواد وعبارته: وان تزوجت امراة كانت في مدعية انه طلقها وانقضت عدتها منه قبل أن تنكح الثاني ولا بينة بالطلاق فحلف انه لم بطلقها اخذها من الثاني، لأنها أقرت له بالزوجية، وهو اقرار صحيح. إذا لم يتفقا على الطلاق اه. ويؤيده ايضا عبارة الروض وشرحه في الباب السادس في مسائل منثورة تتعلق باداب القضاء والشهادات والدعاوى ونصها: فصل في فتاوى البغوي، أنها لو أقرت لرجل بنكاح من سنة واثبت اخر، أي اقام بينة بنكاحها من شهر، حكم للمقر له، لانه قد ثبت باقرارها النكاح للاول، فما لم يثبت الطلاق لا حكم للنكاح الثاني. اه. فقوله فما لم يثبت الخ: نص في المسالة. (فان قلت) فما تصنع في صورة التحفة السابقة فانها عين الصورة المسؤول عنها والحال ان الاذرعى حملها على ما إذا لم تعترف للثاني ولامكنته ولا اذنت في نكاحه؟ ومفهومه انها إذا اعترفت للثاني بالزوحية ومكنته أو اذنت في نكاحها لا تجعل زوجة للاول تبقى زوجة للثاني، ومثله ما كتبه ابن قاسم، فان ذلك كله يناقض ما نقلته عن الارشاد. وما كتب عليه. قلت: ليست صورة التحفة عين الصورة المسؤول عنها ولا تناقض بينهما. وبيان ذلك ان الصورة المسؤول عنها مفروضة في امراة علم قبل النكاح الثاني لها بالبينة وباقرارها انها زوجة فلان وادعت الطلاق ولم تثبت. وصورة التحفة مفروضة في امرأة مستبهمة، أي لم يعلم قبل نكاح الثاني لها أنها مزوجة بل هي كانت تحت حبالة الثاني فجاء رجل آخر وادعى انها زوجته، فهذه الصور فيها تفصيل، فان اقرت للاول بازوجية ولم تقر للثاني ولم تمكنه من الوطء ولم تأذن له في النكاح فيأخذها الاول وتكون زوجة له، واما ان اقرت للثاني بالزوجية أو اقامت بينة عليها فهي زوجته ولم تنزع منه. ويدل لكون صورة التحفة المذكورة مفروضة في المبهمة، أي التي لم يعلم قبل نكاح الثاني انها كانت مزوجة صريح عبارة فتح الجواد ونصه بعدما نقلته عنه آنفا: والحق الحاوى، كالشيخين، بذلك ما لو استبهمت بأن لم يعلم نكاح احد لها وانما هي تحت حبالة رجل فادعى آخر انها زوجته فقالت طلقني وانكر فيحلف ويأخذها ايضا. نعم، ان اقرت اولا بالنكاح للثاني أو اذنت فيه لم تنزع منه، كما قاله القاضي وغيره، واعتمده الادرعى وغيره، كما لو نكحت بإذنها ثم ادعت رضاعا محرما لا يقبل. قال الباقينى: وكذا لو ثبت نكاح الثاني بالبينة. اه. ومثلها عبارة البهجة وشرحها ونصها بعد كلام: الا إذا ادعى على مستبهمة أي لم يعرف انها كانت زوجته وطلقها تحت امرئ زوجية مقدمة على نكاحه، فان تقل في الجواب كنت زوجتك لكن طلقني وهو، أي الزوج، نفى هذا، أي طلاقها، تكن زوجته ان حلف انه لم يطلق، لأن الأصل عدم الطلاق، بخلاف الاولى فانهما اتفقا على الطلاق والاصل عدم الرجعة. نعم: ان اقرت اولا بالنكاح للثاني أو أذنت فيه لم تنزع منه، كما لو نكحت رجلا باذنها ثم اقرت برضاع محرم بينهما لا يقبل إقرارها، وكما لو باع شيئا ثم اقر انه كان ملك فلان لا يقبل اقراره. ذكره البغوي واشار إليه القاضي، وكذا البلقينى بحثا. فقال: يجب تقييده بما إذا لم تكن المراة اقرت بالنكاح لمن هي تحت يده ولا ثبت ذلك بالبينة، فإن وجد أحدهما لم تنزع منه جزما. اه. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب

بناتي باطل ولو مع الاشارة، ويكفي التعيين بوصف أو إشارة كزوجتك بنتي وليس له غيرها أو التي في الدار وليس فيها غيرها أو هذه وإن سماها بغير اسمها في الكل - بخلاف زوجتك فاطمة وإن كان اسم بنته إلا إن نوياها. ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قال ز ي، اه. بجيرمي بتصرف. وقوله من غيره: الجار والمجرور صفة لعدة: أي عدة حاصلة لها من غير الزوج. وخرج به المعتدة منه، ففيها تفصيل، فإن كان الطلاق رجعيا أو بائنا بدون الثلاث واللعان صح النكاح في العدة، وإلا فلا. ومعنى صحته في الرجعية رجوعها من غير عقد (قوله: وتعيين) بالرفع عطف على خلو، أي وشرط تعيين للزوجة بما يذكره حاصل من وليها (قوله: فزوجتك إحدى بناتي باطل) أي ما لم ينويا معينة، وإلا فلا يبطل، لما تقدم أن الكناية في المعقود عليه تصح (قوله: ولو مع الإشارة) أي للبنات اللاتي المزوجة إحداهن، بأن قال زوجتك إحدى بناتي هؤلاء أو إحدى هؤلاء البنات فإنه باطل للجهل يعين المزوجة، لا للمزوجة التي هي إحدى البنات، وإلا لنافى قوله بعد ويكفي التعيين بوصف أو إشارة. تأمل (قوله: ويكفي التعيين بوصف) ليس المراد به الوصف الاصطلاحي، وهو ما دل على معنى وذات: كقائم وضارب، بل المراد به المعنى القائم بغيره، سواء دل على ذات قائم بها ذلك المعنى أم لا، فهو أعم من الاصطلاحي (قوله: كزوجتك بنتي) تمثيل للتعيين بالوصف، ومثله الذي بعده (قوله: وليس له غيرها) قيد لا بد منه، فلو كان له بنت غيرها لا يكون قوله بنتي تعيينا فيكون باطلا (قوله: أو التي في الدار) أي أو قال زوجتك التي في الدار. وقوله وليس فيه، أي في الدار غيرها أي غير بنته، وهو قيد أيضا. فلو كان في الدار بنت أخرى غير بنته وقال زوجتك التي في الدار لا يكون تعيينا فيكون باطلا للإبهام (قوله: أو هذه) أي أو قال زوجتك هذه وهي حاضرة (قوله: وإن سماها) أي المعينة بما ذكر، وهو غاية للإكتفاء بالتعيين بما ذكر: أي يكفي التعيين بما ذكر وإن سماها بغير اسمها، كأن قال زوجتك بنتي مريم والحال أن اسمها خديجة، أو قال زوجتك عائشة التي في الدار والحال أن اسمها فاطمة، أو قال زوجتك فاطمة هذه والحال أن اسمها زينب مثلا. وإنما اكتفى بالتعيين بما ذكر مع تغيير الاسم لأن كلا من البنتية والكينونة في الدار في المثالين الأولين وصف مميز، فاعتبر ولغا الاسم، ولأن العبرة بالإشارة في الثالث، لا بالاسم، فكان كالعدم (قوله: بخلاف زوجتك فاطمة) أي بخلاف التعيين بالاسم فقط: كزوجتك فاطمة من غير أن تقول بنتي، فلا يكفي لكثرة الفواطم، وإن كان هذا الاسم هو اسمها في الواقع. وقوله إلا إن نوياها، أي نوى العاقدان بفاطمة بنته فيكفي عملا بما نوياه. قال في المغني. (فإن قيل) يشترط في صحة العقد الإشهاد والشهوتد لا اطلاع لهم على النية. (أجيب) بأن الكناية مغتفرة في ذلك، على أن الخوارزمي اعتبر في مثل ذلك أيضا علم الشهود بالمنويه. وعليه لا

قال زوجتك بنتي الكبرى وسماها باسم الصغرى صح في الكبرى لان الكبر صفة قائمة بذاتها، بخلاف الاسم فقدم عليه: ولو قال: زوجتك بنتي خديجة فبانت بنت ابنه صح إن نوياها أو عينها بإشارة أو لم يعرف لصلبه غيرها، وإلا فلا (و) شرط فيها أيضا (عدم محرمية) بينها وبين الخاطب (بنسب فيحرم) به آخر لآية: * (حرمت عليكم) * (نساء قرابة غير) ما دخل في (ولد عمومة وخؤولة) فحينئذ يحرم نكاح أم وهي من ولدتك، أو ولدت ـــــــــــــــــــــــــــــ سؤال. اه. (قوله: ولو قال) أي من له ابنتان. صغرى وكبرى (قوله: وسماها) أي الكبرى (قوله: صح) أي النكاح (قوله: لأن الكبر صفة قائمة بذاتها) أي فاكتفى بها (قوله: بخلاف الاسم) أي فليس وصفا قائما بذاتها (قوله: فقدم) أي الكبر الذي هو صفة. وقوله عليه: أي على الإسم. قال في شرح الروض. ولو قال زوجتك بنتي الصغيرة الطويلة وكانت الطويلة الكبيرة فالتزويج باطل لأن كلا الوصفين لازم، وليس اعتبار أحدهما في تمييز المنكوحة أولى من اعتبار الآخر وصارت مبهمة. اه. (قوله: ولو قال) أي الولي للزوج (قوله: فبانت) أي خديجة المسماة في العقد بنت ابنه لا بنته (قوله: صح) أي العقد. وقوله إن نوياها: أي نويا بخديجة بنت ابنه، ويأتي فيه السؤال والجواب السابقان في شرح الروض، وقوله أو عينها بإشارة، أي بأن قال زوجتك بنتي خديجة هذه وأشار لبنت الابن، وقوله أو لم يعرف لصلبه غيرها، أي لم يعرف أن له بنتا من صلبه غير بنت الابن، وفيه أن هذا يقتضي أن بنت الابن يصدق عليها أنها من صلبه، وليس كذلك، بل هي من صلب الابن، إلا أن يقال أنه على سبيل التجوز (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم ينوياها ولم تتعين بإشارة وعرف لصلبه بنت غيرها فلا يصح العقد. وفي الروض وشرحه: ولو ذكر الولي اسم واحدة من بنتيه وقصدهما الأخرى صح التزويج فيما قصداها ولغت التسمية، وفيه الإشكال السابق. ويأتي فيه ما تقدم فإن اختلف قصدهما لم يصح التزويج، لأن الزوج قبل غير ما أوجبه الولي. اه. (قوله: وشرط فيها) أي في الزوجة. وقوله أيضا، أي كما شرط فيها ما تقدم من الخلو من النكاح والعدة ومن التعيين (قوله: عدم محرمية) أي انتفاء محرمية، وهي وصف يقتضي تحريم المناكحة. وقوله بينها، أي المخطوبة، والظرف متعلق بمحذوف صفة لمحرمية (قوله: بنسب) الباء سببية متعلقة بمحرمية، أي محرمية سببها نسب أو رضاع أو مصاهرة (قوله: فيحرم الخ) تفريع على المفهوم. وقوله به: أي بالنسب والأولى بها، أي المحرمية الكائنة بسبب النسب. (واعلم) أن للمحرمات بالنسب ضابطين، الأول ما ذكره المصنف: وهو تحريم نساء القرابة إلا من دخلت تحت ولد العمومة أو ولد الخؤولة كبنت العم والعمة وبنت الخال والخالة. والثاني يحرم على الرجل أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول، فالأصول الأمهات وإن علت، والفصول البنات وإن سفلت، وفصول أول الأصول الأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت وبنات أولادهم، لأن أول الأصول الآباء والأمهات وفصولهم الإخوة والأخوات وأولادهم، وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول هو العمات والخالات، لأن كل أصل بعد الأصل الأول الأجداد والجدات وإن علوا وخرج بأول فصل ثاني فصل وهو أولاد الأعمام والعمات وأولاد الأخوال والخالات، وثالث فصل، وهكذا. وهذا هو الضابط للشيخ أبي إسحاق الاسفرايني، والأول لتلميذه الشيخ أبي منصور البغدادي وهو أولى لإيجازه ونصه على الإناث (قوله: لآية حرمت الخ) دليل للتحريم، ولو أخره عن الفاعل لكان أولى (قوله: نساء الخ) فاعل يحرم، ولا بد من تقدير مضاف قبله لأن التحريم كغيره من الأحكام لا يتعلق بالذوات وإنما يتعلق بالأفعال: أي يحرم نكاحن أو وطؤهن، وقوله غير بالرفع صفة لنساء، وبالنصب على الاستثناء أو الحالية (قوله: حينئذ يحرم) أي فحين إذ كان المحرم غير ما دخل في ولد العمومة والخؤولة من نساء القرابة يحرم نكاح أم، وكان الأولى والأخصر أن يقول كأم الخ تمثيلا لنساء القرابة ويحذف قوله فحينئذ يحرم نكاح، إذ هو عين قوله فيحرم نساء قرابة (قوله: وهي) أي الأم. وقوله من ولدتك أو ولدت من ولدك بتاء التأنيث فيهما، وهذا ضابط للأم. وإن شئت فقل في ضابطها هي كل أنثى يصل إليها

من ولدك ذكرا كان أو أنثى وهي الجدة من الجهتين، وبنت وهي من ولدتها أو ولدت من ولدها ذكرا كان أو أنثى - لا مخلوقة من ماء زناه - وأخت، وبنت أخ، وأخت، وعمة وهي أخت ذكر ولدك، وخالة وهي أخت أنثى ولدتك. (فرع) لو تزوج مجهولة النسب فاستلحقها أبوه ثبت نسبها ولا ينفسخ النكاح إن كذبه الزوج، ومثله عكسه ـــــــــــــــــــــــــــــ نسبك بواسطة أو غيرها، ولكن إطلاق الأم على الثاني مجاز. وقوله ذكرا كان أو أنثى، تعميم في من الثانية (قوله: وهي الجدة) أي من ولدت من ولدك تسمى بالجدة حقيقة. (وقوله: من الجهتين) أي جهة الأم وجهة الأب (قوله: وبنت) بالجر عطف على أم، أي ويحرم نكاح بنت أيضا. قال في التحفة: ولو احتمالا، كالمنفية باللعان، ومن ثم لو كذب نفسه لحقته ومع النفي لا يثبت لها من أحكام البنت سوى تحريم نكاحها على الأوجه. اه. (قوله: وهي) أي البنت. وقوله من ولدتها، بفتح تاء الفاعل، وهذا ضابط للبنت، وإن شئت فقل هي كل أنثى ينتهي إليك نسبها بواسطة أو غيرها. وقوله أو ولدت من ولدها، إطلاق البنت على هذه مجاز لا حقيقة (قوله: ذكرا كان أو أنثى) تعميم في من الثانية أيضا (قوله: لا مخلوقة من ماء زناه) أي لا يحرم نكاح مخلوقه من ماء زناه: إذ لا حرمة لماء الزنا لكن يكره نكاحها خروجا من خلاف الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. ومثل المخلوقة من ماء الزنا المخلوقة من ماء استمنائه بغير يد حليلته والمرتضعة بلبن الزنا، وإن أرضعت المرأة بلبن زنا شخص بنتا صغيرة حلت له، ولا يقاس على ذلك المرأة الزانية، فإنها يحرم عليها ولدها بالإجماع. والفرق أن البنت انفصلت من الرجل وهي نطفة قذرة لا يعبأ بها، والولد انفصل من المرأة وهو إنسان كامل (قوله: وأخت) بالجر معطوف أيضا على أم، أي ويحرم نكاح أخت شقيقة كانت أو لأب أو لأم. وضابطها كل أنثى ولدها أبواك أو أحدهما (قوله: وبنت أخ) معطوف أيضا على أم: أي ويحرم نكاح بنت أخ من جميع الجهات وإن نزلت (قوله: وأخت) بالجر معطوف على أخ، أي وبنت أخت فيحرم نكاحها أيضا (قوله: وعمة) بالجر معطوف على أم: أي ويحرم نكاح عمة (قوله: وهي) أي العمة. وقوله أخت ذكر ولدك: أي بواسطة أو بغيرها، فالتي بغير واسطة كأخت أبيك وهي عمة حقيقة، والتي بواسطة كعمة أبيك وعمة أمك وهي عمة مجازا (قوله: وخالة) بالجر أيضا عطفا على أم: أي ويحرم نكاح خالة (قوله: وهي) أي الخالة. وقوله أخت أنثى ولدتك: أي بواسطة أو بغيرها، فالأولى كأخت أمك وهي خالة حقيقة، والثانية كخالة أبيك وخالة أمك وهي خالة مجازا (قوله: لو تزوج مجهولة النسب) أي لا يدري إلى من تنتسب كلقيطة (قوله: فاستلحقها أبوه) أي أبو الزوج، أي ادعى أنها بنته. وقوله ثبت نسبها، أي إن وجد شرط الاستلحاق وهو الإمكان وتصديقها له إن كبرت (قوله: ولا ينفسخ النكاح إن كذبه الزوج) خرج به ما لو صدقه الزوج فإنه ينفسخ النكاح (قوله: ومثله عكسه) أي ومثل استلحاق أبي زوجها لها عكسه وهو استلحاق أبيها لزوجها فيثبت النسب به ولا ينفسخ النكاح. وقد ذكر مسألة العكس وما قبلها بغاية الإيضاح في النهاية ونصها: نعم، لو زوجه الحاكم مجهولة النسب ثم استلحقها أبوه بشرطه ولم يصدقه هو ثبتت أخوتها له وبقي نكاحه كما نص عليه وجرى عليه العبادي والقاضي غير مرة قالوا: وليس لنا من يطأ أخته في الإسلام غير هذا. ولو مات الزوج فينبغي أن ترث منه زوجته بالزوجية لا بالأختية، لأن الزوجية لا تحجب، بخلاف الأختية فهي أقوى السببين، فإن صدقة الزوج والزوجة انفسخ النكاح. ثم إن كان قبل الدخول فلا شئ لها أو بعده فلها مهر المثل. وقيس بهذه الصورة ما لو تزوجت بمجهول النسب فاستلحقه أبوها ثبت نسبه. ولا ينفسخ النكاح إن لم يصدقه الزوج. وإن أقام الأب بينة في الصورة الأولى ثبت النسب وانفسخ النكاح، وحكم المهر ما مر. وإن لم تكن بينة وصدقته الزوجة فقط لم ينفسخ النكاح لحق الزوجة، لكن لو أبانها لم يجز له بعد ذلك تجديد نكاحها، لأن إذنها شرط، وقد اعتقت بالتحريم، وأما المهر فلازم للزوج، لأنه يدعي ثبوته عليه لكنها تنكره، فإن كان قبل الدخول فنصف المسمى، أو بعده فكله. وحكمها في قبضه كمن أقر لشخص بشئ وهو ينكره، ومر حكمه في الإقرار. ولو وقع الاستلحاق قبل التزويج لم يجز للإبن نكاحها. اه. وقول بشرطه: قال ع ش: هو الإمكان

بأن تزوجت مجهولا فاستلحقه أبوها ولم تصدقه (أو رضاع فيحرم به) أي بالرضاع (من يحرم بنسب) للخبر المتفق عليه: ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فمرضعتك ومرضعتها ومرضعة من ولدك من نسب أو رضاع وكل من ولدت مرضعتك أو ذا لبنها، أمك من رضاع، والمرتضعة بلبنك ولبن فرعك نسبا أو رضاعا ـــــــــــــــــــــــــــــ وتصديقها إن كبرت. وقوله فإن صدقه الزوج والزوجة: قال الرشيدي أو الزوج فقط. اه. (وقوله: ومر حكمه في الإقرار) قال ع ش: هو أنه يبقى في يده من هو بيده حتى يرجع المنكر ويعترف. اه. (قوله: ولم تصدقه) يفيد أنها إذا صدقته ينفسخ النكاح، ولو لم يصدقه الزوج، وهذا خلاف ما في عبارة النهاية المارة وخلاف ما في التحفة أيضا. فتنبه (قوله: أو رضاع) عطف على نسب: أي وشرط عدم محرمية برضاع (قوله: فيحرم الخ) تفريع على المفهوم أيضا. وقوله به: أي بالرضاع، والأولى بها، أي بالمحرمية الكائنة بسبب الرضاع، كما تقدم (قوله: من يحرم بنسب) أي نكاح نظير من يحرم بالنسب، فلا بد من تقدير مضافين. أما الأول فلما تقدم، وأما الثاني فلأن المحرم نكاحه بالرضاع ليس عين من يحرم بالنسب، كما هو ظاهر، والمحرمات بالنسب سبع، كما تقدم، الأم والبنت والأخت وبنت الأخ وبنت الأخت والعمة والخالة، فتكون المحرمات بالرضاع كذلك، فجملة المحرمات بالنسب والرضاع أربع عشرة، ويزاد عليها أربع بالمصاهرة. فالجملة ثمان عشرة. وهذه هي التي تحريمها على التأبيد، وأما التي تحريمها لا على التأبيد بل من جهة الجمع فثلاث: أخت الزوجة وعمتها وخالتها، وعد بعضهم من أسباب التحريم اختلاف الجنس فلا يجوز للآدمي نكاح جنية، وبالعكس. قاله العماد بن يونس، وأفتى به ابن عبد السلام وتبعه شيخ الإسلام واعتمده ابن حجر، قال لأن الله تعالى امتن علينا بجعل الأزواج من أنفسنا ليتم التآنس بها. أي في قوله تعالى: * (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) * (1) وجواز ذلك يفوت الامتنان، وفي حديث: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح الجن وخالف القمولي فجوز ذلك واعتمده العلامة الرملي، وأجيب عن الآية بأن الإمتنان في الآية بأعظم لأمرين وهو لا ينافي جواز الآخر، والنهي في الحديث للكراهة، لا للتحريم (قوله: للخبر المتفق عليه) أي وللنص على الأمهات والأخوات في الآية، وبعض المفسرين يجعل السبع مأخوذة من الآية الشريفة. قال: لأن تحريم السبع لأجل الولادة له أو منه أو لأجل الإخوة له ولو بواسطة أو لأحد أصوله، فأشير للأول بقوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * (2) فالتحريم لأجل الولادة الذي علم من ذلك يشمل تحريم الأم وتحريم البنت، وأشير للثاني بقوله تعالى: * (وأخواتكم من الرضاعة) * (3) فالتحريم لأجل الإخوة له ولو بواسطة، أو لأحد أصوله الذي علم من ذلك يشمل تحريم الأخت والخالة والعمة وبنت الأخ وبنت الأخت، لأن تحريم الأخت لأجل الأخوة له بغير واسطة وتحريم الخالة والعمة لأجل الإخوة لأحد أصوله الذي هو الأم في الأولى والأب في الثانية، وتحريم بنت الأخ وبنت الأخت للأخوة له بواسطة، ولا يخفى ما في ذلك من الخفاء. اه. باجوري (قوله: فمرضعتك) مبتدأ، خبره أمك، وهو بيان لضابط الأم من الرضاع (قوله: ومرضعتها) أي مرضعة مرضعتك، وهذه كالتي بعدها إطلاق الأم عليها مجاز لأنها جدة (قوله: ومرضعة من ولدك) أي مرضعة أمك التي ولدتك. وقوله من نسب أو رضاع: تعميم في من ولدك، وهو غير ظاهر، لأن الولادة مختصة بالنسب، وعلى تسليم أن المراد بمن ولدك أمك مطلقا بطريق التجوز يظهر التعميم ويكون الشق الثاني من التعميم، وهو قوله أو رضاع، مكررا مع قوله أولا ومرضعتها، وبيانه أن مرضعة أمك من الرضاع هي عين مرضعة مرضعتك. وإذا علمت ذلك فالأولى إسقاطه، كما في التحفة (قوله: وكل من ولدت مرضعتك) معطوف على فمرضعتك (قوله: أو ذا لبنها) أي أو ولدت ذا لبنها وهو الفحل الذي هو حليل المرضعة الذي له اللبن. واحترز بقوله ذا لبنها عما لو كان اللبن لغيره كأن تزوج امرأة ترضع فإن الزوج المذكور ليس صاحب اللبن، فأم من ولدته ليست أمك (قوله: أمك من رضاع) أي بشرط أن تبلغ تسع سنين تقريبا وإلا فلبنها لا يحرم، كما سيذكره (قوله: والمرتضعة بلبنك) مبتدأ خبره بنتك، وهو بيان لضابط البنت. ولا فرق في هذه المرتضعة بين أن

_ (1) سورة الروم، الاية: 21. (2) سورة النساء، الاية: 23. (3) سورة النساء، الاية: 23

وبنتها كذلك وإن سفلت بنتك، والمرتضعة بلبن أحد أبويك نسبا أو رضاعا أختك. وقس على هذا بقية الاصناف المتقدمة. ولا يحرم عليك برضاع من أرضعت أخاك أو ولد ولدك ولا أم مرضعة ولدك وبنتها، وكذا أخت أخيك لابيك أو لامك من نسب أو رضاع. (تنبيه) الرضاع المحرم وصول لبن آدمية بلغت سن حيض، ولو قطرة، أو مختلطا بغيره - وإن قل - جوف ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون مرضعتها زوجة أو أمة أو موطوءة بشبهة (قوله: ولبن فرعك) أي والمرتضعة بلبن فرعك. (وقوله: نسبا أو رضاعا) تعميم في الفرع (قوله: وبنتها) أي بنت المرتضعة. وقوله كذلك: أي نسبا أو رضاعا (قوله: وإن سفلت) أي بنت المرتضعة بلبنك، فهي بنتك أيضا (قوله: والمرتضعة) مبتدأ خبره قوله أختك. وهو بيان لضابط الأخت. (واعلم) أن من ارتضع من امرأة صار جميع بناتها أخوات له من الرضاع سواء التي ارتضع عليها والتي قبلها والتي بعدها، وإنما نبهنا على ذلك، مع وضوحه، لأن جهلة العوام يسألون عن ذلك كثيرا ويظنون أن الأخت من الرضاع هي التي ارتضع عليها دون غيرها (قوله: وقس على هذا) أي في التصوير لا في الحكم: إذ هو ثابت بالحديث. وقوله بقية الأصناف المتقدمة: أي في النسب وهي بنت الأخ وبنت الأخت والعمة والخالة، فالمرتضعة من أختك أو من لبن أخيك نسبا أو رضاعا بنت أخت أو أخ، وأخت ذي اللبن عمة رضاع، وأخت المرضعة خالة الرضاع (قوله: ولا يحرم عليك برضاع من أرضعت أخاك الخ) شروع في أربع مسائل استثناها بعضهم من قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فهي تحرم من النسب ولا تحرم من الرضاع، والمحققون، كما في الروضة، على أنها لا تستثنى لعدم دخولها في القاعدة لأنهن إنما يحرمن في النسب لمعنى لا يوجد فيهن في الرضاع. وذلك المعنى هو الأمومة والبنتية والأختية، كما سيأتي تقريره، وقد نظمها بعضهم فقال: مرضعة الأخ أو الأخت تحل أو ولد الولد ولو أنثى جعل كذاك أم مرضع للولد وبنتها وهي ختام العدد (قوله: من أرضعت أخاك) أي أو أختك ولو كانت هذه أم نسب لحرمت عليك لأنها أمك إن كان الأخ والأخت شقيقين لك أو لأم أو موطوءة أبيك إن كان لأب. (وقوله: أو ولد ولدك) بنصب ولد الأول معطوفا على أخاك: أي ولا يحرم عليك من أرضعت ولد ولدك، ولو كانت أم نسب لحرمت عليك لأنها إما بنتك إن كان ولدك أنثى أو موطوءة ابنك إن كان ذكرا (قوله: ولا أم مرضعة الخ) بالرفع عطف على من: أي ولا يحرم عليك أم مرضعة ولدك ولا بنت مرضعته ولو كانت المرضعة أم نسب كانت موطوءتك فيحرم عليك أمها وبنتها (قوله: وكذا أخت أخيك إلخ) أي وكذا لا يحرم عليك أخت أخيك ولا بد من قطع النظر عن متعلق قوله أولا ولا يحرم وهو برضاع وإلا لما صح التعميم بقوله بعد من نسب أو رضاع. وقوله من نسب أو رضاع: تعميم في الأخ وفي الأخت، أي ولا يحرم عليك أخت أخيك الذي من النسب أو من الرضاع سواء كانت هي أيضا من النسب، كأن كان لزيد أخ لأب وأخت لأم فلأخيه لأبيه نكاحها، أم من الرضاع: كأن ترضع امرأة زيد أو صغيرة أجنبية فلأخيه لأبيه نكاحها، وسواء كانت الأخت أخت أخيك من أبيك لأمه كما مثلنا أم أخت أخيك من أمك لأبيه. مثاله في النسب أن يكون لأبي أخيك من أمك بنت من غير أمك فلك نكاحها، وفي الرضاع أن ترضع صغيرة بلبن أبي أخيك لأمك فلك نكاحها (قوله: تنبيه) أي في بيان شروط الرضاع المحرم. وقد أفرده الفقهاء بباب مستقل، ويذكرونه عقب العقدة، والمصنف خالفهم وذكره هنا لأنه لما ذكر الرضاع المحرم ناسب أن يذكر شروطه معه. فما أحسن صنيعه. (واعلم) أن الرضاع لغة اسم لمص الثدي وشرب لبنه. وشرعا ما ذكره الشارح. وأركانه ثلاثة: مرضع، ورضيع، ولبن، وكلها تعلم من كلامه (قوله: الرضاع) بكسر الراء وفتحها وبالضاد المعجمة وقد تبدل تاء. وقوله المحرم، بكسر الراء المشددة: أي للنكاح (قوله: وصول الخ) سواء كان بمص الثدي أم بغيره، كما إذا حلب منها ثم صب في فم

رضيع لم يبلغ حولين يقينا خمس مرات يقينا عرفا، فإن قطع الرضيع إعراضا وإن لم يشتغل بشئ آخر أو قطعته ـــــــــــــــــــــــــــــ الرضيع. وقوله لبن: أي ولو مخيضا، ومثل الزبد والجبن والإقط والقشطة لأن ما ذكر في حكم اللبن، بخلاف السمن الخالص من اللبن. والمصل، وهو الذي يسيل من الجبن والإقط، واعتمد بعضهم التحريم بالسمن الخالص لما فيه من الدسم. وقوله آدمية: أي حية حياة مستقرة في حال انفصال اللبن منها وإن لم يشربه إلا بعد موتها. وخرج بالآدمية الرجل فلا تثبت حرمة بلبنه على الصحيح لأنه ليس معدا للتغذية، فأشبه غيره من المائعات، لكن يكره له ولفرعه نكاح من ارتضعت بلبنه. وخرج أيضا الخنثى المشكل والمذهب أنه يوقف الأمر فيه إلى البيان، فإن بان أنثى حرم لبنه وإلا فلا. فلو مات قبله لم يثبت التحريم، فللذي ارتضع منه نكاح أم الخنثى ونحوها والبهيمة. فلو ارتضع صغيران من شاة مثلا لم تحرم مناكحتهما والجنية بناء على عدم صحة مناكحتنا للجن. أما على صحة ذلك فهم كالآدميين. فلو أرضعت جنية صغيرا ثبت التحريم وإن لم تكن على صورة الآدمية أو كان ثديها في غير محله المعتاد. وخرج بقولي حية الميتة فلا يثبت الرضاع بلبنها لأنه منفصل من جثة منفكة عن الحل والحرمة كالبهيمة. وبحياة مستقرة من انتهت إلى حركة المذبوح فلا يثبت الرضاع بلبنها أيضا (قوله: بلغت سن حيض) الجملة صفة لآدمية. أي آدمية موصوفة بكونها بلغت سن الحيض، أي ولو كانت بكرا خلية. وسن الحيض هو تسع سنين قمرية، ويكفي كون التسع تقريبية، على المعتمد: كما في الحيض، ولا يشترط أن تكون تحديدية. فلو انفصل اللبن منها قبل التسع بما لا يسع حيضا وطهرا، وهو أقل من ستة عشر يوما، كان محرما. وخرج بذلك من لم تبلغ سن حيض بأن انفصل منها قبل التسع بما يسع حيضا وطهرا، وهو ستة عشر يوما فأكثر، فلا يؤثر، وذلك لأنها لا تحتمل حينئذ الولادة واللبن فرعها (قوله: ولو قطرة) غاية في اللبن المحرم وصوله: أي يحرم وصول اللبن ولو كان قطرة، والمراد في كل رضعة (قوله: أو مختلطا بغيره) غاية ثانية: أي ولو كان مختلطا بغيره مائعا كان أو جامدا فإنه يحرم. وقوله وإن قل أي اللبن المخلوط مع غيره. ثم إن كان اللبن المخلوط غالبا بأن بقي طعمه أو لونه أو ريحه أثر التحريم مطلقا، سواء شرب البعض أو الكل، وإن كان مغلوبا بأن زال طعمه أو لونه أو ريحه حسا وتقديرا بالأشد، فإن شرب الكل أثر التحريم لتيقن شرب اللبن، وإلا فلا (قوله: جوف) بالنصب على الظرفية متعلق بوصول: أي وصوله في جوفه، أي معدته أو دماغه. فالمراد بالجوف ما يحيل الغذاء أو الدواء. والمراد الوصول مطلقا، ولو بإسعاط، بأن يصب اللبن في أنفه فيصل إلى دماغه، لا بحقنة، بأن يصب اللبن في دبره فيصل إلى معدته أو بتقطير في قبل أو أذن لعدم التغذي بذلك. ومن هنا يظهر أنه لا أثر لوصوله لما عدا المعدة والدماغ وإن وصل إلى حد الباطن المفطر للصائم. وقوله رضيع: أي حي حياة مستقرة، فلا أثر لوصوله جوف من حركته حركة مذبوح أو ميت اتفاقا لانتفاء التغذي (قوله: لم يبلغ حولين) الجملة صفة لرضيع: أي رضيع موصوف بكونه لم يبلغ عمره حولين، أي بالأهلة إن وقع انفصال الرضيع أول الشهر الأول، فإن انكسر الشهر بأن وقع انفصاله في أثنائه تمم العدد من الخامس والعشرين شهرا ثلاثين يوما. وخرج بلم يبلغ حولين ما لو بلغهما فلا يؤثر ارتضاعه تحريما. وذلك لخبر الدارقطني لا رضاع إلا ما كان في الحولين وما ورد مما خالف ذلك في قصة سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه فإن زوجته كرهت دخوله عليها فأرشدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إرضاعه حيث قال لها أرضعيه: فمخصوص به أو منسوخ. وابتداؤهما يعتبر من تمام انفصال الرضيع. فلو ارتضع قبل تمامه لم يؤثر. ولو تم الرضيع حولين في أثناء الرضعة الخامسة أثر على المذهب لأن ما يصل إلى الجوف في كل رضعة غير مقدر حتى لو لم يصل في كل رضعة إلا فطرة: كفى، كما تقدم (قوله: يقينا) قيد في انتفاء بلوغه الحولين، أي يعتبر انتفاء بلوغه الحولين يقينا. فلو شك هل بلغهما أم لا؟ لم يؤثر الرضاع حينئذ للشك في سبب التحريم (قوله: خمس مرات) حال من وصول: أي حال كون وصول اللبن في جوف الرضيع خمس مرات أو ظرف متعلق به، أي وصوله من خمس مرات. وقوله يقينا، قيد في الخمس مرات. فلو شك في كونه خمسا أو أقل لم يؤثر لأن الأصل عدم الخمس، لكن لا يخفى الورع. والحكمة في اعتباره خمس مرات أن الحواس التي بها الإدراك خمس: وهي السمع والبصر والشم والذوق والمس، فكأن كل رضعة تحفظ حاسة. وقيل يكفي رضعة واحدة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما، ثم إن ظاهر العبارة أنه يكفي وصول اللبن الجوف خمس مرات ولو انفصل اللبن من الثدي دفعة

المرضعة ثم عاد إليه فيهما فورا فرضعتان، أو قطعه لنحو لهو كنوم خفيف وعاد حالا أو طال والثدي بفمه أو تحول ولو بتحويلها من ثدي لآخر أو قطعته لشغل خفيف ثم عادت إليه فلا تعدد في جميع ذلك، وتصير المرضعة أمه، وذو اللبن أباه. وتسري الحرمة من الرضيع إلى أصولهما وفروعهما وحواشيهما نسبا ورضاعا، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدة، وليس كذلك، بل لا بد من انفصال اللبن خمسا ووصوله إلى الجوف خمسا. فلو حلب منها لبن دفعة وأوجره الطفل خمس مرات أو حلب منها خمس مرات وأوجره دفعة حسب رضعة واحدة في الصورتين اعتبارا في الأولى بحالة الانفصال وفي الثانية بحالة الوصول. وقوله عرفا أي أن العبرة في ضبط الخمس بالعرف، وذلك لأنهن لا ضابط لهن لغة ولا شرعا. وما لا ضابط له فيهما فضابطه العرف. فما قضى بكونه رضعة أو رضعات اعتبر، وإلا فلا (قوله: فإن قطع الرضيع الخ) أي الرضاع. وهو تفريع على كون العبرة في ضبطهن بالعرف. وقوله إعراضا، منصوب على الحال من فاعل قطع: أي قطعه حال كونه معرضا عن الثدي أو على أنه مفعول لأجله، أي للإعراض. وخرج به ما لو قطعه لا إعراضا بل لنحو اللهو ثم عاد إليه فإنه يعد رضعة واحدة، كما سيصرح به قريبا (قوله: وإن لم يشتغل الخ) لو أخره عن قوله فرضعتان لكان أولى، لأنه غاية له (قوله: أو قطعته المرضعة) أي إعراضا أيضا لا لشغل خفيف، وإلا فلا تعدد، كما سيصرح به (قوله: ثم عاد) أي الرضيع. (وقوله: إليه) أي إلى الرضاع. (وقوله: فيهما) أي في الصورتين. (وقوله: فورا) أي أو بالتراخي، ولو قال ولو فورا لكان أولى (قوله: فرضعتان) خبر لمبتدأ محذوف والجملة جواب الشرط: أي فهما، أي ما قبل القطع وما بعد العود، رضعتان (قوله: أو قطعة) أي الرضيع الرضاع. (وقوله: لنحو لهو) هذا مفهوم قوله إعراضا، كما علمت. (قوله: كنوم) تمثيل لنحو اللهو. ومثله التنفس وازدراد ما جمعه من اللبن في فمه. وقوله خفيف، صفة لنحو لهو، ويصح جعله صفة لنوم، لكن الأول أولى (قوله: وعاد حالا) أي بعد قطعه لنحو لهو (قوله: أو طال) معطوف على خفيف من عطف الفعل على الاسم المشبه للفعل وهو جائز. قال في الخلاصة: واعطف على اسم شبه فعل فعلا وعكسا استعمل تجده سهلا والمناسب أن يقول أو طويل من عطف الوصف على الوصف، أي أو قطعه لنحو لهو طويل. وقوله والثدي بفمه: الجملة حالية، وهي قيد في الطول. وعبارة التحفة: أما إذا نام أو التهى طويلا فإن بقي الثدي بفمه لم يتعدد وإلا تعدد. اه. (قوله: أو تحول) يصح قراءته بصيغة الفعل عطفا على أو قطعه، ويصح قراءته بصيغة المصدر عطفا على نحو لهو، والتقدير عليه أو قطعه لأجل نحو تحول. ويدل للأول عبارة المنهاج ونصها مع التحفة، أو قطعه للهو وعاد في الحال أو تحول أو حولته من ثدي لآخر فلا تعدد. اه. ويدل للثاني عبارة الإرشاد ونصها مع شرحه: لا إن قطعه بتحول: أي سبب تحوله من ثدي لآخر. اه. (قوله: ولو بتحويلها) أي ولو كان التحول حصل بتحويل المرضعة له. والغاية للتعميم: أي لا فرق في هذا التحول بين أن يكون من الطفل بنفسه أو من المرضعة (قوله: من ثدي لآخر) متعلق بتحول: أي تحول من ثديها إلى ثديها الآخر. ولو عبر بما ذكرته لكان أولى لأن عبارته تشمل ثدي غير المرضعة الأولى مع أن الرضاع يتعدد به مطلقا (قوله: أو قطعته الخ) معطوف على أو قطعه لنحو لهو. (وقوله: لشغل خفيف) خرج به ما إذا كان لشغل غير خفيف بأن كان طويلا فإنه يتعدد بالعود. وحاصل ما ذكره الشارح من المسائل خمس على قراءة تحول بصيغة الفعل: اثنان منها يتعدد فيهما الرضاع وهما: ما إذا قطعه الرضيع إعراضا، وما إذا قطعته كذلك. والبقية لا يتعدد فيها الرضاع وهي: ما إذا قطعه لنحو لهو خفيف، وأما إذا تحول من ثديها للآخر، وأما إذا قطعته لشغل خفيف (قوله: فلا تعدد) جواب إن المقدرة قبل قوله قطعه لنحو لهو وبعد أو، وقوله في جميع ذلك، أي المذكور، وهو قوله أو قطعه لنحو لهو وقوله أو تحول وقوله أو قطعته، وإنما لم يحصل التعدد في ذلك عملا بالعرف (قوله: وتصير المرضعة الخ) لا حاجة إلى هذا بعد الضابط السابق الذي ذكره بقوله فمرضعتك ومرضعتها الخ إلا أن يقال الغرض منه بيان ضابط آخر بعبارة أخرى، وكان الأولى التفريع بالفاء. وقوله أمه: أي الرضيع. وقوله وذو اللبن أباه، أي ويصير صاحب اللبن أبا الرضيع. ولا فرق فيه بين أن يكون زوجا أو واطئا بشبهة أو واطئا بمالك اليمين لا الواطئ بزنا، فلا يحرم عليه أن ينكح المرتضعة بلبن زناه

وإلى فروع الرضيع - لا إلى أصوله وحواشيه - ولو أقر رجل وامرأة قبل العقد أن بينهما أخوة رضاع وأمكن حرم تناكحهما، وإن رجعا عن الاقرار أو بعده فهو باطل، فيفرق بينهما. وإن أقر به فأنكرت صدق في حقه، ويفرق بينهما أو أقرت به دونه. فإن كان بعد أن عينته في الاذن للتزويج أو مكنته من وطئه إياها لم يقبل قولها، وإلا ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن يكره ولا تنقطع نسبة اللبن عن صاحبه، فإن طالت المدة جدا أو انقطع ثم عاد إلا بولادة من آخر فاللبن قبلها للأول واللبن بعدها للآخر (قوله: وتسري الخ) أي تنتشر الحرمة ممن رضع، وهو الطفل، أي وصول المرضعة وذي اللبن وفروعهما وحواشيهما. ثم إن صريح عبارته أن الحرمة تنتشر من الرضيع إلى من ذكر مع أن الحرمة إنما تنتشر من المرضعة إلى أصولها وفروعها وحواشيها، وكذلك من ذي اللبن إلى المذكورين، فكان الأولى أن يقول وتسري الحرمة من المرضعة وذي اللبن إلى من ذكر ومن الرضيع إلى فروعه فقط. والمراد بالأصول الآباء، وبالفروع الأبناء، وبالحواشي الأخوة والأخوات والأعمام والعمات. فيصير آباء المرضعة وصاحب اللبن أجداده، وأمهاتهما جداته، وأولادهما أخوته وأخواته: سواء وجدوا قبله وبعده، كما تقدم، وإخوة المرضعة أخواله، وأخواتها خالاته، وإخوة صاحب اللبن أعمامه، وأخواته عماته، ويصير أولاد الرضيع أحفادهما (قوله: وإلى فروع الرضيع الخ) أي وتسري الحرمة من الرضيع إلى فروعه لا إلى أصوله وحواشيه، والفرق بين أصولهما وحواشيهما وبين أصوله وحواشيه أن لبن المرضعة كالجزء من أصولها فتسري الحرمة إليهم وإلى حواشيهم، وسبب لبن المرضعة مني الفحل الذي جاء منه الولد، وهو كالجزء من أصوله أيضا، فيسري التحريم إليهم وإلى حواشيهم، ولا كذلك في أصول الرضيع وحواشيه. وقد نظم هذا الضابط بعضهم بقوله: وينتشر التحريم من مرضع إلى أصول فصول والحواشي من الوسطو وممن له در إلى هذه ومن رضيع إلى ما كان من فرعه فقط والمراد بمن له الدر صاحب اللبن، كالزوج، واسم الاشارة عائد إلى الثلاثة قبله (قوله: ولو أقر الخ) شروع في الإقرار والشهادة بالرضاع (قوله: رجل وامرأة) الواو بمعنى أو، لأن لفظ الإقرار لا يشترط أن يكون صادرا منهما معا، بل يكون تارة صادرا منهما معا، وتارة يكون صادرا على أحدهما ثم يوافقه الآخر أو ينكر (قوله: قبل العقد) الظرف متعلق بأقر. وسيذكر محترزه (قوله: أن بينهما أخوة رضاع) أي أو بنوة أو عمومة أو خؤولة بأن قال هي بنتي أو أختي أو عمتي أو خالتي، أو قالت هي هو إبني أو أخي أو عمي أو خالي ووافق كل منهما الآخر على ما أقر به (قوله: وأمكن) أي المقر به بأن لم يكذبه الحس، فإن كذبه بأن منع من الاجتماع بها أو بمن تحرم عليه بسبب إرضاعها مانع حسي أو ادعى أنها بنته وهي أسن منه، فإقراره لغو (قوله: حرم تناكحهما) أي مؤاخذة لكل منهما بإقراره. قال في التحفة: ظاهرا وباطنا إن صدق المقر، وإلا فظاهرا فقط ثم قال: ويظهر أنه لا تثبت الحرمة على غير المقر من فروعه وأصوله مثلا إلا إن صدقه. اه (قوله: وإن رجعا عن الإقرار) غاية في حرمة المناكحة بالإقرار: أي حرمت مناكحتهما به بعده وإن رجعا عنه فلا يعتد برجوعهما (قوله: أو بعده) معطوف على قوله قبل العقد: أي أو أقر رجل وامرأة بعد العقد أن بينهما ما ذكر (قوله: فهو باطل) أي فعقد النكاح باطل عملا بإقرارهما وإن قضت العادة بجهلهما بشروط الرضاع المحرم (قوله: فيفرق بينهما) أي ويسقط المسمى لتبين فساد النكاح ويجب مهر المثل إن وطئها معذورة، كأن كانت جاهلة بالحال أو مكرهة، وإلا فلا يجب شئ (قوله: وإن أقر) أي الزوج. وقوله به: أي بالرضاع المحرم. وقوله فأنكرت، أي الزوجة المدعى به (قوله: صدق في حقه) أي عمل بإقراره بالنسبة لحقه وهو انفساخ النكاح، لا بالنسبة لحقها وهو الصداق. فلا يسقط عنه، بل لها المسمى إن صح، وإلا فمهر المثل إن وطئها، وإلا فنصفه، وذلك لأن الفرقة منه (قوله: ويفرق بينهما) أي يفرق القاضي أو نائبه بينهما حينئذ (قوله: أو أقرت) أي الزوجة. وقوله به: أي الرضاع المحرم، وقوله دونه: أي الزوج، أي أنه أنكر ما ادعته (قوله: فإن الخ) جواب أن المقدرة قبل قوله أقرت: أي أو إن أقرت وأنكر هو فإن الخ. وقوله كان أي إقرارها

صدقت بيمينها ولا تسمع دعوى نحو أب محرمية بالرضاع بين الزوجين. ويثبت الرضاع برجل وامرأتين، وبأربع نسوة ولو فيهن أم المرضعة إن شهدت حسبة بلا سبق دعوى كشهادة أب امرأة وابنها بطلاقها كذلك. وتقبل شهادة مرضعة مع غيرها لم تطلب أجرة الرضاع وإن ذكرت فعلها كأشهد أني أرضعتها. وشرط شهادة الرضاع ذكر وقت ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك. وقوله بعد أن عينته: الأولى إسقاط قوله بعد أن ويقتصر على قوله عينته لأن ذكره يقتضي أنها لو أقرت بذلك قبل تعيينها وقبل تمكينها من الوطئ يقبل قولها، ولا معنى له: إذ الفرض أن الإقرار واقع بعد العقد. وقوله أو مكنته من وطئه إياها، أي حال كونها عالمة بالحال مختارة. وقوله لم يقبل قولها: أي ويصدق هو بيمينه ولا شئ لها لا المسمى ولا مهر المثل بوطئه لها لأنها زانية. وعبارة التحفة مع الأصل، وإن ادعته، أي الزوجة، الرضاع المحرم فأنكره الزوج صدق بيمينه إن زوجت منه برضاها به بأن عينته في إذنها لتضمنه إقرارها بحلها له، وإلا تزوج برضاها، بل إجبارا، أو أذنت من غير تعيين زوج فالأصح تصديقها بيمينها، ما لم تمكنه من وطئها مختارة، لاحتمال ما تدعيه ولم يثبت منها ما يناقضه. اه (قوله: وإلا صدقت) أي وإن لم تعين الزوج في الإذن للتزويج بأن أذنت للولي في التزويج من غير تعيين ولم تمكنه من وطئه إياها حال كونها عالمة مختارة، بأن مكنته حال كونها جاهلة بالحال أو مكرهة، أو لم تمكنه رأسا صدقت بيمينها وفرق بينهما وعليه مهر المثل لا المسمى إذا وطئها. نعم، إن أخذت المسمى فليس له رده وإعطاؤها مهر المثل. والورع له فيما إذا ادعت الرضاع أن يطلقها لتحل لغيره إن كانت كاذبة. ثم إن منكر الرضاع منهما يحلف على نفي علمه به لأنه ينفي فعل غيره ولا نظر إلى فعله في الارتضاع، لأنه كان صغيرا ومدعيه يحلف على بت لأنه يثبت فعل الغير. نعم لو نكل أحدهما عن اليمين وردت على الآخر حلف على البت (قوله: ولا تسمع دعوى نحو أب إلخ) أي أن لم تكن بينة ولم يصدقاه بدليل قوله بعد ويثبت الخ (قوله: ويثبت الرضاع برجل وامرأتين) أي بشهادة رجل وامرأتين: أي وبرجلين أيضا وإن تعمدا النظر لثدييها لغير الشهادة وتكرر منهما لأنه صغيرة لا يضر إدمانها حيث غلبت طاعاته على معاصيه (قوله: وبأربع نسوة) أي ويثبت بأربع نسوة لاطلاعهن عليه غالبا كالولادة ومن ثم لو كان النزاع في الشرب من ظرف لم يقبلن لأن الرجال يطلعون عليه ثم يقبلن في أن ما في الظرف لبن فلانة، لأن الرجال لا يطلعون على الحلب غالبا. اه. تحفة (قوله: ولو فيهن، أم المرضعة) غاية في ثبوت الرضاع بأربع نسوة: أي يثبت الرضاع بهن ولو كانت أم المرضعة واحدة منهن. والمرضعة تقرأ بصيغة اسم المفعول، وأمها هي المرضعة، بكسر الضاد، وإنما حملت ما ذكر على هذا الضبط لأنها هي التي يتوهم إخراجها وعدم صحة شهادتها للتهمة. وأما غيرها فلا يتوهم فيه ذلك فلا حاجة للتنبيه عليه بالغاية (قوله: إن شهدت) أي أم المرضعة (قوله: حسبة) أي شهادة حسبة، وهي التي تكون من غير استشهاد: كأن يقول الشاهد ابتداء عند القاضي أشهد على فلان بكذا فأحضره سواء تقدمها دعوى أم لا. وهذا هو الذي جرى عليه ابن حجر وغيره، خلافا للأذرعي كما في الرشيدي حيث قال: إنها لا يقال لها شهادة حسبة بعد الدعوى. فقول الشارح بعد بلا دعوى، أي سبق دعوى، ليس بقيد، أو يقال إنه جرى على طريقة الأذرعي التي نقلها عنه الرشيدي. وإنما اكتفى بشهادة الحسبة منها لانتفاء التهمة لأنها تكون شهادة على المرضعة - لا لها - وخرج بشهادة الحسبة غيرها فلا تكفي منها للتهمة لأنها تكون شهادة لها حينئذ (قوله: كشهادة أب امرأة وابنها بطلاقها) الكاف للتنظير: أي نظير شهادة أم امرأة وابنها بطلاقها فإنها تقبل. وقوله كذلك: أي إذا كانت حسبة، فإن لم تكن حسبة فلا تقبل (قوله: وتقبل شهادة مرضعة مع غيرها) أي مع ثلاث غيرها أو مع رجل وامرأة غيرها. (وقوله: لم تطلب أجرة الرضاع) أي حال الشهادة أو قبلها، فإن طلبتها لم تقبل للتهمة (قوله: وإن ذكرت فعلها) أي تقبل شهادتها حينئذ وإن ذكرت في الشهادة فعلها لأنها غير متهمة في ذلك مع كون فعلها غير مقصود في الإثبات، إذ العبرة بوصول اللبن لجوفه. وعبارة المنهاج: وتقبل شهادة المرضعة إن لم تطلب أجرة ولا ذكرت فعلها وكذا إن ذكرته فقالت أرضعته في الأصح. اه. (قوله: وشرط شهادة الرضاع) أي صحتها. (وقوله: ذكر وقت إلخ) أي بأن يقول أشهد أنه رضع خمس رضعات متفرقات في الحياة بعد التسع وقبل الحولين. قال في التحفة: نعم إن كان الشاهد فقيها يوثق بمعرفته وفقهه موافقا للقاضي المقلد في شرط التحريم وحقيقة الرضعة اكتفى

الرضاع، وعدده، وتفرق المرات، ووصول اللبن إلى جوفه في كل رضعة. ويعرف بنظر حلب وإيجار وازدراد، وبقرائن كامتصاص ثدي وحركة حلقة بعد علمه أنها ذات لبن وإلا لم يحل له أن يشهد لان الاصل عدم اللبن. ولا يكفي في أداء الشهادة ذكره القرائن بل يعتمدها ويجزم بالشهادة. ولو شهد به دون النصاب أو وقع شك في تمام الرضعات أو الحولين أو وصول اللبن إلى جوف الرضيع لم يحرم النكاح، لكن الورع الاجتناب وإن لم تخبره إلا واحدة. نعم إن صدقها يوم الاخذ بقولها ولا يثبت الاقرار بالرضاع إلا برجلين عدلين (أو مصاهرة) محرم زوجة أصل من أب أو جد لاب أو أم وإن علا من نسب أو رضاع، (وفصل) من ابن وابنه وإن سفل منهما، ـــــــــــــــــــــــــــــ منه بإطلاق كونه محرما. اه (قوله: ويعرف) أي وصوله للجوف (قوله: بنظر حلب) بفتح لامه وهو اللبن المحلوب. وقوله وإيجار: أي مع إيجار وازدراد، والأول هو وضعه في فم الرضيع والثاني بلعه ووصوله للمعدة. فلا بد في معرفة وصوله إلى الجوف من مشاهدة هذه الثلاث: أعني الحلب، والإيجار، والازدراد. (قوله: أو بقرائن) عطف على نظر: أي ويعرف أيضا بقرائن (قوله: كامتصاص ثدي الخ) تمثيل للقرائن. وقوله وحركة حلقه: أي وكحركة حلقه، وهو بسكون اللام بعد حاء مفتوحة (قوله: بعد علمه) الظرف متعلق بامتصاص وما بعده، كما هو ظاهر عبارته، وهو يفيد اشتراط تقدم علمه بذلك على الامتصاص وما بعده، مع أنه يكفي العلم به ولو بعد ما ذكر. فالأولى جعله متعلقا بفعل محذوف: أي ويشهد بعد علمه أنها ذات لبن حالة الإرضاع أو قبيله. أفاده البجيرمي (قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم يعلم أنها ذات لبن فلا يحل له أن يشهد ولو مع وجود القرائن المذكورة لأن الأصل عدم اللبن، ولا عبرة بالقرائن مع هذا الأصل (قوله: ولا يكفي في أداء الشهادة ذكره القرائن) أي بأن يقول أشهد أنه مص الثدي وحرك حلقه (قوله: بل يعتمدها ويجزم بالشهادة) أي بل يجزم بالشهادة بالرضاع معتمدا على القرائن من غير ذكر لها (قوله: ولو شهد به) أي بالرضاع. وقوله دون النصاب: دون إن جعلت من الظروف المتصرفة فهي مرفوعة على أنها فاعل شهد، وإن جعلت من الظروف غير المتصرفة، كما هو رأي الجمهور، فالفاعل محذوف، وهي منصوبة صفة له، أي عدد دون النصاب. والنصاب في الشهود هنا رجلان، أو رجل وامرأتان، أو أربع نسوة، كما تقدم (قوله: أو وقع شك الخ) هذا مفهوم قوله في حد الرضاع المحرم يقينا بعد قوله لم يبلغ حولين وبعد قوله خمس مرات، ولو قدمه هناك لكان أولى. وقوله في تمام الرضعات: أي هل ارتضع خمسا أو أقل. وقوله أو الحولين، أي أو شك هل ارتضع بعد تمام الحولين أو قبله؟ وقوله أو وصول اللبن جوف الرضيع، أي أو شك هل وصل إليه أم لا؟ (قوله: لم يحرم النكاح) أي لم يحرم الرضاع المذكور النكاح، فراء يحرم مشددة مكسورة، وفاعله يعود على الرضاع، ويصح جعل النكاح فاعلا والراء عليه مخففة مضمومة (قوله: لكن الورع الاجتناب) أي اجتناب النكاح لما روي عن عقبة بن الحارث قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلت له يا رسول الله: تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء. فقالت قد أرضعتكما وهي كاذبة فقال - صلى الله عليه وسلم - كيف تصنع بها وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ دعها منك، أي طلقها، قال عقبة: فراجعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلت يا رسول الله إنها امرأة سوداء، أي فلا يقبل قولها، فقال أليس وقد قيل فأرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طريق الورع والاحتياط وإن لم تقبل شهادة تلك المرأة (قوله: وإن لم تخبره إلا واحدة) غاية في كون الورع الاجتناب (قوله: نعم إن صدقها يلزم الأخذ بقولها) أي يلزمه أن يعمل بقولها، فالأخذ فاعل يلزم. ويصح جعل يلزم مبنيا للمجهول من ألزم الرباعي، وهو يطلب مفعولين: الأول الضمير المستتر، والثاني الأخذ. والمعنى ألزمه الشارع العمل بقولها: أي فيحرم عليه النكاح (قوله: ولا يثبت الإقرار بالرضاع إلا برجلين) والفرق بين الرضاع نفسه، حيث يثبت بما مر، وبين الإقرار به، حيث لا يثبت إلا برجلين، أن الثاني مما يطلع عليه الرجال وهو لا يثبت إلا برجلين، كما سيأتي في الشهادة، (قوله: أو مصاهرة) معطوف على بنسب: أي وشرط في الزوجة عدم محرمية بسبب مظاهرة، وهي معنى يشبه القرابة يترتب على النكاح. وعبارة شرح الروض: وهي خلطة توجب تحريما. اه (قوله: فتحرم زوجة أصل) أي وإن لم يدخل بها، وذلك لإطلاق قوله تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا

(وأصل زوجة) أي أمهاتها بنسب أو رضاع وإن علت وإن لم يدخل بها للآية. وحكمته ابتلاء الزوج بمكالمتها والخلوة لترتيب أمر الزوجة فحرمت كسابقتيها بنفس العقد ليتمكن من ذلك. (واعلم) أنه يعتبر في زوجتي الاب والابن وفي أم الزوجة عند عدم الدخول بهن أن يكون العقد صحيحا (وكذا فصلها) أي الزوجة بنسب أو رضاع ولو بواسطة سواء بنت ابنها وبنت ابنتها وإن سفلت (إن دخل بها) بأن ـــــــــــــــــــــــــــــ ما قد سلف) * (1) يعني ما قد مضى في الجاهلية قبل علمكم بتحريمه، كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأم: فلا مؤاخذة عليكم به، فإنه كان في الجاهلية إذا مات الرجل عن زوجة خلفه عليها أكبر أولاده فيتزوجها. (قوله: من أب الخ) بيان للأصل. (وقوله: أو جد لأب أو أم) أي جد من جهة الأب أو من جهة الأم. (وقوله: وإن علا) أي الجد. (وقوله: من نسب أو رضاع) تعميم في الأب والجد، أي لا فرق فيهما بين أن يكونا من جهة النسب أو من جهة الرضاع (قوله: وفصل) أي وتحرم زوجة فصل، أي فرع وإن لم يدخل بها لإطلاق قوله تعالى: * (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) * (2) * والتقييد في الآية لإخراج حليلة المتبني، فلا يحرم على الشخص زوج من تبناه لأنه ليس بابن له، لا لإخراج حليلة الابن من الرضاع فإنها تحرم بالاجماع (قوله: من ابن الخ) بيان للفصل. (وقوله: وإن سفل) أي ابن الابن. (وقوله: منهما) أي من نسب أو رضاع (قوله: وأصل زوجة) بالرفع عطف على زوجة. وقوله أي أمهاتها تفسير لأصل الزوجة، وقوله بنسب أو رضاع، تعميم في الأمهات. وقوله وإن علت، أي الامهات. والأولى وإن علون، بنون النسوة، وقوله وإن لم يدخل بها: غاية في الحرمة، أي يحرم نكاح أصل الزوجة وإن لم يدخل بالزوجة (قوله: للآية) دليل للحرمة في جميع ما مر من زوجة الأصل وما بعده، وإن كان صنيعه يفيد أنه دليل لها في الأخير فقط. والمراد لما تضمنته الآية من حرمة نكاح من ذكر فإنها تضمنت حرمة نكاح زوجة الأصل بقوله في صدرها * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * (1) وحرمة نكاح زوجة الفصل بقوله فيها * (وحلائل أبنائكم) * وحرمة نكاح أصل الزوجة بقوله فيها * (وأمهات نسائكم) * (قوله: وحكمته الخ) بيان لحكمة تحريم أصل الزوجة مطلقا، دخل بها أم لا، والأولى تأخير هذا عن قوله وكذا فصلها إن دخل بها والإتيان به فارقا بين الأمهات، حيث حرمن بنفس العقد، والبنات، حيث حرمن بالدخول. (وقوله: ابتلاء الزوج بمكالمتها) أي أمهات الزوجة، والأولى مكالمتهن. وقوله والخلوة: معطوف على مكالمتها، أي وابتلاء الزوج بالخلوة بالأمهات. (وقوله: لترتيب أمر الزوجة) اللام تعليلية متعلقة بقوله ابتلاء، أي ابتلاء الرجل بما ذكر من المكالمة والخلوة لأجل ترتيب أمر الزوجة، أي أمر الدخول بها (قوله: فحرمت) أي أمهات الزوجة، والأولى فحرمن، كما تقدم، وقوله كسابقتيها: هما زوجة الأصل وزوجة الفصل فإنهما تحرمان بنفس العقد (قوله: ليتمكن) أي الزوج، واللام تعليلية متعلقة بحرمت. وقوله من ذلك: أي من المذكور من مكالمتهن والخلوة بهن لترتيب ما ذكر (قوله: واعلم أنه يعتبر في زوجتي الأب والابن) أي يعتبر في تحريم زوجة الأب على الفصل وتحريم زوجة الابن على الأصل. وكان الأخصر والأولى أن يقول بدل قوله واعلم الخ، ويشترط أن يكون العقد صحيحا. وقوله وفي أم الزوجة، أي وفي تحريم أم الزوجة على الزوجة. وقوله عند عدم الدخول بهن: الظرف متعلق بيعتبر، والضمير يعود على الزوجات الثلاث. وخرج به ما إذا دخل بهن فلا يعتبر ما ذكر لأنهن يحرمن بالدخول عليهن ولو كان العقد فاسدا لأنها من قبيل الموطوءة بشبهة وهي حرام، كما سيأتي، وقوله أن يكون العقد صحيحا، نائب فاعل يعتبر. وخرج به ما لو كان العقد فاسدا فلا يحرمن، لكن عند عدم الدخول بهن، وإلا حرمن به، كما علمت، وهذا الشرط لا يأتي في بيت الزوجة، كما سيذكره، فإنها تحرم بالدخول: سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا. (والحاصل) أن من حرم بالعقد لا بد في تحريمه من صحة العقد إلا إن حصل دخول بالفعل فيحصل التحريم بالوطئ لا بالعقد، ومن حرم بالدخول كالربيبة فلا يعتبر فيه صحة العقد (قوله: وكذا فصلها الخ) إنما فصله بكذا ولم

_ (1) سورة النساء، الاية: 22. (2) سورة النساء، الاية: 23

وطئها ولو في الدبر وإن كان العقد فاسدا، وإن لم يطأها لم تحرم بنتها - بخلاف أمها. ولا تحرم بنت زوج الام ولا أم زوجة الاب والابن. ومن وطئ امرأة بملك أو شبهة منه كأنه وطئ بفاسد نكاح أو شراء أو بظن زوجة ـــــــــــــــــــــــــــــ يعطفه على ما قبله لئلا يتوهم أن التقييد بقوله إن دخل بها راجع لهما مع أنه إنما هو راجع للثاني فقط: أي كما يحرم أصل الزوج يحرم أيضا فصل الزوجة، أي فرعها، وذلك لقوله تعالى: * (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) * (1) وذكر الحجور في الآية جرى على الغالب، فإن من تزوج امرأة تكون بنتها في حجره غالبا (قوله: بنسب أو رضاع) تعميم أو في فصل الزوجة: أي يحرم فصل الزوجة مطلقا سواء كان بنسب أو رضاع. وقوله ولو بواسطة: تعميم ثان فيه أيضا أي يحرم فصل الزوجة مطلقا سواء كان بينه وبينها واسطة كبنت ابنتها أم لا. (وقوله: سواء بنت ابنها) أي الزوجة وبنت ابنتها، وهذا تعميم ثالث أيضا: أي يحرم فصل الزوجة مطلقا سواء كانت بنت ابنها أو كان بنت ابنتها. (والحاصل) تحرم الربيبة وهي بنت الزوجة وبناتها وبنت الربيب وهو ابن الزوجة وبناتها. وقوله وإن سفلت، الأولى وإن سفلتا، أي بنت ابنها وبنت ابنتها، وهذه الغاية يغني عنها قوله ولو بواسطة (قوله: إن دخل بها) قيد في تحريم فصل الزوجة (قوله: بأن وطئها) تصوير للدخول والمراد وطئها في حياتها، ومثل الوطئ استدخال منيه المحترم في حال نزوله وادخاله: إذ هو كالوطئ في أكثر أحكامه في هذا الباب، كذا في التحفة، (وقوله: ولو في الدبر) غاية في الوطئ، أي ولو كان الوطئ في دبرها (قوله: وإن كان العقد فاسدا) غاية في التحريم بالدخول: أي يحرم فصل الزوجة على زوجها ولو كان العقد فاسدا بأن فقد شرطا من شروطنه المارة (قوله: وإن لم يطأها) أي الزوجة، وهو مقابل قوله بأن وطئها المجعول تصويرا للدخول. والمناسب في المقابلة أن يقول وإن لم يدخل بها. وقوله لم تحرم بنتها: أي الزوجة. قال في شرح المنهج: إلا أن تكون منفية بلعانه. اه. قال البجيرمي: وصورتها أن يعقد على امرأة ثم يختلي بها من غير وطئ ولا استدخال ماء ثم تلد بنتا يمكن كونها منه فينفيها باللعان، إذ هو واجب حينئذ لعلمه أنها ليست منه فهي تحرم عليه وإن كانت بنت زوجته التي لم يدخل بها. اه. بزيادة (قوله: بخلاف أمها) أي فإنها تحرم، ولو لم يطأها، لكن بشرط صحة العقد عند عدم الدخول، كما تقدم (قوله: ولا تحرم بنت زوج الأم) أي على ابن الزوجة، وهذا يعلم من قوله وكذا فصلها، أي الزوجة. ومثلها أم الزوج فلا تحرم على ابن زوجته. (قوله: ولا أم زوجة الأب) أي ولا تحرم أم زوجة أبيه عليه وهذا يعلم من قوله تحرم زوجة أصل، ومثلها بنت زوجة أبيه فلا تحرم عليه. (وقوله: والابن معطوف على الأب) أي ولا يحرم أم زوجة ابنه، ومثلها بنت زوجة ابنه. وهذا يعلم من قوله وزوجة فصل. (والحاصل) لا تحرم بنت زوج الأم ولا أمه ولا بنت زوج البنت ولا أمه ولا أم زوجة الأب ولابنتها ولا أم زوجة الابن ولابنتها ولا زوجة الربيب ولا زوجة الراب وهو زوج الأم لأنه يربيه غالبا (قوله: ومن وطئ امرأة) أي ولو في الدبر أو القبل ولم تزل البكارة. ومثل الوطئ استدخالها ماء السيد المحترم حال خروجه أو ماء الأجنبي بشبهة. ويشترط في الواطئ أن يكون حيا، وأن يكون واضحا، وخرج بالأول الميت فلا تحريم باستدخالها ذكره، وبالثاني الخنثى فلا أثر لوطئه لاحتمال زيادة ما أولج به وخرج بقوله وطئ ما إذا باشرها بغير وطئ فلا تحرم (قوله: بملك) الباء سببية متعلقة بوطئ (قوله: أو شبهة منه) أي أو بسبب شبهة حاصلة من الواطئ، سواء وجد منها شبهة أيضا أم لا. واحترز بقوله بملك أو شبهة منه عما إذا كان وطئها بزنا فلا تحرم عليه أمهاتها وبناتها، ولا تحرم هي على آبائه وأبنائه لأن ذلك لا يثبت نسبا ولا عدة (قوله: كأن وطئ الخ) تمثيل لوطئ الشبهة. وقوله بفاسد نكاح الإضافة من إضافة الصفة للموصوف: أي نكاح فاسد بسبب اختلال شرط من شروط الصحة. وفي البجيرمي ما نصه: هل من فاسد النكاح العقد على خامسة أو لا لأن هذا معلوم لا يكاد أحد يجهله فلا يعهد شبهة حرر ح ل؟ الظاهر الثاني. اه. وقوله أو شراء، معطوف على نكاح، أي أو بفاسد شراء (قوله: أو

_ (1) سورة النساء، الاية: 23

حرم عليه أمهاتها وبناتها وحرمت على آبائه وأبنائه لان الوطئ بملك اليمين نازل بمنزلة عقد النكاح وبشبهة يثبت النسب والعدة لاحتمال حملها منه سواء أوجد منها شبهة أيضا أم لا، لكن يحرم على الواطئ بشبهة نظر أم الموطوءة وبنتها ومسهما. (فرع) لو اختطلت محرمة بنسوة غير محصورات بأن يعسر عدهن على الآحاد كألف امرأة نكح من شاء ـــــــــــــــــــــــــــــ بظن زوجة) معطوف على بفاسد نكاح: أي أو وطئها على ظن أنها زوجته: أي أو أمته أي أو وطئ الأمة المشتركة بينه وبين غيره أو أمة فرعه، وكذا لو وطئ بجهة قال بها عالم يعتد، بخلافه كأن يكون النكاح واقعا بلا ولي فإن الوطئ به فيه شبهة أبي حنيفة رضي الله عنه لقوله بصحته بلا ولي. (واعلم) أن الشبهة تنقسم ثلاثة أقسام القسم الأول شبهة الفاعل، وهي كمن وطئ على ظن الزوجية أو الملكية. والقسم الثاني: شبهة المحل وهي كمن وطئ الأمة المشتركة. والقسم الثالث: شبهة الطريق وهي التي يقول بها عالم يعتد بخلافه. والأول لا يتصف بحل ولا حرمة لأن فاعله غافل وهو غير مكلف. والثاني حرام. والثالث إن قلد القائل بالحل لا حرمة وإلا حرم (قوله: حرم الخ) جواب من قوله عليه: أي على من وطئ. وقوله أمهاتها وبناتها، الضمير فيهما يعود على المرأة الموطوءة بملك أو شبهة منه (قوله: وحرمت) أي المرأة المذكورة. (وقوله: على آبائه وأبنائها) أي من وطئ. ثم إنه مع الحرمة تثبت المحرمية في صورة المملوكة ولا تثبت في صورة وطئ الشبهة، ويشير إليه صنيع الشارح في التعليل الآتي قريبا بقوله لان الوطئ بملك اليمين نازل بمنزلة عقد النكاح. وبقوله وبشبهة يثبت النسب والعدة، فإنه جعل الوطئ بملك اليمين منزلا منزلة عقد النكاح ولم يجعل الوطئ بشبهة كذلك. ومن جملة آثار عقد النكاح ثبوت المحرمية لأم الزوجة وبنتها فأنتج أن المحرمية تثبت في الأول دون الثاني، وأيضا شبب التحريم في الاول، وهو الوطئ، مباح، بخلاف وطئ الشبهة. وقد عرفوا المحرم بأنها من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها (قوله: لأن الوطئ بملك اليمين الخ) علة التحريم بالنظر للموطوءة بالملك. وقوله نازل بمنزلة عقد النكاح: أي بمنزلة الوطئ بعقد النكاح، فاندفع ما يقال إن التشبيه بالعقد يقتضي حل بنتها لأن البنت تحل بالعقد على الأم، وإنما تحرم بالوطئ، كما تقدم (قوله: وبشبهة) معطوف على بملك اليمين، أي ولان الوطئ بشبهة يثبت النسب والعدة، وهذا علة التحريم بالنظر للموطوءة بشبهة. وإنما حرمت به لأنه يقتضي ثبوت النسب والعدة، وإذا اقتضى ذلك اقتضى التحريم كالزوجية. (واعلم) أن شبهته وحده توجب ما عدا المهر من نسب وعدة، إذ لا مهر لزانية وشبهتها وحدها توجب المهر فقط دون النسب والعدة وشبهتهما توجب الجميع، ولا يثبت بها محرمية مطلقا، أي لا للواطئ ولا لأبيه وابنه، فلا يحل نحو نظر ولا مس ولا خلوة (قوله: لاحتمال حملها منه) هذا علة لثبوت العدة بوطئ الشبهة لا للنسب، لأنه إنما يثبت النسب بالجمل للفعل مع وضعه. وعبارة الإرشاد مع فتح الجواد، وفي وجوب عدة عليها للوطئ لاحتمال حملها منه. اه. وهي ظاهرة، ولو حذف الشارح العلة المذكورة، كشارح المنهج، لكان أولى لأن صنيعه يوهم أنها علة لثبوت النسب والعدة (قوله: سواء أوجد الخ) تعميم المحذوف مرتب على قوله يثبت النسب والعدة وهو فيثبت التحريم، وقد صرح به في شرح المنهج وعبارته، وبشبهة يثبت النسب والعدة فيثبت التحريم سواء أوجد منها شبهة أيضا أم لا. اه. وكان الأولى للشارح التصريح به أيضا، وأفاد بالتعميم المذكور أن العبرة في حرمة المصاهرة بشبهة الرجل لا المرأة. وصورة وجود الشبهة منها أنها تظن الواطئ لها زوجها أو سيدها، وصورة عدمها أنها تعلم أنه ليس كذلك (قوله: لكن يحرم الخ) الإستدراك من ثبوت التحريم الحاصل بسبب وطئ الشبهة دفع به ما يتوهم من أن ثبوت التحريم يقتضي حل النظر والمس لمن ذكر، وحاصل الدفع أنه مع التحريم المذكور يحرم النظر والمس، وذلك لما علمت أن وطئ الشبهة إنما يثبت التحريم فقط، ولا يثبت المحرمية المقتضية لحل النظر والمس (قوله: فرع لو اختلطت محرمة) هي بضم الميم وتشديد الراء: أي امرأة محرمة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو بلعان أو توثن، ويوجد في بعض النسخ محرمه، بفتح الميم

منهن إلى أن تبقى واحدة على الارجح وإن قدر ولو بسهولة على متيقنة الحل أو بمحصورات كعشرين بل مائة لم ينكح منهن شيئا. نعم إن قطع بتميزها كسوداء اختلطت بمن لا سواد فيهن لم يحرم غيرها - كما استظهره شيخنا. (تنبيه) اعلم أنه يشترط أيضا في المنكوحة كونها مسلمة أو كتابية خالصة ذمية كانت أو حربية، فيحل مع ـــــــــــــــــــــــــــــ وإسكان الحاء مع الإضافة إلى الضمير، والأول أولى منه (قوله: بأن يعسر إلخ) بيان لضابط غير المحصور، وهو لإمام الحرمين، وفي الإحياء: كل عدد لو اجتمع في صعيد واحد لعسر على الناظر عده بمجرد النظر كالألف، فغير محصور. وإن سهل عده، كعشرين، فمحصور، وبينهما وسائط تلحق بأحدهما بالظن. وما وقع فيه الشك استفت فيه القلب. اه. شرح الروض بتصرف. والمراد عسر ذلك في بادئ النظر والفكر، بمعنى أن الفكر يحكم بعسر العد. وعبارة م ر، ثم ما عسر عده بمجرد النظر غير محصور، وما سهل، كمائة، محصور، وما بينهما أوساط تلحق بأحدهما بالظن، وما شك فيه يستفتى فيه القلب. قال الغزالي: والذي رجحه الأذعري التحريم عند الشك لأن من الشروط العلم بحلها. واعترض بما لو زوج أمة موروثة ظنا حياته فبان ميتا أو تزوجت زوجة المفقود فبان ميتا فإنه يصح. وأجيب بأن العلم بحل المرأة شرط لجواز الاقدام، لا للصحة، اه. وقوله على الآحاد: أي على كل واحد على حدته. وعبارة الروض، وغير المحصور ما يعسر عده على واحد. اه. وخرج بهذا ما لو لم يعسر عده على جماعة مجتمعين فإنه لا عبرة به (قوله: كألف امرأة) سيأتي عن البجيرمي قريبا أن التسعمائة والثمانمائة إلى الستمائة غير محصور (قوله: نكح من شاء منهن) أي رخصة له من الله تعالى: وحكمة ذلك أنه لو لم يبح له ذلك ربما انسد عليه باب النكاح، فإنه وإن سافر لبلد لا يأمن أن تسافر هي إليه (قوله: إلى أن تبقى واحدة) أي فلا ينكحها. وقوله على الأرجح: أي قياسا على ترجيحهم في الأواني أنه يتطهر إلى أن يبقى واحدة. وقال الروياني: ينكح إلى أن يبقى عدد محصور، ويفرق بين الأواني وبين ما هنا بأن النكاج يحتاط له أكثر. قال في التحفة: وينكح إلى أن يبقى محصور على ما رجحه الروياني، وعليه فلا يخالفه ترجيحهم في الأواني أنه يأخذ إلى بقاء واحدة، لأن النكاح يحتاط له أكثر من غيره. وأما الفرق بأن ذاك يكفي فيه الظن فيباح المظنون مع القدرة على المتيقن، بخلافه هنا فغير صحيح: لما تقرر من حل المشكوك فيها مع وجود اللواتي تحل يقينا، ثم قال: لكن زوال يقين اختلاط المحرم بالنكاح منهن يضعف التقييد بقوله إلى أن يبقى محصور ويقوي القياس على الأواني وعدم النظر للإحتياط المذكور اه. بنوع تصرف (قوله: وإن قدر الخ) غاية لحل نكاحه من شاء إلى أن تبقى واحدة: أي يحل له ذلك وإن كان قادرا على نكاح امرأة متيقنة الحل بأن تكون من غير النسوة التي اختلطت محرمة بهن. قال في التحفة بعد الغاية المذكورة: خلافا للسبكي. فأفاد أنها للرد عليه (قوله: أو بمحصورات) معطوف على النسوة: أي أو اختلطت محرمة بنسوة محصورات (قوله: كعشرين بل مائة) عبارة البجيرمي: قوله كعشرين - أي ومائة ومائتين، وغير المحصور كألف وتسعمائة وثمانمائة وسبعمائة وستمائة، وما بين الستمائة والمائتين يستفتى فيه القلب: أي الفكر، فإن حكم بأنه يعسر عده كان غير محصور، وإلا كان محصورا. اه. شيخنا. وفي الزيادي: أن غير المحصور خمسمائة فما فوق، وأن المحصور مائتان فما دون، وأما الثلثمائة والأربعمائة فيستفتى فيه القلب. قال: والقلب إلى التحريم أميل. اه. (قوله: نعم إن قطع بتميزها) أي المحرمة المختلطة بمحصورات. وهو استدراك على قوله لم ينكح منهن شيئا. وقوله لم يحرم غيرها: أي غير المتميزة بالسواد. وذلك الغير هو من لا سواد فيه. وقوله كما استظهر شيخنا أي في فتح الجواد، وعبارته، نعم إن قطع بتميزها كسوداء اختلطت بمن لا سواد فيهن لم يحرم غيرها. اه. وتأمل هذا الاستدراك فإنه إذا قطع بتمييز محرمة بصفة، فلا التباس حينئذ. وخرج عن موضع المسألة الذي هو اختلاط محرمة بغير محرمة، إذ الذي يظهر أن المراد بالاختلاط الإلتباس وعدم التمييز، ويدل لما ذكرته عبارة الجمل على شرح المنهج ونصها: قوله ولو اختلطت محرمة الخ، فيه إشارة إلى أنه ليس ثم علامة يحتمل بها تمييز. اه (قوله: تنبيه) أي في بيان نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات، وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة (قوله: يشترط أيضا) أي كما يشترط ما تقدم

الكراهة نكاح الاسرائيلية بشرط أن لا يعلم دخول أول آبائها في ذلك الدين بعد بعثة عيسى عليه السلام وإن علم دخوله فيه بعد التحري، ونكاح غيرها بشرط أن يعلم دخول أول آبائها فيه قبلها ولو بعد التحريف إن تجنبوا ـــــــــــــــــــــــــــــ من خلو الزوجة من نكاح وعدة ومن التعيين وعدم وجود محرمية (قوله: في المنكوحة) أي التي يريد أن ينكحها ويزوج عليها والمراد في حل نكاحها. ومثل المنكوحة الأمة التي يريد التسري بها (قوله: كونها مسلمة) أي لقوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (1) وقوله أو كتابية: أي لقوله تعالى: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * (2) أي حل لكم. ويشترط فيها أن تكون يهودية أو نصرانية. والأولى هي المتمسكة بالتوراة، والثانية هي المتمسكة بالإنجيل. وأما إذا لم تكن كذلك كالمتمسكة بزبور داود ونحوه، كصحف شيث وادريس وابراهيم عليه الصلاة والسلام - فلا تحل لمسلم. قيل: لأن ذلك لم ينزل بنظم يدرس ويتلى، وإنما أوحي إليهم معانيه. وقيل لأن حكم ومواعظ، لا أحكام وشرائح (قوله: خالصة) صفة لكتابية. وخرج بها المتولدة من كتابي ونحو وثنية فتحرم، كعكسه، تغليبا للتحريم (قوله: ذمية كانت أو حربية) تعميم في الكتابية: أي لا فرق فيها بين أن تكون ذمية، وهي التي عقد لها الإمام ذمة على أن عليها كل سنة دينارا، أو حربية، وهي التي حاربتنا ونابذتنا، (قوله: فيحل الخ) الأولى والأخصر في التعبير أن يقول وشرط فيها إذا كانت إسرائيلية الخ، وذلك لأن عبارته توهم أن الإسرائيلية غير الكتابية المتقدمة. وعبارة المنهج وشرحه: وشرطه، أي حل نكاح الكتابية الخالصة في إسرائيلية الخ. اه. وهي ظاهرة (قوله: مع الكراهة) أي لأنه يخاف من الميل إليها الفتنة في الدين، والحربية أشد كراهة لأنها ليست تحت قهرنا، وللخوف من إرقاق الولد حيث لم يعلم أنه ولد مسلم. ومحل الكراهة إن لم يرج إسلامها ووجد مسلمة تصلح ولم يخش العنت، وإلا فلا كراهة، بل يسن (قوله: نكاح الإسرائيلية) نسبة إلى إسرائيل: وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام (قوله: بشرط أن لا يعلم دخول إلخ) أي بأن علم دخوله فيه قبل البعثة أو شك فيه، فإن علم دخوله فيه بعدها لا يصح نكاحها لسقوط فضيلة ذلك الدين بالشريعة الناسخة له فلم يدخل فيه وهو حق (قوله: أول آبائها) عبارة م ر: والمراد بأول آبائها أول جد يمكن انتسابها إليه، ولا نظر لمن بعده. وظاهر أنه يكفي هنا بعض آبائها من جهة الأم. اه. وقوله ولا نظر لمن بعده: أي الذي هو أنزل منه، فلا يضر دخوله فيه بعد البعثة الناسخة (قوله: في ذلك الدين) أي الذي هي متلبسة به، وهو دين اليهودية أو النصرانية (قوله: بعد بعثة عيسى) ليس بقيد. فالمراد بعد بعثة تنسخه كبعثة موسى فإنها ناسخة لما قبلها، وبعثة عيسى فإنها ناسخة لبعثة موسى، وكبعثة نبينا فإنها ناسخة لبعثة عيسى. فالشرائع الناسخة ثلاث، فلا عبرة بالتمسك بغيرها، ولو فيما بينها، فلا تحل المنسوبة إلى هذا الغير. وبين موسى وعيسى ألف سنة وتسعمائة سنة وخمس وعشرون سنة. وبين مولى عيسى وهجرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ستمائة وثلاثون سنة. ذكره السيوطي في التحبير في علم التفسير. كذا في ش ق (قوله: وإن علم دخوله إلخ) غاية في حل نكاح الإسرائيلية التي لم يعلم دخول أول آبائها في ذلك الدين قبل بعثة تنسخه، أي يحل نكاحها وإن علم دخول أول آبائها بعد التحريف. قال البجيرمي: أي وإن لم يجتنبوا المحرف. اه. (قوله: ونكاح غيرها) معطوف على نكاح الإسرائيلية: أي ويحل نكاح الكتابية غير الإسرائيلية (قوله: بشرط أن يعلم) أي بالتواتر أو بشهادة عدلين أسلما لا بقول المتعاقدين على المعتمد. ز ي. وقوله دخول أول آبائها فيه: أي في ذلك الدين، وقوله قبلها: أي قبل بعثة تنسخه، واحترز به عما إذا علم دخوله فيه بعدها أو شك فيه فإنه لا يصح نكاحها. وقوله إن تجنبوا المحرف: فلو علم دخوله فيه قبلها وبعد التحريف ولم يتجنبوا المحرف لا يصح أيضا نكاحها. (وأعلم) أنه إذا نكح الكتابية مطلقا، اسرائيلية كانت أو لا، بالشروط السابقة تكون كالمسلمة، في نحو نفقة وكسوة وقسم وطلاق، بجامع الزوجية المقتضية لذلك. وله إجبارها، كالمسلمة، على غسل من حدث أكبر، كجنابة وحيض، ويغتفر منها عدم النية للضرورة. وعلى تنظيف وعلى ترك تناول خبيث، كخنزير، وبصل، ومسكر، لتوقف التمتع أو * (ال

_ (1) سورة البقرة، الاية: 221. (2) سورة المائدة، الاية: 5

المحرف، ولو أسلم كتابي وتحته كتابية دام نكاحه وإن كان قبل الدخول أو وثني وتحته وثنية فتخلفت قبل الدخول تنجزت الفرقة أو بعده وأسلمت في العدة دام نكاحه، وإلا فالفرقة من إسلامه. ولو أسلمت وأصر على الكفر: فإن دخل بها وأسلم في العدة دام النكاح، وإلا فالفرقة من إسلامها. وحيث أدمنا لا يضر مقارنة مفسد هو زائل عند الاسلام فتقر على نكاح في عدة هي منقضية عند الاسلام وعلى غصب حربي لحربية إن اعتقدوه ـــــــــــــــــــــــــــــ كماله على ذلك (قوله: ولو أسلم) شروع في حكم الكافر إذا أسلم وتحته كافرة. وقد أفرده الفقهاء بترجمة مخصوصة. وقوله كتابي: أي ولو كان إسلامه تبعا لأحد أبويه (قوله: وتحته كتابية) حرة كانت أو أمة إذا كان هو ممن يحل له الأمة (قوله: دام نكاحه) أي بالإجماع لأنها تحل له ابتداء. وقوله وإن كان: أي إسلامه قبل الدخول بها. وهو غاية لدوام النكاح (قوله: أو وثني) أي أو لو أسلم وثني: أي عابد وثن، أي صنم، قيل: الوثن هو غير المصور. والصنم هو المصور (قوله: وتحته وثنية) أي والحال أن تحت هذا الوثني الذي أسلم وثنية. وقوله فتخلفت: أي لم تسلم معه. وقوله قبل الدخول: متعلق بأسلم المقدر قبل قوله وثني: أي أسلم قبل الدخول بها، أي الوطئ ولو في الدبر، ومثله استدخال المني. وقوله تنجزت الفرقة: أي وقعت حالا وهي فرقة فسخ لا فرقة طلاق. وهذا جواب لو المقدرة بعد أو وقبل أسلم المقدر (قوله: أو بعده) أي أو لو أسلم بعد الدخول. وقوله وأسلمت في العدة: أي قبل انقضائها (قوله: دام نكاحه) جواب لو المقدرة في قوله أو بعده، كما علمت من الحل (قوله: وإلا) أي وإن لم تسلم في العدة بأن لم تسلم أصلا، أو أسلمت بعدها. قال ح ل: وكذا لو أسلمت مع انقضاء العدة تغليبا للمانع. اه. وقوله فالفرقة من إسلامه، أي فالفرقة تتبين من حين إسلامه (قوله: ولو أسلمت) الضمير يعود على زوجة الكافر مطلقا، كتابية كانت أو وثنية، وهو أولى من عوده إلى الوثنية فقط. وإن كانت أقرب مذكور لأنه يبقى عليه الكتابية. وقوله وأصر أي دام زوجها الكافر، كتابيا كان أو وثنيا، على الكفر (قوله: فإن دخل بها) أي قبل إسلامها، وقوله: وأسلم: أي الزوج (قوله: وإلا) أي وإن لم يسلم في العدة، وسكت عن مفهوم دخل بها. ولا يقال إن قوله وإلا راجع إليه أيضا لأنه يصير المعنى عليه وإن لم يدخل بها ولم يسلم في العدة تبينت الفرقة من حين إسلامها، وذلك لا يصح، لأنه إذا لم يدخل بها لا عدة حتى أنه يصح أن يقول بعده ولم يسلم في العدة. وكان المناسب أن يجعله على نمط ما قبله بأن يقول: فإن كان أي إسلامها قبل الدخول تنجزت الفرقة، أو بعده وأسلم في العدة دام نكاحه، وإلا فالفرقة من حين إسلامها. فتنبه. (واعلم) أنه لم يبين حكم ما إذا أسلما معا. وحاصله أنهما إذا أسلما معا، سواء كان قبل الدخول بها أو بعده، دام النكاح بينهما إجماعا، كما حكاه ابن المنذر وغيره، ولما رواه الترمذي وصححه أن رجلا جاء مسلما، ثم جاءت امرأته مسلمة، فقال يا رسول الله: كانت أسلمت معي. فردها عليه وإن شك في المعية، فإن كان بعد الدخول وجمعهما الإسلام في العدة دام النكاح بينهما، أو كان قبله، فإن تصادقا على معية أو على تعاقب عمل به فيدوم النكاح بينهما في الأول وتنجز الفرقة في الثاني (قوله: وحيث أدمنا الخ) يعني حيث أدمنا النكاح بينهما: أي بأن وجدت القيود السابقة. (وقوله: فلا يضر مقارنة مفسد) أي لعقد النكاح، أي لما يعتقدون به وجود النكاح ولو فعلا: كوطئ. وإنما لم يضر ذلك تخفيفا عليهم لأجل الإسلام وذلك المفسد كالنكاح في العدة (قوله: هو زائل عند الإسلام) شرط في المفسد الذي لا يضر مقارنته للنكاح، أي يشترط فيه أن يزول عند الإسلام. ويشترط أن لا يعتقدوا فساده بسبب الإسلام، وأن تكون تلك الزوجة بحيث تحل له الآن لو ابتدأ نكاحها، فإن لم يزل المفسد عند الإسلام أو زال عنده واعتقدوا فساده أو لم تحل له الآن ضر ذلك. فلو نكح حرة وأمة ثم أسلم الزوج وأسلما معه ضر ذلك، إذ لا يحل له نكاح الأمة لو أراد ابتداء النكاح لها ولبقاء المفسد عنده (قوله: فتقر على نكاح في عدة) أي للغير، ولو بوطئ شبهة، وتقر أيضا على نكاح بلا ولي ولا شهود بحيث يحل نكاحها الآن. قال في النهاية: والضابط في الحل أن تكون الآن بحيث يحل ابتداء نكاحها مع تقدم ما تسمى به زوجة عندهم. اه. وقوله هي منقضية عند الإسلام، فلو لم تكن منقضية عنده لا تقر عليه لبقاء المفسد عند الإسلام (قوله: وعلى غصب الخ) معطوف على قوله على نكاح: أي ويقر على غصب حربي لحربية إن اعتقدوا الغصب نكاحا

نكاحا. وكالغصب المطاوعة. قاله شيخنا. ونكاح الكفار صحيح، على الصحيح، ولا يصح نكاح الجنية كعكسه على ما عليه أكثر المتأخرين. (و) شرط (في الزوج تعيين) فزوجت بنتي أحدكما باطل ولو مع الاشارة (وعدم محرمة) كأخت أو عمة أو خالة (للمخطوبة) بنسب أو رضاع (تحته) أي الزوج ولو في العدة الرجعية لان الرجعية كالزوجة بدليل التوارث. فإن نكح محرمين في عقد بطل فيهما: إذ لا مرجح، أو في عقدين بطل ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيحا إقامة للفعل مقام القول وإنما لم يضر ذلك هنا للضابط المار عن م ر. وخرج بقوله غصب حربي لحربية ما لو غصب ذمي ذمية واتخذها زوجة فإنهم لا يقرون وإن اعتقدوه نكاحا، لأن على الإمام دفع بعضهم عن بعض. كذا في المغني (قوله: وكالغصب المطاوعة) أي فيقر على مطاوعة حربية لحربي في النكاح (قوله: ونكاح الكفار صحيح) أي محكوم بصحته رخصة، ولقوله تعالى: * (وامرأته حمالة الحطب) * (1) وقوله: * (وقالت امرأة فرعون) * (2) فلو ترافعوا إلينا لا نبطله. وفي النهاية: والأوجه أنه ليس لنا البحث عن اشتمال أنكحتهم على مفسد أو لا، لأن الأصل في أنكحتهم الصحة كأنكحتنا. قال الرشيدي: أي ليس لنا البحث بعد الترافع إلينا والمراد أن لا يبحث على اشتماله على مفسد، ثم ينظر هل هذا المفسد باق فننقض العقد أو زائل فنبقيه؟ فما مر، من إنا ننقض عقدهم المشتمل على مفسد غير زائل، محله إذا ظهر لنا ذلك من غير بحث وإلا فالبحث علينا ممتنع. اه. (قوله: ولا يصح نكاح الجنية الخ) قد تقدم الكلام على ذلك. فلا تغفل (قوله: كعكسه) أي نكاح الجني لإنسية (قوله: وشرط في الزوج إلخ) شروع في بيان شروط الزوج الذي هو أحد الأركان (قوله: تعيين) أي بما مر من كونه بالوصف أو الإشارة (قوله: فزوجت بنتي أحدكما باطل) قال في التحفة: مطلقا، أي سواء كان نوى الولي معينا منهما أم لا، قال ع ش: وعليه فلعل الفرق بين هذا وبين زوجتك إحدى بناتي ونويا معينة حيث صح، ثم لا هنا: أنه يعتبر من الزوج القبول، فلا بد من تعيينه ليقع الإشهاد على قبوله الموافق للإيجاب، والمرأة ليس العقد والخطاب معها والشهادة تقع على ما ذكره الولي فاغتفر فيها ما لا يغتفر في الزوج. اه. (قوله: ولو مع الإشارة) أي للمخاطبين: بأن قال زوجت أحد هذين الرجلين، لا للأحد الذي يريد التزويج، بأن قال زوجت هذا منهما لأنه حينئذ معين، فهو يأتي فيه ما سبق في قوله ولو مع الإشارة بعد قوله فزوجتك إحدى بناتي باطل، وهو ساقط من عبارة التحفة والنهاية وشرح المنهج، وهو الأولى (قوله: وعدم محرمة) هي تقرأ بفتح الميم وسكون الحاء وفتح الراء المخففة. وهذا شروع فيما حرمته، لا على التأبيد، بل من جهة الجمع في العصبة، وهو جمع بين الأختين والمرأة وعمتها أو خالتها ولو بواسطة، وذلك لقوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الاختين) * (3) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تنكح المرأة على عمتها، ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها، لا الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى رواه أبو داود وغيره. والمعنى في ذلك ما فيه من قطيعة الرحم بسبب ما يحصل بينهما من المخاصمة المؤدية إلى البغضاء غالبا، وهذا في الدنيا. وأما في الآخرة فلا حرمة فيه لانتفاء علة التحريم، إذ لا تباغض فيها ولا حقد ولا غل. قال تعالى: * (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * (4) (قوله: للمخطوبة) متعلق بمحذوف صفة لمحرمة: أي محرمة كائنة للمخطوبة: أي وشرط عدم وجود امرأة محرمة تحته لمن يريد أن يخطبها (قوله: بنسب أو رضاع) تعميم في المحرمة، ولو قدمه على قوله للمخطوبة لكان أولى وخرج بهما المصاهرة فلا تقتضي حرمة الجمع، فيجوز الجمع بين امرأة وأم زوجها أو بنت زوجها، وإن حرم تناكحهما لو فرضت إحداهما ذكرا والأخرى أنثى (قوله: تحته) متعلق بمحذوف صفة ثانية لمحرمة، وكان الأولى تقديمه على قوله للمخطوبة. والمراد تحته حقيقة وهي غير المطلقة رأسا وحكما، وهي المطلقة طلاقا رجعيا بدليل الغاية بعده (قوله: ولو في العدة) غاية لاشتراط عدم وجود محرمة تحته للمخطوبة: أي يشترط ذلك ولو كانت المحرمة في العدة. وقوله الرجعية: صفة للعدة، أي العدة التي تجوز الرجعة فيها بأن كانت مطلقة طلاقا رجعيا (قوله: لأن الرجعية الخ) علة لمقدر مرتبط بالغاية، أي وإنما اشترط أن لا يكون

_ (1) سورة المسد، الاية: 4. (2) سورة القصص، الاية: 9. (3) سورة النساء، الاية: 23. (4) سورة الاعراف، الاية: 43

الثاني. وضابط من يحرم الجمع بينهما كل امرأتين بينهما نسب أو رضاع يحرم تناكحهما إن فرضت إحداهما ذكرا ويشترط أيضا أن لا تكون تحته أربع من الزوجات سوى المخطوبة ولو كان بعضهن في العدة الرجعية لان الرجعية في حكم الزوجة، فلو نكح الحر خمسا مرتبا بطل في الخامسة أو في عقد بطل في الجميع أو زاد العبد على الثنتين بطل كذلك. أما إذا كانت المحرمة للمخطوبة أو إحدى الزوجات الاربعة في العدة البائن فيصح ـــــــــــــــــــــــــــــ تحته محرمة للمخطوبة كائنة في عدة رجعية مع أنها مطلقة لأنها رجعية، وهي كالزوجة، بدليل صحة التوارث بينهما لو مات أحدهما في هذه العدة (قوله: فإن نكح محرمين في عقد) أي فإن جمع بينهما في عقد واحد أو في عقدين وقعا معا، بأن قال الولي له زوجتك بناتي فقبل نكاحهما معا، أو جهل السبق والمعينة، أو علم السبق لكن جهلت السابقة فيبطل نكاحهما معا في الجمع، (وقوله: أو في عقدين الخ) أي أو نكح محرمين في عقدين بطل الثاني. وهذا إذا كانا مرتبين وعرفت السابقة، وإلا بطلا معا، كما علمت (قوله: وضابط من يحرم الجمع بينهما كل الخ) إعراب هذا التركيب ضابط مبتدأ أول، ولفظ كل مبتدأ ثاني. (وقوله: يحرم تنكاحهما) خبر الثاني وهو وخبره خبر الأول. (وقوله: إن فرضت إلخ) مرتبط بقوله يحرم تنكاحهما: أي يحرم تنكاحهما لو فرضت إحداهما ذكرا، وذلك كما في الأختين فإنه لو فرضت إحداهما ذكرا مع كون الأخرى أنثى حرم تناكحهما، لأن الشخص يحرم عليه نكاح أخته، وكما في المرأة وعمتها فإنه لو فرضت المرأة ذكرا حرم عليه نكاح عمته، ولو فرضت العمة ذكرا حرم عليه نكاح بنت أخيه، وكما في المرأة وخالتها فإنه لو فرضت المرأة ذكرا حرم عليه نكاح خالته، ولو فرضت الخالة ذكرا حرم عليه نكاح بنت أخته. (واعلم) أن من حرم جمعهما بنكاح حرم جمعهما أيضا في الوطئ بملك اليمين، فلو تملك أختين ووطئ واحدة منهما حرمت الأخرى حتى يحرم الأولى بطريق من الطرق التي تزيل الملك أو الإستحقاق كبيعها أو تزويجها، وكذلك يحرم الجمع بينهما لو كانت إحداهما زوجة والأخرى مملوكة، لكن المعقود عليها أقوى من المملوكة. فلو عقد على امرأة ثم ملك أختها أو ملك أولا ثم عقد على أختها حلت الزوجة دون المملوكة لأن فراش النكاح أقوى من فراش الملك، إذ يتعلق به الطلاق والظهار والإيلاء وغيرها. فلو فارق الزوجة حلت المملوكة. وخرج بفراش النكاح وفراش الملك نفس النكاح والملك فإن الملك أقوى من النكاح لأنه يملك به الرقبة والمنفعة، بخلاف النكاح فإنه لا يملك به إلا ضرب من المنفعة، ولذلك إذا طرأ الملك على النكاح أبطله، فإذا كان متزوجا أمة ثم ملكها بطل نكاحها ولا يدخل النكاح على الملك، فإذا ملك أمة لا يصح نكاحه لها إلا إن أعتقها ثم ينكحها (قوله: ويشترط أيضا) أي كما يشترط التعيين وعدم المحرمة، وقوله أن لا تكون تحته أربع من الزوجات، إنما اشترط ذلك لأن غاية ما يباح للحر نكاح أربع للخبر الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لمن أسلم على أكثر من أربع أمسك أربعا وفارق سائرهن وكأن حكمة هذا العدد موافقته لاختلاط البدن الأربعة المستولدة عنها أنواع الشهوة المستوفاة غالبا بهن. قال ابن عبد السلام: كانت شريعة موسى تحلل النساء من غير حصر لمصلحة الرجال، وشريعة عيسى - صلى الله عليه وسلم - تمنع غير الواحدة لمصلحة النساء، فراعت شريعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - مصلحة النوعين (ولو كان بعضهن في العدة الرجعية) غاية في اشتراط ما ذكر (قوله: فلو نكح الحر الخ) مفرع على مفهوم الشرط المذكور (قوله: بطل) أي النكاح في المرأة الخامسة لأنها هي الزائدة على العدد المباح (قوله: أو في عقد) أي أو نكح الحر خمسا في عقد واحد بطل النكاح في الجميع، لأنه لا أولوية لإحداهن على الباقيات (قوله: أو زاد العبد الخ) معطوف على قوله نكح الحر الخ، فيكون داخلا في حيز التفريع على اشتراط أن لا يكون تحته أربع من الزوجات وهو لا يظهر، فلو قال أولا ويشترط أن لا يكون تحت الحر أربع من الزوجات وتحت العبد زوجتان سوى المخطوبة ثم فرع عليهما ما ذكر لكان التفريع ظاهرا. فتنبه. (وقوله: بطل كذلك) أي في الثالثة إن كان مرتبا أو في الجميع إن كن في عقد واحد، إذ العبد على نصف الحر فلا يجوز له أن ينكح ما عدا اثنتين (قوله: أما إذا كانت الخ) محترز قوله في العدة الرجعية، ويصح أن يكون محترز قوله تحته (قوله: أو إحدى الخ) معطوف على اسم كانت: أي أو

نكاح محرمتها والخامسة لان البائنة أجنبية (و) شرط (في الشاهدين أهلية شهادة) تأتي شروطها في باب الشهادة وهي حرية كاملة وذكورة محققة وعدالة ومن لازمها الاسلام والتكليف وسمع ونطق وبصر لما يأتي أن الاقوال لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع. وفي الاعمى وجه لانه أهل للشهادة في الجملة، الاصح لا وإن عرف الزوجين، ومثله من بظلمة شديدة ومعرفة لسان المتعاقدين. (وعدم تعينهما) أو أحدهما (للولاية) فلا يصح النكاح بحضرة ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت إحدى الخ. (وقوله: في العدة) متعلق بمحذوف خبر كان ويقدر مثنى، وقوله البائن: أي التي لا يجوز فيها الرجعة، والوصف المذكور وصف المطلقة فوصف العدة به على ضرب من التجوز. وعبارة المنهج في عدة بائن، بالإضافة، (قوله: فيصح الخ) جواب أما. وقوله والخامسة: بالجر عطف على محرمتها: أي ويصح نكاح الخامسة. (قوله: وشرط في الشاهدين الخ) شروع في شروط الشاهدين اللذين هما أحد الأركان أيضا. (وقوله: أهلية شهادة) في البجيرمي ما نصه: ولا يشترط معرفة الشهود للزوجة ولا أن المنكوحة بنت فلان، بل الواجب عليهم الحضور، وتحمل الشهادة على صورة العقد حتى إذا دعوا لأداء الشهادة لم يحل لهم أن يشهدوا أن المنكوحة بنت فلان بل يشهدون على جريان العقد، كما قاله القاضي حسين. كذا بخط شيخنا الزيادي. شوبري. وهو تابع لابن حجر. وقال م ر: لا بد من معرفة الشهود اسمها ونسبها، أو يشهدان على صوتها برؤية وجهها، بأن تكشف لهم النقاب. وقال عميرة: واعلم أنه يشترط في انعقاد النكاح على المرأة المنتقبة أن يراها الشاهدان قبل العقد، فلو عقد عليها وهي منتقبة ولم يعرفها الشاهدان لم يصح لأن استماع الشاهد العقد كاستماع الحاكم الشهادة. قال الزركشي: محله إذا كانت مجهولة النسب، وإلا فيصح. وهي مسألة نفيسة. والقضاة الآن لا يعلمون بها، فإنهم يزوجون المنتقبة الحاضرة من غير معرفة الشهود لها اكتفاء بحضورها وإخبارها. وعبارة م ر في الشهادة. قال جمع: لا ينعقد نكاح منتقبة إلا إن عرفها الشاهدان اسما ونسبا وصورة. اه (قوله: تأتي شروطها) أي أهلية الشهادة (قوله: وهي) أي الشروط الآتية (قوله: حرية كاملة) خرج بها من به رق ولو مبعضا لنقصه (قوله: وذكورة محققة) خرج به الأنثى والخنثى، وفيه أن هذا الشرط لم يعده في باب الشهادة من الشروط. وعبارته هناك: وشرط في شاهد تكليف وحرية ومروءة وعدالة. اه. ويمكن أن يقال أنه يفهم من قوله هناك ولما يظهر للرجال غالبا كنكاح وطلاق وعتق رجلان فإن الرجل هو الذكر المحقق البالغ (قوله: وعدالة) هي تتحقق باجتناب كل كبيرة وإصرار على صغيرة على غلبة طاعاته على معاصيه. ولم يذكر المروءة مع أنه عدها في باب الشهادة ويمكن أن يقال إن العدالة تستلزمها بناء على أن العدالة في العرف ملكة تمنع من اقتراف الذنوب الكبائر وصغائر الخسة، كسرقة لقمة والتنظيف بثمرة، أي نقصها من البائع وزياداتها من المشتري، والرذائل المباحة كالمشي حافيا أو مكشوف الرأس وأكل غير سوقي في سوق (قوله: ومن لازمها الخ) أي ومن لازم العدالة الإسلام والتكليف، أي فلا حاجة لعدهما (قوله: وسمع الخ) معطوف على حرية (قوله: لما يأتي) أي في الشهادات، وفيه أنه لم يذكر النطق وإن كان اشتراطه مسلما، وقد ذكره في التحفة وعبارة المؤلف هناك: وشرط الشهادة بقوله كعقد وفسخ وإقرار هو: أي إبصار وسمع لقائله حال صدوره، فلا يقبل فيه أصم لا يسمع شيئا ولا أعمى في مرئي لانسداد طرق التمييز مع اشتباه الأصوات، ولا يكفي سماع شاهد من وراء حجاب وإن علم صوته لأن ما أمكن إدراكه بإحدى الحواس لا يجوز أن يعمل فيه بغلبة ظن لجواز اشتباه الأصوات. قال شيخنا: نعم لو علمه ببيت وحده وعلم أن الصوت ممن في البيت جاز اعتماد صوته وإن لم يره، وكذا لم علم اثنين ببيت لا ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان وعلم الموجب منهما من القابل لعلمه بمالك المبيع أو نحو ذلك فله الشهادة بما سمعه منهما. اه (قوله: وفي الأعمى وجه) أي بصحة شهادته. قال في النهاية: وفي الأصم أيضا وجه، وقوله لأنه: أي الأعمى، ومثله الأصم، وقوله أهل للشهادة في الجملة: أي في بعض المحال كالشهادة في غير المرئي (قوله: والأصح لا) أي لا تصح شهادته لعدم رؤيته للموجب والقابل حال العقد والإعتماد على الصوت لا نظر له. وقوله إن عرف الزوجين: أي من قبل عماه بأن كان عماه طارئا، والغاية لكون الأصح عدم الصحة (قوله: ومثله الخ) أي ومثل الأعمى في عدم صحة الشهادة من بظلمة شديدة لا يرى فيها العاقدين. وفي

عبدين أو امرأتين أو فاسقين أو أصمين أو أخرسين أو أعميين أو من لم يفهم لسان المتعاقدين ولا بحضرة متعين للولاية. فلو وكل الاب أو الاخ المنفرد في النكاح وحضر مع الآخر لم يصح لانه ولي عاقد فلا يكون شاهدا. ومن ثم لو شهد أخوان من ثلاثة وعقد الثالث بغير وكالة من أحدهما صح، وإلا فلا. (تنبيه) لا يشترط الاشهاد على إذن معتبرة الاذن لانه ليس ركنا للعقد، بل هو شرط فيه، فلم يجب الاشهاد ـــــــــــــــــــــــــــــ ع ش ما نصه: قوله ومثله من بظلمة شديدة تقدم في البيع أن البصير يصح بيعه للمعين وإن كان بظلمة شديدة حال العقد بحيث لا يرى أحدهما الآخر. ولعل الفرق بين ما هنا وثم أن المقصود من شهود النكاح إثبات العقد بهما عند التنازع، وهو منتف مع الظلمة. اه (قوله: ومعرفة لسان المتعاقدين) معطوف على أهلية شهادة في المتن، لا على حرية، كما هو ظاهر، أي وشرط معرفة الشاهدين لسان المتعاقدين الموجب والقابل فلا يكفي إخبار ثقة لهما بمعنى العقد. قال ع ش: لكن بعد تمام الصيغة، أما قبلها بأن أخبره بمعناها ولم يطل الفصل فيصح. اه (قوله: وعدم الخ) معطوف على أهلية شهادة: أي وشرط عدم تعين الشاهدين أو أحدهما للولاية. ومثال تعينهما معا للولاية أخوان أذنت لهما معا أن يزوجاها (قوله: فلا يصح النكاح إلخ) شروع في أخذ محترزات الشروط المارة، فقوله بحضرة عبدين محترزا لحرية ولا فرق فيهما بين أن يكونا مبعضين أو لا، وقوله أو امرأتين محترزا لذكورة ومثلهما الخنثيان كما علمت. نعم، إن بانا بعد العقد أنهما ذكران صح، وقوله أو فاسقين محترزا لعدالة. (واعلم) أنه يحرم على العالم بفسق نفسه تعرض للشهادة. وقوله أو أصمين محترزا لسمع، وقوله أو أخرسين محترز النطق، وقوله أو أعميين، محترزا لبصر. وقوله أو من لم يفهم لسان المتعاقدين، محترز لمعرفة لسان المتعاقدين. وقوله: ولا بحضرة متعين للولاية: محترز عدم تعيينهما أو أحدهما للولاية (قوله: فلو وكل الأب الخ) مفرع على عدم صحته بحضرة ولي متعين للشهادة (قوله: أو الأخ المنفرد) قيد به لأنه لا يتعين للولاية إلا حينئذ، فلو لم ينفرد كأن كان لها ثلاثة إخوة وعقد لها واحد منهم بإذنها له فقط وشهد الآخران، صح، كما سيصرح به قريبا فإن أذنت لكل منهم تعين أن يكون الشاهدان من غيرهم، ففي مفهوم القيد المذكور تفصيل، وإذا كان كذلك فلا يعترض بأن مفهومه أنه إذا لم ينفرد صح أن يكون شاهدا مطلقا مع أنه ليس كذلك (قوله: في النكاح) أي في عقد النكاح لموليتهما، وهو متعلق بوكل (قوله: وحضر) أي من ذكر من الأب أو الأخ المنفرد، وقوله مع آخر، أي مع شخص آخر غيره (قوله: لم يصح) أي النكاح، وهو جواب لو (قوله: لأنه) أي من ذكر من الأب أو الأخ، وهو علة لعدم الصحة. وقوله فلا يكون شاهدا: أي فلا يصح أن يكون شاهدا (قوله: ومن ثم لو شهد إلخ) أي ومن أجل التعليل المذكور لو شهد أخوان من ثلاثة وعقد الثالث بغير وكالة من أحدهما بأن أذنت لهذا الثالث العاقد فقط صح النكاح لعدم كونهما وليين عاقدين لها حينئذ. وقوله وإلا بأن عقد الثالث بوكالة من أحدهما بأن أذنت لهما وهما وكلا الثالث في عقد النكاح، ومثله ما لو أذنت للثلاثة في النكاح، وقوله فلا: أي فلا يصح النكاح بحضور الأخوين المأذون لهما في النكاح شاهدين لأنهما العاقدان في الحقيقة، والوكيل في النكاح إنما هو سفير محض (قوله: لا يشترط الإشهاد على إذن معتبرة الإذن) أي على إذن من يعتبر إذنها في صحة النكاح، وهي غير المجبرة. نعم، يندب احتياطا ليؤمن إنكارها. لا يقال إن التقييد بمعتبرة الإذن يوهم اشتراط الإشهاد في إذن غير معتبرة الإذن وهي المجبرة البالغة، لأنا نقول عدم اشتراط فيه مفهوم بالأولى، إذا إذنها غير شرط مستحب، وإذا لم يكن شرطا فيما الإذن فيه شرط فلأن لا يكون شرطا في غيره أولى. فالقيد لبيان الواقع، لا للإحتراز (قوله: لأنه) أي إذنها ليس ركنا في العقد: أي ليس جزءا من أجزاء العقد والإشهاد، إنما هو شرط في العقد. وعبارة شرح المنهج، وإنما لم يشترط لأن رضاها ليس من نفس النكاح المعتبر فيه الإشهاد، وإنما هو شرط فيه ورضاها الكافي في العقد يحصل بإذنها أو ببينة أو بإخبار وليها مع تصديق الزوج أو عكسه. اه (قوله: بل هو) أي الإذن. وقوله شرط فيه، أي في العقد

عليه إن كان الولي غير حاكم وكذا إن كان حاكما على الاوجه. ونقل في البحر عن الاصحاب أنه يجوز اعتماد صبي أرسله الولي إلى غيره ليزوج موليته: أي إن وقع في قلبه صدق الخبر. (فرع) لو زوجها وليها قبل بلوغ إذنها إليه صح على الاوجه إن كان الاذن سابقا على حالة التزويج، لان العبرة في العقود بما في نفس الامر - لا بما في ظن المكلف - (وصح) النكاح (بمستوري عدالة) وهما من لم ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فلم يجب الإشهاد عليه: أي على الإذن لأنه خارج عن ماهية العقد لكونه شرطا (قوله: إن كان الولي غير حاكم الخ) الأولى أن يأتي به في صورة التعميم بأن يقول: سواء كان الولي غير حاكم أو كان حاكما وقوله على الأوجه: مقابله يقول إن الحاكم لا يزوج إلا إذا ثبت عنده الإذن ببينة، ومثلها الإقرار. وعبارة التحفة: نعم أفتى البلقيني كابن عبد السلام بأنه لو كان المزوج هو الحاكم لم يباشره إلا إن ثبت إذنها عنده. وأفتى البغوي بأن الشرط أن يقع في قلبه صدق المخبر له بأنها أذنت له، وكلام القفال والقاضي يؤيده وعليه يحمل ما في البحر عن الأصحاب أنه يجوز اعتماد صبي أرسله الولي لغيره ليزوج موليته. والذي يتجه هنا ما مر في عقده بمستورين أن الخلاف إنما هو في جواز مباشرته لا في الصحة، كما هو ظاهر، لما مر أن مدارها على ما في نفس الأمر. اه. وفي النهاية: وما أفتى به البلقيني، كابن عبد السلام، مبني على أن تصرف الحاكم حكم، والصحيح خلافه. اه. (قوله: ونقل في البحر الخ) هذا مبني على غير مذكور، وهو إفتاء البغوي بأن الشرط فيما إذا كان الولي الحاكم أن يقع في قلبه صدق المخبر له كما يعلم من عبارة التحفة المارة ومن قوله بعد: أي إن وقع في قلبه صدق المخبر. أما لو جرينا على إفتاء البلقيني المذكور في عبارة التحفة المارة - وهو أنه لا بد من ثبوت الإذن عند الحاكم، فقياسه هنا أنه لا يجوز اعتماد الصبي فيما ذكر (قوله: في قلبه) أي الغير المرسل إليه، وقوله صدق المخبر، بكسر الباء، وهو الصبي (قوله: لو زوجها وليها) أي لو زوج المولية المعتبرة الإذن وليها قبل بلوغ إذنها إليه. وقوله صح: أي تزويجه لها. وقوله على الأوجه مقابله قول البغوي بعدم الصحة، ورده في التحفة بقوله: وأما قول البغوي لو زوجها وليها وكانت قد أذنت ولم يبلغه الإذن لم يصح وإن جهل اشتراط إذنها لأنه تهور محض، فهو لا يوافق قولهم العبرة في العقود حتى النكاح بما في نفس الأمر. اه (قوله: أن كان الإذن سابقا على حالة التزويج) شرط في الصحة: أي يشترط فيها أن يتبين أنها قد أذنت له قبل التزويج فلو تبين أنها أذنت له بعد التزويج. ومثله ما إذا لم يتبين شئ أصلا فلا يصح. (وقوله: لأن العبرة الخ) علة الصحة. وفي سم: قال في تجريد المزجد: أراد أن يزوج ابنة عمه وأخبره رجل أو رجلان أنها أذنت له فزوجها ثم قالا كذبنا في الإخبار، فإن قالت المرأة كنت أذنت صح النكاح، أو أنكرت صدقت بيمينها وعلى الزوج البينة بإذنها، ولو أرسلت رسولا بالإذن إلى ابن عمها فلم يأته الرسول وأتاه من سمع من الرسول وأخبره فزوجها صح النكاح، لأن هذا إخبار لا شهادة. قاله في الأنوار. اه (قوله: وصح النكاح) أي ظاهرا لا باطنا، وقوله بمستوري عدالة: أي شاهدين مستورة عدالتهما، وذلك لأن ظاهر المسلمين العدالة، ولأن النكاح يجري بين أوساط الناس وعوامهم، فلو كلفوا بمعرفة العدالة الباطنة ليحضر المتصف بها لطال الأمر وشق. قال في التحفة: ومن ثم صحح في نكت التنبيه، كابن الصلاح، أنه لو كان العاقد الحاكم اعتبرت العدالة الباطنة قطعا لسهولة معرفتها عليه بمراجعة المزكين، وصحح المتولي وغيره أنه لا فرق، إذ ما طريقه المعاملة يستوي فيه الحاكم وغيره، ثم قال: والذي يتجه أخذا من قوله لو طلب منه جماعة بأيديهم مال لا منازع لهم فيه قسمته بينهم لم يجبهم إلا إن أثبتوا عنده أنه ملكهم لئلا يحتجوا بعد بقسمته على أنه ملكهم، أنه لا يتولى العقد إلا بحضرة من ثبتت عنده عدالتهما، وأن ذلك ليس شرطا للصحة، بل لجواز الإقدام، فلو عقد بمستورين فبانا عدلين صح، أو عقد غيره بهما فبانا فاسقين لم يصح، كما يأتي، لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر. اه. وقوله وصحح المتولي أنه لا فرق. اعتمده في النهاية والمغني. (تنبيه) لا يصح النكاح بمستوري الإسلام والحرية، وهما من لم يعرف حالهما في أحدهما باطنا وإن كانا بمحل كل أهله مسلمون أو أحرارا، وذلك كأن وجد لقيط ولم يعرف حاله إسلاما ورقا، وإنما لم يصح بهما لسهولة الوقوف على

يعرف لهما مفسق، كما نص عليه، واعتمده جمع، وأطالوا فيه. وبطل الستر بتجريح عدل وإذا تاب الفاسق لم يلتحق بالمستور. ويسن استتابة المستور عند العقد. ولو علم الحاكم فسق الشاهدين لزمه التفريق بين الزوجين ولو قبل الترافع إليه على الاوجه. ويصح أيضا بابني الزوجين أو عدويهما. وقد يصح كون الاب شاهدا أيضا: كأن تكون بنته قنة. وظاهر كلام الحناطي - بل صريحه - أنه لا يلزم الزوج البحث عن حال الولي والشهود. قال شيخنا: وهو كذلك إن لم يظن وجود مفسد للعقد (وبان بطلانه) أي النكاح (بحجة فيه) أي في النكاح من بينة أو ـــــــــــــــــــــــــــــ الباطن فيهما. ومثلهما في ذلك البلوغ ونحوه مما مر من الشروط. نعم. إن بانا مسلمين أو حرين أو بالغين مثلا بأن انعقاده كما لو بان الخنثى ذكرا. أفاده حجر. (قوله: وهما) أي مستور العدالة. (وقوله: من لم يعرف لهما مفسق) أي لم يعرف أنهما ارتكبا مفسقا من الكبائر أو من الإصرار على الصغائر. (وقوله: كما نص عليه) أي على الضابط المذكور، (وقوله: واعتمده) أي هذا الضابط المنصوص عليه. وقوله وأطالوا فيه: أي في ترجيحه، وقيل في ضابط المستورين هو من عرف ظاهرهما بالعدالة ولم يزكيا. قال في التحفة: وهو ما اختاره المصنف وقال إنه الحق. اه. وكتب سم ما نصه: قوله أو من عرف إلخ - كأن معناه أنه شوهد منهما أسباب العدالة من ملازمة الواجبات والطاعات واجتناب المحرمات - بخلاف المذكور عن النص. فإنه صادق بمجهولين لم يعرف حالهما ولا شوهد منهما أسباب العدالة. وبهذا يتضح الفرق بين النص ومختار المصنف. اه. (قوله: وبطل الستر بتجريح عدل) أي بإخبار عدل بفسق ذلك المستور، فلو أخبر بفسق المستور عدل لم يصح النكاح. قال في شرح الروض: وقول صاحب الذخائر الأشبه الصحة، فإن الجرح لا يثبت إلا بشاهدين ولم يوجدا: يرد بأنه ليس الغرض إثبات الجرح، بل زوال ظن العدالة، وهو حاصل بخبر العدل. اه. ثم إن كون الستر يبطل بتجريح عدل محله إذا كان واقعا قبل العقد، بخلافه بعده لانعقاده ظاهرا فلا بد من ثبوت مبطله، كذا في التحفة والنهاية. (قوله: لم يلتحق بالمستور) أي فلا يصح به العقد إلا بعد مضي مدة الإستبراء وهي سنة. قال في شرح الروض: لأن توبته حينئذ تصدر عن عادة لاعن عزم محقق. اه (قوله: ويسن استتابة إلخ) أي احتياطا. قال الرشيدي: أنظر ما فائدة هذه الإستتابة مع أن توبة الفاسق لا تلحقه بالمستور كما قدمه قبله؟ ولعلهم يفرقون بين ظاهر الفسق وغير ظاهره. اه. (قوله: ولو علم الحاكم فسق الخ) الأولى أن لا يذكر هذا ويزيد بعد قوله الآتي أو علم حاكم فيلزمه التفريق الخ، كما صنع في التحفة، ونصها: وإنما يتبين الفسق أو غيره بعلم القاضي فيلزمه التفريق بينهما إلخ. اه. (قوله: ولو قبل الترافع إليه) قال في فتح الجواد: لكن إن علم أن الزوج مقلد لمن لا يجيز ذلك، أي النكاح، بشاهدين فاسقين، وإلا فلا بد من الترافع إليه فيما يظهر. اه. بزيادة (قوله: ويصح) أي النكاح. وقوله بابني الزوجين أو عدويهما: أي أو ابن عدو أحدهما مع ابن أو عدو الآخر (قوله: وقد يصح كون الأب شاهدا) أي فيما إذا كانت الولاية لغيره. والمناسب تقديم هذه المسألة عند قول الشارح ولا بحضرة متعين للولاية ويذكرها بعد قوله ومن ثم لو شهد أخوان من ثلاثة وعقد الثالث بغير وكالة صح بأن يقول بعده أو شهد أب في نكاح بنته القنة فإنه يصح لعدم تعينه للولاية. وقوله كأن تكون بنته قنة: أي فالولاية فيها لسيدها لا له فصح أن يكون شاهدا. وعبارة شرح الروض: كأن تكون بنته كافرة أو رقيقة أو ابنه سفيها وأذن له في النكاح لأنه ليس عاقدا ولا العاقد نائبه. اه (قوله: قال شيخنا وهو) أي الحكم كذلك، أي كما قاله الحناطي، ثم إن ظاهر عبارة الشارح أن هذا قول شيخه، وليس كذلك. نعم: يفهم من عبارة شيخه ونصها: وظاهر كلام الحناطي - بل صريحه - أنه لا يلزم الزوج البحث عن حال الولي والشهود وأوجبه بعض المتأخرين لامتناع الإقدام على العقد مع الشك في شروطه. ويرد بأن ما علل به إنما هو في الشك في الزوجين فقط لما مر أنهما المقصودان بالذات، فاحتيط لهما أكثر، بخلاف غيرهما فجاز الإقدام على العقد حيث لم يظن وجود مفسد له في الولي أو الشاهد. ثم إن بان مفسد بان فساد النكاح، وإلا فلا. اه. وقوله وأوجبه بعض المتأخرين: قال سم جزم به في الكنز وأنه يأثم بتركه وإن صح العقد ما لم يبن خلل وإن ذلك هو الأوجه الأفقه، خلافا للحناطي. اه. (قوله: وبان بطلانه) أي تبين بطلان النكاح بعد حصوله (قوله: بحجة) متعلق ببان. وقوله فيه: متعلق بمحذوف صفة لحجة، أي بحجة مقبولة في ثبوت النكاح وهي

علم حاكم (أو بإقرار الزوجين في حقهما بما يمنع صحته) كفسق الشاهد أو الولي عند العقد والرق والصبا لهما وكوقوعه في العدة. وخرج بفي حقهما حق الله تعالى كأن طلقها ثلاثا ثم اتفقا على فساد النكاح بشئ مما ذكر وأراد نكاحا جديدا فلا يقيل إقرارهما، بل لا بد من محلل للتهمة، ولانه حق الله، ولو أقاما عليه بينة لم تسمع. ـــــــــــــــــــــــــــــ رجلان، أو علم الحاكم. والتقييد بقوله فيه يخرج الرجل والمرأتين لأنه ليس بحجة فيه وإن كان بحجة في غيره (قوله: من بينة الخ) بيان للحجة: أي أن الحجة هي بينة تشهد بما يمنع صحته مفسرا بكونه عند العقد سواء كانت حسية أو غيرها أو علم حاكم. قال في النهاية: حيث ساغ له الحكم بعلمه. اه. قال ع ش: أي بأن كان مجتهدا. اه. (قوله: أو بإقرار الزوجين) معطوف على بحجة: أي أو بان بطلانه بإقرار الزوجين (قوله: في حقهما) الأولى تقديمه على قوله بحجة الخ ليتصل بمتعلقه الذي هو بطلان: إذ هو متعلق به، كما في البجيرمي، والجار والمجرور الذي بعده متعلق بكل من حجة وإقرار: أي تبين بالحجة أو الإقرار بطلانه بالنسبة لما يتعلق بحق الزوجين فقط وسيذكر مفهومه. وعبارة التحفة تقتضي تعلقه بمحذوف: أي ويعتد بالحجة أو الإقرار في حقهما ونصها: وعلم أن إقرارهما وبينتهما إنما يعتد بهما فيما يتعلق بحقهما لا غير. ومنه يؤخذ أنه لو طلقها ثم أقيمت بينة بفساد النكاح ثم أعادها عادت إليه بطلقتين فقط، لأن إسقاط الطلقة حق لله تعالى فلا تفيده البينة أيضا. ويحتمل خلافه. اه. (قوله: بما يمنع صحته) تنازعه كل من قوله بحجة وقوله أو بإقرار. كما علمت (قوله: كفسق الشاهد) هو وجميع ما بعده تمثيل لما يمنع الصحة. وقوله عند العقد: متعلق بفسق. وخرج به تبين فسقه بعده أو قبله فلا يضر لجواز حدوثه في الأولى ولاحتمال توبته في الثانية. نعم: تبينه قبل مضي زمن من الإستبراء بالنسبة للشاهد كتبينه عنده، أما بالنسبة للولي فليس كذلك لأنه لا يشترط لصحة عقده بعد التوبة مضي مدة الإستبراء، كما سيأتي (قوله: والرق والصبا) عطف على فسق: أي وكالرق والصبا، أي عند العقد فلا يضر تبينهما قبله لاحتمال الكمال عنده. وقوله لهما: أي الشاهد والولي (قوله: وكوقوعه) معطوف على كفسق وكان الأولى حذف الكاف، كالذي قبله، أي وكوقوع النكاح في العدة الكائنة من غيره، فهو مما يمنع صحته ومما يمنع صحته أيضا الجنون والإغماء والردة عنده (قوله: وخرج بفي حقهما حق الله تعالى) أي فلا يؤثر بطلان النكاح بالنسبة لحق الله تعالى وهو كالتخليل في المثال، فإنه لا يسقط بثبوت فساد النكاح لأنه حق الله تعالى وإن كان مقتضى ثبوت ذلك سقوطه لأنه فرع الطلاق. وقد تبين أن لا طلاق لعدم النكاح (قوله: كأن طلقها ثلاثا الخ) في ع ش ما نصه: وقع السؤال عمن طلق زوجته ثلاثا عامدا عالما: هل يجوز له أن يدعى بفساد العقد الأول لكون الولي كان فاسقا أو الشهود كذلك بعد مدة من السنين؟ وهل له الإقدام على أن يعقد عليها من غير وفاء عدة من نكاحه الأول؟ وهل يتوقف نكاحه الثاني على حكم حاكم بصحته؟ وهل الأصل في عقود المسلمين الصحة أو الفساد؟ (وأجبنا عنه بما صورته) الحمد لله. لا يجوز له أن يدعي بذلك عند القاضي ولا تسمع دعواه بذلك، وإن وافقته الزوجة عليه حيث أراد به إسقاط التحليل. نعم: إن علم بذلك جاز له فيما بينه وبين الله تعالى العمل به فيصح نكاحه لها من غير محلل وإن وافقته الزوجة على ذلك ومن غير وفاء عدة منه، لأنه يجوز للإنسان أن يعقد في عدة نفسه سواء كانت عن شبهة أو طلاق، ولا يتوقف حل وطئه لها وثبوت أحكام الزوجية له على حكم حاكم، بل المدار على علمه بفساد الأول في مذهبه واستجماع الثاني لشروط الصحة المختلفة كلها أو بعضها في العقد الأول، ولا يجوز لغير القاضي التعرض له فيما فعل. وأما القاضي فيجب عليه أن يفرق بينهما إذا علم بذلك. والأصل في العقود الصحة فلا يجوز الإعتراض في نكاح ولا غيره على من استند في فعله إلى عقد ما لم يثبت فساده بطريقه، وهذا كله حيث لم يحكم حاكم بصحة النكاح الأول ممن يرى صحته مع فسق الولي أو الشهود. أما إذا حكم به حاكم فلا يجوز له العمل بخلافه، لا ظاهرا ولا باطنا، لما هو مقرر أن حكم الحاكم يرفع الحلاف، ولا فرق فيما ذكر بين أن يسبق من الزوج تقليد لغير إمامنا الشافعي ممن يري صحة النكاح مع فسق الشاهد والولي أم لا. اه (قوله: يشئ) متعلق بفساد. وقوله مما ذكر: أي من الفسق والرق والصبا، أي وغير ما ذكر أيضا: كالجنون والردة والإغماء (قوله: فلا يقبل إقرارهما) أي بالنسبة لصحة نكاح جديد من غير تحليل (قوله: بل لا بد) أي لصحته من محلل

أما بينة الحسبة فتسمع. نعم محل عدم قبول إقرارهما في الظاهر، أما في الباطن فالنظر لما في نفس الامر ولا يتبين البطلان بإقرار الشاهدين بما يمنع الصحة فلا يؤثر في الابطال، كما لا يؤثر فيه بعد الحكم بشهادتهما، ولان الحق ليس لهما فلا يقبل قولهما. أما إذا أقر به الزوج دون الزوجة فيفرق بينهما مؤاخذة له بإقراره وعليه نصف المهر إن لم يدخل بها وإلا فكله: إذ لا يقبل قوله عليها في المهر بخلاف ما إذا أقرت به دونه فيصدق هو ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: للتهمة) بضم ففتح. وهو علة لعدم قبول إقرارهما: أي لا يقبل لاتهامهما في دعواهما فساد النكاح (قوله: ولأنه) أي التحليل المفهوم من المحلل. وقوله حق الله: أي لا حق الزوجين (قوله: ولو أقاما) أي الزوجان ومثله أحدهما. (وقوله: عليه) أي فساد النكاح. (وقوله: لم تسمع) قال السبكي هو صحيح إذا أراد نكاحا جديدا كما فرضه، فلو أراد التخلص من المهر أو أرادت بعد الدخول مهر المثل، أي وكان أكثر من المسمى فينبغي قبولها اه. وما قاله السبكي صادق عليه قول المصنف في حقهما (قوله: أما بينة الحسبة فتسمع) هذا محترز أقاما: إذ بينة الحسبة لم تقم وإنما قامت بنفسها وشهدت. وعبارة التحفة: وخرج بأقاما ما لو قامت حسبة ووجدت شروط قيامها فتسمع. اه. وعبارة النهاية: ذكر البغوي في تعليقه أن بينة الحسبة تقبل، لكنهم ذكروا في باب الشهادات أن محل قبوله بينة الحسبة عند الحاجة إليها كأن طلق شخص زوجته وهو يعاشرها أو أعتق رقيقه وهو ينكر ذلك، أما إذا لم تدع الحاجة إليها فلا. وهنا كذلك. نبه عليه الوالد رحمه الله تعالى. اه. وسيأتي أيضا للشارح، في بابها، التقييد بذلك (قوله: نعم الخ) تقييد لقوله فلا يقبل إقرارهما (قوله: أما في الباطن فالنظر لما في نفس الأمر) أي فيجوز لهما العمل بإقرارهما، فيصح نكاحه لها من غير محلل إن وافقته ومن غير وفاء عدة، لكن إن علم بهما الحاكم فرق بينهما، كما علمت ذلك من جواب ع ش المار آنفا، (قوله: ولا يتبين البطلان بإقرار الشاهدين بما يمنع الصحة) أي بأن قالا كنا فاسقين عند العقد مثلا. وهذا مفهوم قوله بإقرار الزوجين (قوله: فلا يؤثر) أي إقرار الشاهدين بما يمنع الصحة. (وقوله: في الإبطال) أي إبطال النكاح (قوله: كما لا يؤثر) أي الإقرار. وقوله فيه: أي الإبطال. وقوله بعد الحكم بشهادتهما: اعترض بأن المقيس وهو قوله فلا يؤثر في الإبطال صادق بالمقيس عليه فلا حاجة إلى القياس. وأجيب بتخصيص المقيس بما إذا كان قبل الحكم بشهادتهما ويرد عليه أنه حينئذ قياس مع الفارق، لأن النكاح تقوى بعد الحكم بشهادتهما فلا يلزم من عدم تأثير الإقرار في إبطاله حينئذ عدم تأثيره في إبطاله قبل الحكم بشهادتيهما إلا أن يقال إنه قياس أدون. تأمل اه. بجيرمي بتصرف (قوله: ولأن الحق) أي الذي أقرا به وهو مانع صحة النكاح. (وقوله: ليس لهما) أي الشاهدين، واللام بمعنى على: أي ليس عليهما بل هو على الزوجين، وإذا كان كذلك فلا يصح إقرارهما بحق على غيرهما، لأن الإقرار، كما تقدم، إخبار بحق سابق عليه نفسه. ومقتضى التعليل أنه لو كان الحق لهما قبل بالنسبة إليهما وهو كذلك. وعبارة التحفة: نعم له أثر في حقهما، فلو حضرا عقد أختهما مثلا ثم ماتت وورثاها سقط المهر قبل الوطئ وفسد المسمى بعده فيجب مهر المثل: أي إن كان دون المسمى أو مثله لا أكثر، كما هو ظاهر، لئلا يلزم أنهما أوجبا بإقرارهما حقا لهما على غيرهما. اه. وقوله حقا لهما على غيرهما: وهو ما زاد على المسمى (قوله: فلا يقبل قولهما) أي على الزوجين، كما علمت (قوله: أما إذا أقر به) أي بما يمنع الصحة وهو مقابل قوله أو بإقرار الزوجين، والأولى أن يقول فإن أقر: بالتفريع على ما قبله، كما صنع في المنهج (قوله: فيفرق بينهما) وهي فرقة فسخ لا طلاق فلا تنقص عددا (قوله: مؤاخذة له) أي للزوج، وهو علة التفريق بينهما، (وقوله: بإقراره) أي باعترافه بما يتعين به بطلان نكاحه (قوله: وعليه) أي الزوج المقر بما يمنع الصحة. (وقوله: نصف المهر) أي المسمى (قوله: وإلا) أي بأن دخل بها فكله: أي فعليه كله (قوله: إذ لا يقبل قوله عليهما في المهر) أي لأنه حقها لا حقه. (والحاصل) يسقط بإقراره حقه لا حقها لأن حكم اعترافه مقصور عليه، ولذلك لا يرثها وهي ترثه، لكن بعد حلفها أنه عقد بعدلين (قوله: بخلاف ما إذا أقرت) أي الزوجة. وقوله به: أي بما يمنع صحة النكاح. ولا بد من تخصيص ما يمنع بغير نحو محرمية: لما تقدم في مبحث الرضاع، وسيصرح به أيضا قريبا. وعبارة التحفة: وخرج باعترافه اعترافها

بيمينه لان العصمة بيده وهي تريد رفعها فلا تطالبه بمهر إن طلقت قبل وطئ، وعليه إن وطئ الاقل من المسمى ومهر المثل. ولو أقرت بالاذن ثم ادعت أنها إنما أذنت بشرط صفة في الزوج ولم توجد ونفى الزوج ذلك صدقت بيمينها فيما استظهره شيخنا (و) إذا اختلفا فادعت أنها محرمة بنحو رضاع وأنكر (حلفت مدعية محرمية) وصدقت وبان بطلان النكاح فيفرق بينهما إن (لم ترضه) أي الزوج حال العقد ولا عقبه لاجبارها أو أذنها في غير معين ولم ترض بعد العقد بنطق ولا تمكين لاحتمال ما تدعيه مع عدم سبق مناقضه، فهو كقولها ابتداء فلان أخي من الرضاع فلا تزوج منه. فإن رضيت ولم تعتذر بنحو نسيان أو غلط لم تسمع دعواها (و) إن اعتذرت ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلل ولي أو شهود فلا يفرق به بينهما الخ. اه. وقوله دونه: أي الزوج (قوله: فيصدق) أي فيصدق الزوج بعدم ما أقرت به الزوجة بيمينه، فإن نكل عن اليمين حلفت وفرق بينهما (قوله: لأن العصمة بيده الخ) علة لتصديقه هو دونها: أي وإنما صدق هو لأن العصمة بيده وهي تريد رفعها. أي والأصل بقاؤها (قوله: فلا تطالبه بمهر) الأولى ولا تطالبه، بالواو، لأنه معطوف على فيصدق الواقع في جواب إذا، لا تفريع، وإنما لم تطالبه به لسقوطه بإقرارها. ومحله ما لم تكن محجورا عليها بسفه، وإلا فلا سقوط لفساد إقرارها في المال. ومحل سقوطه أيضا إن لم تكن قد قبضته فإن قبضته فليس له استرداده منها وكما لا تطالبه بالمهر إذا مات لا ترثه مؤاخذة لها بذلك. وعبارة الروض ولو أقرت دونه صدق بيمينه ولكن لا ترثه ولا تطالبه بمهر. اه. (قوله: وعليه إن وطئ الخ) الأخصر أن يقول أو بعده فلها أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل (قوله: ولو أقرت بالإذن) أي في التزويج (قوله: ثم ادعت) أي بعد التزويج. وقوله أنها إنما أذنت أي في التزويج وقوله بشرط صفة في الزوج أي ككونه عالما أو شريفا أو غير ذلك (قوله: ولم توجد) أي تلك الصفة المشروطة (قوله: ونفى الزوج ذلك) أي الشرط الذي ادعته (قوله: صدقت بيمينها) أي للقاعدة أن من كان القول قوله في أصل الشئ كان القول قوله في صفته كالموكل يدعي تقييد إذنه بصفة، فينكر الوكيل. وبحث بعضهم تصديق الزوج لأنه يدعي الصحة يرده تصديقهم للموكل وإن ادعى الفساد. اه. تحفة (قوله: وإذا اختلفا إلخ) هذه المسألة قد تقدمت في الشرح في مبحث الرضاع المحرم عند قوله ولو أقر رجل وامرأة الخ، فكان الأولى إسقاطها هناك استغناء عنها بما هنا أو يؤخر الكلام على صورة الإتفاق والإختلاف كلها إلى هنا، فرارا من التكرار (قوله: فادعت أنها محرمة) خرج به ما إذا ادعى هو ذلك فإنه هو المصدق مطلقا، كما تقدم، (وقوله: بنحو رضاع) أي كمصاهرة ونسب (قوله: وأنكر) أي الزوج (قوله: حلفت مدعية محرمية) جواب إذا التي قدرها الشارح، ولو قال سمعت دعوى مدعية المحرمية وحلفت عليها لكان أولى ليطابق مقابله الآتي: وهو قوله فإن رضيته لم تسمع دعواها (قوله: وصدقت) أي ولها مهر المثل لا المسمى إن وطئت، وإلا فلا شئ لها (قوله: وبان بطلان النكاح) أي بسبب المحرمية التي ادعتها الزوجة (قوله: فيفرق بينهما) أي يفرق الحاكم بينهما وجوبا (قوله: إن لم ترضه الخ) قيد لقوله حلفت مدعية محرمية (قوله: حال العقد) أي وقت العقد، وهو متعلق بترضه. (وقوله: ولا عقبه) معطوف على حال العقد: أي لم ترضه لا حالة العقد ولا بعده. (وقوله: لإجبارها الخ) تعليل لتصوير عدم الرضا حالة العقد وبعده: أي أنه يتصور عدم رضاها به حالة العقد وبعده لكونها مجبرة أو لكونها أذنت للولي في التزويج ولم تعين أحدا ولم ترض بعد العقد به بنطق منها بأن تقول له رضيت بك أو تمكين من وطئه إياها (قوله: لاحتمال ما تدعيه) علة لتصديقها باليمين. (وقوله: مع عدم سبق مناقضة) أي مع عدم تقدم شئ منها مناقض لما تدعيه، والمناقض له رضاها المتضمن لإقرارها بحلها له أو التمكين من وطئه إياها (قوله: فهو إلخ) أي ما ادعته بعد العقد من المحرمية: كقولها ابتداء أي قبل العقد، فلان أخي من الرضاع فلا تزوج منه: أي عليه مؤاخذة بقولها (قوله: فإن رضيت) أي حالة العقد أو بعده بأن مكنته من نفسها. (وقوله: ولم تعتذر) أي في رضاها. (وقوله: بنحو نسيان) الباء تصويرية متعلقة بتعذر، أي ويتصور الإعتذار بنحو نسيان في رضاها بتمكينها له بأن قالت مكنته من نفسي نسيانا لا عمدا. (وقوله: أو غلط) بأن قالت أنا مرادي بالزوج الذي عينته زيد فغلطت وقلت عمرو (قوله: لم تسمع دعواها) أي

سمعت دعواها للعذر ولكن (حلف) هو أي الزوج (لراضية اعتذرت) بنسيان أو غلط (و) شرط (في الولي عدالة وحرية وتكليف) فلا ولاية لفاسق غير الامام الاعظم لان الفسق نقص يقدح في الشهادة فيمنع الولاية كالرق. هذا هو المذهب للخبر الصحيح لا نكاح إلا بولي مرشد أي عدل. وقال بعضهم: إنه يلي. والذي اختاره ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه سبق منها ما يناقضها وهو رضاها به فيصدق حينئذ هو ولا يفرق بينهما (قوله: وإن اعتذرت سمعت دعواها للعذر) أنظر ما فائدة سماع دعواها؟ ثم رأيت في الأنوار وشرح البهجة أن ذلك لتحليف الزوج أنه لا يعلم بينهما محرمية. فقول الشارح بعد ولكن حلف بيان لتلك الفائدة، ونص عبارة الأنوار: ولو زوجت امرأة ثم ادعت محرمية الرضاع أو غيره فإن زوجت برضاها الصريح نطقا من شخص معين فلا يقبل دعواها إلا إذا ذكرت عذرا كغلط أو نسيان أو جهل فتسمع ويحلف الزوج على نفي العلم بالمحرمية ولا يسمع قولها ولا بينتها، وإن زوجت بغير رضاها لكونها أمة أو مجبرة أو برضاها ولم تعين الزوج سمعت دعواها أو بينتها. وهل تصدق بيمينها ليندفع النكاح بها؟ وجهان: أحدهما نعم، وهو قول ابن الحداد والمقطوع به عند المتولي وهو الأصح عند الشيخ أبي علي الطبري وصاحب التهذيب، وأسنده إلى الإمام المعظم. كذا في تعليق الحاوي، وهو الأصح في الروضة. والمرجح في المحرر، والمفهوم من سياق الشرحين. والثاني لا، بل القول قوله بيمينه على نفي المحرمية ليستمر النكاح. وهو قول أبي زيد المروزي، والمحكي عن ابن شريح (1) وهو الأصح عند الغزالي والمذكور في الحاوي، والمفهوم من شرح اللباب. ولو زوجت برضاها واكتفى بسكوتها لبكارتها ثم ادعت محرمية سمعت بينتها وتصدق بيمينها. ولو زوجت بغير رضاها ومكنت الزوج من نفسها أو اختلعت نفسها أو دخلت عليه وقامت معه فكما لو زوجت برضاها. اه. (قوله: ولكن حلف هو: أي الزوج لراضية اعتذرت) في العبارة إظهار في مقام الإضمار، كما لا يخفى، وهو يفيد أنه لا يحلف لراضية لم تعتذر. وظاهر عبارة المنهاج، في باب الرضاع، أنه يحلف لها مطلقا، ونصها: وإن ادعته، أي الرضاع المحرم، فأنكر صدق بيمينه إن زوجت برضاها، وإلا فالأصح تصديقها. اه. (قوله: وشرط في الولي) شروع في بيان شروط الولي الذي هو أحد الأركان الخمسة. (وقوله: عدالة) هذا شرط للولي المزوج بالولاية، أما المزوج بالملك فلا يشترط فيه. والمراد بالعدالة في حق الولي عدم الفسق، بخلافها في الشاهد فإن المراد بها ملكة في النفس تمنع من اقتراف الذنوب الكبائر والصغائر ومن الرذائل المباحة، كما تقدم، فحينئذ العدالة في حق الولي تشمل الواسطة وهي عدم الفسق مع عدم الملكة المذكورة، وتتحقق في الصبي إذا بلغ ولم يصدر منه كبيرة ولا صغيرة ولم يحصل له تلك الملكة، وفي الفاسق إذا تاب فإنهما يزوجان حالا. (وقوله: وحرية) أي كاملة. (وقوله: تكليف) أي بلوغ وعقل. وشرط أيضا اختيار وذكورة محققة وعدم إحرام، وعدم اختلاف دين. ولو قال - كما في المنهج - وشرط في الولي اختيار وفقد مانع الولاية لكان أولى لشموله لذلك كله (قوله: فلا ولاية لفاسق) مفهوم الشرط الأول، وهو العدالة وهذا عندنا. وأما عند الأئمة الثلاثة فتثبت الولاية للفاسق. (وقوله: غير الإمام الأعظم) أي أما الإمام الأعظم فلا يمنع فسقه ولايته بناء على الصحيح أنه لا ينعزل بالفسق فيزوج بناته وبنات غيره بالولاية العامة تفخيما لشأنه. اه. شرح المنهج. (وقوله: فيزوج بناته) أي إن لم يكن لهن ولي خاص غيره كالجد والأخ وإلا قدم عليه لتقدم الخاص على العام. وقال سم: لو كانت بناته أبكارا هل يجبرهن لأنه أب أو لا بد من الإستئذان لأن تزويجه بالولاية العامة لا الخاصة: فيه نظر، ومال م ر إلى الأول. اه (قوله: لأن الفسق نقص يقدح في الشهادة) أي يضر بها. وقوله فيمنع الولاية: يقتضي إن كل ما يقدح في الشهادة يمنع الولاية، وليس كذلك، لأن ارتكاب خارم المروءة نقص يقدح في الشهادة ولا يمنع الولاية، ومن ثم لم يعلل م ر ولا حجر بهذا التعليل. اه. بجيرمي (قوله: كالرق) أي فإنه نقص يقدح في الشهادة فيمنع الولاية. والكاف للتنظير (قوله: هذا) أي ما ذكر من كونه لا ولاية لفاسق هو المذهب (قوله: للخبر الصحيح الخ) دليل للمذهب (قوله: أي عدل) تفسير لمرشد (قوله: وقال بعضهم

_ (1) (قوله عن ابن شريح) كذابالاصل الذى بايدينا. اه. مصصححه

النووي - كابن الصلاح والسبكي - ما أفتى به الغزالي من بقاء الولاية للفاسق حيث تنتقل لحاكم فاسق. ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زوج حالا على ما اعتمده شيخنا كغيره، لكن الذي قاله الشيخان إنه لا يزوج إلا بعد الاستبراء، - واعتمده السبكي - ولا لرقيق كله أو بعضه لنقصه ولا لصبي ومجنون لنقصهما أيضا وإن تقطع الجنون تغليبا لزمنه المقتضي لسلب العبارة فيزوج الابعد زمنه فقط ولا تنتظر إفاقته. نعم: إن قصر زمن الجنون ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه)، أي الفاسق يلي. وعبارة التحفة: واختار أكثر متأخري الأصحاب أنه يلي. اه (قوله: والذي اختاره النووي الخ) حاصل هذا القول التفصيل وهو أنه إن كان لو سلبت الولاية من الولي الخاص الفاسق انتقلت لحاكم فاسق بأن لم يوجد غيره أبقيت الولاية له، وإلا بأن كان لو سلبت لا تنتقل لحاكم فاسق بأن وجد غيره من ولي أبعد أو حاكم غير فاسق فلا تبقى له بل تنتقل عنه إلى الولي الأبعد أو للحاكم غير الفاسق إذا لم يوجد الأبعد (قوله: من بقاء الخ) بيان لما أفتى به الغزالي. (وقوله: حيث تنتقل لحاكم فاسق) أي بأن عدم الأبعد والحاكم غير الفاسق، كما علمت، وإنما بقيت للخاص الفاسق ولم تنتقل عنه: قال في التحفة لأن الفسق عم، واستحسنه في الروضة وقال ينبغي العمل به، وبه أفتى ابن الصلاح، وقواه السبكي. وقال الأذرعي لي منذ سنين أفتى بصحة تزويج القريب الفاسق، واختاره جمع آخرون إذا عم الفسق، وأطالوا في الإنتصار له حتى قال الغزالي من أبطله حكم على أهل العصر كلهم، إلا من شذ، بأنهم أولاد حرام. اه. وهو عجيب، لأن غايته أنهم من وطئ شبهة وهو لا يوصف بحرمة كحل، فصواب العبارة حكم عليهم بأنهم ليسوا أولاد حل اه. (قوله: ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زوج حالا) أي لأن الشرط عدم الفسق لا العدالة التي هي ملكة تمنع من اقتراف الذنوب الخ، كما تقدم، وفي سم ما نصه: قوله زوج حالا، قال الزركشي: فبين العدالة والفسق واسطة، ومثل بهذا وبالصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم ولم يوجد منهما مفسق فقال ليسا بفاسقين لعدم صدور مفسق ولا عدلين لعدم حصول الملكة، وقال لا تحصل عدالة الكافر إلا بعد الإختبار. قال الأستاذ في كنزه: وفي ذلك نظر ظاهر ومنابذة لإطلاقهم، فالصواب أن الصبي إذا بلغ رشيدا والكافر إذا أسلم ولم يوجد منهما مفسق يوصفان بالعدالة. اه. وما قاله الأستاذ لا ينبغي العدول عنه. اه (قوله: أيضا زوج حالا) قال ع ش: أي وإن لم يشرع حالا في رد المظالم ولا في قضاء الصلوات مثلا حيث وجدت شروط التوبة بأن عزم مصمما على رد المظالم. اه. (قوله: على ما اعتمده شيخنا) عبارته: ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زوج حالا لأن الشرط عدم الفسق لا العدالة وبينهما واسطة، ولذلك زوج المستور الظاهر العدالة. اه. وقوله كغيره: أي كشيخ الإسلام في شرح الروض والخطيب والرملي (قوله: لكن الذي إلخ) ضعيف (قوله: أنه) أي الفاسق الذي تاب توبة صحيحة. (وقوله: لا يزوج إلا بعد الإستبراء) أي بسنة فإذا مضت سنة من بعد التوبة ولم يعد إلى الفسق فيها صحت ولايته، وإلا فلا (قوله: ولا لرقيق) معطوف على لفاسق: أي ولا ولاية لرقيق كله أو بعضه. قال في شرح المنهج: لو ملك المبعض أمة زوجها، كما قاله البلقيني، بناء على الأصح من أنه يزوج بملك لا بالولاية خلافا لما أفتى به البغوي. اه. وقوله لما أفتى به: أي من أنه لا يزوج أصلا. ح ل. وخرج بقوله ولا ولاية وكالته فتصح في القبول لا في الإيجاب عملا بالقاعدة في ضابط الوكيل وهو صحة مباشرته فيما وكل فيه لنفسه، وهو يصح أن يقبل لنفسه فيصح أن يقبل لغيره بالوكالة عنه (قوله: ولا لصبي ومجنون) معطوف أيضا على قوله لفاسق. ولا هنا وفيما قبله للتأكيد. أي ولا ولاية لصبي ومجنون. وقوله لنقصهما: علة لعدم صحة ولايتهما. وقوله أيضا: أي كنقص الرقيق (قوله: وإن تقطع الجنون) غاية في المجنون المنفية عنه الولاية، وظاهرها أن المجنون لا ولاية له أصلا ولو في زمن الإفاقة فيما إذا تقطع الجنون، وليس كذلك، بل المراد أنه حالة جنونه لا يزوج وتنتقل الولاية للأبعد ولا ينتظر زمن الإفاقة، كما في سم، وعبارته: قوله وإن تقطع الجنون، ليس المراد أنه لا ولاية له حتى في زمن الإفاقة، بل معناه أنه الأبعد يزوج في زمن الجنون ولا يجب انتظار الإفاقة، وأما هو في زمن إفاقته فيصح تزويجه. اه. (قوله: تغليبا لزمنه) أي الجنون على زمن الإفاقة، فكأن الكل جنون وهو علة للغاية. وظاهرها يفيد ما أفاده ظاهر الغاية المتقدم بيانه، وليس مرادا أيضا. فتنبه. وقوله المقتضي: بدل من الضمير في زمنه العائد على الجنون، وهو كالعلة للتغليب المذكور. أي

كيوم في سنة انتظرت إفاقته، وكذي الجنون ذو ألم يشغله عن النظر بالمصلحة ومختل النظر بنحو هرم ومن به بعد الافاقة آثار خبل توجب حدة في الخلق (وينقل ضد كل) من الفسق والرق والصبا والجنون (ولاية لابعد) لا لحاكم - ولو في باب الولاء - حتى لو أعتق شخص أمة ومات عن ابن صغير وأخ كبير كانت الولاية للاخ لا للحاكم على المعتمد. ولا ولاية أيضا لانثى فلا تزوج امرأة نفسها - ولو بإذن من وليها - ولا بناتها خلافا لابي ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما غلب زمن الجنون على زمن الإفاقة لأن الجنون يقضي سلب العبارة والإفاقة تقتضي ثوبتها، والمانع مقدم على المثبت. وقوله لسلب العبارة: أي عبارته كالعقود الواقعة منه وكالأقوال وغيرها. (قوله: فيزوج الأبعد زمنه فقط ولا تنتظر إفاقته) هذا قرينة دالة على صرف الغاية والعلة عن ظاهرهما وبيان للمراد منهما، فهو مؤيد لما سلف (قوله: نعم إن إلخ) استدراك على قوله ولا تنتظر إفاقته. وقوله قصر زمن الجنون: أي جدا، كما في التحفة (قوله: كيوم في سنة) تمثيل للزمن القصير، وظاهر اقتصاره تبعا لشيخه في التمثيل بيوم أنه لا تنتظر إفاقته فيما إذا زاد عليه. فانظره (قوله: وكذي الجنون ذو ألم) أي مرض. (وقوله: يشغله) أي ذلك الألم. (وقوله: عن النظر بالمصلحة) أي عن معرفة أحوال الأزواج وما يصلح منهم وما لا يصلح ولا ينتظر زواله، بل تنتقل الولاية للأبعد لأنه لا حد له يعرفه الخبراء (قوله: ومختل النظر) أي الفكر. وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام. (وقوله: بنحو هرم) أي كخبل أصلي أو طارئ، وكأسقام شغلته عن اختيار الأكفاء (قوله: ومن به الخ) عطف على ذو ألم: أي وكذي الجنون من وجد فيه بعد الإفاقة منه آثار خبل بسكون الموحدة الجنون وشبهه كالهوج والبله، وبفتحها الجنون فقط - كما يفيده كلام المصباح، وقال ع ن: الخبل فساد في العقل، والمشهور الفتح. اه. بجيرمي (قوله: توجب) أي تلك الآثار. وقوله حدة: أي شدة تمنع من النظر في أحوال الأزواج. وقوله في الخلق: بضم الخاء واللام (قوله: وينقل ضد كل) أي من العدالة والحرية والتكليف وأضدادها ما بينه الشارح بقوله من الفسق والرق والصبا والجنون. قال البجيرمي: وتعبيره بالنقل بالنسبة للصبا والجنون فيه مسامحة لأن النقل فرع الثبوت وهي لا تثبت لهؤلاء، إلا أن يقال ضمن ينقلها معنى يثبتها، فأطلق الملزوم وأراد اللازم، أو هو مستعمل في حقيقته ومجازه. اه (قوله: من الفسق الخ) بيان للمضاف، وهو ضد لا للمضاف إليه الذي هو لقظ كل، كما علمت، (قوله: ولاية) مفعول ينقل. وقوله لأبعد: متعلق به: أي ينقل الضد المذكور الولاية من الولي القريب لمن هو أبعد منه لأن القريب كالعدم (قوله: لا لحاكم) أي لا ينقلها للحاكم مع وجود ولي من الأقرباء ولو كان بعيدا، وذلك لأن الحاكم إنما هو ولي من لا ولي له، والولي هنا موجود (قوله: ولو في باب الولاء) غاية لنقل الضد الولاية للأبعد: أي أنه ينقلها له مطلقا في النسب وفي الولاء، والغاية المذكورة للرد (قوله: حتى لو الخ) حتى تفريعية على الغاية: أي فلو أعتق شخص أمته ومات عن ابن صغير وأخ كبير فإن الولاية تنتقل من الإبن لصغره للأخ الكبير ولا تنتقل للحاكم. وقوله على المعتمد: ظاهر صنيعه حيث قيد في الولاء بقوله على المعتمد وأطلق فيما قبله أن الخلاف في نقل الولاية للأبعد أو للحاكم إنما هو في الولاء. وهو أيضا صريح المغني وعبارته: وظاهر كلامه أنه لا فرق في ذلك - أي ثبوت الولاية للأبعد - بين النسب والولاء حتى أعتق شخص أمة ومات عن ابن صغير وأخ كامل كانت الولاية للأخ، وهو كذلك خلافا لمن قال إنها في الولاء للحاكم، فقد نقله القمولي عن العراقيين، وصوبه البلقيني. اه والذي يفهم من عبارة التحفة والنهاية أن الخلاف في النسب وفي الولاء ونصهما فالولاية للأبعد - نسبا فولاء فلو أعتق أمة ومات عن ابن صغير وأب أو أخ كبير زوج الأب أو الأخ لا الحاكم على المنقول المعتمد، وإن نقل عن نص وجمع متقدمين أن الحاكم هو الذي يزوج، وانتصر له الأذرعي واعتمده جمع متأخرون. وقول البلقيني الظاهر والإحتياط أن الحاكم يزوج يعارضه قوله في المسألة نصوص تدل على أن الأبعد هو الذي يزوج وهو الصواب. اه. وذلك لأن الأقرب حينئذ كالعدم، ولإجماع أهل السير على أنه - صلى الله عليه وسلم - زوجه وكيله عمرو بن أمية بن أم حبيبة بالحبشة من ابن عم أبيها خالد بن سعيد بن العاص أو عثمان بن عفان لكفر أبيها أبي سفيان. ويقاس بالكفر سائر الموانع. اه. بتصرف. وقولهما لا الحاكم: هو بالجر عطف على قوله للأبعد - لا على الأب أو الأخ - بدليل آخر العبارة (قوله: ولا ولاية أيضا) أي كما لا

حنيفة فيهما. ويقبل إقرار مكلفة به لصدقها وإن كذبها وليها لان النكاح حق الزوجين فيثبت بتصادقهما (وهو) أي الولي (أب ف) - عند عدمه حسا أو شرعا (أبوه) وإن علا (فيزوجان) أي الاب والجد حيث لا عداوة ظاهرة (بكرا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولاية لرقيق الخ، وهذا مفهوم قيد ملحوظ عند قوله وشرط في الولي عدالة الخ وهو وذكورة كما نبهت عليه مع غيره في أول الشروط، وكان الأولى التصريح به (قوله: فلا تزوج امرأة نفسها ولو بإذن من وليها ولا بناتها) أي لا تملك مباشرة ذلك ولو بإذن من وليها فيه، وذلك لآية * (فلا تعضلوهن) * إذ لو جاز لها تزويج نفسها لم يكن للعضل تأثير، وللخبرين الصحيحين لا نكاح إلا بولي الحديث، وأيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، وكرره ثلاث مرات، وصح أيضا لا تزوج المرأة المرأة، ولا المرأة نفسها، فإن الزانية التي تزوج نفسها نعم لو لم يكن لها ولي قاله بعضهم أصلا - وهو الظاهر - وقال بعضهم يمكن الرجوع إليه، أي يسهل عادة كما هو ظاهر، جاز له أن تفوض مع خاطبها أمرها إلى مجتهد عدل فيزوجها ولو مع وجود الحاكم المجتهد لأنه محكم والمحكم كالحاكم، وإلى عدل غير مجتهد ولو مع وجود مجتهد غير قاض فيزوجها العدل غير المجتهد لا مع وجود حاكم ولو غير أهل. أما مع وجوده فلا يزوجها إلا هو. وخرج بتزوج ما لو وكل امرأة في توكيل من يزوج موليته أو وكل موليته لتوكل من يزوجها ولم يقل لها عن نفسك سواء قال عني أم أطلق فوكلت وعقد الوكيل فإنه يصح لأنها سفيرة محضة بين الولي والوكيل، بخلاف ما لو قال عن نفسك فإنه لا يصح. ولو بلينا بامرأة نفذ تزويجها لغيرها، وكما لا يصح أن تزوج نفسها أو غيرها لا يصح أن تقبل نكاحها لأحد بولاية ولا بوكالة لأن محاسن الشريعة تقتضي فطمها عن ذلك بالكلية. اه. تحفة. بتصرف (قوله: خلافا لأبي حنيفة فيهما) أي في تزويجها لنفسها وتزويجها لبناتها (قوله: ويقبل إقرار مكلفة به) أي بالنكاح ولو رقيقة أو سفيهة. وقوله لمصدقها: أي ولو رقيقا أو سفيها، لكن يشترط تصديق الولي والسيد في الرقيقين والسفيهين. وفي حاشية الجمل ما نصه: قوله إقرار مكلفة الخ: أي وكذا عكسه: أي إقراره به مع تصديقها له. اه. شيخنا. وفي ق ل على الجلال: ويقبل إقرار البالغ والعاقل بنكاح امرأة صدقته كعكسه. وخرج بالتصديق ما لو كذبها أو عكسه فلا يثبت ولا إرث لأحدهما من الآخر لو مات، لكن لها الرجوع عن التكذيب ولو بعد موته، وحينئذ ترث منه ولا مهر لها عليه. اه. وفي البجيرمي: وإذا كذبها الزوج ليس لها أن تتزوج حالا، بل لا بد من تطليق الزوج لها. فإذا كذب الزوج نفسه لم يلتفت إليه وإن ادعى أنه كان ناسيا عن التكذيب، فلو كذبته وقد أقر بنكاحها ثم رجعت عن تكذيبها قبل تكذيبها نفسها لأنها أقرت بحق له عليها بعد إنكاره، ولا كذلك هو في الأولى. اه. (قوله: وإن كذبها وليها) غاية في قبول إقرارها: أي يقبل إقرارها بتصديق الزوج لها ولو كان الولي كذبها، لكن محله في غير السفيهة، وإلا فلا بد من تصديقه لها، كما تقدم (قوله: لأن النكاح الخ) علة لقبول إقرارها به مع تصديقه لها. وقوله فيثبت: أي النكاح بتصادقهما: أي ولا يؤثر إنكار الغير له (قوله: وهو أي الولي إلخ) شروع في بيان الأولياء وأحكامهم. (واعلم) أن أسباب الولاية أربعة: الأبوة، وهي أقوى الأسباب، والعصوبة، والإعتقا، والسلطنة. وقد عد ابن رسلان الأولياء بقوله: ولي حرة أب فالجد ثم أخ فكالعصبات رتب إرثهم فمعتق فعاصب كالنسب فحاكم كفسق عضل الأقرب (قوله أب) هو مقدم على جميع الأولياء لأنه أشفقهم (قوله: فعند عدمه) أي الأب. وقوله حسا: أي بأن مات. وقوله أو شرعا: أي بأن قام به مانع من موانع الولاية السابقة كالرق والجنون والردة والعياذ بالله تعالى. وقوله أبوه: خبر لمبتدأ محذوف: أي فعند عدم الأب وليها أبو الأب: وقوله وإن علا: أي أبو الأب، لكن بالترتيب: فالأقرب من الأجداد مقدم على الأبعد منهم (قوله: فيزوجان) تفريع على ثبوت الولاية للأب وأبيه، والمراد يزوجان على التعاقب بالترتيب السابق، كما هو ظاهر، وقوله أي الأب والجد: تفسير للضمير في يزوجان. والمناسب لما قبله أن يبدل الجد بأبي الأب. وقوله حيث لا عداوة ظاهرة: أي بينهما وبينها، فإن وجدت العداوة الظاهرة وهي التي لا تخفى على أهل محلتها، فليس

أو ثيبا بلا وطئ) لمن زالت بكارتها بنحو إصبع (بغير إذنها) فلا يشترط الاذن منها بالغة كانت أو غير بالغة لكمال شفقته ولخبر الدارقطني: الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها (لكفء) موسر بمهر المثل، فإن زوجها المجبر - أي الاب أو الجد - لغير كفء لم يصح النكاح، وكذا إن زوجها لغير موسر بالمهر على ما اعتمده الشيخان، لكن الذي اختاره جمع محققون الصحة في الثانية، واعتمده شيخنا ابن زياد. ويشترط لجواز مباشرته لذلك - لا لصحته - كونه بمهر المثل الحال من نقد البلد فإن انتفيا صح بمهر المثل من نقد البلد. ـــــــــــــــــــــــــــــ لهما تزويجها إلا بإذنها، بخلاف غير الظاهرة، وهي التي تخفى على أهل محلتها فلا تؤثر، لأن الولي يحتاط لموليته لخوف لحوق العار ولغيره. ويشترط أيضا أن لا يكون بينها وبين الزوج عداوة ولو غير ظاهرة، وإنما لم يعتبر ظهور العداوة فيه، كما اعتبر في الولي، لأن عداوته الخفية تحمله على إضرارها بما لا يحتمل بسبب المعاشرة (قوله: بكرا) مفعول يزوجان، وهي التي لم تزل بكارتها. وقوله أو ثيبا بلا وطئ. أي ويزوجان ثيبا لكن بشرط أن تكون ثيوبتها حصلت من غير وطئ (قوله: لمن زالت الخ) الأولى أن يقول كأن زالت الخ بجعله تمثيلا للثيب بلا وطئ، ولأنه على ما قاله يحصل ركة في المقال من جهة الإظهار في مقام الإضمار، ويحصل أيضا إيهام أن المخلوقة بلا بكارة لا يزوجها الأب والجد من جهة التقييد بزوال البكارة بنحو أصبع. وعبارة شرح المنهج: أما من خلقت بلا بكارة أو زالت بكارتها بغير ما ذكر لسقطة وحدة حيض ووطئ في دبرها فهي في ذلك كالبكر لأنها لم تمارس الرجال بالوطئ في محل البكارة وهي على غباوتها وحيائها. اه. (قوله: بغير إذنها) متعلق بيزوجان. والضمير يعود على الواحدة الدائرة وهي البكر أو الثيب بلا وطئ (قوله: فلا يشترط الإذن منها) أي في التزويج. نعم: يستحب استئذانها كما سيصرح به (قوله: بالغة كانت أو غير بالغة) تعميم في عدم اشتراط إذنها: أي لا يشترط ذلك مطلقا سواء كانت بالغة أو كانت غير بالغة: أي وسواء كانت أيضا عاقلة أو مجنونة (قوله: لكمال شفقته) أي المذكور من الأب والجد. والملائم لقوله فيزوجان أن يقول شفقتهما بضمير التثنية: أي ولأنها لم تمارس الرجال بالوطئ فهي شديدة الحياء (قوله: ولخبر الدارقطني الخ) لا يعارضه رواية مسلم والبكر يستأمرها أبوها لأنها محمولة على الندب (قوله: لكفء) متعلق بيزوجان، واللام بمعنى على: أي يزوجانها على كفء، وهو قيد في الصحة كما يدل عليه مفهومه (قوله: موسر بمهر المثل) قيد ثان في الصحة أيضا وظاهره أنه يكفي اليسار به ولو كان أقل من الصداق المسمى، وفي النهاية خلافه ونصها: ويساره بحال صداقها، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، فلو زوجها من معسر به لم يصح لأنه بخسها حقها. اه. وفي البجيرمي: ولو زوج الولي محجوره المعسر بنتا بإجبار وليها لها ثم دفع أبو الزوج الصداق عنه بعد العقد فلا يصح لأنه كان حال العقد معسرا. فالطريق أن يهب الأب ابنه قبل العقد مقدار الصداق ويقبضه له ثم يزوجه. وينبغي أن يكون مثل الهبة للولد ما يقع كثيرا من أن الأب يدفع عن الابن مقدم الصداق قبل العقد فإنه وإن لم يكن هبة إلا أنه ينزل منزلتها بل قد يدعي أنه هبة ضمنية للولد فإن دفعه لولي الزوجة في قوة أن يقول ملكت هذا لابني ودفعته لك عن صداق بنتك الذي قدر لها. وانظر ما ضابط اليسار بالمهر: هل يشترط أن يكون فاضلا عن الدين والخادم وعن مؤنة من تلزمه مؤنته ونحو ذلك حتى لو احتاج إلى صرف شئ من المال لشئ من ذلك لا يكون موسرا أو لا يشترط ذلك؟ اه (قوله: فإن زوجها الخ) بيان لمفهوم القيد الأول (قوله: وكذا إن زوجها الخ) أي وكذلك لا يصح النكاح إن زوجها لغير موسر بالمهر، وهو بيان لمفهوم القيد الثاني (قوله: على ما عتمد الشيخان) مرتبط بما بعد وكذا (قوله: لكن الخ) الأولى عدم الإستدراك بأن يقول واختار جمع الخ (قوله: الصحة في الثانية) وهي ما إذا زوجها لغير موسر، وعليه فيكون اليسار شرطا لجواز الإقدام (قوله: ويشترط لجواز مباشرته لذلك) أي لعقد النكاح إجبارا. (والحاصل) الشروط سبعة: أربعة للصحة - وهي التي تقدمت - أن لا يكون بينها وبين وليها عداوة ظاهرة، ولا بينها وبين الزوج عداوة وإن لم تكن ظاهرة، وأن تزوج من كفء، وأن يكون موسرا بمهر المثل أو بحال الصداق على

(فرع) لو أقر مجبر بالنكاح لكفء قبل إقراره وإن أنكرته لان من ملك الانشاء ملك الاقرار، بخلاف غيره (لا) يزوجان (ثيبا بوطئ) ولو زنا وإن كانت ثيوبتها بقولها إن حلفت (إلا بإذنها نطقا) للخبر السابق (بالغة) فلا تزوج الثيب الصغيرة العاقلة الحرة حتى تبلغ لعدم اعتبار إذنها، خلافا لابي حنيفة رضي الله عنه. (وتصدق) ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلاف. فمتى فقد شرط منها كان النكاح باطلا إن لم تأذن. وثلاث لجواز المباشرة، وهي كونه بمهر المثل، ومن نقد البلد، وكونه حالا. وقد نظمها بعضهم بقوله: الشرط في جواز إقدام ورد حلول مهر المثل من نقد البلد كفاءة الزوج يساره بحال صداقها ولا عداوة بحال وفقدها من الولي ظاهرا شروط صحة كما تقررا قال في التحفة: واشتراط أن لا تتضرر به لنحو هرم أو عمى وإلا فسخ، وأن لا يلزمها الحج وإلا اشترط إذنها لئلا يمنعها الزوج منه ضعيفان، بل الثاني شاذ لوجود العلة مع إذنها اه. وقوله لوجود العلة: قال سم: أي منع الزوج لها. اه. (قوله: كونه بمهر المثل الحال من نقد البلد) قال في النهاية: وسيأتي في مهر المثل ما يعلم منه أن محل ذلك فيمن لم يعتدن الأجل أو غير نقد البلد، وإلا جاز بالمؤجل وبغير نقد البلد. اه. والمراد بنقد البلد ما جرت عادة أهل البلد بالمعاملة به ولو من العروض (قوله: فإن انتفيا) أي كونه بمهر المثل الحال وكونه من نقد البلد بأن كان بأقل من مهر المثل أو به لكنه مؤجل أو به حالا لكنه غير نقد البلد. وقوله صح: أي النكاح لكن مع الإثم. وقوله بمهر المثل: أي الحال من نقد البلد (قوله: فرع لو أقر إلخ) عبارة التحفة مع الأصل: ويقبل إقرار الولي بالنكاح على موليته إن استقل حالة الإقرار بالإنشاء وهو المجبر من أب أو جد أو سيد أو قاض في مجنونة وإن لم تصدقه البالغة لما مر أن من ملك الإنشاء ملك الإقرار به غالبا، وإلا يستقل به لانتفاء إجباره حالة الإقرار: كأن ادعى وهي ثيب أنه زوجها حين كانت بكرا أو لانتفاء كفاءة الزوج فلا يقبل لعجزه عن الإنشاء بدون إذنها. اه (قوله: لأن من ملك الإنشاء ملك الإقرار) يرد على مفهومه ما تقدم من قبول إقرار المكلفة بالنكاح مع عدم صحة إنشائها له. ويجاب بأن القاعدة المذكورة أغلبية، كما يعلم من عبارة التحفة المارة، أو أن ذلك مستثنى منه (قوله: بخلاف غيره) أي غير المجبر فلا يقبل إقراره لكونه لا يملك الإنشاء. إذ هو متوقف على رضاها (قوله: لا يزوجان) أي الأب والجد. (وقوله: ثيبا بوطئ) أي ثيبا حصلت ثيوبتها بوطئ: أي ولو من نحو قرد، ولا بد أن يكون في قبلها الأصلي وإن تعدد. فلو اشتبه بغيره فلا بد من زوال بكارتها منهما (قوله: ولو زنا) غاية في عدم تزويج الثيب بالوطئ إلا بالإذن: أي لا يزوجانها إلا به مطلقا سواء كان الوطئ حلالا أو حراما كالزنا. ومثله ما لو كان الوطئ وهي نائمة، وذلك لأنها بذلك تسمى ثيبا فيشملها الخبر (قوله: وإن كانت الخ) غاية ثانية لما ذكر: أي لا يزوجانها إلا بالإذن وإن كانت ثيوبتها ثبتت بإخبارها، وذلك لأنها تصدق في دعواها الثيوبة قبل العقد بيمين، كما سيأتي قريبا، (قوله: إلا بإذنها) الاستثناء لغو والجار والمجرور متعلق بيزوجان: أي لا يزوجانها إلا بإذنها. وقوله نطقا: أي إن كانت ناطقة فإن لم تكن ناطقة، فإذنها بالإشارة المفهمة أو بالكتابة (قوله: للخبر السابق) وهو الثيب أحق بنفسها: أي في الإذن أو في اختيار الزوج وليس المراد أنها أحق بنفسها في العقد كما يقوله المخالف كالحنفية. وورد أيضا لا تنكحوا الأيامي حتى تستأمروهن رواه الترمذي، لكن يرد عليه أن الأيم شاملة للبكر وللثيب فلا يكون نصا في المدعي إلا أن يقال حتى تستأمروهن. أي وجوبا في الثيب، وندبا في غيرها (قوله: بالغة) حال من الضمير في إذنها (قوله: فلا تزوج الثيب إلخ) مفهوم قوله بالغة. (وقوله: العاقلة) خرجت المجنونة فيزوجها أبوها وجدها عند فقده قبل بلوغها للمصلحة. (وقوله: الحرة) خرجت القنة فيزوجها سيدها مطلقا ثيبا أو غيرها صغيرة أو كبيرة (قوله: حتى تبلغ) الأولى إسقاطه: إذ قوله فلا تزوج مفهوم قوله بالغة، كما علمت، (قوله: لعدم اعتبار إذنها) إذ شرط اعتباره البلوغ وهو مفقود. وإلى ذلك أشار ابن رسلان في زبده بقوله:

المرأة البالغة (في) دعوى (بكارة) بلا يمين وفي ثيوبة قبل عقد عليها (بيمينها) وإن لم تتزوج ولم تذكر سببا، فلا تسئل عن السبب الذي صارت به ثيبا. وخرج بقولي قبل عقد دعواها الثيوبة بعد أن يزوجها الاب بغير إذنها بظنه بكرا فلا تصدق هي لما في تصديقها من إبطال النكاح مع أن الاصل بقاء البكارة، بل لو شهدت أربع نسوة بثيوبتها عند العقد لم يبطل لاحتمال إزالتها بنحو أصبع أو خلقت بدونها. وفي فتاوى الكمال الرداد: يجوز للاب تزويج صغيرة أخبرته أن الزوج الذي طلقها لم يطأها: أي إذا غلب على ظنه صدق قولها وإن عاشرها الزوج أياما، ولا ينتظر بلوغه للتزويج. (ثم) بعد الاصل (عصبتها وهو) من على حاشية النسب فيقدم (أخ ـــــــــــــــــــــــــــــ والأب والجد لبكر أجبراوثيب زواجها تعذرا بل إذنها بعد البلوغ قد وجب. (قوله: خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه) أي في قوله بجواز تزوج الثيب الصغيرة (قوله: وتصدق المرأة البالغة في دعوى بكارة) أي قبل العقد أو بعده. بدليل التقييد بعد في دعوى الثيوبة بكونها قبل العقد والإطلاق هنا، فإذا ادعت بعد العقد أن أباها زوجها بغير إذنها وهي بكر ليصح العقد وادعى الزوج أن أباها زوجها من غير إذنها وهي ثيب ليبطل العقد، فالمصدق هي بلا يمين، لأن الأصل بقاء البكارة وعدم إبطال النكاح، أو ادعت قبل العقد أنها بكر فزوجها أبوها من غير إذنها صح العقد (قوله: وفي ثيوبة قبل العقد) أي وتصدق في دعوى ثيوبة قبل عقد عليها بيمينها ليسقط إجبار أبيها في تزويجها عن غير إذنها فلا يجوز لأبيها أن يزوجها بغير إذنها (قوله: وإن لم إلخ) غاية في تصديقها في دعوى الثيوبة بيمينها: أي تصدق وإن لم تتزوج ولم تذكر سببا للثيوبة (قوله: فلا تسئل) الأولى ولا تسئل بالواو بدل الفاء. (وقوله: عن السبب) أي في الثيوبة ولا يكشف عنها أيضا لأنها أعلم بحالها (قوله: وخرج بقولي قبل عقد) أي دعواها الثيوبة قبل العقد (قوله: دعواها الثيوبة) فاعل خرج. وقوله بعد أن يزوجها: الأولى زوجها، بصيغة الماضي، أي ادعت بعد التزوج أنها كانت قبله ثيبا (قوله: بظنه بكرا) أي زوجها الأب وهو يظن أنها بكر. وخرج به ما إذا زوجها بغير إذنها معتقدا أنها ثيب فالنكاح من أصله غير صحيح، فلا يحتاج إلى دعوى ولا جواب (قوله: فلا تصدق هي) أي الزوجة في دعواها الحاصلة بعد النكاح للثيوبة (قوله: لما في تصديقها من إبطال النكاح) أي والأصل عدم إبطاله وهو علة لعدم تصديقها (قوله: مع أن الأصل بقاء البكارة) أي التي ادعاها الأب أو الزوج (قوله: بل ولو شهدت أربع نسوة) أي بعد العقد، والإضراب انتقالي. (وقوله: عند العقد) متعلق بثبوبتها: أي شهدن بعد العقد أنها كانت ثيبا عنده فلا تقبل شهادتهن. (وقوله: لم يبطل) أي النكاح وهو جواب لو (قوله: لاحتمال إزالتها) أي البكارة، وهو تعليل لعدم بطلان النكاح بشهادتهن، أي وإنما لم يبطل بها لاحتمال زوال البكارة من غير وطئ، وهو لا يمنع الاجبار فيكون النكاح بغير إذنها صحيحا. وقوله نحو إصبع: أي كسقطة أو حدة حيض كما تقدم (قوله: أو خلقت بدونها) أي ولاحتمال أنها خلقت من غير بكارة، والأولى أن يقول أو خلقها، بصيغة المصدر، عطفا على إزالتها (قوله: يجوز للأب تزويج صغيرة الخ) وعليه فالتقييد بالبلوغ في قوله وتصدق المرأة البالغة ليس بشرط بالنسبة لدعوى البكارة. وفي الخطيب: ولو وطئت البكر في قبلها ولم تزل بكارتها كأن كانت غوراء فهي كسائر الأبكار. اه. وفي البجيرمي عليه حادثة وقع السؤال عنها وهي: أن بكرا وجدت حاملا وكشف عليها القوابل فرأينها بكرا. هل يجوز لوليها أن يزوجها بالإجبار مع كونها حاملا أم لا؟ فأجاب بأنه يجوز لوليها تزويجها بالإجبار وهي حامل لاحتمال أن شخصا حك ذكره على فرجها فأمنى ودخل منيه في فرجها فحملت منه من غير زوال البكارة فهو غير محترم، فيصح نكاحها في هذه الصورة مع وجود الحمل. واحتمال كونها زنت وأن البكارة عادت والتحمت فيه إساءة ظن بها. فعملنا بالظاهر (قوله: ثم بعد الأصل) أي الأب وأبيه وإن علا. وقوله عصبتها: أي تكون الولاية لعصبتها. وهذا شروع في السبب الثاني من أسباب الولاية (قوله: وهو) أي العصبة وذكره باعتبار الخبر، وهذا بيان لضابط العصبة هنا (قوله: حاشية النسب) أي طرفه، وفيه استعارة بالكناية حيث شبه النسب

لابوين فأخ لاب فبنوهما) كذلك فيقدم بنو الاخوة لابوين ثم بنو الاخوة لاب (ف) - بعد ابن الاخ (عم) لابوين ثم لاب ثم بنوهما كذلك ثم عم الاب ثم بنوه كذلك وهكذا. (ثم) بعد فقد عصبة النسب من كان عصبة بولاء كترتيب إرثهم فيقدم (معتق فعصباته) ثم معتق المعتق ثم عصباته وهكذا، (فيزوجون) أي الاولياء المذكورين على ترتيب ولا (يتهم بالغة) لا صغيرة - خلافا لابي حنيفة (بإذن ثيب بوطئ نطقا) لخبر الدارقطني السابق، ويجوز الاذن منها بلفظ الوكالة كوكلتك في تزويجي ورضيت بمن يرضاه أبي أو أمي أو بما يفعله أبي لا بما تفعله ـــــــــــــــــــــــــــــ بثوب له طرف، وحذف المشبه به ورمز له بشئ من لوازمه وهو حاشية. وخرج به عصبتها من صلبها كابنها فلا يزوج ابن أمه وإن علت لأنه لا مشاركة بينه وبينها في السب. إذ ليس هناك رجل ينسبان إليه، بل هو لأبيه وهي لأبيها فلا يعتني بدفع العار عنه. نعم: إن كان ابنها ابن عم لها أو نحو أخ بوطئ شبهة أو معتقا لها أو قاضيا زوج بذلك السبب لا بالبنوة (قوله: فيقدم الخ) أي أنه يقدم الأقرب فالأقرب من العصبات كالإرث، فيقدم أخ لأبوين لإدلائه بالأب والأم فهو أقوى من غيره (قوله: فأخ لأب) أي ثم بعده يقدم أخ لأب على غيره من سائر المنازل لإدلائه بالأب (قوله: فبنوهما كذلك) أي لأبوين أو لأب (قوله: فيقدم بنو الخ) مفرع على قوله فبنوهما كذلك (قوله: فبعد ابن الأخ) المناسب لما قبله أن يقول فبعد بني الأخوة لأبوين ولأب. وقوله عم لأبوين: أي أخو أبيها من الأب والأم. وقوله ثم لأب: أي ثم عمها لأب أي أخو أبيها من أبيه (قوله: ثم بنوهما كذلك) أي لأبوين أو لأب فيقدم ابن العم لأبوين على ابن العم لأب. ومحله إن لم يكن ابن العم لأب أخا لأم وإلا قدم على ابن العم لأبوين لأنه أقوى لإدلائه بالجد وبالأم والثاني يدلي بالجد والجدة (قوله: ثم عم الأب) أي ثم بعد بني الأعمام يقدم عم أبيها. وقوله ثم بنوه: أي بنو عم الأب. وقوله كذلك: راجع لعم الأب وبنيه: أي فيقدم عم أبيها الشقيق ثم لأب ثم بنو عم أبيها الشقيق ثم لأب (قوله: وهكذا) أي ثم عم الجد لأبوين ثم لأب ثم بنوه ثم عم أبي الجد ثم بنوه كذلك ثم عم جد الجد ثم بنوه كذلك (قوله: ثم بعد فقد عصبة النسب من كان عصبة بولاء) أي تكون الولاية لمن كان عصبة بولاء أي غير المعتقة فإنها وإن كانت عاصبة إلا أنها لا تلي النكاح (قوله: كترتيب إرثهم) أي عصبة الولاء. وتقدم في بابه أنه يقدم ابن المعتق على أبيه وأخوه وابن أخيه على جده وعمه على أبي جده (قوله: فيقدم معتق) أي ذكر، كما علمت، ولو شاركته أنثى (قوله: فعصباته) أي فبعد المعتق عصباته، وذلك لحديث الولاء لحمة كلحمة النسب وهي بضم اللام وفتحها الخلطة، ولأن العتق أخرجها من الرق إلى الحرية، فأشبه الأب في إخراجه لها إلى الوجود (قوله: ثم معتق المعتق) أي ثم بعد فقد عصبات المعتق تكون الولاية لمعتق المعتق (قوله: ثم عصباته) أي ثم بعد معتق المعتق تكون الولاية لعصبات معتق المعتق (قوله: وهكذا) أي ثم معتق معتق المعتق ثم عصباته وهكذا (قوله: فيزوجون أي الأولياء المذكورون) أي من جهة النسب ومن جهة الولاء. (وقوله: على ترتيب ولايتهم) أي السابق بيانه من تقديم الأخ الشقيق على غيره وهكذا. ولا يجوز أن ينتقل إلى المنزلة الثانية مع وجود الأولى. فعلى هذا لو غاب الشقيق لا يزوج الذي لأب بل السلطان، كما سيأتي، في كلامه (قوله: بالغة) مفعول يزوجون: أي فيزوج من بعد الأصل من العصبات بالغة: أي عاقلة حرة (قوله: لا صغيرة) أي لا يزوجون: صغيرة ولو بكرا أو مجنونة لاشتراط الإذن وهي ليست أهلا له (قوله: خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه) أي فإنه جوز للأولياء المذكورين تزوج الصغيرة (قوله: بإذن ثيب الخ) لا يخفى ما في عبارته هنا وفيما سيأتي من الإظهار في مقام الإضمار الموجب للركاكة، فلو قال ويزوجون بالغة بإذنها إن كانت ثيبا بوطئ وبصمتها إن كانت بكرا لكان أولى وأخصر. وقوله نطقا: أي إن كانت ناطقة، وإلا فإشارتها المفهمة أو كتابتها كافية في الإذن، كما تقدم، وقوله لخبر الدارقطني السابق: أي وهو الثيب أحق بنفسها من وليها ووجهه أنها لما مارست الرجال بقبلها زالت غباوتها وعرفت ما يضرها وما ينفعها (قوله: ويجوز الخ) أي يصح الإذن من الثيب بلفظ الوكالة لأن المعنى فيهما واحد. وعبارة المغني: ولو أذنت بلفظ التزويج أو التوكيل جاز على النص، كما نقله في زيادة الروضة عن حكاية صاحب البيان، لأن المعنى فيهما واحد، وإن قال الراقمي الذين لقيناهم من الأئمة لا يعدونه إذنا لأن توكيل المرأة في النكاح باطل. اه (قوله: كوكلتك الخ) تمثيل للإذن الحاصل بلفظ الوكالة (قوله: ورضيت

أمي لانها لا تعقد ولا إن رضي أبي أو أمي للتعليق وبرضيت فلانا زوجا أو رضيت أن أزوج. وكذا بأذنت له أن يعقد لي وإن لم تذكر نكاحا - على ما بحث - ولو قيل لها أرضيت بالتزويج؟ فقالت رضيت كفى (وصمت بكر) ولو عتيقة (استوءذنت) في كفء وغيره وإن بكت، لكن من غير صياح أو ضرب حد: لخبر: والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها وخرج بثيب بوطئ مزالة البكارة بنحو إصبع فحكمها حكم البكر في الاكتفاء بالسكوت بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ الخ) لا يصح عطفه على وكلتك لأنه تمثيل لما هو بلفظ الوكالة وهذا ليس كذلك ولا عطفه على الوكالة لأنه فعل لم يؤول بالمصدر وهو لا يصح عطفه على الاسم المحض، فلعل في العبارة حذفا وهو بقولها رضيت. ثم رأيت في فتح الجواد التصريح به وعبارته: ويجوز بلفظ الوكالة، وقوله رضيت اه. وقيد في التحفة والنهاية والمعنى الجواز بقولها رضيت الخ بما إذا كانوا يتفاوضون في ذكر النكاح. وعبارة الأولين واللفظ للثاني: يكفي قولها رضيت بمن يرضاه أبي أو أمي أو بما يفعله أبي وهم في ذكر النكاح، لا إن رضيت أمي أو بما تفعله مطلقا، ولا إن رضي أبي، إلا أن تريد به ما يفعله. اه. وقوله وهم في ذكر النكاح. قال الرشيدي أي وهم يتفاوضون في ذكر النكاح. اه. (وقوله: مطلقا) أي سواء كانوا في ذكر النكاح أم لا. اه. ع ش (قوله: لا بما تفعله أمي) أي لا يصح الإذن بما تفعله أمي: أي مطلقا سواء كانوا في ذكر النكاح أم لا، كما علمت (قوله: لأنها لا تعتقد) علة لعدم صحة إذنها بقولها رضيت بما تفعله أمي: أي وإنما لم يصح لأن الأم لا تعقد: أي لا تفعل العقد (قوله: ولا إن رضي أبي) أي ولا يجوز قولها رضيت إن رضي أبي قال في الروض وشرحه إلا أن تريد به رضيت بما يفعله فيكفي. اه. ومثله في التحفة والنهاية. وقوله أو أمي: أي ولا يكفي رضيت إن رضيت به أمي: أي مطلقا سواء أرادت به ما ذكر أم لا (قوله: وبرضيت فلانا زوجا) أي ويجوز الإذن بقولها رضيت. وفي لتحفة ما نصه. (تنبيه) يعلم مما يأتي أواخر الفصل الآتي أن قولها رضيت أن أزوج أو رضيت فلانا زوجا متضمن للإذن للولي فله أن يزوجها بلا تجديد استئذان، ويشترط عدم رجوعها عنه قبل كمال العقد، لكن لا يقبل قولها فيه إلا ببينة. قال الأسنوي وغيره: ولو أذنت له ثم عزل نفسه لم ينعزل كما اقتضاه كلامهم. أي لأن ولايته بالنص فلم يؤثر فيها عزله لنفسه، وقيده بعضهم بما إذا قبل الإذن وإلا كان رده أو عضله إبطالا له فلا يزوجها إلا بإذن جديد. قيل وفيه نظر، أي لما ذكرته. اه. (وقوله: لما ذكرته) أي من أن ولايته بالنص الخ (قوله: وكذا بأذنت) أي وكذا يصح الإذن بأذنت له أن يعقد لي. (وقوله: وإن لم تذكر نكاحا) أي بعد قولها يعقد لي. وقوله على ما بحث، ويؤيده ما تقدم من أنه يكفي قولها رضيت بمن يرضاه أبي أو أمي أو بما يفعله أبي كما نص عليه في التحفة (قوله: ولو قيل لها) أي قال ولي البالغة الثيب لها. وقوله أرضيت بالتزويج: أي أن أزوجك ولو لم يعين لها الزوج وقوله فقالت: أي المولية رضيت، أي به، وقوله كفى: أي قولها المذكور في الإذن (قوله: وصمت بكر) بالجر عطف على بإذن: أي ويزوجون بالغة بصمت بكر، أي سكوتها، وقد علمت ما فيه. والمعنى: أن السكوت يكفي في حقها إذا استؤذنت وإن لم تعلم أن سكوتها إذن. وكسكوتها: قولها لم لا يجوز أن آذن؟ جوابا لقوله لها أيجوز أن أزوجك؟ أو تأذنين؟ لأنه يشعر برضاها. (وقوله: ولو عتيقة) أي فإنه يكفي صمتها والغاية للرد على الزركشي حيث قال في ديباجه لا يكفي سكوت العتيقة (قوله: استؤذنت) قيد في الاكتفاء بالصمت. وخرج به صمتها مع عدم استئذانها بأن زوجت بحضورها فلا يكفي (قوله: في كفء وغيره) أي في تزويجها على كفء وغير كفء ولا يشترط معرفتها عينه (قوله: وإن بكت) غاية أيضا في الاكتفاء بصمتها: أي ويكفي وإن بكت عند الاستئذان. وقوله لكن من غير صياح أو ضرب خد: أما إذا بكت مع صياح أو ضرب خد فلا يكفي صمتها، لأنه يشعر بعدم رضاها (قوله: لخبر الخ) دليل الاكتفاء بصمتها إذا استؤذنت. (وقوله: والبكر تستأمر) أي تستأذن. (وقوله: وإذنها سكوتها) إذنها خبر مقدم وسكوتها مبتدأ مؤخر، والتقدير وسكوتها كإذنها، ثم حذفت الكاف مبالغة في التشبيه وقدم المشبه به. هكذا يتعين. ولا يصح أن يجعل إذنها مبتدأ وسكوتها خبرا، لأن السكون ليس إذنا حتى يجعل خبرا عنه، وإنما هو كالإذن. اه. بجيرمي بتصرف (قوله: وخرج بثيب بوطئ الخ) الأولى تقديمه على قوله وصمت بكر. وقوله مزالة البكارة بنحو أصبع:

الاستئذان. ويندب للاب والجد استئذان البكر البالغة تطييبا لخاطرها، أما الصغيرة فلا إذن لها وبحث ندبه في المميزة ولغيرهما الاشهاد على الاذن. (فرع) لو أعتق جماعة أمة اشترط رضا كلهم فيوكلون واحدا منهم أو من غيرهم. ولو أراد أحدهم أن يتزوجها زوجه الباقون مع القاضي: فإن مات جميعهم كفى رضا كل واحد من عصبة كل واحد، ولو اجتمع عدد من عصبات المعتق في درجة جاز أن يزوجها أحدهم برضاها وإن لم يرض الباقون (ثم) بعد فقد عصبة النسب والولاء (قاض) أو نائبه لقوله (ص): السلطان ولي من لا ولي لها والمراد من له ولاية من الامام والقضاة ونوابهم ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كسقطة وحدة حيض، كما تقدم (قوله: فحكمها) أي مزالة البكارة بنحو ما ذكر (قوله: ويندب للأب والجد استئذان البكر البالغة) أي ولو سكرانة. قال في التحفة: وعليه، أي ندب الاستئذان، حملوا خبر مسلم والبكر يستأمرها أبوها جمعا بينه وبين خبر الدارقطني السابق: أي بناء على ثبوت قوله فيه يزوجها أبوها الصريح في الإجبار. اه. (قوله: أما الصغيرة الخ) محترز البالغة. (وقوله: فلا إذن لها) أي فلا إذن معتبر منها حتى أنه يندب استئذانها (قوله: وبحث ندبه) أي الاستئذان في المميز. قال في التحفة: لإطلاق الخبر السابق ولأن بعض الأئمة أوجبه، ويسن أن لا يزوجها حينئذ إلا لحاجة أو مصلحة، وأن يرسل لموليته ثقة لا تحتشمها، والأم أولى، ليعلم ما في نفسها. اه. (قوله: ولغيرهما الاشهاد على الإذن) أي ويندب لغير الأب والجد الاشهاد على الإذن: أي إذن من يشترط إذنها وهي غير المجبرة. وكان الأولى والأخصر له أن يذكر هذا عند قوله فيما تقدم لا يشترط الإشهاد على إذن معتبرة الإذن بأن يقول بعده بل يندب، كما نبهت عليه هناك، (قوله: فرع) الأولى فروع: إذ المذكور ثلاثة: وهي قوله لو أعتق جماعة الخ، وقوله ولو أراد الخ، وقوله ولو اجتمع الخ (قوله: لو أعتق جماعة أمة) المراد بها ما فوق الواحد فيصدق بالاثنين فما فوق (قوله: اشترط رضا كلهم) أي لأن الولاء لهم كلهم (قوله: فيوكلون إلخ) أي أو يباشرون معا. وعبارة الروض وشرحه: (فرع) وإن أعتقها اثنان اشترط رضاهما فيوكلان أو يوكل أحدهما الآخر أو يباشران معا لأن كلا منهما إنما يثبت له الولاء على نصفها، فكما يعتبر اجتماعهما على التزويج قبل العتق يعتبر بعده. اه. (قوله: ولو أراد أحدهم) أي الجماعة (قوله: زوجه الباقون مع القاضي) أما الباقون فعن أنفسهم، وأما القاضي فعن المتزوج: إذ ليس له أن يزوج نفسه على موليته بنفسه (قوله: فإن مات جميعهم الخ) وإن مات أحدهم كفى موافقة أحد عصبته للآخرين. ولو مات ولا عصبة له استقل الباقون بتزويجها. وقوله كفى رضا كل واحد من عصبة كل واحد: الأولى حذف كل الأولى لأنها توهم أنه لا بد من رضا كل واحد واحد من عصبة كل واحد مع أنه يكفي واحد فقط من عصبة كل واحد (قوله: ولو اجتمع عدد من عصبات المعتق في درجة) أي كبنين أو أخوة. وقوله جاز أن يزوجها أحدهم برضاها. (تنبيه) لم يتعرض لما إذا اجتمع الأولياء من النسب. وحاصل ذلك أنهم إذا اجتمعوا في درجة واحدة كإخوة أشقاء أو لأب أو أعمام كذلك فإن أذنت لكل منهم بانفراد فيه أو قالت أذنت في فلان فمن شاء منكم فليزوجني منه جاز لكل منهم أن يزوجها. واستحب أن يزوجها أفقههم بباب النكاح، ثم أورعهم، ثم أسنهم، لكن برضا الباقين. فإن أذنت لواحد منهم فقط فلا يزوجها غيره إلا وكالة عنه. ولو قالت لهم كلهم زوجوه اشترط اجتماعهم، فإن تشاحوا في صورة إذنها لكل واحد منهم وقال كل منهم أنا الذي أزوجها فإن اتحد الخاطب أقرع بينهم وجوبا للنزاع فمن خرجت قرعته منهم زوج، وإن تعدد فمن ترضاه، فإن رضيت الكل أمر الحاكم بتزويجها من أصلحهم (قوله: ثم بعد فقد عصبة النسب والولاء) أي فقدهم حسا أو شرعا. وقوله قاض: أي تكون الولاية له (قوله: لقوله - صلى الله عليه وسلم - الخ) دليل لكون الولاية بعد فقد المذكورين تثبت للقاضي (قوله: والمراد) أي بالسلطان من له ولاية: أي عامة أو خاصة. وأتى بهذا لدفع ما يقال إن الدليل لم يطابق المدعي إذ المدعي القاضي والذي في الدليل السلطان. وحاصل الدفع أن المراد بالسلطان كل من له سلطنة وولاية على

(فيزوج) أي القاضي (بكفء) لا بغيره (بالغة) كائنة في محل ولايته حالة العقد ولو مجتازة به وإن كان إذنها له وهي خارجة، أما إذا كانت خارجة عن محل ولايته حالته فلا يزوجها وإن أذنت له قبل خروجها منه أو كان هو فيه لان الولاية عليها لا تتعلق بالخاطب. وخرج بالبالغة اليتيمة فلا يزوجها القاضي ولو حنفيا لم يأذن له سلطان حنفي فيه. وتصدق المرأة في دعوى البلوغ بحيض أو إمناء بلا يمين: إذ لا يعرف إلا منها في دعوى البلوغ بالسن إلا ببينة خبيرة تذكر عدد السنين (وعدم وليها) الخاص بنسب أو ولاء (أو غاب) أي أقرب أوليائها ـــــــــــــــــــــــــــــ المرأة عاما كان كالإمام أو خاصا كالقاضي والمتولي لعقود الأنكحة أو هذا النكاح بخصوصه (قوله: فيزوج الخ) بيان لشروط تزويج القاضي، وذكر ثلاثة شروط: أن يكون الزوج كفؤا، وأن تكون المرأة بالغة، وأن تكون في محل ولايته (قوله: بكفء) أي على كفء. فالباء بمعنى على. وقوله لا بغيره: أي لا على غير كفء (قوله: بالغة) مفعول يزوج. وقوله كائنة في محل ولايته: أي القاضي وسواء كان الزوج فيه أيضا أم لا: بأن وكل الزوج فعقد الحاكم مع وكيله، فالعبرة بالمرأة. (وقوله: حالة العقد) الظرف متعلق بكائنة (قوله: ولو مجتازة به) غاية لصحة تزويج القاضي من هي في محل ولايته: أي يصح ذلك ولو كانت مارة في محل ولايته لا مقيمة فيه (قوله: وإن كان إذنها الخ) غاية ثانية لها أيضا: أي يصح ذلك وإن كانت وقت الإذن خارجة عن محل ولايته لكنها بعد ذلك دخلت فيه وعقد لها وهي فيه، فالعبرة أن تكون في محل الولاية وقت العقد سواء كان إذنها له فيه أيضا أم لا (قوله: أما إذا كانت الخ) مفهوم قوله كائنة في محل ولايته الخ. وقوله حالته: أي العقد. وقوله فلا يزوجها. أي فلا يزوج القاضي من خرجت عن محل ولايته لأنه ليس له عليها ولاية (قوله: وإن أذنت إلخ) غاية في عدم صحة تزويجه لها: أي لا يصح وإن أذنت له (قوله: قبل خروجها منه) أي من محل ولايته (قوله: أو كان هو فيه) غاية ثانية له أيضا: أي لا يصح أن يزوج الخارجة عن محل ولايته وإن كان الخاطب فيه. وقوله لأن الولاية عليها لا تتعلق بالخاطب: علة لعدم صحة تزويجه إذا كان الخاطب في محل ولايته: أي وإنما لم يصح ذلك لأن الولاية لا تتعلق بالخاطب وإنما تتعلق بها نفسها، فالعبرة بها، لا به (قوله: وخرج بالبالغة الخ) كان عليه أن يذكر مخرج القيد الأول وهو قوله بكفء، ولعله لم يذكره اتكالا على ذكره في فصل الكفاءة. وقوله اليتيمة: أي الصغيرة ولو مراهقة (قوله: فلا يزوجها) أي اليتيمة. (وقوله: ولو حنفيا) أي ولو كان القاضي حنفيا فإنه لا يجوز له أن يزوجها، لكن بالشرط الذي ذكره وهو إن لم يأذن له السلطان الحنفي فيه، ومفهومه أنه إذا أذن له السلطان الحنفي فيه صح تزويج القاضي لها (قوله: وتصدق المرأة في دعوى البلوغ بحيض أو إمناء) محله إن أمكن ذلك منها بأن بلغت تسع سنين. (وقوله: بلا يمين) متعلق بتصدق (قوله: إذ لا يعرف) أي البلوغ بالحيض أو الإمناء إلا منها نفسها، وهو علة لتصديقها في دعواها ما ذكر بلا يمين (قوله: لا في دعوى إلخ) أي لا تصدق في دعوي البلوغ بالسن، وهو خمس عشرة سنة، إلا ببينة، وهي رجلان، وتقدم في باب الإقرار أنه إن شهد أربع نسوة بولادتها يوم كذا قبلن ويثبت بهن السن تبعا. (وقوله: خبيرة) أي بسنها. (وقوله: تذكر عدد السنين) هذا قيد في ثبوت البلوغ بالسن، أي أنه لا يثبت إلا إن ذكرت البينة عدد السنين الذي يحصل به البلوغ، وهو خمسة عشرة سنة، (قوله: وعدم وليها) الجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل نصب صفة لبالغة، ولا حاجة إلى هذا بعد قوله فيزوج الخ المفرع على ما إذا فقد عصبة النسب والولاء. (وقوله: أو غاب) أي أقرب أوليائها الخ، وهو معطوف على عدم وليها، فيفيد حينئذ أنه مفرع على ما قبله وهو لا يصح، وذلك لأن موضوع الكلام السابق، كما علمت، في فقد الولي مطلقا، وهذه المواضع موجود فيها الولي، لكن تعذر فيها تزويجه بسبب غيبته أو عضله أو احرامه الخ، فناب الحاكم منابه في التزويج بسبب ذلك، فكان الأولى أن يفصله عما قبله كأن يقول: وكذا يزوج القاضي فيما إذا غاب الأقرب الخ. ويكون شروعا في مواضع مستقلة زيادة على ما تقدم يزوج فيها الحاكم. تأمل. وقد نظن بعضهم هذه المواضع التي يزوج فيها الحاكم مطلقا في قوله: ويزوج الحاكم في صور أتت منظومة تحكي عقود جواهر

(مرحلتين) وليس له وكيل حاضر في التزويج وتصدق المرأة في دعوى غيبة الولي وخلوها من النكاح والعدة وإن لم تقم بينة بذلك. ويسن طلب بينة بذلك منها، وإلا فتحليفها. ولو زوجها لغيبة الولي فبان أنه قريب من بلد ـــــــــــــــــــــــــــــ عدم الولي وفقده ونكاحه وكذاك غيبته مسافة قاصر وكذاك إغماء وحبس مانع أمة لمحجور توالي القادر إحرامه وتعزز مع عضله إسلام أم الفرع وهي لكافر (وزاد بعضهم عليها). تزويج من جنت ولم يكن مجبر بعد البلوغ فضم ذاك وبادر (وقوله: عدم الولي) أي بأن لم يكن لها ولي أصلا. (وقوله: وفقده) أي بأن فقد، أي غاب ولم يدر موته ولا حياته ولا محله بشرط أن لا يحكم بموته حاكم، فإن حكم بموته انتقلت للأبعد. وقوله ونكاحه: أي لنفسه بأن أراد أن يتزوأ بنت عمه ولم يوجد من يساويه في الدرجة فإن الحاكم يزوجها له. وقوله مسافة قاصر: مثلها ما إذا كان دون مسافة القصر وتعذر الوصول إليه. وقوله وكذاك إغماء: ضعيف، والمعتمد أنه ينتظر ثلاثة أيام، فإن لم يفق انتقلت الولاية للأبعد ولا يزوجها الحاكم أصلا. وقوله وحبس مانع: أي من الاجتماع عليه. وقوله أمة لمحجور: أي حجر سفه بأن بلغ غير رشيد أو بذر بعد رشده ثم حجر عليه لأنه لنقصه لا يلي أمر نفسه فلا يلي أمر غيره، بخلاف حجر الفلس فلا يمنع الولاية لكمال نظره، والحجر عليه لحق الغرماء لا لنقص فيه. وقوله توارى القادر: أي اختفاؤه. والقادر يحتمل أنه تكملة للبيت، ويحتمل أنه احتراز عن المكره. وقوله إحرامه: أي بالحج أو العمرة أو بهما. وقوله وتعزز: أي تغلب بأن يمتنع من غير توار معتمدا على الغلبة. فالفرق بين التواري والتعزز: أن التواري الامتناع مع الاختفاء، والتعزز الامتناع مع الظهور والقوة. وقوله مع عضله: أي عضلا لا يفسق به بأن غلبت طاعاته على معاصيه، وإلا فتنتقل للأبعد بناء على منع ولاية الفاسق. وقوله إسلام أم الفرع: أي أم الولد يعني إذا استولد الكافر أمة ثم أسلمت فإنه يزوجها الحاكم. وقوله ولم يك مجبر: فإن كان هناك مجبر زوجها هو، لا الحاكم، هذا حاصل ما يتعلق بشرح الأبيات المذكورة. وقد ذكر معظم ذلك المؤلف رحمه الله تعالى (قوله: أو غاب) فاعله ضمير مستتر يعود على وليها. وقوله بعد: أي أقرب أوليائها تفسير مراد له، ولا يقال إن الفاعل محذوف وأن هذا تقديره لأنا نقول ليس هذا من المواضع التي يجوز حذف الفاعل فيها، وفائدة هذا التفسير بيان أنه إذا غاب الأقرب لا تنتقل الولاية للأبعد بل للحاكم (قوله: مرحلتين) منصوب بإسقاط الخافض: أي إلى مرحلتين. والمراد إلى مسافة مقدارها بسير الأثقال مرحلتان، وهذه هي مسافة القصر (قوله: وليس له الخ) الجملة حالية: أي والحال أنه ليس لهذا الغائب وكيل حاضر هي التزويج، فإن كان له وكيل حاضر قدم على السلطان على المنقول المعتمد، خلافا للبلقيني (قوله: وتصدق المرأة في دعوى غيبة الولي) قال سم: أي بلا يمين، ثم قال في الروض وشرحه: وهل يحلفها وجوبا على أنها لم تأذن للغائب إن كان ممن لا يزوج إلا بإذن وعلى أنه لم يزوجها في الغيبة؟ وجهان. اه. والأوجه الوجوب في الصورتين. م ر. اه (قوله: وخلوها الخ) معطوف على غيبة الولي: أي وتصدق أيضا في دعوى خلوها من النكاح ومن العدة: أي ومن سائر موانع النكاح كالإحرام والمحرمية وسيصرح بهذه المسألة في المتن (قوله: وإن لم تقم بينة بذلك) غاية في تصديقها في دعواها ما ذكر: أي تصدق مطلقا سواء أقامت بينة على ما ادعته أم لا. قال في المغني: لأن العقود يرجع فيها إلى قوله أربابها. اه (قوله: ويسن طلب بينة بذلك) أي بما ادعته. وقوله منها: أي المرأة، وهو متعلق بطلب: أي طلبها منها. وعبارة المغني: وتستحب إقامة البينة بذلك ولا يقبل فيها الإشهاد مطلع على باطن أحوالها. اه. وقال في التحفة: فإن ألحت في الطلب بلا بينة ولا يمين أجيبت على الأوجه، وإن رأى القاضي التأخير لما يترتب عليه حينئذ من المفاسد التي لا تتدارك. اه (قوله: وإلا فتحليفها) أي وإلا تأت بالبينة بعد الطلب فيسن تحليفها، ويدل على ذلك عبارة الروض ونصها: ويستحب تحليفها على ذلك: أي على غيبة وليها

العقد وقت النكاح لم ينعقد إن ثبت قربه. فلا يقدح في صحة النكاح مجر قوله كنت قريبا من البلد، بل لا بد من بينة على الاوجه، خلافا لما نقله الزركشي والشيخ زكريا عن فتاوي البغوي (أو) غاب إلى دونهما لكن (تعذر وصول إليه) أي إلى الولي (لخوف) في الطريق من القتل أو الضرب أو أخذ المال (أو فقد) أي الولي بأن لم يعرف مكانه ولا موته ولا حياته بعد غيبة أو حضور قتال أو انكسار سفينة أو أسر عدو. هذا إن لم يحكم بموته، وإلا زوجها الابعد. (أو عضل) الولي ولو مجبر أي منع (مكلفة) أي بالغة عاقلة (دعت إلى) تزويجها من (كفء) ولو بدون مهر المثل من تزويجها به. ـــــــــــــــــــــــــــــ وخروجها عن النكاح والعدة. اه. وكتب الرشيدي على قول النهاية وإلا فتحليفها ما نصه: هذا لا حاجة إليه مع قوله وتصدق في غيبة وليها، إذ من المعلوم أن تصديقها إنما يكون باليمين على أنه لا يخفى ما في تعبيره بقوله وإلا من الإيهام. اه. وقوله إذ من المعلوم إلخ: فيه نظر لما تقدم عن سم من أنها تصدق بلا يمين. وكتب ع ش ما نصه: وقوله وإلا أي بأن لم تقم بينة. وقوله فتحليفها: أي وجوبا. اه. وفي قوله وجوبا نظر أيضا لما تقدم عن الروض (قوله: ولو زوجها) أي القاضي. وقوله لغيبة الولي: أي لأجل أن وليها الخاص غائب. والمراد غائب إلى مسافة القصر بدعواها مثلا وقوله فبان: أي وليها بعد النكاح وقوله أنه قريب من بلد العقد: أي أنه كان في دون مسافة القصر، ولا بد من تقييده، أخذا مما بعد بكونه لم يتعذر الوصول إليه، وإلا كان حكمه حكم من كان في مسافة القصر (قوله: لم ينعقد) أي النكاح. وقوله إن ثبت قربه: أي ببينة (قوله: فلا يقدح في صحة الخ) أي فلا يؤثر في صحته مجرد قوله كنت قريبا من غير أن يأتي ببينة على قوله المذكور (قوله: خلافا لما نقله الزركشي والشيخ زكريا) أي من أنه يقدح قوله المذكور في الصحة ولو لم يأت ببينة. وعبارة الروض وشرحه: فإن زوجت في غيبته فبان الولي قريبا من البلد عند العقد ولو بقوله، كما يؤخذ من كلام نقله الزركشي عن فتاوى البغوي، لم ينعقد نكاحها لأن تزويج الحاكم لا يصح مع وجود الولي الخاص. اه (قوله: أو غاب إلى دونهما) معطوف على قوله أو غاب مرحلتين ومقابل له: أي أو لم يغب إلى مرحلتين بل غاب إلى دونهما لكن تعذر الوصول إليه فللقاضي أن يزوجها عند غيبته حينئذ. وخرج بقوله لكن تعذر الوصول إليه ما إذا لم يتعذر فلا يزوج إلا بإذنه كما لو كان مقيما. وعبارة شرح الروض: أما ما دون مسافة القصر فلا يزوج حتى يرجع الولي فيحضر أو يوكل كما لو كان مقيما. نعم: لو تعذر الوصول إليه لفتنة أو خوف ففي الجيلي أن له أن يزوج بلا مراجعة في الأصح. اه (قوله: لخوف في الطريق) متعلق بتعذر، واللام تعليلية: أي أو تعذر لأجل خوف حاصل في الطريق. وفي شرح الروض: قال الأذرعي والظاهر أنه لو كان في البلد في سجن السلطان وتعذر الوصول إليه أن القاضي يزوج. اه. وقوله من القتل الخ: بيان للخوف (قوله: أو فقد) معطوف على عدم وليها لأن هذا نوع ثالث، وأما الذي قبله فهو من تتمة النوع الثاني، ولذلك عطفته عليه. وقوله أي الولي: المناسب أن يقول كسابقه، أي أقرب الأولياء، ومثله يقال فيما بعده. (وقوله: بأن لم يعرف الخ) تصوير للفقد، وهذا هو الفارق بينه وبين العدم في قوله عدم وليها. وحاصل الفرق أن المعدوم هو الذي عرف عدمه، والمفقود هو الذي لم يعرف عدمه ولا حياته. (وقوله: بعد غيبة الخ) متعلق بيعرف المنفي (قوله: هذا) أي ما ذكر من تزويج القاضي عند فقد الولي إن لم يحكم بموته حاكم،. فإن حكم به انتقلت الولاية للأبعد ولا يزوجها القاضي (قوله: أو عضل الولي الخ) معطوف على عدم وليها أيضا. وعبارة التحفة مع الأصل: وكذا يزوج السلطان إذا عضل القريب أو المعتق أو عصبته إجماعا، لكن بعد ثبوت العضل عنده بامتناعه منه أو سكوته بحضرته بعد أمره به والخاطب والمرأة حاضران أو وكيلهما أو بينة عند تعززه أو تواريه. نعم: إن فسق بعضله لتكرره منه مع عدم غلبة طاعاته على معاصيه أو قلنا بما قاله جمع إنه كبيرة زوج الأبعد، وإلا فلا: لأن العضل صغيرة وإفتاء المصنف بأنه كبيرة بإجماع المسلمين مراده أنه عند عدم تلك الغلبة في حكمها لتصريحه هو وغيره بأنه صغيرة. اه. وقوله لتكرره منه: قال في الروض: ولا يفسق إلا إذا تكرر ثلاث مرات. اه. (قوله: ولو مجبرا) غاية في الولي: أي لا فرق فيه بين أن يكون مجبرا أو لا (قوله: أي منع) تفسير لعضل (قوله: مكلفة) مفعول عضل، وهو قيد أول. وقوله أي بالغة عاقلة: تفسير

(فروع) لا يزوج القاضي إن عضل مجبر من تزويجها بكفء عينته وقد عين هو كفؤ آخر غير معينها وإن كان معينة دون معينها كفاءة. ولا يزوج غير المجبر ولو أبا أو جدا بأن كانت ثيبا إلا ممن عينته وإلا كان عاضلا. ولو ثبت تواري الولي أو تعززه زوجها الحاكم. وكذا يزوج القاضي إذا أحرم الولي أو أراد نكاحها كابن عم فقد من يساويه في الدرجة ومعتق فلا يزوج الابعد في الصور المذكورة لبقاء الاقرب على ولايته. وإنما يزوج ـــــــــــــــــــــــــــــ للمكلفة. وقوله دعت: أي طلبت المكلفة، وهو قيد ثان. وقوله إلى تزويجها: متعلق بدعت. وقوله من كفء: متعلق بتزويجها، وهو قيد ثالث. وبقي من القيود أن يكون الكفء معينا، وأن يثبت عضله عند القاضي، كما تقدم، إما بامتناعه من التزويج بعد أمر القاضي له أو ببينة تشهد بعضله، فإذا فقد واحد من هذه القيود لا يكون عاضلا، فلا يجوز للقاضي أن يزوجها (قوله: ولو بدون مهر مثل) أي يحصل العضل بطلبها التزويج على كفء ولو بدون مهر المثل، وذلك لأن المهر لها لا له، فإذا رضيت به لم يكن لعضله عذر (قوله: من تزويجها) متعلق بعضل. وقوله به: أي بالكفء، والباء بمعنى على: أي عضلها من التزويج على كفء (قوله: فروع) أي خمسة: الأول قوله لا يزوج القاضي الخ، الثاني قوله ولا يزوج غير المجبر الخ الثالث قوله ولو ثبت توارى الخ، الرابع قوله وكذا يزوج الخ، الخامس قوله وإنما يزوج للقاضي الخ (قوله: لا يزوج الخ) يعني لو عينت للولي المجبر كفؤا وهو عين لها كفؤا آخر غير كفئها لا يكون عاضلا بذلك فلا يزوجها القاضي بل تبقى الولاية له، وذلك لأن نظره أعلى من نظرها، فقد يكون معينه أصلح لها من معينها. وقوله وقد عين هو: أي المجبر. وقوله وإن كان معينه: بصيغة اسم المفعول، وهو غاية لعدم تزويج القاضي حينئذ: أي لا يزوج القاضي حينئذ وإن كان من عينه المجبر أقل في الكفاءة بمن عينته هي لأنه لا يكون عاضلا بذلك (قوله: ولا يزوج غير المجبر) أي موليته. وقوله ولو أبا أو جدا: غاية لغير المجبر. وقوله بأن كانت ثيبا: تصوير لكون الأب أو الجد غير مجبر. وقوله إلا ممن عينته: متعلق بيزوج، والاستثناء ملغى: أي لا يزوجها إلا على من عينته. وذلك لأن أصل تزويجها متوقف على إذنها، فإذا عينت له شخصا تعين (قوله: وإلا) أي وإن لم يزوجها على من عينته سواء أراد تزويجها على غيره أم لم يرد أصلا. وقوله كان عاضلا: جواب إن المدغمة في لا، وحينئذ يزوجها القاضي (قوله: ولو ثبت) أي ببينة. وقوله توارى الولي أو تعززه: في حاشية الباجوري التواري: الهرب والتعزز: كأن يقول عند طلب التزويج منه أزوجها غدا، وهكذا فكلما يسئل في ذلك يوعد. اه. وتقدم فرق غير هذا في شرح الأبيات المار (قوله: زوجها الحاكم) جواب لو. والمناسب لسابقه ولاحقه أن يقول القاضي (قوله: وكذا يزوج القاضي الخ) أي ومثل كونه يزوج فيما إذا ثبت التواري أو التعزز يزوج إذا أحرم الولي: أي بحج أو عمرة أو بهما معا صحيحا كان إحرامه أو فاسدا (قوله: أو أراد نكاحها) أي وكذا يزوج القاضي إذا أراد الولي أن يتزوج بموليته، لكن بشرط أن لا يكون لها ولي مساو له في الدرجة غيره بدليل المثال بعد. فإن كان لها ولي غيره كذلك فإنه هو الذي يزوجها لا القاضي (قوله: كابن عم) أي أراد أن يتزوج على بنت عمه. وقوله فقد من يساويه في الدرجة: فإن لم يفقد كأن كان لها ابنا عم متساويان في الدرجة وأراد أحدهما أن يتزوج بها فإن الآخر هو الذي يزوجها لا القاضي، كما علمت، وقوله ومعتق: معطوف على ابن عم: أي وكمعتق أراد أن يتزوج على عتيقته فإن القاضي هو الذي يزوجها عليه وتقدم في الشرح أنه لو أعتق جماعة أمة وأراد واحد منهم أن يتزوج بها فإنه يزوجها القاضي مع الباقين (قوله: فلا يزوج الأبعد الخ) هذا تصريح بما علم من قوله فيزوج القاضي الخ: إذ يعلم منه أنه إذا كان هناك ولي أبعد لا تنتقل الولاية له بل للقاضي. وقوله في الصور المذكورة: أي في الفروع وفيما قبلها غير الصورة الأولى، أعني صورة عدم الولي، لأنه لا يتصور فيها وجود ولي أبعد، إذ المراد فيها عدم الأولياء مطلقا (قوله: لبقاء الأقرب على ولايته) تعليل لكون القاضي هو الذي يزوج في الصور المذكورة لا الأبعد: أي وإنما زوج القاضي لا الأبعد لكون الأقرب باقيا على ولايته بدليل أنه في صورة الغيبة لو رجع هو الذي يزوج، وكذلك في صورة العضل والإحرام، والأبعد إنما يزوج إذا لم تكن الولاية ثابتة للأقرب بأن كان رقيقا أو صبيا أو مجنونا.

للقاضي أو طفله إذا أراد نكاح من ليس لها ولي قاض آخر بمحل ولايته إذا كانت المرأة في عمله أو نائب القاضي الذي يتزوج هو أو طفله (ثم) إن لم يوجد ولي ممن مر فيزوجها (محكم عدل) حر ولته مع خاطبها أمرها ليزوجها منه وإن لم يكن مجتهدا إذا لم يكن ثم قاض ولو غير أهل، وإلا فيشترط كون المحكم مجتهدا. قال ـــــــــــــــــــــــــــــ (والحاصل) أن الولي الأقرب في صورة الغيبة وما بعدها باق على ولايته إلا أنه لما تعذر التزويج بسبب الغيبة ونحوها ناب عنه القاضي، والأبعد إنما يزوج عند انتفاء الولاية من الأقرب. (واعلم) أنه اختلف في الإمام: هل يزوج بالولاية أو بالنيابة الشرعية؟ على وجهين. وذكر في فتح الجواد أن فروعا تقتضي أن تزويج السلطان بالولاية العامة، وفروعا أخر تقتضي أنه بالنيابة الشرعية، وأن الذي يتجه أنه في نحو الغيبة بنيابة اقتضتها الولاية، وعند عدم الولي يزوج بالولاية. اه (قوله: وإنما يزوج للقاضي) اللام زائدة، وكان الأولى إسقاطها. وقوله أو طفله: لو قال أو محجوره لكان أولى ليشمل المجنون. وقوله إذا أراد نكاح الخ: أي لنفسه أو لمحجوره ليطابق ما قبله. (وقوله: من ليس لها ولي) أي خاص. (وقوله: قاض آخر) فاعل يزوج. (وقوله: بمحل ولايته) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لقاض: أي قاض آخر كائن بمحل ولاية القاضي المتزوج، والمراد أن للقاضي الآخر ولاية على محل ولاية القاضي المتزوج بأن يكون لذلك المحل قاضيان لجواز تعدد القاضي في بلدة، فإذا أراد القاضيين أن يتزوج بمن ليس لها ولي خاص زوجه الآخر عليها كابني العم المتساويين في الدرجة (قوله: إذا كانت المرأة في عمله) الضمير يعود علي القاضي الآخر، وهو بيان لقيد ثان، وهو أنه لا بد في المرأة أن تكون في محل عمل القاضي الآخر لأجل أن تكون له ولاية عليها. وهذا القيد يغني عن القيد الأول، أعني قوله بمحل ولايته، وذلك لأنه يلزم من كونها في محل عمل القاضي الآخر أن يكون هو في محل عمل القاضي المتزوج: إذ الفرض أن للقاضي المتزوج ولاية عليها، ولذلك لم يذكره في التحفة ونصها مع الأصل: فلو أراد القاضي نكاح من لا ولي لها غيره لنفسه أو لمحجوره زوجه من هي في عمله سواء من فوقه من الولاة ومن هو مثله أو خليفته لأن حكمه نافذ عليه. وإن أراده الإمام الأعظم زوجه خليفته. اه (قوله: أو نائب القاضي) معطوف على قاض آخر: أي أو يزوجه نائبه. وقوله أو طفله. معطوف على الضمير المستتر في يتزوج لوجود الفصل بالضمير المنفصل. قال في الخلاصة: وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصل (قوله: ثم إن لم يوجد ولي ممن مر) أي من الأصل وعصبة النسب وعصبة الولاء والقاضي. وصريح هذا يفيد أن المحكم لا يزوج إلا عند فقد الجميع حتى القاضي، وإذ كان كذلك فلا يلائم تفصيله الآتي، أعني قوله وإن لم يكن مجتهد إذا لم يكن ثم قاض، وإلا اشترط أن يكون المحكم مجتهدا فإنه يقتضي عدم اشتراط فقد القاضي في تزويج المحكم، وتفصيله المذكور هو الموافق لصريح عبارة التحفة المار نقلها على قول الشارح، فلا تزوج امرأة نفسها، وحينئذ فكان الأولى للمؤلف أن يعبر بعبارة موافقة لما ذكر (قوله: فيزوجها محكم) بصيغة اسم المفعول. قال في التحفة: وهل يتقيد ذلك بكون المفوض إليه في محلها كما يتقيد القاضي بمحل ولايته، أو يفرق بأن ولاية القاضي مقيدة بمحل فلم يجاوزه بخلاف ولاية هذا فإن مناطها إذنها له بشرطه فحيث وجد زوجها وإن بعد محلها؟ كل محتمل. والثاني أقرب اه. وفي البجيرمي: فإن لم يوجد أحد تحكمه أمرها وخافت الزنا زوجت نفسها، لكن بشرط أن يكون بينها وبين الولي مسافة القصر. ثم إذا رجعا للعمران ووجد الناس جددا العقد إن لم يكونا قلدا من يقول بذلك. اه. (قوله: عدل) خرج به غيره فلا يصح تزويجه لأنه غير أهل للتحكيم. وقوله حر: خرج به غيره فلا يصح منه ذلك لذلك (قوله: ولته) أي فوضته. وقوله مع خاطبها: إنما قيد بذلك لأن حكم المحكم لا يفيد إلا برضاهما به معا ولا بد أن يكون لفظا فلا يكفي السكوت. نعم يكفي سكوت البكر إذا استئذنت في التحكيم. وقوله أمرها: مفعول ثان لولت، وفي العبارة حذف: أي وولاه الخاطب أمره لأن المرأة تفوضه أمر نفسها والخاطب كذلك يفوضه أمر نفسه (قوله: ليزوجها منه) هذه العلة عين

شيخنا: نعم إن كان الحاكم لا يزوج إلا بدراهم، كما حدث الآن - فيتجه أن لها أن تولي عدلا مع وجوده وإن سلمنا أنه لا ينعزل بذلك بأن علم موليه ذلك منه حال التولية. انتهى. ولو وطئ في نكاح بلا ولي كأن زوجت نفسها ولم يحكم حاكم بصحته ولا ببطلانه لزمه مهر المثل دون المسمى لفساد النكاح ويعزر به معتقد تحريمه ويسقط عند الحد. (و) يجوز (لقاض تزويج من قالت أنا خلية عن نكاح وعدة) أو طلقني زوجي واعتددت (ما لم يعرف لها زوجا) معينا (وإلا) أي وإن عرف لها زوجا باسمه أو شخصه أو عينته (شرط) في صحة تزويج ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر المفوض إلى المحكم: إذ هو التزويج، وإذا كان كذلك فينحل المعنى ولته أن يزوجها ليزوجها، ولا يخفى ما في ذلك من الركاكة، فالأولى حينئذ إسقاطها (قوله: وإن لم يكن مجتهدا) غاية لقوله فيزوجها محكم عدل: أي يزوجها ذلك المحكم وإن لم يكن مجتهدا. وقوله إذا لم يكن إلخ: قيد في جواز تزويج المحكم مطلقا وإن كان ليس بمجتهد: أي محل جواز ذلك مطلقا إذا لم يوجد ثم أي في المحل الذي حكما المحكم فيه قاض. (والحاصل) يجوز تحكيم المجتهد مطلقا سواء وجد حاكم ولو مجتهدا أم لا، وتحكيم العدل غير المجتهد بشرط أن لا يكون هناك قاض ولو غير أهل: سواء وجد مجتهد أم لا (قوله: وإلا) أي بأن كان ثم قاض ولو غير أهل. وقوله فيشترط: أي في صحة تزويجه أن يكون المحكم مجتهدا (قوله: نعم إن كان الحاكم الخ) استدراك على اشتراط كون المحكم مجتهدا إذا وجد قاض (قوله: فيتجه أن لها أن تولي عدلا) أي غير مجتهد. وقوله مع وجوده: أي الحاكم المذكور (قوله: وإن سلمنا أنه) أي الحاكم لا ينعزل بذلك: أي بأخذه الدراهم (قوله: بأن علم موليه) تصوير لعدم انعزاله مع أخذه الدراهم، فإن لم يعلم منه ذلك حال التولية انعزل بأخذه الدراهم لأنه مفسق، وذلك لما سيأتي في باب القضاء من أنه إذا ولى سلطان غير أهل للقضاء مع علمه بفسقه نفذت توليته وقضاؤه وإلا بأن ظن عدالته ولو علم فسقه لم يوله فلا (قوله: ولو وطئ في نكاح الخ) المناسب ذكر هذا عند قوله فيما تقدم فلا تزوج امرأة نفسها ولا بناتها، خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه، وقد قدمت الكلام عليه هناك (قوله: بلا ولي) أي ولا محكم أيضا كما هو ظاهر (قوله: كأن زوجت نفسها) أي بحضرة شاهدين عند ابن حجر، ومثله لو زوجت نفسها بلا حضرة شاهدين عند م ر (قوله: ولم يحكم حاكم بصحته) أي النكاح، فإن حكم بها وجب المسمى ولا تعزير. وقوله ولا ببطلانه: فإن حكم به فالوطئ زنا فيه الحد، لا المهر (قوله: لزمه) جواب لو. وقوله مهر المثل: أي مهر مثل بكر إن كانت بكرا وإن لم يجب أرش البكارة أخذا من قوله في الروض وشرحه في البيع الفاسد وحيث لا حد يجب المهر، فإن كان بكرا فمهر للتمتع بها، وقياسا على النكاح الفاسد وأرش البكارة لإتلافها، بخلافة في النكاح الفاسد لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه، وأرش البكارة مضمون في صحيح البيع دون صحيح النكاح الخ. اه. سم (قوله: لفساد النكاح) أي ولخبر: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، ثلاثا، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له رواه الترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصححه (قوله: ويعزر به معتقد تحريمه) أي لارتكابه محرما لا حد فيه ولا كفارة (قوله: ويسقط عنه الحد) أي لشبهة اختلاف العلماء (قوله: ويجوز لقاض الخ) مثله الولي الحاضر، ولكن لا يشترط فيه ما اشترط في القاضي إذا عرف لها زوجا معينا. (والحاصل) أنه لو ادعت المرأة أنها خلية عن النكاح والعدة ولم تعين الزوج قبل قولها وجاز للولي اعتماد قولها سواء كان خاصا أو عاما، بخلاف ما لو قالت كنت زوجة لفلان وعينته وقد طلقني أو مات فإنه لا يقبل قولها بالنسبة إلى الولي العام إلا بإثبات، بخلاف الخاص فإنه يقبل قولها بالنسبة إليه مطلقا. والقرق بينهما أن الأول نائب الغائبين ونحوهم فينوب عن المعين ويحتاج إلى الإثبات لئلا يفوت حقه، بخلاف الثاني (قوله: أو طلقني الخ) أي أو قالت طلقني زوجي واعتددت (قوله: ما لم يعرف) أي القاضي. وقوله لها: أي للمرأة المدعية ما ذكر. وقوله زوجا معينا: أي باسمه أو شخصه، كما سيصرح به فيما بعد (قوله: وإلا إلخ) مفهوم القيد. وقوله أي وإن عرف لها زوجا: أي بنفسه بدليل قوله

الحاكم لها دون الولي الخاص (إثبات لفراقه) بنحو طلاق أو موت - سواء أغاب أم حضر - وإنما فرقوا بين المعين وغيره - مع أن المدار والعلم يسبق الزوجية أو بعدمه حتى يعمل بالاصل في كل منهما - لان القاضي لما تعين الزوج عنده باسمه أو شخصه تأكد له الاحتياط والعمل بأصل بقاء الزوجية فاشترط الثبوت، ولانها لما ذكرت معينا باسم العلم كأنها ادعت عليه، بل صرحوا بأنها دعوى عليه فلا بد من إثبات ذلك - بخلاف ما إذا عرف مطلق الزوجية من غير تعيين بما ذكر فاكتفي بإخبارها بالخلو عن الموانع. لقول الاصحاب: إن العبرة في العقود بقول أربابها. وأما الولي الخاص فيزوجها إن صدقها وإن عرف زوجها الاول من غير إثبات طلاق ولا يمين، لكن يسن له - كقاض لم يعرف زوجها - طلبت إثبات ذلك، ولا فرق بين القاضي والولي حيث فصل بين ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد أو عينته (قوله: باسمه) متعلق بعرف: أي عرفه باسمه وإن لم يعرف شخصه. وقوله أو شخصه: أي ذاته وإن لم يعرف اسمه. وقوله أو عينته: أي باسم العلم: كأن قالت له إن فلانا كان زوجي وقد طلقني، أو باسم الإشارة: كأن قالت هذا زوجي وقد طلقني (قوله: شرط الخ) جواب إن المدغمة في لا. وقوله في صحة تزويج الحاكم: الأولى تزويجه، إذ المقام للإضمار (قوله: دون الولي الخاص) سيأتي محترزه (قوله: إثبات) أي ببينة. وقوله بنحو طلاق أو موت: الباء سببية متعلقة بفراق، أي فراقه بسبب طلاق أو موت ونحوهما كالفسخ (قوله: سواء الخ) تعميم في اشتراط إثبات الفرقة، أي يشترط إثباتها ببينة مطلقا سواء أغاب الزوج أم حضر (قوله: وإنما فرقوا بين المعين) أي حيث اشترط إثبات فراقه بالنسبة للحاكم. وقوله وغيره، أي وبين غير المعين حيث لم يشترط فيه ذلك مطلقا. وقوله مع أن المدار العلم بسبق الزوجية، أي علم الحاكم به. وقوله أو بعدمه، أي عدم العلم بسبق الزوجية. وقوله حتى يعمل بالأصل، أي فيعمل. فحتى تفريعية والفعل مرفوع، أي فحقهم إذا كان المدار على ما ذكر أن يعملوا بالأصل في كل ولا يفرقوا بين المعين وغيره. والأصل فيما إذا علم بسبق الزوجية بقاؤها حتى يثبت ما يرفعها سواء كان الزوج معينا أو لا، والأصل فيما إذا لم يعلم بسبق الزوجية وعدمها (قوله: لأن القاضي الخ) هذا وجه الفرق، فهو علة لفرقوا. وقوله تأكد له، أي للقاضي وهو جواب لما. وقوله الاحتياط، أي في تزويجها (قوله: والعمل الخ) أي وتأكد له العمل بالأصل وهو بقاء الزوجية (قوله: فاشترط) أي لصحة تزويج القاضي. وقوله الثبوت: أي الإثبات، أي إثباتها الفراق لمخالفته الأصل (قوله: ولأنها الخ) عطف على قوله لأن القاضي (قوله: باسم العلم) أي باسمه الذي هو علم عليه، فالعلم، بفتحتين، والإضافة للبيان (قوله: كأنها ادعت عليه) أي بأنه فارقها (قوله: بل صرحوا بأنها دعوى) أي حقيقة والإضراب انتقالي (قوله: فلا بد من إثبات ذلك) أي الفراق لأن على المدعي البينة (قوله: بخلاف ما إذا عرف مطلق الزوجية الخ) أي فلا يتأكد له الاحتياط، فلم يشترط الإثبات. وقوله من غير تعيين بما ذكر: أي بالاسم أو الشخص (قوله: فاكتفى) أي القاضي. وقوله بالخلو عن الموانع: متعلق بإخبارها (قوله: لقول الأصحاب أن الخ) هذه العلة تقتضي عدم اشتراط الإثبات في المعين أيضا بالنسبة للحاكم ولكنه لم يعمل بها فيه بالنسبة إليه للاحتياط ولأن تعيينها بمنزلة دعوى منها عليه، كما تقدم. وعبارة التحفة: وإلا اشترط في صحة تزويج الحاكم لها إثباتها لفراقه. هذا ما دل عليه كلام الشيخين، وهو المعتمد، وإن كان القياس ما قاله جمع من قبول قولها في المعين أيضا حتى عند القاضي لقول الأصحاب أن العبرة في العقود بقول أربابها. اه. بحذف. (وقوله: في العقود) أي إثباتا أو رفعا فلا يرد أن المدعي هنا الفراق وهو لا يسمى عقدا (قوله: وأما الولي الخاص) محترز قوله دون الولي الخاص. (وقوله: فيزوجها إن صدقها) أي في أنها خلية من النكاح والعدة أو أن زوجها طلقها واعتدت منه (قوله: وإن عرف زوجها الأول) غاية في صحة تزويج الولي لها (قوله: من غير إثبات الخ) متعلق بيزوجها (قوله: لكن يسن له) أي للولي الخاص. (وقوله: كقاض لم يعرف زوجها) أي كما أنه يسن لقاض الخ. وقوله طلب: نائب فاعل يسن. وقوله إثبات ذلك أي ما ادعته من أنها خلية من النكاح والعدة (قوله: وفرق بين القاضي والولي الخ) هذا عين قوله أولا وإنما فرقوا الخ إلا أنه هناك جعله بين المعين وغيره. وهنا بين القاضي والولي، ولكن الحيثية واحدة، فالأولى

المعين وغيره في ذلك دون هذا لان القاضي يجب عليه الاحتياط أكثر من الولي (و) يجوز (لمجبر) وهو الاب والجد - في البكر (توكيل) معين صح تزوجه في تزويج موليته بغير إذنها وإن لم يعين المجبر الزوج في توكيله (وعلى وكيل) إن لم يعين الولي الزوج (رعاية حظ) واحتياط في أمرها، فإن زوجها بغير كفء أو بكفء وقد خطبها أكفأ منه لم يصح التزويج لمخالفته الاحتياط الواجب عليه (و) يجوز التوكيل (لغيره) أي غير المجبر بأن ـــــــــــــــــــــــــــــ إسقاط هذا اكتفاء بذلك (قوله: حيث فصل بين المعين وغيره) أي فاشترط الإثبات في الأول دون الثاني. وقوله في ذلك: أي في القاضي. وقوله دون هذا: أي الولي (قوله: لأن القاضي الخ) علة الفرق. وقوله يجب عليه الاحتياط: في سم ما نصه: والفرق أنه إذا تعين الزوج فقد تعين صاحب الحق والقاضي له، بل عليه النظر في حقوق الغائبين ومراعاتها، بخلاف الولي الخاص. اه. (قوله: ويجوز لمجبر وهو الأب الخ) ظاهره وإن نهته عنه لأنه لما جاز له تزويجها بغير إذنها لم يؤثر نهيها. اه. سم (قوله: توكيل معين) خرج المبهم كأن يقول وكلت أحدكما فلا يصح توكيله. وقوله صح تزوجه الجملة صفة لمعين: أي معين موصوف بكونه يصح أن يتزوج هو بنفسه. وقيد به لما تقدم في باب الوكالة من أن شرط الوكيل صحة مباشرته ما وكل فيه. وخرج به نحو الصبي والمجنون فلا يصح توكيلهما في النكاح لعدم صحة المباشرة منهما لأنفسهما (قوله: في تزويج موليته) متعلق بتوكيل: أي توكيله في تزويج موليته (قوله: بغير إذنها) أي كما يزوجها بغير إذنها. نعم: يسن للوكيل استئذانها ويكفي سكوتها، تحفة. وقال سم: ولو وكل بغير إذنها ثم صارت ثيبا قبل العقد فيتجه بطلان التوكيل وامتناع تزويج الوكيل لخروج الولي عن أهلية التوكيل بغير إذنها، ويحتمل خلافه. فليراجع. اه. وقوله بغير إذنها: أما لو وكل بإذنها فيستصحب ولا يبطل التوكيل (قوله: وإن لم يعين المجبر الزوج) أي يجوز توكيل المجبر في التزويج وإن لم يعين للوكيل الزوج: كأن قال له وكلتك في تزويج بنتي، وذلك لأن وفور شفقته تدعوه إلى أن لا يوكل إلا من يثق بنظره واختباره، ولا ينافيه اشتراط تعيين الزوجة لمن وكله أن يتزوج له لأنه لا ضابط له فيها يرجع إليه بخلافه في الزوج فإنه يتقيد بالكفء (قوله: وعلى وكيل) أي ويجب على وكيل. (وقوله: إن لم يعين الولي الزوج) أي للوكيل فإن عينه له اتبع ما عين له، ولا يجب عليه رعاية حظ واحتياط في أمرها. ومفاده أنه إذا عين له غير كفء تعين وصح تزويجها عليه، وهو مسلم إن كان برضاها، وإلا فلا: لأنه لا يصح منه أن يزوجها بنفسه عليه فضلا عن التوكيل فيه (وقوله: رعاية حظ) أي لها فلا يزوج بمهر المثل، وثم من يبذل أكثر منه: أي يحرم عليه ذلك وإن صح العقد كما هو ظاهر بخلاف البيع لأنه يتأثر بفساد المسمى، ولا كذلك النكاح. اه. (قوله: فإن زوجها بغير كفء) هذا لا يترتب على رعاية الأحظ والاحتياط لأن التزويج على كفء شرط للصحة لا للكمال حتى أنه يقال إذا لم يزوج على كفء لم يراع الأحظ والأكمل. نعم: إن أريد بالاحتياط مطلق أمر مطلوب، سواء كان شرط صحة أو كمال، صح ترتبه عليه (قوله: أو بكفء وقد خطبها أكفأ منه) يعني لو خطبها أكفاء متفاوتون في الكفاءة لم يجز تزويجها بغير الأكفاء لأن تصرف الوكيل بالمصلحة وهي منحصرة فيه، وإنما لم يلزم الولي ذلك لأن نظره أوسع من نظر الوكيل ففوض الأمر إلى ما يراه أصلح وفي التحفة: ولو استويا كفاءة وأحدهما متوسط والآخر موسر تعين الثاني، كما قال بعضهم، ومحله إن سلم ما لم يكن الأول أصلح لحمق الثاني أو شدة بخله: اه. (قوله: لم يصح التزويج) أي على غير الكفء في الصورة الأولى، وغير الأكفأ في الصورة الثانية. قال ع ش: وقضيته عدم الصحة وإن كان غير الأكفأ أصلح من حسن اليسار وحسن الخلق ونحوهما، ولو قيل بالصحة لم يكن بعيدا. اه. (قوله: ويجوز التوكيل لغيره) دخل في الغير القاضي، فله التوكيل: قاله سم: ثم قال: وبه يتضح ما أجبت به في حادثة بزبيد، وهي أن قاضي بلدة صغيرة عارف بلغة العرب وبالعلوم الشرعية ولاه من له ذلك شرعا، ولم يأذن له في الاستخلاف وجاءه امرأة ورجل غريبان وأذنت له المرأة أن يزوجها بهذا الرجل ولم يكن لها ولي خاص في البلدة ولا في أعمالها، فهل للقاضي أن يفوض أمر العقد إلى غيره أم ليس له ذلك؟ وإذا قلتم بأنه يفوض: هل يكون من قبيل الاستخلاف؟ وإذا قلتم لا: فهل هو من قبيل التوكيل؟

لم يكن أبا ولا جدا في البكر أن كانت موليته ثيبا فليوكل (بعد إذن) حصل منها (له فيه) أي التزويج إن لم تنهه عن التوكيل. وإذا عينت للولي رجلا فليعينه للوكيل وإلا لم يصح تزيجه. ولو لمن عينته لان الاذن المطلق مع أن المطلوب معين فاسد. وخرج بقولي بعد إذنها للولي في التزويج ما لو وكله قبل إذنها له فيه فلا يصح التوكيل ولا النكاح. نعم: لو وكل قبل أن يعلم إذنها له ظانا جواز التوكيل قبل الاذن فزوجها الوكيل صح إن تبين أنها كانت أذنت قبل التوكيل لان العبرة في العقود بما في نفس الامر لا بما في ظن المكلف وإلا فلا. ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأجبت) بأن العقد صحيح، وإن ذلك من قبيل التوكيل أخذا من هذا الكلام، وعبارة الروض: ولغير المجبر التوكيل بعد الإذن له في النكاح. اه. ثم بلغني أن الزبيديين والمصريين أجابوا بعدم الصحة، إذ ليس له الاستخلاف. ثم بلغني أن علامتهم الشمس الرملي رجع إلى الجواب بالصحة عند قدومه مكة للحج، ونقل لي صورة جوابه وهو ما نصه: نعم العقد المذكور صحيح حيث كان الزوج كفؤا، إذ للولي سواء كان خاصا أم عاما التوكيل حيث لم تنهه عن ذلك. اه. (قوله: بأن لم يكن إلخ) تصوير لغير المجبر. (وقوله: أو كانت موليته ثيبا) أي أو كان أبا أو جدا وكانت موليته ثيبا (قوله: فليوكل) دخول على المتن، والأولى إسقاطه لقرب العهد بمتعلقه. وقوله بعد إذن حصل منها له فيه الضمير الأول الذي في الفعل يعود على الإذن، والثاني المجرور بمن يعود على المرأة المولية والثالث يعود على غير المجبر، والرابع يعود على التزويج، كما فسره به الشارح، ويصح توكيله بعد الإذن المذكور وإن لم تأذن له في التوكيل ولم تعين زوجا قال في التحفة: لأنه بالإذن صار وليا شرعا، أي متصرفا بالولاية الشرعية، فملك التوكيل عنه، وبه فارق كون الوكيل لا يوكل إلا لحاجة. اه. وقال سم: وهذا تصريح بأن الولي ولو غير مجبر ومنه القاضي يوكل وإن لاقت به المباشرة ولم يعجز عنها. اه. (قوله: إن لم تنهه) أي غير المجبرة. وهو قيد لصحة توكيله: أي يصح ما لم تنهه عنه، فإن نهته عنه لم يصح التوكيل، وذلك لأنها إنما تزوج بالإذن ولم تأذن في تزويج الوكيل به نهته عنه. وعبارة المنهاج: وغير المجبر إن قالت له وكل وكل، وإن نهته عن التوكيل فلا، وإن قالت له زوجني وأطلقت فلم تأمره بتوكيل ولا نهته عنه فله التوكيل في الأصح. اه. بزيادة (قوله: وإذا عينت) أي بالاسم أو الشخص (قوله: فليعينه) أي الولي الرجل: أي فليعين الولي الرجل للوكيل (قوله: وإلا) أي بأن لم يعين أصلا: بأن أطلق أو عين غير ما عينته. وقوله لم يصح تزويجه: أي الوكيل (قوله: ولو لمن عينته) غاية لعدم الصحة: أي لم يصح وإن كان زوجها الوكيل على الذي عينته (قوله: لأن الإذن الخ) علة لعدم صحة تزويج الوكيل الذي لم يعين له الولي الرجل الذي عينته: أي وإنما لم يصح حينئذ لأن إذن الولي للوكيل المطلق عن تعيين من عينته فاسد. وإذا فسد ما ترتب عليه وهو التزويج: وقوله مع أن المطلوب: أي مطلوبها معين. وقوله فاسد: خبر أن الأولى (قوله: وخرج بقولي بعد إذنها للولي في التزويج) حكاه بالمعنى وإلا فهو لم يقل هناك ما ذكر، وإنما قال بعد أذن له فيه (قوله: ما لو وكله) ما فاعل خرج، وهي واقعة على من يعقل، وهو الوكيل، وهذا خلاف الغالب ولو زائدة، وفاعل وكل ضمير يعود على الولي والبارز يعود على ما هو العائد والتقدير. وخرج بما ذكر الوكيل الذي وكله الولي الخ. ويحتمل أن تكون ما مصدرية ولو زائدة، وعليه فالضمير البارز لا يعود على ما، لأنها حينئذ حرف مصدري، وإنما يعود على الوكيل المعلوم والتقدير: وخرج بما ذكر توكيل الولي إياه الخ (قوله: قبل إذنها) أي غير المجبرة. وقوله له: أي للولي. وقوله فيه: أي التزويج (قوله: فلا يصح التوكيل) أي لأنه لا يملك التزويج بنفسه قبل الإذن فكيف يوكل غيره فيه؟ ومحله في غير الحاكم، أما هو فيصح توكيله قبل استئذانها، كما سيأتي، وقوله ولا النكاح: عطف لازم على ملزوم، إذ يلزم من عدم صحة التوكيل عدم صحة النكاح (قوله: نعم. لو وكل الخ) استدراك على عدم صحة التوكيل والنكاح فيما لو وكله الولي قبل إذنها له: أي لا يصحان إلا إن تبين أنها أذنت له قبل التوكيل فإنهما يصحان حينئذ. (وقوله: قبل أن يعلم) أي الولي. (وقوله: إذنها له) أي في التزويج. وقوله ظانا حال من فاعل يعلم أو وكل. (وقوله: فزوجها الوكيل) أي بالإذن المذكور. (وقوله: صح) أي تزويج الوكيل. (وقوله: إن تبين) أي بعد التزويج. (وقوله: أنها كانت أذنت) أي للولي في التزويج. (وقوله: لأن العبرة الخ) علة للصحة. (وقوله: وإلا فلا) أي وإن لم

(فروع) لو زوج القاضي امرأة قبل ثبوت توكيله بل بخبر عدل نفذ وصح، لكنه غير جائز لانه تعاطى عقدا فاسدا في الظاهر - كما قاله بعض أصحابنا - ولو بلغت الولي امرأة إذن موليته فيه فصدقها ووكل القاضي فزوجها صح التوكيل والتزويج. ولو قالت امرأة لوليها أذنت لك في تزويجي لمن أراد تزويجي الآن وبعد طلاقي وانقضاء عدتي صح تزويجه بهذا الاذن ثانيا، فلو وكل الولي أجنبيا بهذه الصفة صح تزويجه ثانيا أيضا لانه وإن لم يملكه حال الاذن لكنه تابع لما ملكه حال الاذن - كما أفتى به الطيب الناشري، وأقره بعض أصحابنا. ولو أمر القاضي ـــــــــــــــــــــــــــــ يتبين ذلك فلا يصح النكاح (قوله: فروع) أي أربعة (قوله: لو زوج القاضي امرأة) أي ليس لها ولي غيره (قوله: قبل ثبوت توكيله) أي قبل ثبوت توكيلها إياه، فالإضافة من إضافة المصدر للمفعول بعد حذف الفاعل. وثبوت ما ذكر يكون بشاهدين. (وقوله: بل بخبر عدل) أي بل زوجها بأخبار عدل بأنها وكلته وخبر الواحد لا يثبت له التوكيل (قوله: نفذ وصح) فاعل الفعلين يعود على التزويج، ويحتمل أن يكون فاعل نفذ يعود على الإذن المعلوم من السياق، وفاعل صح يعود على التزويج، وهو الأولى، (قوله: لكنه) أي تزويجه بخبر عدل غير جائز. أي حرام (قوله: لأنه تعاطى عقدا فاسدا إلخ) علة لعدم الجواز: أي وإنما لم يجز تزويجه المذكور بمعنى أنه يحرم عليه لأنه تعاطى عقدا فاسدا بحسب الظاهر. إذ هو مبني على إخبار الواحد له بالوكالة، وهو لا يثبت به التوكيل، كما تقدم، ومقتضى العلة المذكورة أنه لا ينفذ ولا يصح، فحينئذ ينافي قوله المار نفذ وصح إلا أن يقال أن المراد بالنفوذ والصحة في الباطن بدليل التقييد في العلة بقوله في الظاهر، فلا تنافي (قوله: ولو بلغت الولي امرأة إذن موليته) الولي مفعول أول وإذن مفعول ثان وامرأة فاعل. وقوله فيه: أي في التزويج (قوله: فصدقها) أي الولي (قوله: ووكل) أي الولي القاضي وقوله فزوجها: أي القاضي (قوله: صح التوكيل والتزويج) أي لما تقدم أن الاشهاد على الإذن غير شرط. فيقبل. خبر الصبي. والمرأة فيه، وإذا صح الإذن بذلك صح التوكيل والتزويج (قوله: ولو قالت امرأة) أي رشيدة خلية من النكاح ومن العدة (قوله: الآن) متعلق بتزويجي. وقوله وبعد طلاقي: معطوف على الآن: أي أذنت لك في تزويجي الآن وفي تزويجي إذا طلقني هذا الزوج وانقضت عدتي منه: فالمأذون فيه شيئان: التزويج الآن، والتزويج بعد طلاقها وانقضاء عدتها (قوله: صح تزويجه) أي إياها، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله والمفعول محذوف. وقوله بهذا الإذن: أي الواقع الآن. وقوله ثانيا: أي بعد تزويجها أولا وطلاقها وانقضاء عدتها تبعا لتزويجه الواقع أولا. وتقدم في باب الوكالة اضطراب في ذلك، وأن الذي رجحه في الروضة في النكاح الصحة (قوله: فلو وكل الولي أجنبيا بهذه الصفة) أي بهذه الحالة بأن قال له وكلتك الآن في تزويج موليتي لمن أراد أن يتزوجها وبعد طلاقها وانقضاء عدتها. وقوله صح تزويجه أي الوكيل. وقوله ثانيا: أي بعد تزويجها أولا وطلاقها وانقضاء عدتها. وقوله أيضا: كما صح تزويج الولي ثانيا (قوله: لأنه الخ) علة لصحة تزويج الولي والوكيل ثانيا، والضمير يعود على من ذكر منهما وإن كان صنيعه يفيد أنه علة للصحة في الثاني. وقوله وإن لم يملكه. أي التزويج ثانيا. وقوله حال الإذن أي وقت إذنها له في التزويج. وقوله لكنه: أي التزويج ثانيا تابع لما ملكه وهو التزويج أولا، فلذلك صح لأنه رب شئ يصح تبعا، ولا يصح استقلالا. ومفاد ما ذكر أنها لو أذنت لوليها أن يزوجها إذا طلقت وانقضت عدتها أو وكل الولي من يزوج موليته إذا طلقت وانقضت عدتها لم يصح التزويج في الصورتين. لأنه لم يقع تبعا لغيره وهو مسلم في الثانية دون الأولى، كما في النهاية، ونصها: ويصح إذنها لوليها أن يزوجها إذا طلقها زوجها وانقضت عدتها لا توكيل الولي لمن يزوج موليته كذلك لأن تزويج الولي بالولاية الشرعية وتزويج الوكيل بالولاية الجعلية، وظاهر أن الأولى أقوى من الثانية فيكتفي فيها بما لا يكتفي في الجعلية، ولأن باب الإذن أوسع من باب الوكالة. اه. ومثله في التحفة. وقوله بالولاية الشرعية: أي المستفادة من جهة الشرع بعد إذنها له (قوله: ولو أمر القاضي) أما غيره فلا يصح منه ذلك مطلقا. وقوله قبل استئذانها: أي إذنها وقوله فيه: أي في التزويج. وقوله فزوجها: أي ذلك الرجل بعد أمر القاضي.

رجلا بتزويج من لا ولي لها قبل استئذانها فيه فزوجها بإذنها جاز بناء على الاصح إن استنابته في شغل معين استخلاف لا توكيل. (فرع) لو استخلف القاضي فقيها في تزويج امرأة لم يكف استخلاف لا توكيل الكتاب فقط بل يشترط اللفظ عليه منه، وليس للمكتوب إليه الاعتماد على الخط. هذا ما في أصل الروضة. وتضعيف البلقيني له مردود بتصريحهم بأن الكتابة وحدها لا تفيد في الاستخلاف، بل لا بد من إشهاد شاهدين على ذلك: قاله شيخنا في شرحه الكبير. (و) يجوز (لزوج توكيل في قبوله) أي النكاح فيقول وكيل الولي للزوج زوجتك فلانة بنت فلان ابن فلان ثم يقول موكلي أو وكالة عنه إن جهل الزوج أو الشاهدان وكالته وإلا لم يشترط ذلك وإن حصل العلم بأخبار الوكيل. ويقول الولي ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله بإذنها: أي للرجل المأمور بالتزويج. وقوله جاز: أي صح التزويج منه (قوله: بناء على الأصح الخ) أما إن بنينا على خلاف الأصح من أن استنابته في شغل معين توكيل لا استخلاف فلا يصح تزويجه لعدم صحة تقدم التوكيل على الإذن منها. (وقوله: أن استنابته) أي القاضي. (وقوله: في شغل معين) أي كتحليف وسماع شهادة. (وقوله: استخلاف) أي يجري مجرى الاستخلاف، كما في شرح الروض، (قوله: لو استخلف القاضي) أي الذي ليس هناك ولي غيره (قوله: لم يكف الكتاب) أي كتاب القاضي بالاستخلاف. وقوله فقط: أي من غير لفظ (قوله: بل يشترط اللفظ) أي التلفظ بالاستخلاف. (وقوله: عليه) أي على الكتاب، أي زيادة عليه، وقوله منه: متعلق باللفظ، والضمير يعود على القاضي (قوله: وليس للمكتوب إليه) أي من كتب له القاضي بأن يزوج فلانة. (وقوله: الاعتماد على الخط) أي خط القاضي وحده (قوله: هذا) أي ما ذكر من أنه ليس للمكتوب إليه الاعتماد على الخط (قوله: وتضعيف البلقيني له) أي لما في أصل الروضة (قوله: مردود) خبر تضعيف. وقوله بتصريحهم. أي الفقهاء. وقوله بأن الكتابة وحدها. أي من غير إشهاد بما تضمنته الكتابة بدليل ما بعده (قوله: لا تفيد) أي لا تكفي وحدها (قوله: بل لا بد من إشهاد شاهدين على ذلك) أي على الاستخلاف الذي تضمنه الكتاب. ثم إن هذا يفيد أن التلفظ بالاستخلاف مع الكتابة فقط لا يكفي، بل لا بد من الشهود على ذلك، وما تقدم يفيد الاكتفاء به. فانظره (قوله: ويجوز لزوج توكيل في قبوله) أي كما يجوز للولي أن يوكل في تزويج موليته، ويجوز أيضا لهما معا أن يوكلا في ذلك فيقول وكيل الولي زوجت بنت فلان بن فلان، ويقول وكيل الزوج قبلت نكاحها له (قوله: فيقول وكيل الخ) شروع في بيان لفظ الوكيل ولفظ الولي مع وكيل الزوج. (وقوله: زوجتك فلانة بنت فلان بن فلان) أي ويرفع نسبه إلى أن يحصل التمييز، ويكفي الاقتصار على فلانة أو بنت فلان إن حصل التمييز به (قوله: ثم يقول) أي وكيل الولي وجوبا بعد قوله ابن فلان. (وقوله: أو وكالة عنه) أو للتخيير: أي هو مخير بين أن يقول موكلي أو يقول وكالة عنه. وقوله إن جهل إلخ: قيد في اشتراط أن يقول الوكيل أحد اللفظين المذكورين (قوله: وإلا) أي وإن لم يجهلوها بأن علموها. وقوله لم يشترط ذلك: أي قوله موكلي أو وكالة عنه، ومثله يقال فيما يأتي في وكيل الزوج، فلا بد من التصريح بالوكالة: بأن يقول قبلت نكاحها لفلان موكلي أو وكالة عنه إن جهلها الولي أو الشهود، وإلا فلا يشترط ذلك. ثم أن الاشتراط المذكور إنما هو لجواز المباشرة، لا لصحة العقد، فيصح مع الجهل الوكالة، لكن مع الحرمة. وعبارة التحفة. (تنبيه) ظاهر كلامهم أن التصريح بالوكالة فيما ذكر شرط لصحة العقد وفيه نظر واضح: لقولهم العبرة في العقود حتى في النكاح بما في نفس الأمر، فالذي يتجه أنه شرط لحل التصرف لا غير. اه. (قوله: وان حصل العلم الخ) أي لا يشترط التصريح بالوكالة إذا علموا بها وإن حصل علمهم لذلك بأخبار الوكيل بالوكالة بأن أخبرهم من قبل العقد بأنه وكيل الولي في التزويج (قوله: ويقول الولي الخ) كان الأولى للمؤلف أن يذكر هذا عقب المتن بأن يقول فيقول الولي الخ لأنه هو المرتب عليه، وأما قوله أو لا فيقول وكيل الولي الخ فليس مفرعا على المتن. نعم: هو مفرع على قوله سابقا ويجوز لمجبر توكيل في تزويج موليته فكان الأولى تقديمه عنده. وقوله لوكيل الزوج: مثل وكيله وليه. وقوله فلان بن

لوكيل الزوج زوجت بنتي لفلان بن فلان، فيقول وكيله كما يقول ولي الصبي حين يقبل النكاح له قبلت نكاحها له. فإن ترك لفظة له فيهما لم يصح النكاح وإن نوى الموكل أو الطفل كما لو قال زوجتك بدل فلان لعدم التوافق، فإن ترك لفظة له في هذه انعقد للوكيل وإن نوى موكله. (فروع) من قال أنا وكيل في تزويج فلانة فلمن صدقه قبول النكاح منه ويجوز لمن أخبره عدل بطلاق فلان أو موته أو توكيله أن يعمل به بالنسبة لما يتعلق بنفسه وكذا خطه الموثوق به، وأما بالنسبة لحق الغير أو لما ـــــــــــــــــــــــــــــ فلان: أي وهو الزوج، فلو تركه وأتى بكاف الخطاب بدله، بأن قال زوجتك بنتي، لم يصح: كما سيصرح به (قوله: فيقول وكيله) أي الزوج ومقتضى التعبير بفاء التعقيب أنه لا يجوز تقديم القبول على الإيجاب، وليس كذلك: بل يجوز تقديم القبول عليه: بأن يقول وكيل الزوج قبلت نكاح فلانة بنتك لفلان، ويقول الولي زوجتها له (قوله: كما يقول ولي الصبي) أي يقول قولا نظير قول ولي الصبي إذا أراد قبول النكاح للصبي (قوله: قبلت نكاحها له) الجملة تنازعها يقول الأولى ويقول الثانية فتجعل مقولة لأحدهما ويحذف نظيرها من الآخر. والمراد بالنكاح الإنكاح وهو التزويج لأنه هو الذي يقبله الزوج، وليس المراد به المراكب من الإيجاب والقبول: إذ يستحيل قبوله، كما تقدم (قوله: فإن ترك) هو بالبناء للمعلوم، والضمير يعود على المذكور من الوكيل والولي. ويصح بناؤه للمجهول وما بعده نائب فاعله. وقوله فيهما: أي في الصورتين صورة قبول وكيل الزوج وصورة قبول ولي الصبي (قوله: لم يصح النكاح) جواب إن، وذلك لعدم التوافق بين الإيجاب والقبول (قوله: وإن نوي) بالبناء للمجهول وما بعده نائب فاعل، ويصح أن يكون بالبناء للمعلوم أيضا، كالذي قبله، والكلام هنا على التوزيع: أي وإن نوى الوكيل الموكل في الصورة الأولى أو الولي الطفل في الصورة الثانية (قوله: كما لو قال إلخ) أي كما لا يصح النكاح لو قال الولي لوكيل الزوج أو وليه زوجتك بنتي، بكاف الخطاب، وقوله بدل فلان: حال من مقدر، والتقدير زوجتك، بكاف الخطاب، حال كونها بدل فلان: أي الاسم الظاهر (قوله: لعدم التوافق) علة لعدم صحة النكاح فيما لو تركت لفظة له، وعدم صحته فيما لو أبدل الاسم الظاهر بكاف الخطاب: أي وإنما لم يصح النكاح فيما إذا تركت لفظة له وفيما إذا أتى بكاف الخطاب بدل الاسم الظاهر لعدم التوافق بين الإيجاب والقبول الذي هو شرط في صحته، وذلك لأن الإيجاب الصادر من الولي زوجت بنتي فلان ابن فلان والقبول الصادر من وكيل الزوج أو ولي الصبي قبلت نكاحها بإسناد النكاح إلى نفسه فلم يتوافقا، وكذلك فيما إذا قال الولي لوكيل الزوج أو وليه زوجتك بنتي، أو قال الوكيل أو الولي قبلت نكاحها له فإنهما لم يتوافقا (قوله: فإن ترك لفظة له) بالبناء للمجهول أو للمعلوم والفاعل وكيل الزوج أو وليه: أي ترك وكيل الزوج أو وليه لفظة له في القبول عنه بأن قال قبلت نكاحها فقط. وقوله في هذه: أي فيما إذا قال الولي له زوجتك بكاف الخطاب، بدل الاسم الظاهر. وانظر ما متعلق الجر والمجرور؟ فإنه لا يصح جعله لفظ ترك لأنه يصير المعنى فإن ترك لفظة له في هذه وهي زوجتك بنتي لأنه لم يترك شيئا منها. ثم ظهر أن في الكلام اختصارا، والأصل فإن ترك لفظة له في القبول المقابل لهذه الحالة (قوله: انعقد) أي النكاح وهو جواب إن. وقوله وإن نوى موكله: غاية لانعقاد النكاح للوكيل: أي ينعقد النكاح له وإن نوى الوكيل بقوله قبلت نكاحها جعل النكاح واقعا للموكل. وإنما لم ينعقد للموكل إذا نواه لأن الشهود لا مطلع لهم على النية. وفي المغني ما نصه: ولا يقع العقد للموكل بالنية، بخلاف البيع: لأن الزوجين هنا بمثابة الثمن والمثمن في البيع. فلا بد من ذكرهما، ولأن البيع يرد على المال وهو يقبل النقل من شخص لآخر فيجوز أن يقع للوكيل ثم ينتقل للموكل والنكاح يرد على البضع وهو لا يقبل النقل، ولأن إنكار الموكل في نكاحه للوكالة يبطل النكاح بالكلية. بخلاف البيع لوقوعه للوكيل. اه. (قوله: فروع) لم يذكر إلا فرعين فكان الأولى أن يقول فرعان (قوله: من قال أنا وكيل في تزويج فلانة) أي والموكل له الولي خاصا أو عاما (قوله: فلمن الخ) الفاء واقعة في جواب الشرط، والجار والمجرور خبر مقدم، وقبول النكاح مبتدأ مؤخر. وقوله صدقه: الضمير البارز يعود على من قال أنا وكيل. ومثله ضمير منه (قوله: ويجوز لمن أخبره عدل) صنيعه يفيد أن من واقعة على غير الحاكم لأنه ذكر حكم الحاكم بقوله، أو لما يتعلق بالحاكم (قوله: بطلاق فلان) أي لزوجته. وقوله أو موته: أي أو

يتعلق بالحاكم فلا يجوز اعتماد عدل ولا خط قاض من كل ما ليس بحجة شرعية (فرع: يزوج عتيقة امرأة حية) عدم ولي عتيقتها نسبا (وليها) أي المعتقة تبعا لولايته عليها فيزوجها أبو المعتقة ثم جدها بترتيب الاولياء ولا يزوجها ابن المعتقة ما دامت حية (بإذن عتيقة) ولو لم ترض المعتقة: إذ لا ولاية لها، فإذا ماتت المعتقة، زوجها ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبره بموت فلان. وقوله أو توكيله: الإضافة من إضافة المصدر لفاعله، أي أو أخبره عدل بتوكيل فلان إياك مثلا (قوله: أن يعمل به) أي بخبر العدل. وقوله بالنسبة لما يتعلق بنفسه: أي بالنسبة للأمر الذي يتعلق بنفس المخبر، بفتح الباء، كأن علق عتق عبده أو طلاق زوجته مثلا على طلاق فلان زوجته أو على موته مثلا، فإذا صدق العدل في خبره عتق عليه عبده وطلقت عليه زوجته (قوله: وكذا خطه) أي وكذا يجوز له أن يعمل بخط العدل بالنسبة لما يتعلق بنفسه، وهذا لا ينافي ما تقدم من أنه لا يجوز للمكتوب إليه الاعتماد على الخط لأن ذلك فيما يتعلق بغيره، بخلاف ما هنا (قوله: وأما بالنسبة لحق الغير) أي للحق الذي يتعلق بالغير وقوله أو لما يتعلق بالحاكم: أي أو بالنسبة للأمر الذي يتعلق بالحاكم والأمر الذي يتعلق به هو الحكم على الغير، والأولى والأخصر حذفه وجعل من، في قوله لمن أخبره، واقعة على الحاكم وغيره، وذلك لأن التفصيل الجاري في غير الحاكم من كونه له العمل بخبر العدل بالنسبة لنفسه لا بالنسبة للغير يجري أيضا في الحاكم وقوله فلا يجوز اعتماد عدل: إظهار في مقام الإضمار، والإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله: أي فلا يجوز أن يعتمد كل من المخبر، بالفتح، ومن الحاكم على مقتضى صنيعه خبر العدل في ذلك: كما إذا أخبر عدل الولي أن فلانا طلق موليتك أو مات عنها فلا يجوز له أن يزوجها بذلك الخبر، أو كان إنسان وصيا على تبرعات فأخبره أن موصيه قد مات فلا يجوز له أن يعتمد ذلك ويقسم تلك التبرعات لأن ما ذكر حق يتعلق بالغير، لا به نفسه، ومثله في ذلك الحاكم فلو أخبره عدل بأن فلانا طلق زوجته أو مات فلا يجوز له أن يعمل بمقتضى ذلك، كأن يقسم التركة أو يزوجه إذا أذنت له فيه. وقوله ولا خط قاض، ولو قال ولا خطه، أي العدل، بالضمير: قاضيا كان أو غيره، لكان أولى. وقوله من كل ما ليس بحجة شرعية، بيان للعدل والخط، والحجة الشرعيه هنا رجلان (قوله: فرع) الأولى فروع، بصيغة الجمع، وهي في بيان تزويج العتيقة والأمة (قوله: يزوج عتيقة امرأة الخ) تقرأ عتيقة بالنصب على أنه مفعول مقدم وقوله وليها، فاعل مؤخر. وقوله امرأة: قيد خرج به عتيقة الرجل، فهو الذي يزوجها ثم عصبته، كما تقدم بيانه. وقوله حية: صفة لامرأة، وهو قيد أيضا خرج به ما إذا كانت ميتة فإن الذي يزوج عتيقتها ابنها، كما سيصرح به، وقوله عدم ولي عتيقتها نسبا: أي فقد حسا أو شرعا ولي العتيقة من جهة النسب، وهو قيد أيضا خرج به ما إذا لم يفقد فإن الذي يزوجها الأقرب. فالأقرب من الأولياء على ما تقدم من الترتيب، فلا يزوجها أولياء المعتقة إلا بعد فقد أولياء النسب. (والحاصل) أن الذي يزوج العتيقة عند فقد أوليائها نسبا هو ولي المعتقة، ويستثنى من طرد ذلك ما لو كانت المعتقة ووليها كافرين والعتيقة مسلمة فإن الذي يزوجها حينئذ الحاكم، ومن عكسه ما لو كانت المعتقة مسلمة ووليها والعتيقة كافرين فيزوج الولي العتيقة، وإن كان لا يزوج المعتقة (قوله: تبعا لولايته عليها) أي أن ولي المعتقة يزوج العتيقة بطريق التبعية لولايته على نفس المعتقة. وعبارة شرح التحرير: لأنه لما انتفت ولاية المرأة للنكاح استتبعت الولاية عليها الولاية على عتيقتها. اه. (قوله: فيزوجها) أي العتيقة وهو بيان للولي. وقوله ثم جدها، أي المعتقة. والمراد به أبو أبيها وإن علا، ولو عبر به، كما تقدم، لكان أولى. لأن الجد شامل لما كان من جهة الأم مع أنه لا ولاية له (قوله: بترتيب الأولياء) الباء بمعنى على متعلقة بمحذوف: أي ثم تجري من بعد الأب والجد على ترتيب الأولياء في الإرث، فيقدم أخ شقيق على أخ الأب وهكذا الخ ما تقدم (قوله: ولا يزوجها ابن المعتقة ما دامت حية) أي لأنه لا يكون وليا للمعتقة لما تقدم أنه لا يزوج ابن ببنوة فلا يكون وليا لعتيقتها (قوله: بإذن عتيقة) متعلق بقوله يزوج: أي يزوجها بإذنها، ويكفي سكوتها إن كانت بكرا (قوله: ولو لم ترض المعتقة) غاية في التزويج بإذنها: أي يزوج العتيقة بإذنها سواء رضيت المعتقة أم لا. وذلك لأن رضاها غير معتبر لأنه لا ولاية لها ولا إجبار، فلا فائدة له. وقيل يعتبر رضاها لأن الولاء لها

ابنها (و) يزوج (أمة) امرأة (بالغة) رشيدة (وليها) أي ولي السيدة (بإذنها وحدها) لانها المالكة لها، فلا يعتبر إذن الامة لان لسيدتها إجبارها على النكاح. ويشترط أن يكون إذن السيدة نطقا وإن كانت بكرا (و) يزوج (أمة صغيرة بكر أو صغير أب) فأبوه (لغبطة) وجدت كتحصيل مهر أو نفقة (لا يزوج عبدهما) لانقطاع كسبه عنهما - خلافا لمالك - إن ظهرت مصلحة ولا أمة ثيب صغيرة لانه لا يلي نكاح مالكتها. ولا يجوز للقاضي أن يزوج أمة الغائب ـــــــــــــــــــــــــــــ والعصبة إنما يزوجون بإدلائهم بها، فلا أقل من مراجعتها (قوله: فإذا ماتت المعتقة زوجها ابنها) أي ثم أبوها على ترتيب عصبات الولاء، ولو قال ولو ماتت المعتقة زوج عتيقتها من له الولاء عليها لكان أولى، لشموله لجميع ذلك قوله ويزوج أمة لما بين حكم تزويج العتيقة شرع في بيان حكم تزويج الأمة غير العتيقة. وقوله امرأة: قيد خرج به أمة الرجل فإنه هو الذي يزوجها. وقوله بالغة رشيدة: نعتان لامرأة. ولو اقتصر على الثانية لكان أولى لإغنائها عن الأولى وذكر محترز الأولى بقوله ويزوج أمة صغيرة ولم يذكر محترز الثانية وهو المجنونة والمحجور عليها بسفه فيزوج أمتهما ولي مال ونكاح لهما من أب وإن علا وسلطان، لكن تزوج أمة السفيهة إلا بإذنها كأمة السفيه، إذ لا فرق، كما يستفاد من عبارة شرح المنهج، ونصها مع الأصل: ولولي نكاح ومال من أب وإن علا وسلطان تزويج أمة موليه من ذي صغر وجنوه وسفه ولو أنثى بإذن ذي السفه اكتسابا للمهر والنفقة. بخلاف عبده أي المولي لما فيه من انقطاع اكتسابه عنه. اه. وخرج بقوله ولي نكاح الأمة المملوكة لصغيرة عاقلة ثيب فلا تزوج أصلا لأنها تابعة لسيدتها وهي لا تزوج أصلا: إذ لا يلي نكاحها أحد حينئذ. كما تقدم، وكما قال ابن رسلان: وثيب زواجها تعذرا وخرج به أيضا الأمة المملوكة لصغير وصغيرة بكر فيزوجها ما عدا السلطان من الأب والجد، وأما السلطان فلا يزوجها لأنه لا يلي نكاحهما حينئذ فلا يلي نكاح أمتهما، بخلاف الأب والجد فإنهما يليان نكاحهما فيليان نكاح أمتهما تبعا. وسيصرح المؤلف ببعض ما ذكر (قوله: وليها) أي مطلقا، أصلا كان أو غيره، وهو فاعل يزوج (قوله: بإذنها) أي السيدة. وقوله وحدها: حال من المضاف إليه: أي حالة كونها متوحدة في الإذن، أي منفردة به فلا يعتبر إذن الولي ولا إذن الأمة، كما سيصرح بهذا، وليس للأب إجبار أمتها على النكاح وإن كان له إجبار سيدتها عليه (قوله: لأنها) أي السيدة، وهو علة لكون التزويج يكون بإذنها وحدها. وقوله المالكة لها: أي للأمة (قوله: فلا يعتبر الخ) تفريع على اشتراط إذن السيدة وحدها: أي وإذا اشترط إذن السيدة وحدها فلا يعتبر إذن الأمة لو لم تأذن السيدة (قوله: لأن لسيدتها إجبارها على النكاح) أي فلا فائدة حينئذ في إذن الأمة (قوله: ويشترط) أي في صحة إذنها. وقوله نطقا: أي إن كانت ناطقة فإن كانت خرساء فيكفي في إذنها إشارتها المفهمة. وقوله وإن كانت بكرا: غاية في اشتراط الإذن نطقا: أي يشترط ذلك وإن كانت السيدة بكرا، وذكر لأنها لا تستحي في تزويج أمتها (قوله: ويزوج أمة صغيرة) هو تركيب إضافي. وقوله بكر: صفة للمضاف إليه. وسيأتي محترزه (قوله: أو صغير) بالجر معطوف على صغيرة: أي أو أمة صغيرة (قوله: أب) فاعل يزوج. وقوله فأبوه: أي فقط لأن لهما إجبار سيديهما فجاز لهما إجبارهما تبعا لسيديهما فلا يزوجهما غيرهما من السلطان ونحوه من بقية الأولياء (قوله: لغبطة) متعلق بيزوج: أي يزوجانها عند وجود غبطة، أي منفعة للسيدة أو السيد (قوله: كتحصيل مهر الخ) تمثيل للغبطة. قال في المغني، وقيل لا يزوجها، أي الأب والجد، لأنه قد تنقص قيمتها، وقد تحبل فتهلك. اه. (قوله: لا يزوج عبدهما) أي الصغيرة والصغير: أي والمجنون والسفيه ذكرا أو أنثى. وهذا مفهوم قوله أمة (قوله: لانقطاع كسبه عنهما) أي عن الصغيرة والصغير فلم يكن لهما مصلحة في التزويج حينئذ. قال في التحفة: ولم ينظروا إلى أنها ربما تظهر مع تزويجه لندرته اه. (قوله: خلافا لمالك) رضي الله عنه: أي فإنه قال بجواز تزويج عبدهما إن ظهرت مصلحة فيه، وذلك بأن يكون إذا تزوج يكتسب ما يكفي زوجته ويكفيهما، وإذا لم يتزوج ربما انقطع عن ذلك بسبب ما يتولد عنه من الأمراض (قوله: ولا أمة ثيب صغيرة) محترز قوله بكرى أي ولا يزوج الأب فأبوه

وإن احتاجت إلى النكاح وتضررت بعدم النفقة. نعم: إن رأى القاضي بيعها لان الحظ فيه للغائب من الانفاق عليها باعها (و) يزوج (سيد) بالملك ولو فاسقا (أمته) المملوكة كلها له لا المشتركة ولو باغتنام بينه وبين جماعة أخرى بغير رضا جميعهم (ولو) بكرا (صغيرة) أو ثيبا غير بالغة أو كبيرة بلا إذن منها لان النكاح يرد على منافع البضع وهي مملوكة له وله إجبارها عليه لكن لا يزوجها لغير كفء بعيب مثبت للخيار أو فسق أو حرفة دنيئة إلا برضاها، وله تزويجها برقيق ودنئ نسب لعدم النسب لها. وللمكتب لا لسيده تزويج أمته إن أذن له سيده فيه. ـــــــــــــــــــــــــــــ أمة ثيب صغيرة. ومحله ما لم تكن مجنونة، وإلا جاز لهما أن يزوجا أمتها لأنهما يليان مالها ونكاحها (قوله: لأنه لا يلي نكاح مالكتها) أي فلا يلي نكاح أمتها بالأولى. (والحاصل) أنه يشترط فيمن يلي نكاح الأمة أن يكون ولي مال مالكتها ونكاحها فيزوج أمة الصغيرة البكر والصغيرة الأب فأبوه لأنهما يليان نكاح السيدة أو السيد فيليان نكاح أمتهما تبعا، ويزوج أمة الرشيد وليها مطلقا ولو السلطان لأنه يلي نكاحها لكن بإذنها، ولا يزوج أمة الثيب الصغيرة الأب والجد والسلطان وغيرهم لهم لا يلوون نكاح السيدة فلا يلوون نكاح أمتها (قوله: ولا يجوز للقاضي أن يزوج أمة الغائب) وذلك لأن الولاية عليها من جهة الملك فهي قاصرة على المالك فلا تنتقل للقاضي عند غيبته (قوله: نعم إن رأى القاضي بيعها) مفعول رأى الثاني محذوف: أي أصلح. وقوله لأن الحظ الخ: علة الصلاحية التي رآها القاضي. وقوله فيه: أي في البيع، وقوله الغائب: أي المالك الغائب، وقوله من الإنفاق عليها: متعلق بالحظ، وأصله الأحظ: أي الأحظ له من الإنفاق عليها. ولو قال لأنه أحظ له من الإنفاق لكان أولى (قوله: باعها) جواب إن (قوله: ويزوج سيد بالملك) أي لا بالولاية، وذلك لأن التصرف فيما يملك استيفاؤه، ونقله إلى الغير إنما يكون بحكم الملك كاستيفاء المنافع ونقلها بالإجارة. اه. تحفة (قوله: ولو كان فاسقا) أي ولو كان السيد فاسقا. وذلك لأن الفسق يمنع الولاية لا الملك، وتزويج السيد ليس بالولاية وإنما هو بالملك (قوله: أمته) أي ولو كانت كافرة أو كانت محرمة عليه كأخته. وقوله المملوكة كلها له: أي لسيدها (قوله: لا المشتركة) أي لا يزوج المشتركة وهو مفهوم. قوله المملوكة كلها. وقوله ولو باغتنام: أي ولو حصل الاشتراك بسبب الاغتنام بأن غنم جماعة أمة، فهي مشتركة بينهم. وقوله بينة: متعلق بالمشتركة (قوله: بغير رضا جميعهم) أي لا يجوز تزويجها بغير رضا جميع المالكين لها، أما مع رضاهم فيجوز (قوله: ولو بكرا صغيرة) الغاية للتعميم، لا المرد، إذ لا خلاف فيه. ولو قال، كما في المنهاج بدلها بأي صفة كانت، أي صغيرة أو كبيرة بكرا أو ثيبا رشيدة أو غيرها، لكان أولى. وقوله أو كبيرة: أي بكرا أو ثيبا. وقوله بلا إذن منها: أي الكبيرة، والأولى إسقاطه أو إسقاط قوله بعد وله إجبارها الخ، وذلك لأن أحدهما يغني عن الآخر. وفي المنهج والمنهاج الاقتصار على الثاني، وهو ظاهر (قوله: لأن النكاح الخ) علة لكونه أن يزوجها بلا إذن منها (قوله: وهي) أي المنافع. وقوله مملوكة له: أي والمالك يفعل في ملكه ما يشاء سواء رضي به المملوك أم لا (قوله: له إجبارها عليه) أي النكاح للعلة المارة آنفا، ومحله في غير المبعضة والمكاتبة، أما هما فلا يجبرهما عليه لأنهما في حقه كالأجنبيات، وفي غير المتعلق بها حق لازم كالرهن والجناية فليس للراهن تزويج المرهونة إلا على المرتهن أو بإذنه وليس للسيد تزويج الجانية المتعلقة برقبتها مال وهو معسر، وإلا صح، وكان اختيارا للفداء (قوله: لكن لا يزوجها لغير كفء الخ) لما كانت العلة المارة، وهي قوله لأن النكاح الخ وهي مملوكة له، توهم جواز تزويجها على غير كفء لها، كجواز بيعها عليه، أتى بالاستدراك المذكور لدفع هذا الإيهام. وحاصله أن النكاح ليس كالبيع لأنه لا يقصد به التمتع، بخلاف النكاح، وعبارة المنهج وشرحه: وله إجبار أمته على نكاحها صغيرة كانت أو كبيرة بكرا أو ثيبا عاقلة أو مجنونة، لأن النكاح يرد على منافع البضع وهي مملوكة له وبهذا فارقت العبد لكن لا يزوجها بغير كفء بعيب أو غيره إلا برضاها، بخلاف البيع لأنه لا يقصد به التمتع. اه. (قوله: بعيب الخ) الباء سببية متعلقة بمحذوف واقع خبر المبتدأ محذوف: أي وعدم الكفاءة فيه بسبب عيب مثبت للخيار كجذام وبرص وجنون، أو بسبب فسق أو بسبب حرفة دنيئة (قوله: إلا برضاها) إلا أداة حصر والجار والمجرور متعلق بيزوجها: أي لا يزوجها إلا برضاها. وقوله له: اللام بمعنى الباء متعلقة

ولو طلبت الامة تزويجها لم يلزم السيد لانه ينقص قيمتها قال شيخنا: يزوج الحاكم أمة كافر أسلمت بإذنه والموقوفة بإذن الموقوف عليهم - أي إن انحصروا وإلا لم تزوج فيما يظهر (ولا ينكح عبد) ولو مكاتبا (إلا بإذن سيده) ولو كان السيد أنثى سواء أطلق الاذن أم قيد بامرأة معينة أو قبيلة فينكح بحسب إذنه. ولا يعدل عما أذن له ـــــــــــــــــــــــــــــ برضاها: أي رضاها بغير الكفء (قوله: وله) أي للسيد. وقوله تزويجها برقيق: أي على رقيق. وقوله ودنئ نسب: أي لأن الحق في الكفاءة في النسب لسيدها، لا لها، وقد أسقطه هنا بتزويجها على من ذكر. وعبارة الروض وشرحه. (فرع) لا يصح تزويج الأمة بمن به عيب مثبت للخيار للإضرار بها ويزوجها جوازا بغير رضاها ولو عربية من عربي دنئ النسب حرا كان أو عبدا. وقضيته مع ما مر من أن بعض الخصال لا ينجبر ببعض أنه لا يزوجها إذا كان عربية من عجمي ولو حرا، بخلاف قول أصله ويزوجها من رقيق ودنئ النسب فإنه يقتضي أنه يزوجها منه، فينافي قوله فيما مر والأمة العربية بالحر العجمي: أي ولا يزوج الأمة العربية بالحر العجمي على هذا الخلاف: أي الخلاف، في انجبار بعض الخصال ببعض، كذا قاله الإسنوي، فعدول المصنف عن عبارة أصله إلى ما قاله لذلك والحق ما في الأصل ولا منافاة لأن الحق في الكفاءة في النسب لسيدها لا لها وقد أسقطه هنا بتزويجه لها ممن ذكر، وما مر محله إذا زوجها غير سيدها بإذن أو ولاية على مالكها لا يزوجها ممن لا يكافئها بسبب آخر. أي غير دناءة النسب كعيب مثبت للخيار إلا برضاها وعليها تمكينه من نفسها لإذنها وله بيعها من العيب لأن الشراء لا يتعين للاستمتاع، ويلزمها تمكينه لأنها صارت ملكه. اه. بتصرف (قوله: لعدم النسب لها) أي للرقيقة. قال البجيرمي: أي لعدم النسب المعتبر وإن كانت شريفة لأن الرق يضمحل معه جميع الفضائل اه. (قوله: وللمكاتب) أي كتابة صحيحة، والجار والمجرور خبر مقدم، وقوله تزويج أمته: مبتدأ مؤخر (قوله: لسيده) أي المكاتب، فلا يزوجها كما لا يزوج عبده لأن السيد مع المكاتب كالأجنبي (قوله: إن أذن له) أي المكاتب. وقوله سيده: أي المكاتب، وقوله فيه: أي التزويج فإن لم يأذن له فيه لم يجز له ذلك كتبرعه. قال ع ش: وإنما توقف تزويج المكاتب أمته على إذن السيد لأنه ربما عجز نفسه أو عجزه سيده فيعود هو وما في يده للسيد فاشترط إذن السيد له في التزويج وإذا زوج فهو مزوج عن نفسه لا عن سيده. اه. (قوله: ولو طلبت الأمة) أي من سيدها. وقوله تزويجها: أي تزويج السيد إياها، فالإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل (قوله: لم يلزم) أي التزويج السيد: أي لا يجير عليه وإن كانت محرمة عليه كأخته (قوله: لأنه) أي التزويج بنقص قيمتها: أي ولفوات استمتاعه بمن تحل له (قوله: يزوج الحاكم أمة كافر أسلمت) أي ولا يزوجها الكافر لأنه لا يملك التمتع بها أصلا بل ولا سائر التصرفات فيها سوى إزالة الملك عنها وكتابتها. وعبارة الأنوار، ولا يزوج الكافر أمته المسلمة ومستولدته لتزلزل ملكه وعدم تسلطه على أهل الإسلام. اه. وقوله بإذنه: متعلق بيزوج، والضمير للكافر (قوله: والموقوفة الخ) أي ويزوج الحاكم الأمة الموقوفة على جماعة لكن بإذنهم إن انحصروا، وخرج بالموقوفة العبد الموقوف فلا يزوج بحال، إذ الحاكم وولي الموقوف عليه وناظر المسجد ونحوه لا يتصرفون إلا بالمصلحة، ولا مصلحة في تزويجه لما فيه من تعلق المهر والنفقة (قوله: وإلا) أي وإن لم ينحصروا. وقوله لم تزوج فيما يظهر. قال في النهاية: إنها تزوج بإذن الناظر فيما يظهر، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، (قوله: ولا ينكح عبد) أي لا يصح نكاحه. وقوله ولو مكاتبا: أي أو مدبرا أو معلقا عتقه بصفة أو مبعضا (قوله: إلا بإذن سيده) أي الرشيد غير المحرم نطقا ولو بكرا، وذلك لخبر: أيما مملوك تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وروى أبو داود: فنكاحه باطل اه. شرح الروض (قوله: ولو كان السيد أنثى) أي ثيبا أو بكرا (قوله: سواء أطلق الإذن) أي إن النكاح بإذن السيد صحيح، سواء أطلق الإذن أم قيده، فهو تعميم لصحة النكاح بالإذن وإذا أطلق الإذن فله أن ينكحه حرة أو أمة ببلده وغيرها. نعم للسيد منعه من الخروج إلى غير بلده. (قوله: أم قيد بامرأة معينة) أي أم قيد السيد الإذن للعبد بنكاح امرأة معينة. وقوله أو قبيلة: أي أو قيد الإذن له بنكاح امرأة من هذه القبيلة دون غيرها، ومثلها البلدة (قوله: فينكح بحسب إذنه) أي السيد، والفاء واقعة في جواب شرط مقدر مرتبط بالشق الثاني: أعني أم قيد، أي وإذا قيد السيد الإذن بما ذكر فينكح

فيه مراعاة لحقه. فإن عدل عنه لم يصح النكاح ولو نكح العبد بلا إذن سيده بطل النكاح. ويفرق بينهما خلافا لمالك فإن وطئ فلا شئ عليه لرشيدة مختارة. أما السفيهة والصغيرة فيلزم فيهما مهر المثل. ولا يجوز للعبد ولو مأذونا في التجارة أو مكاتبا أن يتسرى وإن جاز له النكاح بالاذن لان المأذون له لا يملك ولضعف الملك في ـــــــــــــــــــــــــــــ بحسب إذنه له (قوله: ولا يعدل) أي العبد في نكاحه. وقوله عما أذن: أي عن الأمر الذي أذن السيد. وقوله له، أي للعبد. وقوله فيه، أي في ذلك الأمر، فالضمير يعود على ما. وقوله مراعاة لحقه: أي السيد، وهو تعليل لكونه ينكح بحسب الإذن ولا يعدل إلى غيره (قوله: فإن عدل عنه) أي عما أذن له فيه (قوله: لم يصح النكاح) أي وإن كانت المعدول إليها دونها مهرا وخيرا منها جمالا ونسبا ودينا وأقل مؤنة. قال في التحفة: نعم لو قدر له مهرا فزاد عليه أو زاد على مهر المثل عند الإطلاق صحت الزيادة ولزمت ذمته فيتبع بها إذا عتق لأن له ذمة صحيحة. اه. (قوله: ولو نكح العبد بلا إذن سيده بطل النكاح) أي لحجره وللخبر المار. قال في النهاية ومثله في التحفة: وقول الأذرعي يستثنى من ذلك ما لو منعه سيده فرفعه إلى حاكم يرى إجباره فأمره فامتنع فأذن له الحاكم أو زوجه فإنه يصح جزما، كما لو عضل الولي محل نظر، لأنه إن أراد صحته على مذهب ذلك الحاكم لم يصح الاستثناء أو على قولنا فلا وجه له. اه. وفي المغني: قال في الأم ولا أعلم من أحد لقيته ولا حكى لي عنه من أهل العلم اختلافا في أنه لا يجوز نكاح العبد إلا بإذن مالكه. اه. ولا ينافي قوله لا أعلم ما حكاه الرافعي عن أبي حنيفة أن نكاحه موقوف على إجازة السيد، وعن مالك أنه يصح وللسيد فسخه لأنه لم يبلغه ذلك. اه. (قوله: ويفرق بينهما) أي العبد وزوجته. والذي يفرق هو الحاكم، كما يستفاد من عبارة ش ق (قوله: خلافا لمالك) أي في قوله بصحة نكاح العبد بلا إذن سيده، لكن للسيد فسخه، كما تقدم آنفا عن المغني، (قوله: فإن وطئ) أي العبد زوجته بهذا النكاح الباطل. وقوله فلا شئ عليه لرشيدة مختارة: الذي في التحفة والنهاية أن عليه لها مهر المثل ويتعلق بذمته فقط، ولفظهما وإذا بطل لعدم الإذن تعلق مهر المثل بذمته فقط ويتجه أن محله في غير نحو الصغيرة، وإلا تعلق برقبته. اه. وما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى إنما هو في السفيه لا في العبد، كما هو صريح عبارة المنهاج، ونصها مع التحفة، ولو نكح السفيه بلا إذن فباطل، فإن وطئ منكوحته الرشيدة المختارة لم يلزمه شئ، أي حد، قطعا للشبهة، ومن ثم لحقه الولد ولا مهر ظاهرا ولو بعد فك الحجر وإن لم تعلم سفهه لأنها مقصرة بترك البحث مع كونها سلطته على بعضها، بخلافه باطنا بعد فك الحجر عنه، كما نص عليه في الأم، واعتمدوه، بخلاف صغيرة مجنونة ومكرهة ومزوجة بالإجبار ونائمة فيجب مهر المثل إذ لا يصح تسليطهن. اه. إذا علمت ذلك تعلم ما في كلامه من التخليط. ثم رأيت في المغني نص على أن بعض الشارحين توهم أن العبد كالسفيه، ولعل شارحنا تبع هذا البعض في ذلك، ونص عبارته: (تنبيه) قول المصنف باطل يقتضي أنه إذا وطئ لا يلزمه شئ كالسفيه، وليس مرادا، كما توهمه بعض الشارحين، بل يلزمه مهر المثل في ذمته، كما صرح به المصنف في نكاح العبد. اه. (قوله: أما السفيهة والصغيرة) أي ونحوهما من كل من ليست برشيدة مختارة مما تقدم. وقوله فيلزم فيهما مهر المثل: أي ويتعلق برقبته، كما علمت (قوله: ولا يجوز للعبد) أي لا يصح ولو أذن له السيد فيه لأن العبد لا يملك ولو بتمليك سيده والتسري يفيد دخول المتسري بها في ملك المتسري. وقوله ولو مأذونا في التجارة: أي ولو كان العبد مأذونا له في التجارة فلا يجوز له ذلك لأن التجارة لا تتناول ذلك. وقوله أو مكاتبا: أي ولو مكاتبا (قوله: أن يتسرى) المصدر المؤول فاعل يجوز. والتسري مطلق الوطئ، وشرعا يعتبر فيه ثلاثة أمور: الوطئ والإنزال ومنع الخروج. والمراد به الأول لأن الرقيق يمنع من الوطئ، مطلقا، سواء وجد إنزاله ومنع الخروج أم لا، ولو عبر بيطأ، كما عبر به شيخ الإسلام، لكان أولى لئلا يوهم أن المراد به المعنى الشرعي مع أنه ليس كذلك. فتنبه (قوله: لأن المأذون له) أي في التجارة وغيره بالأولى وهو علة لعدم جواز التسري بالنسبة لغير المكاتب. وقوله لا يملك: أي ولو بتمليك سيده، كما علمت، لأنه ليس أهلا للملك، وأما الإضافة التي ظاهرها الملك في خبر الصحيحين: من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع فهي للاختصاص، لا

المكاتب. ولو طلب العبد النكاح لا يجب على السيد إجابته ولو مكاتبا: ولا يصدق مدعي عتق من عبد أو أمة إلا بالبينة المعتبرة الآتي بيانها في باب الشهادة وصدق مدعي حرية أصالة بيمين ما لم يسبق إقرار برق أو لم يثبت لان الاصل الحرية. فصل في الكفاءة وهي معتبرة في النكاح لا لصحته، بل لانها حق للمرأة والولي فلهما إسقاطها. (لا يكافئ حرة) أصلية أو ـــــــــــــــــــــــــــــ للملك (قوله: ولضعف الملك) علة لعدم جواز التسري بالنسبة للمكاتب (قوله: ولو طلب العبد النكاح) أي من السيد (قوله: لا يجب على السيد إجابته) أي لأنه يشوش عليه مقاصد الملك وفوائده وينقص القيمة. وقوله ولو مكاتبا: أي ولو كان العبد مكاتبا فلا تجب إجابته ومثله للبعض (قوله: ولا يصدق مدعي عتق) كان المناسب أن يقول، كعادته، فرع أو فرعان (قوله: من عبد أو أمة) بيان مدعي العتق (قوله: إلا بالبينة) أي فإنه يصدق بها (قوله: الآتي بيانها في باب الشهادة) عبارته هناك: والشهادة لما يظهر للرجال غالبا كالنكاح وطلاق وعتق رجلان لا رجل وامرأتان. انتهت (قوله: وصدق مدعي حرية إلخ) يعني لو ادعى عليه بالرق وقال أنا حر أصالة صدق بيمينه وإن استخدمه قبل إنكاره وجرى عليه البيع مرارا أو تداولته الأيدي لموافقته الأصل وهو الحرية. وقوله أصالة: أي لا بالعتق. وقوله ما لم يصدق الخ: قيد لتصديقه بيمينه، أي يصدق بها ما لم يسبق منه وهو رشيد إقرار بالملك، وإلا صدق مدعي الرق. وقوله أو لم يثبب: أي وما لم يثبت الرق ببينة تشهد برقة وإلا عمل بها. ولو أقام هو أيضا بينة على حريته قدمت الأولى لأن معها زيادة علم بنقلها عن الأصل، وإذا ثبتت الحرية الأصلية رجع مشتريه على بائعة بثمنه وإن أقر المشتري له بالملك لأنه بناء على ظاهر اليد. وسيذكر المؤلف هذه المسألة في باب الدعاوي والبينات بأبسط مما هنا. والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل في الكفاءة أي في بيان خصال الكفاءة المعتبرة في النكاح لدفع العار والضرر. وهي لغة: التساوي والتعادل. واصطلاحا أمر يوجب عدمه عارا. وضابطها مساواة الزوج للزوجة في كمال أو خسة ما عدا السلامة من عيوب النكاح (قوله: وهي) أي الكفاءة. وقوله معتبرة في النكاح لا لصحته: أي غالبا، فلا ينافي أنها قد تعتبر للصحة، كما في التزويج بالإجبار، وعبارة التحفة: وهي معتبرة في النكاح لا لصحته مطلقا بل حيث لا رضا من المرأة وحدها في جب ولا عنة ومع وليها الأقرب فقط فيما عداهما. اه. ومثله في النهاية وقوله بل حيث لا رضا، مقابل قوله لا لصحته مطلقا، فكأنه قيل لا تعتبر للصحة على الإطلاق وإنما تعتبر حيث لا رضا. اه. ع ش. (والحاصل) الكفاءة تعتبر شرط للصحة عند عدم الرضا، وإلا فليست شرطا لها (قوله: بل لأنها حق للمرأة) أستفيد منه أن المراعى فيها جانب الزوجة لا الزوج. وقوله والولي: أي واحدا كان أو جماعة مستوين في الدرجة، فلا بد مع رضاها بغير الكفء من رضا سائر الأولياء به. ولا يكفي رضا أحدهم دون الباقين، كما سيأتي في كلامه، (قوله: فلهما) أي المرأة والولي (قوله: إسقاطها) أي الكفاءة: أي ولو كانت شرطا لصحة العقد مطلقا لما صح حينئذ. والمراد بالسقوط رضاهما بغير الكفء وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - زوج بناته من غير كفء ولا مكافئ لهن، وأمر فاطمة بنت قيس نكاح أسامة فنكحته وهو مولى وهي قرشية ولو كانت شرطا للصحة مطلقا لما صح ذلك (قوله: ولا يكافئ حرة الخ) شروع في بيان خصال الكفاءة. والذي يؤخذ من كلامه متنا وشرحا أنها ست وهي الحرية والعفة والنسب والدين والسلامة من الحرف الدنيئة والسلامة من العيوب، وبعضهم عدها خمسا وأدرج العفة في الدين ونظمها بقوله: شرط الكفاءة خمسة قد حررت ينبيك عنها بيت شعر مفرد

عتيقة ولا من لم يمسها الرق أو آباءها أو الاقرب إليها منهم غيرها بأن لا يكون مثلها في ذلك ولا أثر لمس الرق في الامهات (ولا عفيفة) وسنية وغيرهما من فاسق ومبتدع، فالفاسق كفء للفاسقة: أي إن استوى فسقهما (و) لا (نسيبة) من عربية وقرشية وهاشمية أو مطلبية غيرها يعني لا يكافئ عربية أبا غيرها من العجم وإن كانت أمة ـــــــــــــــــــــــــــــ نسب ودين حرفة حرية فقد العيوب وفي اليسار تردد والراجح أنه لا يشترط، كما سيأتي، في كلامه، لأن المال غاد ورائح ولا يفتخر به أصحاب المروءات والبصائر. وللعلامة مرعي الحنبلي: قالوا الكفاءة ستة فأجبتهم قد كان هذا في الزمان الأقدم أما بنو هذا الزمان فإنهم لا يعرفون سوى يسار الدرهم ثم أن العبرة في هذه الخصال بحال العقد فلا يؤثر طروها بعده ما عدا الرق فإن طروه يبطل النكاح ولا وجودها مع زوالها قبله. قال في التحفة: نعم ترك الحرف الدنيئة قبله لا يؤثر إلا إن مضت سنة. كذا طلقه غير واحد، وهو ظاهر إن تلبس بغيرها بحيث زال عنه اسمها ولم ينسب إليه البتة، وإلا فلا بد من مضي زمن يقطع نسبتها عنه بحيث صار لا يعير بها. وهل تعتبر السنة في الفاسق إذا تاب كالحرفة القياس؟ نعم: قال ثم رأيت ابن العماد والزركشي بحثا أن الفاسق إذا تاب لا يكافئ العفيفة: وينبغي حمله على ما إذا لم تمض سنة من توبته، وظاهر كلام بعضهم اعتماد إطلاقهما، لكن بالنسبة للزنا. اه. (قوله: حرة أصلية) مفعول يكافئ. وقوله أو عتيقة: مقابل قوله أصلية (قوله: ولا من لا يمسها الرق) هو معنى قوله حرة أصلية، فكان عليه أن يقول ولا من لم يمس الرق آباءها أو الأقرب إليها منهم (قوله: غيرها) فاعل يكافئ وقدر الشارح عند كل صفة نظير هذا فيكون فاعل لفعل مقدر نظير المذكور وإن نظرت لأصل المتن ففاعل الفعل قوله بعد تتمة الصفات غير بالتنوين (قوله: بأن لا يكون) تصوير لكون الزوج غير مكافئ لها. وقوله في ذلك. أي فيما ذكر من كونها حرة أصلية الخ وذلك بأن تكون حرة أصلية وهو ليس كذلك بأن يكون رقيقا أو عتيقا، أو تكون هي عتيقة وهو رقيق أو تكون هي لم يمس آباءها الرق وهو مس آباء الرق، أو الأقرب إليها من الآباء لم يمسه الرق والأقرب إليه منهم مسه الرق: كأن يكون أبوه الثالث مسه الرق وأبوها الرابع مسه الرق، ففي جميع ذلك لا يكون كفأ لها (قوله: ولا أثر لمس الرق في الأمهات) أي لا يؤثر في الكفاءة مس الرق في الأمهات، فلو كانت حرة لم يمس أبويها الرق وهو كذلك لكن مس أمه الرق كافأها لأنه يتبع الأب في النسب لا الأم (قوله: ولا عفيفة الخ) أي ولا يكافئ عفيفة أي صالحة. وقوله وسنية: أي غير مبتدعة. وقوله وغيرهما: فاعل يكافئ. أي لا يكافئهما غيرهما، وذلك لقوله تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا؟ لا يستوون) * (1) وقوله من فاسق ومبتدع: بيان لغيرهما (قوله: فالفاسق الخ) تفريع على ما يفهم من كلامه وذلك لأنه يفهم من كون العفيفة ليست كفأ للفاسق أن الفاسقة كفء له (قوله: إن استوى فسقهما) أي اتحدا نوعا وقدرا، فإن زاد فسقه أو اختلف فسقهما نوعا، بأن يكون شارب الخمر وهي زانية لم يكافئها (قوله: ولا نسيبة) أي ولا يكافئ نسيبة. وقوله من عربية وقرشية وهاشمية أو مطلبية: بيان للنسبية. وقوله غيرها: فاعل يكافئ المقدر، أي لا يكافئ النسبية غير النسبية (2)، وقد بسط الكلام على ذلك في الروض وشرحه فلنذكره تكميلا للفائدة. (ونصه) ولا يكافئ العربية والقرشية والهاشمية إلا مثلها: لشرف العرب على غيرهم، ولأن الناس تفتخر بأنسابهما أتم فخار، ولخبر: قدموا قريشا ولا تقدموها رواه الشافعي بلاغا: أي بلفظ بلغني، ولخبر مسلم: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم وبنو

_ (1) سورة السجدة، الاية: 18. (2) (قوله غير النسيبة) كذا في الاصل هنا ومثله فيما سيأتي، والمناسب غير النسيب: لان غير صفة لمذكر هو الزوج، كما هو ظاهر. اه. مصححه

عربية، ولا قرشية غيرها من بقية العرب، ولا هاشمية أو مطلبية غيرهما من بقية قريش. وصح: نحن وبنو المطلب شئ واحد فهما متكافئان. ولا يكافئ من أسلم بنفسه من لها أب أو أكثر في الاسلام، ومن له أبوان لمن لها ثلاثة آباء فيه على ما صرحوا به، لكن حكى القاضي أبو الطيب وغيره فيه وجها أنهما كفآن واختاره ـــــــــــــــــــــــــــــ هاشم وبنو المطلب أكفاء، لخبر البخاري: نحن وبنو المطلب شئ واحد ومحله في الحرة. ولو نكح هاشمي أو مطلبي أمة فأتت منه ببنت فهي مملوكة لمالك أمها فله تزويجها من رقيق ودنئ النسب، كما سيأتي، وأفهم كلامه ما صرح به في الروضة من أن موالي كل قبيلة ليسوا أكفاء لها فسائر العرب، أي باقيهم، أكفاء: أي بعضهم أكفاء بعض. وقال الرافعي: مقتضى اعتبار النسب في العجم اعتباره في غير قريش من العرب، لكن ذكر جماعة أنهم أكفاء، وجرى النووي على ما انتصر له المصنف، فقال مستدركا على الرافعي ما ذكره الجماعة هو مقتضى كلام الأكثرين، وذكر إبراهيم المروزي أن غير كنانة لا يكافئها، واستبدل له السبكي بخبر مسلم السابق فحصل في كونهم أكفاء وجهان. وقد نقل الماوردي عن البصريين أنهم أكفاء وعن البغداديين خلافة فتفضل مضر على ربيعة وعدنان على قحطان اعتبارا بالقرب منه - صلى الله عليه وسلم -، وتقدم عنه نظيره في قسم الفئ والغنيمة. وهذا هو الأوجه: اه. وجرى في الأنوار على أن غير قريش من العرب بعضهم كفء لبعض وعبارته الثالثة: النسب فالعجمي ليس كفؤا للعربية ولا غير القرشي للقرشية ولا غير الهاشمي والمطلبي للهاشمية أو المطلبية وهما كفآن، ويعتبر النسب في العجم كفي العرب وغير قريش من العرب بعضهم كفء بعض. والعبرة في النسب بالآباء إلا في أولاد بنات النبي - صلى الله عليه وسلم -. اه. (قوله: يعني لا يكافئ إلخ) تفصيل لما أجمله أولا بقوله ولا نسيبة غيرها (قوله: عربية أبا) أي من جهة الأب (قوله: غيرها) فاعل يكافئ. وقوله من العجم بيان للغير. (واعلم) أنه يعتبر النسب في العجم كما يعتبر في العرب، كما تقدم، فالفرس أفضل من القبط، وبنو إسرائيل أفضل من القبط (قوله: وإن كانت أمة عربية) أي فلا عبرة بها لما تقدم من الأنوار أن العبرة في النسب بالآباء (قوله: ولا قرشية غيرها) أي ولا يكافئ قرشية غيرها. وقوله من بقية العرب: بيان لغيرها (قوله: ولا هاشمية أو مطلبية غيرهما) أي ولا يكافئ هاشمية أو مطلبية غيرها من بقية أصناف قريش كبني عبد شمس (قوله: وصح نحن وبنو المطلب شئ واحد) وفي رواية: نحن وبنو المطلب هكذا: وشبك بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم - وخرج بقوله وبنو المطلب بنو عبد شمس ونوفل فليسوا وبنو هاشم سواء، لأن هؤلاء، وإن كانوا أولاد عبد مناف كبني هاشم والمطلب، إلا أنهم أخرجهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن آله لإيذائهم (قوله: فهما) أي بنو هاشم وبنو المطلب وقوله متكافئان: أي فيكافئ ذكور أحدهما بنات الآخر (قوله: ولا يكافئ من أسلم الخ) هذه الخصلة هي التي عبرت عنها بالدين. وقوله من لها أب: مفعول يكافئ، أي لا يكافئ الذي ليس له أب في الإسلام المرأة التي لها ذلك (قوله: ومن له أبوان) أي ولا يكافئ من له أبوان. وقوله لمن لها: اللام زائدة، ومن: مفعول يكافئ (قوله: على ما صرحوا به) هو المعتمد، وإن كان صنيعه يفيد خلافه. وقوله لكن الخ: ضعيف. وقوله فيه: أي في المذكور الذي صرحوا فيه بعدم التكافؤ (قوله: أنهما) أي من أسلم بنفسه ومن لها أب أو أكثر ومن له أبوان ومن لها ثلاثة آباء في الإسلام (قوله: واختاره) أي هذا الوجه الروياني وجزم به صاحب العباب وعللاه بأنه يلزم على الوجه الأول أن الصحابي لا يكون كفؤا لبنت التابعي، وجزم في التحفة بالأول وقال: وما لزم عليه من أن الصحابي ليس كفؤ بنت تابعي صحيح لا زلل فيه لما يأتي أن بعض الخصال لا يقابل ببعض، فاندفع ما للأذرعي. اه. ومثله في النهاية والمغني، وعبارة المغني: فمن أسلم بنفسه ليس كفؤا لمن لها أب أو أكثر في الإسلام، ومن له أبوان في الإسلام ليس كفؤا لمن لها ثلاثة آباء فيه. (فإن قيل) قضية هذا أن من أسلم بنفسه من الصحابة رضي الله عنهم لا يكون كفؤا لبنات التابعين وهذا مشكل وكيف لا يكون كفؤا لهن وهو أفضل الأمة؟

الروياني. وجزم به صاحب العباب. (و) لا (سليمة من حرف دنيئة)، وهي ما دلت ملابسته على انحطاط المروءة، غيرها، فلا يكافئ من هو أو أبوه حجام أو كناس أو راع بنت خياط ولا هو بنت تاجر، وهو من يجلب البضائع من غير تقييد بجنس، أو بزاز، وهو بائع البز ولا هما بنت عالم أو قاض عادل. قال الروياني: وصوبه، الاذرعي ولا يكافئ عالمة جاهل، خلافا للروضة والاصح أن اليسار لا يعتبر في الكفاءة لان المال ظل زائل ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ (أجيب) بأنه لا مانع من ذلك. اه. (قوله: ولا سليمة) أي ولا يكافئ سليمة. وقوله من حرف، بكسر ففتح جمع حرفة: كقرب جمع قربة. وقوله دنيئة: بالهمز وتركه (قوله: وهي الخ) بيان لضابط الحرف الدنيئة. وقوله ما دلت ملابسته ما واقعة على الصنائع، وتذكير الضمير في قوله ملابسته باعتبار لفظ ما، والمعنى أن الحرف الدنيئة هي الصنائع التي دلت ملابستها. أي مصاحبتها على انحطاط المروءة أي سقوطها (قوله: غيرها) فاعل يكافئ المقدر أي ولا يكافئ السليمة من الحرف الدنيئة غير السليمة. وقد بسط الكلام على ما ذكر في الأنوار وعبارته: الخامسة الحرفة فأصحاب الحرف الدنيئة ليسوا بأكفاء للأشراف ولا لسائر المحترفة: فالكناس والحجام والفصاد والختان والقمام وقيم الحمام والحائك والحارس والراعي والبقار والزبال والنخال والإسكاف والدباغ والقصاب والجزار والسلاخ والحمال والجمال والحلاق والملاح والمراق والهراس والفوال والكروشي والحمامي والحداد والصواغ والصباغ والدهان والدباس ونحوهم لا يكافئون ابنة الخياط والخباز والزراع والفخار والنجار ونحوهم. وسلك المتولي الصراف والعطار في سلكهم، ويشبه أن يكون الصراف كالصواغ وأن يكون العطار كالبزاز والخياط لا يكافئ ابنة التاجر والبزاز والبياع والجوهري وهم لا يكافئون ابنة القاضي والعالم والزاهد المشهور والصنائع الشريفة بعضها أشرف ومن بعض كما تبين والدنيئة بعضها أدنأ من بعض. فالذي سبب دناءته استعمال النجاسة: كالحجام والفصاد أدنى في الذي لا يستعملها كالخراز وشبهه. وإذا شك في الشرف والدناءة أو في الشريف والاشرف أو الدنئ والأدنى فالمرجع إلى عادة البلد. اه (قوله: فلا يكافئ من) هي اسم موصول فاعل يكافئ. وقوله هو أو أبوه حجام: الجملة صلة الموصول (قوله: أو كناس) أي ولو للمسجد (قوله: أو راع) لا يرد أن الرعاية طريقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأن الكلام فيمن أخذ الرعي حرفة يكتسب بها فقط، والأنبياء لم يتخذوه لذلك (قوله: بنت خياط) مفعول يكافئ وكان الأولى أن يسقط لفظ بنت، كما نص عليه البجيرمي، وعبارته، قوله بنت خياط، المناسب أن يقول لخياطة لأن الآباء لا تعتبر إلا بعد اتحاد الزوجين في الحرفة. اه. ح ل. قال شيخنا العزيزي: ولم يقل ليس كفء خياطة مع أنه الملائم لما قبله للتنبيه على أن الحرفة تعتبر في الأصول كما تعتبر في الزوجين. اه. (قوله: ولا هو) أي ولا يكافئ: هو أي الخياط. وقوله بنت تاجر: يأتي فيه وفيما بعده ما تقدم (قوله: وهو) أي التاجر. وقوله من يجلب البضائع: أي يأتي بها من محلها إلى محل آخر ليبيعها فيه. وقوله من غير تقييد بجنس: أي من البضائع كالرز (قوله: أو بزاز) بالجر عطف على تاجر: أي ولا يكافئ الخياط بنت بزاز (قوله: وهو) أي البزاز. وقوله بائع البز: هو، بفتح الباء، القماش (قوله: ولا هما) أي ولا يكافئ التاجر والبزاز (قوله: بنت عالم أو قاض) قال في التحفة: الذي يظهر أن مرادهم بالعالم هنا من يسمى عالما في العرف وهو الفقيه والمحدث والمفسر لا غير، أخذا مما مر في الوصية، وحينئذ فقضيته أن طالب العلم وإن برع فيه قبل أن يسمى عالما يكافئ بنته الجاهل. وفيه وقفة ظاهرة: كمكافأته لبنت عالم بالأصلين والعلوم العربية. ولا يبعد أن من نسب أبوها لعلم يفتخر به عرفا لا يكافئها من ليس كذلك. ويفرق بين ما هنا والوصية بأن المدار ثم على التسمية دون ما به افتخار؟ وهنا بالعكس، فالعرف هنا غيره ثم. فتأمله. اه (قوله: عدل) صفة لكل من العالم والقاضي، فلا عبرة بالفسق منهما، وفي شرح الرملي: وبحث الأذرعي أن العلم مع الفسق لا أثر له، إذ لا فخر له حينئذ في العرف فضلا عن الشرع. وصرح بذلك في القضاء فقال إن كان القاضي أهلا فعالم وزيادة، أو غير أهل - كما هو الغالب في قضاة زمننا نجد الواحد منهم كقريب العهد بالإسلام - ففي النظر إليه نظر، ويجئ فيه ما سبق في الظلمة المستولين على الرقاب، بل هو أولى منهم بعدم الإعتبار: لأن النسبة إليه عار، بخلاف الملوك ونحوهم. ومثله في التحفة (قوله: خلافا للروضة) في التحفة ما نصه: في الروضة أن الجاهل يكافئ

يفتخر أهل المروءات والبصائر (و) لا سليمة حال العقد (من عيب) مثبت لخيار (نكاح) لجاهل به حالته كجنون ـــــــــــــــــــــــــــــ العالمة، وهو مشكل: فإنه يرى اعتبار العلم في آبائها، فكيف لا يعتبره فيها؟ إلا أن يجاب بأن العرف يعير بنت العالم بالجاهل، ولا يعير العالمة بالجاهل. اه. وضعف في الأنوار ما في الروضة، وعبارته: قال الروياني الشيخ لا يكون كفؤا للشابة والجاهل للعالمة. قال صاحب الروضة. هو ضعيف وهذا التضعيف في الجاهل والعالمة ضعيف: لأن علم الآباء إذا كان شرفا للأولاد فكيف بعلمهم؟ ولأن الحرفة تراعى في الزوجة مع أنها لا توازي العلم. وقد قطع بموافقة الروياني شارح مختصر الجويني وغيره. اه (قوله: والأصح أن اليسار لا يعتبر في الكفاءة) مقابله يقول إنه يعتبر: لأنه إذا كان معسرا لم ينفق على الولد وتتضرر هي بنفقته عليها نفقة المعسرين. قال في النهاية: وعلى الأول، أي الأصح، لو زوجها وليها بالإجبار بمعسر بحال صداقها عليه لم يصح النكاح، وليس مبنيا على اعتبار اليسار، كما قاله الزركشي، بل لأنه بخسها حقها، فهو كما لو زوجها من غير كفء. اه. (قوله: لأن المال ظل زائل الخ) عبارة المغني: لأن المال ظل زائل، وحال حائل، ومال مائل، ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر. وقال في التحفة: ويجاب عن الخبر الصحيح الحسب المال، وأما معاوية فصعلوك بأن الأول، أي الحسب، المال على طبق الخبر الآخر تنكح المرأة لحسبها ومالها الحديث. أي أن الغالب في الأغراض ذلك. ووكل - صلى الله عليه وسلم - بيان ذم المال إلى ما عرف من الكتاب والسنة في ذمة، لا سيما قوله تعالى: * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة) * إلى قوله: * (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) * (1) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا: كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام والشراب - لو سويت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء والثاني تصح بما يعد عرفا منفرا وإن لم يكن منفرا شرعا. اه. وقوله والثاني: معطوف على الأول، أي وهو وأما معاوية فصعلوك. وفي المغني ما نصه: (فائدة) قال الإمام والغزالي: شرف النفس من ثلاث جهات: إحداها الانتهاء إلى شجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يعاد له شئ: الثانية: الإنتماء إلى العلماء فإنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وبهم ربط الله تعالى حفظ الملة المحمدية: والثالثة الإنتماء إلى أهل الصلاح المشهور والتقوي قال الله تعالى: * (وكان أبوهما صالحا) * قال: ولا عبرة بالإنتساب إلى عظماء الدنيا والظلمة المستولين على الرقاب، وإن تفاخر الناس بهم، قال الرافعي: وكلام النقلة لا يساعدهما عليه في عظماء الدنيا. اه (قوله: ولا سليمة الخ) أي ولا يكافئ سليمة من عيب. وهذه الخصلة معتبرة في الزوجين، وكذا في أبيهما وأمهما على أحد وجهين، وهو الأوجه عند م ر. وعليه: فابن نحو الأجذم ليس كفؤا لمن أبوها سليم، وعند حجر خلافه قال: وزعم الأطباء الأعداء في الولد لا يعول عليه، والمراد بالعيب المثبت للخيار الذي تعتبر السلامة منه، في الكفاءة المشترك، وهو الجنون والجذام والبرص، لا الخاص بالرجل، وهو الجب والعنة، إذ لا معنى لكونها سليمة منها، ولا الخاص بها - وهو الرتق والقرن - إذ لا معنى لكونه غير سليم منهما (قوله: حالة العقد) قيد به لما تقدم أن العبرة في الخصال بحال العقد، لكن كان عليه أن يقيد به في جميعها، كما في التحفة والنهاية، (قوله: لخيار نكاح) أي لخيار فسخ نكاح، ففي الكلام مضاف مقدر (قوله: لجاهل به) متعلق بمثبت. وقوله حالته: متعلق بجاهل، والضمير يعود على العقد. وهذا بيان لشرط كون العيب مثبتا للخيار وأتى به للإيضاح، وإلا فهو ليس بصدد بيان شروطه. والمعنى: أن العيب الذي تشترط السلامة منه هو المثبت لخيار فسخ النكاح وهو لا يكون مثبتا إلا لجاهل بالعيب حالة العقد دون العالم به عنده ويصدق منكر العلم به بيمينه ولو بعد الوطئ وعبارة الروض، وشرحه. (فرع) لو نكح أحدهما الآخر عالما بالعيب القائم بالآخر غير العنة فلا خيار له كما في المبيع والقول فيما لو كان به عيب وادعى على الآخر علمه به ولو بعد الدخول فأنكر قوله بيمينه أنه لم يعلم به لأن الأصل عدم علمه به. اه (قوله: كجنون الخ) تمثيل للعيب المثبت للخيار الذي يشترط السلامة منه. وقوله ولو متقطعا: أي ولو كان الجنون متقطعا يأتي

_ (1) سورة الزخرف، الايتان: 33، 34، 35. (2) سورة الكهف، الاية: 82

ولو متقطعا، وإن قل، وهو مرض يزول به الشعور من القلب (وجذام) مستحكم وهي علة يحمر منها العضو ثم يسود ثم يتقطع (وبرص) مستحكم وهو بياض شديد يذهب دموية الجلد، وإن قلا، وعلامة الاستحكام في الاول اسوداد العضو. وفي الثاني عدم احمراره عند عصره (غير) ممن به عيب لان النفس تعاف صحبة من به ذلك ولو كان بها عيب أيضا فلا كفاءة وإن اتفقا أو كان ما بها أقبح. أما العيوب التي لا تثبت الخيار فلا تؤثر، كالعمى وقطع الطرف وتشوه الصورة، خلافا لجمع متقدمين. ـــــــــــــــــــــــــــــ تارة ويذهب تارة. وقوله وإن قل: أي الجنون. وهذا ما جرى عليه شيخه ابن حجر، والذي جرى عليه م ر: أن الخفيف لا يضر، وعبارته: ويستثنى من المتقطع، كما قاله المتولي، الخفيف الذي يطرأ في بعض الأزمان. اه. ومثل الجنون في ثبوت الخيار: الخبل، كما ألحقه به الشافعي رضي الله عنه، كذا قيل. وفي القاموس: أنه الجنون، وعليه: فلا إلحاق والإغماء المأيوس من زواله كالجنون (قوله: هو) أي الجنون. وقوله يزول به الشعور، أي الإدراك من القلب لكن مع بقاء الحركة والقوة في الأعضاء (قوله: وجذام) بالجر معطوف على جنون: أي وكجذام. وقوله مستحكم - بكسر الكاف - بمعنى محكم: يقال أحكم واستحكم: أي صار محكما. وقيد بالإستحكام فيه وفيما بعده، دون الجنون، للإشارة إلى أنه لا يشترط فيه الإستحكام. والفرق أن الجنون يفضي إلى الجناية، كما قاله الزركشي، فإذا جن أحد الزوجين ترتب عليه الجناية على الآخر بقتل أو نحوه، واعتمد الزيادي عدم الإستحكام في البرص والجذام كالجنون. ومما جرب للجذام أن يؤخذ من دهن حب العنب ومرارة النسر أجزاء متساوية ويخلطان معا ويدلك بهما ثلاثة أيام. ومما جرب للبرص أن يؤخذ ماء الورد ويطلى به ثلاثة أيام فإنه يبرأ بإذن الله تعالى (قوله: وهي) أي الجذام، وأنت الضمير باعتبار الخبر. وقوله علة يحمر منها العضو: قال م ر ويتصور في كل عضو غير أنه يكون في الوجه أغلب. اه. وقوله ثم يتقطع: أي وبعده يتناثر، أي يتساقط (قوله: وبرص) هو بالجر عطف على جنون: أي وكبر ص. وخرج به البهق فلا يؤثر (قوله: وهو) أي البرص (قوله: وإن قلا) أي الجذام والبرص فإنهما يؤثران (قوله: وعلامة الإستحكام في الأول) أي في الجذام. (وقوله: اسوداد العضو) أي وإن لم يوجد تقطع ولا تناثر على المعتمد (قوله: وفي الثاني) أي وعلامة الإستحكام في الثاني، أي البرص. وقوله عدم احمراره: أي العضو. وعبارة غيره: وعلامة الإستحكام فيه وصوله للعظم بحيث لو فرك العضو فركا عنيفا لم يحمر اه (قوله: غير) فاعل يكافئ المقدر في قوله ولا سليمة: أي ولا يكافئ سليمة من العيب غيرها. وهذا باعتبار حل الشارح، أما باعتبار المتن فهو فاعل يكافئ المصرح به أول الفصل، كما تقدم التنبيه عليه، وقوله ممن به عيب: بيان للغير. وقوله منها: أي من العيوب الثلاثة (قوله: لأن النفس الخ) علة لعدم المكافأة المذكورة: أي لا يكافئ السليمة من العيوب من لم يسلم منها لأن النفس الخ. وقول تعاف: أي تكره صحبة من به ذلك، أي المذكور من الجنون والجذام والبرص، لأن الأول يؤدي إلى الجناية، والأخيرين يعديان. ففي الصحيحين: فر من المجذوم فرارك من الأسد وهذا محمول على غير قوي اليقين الذي يعلم أنه لا يصيبه إلا ما قدر له. وذلك الغير هو الذي يحصل في قلبه خوف حصول المرض. فقد جرت العادة بأنه يحصل له المرض غالبا. وحينئذ فلا ينافي ما صح في الحديث لا عدوى لأنه محمول على قوي اليقين الذي يعلم أنه لا يصيبه إلا ما قدر له، فقد شوهد أنه. لا يحصل له مرض ولا ضرر، أو يقال: المراد لا عدوى مؤثرة، فلا ينافي أنه قد تحصل العدوى، لكن بفعل الله تعالى فإن الحديث ورد ردا لما كان يعتقده أهل الجاهلية من نسبة الفعل لغير الله تعالى (قوله: ولو كان بها الخ) كلام مستأنف، ولو شرطية جوابها قوله فلا كفاءة، ولا يصح جعلها غاية ويكون قوله فلا كفاءة تفريعا لأن موضوع هذه الخصلة لأن السليمة من العيوب لا يكافئها من هو متصف بها، وحينئذ فينحل المعنى السليمة من العيوب لا يكافئها من ذكر وإن كان بها عيب ولو متفقا، فيناقض آخر الكلام أوله. لأنها إذا كان بها عيب فلا تكون سليمة من العيوب، لا سيما عند اتفاقهما في العيب. وقوله وإن اتفقا أي العيبان كأن يكون جذماء، وهو كذلك، وذلك لأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعافه من نفسه. وقوله أو كان ما بها أقبح: أي أو كان العيب الذي فيها أقبح من العيب الذي فيه: كأن تكون جذماء وهو أبرص، أو يكون الذي بها

(تتمة) ومن عيوب النكاح رتق وقرن فيها وجب وعنة فيه فلكل من الزوجين الخيار فورا في فسخ النكاح بما وجد من العيوب المذكورة في الآخر بشرط أن يكون بحضور الحاكم. وليس منها استحاضة وبخر وصنان ـــــــــــــــــــــــــــــ أكثر (قوله: أما العيوب الخ) مقابل قوله عيب مثبت لخيار. وقوله كالعمى الخ: تمثيل للعيوب التي لا تثبت الخيار (قوله: وقطع الطرف) أي قطع عضو من أعضائه، وهو بفتح الراء، وأما بسكونها فهو العين. وقوله وتشوه الصورة: أي قبح الخلقة بنقص فيها أو غيره (قوله: تتمة) أي في بيان العيوب التي تثبت الخيار، وقد أفردها الفقهاء بباب مستقل. وحاصلها سبعة: الثلاثة المتقدمة وهي مشتركة، ويثبت الخيار بها للزوجين مطلقا، وجدت قبل العقد أو بعده، وللولي إن قارنت العقد وإن رضيت بها لأنه يعير بها. واثنان خاصان بالرجل: وهما الجب والعنة، فيثبت الخيار بهما للزوجة، وإثنان خاصان بها: وهما الرتق والقرن، فيثبت بهما الخيار للزوج (قوله: ومن عيوب النكاح) أي العيوب المثبتة لفسخ النكاح (قوله: رتق) بفتحتين: وهو انسداد محل الجماع بلحم. ولا تجبر على شق الموضع فإن شقته أو شقه غيرها وأمكن الوطئ فلا خيار لزوال المانع من الجماع، ولا تمكن الأمة من الشق إلا بإذن سيدها. وقوله وقرن، بفتح القاف وفتح الراء، وقيل بسكونها، وهو انسداد محل الجماع بعظم (قوله: وجب) بفتح الجيم وتشديد الباء: وهو قطع الذكر أو بعضه والباقي دون الحشفة ولو بفعل الزوجة أو بعد الوطئ. وقوله وعنة، بضم العين وتشديد النون، وهي العجز عن الوطئ في القبل لضعف الآلة أو القلب أو الكبد. ولا بد في ثبوت الخيار بها من أن تكون من مكلف، بخلاف الصبي والمجنون فلا يسمع دعوى العنة في حقهما لأنها لا تثبت إلا بإقرار الزوج عند القاضي أو عند بينة تشهد على إقراره أو بيمينها بعد نكوله وإقرار كل من الصبي والمجنون لغو كنكوله ولا تثبت بالبينة لأنه لا إطلاع للشهود عليها. ولا بد أيضا أن تكون قبل الوطئ فلا خيار له بعد الوطئ ولو مرة لأنها وصلت إلى مطلوبها وعرفت بذلك قدرته على الجماع مع توقع حصول الشفاء بزوالها وعود الداعية للإستمتاع، بخلاف حدوث الجب بعد الوطئ فإنه يثبت به الخيار ليأسها من الجماع وعدم توقع الإستمتاع، ولا بد من ضرب القاضي له سنة، كما فعله عمر رضي الله عنه وتابعه العلماء عليه، وقالوا: تعذر الجماع قد يكون لعارض حرارة فيزول في الشتاء، أو برودة فيزول في الصيف، أو يبوسة فيزول في الربيع، أو رطوبة فيزول في الخريف، فإذا مضت السنة ولم يطأ رفعت أمرها إلى القاضي لامتناع استقلالها بالفسخ، فإذا ادعى الوطئ وهي ثيب أو بكر غوراء ولم تصدقه صدق هو بيمينه أنه وطئ، ولا يطالب بوطئ، بخلاف البكر غير الغوراء فتحلف هي أنه لم يطأ، وكذلك إن نكل عن اليمين في الثيب أو البكر الغوراء فإنها تحلف يمين الرد كغيرها (قوله: فلكل من الزوجين الخ) تفريع على كون المذكورات من عيوب النكاح. وقوله الخيار فورا: أي لأن الخيار خيار عيب وهو على الفور كما في الخيار بعيب المبيع. فمن أخر بعد ثبوت حقه سقط خياره وتقبل دعواه الجهل بأصل ثبوت الخيار أو بفوريته إن أمكن بأن لا يكون مخالطا للعلماء مخالطة تستدعي عرفا معرفة ذلك، ولا ينافي الفورية ضرب السنة في العنة لأنها لا تثبت بعد مضي السنة والرفع بعدها إلى القاضي، وحينئذ فلها الفسخ ولكن بعد قول القاضي ثبتت عندي عنته أو ثبت حق الفسخ (قوله: في فسخ النكاح). (اعلم) أن الفسخ يفارق الطلاق في أربعة أمور: الأول أنه لا ينقص عدد الطلاق فلو فسخ مرة ثم جدد العقد ثم فسخ ثانيا وهكذا لم تحرم عليه الحرمة الكبرى، بخلاف ما إذا طلق ثلاثا فإنها تحرم عليه الحرمة المذكورة ولا تحل له إلا بمحلل. الثاني إذا فسخ قبل الدخول فلا شئ عليه، بخلاف ما إذا طلق فإن عليه نصف المهر. الثالث إذا فسخ لتبين العيب بعد الوطئ لزمه مهر المثل، بخلاف ما إذا طلق حينئذ فإن عليه المسمى. الرابع إذا فسخ بمقارن للعقد فلا نفقه لها وإن كانت حاملا، بخلاف ما إذا طلق في الحالة المذكورة فتجب النفقة. وأما السكنى فتجب في كل من الفسخ والطلاق حيث كان بعد الدخول (قوله: بما وجد الخ) متعلق بالخيار، والباء سببية: أي الخيار بسبب ما وجد من العيوب. وقوله في الآخر: متعلق بوجد (قوله: بشرط أن يكون بحضور الحاكم) أي إنما يصح الخيار فورا في فسخ النكاح إن كان حاصلا بحضور الحاكم، وذلك لأن الفسخ بالعيوب المذكورة أمر مجتهد فيه كالفسخ بإعسار فتوقف ثبوتها على مزيد نظر

وقروح سيالة وضيق منفذ. ويجوز لكل من الزوجين خيار بخلف شرط وقع في العقد لا قبله كأن شرط في أحد الزوجين حرية أو نسب أو جمال أو يسار أو بكارة أو شباب أو سلامة من عيوب كزوجتك بشرط أنها بكر أو حرة مثلا، فإن بان أدنى مما شرط فله فسخ ولو بلا قاض ولو شرطت بكارة فوجدت ثيبا وادعت ذهابها عنده فأنكر ـــــــــــــــــــــــــــــ واجتهاد، وهو لا يكون إلا من الحاكم فلو تراضيا بالفسخ بها من غير حاكم لم ينفذ، ويغني عنه المحكم بشرط ولو مع وجود القاضي. نعم إن لم تجد حاكما ولا محكما نفذ فسخها للضرورة، كما قالوه في الإعسار بالنفقة، (قوله: وليس منها) أي من العيوب المثبتة للخيار، فهو مرتبط بقوله ومن عيوب النكاح الخ (قوله: استحاضة) أي وإن لم تخفظ لها عادة بأن تحيرت وإن حكم أهل الخبرة باستحكامها (قوله: وبخر) بفتحتين نتن الفم وغيره كالأنف، وقيل نتن الأنف يسمى نخرا بالنون (قوله: وصنان) هو بضم الصاد. وظاهر إطلاقه أنه لا فرق فيه بين أن يكون مستحكما أو يكون لعارض عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع الوسخ (قوله: وقروح سيالة) أي كالمبارك المعروف (قوله: وضيق منفذ) أطلق جعله من العيوب الغير المثبتة للخيار وليس كذلك، بل فيه تفصيل: هو أنه إن تعذر دخول ذكر من بدنه كبدنها نحافة وضدها فرجها كان من العيوب المثبتة للخيار، وإلا فلا. وعبارة التحفة. ومثله، أي المنسد محل جماعها، ضيق المنفذ بحيث يفضيها كل واطئ. كذا أطلقوه. ولعل المراد بحيث يتعذر دخول ذكر من بدنه كبدنها نحافة وضدها فرجها، سواء أدي لإفضائها أم لا، ثم قال: قال الأسنوي وكما يخير بذلك فكذلك تتخير هي بكر آلته بحيث يفضي كل موطوءة. اه. بتصرف. والإفضاء رفع ما بين قبلها ودبرها، أو رفع ما بين مدخل الذكر ومخرج البول على الخلاف فيه. (قوله: ويجوز لكل من الزوجين خيار إلخ) شروع في بيان خيار الشرط بعد بيان خيار العيب. وحاصل الكلام عليه أنه لو شرط في أحد الزوجين وصف لا يمنع صحة النكاح كمالا كان كجمال وبكارة وحرية أو نقصا كضدها أو لا، ولا كبياض وسمرة، فأخلف المشروط صح النكاح لأن خلف الشرط إذا لم يفسد البيع المتأثر بالشروط الفاسدة فالنكاح أولى، ولكل من الزوجين الخيار إن بان الموصوف دون ما شرط كأن شرط أنها حرة فبانت أمة وهو حر يحل له نكاح الأمة وقد أذن سيدها في نكاحها أو أنه حر فبان عبدا وهي حرة وقد أذن له سيده في نكاحه، فإن بان مثل ما شرط أو خيرا مما شرط كإسلام وبكارة وحرية بدل أضدادها صح النكاح ولا خيار لأنه مساو أو أكمل. وحكم المهر هنا كحكمه في خيار العيب، فإن كان الفسخ قبل وطئ فلا مهر أو بعده، أو معه فمهر المثل (قوله: بخلف شرط) أي بوصف لا يمنع صحة النكاح كما علمت بخلاف ما إذا كان يمنعها كأن شرط كونها أمة وهو حر لا يحل له نكاحها أو شرط كونها مسلمة وهو كافر فالنكاح يبطل بذلك من أصله. وخرج بقوله خلف شرط خلف العين كزوجني على زيد فزوجها على عمرو فإن النكاح يبطل جزما. وقوله وقع في العقد الجملة صفة لشرط: أي شرط موصوف بكونه وقع في العقد. وقوله لا قبله: تصريح بمفهوم، قوله في العقد: أي أما إذا وقع قبله فلا يؤثر. وذلك لأنه إنما يؤثر إذا ذكر في العقد، بخلاف ما إذا سبقه (قوله: كأن شرط في أحد الزوجين الخ) هو شامل لما إذا كان الشارط الزوجة أو الولي ولما إذا كانت الزوجة مجبرة، أو غير مجبرة: أي وقد أذنت في معين وشرطت ما ذكر فإن إذنها في النكاح للمعين بمثابة إسقاط الكفاءة منها ومن الولي. اه. بجيرمي. وقوله حرية بالرفع نائب فاعل شرط. وقوله أو يسار: أي غنى. وقوله أو بكارة: ومعنى كون الزوج بكرا أنه لم يتزوج إلى الآن. اه. بجيرمي. وقوله أو سلامة من عيوب: أي غير عيوب النكاح، وأما هي فهي مثبتة للخيار مطلقا سواء شرطت السلامة منها أم لا. وعبارة البجيرمي: فإن وجد عيب من عيوب النكاح كان لها الخيار مطلقا وإن كان الوصف من غيرها من بقية خصال الكفاءة كالحرية والنسب والحرفة، فإن شرط منها كان لها الخيار وإلا فلا. اه (قوله: كزوجتك بشرط أنها بكر أو حرة مثلا) أي أو نسيبة أو غنية أو شباب. ومثله يقال في الزوج كأن يقول ولي الزوجة للزوج زوجتك بشرط أنك بكر أو حر أو غني أو شباب أو يقول ذلك لوكيل الزوج (قوله: فإن بان أدنى مما شرط) إسم بان يعود على أحد الزوجين، لكن على تقدير مضاف، ومتعلق شرط محذوف: أي فإن بان أحد الزوجين: أي وصفه أدنى من الوصف الذي فيه وما ذكر مرتب على مقدر. أي فإذا شرط وأخلف الشرط فإن بان أدنى مما شرط فله فسخ. قال في التحفة: نعم الأظهر

صدقت بيمينها لدفع الفسخ أو ادعت افتضاضه لها فأنكر فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ أيضا، لكن يصدق هو بيمينه لتشطير المهر إن طلق قبل الدخول (ولا يقابل بعضها) أي بعض خصال الكفاءة (ببعض) من تلك الخصال فلا تزوج حرة عجمية برقيق عربي ولا حرة فاسقة بعبد عفيف. قال المتولي: وليس من الحرف الدنيئة خبازة. ولو اطرد عرف بلد بتفضيل بعض الحرف الدنيئة التي نصوا عليها لم يعتبر، ويعتبر عرف بلدها فيما لم ينصوا عليه. وليس للاب تزويج ابنه الصغير أمة لانه مأمون العنت (ويزوجها بغير كفء ولي) بنسب وولاء (لا ـــــــــــــــــــــــــــــ في الروضة أن نسبه إذا بان مثل نسبها أو أفضل لم تتخير وإن كان دون المشروط، وكذا لو شرطت حريته فبان قنا وهي أمة على الأوجه. اه. وخرج بقوله أدنى ما لو بان مثله أو خيرا منه فلا فسخ (قوله: ولو بلا قاض) غاية لقوله فله فسخ، وهي للرد، كما يستفاد من عبارة التحفة ونصها: والخيار فوري، ونازع فيه الشيخان بأنه مجتهد فيه فليكن، كما مر اه. أي كعيب النكاح. ومثلها النهاية (قوله: ولو شرطت بكارة) أي شرط الزوج أنه لا يتزوجها إلا إن كانت بكرا. وقوله فوجدت ثيبا. أي فوجدها ثيبا (قوله: وادعت ذهابها عنده) أي ادعت أن البكارة ذهبت عند الزوج بعد العقد. والمراد لا بوطئه بأن يكون بنحو سقطه ليغاير ما بعده. وقوله فأنكر: أي أنها ذهبت عنده. وقوله صدقت بيمينها: جواب لو. وقوله لدفع الفسخ: أي لأجل ذلك (قوله: أو ادعت افتضاضه لها) أي أو ادعت أنها دخلت عليه بكرا، وأنه هو الذي أزال بكارتها. فلو قال عند قوله وادعت ذهابها عنده بوطئه أو بغيره لكان أخصر. وقوله فأنكر: أي الزوج ما ادعته وادعى أنه ما افتضها بل وجدها ثيبا (قوله: فالقول قولها بيمينها) عبر أولا بقوله صدقت بيمينها وهنا بما ذكر تفننا، وقوله أيضا: أي كما تصدق في الصورة الأولى لدفع الفسخ (قوله: لكن يصدق الخ) راجع للصورتين قبله ودفع بهذا الإستداراك ما قد يتوهم من أنه إذا كان القول قولها بيمينها في الصورتين أنها تستحق المهر كاملا مع أنه ليس كذلك. (والحاصل) القول قولها بالنسبة لدفع الفسخ، والقول قوله بالنسبة لتشطير المهر. (قوله: إن طلق قبل الدخول) أي قبل الوطئ فإن طلق بعد الوطئ وقال وطئتها ووجدتها ثيبا وقالت أزالها بوطئه صدقت الزوجة فيجب المهر لأنه كان يمكنه معرفة كونها بكرا بغير الوطئ (قوله: ولا يقابل الخ) لو قدم هذا على التتمة لكان أولى لأنه من متعلقات خصال الكفاءة ومعنى عدم مقابلة بعض خصال الكفاءة ببعض أنه لا تجبر خصلة في الزوج رديئة بخصلة حميدة. فلو كان الزوج نسيبا معيبا وهي سليمة من العيوب وغير نسيبة فلا يجبر النسب العيب ويكون كفؤا لها. ومثله ما لو كان ابن البزاز عفيفا وابنة العالم غير عفيفة فلا يكون كفؤا لها. ومثله ما ذكره المؤلف بقوله فلا تزوج حرة عجمية برقيق عربي لأنه ليس كفؤا لها، وذلك لما بالزوج من النقص المانع من الكفاءة - وهو الرق - ولا ينجبر بما فيه من الفضيلة الزائدة وهي كونه عربيا. وبقوله ولا حر ة فاسقة بعبد عفيف: أي لا تزوج حرة فاسقة بعبد عفيف لما مر (قوله: وليس من الحرف الدنيئة خبازة) بكسر ففتح: أي ولا نجارة بالنون ولا تجارة بالتاء (قوله: ولو اطرد عرف الخ) وحاصل ذلك أن ما نص عليه الفقهاء من رفعه أو دناءة في الخصال نعول عليه، وما لم ينص الفقهاء عليه يرجع فيه إلى عرف البلد. قال في التحفة: وهل المراد بلد العقد أو بلد الزوجة؟ كل محتمل. والثاني أقرب: لأن المدار على عارها وعدمه. وذلك وإنما يعرف بالنسبة لعرف بلدها، أي التي هي به حالة العقد - وذكر في الأنوار تفاضلا بين كثير من الحرف، ولعله باعتبار عرف بلده. اه. وقوله وذكر في الأنوار: قد نقلنا بعض عبارته فيما تقدم، فارجع إليه إن شئت: وقوله لم يعتبر: أي العرف المطرد بعد نص الفقهاء (قوله: ويعتبر عرف بلدها) قال في النهاية: أي التي هي بها حالة العقد. وقال ع ش: قضيته اعتبار بلد العقد وإن كان مجيئا لها لعارض كزيارة وفي نيتها العود إلى وطنها، وينبغي خلافه. ثم رأيت في سم على حجر ما نصه: قوله أي التي هي بها، إن كان المراد التي بها على وجه التوطن فواضح، وإن كان المراد على عزم العود لبلدها فمشكل. اه. وقوله فيما لم ينصوا عليه: أي في الحرف التي لم ينصوا عليها بدناءة ولا برفعة (قوله: وليس للأب تزويج ابنه الخ) لو أخر هذا وذكره في فصل في نكاح الأمة لكان أنسب وإن كان ذكره هنا فيه نوع مناسبة من جهة أن

قاض برضا كل) منها ومن وليها أو أوليائها المستوين الكاملين لزوال المانع برضاهم، أما القاضي فلا يصح له تزويجها لغير كفء وإن رضيت به على المعتمد إن كان لها ولي غائب أو مفقود لانه كالنائب عنه فلا يترك الحظ له. وبحث جمع متأخرون أنها لو لم تجد كفؤا وخافت الفتنة لزم القاضي إجابتها للضرورة. قال شيخنا وهو ـــــــــــــــــــــــــــــ الامة لا تكافئ الحر. وقوله أمة: أي أو معيبة بعيب يثبت الخيار، ويجوز تزويجه من لا تكافئه بنسب أو حرفة أو غيرهما من سائر الخصال غير العيوب. وذلك لأن الرجل لا يعير باستفراش من لا تكافئه. نعم: يثبت له الخيار إذا بلغ. وقوله لأنه مأمون العنت: أي الذي هو شرط في جواز نكاح الأمة. وفي التحفة بعده: قال الزركشي قد يمنع هذا في المراهق لأن شهوته إذ ذاك أعظم. (فإن قيل) فعله ليس زنا. (قيل) وفعل المجنون كذلك مع أنهم جوزوا له نكاح الأمة عند خوف العنت فهلا كان المراهق كذلك؟ اه. ولك رده بأن وطئ المجنون يشبه وطئ العاقل إنزالا ونسبا وغيرهما، بخلاف وطئ المراهق فلا جامع بينهما. وادعاء أن شهوته إذ ذاك أعظم ممنوع لأنها شهوة كاذبة إذ لم تنشأ عن داع قوي وهو انعقاد المني. اه (قوله: ويزوجها بغير كفء الخ) أي يصح أن يزوجها عليه الخ. وقوله ولي: فاعل يزوجها. ولا فرق فيه بين أن يكون منفردا: أي ليس هناك ولي غيره أو ليس منفردا بدليل قوله بعد أو أوليائها (قوله: لا قاض) معطوف على ولي (قوله: برضا كل) متعلق بيزوجها. وقوله منها الخ: بيان لكل. وقوله ومن وليها: إن كان هو المباشر للعقد فلا حاجة إلى ذكره لأن مباشرته تستلزم الرضا منه، وإن كان غيره من بقية الأولياء أغنى عنه قوله بعد أو أوليائها. وعبارة متن المنهاج: زوجها الولي غير كفء برضاها أو بعض الأولياء المستوين برضاها ورضا الباقين صح التزويج. اه. فلو صنع مثل صنيعه لكان أولى (قوله: أو أوليائها) أي أو منها مع أوليائها: أي باقيهم. فلو زوجها أحد الأولياء بغير كفء برضاها فقط ولم يرض باقي الأولياء لم يصح لأن لهم حقا في الكفاءة إلا في إعادة النكاح المختلع رضوا به أو لا بأن زوجها أحدهم به برضاها ورضاهم ثم اختلعها زوجها فأعادها له أحدهم برضاها دون الباقين فإنه يصح، ويكفي رضاهم به أولا. أفاده في الروض وشرحه. وقوله المستوين: أي في درجة واحدة كإخوة. وخرج به ما إذا لم يكونوا مستوين كأخ وعم فلا عبرة بالأبعد الذي هو العم لأنه لا حق له في الكفاءة. فلو زوجها الأقرب غير كفء برضاها فليس له اعتراض عليه ولا نظر لتضرره بلحوق العار بنسبه لأن القرابة يكثر انتشارها فيشق اعتبار رضا الكل. وقوله الكاملين: أي البالغين العاقلين. وخرج به غيرهم فلا يعتبره رضاه (قوله: لزوال المانع) علة لقوله يزوجها برضا كل: أي يزوجها مع رضاهم لزوال المانع من صحة النكاح وهو الكفاءة برضاهم. وإنما زال المانع بذلك لما تقدم أن الكفاءة ليست بشرط للصحة فتسقط بالرضا (قوله: أما القاضي الخ) مفهوم قوله لا قاض. وقوله فلا يصح له تزويجها لغير كفء: يستثنى منه ما لو كان عدم الكفاءة بسبب جب أو عنة فيصح للقاضي تزويجها على المجبوب والعنين برضاها. وقوله على المعتمد: لا ينافيه خبر فاطمة بنت قيس السابق أول الفصل: إذ ليس فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - زوجها أسامة بل أشار عليها به ولا يدري من زوجها فيجوز أن يكون زوجها ولي خاص برضاها، ومقابل المعتمد أنه يصح كما في التحفة ونصها: وقال كثيرون، أو الأكثرون، ويصح. وأطال جمع متأخرون في ترجيحه وتزييف الأول، وليس كما قالوا. اه. قوله وأطال جمع متأخرون في ترجيحه: رأيت في بعض هوامش فتح الجواد ما نصه: إختار جماعة من الأصحاب الوجه القائل بالصحة مطلقا منهم الشيخ أبو محمد والإمام الغزالي والعبادي، ومال إليه السبكي ورجحه البلقيني وغيره، وعليه العمل. اه. مشكاة المصباح لبا مخرمة. اه (قوله: إن كان لها ولي الخ) سيأتي محترزه (قوله: لأنه) أي القاضي. (وقوله: كالنائب عنه) أي عن الولي الخاص الغائب أو المفقود. (وقوله: فلا يترك) أي القاضي. (وقوله: الحظ له) أي للولي الخاص المذكور والحظ له هو تزويجها على كفء (قوله: وبحث جمع متأخرون أنها) أي المرأة التي غاب وليها أو فقد (قوله: قال شيخنا وهو) أي البحث المذكور متجه مدركا. وعبارته بعد كلام، ثم رأيت جمعا متأخرين بحثوا أنها لو لم تجد كفؤا وخافت العنت لزم القاضي إجابتها قولا واحدا للضرورة كما أبيحت الأمة

متحه. مدركا، أما من ليس لها ولي أصلا فتزويجها القاضي لغير كفء بطلبها التزويج منه صحيح على المختار - خلافا للشيخين. (فرع) لو زوجت من غير كفء بالاجبار أو بالاذن المطلق عند التقييد بكفء أو بغيره لم يصح التزويج لعدم رضاها به، فإن أذنت في تزويجها بمن ظنته كفؤا فبان خلافه صح النكاح ولا خيار لها لتقصيرها بترك البحث نعم، لها خيار إن بان معيبا أو رقيقا وهي حرة. (تتمة) يجوز للزوج كل تمتع منها بما سوى حلقة دبرها ولو بمص بظرها أو استمناء بيدها، لا بيده، وإن ـــــــــــــــــــــــــــــ لخائف العنت. اه. وهو متجه مدركا. والذي يتجه نقلا ما ذكرته أنه إن كان في البلد حاكم يرى تزويجها من غير الكفء تعين، فإن فقد ووجدت عدلا تحكمه ويزوجها تعين، فإن فقدا تعين ما بحثه هؤلاء. اه (قوله: أما من ليس لها ولي أصلا الخ) محترز قوله إن كان لها ولي الخ. ثم إن تفصيله المذكور بين أن يكون لها ولي غائب أو نحوه فلا يصح تزويج الحاكم على الأصح، وبين أن لا يكون لها ولي أصلا فيصح على المختار ليس في التحفة والنهاية، بل الذي فيهما مع الأصل أنه لا يزوج الحاكم بغير كفء على الأصح مطلقا، لا فرق في ذلك بين أن لا يكون لها ولي أصلا وبين أن يكون لها ولي غائب أو فقد، ثم ذكرا مقابله ولم يفصلا فيه التفصيل المذكور، ثم نقلا عن جمع تخصيص المقابل، وهو القول بالصحة، بما إذا لم يكن تزويجه لنحو غيبة الولي أو عضله وإلا لم يصح تزويجه قطعا لبقاء حقه وولايته. وفي المنهج وشرحه والروض وشرحه: الجزم بعدم صحة تزويج الحاكم بغير كفء برضاها من غير تفصيل ولا ذكر خلاف. إذا علمت هذا تعلم ما في كلامه وتعلم أيضا ما في قوله بعد صحيح على المختار فإنه إن كان جاريا فيه على مقابل الأصح ورد عليه أنه يقول بالصحة مطلقا من غير تفصيل، وإن كان جاريا على ما جرى عليه جمع من تخصيص القول بالصحة بما إذا لم يكن تزويجنه لنحو غيبة الولي ورد عليه أنه إذا كان لها ولي غائب لا يصح تزويجه قطعا. وهو قد أشار إلى الخلاف فيه بقوله فيما سبق على المعتمد. ويمكن أن يقال إن المؤلف رحمه الله تعالى جار على طريقة ثالثة توسط فيها ففصل التفصيل المذكور. تأمل (قوله: فرع) الأولى فرعان لأنه ذكر اثنين: الأولى قوله لو زوجت من غير كفء الخ. الثاني قوله فإن أذنت في تزويجها الخ (قوله: لو زوجت) أي المرأة مطلقا بكرا كانت أو ثيبا. وقوله من غير كفء: أي على غير كفء. وقوله بالإجبار: أي بأن يكون الولي أبا أو جدا وهي بكر (قوله: أو بالإذن) أي أو زوجت بإذنها بأن كانت ممن يعتبر إذنها: كأن يكون الولي غير مجبر أو هي ثيب بالغ. وقوله المطلق عن التقييد بكفء أو بغيره: أي أذنت في تزويجها من غير تعيين زوج بأن قالت له أذنت لك في تزويجي: فإن قيدت الإذن بكفء تعين، أو غير كفء: فإن كان المزوج الولي الخاص صح تزويجها عليه كما تقدم (قوله: لم يصح التزويج) أي على الأصح، ومقابله يصح لكن لها الخيار حالا إن كانت بالغة، وبعد البلوغ إن كانت صغيرة، كما في متن المنهاج، وعبارته، ويجري القولان في تزويج الأب بكرا صغيرة أو تزويج الأب أو غيره بالغة غير كفء بغير رضاها، ففي الأظهر التزويج باطل، وفي الآخر يصح، وللبالغة الخيار، وللصغيرة إذا بلغت. اه (قوله: فإن أذنت في تزويجها) أي معتبرة الإذن. وقوله بمن ظنته كفؤا أي على معين ظنته كفؤا. وقوله فبان: أي من ظنته كفؤا. وقوله خلافه: أي خلاف كونه كفؤا وهو كونه غير كفء (قوله: صح النكاح) جواب إن (قوله: ولا خيار لها) أي في فسخ النكاح. وقوله لتقصيرها بترك البحث: علة لعدم ثبوت الخيار لها (قوله: نعم إلخ) استدراك من عدم ثبوت الخيار لها وقوله إن بان: أي الذي ظنته كفؤا. وقوله معيبا أو رقيقا: قال ع ش أي بخلاف ما لو بان فاسقا أو دنئ النسب أو الحرفة مثلا فلا خيار لها حيث أذنت فيه، بخلاف ما لو زوجت من ذلك بغير إذنها فالنكاح باطل. اه. (قوله: تتمة) أي في بيان بعض آداب النكاح. وقد ذكرت معظمها قبيل مبحث الأركان (قوله: يجوز للزوج) ومثله المتسري (وقوله: كل تمتع منها) أي من زوجته: أي أو من أمته (قوله: بما سوى حلقة دبرها) أما التمتع بها بالوطئ

خاف الزنا، خلافا لاحمد، ولا افتضاض بأصبع. ويسن ملاعبة الزوجة إيناسا، وأن لا يخليها عن الجماع كل أربع ليال مرة بلا عذر، وأن يتحرى بالجماع وقت السحر، وأن يمهل لتنزل إذا تقدم إنزاله، وأن يجامعها عند القدوم من سفره، وأن يتطيبا للغشيان، وأن يقول كل، ولو مع اليأس من الولد، بسم الله اللهم جنبنا الشيطان. وجنب الشيطان ما رزقتنا. وأن يناما في فراش واحد والتقوي له بأدوية مباحة بقصد صالح: كعفة ونسل وسيلة لمحبوب فليكن محبوبا فيما يظهر. قاله شيخنا: ويحرم عليها منعه من استمتاع جائز. ويكره لها أن تصف ـــــــــــــــــــــــــــــ فحرام: لما ورد أنه اللوطية الصغرى وأنه لا ينظر الله إلى فاعله وأنه ملعون (قوله: ولو بمص بظرها) أي ولو كان التمتع بمص بظرها فإنه جائز. قال في القاموس: البظر - بالضم - الهنة، وسط الشفرة العليا. اه. والهنة هي التي تقطعها الخاتنة من فرج المرأة عند الختان (قوله: أو استمناء بيدها) أي ولو باستمناء بيدها فإنه جائز. وقوله لا بيده: أي لا يجوز الاستمناء بيده، أي ولا بيد غيره غير حليلته، ففي بعض الأحاديث لعن الله من نكح يده. وإن الله أهلك أمة كانوا يعبثون بفروجهم وقوله وإن خاف الزنا: غاية لقوله لا بيده، أي لا يجوز بيده وإن خاف الزنا. وقوله خلافا لأحمد: أي فإنه أجازه بيده بشرط خوف الزنا وبشرط فقد مهر حرة وثمن أمة (قوله: ولا افتضاض بأصبع) ظاهر صنيعه أنه معطوف على قوله لا بيده، وهو لا يصح: إذ يصير التقدير ولا يجوز استمناء بافتضاض، ولا معنى له. فيتعين جعله فاعلا لفعل مقدر: أي ولا يجوز افتضاض: أي إزالة البكارة بأصبعه. وفي البجيرمي ما نصه: قال سم ولا يجوز إزالة بكارتها بأصبعه أو نحوها، إذ لو جاز ذلك لم يكن عجزه عن إزالتها مثبتا للخيار لقدرته على إزالتها بذلك. اه (قوله: ويسن ملاعبة الزوجة) ومثلها الأمة المتسرى بها. وقوله إيناسا: أي لأجل الإيناس بها (قوله: وأن لا يخليها إلخ) أي ويسن أن لا يخليها عن الجماع كل أربع ليال: أي تحصينا لها، ولأن غاية ما تطيق المرأة في الصبر عن الجماع ثلاث ليال، ولذلك لم يسوغ الشارع للحر أكثر من أربع (قوله: بلا عذر) متعلق بيخليها المنفي، فإن كان هناك عذر قائم بها، كحيض أو نفاس، أو به، كمرض، لا يكون عدم الإخلاء المذكور سنه (قوله: وأن يتحرى إلخ) أي ويسن أن يجتهد في أن يكون جماعه في وقت السحر، وذلك لانتفاء الشبع والجوع المفرطين حينئذ: إذ هو مع أحدهما مضر غالبا (قوله: وأن يمهل إلخ) أي ويسن أن يمهل: أي يؤخر نزع ذكره من فرجها إذا تقدم إنزاله حتى تنزل. ويظهر ذلك بإخبارها أو بقرائن (قوله: وأن يجامعها الخ) أو ويسن أن يجامعها عند القدوم من سفره. قال ع ش: أي يجامعها في الليلة التي تعقب سفره، بل أو في يومه إن اتفقت خلوة. اه (قوله: وأن يتطيبا للغشيان) أي ويسن أن يتطيب الزوجان للوطئ (قوله: وأن يقول كل) أي ويسن أن يقول كل من الزوجين ما ذكر، وذلك لما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد لم يضره وفي رواية للبخاري لم يضره شيطان أبدا قال في النهاية: وليتحر استحضار ذلك أي قوله بسم الله الخ، عند الإنزال، فإن له أثرا بينا في صلاح الولد وغيره. اه. وقوله ولو مع اليأس من الولد: غاية في سن القول المذكور: أي يسن أن يقول كل منهما ذلك ولو مع اليأس من الولد لكونها كبيرة أو صغيرة أو حاملا. كذال في ع ش. والمراد بيأس الحامل من الولد: أي الطارئ، إذ الحامل لا يتصور أن تحمل (قوله: والتقوي) مبتدأ خبره قوله وسيلة لمحبوب. وقوله له: أي للجماع. وقوله بأدوية: متعلق بالتقوي. وقوله مباحة: خرجت المحرمة فيحرم التقوي بها. وقوله بقصد صالح: أي مع قصد صالح. (وقوله: كعفة الخ) تمثيل للقصد الصالح. (وقوله: وسيلة لمحبوب) وهو الجماع المصحوب بالقصد الصالح. (وقوله: فليكن) أي التقوي بأدوية مباحة (قوله: ويحرم عليها) أي الزوجة، ومثلها الأمة، وقوله منعه: أي الزوج. وقوله من استمتاع جائز: أي جماعا كان أو غيره (قوله: ويكره لها أن تصف الخ) محل الكراهة، كما هو ظاهر، إذا كانت الموصوفة خلية لأنه إذا علق بها يمكنه أن يتزوجها، بخلاف الحليلة فينبغي حرمته إذا غلب على ظنها أنه يؤدي إلى فتنة، كذا في فتح الجواد

لزوجها أو غيره امرأة أخرى لغير حاجة. وله الوطئ في زمن يعلم دخول وقت المكتوبة فيه وخروجه قبل وجود الماء وأنها لا تغتسل عقبه وتفوت الصلاة. فصل في نكاح الامة (حرم لحر) ولو عقيما أو آيسا من الولد (نكاح أمة) لغيره ولو مبعضة (إلا) بثلاثة شروط: أحدها (بعجز عمن تصلح لتمتع) ولو أمة أو رجعية لانها في حكم الزوجية ما لم تنقض عدتها بدليل التوارث بأن لا يكون تحته ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: لغير حاجة) متعلق بتصف: أي يكره ذلك إذا كان لغير حاجة، أما إذا كان لحاجة كأن أرسلها تنظر امرأة لأجل إرادة التزويج عليها فلا يكره، كما مر في مبحث الخطبة (قوله: وله الوطئ الخ) أي ويجوز للزوج - ومثله السيد - أن يجامع أهله عند عدم الماء في وقت الصلاة وإن علم خروج الوقت قبل وجود الماء ويتيمم حينئذ ويصلي من غير إعادة، كما صرح بذلك في النهاية في باب التيمم ونص عبارتها: ويجوز للرجل جماع أهله وإن علم عدم الماء وقت الصلاة فيتيمم ويصلي من غير إعادة. اه. وكتب ع ش قوله وإن علم إلخ ما نصه. هذا ظاهر حيث كانا مستنجيين بالماء، وإلا لم يجز له جماعها - كما مر - لما فيه من التضمخ بالنجاسة، ولما يترتب عليه من بطلان تيممه إذا علم أنه لم يجد ماء في وقت الصلاة. هذا وقد مر أنه لا يكلف الاستنجاء من المذي لأنه يضعف شهوته فيعفي عنه لكن بالنسبة للجماع لا لما أصاب بدنه منه أو ثوبه. وعليه فلو علم أنه لا يجد ماء يغسل به ما أصابه منه بعد الجماع فينبغي حرمته إذا كان الجماع بعد دخول الوقت لا قبله فلا يحرم لعدم مخاطبته بالصلاة الآن وهو لا يكلف تحصيل شروط الصلاة قبل دخول وقتها. اه. (قوله: وأنها لا تغتسل الخ) الذي يظهر أن الواو بمعنى أو، وأنها صورة ثانية لجواز الوطئ وليست من تتمة ما قبلها، ولكن لم يظهر ما تعطف عليه ثم ظهر أنه معطوف على مدخول يعلم ويقدر ما يناسبه: أي وله الوطئ في زمن يعلم أنها لا تغتسل عقب وطئه فيه وأنه يخرج وقت المكتوبة فتفوت الصلاة بأن يكون الزمن الذي وطئها فيه لا يسع إلا الوطئ والغسل عقبه والصلاة. تأمل. والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل في نكاح الأمة أي في بيان حكمه: صحة وعدمها (قوله: حرم لحر) أي كامل الحرية بخلاف الرقيق كلا أو بعضا فيجوز له نكاح الأمة وإن لم توجد الشروط ما عدا إسلام الأمة فهو شرط فيه أيضا فلا يجوز له إذا كان مسلما أن يتزوج إلا أمة مسلمة (قوله: ولو عقيما أو آيسا) غاية في الحرمة وهي للتعميم: أي لا فرق فيها بين أن يكون الحر عقيما أو آيسا أو لا (قوله: نكاح أمة لغيره) أي العقد على أمة غيره وإنما قيد بقوله لغيره لأنه لا يجوز له نكاح أمته: أي العقد عليها مطلقا وجدت الشروط أم لا. نعم: إن أعتقها جاز له نكاحها، بل يستحب، لأنه ورد: أن له أجرين: أجرا على إعتاقها، وأجرا على نكاحها. وأمة ولده مثل أمته في ذلك. (وقوله: ولو مبعضة) تعميم في الأمة: أي لا فرق فيها بين أن تكون رقيقة كاملة أو مبعضة فهي كالرقيقة، لأن إرقاق بعض الولد محظور كإرقاق كله. نعم: إذا جاز له نكاح الأمة ووجد مبعضة وجب تقديمها على كاملة الرق لأن إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله (قوله: إلا بثلاثة شروط) قد نظمها ابن رسلان في زبده فقال: وإنما ينكح حر ذات رق مسلمة خوف الزنا ولم يطق صداق حرة الخ (قوله: أحدها بعجز) أي أحد الشروط مصور بعجز، فالباء للتصوير (قوله: عمن تصلح لتمتع) أي عن نكاح من تصلح للتمتع. وقال في التحفة: هل المراد صلاحيتها باعتبار طبعه أو باعتبار العرف؟ كل محتمل وتمثيلهم بالصالحة بمن تحتمل وطأ ولا بها عيب خيار ولا هرمة ولا زانية ولا غائبة ولا معتدة يرجح الثاني. اه. (قوله: ولو أمة)

شئ من ذلك ولا قادرا على نكاح حرة لعدمها أو فقره أو التسري بعدم وجود أمة في ملكه أو ثمن لشرائها. ولو وجد من يقرض أو يهب مالا أو جارية لم يلزمه القبول، بل يحل مع ذلك نكاح الامة لا لمن له ولد موسر. أما إذا كان تحته صغيرة لا تحتمل الوطئ أو هرمة أو مجنونة أو مجذومة أو برصاء أو رتقاء أو قرناء فتحل الامة. وكذا إن كان تحته زانية على ما أفتى به غير واحدة. ولو قدر على غائبة في مكان قريب لم يشق قصدها وأمكن انتقالها ـــــــــــــــــــــــــــــ غاية لمن تصلح للتمتع التي يشترط العجز عنها. ولا فرق في الأمة بين أن تكون مملوكة أو زوجة، فلو تزوج أولا بأمة بالشروط فلا يجوز له أن يتزوج ثانيا بأمة أخرى إلا إن انتقل إلى جهة أخرى فيجوز له أن يتزوج وهكذا إلى أربع، وله بعد ذلك جمعهن والقسم بينهن لأنه دوام ويغتفر فيه ما لا يغتفر في الابتداء (قوله: أو رجعية) أي ولو كانت التي تصلح للتمتع رجعية فيشترط العجز عنها (قوله: لأنها) أي الرجعية وهو علة لمقدر: أي وإنما اشترط العجز عنها لأن الرجعية في حكم الزوجة. (وقوله: في حكم الزوجية) الأولى بإسقاط الياء (قوله: ما لم تنقض عدتها) تقييد لقوله في حكم الزوجية: أي هي في حكمها ما لم تنقض عدتها، فإن انقضت صارت بائنا وليست في حكم الزوجة (قوله: بدليل التوارث) الإضافة للبيان. وهو دليل لكونها في حكم الزوجة: أي أن الدليل على أنها في حكم الزوجة التوارث، فهو يرثها إذا ماتت، وهي ترثه إذا مات (قوله: بأن لا يكون تحته الخ) الباء لتصوير العجز عمن تصلح للتمتع: أي ويتصور العجز عنها بأن لا يكون تحته شئ ممن يصلح للتمتع بأن لا يكون تحته شئ أصلا أو كان ولكن لا يصلح للتمتع (قوله: ولا قادرا الخ) المنصوب خبر يكون محذوفة هي واسمها: أي وبأن لا يكون مريد نكاح الأمة قادرا، فهو تصوير للعجز المذكور. (وقوله: على نكاح حرة) المقام للإضمار، فكان الأولى والأخصر أن يقول ولا قادر: عليها أي على من تصلح للتمتع إما لعدمه أو لفقره (قوله: لعدمها) علة لعدم القدرة: أي وليس قادرا على نكاح الحرة لأجل كونها معدومة: أي بأن لم يجدها في بلده أو في مكان قريب لا يشق قصده وأمكن انتقالها معه. ومثل عدمها عدم رضاها به لقصور نسبه أو نحوه. (وقوله: أو فقره) أي أو لأجل فقره: أي عدم وجود المهر الذي طلبته منه (قوله: أو التسري) أي أو ليس قادرا على التسري. فهو بالجر معطوف على نكاح. (وقوله: بعدم أمة) الباء سببية: أي ليس قادرا على التسري بسبب عدم وجود أمة في ملكه. (وقوله: أو ثمن معطوف على أمة) أي أو بسبب عدم وجود ثمن يشتري به أمة يتسراها (قوله: ولو وجد الخ) أفاد بهذا أن المراد بالقدرة المنفية في قوله ولا قادرا القدرة بغير الاقتراض والهبة، فإن كان قادرا لكن بالاقتراض أو بالهبة فلا تعبر قدرته ويجوز له نكاح الأمة (قوله: مالا) تنازعه كل من يقرض ويهب. (وقوله: أو جارية) خاص بالثاني: أي أو يهب جارية. (وقوله: لم يلزمه القبول) أي للقرض وللهبة لما في ذلك من المنة (قوله: بل يحل مع ذلك) أي مع وجود من يقرضه أو يهبه (قوله: لا لمن له ولد موسر) ليس له شئ قبله يصلح لأن يعطف عليه فيتعين جعل مدخول لا محذوفا هو متعلق الجار والمجرور بعدها: أي لا يجوز نكاح الأمة لمن له ولد موسر لأنه يجب عليه إعفاف والده. ولو قال وبأن لا يكون له ولد موسر عطفا على قوله بأن لا يكون تحته شئ من ذلك ويكون تصويرا للعجز المذكور في المتن لكان أولى (قوله: أما إذا كان تحته إلخ) مفهوم قوله عمن تصلح لتمتع، والأنسب والأخصر أن يقول أو يكون تحته من لا تصلح للتمتع كصغيرة الخ. ويحمل قوله أولا بأن لا يكون تحته شئ من ذلك على ما إذا لم يكن تحته شئ أصلا، وذلك لأن العجز في المتن بمعنى النفي وهو إذا دخل على مقيد بقيد يصدق بنفي المقيد والقيد وبنفي القيد وحده فيحتاج تصوير العجز لصورتين: أن لا يكون تحته شئ أصلا، أو يكون ولكن لا تصلح للتمتع (قوله: فتحل الأمة) جواب أما، وإنما حلت له حينئذ مع وجود المذكورات لأنها لا تعفه فوجودها كالعدم (قوله: وكذا إن كان تحته زانية) أي وكذا يحل له نكاح الأمة إن كان تحته زانية للعلة السابقة (قوله: ولو قدر على غائبة في مكان قريب) أي بأن يكون دون مسافة القصر. وقوله لم يشق قصدها: الجملة صفة لغائبة: أي غائبة موصوفة بكونها لم يشق الذهاب إليها في المكان الذي هي فيه (قوله: وأمكن انتقالها) أي من مكانها لبلده: أي الزوج، وجملة ما ذكره من القيود الثلاثة: أن تكون في مكان قريب، وأن لا

لبلده لم تحل الامة، أما لو كان تحته غائبة في مكان بعيد عن بلده ولحقه مشقة ظاهرة بأن ينسب متحملها في طلب الزوجة إلى مجاوزة الحد في قصدها أو يخاف الزنا مدة قصدها فهي كالعدم كالتي لا يمكن انتقالها إلى وطئة لمشقة الغربة له. (و) ثانيها (بخوفه زنا) بغلبة شهوة وضعف تقواه فتحل - للآية - فإن ضعفت شهوته وله تقوى أو مروءة أو حياء يستقبح معه الزنا أو قويت شهوته وتقواه لم تحل له الامة لانه لا يخاف الزنا. ولو خاف الزنا ـــــــــــــــــــــــــــــ يلحقه مشقة ظاهرة في قصدها، وأن يمكن انتقالها معه (قوله: أما لو كان تحته الخ) محترز قوله ولو قدر على غائبة في مكان قريب الخ. ثم إن المتبادر من قوله تحته أن الغائبة زوجته فيفيد أن التفصيل المذكور جار فيها فقط وليس كذلك، بل هو إنما يجري في الغائبة التي يريد أن يتزوجها: وأما الزوجة فأطلقوا فيها أن غيبتها تبيح نكاح الأمة من غير تفصيل. وقال في التحفة والنهاية: إن إطلاقهم صحيح، وفرقا بين الزوجة وبين غيرها بأن الطمع في حصول حرة لم يألفها يخفف العنت. والذي اعتمده ابن قاسم وقال لا ينبغي العدول عنه جريان التفصيل لها أيضا إذا علمت هذا فكان الأولى أن يقول أما لو قدر على غائبة في مكان بعيد الخ فتحمل على حرة غير زوجة أو على ما يشملها والزوجة على ما اعتمده سم. تأمل (قوله: ولحقه مشقة ظاهرة) أي في سفره لها. والأولى التعبير بأو لأن هذا محترز القيد الثاني. وقوله بأن ينسب الخ: تصوير لضابط المشقة الظاهرة. وقوله إلى مجاوزة الحد في قصدها: المراد منه أن يحصل له لوم وتعيير من الناس بقصدها (قوله: أو يخاف الزنا) عطف على جملة ولحقه مشقة: أي أو لم تلحقه مشقة ظاهرة لكن يخاف الزنا مدة قصدها: فأي ولا يقدر على منع نفسه منه؟ فالمراد خوف مخصوص فلا يرد أن خوف الزنا شرط في صحة نكاح الأمة: أي فائدة في التصريح به هنا. وحاصل الجواب أن الذي جعل شرطا مطلق خوف، أي قدر على منع نفسه مما يخافه أو لا، كان ذلك الخوف في مدة السفر أو لا، وأن المراد به هنا خوف مخصوص بكونه في مدة السفر وبكونه ليس له قدرة على منع نفسه منه (قوله: فهي) أي الغائبة التي في مكان بعيد أو التي يلحقه مشقة ظاهرة في طلبها (قوله: كالتي لا يمكن الخ) أي كالغائبة التي لا يمكن انتقالها إلى وطنه: أي فهي كالعدم ولو لم تحصل له مشقة في قصدها أو لم يخف الزنا مدة سفره لها. وهذا محترز قوله وأمكن انتقالها لبلده. ولو قال قبل قوله فهي كالعدم أو لم يكن انتقالها إلى بلده لكان أولى وأخصر (قوله: لمشقة الغربة له) تعليل لمحذوف: أي ولا يكلف المقام معها لمشقة الغربة له، والرخصة لا تحتمل هذا التضييق (قوله: وثانيها) أي الشروط (قوله: بخوفه زنا) الباء للتصوير: أي ثانيها مصور بخوف زنا: أي بتوقعه لا على ندور: بأن يغلب على ظنه الوقوع فيه أو يحتمل الوقوع فيه وعدمه على سواء. وقوله بغلبة شهوة: الباء سببية، أي بخوفه الزنا الحاصل بسبب غلبة شهوته وضعف تقواه. ويحتمل - وهو الأقرب - أن تكون الباء بمعنى مع: أي بخوفه زنا مع غلبة شهوته وضعف تقواه، بخلاف خوف الزنا مع ضعف شهوته أو مع قوتها وقوة تقواه فلا يبيح نكاح الأمة - كما سيبينه بعد - (قوله: فتحل) أي الأمة: أي نكاحها. وهذا تفريع على الشرط الأول وهو العجز، والثاني وهو خوف الزنا. (وقوله: للآية) تعليل للحل بالنسبة للشرطين المذكورين: وهي قوله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم - إلى قوله - ذلك لمن خشي العنت منكم) * (1) والطول: السعة. والمراد به المهر. والمراد بالمحصنات: الحرائر، ووصفهن بالمؤمنات جرى على الغالب. لأن الحرة الكتابية كالحرة المسلمة في منع الأمة (قوله: فإن ضعفت شهوته وله تقوى إلخ) محترز قوله بغلبة شهوة وضعف تقواه. وقوله أو مروءة: عطفها على التقوى من عطف الخاص على العام لأنها توقي الأدناس المحرمة والمباحة فيسقطها الأكل والشرب في السوق، بخلاف التقوى فإنها توقي المحرمات - سواء توقي معها المباحات أم لا - فلا يسقطها الأكل والشرب وقوله أو حياء: الذي يظهر أن المروءة تستلزم الحياء: إذ من لا مروءة له لا حياء فيه (قوله: يستقبح معه الزنا) الجملة صفة لحياء: أي حياء يستقبح معه الزنا. وعبارة الروض: يستقبح معهما الزنا. اه. فالضمير يعود على المروءة وعلى الحياء (قوله: أو قويت شهوته) معطوف على فإن ضعفت شهوته. وقوله وتقواه: أي وغلبت تقواه، فالاثنان يستويان في الغلبة (قوله: لم تحل له الامة)

_ (1) سورة النساء، الاية: 25

من أمة بعينها لقوة ميله إليها لم تحل له - كما صرحوا به - والشرط الثالث: أن تكون الامة مسلمة يمكن وطوها فلا تحل له الامة الكتابية. وعند أبي حنيفة رضي الله عنه يجوز للحر نكاح أمة غيره إن لم يكن تحته حرة. (فروع) لو نكح الحر الامة بشروطه ثم أيسر أو نكح الحرة لم ينفسخ نكاح الامة. وولد الامة من نكاح أو غيره كزنا أو شبهة بأن نكحها وهو موسر قن لمالكها. ولو غر واحد بحرية أمة وتزوجها فأولادها الحاصلون منه ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب إن (قوله: لأنه لا يخاف الزنا) أي أصلا، أو يخافه على ندور. وهو علة لعدم حل نكاح الأمة حينئذ (قوله: ولو خاف الزنا الخ) هذا مرتب على مقدر مرتبط بقوله بخوفه زنا. والمراد بخوف الزنا عمومه - لا خصوصه - فلو خاف الزنا من أمة الخ. وعبارة المغني: والمراد بالعنت عمومه، لا خصوصه، حتى لو خاف العنت من أمة بعينها الخ (قوله: لم تحل له) أي سواء وجد الطول أم لا، ولا عبرة بعشقه لها لأنه داء تهيجه البطالة وإطالة الفكر. وكم ممن ابتلي به وزال عنه؟ ولله در القائل: ليس الشجاع الذي يحمي فريسته يوم القتال ونار الحرب تشتعل لكن من غض طرفا أو ثنى قدما عن الحرام فذاك الفارس البطل (قوله: أن تكون الأمة) أي التي يريد أن ينكحها مسلمة. وذلك لقوله تعالى: * (من فتياتكم المؤمنات) * (1) (وقوله: يمكن وطؤها) أي بأن لا تكون صغيرة ولارتقاء ولا قرناء (قوله: فلا تحل له الأمة الكتابية) مفهوم الشرط المذكور. وإنما جاز له وطئ أمته الكتابية بملك اليمين - كما سيصرح به - لأن المحذور في نكاح الأمة الذي هو إرقاق الولد منتف فيها (قوله: وعند أبي حنيفة يجوز للحر نكاح أمة غيره) أي وإن لم يخف الزنا. (فائدة) قال المناوي في شرح الخصائص: خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريم نكاح الأمة المسلمة لأن نكاحها مقيد بخوف العنت وهو معصوم، وبفقدان مهر الحرة ونكاحها غني عن المهر ابتداء وانتهاء، وبرق الولد ومنصبه منزه عنه. ولو قدر له نكاح أمة كان ولده منها حرا. اه. بجيرمي (قوله: فروع) أي ثلاثة: الأول قوله لو نكح الخ الثاني وولد الأمة الخ، الثالث ولو غر الخ (قوله: بشروطه) أي النكاح، وهي العجز عمن تصلح للتمتع وخوف الزنا وإسلام الأمة (قوله: ثم أيسر) أي بأن قدر على صداق الحرة (قوله: أو نكح الحرة) أي بعد نكاح الأمة - كما هو فرض المسألة - بخلاف ما لو عقد عليهما معا فإنه يصح في الحرة ولا يصح في الأمة (قوله: لم ينفسخ نكاح الأمة) أي لأنه دوام، ويغتفر فيه ما لا يغتفر في الابتداء (قوله: وولد الأمة) أي أمة الغير. (وقوله: من نكاح أو غيره) تعميم في الولد، أي لا فرق فيه بين أن يكون من نكاح: أي عقد صحيح. وقوله أو غيره: أي غير نكاح. وقوله كزنا إلخ: تمثيل لغير النكاح. وقوله أو شبهة: أي لا تقتضي حريته كأن اشتبهت على الواطئ بزوجته المملوكة أو نكحها وهو موسر. أما التي تقتضي الحرية كأن غر بها فولدها حر، كما سيصرح به (قوله: بأن نكحها وهو موسر) الباء لتصوير الشبهة المقتضية لإرقاق الولد (قوله: قن) خبر المبتدأ الذي هو ولد الأمة وقوله لمالكها: أي الأمة (قوله: ولو غر) أي الحر. وقوله بحرية أمة: أي بأن قال له وليها إنها حرة لا أمة. وقوله وتزوجها: أي بناء على أنها حرة (قوله: فأولادها الحاصلون منه) أي من هذا المغرور. وقوله ما لم يعلم برقها: قيد في حرية الأولاد: أي محلها مدة عدم علمه برقها: أي قبل انعقاد الأولاد فإن علمه قبل الانعقاد فالأولاد أرقاء. وعبارة شرح الروض: أما الحاصلون بعد علمه برقها فأرقاء. والمراد بالحصول العلوق ويعلم ذلك بالوضع، فإن وضعتهم لأقل من ستة أشهر من وطئه بعد علمه فأحرار. وإلا فأرقاء. قاله الماوردي. قال الزركشي: ولا بد من اعتبار قدر

_ (1) سورة النساء، الاية: 25

أحرار ما لم يعلم برقها وإن كان عبدا ويلزمه قيمتهم يوم الولادة (وحل لمسلم) حر (وطئ) أمته (الكتابية) لا الوثنية والمجوسية. (تتمة) لا يضمن سيد بإذنه في نكاح عبده مهرا ولا مؤنة وإن شرط في إذنه ضمان، بل يكونان في كسبه وفي مال تجارة أذن له فيها. ثم إن لم يكن مكتسبا ولا مأذونا فهما في ذمته فقط كزائد على مقدر له ومهر وجب بوطئ في نكاح فاسد لم يأذن فيه سيده ولا يثبت مهر أصلا بتزويج أمته لعبده وإن سماه، وقيل يجب ثم يسقط. ـــــــــــــــــــــــــــــ زائد للوطئ والوضع. اه (قوله: وإن كان) أي ذلك المغرور عبدا وحينئذ يلغز ويقال لنا ولد حر بين رقيقين (قوله: ويلزمه الخ) مرتب على كون الأولاد أحرارا: أي وإذا كانوا كذلك فيلزم المغرور وإن كان معذورا قيمتهم لسيد الأمة لأنه قوت عليه رقهم التابع لرقها بظنه حريتها. نعم إن كان المغرور عبدا لسيدها فلا شئ عليه. إذ لا يجب للسيد على عبده مال، وكذا إن كان الغار سيدها لأنه لو غرم رجع عليه. ثم إن المغرور إذا غرم يرجع على الغار له لأنه الموقع له في الغرامة وهو لم يدخل في العقد على أن يغرمها. ويتصور التغرير بالحرية للأمة منها أو من وكيل السيد في تزويجها أو منهما أو من سيدها في مرهونة زوجها هو بإذن المرتهن وهو معسر بالدين الذي عليه وفي جانية زوجها هو بإذن المجنى عليه وهو معسر أيضا، وفيمن اسمها حرة فقال زوجتك حرة ونحو ذلك مما يتصور فيه التغرير من السيد، وفي الغالب لا يتصور منه. وذلك لأنه إذا قال زوجتك هذه الحرة أو على أنها حرة عتقت عليه. ثم إن التغريم المذكور محله إذا انفصل الولد حيا، أما إذا انفصل ميتا بلا جناية فلا شئ فيه (قوله: وحل لمسلم حر) أي وكذا كتابي. وقوله وطئ أمته الكتابية: أي ذمية كانت أو حربية، لكن يكره وطؤها لئلا تفتنه بفرط ميله إليها أو ولده (قوله: لا الوثنية ولا المجوسية) أي لا يجوز وطؤهما لقوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (1) (قوله: تتمة) أي في بيان متعلقات نكاح الرقيق (قوله: لا يضمن سيد الخ) المراد به هنا مالك الرقبة والمنفعة معا، فإن اختلفا، كموصى له بمنفعته، اعتبر إذن مالك الرقبة في الأكساب النادرة كاللقطة وإذن الموصى له في الأكساب المعتادة كحرفة. اه. بجيرمي (قوله: بإذنه) الباء سببية متعلقة بيضمن: أي لا يكون إذنه في النكاح سببا في ضمانه ما ذكر، وذلك لأنه لم يتلزمه تعريضا ولا تصريحا (قوله: وإن شرط في إذنه ضمان) أي وإن ذكر في إذنه في النكاح ما يدل على الضمان: كأن قال تزوج وعلي المهر والنفقة فإنه لا يضمنهما، وذلك لتقدم ضمانه على وجوبهما وضمان ما لم يجب باطل. قال في التحفة: بخلافه - أي الضمان بعد العقد - فإنه يصح في المهر إن علمه لا النفقة إلا فيما وجب منها قبل الضمان وعلمه. اه (قوله: بل يكونان) أي المهر والمؤنة. وقوله في كسبه: أي مع أنهما في ذمته لأن تعلقهما بكسبه فرع تعلقهما بذمته. قال في النهاية: وكيفية تعلقهما بالكسب أن ينظر في كسبه كل يوم فتؤدي منه النفقة لأن الحاجة لها ناجزة، ثم إن فضل شئ صرف للمهر الحال حتى يفرغ ثم يصرف للسيد ولا يدخر شيئا منه للنفقة أو الحلول في المستقبل لعدم وجوبهما. اه (قوله: وفي مال تجارة) أي ويكونان أيضا في مال تجارة ربحا ورأس مال، لأن ذلك دين لزمه بعقد مأذون فيه فصار كدين التجارة، ولا ترتيب بينه وبين الكسب، كما أفادته واو العطف، فإن لم يف أحدهما كمل من الآخر. وقوله أذن له فيها: أي أذن السيد له في التجارة (قوله: ثم إن لم يكن مكتسبا) أي عجز عن الإكتساب (قوله: ولا مأذونا) أي له في التجارة (قوله: فهما) أي المهر والمؤنة. وقوله في ذمته فقط: أي فيطالب بهما بعد العتق واليسار (قوله: كزائد على مقدر له) أي بأن قدر السيد له مهرا فزاد عليه، فالزائد يكون في ذمته فقط ولا يتعلق بالكسب ومال التجارة (قوله: ومهر وجب) أي وكمهر وجب الخ: أي فإنه يتعلق بذمته فقط. وقوله في نكاح فاسد: خرج به الوطئ في نكاح صحيح، فالمهر فيه يتعلق بكسبه ومال تجارته (قوله: لم يأذن فيه سيده) أي لم يأذن في النكاح الفاسد بخصوصه سيده، فإن أذن له فيه تعلق بكسبه ومال تجارته (قوله: ولا يثبت مهر أصلا الخ) أي لأنه لا يثبت له على عبده دين. وهذا إذا كان غير مكاتب. أما هو فيلزمه المهر لأنه مع السيد في المعاملة كالأجنبي. قال م ر:

_ (1) سورة البقرة، الاية: 221

فصل في الصداق وهو ما وجب بنكاح أو وطئ. وسمي بذلك لاشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الاصل في ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المبعض فالظاهر أنه يلزمه بقسط ما فيه من الحرية. اه. (قوله: وقيل يجب) أي المهر على عبده أولا ثم يسقط عنه. وفي المغني ما نصه: وهل وجب المهر ثم سقط أو لم يجب أصلا؟ ظاهر كلام المصنف الثاني، وجرى عليه في المطلب. وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا زوجه بها وفوض بعضها. ثم وطئها بعدما أعتقه. فإن قلنا بعدم الوجوب فلا شئ للسيد عليه، وإن قلنا بالوجوب وجب للسيد عليه مهر المثل لأنه وجب بالوطئ وهو حر. اه. والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل في الصداق أي في بيان أحكامه: كسنية ذكره في العقد، أو كراهته، وهو بفتح الصاد، ويجوز كسرها، ويجمع جمع قلة على أصدقة، وكثرة على صدق، بضمتين، ويؤخذ الجمعان المذكوران من قول ابن مالك: في اسم مذكر رباعي بمد ثالث افعله عنهم اطرد وقوله: وفعل لاسم رباعي بمدقد زيد قبل لام اعلالا فقد والأول مثل طعام وأطعمة ورغيف وأرغفة وعمود وأعمدة. والثاني مثل قضيب وقضب وعمود وعمد. والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * (1) أي تكرمة وعطية، وقوله تعالى: * (وآتوهن أجورهن) * (2) وقوله - صلى الله عليه وسلم - لمريد التزوج التمس ولو خاتما من حديد رواه الشيخان: أي اطلب شيئا تجعله صداقا ولو كان الملتمس خاتما من حديد. والمخاطب بإيتاء المهور إلى النساء الأزواج عند الأكثرين، وهو الظاهر، وقيل الأولياء لأنهم كانوا في الجاهلية بأخذونها ولا يعطون النساء منها شيئا، بل بقي منه بقية الآن في بعض البلاد (قوله: وهو) أي الصداق شرعا ما ذكر، وأما لغة فهو اسم لما وجب بالنكاح فقط، فيكون المعنى الشرعي أعم من اللغوي على عكس القاعدة من أن اللغوي أعم من المعنى الشرعي، وهذا مبني على أنه لا فرق بين الصداق والمهر. أما على ما قيل من أن الصداق ما وجب بالنكاح والمهر ما وجب بغير ذلك فلا يكون المعنى الشرعي أعم من المعنى اللغوي لكنه على خلاف القاعدة أيضا لأن القاعدة أن المعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي كما علمت وهذا مساو له (قوله: ما وجب) أي مال أو منفعة وجب للمرأة على الرجل غالبا وقد يجب للرجل على المرأة كما لو أرضعت إحدى زوجتيه وهي الكبرى الأخرى وهي الصغرى فيجب على المرضعة نصف مهر مثل الصغرى للزوج، ويجب على الزوج للصغرى نصف المسمى إن كان صحيحا، وإلا فنصف مهر المثل. وإنما وجب على المرضعة للزوج نصف المهر ولم يجب المهر كله مع أنها فوتت عليه البضع اعتبارا لما يجب له بما يجب عليه، وقد يجب للرجل على الرجل كما في شهود الطلاق إذا رجعوا بعد حكم الحاكم بالفراق فإنهم يغرمون مهر المثل للزوج. وقوله بنكاح: أي بسبب نكاح: أي عقد صحيح، وهذا في غير المفوضة وهي القائلة لوليها زوجني بلا مهر أو على أن لا مهر لي، أما هي فمهرها لا يجب بالعقد بل بأحد ثلاثة أشياء: بفرض الزوج على نفسه، وبفرض الحاكم على الزوج، وبالوطئ. وقال بعضهم: إن وجوب مهرها وإن كان مبتدأ بالفرض وغيره لكن أصله العقد فشمله قوله بنكاح. وقوله أو وطئ: أي في شبهة أو في تفويض، فإذا وطئها بشبهة وجب عليه مهر المثل. ومنها الوطئ في النكاح الفاسد. وكان على الشارح أن يزيد في التعريف أو تفويت بضع قهرا ليشمل مسألة الارضاع

_ (1) سورة النساء، الاية: 4. (2) سورة النساء، الاية: 25

إيجابه، ويقال له أيضا مهر. وقيل الصداق ما وجب بتسميته في العقد. والمهر ما وجب بغير ذلك (سن) ولو في تزويج أمته بعبده ذكر صداق في عقد) وكونه من فضة، للاتباع فيهما، وعدم زيادة على خمسمائة درهم أصدقة ـــــــــــــــــــــــــــــ ومسألة رجوع الشهود السابقتين. وعبارة غيره: ما وجب بنكاح أو وطئ أو تفويت بضع قهرا كإرضاع ورجوع شهود. اه. وهي أولى (قوله: وسمى بذلك) ضمير سمى يعود على ما في قوله ما وجب، واسم الإشارة يعود على الصداق. وأفاد به بيان حكمة تسمية ما ذكر بلفظ الصداق. وقوله لإشعاره: أي ما وجب، أي بذله، فالضمير يعود على ما أيضا بتقدير مضاف. وقوله بصدق رغبة بذله: وهو الزوج. وقوله في النكاح: متعلق برغبة. قوله الذي هو: أي النكاح بمعنى العقد. وقوله الأصل في إيجابه: أي الصداق (قوله: يقال له) أي لما سمى بالصداق. وقوله مهر: نائب فاعل يقال، والمراد أنه يسمى بالمهر كما يسمى بالصداق. وسمى أيضا نحلة، وفريضة، وحباء، وأجرا، وعقرا، وعلائق، فهي ثمانية نظمها بعضهم في بيت مفرد فقال: صداق ومهر نحلة وفريضة حباء وأجر ثم عقر علائق وزاد بعضهم ثلاثة في بيت فقال: وطول نكاح، ثم خرس تمامها ففرد وعشر عد ذاك موافق والعقر، بضم العين، اسم لدية فرج المرأة ثم استعمل في المهر. والعلائق جمع عليقة، بفتح فكسر، والخرس، بضم الخاء وسكون الراء، وزيد على ذلك أيضا صدقة، بفتح أوله وتثليث ثانيه، وبضم أوله أو فتحه مع إسكان ثانيه، وبضمهما، وعطية فيكون المجموع ثلاثة عشر اسما، ونطق القرآن العظيم منها بستة: الصدقة والنحلة في قوله تعالى: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * (1) والنكاح في قوله تعالى: * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا) * (2) والأجر في قوله تعالى: * (وآتوهن أجورهن بالمعروف) * (3) والفريضة في قوله: * (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) * (4) والطول في قوله: * (ومن لم يستطع منكم طولا) * (5) ووردت السنة بالباقي (قوله: وقيل الصداق الخ) حاصل هذا القيل التفرقة بين المسمى بالصداق والمسمى بالمهر. وقوله ما وجب بتسمية في العقد: عبارة البجيرمي: وقيل الصداق ما وجب بالعقد. والمهر ما وجب بغيره كوطئ الشبهة. اه. (قوله: سن الخ) شروع في بيان حكم ذكر المهر في صلب العقد وفي غيره. وقوله ولو في تزويج أمته بعبده: الغاية للرد على من قال إنه لا يستحب التسمية في هذه الصورة، وهو المعتمد إن لم يكن أحدهما مكاتبا. وعبارة المنهج: نعم لو زوج عبده بأمته ولا كتابة لم يسن ذكره: إذ لا فائدة فيه فإنه لا يثبت للسيد على عبده شئ فلا حاجة إلى تسميته، بخلاف ما لو كان أحدهما أو كلاهما مكاتبا إذ المكاتب كالأجنبي. اه. ومثلها عبارة النهاية، ونصها: نعم لو زوج عبده بأمته لا يستحب ذكره في الجديد، إذ لا فائدة فيه. كذا في المطلب والكفاية. وفي نسخ العزيز المعتمدة وفي بعض نسخه والروضة أن الجديد الاستحباب. قال الأذرعي: والصواب الأول. اه. وظاهر عبارة التحفة الموافقة لهما ونصها بعد قوله يسن، ولو في تزويج أمته بعبده على ما مر. اه. (وقوله: على ما مر) هو قوله نعم تسن تسميته على ما في الروضة واعترض بأن الأكثرين على عدم ندبها. اه. وقد مشى عليه الشارح نفسه، في مبحث شروط النكاح، عند قوله ولا مع تأقيت. فتنبه. وقوله ذكر صداق: نائب فاعل سن. وقوله في عقد: أي في أثنائه، فلا اعتبار بذكره قبله أو بعده (قوله: وكونه من فضة) معطوف على ذكر: أي وسن كونه من فضة. ويسن أيضا أن لا يدخل بها حتى يدفع شيئا من الصداق، خروجا من خلاف من أوجبه، قال بعضهم: وحكمة ذلك أن الله تعالى لما خلق حواء اشتقا لها آدم ومد يده إليها فلقال الله له: يا آدم حتى تؤدي مهرها. قال وما

_ (1) سورة النساء، الاية: 4. (2) سورة النور، الاية: 33. (3) سورة النساء، الاية: 25. (4) سورة النساء، الاية: 24. (5) سورة النساء، الاية: 25

بناته (ص) أو نقصان عن عشرة دراهم خالصة: وكره إخلاوه عن ذكره. وقد يجب لعارض: كأن كانت المرأة غير جائزة التصرف. (وما صح) كونه (ثمنا صح) كونه (صداقا) وإن قل لصحة كونه عوضا فإن عقد بما لا يتمول، ـــــــــــــــــــــــــــــ مهرها. قال وما مهرها؟ قال مهرها أن تصلي على محمد - صلى الله عليه وسلم - ألفا في نفس واحد. فصلى خمسمائة مرة فتنفس. فقال: يا آدم الذي صليته هو مقدم الصداق، والذي بقي عليك هو مؤخره. وفي رواية: إن الله تعالى لما خلق حواء قال له آدم يا رب زوجني من حواء. فقال له يا آدم حتى تعطيني مهرها. قال وما مهرها يا رب؟ قال: مهرها أن تصلي على محمد حبيبي مائة مرة في نفس. فصلى آدم سبعين مرة ثم انقطع نفسه. فقال له الرب لا بأس عليك. الذي صليته مقدم المهر، والذي بقي عليك مؤخره فلذلك تجد بعض الناس يقدمون النصف ويؤخرون النصف. وبعضهم يقدم نحو الثلثين ويؤخر نحو الثلث، وهو الأغلب المتعارف بيننا الآن في هذه الأزمان (قوله: للاتباع فيهما) أي في ذكر الصداق وفي كونه من فضة (قوله: وعدم زيادة الخ) معطوف أيضا على ذكر: أي وسن عدم زيادة على خمسمائة درهم. وقوله أصدقه إلخ: هو بالرفع خبر المبتدأ محذوف، وبالجر بدل أو عطف بيان من خمسمائة درهم، وهو في قوة التعليل لسنية عدم الزيادة على ذلك: أي وإنما سن ذلك لأنها أصدقة بناته - صلى الله عليه وسلم - كما صح عن سيدنا عمر رضي الله عنه في خطبته أنه قال: لا تغالوا بصدق النساء فإنها لو كنت مكرمة في الدنيا أو تقوي عند الله كان أولى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولا يرد على هذا إصداق أم حبيبة أربعمائة دينار لأنه لم يكن من النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان من النجاشي إكراما له - صلى الله عليه وسلم - فإنها كانت تحت عبد الله بن جحش وهاجرت معه إلى الحبشة فتنصر وبقيت على الإسلام رضي الله عنها فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري في تزويجها من النجاشي فأصدقها النجاشي أربعمائة دينار وجهزها من عنده وأرسلها مع شرحبيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - سنة سبع (قوله: أو نقصان الخ) معطوف على زيادة: أي وسن عدم نقصان عن عشرة دراهم، خروجا من خلاف أبي حنيفة رضي الله عنه، فإنه لا يجوز عند التسمية أقل منها (قوله: وكره إخلاؤه) أي العقد عن ذكره: أي الصداق (قوله: وقد يجب) أي ذكر الصداق في العقد (قوله: كأن كانت المرأة الخ) تمثيل للعارض الموجب لذكره في العقد. وقوله غير جائزة التصرف: أي لصغر أو جنون أو سفه، أي وقد حصل الاتفاق مع الزوج على أكثر من مهل المثل فتفوت الزيادة مع أنه مصلحة للزوجة المذكوة. ومن صور وجوب التسمية أيضا ما لو كانت الزوجة جائزة التصرف وأذنت لوليها أن يزوجها من غير تفويض وقد حصل الاتفاق على أكثر من مهر المثل، فلو سكت لوجب مهر المثل فتفوت المصلحة مع أن تصرف الولي يكون بها. ومنها أيضا ما لو كان الزوج غير جائز التصرف وحصل الاتفاق على أقل من مهر المثل فتجب تسمية ما وقع الاتفاق عليه، فلو سكت عن التسمية لوجب مهر المثل فتحصل زيادة على الزوج، والمصلحة في هذه الصورة عائدة على الزوج، وفيما قبلها على الزوجة. وقد تحرم التسمية، كما لو زوج محجورة بمن لم ترض إلا بأكثر من مهر مثلها (قوله: وما صح كونه ثمنا الخ) هذه في المعنى قضية شرطية صورتها: وكل ما صح جعله ثمنا صح جعله صداقا. والذي يصح جعله ثمنا هو الذي وجدت فيه الشروط السابقة في باب البيع: من كونه طاهرا منتفعا به مقدورا على تسلمه مملوكا لذي العقد. وقوله صح كونه صداقا: أي في الجملة، فلا يرد ما لو زوج عبده لحرة وجعل رقبته صداقا لها فإنه يصح مع صحة جعله ثمنا لأنه منع منه هنا مانع وهو أنه لا يجتمع الملك والنكاح لتناقضهما (قوله: وإن قل) غاية لقوله ما صح كون ثمنا: أي كل ما صح أن يكون ثمنا ولو قليلا يصح كونه صداقا، ولا حاجة إلى تقييد القلة بأن لا تنتهي إلى حد لا يتمول: لأنه حينئذ لا يصح كونه ثمنا فهو خارج من موضوع المسألة (قوله: لصحة كونه عوضا) عبارة شرح المنهج: لكونه، أي الصداق، عوضا بإسقاط لفظ صحة، وهو الأولى: إذ لا معنى للعلة بدون إسقاطه، وهي علة لما تضمنته الشرطية السابقة، والمعنى: وإنما اشترط في صحة ما يجعل صداقا صحة جعله ثمنا لكون الصداق عوضا عن الاستمتاع بالبضع، فهو كالثمن. نعم: إن جعل علة للغاية كان لزيادة لفظ صحة معنى، أي وإنما صح أن يكون قليلا لصحة كون القليل عوضا إلا أنه بعيد. تأمل (قوله: فإن عقد مما لا يتمول) أي بما لا يقابل بمال سواء كان في حد ذاته مالا كنواة أو غيره كترك حد قذف فلا حاجة حينئذ إلى زيادة، وما لا

كنواة وحصاة وقمع باذنجان وترك حد قذف، فسدت التسمية لخروجه عن العوضية (ولها) كولي ناقصة بصغر أو جنون وسيد أمة (حبس نفسها لتقبض غير مؤجل) من المهر المعين أو الحال سواء كان بعضه أم كله، أما لو كان مؤجلا فلا حبس لها وإن حل قبل تسليمها نفسها له، ويسقط حق الحبس بوطئه إياها طائعة كاملة فلغيرها الحبس بعد الكمال إلا أن يسلمها الولي بمصلحة، وتمهل وجوبا النحو تنظف بالطلب منها أو من وليها ما يراه قاض من ـــــــــــــــــــــــــــــ يقابل بمال كما زاده بعضهم (قوله: كنواة الخ) تمثيل لما لا يتمول (قوله: وقمع باذنجان) في المصباح: القمع ما على الثمرة ونحوها، وهو الذي تتعلق به مثل عنب وحمل، والجمع أقماع. اه. بتصرف (قوله: وترك حد قذف) أي بأن قذفته واستحقت الحد وأراد أن يجعل تركه صداقا لها فلا يصح لأنه لا يقابل بمال (قوله: فسدت التسمية) جواب إن، ومع فساد التسمية النكاح صحيح لأن النكاح لا يفسد بفساد المسمى. وذلك لأن عقد النكاح مشتمل على عقدين: عقد للنكاح قصدا وبالذات، وعقد للصداق تبعا وبالعرض. فإذا صح ما بالذات صح التابع له أو فسد هو فسد ولا كذلك ما لو فسد التابع، فإن المتبوع على الصحة، كما هو ظاهر، أفاده البجيرمي (قوله: لخروجه عن العوضية) علة الفساد: أي فسدت التسمية بما لا يتمول لكونه لا يكون عوضا (قوله: ولها) الضمير يعود على معلوم من السياق، وهو الزوجة الرشيدة التي لم يدخل بها (قوله: كولي ناقصة) بالإضافة. وقوله بصغر: الباء سببية متعلق بناقصة: أي نقصها بسبب صغر أو جنون، أي أو سفه، (قوله: وسيد أمة) معطوف على ولي ناقصة: أي ولسيد أمة (قوله: حبس نفسها) أي عن تمكين الزوج منها: أي أو حبس الولي أو السيد لها عنه. وكان عليه أن يزيد ما ذكر ليطابق ما قبله. وإذا حبست نفسها أو حبسها الولي بسبب عدم تسليم الصداق استحقت النفقة وغيرها وجوبا مدة الحبس لأن التقصير منه. (فإن قيل) كيف ساغ لها الحبس مع أنه لا يجب إلا بالوطئ أو بالموت؟ (يجاب) بأنه لما جرى سبب وجوبه وهو العقد جاز لها الطلب. وقوله لتقبض غير مؤجل: اللام تعليلية متعلقة بحبس: أي لها الحبس لأجل أن تقبض ما هو لها من المهر غير المؤجل (قوله: من المهر الخ) بيان لغير المؤجل. والمراد بالمهر الذي ملكته بالنكاح. فخرج ما لو زوج أم ولده فعتقت بموته أو أعتقها أو باع أمته بعد التزويج فليس لها الحبس لأنه ملك للوارث أو المعتق أو البائع لا لها فهي لم تملكه. وخرج أيضا ما لو زوج أمة ثم أعتقها وأوصى لها بمهرها فليس لها حبس نفسها لأنها إنما ملكته بالوصية لا بالنكاح. وقوله المعين: أي كتزوجتها بهذا العبد. وقوله أو الحال: بأن التزمه في الذمة وشرط أن يؤديه حالا كتزوجتها بمائة ريال حالة (قوله: سواء كان الخ) تعميم في غير المؤجل: أي لا فرق في غير المؤجل الذي حبست نفسها لأجله بين أن يكون بعض المهر بأن استلمت بعضه وبقي البعض، أو كله بأن لم تستلم منه شيئا (قوله: أما لو كان مؤجلا فلا حبس لها) أي لرضاها بالتأجيل (قوله: وإن حل الخ) غاية لقوله فلا حبس لها: أي فلا حبس لها ولو حل الأجل قبل تسليمها نفسها له لأنها قد وجب عليها أن تسلم نفسها قبل الحلول فلا يرتفع بالحلول. ولو تنازع الزوجان في البداءة بالتسليم بأن قال الزوج لا أسلم المهر حتى تسلمي نفسك وقالت هي لا أسلمك نفسي حتى تسلم المهر أجبر فيؤمر بوضعه عند عدل وتؤمر بتمكين لنفسها، فإذا مكنت أعطاه لها وإن لم يأتها الزوج. ولو بادرت فمكنته طالبته بالمهر. فإن لم يطأ امتنعت حتى يسلم المهر. ولو بادر فسلم المهر لزمها التمكين إذا طلبه، فإذا امتنعت ولو بلا عذر لا يسترد المهر لتبرعه بالمبادرة (قوله: ويسقط حق الحبس) أي للزوجة. وقوله بوطئه: أي الزوج. والإضافة من إضافة المصدر لفاعله. وقوله إياها: مفعوله. وقوله طائعة كاملة: حالان من المفعول أو الثاني حال من فاعل طائعة وتسمى الحال المتداخلة (قوله: فلغيرها) الضمير عود على القيد الثاني: أعني كاملة: أي فلغيهر الكاملة من صغيرة ومجنونة الحبس بعد الكمال: أي البلوغ والإفاقة، وكان عليه أن يذكر محترز القيد الأول أيضا، أعني طائعة، وهو الإكراه. ولو قال أما لو أكرهها أو كانت غير كاملة حال الوطئ ثم كملت بعده فلها الحبس لأوفى بالمراد (قوله: إلا أن يسلمها الولي بمصلحة) أي إلا أن يسلم غير الكاملة وليها بمصلحة تعود إليها كالنفقة والكسوة وكحفظها فليس لها الحبس

ثلاثة أيام فأقل، لا لانقطاع حيض ونفاس. نعم، لو خشيت أنه يطؤها سلمت نفسها وعليها الامتناع، فإن علمت أن امتناعها لا يفيد واقتضت القرائن بالقطع بأنه يطوها لم يبعد أن لها، بل عليها، الامتناع حينئذ، على ما قاله شيخنا، (ولو أنكح) الولي (صغيرة) أو مجنونة (أو رشيدة بكرا بلا إذن بدون مهر مثل أو عينت له قدرا ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد الكمال. وعبارة شرح الروض: نعم لو سلم الولي الصغيرة أو المجنونة بالمصلحة فينبغي كما في الكفاية أنه لا رجوع لها وإن كملت، كما لو ترك الولي الشفعة لمصلحة ليس للمحجور عليه الأخذ بها بعد زوال الحجر على الأصح، بخلاف ما لو سلمها بغير مصلحة، انتهت (قوله: وتمهل وجوبا) أي بعد تسليم الصداق لها. وقوله لنحو تنظف: كإزالة وسخ واستحداد، وذلك لأن ما ذكر منفر، فإزالته أدعى إلى بقاء النكاح. وخرج بنحو التنظيف الجهاز والسمن ونحوهما فلا تمهل لها (قوله: بالطلب منها) متعلق بتمهل. وفي حاشية الجملة ما نصه: ونفقة مدة الإمهال على الزوج لأنها معذورة في ذلك. كذا في حاشية ح ل. وفي ع ش على م ر ما يصرح بأنه لا نفقة لها. وعبارته على قول الأصل ولا تسلم صغيرة ولا مريضة حتى يزول مانع وطئ. قوله: حتى يزول إلخ: أي ولا نفقة لهما لعدم التمكين وينبغي أن مثلهما من استمهلت لنحو تنظف وكل من عذرت في عدم التمكين. اه. (قوله: ما يراه قاض) ما واقعة على زمن، فهي ظرف باعتبار معناها متعلق بتمهل: أي تمهل زمنا يراه قاض لأنه أمر مجتهد فيه فأنيط به (قوله: من ثلاثة أيام فأقل) بيان لما، ولا يجوز مجاوزتها لأن غرض التنظيف يحصل فيها غالبا (قوله: لا لانقطاع الخ) معطوف على لنحو تنظف: أي لا تمهل لانقطاع حيض ونفاس لأن مدتهما قد تطول ويتأتى التمتع معهما بلا وطئ كما في الرتقاء. قال في النهاية: وقول الزركشي إن قياس ما ذكروه في الأمهال للتنظيف أن تمهل الحائض إذا لم تزد مدة حيضها على مدة التنظيف. وصرح به في التتمة فيختص عدم إمهالها بما إذا كانت مدة الحيض تزيد على ثلاثة أيام وإلا فتمهل: مردود. اه. أي فلا تمهل وإن قل. ع ش. وقال في شرح الروض: وكالحيض فيما قاله، أي الزركشي، النفاس. اه. (قوله: نعم لو الخ) الأولى حذف لفظ نعم وجعل واو العطف في محلها: إذ لا معنى للاستدراك لأن المستدرك منه، وهو قوله لا لانقطاع الخ، معناه أنها تسلم نفسها له، والاستدراك يفيد هذا المعنى. وقوله خشيت: أي الحائض أو النفساء. وقوله أنه يطؤها: أي في حال الحيض والنفاس. وقوله سلمت نفسها: أي لزوجها. وقوله وعليها الامتناع: أي من الوطئ (قوله: فإن علمت أن امتناعها) أي من الوطئ. وقوله واقتضت القرائن بالقطع: أي بالجزم بأن يطأها (قوله: لم يبعد أن لها بل عليها الامتناع) أي من التسليم: أي أنها لا تسلم نفسها فحصل الفرق بين الامتناع الأول والثاني، فالأول بمعنى الامتناع من الوطئ والثاني بمعنى الامتناع من التسليم. وعبارة شرح الروض: ولو علمت أنه يطؤها ولا يراقب الله تعالى فهل لها أن تمتنع؟ فيه تردد للإمام قال: ولا يبعد تجويز ذلك أو إيجابه. اه. وقوله حينئذ: أي حين إذ علمت ذلك واقتضت القرائن الخ (قوله: ولو أنكح الولي) المراد به ما يعم المجبر وغيره، وذلك لأن ما عدا الصغيرة والمجنونة لا يختص بالمجبر (قوله: صغيرة) أي بكرا. وقوله أو مجنونة: أي بكرا أو ثيبا (قوله: بكرا) صفة لكل من صغيرة ومن رشيدة. ولو قدم لفظ بكرا على قوله رشيدة لكان أولى: لأن البكارة ليست بقيد في الرشيدة. وقوله بلا إذن: متعلق بأنكح. والمراد بلا إذن من الرشيدة في النقص عن مهر المثل، سواء أذنت في النكاح أم لا، ليشمل المجبرة فإنه لا يشترط إذنها في النكاح. وإنما قدم على قوله بدون مهر المثل، مع أن المراد منه ما تقدم، لأن قوله بدون مهر المثل متعلق بأنكح المرتبط بالصغيرة وبالرشيدة، فلو أخره لتوهم أنه راجع أيضا للصغيرة وللرشيدة مع أنه إنما هو راجع للثانية فقط: إذ الصغيرة ليس لها إذن (قوله: أو عينت) أي الرشيدة بكرا أو غيرها، وهو معطوف على مقدر مرتبط بقوله بلا إذن: أي بلا إذن ولم تعين له قدرا أو عينته بأن قالت له زوجني بألف فزوجها بدونه. وقوله فنقص عنه: أي عن القدر الذي عينته له. وخرج بنقص عنه ما لو زاد عليه فينعقد بالزائد، كما في نظيره من وكيل البيع المأذون له فيه بقدر فزاد عليه وانظر لو كان الناقص عن القدر الذي عينته زائدا على مهر المثل، فهل يبطل المسمى ويرجع إلى مهر المثل أم لا؟ وعبارة التحفة، وبحث الزركشي، كالبلقيني، أنها لو كانت سفيهة فسمى دون مأذونها لكنه زائد على مهر مثلها انعقد بالمسمى لئلا يضيع الزائد عليها، وطرداه في

فنقص عنه) أو أطلقت الاذن ولم تتعرض لمهر فنقص عن مهر مثل. (صح) النكاح على الاصح (بمهر مثل) لفساد المسمى كما إذا قبل النكاح لطفله بفوق مهر مثل من ماله. ولو ذكروا مهرا سرا وأكثر منه جهرا لزمه ما عقد به اعتبارا بالعقد. وإذا عقد سرا بألف ثم أعيد جهرا بألفين تجملا لزم ألف (وفي وطئ نكاح) أو شراء (فاسد) كما في وطئ شبهة يجب (مهر مثل) لاستيفائه منفعة البضع، ولا يتعدد بتعدد الوطئ إن اتحدت الشبهة. (ويتقرر كله) ـــــــــــــــــــــــــــــ الرشيدة وهو متجه في السفيهة، لا لما نظرا إليه، بل لأنه لا مدخل لإذنها في الأموال، فكأنها لم تأذن في شئ لا في الرشيدة، لأن إذنها معتبر في المال أيضا فاقتضت مخالفته ولو بما فيه مصلحة لها فساد المسمى ووجوب مهر المثل. اه. (قوله: أو أطلقت) أي الرشيدة الإذن: أي في النكاح ولا حاجة إلى ذكر هذه المسألة بعد قوله أو رشيدة بلا إذن: إذ المراد، كما تقدم، بلا إذن في النقص عن مهر المثل أذنت في النكاح أم لا. فالشق الأول، أعني ما إذا أذنت في النكاح ولم تأذن في النقص، هو عين هذه المسألة إلا أن يقال إنه من ذكر الخاص بعد العام، والمؤلف تبع شيخ الإسلام في العبارة المذكورة. وعبارة المنهاج: ولو قالت لوليها زوجني بألف فنقص عنه بطل النكاح. فلو أطلقت فنقص عن مهر مثل بطل. وفي قول يصح بمهر مثل. (قلت) الأظهر صحة النكاح في الصورتين بمهر المثل والله أعلم. اه. وهي ظاهرة. وقوله ولم تتعرض لمهر: أي سكت عن قدره، وهو بيان لمعنى الإطلاق (قوله: صح النكاح) جواب لو. وقوله على الأصح: أي لأن فساد الصداق لا يفسد النكاح كما مر. وفارق عدم صحته من غير كفء بأن إيجاب مهر المثل هنا تدارك لما فات من المسمى، وذاك لا يمكن تداركه. ومقابل الأصح يحكم بفساد النكاح (قوله: لفساد المسمى) علة لصحته بمهر المثل (قوله: كما إذا قبل) أي ولي الطفل: أي فإنه يصح بمهر المثل. وقوله لطفله: أي أو مجنون أو سفيه (قوله: بفوق مهر مثل) أي مما لا يتغابن بمثله، وهو متعلق بقبل. وقوله من ماله: أي حالة كون ذلك الفوق مع مهر المثل من مال الطفل. وعبارة الجمل: وقوله بفوق مهر مثل: أي بمهر مثل فما فوق حالة كون المجموع من مال المولى، أما لو كان من مال الولي أو قدر المهر من مال المولى والزائد من مال الولي فإنه يصح في هاتين بالمسمى. اه. (قوله: ولو ذكروا) الضمير يعود على معلوم من المقام وهو الزوج والولي والزوجة الرشيدة أو غيرها ممن ينضم للولي والزوج في الغالب وعبارة التحفة مع الأصل: فان توافقوا، أي الزوج والولي والزوجة الرشيدة، فالجمع باعتبارها أو باعتبار من ينضم للفريقين غالبا. اه. وقوله مهرا سرا: أي سواء كان بالتوافق أو بالعقد. وقوله وأكثر منه جهرا: يقال فيه ما في الذي قبله. وقوله لزمه ما عقد به: أي ما وقع العقد عليه اعتبارا بالعقد سواء قل أو كثر. فلو وقع الاتفاق على ألفين ووقع العقد على ألف لزمه الألف، أو وقع الاتفاق على ألف ووقع العقد على ألفين لزمه الألفان. هذا إن لم يتكرر العقد. فإن تكرر لزمه ما وقع العقد الأول عليه قل أو كثر، اتحدت شهود العلانية والسر أم لا. وذلك لأن العبرة بالعقد الأول، وأما الثاني فهو لاغ لا عبرة به. وقد بين هذا بقوله وإذا عقد سرا بألف ثم أعيد جهرا بألفين، أي أو العكس: بأن عقد سرا بألفين ثم أعيد جهرا بألف، فيلزمه الألفان. وعلى هاتين الحالتين حملوا نص الشافعي رضي الله عنه في موضع على أن المهر مهر السر، وفي آخر على أنه مهر العلانية: أي فالأول محمول على ما تقدم عقد السر، والثاني محمول على تقدم عقد العلانية (قوله: وفي وطئ نكاح أو شراء) الجار والمجرور خبر مقدم. وقوله مهر مثل: مبتدأ مؤخر. والشارح جعل قوله مهر مثل فاعلا لفعل محذوف. وعليه فيكون الجار والمجرور متعلقا به، والأولى أن يجعله كما ذكرت: إذ لا يجوز حذف الفعل إلا بقرينة تدل عليه، وهذا بيان لشبهة الطريق. وقوله فاسد: أي كل من النكاح والشراء (قوله: كما في وطئ الشبهة) التشبيه يفيد أن ما تقدم من وطئ النكاح والشراء الفاسدين ليس من وطئ الشبهة وليس كذلك. ولو قال، كما في المنهج، وفي وطئ شبهة كنكاح فاسد الخ لكان أولى. (واعلم) أن الشبهة إما أن تكون شبهة طريق، وهي التي يقول بحلها عالم، وذلك كما في الوطئ بالنكاح الفاسد

أي كل الصداق (بموت) لاحدهما، ولو قبل الوطئ، لاجماع الصحابة على ذلك (أو وطئ) أي بغيبة الحشفة وإن بقيت البكارة (ويسقط) أي كله (بفراق) وقع منها (قبله) أي قبل وطئ (كفسخها) بعيبه أو بإعساره وكردتها أو ـــــــــــــــــــــــــــــ والشراء الفاسد، وإما أن تكون شبهة الفاعل: وذلك كوطئ الأجنبية على ظن أنها حليلة، وإما أن تكون شبهة المحل: كما إذا وطئ أب أمة ولده أو شريك الأمة المشتركة أو سيد مكاتبته، وقد تقدم الكلام عليها في مبحث الرضاع (قوله: يجب مهر مثل) محله إن كانت الشبهة منها بأن لا تكون زانية وإلا فلا وجوب: سواء كان هو زانيا أم لا ويعتبر المهر وقت الوطئ لأنه وقت الإتلاف لا وقت العقد لفساده. وقوله لاستيفائه: أي الواطئ، وهو علة لوجوب مهر المثل عليه (قوله: ولا يتعدد) أي المهر. وقوله بتعدد الوطئ: المراد بتعدده كما قاله الدميري، أي يحصل بكل مرة فضاء الوطر مع تعدد الأزمنة. فلو كان ينزع ويعود فالأفعال متواصلة ولم يقض الوطر إلا آخرا فهو وقاع واحد بلا خلاف. أما إذا لم تتواصل الأفعال فتتعدد الوطآت وإن لم يقض وطره. (والحاصل) أنه متى نزع قاصدا الترك أو بعد قضاء الوطر ثم عاد تعدد، وإلا فلا. اه. نهاية (قوله: إن اتحدت الشبهة) الأولى أن يقول، كما في التحفة، لاتحاد الشبهة. وذلك لأنه لم يذكر في كلامه من أنواع الشبهة إلا نوعا واحدا وهو النكاح الفاسد أو الشراء الفاسد، فلا يناسب أن يقيد ذلك بقوله إن اتحدت الشبهة. نعم: لو عبر كالمنهج بالعبارة التي نبهت عليها آنفا لكان قوله إن اتحدت مناسبا. (والحاصل) أنه لا يتعدد المهر بتعدد الوطئ إن اتحد شخص الشبهة، فإن لم يتحد شخص الشبهة تعدد المهر سواء اتحد الجنس أم تعدد، كما لو وطئ مرارا بشبهة الفاعل أو شبهة الطريق أو شبهة المحل بشرط أن لا يؤدي المهر قبل تعدد الوطئ، وإلا تعدد المهر. وذلك كأن وطئ امرأة مرة بنكاح فاسد. وفرق بينهما ثم مرة أخرى بنكاح فاسد أو وطئها يظنها زوجته ثم علم الواقع ثم وطئها مرة أخرى يظنها زوجته أيضا. وهذان المثالان لتعدد شخصها مع اتحاد جنسها، وهو شبهة الطريق في الأول، وفي الثاني شبهة الفاعل. ومثال تعدد الشخص مع تعدد الجنس أن يطأها بنكاح فاسد ويفرق بينهما ثم يطأها مرة أخرى يظنها زوجته أو بالعكس. ففي جميع ما ذكر يتعدد المهر. ثم إن العبرة في عدم التعدد عند اتحادها أن تكون من الواطئ والموطوءة، فإن فقدت الشبهة منه مع وجودها منها تعدد المهر مطلقا. فلو كرر وطئ نائمة أو مكرهة أو مطاوعة بشبهة اختصت بها تكرر المهر، لأن سببه الإتلاف وقد تعدد بتعدد الوطآت (قوله: ويتقرر كله الخ) المراد بالتقرر الأمن من سقوطه كله بالفسخ أو شطره بالطلاق، لا وجوبه، لأنه يجب بالعقد (قوله: ويموت) أي في نكاح صحيح لا فاسد، فلا يستقر المهر بالموت فيه. وقد يسقط المهر بالموت، كما لو قتلت أمة نفسها أو قتلها سيدها. ومثل الموت مسخ أحدهما حجرا كله أو نصفه الأعلى (قوله: ولو قبل الوطئ) تفيد الغاية أنه إذا وطئ ثم مات تقرر المهر بالموت وليس كذلك، بل يتقرر بالوطئ. وفي التحفة والنهاية وشرح المنهج إسقاطها، وهو المتعين، (قوله: لإجماع الصحابة على ذلك) أي على تقرره كله بالموت: أي ولبقاء آثار النكاح بعده من الوارث وغيره (قوله: أو وطئ) أي ويتقرر كله بوطئ: أي وإن حرم كوقوعه في حيض أو في دبرها. وخرج بتقرره بالموت وبالوطئ غيرهما كاستدخال مائة وخلوة ومباشرة في غير الفرج حتى لو طلقها بعد ذلك فلا يجب إلا بالشطر، لآية * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * (1) أي تجامعون (قوله: ويسقط الخ) شروع في بيان ما يرفع المهر وما ينصفه وغيرهما. وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة (قوله: أي كله) أي الصداق. وهو بيان للفاعل المستتر، لا هو الفاعل نفسه: إذ لا يجوز حذفه في غير مواضع الحذف، كما تقدم التنبيه عليه غير مرة (قوله: بفراق وقع منها) أي بسبب عيب فيه أو بسبب ردتها فإنه بالردة ينفسخ النكاح حالا إذا كان قبل الوطئ (قوله: قبله) متعلق بالفعل الذي قدره وهو قوله وقع منها (قوله: أي قبل وطئ) أي في قبل أو دبر ولو بعد استدخال مني. تحفة (قوله: كفسخها إلخ) تمثيل لما يحصل به الفراق منها (قوله: بعيبه) الباء سببية متعلق بفسخها: أي فسخها

_ (1) سورة البقرة، الاية: 237

بسببها كفسخه بعيبها (ويتشطر) المهر: أي يجب نصفه فقط (بطلاق) ولو باختيارها: كأن فوض الطلاق إليها فطلقت نفسها أو علقه بفعلها ففعلت أو فورقت بالخلع وبإنفساخ نكاح بردته وحده (قبله) أي الوطئ. (وصدق نافي وطئ) من الزوجين بيمينه لان الاصل عدمه إلا إذا نكحها بشرط البكارة ثم قال وجدتها ثيبا ولم أطأها فقالت ـــــــــــــــــــــــــــــ بسبب عيب كائن في الزوج. وقوله بإعساره: أي بمهرها أو بالنفقة (قوله: وكردتها) عطف على كفسخها: أي وكإرضاعها زوجة له صغيرة، وكإسلامها ولو تبعا لأحد أبويها عند غير ابن حجر، أما عنده فيتشطر المهر. قال: وما جزم به شيخنا، بأنه لا فرق: أي بين إسلامها تبعا وغيره، فهو لا يلائم ما قالوه: أي من تشطر المهر فيما لو أرضعته أمها أو أرضعتها أمه، بجامع أن إسلام الأم كإرضاعها سواء فكما لم ينظروا لإرضاعها فكذلك لا ينظر لإسلامها. اه. (قوله: أو بسببها) معطوف على منها: أي أو وقع الفراق لكن منه بسببها. وإنما سقط المهر في الأول لأنها هي المختارة للفرقة فلذلك سقط العوض، وفي الثاني لأنها لما كانت بسببها كانت كأنهاها الفاسخة (قوله: ويتشطر المهر) أي في كل فراق لا يكون منها ولا بسببها. والمراد من تشطيره عود نصف المهر إلى الزوج إن كان هو المؤدي عن نفسه أو أداه عنه وليه، وإلا عاد للمؤدي بنفس الفراق وإن لم يختر العود. وذلك لظاهر الآية. وقيل المراد من التشطير أن له خيار الرجوع في النصف إن شاء تملكه وإن شاء تركه (قوله: بطلاق) أي بائنا كان أو رجعيا لكن بعد انقضاء العدة، وصورة الرجعي قبل الدخول أن يكون بعد استدخال المني فهو طلاق قبل الدخول لكنه رجعي (قوله: ولو باختيارها) غاية في التشطر: أي يتشطر بالطلاق ولو كان الطلاق وقع باختيارها (قوله: كأن فوض إلخ) تمثيل لما كان باختيارها (قوله: أو علقه) أي طلاقها بفعلها: كإن دخلت الدار فأنت طالق. وقوله ففعلت: أي المعلق عليه الطلاق، وهو الدخول للدار (قوله: أو فورقت بالخلع) معطوف على فوض: أي وكأن فورقت. فهو مندرج فيما كان باختيارها (قوله: وبانفساخ نكاح) معطوف على بطلاق في المتن: أي ويتشطر المهر بانفساخ للنكاح. وقوله بردته: أي الزوج، أي أو بإسلامه، ولو تبعا، أو لعانه أو إرضاع أمه لها وهي صغيرة أو إرضاع أمها له وهو صغير. ففي كل ذلك يتشطر المهر للنص عليه في الطلاق بقوله تعالى: * (فنصف ما فرضتم) * (1) وقياسا عليه في الباقي. وقوله وحده. تقدم حكم ردتها وحدها. وبقي ما لو ارتدا معا، والعياذ بالله تعالى، فهل هي كردتها فيسقط المهر كله أو كردته فينصف؟ وجهان. أصحهما الثاني تغليبا لسببه (قوله: وصدق نافي وطئ من الزوجين) أي إذا اختلفا في الوطئ وعدمه، وكان المصدق الذي ينفي الوطئ لأن الأصل عدمه. واستثنى مسائل ذكر بعضها الشارح يكون المصدق فيها المثبت. وقد نظمها بعضهم بقوله: إذا اختلف الزوجان في وطئه لها فمن منهما ينفيه فالقول قوله سوى صور ست فمثبته هو المصدق فاحفظ ما تبين نقله إذا اختلفا في الوطئ قبل طلاقها وجاء له منها على الفرش نجله فأنكره فالقول في ذاك قولها ويلزمه شرعا لها المهر كله كذلك عنين يقول وطئتها زمان امتهال حيث يمكن فعله كذلك مول قال إني وطئتها وفئت فلا تطليق يلغى ومثله إذا طاهرا كانت وقال لسنة سمت أنت فيها طالق صح عقله فقال بهذا الطهر إني وطئتها وما طلقت لم ينقطع منه حبله ومن طلقت منه ثلاثا وزوجت بغير وفيها قال ما غاب قبله فقالت بلى قد غاب فالقول قولها وأدرك ذاك الزوج الأول حله وإن زوجت عرس بشرط بكارة فقالت لنا إن الثيوبة فعله وأنكره فالقول في ذاك قولها وليس له منها خيار ينيله

_ (1) سورة البقرة، الآية: 237

بل زالت بوطئك فتصدق بيمينها لدفع الفسخ، ويصدق هو لتشطيره إن طلق قبل وطئ (وإذا اختلفا) أي الزوجان (في قدره) أي المهر المسمى وكان ما يدعيه الزوج أقل (أو) في (صفته) من نحو جنس كدنانير وحلول وقدر أجل وصحة وضدها. (ولا بينة) لاحدهما أو تعارضت بيناتهما (تحالفا) كما في البيع، (ثم) بعد التحالف (يفسخ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله في ذاك قولها: أي لترجيح جانبها بالولد، فإن نفاه عنه صدق بيمينه لانتفاء المرجح. وقوله وقال لسنة: بالنون المشددة. وقوله سمت: أي السنة. وقوله أنت فيها طالق: مقول القول، يعني إذا قال لطاهر أنت طالق للسنة فقال وطئت في هذا الطهر فلا طلاق حالا لكونه بدعيا وقالت لم تطأ فيه فيقع حالا صدق لأن الأصل بقاء العصمة، والطلاق السني هو ما وقع في طهر خلا عن وطئ فيه، والبدعي بخلافه. وقوله وفيها قال: أي الغير ما غاب قبله بضم القاف. أي ما غابت حشفته في فرجها فلا تحل للأول. وقوله فالقول قولها: أي لتحل للأول ويقبل قوله بالنسبة لتشطير المهر. وقوله فالقول في ذاك قولها: أي بالنسبة لدفع الفسخ، وأما بالنسبة لتشطير المهر فالقول قوله هو (قوله: بيمينه) متعلق بصدق (قوله: لأن الأصل عدمه) أي عدم الوطئ وهو علة لكون المصدق نافي الوطئ (قوله: إلا إذا نكحها الخ) استثناء من قوله وصدق نافي وطئ إلخ. (واعلم) أن هذه الصورة قد تقدمت في عيوب النكاح (قوله: ثم قال) أي الزوج. وقوله فقالت: أي الزوجة: أي أنكرت قوله المذكور وقالت بل زالت البكارة بوطئك (قوله: فتصدق بيمينها لدفع الفسخ) أي لأجل أن لا يفسخ النكاح (قوله: ويصدق هو) أي بيمينه، كما تقدم للشارح التقييد به، وقوله لتشطيره: أي لأجل تشطير المهر. أي عدم دفع كله لها. وقوله إن طلق قبل وطئ: أي بعد الاختلاف المذكور وقبل وطئ فإن طلقها بعد الوطئ فلا يتشطر المهر، بل يجب كله، كما هو ظاهر، (قوله: وإذا اختلفا إلخ) شروع في بيان التحالف عند الاختلاف في قدر المهر أو صفته. وقد عقد له الفقهاء فصلا مستقلا (قوله: أي الزوجان) أي أو وارثاهما أو وارث أحدهما والآخر (قوله: في قدره) أي كأن قالت نكحتني بألف فقال بخمسائة. وقوله أي المهر المسمى: أي في العقد، وإنما قيده بالمسمى ليخرج ما لو وجب مهر المثل لنحو فساد تسمية ولم يعرف لها مهر مثل فاختلف فيه فيصدق الزوج بيمينه لأنه غارم والأصل براءة ذمته عما زاد. أفاده م ر. (قوله: وكان ما يدعيه الزوج أقل) أي كالمثال السابق. وخرج به ما إذا كان أكثر فإنها تأخذ ما ادعته ويبقى في يده الزائد كمن أقر لشخص بشئ فكذبه (قوله: أو في صفته) معطوف على في قدره: أي أو اختلفا في صفته. والمراد بها ما يشمل الجنس والحلول والأجل وقدر الأجل بدليل البيان بعده وهو قوله من نحو جنس الخ فإنه بيان للصفة. ويدخل تحت نحوه الحلول والأجل وقدر الأجل والصحة (قوله: كدنانير) أي ادعتها هي دونه: كأن قالت تزوجتك بألف دينار فقال بل بألف درهم، وهو تمثيل للاختلاف في الجنس. وقوله وحلول: معطوف على دنانير: أي وكحلول ادعته هي دونه، كأن قالت تزوجتك بمائة حالة فقال بل مؤجلة، وهو تمثيل للاختلاف في نحو الجنس، ومثله ما بعده. وقوله وقدر أجل: معطوف على دنانير أيضا، وذلك كأن قالت تزوجتك بمائة مؤجلة إلى شهرين فقال بلى إلى ثلاثة أشهر. وقوله وصحة: معطوف أيضا على دنانير: كأن قالت زوجتك بمائة صحيحة فقال بل مكسرة: ثم إن عطف المذكورات على دنانير أولى من عطفها على نحو جنس لأنه عليه يكون قد وفى بالأمثلة للجنس ولنحوه، بخلافه على الثاني فلا يكون موفيا بذلك ويلزم عليه أيضا تخريج العطف على أنه من عطف الخاص على العام، وهو خلاف الأصل فيه. وقوله وضدها: راجع للجميع، أي الدنانير وما بعدها، أي كدنانير وضدها وهو الدراهم، وحلول وضده وهو الأجل، وقدر أجل وضده. والمراد به أن يكون مدعاه أكثر من مدعاها في القدر. وبقي ما لو اختلفا في أصل تسمية المهر أو في تسمية قدر المهر. كأن ادعى تسمية فأنكرتها لتأخذ مهر المثل أو ادعت تسمية قدر فأنكرها الزوج (قوله: ولا بينة) أي والحال أنه لا بينة لواحد منهما أصلا (قوله: أو تعارضت إلخ) أي أو وجدت بينة لكل منهما ولكن تعارضتا بأن أطلقتا أو أرختا بتاريخ واحد أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى، فإن لم يكن التاريخ واحدا حكم بمقدمة التاريخ (قوله: تحالفا) جواب إذا. وقوله كما في البيع: أي كالتحالف المار في البيع، ولكن هنا يبدأ في اليمين بالزوج لقوة جانبه، وكيفية التحالف المار فيه أن

المسمى ويجب مهر المثل) وإن زاد على ما ادعته الزوجة وهو ما يرغب به عادة في مثلها نسبا وصفة من نساء عصباتها، فتقدم أخت لابوين فلاب فبنت أخ فعمة كذلك فإن جهل مهرهن فيعتبر مهر رحم لها كجدة وخالة. قال الماوردي والروياني: تقدم الام فالاخت للام فالجدات فالخالة فبنت الاخت، أي للام، فبنت الخالة. ولو اجتمع أم أب وأم أم فالذي يتجه استواوهما، فإن تعذرت اعتبر بمثلها في الشبه من الاجنبيات. ويعتبر مع ذلك ما يختلف به غرض كسن ويسار وبكارة وجمال وفصاحة، فإن اختصت عنهن بفضل أو نقص زيد عليه أو نقص منه ـــــــــــــــــــــــــــــ يحلف كل واحد يمينا واحدة تجمع نفيا لقول صاحبه وإثباتا لقوله فيقول الزوج مثلا: والله ما تزوجتها بألف دينار ولقد تزوجتها بألف درهم، وتقول هي والله ما تزوجته بألف درهم ولقد تزوجته بألف دينار (قوله: ثم بعد التحالف يفسخ المسمى) أي على ما مر في البيع أيضا من أنهما يفسخانه أو أحدهما أو الحاكم ولا ينفسخ بنفس التحالف (قوله: ويجب مهر المثل) أي لأن التحالف يوجب رد البضع، وهو متعذر فوجبت قيمته وهو مهر المثل. فمهر المثل سببه التحالف والفسخ وهو غير المهر الذي ادعاه الزوج لأنه فسخ وصار لغوا بدعوى الزيادة عليه. أفاده البجيرمي (قوله: وإن زاد) أي مهر المثل على ما ادعته الزوجة. وهذا في صورة الاختلاف في قدر المهر (قوله: وهو) أي مهر المثل وقوله ما يرغب به عادة أي قدر ما يرغب فيه في العادة. وخرج بها ما لو شذ واحد لفرط سعته ويساره فرغب بزيادة فلا عبرة به. وقوله في مثلها نسبا: أي ولو في العجم. واعتبار النسب هو الركن الأعظم لأن الرغبات تختلف به مطلقا. وقوله وصفة الأولى حذفه لأنه يشمله. قوله الآتي قريبا ويعتبر مع ذلك ما يختلف به غرض إلخ. وقوله من نساء عصباتها: بيان لمثله والمراد لو فرضن ذكورا: إذ ليس في النساء عصبة إلا التي منت بعتق الرقبة وهي المنسوبات إلى من تنسب المنكوحة إليه من الآباء فتراعى أخت لأبوين ثم لأب ثم بنت أخ كذلك ثم عمة كذلك ثم بنت عمة كذلك وليس منهن الأم والجدة والخالة. قال في فتتح الجواد: وتقدم نساء عصباتها وإن غبن عن بلدها، فإن كن ببلدين هي في أحدهما اعتبر نساء بلدها (قوله: فإن جهل مهرهن) أي نساء عصباتها. وعبارة متن المنهاج: فإن فقد نساء العصبة أو لم ينكحن أو جهل مهرهن فأرحام. اه. وهي أولى (قوله: فيعتبر مهر رحم لها) أي فيعتبر مهر ذوات رحم لها وذلك لأنهن أولى من الأجانب. والمراد بذوات الأرحام هنا الأم وقراباتها لا ذوو الأرحام المذكورون في الفرائض لأن الأم وأمهاتها لسن من ذوي الأرحام المذكورين في الفرائض، بل من أصحاب الفروض (قوله: كجدة وخالة) تمثيل لذوات الرحم لها (قوله: قال الماوردي والروياني تقدم الأم إلخ) أي من ذوات الأرحام: أي تعتبر الأم أولا ثم الأخت للأم (قوله: فالجدات الخ) أي وتقدم القربى من كل جهة على البعدي. وقوله فالخالة: أي فبعد الجد أب الخالة وهي أخت الأم (قوله: فبنت الأخت) أي فبعد الخالة بنت الأخت. وقوله أي للأم: بيان للأخت (قوله: فبنت الخالة) أي فبعد بنت الأخت تعتبر بنت الخالة (قوله: ولو اجتمع الخ) هذا من قول الماوردي والروياني كما يدل عليه عبارة المغني ونصها. (تنبيه) ظاهر كلامه أن الأم لا تعتبر، وليس مرادا، فقد قال الماوردي تقدم من نساء الأرحام الأم ثم الجدات ثم الخالات ثم بنات الأخوات ثم بنات الأخوال. وعلى هذا قال ولو اجتمعت أم أب وأم أم فأوجه ثالثها، وهو الأوجه، التسوية. اه (قوله: فالذي يتجه استواؤهما) قال سم في الكنز للأستاذ أبي الحسن البكري: والأقرب، تقدم، أم الأم. اه (قوله: فإن تعذرت) أي ذوات الأرحام. وفي بعض نسخ الخط فإن تعذرن، بنون النسوة، وهو أولى. والمراد تعذر معرفة ما يرغب فيه من مهورهن: إما لكونهن لم يوجدن، وإما لكونهن لم ينكحن. وقوله اعتبرت: أي المنكوحة بمثلها في الشبه من الأجنبيات. وعبارة فتح الجواد: ومن تعذرت معرفة أقاربها تعتبر بمن يساويها من نساء بلدها ثم أقرب البلاد إليها ثم أقرب النساء بها شبها: أي فتعتبر الأمة بأمة مثلها، والبدوية ببدوية وهكذا. اه (قوله: ويعتبر مع ذلك) أي مع ما ذكر من رعاية مثلها نسبا (قوله: ما يختلف به غرض) أي رعاية ما يختلف به ذلك وعبارة فتح الجواد مع الأصل ويعتبر زيادة على رعاية النسب موجب رغبة، أي ما يوجب الرغبة، أي أو ضدها من الصفات والإعتبارات المرغبة والمنفردة:

لائق بالحال بحسب ما يراه قاض. ولو سامحت واحدة لم يجب موافقتها (وليس لولي عفو عن مهر) لموليته كسائر ديونها وحقوقها. ووجدت من خط العلامة الطنبداوي أن الحيلة في براءة الزوج عن المهر حيث كانت المرأة صغيرة أو مجنونة أو سفيهة أن يقول الولي مثلا طلق موليتي على خمسمائة درهم مثلا علي فيطلق ثم يقول الزوج أحلت عليك موليتك بالصداق الذي لها علي فيقول الولي قبلت فيبرأ الزوج حينئذ من الصداق اه. ويصح التبرع بالمهر من مكلفة بلفظ الابراء والعفو والاسقاط والاحلال والتحليل والاباحة والهبة وإن لم يحصل قبول. ـــــــــــــــــــــــــــــ كشرف سيد أمة أو معتقها وخسته، وكيسار وعفة وجمال وبكارة وفصاحة وضدها، فإن فضلتهن أو نقصت عنهن فرض اللائق بالحال. اه. (قوله: كسن الخ) تمثيل لما يختلف به الغرض من الصفات (قوله: ويسار) قال في النهاية: وإنما لم يعتبر نحو المال والجمال في الكفاءة لأن مدارها على دفع العار، ومدار المهر على ما تختلف به الرغبات. اه. (قوله: فإن اختصت) أي المنكوحة. وقوله عنهن: أي عن أمثالها. وقوله بفضل: أي بصفة فاضلة من الصفات المذكورة. وقوله أو نقص: معطوف على فضل: أي أو اختصت بنقص أي بصفة ناقصة من أضداد الصفات المذكورة. وقوله زيد عليه: أي على مهر من أشبهتها وزادت المنكوحة عليها بصفة فاضلة. وقوله أو نقص منه: أي من المهر المذكور. وقوله لائق بالحال: تنازعه كل من زيد ونقص. والمعنى زيد على المهر أو نقص من المهر لائق بها بحسب ما فيها من الزيادة أو النقصان. وقوله بحسب ما يراه قاض: أي لأن ما ذكر من الزيادة أو النقصان أمر مجتهد فيه فأنيط بالحاكم (قوله: ولو سامحت واحدة) أي ولو سامحت واحدة من العصبة ببعض مهرها. وقوله لم يجب موافقتها: أي لا يجب على الباقيات المسامحة أيضا وذلك لأن العبرة بالغالب، ومحله ما لم تكن المسامحة لنقص نسب يفتر الرغبة وإلا فتعتبر. قال في الروض وشرحه: وإن كن كلهن أو غالبهن يسامحن قوما دون قوم اعتبرناه، فلو جرت عادتهن بمسامحة العشيرة دون غيرهم خففنا مهر هذه في حق العشيرة دون غيرهم، وكذا لو سامحن للشريف دون غيرهم. اه (قوله: وليس لولي عفو عن مهر لموليته) أي على الجديد ولا يرد عليه قوله تعالى: * (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) * (1) لأن الذأي بيده ذلك الزوج لا الولي: إذ لم يبق بيده بعد العقد عقدة بخلاف الزوج فإن بيده العقدة من حين العقد إلى الفرقة إن شاء أمسكها وإن شاء حلها بالفرقة. قال في النهاية: والقديم له ذلك، وله شروط. أن يكون الوليد أبا أو جدا، وأن يكون قبل الدخول، وأن تكون بكرا صغيرة عاقلة، وأن يكون بعد الطلاق، وأن يكون الصداق دينا في ذمة الزوج لم يقبض. اه (قوله: كسائر ديونها) أي كسائر الديون التي تستحقها في ذمة الزوج أو غيره، فلا يجوز للولي العفو عنها. وقوله وحقوقها: عطفه على الديون من عطف العام على الخاص: إذ هي شاملة للديون ولغيرها كحد القذف (قوله: ووجدت من خط) أي بخط فمن بمعنى الباء (قوله: إن الحيلة في براءة الزوج) أي فقط، لا في سقوط حقها مطلقا، إذ الحيلة التي ذكرها فيها انتقال الحق في ذمة الزوج إلى ذمة الولي، فحقها باق في ذمة الولي (قوله: إن يقول الولي الخ) المصدر المؤول خبر أن. وقوله طلق موليتي: أي الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة. وقوله على خمسمائة درهم: أي على دفع خمسمائة درهم لك. وقوله علي: أي حال كونها ثابتة علي أدفعها لك. وخرج ما لو قال على موليتي فلا يصح (قوله: فيطلق) أي على الشرط الذي ذكره الولي (قوله: ثم يقول الزوج) أي للولي. وقوله أحلت الخ: مقول القول (قوله: فيقول الولي قبلت) أي الحوالة المذكورة لها (قوله: فيبرأ الزوج) أي وينتقل حقها حينئذ إلى ذمة وليها كما عرفت (قوله: ويصح التبرع بالمهر من مكلفة) بالغة عاقلة وخرج بذلك الصغيرة والمجنونة فلا يصح إبراؤهما (قوله: بلفظ الإبراء) أي بلفظ مشتقاته: كأبرأتك وأنت برئ من الصداق الذي لي عليك (قوله: والعفو) أي وبلفظ العفو أي مشتقاته: كعفوت عنك في الصداق وأنت معفو عنك في الصداق (قوله: والإسقاط) أي وبلفظ الإسقاط: أي مشتقاته

_ (1) سورة البقرة، الاية: 237

(مهمات) لو خطب امرأة ثم أرسل أو دفع بلا لفظ إليها مالا قبل العقد: أي ولم يقصد التبرع ثم وقع الاعراض منها أو منه رجع بما وصلها منه، كما صرح به جمع محققون، ولو أعطاها مالا فقالت هدية وقال صداقا صدق بيمينه وإن كان من غير جنسه، ولو دفع لمخطوبته وقال جعلته من الصداق الذي سيجب بالعقد أو من الكسوة التي ستجب بالعقد والتمكين وقالت بل هي هدية فالذي يتجه تصديقها، إذ لا قرينة هنا على صدقه في قصده، ولو طلق في مسألتنا بعد العقد لم يرجع بشئ، كما رجحه الاذرعي، خلافا للبغوي، لانه إنما أعطى لاجل العقد وقد وجد. ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا كأسقطت عنك صداقي وهو ساقط عنك (قوله: والإحلال والتحليل) أي وبلفظهما أي مشتقاتهما أيضا كأن تقول له أنت في حل من الصداق الذي في ذمتك أو حللتك من الصداق الذي لي عليك (قوله: والإباحة والهبة) أي بلفظ مشتقاتهما: كأبحتك الصداق أو وهبته لك (قوله: وإن لم يحصل قبول) أي يصح التبرع بهذه الألفاظ وإن لم يحصل قبول من الزوج: إذ الإبراء لا يحتاج إلى قبول (قوله: مهمات) أي ثلاث (قوله: لو خطب الخ) هذه المسألة قد تقدمت في آخر باب الهبة، وقد نقلت هناك، وفي باب النكاح سؤالا وجوابا عن الشهاب الرملي فيها. فلا تغفل (قوله: بلا لفظ) أي يدل على التبرع، وهو وما بعده متعلقان بكل من الفعلين قبله: أعني أرسل ودفع. وقوله إليها: أي إلى مخطوبته ومثلها وليها أو وكيلها. وقوله مالا: تنازعه كل من الفعلين المتقدمين وقوله قبل العقد: متعلق بكل منهما أيضا (قوله: أي ولم يقصد التبرع) ويعرف القصد بإقراره (قوله: ثم وقع الإعراض) أي عن العقد. وقوله منها أو منه: أي حال كونه صادرا منها أو منه (قوله: رجع) جواب لو والرجوع إما عليها أو على وليها أو وكيلها. وقوله بما وصلها: أي بما استلمته منه سواء كان بالإرسال أو الدفع (قوله: كما صرح به) أي بالرجوع جمع محققون. وعبارة التحفة بعد قوله بما وصلها منه كما أفاده كلام البغوي واعتمده الأذرعي ونقله الزركشي وغيره عن الرافعي، أي اقتضاء يقرب من الصريح. وعبارة قواعده: خطب امرأة فأجابته فحمل إليهم هدية ثم لم ينكحها رجع بما ساقه إليها لأنه ساقه بناء على إنكاحه ولم يحصل ذكره الرافعي الخ (قوله: ولو أعطاها) أي أعطى زوجته التي لها في ذمته صدق بعد العقد مالا (قوله: فقالت الخ) أي فاختلفا فيه فقالت هذا الذي أعطيتني إياه هدية لا صداق، وقال هو بل أعطيتك إياه على أنه الصداق الذي لك في ذمتي. وقوله صدق: أي الزوج. وعبارة الأنوار: ولو انفقا على قبض مال منه أو بعث مال إليها فقال دفعته أو بعثته مهرا وقالت هبة أو هدية: فإن اتفقا على أنه تلفظ وقال قلت إنه صداق وقالت أنه هبة أو هدية ولا بينة صدق بيمينه، ولو اتفقا على أنه لم يتلفظ واختلفا في نيته صدق بيمينه سواء كان من جنس الصداق أو غيره، فإذا حلف فإن كان من جنس الصداق وقع عنه وإلا فإن رضيا ببيعه بالصداق فذاك وإلا استرده وأدى الصداق، فإن كان تالفا فله البدل، وقد يتقاصان. اه (قوله: وإن كان) أي المال المختلف فيه من غير جنس الصداق: بأن كان المال المذكور دراهم والمسمى في العقد مثلا دنانير (قوله: ولو دفع لمخطوبته) أي قبل العقد مالا. وقوله وقال الخ: أي واختلفا فيه قبل العقد أو بعده فقال الزوج أنا وقت دفعه قصدت جعله عن الصداق الذي سيجب علي بالعقد، وقالت هي بل هو هدية أهديته. ومثله ما إذا قال جعلته عن الكسوة التي ستجب علي بالعقد والتمكين وقالت هي بل هدية (قوله: فالذي إلخ) جواب لو. وقوله يتجه تصديقها: أي المخطوبة (قوله: إذ لا قرينة هنا) أي في هذه المسألة على صدقه في قصده والفرض أنه لا بينة. والإحتراز به عن المسألتين الأوليين، أي مسألة ما إذا خطب امرأة وأرسل إليها مالا قبل العقد ولم يقصد التبرع ثم وقع الإعراض، ومسألة ما إذا أعطاها مالا فقالت هدية وقال صداق، فإن فيهما قرينة على صدقه في قصده: أما الأولى فلأن قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعثه أو دفعه إليها لتتم تلك الخطبة، وأما في الثانية فقرينة وجود الدين مع غلبة قصد براءة الذمة تؤكد صدق الدافع. أفاده في التحفة (قوله: ولو طلق في مسألتنا) انظر ما المراد بمسألته هل الأولى أو الثانية أو الثالثة؟ فإنه ساق المسائل الثلاث ولم يختص بواحدة منها حتى تصح الحوالة عليها؟ والظاهر أنه يعني بها المسألة الأولى - وهي

(تتمة) تجب عليه لزوجة موطوءة ولو أمة متعة بفراق بغير سببها وبغير موت أحدهما وهي ما يتراضى الزوجان عليه وقيل أقل مال يجوز جعله صداقا. ويسن أن لا ينقص عن ثلاثين درهما، فإن تنازعا قدرها القاضي بقدر حالهما من يساره وإعساره ونسبها وصفتها. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله ولو خطب ثم أرسل أو دفع الخ - بقرينة العلة الآتية فإنها هي التي دفع فيها لأجل العقد، إذا علمت ذلك فكان الأولى أن يقول في المسألة الأولى: ثم رأيت هذه اللفظة في عبارة شيخه، فلعلها سرت له منها. فتنبه (قوله: لم يرجع بشئ) أي عليها (قوله: خلافا للبغوي) أي القائل بأن له الرجوع. (قوله: تتمة) أي في بيان حكم المتعة، وهي، بضم الميم وكسرها، لغة التمتع. وشرعا مال يدفعه لمن فارقها أو لسيدها بشروط تأتي. والأصل فيها قوله تعالى: * (وللمطلقات متاع بالمعروف) * (1) وقوله تعالى: * (ومتعوهن) * (2) هي واجبة، ولا ينافي الوجوب قوله: * (حقا على المحسنين) * (3) لأن فاعل الوجوب محسن أيضا. والحكمة فيها جبر الإيحاش الحاصل بالفراق. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: أن وجوب المتعة مما يغفل عنه النساء، فينبغي تعريفهن إياه وإشاعته بينهن ليعرفن ذلك (قوله: تجب عليه الخ) لا فرق في وجوبها بين المسلم والكافر، والحر والعبد، والمسلمة والذمية، والحرة والأمة، وهي لسيد الأمة وفي كسب العبد (قوله: لزوجة موطوءة) وكذا غير الموطوءة التي لم يجب لها شئ أصلا. وهي المفوضة التي طلقت قبل الفرض ووالوطئ فتجب لها المتعة لقوله تعالى: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، ومتعوهن) * (4) أما التي وجب لها نصف المهر فلا متعة لها لأن النصف جابر للإيجاش الذي حصل لها بالطلاق مع سلامة بضعها. ولو قال، كغيره، لزوجة لم يجب لها نصف مهر فقط بأن لم يجب لها المهر أصلا أو وجب لها المهر كله لكان أولى: لما في عبارته من الإيهام الذي لا يخفى (قوله: ولو أمة) أي ولو كانت الزوجة أمة وهو حر بشروطه أو عبد (قوله: متعة) فاعل تجب (قوله: بفراق) الباء سببية متعلقة بتجب: أي تجب بسبب الفراق (قوله: بغير سببها) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لفراق: ي فراق حاصل بغير سببها: أي وبغير سببهما وبغير سبب ملكه لها، وذلك كطلاقه وإسلامه وردته ولعانه، بخلاف ما إذا كان الفراق حصل بسببها كإسلامها وردتها وملكها له وفسخها بعيبه وفسخه بعيبها أو بسببهما: كأن ارتدا معا أو بسبب ملكه لها بأن اشتراها بعد أن تزوجها فلا متعة في ذلك كله (قوله: وبغير موت أحدهما) معطوف على بغير سببها: أي وفراق حاصل بغير موت أحد الزوجين: أي أو موتهما معا. وخرج به ما إذا كان الفراق بموت أحدهما: أي أو موتهما فلا متعة فيه (قوله: وهي) أي المتعة شرعا. (وقوله: ما يتراضى الخ) أي مال يتراضى الزوجان عليه (قوله: وقيل أقل مال الخ) أي وقيل إن المتعة هي أقل مال يجوز أن يجعل صداقا بأن يكون متمولا طاهرا منتفعا به (قوله: ويسن أن لا ينقص) أي المال الذي يجعل متعة. (وقوله عن ثلاثين درهما) أي أو ما قيمته ذلك. وفي المغني: قال في البويطي وهذا أدنى المستحب، وأعلاه خادم، وأوسطه ثوب. اه. ويسن أن لا تبلغ نصف مهر المثل - كما قاله ابن المقري، فإن بلغته أو جاوزته جاز لإطلاق الآية. قال البلقيني وغيره: ولا يزيد وجوبا على مهر المثل ولم يذكروه. اه (قوله: فإن تنازعا) أي الزوجان في قدر المتعة. وقوله قدرها القاضي: أي باجتهاده. وقوله بقدر حالهما: أي معتبرا حالهما وقت الفراق لقوله تعالى: * (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) * (5) وقيل يعتبر حاله فقط لظاهر الآية المذكورة وكالنفقة، ويرد بأن قوله تعالى: * (وللمطلقات متاع بالمعروف) * (6) فيه إشارة إلى اعتبار حالهن أيضا، وقيل يعتبر حالها فقط لأنها كالبدل عن المهر وهو معتبر بها وحدها. وقوله من يساره وإعساره: هذا بيان لحال الزوج. وقوله ونسبها وصفتها: بيان لحال الزوجة.

_ (1) سورة البقرة، الاية: 241. (2) سورة البقرة، الاية: 236. (3) سورة البقرة، الاية: 236. (4) سورة البقرة، الاية: 236. (5) سورة البقرة، الاية: 236. (6) سورة البقرة، الاية: 241

(خاتمة) الوليمة لعرس سنة مؤكدة للزوج الرشيد وولي غيره من مال نفسه ولا حد لاقلها، لكن الافضل للقادر شاة. ووقتها الافضل بعد الدخول، للاتباع، وقبله بعد العقد يحصل بها أصل السنة. والمتجه استمرار طلبها بعد الدخول وإن طال الزمن كالعقيقة أو طلقها وهي ليلا أولى. وتجب على غير معذور بأعذار الجمعة ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: خاتمة) أي في بيان حكم الوليمة. وذكرها عقب الصداق لأن من جملة الولائم وليمة الإملاك الذي هو العقد والصداق ملازم لعقد النكاح، فلما ذكر الصداق كأنه ذكر عقد النكاح الذي هو سبب للوليمة. اه. بجيرمي. والوليمة مأخوذة من الولم: وهو الإجتماع، لأن الناس يجتمعون لها، وهي تقع على كل طعام يتخذ لحادث سرور أو غيره، لكن استعمالها مطلقا في العرس أشهر وفي غيره مقيدة: فيقال وليمة ختان أو غيره (قوله: الوليمة لعرس) هو بضم العين مع ضم الراء وإسكانها: يطلق على العقد وعلى الدخول، وأما بكسر العين وسكون الراء فهو اسم للزوجة أو التقييد به لبيان الواقع وليس للإحتراز عن غيره: إذ الوليمة مستحبة لغير العرس أيضا، كما سينص عليه، (قوله: سنة مؤكدة) أي لثبوتها عنه - صلى الله عليه وسلم - قولا وفعلا: ففي البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم - أولم على بعض نسائه بمدين من شعير، وأنه أولم على صفية بتمر وسمن وأقط، وقال لعبد الرحمن بن عوف، وقد تزوج، أولم ولو بشاة. والأمر فيه للندب قياسا على الأضحية وسائر الولائم (قوله: للزوج الرشيد) أي عليه: فاللام بمعنى على. وقوله وولي غيره: أي وعلى ولي غير الرشيد من أب أو جد. قال في التحفة: فلو عملها غيرهما - أي الزوج والولي: كأبي الزوجة - أو هي عنه، فالذي يتجه أن الزوج إن أذن تأدت السنة عنه فتجب الإجابة إليها وإن لم يأذن فلا، خلافا لمن أطلق حصولها. وقوله من مال نفسه: حال من ولي غيره: أي حال كون الولي يفعلها من مال نفسه، أما إذا فعلها من مال موليه فتحرم (قوله: ولا حد لأقلها) أي الوليمة. وقوله لكن الأفضل للقادر شاة: عبارة النهاية: وأقلها للمتمكن شاة ولغيره ما قدر عليه. قال النسائي، رحمه الله تعالى، والمراد أقل الكمال شاة لقول التنبيه: وبأي شئ أولم من الطعام جاز. وهي يشمل المأكول والمشروب الذي يعمل في حال العقد من سكر وغيره ولو موسرا. اه. وكتب ع ش: قوله من سكر وغيره: أي فيكفي في أداء السنة. والمفهوم من مثل هذا التعبير أنه ليس بمكروه ولا حرام، خلافا لمن توهمه من ضعفه الطلبة. اه (قوله: ووقتها الأفضل بعد الدخول) عبارة المغني: (تنبيه) لم يتعرضوا لوقت الوليمة، واستنبط السبكي من كلام البغوي أن وقتها موسع من حين العقد فيدخل وقتها به. والأفضل فعلها بعد الدخول لانه - صلى الله عليه وسلم - لم يولم على نسائه إلا بعد الدخول، فتجب الإجابة إليها من حين العقد وإن خالف الأفضل. اه. (قوله: وقبله) متعلق بيحصل: أي ويحصل أصل السنة بالوليمة قبل الدخول حال كونها واقعة بعد العقد، وإذا قصد بها حينئذ وليمة العقد والدخول معا حصلا. ولو بالقهوة أو الشربات، كما يعلم مما تقدم قريبا (قوله: والمتجه استمرار طلبها) أي الوليمة (قوله: بعد الدخول) الأولى إسقاطه لما علمت أن وقتها يدخل بالعقد، فحينئذ يكون الطلب منه ولو لم يدخل بها. وعبارة التحفة: ولا تفوت بطلاق ولا موت ولا بطول الزمن فيما يظهر. اه. ومثلها النهاية. (قوله: وإن طال الزمن) ظاهره أنها أداء أبدا. وفي البجيرمي ما نصه: قال الدميري والظاهر أنها تنتهي بمدة الزفاف للبكر سبعا وللثيب ثلاثا. اه: أي ففعلها بعد ذلك يكون قضاء. اه (قوله: كالعقيقة) أي نظير العقيقة فإنه يستمر طلبها وإن طال الزمن والطلب موجه على الولي إلى البلوغ إن أيسر ثم من بعده يكون المولى مخيرا بين أن يعتق عن نفسه أو يترك ذلك (قوله: أو طلقها) عطف على قوله طال الزمن: أي وإن طلقها فهي يستمر طلبها (قوله: وهي) أي الوليمة وقوله ليلا أولى أي من كونها في النهار. وعبارة النهاية: ونقل ابن الصلاح أن الأفضل فعلها ليلا لا نهارا لأنها في مقابلة نعمة ليلية. ولقوله سبحانه وتعالى: * (فإذا طعمتم فانتشروا) * (1) وكان ذلك ليلا. اه. وهو متجه إن ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - فعلها ليلا. اه. وكتب ع ش عليه: أي ولم يثبت ذلك، فلا يتم الإستدلال على سنها ليلا بأنه عليه السلام فعلها كذلك. اه. (قوله:

_ (1) سورة الاحزاب، الاية: 53

وقاض الاجابة إلى وليمة عرس عملت بعد عقد، لا قبله، إن دعاه مسلم إليها بنفسه أو نائبة الثقة، وكذا مميز لم يعهد منه كذب وعم بالدعاء الموصوفين يوصف قصده كجيرانه وعشيرته أو أصدقائه أو أهل حرفته فلو كثر نحو عشيرته أو عجز عن الاستيعاب لفقره لم يشترط عموم الدعوة على الاوجه، بل الشرط أن لا يظهر منه قصد تخصيص لغني أو غيره وأن يعين المدعو بعينه أو وصفه فلا يكفي من أراد فليحضر أو ادع من شئت أو لقيت، بل ـــــــــــــــــــــــــــــ وتجب الخ) وذلك لخبر الصحيحين إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها وخبر أبي داود إذا دعا أحدكم أخاه فليجب: عرسا كان أو غيره وحملوا الأمر في ذلك على الندب بالنسبة لوليمة غير العرس، وعلى الوجوب في وليمة العرس. وأخذ جماعة بظاهره من الوجوب فيهما، ويؤيد الأول ما في مسند أحمد عن الحسن دعي عثمان بن أبي العاص إلى ختان فلم يجب وقال لم يكن يدعى له على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي خبر الصحيحين مرفوعا: إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب ففيه التقييد بوليمة العرس، وعليها حمل خبر مسلم: شر الطعام طعام الوليمة: تدعى لها الأغنياء وتترك الفقراء، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله أي شر الطعام طعام الوليمة في حال كونها تدعى لها الأغنياء وتترك الفقراء، كما هو شأن الولائم، فإنه يقصد بها الفخر والخيلاء، ومن لم يجب الدعوة في غير هذه الحالة فقد عصى الله ورسوله، فتجب الإجابة في غير هذه الحالة المذكورة لما سيأتي من أن من شروط وجوب الإجابة أن لا يخص بالدعوة الأغنياء لغناهم (قوله: على غير معذور بأعذار الجمعة) خرج به المعذور بأعذار الجمعة فلا تجب عليه الإجابة، والمراد بأعذار الجمعة ما يتأتى منها هنا من نحو مرض ووحل ما لا يتأتى منها هنا كجوع وعطش فليسا عذرا هنا لأن المقصود من الوليمة الأكل والشرب (قوله: وقاض) معطوف على معذور: أي وتجب على غير قاض أيضا، أما هو فلا تجب الإجابة عليه وفي معناه كل ذي ولاية عامة، بل إن كان للداعي خصومة أو غلب على ظنه أنه سيخاصم حرمت عليه الإجابة (قوله: الإجابة) فاعل تجب (قوله: إلى وليمة عرس) المقام للإضمار: إذ هي المتقدم ذكرها. وخرج بوليمة العرس غيرها فلا تجب الإجابة له، بل تسن، كما تقدم، وكما سيذكره، قال في التحفة: ومنه. وليمة التسري كما هو ظاهر. اه (قوله: عملت بعد عقد) شروع في بيان شروط الإجابة، والجملة المذكورة حالية: أي حال كونها عملت بعد العقد. وقوله لا قبله: هو مفهوم البعدية، أي فلا عملت قبله فلا تجب الإجابة وإن اتصلت بالعقد لأن ما يفعل قبله ليس وليمة عرس (قوله: إن دعاه مسلم) خرج به ما لو كان كافرا فلا تطلب إجابته: نعم: تسن إجابة ذمي. وكما يشترط أن يكون الداعي مسلما يشترط أيضا أن يكون المدعو مسلما أيضا، فلا تجب الإجابة على كافر ولا تسن لانتفاء المودة معه. وقوله بنفسه: متعلق بدعاه، أي دعاه بنفسه، وقوله أو نائبه. الثقة: معطوف على نفسه، أي أو دعاه بنائبه الثقة: أي العدل (قوله: وكذا مميز) أي وكذلك تجب الإجابة إن دعاه إليها بإرسال مميز لم يعهد منه كذب (قوله: وعم بالدعاء الخ) عطف على دعاه. والمراد عند تمكنه منه، وإلا فلا يجب التعميم بقرينة ما بعده. وقوله بوصف قصده: أي الداعي (قوله: كجيرانه الخ) تمثيل للموصوفين بوصف قصده، وهو الجوار. والمراد بالجيران هنا أهل محلته ومسجده دون أربعين دارا من كل جانب (قوله: فلو كثر الخ) عبارة فتح الجواد: أن عم بالدعاء الموصوفين بوصف قصده، كجيرانه أو عشيرته أو أصدقائه أو أهل حرفته، لا جميع الناس لتعذره، بل لو كثر نحو عشيرته أو عجز عن الإستيعاب لفقره لم يشترط عموم الدعوة، على الأوجه، بل الشرط أن لا يظهر منه قصد تخصيص الغني أو غيره. اه. وقوله أو عجز عن الإستيعاب: أي أو لم تكثر عشيرته لكن عجز عن استيعاب الموجودين لفقره (قوله: لم يشترط) أي في وجوب الإجابة: وقوله عموم الدعوة: أي للموصوفين بوصف قصده حتى لو دعا واحدا لكون طعامه لا يكفي إلا واحدا لفقره لم يسقط عنه وجوب الإجابة (قوله: بل الشرط أن لا يظهر منه قصد تخصيص لغني) أي لأجل غناه. فلو خص الغني بالدعوة لأجل غناه لم تجب الإجابة عليه فضلا عن غيره، وذلك لخبر شر الطعام السابق، بخلاف ما لو خصه لا لغناه، بل لجوار أو اجتماع حرفة، فتجب الإجابة. وقوله أو غيره: أي وان لا يظهر منه قصد تخصيص لغير الغنى، ومقتضاه أنه لو خص الفقراء بالدعوة لم تجب الإجابة، وهو أيضا قضية عبارة فتح الجواد السابقة. وقضية قول شيخ الإسلام في المنهج وشرح الروض

لا تسن الاجابة حينئذ. وأن لا يترتب على إجابته خلوة محرمة فالمرأة تجيبها المرأة إن أذن زوجها أو سيدها لا الرجل إلا إن كان هناك مانع خلوة محرمة كمحرم لها أو له أو امرأة. أما مع الخلوة فلا يجيبها مطلقا، وكذا مع ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن لا يخص بها أغنياء ولا غيرهم. وقضية قول ابن حجر مثلا بعد قول المصنف وأن لا يخص الأغنياء. وكتب عليه ابن قاسم ما نصه: قضية قوله مثلا إنه قد يضر تخصيص الفقراء، ويوجه بأنه لو كان جيرانه وأهل حرفته مثلا كلهم فقراء أو بعضهم أغنياء فخصص الفقراء لما ذكر، فالوجه عدم الوجوب حينئذ لأن هذا التخصيص موغر للصدور، كما لا يخفى، ولو كانوا كلهم أغنياء فخصص بعضهم لا لما ذكر فالوجه عدم الوجوب أيضا. ولعله لا يشمله قولهم أن لا يخص الأغنياء بناء على أن المتبادر منه تخصيصهم بالنسبة للفقراء. نعم: لو خصص فقراء جيرانه أو أهل حرفته أو بعضهم لعدم كفاية ما يقدر عليه فآثر الفقراء لأنهم أحوج اتجه الوجوب، فظهر أنه لا ينبغي إطلاق أنه لا يضر تخصيص الفقراء. فليتأمل اه. وقوله لا لما ذكر: أي لا لكونهم جيرانه أو عشيرته. وفي البجيرمي خلافه ونصه: ونقل عن شيخنا زي. أنه لو خص الفقراء وجبت الإجابة عليهم. اه. ح ل. وهذا هو المعتمد. فالشرط أن لا يخص الأغنياء لغناهم، كما يفهم من الأصل، اه. (قوله: وان يعين الخ) أي ويشترط لوجوب الإجابة أن يعين الخ، فإن وما بعدها في تأويل مصدر نائب فاعل لفعل مقدر، ولا يصح عطفه على قوله وعم الخ المسلط عليه إن الشرطية، كما هو ظاهر، ولو قال وعين، بصيغة الماضي، المدعو لكان أولى، وكذا يقال فيما بعد من القيود. وقوله بعينه: أي بأن يقول تفضل يا فلان عندي. وقوله أو وصفه: أي المحصور فيه بأن يقول لنائبه: ادع عالم البلدة أو مفتيها وليس ثم إلا هو (قوله: فلا يكفي) أي في وجوب الإجابة، وهو مفرع على مفهوم قوله وأن يعين الخ. وقوله من أراد فليحضر: فاعل يكفي قصد لفظه، أي لا يكفي هذا اللفظ. وقوله أو ادع من شئت أو لقيت: أي ولا يكفي ادع الخ، وفي الكلام حذف: أي لا يكفي قوله لغيره ادع يا فلان من شئت أو من لقيته (قوله: بل لا تسن الإجابة حينئذ) أي حين إذ لم يعين المدعو بعينه أو وصفه أو حين إذ قال من أراد فليحضر أو ادع من شئت أو لقيت. وعبارة الروض وشرحه: لا إن نادى في الناس، كأن فتح الباب وقال ليحضر من أراد، أو قال لغيره ادع من شئت، فلا تطلب الإجابة من المدعو لأن امتناعه حينئذ لا يورث وحشة. اه. ومثل قوله ليحضر من أراد: إحضر إن شئت، ما لم تظهر قرينة على جريان ذلك على وجه التأدب أو الإستعطاف مع ظهور رغبته في حضوره، وإلا لزمت الإجابة (قوله: وإن لا يترتب الخ) معطوف على أن يعين المجعول نائب فاعل لفعل مقدر: أي ويشترط أن لا يترتب على الإجابة خلوة محرمة. فإن ترتب عليها خلوة محرمة بأن يكون الداعي امرأة أجنبية من غير حضور محرم لا لها ولا للمدعو لم تجب الإجابة (قوله: فالمرأة الخ) مفرع على منطوق الشرط وعلى مفهومه، فقوله فالمرأة الخ مفرع على المنطوق وهو أن لا يترتب على إجابته خلوة محرمة. وقوله لا الرجل: مفرع على المفهوم وهو ترتب الخلوة المحرمة على إجابته. وقوله تجيبها المرأة أي وجوبا (قوله: إن أذن زوجها) أي المرأة المدعوة في الإجابة، ولا بد من سن الوليمة للمرأة الداعية وإلا لم تجب الإجابة. قال في فتح الجواد. ولا يتصور كون المرأة تولم إلا عن موليها وهي وصية أو قيمة. اه. وقال في التحفة: ومن صور وليمة المرأة إن لم تولم عن الرجل بإذنه. كذا قيل. وفيه نظر: فإن الذي يظهر حينئذ أن العبرة بدعوته لا بدعوتها لأن الوليمة صارت له بإذنه لها المقتضي لتقدير دخول ذلك في ملكه نظير إخراج الفظرة عن الغير بإذنه وحينئذ، فيتعين أن يزاد في التصوير إن أذن لها في الدعوة أيضا. اه. ومثله في النهاية (قوله: لا الرجل) أي لا يجيبها الرجل بل تحرم عليه لما يترتب على الإجابة من الخلوة المحرمة. وبقيت صورة مندرجة في مفهوم الشرط وهو أن المرأة لا تجيب الرجل، ومثل المرأة الأمرد الذي يخشى من حضوره ريبة أو تهمة فلا تجب الإجابة وإن أذن له الولي، خصوصا في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد وغلبت فيه محبة الأولاد. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (قوله: إلا إن كان إلخ) قد علمت أن قوله لا الرجل مرتب على ما إذا ترتب على الإجابة وجود الخلوة المحرمة الذي هو مفهوم الشرط السابق، وحينئذ فينحل المعنى لا يجيبها الرجل مع الخلوة المحرمة إلا إن كان هناك مانع خلوة، أما مع الخلوة فلا يجيبها الخ، ولا يخفى ما في ذلك من الركاكة والتكرار: إذ الإستثناء المذكور مكرر مع قوله بعد وكذا مع عدمها، فكان الأولى

عدمها إن كان الطعام خاصا به: كأن جلست ببيت وبعثت له الطعام إلى بيت آخر من دارها خوف الفتنة. بخلاف إذا لم تخف، فقد كان شعبان وأضرابه رابعة العدوية ويسمعون كلامها: فإن وجد رجل كسفيان وامرأة كرابعة لم تحرم الاجابة، بل لا تكره. وأن لا يدعي لنحو خوف منه أو طمع في جاهه أو لاعانته على باطل ولا إلى شبهة بأن لا يعلم حرام في ماله. أما إذا كان فيه شبهة بأن علم اختلاطه أو طعام الوليمة بحرام، وإن قل، فلا تجب إجابة، بل تكره إن كان أكثر ماله حراما، فإن علم أن عين الطعام حرام حرمت الاجابة وإن لم يرد الاكل منه، كما استظهره شيخنا، ولا إلى محل فيه منكر لا يزول بحضوره. ومن المنكر ستر جدار بحرير وفرش ـــــــــــــــــــــــــــــ والأخصر أن يقول لا الرجل فلا يجيبها مطلقا وكذا إن لم تكن خلوة محرمة وخص بالطعام. وعبارة الروض وشرحه: والمرأة تجيبها المرأة وكذا يجيبها الرجل لا مع خلوة محرمة فلا يجيبها إلى طعام مطلقا أو: مع عدم الخلوة فلا يجيبها إلى طعام خاص به كأن جلست ببيت وبعثت له الطعام إلى بيت آخر من دارها خوف الفتنة إلخ. اه. (قوله: كمحرم الخ) تمثيل لمانع الخلوة. وقوله لها: أي للمرأة الداعية. وقوله أوله: أي أو محرم للرجل المدعو. وقوله أو امرأة: معطوف على محرم: أي وكوجود امرأة، أي أخرى ثقة يحتشمها الرجل (قوله: أما مع الخلوة الخ) مفهوم قوله إن كان هناك مانع خلوة (قوله: فلا يجيبها) أي فلا يجب الرجل المدعو المرأة الداعية. وقوله مطلقا: أي خص بالطعام أولا (قوله: وكذا مع عدمها) أي وكذا لا يجيبها مع عدم الخلوة إن كان الطعام خاصا به. وقوله كأن جلست: تمثيل لعدم خلوة مع اختصاصه بالطعام (قوله: خوف الفتنة) مرتبط بقوله فلا يجيبها مطلقا وبقوله وكذا مع عدمها: أي أنه لا يجيبها مع الخلوة أو مع عدمها أو مع اختصاصه بالطعام خوف الفتنة والتهمة، ويحتمل جعله مرتبا بقوله لا الرجل: أي لا يجيبها الرجل خوف الفتنة، وهو أولى (قوله: بخلاف ما إذا لم تخف) أي الفتنة فإنها يجيبها (قوله: فقد كان سفيان الخ) دليل على أنه إذا لم تخف الفتنة أجابها. وقوله وأضرابه: أي أمثاله: كالجنيد سيد الطائفة، والسري السقطي وغيرهم، نفعنا الله بتراب أقدامهم، وأمدنا بمددهم آمين، (قوله: لم تحرم الإجابة) جواب إن. وقوله بل لا تكره: إضراب انتقالي، وصرح في التحفة بوجوب الإجابة حينئذ، وعبارتها: ومن ثم لو كان كسفيان وهي كرابعة وجبت الإجابة. اه. ومثلها النهاية (قوله: أن لا يدعى الخ) معطوف على وأن يعين أيضا: أي ويشترط أن لا يدعى لنحو خوف منه الخ: أي بل يدعى لقصد التقرب والتودد أو لنحو علمه أو صلاحه أو ورعه أولا بقصد شئ (قوله: أو لإعانته عل باطل) أي وأن لا يدعى لأجل أن يعين المدعو الداعي على باطل (قوله: ولا إلى شبهة الخ) معطوف على لنحو خوف منه: أي وأن لا يدعى إلى شبهة في مال الداعي: قال في التحفة: أي قوية، ثم قال: وقيدت بقوية لأنه لا يوجد الآن ملك ينفك عن شبهة. اه. (قوله: بأن لا يعلم حرام) تصوير لنفي الشبهة (قوله: أما إذا كان في شبهة) الأنسب بالمقابلة أما إذا ادعى إلى شبهة (قوله: بأن علم) أي المدعو اختلاطه: أي المال كله. وقوله أو طعام: بالجر عطف على الضمير، وفيه العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، وفيه خلاف، ومنعه الجمهور وأجازه ابن مالك. قال في الخلاصة: وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازما قد جعلا وليس عندي لازما الخ: أي أو علم اختلاط طعام الوليمة. وقوله بحرام: متعلق باختلاط (قوله: وإن قل) أي الحرام، خلافا لما يقتضيه كلام بعضهم من تقييده بالكثرة، لكن يؤيده أنه لا تكره معاملة من في ماله حرام والأكل منه إلا حينئذ. ويجاب بأنه يحتاط للوجوب ما لا يحتاط للكراهة. كذا في التحفة والنهاية (قوله: فلا تجب) جواب أما (قوله: بل تكره إن كان أكثر ماله حراما) أي كما تكره معاملته (قوله: فإن علم الخ) مفهوم قيد ملحوظ بعد قوله إن كان أكثر ماله حراما: أي وهو لم يعلم أن الطعام الذي دعي إليه عين ذلك الحرام. (وقوله: حرمت الإجابة) جواب إن. (وقوله: وإن لم يرد الأكل منه) أي من الطعام الحرام، وهو غاية لحرمة الإجابة (قوله: كما استظهره شيخنا) أي في التحفة وفتح الجواد (قوله: ولا إلى محل فيه منكر) معطوف على قوله لنحو خوف منه أيضا: أي ويشترط أيضا لوجوب الإجابة أن لا

مغصوبة أو مسروقة ووجود من يضحك الحاضرين بالفحش والكذب، فإن كان حرمت الاجابة، ومنه صورة حيوان مشتملة على ما لا يمكن بقاؤه بدونه وإن لم يكن لها نظير كفرس بأجنحة وطير بوجه إنسان على سقف أو جدار أو ستر علق لزينة أو ثياب ملبوسة أو وسادة منصوبة لانها تشبه الاصنام فلا تجب الاجابة في شئ من الصور ـــــــــــــــــــــــــــــ يدعى إلى محل فيه منكر: أي في محل حضوره منكر محرم ولو صغيرة كآنية نقد يباشر الأكل منها، بخلاف مجرد حضورها بناء على ما يأتي في صورة غير ممتهنة أنه لا يحرم دخول محلها وكنظر رجل لامرأة أو عكسه، وبه يعلم أن إشراف النساء على الرجل عذر. وكآلة مطربة محرمة كذي وتر وزمر ولو شبابة وطبل كوبة وكمن يضحك بفحش وكذب، أما محرم ونحوه مما مر بغير محل حضوره، كبيت آخر من الدار، فلا يمنع الوجوب، كما صرح به بعضهم، ويوافقه قول الحاوي إذا لم يشاهد الملاهي لم يضر سماعها كالتي بجواره. ونقله الأذرعي عن قضية كلام كثيرين منهم الشيخان، ثم نقل عن قضية كلام آخرين عدم الفرق بين محل الحضور وسائر بيوت الدار واعتمده فقال المختار: إنه لا تجب الإجابة بل تجوز لما في الحضور من سوء الظن بالمدعو. وكذا في التحفة والنهاية. (وقوله: لا يزول) أي المنكر بحضوره، أي المدعو، فإن كان يزول بحضوره لنحو علم أو جاه فليحضر، وجوبا، إجابة للدعوة وإزالة للمنكر. ووجود من يزيله غيره لا يمنع الوجوب عليه لأنه ليس للإجابة فقط، كما علمت، ولو لم يعلم بالمنكر إلا بعد حضوره نهاهم، فإن عجز خرج، فإن عجز لنحو خوف قعد كارها ولا يجلس معهم إن أمكن (قوله: ومن المنكر ستر جدار بحرير) أي ولو للنساء، ومثله فراش حرير في دعوة اتخذت للرجال. ثم أن العبرة في المنكر باعتقاد المدعو كشرب النبيذ عند الحنفي والمدعو شافعي فتسقط الإجابة عن الشافعي فقط. قال في التحفة: ولا ينافيه ما يأتي في السير أن العبرة في الذي ينكر باعتقاد الفاعل تحريمه لأن ما هنا في وجوب الحضور ووجوبه مع وجود محرم في اعتقاده فيه مشقة عليه فسقط وجوب الحضور لذلك، وأما الإنكار ففيه إضرار بالفاعل ولا يجوز إضراره إلا إن اعتقد تحريمه، بخلاف ما إذا اعتقد المنكر فقط لأن أحدا لا يعامل بقضية اعتقاد غيره. فتأمله. اه (قوله: وفرش) بالرفع عطف على ستر جدار: أي ومن المنكر فرش مغصوبة أو مسروقة: أي وجودها في محل الحضور، ومنه أيضا فرش جلود السباع وعليها الوبر لأنه شأن المتكبرين (قوله: ووجود من الخ) أي ومن المنكر وجود من يضحك الحاضرين (قوله: فإن كان إلخ) أي فإن وجد المنكر في محل حضوره حرمت الآجابة، فكان تامة وفاعلها يعود على المنكر (قوله: ومنه) أي ومن المنكر. (وقوله: صورة حيوان) خرج صورة غيره كالأشجار والسفن والشمس والقمر فليست من المنكر (قوله: ومشتملة) صفة لصورة. وقوله على ما لا يمكن بقاؤه بدونه: أي على الجزء الذي لا يمكن بقاء الحيوان بدونه كالرأس والوسط. وقوله وإن لم يكن إلخ: غاية في كون الصورة المذكورة من المنكر. وقوله لها: أي لتلك الصورة المشتملة على ما لا يمكن بقاء الحيوان بدونه (قوله: كفرس الخ) تمثيل لصورة الحيوان التي ليس لها نظير: أي في الحيوانات. وقوله بأجنحة: أي مع أجنحة أو مصور بأجنحة، فالياء بمعنى مع أو للتصوير (قوله: وطير بوجه إنسان) أي وكطير مع وجه إنسان أو مصور به، فالباء يأتي فيها ما في الذي قبلها (قوله: على سقف الخ) صفة ثانية لصورة: أي صورة كائنة على سقف الخ. والمراد أنها تكون مرفوعة كأن كانت على سقف أو ثوب، بخلاف غير المرفوعة كأن كانت على أرض ونحوها مما تمتهن فيه الصورة فلا تحرم الإجابة (قوله: أو ستر) أي أو على ستر. وقوله علق لزينة: أي أو منفعة. ويفرق بين هذا وحل التضبيب لحاجة بأن الحاجة تزيل مفسدة النقد ثم لزوال الخيلاء لا هنا لأن تعظيم الصورة بارتفاع محلها باق مع الإنتفاع به. اه. تحفة (قوله: أو ثياب ملبوسة) أي أو كانت الصورة على ثياب ملبوسة: أي شأنها أن تلبس، فتدخل الموضوعة على الأرض (قوله: أو وسادة) هي مرادفة للمخدة. وقوله منصوبة: أي مرفوعة. قال البجيرمي: وعلى هذه الصورة يحمل ما جاء أنه - صلى الله عليه وسلم -: امتنع من الدخول على عائشة رضي الله عنها من أجل النمرقة التي عليها التصاوير فقالت أتوب إلى الله ورسوله ماذا أذنبت؟ فسألت عن سبب امتناعه من الدخول، فقال ما بال هذه النمرقة؟ قالت اشتريتها لك لتقعد عليها وتتوسدها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أصحاب هذه التصاوير يعذبون يوم القيامة، يقال لهم احيوا ما خلقتم متفق عليه. والنمرقة بالضم:

المذكورة بل تحرم، ولا أثر بحمل النقد الذي عليه صورة كاملة لانه للحاجة ولانها ممتهنة بالمعاملة بها. ويجوز حضور محل فيه صورة تمتهن كالصور ببساط يداس ومخدة ينام أو يتكأ عليها وطبق وخوان وقصعة وإبريق، وكذا إن قطع رأسها لزوال ما به الحياة. ويحرم - ولو على نحو أرض - تصوير حيوان وإن لم يكن له نظير. نعم: يجوز ـــــــــــــــــــــــــــــ وسادة صغيرة: أي فهي كانت منصوبة حينئذ أي حين إرادة دخوله - صلى الله عليه وسلم -. اه (قوله: لأنها الخ) الضمير يعود على صورة الحيوان لكن يبعده قوله بعد تشبه الأصنام لأن الصورة الواحدة لا تشبه المتعدد وهو الأصنام، إلا أن يقال لفظ صورة مفرد مضاف فيعم، فحينئذ المراد بها متعدد وهو جملة صور، ويؤيده تعبير المنهج بصور حيث قال: ومن المنكر صور حيوان مرفوعة ويحتمل أن الضمير يعود على السقف وما بعده مما اشتمل على صورة الحيوان فهو أولى، وعلى كل فهو علة لكونها من المنكر: أي وإنما كانت صور الحيوان المذكورة. وهذه الأفراد السقف وما بعده المشتملة على الصورة من المنكر لأنها تشبه الأصنام (قوله: فلا تجب الاجابة في شئ من الصور المذكورة) أنظر ما المراد بها؟ فإن كان المراد ما ذكره بقوله ومن المنكر ستر جدار الخ. وهو الذي يظهر من صنيعه، كان مكررا مع قوله أولا فإن كان حرمت الإجابة بالنسبة لبعض الصور، وإن كان المراد بها صور الحيوان المذكور اعترض بأنه لم يتقدم له ذكر صور بالجمع وإنما ذكر صورة واحدة ويمكن اختيار الثاني. ويجاب بما مر من أنها مفرد مضاف فيعم، والمراد به صور متعددة ويكون مؤيدا لما قدمته. وفي المغني ما نصه: (تنبيه) قضية كلام المصنف تحريم دخول البيت المشتمل على هذه الصور وكلام أصل الروضة يقتضي ترجيح عدم تحريمه حيث قال: وهل دخول البيت الذي فيه الصور الممنوعة حرام أو مكروه: وجهان. وبالتحريم قال الشيخان أبو محمد، وبالكراهة قال صاحب التقريب، ورجحه الإمام الغزالي في الوسيط. اه. وفي الشرح الصغير عن الأكثرين أنهم مالوا إلى الكراهة وصوبه الأسنوي، وهذا هو الراجح، كما جزم به صاحب الأنوار، ولكن حكى في البيان عن عامة الأصحاب التحريم، وبذلك علم أن مسألة الدخول غير مسألة الحضور، خلافا لما فهمه الإسنوي، اه (قوله: ولا أثر بحمل النقد إلخ) عبارة التحفة. (فرع) لا يؤثر حمل النقد الذي عليه صورة كاملة لأنه للحاجة ولأنها ممتهنة بالمعاملة بها ولأن السلف كانوا يتعاملون بها من غير نكير ومن لازم ذلك عادة حملهم لها، وأما الدراهم الإسلامية فلم تحدث إلا في زمن عبد الملك، وكان مكتوبا عليها اسم الله واسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. اه (قوله: كالصور ببساط الخ) وذلك لأن ما يوطأ ويطرح مهان مبتذل. وقد يؤخذ منه أن ما رفع من ذلك للزينة محرم، وهو محتمل: إلا أن يقال إنه موضوع لما يمتهن به، فلا نظر لما يعرض له. ويؤيده اعتبارهم التعليق في الستر دون اللبس في الثوب نظرا لما أعد له كل منهما. اه: تحفة. وكتب سم ما نصه: قوله من ذلك يشمل المخدة لكن التردد فيها هنا الذي أفاده قوله وهو محتمل الخ لا يوافق جزمه فيها بالحرمة بقوله السابق وسادة منصوبة الخ. اه (قوله: ومخدة) معطوف على بساط: أي وبمخدة ينام أو يتكأ عليها (قوله: وطبق) معطوف أيضا على بساط: أي وكالصور الكائنة بطبق. قال في القاموس: الطبق محركة غطاء كل شئ، والجمع أطباق وأطبقه. اه. وقوله وخوان: قال فيه أيضا: كغراب وكتاب، ما يؤكل عليه الطعام. اه (قوله: وقصعة وإبريق) معطوفان أيضا على بساط: أي وكالصور الكائنة بقصعة وبإبريق (قوله: وكذا إن قطع رأسها الخ) أي وكذلك يجوز حضور محل فيه صورة قطع رأسها: قال في التحفة: وكفقد الرأس فقد ما لا حياة بدونه: نعم يظهر أنه لا يضر فقدان الأعضاء الباطنة كالكبد وغيره لأن الملحظ المحاكاة وهي حاصلة بدون ذلك. اه. وقوله فقد ما لا حياة بدونه: أي كفقد النصف الأسفل (قوله: لزوال ما به الحياة) أي وهو الرأس، وهو علة لجواز حضور المحل الذي فيه الصورة التي قطع رأسها (قوله: ويحرم ولو على نحو أرض تصوير حيوان) لا ينافي الجزم بالحرمة هنا التفصيل السابق لأنه بالنسبة للاستدامة وجواز التفرج وما هنا بالنسبة لأصل الفعل ولا أجرة للتصوير المذكور لأن المحرم لا يقابل بأجرة وهو من الكبائر لما ورد فيه من الوعيد: كخبر

تصوير لعب البنات لان عائشة رضي الله عنه كانت تلعب بها عنده (ص)، كما في مسلم. وحكمته تدريبهن أمر التربية. ولا يحرم أيضا تصوير حيوان بلا رأس، خلافا للمتولي، ويحل صوغ حلي ونسج حرير لانه يحل للنساء. نعم: صنعته لمن لا يحل له استعماله حرام. ولو دعاه اثنان أجاب أسبقهما دعوة فإن دعواه معا أجاب الاقرب رحما فدارا ثم بالقرعة. وتسن إجابة سائر الولائم كما عمل للختان والولادة وسلامة المرأة الطلق وقدوم المسافر وختم القرآن، وهي مستحبة في كلها. ـــــــــــــــــــــــــــــ البخاري أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور أي من أشدهم وفي رواية أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة والمراد ملائكة الرحمة. وفي رواية زيادة نحو الجرس وما فيه بول منقوع (قوله: وإن لم يكن له) أي لذلك المصور نظير، كما مر من تصوير فرس بأجنحة (قوله: نعم يجوز تصوير لعب البنات) هي التي يسمونها عروسة لأن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب بها عنده - صلى الله عليه وسلم - (قوله: وحكمته) أي جواز تصوير لعب البنات. (وقوله: تدريبهن) أي تعليمهن. (وقوله: أمر التربية) أي تربية من يأتي لهن من الأولاد إذا كبرن (قوله: ولا يحرم أيضا تصوير حيوان بلا راس) الأولى أن يقول، كما في التحفة، وخرج بحيوان تصوير ما لا رأس له فيحل (قوله: خلافا للمتولي) أي فإنه قال بحرمة تصوير صورة بلا رأس (قوله: ويحل صوغ الخ) والحاصل يحل صوغ ما يحل استعماله، ويحرم صوغ ما لا يحل استعماله ولا أجرة لصانعه كآلة لهو وآنية نقد. وتقدم في باب الزكاة ما يحل استعماله للرجال والنساء وما لا يحل فارجع إليه إن شئت (قوله: لأنه) أي ما ذكر من الصوغ والنسج يحل للنساء (قوله: نعم صنعته) هي شاملة للصوغ والنسج وقوله لمن لا يحل استعماله: وهو الرجل، والأولى والأخصر أن يقول ويحل صوغ حلى ونسج حرير لمن يحل له استعماله، ويحرم لمن يحرم عليه استعماله (قوله: ولو دعاه اثنان) أي فأكثر. ولو قال ولو دعاه جماعة لكان أولى (قوله: أجاب) أي المدعو لاثنين. وقوله أسبقهما: أي الإثنين. وقوله دعوة تمييز: أي من جهة الدعوة (قوله: فإن دعواه معا) أي بأن كلماه في آن واحد (قوله: أجاب الأقرب رحما) أي أجاب الأقرب له من جهة الرحم. والمراد بالرحم كل قريب محرما كان أو غيره. وقوله فدارا: أي ثم إذا اتحدا في القرب من جهة الرحم أجاب الأقرب دارا له. وقوله ثم بالقرعة: أي ثم إذا اتحدا في القرب حما ودارا أقرع بينهما، فمن خرجت القرعة له أجابه (قوله: وتسن إجابة سائر الولائم) وهي إحدى عشرة: منها ما ذكره الشارح ومنها ما لم يذكره. وقد نظمها بعضهم مع أسمائها بقوله: إن الولائم عشرة مع واحد من عدها قد عز في أقرانه فالخرس عند نفاسها وعقيقة للطفل والإعذار عند ختانه ولحفظ قرآن وآداب لقد قالوا الحذاق لحذقه وبيانه ثم الملاك لعقده ووليمة في عرسه فاحرص على إعلانه وكذاك مأدبة بلا سبب يرى ووكيرة لبنائه لمكانه ونقيعة لقدومه ووضيعة لمصيبة وتكون من جيرانه والخرس، بضم الخاء المعجمة وبالسين المهملة، ويقال بالصاد. والإعذار، بكسر الهمزة وإعجام الذال، والحذاق، بكسر الحاء المهملة، وبذال معجمة، والمأدبة، بضم الدال وفتحها، (قوله: كما عمل الخ) أي كالذي يعمل منه ويصنع للختان وللولادة والسلامة من الطلق والقدوم المسافر ولختم القرآن (قوله: وهي) أي الولائم مستحبة في كلها كالإجابة. (فائدة) في فتاوى الحافظ السيوطي في باب الوليمة (سئل) عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أو مذموم؟ وهل يثاب فاعله أو لا؟ قال: (والجواب) عندي أن أصل عمل المولد الذي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك من البدع الحسنة التي عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي - صلى الله عليه وسلم - وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف. اه. وقد بسط الكلام على ذلك شيخ الإسلام ببلد الله الحرام مولانا وأستاذنا العارف بربه المنان سيدنا أحمد بن زيني دحلان في سيرته النبوية، ولا بأس بإيراده هنا، فأقول: قال رضي الله عنه ومتعنا والمسلمين بحياته. (فائدة) جرت العادة أن الناس إذا سمعوا ذكر وضعه - صلى الله عليه وسلم - يقومون تعظيما له - صلى الله عليه وسلم - وهذا القيام مستحسن لما فيه من تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد فعل ذلك كثير من علماء الأمة الذين يقتدى بهم. قال الحلبي في السيرة فقد حكى بعضهم أن الإمام السبكي اجتمع عنده كثير من علماء عصره فأنشد منشده قول الصرصري في مدحه - صلى الله عليه وسلم -: قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب على ورق من خط أحسن من كتب وأن تنهض الأشراف عند سماعه قياما صفوفا أو جثيا على الركب فعند ذلك قام الإمام السبكي وجميع من بالمجلس، فحصل أنس كبير في ذلك المجلس وعمل المولد. واجتماع الناس له كذلك مستحسن. قال الإمام أبو شامة شيخ النووي: ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده - صلى الله عليه وسلم - من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك - مع ما فيه من الإحسان للفقراء - مشعر بمحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكر الله تعالى على ما من به من إيجاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله رحمة للعالمين. قال السخاوي: إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم. وقال ابن الجوزي: من خواصه أنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام، وأول من أحدثه من الملوك الملك المظفر أبو سعيد صاحب أربل، وألف له الحافظ ابن دحية تأليفا سماه التنوير في مولد البشير النذير، فأجازه الملك المظفر بألف دينار وصنع الملك المظفر المولد، وكان يعمله في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا، وكان شهما شجاعا، بطلا عاقلا، عالما عادلا، وطالت مدته في ملك إلى أن مات وهو محاصر الفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة، محمود السيرة والسريرة. قال سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان: (حكى) لي بعض من حضر سماط المظفر في بعض المواليد فذكر أنه عد فيه خمسة آلاف رأس غنم شواء، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى، وكان يحضر عنده في الموالد أعيان العلماء والصوفية، فيخلع عليهم، ويطلق لهم البخور، وكان يصرف على الموالد ثلاثمائة ألف دينار. واستنبط الحافظ ابن حجر تخريج عمل المولد على أصل ثابت في السنة، وهو ما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم، فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، ونحن نصومه شكرا. فقال نحن أولى بموسى منكم وقد جوزي أبو لهب بتخفيف العذاب عنه يوم الإثنين بسبب إعتاقه ثويبة لما بشرته بولادته - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يخرج له من بين إصبعيه ماء يشربه كما أخبر بذلك العباس في منام رأى فيه أبا لهب. ورحم الله القائل، وهو حافظ الشام شمس الدين محمد بن ناصر، حيث قال: إذا كان هذا كافرا جاء ذمه وتبت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الإثنين دائما يخفف عنه للسرور بأحمد فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا قال الحسن البصري، قدس الله سره: وددت لو كان لي مثل جبل أحد ذهبا لأنفقته على قراءة مولد الرسول. قال الجنيدي البغدادي رحمه الله: من حضر مولد الرسول وعظم قدره فقد فاز بالإيمان. قال معروف الكرخي قدس الله سره:

(فروع) يندب الاكل في صوم نفل ولو مؤكدا لارضاء ذي الطعام بأن شق عليه إمساكه ولو آخر النهار ـــــــــــــــــــــــــــــ من هيأ لأجل قراءة مولد الرسول طعاما، وجمع إخوانا، وأوقد سراجا، ولبس جديدا، وتعطر وتجمل تعظيما لمولده حشره الله تعالى يوم القيامة مع الفرقة الأولى من النبيين، وكان في أعلى عليين. ومن قرأ مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - على دراهم مسكوكة فضة كانت أو ذهبا وخلط تلك الدراهم مع دراهم أخر وقعت فيها البركة ولا يفتقر صاحبها ولا تفرغ يده ببركة مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وقال الإمام اليافعي اليمنى: من جمع لمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - إخوانا وهيأ طعاما وأخلى مكانا وعمل إحسانا وصار سببا لقراءة مولد الرسول بعثه الله يوم القيامة مع الصديقين والشهداء والصالحين ويكون في جنات النعيم. وقال السري السقطي: من قصد موضعا يقرأ فيه مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد قصد روضة من رياض الجنة لأنه ما قصد ذلك الموضع إلا لمحبة الرسول. وقد قال عليه السلام: من أحبني كان معي في الجنة قال سلطان العارفين جلال الدين السيوطي في كتابه الوسائل في شرح الشمائل: ما من بيت أو مسجد أو محلة قرئ فيه مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - هلا حفت الملائكة بأهل ذلك المكان وعمهم الله بالرحمة والمطوقون بالنور - يعني جبريل وميكائل وإسرافيل وقربائيل وعينائيل والصافون والحافون والكروبيون - فإنهم يصلون على ما كان سببا لقراءة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وما من مسلم قرئ في بيته مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا رفع الله تعالى القحط والوباء والحرق. والآفات والبليات والنكبات والبغض والحسد وعين السوء واللصوص عن أهل ذلك البيت، فإذا مات هون الله تعالى عليه جواب منكر ونكير، وكان في مقعد صدق عند مليك مقتدر. (وحكي) أنه كان في زمان أمير المؤمنين هارون الرشيد شاب في البصرة مسرف على نفسه وكان أهل البلد ينظرون إليه بعين التحقير لأجل أفعاله الخبيثة، غير أنه كان إذا قدم شهر ربيع الأول غسل ثيابه وتعطر وتجمل وعمل وليمة واستقرأ فيها مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ودام على هذا الحال زمانا طويلا، ثم لما مات سمع أهل البلد هاتفا يقول: احضروا يا أهل البصرة واشهدوا جنازة ولي من أولياء الله فإنه عزيز عندي، فحضر أهل البلد جنازته ودفنوه، فرأوه في المنام وهو يرفل في حلل سندس واستبرق، فقيل له بم نلت هذه الفضيلة؟ قال بتعظيم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وحكي) أنه كان في زمان الخليفة عبد الملك بن مروان شاب حسن الصورة في الشام، وكان يلهو بركوب الخيل فبينما هو ذات يوم على ظهر حصانه إذ أجفل الحصان وحمله في سكك الشام ولم يكن له قدرة على منعه فوقع طريقه على باب الخليفة فصادف ولده ولم يقدر الولد على رد الحصان فصدمه بالفرس وقتله، فوصل الخبر إلى الخليفة فأمر بإحضاره، فلما أن أشرف إليه خطر على باله أن قال إن خلصني الله تعالى من هذه الواقعة أعمل وليمة عظيمة وأستقرئ فيها مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما حضر قدامه ونظر إليه ضحك بعدما كان يخنقه الغضب، فقال: يا هذا أتحسن السحر؟ قال لا والله يا أمير المؤمنين. فقال عفوت عنك، ولكن قل لي ماذا قلت؟ قال: قلت إن خلصني الله تعالى من هذه الواقعة الجسيمة أعمل له وليمة لأجل مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال الخليفة قد عفوت عنك، وهذه ألف دينار لأجل مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنت في حل من دم ولدي. فخرج الشاب وعفى عن القصاص وأخذ ألف دينار ببركة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإنما أطلت الكلام في ذلك لأجل أن يعتني ويرغب جميع الإخوان، في قراءة مولد سيد ولد عدنان، لأن من لأجله خلقت الأرواح والأجسام، بحق أن يهدى له الروح والمال والطعام. وفقنا الله وإياكم لقراءة مولد نبيه الكريم على الدوام، وإنفاق المال لأجله في سائر الأوقات والأيام آمين (قوله: فروع) أي خمسة عشر: الأول قوله يندب الأكل الخ، الثاني قوله ويجوز للضيف أن يأخذ مما قدم الخ، الثالث قوله وصرح الشيخان الخ، الرابع قوله وورد بسند ضعيف الخ، الخامس قوله ويسن للآكل الخ، السادس قوله ويحرم أن يكبر اللقم الخ، السابع قوله ولو دخل على آكلين الخ، الثامن قوله ولا يجوز للضيف أن يطعم الخ، التاسع قوله ويكره للداعي الخ، العاشر قوله ويحرم للأراذل الخ، الحادي عشر قوله ولو تناول الخ، الثاني عشر قوله ويجوز للإنسان أخذ الخ، الثالث عشر قوله ولزم مالك طعام الخ، الرابع عشر قوله ويجوز نثر الخ، الخامس عشر قوله ويحرم أخذ فرخ الخ (قوله: يندب الأكل الخ) عبارة المنهاج: ولا تسقط إجابة بصوم، فإن شق على الداعي صوم نفل فالفطر أفضل. اه. وإنما لم تسقط لخبر مسلم إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب: فإن كان مفطرا

للامر بالفطر ويثاب على ما مضى وقضى ندبا يوما مكانه، فإن لم يشق عليه إمساكه لم يندب الافطار، بل الامساك أولى. قال الغزالي: يندب أن ينوي بفطره إدخال السرور عليه، ويجوز للضيف أن يأكل مما قدم له بلا لفظ من المضيف. نعم. إن انتظر غيره لم يجز قبل حضوره إلا بلفظ منه. وصرح الشيخان بكراهة الاكل فوق ـــــــــــــــــــــــــــــ فليطعم، وإن كان صائما فليصل فليدع: أي بدليل رواية فليدع بالبركة، وإذا دعي وهو صائم فلا يكره أن يقول إني صائم حكاه القاضي: أبو الطيب عن الأصحاب: أي إن أمن الرياء كما هو ظاهر، واستثنى البلقيني منه ما لو دعاه في نهار رمضان والمدعوون كلهم مكلفون صائمون فلا تجب الإجابة. إذ لا فائدة فيها إلا مجرد نظر الطعام والجلوس من أول النهار إلى آخره مشق فإن أراد هذا فليدعهم عند الغروب وقال وهذا واضح. اه. نهاية. وقوله في صوم نفل: خرج به الفرض كنذر مطلق وقضاء ما فات من رمضان فيحرم الخروج منه ولو توسع وقته (قوله: لإرضاء ذي الطعام) أي لأجل إرضائه، فاللام للتعليل، وقوله بأن شك الخ: أي ويتصور كون الأكل لأجل ما ذكر بأن كان يشق على ذي الطعام بقاؤه على صومه، فالباء للتصوير وما جرى عليه من التقييد بمشقة الإمساك هو طريقه المراوزة، وأطلق الإمام الشافعي والعراقيون الحكم فيندب الأكل عندهم مطلقا. كذا في شرح الروض. (قوله: للأمر بالفطر) أي في رواية البيهقي وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أمسك من حضر معه وقال إني صائم قال له يتكلف لك أخوك المسلم وتقول إني صائم إفطر ثم اقض يوما مكانه أي إن شئت (قوله: ويثاب على ما مضى) يعني إذا أفطر نصف النهار مثلا يثاب على القدر الذي صامه منه (قوله: وقضى ندبا) أي لأنه صوم نفل (قوله: فإن لم يشك عليه) أي ذي الطعام. وقوله إمساكه: أي بقاؤه على صومه (قوله: لم يندب الإفطار) جواب ان (قوله: بل الإمساك أولى) أي بل بقاؤه على صومه أولى من فطره (قوله: قال الغزالي الخ) عبارته الثالث: أي من آداب إجابة الوليمة أن لا يمتنع لكونه صائما بل يحضر، فإن كان يسر أخاه إفطاره فليفطر وليحتسب في إفطاره بنية إدخال السرور على قلب أخيه ما يحتسب في الصوم، وأفضل ذلك في صوم التطوع وإن لم يتحقق سرور قلبه فليصدقه بالظاهر وليفطر وإن تحقق أنه متكلف فليتعلل وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لمن امتنع بعذر الصوم يتكلف لك أخوك وتقول إني صائم وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: من أفضل الحسنات إكرام الجلساء بالإفطار، فالإفطار عبادة بهذه النية وحسن خلق، فثوابه فوق ثواب الصوم، ومهما لم يفطر فضيافته الطيب والمجمرة والحديث الطيب، وقد قيل الكحل والدهن أحد القراءين. اه. (قوله: ويجوز للضيف) هو من يحضر الوليمة بإذن سمي باسم ملك يأتي برزقه قبل مجيئه لأهل المنزل بأربعين يوما وينادي فيهم هذا رزق فلان بن فلان، وأما الطفيلي فهو الذي يحضر الطعام بلا إذن من صاحبه. وسمي بذلك نسبة لرجل من غطفان يقال له طفيل كان يحضر كل وليمة تفعل من غير دعوة. وقوله أن يأكل: أفهم أنه لا يجوز له أن يتصرف فيه بغير الأكل، وسيصرح به بقوله ولا يجوز للضيف أن يطعم سائلا أو هرة. والمعتمد أنه يملكه بوضعه في فمه ملكا مراعى بمعنى أنه إن ازدرده استقر على ملكه وإن أخرجه من فمه تبين بقاؤه على ملك صاحبه وقيل ليس هو من باب الملك. وإنما هو إتلاف بإذنه. وقوله مما قدم له قال في النهاية أفهم حرمة أكل جميع ما قدم له، وبه صرح بن الصباح ونظر فيه، إذا قل، واقتضى العرف أكل جميعه. والذي يتجه النظر في ذلك للقرينة القوية، فإن دلت على أكل الجميع حل وإلا امتنع. اه. ومثله في التحفة (قوله: بلا لفظ من المضيف) متعلق بيجوز: أي يجوز له الأكل من غير لفظ صادر من المضيف يدل على الإذن فيه اكتفاء بالقرينة العرفية، كما في الشرب من السقايات التي في الطرق. (فائدة) قال النووي في الإذكار. (إعلم) أنه يستحب لصاحب الطعام أن يقول لضيفه عند تقديم الطعام: بسم الله. أو كل، أو نحو ذلك من العبارات المصرحة بالإذن في الشروع في الآكل. ولا يجب هذا القول، بل يكفي تقديم الطعام إليهم، ولهم الأكل بمجرد ذلك من غير اشتراط لفظ. وقال بعض أصحابنا لا بد من لفظ، والصواب الأول، وما ورد في الأحاديث الصحيحة من لفظ الإذن في ذلك محمول على الاستحباب. اه. بتصرف. ويسن للضيف أن يدعو للمضيف بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول: أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة الأخيار، وذكركم الله فيمن عنده، وأفطر عندكم الصائمون. اللهم أخلف على باذليه، وهن آكليه واطرح البركة فيه (قوله: نعم) استدراك على قوله بلا لفظ الموهم جواز الأكل

الشبع وآخرون بحرمته. وورد بسند ضعيف زجر النبي (ص) أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الاكل. قال مالك: هو نوع من الاتكاء، فالسنة للاكل أن يجلس جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه، أو ينصب رجله اليمنى ويجلس على اليسرى. ويكره الاكل متكئا، وهو المعتمد، على وطاء تحته ومضطجعا إلا فيما يتنقل به لا قائما والشرب قائما خلاف الاولى ويسن للآكل أن يغسل اليدين والفم قبل الاكل وبعده ويقرأ سورتي الاخلاص ـــــــــــــــــــــــــــــ مطلقا. وقوله إن انتظر: أي المضيف. وقوله غيره: أي غير الذي حضر. ومثله ما لو لم تتم السفرة. وقوله لم يجز: أي الأكل. وقوله قبل حضوره: أي المنتظر. وقوله إلا بلفظ منه: أي إلا بإذن من المضيف له لفظا (قوله: وصرح الشيخان الخ) ما صرحا به لا يختص بالضيف، بل يجزي في طعام نفسه، كما هو ظاهر (قوله: فوق الشبع) أي المتعارف لا المطلوب شرعا، وهو أكل نحو ثلث البطن. اه. ع ش. وقوله وآخرون بحرمته: أي وصرح آخرون بحرمة الأكل فوق الشبع، وذلك لأنه مؤذ للمزاج. وجمع في التحفة والنهاية بين القولين بحمل الأول على مال نفسه الذي لا يضره، والثاني على خلافه. ويضمنه لصاحبه ما لم يعلم رضاه به، كما هو ظاهر، وفي البجيرمي. والأحسن أن يقال إن التحريم محمول على حالة الضرر سواء كان من ماله أو من مال غيره، والقول بالكراهة على غيرها. اه (قوله: قال مالك هو) أي الاعتماد على يده اليسرى. وقوله نوع من الاتكاء: أي المنهي عنه (قوله: جاثيا) حال مؤكدة. قال في القاموس: جثا: كدعا ورمى جثوا وجثيا - بضمهما - جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف أصابعه اه. وقوله وظهور قدميه: أي وعلى ظهور قدميه بأن يجعلها مما يلي الأرض ويجعل بطونها مما يلي وركيه (قوله: ويكره الأكل متكئا) أي لخبر أنا لا آكل متكئا (قوله: وهو) أي المتكئ. وقوله المعتمد الخ: عبارة شرح الروض: قال النووي: قال الخطابي: المتكئ هنا الجالس معتمدا على وطاء تحته كقعود من يريد الإكثار من الطعام، وأشار غيره إلى أنه المائل على جنبه، ومثله المضطجع، كما فهم بالأولى، اه. وفي الباجوري على الشمائل ما نصه: ومعنى المتكئ المائل إلى أحد الشقين معتمدا عليه وحده. وحكمه كراهة الأكل متكئا أنه فعل المتكبرين المكثرين من الأكل نهمة، والكراهة مع الاضطجاع أشد منها مع الاتكاء. نعم: لا بأس بأكل ما يتنقل به مضطجعا. اه. وقوله على وطاء: قال في القاموس: والوطاء كسحاب وكتاب خلاف الغطاء. اه. وفي المصباح: والوطاء وزان كتاب المهاد الوطئ. اه (قوله: ومضطجعا) معطوف على متكئا: أي ويكره الأكل حال كونه مضطجعا على جنبه الأيمن أو الأيسر، وبالأولى الأكل مع الاستلقاء (قوله: إلا فيما يتنقل به) بتقديم التاء الفوقية على النون، وذلك كنحو الفاكهة من كل ما لا يعد للشبع فلا يكره أكله مع الاتكاء أو الاضطجاع (قوله: لا قائما) أي لا يكره الأكل قائما (قوله: والشرب قائما خلاف الأولى) عبارة الروض وشرحه: والشرب قاعدا أولى منه قائما أو مضطجعا، فالشرب قائما بلا عذر خلاف الأولى، كما اختاره في الروضة، لكنه صوب في شرح مسلم كراهته، وأما شربه - صلى الله عليه وسلم - قائما فلبيان الجواز. قال في شرح مسلم: ويستحب لمن شرب قائما عالما أو ناسيا أن يتقيأه: لخبر مسلم لا يشربن أحدكم قائما، فمن نسي فليستقئ اه (واعلم) أنه استثنى بعضهم شرب ماء زمزم وقال: إنه يسن الشرب منه قائما اتباعا، فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب من زمزم وهو قائم ورده الباجوري في حاشية الشمائل بما نصه: وإنما شرب - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم، مع نهيه عنه، لبيان الجواز، ففعله ليس مكروها في حقه، بل واجب، فسقط قول بعضهم إنه يسن الشرب من زمزم قائما اتباعا له - صلى الله عليه وسلم -، ولا حاجة لدعوي النسخ أو تضعيف النهي لأنه حيث أمكن الجمع وجب المصير إليه. ثم قال: قال ابن القيم للشرب قائما آفات منها: أنه لا يحصل به الري التام، ولا يستقر في المعدة حتى يقسمه الكبد على الأعضاء، ويلاقي المعدة بسرعة، فربما برد حرارتها ويسرع النفوذ إلى أسافل البدن فيضر ضررا بينا، ومن ثم سن أن يتقيأه، ولو فعله سهوا، لأنه يحرك أخلاطا يدفعها القئ. ويسن لمن شرب قائما أن يقول: اللهم صل على سيدنا محمد الذي شرب الماء قائما وقاعدا فإنه بسبب ذلك يندفع عنه الضرر. وذكر الحكماء أن تحريك الشخص إبهامي رجليه حال الشرب قائما يدفع ضرره. اه (قوله: ويسن للآكل الخ) تقدم أول الكتاب، في مبحث سنن الوضوء، أنه تستجب

وقريش بعده ولا يبتلع ما يخرج من أسنانه بالخلال بل يرميه، بخلاف ما يجمعه بلسانه من بينها فإنه يبتلعه. ويحرم أن يكبر اللقم مسرعا حتى يستوفي أكثر الطعام ويحرم غيره. ولو دخل على آكلين فأذنوا له لم يجز له الاكل معهم إلا إن ظن أنه عن طيب نفس، لا لنحو حياء، ولا يجوز للضيف أن يطعم سائلا أو هرة إلا إن علم رضا الداعي. ويكره للداعي تخصيص بعض الضيفان بطعام نفيس. ويحرم للاراذل أكل ما قدم للاماثل. ولو تناول ضيف إناء طعام فانكسر منه ضمنه، كما بحثه الزركشي، لانه في يده في حكم العارية. ويجوز للانسان ـــــــــــــــــــــــــــــ التسمية قبل الأكل والشرب، فإن تركها أوله قال في ثنائه بسم الله أوله وآخره. قال النووي في الإذكار: وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى في أوله، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره قال الترمذي حديث حسن صحيح. ثم قال: قلت أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله، فإن ترك في أوله عامدا أو ناسيا أو مكرها أو عاجزا لعارض آخر ثم تمكن في أثناء أكله استحب أنه يسمي: للحديث المتقدم. والتسمية في شرب الماء واللبن والعسل والمرق وسائر المشروبات كالتسمية في الطعام في جميع ما ذكرناه. ويستحب أن يجهر بالتسمية ليكون فيه تنبيه لغيره على التسمية وليقتدي به في ذلك. اه. باختصار. وقوله أن يغسل اليدين إلخ: قال في شرح الروض: لكن المالك يبتدئ به فيما قبله ويتأخر به فيما بعده ليدعو الناس إلى كرمه. اه (قوله: ويقرأ سورتي إلخ) أي ويسن أن يقرأ بعد الأكل سورة الإخلاص وسورة قريش، ويسن أيضا أن يقول بعد الأكل، وقبل قراءة السورتين، (الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة. اللهم كما أطعمتني طيبا فاستعملني صالحا، الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا. الحمد لله الذي أطعمني وأشبعني وأرواني) قال في الأذكار: وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه قال الترمذي حديث حسن (قوله: ولا يبتلع إلخ) أي ويسن أن لا يبتلع ما يخرج من آثار الطعام بالخلال بخلاف ما يجمعه بلسانه من بين الأسنان فإنه يبتلعه (قوله: ويحرم أن يكبر اللقم) قيده في التحفة بما إذا قل الطعام. وقال ابن عبد السلام: ولو كان يأكل قدر عشرة والمضيف جاهل به لم يجز له أن يأكل فوق ما يقتضيه العرف في مقدار الأكل لانتفاء الإذن اللفظي والعرفي فيما وراءه. اه. وقوله مسرعا: أي حال كونه مسرعا في الأكل. وقوله حتى يستوفى أكثر الطعام: حتى تعليلية، أي يكبر اللقم لأجل أن يستوفى أكثر الطعام. وقوله ويحرم (1): بضم الياء وكسر الراء، وهو بالنصب معطوف على يستوفى: أي ولأجل أن يحرم غيره من بقية الضيوف (قوله: ولو دخل) أي إنسان غير ضيف. وقوله على آكلين: أي على جماعة يأكلون. وقوله فأذنوا له: أي في الأكل معهم. وقوله لم يجز له: أي للداخل (قوله: إلا إن ظن أنه عن طيب نفس) أي إلا إن ظن أن إذنهم له صادر عن طيب نفوسهم فيجوز له الأكل حينئذ. وقوله لا لنحو حياء: أي لا ظن أن إذنهم له لنحو حياء منه فيحرم عليه الأكل معهم، ومن ثم حرم إجابة من عرض بالضيافة تجملا وأكل هدية من ظن منه أنه لا يهدى إلا خوف المذمة (قوله: ولا يجوز للضيف أن يطعم سائلا أو هرة) أي من الطعام الذي قدم له، وذلك لعدم الإذن له في غير الأكل. نعم: له تلقيم صاحبه، ما لم يفاضل المضيف طعامهما، كأن خص أحدهما بعالي الطعام والآخر بسافله، وإلا فليس له ذلك. وقوله إلا إن علم رضا الداعي: أي فإنه لا يحرم. والمراد بالعلم ما يشمل الظن، بأن توجد القرائن القوية على رضاه به، بدليل التقييد بالظن في مسألة الأخذ الآتية قريبا (قوله: ويكره للداعي تخصيص الخ) وذلك لما فيه من كسر الخاطر للبعض الآخر (قوله: ويحرم للأراذل أكل الخ) أي لأنه لا دلالة على الإذن لهم فيه، بل العرف زاجر لهم عنه (قوله: ولو تناول ضيف) أي من المضيف له. وقوله إناء طعام: التركيب إضافي: أي إناء فيه طعام. وقوله فانكسر: أي الإناء. وقوله منه: أي من الضيف (قوله: ضمنه) أي

_ (1) (قوله بضم الياء الخ) لا يتعين هذا الضبط بل هو لغية كما في القاموس والكثير باب وعلم. اه

أخذ من نحو طعام صديقه مع ظن رضا مالكه بذلك، ويختلف بقدر المأخوذ وجنسه وبحال المضيف. ومع ذلك ينبغي له مراعاة نصفة أصحابه فلا يأخذ إلا ما يخصه أو يرضون به عن طيب نفس لا عن حياء. وكذا يقال في قران نحو تمرتين أما عند الشك في الرضا فيحرم الاخذ كالتطفل ما لم يعم: كأن فتح الباب ليدخل من شاء ولزم مالك طعام إطعام مضطر قدر سد رمقه إن كان معصوما مسلما أو ذميا وإن احتاجه مالكه مآلا، وكذا بهيمة الغير المحترمة، بخلاف حربي ومرتد وزان محصن وتارك صلاة وكلب عقور، فإن منع فله أخذه قهرا بعوض إن ـــــــــــــــــــــــــــــ الإناء دون الطعام لأنه أباحه، كما يعلم مما تقدم للشارح في باب العارية في مسألة الكوز: وهي أنه لو أخذ كوزا من سقاء ليشرب منه فوقع من يده وانكسر قبل شربه أو بعده، فإن طلبه، أي الماء مجانا، ضمنه دون الماء، أو بعوض والماء قدر كفايته فعكسه. اه. وتقدم في الكتابة عليه تعليل ذلك وجملة مسائل. فارجع إليه إن شئت. وقوله لأنه: أي الإناء وقوله في يده: أي الضيف. وقوله في حكم العارية: أي وهي مضمومة (قوله: ويجوز للإنسان أخذ من نحو صديقه) أي يجوز له أن يأخذ من طعام صديقه وشرابه ويحمله إلى بيته. قال في التحفة: وإذا جوزنا له الأخذ، فالذي يظهر أنه إن ظن الأخذ بالبدل كان قرضا ضمنيا، أو بلا بدل توقف المالك على ما ظنه. اه (قوله: ويختلف) أي ظن الرضا. وعبارة غيره. وتختلف قرائن الرضا في ذلك باختلاف الأحوال ومقادير الأموال. اه. (قوله: وبحال المضيف) أي يسارا إعسارا (قوله: ومع ذلك) أي ظن الرضا. وقوله مراعاة نصفة، بفتحات، العدل (قوله: فلا يأخذ الخ) تفريع على الانبغاء المذكور. وقوله إلا ما يخصه: أي القدر الذي يخصه من الطعام المقدم إليهم. وقوله أو يرضون به: أي أو الذي يرضون بأخذه. وكتب سب ما نصه: قوله إلا ما يخصه أو يرضون به، لعل هذا إذا وكل المالك الأمر إليهم، وإلا فالأوجه جواز ما رضي به بإذن أو قرينة. اه. وقوله عن طيب نفس: أي نفوسهم كلهم. وقوله لا عن حياء: أي وأما إذا كان عن حياء فإنه يحرم عليه أخذه (قوله: وكذا يقال الخ) أي أن مثل ما قيل في أخذه من نحو طعام صديقه يقال في القران بين تمرتين أو سمسمتين أو عنبتين في لقمة واحدة: أي فإن ظن رضا المالك بذلك جاز وإلا فلا. ومع ذلك ينبغي له مراعاة النصفة للحاضرين، والقران - بكسر ففتح - الاقتران والجمع (قوله: أما عند الشك في الرضا) مفهوم قوله مع ظن رضا مالكه. وقوله فيحرم الأخذ: أي أخذه من طعام صديقه (قوله: كالتطفل) أي كحرمة التطفل، وهو حضور الوليمة من غير دعوة إلا إذا علم رضا المالك به لما بينهما من الأنس والانبساط (قوله: ما لم يعم) قيد في حرمة التطفل: أي محل الحرمة حيث لم يعم دعوته، فإن عم لم يحرم، كما في شرح الروض نقلا عن الإمام وعبارته وقيد ذلك أي حرمة التطفل، الإمام بالدعوة الخاصة، أما العامة، كأن فتح الباب ليدخل من شاء، فلا تطفل. اه. وقوله كأن فتح الباب الخ. تمثيل لعموم الدعوة (قوله: ولزم مالك طعام) أي مطعوم أعم من المأكول والمشروب. وقوله إطعام: فاعل لزم مؤخر، وما قبله مفعول مقدم. وقوله مضطر: أي محتاج إلى طعام. وقوله قدر سد رمقه: الرمق بقية الروح، والمراد يطعمه بقدر ما يسد الخلل الحاصل في بقية الروح. وزاد في التحفة في باب الأطعمة، أو إشباعه بشرطه. وعبارته مع الأصل: أو وجد طعام حاضر غير مضطر لزمه، أي مالك الطعام، إطعام، أي سد رمق، مضطر أو إشباعه بشرطه. اه. وقوله بشرطه: هو أنه لو اقتصر على سد الرمق يخاف تلفا: أي محذور تيمم (قوله: إن كان) أي المضطر. وقوله معصوما: سيذكر محترزه. وقوله مسلما أو ذميا: بدل معصوما أو عطف بيان (قوله: وإن احتاجه الخ) غاية في لزوم الإطعام. وقوله مالكه: إنما أظهر ولم يضمر مع تقدم مرجعه لئلا يتوهم رجوعه إلى المضطر وإن كان بعيدا. وقوله مآلا: أي في المآل، أي المستقبل (قوله: وكذا بهيمة الغير) أي ومثل المعصوم بهيمة الغير: أي فيلزم مالك الطعام إطعامها (قوله: بخلاف حربي إلخ) أي فلا يلزم مالك الطعام إطعامهم إذا اضطروا لعدم احترامهم (قوله: فإن منع) أي المضطر. فالفعل مبني للمجهول. ويحتمل بناؤه للمعلوم، وفاعله ضمير يعود على المالك، والمفعول محذوف: أي فإن منع المالك المضطر في إطعامه الطعام. وقوله فله: أي المضطر أخذه قهرا وله أن يقاتل عليه، فإن قتل أحدهما صاحبه كان صاحب الطعام مهدر الدم لا قصاص فيه ولا

حضر، وإلا فنسيئة. ولو أطعمه ولم يذكر عوضا فلا عوض له لتقصيره ولو اختلفا في ذكر العوض صدق المالك بيمينه. ويجوز نثر نحو سكر وتنبل وتركه أولى. ويحل التقاطه للعلم برضا مالكه. ويكره أخذه لانه دناءة ويحرم أخذ فرخ طير عشش بملك الغير وسمك دخل مع الماء في حوضه. فصل في القسم والنشوز ـــــــــــــــــــــــــــــ دية ولا كفارة وكان المضطر مضمونا بالقصاص أو الدية والكفارة (قوله: إن حضر) أي العوض عند المضطر. وقوله وإلا: أي وإن لم يحضر عنده فهو نسيئة (قوله: ولو أطعمه) أي أطعم مالك الطعام المضطر. وقوله ولم يذكر عوضا: أي لم يذكر المالك للمضطر أنه أطعمه إياه بعوض لا مجانا. وقوله فلا عوض له: أي للمالك على المضطر. وقوله لتقصيره: أي بعدم ذكر العوض (قوله: ولو اختلفا) أي المالك والمضطر. وقوله في ذكر العوض: فالمالك يقول ذكرته والمضطر ينكره. وقوله صدق المالك بيمينه: أي حملا للناس على هذه المكرمة (قوله: ويجوز نثر نحو سكر) أي كلوز ودنانير أو دراهم. والنثر الرمي مفرقا. وعبارة المنهاج: ويحل نثر سكر وغيره في الأملاك. اه (قوله: وتركه أولى) أي وترك النثر أولى، ولا يكره في الأصح: لخبر أنه - صلى الله عليه وسلم - حضر أملاكا فيه أطباق اللوز والسكر فأمسكوا، فقال ألا تنتهبون؟ فقالوا نهيتنا عن النهبى. فقال وإنما نهيتكم عن نهبة العساكر، أما الفرسان فلا. خذوا على اسم الله. فجاذبنا وجاذبناه اه. تحفة (قوله: ويحل التقاطه) أي المنثور (قوله: ويكره أخذه) ضعيف. والمعتمد أنه خلاف الأولى. وعبارة المنهج وشرحه: وتركهما، أي نثر ذلك والتقاطه، أولى لأن الثاني يشبه النهبى والأول تسبب إلى ما يشبهها. نعم: إن عرف أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض ولا يقدح الالتقاط في مروءة الملتقط لم يكن الترك أولى. اه. وعبارة النهاية مع الأصل: ويحل التقاطه، وتركه أولى وقيل أخذه مكروه لأنه دناءة. نعم: إن علم أن الناثر لا يؤثر به ولم يقدح أخذه في مروءته لم يكن تركه أولى، ويكره أخذه من الهواء بإزار أو غيره، فإن أخذ منه أو التقطه أو بسط ثوبه لأجله فوقع فيه ملكه بالأخذ، ولو صبيا، وإن سقط منه بعد أخذه. فلو أخذه غيره لم يملكه، وحيث كان أولى به وأخذه غيره ففي ملكه وجهان جاريان: فيما لو عشش طائر في ملكه فأخذ فرخه غيره، وفيما إذا دخل السمك مع الماء في حوضه، وفيما إذا وقع الثلج في ملكه فأخذه غيره، وفيما إذا أحيا ما تحجره غيره، لكن الأصح في الصور كلها الملك، كالإحياء، ما عدا صورة النثار لقوة الاستيلاء فيها. اه. وقوله الملك: أي للآخذ الثاني، ومثله في التحفة (قوله: ويحرم أخذ فرخ إلخ) يعني إنه يحرم على الشخص أن يأخذ فرخ طير عشش ذلك الطير في ملك غيره وأخذ سمك دخل مع الماء حوض غيره، وحيث حرم الأخذ لم يملكه لو أخذه، كما في فتح الجواد، ونصه مع الأصل: وجاز لقط إلا إن أخذه ممن أخذه. أو بسط ذيله له ولو صبيا ومجنونا فوقع فيه لأنه يملكه بالأخذ، والوقوع في نحو الذيل وإن سقط منه بعد أخذه وخرج. بله وقوعه فيه اتفاقا فإنه لا يملكه، بل يكون أولى به فيحرم على غيره أخذه إلا إن ظن رضاه أو سقط من ثوبه وإن لم ينفضه. وإذا حرم لم يملكه آخذه: كأخذ فرخ طير عشش بملك الغير أو سمك دخل مع الماء حوضه أو ثلج وقع في ملكه، وإنما ملك المحيي ما تحجره الغير لأن المتحجر غير مالك فليس الإحياء تصرفا في ملك الغير، بخلاف هذه الصور. اه. بحذف والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل في القسم والنشوز أي في بيان حكمهما: كوجوب التسوية بين الزوجات وغير ذلك مما يترتب عليهما، إنما ذكر القسم بعد الوليمة نظرا لكون الأفضل فعلها بعد الدخول، وهو أيضا يكون بعده. وذكر بعده النشوز لأنه يترتب غالبا على ترك القسم ولقوة المناسبة بينهما جمعهما في ترجمة واحدة. والقسم، بفتح القاف وسكون السين، مصدر قسمت الشئ. والمراد به العدل بين الزوجات، وأما بالكسر فالنصيب، وبفتح القاف مع فتح السين اليمين والنشوز الخروج عن الطاعة (قوله:

(يجب قسم لزوجات) إن بات عند بعضهن بقرعة أو غيرها فيلزمه قسم لمن بقي منهن ولو قام بهن عذر كمرض وحيض. وتسن التسوية بينهن في سائر أنواع الاستمتاع، ولا يوءاخذ بميل القلب إلى بعضهن، وأن لا يعطلهن بأن يبيت عندهن، ولا قسم بين إماء ولا إماء وزوجة. ويجب على الزوجين أن يتعاشرا بالمعروف، بأن يمتنع كل عما يكره صاحبه ويؤدي إليه حقه مع الرضا وطلاقة الوجه من غير أن يحوجه إلى مؤنة وكلفة في ذلك ـــــــــــــــــــــــــــــ يجب قسم الخ) وذلك لقوله تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * (1)، وخبر إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل، أي ساقط رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم وقوله لزوجات: أي حقيقة فخرجت الرجعية ودخل الإماء، وذلك بأن تزوج رقيق أمتين فيجب عليه القسم بينهما أو تزوج حر بالشروط أمة فسقمت ثم تزوج أمة أخرى فيجب عليه القسم بينهما. والمراد بالجمع ما فوق الواحد فتدخل الاثنتان والثلاث والأربع. وخرجت الواحدة فلا يجب عليه فيها شئ، لكن يستحب أن لا يعطلها بأن يبيت عندها لأنه من المعاشرة بالمعروف. وفي البجيرمي: لا فرق في وجوب القسم بين المسلمة والذمية. ذكره في البيان. اه (قوله: هن بات عند بعضهم) قيد في الوجوب، فلو لم يبت عند بعضهن لم يجب عليه القسم ولا إثم عليه بذلك، لكن يستحب أن لا يعطلهن وإن يحصنهن بالوطئ. ثم إن البيتوتة المختصة بالليل ليست بقيد، بل المدار على صيرورته عند بعضهن ليلا أو نهارا، كما في التحفة، ونصها مع الأصل: نعم إن بات في الحضر أي صار ليلا أو نهارا فالتعبير ببات لأن شأن القسم الليل، لا لإخراج مكثه نهارا عند إحداهن، فإن الأوجه أنه يلزمه أن يمكث مثل ذلك الزمن عند الباقيات. اه. وقوله بقرعة: متعلق بقسم. وقوله أو غيرها: أي القرعة (قوله: فيلزمه قسم لمن بقي الخ) هذا عين قوله يجب قسم الزوجات: إذ اللزوم والوجوب بمعنى واحد. والمراد بقوله لزوجات بقيتهن لا كلهن بدليل قوله إن بات عند بعضهن، ولا يقال أنه أعاده لأجل الغاية وهي ولو قام بهن عذر لأنا نقول يصح جعلها غاية لوجوب قسم الزوجات وبالجملة فالأولى إسقاطه والاقتصار على الغاية (قوله: ولو قام بهن عذر) أي يلزمه القسم للباقيات، ولو قام بهن عذر، وذلك لأن المقصود الانس لا الوطئ ويلزمه ذلك فورا ولو بدون طلب، كما في سم، وترك القسم كبيرة كما في ع ش (قوله: كمرض وحيض) تمثيل للعذر، ومثلهما رتق وقرن وإحرام وجنون إن أمن من الشر (قوله: وتسن التسوية بينهن) أي بين الزوجات (قوله: في سائر أنواع الإستمتاع) أي وطأ كانت أو غيره (قوله: ولا يؤاخذ بميل القلب إلى بعضهن) أي لأنه أمر قهري ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك (قوله: وإن لا يعطلهن) أي ويسن أن لا يعطلهن أي إن لم يبت عند بعضهن، وإلا وجب عدم التعطيل، كما علمت (قوله: بأن يبيت) تصوير لانتفاء التعطيل (قوله: ولا قسم بين إماء) أي غير زوجات ولو كن مستولدات: قال تعالى: * (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * (2) أشعر ذلك بأنه لا يجب العدل الذي هو فائدة القسم في ملك اليمين، فلا يجب القسم فيه (قوله: ولا إماء وزوجة) أي ولا قسم بين إماء وزوجة، لما مر (قوله: ويجب على الزوجين أن يتعاشرا بالمعروف) أي لقوله تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * (3) وفي شرح الروض: النكاح مناط حقوق الزوج على الزوجة كالطاعة، وملازمة المسكن وحقوقها عليه كالمهر والنفقة والكسوة والمعاشرة بالمعروف: قال تعالى: * (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) * (4) والمراد تماثلهما في وجوب الأداء، وقال تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * (1). اه (قوله: بأن يمتنع كل) أي من الزوجين، وهو تصوير للتعاشر بالمعروف (قوله: ويؤدي) معطوف على يمتنع: أي وبأن يؤدي كل إلى صاحبه حقه. وقوله مع الرضا: متعلق بكل من يمتنع ويؤدي. وقوله وطلاقة الوجه: أي ومع طلاقة الوجه، وهي عدم العبوسة، ولبعضهم: البر شئ هين: وجه طلق وكلام لين (قوله: من غير أن يحوجه الخ) متعلق أيضا بكل من الفعلين قبله: أي يمتنع عما ذكر ويؤدي إليه حقه من غير أن يحوج أحدهما الآخر إلى مؤنة.

_ (1) سورة النساء، الاية: 19. (2) سورة النساء، الاية: 3. (3) سورة النساء، الاية: 19. (4) سورة النساء، الاية: 228

(غير) معتدة عن وطئ شبهة لتحريم الخلوة بها وصغيرة لا تطيق الوطئ، و (ناشزة) أي خارجة عن طاعته بأن تخرج بغير إذنه من منزله، أو تمنعه من التمتع بها، أو تغلق الباب في وجهه، ولو مجنونة، وغير مسافرة وحدها لحاجتها ولو بإذنه فلا قسم لهن كما لا نفقة لهن. (فرع) قال الاذرعي نقلا عن تجزئة الروياني: ولو ظهر زناها حل له منع قسمها وحقوقها لتفتدي منه. نص عليه في الام. وهو أصح القولين. انتهى. قال شيخنا: وهو ظاهر إن أراد أنه يحل له ذلك باطنا معاقبة له لتلطيخ فراشه، أما في الظاهر فدعواه عليها ذلك غير مقبولة، بل ولو ثبت زناها لا يجوز للقاضي أن يمكنه من ذلك فيما ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله وكلفة: العطف للتفسير، والمراد المشقة. وقوله في ذلك أي في الامتناع المذكور وأداء ما عليه للآخر من الحقوق (قوله: غير معتدة) منصوب على الاستثناء من زوجات: أي يجب القسم للزوجات إلا المعتدة الخ. وقوله عن وطئ شبهة: فإن كانت معتدة عنه بأن وطئ إحدى زوجاته أجنبي بشبهة فلا قسم لها حتى تعتد بل يحرم، كما يفهمه التعليل بعد قوله لتحرم الخلوة بها (قوله: وصغيرة) أي وغير صغيرة لا تطيق الوطئ (قوله: وناشزة) أي وغير ناشزة ودخل في مدعيه الطلاق (قوله: أي خارجة عن طاعته) تفسير للناشزة (قوله: بأن تخرج بغير الخ) تصوير لخروجها عن طاعته (قوله: ولو مجنونة) غاية في الناشزة: أي يشترط أن تكون غير ناشزة ولو كانت مجنونة فنشوزها يسقط حقها كنشوز العاقلة وإن كانت لا تأثم به (قوله: وغير مسافرة) عطف على غير معتدة. وقوله وحدها: خرج ما إذا سافرت معه ولم يمنعها فحقها باق. وقوله لحاجتها: خرج ما إذا كانت لحاجته بإذنه فيقضي لها من نوب الباقيات، فإن كان من غير إذنه سقط حقها (قوله: فلا قسم لهن) أي للمعتدة والصغيرة والناشزة والمسافرة، وهو تفريع على مفهوم وقوله غير معتدة الخ. ويصح جعله قوله جواب شرط مقدر: أي أما المعتدة من وطئ الشبهة والصغيرة والناشزة والمسافرة فلا قسم لهن لعدم استحقاقهن له. وانظر: هل يحرم القسم عليه لهن لأن فيه تضييع حق الباقيات أم لا؟ وقد قدمت أن قوله لتحريم الخلوة بالمعتدة يقتضي حرمته عليه فيها، ولكن بقي النظر فيما عداها من الناشزة والصغيرة الخ (قوله: كما لا نفقة لهن) أي لا نفقة واجبة عليه لهن. وفي المغني مع الأصل ما نصه: ويستحق القسم مريضة وقرناء وقرناء ورتقاء وحائض ونفساء، ثم قال: وضابط من يستحق القسم كل من وجبت نفقتها ولم تكن مطلقة لتخرج الرجعية. ويستثنى من استحقاق المريضة القسم ما لو سافر بنسائه فتخلفت واحدة لمرض فلا قسم لها وإن كانت تستحق النفقة. وضابط من لا يستحقه هو كل امرأة لا نفقة لها، وضابط من يجب عليه القسم كل زوج عاقل ولو سكران أو سفيها أو مراهقا، فإن جار المراهق فالإثم على وليه، أي إذا قصر، وإن جار السفيه فعلى نفسه لأنه مكلف. وأما المجنون إذا أطبق جنونه أو تقطع ولم ينضبط فلا يلزم الولي الطواف به عليهن، سواء أمن منه الضرر أم لا، إلا إن طولب بقضاء قسم وقع منه أو كان الجماع ينفعه بقول أهل الخبرة أو مال إليه بميله إلى النساء فيلزمه أن يطوف به عليهن أو يدعوهن إلى منزله أو يطوف به على بعضهن ويدعو بعضهن إذا كان ثم عذر بحسب ما يرى. اه. بحذف (قوله: ولو ظهر زناها) أي ظهر زنا واحدة من زوجاته برؤيته أو بالشيوع (قوله: حل له) أي زوجها (قوله: منع قسمها وحقوقها لتفتدي منه) أي يمتنع من قسمه لها لتختلع منه بمال (قوله: قال شيخنا إلخ) لعله في غير التحفة ولفظها بعد وهو أصح القولين وهو بعيد، ولعل الأصح القول الثاني. ويأتي أول الخلع ما يصرح به. وينبغي أن يكون محل الخلاف إذا ظهر زناها في عصمته لا قبلها. اه. وقوله ويأتي أول الخ: عبارته هناك: ولو منعها نحو نفقة لتختلع منه بمال ففعلت بطل الخلع ووقع رجعيا، كما نقله جمع متقدمون عن الشيخ أبي حامد أو لا بقصد ذلك وقع بائنا. وعليه يحمل ما نقلاه عنه أنه يصح ويأثم بفعله في الحالين. اه. ومثله يأتي للشارح نقلا عن شرح المنهاج والإرشاد (قوله: وهو) أي كونه يحل له منع قسمها وحقوقها ظاهر. وقوله إن أراد. أي القائل بذلك وهو الروياني لأن الأذرعي ناقل عنه. وقوله يحل له ذلك: أي منع قسمها وحقوقها. وقوله باطنا: أي في الباطن. وقوله معاقبة الخ: تعليل للحل باطنا. وقوله لتلطيخ فراشه: علة العلة (قوله: أما في الظاهر) أي أما بالنسبة للظاهر (قوله:

يظهر. (وله) أي للزوج (دخول في ليل) لواحدة (على) زوجة (أخرى لضرورة) لا لغيرها كمرضها المخوف، ولو ظنا، (وله) دخول (في نهار لحاجة) كوضع متاع أو أخذه وعيادة وتسليم نفقة وتعرف خبر (بلا إطالة) في مكث عرفا على قدر الحاجة، وإن أطال فوق الحاجة عصى لجوره وقضى وجوبا لذات النوبة بقدر ما مكث من نوبة المدخول عليها. هذا ما في المهذب وغيره. وقضية كلام المنهاج والروضة وأصليهما خلافه فيما إذا دخل ـــــــــــــــــــــــــــــ فدعواه عليها ذلك الخ) كان الأنسب في المقابلة أن يقول فلا يحل له ذلك بمعنى أن الحاكم يمنعه من ذلك ولا يقبل دعواه عليها بذلك (قوله: بل الخ) الإضرار انتقالي. وقوله ولو ثبت زناها: أي بالبنية أو بإقرارها. وقوله لا يجوز للقاضي أن يمكنه: أي الزوج. وقوله من ذلك: أي ترك القسم والحقوق (قوله: وله) أي للزوج دخول في ليل لو قال في أصل، كما في المنهج، لكان أولى ليشمل ما إذا كان الأصل النهار (قوله: لواحدة) متعلق بمحذوف صفة لليل: أي ليل كائن لواحدة من زوجاته وهي صاحبة النوبة (قوله: على زوجة أخرى) أي وهي غير صاحبة النوبة (قوله: لضرورة) متعلق بيجوز المقدر. وقوله لا لغيرها: أي لا يجوز دخوله لغير ضرورة، ولو كان لحاجة: كعيادة مريض (قوله: كمرضها المخوف) تمثيل للضرورة. ومثله الخوف على عياله من حريق وسرقة وقوله ولو ظنا. أي ولو كان مخوفا بالظن لا باليقين. قال الغزالي: أو احتمالا، فيدخل ليتبين الحال: أي ليعرف هل هو مخوف أو لا؟ (قوله: وله دخول في نهار) لو قال في تابع لكان أولى ليشمل ما لو كان ليلا. وقوله لحاجة هي: أعم من الضرورة (قوله: كوضع متاع الخ) تمثيل للحاجة. وقوله أو أخذه: أي المتاع من الزوجة الأخرى. وقوله وعيادة: أي لها بأن كانت مريضة. وقوله وتسليم نفقة: أي لها. وقوله وتعرف خبر: أي منها (قوله: بلا إطالة في مكث) قيد للصورتين، أعني الدخول ليلا والدخول نهارا، فهو متعلق بكل منهما. والمعنى أنه يشترط فيهما أن يخفف المكث (قوله: عرفا) يعني أنه يقدر عدم طول المكث بالعرف ومن ثم لم يلزمه أن يقضي لحظة وما قاربها وإن جامع فيها لأنه يتسامح بالزمن القصير. قال في التحفة: ويظهر ضبط العرف في طول المكث بفوق ما من شأنه أن يحتاج إليه عند الدخول لتفقد الأحوال عادة فهذا القدر لا يقضيه مطلقا وما زاد عليه يقضيه مطلقا. وإن فرض أن الضرورة امتدت فوق ذلك اه. وقوله فهذا القدر: أي ما من شأنه الخ. وقوله مطلقا: قال ابن قاسم ظاهره سواء وصله بما زاد أو لا، فإذا طال فوق هذا القدر قضى ما زاد عليه دونه، وإذا لم يقض هذا القدر في الأصل ففي التابع بالأولى، كما لا يخفي، اه (قوله: على قدر الحاجة) متعلق بإطالة: أي بلا إطالة على قدر الحاجة، وكان عليه أن يزيد وعلى قدر الضرورة، لما علمت أن عدم الإطالة قيد فيه أيضا (قوله: وإن أطال فوق الحاجة) أي أو فوق الضرورة، كما علمت (قوله: عصى) جواب أن وقوله لجوره: أي ظلمه وهو علة العصيان (قوله: وقضى وجوبا لذات النوبة بقدر ما مكث من نوبة المدخول عليها) ظاهره أنه يقضي الجميع قدر الحاجة أو الضرورة وما زاد عليهما، وهو أيضا ظاهر المنهج، ولكنه يخالف ما مر عن التحفة من أنه يقضي الزائد فقط. ونقل البجيرمي عن الزيادي تفصيلا في ذلك فقال: (والحاصل) أنه إذا دخل في الأصل لضرورة وطال زمن الضرورة أو أطاله فإنه يقضي الجميع، وإن دخل في التابع لحاجة وطال زمن الحاجة فلا قضاء، وإن أطاله قضى الزائد فقط. ثم قال: أما حكم الدخول فإن كان في الأصل لضرورة جاز، وإلا حرم. وفي التبع إن كان ثم أدنى حاجة جاز، وإلا حرم. ثم قال: ونظم بعضهم المعتمد من هذه المسألة فقال: للزوج أن يدخل للضرورة لضرة ليست بذات النوبة في الأصل مع قضاء كل الزمن إن طال أو أطاله فأتقن وإن يكن في تابع لحاجة وقد أطال وقت تلك الحاجة قضى لذي زيد فقط ولا يجب قضاؤه في الطول هذا ما انتخب وإن يكن دخوله لا لغرض عصى ويقضي لا جماعا إن عرض

في النهار لحاجة وإن طال فلا تجب تسوية في الاقامة في غير الاصل كأن كان نهارا، أي في قدرها، لانه وقت التردد وهو يقل ويكثر عند حل الدخول، يجوز له أن يتمتع. ويحرم الجماع، لا لذاته، بل لامر خارج ولا يلزمه قضاء الوطئ لتعلقه بالنشاط بل يقضي زمنه إن طال عرفا. (واعلم) أن أقل القسم ليلة لكل واحدة وهي من الغروب إلى الفجر (وأكثره ثلاث) فلا يجوز أكثر منها ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: هذا) أي ما ذكر من كونه يقضي وجوبا لذات النوبة من نوبة المدخول عليها مطلقا سواء كان الدخول لضرورة أو لحاجة ليلا كان أو نهارا. وقوله ما في المهذب: هو متن لأبي إسحاق التبريزي (قوله: وفضية كلام المنهاج) وعبارته: والصحيح أنه لا يقضي إذا دخل لحاجة. اه. قال في المغني: أي وإن طال الزمان لأن النهار تابع مع وجود الحاجة. اه. (قوله: وأصليهما) أي أصل المنهاج، وهو المحرر للرافعي، وأصل الروضة وهو العزيز شرح الوجيز المسمى بالشرح الكبير للرافعي أيضا. وقوله خلافه: خبر المبتدأ الذي هو قضية، والضمير يعود على ما في المهذب. وقوله فيما إذا دخل الخ: هذا محل المخالفة. والمعنى أن مقتضى كلام المنهاج والروضة وأصليهما يخالف ما في المهذب إذا كان الدخول واقعا في النهار لحاجة. وقال في المغني: فيحمل كلام المهذب وغيره، كما قال شيخي، على ما إذا طال الزمان فوق الحاجة، وكلام المتن على ما إذا طال الزمان بالحاجة، ورأيت في بعض الشراح ضعف ما في المهذب، وبعضهم ضعف ما في المتن. وحيث أمكن الجمع فهو أولى. اه. (قوله: فلا تجب الخ) المقام ليس للتفريع، فكان الأولى التعبير بالواو. وقوله في غير الأصل: أما الأصل فيجب التسوية في قدر الإقامة فيه، كما في التحفة والنهاية (قوله: كأن كان) أي غير الأصل نهارا. وأتى بكاف التمثيل إشارة إلى أنه قد يكون ليلا (قوله: أي في قدرها) بيان لقوله في الإقامة. ولو قال من أول الأمر فلا تجب التسوية في قدر الإقامة لكان أخصر. والمراد أنه لو أقام عند صاحبة النوبة في غير الأصل الذي هو النهار إن جعل الأصل الليل أو الليل إن جعل الأصل النهار لم يجب أن يقسم عند الأخرى إذا جاءت نوبتها في غير الأصل مثل إقامته عند تلك، بل له أن ينقص عنها أو يزيد عليها وكذا لا تجب التسوية في أصل الإقامة في غير الأصل، فلو أقام فيه عند بعضهن وترك الإقامة فيه عند البعض الآخر لم يحرم عليه، كما في التحفة، ونصها: وكذا في أصلها على ما اقتضاه الإطلاق، ولكن الذي بحثه الإمام أخذا من كلامهم امتناعه إن كان قصدا. وجرى عليه الأذرعي فقال: لا أشك أن تخصيص إحداهن بالإقامة عندها نهارا على الدوام، والانتشار في نوبة غيرها يورث حقدا وعداوة وإظهار ميل وتخصيص. اه. (قوله: لأنه) أي غير الأصل وقت التردد (قوله: وهو) أي التردد. وقوله يقل ويكثر: أي بحسب الحاجة (قوله: وعند حل الدخول) أي بأن كان لضرورة أو لحاجة (قوله: يجوز له أن يتمتع) وذلك لخبر عائشة رضي الله عنها: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هي نوبتها فيبيت عندها رواه أحمد والحاكم وصحيح إسناده، والمسيس: الوطئ (قوله: ويحرم) أي التمتع بالجماع للخبر المار. وقوله لا لذاته: أي أن الحرمة لا لذات الجماع، وإنما هي لأمر خارج وهو كونه في نوبة الغير. وعبارة الخطيب: ولو جامع من دخل عليها في نوبة غيرها عصى وإن قصر الزمن وكان لضرورة. قال الإمام: واللائق بالتحقيق القطع بأن الجماع لا يوصف بالتحريم ويصرف التحريم إلى إيقاع المعصية لا إلى ما وقعت به المعصية. وحاصله أن تحريم الجماع لا لعينه بل لأمر خارج. اه. وكتب بجيرمي ما نصه: قوله لا يوصف بالتحريم، أي من حيث خصوص كونه وطأ، وأما من حيث صرف زمن صاحبة الوقت لغيرها فمعصية توصف بالتحريم. وقوله إلى إيقاع المعصية: أي إيقاع الوطئ في هذا الزمن. قوله لا إلى ما وقعت به المعصية وهو الجماع نفسه، وفيه أن الوطئ ليس معصية. فالأولى أن يقول ويصرف التحريم إلى الإقدام على الفعل أو صرف الزمن له. وقوله لأمر خارج: وهو كونه في نوبة الغير. اه. (قوله: ولا

وإن تفرقن في البلاد إلا برضاهن. وعليه يحمل قول الام: يقسم مشاهرة ومسانهة. والاصل فيه لمن عمله نهارا الليل والنهار قبله أو بعده وهو أولى تبع. ولحرة ليلتان ولامة سلمت له ليلا ونهارا ليلة. ويبدأ وجوبا في القسم بقرعة (ولجديدة) نكحها وفي عصمته زوجة فأكثر (بكر سبع) من الايام يقيمها عندها متوالية وجوبا (و) لجديدة

(ثيب ثلاث) ولاء بلا قضاء ولو أمة فيهما لقوله (ص): سبع للبكر وثلاث للثيب ويسن تخيير الثيب بين ثلاث بلا قضاء وسبع بقضاء: للاتباع. (تنبيه) يجب عند الشيخين، وإن أطال الاذرعي: كالزركشي في رده، أن يتخلف ليالي مدة الزفاف عن نحو الخروج للجماعة وتشييع الجنائز، وأن يسوي ليالي القسم بينهن في الخروج لذلك أو عدمه، فيأثم

بتخصيص ليلة واحدة بالخروج لذلك (و) وعظ زوجته ندبا لاجل خوف وقوع نشوز منها كالاعراض والعبوس بعد الاقبال وطلاقة الوجه والكلام الخشن بعد لينه و (هجر) إن شاء (مضجعا)، مع وعظها لا في الكلام، بل يكره فيه، ويحرم الهجر به ولو لغير الزوجة فوق ثلاثة أيام: للخبر الصحيح. نعم إن قصد به ردها عن المعصية

وإصلاح دينها جاز (وضربها) جوازا ضربا غير مبرح ولا مدم على غير وجه ومقتل إن أفاد الضرب في ظنه ولو بسوط وعصا. لكن نقل الروياني تعيينه بيده أو بمنديل (بنشوز) أي بسببه وإن لم يتكرر، خلافا للمحرر، ويسقط بذلك القسم. ومنه امتناعهن إذا دعاهن إلى بيته ولو لاشتغالها بحاجتها لمخالفتها. نعم، إن عذرت لنحو مرض

أو كانت ذات قدر وخفر لم تعتد البروز لم تلزمها إجابته، وعليه أن يقسم لها في بيتها. ويجوز له أن يؤدبها على شتمها له. (تتمة) يعصى بطلاق من لم تستوف حقها بعد حضور وقته وإن كان الطلاق رجعيا. قال ابن الرفعة: ما لم يكن بسؤالها.

فصل في الخلع بضم الخاء من الخلع بفتحها وهو النزع لان كلا من الزوجين لباس للآخر كما في الآية، وأصله مكروه.

وقد يستحب كالطلاق ويزيد هذا بندبه لمن حلف بالطلاق الثلاث على شئ لا بد له من فعله قال شيخنا: وفيه نظر لكثرة القائلين بعود الصفة. فالاوجه أنه مباح لذلك، لا مندوب، وفي شرحي المنهاج والارشاد له: لو منعها

نحو نفقة لتختلع منه بمال ففعلت بطل الخلع ووقع رجعيا - كما نقله جمع متقدمون عن الشيخ أبي حامد - أولا بقصد ذلك وقع بائنا. وعليه يحمل ما نقله الشيخان عنه أنه يصح ويأثم بفعله في الحالين وإن تحقق زناها، لكن لا يكره الخلع حينئذ. (الخلع) شرعا (فرقة بعوض) كميته مقصود من زوجة أو غيرها راجع (لزوج) أو سيدة (بلفظ طلاق أو خلع) أو مفاداة ولو كان الخلع في رجعية لانها كالزوجة في كثير من الاحكام. (فلو جرى) الخلع

(بلا) ذكر (عوض) معها (بنية التماس قبول) منها: كأن قال خالعتك أو فاديتك ونوى التماس قبولها فقبلت (فمهر مثل) يجب عليها لاطراد العرف بجريان ذلك بعوض، فإن جرى مع أجنبي طلقت مجانا، كما لو كان معه

والعوض فاسد. ولو أطلق فقال خالعتك ولم ينو التماس قبولها وقع رجعيا وإن قبلت (وإذا بدأ) الزوج (ب) - صيغة (معاوضة: كطلقتك) أو خالعتك (بألف فمعاوضة) لاخذه عوضا في مقابلة البضع المستحق له وبها شوب تعليق لتوقف وقوع الطلاق بها على القبول (فله رجوع قبل قبولها) لان هذا شأن المعاوضات (وشرط قبولها فورا) أي

في مجلس التواجب بلفظ كقبلت أو ضمنت أو يفعل كإعطائها الالف على ما قاله جمع محققون فلو تحلل بين لفظه وقبولها زمن أو كلام طويل لم ينفذ. ولو قال طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بألف فتقع الثلاث وتجب الالف. فإذا بدأت الزوجة بطلب طلاق كطلقني بألف أو إن طلقتني فلك علي كذا فأجابها الزوج فمعاوضة من جانبها فلها رجوع قبل جوابه لان ذلك حكم المعاوضة. ويشترط الطلاق بعد سؤالها فورا فإن لم يطلقها فورا كان

تطليقه لها ابتداء للطلاق. قال الشيخ زكريا: لو ادعى أنه جواب وكان جاهلا معذورا صدق بيمينه (أو بدأ ب) - صيغة (تعليق) في إثبات (كمتى) أو أي حين (أعطيتني كذا فأنت طالق فتعليق) لاقتضاء الصيغة له (فلا) طلاق إلا بعد تحقق الصفة ولا (رجوع) له عنه قبل الصفة كسائر التعليقات (ولا يشترط) فيه (قبول) لفظا (ولا إعطاء فورا) بل يكفي الاعطاء ولو بعد أن تفرقا عن المجلس لدلالته على استغراق كل الازمنة منه صريحا، وإنما وجب الفور في قولها متى طلقتني فلك كذا لان الغالب على جانبها المعاوضة فإن لم يطلقها فورا حمل على الابتداء لقدرته عليه أما إذا كان التعليق في النفي كمتى لم تعطني ألفا فأنت طالق فللفور فتطلق بمضي زمن يمكن فيه الاعطاء فلم تعطه (وشرط فور) أي الاعطاء في مجلس التواجب بأن لا يتخلل كلام أو سكوت طويل

عرفا من حرة حاضرة أو غائبة علمته (في إن) أو إذا (أعطيتني) كذا فأنت طالق لانه مقتضى اللفظ مع العوض وخولف في نحو متى لصراحتها في جواز التأخير لكن لا رجوع له عنه قبله. ولا يشترط القبول لفظا. (تنبيه) الابراء فيما ذكر كالاعطاء ففي إن أبرأتني لا بد من إبرائها فورا براءة صحيحة عقب علمها وإلا لم يقع. وإفتاء بعضهم بأنه يقع في الغائبة مطلقا لانه لم يخاطبها بالعوض بعيد مخالف لكلامهم. ولو قال إن أبرأتني

فأنت وكيل في طلاقها فأبرأته برئ ثم الوكيل مخير، فإن طلق وقع رجعيا لان الابراء وقع في مقابلة التوكيل، ومن علق طلاق زوجته بإبرائها إياه من صداقها لم يقع عليه. إلا إن وجدت براءة صحيحة من جميعه فيقع بائنا بأن تكون رشيدة وكل منهما يعلم قدره ولم تتعلق به زكاة خلافا لما أطال به الريمي أنه لا فرق بين تعلقها به وعدمه وإن نقله عن المحققين وذلك لان الابراء لا يصح من قدرها وقد علق بالابراء من جميعه فلم توجد الصفة المعلق عليها وقيل يقع بائنا بمهر المثل. ولو أبرأته ثم ادعت الجهل بقدره. فإن زوجت صغيرة صدقت بيمينها أو بالغة ودل الحال على جهلها به لكونها مجبرة لم تستأذن فكذلك وإلا صدق بيمينه: ولو قال إن أبرأتني من مهرك فأنت طالق بعد شهر فأبرأته، برئ مطلقا. ثم إن عاش إلى مضي الشهر طلقت وإلا فلا. وفي الانوار في أبرأتك من

مهري بشرط أن تطلقني فطلق وقع ولا يبرأ، لكن الذي في الكافي وأقره البلقيني وغيره في أبرأتك من صداقي بشرط الطلاق أو على أن تطلقني تبين ويبرأ، بخلاف إن طلقت ضرتي فأنت برئ من صداقي فطلق الضرة وقع الطلاق ولا براءة. قال شيخنا: والمتجه ما في الانوار لان الشرط المذكور متضمن للتعليق. (فروع) لو قال إن أبرأتني من صداقك أطلقك فأبرأت فطلق برئ وطلقت ولم تكن مخالعة ولو قالت طلقني وأنت برئ من مهري فطلقها بانت به لانها صيغة التزام، أو قالت إن طلقتني فقد أبرأتك أو فأنت برئ

من صداقي فطلقها بانت بمهر المثل، على المعتمد، لفساد العوض بتعليق الابراء. وأفتى أبو زرعة فيمن سأل زوج بنته قبل الوطئ أن يطلقها على جميع صداقها والتزم به والدها فطلقها واحتال من نفسه على نفسه لها وهي محجورته بأنه خلع على نظير صداقها في ذمة الاب. نعم، شرط صحة هذه الحوالة أن يحيله الزوج به لبنته. إذ لا بد فيها من إيجاب وقبول ومع ذلك لا تصح إلا في نصف ذلك لسقوط نصف صداقها عليه ببينونتها منه فيبقى

للزوج على الاب نصفه لانه لما سأله بنظير الجميع فذمته فاستحقه والمستحق على الزوج النصف لا غير فطريقه أن يسأله الخلع بنظير النصف الباقي لمحجورته لبراءته حينئذ بالحوالة عن جميع دين الزوج. اه. قال شيخنا: وسيعلم مما يأتي أن الضمان يلزمه به مهر المثل، فالالتزام المذكور مثله وإن لم توجد الحوالة. ولو اختلع الاب أو غيره بصداقها أو قال طلقها وأنت برئ منه وقع رجعيا، ولا يبرأ من شئ منه. نعم، إن ضمن له الاب أو الاجنبي الدرك أو قال علي ضمان ذلك وقع بائنا بمهر المثل على الاب أو الاجنبي. ولو قال لاجنبي سل فلانا أن يطلق زوجته بألف، اشترط في لزوم الالف أن يقول علي. بخلاف سل زوجتي أن يطلقني على كذا فإنه

توكيل وإن لم تقل علي. ولو قال طلق زوجتك على أن أطلق زوجتي ففعلا، بانتا، لانه خلع غير فاسد: لان العوض فيه مقصود، خلافا لبعضهم، فلكل على الآخر مهر مثل زوجته. (تنبيه) الفرقة بلفظ الخلع طلاق ينقص العدد. وفي قول نص عليه في القديم والجديد الفرقة بلفظ الخلع إذا لم يقصد به طلاقا فسخ لا ينقص عددا، فيجوز تجديد النكاح بعد تكرره من غير حصر، واختاره كثيرون من

أصحابنا المتقدمين والمتأخرين، بل تكرر من البلقيني الافتاء به. أما الفرقة بلفظ الطلاق بعوض فطلاق ينقص قطعا، كما لو قصد بلفظ الخلع الطلاق، لكن نقل الامام عن المحققين القطع بأنه لا يصير طلاقا بالنية.

فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين لزين الدين بن عبد العزيز المليباري الفناني الجزء الرابع دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر الطبعة الاولى 1418 هـ / 1997 م حارة حربك - شارع عبد النور - برقيا: فكسي - صحب 7061/ 11 تلفون: 838305/ 838202 / 838136 فاكس 009611837898 دولي: 009611860962

بسم الله الرحمن الرحيم فصل في الطلاق وهو لغة: حل القيد. وشرعا حل عقد النكاح باللفظ الآتي وهو إما واجب: كطلاق مول لم يرد الوطئ، أو ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في الطلاق أي في بيان أحكامه: ككونه مكروها أو حراما وواجبا أو مندوبا، وككونه يفتقر إلى نية في الكناية ولا يفتقر إليها في الصريح، والأصل فيه قبل الإجماع الكتاب: كقوله تعالى: * (الطلاق مرتان) * أي عدد الطلاق الذي تملك الرجعة بعده مرتان، فلا ينافي أنه ثلاث، وقد سئل - صلى الله عليه وسلم - أين الثالثة؟ فقال: * (أو تسريح بإحسان) * ولذلك قال الله تعالى بعده: * (فإن طلقها) * أي الثالثة * (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * وكقوله تعالى: * (يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * والسنة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: أتاني جبريل فقال لي: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن. والطلاق لفظ جاهلي جاء الشرع بتقريره، فليس من خصائص هذه الأمة - يعني أن الجاهلية كانوا يستعملونه في حل العصمة أيضا لكن لا يحصرونه في الثلاث. وفي تفسير ابن عادل روي عروة بن الزبير قال: كان الناس في الابتداء يطلقون من غير حصر ولا عدد، وكان الرجل يطلق امرأته، فإذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها كذلك، ثم راجعها بقصد مضاررتها، فنزلت هذه الآية: * (الطلاق مرتان) *. وأركانه خمسة: زوج، وصيغة، وقصد، ومحل، وولاية عليه. وكلها تعلم من كلامه (قوله: وهو لغة حل القيد) أي أن الطلاق معناه في اللغة حل القيد: أي فكه سواء كان ذلك القيد حسيا: كقيد البهيمة، أو معنويا: كالعصمة. فلذلك كان المعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي لأن القيد فيه المعبر عنه بالعقد معنوي. ومن المعنى اللغو قولهم ناقة طالقة: أي محلول قيدها إذا كانت مرسلة بلا قيد. ومنه أيضا ما في قول الإمام مالك: العلم صيد والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الواثقة فمن الحماقة أن تصيد غزالة وتفكها بين الخلائق طالقه وقد نظم بعضهم ما تضمنه هذان البيتان في قوله:

_ (1) سورة البقرة، الاية: 229. (2) يشير إلى الاية الكريمة: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [البقرة: 229]. (3) سورة البقرة، الاية: 230. (4) سورة الطلاق، الاية: 1.

مندوب: كأن يعجز عن القيام بحقوقها ولو لعدم الميل إليها، أو تكون غير عفيفة ما لم يخش الفجور بها أو سيئة الخلق: أي بحيث لا يصبر على عشرتها عادة، فيما استظهره شيخنا، وإلا فمتى توجد امرأة غير سيئة الخلق. وفي الحديث: المرأة الصالحة في النساء كالغراب الاعصم كناية عن ندرة وجودها: إذ الاعصم هو أبيض الجناحين، أو يأمره به أحد والديه: أي من غير تعنت أو حرام كالبدعي، وهو طلاق مدخول بها في نحو ـــــــــــــــــــــــــــــ قيد بخطك ما أبداه فكرك من نتائج تعجب الحذاق الفضلا فما نتائج فكر المرء بارزة في كل وقت إذا ما شاءها فعلا (قوله: وشرعا حل الخ) المراد بالحل إزالة العلقة التي بين الزوجين وعرف الطلاق الشرعي النووي في تهذيبه بأنه تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح. وقوله: عقد النكاح: الإضافة للبيان، تعبيره بعقد أصرح في المراد من تعبير غيره بقيد (قوله: باللفظ الآتي) متعلق بحل، وهو مشتق طلاق، وفراق وسراح وغير ذلك (قوله: وهو إما وجب الخ) والحاصل تعتريه الأحكام الخمسة، وذكر منها غير المباح للخلف في وجوده وأثبته الإمام وصوره بما إذا لم يشتهها ولا تسمح نفسه بمؤنتها من غير تمتع بها (قوله: كطلاق مول) تمثيل للطلاق الواجب. والمولى - بضم الميم وكسر اللام - وهو الحالف أن لا يطأ زوجته في العمر أو زائدا عن أربعة أشهر، فإن مضت أربعة أشهر طالبته بالوطئ، فإن أبي وجب عليه الطلاق، فإن أباه طلقها الحاكم عليه طلقة واحدة - كما سيأتي في بابه - واندرج تحت الكاف طلاق الحكمين إن رأياه فهو واجب أيضا. وقوله لم يرد الوطئ: الجملة صفة لمول: أي مول موصوف بكونه لم يرد الوطئ، فإن أراده فلا طلاق، لكن عليه إذا وطئ كفارة يمين - كما سيأتي - (قوله: أو مندوب) معطوف على واجب (قوله: كأن يعجز عن القيام بحقوقها) أي الزوجة، وهو تمثيل للمندوب. وقوله ولو لعدم الميل: أي ولو كان العجز حصل لعدم الميل إليها: أي بالكلية ولا ينافي هذا تصوير الإمام المباح بما إذا لم يشتهها لأن المراد من قوله لم يشتهها أي شهوة كاملة وهو صادق بوجود شهوة عنده غير كاملة. (والحاصل) في المندوب لم يوجد منه ميل أصلا، وفي المباح يوجد منه ميل لكنه غير كامل فلا تنافي بيتهما وعبارة الروض وشرحه: ويستحب الطلاق لخوف تقصيره في حقها لبغض أو غيره. اه. وهي أولى من عبارة شارحنا (قوله: أو تكون الخ) بالنصب معطوف على يعجز. أي أو كأن تكون غير عفيفة - أي فاسقة - وينبغي أن يقيد فسقها بغير الفجور بها، وإلا كأن التقييد بقوله، بعدما لم يخش الفجور بها غير ظاهر (قوله: ما لم يخش الفجور بها) قيد في الندبية أي محل ندب طلاقها ما لم يخش الفجور بها: أي فجور الغير بها لو طلقها، وإلا فلا يكون مندوبا لأن في ابقائها صونا لها في الجملة، بل يكون مباحا، وينبغي أنه إن علم فجور غيره بها لو طلقها وانتفاء ذلك عنها ما دامت في عصمته حرمة طلاقها إن لم يتأذ ببقائها تأذيا لا يحتمل عادة. كذا في ع ش (قوله: أو سيئة الخلق) معطوف على غير عفيفة: أي أو تكون سيئة الخلق وبين المراد بها بقوله: (أي بحيث لا يصير على عشرتها عادة) أي بأن تجاوزت الحد في ذلك. وقوله وإلا إلخ. أي وإن لم يكن المراد بها ما ذكر فلا يصح لأنه يلزم أن كل رجل يندب له طلاق زوجته لأن كل امرأة سيئة الخلق ولا يتصور أنها توجد امرأة في أي وقت وليست بسيئة الخلق (قوله: وفي الحديث الخ) ساقه دليلا على عدم وجود امرأة غير سيئة الخلق، وفيه أن المدعي سيئة الخلق والذي في الحديث المرأة الصالحة فلا يصلح دليلا لما ذكر إلا أن يقال إن إساءة الخلق تستلزم عدم الصلاح في الغالب فينتج المدعى. تأمل (قوله: كناية إلخ) أي أن قوله كالغراب الأعصم كناية عن ندرة وجود المرأة الصالحة لأن الغراب المذكور كذلك (قوله: إذ الأعصم هو أبيض الجناحين) أي وهذا نادر، وعبارة التحفة: إذ الأعظم وهو أبيض الجناحين وقيل الرجلين أو إحداهما كذلك اه (قوله: أو يأمره) أي وكأن يأمره، فهو بالنصب عطف على يعجز أو على تكون. وقوله به: أي بالطلاق (قوله: من غير تعنت) أي بأن يكون لغرض صحيح، فإن كان بتعنت بأن لا يكون لذلك - كما هو شأن الحمقى من الآباء والأمهات - فلا يندب الطلاق إذا أمره أحد والديه به وفي

حيض بلا عوض منها أو في طهر جامعها فيه، وكطلاق من لم يستوف دورها من القسم، وكطلاق المريض بقصد الحرمان من الارث، ولا يحرم جمع ثلاث طلقات، بل يسن الاقتصار على واحدة أو مكروه بأن سلم الحال من ذلك كله، للخبر الصحيح: أبغض الحلال إلى الله الطلاق وإثبات بغضه تعالى له المقصود منه زيادة التنفير عنه لا حقيقته لمنافاتها لحله إنما (يقع لغير بائن) ولو رجعية لم تنقض عدتها فلا يقع لمختلعة ـــــــــــــــــــــــــــــ القاموس: عنته تعنيتا - أي شدد عليه وألزمه ما يصعب عليه أداؤه. ويقال جاءه متعنتا: أي طالبا زلته (قوله: أو حرام) عطف على واجب. وقوله كالبدعي: أي كالطلاق البدعي، وهو تمثيل للحرام (قوله: وهو) أي البدعي. وقوله: طلاق مدخول بها: أي موطوأة ولو في الدبر أو مستدخلة ماءه المحترم. وقوله في نحو حيض: متعلق بطلاقها: أي طلاقها في نحو حيض كنفاس، وإنما حرم الطلاق فيه لتضررها بطول العدة: إذ بقية دمها لا تحسب منها، ومن ثم لا يحرم في حيض حامل عدتها بالوضع. وقوله: بلا عوض منها: قيد في الحرمة - أي يحرم الطلاق في نحو حيض إن كان بلا عوض صادر منها. وخرج به ما إذا كان طلاقها بعوض صادر منها فلا يحرم فيه، وذلك لأن بذلها المال يشعر باضطرارها للفراق احالا. وقيد بقوله منها ليخرج ما إذا كان العوض صادرا من أجنبي فيحرم أيضا فيه، وذلك لأن خلعه لا يقتضي اضطرارها إليه (قوله: أو في طهر جامعها فيه) معطوف على في نحو حيض - والتقدير: أي أو طلاق مدخول بها في طهر جامعها فيه. ولا يخفى أن الشرط وطؤها في الطهر، سواء دخل عليها قبل أم لم يدخل عليها - فما يفهمه كلامه من اشتراط الدخول بها قبل ليس مرادا. ثم إن محل حرمة ذلك فيمن تحبل لعدم صغرها ويأسها وعدم ظهور حمل بها وإلا فلا حرمة - كما صرح به في متن المنهاج (قوله: وكطلاق من لم يستوف الخ) معطوف على قوله كالبدعي، فهو تمثيل للحرام أيضا ومحل حرمته ما لم ترض بعد القسم، وإلا فلا حرمة. ولو سألته الطلاق قبل استيفائها حقها من القسم لم يحرم - كما بحثه ابن الرفعة، ووافق الأذرعي - بل بحث القطع به، وتبعه الزركشي، وذلك لتضمن سؤالها الرضا بإسقاط حقها. وقوله دورها: هو كناية عما هو مفروض على الزوج للزوجات من الليالي أو الأيام، والمراد بها هنا حصتها منه (قوله: وكطلاق المريض الخ) معطوف على قوله كالبدعي أيضا. وقوله بقصد الخ: قيد في الحرمة أي يحرم طلاق المريض لزوجته إذا قصد حرمانها من الإرث، وإلا فلا يحرم (قوله: ولا يحرم الخ) إنما أتى به ردا على من قال إنه يحرم وأدرجه في قسم الحرام، وإنما لم يحرم لأن عويمرا العجلاني لما لاعن امرأته طلقها ثلاثا قبل أن يخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحرمتها عليه. رواه الشيخان، فلو حرم لنهاه عنه ليعلمه هو أو من حضره (قوله: بل يسن الاقتصار على واحدة) وحينئذ فيكون الجمع بين الثلاث خلاف السنة (قوله: أو مكروه) معطوف على واجب (قوله: بأن سلم الحال من ذلك كله) أي مما يقتضي الوجوب أو الندب أو الحرمة (قوله: للخبر الصحيح) دليل الكراهة (قوله: أبغض الحلال إلى الله الطلاق) استشكل الحديث بأنه يفيد أن الحلال مبغوض، وأن الطلاق أشد بغضا مع أن الحلال لا يبغض أصلا. وأجيب بأن المراد من الحلال المكروه فقط لا سائر أنواع الحلال، ولا ينافي ذلك وصفه بالحل لأنه يطلق ويراد منه الجائز، وإنما كان المكروه مبغوضا لله لأنه نهى عنه نهي تنزيه، والطلاق أشد بغضا إلى الله من غيره لما فيه من قطع النسل الذي هو المقصود الأعظم من النكاح، ولما فيه من إيذاء الزوجة وأهلها وأولادها. واستشكل أيضا بأن حقيقة البغض الإنتقام أو إرادته، وهذا إنما يكون في الحرام لا في الحلال حتى على تأويله بالمكروه وأشار الشارح إلى الجواب عنه بقوله وإثبات بغضه تعالى له المقصود منه زيادة التنفير عنه، وهذا على تسليم أن حقيقة البغض في حقه تعالى ما ذكر، فإن كان المراد بها في حقه تعالى عدم الرضا به وعدم المحبة فلا إشكال. وقوله لمنافاتها: أي حقيقة البغض. وقوله لحله: أي الطلاق (قوله: إنما يقع لغير بائن) أي لزوجة غير بائن: أي بطلاق أو فسخ والغير صادق بغير المطلبة وبالمطلقة طلاقا رجعيا. فقوله ولو كانت رجعية: تصريح بما فهم، وإنما لحق الطلاق الرجعية لأنها في حكم الزوجات هنا. وفي الإرث وصحة الظهار والإيلاء واللعان - كما تقدم - وهذه الخمسة عناها الإمام الشافعي رضي الله عنه بقوله الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى. وقوله لم تنقض عدتها:

ورجعية انقضت عدتها (طلاق) مختار (مكلف) أي بالغ عاقل، فلا يقع طلاق صبي ومجنون (ومتعد بسكر) أي بشرب خمر وأكل بنج أو حشيش لعصيانه بإزالة عقل، بخلاف سكران لم يتعد بتناول مسكر كأن أكره عليه أو لم يعلم أنه مسكر فلا يقع طلاقه إذا صار بحيث لا يميز لعدم تعديه وصدق مدعي إكراه في تناوله بيمينه إن وجدت قرينة عليه، كحبس وإلا فلا بد من البينة، ويقع طلاق الهازل به بأن قصد لفظه دون معناه أو لعب به بأن ـــــــــــــــــــــــــــــ الجملة صفة لرجعية موصوفة بكونها لم تنقض عدتها، فإن انقضت عدتها صارت بائنا فلا يلحقها الطلاق (قوله: فلا يقع لمختلعة) أي لإنقطاع عصمتها بالكلية في تلك الخمس وغيرها. وخبر المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة موضوع، ووقفه على أبي الدرداء ضعيف. اه. تحفة. وهذا مفهوم قوله: غير بائن، أما البائن - كالمختلعة - فلا يقع طلاقها (قوله: رجعية انقضت عدتها) أي ولا يقع لرجعية انقضت عدتها، وهذا مفهوم قوله: لم تنقض عدتها (قوله: طلاق) فاعل يقع. وقوله مختار مكلف: قيدان في وقوع الطلاق، وسيذكر محترزهما. وقوله أي بالغ عاقل تفسير للمكلف (قوله: فلا يقع طلاق صبي ومجنون) أي ونائم، وذلك لخبر: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ صححه أبو داود وغيره. وحيث رفع عنهم القلم بطل تصرفهم. والمراد قلم خطاب التكليف، وأما قلم خطاب الوضع فهو ثابت في حقهم بدليل ضمان ما أتلفوه، ولكن يرد على ذلك أن الطلاق من باب خطاب الوضع، وهو ربط الأحكام بالأسباب، فكان مقتضاه وقوعه عليهم. ويجاب بأن خطاب الوضع يلزمه حكم تكليفي كحرمة الزوجة عليهم، وخطاب التكليف مرفوع فيلزم من رفع اللازم وهو خطاب التكليف رفع الملزوم في خصوص مسألة الطلاق. وأما خطاب الوضع في غيرها فثابت كالإتلاف لأنهم يضمنون ما أتلفوه. اه. بجيرمي (قوله: ومتعد بسكر) معطوف على مختار: أي ويقع طلاق متعد بسكر لأنه وإن لم يكن مكلفا هو في حكمه تغليظا عليه، وكذا سائر تصرفاته فيما له وعليه. ومثله المتعدي بجنونه فإنه يقع طلاقه وكذا سائر تصرفاته على المذهب، فقوله فلا يقع طلاق صبي ومجنون: أي غير متعد بجنونه (قوله: أي بشرب خمر الخ) الباء سببية متعلقة بمتعد: أي متعد بذلك بسبب شربه الخمر وأكله بنجا أو حشيشا، والمراد تعاطي ذلك عن قصد وعلم، وإلا فلا يكون تعديا (قوله: لعصيانه الخ) علة لوقوع الطلاق من المتعدي بسكره: أي وإنما وقع الطلاق منه مع كونه لا عقل له لأنه عاص بإزالته (قوله: بخلاف سكران لم يتعد الخ) أي وبخلاف مجنون لم يتعد بجنونه (قوله: كأن أكره عليه) أي على تناول مسكر، وهو تمثيل لغير المتعدي بسكره (قوله: أو لم يعلم) أي أو تناوله وهو لم يعلم أنه مسكر بأن تعاطي شيئا على زعم أنه شراب أو دواء. فإذا هو مسكر (قوله: فلا يقع طلاقه) أي السكران الذي لم يتعد بسكره (قوله: إذا صار بحيث لا يميز) أي انتهى إلى حالة فقد فيها التمييز، أما إذا لم ينته إلى هذه الحالة فإنه يقع عليه الطلاق (قوله: لعدم تعديه) علة لعدم وقوع طلاق غير المتعدي بسكره (قوله: وصدق مدعي إكراه في تناوله) أي من المسكر. وقوله بيمينه: متعلق بصدق (قوله: إن وجدت قرينة عليه) أي على الإكراه (قوله: كحبس) تمثيل للقرينة على الإكراه (قوله: وإلا) أي وإن لم توجد قرينة. وقوله فلا بد من البينة: أي تشهد بإكراهه (قوله: ويقع طلاق الهازل) أي ظاهرا وباطنا إجماعا، وللخبر الصحيح: ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، والرجعة وخصت لتأكيد أمر الإبضاع، وإلا فكل التصرفات كذلك. وفي رواية والعتق وخص لتشوف الشارع إليه (قوله: بأن قصد لفظه) أي الطلاق أي نطق به قصدا، وهو تصوير للهزل بالطلاق. وقوله دون معناه أي دون قصد معناه، وهو حل عصمة النكاح (قوله: أو لعب به) بصيغة الفعل عطف على الهازل الذي هو اسم فاعل من عطف الفعل على الاسم المشبه له: أي ويقع طلاق الذي هزل به أو الذي لعب به. وقوله بأن لم يقصد شيئا: أي لا لفظه ولا معناه: وهو تصوير للعب بالطلاق ثم إن مفاده مع مفاد تصوير الهزل المار التغاير بينهما، ونظر فيه في التحفة ونصها: ولكون اللعب أعم مطلقا من الهزل عرفا، إذا الهزل يختص بالكلام عطفه عليه وإن رادفه لغة. كذا قال الشارح، وجعل غيره بينهما تغايرا ففسر الهزل بأن يقصد اللفظ دون المعنى واللعب بأن لا يقصد شيئا وفيه نظر: إذ قصد اللفظ لا بد منه مطلقا بالنسبة للوقوع باطنا. اه. وفي

لم يقصد شيئا ولا أثر لحكاية طلاق الغير وتصوير الفقيه وللتلفظ به بحيث لا يسمع نفسه. واتفقوا على وقوع طلاق الغضبان، وإن ادعى زوال شعوره بالغضب، (لا) طلاق (مكره) بغير حق (بمحذور) مناسب كحبس طويل، وكذا قليل لذي مروءه وصفعة له في الملا وكإتلاف مال يضيق عليه، بخلاف نحو خمسة دراهم في حق ـــــــــــــــــــــــــــــ المغني: لو نسي أن له زوجة فقال زوجتي طالق طلقت - كما نقلاه عن النص وأقراه - اه (قوله: ولا أثر لحكاية طلاق الغير) أي لا ضرر في حكاية طلاق الغير: كقوله: قال: زيد زوجتي طالق فلا تطلق زوجة الحاكي لطلاق غيره. وقوله وتصوير الفقيه: أي ولا أثر لتصوير الفقيه الطلاق كأن قال الفقيه تصويرا لصورة الطلاق بالثلاث (قوله: وللتلفظ به الخ) أي ولا أثر للتلفظ بالطلاق تلفظا مصورا بحالة، هي كونه لا يسمع نفسه، وذلك لأنه يشترط في وقوع الطلاق التلفظ به حيث يسمع نفسه، فإن اعتدل سمعه ولا مانع من نحو لغط، فلا بد أن يرفع صوته به بقدر ما يسمع نفسه، بالفعل وإن لم يعتدل سمعه أو كان هناك مانع من نحو لغط فلا بد أن يرفع صوته بحيث لو كان معتدل السمع ولا مانع لسمع فيكفي سماعه تقديرا وإن لم يسمع بالفعل (قوله: واتفقوا على وقوع طلاق الغضبان) في ترغيب المشتاق. سئل الشمس الرملي عن الحلف بالطلاق حال الغضب الشديد المخرج عن الاشعار: هل يقع الطلاق أم لا؟ وهل يفرق بين التعليق والتنجيز أم لا؟ وهل يصدق الحالف في دعواه شدة الغضب وعدم الإشعار؟. فأجاب: بأنه لا اعتبار بالغضب فيها. نعم: إن كان زائل العقل عذر. اه. بحذف. وقوله: وإن ادعى زوال شعوره: أي إدراكه. وقوله بالغضب: أي بسبب الغضب، وهو متعلق بزوال (قوله: لا طلاق مكره) معطوف على طلاق مختار باعتبار الشرح. أما باعتبار المتن فمكره معطوف على مكلف: أي لا يقع طلاق مكره إذا وجدت شروطه الآتية - خلافا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وذلك لخبر: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وخبر: لا طلاق في إغلاق بكسر الهمزة: أي إكراه. والمراد الإكراه على طلاق زوجة المكره - بفتح الراء - وخرج به ما إذا كان على طلاق زوجة المكره - بكسر الراء - كأن قال له: طلق زوجتي وإلا لأقتلنك فطلقها فإنه يقع على الصحيح لأنه أبلغ في الإذن. وقوله بغير حق: متعلق بمكره وسيذكر محترزه (قوله: بمحذور) متعلق بمكره أيضا: أي مكره بما يحذر منه: أي يخاف منه من أنواع العقوبات. قال ح ل: ولو في ظن المكره فلو خوفه بما ظنه محذورا فبان خلافه كان مكرها. اه. وضابط المحذور: هو الذي يؤثر العاقل لأجله الإقدام على ما أكره عليه. وقوله مناسب: أي الحال المكره - بفتح الراء - وذلك لأن المحذور يختلف باختلاف طبقات الناس، فقد يكون إكراها في حق شخص دون آخر كالصفعة فهي إكراه لذي المروءة دون غيره، فاعتبر فيه ما يناسبه (قوله: كحبس طويل) تمثيل للمحذور (قوله: وكذا قليل) أي حبس قليل. والمناسب أن يقول: قصير. وقوله لذي مروءة يعني أن الحبس القصير يعد محذورا لكن لذي المروءة (قوله: وصفعة) معطوف على حبس: أي وكصفعة: أي ضربة واحدة. قال في المصباح: الصفعة المرة وهو أن يبسط الرجل كفه فيضرب بها قفا الإنسان أو بدنه، فإذا قبض كفه ثم ضربه فليس بصفع، بل يقال: ضربه بجمع كفه. اه. وقوله له: أي لذي المروءة. وقوله في الملأ: أي بين الناس. وفي حواشي البجيرمي. قال الشاشي إن الاستخفاف في حق الوجيه إكراه وابن الصباغ أن الشتم في حق أهل المروءة إكراه. اه (قوله: وكإتلاف مال) معطوف على كحبس، ولو حذف الكاف - كالذي قبله - لكان أولى. مثل إتلاف المكره - بكسر الراء - لمال المكره أخذه منه، بجامع أن كلا تفويت مال على مالكه. كذا في ع ش. وقوله يضيق عليه: أي يتأثر به، فقول الروضة أنه ليس بإكراه محمول على مال قليل لا يبالي به كتخويف موسر: أي سخي بأخذ خمسة دنانير كما في حلية الروياني. اه. نهاية. (قوله: بخلاف الخ) أي بخلال إتلاف نحو خمسة دراهم لو لم يطلق زوجته في حق موسر فإنه لا يعد إكراها لأنها لا تضييق عليه. وقوله في حق موسر: قال في التحفة: ويظهر ضبط الموسر المذكور بمن تقضي العادة بأنه يسمح ببذل ما طلب منه ولا يطلق، ويؤيده قول كثيرين إن الإكراه بإتلاف المال يختلف باختلاف طبقات الناس وأحوالهم. اه (قوله:

موسر وشرط الاكراه قدرة المكره على تحقيق ما هدد به عاجلا بولاية أو تغلب وعجز المكره عن دفعه بفرار أو استغاثة وظنه أنه إن امتنع فعل ما خوفه به ناجزا فلا يتحقق العجز بدون اجتماع ذلك كله، ولا يشترط التورية بأن ينوي غير زوجته أو يقول سرا عقبه إن شاء الله، فإذا قصد المكره الايقاع للطلاق وقع، كما إذا أكره بحق: كأن ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرط الإكراه) أي شروطه، فهو مفرد مضاف، فيعم. وذكر الشارح منها ثلاثة شروط، وبقي منها أن لا ينوي وقوع الطلاق، وإلا وقع، لأن صريح الطلاق في حقه كناية، وسيصرح الشارح بمفهوم هذا الشرط بقوله فإذا قصد المكره الخ، وأن لا يظهر منه قرينة اختيار. فإن ظهرت منه وقع عليه الطلاق، وذلك بأن أكرهه شخص على طلاق بثلاث فطلق واحدة أو اثنتين أو على طلقة فطلق اثنتين أو ثلاثا، أو على مطلق طلاق فطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، أو على طلاق إحدى زوجتيه على الإبهام فعين واحدة منهما أو على طلاق معينة فأبهم أو على الطلاق بصيغة من صريح أو كناية أو تنجيز أو تعليق فأتى بضدها ففي جميعها يقع عليه الطلاق لأن مخالفته تشعر باختياره لما أتى به فلا إكراه. فإن قلت: حيث كان يقع في جميع هذه الصور: فما صورة الطلاق الذي لم يقع؟. قلت: صورته أن يكره على أصل الطلاق فيأتي به فقط كأن يقول طلقتها أو يسأله فيقول له: أطلق ثلاثا أو اثنتين فإذا عين له شيئا أتى بما عينه له ولا يتجاوزه،. وإن لم يعين شيئا اقتصر على أصل الطلاق. وقال بعضهم: يشترط أن يسأله ما ذكر (قوله: قدرة المكره) بكسر الراء (قوله: على تحقيق ما هدد به) أي على إيجاد المحذور الذي خوف المكره به: وقوله عاجلا: قيد سيأتي محترزه (قوله: بولاية) أي بسبب ولاية، وهو متعلق بقدرة: أي قدرته عليه بسبب أنه وال. وقوله أو تغلب: أي بسببه كأن تغلب ذو شوكة على بلدة وأكرهه على طلاق زوجته (قوله: وعجز المكره) بفتح الراء، وهو معطوف على قدرة. وقوله: عن دفعه: أي المكره بكسر الراء. وقوله: بقرار الخ، متعلق بدفع: أي عجزه عن أن يدفع المكره - بكسر الراء - الفرار أو الإستغاثة: أي طلب الغوث ممن يخلصه منه: أي ونحو ذلك كالتحصن بحصن يمنعه منه (قوله: وظنه) بالرفع عطف على قدرة: أي وشرط ظنه - أي المكره بفتح الراء، وكذا الضمير في أنه وفي امتنع، والضمير البارز في خوفه. وأما ضمير فعل وضمير خوف المستتر فهو يعود على المكره - بكسر الراء - وضمير به يعود على ما. وفي المغنى: تنبيه: تعييره بالظن يقتضي أنه لا يشترط تحققه وهو الأصح. اه. (قوله: فلا يتحقق العجز) أي دفع المكره بكسر الراء (قوله: بدون اجتماع ذلك كله) أي قدرة المكره على ما هدد به وعجز المكره عن الدفع بكل شئ يمكنه وظنه ما ذكر (قوله: ولا يشترط التورية) أي في عدم وقوع طلاق المكره، فلا يقع وإن لم يور. قال في شرح الروض: والتورية من وريت الخبر تورية أي سترته وأظهرت غيره، مأخوذ من وراء الإنسان: كأنه يجعله وراءه حيث لا يظهر ذكره الجوهري. قال النووي في أذكاره: ومعناها أن تطلق لفظا هو ظاهر في معنى وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ ولكنه خلاف ظاهره. اه (قوله: بأن ينوي غير زوجته) تصوير للتورية: أي كأن يريد بقوله طلقت فاطمة غير زوجته، وعبارة المغني مع الأصل: ولا تشترط بأن كان ينوي بقوله: طلقت زينب مثلا غيرها: أي غير زوجته أو ينوي بالطلاق حل الوثاق. اه (قوله: أو يقول سرا عقبه) أي الطلاق إن شاء الله: أي ويكون قاصدا به التعليق. وفي المغني أيضا: وعبارة الروضة وأصلها أو قال في نفسه إن شاء الله. فإن قيل: لا أثر للتعليق بمشيئة الله تعالى بمجرد النية لا ظاهرا ولا باطنا، بل لا بد من التلفظ به. أجيب: بأن المراد بقوله في نفسه تلفظه بمشيئة الله سرا بحيث لم يسمعه المكره، لا أنه نواه أو إن ما ذكر من اشتراط التلفظ بالتعليق بمشيئة الله تعالى محله في غير المكره. أما هو فيكفي بقلبه - كما نقله الأذرعي عن القاضي حسين عن الأصحاب - وهي فائدة حسنة (قوله: فإذا قصد الخ) مفهوم شرط مطوي، وهو أن لا ينوي إيقاع الطلاق كما تقدم التنبيه عليه آنفا (قوله: كما إذا أكره بحق) أي فإنه يقع عليه وهو محترز قوله بغير حق وكان عليه أن يقول كعادته.

قال مستحق القود طلق زوجتك وإلا قتلتك بقتلك أبي، أو قال رجل لآخر طلقها أو لاقتلنك غدا فطلق فيقع فيهما (ب) - صريح وهو ما لا يحتمل ظاهره غير الطلاق ك (- مشتق طلاق) ولو من عجمي عرف أنه موضوع لحل عصمة ـــــــــــــــــــــــــــــ وخرج بقولي بغير حق ما إذا أكره بحق (قوله: وكأن قال: مستحق القود طلق زوجتك وإلا قتلتك بقتلك أبي) تمثيل للإكراه بحق. قال سم: هذا يدل على أن المراد بالإكراه بحق ما يعم كون المكره به حقا لا خصوص كون نفس الإكراه حقا فإنه ليس له الإكراه على الطلاق وإن استحق قتله. اه. قال في المغني: وصور جمع الإكراه بحق بإكراه القاضي المولي بعد مدة الإيلاء على طلقة واحدة، فإن أكره على الثلاث فتلفظ بها لغا الطلاق لأنه يفسخ بذلك وينعزل به. فإن قيل: المولى لا يؤمر بالطلاق عينا بل به أو بالفيئة، ومثل هذا ليس إكراها يمنع الوقوع. أجيب: بأن الطلاق قد يتعين في بعض صور المولى كما لو آلى وهو غائب فمضت المدة فوكلت بالمطالبة فرفعه وكيلها إلى قاضي البلد الذي فيه الزوج وطالبه، فإن القاضي يأمره بالفيئة باللسان في الحال وبالمسير إليها وبالطلاق، فإن لم يفعل ذلك أجبر على الطلاق عينا. هكذا أجاب به ابن الرفعة وهو إنما يأتي تفريعا على مرجوح، وهو أن القاضي يكره المولي على الفيئة أو الطلاق والأصح أن الحاكم هو الذي يطلق على المولى الممتنع وحينئذ فلا إكراه أصلا حتى يحترز عنه بغير حق. اه. ببعض تصرف (قوله: أو قال رجل لآخر الخ) محترز قوله عاجلا (قوله: فطلق) أي في الصورتين. وقوله فيقع: أي الطلاق. وقوله فيهما: أي في صورة القود، وفي صورة الوعد بالقتل في المستقبل (قوله: بصريح) متعلق بيقع: أي إنما يقع الطلاق بصريح الخ، وهو شروع في بيان الصيغة التي هي أحد أركانه وهي لفظ يدل على فراق إما صريحا وهو ما لا يحتمل ظاهره غير الطلاق وألفاظه خمسة: طلاق، وفراق، وسراح، وخلع، ومفاداة، كما قال ابن رسلان في زبده: صريحه سرحت أو طلقت خالعت أو فاديت أو فارقت وإنما كانت صريحا لاشتهارها في معنى الطلاق وورودها في القرآن مع تكرر بعضها فيه وإلحاق ما لم يتكرر منها بما تكرر. وحكمه أنه لا يحتاج إلى نية إيقاع الطلاق به لأنه لا يحتمل غير الطلاق، فلا يتوقف وقوع الطلاق فيه على نية إيقاعه، بل يقع وإن نوى عدمه. نعم: لا بد من قصد اللفظ مع معناه عند عروض صارف اللفظ عن معناه كنداء من اسم زوجته طالق بقوله لها: يا طالق، فإن كان قاصدا لفظ الطلاق مع معناه وقع الطلاق، وإلا بأن قصد النداء أو أطلق لم يقع. ومثله في ذلك حكاية طلاق الغير وتصوير الفقيه. وإما كناية وهي كل لفظ احتمل ظاهره غير الطلاق، ولا تنحصر ألفاظها. وحكمها أنها تحتاج إلى نية إيقاع الطلاق بها. قال ابن رسلان: وكل لفظ لفراق احتمل فهو كناية بنية حصل (قوله: وهو) أي الصريح في الطلاق. وقوله ما لا الخ: أي لفظ لا يحتمل ظاهره معنى غير الطلاق (قوله: كمشتق طلاق الخ) أي وأما الطلاق وما بعده ففيه تفصيل يشعر به كلامه، وهو أنه إن وقع مفعولا أو فاعلا أو مبتدأ فصريح، وإلا فكناية (قوله: ولو من عجمي) أي ولو صدر مشتق الطلاق من عجمي فإنه يقع طلاقه به. وقوله عرف أنه موضوع الخ: الجملة صفة لعجمي أي عجمي موصوف بكونه عرف أن هذا اللفظ موضوع لحل عصمة النكاح الذي هو معنى الطلاق، وهو قيد لا بد منه. وخرج به ما لو تلفظ به وهو لا يعرف ذلك فإنه لا يقع طلاقه. وعبارة المنهاج مع التحفة: ولو لفظ عجمي به أي الطلاق بالعربية مثلا إذ الحكم يعم كل من تلفظ بغير لغته ولم يعرف معناها لم يقع كمتلفظ بكلمة كفر لا يعرف معناها ويصدق في جهله معناه للقرينة، ومن ثم لو كان مخالطا لأهل تلك اللغة بحيث تقضي العادة بعلمه به لم يصدق ظاهرا ويقع عليه، وقيل إن نوى معناها عند أهلها وقع لأنه قصد لفظ الطلاق لمعناه وردوه بأن المجهول لا يصح

النكاح أو بعده عنها وإن لم يعرف معناه الاصلي، كما أفتى به شيخنا، (وفراق وسراح) لتكررها في القرآن كطلقتك وفارقتك وسرحتك أو زوجتي، وكأنت طالق أو مطلقة، بتشديد اللام، المفتوحة ومفارقة ومسرحة أما مصادرها فكناية كأنت طلاق أو فراق أو سراح. تنبيه: ويشترط ذكر مفعول مع نحو طلقت ومبتدأ مع نحو طالق فلو نوى أحدهما لم يوءثر كما لو قال: طالق ونوى أنت أو امرأتي ونوي لفظ طالق إلا إن سبق ذكرها في سؤال في نحو طلق امرأتك فقال: طلقت بلا مفعول ـــــــــــــــــــــــــــــ قصده. اه (قوله: أو بعده عنها) معطوف على حل عصمة النكاح: أي أو عر ف أن هذا اللفظ موضوع لبعده هو عن زوجته وإن لم يعرف معناه الأصلي: أي حل عصمة النكاح، وإنما اكتفى بمعرفة أن هذا اللفظ موضوع لما ذكر لأنه لازم لمعناه الأصلي، إذ يلزم من حل عصمة النكاح بعده عن زوجته (قوله: وفراق وسراح) معطوفان على طلاق: أي ومشتق فراق وسراح - بفتح السين - ومثله مشتق الخلع والمفاداة، لكن مع ذكر المال أو نيته (قوله: لتكررها) علة الصراحة في المشتقات من هذه المصادر أي وإنما كانت صريحة لتكررها في القرآن كما تقدم (قوله: كطلقتك الخ) مثله ما لو قال: طلقك الله فهو من الصريح، وذلك لأن ما استقل به الشخص كالطلاق والابراء والعتق إذا أسند إلى الله تعالى كان صريحا لقوته بالاستقلال، وما لا يستقل به الشخص كالبيع والإقالة إذا أسند إلى الله تعالى كان كناية. وقد نظم ذلك بعضهم بقوله: ما فيه الإستقلال بالإنشاء وكان مسندا لذي الآلاء فهو صريح ضده كناية فكن لذا الضابط ذا دراية (قوله: أو زوجتي) أي أو يقول طلقت أو فارقت أو سرحت زوجتي فيأتي بالإسم الظاهر بدل ضمير المخاطبة (قوله: وكأنت طالق أو مطلقة) أشار بتعداد الأمثلة إلى أنه لا فرق في المشتق بين أن يكون فعلا أو اسم فاعل أو اسم مفعول. وقوله بتشديد اللام المفتوحة: احترز به عن مطلقة بسكون الطاء وتخفيف اللام المفتوحة أو المكسورة فإنه كناية وإن كان الزوج نحويا وليس بصريح (قوله: ومفارقة ومسرحة) أي أو أنت مفارقة أو مسرحة ويقرآن بصيغة اسم مفعول مع تشديد راء الثانية أما بصيغة اسم الفاعل فكناية (قوله: أما مصادرها) هذا محترز قوله مشتق بالنسبة لجميع الألفاظ: أي ما مصادر هذه المشتقات فهي كناية لكن حيث وقعت خبرا كما يدل عليه أمثلته بخلاف ما إذا وقعت مبتدأ فإنها صرائح غالبا. ومثله ما لو وقعت مفعولا أو فاعلا، وذلك كأن قال الطلاق لازم علي أو واجب علي، فإن قال: فرض علي كان كناية والفرق أن الفرض قد يراد به المقدر فتطرق إليه الإحتمال فاحتاج إلى النية للتعيين، بخلاف اللزوم والوجوب فإن معناهما الثبوت لا غير. ولو قال: علي الطلاق فهو صريح أيضا، خلافا لبعضهم وكأن قال أوقعت عليك الطلاق أو يلزمني الطلاق (قوله: ويشترط ذكر مفعول الخ) أي ضمير أو اسم ظاهر. وقوله ومبتدأ مع نحو طالق: أي وذكر مبتدأ مع ذلك، سواء كان بلفظ الضمير كأنت أو بالاسم الظاهر. كزوجتي أو امرأتي (قوله: فلو نوي أحدهما) أي المفعول أو المبتدأ. وقوله لم يؤثر: فلا يقع به الطلاق (قوله: كما لو قال طالق الخ) إن أراد التمثيل لحذف المبتدأ أشكل عليه قوله: أو امرأتي الخ فإنه فيه حذف الخبر لا المبتدأ وإن أراد التنظير أشكل عليه المثال الأول فإنه لا يصلح له: إذ هو عين ما قبله، فكان الأولى له أن يقول كما لو قال أنت أو امرأتي ونوى لفظ طالق. والمراد كما لو ذكر المبتدأ وحذف الخبر فإنه لا يؤثر عليه (قوله: إلا إن سبق ذكرها) أي لم يؤثر إلا إن سبق ذكر زوجته في سؤال: أي ونحوه والمراد إلا إن دل دليل على المحذوف: أي فإنه يؤثر (قوله: في نحو طلق امرأتك) لو حذف لفظ في لكان أولى ومثله أطلقت زوجتك إلا أن الفعل بعده يكون كناية - كما سيصرح به - بخلافه بعد طلق أو طلقي نفسك فإنك صريح، والفرق - كما في التحفة - أنه بعدهما امتثال لما سبقه الصريح في الإلزام، فلا احتمال فيه، بخلافه بعده فإنه وقع جوابا لما لا إلزام فيه فكان كناية ومثل لما يدل على المفعول ولم يمثل لما يدل على المبتدأ أو الخبر والأول: كأن تقول له أنا طالق فقال لها: طالق، والثاني كأن يقول نساء المؤمنين

أو فوض إليها بطلقي نفسك فقالت: طلقت ولم تقل: نفسي فيقع فيهما (وترجمته) أي مشتق ما ذكر بالعجمية فترجمة الطلاق صريح على المذهب وترجمة صاحبيه صريح أيضا على المعتمد، ونقل الاذرعي عن جمع الجزم به (و) منه (أعطيت) أو قلت (طلاقك وأوقعت) أو ألقيت أو وضعت (عليك الطلاق) أو طلاقي ويا طالق ويا مطلقة - بتشديد اللام - لا أنت طلاق ولك الطلاق بل هما كنايتان: كإن فعلت كذا ففيه طلاقك أو فهو طلاقك - فيما استظهر شيخنا - لان المصدر لا يستعمل في العين إلا توسعا، ولا يضر الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى كالخطإ في الاعراب. فروع: لو قالت له طلقني فقال: هي مطلقة فلا يقبل إرادة غيرها لان تقدم سؤالها يصرف اللفظ إليها، ومن ـــــــــــــــــــــــــــــ طوالق، وأنت يا زوجتي التقدير طالق (قوله: أو فوض إليها) أي فوض الطلاق إليها والتفويض هو تمليكها الطلاق، ويشترط لوقوع الطلاق تطليقها فورا - كما سيصرح به - وقوله بطلقي نفسك: أي بقوله لها طلقي نفسك (قوله: فيقع) أي الطلاق. وقوله فيهما: أي في الصورتين صورة ما إذا سبق ذكرها وصورة التفويض (قوله: وترجمته) بالجر عطف على مشتق طلاق: أي وكترجمته. وقوله: أي مشتق بيان للضمير. وقوله ما ذكر: أي من الطلاق وما بعده. وقوله بالعجمية: متعلق بترجمته - أو كترجمته بالعجمية وهي ما عدا العربية من سائر اللغات (قوله: فترجمة الطلاق صريح) أي لشهرة استعمالها عندهم في معناها شهرة العربية عند أهلها، ولا ينافي تأثير الشهرة هنا عدمه في أنت علي حرام لأن ما هنا موضوع للطلاق بخصوصه بخلاف ذاك، وإن اشتهر فيه. وفي البجيرمي: وترجمة الطلاق بالعجمية: سن بوش فسن أنت، وبوش طالق. اه. وقوله على المذهب: قال في المغنى: والطريق الثاني وجهان: أحدهما أنه كناية اقتصارا في الصريح على العربي لوروده في القرآن وتكره على لسان حملة الشرع. اه (قوله: وترجمة صاحبيه) أي الفراق والسراح. وقوله صريح أيضا على المعتمد: قال في التحفة بعده على ما اقتضاه ظاهر أصله، واعتمده الأذرعي، ونقل عن جمع الجزم به، لكن الذي في أصل الروضة عن الإمام والروياني وأقراه أنها كناية لبعدها عن الاستعمال. اه. وظاهرها اعتماد أنها كناية وجزم بها في شرح الإرشاد فقال أما ترجمة السراح والفراق فكناية، خلافا للحاوي كما صححه في أصل الروضة وإن أطال جمع في رده. اه. وجزم بها في النهاية أيضا، فعلم أن قوله على المعتمد هو جار فيه - على ما اقتضاه ظاهر أصل المنهاج - وهو المحرر، وعلى ما اعتمده الأذرعي. وقد علمت أن المعتمد خلافه (قوله: الجزم به) أي بهذا المعتمد، وهو ضعيف كما علمت (قوله: ومنه أعطيت) أي ومن الصريح أعطيت الخ (قوله: ويا طالق) فيه تفصيل مضى (قوله: ويا مطلقة بتشديد اللام) أي المفتوحة وقد علمت أنه احترز به عن مطلقة بتخفيف اللام مع سكون الطاء فإنه كناية (قوله: لا أنت طلاق ولك الطلاق) أي ليس من الصريح قوله: أنت طلاق ولك الطلاق (قوله: بل هما) أي أنت طلاق ولك الطلاق كنايتان (قوله: كإن فعلت كذا) أي كدخول الدار، والكاف للتنظير. وقوله ففيه: أي ففي فعلك طلاقك، وهنا وقع المصدر مبتدأ وهو كناية فهو من غير الغالب (قوله: لأن المصدر الخ) علة للكناية في جميع المثل. وقوله: لا يستعمل في العين: أي على وجه الإخبار، أما على غيره فيستعمل فيها كأوقعت عليك الطلاق - كما تقدم - وقوله إلا توسعا: أي بضرب من التجوز كتأويل المصدر باسم الفاعل أو اسم المفعول كما هنا، وكتقدير مضاف وككونه على المبالغة، ففيه الأوجه الثلاثة الجارية في نحو زيد عدل: أي عادل أو ذو عدل أو هو نفس العدل مبالغة (قوله: ولا يضر الخطأ في الصيغة) منه قوله: أنت طوالق. وقوله مخاطبا لزوجته: أنتم أو أنتن طالق. وقوله: إذا لم يخل بالمعنى: أي فإن أخل بالمعنى كأن قال: أنت طالب أو طالع مثلا ضر (قوله: كالخطأ في الإعراب) أي فإنه لا يضر، كما لو قال: أنت طالقا بالنصب (قوله: فروع) أي خمسة (قوله: لو قالت له طلقني فقال هي مطلقة) هذا من أفراد الخطأ في الصيغة - كما يفهم من التحفة -: إذ المقام للخطاب فعدوله إلى الغيبة من غير نكتة خطأ (قوله: فلا يقبل الخ) أي لو ادعى أنه أراد غير زوجته المخاطبة لا يقبل، وذلك لأن تقدم طلبها يصرف لفظ الطلاق إليها (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن

ثم لو لم يتقدم لها ذكر رجع لنيته في نحو أنت طالق وهي غائبة أو هي طالق وهي حاضرة. قال البغوي: ولو قال ما كدت أن أطلقك كان إقرارا بالطلاق انتهى. ولو قال لوليها زوجها فمقر بالطلاق، قال المزجد: لو قال: هذه زوجة فلان حكم بارتفاع نكاحه وأفتى ابن الصلاح فيما لو قال رجل: إن غبت عنها سنة فما أنا لها بزوج بأنه إقرار في الظاهر بزوال الزوجية بعد غيبته السنة فلها بعدها ثم بعد انقضاء عدتها تزوج لغيره. ولو قال لآخر: أطلقت زوجتك ملتمسا الانشاء؟ فقال: نعم أو إي وقع وكان صريحا، فإذا قال: طلقت فقط كان كناية لان نعم متعينة للجواب، وطلقت مستقلة، فاحتملت الجواب والابتداء. أما إذا قال له ذلك ـــــــــــــــــــــــــــــ نقدم السؤال يصرف اللفظ إليها لو لم يتقدم شئ احتيج إلى نيته (قوله: في نحو الخ) لو قال كما في نحو الخ لكان أولى (قوله: قال البغوي إلخ) اعلم أن الأصح في أفعال المقاربة أن إثباتها إثبات ونفيها نفي كبقية الأفعال. فإذا قلت: كاد زيد أن يقوم كان المعنى قرب زيد من القيام، أو قلت ما كاد زيد أن يقوم كان المعنى لم يقرب زيد من القيام، وعلى كل فالقيام منتف. وقيل إن إثباتها نفي ونفيها إثبات، فإذا قلت: كاد زيد أن يفعل كان المعنى أنه لم يفعل وعليه قوله تعالى: * (يكاد زيتها يضئ) * أي أنه لم يضئ، ومعنى ما كاد زيد أن يفعل أنه فعل: أي لم يقتصر على مقاربة الفعل، بل فعل، وعليه قوله تعالى: * (فذبحوها وما كادوا يفعلون) * أي أنهم فعلوا بدليل فذبحوها وإلا تناقض، وعلى هذا جرى البغوي والعراقي فقالا: لو قال: ما كدت أن أطلقك يكون إقرارا بالطلاق وهو باطل - كما في النهاية عن الأشموني ولفظها - وقول البغوي: لو قال ما كدت أن أطلقك كان إقرارا بالطلاق نظر فيه الغزي بأن النفي الداخل على كاد لا يثبته على الأصح، إلا أن يقال: وآخذناه للعرف. قال الأشموني: المعنى ما قاربت أن أطلقك وإذا لم يقارب طلاقها كيف يكون مقرا به، وإنما يكون إقرارا بالطلاق على قول من يقول إن نفيها إثبات وهو باطل. اه (قوله: ولو قال) أي الزوج وقوله لوليها: أي زوجته. وقوله زوجها: بصيغة الأمر. وقوله فمقر بالطلاق أي فهو مقر بالطلاق: أي وبانقضاء العدة كما هو ظاهر. ومحله إن لم تكذبه وإلا لزمتها العدة مؤاخذة لها بإقرارها اه. تحفة (قوله: قال المزجد المخ) تأييد لما قبله (قوله: لو قال) أي الزوج. وقوله هذه: أي مشيرا لزوجته زوجة فلان. وقوله حكم بارتفاع نكاحه: أي لأن قوله المذكور إقرار بالطلاق - كما في المسألة التي قبله (قوله: إن غبت عنها) أي عن الزوجة (قوله: فما أنا لها بزوج) أي أنا لست لها بزوج (قوله: بأنه إقرار) متعلق بأفتى. وقوله: بزوال الزوجية الخ. قال ع ش: قد يقال تعريف الإقرار بأنه إخبار بحق سابق لغيره لم ينطبق على ما ذكر لأنه حين الإخبار لم تكن الغيبة وجدت حتى يكون ذلك إخبارا عن الطلاق بعدها، فكان الأقرب أنه كناية - كما قدمناه عن حجر - في نحو إن فعلت كذا فلست لي بزوجة. اه. وكتب الرشيدي قوله بأنه إقرار لا يخفى أن هذا بالنظر للظاهر، وانظر ما الحكم في الباطن إذا قصد به إنشاء التعليق؟ اه (قوله: فلها) أي الزوجة. وقوله بعدها: أي السنة. وقوله: ثم بعد انقضاء عدتها: أي ثم بعد السنة يعتبر انقضاء عدتها (قوله: تزوج) مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله وهو فلها. وقوله لغيره: أي غير زوجها (قوله: فوائد) أي تتعلق بالطلاق (قوله: ولو قال) أي أجنبي لآخر: أي زوج (قوله: أطلقت زوجتك) مقول القول (قوله: ملتمسا الإنشاء) حال من فاعل قال: أي قال ذلك حال كونه ملتمسا من الزوج أي طالبا منه إنشاء الطلاق وإحداثه لأنه استفهام، واستعمال الإستفهام في الطلب تجوز لا حقيقة - كما هو ظاهر - (قوله: فقال) أي الزوج مجيبا له نعم أو إي - بكسر الهمزة وسكون الياء: أي أو جير. وقوله وقع: أي الطلاق. وقوله وكان صريحا: أي في إيقاع الطلاق، وذلك لأن كلمة الجواب قائمة مقام طلقتها، وهو صريح فما قام مقامه مثله (قوله: فإذا قال: طلقت) أي بدل قوله نعم. وقوله كان كناية: أي على الأوجه عند ابن حجر. قال سم: وفي شرح الروض أيضا وفي النهاية الأصح أنه صريح. اه (قوله: لأن نعم الخ) بيان للفرق بين نعم - حيث أنها من الصرائح - وطلقت - حيث أنها من الكنايات (قوله: فاحتملت الجواب) وعليه يقع الطلاق. وقوله والابتداء:

_ (1) سورة النور، الاية: 35. (2) سورة البقرة، الاية: 71.

مستخبرا فأجاب بنعم فإقرار بالطلاق ويقع عليه ظاهرا إن كذب ويدين وكذا لو جهل حال السؤال. فإن قال: أردت طلاقا ماضيا وراجعت صدق بيمينه لاحتماله، ولو قيل: لمطلق أطلقت زوجتك ثلاثا؟ فقال طلقت وأراد واحدة صدق بيمينه لان طلقت محتمل للجواب والابتداء، ومن ثم لو قالت: طلقني ثلاثا فقال طلقتك ولم ينو عددا فواحدة ولو قال لام زوجته: ابنتك طالق وقال: أردت بنتها الاخرى صدق بيمنه، كما لو قال لزوجته: وأجنبية إحداكما طالق وقال: قصدت الاجنبية لتردد اللفظ بينهما فصحت إرادتها - بخلاف ما لو قال: زينب ـــــــــــــــــــــــــــــ وعليه لا يقع، فلما تطرق إليه الإحتمال اندرج في سلك الكناية فاحتاج إلى النية (قوله: أما إذا قال) أي الأجنبي. وقوله له: أي للزوج. وقوله ذلك: أي أطلقت زوجتك. وقوله مستخبرا: أي حال كونه مستخبرا: أي مستفهما أنه وقع منه طلاق أم لا. وقوله فأجاب: أي الزوج بنعم. وقوله فإقرار بالطلاق: أي لأنه صريح إقرار (قوله: ويقع) أي الطلاق عليه. وقوله ظاهرا: أما باطنا فلا يقع. وقوله إن كذب: أي في إقراره بقوله: نعم (قوله: ويدين) أي يعمل بدينه باطنا. وفي البجيرمي: التديين لغة أن يوكل إلى دينه، واصطلاحا عدم الوقوع فيما بينه وبين الله أن كان صادقا على الوجه الذي أراده. اه (قوله: وكذا إلخ) أي وكذا يقع عليه الطلاق ظاهرا لو جهل الزوج حال السؤال: أي هل أراد السائل به التماس الإنشاء أو الاستخبار. وفي سم ما نصه: فرع: لو قصد السائل بقوله: أطلقت زوجتك الإنشاء فظنه الزوج مستخبرا، وبالعكس فينبغي اعتبار ظن الزوج وقبول دعواه ظن ذلك. اه (قوله: فإن قال) أي في صورة الإقرار. وقوله أردت: أي بقولي نعم طلاقا سابقا وقد راجعت الآن (قوله: صدق بيمينه) جواب إن (قوله: لإحتماله) أي ما يدعيه (قوله: ولو قيل لمطلق أطلقت زوجتك ثلاثا) أي وكان القائل ملتمسا الإنشاء أو مستخبرا كالذي قبله والفرق بينهما بالتقييد بثلاثا في هذه دون تلك (قوله: فقال) أي الزوج طلقت. وقوله وأراد واحدة: أي قال إني أردت طلقة واحدة: أي منشأة أو إقرارا (قوله: صدق بيمينه) أي في أنه طلق طلقة واحدة (قوله: لأن طلقت محتمل للجواب) وعليه يقع الطلاق ثلاثا تنزيلا للجواب على السؤال. وقوله والابتداء: وعليه لا يقع شئ أصلا ولما احتمل ما ذكر صار كناية في الطلاق، وفي العدد أيضا. فإذا نوى طلقة واحدة وقعت لا غير ويصدق في ذلك بيمينه (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل احتمال ما ذكر الجواب والابتداء (قوله: لو قالت) أي لزوجها. وقوله فقال: أي الزوج. وقوله ولم ينو عددا: أي لا واحدة ولا أكثر (قوله: فواحدة) أي فتقع طلقة واحدة وذلك لاحتمال قوله لها: طلقتك الجواب والابتداء ولا يتعين للجواب وإلا وقع ثلاثا لا غير، ولا يقال هنا لما احتمل ما ذكر صار كناية في الطلاق لأنه صريح فيه مطلقا - سواء نوى به الجواب أو الابتداء - وإنما يقال فيه لما احتمل الابتداء لم يختص بعدد، فهو بحسب النية إن نوى شيئا تعين وإن لم ينو شيئا يحمل على أقل المراتب وهو طلقة واحدة ونصه: ولو قالت طلقني ثلاثا فقال: طلقتك ولم ينو عددا فواحدة، وفيه نظر. قال في شرحه: لأن الجواب منزل على السؤال فينبغي وقوع ثلاث - كما مر - فيما لو قال طلقي نفسك ثلاثا فقالت بلا نية طلقت، وقد يجاب عنه بأن السائل في تلك مالك للطلاق بخلافه في ذلك. اه (قوله: ولو قال) أي الزوج. وقوله ابنتك طالق: مقول القول (قوله: وقال) أي الزوج وقوله أردت بنتها الأخرى: أي التي هي ليست زوجته، فإن لم يقل ذلك لا يصدق فتطلق عليه زوجته (قوله: صدق بيمينه) أي فلا تطلب عليه زوجته وذلك لصلاحية اللفظ لهما. واستشكل ذلك بما لو أوصى بطبل من طبوله فإنه ينصرف للصحيح. وأجيب بأنهما على حد واحد لأن ذاك حيث لا نية له وهنا إذا لم تكن له نية ينصرف لزوجته (قوله: كما لو قال لزوجته إلخ) الكاف للتنظير. أي نظير ما لو قال: لزوجته وأجنبية إحداكما طالق: أي فإن يصدق بيمينه ولا تطلق عليه زوجته (قوله: وقال قصدت الأجنبية) فإن لم يقل ذلك طلقت عليه زوجته كالذي قبله قال في التحفة: نعم إن كانت الأجنبية مطلقة منه أو من غيره لم ينصرف لزوجته على ما بحثه الإسنوي لصدق اللفظ عليهما صدقا واحدا مع أصل بقاء الزوجية. اه (قوله: لتردد اللفظ الخ) علة لتصديقه بيمينه فيما لو قال لزوجته وأجنبية ما ذكر: أي وإنما صدق بيمينه لتردد اللفظ وهو إحداكما

طالق واسم زوجته زينب وقصد أجنبية اسمها زينب فلا يقبل قوله ظاهرا بل يدين ولو قال عامي أعطيت تلاق فلانة بالتاء أو طلاكها - بالكاف - أو دلاقها - بالدال - وقع به الطلاق وكان صريحا في حقه إن لم يطاوعه لسانه إلا على هذا اللفظ المبدل أو كان ممن لغته كذلك - كما صرح به الجلال البلقيني - واعتمده جمع متأخرون، وأفتى به جمع من مشايخنا، وإلا فهو كناية لان ذلك الابدال له أصل في اللغة (و) يقع (بكناية) وهي ـــــــــــــــــــــــــــــ بين زوجته والأجنبية فصحت إرادتها: أي الأجنبية. وفي بعض النسخ إرادته - بضمير المذكر - وعليه يكون الضمير عائدا على الزوج، ومتعلق إرادة محذوفا: أي إرادته للأجنبية. ويصح على هذا أيضا أن تكون العلة للمسألتين المنظرة، والمنظر بها إلا أنه يجعل المتعلق شيئين الأجنبية وبنت أم زوجته (قوله: بخلاف ما لو قال) أي ابتداء وبعد سؤال طلاق. وقوله زينب طالق: أي ولم يرفع في نسبها ما تتميز به. اه. مغني (قوله: وقصد أجنبية) أي وقال لم أقصد زوجتي، بل قال قصدت أجنبية اسمها زينب (قوله: فلا يقبل قوله) أي الزوج في إرادته الأجنبية، وذلك لأنه خلاف المتبادر (قوله: بل يدين) أي فيما بينه وبين الله تعالى لإحتماله وإن بعد قال في التحفة بعده: إذ الاسم العلم لا اشتراك ولا تناول فيه وضعا، فالطلاق مع ذلك لا يتبادر إلا إلى الزوجة، بخلاف إحداكما فإنه يتناول الأجنبية كما يتناول الزوجة وضعا تناولا واحدا فأثرت فيه نية الأجنبية. اه. بتصرف (قوله: مهمة) أي في بيان ما لو أبدل حرفا من لفظ الطلاق بآخر (قوله: ولو قال عامي إلخ) خرج به الفقيه، فما ذكره كناية فيه مطلقا سواء كان ت لغته كذلك أم لا. وقوله أعطيت تلاق الخ: في سم (فرع) لو قال: أنت دالق بالدال فيمكن أن يأتي فيه ما يأتي في تالق بالتاء لأن الدال والطاء أيضا متقاربان في الإبدال، إلا أن هذا اللفظ لم يشتهر في الألسنة كاشتهار تالق، فلا يمكن أن يأتي فيه القول بالوقوع مع فقد النية. اه (قوله: وقع به) أي باللفظ المذكور بالطلاق (قوله: وكان) أي اللفظ المذكور. وقوله صريحا في حقه: أي العامي. وأطلق م ر أنه كناية، وقال: بناء على أن الاشتار لا يلحق غير الصريح به بل كان القياس عدم الوقوع. ولو نوى لإختلاف مادتهما: إذ التلاق من التلاقي، والطلاق الافتراق. اه (قوله: إن لم يطاوعه لسانه الخ) قيد في صراحة هذا اللفظ. وقوله: إلا على هذا اللفظ المبدل: أي الحرف المبدل عن غيره كالتاء في المثال الأول بدل الطاء (قوله: وإلا) أي بأن طاوعه لسانه على الصواب ولم يكن ممن لغته كذلك فهو كناية (قوله: لأن ذلك الإبدال له أصل في اللغة) علة لوقوع الطلاق باللفظ المبدل مطلقا صريحا كان أو كناية وإن كان المتبادر من صنيعه أنه راجع لما بعد وإلا. وفي التحفة بعد التعليل المذكور ما نصه: يؤيده إفتاء بعضهم فيمن حلف لا يأكل البيظ - بالظاء المشالة - بأنه يحنث بنحو بيض الدجاج إن كان من قوم ينطقون بالمشالة في هذا أو نحوه. اه. وفي سم ما نصه في فتاوى السيوطي بسط كبير فيمن قال لزوجته: أنت تالق ناويا به الطلاق هل يقع به طلاق؟ قال: فأجبت الذي عندي أنه إن نوى به الطلاق وقع سواء كان عاميا أو فقهيا ولا يقال: إنه بمنزلة ما لو قال: أنت تالق فإنه لا يقع به شئ لأن حرف التاء قريب من مخرج الطاء ويبدل كل منهما من الآخر في كثير من الألفاظ فأبدلت التاء طاء في قولهم طرت يده وترت: أي سقطت وضرب يده بالسيف فأطرها وأترها: أي قطعها وأبدلت التاء طاء في نحو مصطفى ومضطر، ثم أيد الوقوع من المنقول بمسألة ما إذا اشتهر اللفظ للطلاق كالحلال علي قال: ولا يظن أحد اختصاصه بلفظ الحلال على حرام ونحوه فإنما ذكر هذه على سبيل التمثيل. فالضابط لفظ يشتهر في بلد أو فريق استعماله في الطلاق، وهذا اللفظ اشتهر في ألسنة العوام استعماله فيه فهو كناية في حقهم عند النووي وصريح عند الرافعي، وأما في حق غيرهم من الفقهاء. وعوام بلد لم يشتهر عندهم ذلك في لسانهم فكناية، ولا يأتي. قوله بأنه صريح قال: وأما من قال: إن تالقا من التلاق - وهو معنى غير الطلاق - فكلامه أشد سقوطا من أن يتعرض لرده، فإن التلاق لا يبنى منه وصف على فاعل. اه. وقوله: وأما من قال الخ يرد كلام م ر السابق (قوله: ويقع بكناية) أصل المتن وبكناية، فهو معطوف على قوله: سابقا بصريح وهو مقابل له وتقدير الشارح لفظ يقع حل معنى لا إعراب لأن متعلقه مذكور وهو يقع أول الفصل والكناية في اللغة الخفاء والإيماء إلى الشئ من غير تصريح به، فلما كانت الألفاظ

ما يحتمل الطلاق وغيره إن كانت (مع نية) لايقاع الطلاق (مقترنة بأولها) أي الكناية وتعبيري بمقترنة بأولها هو ما رجحه كثيرون، واعتمده الاسنوي والشيخ زكريا تبعا لجمع محققين ورجح في أصل الروضة الاكتفاء بالمقارنة لبعض اللفظ ولو لآخره وهي (كأنت علي حرام) أو حرمتك أو حلال الله علي حرام ولو تعارفوه طلاقا - خلافا للرافعي - ولو نوى تحريم عينها أو نحو فرجها أو وطئها لم تحرم، وعليه مثل كفارة يمين وإن لم يطأ. ولو قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الآتية فيها خفاء وإيماء إلى الطلاق من غير تصريح به سميت كناية (قوله: وهي ما يحتمل الطلاق وغيره) أي الكناية لفظ يحتمل الطلاق، ويحتمل غير الطلاق، لكن احتماله للأول أقرب. وفي ترغيب المشتاق ضابط الكناية أن يكون للفظ إشعار قريب بالفرقة ولم يسمع استعماله فيه شرعا. اه. وذلك كقوله: أنت برية فإنه يحتمل الطلاق لكون المراد برية من الزوج ويحتمل غير الطلاق لكون المراد برية من الدين أو من العيوب وهكذا. وخرج بذلك ما لا يحتمل ما ذكر نحو قومي واقعدي وأطعميني واسقيني وزوديني وما أشبه ذلك فلا يقع به طلاق وإن نواه لأن اللفظ لا يصلح له (قوله: إن كانت مع نية الخ) قيد في وقوع الطلاق بالكناية: أي يقع الطلاق بالكناية إن كانت مع نية لإيقاع الطلاق زاد في التحفة: ومع قصد حروفه أيضا، ثم قال: فإن لم ينو ذلك لم يقع إجماعا سواء الكناية الظاهرة، وهي المقترن بها قرينة كأنت بائن بينونة محرمة لا تحلين لي أبدا - وغيرها - كلست لي بزوجة إلا إن وقع في جواب دعوى فإنه إقرار. وقد يؤخد من ذلك ما بحثه ابن الرفعة أن السكران لا ينفذ طلاقه بها لتوقفه على النية وهي مستحيلة منه، فمحل نفوذ تصرفه السابق إنما هو بالصرائح فقط، ولك أن تقول شرط الصريح أيضا قصد لفظه مطلقا أو لمعناه كما تقرر والسكران يستحيل عليه قصد ذلك أيضا، فكما أوقعوه به ولم ينظروا لذلك فكذا هي. اه. بتصرف. وكتب سم قوله: قصد لفظه الخ. قد يقال: المراد بهذا الشرط عدم الصارف لا حقيقة القصد، فلا دليل فيه لما ذكره، ولا وجه للإيقاع عليه بالكناية ما لم يقر بأنه نوى، وهو مراد ابن الرفعة. اه. (قوله: مقترنة بأولها) أي وإن عزبت في آخرها استصحابا لحكمها في باقيها. وخرج بقوله: أولها آخرها فلا يكفي اقتران النية به لأن انعطافها على ما مضى بعيد (قوله: ورجح في أصل الروضة الخ) ورجح في المنهاج اشتراط الإقتران بكل اللفظ. وعبارته: وشرط نية الكناية اقترانها بكل اللفظ. قال في المغني: فلو قارنت أوله وعزبت قبل آخره لم يقع طلاق. اه. فتحصل أن الأقوال ثلاثة، وقد صرح بها كلها في فتح الجواد مع الأصل وعبارتهما: وشرط تأثير الكناية أن يكون لفظها مصحوبا بنية للطلاق إجماعا، وأن تكون النية قد قارنت أوله. وفي المنهاج جميعه. وفي أصل الروضة تكفي مقارنتها ولو لآخره، وصحح كلا جماعة - كما بينته في الأصل - مع بيان أن الأخير هو الأوجه. وتعليل الأول بأن انعطافها على ما مضى بعيد، بخلاف استصحاب ما وجد يجاب عنه بأن هذا إنما ينظر إليه في العبادات، وأما غيرها فالقصد صون اللفظ عن نحو الهذيان، وصونه يحصل باقتران النية بجزء من أجزائه فليس هنا انعطاف يستبعد وأن الأوجه أيضا أن اللفظ المختلف في الإقتران به هو جميع أنت بائن مثلا لا بائن فقط. اه. (قوله: وهي) أي الكناية (قوله: كأنت الخ) أتى بالكاف لأن كنايات الطلاق لا تنحصر فيما ذكر، بل هي كثيرة والضابط فيها كل لفظ أشعر بالفرقة إشعارا قريبا ولم يسمع استعماله فيه شرعا ولا عرفا، ثم إن الشارح أتى في جميع هذه الكنايات بالمعنى الموقع للطلاق وترك الاحتمال الآخر لأن الأول هو المقصود (قوله: أو حرمتك) جملة فعلية، ويقرأ الفعل بتشديد الراء المفتوحة (قوله: ولو تعارفوه طلاقا) أي أن ما ذكر من قوله أنت علي حرام وما بعده كناية وإن اشتهر عندهم في الطلاق، وذلك لأن التحريم قد يكون بغير الطلاق. وقوله خلافا للرافعي: أي حيث قال أنه صريح في الطلاق إن اشتهر. وعبارة المنهاج: ولو اشتهر لفظ للطلاق كالحلال أو حلال الله علي حرام فصريح في الأصح. قلت: الأصح انه كناية والله أعلم. قال في التحفة: أي لأنه لم يتكرر في القرآن للطلاق ولا على لسان حملة الشريعة. اه. (قوله: ولو نوى تحريم عينها) أي نوى بقوله: أنت علي حرام وما بعده تحريم عينها أو فرجها أو وطئها أي أو رأسها أو رجلها ولم ينو به الطلاق (قوله: لم تحرم) أي لما روى النسائي أن ابن عباس سأله من قال ذلك فقال كذبت: أي ليست زوجتك عليك بحرام ثم تلا أول سورة التحريم. اه. تحفة (قوله: وعليه مثل كفارة يمين) أي وعلى من قال: أنت علي حرام ونوى تحريم عينها أو وطئها، أو نحو ذلك مثل

هذا الثوب أو الطعام حرام علي فلغو لا شئ فيه (و) أنت (خلية) أي من الزوج فعيلة بمعنى فاعلة أو بريئة منه (وبائن) أي مفارقة، (و) كأنت (حرة) ومطلقة بتخفيف اللام أو أطلقتك، (و) أنت (كأمي) أو بنتي أو أختي (و) ك (- بنتي) لممكنة كونها بنته باحتمال السن وإن كانت معلومة النسب، (و) ك (- أعتقتك وتركتك) وقطعت ـــــــــــــــــــــــــــــ كفارة اليمين حالا وإن لم يطأها بعد ذلك: كما لو قاله لأمته أخذا من قصة مارية رضي الله عنها النازل فيها قوله تعالى: * (يا أيها النبي لم تحرم) * الآية على الأشهر عند أهل التفسير كما قاله البيهقي، روى النسائي عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمة يطؤها أي وهي مارية أم ولده إبراهيم فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه فأنزل الله تعالى: * (لم تحرم ما أحل الله لك قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) * أي أوجب عليكم كفارة كالكفارة التي تجب في الإيمان. وقال البيضاوي: تحلة أيمانكم أي تحليلها وهو حل ما عقدته بالكفارة الخ، وإنما قال: وعليه مثل الخ، لأن هذا اللفظ ليس يمينا إذ اليمين ما كانت بأسماء الله وصفاته ومحل وجوبها في غير نحو رجعية ومعتدة ومحرمة كأخته المملوكة له، وذلك لصدقه في وصفهن بالتحريم (قوله: ولو قال: هذا الثوب أو الطعام) أي أو نحوهما من كل ما ليس ببضع. وقوله: فلغو لا شئ فيه أي لا كفارة فيه ولا غيرها. وعبارة الروض وشرحه: ولو حرم الشخص غير الأبضاع كأنه قال: هذا الثوب أو الطعام أو العبد حرام علي فلا كفارة عليه. بخلاف الأبضاع لاختصاصها بالإحتياط ولشدة قبولها التحريم بدليل تأثير الظهار فيها دون الأموال وكالأموال - فيما يظهر - قول الشخص: لغير زوجة ولا أمة له أنت حرام علي. اه. وفي المعنى لو حرم كل ما يملك وله نساء وإماء لزمته الكفارة - كما علم مما مر - ويكفيه كفارة واحدة، كما لو حلف لا يكلم جماعة وكلمهم. اه (قوله: وأنت خلية أي من الزوج) ويحتمل خلية من المال أو من العيال فإذا قصد الطلاق وقع وإلا فلا. وقوله أو بريئة منه: أي الزوج ويحتمل من الدين أو العيوب فلا يقع إلا إن قصده (قوله: وبائن) هو اللغة الفصحى والقليل بائنة. وقوله أي مفارقة. بيان للمعنى المقصود هنا وهو بصيغة اسم المفعول من الفراق. ويحتمل أنه من البين وهو البعد لبعد مكانها عنه فلا يقع به الطلاق إلا إن قصده (قوله: وكأنت حرة) إنما كان كناية لصلاحيته للمراد وهو زوال ملكه عنها الذي هو الانتفاع بالبضع، ولغير المراد وهو زوال الملك عنها بالعتق مثلا. فإذا قصد المعنى الأول الذي هو معنى الطلاق وقع وإلا فلا (قوله: ومطلقة بتخفيف اللام) أي المفتوحة أو المكسورة. وقوله أو أطلقتك: إنما كان مع الذي قبله من الكناية لاحتمالهما الإطلاق من الوثاق والإطلاق من عصمة النكاح، فإذا قصد المعنى الثاني وقع وإلا فلا (قوله: وأنت كأمي أو بنتي أو أختي) أي في العطف والحنو أو في التحريم: أي أنت محرمة علي لأني طلقتك كتحريم أمي الخ، فإذا قصد إيقاع الطلاق وقع وإلا فلا (قوله: وكيا بنتي الخ) قال في: شرح الروض: وإنما لم يكن صريحا لأنه إنما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة. اه. وقوله: لممكنة كونها بنته: أي قال: يا بنتي لزوجة ممكنة كونها بنته. وقوله باحتمال السن: أي بأن يمكن أن مثله يولد له مثلها. وقوله وإن كانت معلومة النسب: أي من غيره وهو غاية، لكون يا بنتي من ألفاظ الكناية (قوله: وكأعتقتك). اعلم أن كل لفظ صريح أو كناية في الإعتاق كناية في الطلاق وكل لفظ للطلاق صريح أو كناية كناية في الإعتاق وذلك لدلالة كل منهما على إزالة ما يملكه وقوله: وتركتك أي لأني طلقتك ويحتمل تركتك من النفقة. وقوله وقطعت نكاحك: أي لأني طلقتك ويحتمل قطعت الوطئ عنك. وقوله: وأزلتك أي من نكاحي لأني طلقتك ويحتمل أزلتك من داري. وقوله وأحللتك: يحتمل أحللتك للأزواج لأني طلقتك ويحتمل أحللتك من الدين الذي لي عندك فقول الشارح: أي للأزواج بيان للإحتمال الأول المراد هنا وقوله: وأشركتك مع فلانة يحتمل الطلاق ويحتمل أشركتك معها في المال أو في الدار. وقوله: وقد طلقت أي فلانة والجملة حالية. وقوله منه: أي من القائل لزوجته ما ذكر. وقوله أو من غيره: أي

_ (1) سورة التحريم، الاية: 1. (2) سورة التحريم، الاية: 1.

نكاحك (وأزلتك وأحللتك) أي للازواج، وأشركتك مع فلانة وقد طلقت منه أو من غيره (و) ك (- تزوجي) أي لاني طلقتك وأنت حلال لغيري بخلاف قوله للولي: زوجها فإنه صريح (واعتدي) أي لاني طلقتك وودعيني من الوداع: أي لاني طلقتك (و) ك (- خذي طلاقك، ولا حاجة لي فيك) أي لاني طلقتك ولست زوجتي إن لم يقع في جواب دعوى، وإلا فإقرار (و) ك (- ذهب طلاقك أو سقط طلاقك) إن فعلت كذا (و) ك (- طلاقك واحد) وثنتان فإن قصد به الايقاع وقع، وإلا فلا، وكلك الطلاق أو طلقة، وكذا سلام عليك على ما قاله ابن صلاح، ونقله شيخنا في شرح المنهاج، (لا) منها (كطلاقك عيب أو نقص ولا قلت) أو أعطيت (كلمتك أو حكمك) فلا ـــــــــــــــــــــــــــــ زوج غيره (قوله: وكتزوجي) أي لأني طلقتك ويحتمل من التزوج وهو مطلق الإختلاط: أي اختلطي وامتزجي بي (قوله: وأنت حلال لغيري) أي لأني طلقتك، ويحتمل إذا طلقتك في المستقبل فأنت حلال لغيري أو أنت حلال لغيري من قبل أن أتزوج بك (قوله: بخلاف قوله للولي زوجها فإنه صريح) أي في الإقرار بالطلاق ليوافق ما قدمه من أن قوله للولي ما ذكر إقرار بالطلاق ويفيد هذا ما صرح به في النهاية من أن عندهم ألفاظا يجعلونها كناية في الإقرار ونصها: وفي قوله: بانت مني أو حرمت علي كناية في الإقرار به. وقوله لوليها زوجها: إقرار بالطلاق. وقوله لها تزوجي وله زوجنيها: كناية فيه. اه. وقوله فيه: قال ع ش: أي في الإقرار. اه (قوله: واعتدي أي لأني طلقتك) ويحتمل اعتدي من الغير الواطئ بشبهة مثلا، أو أن اعتدي بمعنى عدي الأيام مثلا كاعتد عليهم بالسخلة. اه. ش ق (قوله: وودعيني من الوداع) أي لأني طلقتك، ويحتمل اجعلي عندي وديعة (قوله: وكخذي طلاقك) يحتمل الطلاق الذي هو حل عصمة النكاح ويحتمل الطلاق الذي هو فك الوثاق وقوله: ولا حاجة لي فيك: يحتمل لأني طلقتك - كما قاله الشارح - ويحتمل لأني قضيت حاجتي بنفسي من غير احتياج إليك (قوله: ولست زوجتي) أي لأني طلقتك فنفي الزوجية مترتب على الإنشاء الذي نواه، ويحتمل لا أعاملك معاملة الزوجة في النفقة عليك، والقسم مثلا بل أترك ما ذكر، فالمراد نفي بعض آثار الزوجية. فلما احتمل ما ذكر - ولو كان احتمالا غير ظاهر - احتاج لنية الايقاع. وقوله إن لم يقع: في جواب دعوى بأن قال ذلك ابتداء. وقوله وإلا فإقرار: أي وإن وقع في جواب دعوى بأن ادعت عليه بأنها زوجته لتطلب منه النفقة فأنكر وقال: لست بزوجتي فيكون اقرارا بالطلاق. قال سم: هل يشترط وقوع الدعوى عند الحاكم؟ اه. قال ع ش: أقول الظاهر أنه لا يشترط الخ. اه. وكتب الرشيدي على قول م ر فإقرار ما نصه: ربما يأتي في الدعاوى والبينات ما يخالف هذا فليراجع. انتهى. عبارته هناك: ولو ادعت زوجية رجل فأنكر فحلفت اليمين المردودة ثبتت زوجيتها ووجبت مؤنتها وحل له اصابتها لأن إنكار النكاح ليس بطلاق. قاله الماوردي: ومحل حل اصابتها باعتبار الظاهر لا الباطن إن صدق في الإنكار. اه. وقوله لأن إنكار الخ: هذا هو محل المخالفة (قوله: وذهب طلاقك) يحتمل أن المراد خرج وجرى مني طلاقك إن فعلت كذا، ويحتمل أن المراد ذهب عني فلا أريده بعد أن كنت مصمما عليه. وقوله أو سقط طلاقك: يحتمل أن المراد سقط وطرح من لساني الطلاق: أي إني طلقتك، ويحتمل أن المراد سقط عني طلاقك: أي لا يقع على. وقوله إن فعلت كذا: راجع للصورتين. والتاء يحتمل أن تكون تاء المتكلم ويحتمل أن تكون تاء المخاطبة (قوله: وكطلاقك واحد وثنتان) يحتمل أن المراد الإخبار بأن الطلاق الذي تبينين به واحد وثنتان، ويحتمل أن المراد إنشاء طلاقك واحد وثنتان: أي إني أنشأت طلاقك بالثلاث (قوله: فإن قصد به الإيقاع الخ) يحتمل أنه راجع لقوله: وكطلاقك واحد وثنتان وهو المتبادر من صنيعه، ويحتمل أنه راجع لجميع ما تقدم من ألفاظ الكناية، وعليه فضمير به يعود على المذكور (قوله: وكلك الطلاق) أي فإنه كناية وقوله أو طلقة أي أو لك طلقة فإنه كناية (قوله: وكذا سلام عليك) أي فإنه كناية. وقوله على ما قاله ابن الصلاح: أي معللا له بأنه يقال عند الفراق. اه. مغني (قوله: ونقله شيخنا في شرح المنهاج) لم ينقله عن أحد - كما يعلم من عبارته - ونصها: وسلام عليك وكلي واشربي خلافا لمن وهم فيهما. اه. وبقي من ألفاظ الكناية تجردي وتزودي واخرجي وسافري وتقنعي وتستري وبرئت منك والزمي أهلك ونحو ذلك (قوله: لا منها الخ) أي ليس من ألفاظ الكناية مثل طلاقك عيب أو نقص وقلت كلمتك أو أعطيت كلمتك أو حكمك وليس منها أيضا نحو قومي واقعدي

يقع به الطلاق وإن نوى بها المتلفظ الطلاق لانها ليست من الكنايات التي تحتمل الطلاق بلا تعسف ولا أثر لاشتهارها في الطلاق في بعض القطر، كما أفتى به جمع من محققي مشايخ عصرنا، ولو نطق بلفظ من هذه الالفاظ الملغاة عند إرادة الفراق فقال له الآخر: مستخبرا أطلقت زوجتك؟ فقال: نعم ظانا وقوع الطلاق باللفظ الاول لم يقع، كما أفتى به شيخنا. وسئل البلقيني عما لو قال لها: أنت علي حرام وظن أنها طلقت به ثلاثا فقال لها: أنت طالق ثلاثا ظانا وقوع الثلاث بالعبارة الاولى. فأجاب بأنه لا يقع عليه طلاق، بما أخبر به ثانيا على الظن المذكور. اه. ويجوز لمن ظن صدقه أن لا يشهد عليه. فرع لو كتب صريح طلاق أو كنايته ولم ينو إيقاع الطلاق فلغو ما لم يتلفظ حال الكتابة أو بعدها بصريح ما ـــــــــــــــــــــــــــــ وأغناك الله وأحسن الله جزاءك واغزلي والباب مفتوح، وذلك لعدم إشعارها بالفرقة إشعارا قريبا فلا يقع بها طلاق وإن نواه (قوله: فلا يقع به) أي بما ذكر. ولو قال بها - أي بالألفاظ المذكورة من قوله لا منها الخ - لكان أنسب بما بعده فإنه فيه أنث الضمير (قوله: وإن نوى الخ) غاية في عدم وقوع الطلاق بالألفاظ المذكورة. وقوله بها: متعلق بما بعده ويحتمل أنه متعلق بنوى (قوله: لأنها الخ) تعليل لعدم الوقوع: أي وإنما لم يقع بها الطلاق وإن نواه لأنها ليست من الكنايات التي تحتمل الطلاق بلا تعسف، بل هي من الكنايات التي تحتمل الطلاق بتعسف، وشرط الكناية الأولى - كما تقدم عن ترغيب المشتاق والتعسف هو ارتكاب الأمور الشاقة (قوله: ولا أثر الخ) أي ولا عبرة باشتهار هذه الألفاظ التي ليست من الكنايات في الطلاق في بلدة من قطر (قوله: ولو نطق بلفظ من هذه الألفاظ الملغاة) أي التي ليست من الكنايات، وذلك كطلاقك عيب وما بعده (قوله: فقال له الآخر:) الأولى حذف أل. وقوله مستخبرا: أي طالبا الإخبار. وخرج به ما إذا قال ذلك: ملتمسا إنشاء الطلاق فإنه يقع بقوله نعم (قوله: ظانا الخ) حال من فاعل قال العائد على الزوج: أي قال الزوج نعم ظانا أن الطلاق يقع باللفظ الذي نطق به أولا، وهو طلاقك عيب مثلا (قوله: لم يقع) أي الطلاق بقوله نعم ظانا ما ذكر، وهو جواب لو (قوله: كما أفتى به) أي بعدم الوقوع شيخنا (قوله: وسئل البليقني الخ) تأييد لفتوى شيخه المذكورة (قوله: عما لو قال لها) أي لزوجته. وقوله: أنت علي حرام: مقول القول (قوله: وظن) أي الزوج. وقوله أنها طلقت به ثلاثا أي بقوله لها أنت علي حرام (قوله: فقال لها: أنت طالق ثلاثا) أي بعد قوله لها أولا: أنت علي حرام. وقوله ظانا الخ: حال من فاعل قال: أي قال الزوج: أنت طالق ثلاثا حالة كونه ظانا وقوع الطلاق الثلاث بالعبارة الأولى: أي قوله: أنت علي حرام (قوله: فأجاب) أي البلقيني. وقوله بأنه: أي الزوج (قوله: لا يقع عليه طلاق بما أخبر به ثانيا) في بعض نسخ الخط بانيا بالباء الموحدة وهي أنسب بقوله: على الظن المذكور، وعلى ما في معظم النسخ من أنه بالثاء المثلثة يكون قوله: على الظن المذكور متعلقا بحال محذوفة وتقدر بانيا. وخرج به ما إذا قال ذلك لا بانيا له على الظن المذكور فيقع به الطلاق ثلاثا لأنه صريح به (قوله: ويجوز لمن ظن صدقه) أي الزوج في قوله: إنه قال: أنت طالق ثلاثا بناء على الظن المذكور. وقوله أن لا يشهد عليه: أي بوقوع الطلاق ثلاثا (قوله: فرع) أي في بيان أن الكتابة كناية سواء صدرت من ناطق أو من أخرس، فإن نوى بها الطلاق وقع لأنها طريق في إفهام المراد - كالعبارة - ويعتبر في الأخرس إذا كتب الطلاق أن يكتب إني قصدت الطلاق أو يشير إلى ذلك (قوله: لو كتب) أي إلى زوجته أو إلى وليها. وفي المغني ما نصه: تنبيه: احترز بقوله: كتب عما لو أمر أجنبيا فكتب لم تطلق وإن نوى الزوج، كما لو أمر أجنبيا أن يقول لزوجته: أنت بائن، ونوى خلافا للصيمري في قوله أنه لا فرق بين أن يكتب بيده وبين أن يملي على غيره. اه وقوله صريح طلاق: أي كطلقتك أو طلقت بنتك. وقوله أو كنايته: أي كأنت خلية أو بنتك خلية مني (قوله: ولم ينو إيقاع الطلاق) أي بما كتبه. وخرج به ما

كتبه نعم: يقبل قوله أردت قراءة المكتوب لا الطلاق لاحتماله، ولا يلحق الكناية بالصريح طلب المرأة الطلاق ولا قرينة غضب ولا اشتهار بعض ألفاظ الكنايات فيه (وصدق منكر نية) في الكناية (بيمينه) في أنه ما نوى بها طلاقا، فالقول في النية: إثباتا ونفيا قول: الناوي إذ لا تعرف إلا منه، فإن لم تمكن مراجعة نيته بموت أو فقد لم يحكم بوقوع الطلاق لان الاصل بقاء العصمة. ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا نواه من غير تلفظ به فإنه يقع على الأظهر - كما في المنهاج - ونصه: فإن نواه فالأظهر وقوعه. قال في المغني: لأن الكناية طريق في إفهام المراد، وقد اقترنت بالنية ولأنها أحد الخطابين فجاز أن يقع بها الطلاق كاللفظ. اه (قوله: فلغو) أي فالمكتوب لغو لأن الكتابة تحتمل النسخ والحكاية وتجربة القلم والمداد وغيرها (قوله: ما لم يتلفظ الخ) قيد في كون المكتوب لغوا، وخرج به ما لو تلفظ به مع عدم النية فإنه يقع. وقوله بصريح ما كتبه: أي بما كتبه الصريح في الطلاق، فالإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف. وأفاد به أنه إذا تلفظ بالمكتوب الكنائي ولم ينو إيقاع الطلاق لا يقع وهو كذلك إذ الكناية محتاجة إلى النية مطلقا - سواء كتبت أولم تكتب - فتحصل أن التلفظ بالمكتوب من غير نية يقع به الطلاق إذا كان صريحا، فإن كان كناية فلا بد مع التلفظ به من النية (قوله: نعم، يقبل الخ) تقييد لوقوع الطلاق بالتلفظ بالمكتوب من غير نية: أي أن محل الوقوع بما ذكر عند عدم النية إذا لم يقل أردت قراءة المكتوب لا إنشاء الطلاق، وإلا صدق بيمينه لاحتمال ما قاله. أما إذا نوى عند الكتابة إيقاع الطلاق ثم تلفظ به وقال أردت قراءة المكتوب فلا يفيد قوله المذكور شيئا. إذ العبرة بالنية فيقع عليه الطلاق. واعلم أن الخلاف السابق في اقتران النية بأول الكناية أو جميعها أو بأي جزء يجري في الكتابة أيضا. نتبيه: تعرض للكتابة ولم يتعرض للإشارة. وحاصله أن إشارة الأخرس بالطلاق يعتد بها سواء كان قادرا على الكتابة أم لا، وسواء كان خرسه عارضا أو أصليا. ثم إن فهم طلاقه بها كل أحد كأن قيل له: طلق فأشار بثلاث أصابع فصريحة وإن اختص بفهم الطلاق منها فظنون فكناية - وإن انضم إليها قرائن - وقيل إن لم يفهمها أحد فلغو. وتعرف نية الأخرس فيما إذا كانت إشارته كناية بإشارة أخرى أو كتابة. ومثل الطلاق في ذلك سائر العقود. والحلول كالفسخ والعتق والأقارير والدعاوي وغيرها. نعم: لا يعتد بها في الشهادة والصلاة والحنث. وقد نظمها بعضهم في قوله: إشارة الأخرس مثل نطقه فيما عدا ثلاثة لصدقه في الحنث والصلاة والشهادة تلك ثلاثة بلا زيادة يعني لو حلف أن لا يتكلم فأشار بذلك لم يحنث أو شهد بالإشارة لا تقبل لأنها يحتاط لها أو أشار في صلاته لا تبطل صلاته فلو باع في صلاته بالإشارة انعقد البيع ولا تبطل صلاته. وبه يلغز ويقال: لنا إنسان يبيع ويشتري في صلاته عامدا عالما ولا تبطل صلاته. ويتصور الحلف على عدم الكلام مع أنه أخرس فيما إذا كان الخرس طارئا على الحلف به (قوله: ولا يلحق الكناية بالصريح) أي لا يجعلها من الصريح بحيث لا تحتاج إلى نية. وقوله: طلب المرأة الطلاق: أي تقدم طلب المرأة للطلاق على اللفظ الكنائي بأن تقول له: طلقني فيقول لها: أنت برية مثلا (قوله: ولا قرينة غضب) الإضافة بيانية: أي ولا يلحقها به قرينة هي غصب (قوله: ولا اشتهار الخ) أي ولا يلحقها به أيضا اشتهار بعض ألفاظ الكنايات في الطلاق كأنت حرام علي (قوله: وصدق منكر نية) أي أو مثبتها بدليل التفريع الآتي. وقوله بيمينه، متعلق بصدق (قوله: في أنه الخ) متعلق بيمينه، وفي بمعنى على: أي يصدق بخلفه على أنه ما نوى بالكناية الطلاق (قوله: فالقول الخ) في معنى التعليل لما قبله. ولو قال: لأن القول الخ لكان أولى (قوله: إثباتا ونفيا) منصوبان على التمييز المحول عن المضاف أي فالقول في إثبات النية أو نفيها. وقوله: قول الناوي: الأنسب قول المتلفظ بالكناية، إذ قال في حالة النفي لا يسمى ناويا (قوله: إذ لا تعرف) أي النية، وهو تعليل لكون القول في النية قول الناوي. وقوله إلا منه: أي من الناوي (قوله: فإن لم تمكن الخ) مقابل لمحذوف: أي هذا إن أمكن معرفة نيته فإن لم تمكن الخ. وقوله مراجعة

فروع قال في العباب: من اسم زوجته فاطمة مثلا فقال: ابتداء أو جوابا لطلبها الطلاق فاطمة طالق وأراد غيرها لم يقبل، ومن قال لامرأته: يا زينب، أنت طالق واسمها عمرة طلقت للاشارة، ولو أشار إلى أجنبية وقال: يا عمرة أنت طالق واسم زوجته عمرة لم تطلق، ومن قال: امرأتي طالق مشيرا لاحدى امرأتيه وأراد الاخرى قبل بيمينه، ومن له زوجتان اسم كل واحدة منهما فاطمة بنت محمد وعرف أحدهما بزيد فقال: فاطمة بنت محمد طالق ونوى بنت زيد قبل. انتهى. قال شيخنا: لم يقبل في المسألة الاولى أي ظاهرا بل يدين. نعم: يتجه قبول إرادته لمطلقة له اسمها فاطمة اه. ولو قال: زوجتي عائشة بنت محمد طالق وزوجته خديجة بنت محمد طلقت ـــــــــــــــــــــــــــــ نيته: الإضافة لأدنى ملابسة أي مراجعته في نيته. ولو قال: معرفة نيته لكان أولى. وقوله: بموت الخ: الباء سببية متعلق بتمكن: أي لم تمكن بسبب موت أو فقد (قوله: لم يحكم الخ) جواب إن. وقوله: بوقوع الطلاق، أي على من لم تمكن معرفة نيته لفقد أو موت (قوله: لأن الأصل بقاء العصمة) علة عدم الحكم عليه بوقوع الطلاق (قوله: فروع) أي سبعة، والفرع الأول منها قد صرح به في كلامه قبل قوله ويقع بكناية (قوله: من اسم زوجته فاطمة مثلا) أي أو هند أو عائشة (قوله: فقال) أي الزوج. وقوله ابتداء: أي من غير تقدم سؤال أو جوابا: أي أو قال ذلك جوابا لطلبها الطلاق. وقوله فاطمة. طالق: مقول القول (قوله: وأراد غيرها) أي وقال: أردت فاطمة غير زوجتي (قوله: لم يقبل) أي على الأصح، وقيل يقبل - كما في الروض وشرحه - ونصهما: وإن قال: زينب طالق وأراد غير زوجته قبل إلا إن سبق استدعاؤها - كذا نقله الأصل هنا عن فتاوي القفال - والأصح عدم القبول - كما جزم به المصنف في الباب الخامس في الشك في الطلاق - اه. (قوله: ومن قال لامرأته: يا زينب أنت طالق) أي ومن خاطب امرأته بقوله لها: يا زينب أنت طالق. وقوله واسمها عمرة: أي والحال أن امرأته اسمها عمرة لا زينب (قوله: طلقت) أي امرأته عليه، وهو جواب من، وقوله للإشارة: أي المعنوية الحاصلة بالنداء إذ هو التوجه للمخاطب والإقبال عليه بحرف من حروف النداء (قوله: ولو أشار) أي الزوج أي بندائها. وقوله وقال: يا عمرة لو قال بقوله يا عمرة لكان أولى: إذ الإشارة في المثال بالنداء وإن كان غير متعين (قوله: واسم زوجته عمرة) أي كالمشار إليها (قوله: لم تطلق) أي زوجته المسماة بعمرة لوجود القرينة الصارفة للفظ عنها وهي الإشارة إلى الأجنبية (قوله: مشيرا لإحدى امرأتيه) أي بأن قال: امرأتي هذه (قوله: وأراد الأخرى) أي وقال: أردت بأمرأتي طالق الأخرى لا المشار إليها (قوله: قبل بيمينه) قال: في شرح الروض: ولا يلزمه بالإشارة شئ، وقيل: لا يقبل بل تطلقان جميعا. اه. (قوله: ومن له زوجتان) من موصولة واقعة مبتدأ خبر قوله: قبل وصلة الموصول جملة له زوجتان (قوله: اسم كل واحدة منهما): أي من زوجتيه (قوله: وعرف أحدهما) أي أحد الأبوين: أي اشتهر أحدهما. وقوله بزيد: أي بدل محمد (قوله: فقال) أي الزوج. وقوله فاطمة بنت محمد: الجملة مقول القول: أي قال هذا اللفظ. وقوله ونوى بنت زيد: الجملة حالية. أي قال: ذل ك حال كونه ناويا ببنت محمد بنت زيد (قوله: قبل) أي ما نواه، ومثله ما لو نوى بنت محمد الذي لم يشتهر بزيد. فلو لم ينو بنت المشهور بزيد ولا بنت محمد الآخر بل أطلق أو قصد مبهمة لم تطلق عليه بنت محمد معينا بل يقع على إحداهما مبهمة ويلزمه البيان في الحالة الأولى والتعيين في الحالة الثانية، كما صرح به في متن المنهاج في صورة من قال لزوجته: إحداكما طالق، وكما يستفاد من عبارة الروض وشرحه ونصهما: وإن كان أبو زوجتيه مسميين لمحمد وغلب على أحدهما عند الناس زيد فقال بنت محمد طالق لم تطلق بنت محمد معينا حتى يريد نفسه: أي المعين فتطلق بنته لأن العبرة في اسم الشخص بتسمية أبويه لا بتسمية الناس وقد تعدد الأسماء. اه. (قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد لكن مع تصرف، كما يعلم من عبارته. وقوله لم يقبل. أي قول الزوج أردت بفاطمة غير زوجتي. وقوله في المسألة الأولى: وهي من اسم زوجته فاطمة الخ (قوله: نعم يتجه قبول إراداته الخ) لم يستوجه هذا في التحفة، بل جعله أحد احتمالين على السواء ونصها: بعد قول المصنف ولو قال: زينب طالق وقال: قصدت الأجنبية فلا يقبل على الصحيح. وهل يأتي بحث الأسنوي هنا فيقبل منه تعيين زينب التي عرف لها طلاق منه أو من غيره أو يفرق لأن المتبادر هنا لزوجته أقوى فلا يؤثر فيه ذلك؟ كل محتمل. اه (قوله: ولو قال:) أي

لانه لا يضر الخطأ في الاسم، ولو قال لابنه المكلف قل لامك: أنت طالق ولم يرد التوكيل يحتمل التوكيل فإذا قاله لها: طلقت كما تطلق به لو أراد التوكيل، ويحتمل أنها تطلق وكون الابن مخبرا لها بالحال قال الاسنوي: ومدرك التردد أن الامر بالامر بالشئ إن جعلناه كصدور الامر من الاول كان الامر بالاخبار بمنزلة الاخبار من الاب فيقع وإلا فلا. اه. قال الشيخ زكريا: وبالجملة فينبغي أن يستفسر فإن تعذر استفساره عمل بالاحتمال الاول حتى لا يقع الطلاق بقوله: بل بقول الابن لامه: لان الطلاق لا يقع بالشك. (ولو قال: طلقتك ونوى ـــــــــــــــــــــــــــــ الزوج. وقوله: زوجتي عائشة بنت محمد طالق: الجملة مقول القول. وقوله وزوجته خديجة: أي والحال أن زوجته اسمها خديجة بنت محمد لا عائشة (قوله: طلقت) أي زوجته (قوله: لأنه لا يضر الخطأ في الإسم) عبارة التحفة إلغاء للخطأ في الإسم لقوله زوجتي الذي هو القوي بعدم الإشتراط فيه، ويؤيدها ما مر من صحة زوجتك بنتي زينب وليست له إلا بنت اسمها فاطمة لأن البنتية لا اشتراك فيها - بخلاف الاسم فإفتاء بعضهم بعدم الوقوع نظرا للخطأ في الإسم غير صحيح. اه. (قوله: ولو قال) أي الزوج وقوله لإبنه المكلف: خرج به ابنه غير المكلف. فقوله: ما ذكر لا يحتمل التوكيل: إذ شرطه أن يكون الوكيل مكلفا (قوله: قل لأمك أنت طالق) الجملة مقول القول. وقوله ولم يرد التوكيل: أي ولا الإخبار - كما هو ظاهر - فإن أراد أحدهما تعين. وقوله: يحتمل التوكيل: أي توكيل ابنه بطلاق أمه، وهو جواب لو. وقوله فإذا قاله: الضمير المستتر يعود على الابن، والبارز يعود على الموكل فيه - وهو الطلاق - بأن يقول لها: طلقتك أو أنت طالق (قوله: لها) أي لأمه. وقوله طلقت: أي أمه بقول الابن لها ما ذكر. وقوله كما تطلق: الكاف للتنظير. وقوله به: أي بقول الابن لها ما ذكر. وقوله: لو أراد التوكيل: أي لو أراد الأب عند الأمر التوكيل (قوله: ويحتمل أنها تطلق) أي بقول الأب لابنه ما ذكر ويكون الابن مخبرا لأمه بالحال التي وقعت منه وهي الطلاق، وكان الأنسب أن يقول - كما في الروض - ويحتمل الإخبار أي إخبار أمه بما وقع منه، فكأنه قال: يا بني أخبر أمك بأني طلقتها. وعبارة الروض: وقوله: قل لأمك: أنت طالق: يحتمل التوكيل والأخبار. وقال في شرحه: أي إنها تطلق ويكون الابن مخبرا لها بالحال. اه. (قوله: قال الأسنوي: ومدرك التردد) أي منشأ التردد بين الحمل على الوكالة والحمل على الإخبار. وقوله: إن الامر بالامر بالشئ الخ: وذلك كأن يقول الأب مثلا لإبنه قل لأمك: سافري أو مر أمك فلتسافر فالأم مأمورة الابن وهو مأمور الأب، فإن جعلنا الأمر من الابن كصدوره من الآمر الأول، وهو الأب كان أيضا الأمر بالإخبار بمنزلة الإخبار من الأب - كما في مثال الشارح - وهو قول الأب لإبنه: قل لأمك أنت طالق ففيه أمر الابن باخبار أمه بأنها طالق وهو بمنزلة قول الأب لها: أنت طالق فيقع الطلاق بمجرد قوله للابن ما ذكر وإن لم نجعله كصدوره من الآمر الأول فلا يكون الأمر بالإخبار بمنزلة الإخبار منه فلا يقع عليه الطلاق بمجرد الأمر بل بقول الابن لأمه المأمور به. وهذا هو الأقرب، لأن الامر بالامر بالشئ ليس أمرا بطلك الشئ - كما هو مقرر في محله - (قوله: كان الأمر بالأخبار) أي الذي هو في مسألتنا (قوله: فيقع) أي الطلاق بمجرد قول الأب لإبنه: قل لأمك أنت طالق (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يجعل الامر بالامر بالشئ كصدوره من الأول فلا يكون الأمر بالأمر بالإخبار بمنزلة الإخبار من الأب فلا يقع الطلاق بمجرد الأمر (قوله: قال الشيخ زكريا) أي في شرح الروض. واعلم أن العبارة كلها من قوله ولو قال إلخ في الروض وشرحه وصنيعه يفيد خلافه. وقوله وبالجملة: أي فأقول قولا متلبسا بجملة الكلام وحاصله. وقوله فينبغي أن يستفسر: أي يطلب من الأب تفسير ما أراده عند أمر ابنه: هل هو التوكيل أو الأخبار؟ ويرد عليه أن الفرض أنه لم يرد شيئا عند الأمر فكيف يطلب منه ذلك، ويمكن أن يكون المراد يطلب منه تعيين أحد هذين الشيئين: إما التوكيل وإما الإخبار. فالمراد من التفسير التعيين. فتنبه (قوله: فإن تعذر استفساره) أي بموت أو فقد. وقوله: عمل بالإحتمال الأول: وهو الحمل على التوكيل. وقوله حتى لا يقع: أي لأجل أن لا يقع الطلاق. فحتى تعليلية. وقوله بقوله: أي قول الأب لإبنه ما ذكر. وقوله: بل بقول الابن: أي بل يقع بقول الابن لأمه ما ذكر (قوله: لأن الطلاق لا يقع بالشك) علة لعدم وقوعه بقول الأب، وذلك الشك في كونه أراد التوكيل أم الأخبار (قوله: ولو قال إلخ)

عددا) اثنتين أو واحدة (وقع منوي) ولو في غير موطوءة فإن لم ينوه وقع طلقة واحدة ولو شك في العدد الملفوظ أو المنوي فيأخذ بالاقل ولا يخفى الورع. فرع لو قال: طلقتك واحدة وثنتين فيقع به الثلاث - كما هو ظاهر - وبه أفتى بعض محققي علماء عصرنا. ولو قال للمدخول بها: أنت طالق طلقة بل طلقتين فيقع ثلاث، كما صرح به الشيخ زكريا في شرح الروض، ـــــــــــــــــــــــــــــ شروع في بيان تعدد الطلاق بنية العدد فيه. وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة. وقوله طلقتك: أي أو نحوه من سائر الصرائح كأنت طالق أو مسرحة أو مفارقة، وكذا الكناية، وذلك للخبر الصحيح إن ركانة طلق امرأته ألبتة ثم قال: ما أردت إلا واحدة فحلفه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وردها إليه. دل على أنه لو أراد ما زاد عليها وقع، وإلا لم يكن لإستحلافه فائدة. وقوله ونوى عددا: يأتي في نية العدد ما مر في نية أصل الطلاق في الكناية من اقترانها بكل اللفظ أو أوله أو أي جزء منه (قوله: اثنتين) بدل من عددا. وقوله أو واحدة: معطوف على اثنتين. وأفاد به أن المراد بالعدد ما يشمل الواحد والأكثر لا المصطلح عليه (قوله: وقع منوي) قال في التحفة: لأن اللفظ لما احتمله بدليل جواز تفسيره به كان كناية فيه فوقع قطعا. واستشكل بأنه لو نذر الإعتكاف ونوى أياما ففي وجوبها وجهان. قال الزركشي: وكأن الفرق أن الطلاق تدخله الكناية - بخلاف الإعتكاف. اه. وليس - أي الفرق المذكور - بشاف، بل ليس بصحيح - كما هو ظاهر - والذي يتجه في الفرق أن التعدد في الأيام خارج عن حقيقة الإعتكاف الشرعية لأن الشارع لم يربطها بعدد معين، بخلاف التعدد في الطلاق فإنه غير خارج عن حقيقته الشرعية، فكان المنوي هنا داخلا في لفظه لإحتماله له شرعا، بخلافه ثم فإنه خارج عن لفظه، والنية وحدها لا تؤثر في النذر. اه. وكتب سم ما نصه: قوله والذي يتجه في الفرق الخ. قد يناقش في هذا الفرق بأنه لاخفاء أن معنى كونه نوى أياما أنه نوى الإعتكاف في تلك الأيام والإعتكاف في تلك الأيام غير خارج عن حقيقة الإعتكاف كعدم خروج العدد عن حقيقة الطلاق. فليتأمل. اه (قوله: ولو في غير موطوءة) تعميم في وقوع ما نواه: أي يقع ما نواه من عدد الطلاق فيمن طلقها مطلقا سواء كانت مدخولا بها أم لا (قوله: فإن لم ينوه) أي عددا لا واحدا ولا أكثر. وقوله وقع طلقة واحدة: أي وقع عليه طلقة واحدة (قوله: ولو شك في العدد الخ) مثله الشك في أصل الطلاق ولو صرح به كغيره لكان أولى. وعبارة المنهاج مع التحفة: شك في أصل طلاق منجزا ومعلق هل وقع منه أو لا؟ فلا يقع إجماعا، أو في عدده بعد تحقق أصل الوقوع فالأقل لأنه اليقين. ولا يخفى الورع في الصورتين، وهو الأخذ. بالأسوأ. اه. - قوله الملفوظ: أي كأن شك في التلفظ بواحدة أو باثنتين. وقوله أو المنوي: أي بأن شك في أنه نوى في قوله: طلقتك وقوع طلقة أو أكثر (قوله: فيأخذ بالأقل) أي له ذلك. وقوله: ولا يخفى الورع: أي وهو الأخذ بالاسوأ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن شك في وقوع طلقتين منه أو ثلاث فالإحتياط جعلها ثلاثا، ولا ينكحها حتى تنكح زوجا غيره (قوله: فرع) الأولى فرعان (قوله: لو قال) أي الزوج. وقوله طلقتك واحدة وثنتين: مقول القول (قوله: فيقع به الثلاث) محله إن قال: لمدخول بها، وإن كان ظاهر صنيعه يفيد الاطلاق حيث قيد في المسألة الثانية بالمدخول بها ولم يقيد به هنا فإن قاله لغيرها تقع واحدة فقط لأنها تبين بها فلا يقع بما بعدها شئ وعبارة متن الإرشاد مع شرحه: لو قال: لموطوءة أنت طالق واحدة بل ثنتين أو عكسه وقع عليه ثلاث. اه. وفي الروض وشرحه: ولو قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق أو قال: أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة وكذا لو لم يكرر أنت فيقع به الثلاث لكن إن قصد الاستئناف أو أطلق: فإن قصد تأكيد الأولى بالأخريين فواحدة، أو تأكيدها بالثانية فقط أو تأكيد الثانية بالثالثة فثنتان. فإن قصد تأكيد الأولى بالثالثة فثلاث لتخلل الفاصل بين المؤكد والمؤكد والشرط التوالي. ولو قال: أنت طالق وطالق وطالق، أو أنت طالق وطالق فطالق، أو بل طالق فثلاث يقعن، ولا يقبل منه إرادة التوكيد لوجود العلة المقتضي للمغايرة. ومحل هذا كله في المدخول بها أيضا. أما غيرها فلا يقع فيها إلا واحدة وإن قصد الإستئناف لأنها تبين بها فلا يقع بما بعدها شئ. ويخالف قولهم: أنت طالق ثلاثا حيث يقع به الثلاث مطلقا مدخولا بها أولا، لأن ثلاثا بيان لما قبله فليس مغايرا له - بخلاف العطف والتكرار. اه. بتصرف (قوله: ولو قال للمدخول بها) خرج غيرها فلا تقع فيها إلا واحدة لأنها تبين بها

(ويقع طلاق الوكيل) في الطلاق (بطلقت) فلانة ونحوه وإن لم ينو عند الطلاق أنه مطلق لموكله (ولو قال لآخر: أعطيت) أو جعلت بيدك (طلاق زوجتي) أو قال له: رح بطلاقها وأعظها (فهو توكيل) يقع الطلاق بتطليق الوكيل لا بقول الزوج هذا اللفظ بل تحصل الفرقة من حين قول الوكيل: متى شاء طلقت فلانة لا بإعلامها الخبر بأن فلانا أرسل بيدي طلاقك ولا بإعلامها أن زوجك طلق، وإذا قال له: لا تعطه إلا في يوم كذا فيطلق في اليوم الذي عينه أو بعده لا قبله، ثم إن قصد التقييد بيوم طلق فيه لا بعده. (ولو قال لها) أي الزوجة المكلفة منجزا ـــــــــــــــــــــــــــــ - كما تقدم - (قوله: كما صرح به الشيخ زكريا في شرح الروض) هذه المسألة مصرح بها في الروض - لا في شرحه - وعبارة الروض: ويقع للممسوسة بقوله: أنت طالق طلقة بل طلقتين ثلاث ثم قال: وإن قال لغير ممسوسة أنت طالق ثلاثا أو إحدى عشرة طلقت ثلاثا أو واحدة ومائة أو إحدى وعشرين أو طلقة ونصفا أو طلقة بل طلقتين أو ثلاثا فواحدة. قال في شرحه: أي فواحدة فقط تقع لأنها بانت بها لعطف ما بعدها عليها - بخلافه في إحدى عشرة لأنه مركب، فهو بمعنى المفرد (قوله: ويقع طلاق الوكيل الخ) شروع في بيان الوكالة في الطلاق (قوله: في الطلاق) متعلق بالوكيل: أي أنه وكيل في الطلاق بأن قال له الزوج وكلتك في أن تطلق زوجتي (قوله: بطلقت فلانة) متعلق بيقع: أي يقع بهذا اللفظ. وقوله ونحوه: أي نحو طلقت كسرحت، وفارقت وأنت مطلقة أو مسرحة أو مفارقة (قوله: وإن لم ينو) أي الوكيل. وقوله: أنه مطلق لموكله: أي موقع الطلاق عن موكله. قال في شرح الروض بعده: وقيل تعتبر نيته وعلى الأول يشترط عدم الصارف بأن لا يقول: طلقتها عن غير الموكل أخذا مما سيأتي قبيل الديات أنه لو قال وكيل المقتص: قتلته بشهوة نفسي لا عن الموكل لزمه القصاص - كذا نبه عليه الإسنوي - ويحتمل الفرق بأن طلاق الوكيل لا يقع إلا لموكله، بخلاف القتل. اه (قوله: ولو قال) أي الزوج (قوله: أعطيت) مفعوله الأول محذوف: أي أعطيتك بناء على ما في بعض النسخ من أن بيدك من الشرح، وإلا فلا (قوله: أو جعلت بيدك) أي أو قال الزوج الآخر جعلت بيدك (قوله: طلاق زوجتي) تنازعه كل من أعطيت وجعلت (قوله: أو قال له) أي قال الزوج لآخر. وقوله رح بطلاقها: أي اذهب. وقوله وأعطها: أي إياه (قوله: فهو) أي قول الزوج المذكور. وقوله توكيل: أي لذلك الآخر في الطلاق (قوله: يقع الخ) الأولى زيادة الواو: وقوله بتطليق الوكيل: أي لزوجة موكله (قوله: لا بقول الزوج الخ) أي لا يقع بقول الزوج الموكل هذا اللفظ: أي أعطيت وما بعده (قوله: بل تحصل الفرقة) الأولى والأخصر أن يحذف هذا وما بعده إلى قوله بإعلامها ويزيد واو العطف بأن يقول عاطفا على قوله لا بقول الزوج ولا بإعلامها الخ (قوله: متى شاء) ظرف لقول الوكيل وقوله طلقت فلانة: مقول قول الوكيل (قوله: لا بإعلامها الخبر) أي لا تحصل الفرقة بإعلام الوكيل إياها الخبر. وقوله: بأن فلانا الخ تصوير للخبر أي الخبر المصور والمبين بما ذكر (قوله: ولا بإعلامها الخ) معطوف على بإعلامها (قوله: وإذا قال) أي الموكل. وقوله له: أي للوكيل. وقوله لا تعطه: أي الطلاق. أي لا توقعه إلا في يوم كذا. وقوله فيطلق أي الوكيل، وهو جواب إذا (قوله: ثم إن إلخ) كالاستدراك من صحة إيقاعه بعده: أي فمحل جواز إيقاعه بعد اليوم المعين ما لم يقصد الموكل ذلك اليوم الذي عينه بخصوصه لا قبله ولا بعده، وإلا تعين. ولا يجوز بعده كما لا يجوز قبله: وقوله طلق: أي الوكيل وهو جواب أن. وقوله فيه: أي في اليوم الذي قصد تقييد وقوع الطلاق به. وقوله لا بعده: أي لا يجوز أن يطلق بعد ذلك اليوم المقصود التقييد به، وبالأولى عدم الجواز قبله (قوله: ولو قال لها الخ) شروع في بيان تفويض الطلاق إلى الزوجة، وقد أفرده الفقهاء بترجمة. والأصل فيه الإجماع، واستؤنس له بأنه - صلى الله عليه وسلم - خير نساءه بين المقام معه وبين مفارقته لما نزل قوله تعالى: * (يا أيها النبي قل لأزواجك) * الخ، ووجهه أنه لما فوض إليهن سبب الفراق وهو اختيار الدنيا جاز أن يفوض إليهن المسيب الذي هو الفراق. وقوله المكلفة: أي ولو سفيهة حيث لا عوض، وإلا فيشترط فيها أن تكون رشيدة. وقوله منجزا بصيغة اسم المفعول حال من قوله: طلقي نفسك مقدم عليه: أي قال طلقي نفسك حال كونه منجزا، أو بصيغة

_ (1) سورة الاحزاب، اللاية: 28.

(طلقي نفسك إن شئت فهو تمليك) للطلاق لا توكيل بذلك وبحث أن منه قوله: طلقيني فقالت: أنت طالق ثلاثا، لكنه كناية، فإن نوى التفويض إليها طلقت وإلا فلا. وخرج بتقييدي بالمكلفة غيرها لفساد عبارتها، وبمنجز المعلق، فلو قال: إذا جاء رمضان فطلقي نفسك لغا، وإذا قلنا أنه تمليك (فيشترط) لوقوع الطلاق المفوض إليها (تطليقها) ولو بكناية (فورا) بأن لا يتخلل فاصل بين تفويضه وإيقاعها نعم، لو قال: طلقي نفسك فقالت: كيف يكون تطليق نفسي؟ ثم قالت: طلقت وقع لانه فصل يسير (بطلقت) نفسي أو طلقت فقط لا بقبلت، وقال بعضهم: - كمختصري الروضة - لا يشترط الفور في متى شئت فتطلق متى شاءت. وجزم به ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم الفاعل حال من فاعل قال: أي قال ذلك حالة كونه منجزا. قوله: لا معلقا له. ويصح جعله صفة لمصدر محذوف: أي قال: قولا منجزا ولكن يقرأ بصيغة اسم المفعول كالأول، والأول أقرب لصنيعه. وقوله طلقي نفسك مثله ما لو فوض إليها بالكناية: كأن قال لها: أبيني نفسك. ومنها المثال الآتي. وقوله: إن شئت ليس بقيد إن أخره فإن قدمه لم يقع طلاق أصلا لأنه تعليق. وسيأتي أنه مبطل. ق ل. اه. جمل (قوله: فهو) أي قوله المذكور. وقوله تمليك للطلاق: أي لأنه يتعلق بغرضها فنزل منزلة، قوله ملكتك طلاقك (قوله: لا توكيل) أي على المعتمد. وقيل إنه توكيل كما لو فوض طلاقها لأجنبي. وعليه لا يشترط فور في تطليقها نفسها - كما في الوكالة - وقوله بذلك: أي بالطلاق (قوله: وبحث الخ) اعتمده م ر اه سم. وقوله أن منه: أي من التفويض. وقوله: قوله طلقيني: أي قول الزوج لزوجته طلقيني. وقوله: فقالت: أي زوجته فورا. وقوله: أنت طالق: قال ع ش: خرج به ما لو قال: طلقت نفسي فإنه صريح لأنها أنت بما تضمنه قوله: طلقيني اه (قوله: لكنه كناية) أي لكن المذكور من قوله لها: طلقيني. وقولها له: أنت طالق: كناية والأول كناية تفويض من الزوج، والثاني كناية طلاق من الزوجة (قوله: فإن نوى) أي بقوله: طلقيني التفويض: أي تفويض الطلاق إليها: أي ونوت هي بقولها له: أنت طالق تطليق نفسها - كما صرح به في التحفة - وقوله طلقت: أي بالثلاث إن نواها وإلا فواحدة وإن ثلثت. اه. ح ل (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم ينو التفويض إليها فلا يقع الطلاق. ومثله ما لو لم تنو هي الطلاق فلا يقع الطلاق (قوله: وخرج بتقييدي) أي الزوجة. وقوله غيرها: أي غير المكلفة (قوله: لفساد عبارتها) تعليل لمحذوف: أي فلا يصح التفويض إليها ولا يقع منها طلاق لفساد عبارتها: أي العبارة الظاهرة كالعقود ونحوها (قوله: وبمنجز) معطوف على بتقييدي: أي وخرج بمنجز وكان الأولى الحكاية فينصبه. وقوله المعلق: فاعل خرج: أي فلا يصح التفويض به (قوله: فلو قال الخ) تفريع على المخرج (قوله: لغا) أي بطل قوله المذكور، ولا يصح أن يكون تفويضا. ومحله إن جرينا على قول التمليك، وذلك لأن التمليك لا يصح تعليقه: كما إذا قال: ملكتك هذا العبد إذا جاء رأس الشهر - بخلافه على قول التوكيل. قال في التحفة: لما مر فيه أن التعليق يبطل خصوصه لا عموم الإذن (قوله: وإذا قلنا الخ) أي وإذا جرينا على الأصح من أن التفويض تمليك لا توكيل (قوله: فيشترط إلخ) جواب إذا. وقوله لوقوع الطلاق: أي لصحته (قوله: تطليقها) نائب فاعل يشترط: أي تطليق نفسها. وقوله: ولو بكناية: أي ولو كان التعليق الصادر منها بلفظ كناية كأن قالت: أبنت نفسي أو حرمت نفسي عليك. ولو أخرج الغاية عما بعده لكان أولى. وقوله فورا: هذا محط الشرطية، وإنما اشترطت الفورية لأن التطليق هنا جواب التمليك. فكان كقبوله، وقبوله فوري (قوله: بأن لا يتخلل الخ) تصوير للفورية. وقوله فاصل: أي ينقطع به القبول عن الإيجاب. وقوله بين تفويضه: أي الزوج والظرف متعلق بفاصل أو بمحذوف صفة له: أي فاصل واقع بين تفويض الزوج لها وبين إيقاعها الطلاق (قوله: نعم) استثناء من اشتراط الفورية (قوله: لأنه) أي الفصل بقولها كيف يكون تطليق نفسي. وقوله فصل يسير: قال في التحفة بعده: وظاهره أن الفصل اليسير لا يضر إذا كان غير أجنبي - كما مثل به - وأن الفصل بالأجنبي يضر مطلقا - كسائر العقود - وجرى عليه الأذرعي وفيه نظر: لأنه ليس محض تمليك ولا على قواعده. فالذي يتجه أنه لا يضر اليسير ولو أجنبيا: كالخلع. اه. ومثله في النهاية (قوله: بطلقت الخ) متعلق بتطليقها (قوله: لا بقبلت) أي لا يقع الطلاق بقولها قبلت. وعبارة التحفة: قول الزركشي عدوله عن شرط قبوله إلى تطليقها يقتضي تعينه وهو مخالف لكلام الشارح والروضة

صاحبا التنبيه والكفاية، لكن المعتمد، كما قال شيخنا: أنه يشترط الفورية وإن أتى بنحو متى، ويجوز له الرجوع قبل تطليقها كسائر العقود. فائدة: يجوز تعليق الطلاق كالعتق بالشروط ولا يجوز الرجوع فيه قبل وجود الصفة. ولا يقع قبل وجود ـــــــــــــــــــــــــــــ حيث قالا: إن تطليقها يتضمن القبول، وهو يقتضي الإكتفاء بقولها: قبلت إذا قصدت به التعليق، وأن حقها أن تقول حالا: قبلت، طلقت. والظاهر اشتراط القبول على الفور، ولا يشترط التطليق على الفور. اه. بعيد جدا، بل الصواب تعينه، وكلامهما لا يخالف ذلك: لما قررته في معناه أن هذا التضمن أوجب الفورية لا الإكتفاء بمجرد القبول لأنه لا ينتظم مع قوله طلقي نفسك وإن قصدت به التطليق. اه (قوله: وقال بعضهم: كمختصري الروضة الخ) هو بكسر الصاد جمع مختصر بصيغة اسم الفاعل. وفي شرح الروض ما نصه: وما ذكره المصنف كبعض مختصري الروضة من عدم اشتراط الفور في ذلك على القول بأن التفويض تمليك هو ما جزم به صاحب التنبيه، ووجهه ابن الرفعة بأن الطلاق لما قبل التعليق سومح في تمليكه والأصل إنما ذكره تفريعا على القول بأنه توكيل، وصوبه في الذخائر - وهو الحق -. اه (قوله: في متى شئت) أي في قول الزوج لها: طلقي نفسك متى شئت بتأخير أداة التعليق، فاندفع ما قيل إن التفويض منجز فلا يصح تعليقه. أفاده البجيرمي. (قوله: فتطلق متى شاءت) أي فتطلق نفسها متى شاءت لأن متى للتراخي - كما سيأتي (قوله: وجزم به) أي بقول بعضهم المذكور. وقوله صاحبا التنبيه والكفاية: صاحب التنبيه هو أبو إسحاق الاسفرايني وصاحب الكفاية ابن الرفعة (قوله: لكن المعتمد الخ) أي لما مر أن التطليق في جواب التمليك، وهو يشترط فيه الفورية (قوله: وإن أتى) أي الزوج في صيغة التعويض. وقوله بنحو متى: أي من كل أداة تدل على التراخي (قوله: ويجوز له) أي للزوج. وقوله رجوع: أي عن التفويض إليها. وقوله قبل تطليقها: أي قبل أن تطلق نفسها. وقوله كسائر العقود: أي فإنه يجوز فيها الرجوع بعد الإيجاب وقبل القبول (قوله: فائدة) أي في بيان جواز تعليق الطلاق، وقد أفردوه بترجمة مستقلة (قوله: كالعتق) أي قياسا على العتق فإنه يجوز تعليقه (قوله: بالشروط) متعلق بتعليق، والمراد منها أدوات التعليق كإن ومتى وإذا وكلما كإن دخلت الدار فأنت طالق. ثم إن أدوات التعليق لا تقتضي بالوضع فورا في الإثبات بل هي فيه للتراخي إلا إذا وإن مع المال أو شئت خطابا كأن قال: إذا أعطيتني ألفا أو إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، وكذا أن قال: إن ضمنت لي ألفا أو إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق، أو قال: إذا شئت أو إن شئت فأنت طالق فلا تطلق إلا إن أعطته الألف أو ضمنته له أو شاءت فورا، لأنه تمليك على الصحيح. أما في النفي فتقتضي الفور إلا إن. فلو قال: إن لم تدخلي الدار فأنت طالق لم يقع الطلاق إلا باليأس من الدخول كأن ماتت أو مات قبلها فيحكم بالوقوع قبيل موتها أو موته بما يسع الدخول وفائدة ذلك الإرث والعدة فإن كان بائنا لم يرثها ولا ترثه، فإذا مات هو ابتدأت العدة قبل موته بزمن لا يسع الدخول وتعتد عدة طلاق لا وفاة، ولو أتى بإذا وقال: أنت طالق إذا لم تدخلي الدار وقع الطلاق بمضي زمن يمكن فيه الدخول من وقت التعليق ولم تدخل ولا تقتضي الأدوات أيضا تكرارا في المعلق عليه بل متى وجد مرة واحدة من غير نسيان ولا إكراه ولا جهل انحلت اليمين ولا يؤثر وجوده مرة أخرى إلا كلما فإنها تفيد التكرار. وقد نظم بعضهم قاعدة الأدوات في قوله: أدوات التعليق في النفي للفورسوى إن وفي الثبوت رأوها للتراخي إلا إذا إن مع المال وشئت وكلما كرروها وقد سأل بعضهم ابن الوردي بقوله: أدوات التعليق تخفى علينا هل لكم ضابط لكشف غطاها فأجابه بقوله: كلما للتكرار وهي ومهما إن إذا أي من متى معناها

الشرط. ولو علقه بفعله شيئا ففعله ناسيا للتعلق أو جاهلا بأنه المعلق عليه لم تطلق. ولو علق الطلاق على ضرب زوجته بغير ذنب فشتمته فضربها لم يحنث إن ثبت ذلك، وإلا صدقت فتحلف. مهمة: يجوز الاستثناء بنحو إلا بشرط أن يسمع نفسه، وأن يتصل بالعدد الملفوظ: كطلقتك ثلاثا إلا ـــــــــــــــــــــــــــــ للتراخي مع الثبوت إذا لم يك معها إن شئت أو أعطاها أو ضمان والكل في جانب النفي لفور لا إن قدا في سواها وقوله للتراخي مع الثبوت: أي بالتفصيل الذي علمته وكما يقع التعليق بالأدوات المذكورة يقع التعليق بالأوقات فتطلق بوجودها. فإذا قال: أنت طالق شهر كذا أو في أوله أو رأسه أو غرته أو هلاكه وقع الطلاق بأول جزء من الليلة الأولى منه، أو أنت طالق في آخر شهر كذا أو سلخه أو فراغه أو تمامه وقع الطلاق بآخر جزء منه، أو أنت طالق في نهار شهر كذا أو في أول يوم منه طلقت بفجر اليوم الأول منه، أو أنت طالق في أول آخر شهر كذا طلقت بأول اليوم الأخير منه لأنه أول آخره، أو أنت طالق في آخر أوله طلقت بآخر اليوم الأول منه لأنه آخر أوله أو أنت طالق في نصف شهر كذا طلقت بغروب خامس عشره، وإن نقص الشهر أو في نصف نصفه الأول طلقت بطلوع فجر الثامن لأن نصف نصفه سبع ليال ونصف ليلة وسبعة أيام ونصف يوم والليل سابق النهار فأخذنا نصف الليلة الثامنة الذي كان يستحقه النصف الأول وأعطيناه للنصف الثاني فقابلنا ليلة بنصف يوم فصار ثمان ليال وسبعة أيام نصفا وسبع ليال وثمانية أيان نصفا آخر، ولو علقت بما بين الليل والنهار طلقت بالغروب إن علق نهارا وبالفجر إن علق ليلا لأن كلا منهما عبارة عن مجموع جزء من الليل وجزء من النهار: إذ لا فاصل في الحقيقة بينهما. ويقع التعليق أيضا بالصفات كأنت طلاقا سنيا أو بدعيا وليست في حال سنة في الأول ولا في حال بدعة في الثاني فتطلق إذا وجدت الصفة، بخلاف ما إذا كانت في ذلك الحال وقال: سنيا أو بدعيا فتطلق في الحال (قوله: ولا يجوز الرجوع فيه) أي في التعليق. وقوله قبل وجود الصفة: أي المعلق عليها، وهي معلومة وإن لم يتقدم لها ذكر (قوله: ولا يقع) أي الطلاق (قوله: قبل وجود الشرط) المقام للإضمار: إذ المراد به الصفة المعلق عليها (قوله: ولو علقه) أي الطلاق. وقوله بفعله شيئا: أي على أن يفعل هو بنفسه شيئا كإن دخلت الدار فأنت طالق: وخرج بفعله ما لو علقه على فعل غيره. فإن كان ممن يبالي بتعليقه بحيث يشق عليه طلاق زوجته ويحزن له لصداقة أو نحوها وفعله ناسيا أو جاهلا لم يقع أيضا كما إذا علقه على فعل نفسه، وإن كان ممن لا يبالي بذلك وقع. وقوله ففعله ناسيا الخ: عبارة التحفة. تنبيه مهم: محل قبول دعوى نحو النسيان ما لم يسبق منه إنكار أصل الحلف أو الفعل، أما إذا أنكره فشهد الشهود عليه به ثم ادعى نسيانا أو نحوه لم يقبل - كما بحثه الأذرعي - وتبعوه. وأفتيت به مرارا للتناقض في دعواه فألغيت وحكم بقضية ما شهدوا به اه. وفي ترغيب المشتاق في أحكام الطلاق ما نصه: حلف أنه يجامع زوجته في ليلة معينة فعجز عن الوطئ قبل تمكنه منه بأن وجدها حائضا أو طلع الفجر أو نسي أو جب ذكره أو عن أو ماتت فلا حنث في الجميع للعذر. اه. وقوله: لم تطلق لكن اليمين منعقدة فلو فعله بعد ذلك عامدا عالما مختارا حنث (قوله: ولو علق الطلاق إلخ) أي بأن قال إن ضربتك بغير ذنب فأنت طالق (قوله: لم يحنث) أي فلا يقع عليه الطلاق لعدم وجود الصفة المعلق عليها وهي الضرب بغير ذنب لأن الشتم ذنب. وقوله: إن ثبت ذلك: أي شتمها له أي ببينة أو بإقرارها (قوله: وإلا) أي وإن لم يثبت ذلك. وقوله صدقت: أي في عدم شتمها له. وقوله فتحلف: أي على أنها ما شتمته ويقع الطلاق (قوله: مهمة) أي في بيان حكم الإستثناء بإلا ونحوها وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة (قوله: يجوز الإستثناء) أي لوقوعه في القرآن والسنة وكلام العرب. والاستثناء هو مأخوذ من الثني وهو الرجوع والصرف لأن المتكلم رجع عن مقتضى كلامه وصرفه عن ظاهره بالإستثناء. وقد يقال: كيف هذا مع أن الإستثناء معيار العموم ولا عموم في قوله: أنت طالق ثلاثا ويجاب بأن اصطلاح الفقهاء أعم من ذلك. اه. بجيرمي (قوله: بنحو إلا) أي بإلا وأخواتها من أدوات الإستثناء: كغير

اثنتين فيقع طلقه أو إلا واحدة فطلقتان ولو قال: أنت طالق إن شاء الله لم تطلق. (وصدق مدعي إكراه) على طلاق (أو إغماء) حالته (أو سبق لسان) إلى لفظ الطلاق (بيمينه إن كان ثم قرينة) كحبس وغيره في دعوى كونه مكرها وكمرض واعتياد صرع في دعوى كونه مغشيا عليه وككون اسمها طالعا أو طالبا في دعوى سبق اللسان (وإلا) تكن هناك قرينة (فلا) يصدق إلا بيمينه. تتمة من قال لزوجته: يا كافرة مريدا حقيقة الكفر جرى فيها ما تقرر في الردة أو الشتم فلا طلاق وكذا إن لم ـــــــــــــــــــــــــــــ وسوى (قوله: بشرط أن يسمع نفسه الخ) ذكر لصحة الإستثناء شرطين أن يسمع نفسه أي يتلفظ به مسمعا نفسه، وأما إسماع غيره فليس شرطا لصحته. وإنما يعتبر لتصديقه فيه لأنه لو ادعى الاستثناء وأنكرته الزوجة صدقت فتحلف على نفيه، وأن يتصل الإستثناء بالعدد الملفوظ: أي اتصالا عرفيا لا حقيقيا لأنه لا يضر الفصل بسكتة التنفس والعي وانقطاع الصوت وبقي عليه من الشروط أن ينوي الاستثناء قبل الفراغ من المستثنى منه، وأن لا يستغرق المستثنى المستثنى منه. فلو فقد شرط من هذه الشروط لغا الإستثناء وصار كأنه لم يذكر. فلو قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين ولم يسمع نفسه بالإستثناء أو لم يتصل الإستثناء بما قبله أو لم ينو الاستثناء قبل الفراغ، أو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا وقع الطلاق ثلاثا ولغا الإستثناء. لكن محل إلغاء المستغرق ما لم يتبع باستثناء آخر، وإلا صح. فلو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين وقع اثنتان لأن الإستثناء من النفي إثبات وعكسه فالمعنى أنت طالق ثلاثا تقع إلا ثلاثا لا تقع إلا اثنتين تقعان فيقع اثنتان. ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة وقعت واحدة على وزان ما قبله (قوله: فيقع طلقة) أي لأنك أخرجت من الثلاث اثنتين فبقي منها واحدة فهي التي تقع (قوله: أو إلا واحدة) أي أو قال: طلقتك ثلاثا إلا واحدة (قوله: طلقتان) أي فيقع عليه طلقتان لأنه أخرج من الثلاث واحدة فيبقى منها اثنتان وهما اللتان وقعتا (قوله: ولو قال: أنت طالق إن شاء الله) أي أو إذا أو متى أو مهما شاء الله، ومثل الإثبات النفي: كإن لم يشأ الله، ومثل مشيئة الله مشيئة الملائكة لا مشيئة الآدميين. أما هي فيتوقف وقوع الطلاق المعلق على مشيئتهم على وقوع المشيئة منهم (قوله: لم تطلق) أي إن قصد التعليق بالمشيئة نفيا أو إثباتا قبل فراغ اليمين ولم يفصل بينهما وأسمع نفسه، وذلك للخبر الصحيح من حلف ثم قال: إن شاء الله فقد استثنى وهو شامل للطلاق وغيره وخرج بقصد التعليق ما إذا سبق لسانه إليه أو قصد التبرك أو أن كل شئ بمشيئة الله أو لم يعلم هل قصد التعليق أم لا أو أطلق؟ فإنه يقع الطلاق ويلغو الاستثناء. ومحل كون التعليق بالمشيئة يمنع وقوع الطلاق عند قصده في غير حالة النداء. أما فيها فلا يمنع. فلو قال: يا طالق إن شاء الله وقع طلقة. والفرق أن النداء يشعر بحصول الطلاق حالته والحاصل لا يعلق بخلاف غيره كأنت طالق فإنه قد يستعمل عند القرب من الطلاق وتوقع الحصول فيقبل التعليق (قوله: وصدق مدعى الخ) الأنسب ذكره عند قوله: المار لإطلاق مكره الخ (قوله: أو إغماء) أي أو مدعي إغماء. وقوله حالته: أي الطلاق (قوله: أو سبق لسان) أي أو مدعي سبق لسان، وكان المناسب ذكر هذا عند قوله: أول الفصل ولا أثر لحكاية طلاق الغير الخ بأن يقول: ولا لسبق لسانه بالطلاق وهو في الحقيقة مفهوم شرط لم يذكره المؤلف وذكره غيره وهو أن يقصد لفظ الطلاق مع معناه أي يقصد استعماله فيه. وعبارة الأنوار: الركن الخامس القصد إلى حروف الطلاق بمعنى الطلاق فلو سبق لسانه إلى لفظ الطلاق في غفلة أو محاورة وكان يريد أن يتكلم بكلمة أخرى لم يقع الطلاق. اه. ومثله في التحفة والنهاية. وقوله إلى لفظ الطلاق: متعلق بسبق: أي سبق لسانه إلى لفظ الطلاق مع كون القصد النطق بلفظ غيره (قوله: بيمينه) متعلق بصدق (قوله: إن كان ثم قرينة) أي على ما ادعاه، وهو قيد في تصديقه بيمينه (قوله: كحبس الخ) تمثيل للقرينة (قوله: وإلا تكن هناك) أي في دعواه الإكراه أو الإغماء أو سبق اللسان (قوله: فلا يصدق) جواب إن المدغمة في لا النافية (قوله: من قال لزوجته) أي المسلمة (قوله: مريدا حقيقة الكفر) وهي الخروج عن دين الإسلام (قوله: جرى فيها) أي الزوجة. وقوله ما تقرر في الردة وهو أنه إن لم يدخل بها تنجزت الفرقة بكفره بتكفيره إياها وإن دخل بها فإن جمعهما إسلام في العفة دام نكاحها، وإلا فالفرقة حاصلة من حين الردة (قوله: أو الشتم) بالنصب عطف على حقيقة: أي أو مريدا الشتم. وقوله فلا طلاق: أي إن جراد الشتم لا يقع عليه

يرد شيئا لاصل بقاء العصمة، وجريان ذلك الشتم كثيرا مرادا به كفر النعمة. (فرع في حكم المطلقة بالثلاث، حرم لحر من طلقها) ولو قبل الوطئ (ثلاثا ولعبد من طلقها ثنتين) في نكاح أو أنكحة (حتى تنكح) زوج غيره بنكاح صحيح ثم يطلقها وتنقض عدتها منه كما هو معلوم (ويولج) بقبلها (حشفة) منه أو قدرها من فاقدها مع افتضاض لبكر، وشرط كون الايلاج (بانتشار) للذكر، أي معه وإن قل أو ـــــــــــــــــــــــــــــ الطلاق (قوله: وكذا ان لم يرد شيئا) أي وكذا لا يقع عليه الطلاق إن لم يرد بقوله لها يا كافرة شيئا - لا حقيقة الكفر ولا الشتم (قوله: لأصل بقاء العصمة) إضافة أصل إلى ما بعده للبيان، وهو علة لعدم وقوعه عند عدم إرادة شئ. وقوله: وجريان ذلك للشتم كثيرا: علة ثانية له: أي فلما كان جريانه للشتم كثيرا حمل عليه حالة عدم إرادة شئ في عدم وقوع الطلاق. وقوله مرادا به: أي بقوله يا كافرة عند عدم إرادة حقيقة الكفر كفر النعمة، ويحرم عليه ذلك ويعزر به (قوله: فرع في حكم المطلقة بالثلاث) أي أو اثنتين. والأول في حق الحر والثاني في حق العبد، وذلك الحكم هو أنه لا يجوز له مراجعتها إلا بعد وجود خمسة شروط: الأول انقضاء عدتها من المطلق، والثاني: تزويجها بغيره تزويجا صحيحا، والثالث: دخوله بها، والرابع: بينونتها منه، والخامس: انقضاء عدتها منه. وكلها ذكرها المصنف - ما عدا الأول - ويمكن اندراجه في قوله: بنكاح صحيح: إذا النكاح في العدة فاسد (قوله: حرم لحر) أي على حر فاللام بمعنى على. وقوله: ومن طلقها: أي نكاح من طلقها أي نجز طلاقها بنفسه أو وكيله أو علقه بصفة ووجدت تلك الصفة. وقوله: ولو قبل الوطئ: أي سواء طلقها قبله أو بعده وهو غاية للحرمة. وقوله ثلاثا: أي معا أو مرتبا ولا يحرم جمع الطلقات الثلاث - كما ذكر أول الفصل - والقول بحرمته ضعيف، وكذا اثنتان في حق الرقيق (قوله: ولعبد الخ) أي وحرم على عبد ولو مدبر إنكاح من طلقها ثنتين، وذلك لأنه روى عن عثمان رضي الله عنه وزيد بن ثابت ولا مخالف لهما من الصحابة. رواه الشافعي رضي الله عنه (قوله: في نكاح أو أنكحة) مرتبط بكل من طلاق الحر وطلاق العبد. والمراد بالجمع ما فوق الواحد: إذ لا يتصور في الرقيق إلا نكاحان، ومعنى تطليقها في أنكحة أن ينكحها أو لا - ثم يطلقها وبعد انقضاء عدتها يراجعها بنكاح جديد. وهكذا (قوله: حتى تنكح زوجا غيره) أي تنتهي الحرمة بنكاحها زوجا غيره مع وجود بقية الشروط: أي ولو كان عبدا بالغا - بخلاف العبد الصغير لأن سيده لا يجبره على النكاح. قال في الإقناع: فليحذر مما وقع لبعض الرؤساء والجهال من الحيلة لدفع العار من نكاحها مملوكه الصغير ثم بعد وطئه يملكه لها لينفسخ النكاح، وقد قيل إن بعض الرؤساء فعل ذلك وأعادها فلم يوفق الله بينهما وتفرقا. اه. وأما الحر الصغير فيكفي لكن بشرط كونه يمكن جماعه، ولكن لا يقع طلاقه إلا بعد بلوغه (قوله: بنكاح صحيح) وذلك لأنه تعالى علق الحل بالنكاح، وهو إنما يتناول النكاح الصحيح. وخرج بالنكاح ما لو وطئت بملك اليمين أو بشبهة فلا يكفي. وخرج بالصحيح الفاسد كما لو شرط على الزوج الثاني في صلب العقد أنه إذا وطئ طلق أو فلا نكاح بينهما. فإن هذا الشرط يفسد النكاح فلا يصح التحليل، وعلى هذا يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: لعن الله المحلل والمحلل له بخلاف ما لو تواطأوا على ذلك قبل العقد ثم عقدوا من غير شرط مضمرين ذلك فلا يفسد النكاح، به لكنه يكره: إذ كل ما لو صرح به أبطل، بكون إضماره مكروها (قوله: ثم يطلقها إلى قوله: معلوم) في بعض نسخ الخط ذكره عقب قوله: مع اقتضاض لبكر وهو أولى، وأولى منه تأخيره عن قوله بانتشار - كما هو ظاهر - وفي بعض نسخ الطبع إسقاطه بالكلية وهو خطأ. والمعنى ثم بعد أن تنكح زوجا غيره يشترط أن يطلقها ذلك الغير وتنقضي عدتها منه (قوله: كما هو) أي المذكور من الطلاق وانقضاء العدة معلوم: أي وإن لم يصرح به في الآية الآتية: (قوله: ويولج بقبلها) معطوف على تنكح: أي وحتى يولج بقبلها. أي ولو حائضة أو صائمة أو مظاهرا منها أو معتدة عن شبهة طرأت في نكاح المحلل أو محرمة بنسك أو كان هو محرما به أو صائما فيصح التحليل وإن كان الوطئ حراما، وخرج بالقبل الدبر فلا يحصل بالوطئ فيه التحليل كما لا يحصل به التحصين. وقوله حشفة: أي ولو كان عليها حائل كأن لف عليها خرقة وقوله منه: متعلق بمحذوف صفة لحشفة - أي حشفة كائنة من الزوج الآخر - وهو قيد خرج به ما لو أتى بحشفة للغير مقطوعة وأدخلها فلا يكفي (قوله: أو قدرها) أي أو يولج قدر الحشفة. وقوله من فاقدها: الجار

أعين بنحو إصبع، ولا يشترط إنزال، وذلك للآية. والحكمة في اشتراط التحليل التنفير من استيفاء ما يملكه من الطلاق (ويقبل قولها) أي المطلقة (في تحليل) وانقضاء عدة عند إمكان (وإن كذبها الثاني) في وطئه لها لعسر إثباته (و) إذا ادعت نكاحا وانقضاء عدة وحلفت عليهما جاز (ل) - لزوج (الاول نكاحها) وإن ظن كذبها لان العبرة ـــــــــــــــــــــــــــــ والمجرور متعلق بمحذوف حال من قدرها: أي أو يولج قدرها حال كونه من فاقدها: أي مقطوعها وخرج به إيلاج قدر الحشفة مع وجودها كأن يثني ذكره ويدخل قدرها فلا يحصل به التحليل (قوله: مع افتضاض لبكر) متعلق بيولج، وهو شرط في التحليل: أي يشترط في تحليل البكر مع إيلاج الحشفة افتضاضها فلا بد من إزالة البكارة ولو كانت غوراء (قوله: وشرط كون الإيلاج بانتشار للذكر) أي بالفعل لا بالقوة على الأصح - كما أفهمه كلام الأكثرين - وصرح به الشيخ أبو حامد وغيره. فما قيل إن الإنتشار بالفعل لم يقل به أحد مردود. وقال الزركشي: وليس لنا نكاح يتوقف على الإنتشار إلا هذا. وخرج به ما إذا لم ينتشر لشلل أو عنة أو غيرهما فلا يحضل به التحليل حتى لو أدخل السليم ذكره بأصبعه من غير انتشار لم يحصل به التحليل. وقوله: أي معه: أفاد به أن الباء الداخلة على انتشار بمعنى مع. وقوله: وإن قل: أي ضعف الإنتشار فإنه يكفي (قوله: أو أعين بنحو أصبع) غاية ثانية ونائب الفاعل ضمير يعود على الإنتشار: أي وإن استعان الواطئ عليه بنحو أصبع: أي مرور نحو أصبع له أولها. وعبارة الروض وشرحه: بشرط الإنتشار للآلة وإن ضعف الإنتشار واستعان باصبعه أو أصبعها ليحصل ذوق العسيلة. اه (قوله: ولا يشترط) أي في التحليل. وقوله: إنزال أي للمني (قوله: وذلك) أي حرمتها عليه حتى تنكح الخ. وقوله للآية وهي: * (فإن طلقها - أي الثالثة - فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * (قوله: والحكمة في اشتراط التحليل) أي وهو نكاحها زوجا غيره وتطليقها وانقضاء عدتها (قوله: التنفير من استيفاء ما يملكه) أي الزوج من الطلاق ثلاثا إن كان حرا أو اثنتين إن كان عبدا وأوضح الإمام القفال حكمة اشتراط التحليل فقال وذلك لأن الله تعالى شرح النكاح للإستدامة وشرع الطلاق الذي يملك فيه الرجعة لأجل الرجعة، فكأن من لم يقبل هذه الرخصة صار مستحقا للعقوبة، ونكاح الثاني فيه غضاضة على الأول. اه. وقوله غضاضة: أي مرارة. والمراد لازمها: وهو الصعوبة (قوله: ويقبل قولها أي المطلقة في تحليل) أي فإذا ادعت أنها نكحت زوجا آخر وأنه طلقها وانقضت عدتها تصدق في ذلك لكن بيمينها على ما سيأتي (قوله: وانقضاء عدة) معطوف على تحليل من عطف الخاص على العام: إذ التحليل شامل له ولغيره من بقية الشروط (قوله: عند إمكان) متعلق بيقبل أن يقبل قولها عند إمكانه بأن مضى زمن يمكن فيه التزوج وانقضاء العدة (قوله: وإن كذبها الثاني الخ) غاية للقبول: أي يقبل قولها في ذلك وإن كذبها الثاني الذي هو المحلل في وطئه لها بأن قال لها: إني لم أطأك. وقوله لعسر إثباته: أي الوطئ، وهو تعليل لقبول ما ذكر مع التكذيب المذكور. ومقتضاه أنه لا يقبل قولها في أصل النكاح إذا أنكره الثاني: إذ لا يعسر إثباته وليس كذلك بل يقبل قولها في ذلك وإن كذبها الزوج فيه. نعم: إن انضم معه الولي والشهود وكذبها الجميع فلا يقبل قولها - كما هو صريح التحفة - ونصها: ويكره تزوج من ادعت التحليل لزم إمكانه ولم يقع في قلبه صدقها وكذبها زوج عينته في النكاح أو الوطئ وإن صدقناه في نفيه حتى لا يلزمه مهر أو نصفه ما لم ينضم لتكذيبه في أصل النكاح تكذيب الولي والشهود. اه. وفي ق ل على الجلال ما نصه: وتصدق في عدم الإصافة وإن اعترف بها المحلل فليس للأول تزوجها وتصدق في دعوى الوطئ إذا أنكره المحلل أو الزوج كما تصدق إذا ادعت التحليل وإن كذبها الولي أو الشهود أو الزوج أو اثنان من هؤلاء الثلاثة لا إن كذبها الجميع، ويكره نكاح من ظن كذبها فيه. ولو رجع الزوج عن التكذيب قبل أو رجعت هي عن الإخبار بالتحليل قبلت قبل عقد الزوج - لا بعده - اه (قوله: وإذا الخ) أصل المتن: وللأول نكاحها. فقوله: إذا ادعت الخ دخول عليه (قوله: وحلفت عليهما) أي على النكاح وانقضاء العدة. قال البجيرمي: لا يحتاج إلى الحلف إلا إذا أنكر المحلل بعد طلاقه الوطئ. أو قال ذلك وليها، أما إذا لم يعارض أحد وصدقها الزوج الأول فلا يحتاج إلى يمينها - كما أفاده شيخنا الحفناوي. اه (قوله: وإن ظن كذبها) غاية في الجواز:

_ (1) سورة البقرة، الاية: 230.

في العقود بقول أربابها ولا عبرة بظن لا مستند له. ولو ادعى الثاني الوطئ وأنكرته لم تحل للاول ولو قالت: لم أنكح ثم كذبت نفسها وادعت نكاحا بشرطه جاز للاول نكاحها إن صدقها (ولو أخبرته) أي المطلقة زوجها الاول (أنها تحللت ثم رجعت) وكذبت نفسها (قبلت) دعواها (قبل عقد) عليها للاول فلا يجوز له نكاحها (لا بعده): أي لا يقبل إنكارها التحليل بعد عقد الاول، لان رضاها بنكاحه يتضمن الاعتراف بوجود التحليل فلا يقبل منها خلافه (وإن صدقها الثاني) في عدم الاصابة لان الحق تعلق بالاول فلم تقدر هي ولا مصدقها على رفعه كما أفتى به جمع من مشايخنا المحققين. تتمة إنما يثبت الطلاق كالاقرار به بشهادة رجلين حرين عدلين فلا يحكم بوقوعه بشهادة الاناث ولو مع ـــــــــــــــــــــــــــــ أي جاز للأول ذلك وإن ظن كذبها. وعبارة الروض وشرحه: وله أي للأول - تزوجها وإن ظن كذبها، لكن يكره فإن كذبها - بأن قال: هي كاذبة منعناه من تزوجها إلا إن قال بعده تبينت صدقها - فله تزوجها لأنه ربما انكشف له خلاف ما ظنه. اه (قوله: لأن العبرة الخ) علة لجواز نكاحها مع ظنه كذبها. وقوله بقول أربابها: أي أصحابها: أي والزوجة المدعية ذلك منهم في الجملة أو قوله ولا عبرة بظن الخ من جملة العلة. وقوله: لا مستند له: أي شرعي وعبارة التحفة، وإنما قبل قولها في التحليل من ظن الزوج كذبها لما مر أن العبرة في العقود بقول أربابها وأن لا عبرة بالظن إذا لم يكن له مستند شرعي، وقد غلط المصنف - كالإمام المخالف - في هذا، ولكن انتصر له الأذرعي وأطال. اه (قوله: ولو ادعى الثاني) أي المحلل. وقوله الوطئ: أي أنه وطئها. وقوله: وأنكرته، أي الوطئ (قوله: لم تحل للأول) أي لأن القول - كما تقدم في الصداق - قول نافي الوطئ (قوله: ولو قالت: لم أنكح الخ) عبارة شرح الروض: ولو قالت: أنا لم أنكح ثم رجعت وقالت: كذبت بل نكحت زوجا ووطئني وطلقني واعتددت وأمكن ذلك وصدقها الزوج فله نكاحها. ولو قالت: طلقني ثلاثا ثم قالت: كذبت ما طلقني إلا واحدة أو اثنتين فله التزوج بها بغير تحليل. قال في الأنوار: ووجهه أنها لم تبطل برجوعها حقا لغيرها. وقد يقال: أبطلت حق الله تعالى وهو التحليل. اه (قوله: وادعت نكاحا) أي تحل به للأول. وقوله بشرطه: أي النكاح الذي تحل به للأول وشرطه مفرد مضاف فيعم: أي شروطه وهي كونه صحيحا وكونها وطئت فيه وكون الزوج المحلل طلقها وكونها انقضت عدتها (قوله: جاز للأول نكاحها إن صدقها) خرج به ما لو كذبها فلا يجوز له نكاحها وانظر لو ظن كذبها: هل يجوز له أن يتزوج بها أيضا كما إذا لم يسبق إنكار منها أو لا؟ وعلى عدم الجواز فانظر الفرق بين ما هنا وبين ما تقدم من أنه يجوز له فيه نكاحها وإن ظن كذبها، ويمكن أن يفرق بتقديم إنكار النكاح هنا دون ما تقدم (قوله: أي المطلقة) بيان للفاعل: وقوله زوجها الأول: بيان للمفعول (قوله: أنها تحللت) أي نكحت نكاحا صحيحا بشروطه السابقة (قوله: ثم رجعت) أي عما أخبرت به وبين الرجوع بقوله: وكذبت نفسها (قوله: قبلت دعواها) أي الرجوع عن قولها الأول (قوله: قبل عقد عليها) متعلق بقبلت أو بمحذوف حال من نائب فاعله الذي قدره الشارح (قوله فلا يجوز له) أي للأول نكاحها، وهو مفرع على قبول دعواها (قوله: لا بعده) معطوف على قبل عقد. وقوله أي لا يقبل الخ: بيان لمفهومه. وقوله: إنكارها التحليل: أي وهو دعواها التي عبر بها آنفا، وكان الأنسب التعبير بها هنا أيضا (قوله: لأن رضاها بنكاحه) أي الأول، وهو علة لعدم قبول ذلك بعد العقد. وقوله يتضمن الاعتراف. أي الإقرار منها بوجود التحليل. وقوله: فلا يقبل منها خلافه: أي خلاف ما اعترفت به (قوله: وإن صدقها الثاني في عدم الإصابة) أي الوطئ وهو غاية لعدم قبول إنكارها بعد العقد، وكان المناسب أن يقول في عدم التحليل لفقد شرط من شروطه كالإصابة. وقوله لأن الحق الخ: علة لعدم قبول إنكارها بعد العقد، والمراد بالحق انتفاعه بالبضع بسبب العقد (قوله: على رفعه) أي الحق أي إزالته. فرع: قال في التحفة: وفي الحاوي لو غاب بزوجته ثم رجع وزعم موتها حل لأختها نكاحه - بخلاف ما لو غابت زوجته وأختها فرجعت: أي الأخت وزعمت موتها لم تحل له. اه. (قوله: تتمة) أي فيما يثبت به الطلاق (قوله: إنما يثبت الطلاق) أي على الزوج المنكر له (قوله: كالإقرار به) أي

رجل أو كن أربعا ولا بالعبيد ولو صلحاء ولا بالفساق، ولو كان الفسق، بإخراج مكتوبة عن وقتها بلا عذر ويشترط للاداء والقبول أن يسمعاه ويبصر المطلق حين النطق به فلا يصح تحملها الشهادة اعتمادا على الصوت من غير أن يريا المطلق لجواز اشتباه الاصوات وأن يبينا لفظ الزوج من صريح أو كناية ويقبل فيه شهادة أبي المطلقة وابنها إن شهدا حسبة. ولو تعارضت بينتا تعليق وتنجيز قدمت الاولى لان معها زيادة علم بسماع التعليق. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالطلاق. وصورة ذلك أن يقر بالطلاق ثم ينكره فإذا ادعى عليه بإقراره به لا يقبل ذلك إلا بشهادة رجلين (قوله: بشهادة الخ) متعلق بيثبت. وقوله رجلين الخ: ذكر ثلاثة شروط الذكورة والحرية والعدالة، فلو فقد واحد منها لا يحكم بوقوع الطلاق - كما بينه بعد بالتفريع (قوله: فلا يحكم إلخ) وذلك لأنه مما يظهر للرجال غالبا وهو لا يقبل فيه شهادة النساء. وقوله بوقوعه: أي الطلاق. وقوله: بشهادة الأناث: أي على الطلاق أو على الإقرار به (قوله: ولو مع رجل) غاية في عدم جواز الحكم بشهادة الأناث (قوله: أو كن أربعا) أي ولو كانت الأناث أربعا فلا يقبل لما علمت (قوله: ولا بالعبيد) معطوف على قوله بشهادة الأناث: أي ولا يحكم بوقوعه بالعبيد أي بشهادتهن، وهذا مفهوم الحرية والذي قبله مفهوم الذكورة. وقوله ولو صلحاء: أي ولو كانت العبيد صلحاء فلا يحكم بشهادتهم. وقوله: ولا بالفساق، معطوف على قوله: بشهادة الأناث: أي ولا يحكم بالفساق أي بشهادتهم وهذا مفهوم العدالة (قوله: ولو كان إلخ) غاية في عدم جواز الحكم بشهادة الفساق (قوله: بلا عذر) قيد في إخراج المكتوبة عن وقتها الذي يفسق به. وخرج به ما إذا كان بعذر فلا يكون مفسقا (قوله: ويشترط للأداء) أي أداء الشهادة بالطلاق عند الحاكم وقبولها منه. والمراد يشترط لصحة الشهادة على الطلاق أداء وقبولا. وقوله أن يسمعاه: أي المذكور من الطلاق والإقرار به فلا تقبل شهادة الأصم به. وقوله: ويبصر المطلق، أي أو المقر به فلا نقبل شهادة الأعمى فيه لجواز أن تشتبه الأصوات، وقد يحاكي الإنسان صوت غيره فيشتبه به إلا أن يقر شخص في إذنه فيمسكه حتى يشهد عليه عند قاض أو يكون عماه بعد تحمله والمشهود عليه معروف الإسم والنسب فتقبل شهادته لحصول العلم بأنه المشهود عليه (قوله: حين النطق به) أي بالطلاق (قوله: فلا يصح تحملهما) أي الشاهدين. وهو تفريع على مفهوم الشرط الثاني: أعني أن يبصرا فقط بدليل ما بعده، وكان الأولى أن يفرع عليه وعلى ما قبله وهو أن يسمعاه بأن يقول: فلا يصح تحملهما لكونهما أصمين أو لم يريا المطلق (قوله: من غير أن يريا المطلق) أي لعمي قائم بهما أو ظلمة (قوله: لجواز اشتباه الأصوات) تعليل لعدم صحة التحمل اعتمادا على الصوت (قوله: وأن يبينا الخ) معطوف على أن يسمعاه: أي ويشترط أن يبين الشاهدان اللفظ الصادر من الزوج من صريح أو كناية. وهذا شرط للقبول (قوله: ويقبل فيه) أي في الطلاق (قوله: شهادة أبي المطلق وابنها) أي الذي يأتي للشارح في باب الشهادة أنه لا ترد شهادة الفرع على أبيه بطلاق ضرة أمه وعبارته هناك: ولا ترد على أبيه بطلاق ضرة أمه طلاقا بائنا وأمه تحته، أما رجعي فتقبل قطعا. هذا كله في شهادة حسبه الخ. ومثله في المنهاج، ولم يذكر ابن حجر وم ر أنه يجوز ذلك في مسألتنا. ثم رأيت في الروض - في باب الشهادة - ما ذكره الشارح، وعبارته مع شرحه: وتقبل شهادته على الأب بتطليق ضرة أمه وقد قذفها وإن جر نفعا إلى أمه: إذ لا عبرة بمثل هذا الجر لا شهادته لأمه بطلاق أو رضاع إلا إن شهد لها حسبة. اه. لكن الذي في العبارة المذكورة شهادة الابن بطلاق زوجها لها لا شهادة أبيها له، ويمكن أن يقاس على الابن. فكما قبلت شهادة الإبن بالطلاق قبلت شهادة الأب فيصح ما قاله المؤلف هنا من قبول شهادة أبي المطلقة وابنها (قوله: إن شهد أحسبه) وهي ما قصد بها وجه الله فتقبل قبل الإستشهاد. وخرج بذلك ما لو شهدا لا حسبة، بل بتقدم دعوى فلا تقبل شهادتهما لها للتهمة (قوله: ولو تعارضت الخ) يعني لو ادعى الزوج أنه طلقها طلاقا معلقا وادعت هي أنه منجز وأقاما بينتين متعارضتين بأن لم تؤرخا بتاريخين مختلفين بأن أطلقتا أو أرختا بتاريخ واحد أو أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى - كما تقدم غير مرة - قدمت بينة التعليق لأن معها زيادة علم بسماع التعليق والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في الرجعة هي لغة المرة من الرجوع وشرعا رد المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائن في العدة (صح رجوع مفارقة ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في الرجعة أي في بيان أحكامها. وذكرها عقب الطلاق لأنها تترتب عليه في الجملة: أي فيما إذا كان رجعيا وأصلها الإباحة، وتعتريها أحكام النكاح السابقة، وهي: الوجوب على من طلق إحدى زوجتيه قبل أن يوفي لها ليلتها، والحرمة فيما إذا ترتب عليها عدم القسم أو عجز عن الإنفاق، والكراهة حيث سن الطلاق، والندب حيث كان الطلاق بدعيا والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * أي في العدة * (إن أرادوا إصلاحا) * أي رجعة: كما قال الشافعي رضي الله عنه: وقوله تعالى: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * والرد والإمساك مفسران بالرجعة. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: أتاني جبريل فقال لي: يا محمد راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة. وأركانها ثلاثة: مرتجع، ومحل، وصيغة، والمراد بالمرتجع الزوج أو من يقوم مقامه من وكيل فيما إذا وكل أن يراجع زجته وولي فيما إذا جن من قد وقع عليه الطلاق وكان الصلاح في الرجعة، وشرط فيه أهلية عقد النكاح بنفسه، بأن يكون بالغا عاقلا مختارا، وشرط في المحل كونه زوجة موطوءة وفي معنى الوطئ استدخال المني المحترم معينة قابلة للحل مطلقة مجانا لم يستوف عدد طلاقها وتكون الرجعة في العدة. فخرج بالزوجة الأجنبية، وبالموطوءة والملحقة بها المطلقة قبل الوطئ وما في معناه فلا تصح رجعتها لبينونتها بالطلاق قبل الدخول وبالمعينة المبهمة، فلو طلق إحدى زوجتيه مبهمة ثم راجعها أو طلقهما جميعا ثم راجع إحداهما مبهمة لم تصح الرجعة، وبالقابلة للحل المرتدة فلا تصح رجعتها في حال ردتها لأن مقصود الرجعة الحل والردة تنافيه، وكاذا لو ارتد الزوج أو ارتدا معا. وبالمطلقة المفسوخ نكاحها فلا رجعة فيها وإنما تسترد بعقد جديد، وبمجانا المطلقة بعوض فلا رجعة فيها أيضا بل تحتاج إلى عقد جديد، وبلم يستوف عدد طلاقها المطلقة ثلاثا فلا تحل له إلا بمحلل - كما تقدم - ويفي العدة ما إذا انقضت عدتها فلا تحل له إلا بعقد جديد. وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالمراد صريحا كان أو كناية بشرط عدم التعليق ولو بمشيئتها وعدم التأقيت. فلو قال: راجعتك إن شئت، فقالت: شئت لم تصح الرجعة، وكذا لو قال: راجعتك شهرا. ولا تصح النية من غير لفظ ولا بفعل كوطئ، خلافا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. نعم: لو صدر ذلك من كفار واعتقدوه رجعة ثم ترافعوا إلينا وأسلموا أقررناهم ويقوم مقام اللفظ الكتابة مع النية وإشارة الأخرس المفهمة كسائر العقود. وجميع هذه الأركان مع معظم الشروط تفلم من كلامه (قوله: هي) أي الرجعة بفتح الراء وكسرها، والأول أفصح: وقوله لغة المرة: أي حتى على الكسر. ولا يخالفه قول ابن مالك: وفعله لمرة كجلسة وفعله لهيئة كجلسة لأن ذلك أغلبي - لا كلي - وقوله: من الرجوع: حال من المرة: أي حال كون المرة كائنة من الرجوع، سواء كان من الطلاق أو غيره، فيكون المعنى اللغوي أعم من الشرعي (قوله: وشرعا) عطف على لغة (قوله: رد المرأة) من إضافة

_ (1) سورة البقرة، الاية: 228. (2) سورة البقرة، الاية: 229.

بطلاق دون أكثره) فهو ثلاث لحر وثنتان لعبد (مجانا) بلا عوض (بعد وطئ) أي في عدة وطئ (قبل انقضاء عدة) فلا يصح رجوع مفارقة بغير طلاق كفسخ ولا مفارقة بدون ثلاث مع عوض كخلع لبينونتها ومفارقة قبل وطئ: إذ لا عدة عليها ولا من انقضت عدتها لانها صارت أجنبية. ويصح تجديد نكاحهن بإذن جديد وولي وشهود ومهر آخر ولا مفارقة بالطلاق الثلاث فلا يصح نكاحها إلا بعد التحليل، وإنما يصح الرجوع (براجعت) أو رجعت ـــــــــــــــــــــــــــــ المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل: أي رد الزوج أو القائم مقامه المرأة (قوله: إلى النكاح) أي الكامل، وإلا فهي قبل الرد في نكاح لأن لها حكم الزوجة في النفقة ونحوها كلحوق الطلاق والظهار، إلا أنه ناقص لعدم جواز التمتع بها (قوله: من طلاق) متعلق برد، وهو قيد أول خرج به وطئ الشبهة والظهار والإيلاء فإن استباحة الوطئ فيها بعد زوال المانع لا يسمى رجعة: وقوله: غير بائن، قيد ثان خرج به البائن: كالمطلقة بعوض، والمطلقة ثلاثا، وقد تقدم حكمهما. وقوله في العدة: أي عدة الطلاق، وهو متعلق برد خرج به ما إذا انقضت العدة فلا تحل له إلا بعقد جديد - كما تقدم - وقال بعضهم: إن هذا للإيضاح لأنها بعدها تصير بائنا، وفي التحفة والنهاية وغيرهما زيادة على وجه مخصوص بعد قوله في العدة ويشار به إلى شروط الرجعة المعتبرة في صحتها وقد علمتها (قوله: صح رجوع مفارقة) أي امرأة مفارقة: أي فارقها زوجها وهو شروع في بيان شروط الرجعة، وذكر منها ستة: أن يكون الفراق بطلاق، وأن لا يبلغ أكثره، وأن يكون مجانا، وأن يكون بعد وطئ، وأن يكون قبل انقضاء العدة، وأن يكون الرجوع بصيغة. وبقي منها كون المطلقة قابلة للحل للمراجع، فلو أسلمت الكافرة واستمرت وراجعها في كفره لم يصح، وكونها معينة - كما تقدم التنبيه على ذلك - (قوله: بطلاق) متعلق بمفارقة (قوله: دون أكثره) الظرف متعلق بمحذوف صفة لطلاق: أي طلاق لم يبلع أكثره (قوله: فهو) أي أكثر الطلاق. وقوله ثلاث لحر: أي ثلاث طلقات بالنسبة للحر: وقوله: وثنتان لعبد: أي وهو بالنسبة للعبد ثنتان (قوله: مجانا) حال من النكرة وهو طلاق، وهو جائز عند بعضهم (قوله: بلا عوض) بيان لمجانا (قوله: بعد وطئ) متعلق بمفارقة أو بمحذوف صفة لطلاق (قوله: أي في عدة وطئ) أنظر هذا التفسير فإنه إن جعل تفسير مراد لقوله: بعد وطئ المتعلق بمفارقة أو بمحذوف صفة لطلاق لزم تعلقه هو بهما أيضا فيصير التقدير مفارقة في أثناء العدة أو طلاق كائن في أثناء العدة وهو لا معنى له، وإن جعل قيدا زائدا متعلقا برجوع كان مكررا مع قوله قبل انقضاء عدة إذا علم ذلك فالصواب إسقاطه أو تأخيره عن قوله قبل انقضاء عدة ويكون تفسير مراد له لأن قوله قبل انقضاء صادق بما إذا قارنت الرجعة الانقضاء - كما في البجيرمي - وفي هذه الحالة لا تصح الرجعة، كما نص عليه في التحفة فبتفسيره بما ذكر تخرج هذه الحالة (قوله: قبل انقضاء عدة) متعلق برجوع: أي رجوع قبل انقضاء عدة: أي قبل تمام عدة الزوج فلو وطئت في عدته بشبهة وحملت منه فإنها تنتقل لعدة الحمل من الشبهة وبعد ذلك تكمل عدة الطلاق، فلو راجعها في عدة الشبهة صح لكونها رجعة قبل تمام عدة ولكن لا يستمتع بها حتى تقضيها (قوله: فلا يصح رجوع مفارقة الخ) شروع في أخذ محترزات القيود المارة (قوله: بغير طلاق) محترز قوله: بطلاق. وقوله كفسخ: تمثيل للمفارقة بغير طلاق: أي فلا تصح الرجعة فيه لأنه إنما شرع لدفع الضرر فلا يليق به جواز الرجعة (قوله: ولا مفارقة الخ) معطوف على مفارقة بغير طلاق. وقوله: بدون ثلاث مع عوض: محترز قوله: مجانا، وقوله: كخلع، تمثيل للمفارقة بالعوض. وقوله: لبينونتها، علة لعدم صحة الرجوع فيه - أي وإنما لم يصح لبينونتها بالعوض: إذ هي تملك نفسها به (قوله: ومفارقة قبل وطئ) معطوف أيضا على مفارقة بغير طلاق، وهو محترز قوله بعد وطئ. وقوله إذ لا عدة عليها: علة لعدم صحة الرجعة أيضا: أي فلا يصح الرجوع في المفارقة قبل الوطئ لأنه لا عدة عليها، وشرط الرجعة أن تكون في عدة (قوله: ولا من انقضت عدتها) الموصول واقع على مفارقة ومعطوف على مفارقة بغير طلاق أيضا أي ولا يصح رجوع المفارقة التي انقضت عدتها. وقوله لأنها صارت أجنبية علة له: أي وإنما لم يصح ممن انقضت عدتها لأنها صارت أجنبية بانقضاء العدة (قوله: ويصح تجديد نكاحهن) أي المفارقة بالفسخ والمفارقة بعوض والمفارقة قبل الوطئ والمفارقة التي انقضت عدتها (قوله: بإذن جديد) هذا في غير المفارقة قبل الوطئ إذا كانت بكرا، أما هي فلا يشترط إذن جديد منها (قوله: ولا مفارقة بالطلاق الثلاث) معطوف أيضا

(زوجتي) أو فلانة وإن لم يقل: إلي نكاحي أو إلي لكن يسن أن يزيد أحدهما مع الصيغة: ويصح برددتها إلى نكاحي وبأمسكتها، وأما عقد النكاح عليها بإيجاب وقبول فكناية تحتاج إلى نية. ولا يصح تعليقها كراجعتك إن شئت. ولا يشترط الاشهاد عليها بل يسن. فروع يحرم التمتع برجعية ولو بمجرد نظر ولاحد إن وطئ، بل يعزر وتصدق بيمينها في انقضاء العدة ـــــــــــــــــــــــــــــ على مفارقة بغير طلاق أيضا، وهو محترز قوله: دون أكثره على سبيل اللف والنشر المشوش، ولعله ارتكبه لكون الحكم في غير الأخيرة واحدة بخلافه في الأخيرة فإنه مخالف له - كما بينه بقوله فلا يصح نكاحها - أي المفارقة بالطلاق الثلاث إلا بعد التحليل: أي بأن تنكح زوجا آخر ويطلقها وتنقضي عدتها (قوله: وإنما يصح الرجوع براجعت الخ) شروع في بيان الصيغة. وقوله أو رجعت: أي بتخفيف الجيم: قال تعالى: * (فإن رجعك الله) * (قوله: زوجتي) تنازعه كل من راجعت ورجعت وقوله أو فلانة: أي هو مخير بين أن يقول: زوجتي أو يقول: فلانة ويذكر اسمها كفاطمة، ومثله ما لو أتي بضمير المخاطبة كراجعتك وفي المغنى تنبيه لا يكفي مجرد راجعت أو ارتجعت أو نحو ذلك، بل لا بد من إضافة ذلك إلى مظهر: كراجعت فلانة، أو مضمر. كراجعتك، أو مشار إليه: كراجعت هذه. اه: (قوله: وإن لم يقل الخ) غاية في صحة الرجوع الخ، وهي للتعميم: أي يصح بما ذكر ويكون صريحا فيه - سواء أضافه إلى نفسه: كإلي نكاحي، أو إلي بتشديد التحتية، أم لا (قوله: لكن يسن) إستدراك من صحته بدون ذلك الموهم أنه غير سنة أيضا. وقوله: أن يزيد أحدهما: أي هو إلى نكاحي، أو إلي بتشديد الياء، وقوله مع الصيغة: أي صيغة الرجعة بأن يقول: رجعت زوجتي إلى نكاحي أو إلي (قوله: ويصح) أي الرجوع. وقوله: برددتها إلى نكاحي: أي إلي وهو صريح أيضا لكن مع الإضافة المذكورة. قال م ر: لأن الرد وحده المتبادر منه إلى الفهم ضد القبول، فقد يفهم منه الرد إلى أهلها بسبب الفراق، فاشترط ذلك في صراحته، خلافا لجمع. اه. ومثله في التحفة (قوله: وبأمسكتها) أي ويصح بأمسكتها، وهو صريح. ولا يشترط فيه الإضافة لكن تندب فيه، خلافا لما في الروضة من اشتراط ذلك فيه أيضا كالرد (قوله: وأما عقد النكاح الخ) أي وأما جريان صورة عقد النكاح على الرجعية بإيجاب وقبول فكناية رجعة، وذلك بأن يبتدئ وليها بإيجاب بأن يقول له: زوجتك بنتي فيقول المرتجع: قبلت نكاحها قاصدا الرجعة. وفي البجيرمي: فإذا جرى بينه وبين الولي عقد النكاح بإيجاب وقبول فهو كناية في الرجعية لأن ما كان صريحا في شئ لا يكون صريحا في غيره كالطلاق والظهار، فإن نوى فيما إذا عقد على الرجعة بإيجاب وقبول الرجعة حصلت وإلا فلا. ولا يلزم المال الذي عقد به. اه. وقوله: تحتاج إلى نية: ظاهره أن الولي ينوي بقوله: زوجتك الإرجاع، والمرتجع: ينوي الإرتجاع، والظاهر أن الولي لا يشترط نيته ذلك. إذ لا فائدة فيها. فليراجع (قوله: ولا يصح تعليقها) أي صيغة الرجعة، ومثل التعليق التأقيت فهو لا يصح أيضا كراجعتك شهرا. وقوله: كراجعتك الخ: تمثيل للتعليق. وقوله إن شئت: هو بكسر الهمزة والتاء، فلو ضم التاء من شئت أو فتح الهمزة من أن أو أبدلها بإذا صحت الرجعة لا فرق بين النجوى وغيره، وقيل يفرق بين النجوى وغيره - وهو المعتمد - اه. بجيرمي (قوله: ولا يشترط الإشهاد عليها) أي على الرجعة، وهذا في الجديد لأن الرجعة في حكم إستدامة النكاح، ومن ثم لم يحتج لولي ولا لرضاها، ولقوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * ولخبر أنه - صلى الله عليه وسلم -: قال لعمر: مره فليراجعها ولم يذكر فيها إشهادا. وفي القديم يجب الإشهاد، لظاهر آية: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * قال في المغني: وأجاب الأول بحمل ذلك على الإستحباب: كما في قوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * للأمن من الجحود، وإنما وجب الإشهاد على النكاح لإثبات الفراش، وهو ثابت هنا (قوله: فروع) أي ثلاثة الأول قوله يحرم الخ، الثاني قوله: وتصدق الخ، الثالث قوله ولو ادعى رجعة الخ (قوله: يحرم التمتع برجعية الخ) أي قبل الرجعة

_ (1) سورة التوبة، الاية: 83. (3) سورة الطلاق، الاية: 2. (2) سورة البقرة، الاية: 228. (4) سورة البقرة، الاية: 282.

بغير الاشهر من أقراء أو وضع إذا أمكن وإذا أنكره الزوج أو خالفت عادتها لان النساء مؤتمنات على أرحامهن ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنها مفارقة كالبائن وأيضا النكاح يبيحه فيحرمه الطلاق لأنه ضده. قال سم: وعد في الزواجر من الكبائر وطئ الرجعية قبل ارتجاعها من معتقد تحريمه، ثم قال: وعد هذا كبيرة إذا صدر من معتقد تحريمه غير بعيد إلى آخر ما أطال في بيانه. اه (قوله: ولو بمجرد نظر) غاية لمقدر: أي يحرم التمتع بسائر التمتعات ولو كان بمجرد النظر: سواء كان بشهوة أو غيرها (قوله: ولا حد إن وطئ) أي ولا حد على المطلق طلاقا رجعيا إن وطئها قبل الرجعة وإن اعتقد تحريمه، وذلك للخلاف الشهير في إباحته وحصول الرجعة به. نعم. يجب عليه لها بالوطئ مهر المثل للشبهة ولو راجع بعده لأن الرجعة لا ترفع أثر الطلاق وتستأنف له عدة من تمام الوطئ لكونه شبهة، فإذا حملت منه أو كانت حاملا فله مراجعتها فيهما ما لم تضع لوقوع عدة الحمل عن الجهتين، وإذا لم تحمل منه ولم تكن حاملا فله مراجعتها فيما بقي من عدة الطلاق دون ما زاد عليها من عدة وطئ الشبهة، فلو وطئها بعد مضي قرأين مثلا استأنفت للوطئ ثلاثة أقراء، ودخل فيها ما بقي من عدة الطلاق. والقرء الأول من الثلاثة واقع عن العدتين فليراجع فيه، والآخران لعدة الوطئ فلا رجعة فيهما (قوله: بل يعزر) أي إن وطئ. قال في شرح الروض: ومثل الوطئ سائر التمتعات ويشترط في تعزيره أن يكون عالما بالحرمة معتقدا تحريمه عليه، فإن كان جاهلا أو معتقدا حله فلا يعزر لعذره (قوله: وتصدق) أي الرجعية. وقوله في انقضاء العدة: متعلق بتصدق. وقوله: بغير الأشهر، متعلق بانقضاء. وخرج به ما إذا ادعت انقضاءها بالأشهر وأنكر هو فإنه يكون هو المصدق بيمينه، وذلك لرجوع اختلافهما إلى وقت الطلاق وهو يقبل قوله في أصله، فكذا في وقته. إذ من قبل في شئ قبل في صفته. وقوله من أقراء أو وضع: بيان لغير الأشهر. وقوله إذا أمكن: أي انقضاؤها بما ادعته، أما إذا لم يمكن لصغر أو يأس أو عقم أو قرب زمن فيصدق هو بلا يمين في الصغيرة على المعتمد، وباليمين في الآيسة ونحوها. واعلم: يمكن انقضاؤها بوضع للتام في الصورة الإنسانية بستة أشهر عددية وهي مائة وثمانون يوما ولحظتان، لحظ للوطئ ولحظة للوضع من حين إمكان اجتماعهما بعد النكاح، ولمصور بمائة وعشرين يوما ولحظتين ولمضغة بثمانين يوما ولحظتين، ويمكن انقضاؤها بأقراء لحرة طلقت في طهر سبق بحيض باثنين وثلاثين يوما ولحظتين لحظة للقرء الأول ولحظة للطعن في الحيضة الثالثة، وذلك بأن يطلقها وقد بقي من الطهر لحظة ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تحيض وتطهر كذلك ثم تطعن في الحيض وفي حيض بسبعة وأربعين يوما ولحظة من حيضة رابعة بأن يطلقها آخر جزء من الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر وتحيض كذلك ثم تطهر أقل الطهر، ثم تطعن في الحيض لحظة. ويمكن انقضاؤها بها لغير حرة من أمة أو مبعضة طلقت في طهر سبق بحيض بستة عشر يوما ولحظتين بأن يطلقها وقد بقي من الطهر لحظة ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تطعن في الحيض لحظة وفي حيض بأحد وثلاثين يوما ولحظة بأن يطلقها آخر جزء من الحيض ثم تطهر أقل الطهر وتحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تطعن في الحيض لحظة، فإن جهلت أنها طلقت في طهر أو حيض حمل أمرها على الحيض للشك في انقضاء العدة والأصل بقاؤها. وخرج بقولنا سبق بحيض ما لو طلقت في طهر لم يسبقه حيض فأقل إمكان انقضاء الإقرار للحرة ثمانية وأربعون يوما ولحظة لأن الطهر الذي طلقت فيه ليس بقرء لعدم احتواشه بين دمين ولغيرها اثنان وثلاثون يوما ولحظة. واعلم: أن اللحظة الأخيرة في جميع صور انقضاء العدة بالإقراء لتبين تمام القرء الأخير لا من العدة فلا رجعة فيها، ويجوز للغير العقد عليها فيها على المعتمد، وأن الطلاق في النفاس كهو في الحيض. وسيصرح الشارح بمعظم ما ذكر في باب العدة، وإنما ذكرته هنا تعجيلا للفائدة (قوله: وإن أنكره) أي الإنقضاء الذي ادعته، وهو غاية لتصديقها فيه بيمينها (قوله: أو خالفت عادتها) أي في الحيض بأن كانت عادتها في كل شهرين حيضة فادعت أنها حاضت في شهر حيضة (قوله: لأن النساء الخ) علة لتصديقها بيمينها في ذلك ولو مع إنكار الزوج له. وقوله: مؤتمنات على أرحامهن: أي على ما فيها من حمل وغيره: أي والمؤتمن على شئ يصدق فيه (قوله: ولو ادعى) أي المطلق طلاقا رجعيا. وقوله

ادعى رجعة العدة وهي منقضية ولم تنكح، فإن اتفقا على وقت الانقضاء كيوم الجمعة وقال: راجعت قبله فقالت بل بعده حلفت أنها لا تعلم أنه راجع فتصدق لان الاصل عدم الرجعة قبله، فلو اتفقتا على وقت الرجعة كيوم الجمعة وقالت: انقضت يوم الخميس وقال: بل انقضت يوم السبت صدق بيمينه أنها ما انقضت يوم الخميس لاتفاقهما على وقت الرجعة والاصل عدم انقضاء العدة قبله. (ولو تزوج) رجل (مفارقته) ولو بخلع (بدون ثلاث ولو بعد) أن نكحت ل (- زوج آخر) ودخوله بها (عادت) إليه (ببقيته): أي بقية الثلاث فقط من ثنتين أو واحدة. ـــــــــــــــــــــــــــــ رجعة: مفعول ادعى. وقوله في العدة: متعلق برجعة أي: ادعى أنه راجعها في أثناء العدة (قوله: هي منقضية) الجملة حالية: أي ادعى ذلك والحال أنها قد انقضت والمراد أنه ادعى بعد انقضائها أنه قد راجعها في العدة. وخرج به ما إذا ادعى رجعة في العدة وهي باقية فيصدق هو لقدرته على إنشائها. وقوله: ولم تنكح، معطوف على الجملة الحالية قبله فيكون هو حالا أيضا: أي ادعى ذلك والحال أنها لم تنكح غيره. وخرج به ما إذا نكحت غيره ثم ادعى أنه راجعها في العدة فإذا لم يقم بينة فتسمع دعواه لتحليفها، فإن أقرت غرمت له مهر مثل للحيلولة ولا ينفسخ النكاح ثم إن مات الثاني أو طلقها رجعت للأول بلا عقد عملا بإقرارها واستردت منه غرمته له وإن أقام بينة بأنه راجعها انفسح نكاح الثاني (قوله: فإن اتفقا الخ) جواب لو: أي فلو ادعى ذلك ففيه تفصيل وهو أنهما إن اتفقا الخ. وقوله: على وقت الإنقضاء: أي على الوقت الذي تنقضي العدة فيه لولا الرجعة. وقوله كيوم الجمعة: مثال لوقت الإنقضاء (قوله: وقال) أي لمطلق طلاقا رجعيا. وقوله راجعت قبله: أي قبل وقت الإنقضاء الذي هو يوم الجمعة كيوم الخميس (قوله: فقالت:) أي الرجعية. وقوله بل بعده: أي بل راجعت بعده، أي بعد وقت الإنقضاء كيوم السبت (قوله: حلفت أنها لا تعلم أنه راجع) أي قبل وقت الإنقضاء الذي هو يوم الجمعة وإنما حلفت على نفي العلم لأن الرجعة فعل الغير - وهو الزوج - والحلف على فعل الغير إنما يكون على نفي العلم فقط (قوله: فتصدق) أي الرجعية بحلفها على نفي العلم (قوله: لأن الأصل الخ) علة لتصديقها. وقوله قبله: أي وقت الإنقضاء (قوله: فلو اتفقتا الخ) الأولى أن يقول: أو اتفقا كما في المنهاج، عطفا على اتفقا الأولى: إذ هو من جملة التفصيل الذي صرحت به آنفا. وقوله كيوم الجمعة، تمثيل لوقت الرجعة المتفق عليه (قوله: وقالت) أي الرجعية. وقوله انقضت: أي العدة: وقوله يوم الخميس. أي وهو قبل يوم الرجعة. وقوله وقال: أي المطلق المذكور. وقوله: بل انقضت أي العدة. وقوله يوم السبت: أي الذي هو بعد يوم الرجعة (قوله: صدق) أي المطلق المذكور، أي فتصح رجعته .. وقوله: إنها أي العدة، وقوله: ما انقضت يوم الخميس: أي بل يوم السبت (قوله: لإتفاقهما الخ) علة لتصديقه بيمينه، وبقي ما إذا لم يتفقا على شئ بل اقتصر هو على أن الرجعة سابقة واقتصرت على أن الإنقضاء سابق صدق بيمينه من سبق إلى القاضي، فإن ادعيا معا بأن قالت: انقضت عدتي مع قوله راجعتك صدقت هي لأن الإنقضاء لا يعلم غالبا إلا منها. وقوله والأصل إلخ: هذا من جملة العلة بل هو محطها. وقوله قبله: أي قبل وقت الرجعة (قوله: ولو تزوج رجل مفارقته) أي عقد رجل على مفارقته بعد انقضاء العدة، ومثله بالأولى ما لو راجعها في العدة وقوله: ولو بخلع، أي ولو كان الفراق بخلع وهذا بناء على الأصح أن الخلع ينقص عدد الطلاق فالخلع طلقة واحدة وتعود إليه إذا عقد عليها ببقية الطلاق. أما على مقابله فلا طلاق حتى أنه تعود إليه ببقيته (قوله: ولو بعد أن نكحت الخ) أي ولو تزوج بها بعد نكاحها زوجا آخر (قوله: ودخوله بها) بالجر عطف على المصدر المؤول من أن ونكحت: أي تزوج بها بعد نكاحها آخر وبعد دخول الآخر بها (قوله: عادت إليه) جواب لو. وقوله ببقيته: أي فالزوج الآخر فيما إذا تزوجت لا يهدم الطلاق قبل استيفاء عوده، لأن عددها متوقف عليه فوجوده وعدمه سواء، بخلاف ما إذا تزوجت على آخر بعد استيفاء عدد الطلاق فإنه يهدمه وتعود له كالزوجة الجديدة. وقوله فقط راجع للبقية: أي عادت إليه بالبقية لا غير: أي فلا تعود إليه بكل عدد الطلاق. وقوله من ثنتين: بيان للبقية وهذا فيما إذا طلقها واحدة وكان المطلق حرا. وقوله أو واحدة: وهذا فيما إذا طلقها ثنتين وكان المطلق كذلك أو واحدة ولكن كان رقيقا والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل الايلاء خلف زوج يتصور وطوه على امتناعه من وطؤه زوجته مطلقا أو فوق أربعة أشهر كأن يقول: لا أطوك ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل أي في بيان أحكام الإيلاء. كالتخيير بين الفيئة والطلاق: وذكره بعد الرجعية لصحته للرجعية. والأصل فيه قوله تعالى: * (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) * وإنما عدى فيها بمن، وهو إنما يتعدى بعلى يقال: آلى على كذا لأنه ضمن معنى البعد فكأنه قال: * (للذين يؤلون، مبعدين أنفسهم، من نسائهم) * وهو حرام للإيذاء، وهل هو صغيرة أو كبيرة؟ خلاف. فقيل إنه كبيرة كالظهار والمعتمد أنه صغيرة وكان طلاقا في الجاهلية فغير الشرع حكمه وخصه بالحلف على الإمتناع من وطئ الزوجة مطلقا أو أكثر من أربعة أشهر، وأركانه ستة: حالف ومحلوف به، ومحلوف عليه، ومدة، وصيغة، وزوجة، وشرط في الحالف أن يكون زوجا مكلفا مختارا يتصور منه الجماع فلا يصح من غير الزوج كسيد ولا من غير مكلف إلا السكران ولا من مكره ولا ممن لا يتصور منه الجماع كمجبوب وأشل وشرط في المحلوف به أن يكون واحدا من ثلاثة: إما اسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته تعالى، وإما تعليق طلاق أو عتق، وإما التزام ما يلزم بالنذر كصلاة وصوم وغيرهما من القرب. وسيأتي حكم ما إذا حلف بواحد منها. وشرط في المحلوف عليه ترك وطئ شرعي فلا إيلاء بحلفه على امتناعه من تمتعه بها بغير وطئ ولا من وطئها في دبرها أو في قبلها في نحو حيض أو إحرام. وشرط في المدة أن تكون زائدة على أربعة أشهر، فلو كانت أربعة أشهر أو أقل فلا يكون إيلاء بل مجرد حلف. وشرط في الصيغة لفظ يشعر بإيلاء وهو إما صريح كقوله: والله لا أغيب حشفتي في فرجك أو لا أطؤك أو لا أجامعك أو نحو ذلك وإما كناية كقوله: والله لا أمسك أو لا أباضعك أو لا أباشرك أو لا آتيك ونحو ذلك ثم أن الإيلاء المستكمل للشروط يرتفع حكمه بواحد من أربعة أمور: بالوطئ مدة الإيلاء، والطلاق البائن، وانقضاء مدة الحلف. وموت بعض المحلوف عليهن في قوله: لأربع من النساء والله لا أطؤكن. وجميع ما ذكر يعلمن كلامه (قوله: الإيلاء حلف الخ) أي شرعا، وأما لغة فهو مطلق الحلف. قال الشاعر: وأكذب ما يكون أبو المثنى إذا آلى يمينا بالطلاق وهو من آلى بالمد يؤلى بالهمز إذا حلف ويرادفه اليمين والقسم، ولذلك قرأ ابن عباس: * (للذين يقسمون من نسائهم) * وقيل من الألية بالتشديد وهي اليمين والجمع إلا بالتخفيف كعطية وعطايا. قال الشاعر: قليل الألايا حافظ ليمينه فإن سبقت منه الألية برت وقوله زوج: أي حرا كان أو رقيقا. وقوله يتصور وطؤه: أي ويمكن طلاقه ليخرج به الصبي والمجنون. وخرج بالأول المجبوب والأشل - كما تقدم - (قوله: على امتناعه) متعلق بحلف. وقوله من وطئ الخ: متعلق بامتناع. وقوله زوجته: أي التي يتصور وطؤها، وذلك بأن يقول: والله لا أطؤك. ومثله ما لو قال: والله لا أجامعك فإن قال: أردت بالوطئ الوطئ بالقدم وبالجماع الإجتماع لم يقبل ظاهرا ويدين باطنا فتجري عليه أحكام الإيلاء ظاهرا ولا يأثم باطنا إثم الإيلاء

_ (1) سورة البقرة، الاية: 226.

أو لا أطوك خمسة أشهر أو حتى يموت فلان، فإذا مضت أربعة أشهر من الايلاء بلا وطئ فلها مطالبته بالفيئة وهي ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه لم يحلف على الإمتناع من الوطئ في الفرج بل على الإمتناع من الوطئ بالقدم في الأولى والإجتماع في الثانية. وقوله مطلقا: صفة لمصدر محذوف: أي امتناعا مطلقا: أي غير مقيد بمدة، وذلك كأن يقول: والله لا أطؤك ويسكت ومثل الإطلاق ما لو أبد كقوله: والله لا أطؤك أبدا (قوله: أو فوق أربعة أشهر) معطوف على مطلقا: أي أو امتناعا مقيدا بأكثر من أربعة أشهر، وظاهره ولو بما لا يسع الرفع إلى القاضي، وهو معتمد م ر وحجر، وفائدة ذلك حينئذ أنه يأثم إثم الإيلاء وإن لم يترتب عليه الرفع إلى القاضي، واعتمد زي وسم أنه لا بد أن يكون فوق أربعة أشهر بما يمكن فيه الرفع إلى القاضي، وعليه فلا يأثم فيما إذا كان الزائد على الأربعة أشهر لا يسع الرفع إلى القاضي إثم الإيلاء وإن كان يأثم إثم الإيذاء لإيذائها بقطع طمعها من الوطئ تلك المدة. وخرج بقيد الفوقية على أربعة أشهر ما إذا قال: والله لا أطؤك أربعة أشهر فلا يكون موليا بل يكون حالفا لأن المرأة تصبر على الزوج هذه المدة كما روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه خرج ذات ليلة فسمع امرأة تنشد أبياتا وهي هذه: تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا خليل ألاعبه فوالله لولا الله أني أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه مخافة ربي والحياء يصدني وأكرم بعلي أن تنال مراتبه فسأل عمر رضي الله عنه بعض بناته كم تصبر المرأة عن زوجها؟ قالت: أربعة أشهر ويعيل صبرها بعدها (قوله: كأن يقول: الخ) أتى بمثالين الأول: للمطلق، والثاني: للمقيد بفوق أربعة أشهر (قوله: أو حتى يموت فلان) معطوف على فوق أربعة أشهر: أي أو يقول لا أطؤك حتى يموت فلان، وهو يفهم أن الفوقية على الأربعة الأشهر تعتبر ولو في ظنه بأن يغلب على ظنه بقاء ما علق به إلى تمام العدة كالمثال المذكور، فإن الموت مستبعد ظنا وإن كان قريبا في الواقع (قوله: فإذا مضت الخ) مرتب على محذوف تقديره ويمهل المولي وجوبا حرا كان أو رقيقا أربعة أشهر ولاء، فإذا مضت أربعة أشهر الخ ويقطع الولاء مانع من الوطئ. قام بها حسيا كان كنشوز وحبسها ومرضها وشرعيا كصوم فرض، فإذا زال المانع منها تستأنف مدة الإيلاء ولا يقطعه حيض أو نفاس ولا مانع قام به كجنونه ومرضه. وقوله من الإيلاء: الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من أربعة أشهر: أي حال كونها مبتدأة من الإيلاء وهذا في غير الرجعية، أما فيها فتبتدئ من وقت الرجعة فإذا طلقها طلاقا رجعيا ثم آلى منها لم تحسب المدة حتى يراجع. وقوله بلا وطئ: متعلق بمضت: أي مضت من غير وطئ. وخرج به ما إذا وطئها في الأربعة الأشهر فينحل الإيلاء ويلزمه كفارة اليمين في الحلف بالله تعالى، ومثل الوطئ في ذلك الطلاق البائن وموت بعض المحلوف عليهن لما تقدم ان هذه الأمور ترفع حكم الإيلاء. وعبارة الإرشاد وشرحه: فإن تمت هذه الأربعة ولم ينحل الايلاء بوطئ أو غيره، كزوال الملك عن القن المعلق عتقه بالوطئ طالبته الخ. اه (قوله: فلها مطالبته) أي بالقاضي: أي بأن تطلب من القاضي أن يطلب منه ذلك. ثم إن ظاهر العبارة أنها تردد الطلب بين الفيئة والطلاق، وهو المعتمد، خلافا لمن قال: إنها ترتب فتطلب منه أولا الفيئة فإن لم يفئ تطلب منه الطلاق. وقوله بالفيئة: بفتح الفاء وكسرها مأخوذة من فاء إذا رجع لرجوعه إلى الوطئ الذي امتنع منه، محل مطالبتها بالفيئة إذا لم يقم به مانع شرعي كإحرام أو صوم واجب وإلا طالبته بالطلاق فقط لحرمة والفيئة عليه حينئذ، فإن كان المانع القائم به طبيعيا كخوف بطء برء وعجز عن افتضاض بكرا دعاه وحلف عليه طالبته بفيئة اللسان بأن يقول: إذا قدرت فئت فتكتفي بالوعد كما قال القائل: قد صرت عندك كمونا بمزرعة إن فاته السقي أغنته المواعيد ولا تطالبه بالوطئ لأنه عاجز عنه ويكفي منه ما يندفع به الأذى الذي حصل من اللسان. ولو استمهل للفيئة باللسان لم يمهل، إذ لا كلفة عليه في الوعد. وقال في المنهج وشرحه: ويمهل إذا استمهل يوما فأقل ليفئ فيه لأن مدة الإيلاء

الوطئ أو بالطلاق، فإن أبى طلق عليه القاضي وينعقد الايلاء بالحلف بالله تعالى وبتعليق طلاق أو عتق أو التزام قربة، وإذا وطئ مختارا بمطالبة أو دونها لزمته كفارة يمين إن حلف بالله. ـــــــــــــــــــــــــــــ مقدرة بأربعة أشهر فلا يزاد عليها بأكثر من مدة التمكن من الوطئ عادة كزوال نعاس وشبع وجوع وفراغ صيام. اه (قوله: وهي) أي الفيئة (قوله: أو بالطلاق) معطوف على بالفيئة: أي أو مطالبته بالطلاق: أي إن لم يفئ وذلك للآتي (قوله: فإن أبى) أي امتنع من الفيئة ومن الطلاق، وقوله طلق عليه القاضي: أي بطريق النيابة عنه طلقة واحدة، وذلك كأن يقول: أوقعت على فلانة عن فلان طلقة، أو حكمت عليه في زوجته بطلقة، فلو زاد عليها لغا الزائد. وقد نظم ذلك ابن رسلان في زبده فقال: حلفه أن لا يطأ في العمر زوجته، أو زائدا عن أشهر أربعة، فإن مضت لها الطلب بالوطئ في فرج وتكفير وجب أو بطلاقها، فإن أباهما طلق فرد طلقة من حكما (قوله: وينعقد الإيلاء بالحلف بالله تعالى) أي أو صفة من صفاته وذلك كأن يقول: والله أو والرحمن لا أطؤك خمسة أشهر. وقوله: وبتعليق طلاق أو عتق: أي على وطئها كأن يقول لها: إن وطئتك فأنت طالق أو فعبدي حر. وقوله أو التزام قربة: كأن يقول: لله علي صوم أو عتق أو ألف درهم إن وطئتك (قوله: وإذا وطئ) أي في مدة الإيلاء في القبل فخرج الدبر واستدخال المني، وقوله مختارا: قيد للزوم الكفارة، وأما الفيئة فتحصل بالوطئ مكرها وكذا ناسيا أو جاهلا أو مجنونا أو وهي كذلك وباستدخالها ذكره فلا مطالبة لها بعده ولا يحنث ولا ينحل الإيلاء إن بقي قدر مدته، فإن وطئ بعده عامدا عالما مختارا انحل الإيلاء وحنث أيضا. اه. ش ق (قوله: بمطالبة) متعلق بوطئ. وقوله أو دونها: أي دون مطالبة (قوله: لزمته كفارة يمين) أي وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد أو كسوتهم، فإن عجز عن ذلك فصيام ثلاثة أيام وهي واجبة عليه حنثه، وأما المغفرة والرحمة في * (فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم) * فلما عصى به من الإيلاء فلا ينفيان الكفارة المستقر وجوبها في كل حنث (قوله: إن حلف بالله) فإن حلف بالتزام قربة تخير بين ما التزمه، وكفارة اليمين أو بتعليق نحو طلاق وقع عليه لوجود المعلق عليه الذي هو الوطئ والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ (1) سورة البقرة، الاية: 226.

فصل ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل أي في بيان أحكام الظهار كلزوم الكفارة إذا صار عائدا وذكر عقب الإيلاء لكونه مثله في التحريم وكونه كان طلاقا في الجاهلية لا رجعة فيه. وهو لغة مأخوذ من الظهر بمعنى الإستعلاء لما فيه من استعلاء شئ على شئ آخر. وشرعا تشبيه الزوج زوجته غير البائن بأنثى لم تكن حلاله، وإنما عبروا بالظهار المأخوذ من الظهر ولم يعبروا بالبطان المأخوذ من البطن مثلا مع أنه يصح التشبيه بالبطن لأن صيغته المتعارفة في الجاهلية أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي وخصوا الظهر لأنه موضع الركوب والمرأة مركوب الزوج ففي قوله: أنت علي كظهر أمي كناية تلويحية عن الركوب، فكأنه قال: أنت لا تركبين كما لا تركب الأم، والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم) * الآية. وسبب نزولها أن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة بنت حكيم وكان قد عمي فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال لها: حرمت عليه. فقالت يا رسول الله أنظر في أمري معه فإني لا أصبر عنه ومعي منه صبية صغار إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا. فقال لها: حرمت. فكرر وكررت ثلاث مرات. فلما أيست منه اشتكت إلى الله تعالى وحدتها وفاقتها فأنزل الله * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * الآيات، وقد مر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته فاستوقفته زمنا طويلا ووعظته. وقالت له: يا عمر قد كنت تدعى عميرا ثم قيل لك يا أمير المؤمنين فاتق الله يا عمر فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟ فقال: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة. أتدرون من هذه العجوز؟ هي التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟ والظهار حرام من الكبائر: لقوله تعالى فيه * (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) * ولأن فيه إقداما على إحالة حكم الله تعالى وتبديله، وهذا أخطر من كثير من الكبائر وقضيته الكفر لولا خلو الإعتقاد عن ذلك وأركانه أربعة: مظاهر، ومظاهر منها، ومشبه به، وصيغة، وشرط في المظاهر كونه زوجا يصح طلاقه فلا يصح من غير زوج من أجنبي وإن نكح من ظاهر منها وسيد فلو قال لأمته أنت علي كظهر أمي لم يصح، ولا يصح من صبي ومجنون ومكره لعدم صحة طلاقهم. وشرط في المظاهر منها كونها زوجة ولو رجعية فلا يصح من أجنبية ولو مختلعة ولا من أمة مملوكة، بخلاف الزوجة الأمة فيصح الظهار منها. وشرط في المشبه به أن يكون كل أنثى أو جزء أنثى محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة لم تكن حلاله قبل كأمه وبنته وأخته من النسب ومرضعة أبيه أو أمه وزوجة أبيه التي نكحها قبل ولادته أو معها فيما يظهر وأخته من الرضاعة إن كانت ولادتها بعد إرضاعه أو معه فيما يظهر، فخرج بالأنثى الذكر والخنثى لأن كلا منهما ليس محلا للتمتع وبالمحرم أخت الزوجة لأن تحريمها من جهة الجمع وزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن تحريمهن ليس للمحرمية بل لشرفه - صلى الله عليه وسلم -، وبقولنا: لم تكن حلاله قبل زوجة أبيه التي نكحها بعد ولادته وأخته من الرضاعة التي كانت مولودة قبل إرضاعه فلا يكون التشبيه بها ظهارا لأنها كانت حلالا له وإنما طرأ تحريمها: وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالظهار وفي معناه الكتابة وإشارة الأخرس المفهمة. ثم هو إما صريح كأنت أو رأسك أو يدك أو نحو ذلك من الأعضاء الظاهرة كظهر

_ (1) سورة المجادلة، الاية: 3. (2) سورة المجادلة، الاية: 1. (3) سورة الجادلة، الاية: 2. (4) الكلام فيه خلل في الاصل.

إنما يصح الظهار ممن يصح طلاقه وهو أن يقول لزوجته أنت كظهر أمي ولو بدون علي. وقوله أنت كأمي كناية وكالام محرم لم يطرأ تحريمها. وتلزمه كفارة ظهار بالعود وهو أن يمسكها زمنا يمكن فراقها فيه. ـــــــــــــــــــــــــــــ أمي أو كيدها أو رجلها وإن لم يكن لها يد أو رجل أو نحو ذلك من الأعضاء الظاهرة أيضا، بخلاف الباطنة فيهما على المعتمد كالكبد والطحال والقلب، وبخلاف ما لا يعد جزءا كاللبن والريق، وإما كناية كأنت كأمي أو كعينها أو غيرها مما يذكر للكرامة كرأسها، فإن قصد الظهار كان ظهارا وإلا فلا. وجميع ما ذكر يعلم من كلامه تصريحا وتلويحا (قوله: إنما يصح الظهار ممن يصح طلاقه) فلا يصح ممن لا يصح طلاقه كالصبي والمجنون والمكره كما تقدم آنفا. (واعلم) أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية كالإيلاء فغير الشرع حكمه إلى تحريم المظاهر منها بعد العود ولزوم الكفارة ففيه شبه باليمين من حيث لزوم الكفارة وشبه بالطلاق من حيث ترت ب التحريم عليه ولذلك صح توقيته نظرا للأول وتعليقه نظرا للثاني، فإقا قال: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي تكون مظاهرا منها بدخولها الدار. ولو قال: إن ظاهرت من ضرتك فأنت علي كظهر أمي، فإذا ظاهر من الضرة صار مظاهرا منهما عملا بمقتضى التنجيز والتعليق وتأقيته يكون بيوم أو بشهر أو غيرهما فلو قال: أنت علي كظهر أمي خمسة أشهر كان ظهارا وإيلاء فتجري عليه أحكامهما فبالنظر للإيلاء تصبر عليه المرأة أربعة أشهر ثم تطالبه بالفيئة أو الطلاق، فإن وطئ زال حكم الإيلاء وصار عائدا في الظهار بالوطئ في المدة فيجب عليه النزع حالا ولا يجوز له وطؤها ثانيا حتى يكفر أو تنقضي المدة وكالمقيد بالزمان المقيد بالمكان كأن قال: أنت علي كظهر أمي في مكان كذا فيصير عائدا بالوطئ فيه فيجب عليه النزع حالا ولا يجوز وطؤها ثانيا في هذا المكان حتى يكفر (قوله: وهو) أي الظهار. وقوله أن يقول الخ: وهذا باعتبار صورته الأصلية الكثيرة الغالبة، وإلا فمثل القول الكتابة وإشارة الأخرس المفهمة كما تقدم (قوله: أنت) أي أو رأسك أو يدك ونحو ذلك من كل عضو ظاهر. وقوله كظهر أمي: أي أو بطنها أو عينها أو يدها أو رجلها - كما تقدم - وقوله ولا بدون علي: أي أن الظهار هو قول ما ذكر سواء زاد لفظ على بعد أنت أو لم يزده كالمثال الذي ذكره (قوله: وقوله) أي الزوج. وقوله أنت كأمي: أي أو كعينها أو رأسها مما يذكر للكرامة. وقوله كناية: أي فإن قصد به الظهار كان ظهارا وإلا فلا (قوله: وكالأم محرم) أي بنسب أو رضاع أو مصاهرة، فإذا قال: أنت علي كظهر أختي من النسب أو من الرضاع أو كظهر أم زوجتي كان ظهارا (قوله: لم يطرأ تحريمها) الجملة صفة لمحرم: أي محرم لم يطرأ تحريمها على المظاهر. وخرج به من طرأ تحريمها عليه كزوجة ابنه وأم زوجته وزوجة أبيه بعد ولادته فإن هؤلاء كن حلالا له والتحريم فيهن طارئ، فلو شبه زوجته بواحدة منهن لم يكن مظاهرا منها - كما تقدم - (قوله: وتلزمه كفارة ظهار) أي وهي عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد طعام فهي مرتبة ابتداء وانتهاء، بخلاف كفارة اليمين فإنها مخيرة ابتداء مرتبة انتهاء لأنه يخير ابتداء بين الإطعام والكسوة والإعتاق، فإن لم يقدر على هذه الخصال صام ثلاثة أيام. ومثل كفارة الظهار كفارة جماع نهار رمضان، ومثلها أيضا كفارة القتل إلا أنها لا إطعام فيها اقتصارا على الوارد. وقوله بالعود: الباء سببية متعلقة بتلزم: أي تلزم الكفارة بسبب العود ولو طلقها بعده فلا تسقط عنه الكفارة بعد العود بالطلاق بعده. ومثل الطلاق غيره من أنواع الفرقة، وذلك لإستقرارها بالإمساك بعد الظهار زمنا يسع الفرقة ولم يفارق. وظاهر عبارته وجوب الكفارة بالعود فقط وهو أحد أوجه ثلاثة، ثانيها وجوبها بالظهار والعود شرط، ثالثها: وجوبها بهما معا، وهو المعتمد الموافق لترجيحهم أن كفارة اليمين وجبت باليمين والحن ث جميعا، وينبني على ذلك أنه على الأخير يجوز تقديمها على العود لأنها حينئذ لها سببان فيجوز تقديمها على أحد السببين، وعلى الأولين لا يجوز تقديمها على العود لأن لها سببا وشرطا على الثاني وسببا فقط على الأول ومحل جواز تقديمها عليه على الآخر إن كانت بغير الصوم، فإن كانت به فلا يجوز تقديمها عليه لأنه عبادة بدنية والعبادة البدنية لا تقدم على وقتها (قوله: وهو) أي العود. وقوله أن يمسكها زمنا يمكن فراقها فيه: أي يسكت عن طلاقها بقدر نطقه بما يقع به فراقها كطلقتك وأنت طالق ولو جاهلا أو ناسيا، وإنما سمي الإمساك المذكور عود لأنه عاد لما قاله: أي خالفه ونقضه يقال: قال فلان قولا وعاد له أو فيه: أي نقضه وخالفه وذلك لأن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: أنت علي كظهر أمي يقتضي أن لا يمسكها زوجة بعد، فإذا أمسكها زوجة بعد فقد عاد في قوله ومحل كون الإمساك المذكور يكون عودا في الظهار غير المؤقت وغير المقيد بمكان وفي غير الرجعية. أما في الأول والثاني فلا يصير عائدا إلا بالوطئ في الوقت أو في المكان وأما في الثالث فلا يصير عائدا إلا بالرجعة. وقد نظم ابن رسلان في زبده حاصل مسائل الظهار فقال: قول مكلف ولو من ذمي لعرسه، أنت كظهر أمي أو نحوه، فإن يكن لا يعقب طلاقها، فعائد يجتنب الوطئ كالحائض، حتى كفرا بالعتق ينوي الفرض عما ظاهرا رقبة مؤمنة بالله جل سليمة عما يحل بالعمل إن لم يجد، يصوم شهرين على تتابع، إلا لعذر حصلا وعاجز، ستين مدا ملكاستين مسكينا، كفطرة حكى والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في العدة هي مأخوذة من العدد لاشتمالها على عدد أقراء وأشهر غالبا وهي شرعا مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها من الحمل أو للتعبد. وهو إصطلاحا ما لا يعقل معناه عبادة كان أو غيرها ولتفجعها على زوج مات. ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في العدة أي في بيان أحكامها: ككونها تحصل بوضع الحمل أو بالاقراء أو بالأشهر وإنما أخر الكلام عليها إلى هنا لترتبها غالبا على الطلاق، وإنما قدم الكلام على الإيلاء والظهار عليها لأنهما كانا طلاقا في الجاهلية وللطلاق تعلق بهما، والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع، وهي من حيث الجملة معلومة من الدين بالضرورة، كما هو ظاهر. وقولهم لا يكفر جاحدها لأنها غير ضرورية ينبغي حمله على بعض تفاصيلها، وإنما كررت الاقراء الملحق بها الأشهر مع حصول البراءة بواحد استظهارا: أي طلبا لظهور ما شرعت لأجله وهو براءة الرحم واكتفى بها مع أنها لا تفيد تيقن البراءة لأن الحامل قد تحيض لكونه نادرا وهي من الشرائع القديمة (قوله: هي مأخوذة من العدد) أي لغة، كما يفيده مقابله الآتي وقيل هي لغة إسم مصدر لاعتد، والمصدر الاعتداد (قوله: لاشتمالها) أي العدة بالمعنى الشرعي، فهو بيان لحكمة تسمية المعنى الشرعي بها فيكون تعليلا لمحذوف: أي وإنما سميت المدة التي تتربص فيها المرأة بالعدة التي هي مأخوذة من العدد لاشتماله تلك المدة على عدد أقراء أو أشهر، ولو أخر هذا التعليل عن المعنى الشرعي وزاد وسميت بذلك لكان أولى وأوضح (قوله: غالبا) راجع لقوله على عدد: أي أن اشتمالها على عدد هو في الغالب، واحترز به عن وضع الحمل فإنه لا عدد في صورته وعن عدة الأمة بشهر ونصف (قوله: وهي) أي العدة: وقوله شرعا: أي في الشرع (قوله: مدة تتربص فيها المرأة) أي تنتظر وتمنع نفسها عن النكاح في تلك المدة وشملت المرأة الحرة والأمة، وخرج بها الرجل فلا عدة عليه قالوا إلا في حالتين الأولى ما إذا كان معه امرأة وطلقها رجعيا وأراد التزوج بمن لا يجوز جمعها معها كأختها الثانية ما إذا كان معه أربع زوجات وطلق واحدة منهن رجعيا وأراد التزوج بخامسة فلا يجوز له ذلك في الحالتين المذكورتين إلا بعد انقضاء العدة وفي كون العدة واجبة على الرجل فيهما نظر، بل غاية ما فيه أنه يتربص بلا تزوج حتى تنقضي العدة الواجبة على المرأة (قوله: لمعرفة الخ) علة التربص أي تتربص في تلك المدة لأجل معرفة براءة رحمها من الحمل، وهذا بالنسبة لغير الصغيرة والآيسة والمراد بالمعرفة ما يشمل الظن إذ ما عدا وضع الحمل يدل عليها ظنا والرحم جلدة معلقة في فرج المرأة فمها كالكيس يجتمع فيه مني الرجل ومني المرأة فيتخلق منهما الولد (قوله: أو للتعبد) معطوف على لمعرفة الخ فهو علة ثانية للتربص أي أو تتربص في تلك المدة لأجل التعبد، وهذا بالنسبة للصغيرة والآيسة وهو المغلب في العدة بدليل عدم الإكتفاء بقرء واحد مع حصول البراءة به، وبدليل وجوب عدة الوفاة وإن لم يدخل بها. قال في التحفة: وقول الزركشي لا يقال فيها أي في العدة تعبد لأنها ليست من العبادات المحضة عجيب. اه. (قوله: وهو) أي التعبد. وقوله اصطلاحا: أي في اصطلاح الفقهاء. وقوله: ما لا يعقل معناه: أي أمر لا تدرك حكمته، بل الشارح تعبدنا به ثم إن في جعل ما خبرا عن التعبد مسامحة: إذ الأمر الواقع عليه لفظ ما بمعنى المتعبد به فهو ليس عين التعبد. وقوله عبادة كان: أي كالصلاة. وقوله أو غيرها: كالعدة في بعض أحوالها (قوله: أو لتفجعها) معطوف على لمعرفة إلخ، فهو علة ثالثة للتربص أي أو تتربص لتفجعها: أي توجعها وتحزنها يقال: فجعته المصيبة: أي أوجعته وفي

وشرعت أصالة صونا للنسب عن الاختلاط (تجب عدة لفرقة زوج حي) بطلاق أو فسخ نكاح حاضر أو غائب مدة طويلة (وطئ) في قبل أو دبر، بخلاف ما إذا لم يكن وطئ وإن وجدت خلوة (وإن تيقن براءة رحم) كما في صغيرة وصغير. (ولوطئ) حصل مع (شبهة) في حله كما في نكاح فاسد وهو كل ما لم يوجب حدا على الواطئ. ـــــــــــــــــــــــــــــ البجيرمي: وقد يجتمع التعبد مع التفجع في فرقة الموت عمن لا يولد له أو كانت قبل الدخول وقد تجتمع براءة الرحم مع التفجع فيمن يولد له في فرقة الموت وقد تجتمع الثلاثة كما في هذا المثال لأن العدة فيها نوع من التعبد دائما واجتماع الأقسام بعضها مع بعض مأخوذ من ذكر أو لأنها مانعة خلو فتجوز الجمع اه. وقوله: على زوج مات: متعلق بتفجع. أي لتفجعها على فراق زوج بالموت (قوله: وشرعت) أي العدة وقوله صونا الخ فيه أنه لا يشمل نحو الصغيرة وغير المدخول بها في عدة الوفاة. وأجيب بأنه حكمة وهي لا يلزم اطرادها. وقوله: عن الاختلاط فيه أن الرحم إذا دخله مني الرجل انسد فمه فلا يقبل منيا آخر فلا يتصور اختلاط. وأجيب بأن المراد به الإشتباه (قوله: تجب عدة لفرقة زوج حي) سيأتي مقابله في قوله وتجب لوفاة زوج. وفي البجيرمي: ومثل فرقة الحياة مسخه حيوانا، ومثل فرقة الموت مسخه جمادا. اه. (قوله: بطلاق الخ) الباء سببية متعلق بفرقة أي فرقة حاصلة بسبب طلاق (قوله: أو فسخ نكاح) أي بعيبه أو عيبها، ومثل الفسخ الإنفساخ بلعان أو رضاع أو غيره كردة (قوله: حاضر الخ) يحتمل جعله بدلا من زوج فيكون تعميما فيه. ويحتمل أن يكون مضافا إليه لفظ نكاح. وقوله مدة طويلة: متعلق بغائب: أي غائب مدة طويلة. وفي التقييد به نظر لأنه على الإحتمال الأول يكون قوله حاضر أو غائب مرتبطا بكل من الطلاق أو من الفسخ فبالنسبة للطلاق لا فرق بين أن يكون المطلق غائبا مدة طويلة أو قصيرة، ومثله بالنسبة للفسخ ولا يرد عليه ما سيأتي في باب النفقات من أن كثيرين اختاروا في غائب تعذر تحصيل النفقة منه الفسخ لأنه يلزم من التعذر المذكور أن تكون المدة طويلة، وعلى الإحتمال الثاني يكون قوله: حاضر، أو غائب مرتبطا بالفسخ فقط. ولا فرق فيه أيضا بين أن يكون الذي يفسخ غائبا مدة طويلة أو قصيرة ولا يرد عليه ما سيأتي أيضا لما تقدم آنفا فتنبه (قوله: وطئ) الجملة صفة ثانية لزوج من الوصف بالجملة بعد الوصف بالمفرد: أي ويشترط في ثبوت العدة وطئ الزوج لها، ولا بد أن يكون الواطئ ممن يمكن وطؤه كصبي تهيأ له وأن تكون ممن يمكن وطؤها ومثل الوطئ إدخال منيه المحترم حال خروجه وحال دخوله على ما اعتمده ابن حجر وحال خروجه فقط وإن لم يكن محترما حال دخوله على ما اعتمده م ر، وذلك كما إذا احتلم الزوج وأخذت الزوجة منيه وأدخلته فرجها ظانة أنها مني أجنبي فإن هذا محترم حال الخروج وغير محترم حال الدخول وتجب به العدة إذا طلقت الزوجة بعده وقبل الوطئ على معتمد الثاني دن الأول لأنه اعتبر أن يكون محترما في الحالين. وفي سم: ولو وطئ زوجته ظانا أنها أجنبية وجبت العدة بلا إشكال بل لو استدخلت هذا الماء زوجة أخرى وجبت العدة فيما يظهر. اه. وقوله في قبل أو دبر: تعميم في الوطئ (قوله: بخلاف ما إذا لم يكن وطئ) أي ولم تدخل منيه المحترم: أي فلا عدة عليها وإن وجدت خلوة، وذلك لقول الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) * (1) (قوله: وإن تيقن براءة رحم) غاية في وجوب العدة على الموطوءة: أي تجب العدة عليها وإن تيقن ذلك، وذلك لأن العدة إنما وجبت لعموم الأدلة، ولأن المغلب فيها جهة التعبد كما تقدم (قوله: كما في صغيرة وصغير) تمثيل للمتيقن براءة رحمها وكون الزوج صغيرا ليس بقيد في تيقن براءة رحمها، بل متى كانت صغيرة تيقن ذلك ولو كان كبيرا (قوله: ولوطئ الخ) معطوف على لفرقة: أي وتجب عدة لوطئ حصل مع شبهة كائنة في حلة (قوله: كما في نكاح فاسد) أي كما في وطئه بنكاح فاسد، فإن الوطئ بالنكاح المذكور شبهة (قوله: وهو) أي وطئ الشبهة. وقوله: كل ما لم يوجب حدا على الواطئ. أي وإن أوجبه على الموطوءة كما لو زنى المراهق ببالغة أو المجنون بعاقلة فتلزمها العدة لاحترام

_ (1) سورة الاحزاب، الاية: 49.

فرع: لا يستمتع بموطوءة بشبهة مطلقا ما دامت في عدة شبهة حملا كانت أو غيره حتى تنقضي بوضع أو غيره لاختلال النكاح بتعلق حق الغير. قال شيخنا: ومنه يوءخذ أنه يحرم عليه نظرها ولو بلا شهوة والخلوة بها، وإنما يجب لما ذكر عدة (بثلاثة قروء) والقرء هنا طهريين دمي حيضتين أو حيض ونفاس فلو طلق من لم تحض ـــــــــــــــــــــــــــــ الماء (قوله: لا يستمتع) أي الزوج. وقوله بموطوءة بشبهة. أي بزوجته التي وطئت بشبهة. وقوله مطلقا: أي استمتاعا مطلقا وطئا كان أو غيره (قوله: حملا كانت) أي سواء كانت عدة الشبهة بالحمل أو بغيره من الأقراء والأشهر (قوله: حتى تنقضي الخ) غاية في النفي: أي لا يستمتع بها إلى أن تنقضي عدتها بوضع الحمل أو غيره، فإذا انقضت عدتها بذلك جاز له الإستمتاع بها (قوله: لإختلال النكاح الخ) علة لعدم الاستمتاع: أي لا يستمتع بها لأنه قد اختل نكاحه بسبب تعلق حق الغير بها وذلك الحق هو العدة لوطئ الشبهة (قوله: قال شيخنا ومنه) أي ومن التعليل المذكور، وهو اختلال النكاح بما ذكر. وكتب ع ش على قول م ر: ومنه يؤخذ حرمة نظر ما نصه: هذا يخالف ما مر له قبيل الخطبة من جواز النظر لما عدا ما بين السرة والركبة من المعتدة عن شبهة، وعبارته: وخرج بالتي تحل زوجته المعتدة عن شبهة ونحو أمة مجوسية فلا يحل له إلا نظر ما عدا ما بين السرة والركبة. اه. ويمكن الجواب بأن الغرض مما ذكره هنا مجرد بيان أنه يؤخذ من عبارة المصنف ولا يلزم من ذلك اعتماده، فليراجع وليتأمل، على أنه قد يمنع أخذ ذلك من المتن لأن النظر بلا شهوة لا يعد تمتعا وهذا بناء على أن الضمير في منه راجع للمتن، أما إن جعل راجعا لقول الشارح لإختلال النكاح الخ لم يبعد الأخذ. اه. وقوله لم يبعد الأخذ فيه أن الإشكال، وهو المخالفة المذكورة لا يرتفع بذلك. وقوله والخلوة بها: بالرفع عطف على النظر: أي ويحرم الخلوة بها (قوله: وإنما يجب لما ذكر) أي لفرقة زوج حي ولوطئ شبهة وهو دخول على المتن (قوله: بثلاثة قروء) الباء للتصوير متعلق بعدة: أي تجب عدة صورة بثلاثة قروء: أي وإن طالت أو استعجلت الحيض بدواء أو اختلفت عادتها فيه أو كانت حاملا من زنا لأن حمل الزنا لا حرمة له، ولو جهل حال الحمل ولم يمكن لحوقه بالزوج بأن ولدت لأكثر من أربع سنين من وقت إمكان وطئ الزوج لها حمل على أنه من زنا من حيث صحة نكاحها معه وجواز وطئ الزوج لها وعلى أنه من شبهة من حيث عدم عقوبتها بسببه، فإن أتت به للإمكان منه لحقه ولم ينتف عنه إلا بلعان ولو أقرت بأنها من ذوات الأقراء ثم كذبت نفسها وزعمت أنها من ذوات الأشهر لم يقبل لأن قولها الأول يتضمن أن عدتها لا تنقضي بالأشهر فلا يقبل رجوعها فيه، بخلاف ما لو قالت لا أحيض زمن الرضاع ثم كذبت نفسها وقالت: أحيض زمنه فيقبل أفاده م ر (قوله: والقرء الخ) اعلم أنه اختلف في القرء فقيل أنه مشترك بين الحيض والطهر، وقيل حقيقة في الطهر مجاز في الحيض، وقيل عكسه ولكن المراد به هنا: أي في العدة الطهر، كما روى عن عمر وعلي وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولقوله تعالى: * (فلطلقوهن لعدتهن) * (1) أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدة وهو زمن الطهر لأن الطلاق في الحيض حرام ولا يصح إرادته هنا وإلا لكنا مأمورين بالحرام والإحتراز بقوله هنا عن الإستبراء، فإن المراد به الحيض ومن استعماله فيه ما في خبر النسائي: تترك الصلاة أيام أقرائها وقوله طهر بين دمي حيضتين: إضافة دمي إلى ما بعده من إضافة الأعم للأخص فهي للبيان: أي طهر كائن بين دمين هما حيضتان. وقوله أو حيض ونفاس: أي أو كائن طهرها بين دمي حيض ونفاس ويتصور عد الطهر قرءا بينهما بما إذا طلقها زوجها وهي حامل من زنا أو وطئ شبهة وكانت تحيض في حملها فحاضت ثم طهرت ثم نفست فيحسب هذا الطهر قرءا لأنه بين حيض ونفاس. ومثل الطهر بين ما ذكر الطهر الكائن بين نفاسين كأن طلقت حاملا من زنا أو من وطئ شبهة ثم وضعت فشرعت في عدة الطلاق ثم حملت من زنا فيحسب الطهر بين النفاسين قرءا ثم تأتي بعد الوضع الثاني بقرأين آخرين إن لم يتقدم طهرها الذي طلقت فيه حيض ولا نفاس، وإلا فبقرء واحد (قوله: فلو طلق إلخ) مفرع على كون القرء هو الطهر الكائن بين حيضتين الخ أي فلو لم يكن بين ذلك كأن طلق من لم تحض أولا: أي من لم يسبق منها حيض،

_ (1) سورة الطلاق، الاية: 1.

أولا ثم حاضت لم يحسب الزمن الذي طلق فيه قرءا: إذ لم يكن بين دمين، بل لا بد من ثلاثة أطهار بعد الحيضة المتصلة بالطلاق ويحسب بقية الطهر طهرا في غيرها، وتجب العدة بثلاثة أقراء (على حرة تحيض) لقوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * فمن طلقت طاهرا وقد بقي من الطهر لحظة انقضت عدتها بالطعن في الحيضة الثالثة لاطلاق القرء على أقل لحظة من الطهر وإن وطئ فيه أو حائضا وإن لم يبق من زمن الحيض إلا لحظة فتنقضي عدتها بالطعن في الحيضة الرابعة وزمن الطعن في الحيضة ليس من العدة بل يتبين به انقضاؤها. (و) تجب عدة (بثلاثة أشهر) هلالية ما لم تطلق أثناء شهر، وإلا تمم المنكسر ثلاثين (إن لم ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله من لم تنفس كذلك وقوله ثم حاضت: أي بعد الطلاق: أي أو نفست (قوله: لم يحسب الزمن الذي طلق فيه قرءا) أي لم يعد قرءا وقوله: إذ لم يكن إلخ: علة لعدم حسبانه قرءا (قوله: بل لا بد إلخ) إضراب انتقالي، وقوله بعد الحيضة إلخ الظرف متعلق بمحذوف صفة لثلاثة أي ثلاثة أطهار واقعة بعد الحيضة. وقوله المتصلة بالطلاق: أي بالطهر الذي طلق فيه (قوله: ويحسب بقية الطهر طهرا في غيرها) أي غير من لم تحض أولا وهي التي حاضت لأن نفي النفي إثبات يعني إذا طلقت في طهر مسبوق. بحيض ولو قل يحسب قرءا - كما سيذكره - قريبا في قوله فمن طلقت طاهرا الخ (قوله: وتجب العدة بثلاثة أقراء) الأول إسقاطه لأنه يغني عنه قوله سابقا في الدخول على بثلاثة أقراء، وإنما يجب لما ذكر عدة، وليس هناك طول عهد حتى يقال: إنه أعاده لطوله كما هو عادة المؤلفين (قوله: على حرة تحيض) متعلق بتجب (قوله: لقوله تعالى: الخ) دليل على وجوب العدة عليها (قوله: * (والمطلقات يتربصن) *) أي ينتظرن ويبعدن أنفسهن عن النكاح ثلاثة قروء: أي أطهار (قوله: فمن طلقت طاهرا) لا يخفاك أن هذا مفرع على تفسير القرء بأنه الطهر بين الحيضتين، وأن قوله المار ويحسب بقية الطهر الخ مفرع عليه أيضا. وهذا يؤدي مؤدي ذلك ويزيد عليه فكان الملائم والأخصر أن يقدم هذا بجنب المفرع عليه ثم يعطف عليه قوله: المار، فلو طلق أو يجعل قوله: فلو طلق باقيا في محله ويقدم هذا أيضا ويجعله معطوفا عليه وعلى الحالتين يحذف قوله ويحسب الخ. فتنبه (قوله: وقد بقي إلخ) الجملة حالية: أي طلقت والحال أنه بقي من طهرها لحظة (قوله: انقضت عدتها الخ) جواب من قوله (قوله: لإطلاق القرء على أقل لحظة) أي فيصدق على القرءين مع بعض القرء ثلاثة قروء كما صدق على الشهرين مع بعض الثالث أشهر في قوله تعالى: * (الحج أشهر معلومات) * (1) (قوله: وإن وطئ فيه) غاية في إطلاق القرء على أقل لحظة (قوله: أو حائضا) عطف على طاهرا (قوله: وإن لم يبق الخ) غاية مما بعده فكان الأولى تأخيره عنه (قوله: فتنقضي عدتها الخ) أي ولا يحسب الحيض الذي طلقت فيه قرءا (قوله: وزمن الطعن في الحيضة) أي الثالثة فيما إذا طلقت طاهرا أو الرابعة فيما إذا طلقت حائضا وقوله: ليس من العدة، خبر المبتدأ الذي هو لفظ زمن (قوله: بل يتبين به) أي بزمن الطعن في الحيضة. وقوله انقضاؤها: أي بالأقراء السابقة عليه. تنبيه: سكت المؤلف عما إذا طلقت وهي ذات نفاس، وظاهر كلام الروضة في باب الحيض أنه لا يحسب من العدة فلا بد من ثلاثة أقراء بعد النفاس. كذا في المغني وع ش، وسكت أيضا عن عدة المستحاضة. وحاصله أن عدة المستحاضة غير المتحيرة حرة كانت أو أمة بأقرائها المردودة هي إليها حيضا وطهرا فترد معتادة لعادتها فيهما ومميزة لتمييزها كذلك ومبتدأة ليوم وليلة في الحيض وتسع وعشرين في الطهر فعدتها تسعون يوما من ابتداء دمها إن كانت حرة لإشتمال كل شهر على حيض وطهر غالبا، وعدة المتحيرة الحرة ثلاثة أشهر هلالية لإشتمال كل شهر على حيض وطهر، وهذا إذا طلقت في أول الشهر كأن علق الطلاق به، أما لو طلقت في أثنائه فإن بقي منه ما يسع حيضا وطهرا بأن يكون ستة عشر يوما فأكثر حسب قرءا لإشتماله على حيض وطهر لا محالة فتكمل بعده شهرين هلاليين وإن بقي منه خمسة عشر يوما

_ (1) سورة البقرة، الاية: 228. (2) سورة البقرة، الاية: 197.

تحض) أي الحرة أصلا (أو) حاضت أولا ثم انقطع و (يئست) من الحيض ببلوغها إلى سن تيأس فيه النساء من الحيض غالبا، وهو اثنتان وستون سنة، وقيل خمسون ولو حاضت من لم تحض قط في أثناء العدة بالاشهر اعتدت بالاطهار أو بعدها أو تستأنف العدة بالاطهار، بخلاف الآيسة (ومن انقطع حيضها) بعد أن كانت تحيض (بلا علة) تعرف (لم تتزوج حتى تحيض أو تيأس) ثم تعتد بالاقراء أو الاشهر وفي القديم وهو مذهب مالك ـــــــــــــــــــــــــــــ بأقل لم يحسب قرءا لاحتمال أنه حيض فتعتد بعده بثلاثة أشهر، أما الرقيقة فقال البارزي: تعتد بشهر ونصف. وقال البلقيني: هذا قد يتخرج على أن الأشهر أصل في حقها وليس بمعتمد، فالفتوى على أنها إذا طلقت أول الشهر اعتدت بشهرين أو وقد بقي أكثره فبباقيه، والثاني أو دون أكثره فبشهرين بعد تلك البقية وهذا هو المعتمد. (قوله: وتجب عدة بثلاثة أشهر الخ) أي لقوله تعالى: * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) * أي فعدتهن ثلاثة أشهر، فحذف المبتدأ والخبر من الثاني لدلالة الأول عليه. وقوله هلالية: أي لا عددية. وقوله: ما لم تطلق أثناء شهر: قيد لكونها هلالية: أي أن محل كونها هلالية إذا لم تطلق أثناء شهر بأن طلقت أوله (قوله: وإلا تمم الخ) أي وإلا لم تطلق الخ بأن طلقت أثناء شهر تمم الأول المنكسر من الشهر الرابع ثلاثين يوما سواء كان المنكسر ناقصا أو تاما (قوله: إن لم تحض) أي لصغر أو لعلة أو جبلة منعتها رؤية الدم: أي ولم تبلغ سن اليأس لئلا يتكرر مع ما بعده (قوله: أو حاضت أولا) أي أو رأت الحيض قبل اليأس (قوله: ثم انقطع) أي الحيض (قوله: ويئست من الحيض) أي من عوده عليها (قوله: ببلوغها الخ) الباء لتصوير اليأس: أي أن اليأس مصور ببلوغها الخ. وقوله إلى سن: إلى زائدة أو أصلية، ويضمن العامل وهو بلوغ معنى وصول. وقوله تيأس فيه النساء: أي كل النساء في كل الأزمنة باعتبار ما يبلغنا خبره ويعرف، وقيل المعتبر في اليأس يأس عشيرتها: أي نساء أقاربها من الأبوين الأقرب إليها فالأقرب لتقاربهن طبعا وخلقا (قوله: وهو) أي سن اليأس. وقوله: اثنتان وستون سنة الخ: عبارة النهاية: وحدوده باعتبار ما بلغهم باثنتين وستين سنة، وفيه أقوال أخر: أقصاها خمس وثمانون سنة وأدناها خمسون. اه. وفي شرح الروض: ولا يبالي بطول مدة الإنتظار احتياطا وطلبا لليقين. اه (قوله: ولو حاضت الخ) المقام للتفريع، فالأولى التعبير بالفاء بدل الواو. وقوله من لم تحض قط: سيأتي محترزه وهو الآيسة. وقوله في أثناء الخ: متعلق بحاضت (قوله: اعتدت بالاطهار) أي استأنفت العدة بالاطهار إجماعا، وذلك لأنها الأصل في العدة وقد قدرت عليها قبل الفراغ من بدلها فتنتقل إليها كالمتيمم إذا وجد الماء في أثناء التيمم. قال في المغنى: ولا يحسب ما بقي من الطهر قرءا. اه (قوله: أو بعدها) معطوف على في أثناء الخ: أي أو حاضت بعد العدة بالأشهر. وقوله: لم تستأنف العدة بالاطهار: أي لأن حيضها حينئذ لا يمنع صدق القول بأنها عند اعتدادها بالأشهر من اللائي لم يحضن (قوله: بخلاف الآيسة) هذا محترز قوله من لم تحض قط: أي بخلاف الآيسة إذا حاضت فإن فيها تفصيلا حاصله أنها إذا حاضت في أثناء الأشهر الثلاثة وجبت الأقراء لأنها الأصل ولم يتم البدل ويحسب ما مضى قرءا لاحتواشه بدمين فتضم إليه قرءين، وإذا حاضت بعدها فإن نكحت زوجا آخر فلا شئ عليها لأن عدتها انقضت ظاهرا ولا ريبة مع تعلق حق الزوج بها، وإن لم تنكح استأنفت العدة بالاقراء لتبين عدم يأسها، وأنها ممن يحضن مع عدم تعلق حق بها (قوله: ومن انقطع حيضها) أي قبل الطلاق أو بعده في العدة برماوي (قوله: بلا علة) متعلق بانقطع وسيأتي مقابله في قوله. وأما من انقطع حيضها بعلة الخ. وقوله تعرف: الجملة صفة لعلة (قوله: لم تتزوج حتى تحيض أو تيأس) أي وإن طال صبرها، وذلك لأن الأشهر إنما شرعت للتي لم تحض وللآيسة وهذه غيرهما. وفي ع ش ما نصه: انظر هل يمتد زمن الرجعة إلى اليأس أم ينقضي بثلاثة أشهر كنظيره السابق في المتحيرة؟ الظاهر الأول اه. عميرة. وهل مثل الرجعة النفقة أم لا؟ فيه نظر أيضا. والأقرب الأول لأن النفقة تابعة للعدة وقلنا ببقائها وطريقه في الخلاص من ذلك أن يطلقها بقية الطلقات الثلاث. اه وقوله: ثم تعتد بالاقراء: أي إذا حاضت. وقوله أو الاشهر:

_ (1) سورة الطلاق، الاية: 4.

وأحمد أنها تتربص تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أشهر ليعرف فراغ الدم: إذ هي غالب مدة الحمل، وانتصر له الشافعي بأن عمر رضي الله عنه قضى به بين المهاجرين والانصار ولم ينكر عليه، ومن ثم أفتى به سلطان العلماء عز الدين ابن عبد السلام والبارزي والريمي وإسماعيل الحضرمي واختاره البلقيني وشيخنا ابن زياد رحمهم الله تعالى. أما من انقطع حيضها بعلة تعرف كرضاع ومرض فلا تتزوج اتفاقا حتى تحيض أو تيأس وإن طالت المدة (و) تجب العدة (لوفاة) زوج حتى (على) حرة (رجعية وغير موطوءة) لصغر أو غيره، وإن كانت ذات أقراء ـــــــــــــــــــــــــــــ أي إذا أيست فهو على اللف والنشر المرتب (قوله: وفي القديم) الجار والمجرور خبر مقدم والمصدر المؤول بعد مبتدأ مؤخر (قوله: وهو) أي القول القديم. وقوله إنها: أي من انقطع حيضها (قوله: تتربص تسعة أشهر) وفي قول قديم أيضا تتربص أربع سنين لأنها أكثر مدة الحمل، ثم إن لم يظهر حمل تعتد بالأشهر (قوله: ثم تعتد الخ) أي ثم بعد مضي تسعة أشهر تعتد بثلاثة أشهر. وفي التحفة: وقيل: ثلاثة من التسعة عدتها اه (قوله: ليعرف الخ) علة لتربصها تسعة أشهر لا لكونها تعتد بعدها ثلاثة أشهر لأن معرفة فراغ الرحم تحصل بالتسعة الأشهر المتربصة، وحينئذ علة كونها تعتد بعدها بما ذكر التعبد. وقوله فراغ الدم: عبارة التحفة: فراغ الحرم. اه. وهي أولى لأن المراد فراغه من الحمل لا من الدم ولعل في عبارته تحريفا من النساخ. وقوله إذ هي: أي التسعة الأشهر وهو علة للعلة: أي وإنما كان يعرف فراغ الرحم بها لأنها غالب مدة الحمل (قوله: وانتصر له الخ) أي استدل الشافعي لقوله القديم: بأن سيدنا عمر قضى به، ومع ذلك فهو ضعيف. إذ المعتمد الجديد (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن هذا القول قضى به سيدنا عمر ولم ينكر عليه (قوله: أما من انقطع حيضها إلخ) محترز قوله: بلا علة تعرف (قوله: كرضاع الخ) تمثيل للعلة التي تعرف. وقوله ومرض: أي وإن لم يرج برؤه كما شمله إطلاقهم، خلافا لما اعتمده الزركشي. اه. نهاية. وقوله خلافا الخ: قال ع ش لعله يقول: إن عدتها ثلاثة أشهر إلحاقا لها بالآيسة. اه (قوله: فلا تتزوج الخ) أي لأن سيدنا عمر رضي الله عنه حكم بذلك في المرضع رواه البيهقي، بل قال الجويني هو كالإجماع من الصحابة رضي الله عنهم. وقولهم اتفاقا: هو محل المخالفة بينهما وبين من انقطع حيضها بلا علة (قوله: وإن طالت المدة) أي فلا يجوز لها التزوج. وفي الخطيب. قال بعض المتأخرين: ويتعين التفطن لتعليم جهلة الشهود هذه المسألة فإنهم يزوجون منقطعة الحيض لعارض أو غيره قبل بلوغ سن اليأس ويسمونها بمجرد الانقطاع آيسة ويكتفون بمضي ثلاثة أشهر ويستغربون القول بصبرها إلى سن اليأس حتى تصير عجوزا فليحذر من ذلك: اه (قوله: وتجب العدة لوفاة) مقابل قوله أول الفصل وتجب العدة لتفرقة زوج حي (قوله: حتى الخ) غاية في وجوب عدة الوفاة على المتوفى عنها زوجها: أي تجب العدة عليها ولو كانت مطلقة طلاقا رجعيا بأن طلقها طلاقا رجعيا ثم مات قبل انقضاء عدتها، وحينئذ فتنتقل إلى عدة الوفاة ويسقط عنها بقية عدة الطلاق فتحد وتسقط نفقتها، بخلاف ما إذا مات عن بائن فإنها لا تنتقل إليها بل تكمل عدة الطلاق لأنها ليست زوجة فلا تحد ولها النفقة إن كانت حاملا، وقيد بالحرة لأجل أن يصح تقييده العدة بعد بأربعة أشهر وعشرة أيام لأنها هي التي عدتها ما ذكر، وأما الأمة فهي على النصف من ذلك (قوله: وغير موطوءة) معطوف على حرة رجعية: أي وتجب عدة الوفاة على غير الموطوءة بأن مات قبل أن يطأها لكونها صغيرة أو غير ذلك، بخلاف فرقة الحياة فإنها إن كانت قبل الوطئ لا تجب عدة عليها لآية * (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * الخ. قال في المغني: وإنما لم يعتبر هنا الوطئ كما في عدة الحياة لأن فرقة الوفاة لا إساءة فيها من الزوج فأمرت بالتفجع وإظهار الحزن بفراقه، ولهذا وجب الإحداد كما سيأتي، ولأنها قد تنكر الدخول ولا تنازع - بخلاف المطلقة - ولأن مقصودها الأعظم حفظ حق الزوج دون معرفة البراءة ولهذا اعتبرت الأشهر. اه (قوله: وان كانت ذات إقراء) غاية في كون عدة الوفاة بالأشهر، وحينئذ فكان الأولى تأخيره عن قوله بأربعة

_ (1) سورة الاحزاب، الاية: 49.

(بأربعة أشهر وعشرة أيام) ولياليها للكتاب والسنة. وتجب على المتوفي عنها زوجها العدة بما ذكر (مع إحداد) يعني يجب الاحداد عليها أيضا بأي صفة كانت، للخبر المتفق عليه: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا أي فإنه يحل لها الاحداد عليه هذه المدة: أي يجب ـــــــــــــــــــــــــــــ أشهر وعشرة أيام (قوله: بأربعة أشهر وعشرة أيام) أي بعد وضع الحمل إن كانت حاملا من شبهة لأن عدة الحمل مقدمة مطلقا تقدمت أو تأخرت عن الموت بأن وطئت بشبهة في أثناء العدة وحملت فإنها تقدم عدة الشبهة وبعد وضع الحمل تبني على ما مضى من عدة الوفاة، فإن كانت حاملا من زنا انقضت عدتها بمضي الأشهر مع وجوده لأنه لا حرمة له. ثم إن الأربعة الأشهر معتبرة بالأهلة ما لم يمت أثناء شهر، وقد بقي منه أكثر من عشرة أيام وإلا تعتبر ثلاثة من الأهلة، ويكمل من الرابع ما يكمل أربعين يوما ولو جهلت الأهلة حسبتها كاملة. قال في التحفة: وكأن حكمة هذا العدد وما مر أن النساء: لا يصبرن عن الزوج أكثر من أربعة أشهر فجعلت مدة تفجعهن، وزيدت العشرة استظهارا. ثم رأيت شرح مسلم ذكر أن حكمة ذلك أن الأربعة بها يتحرك الحمل وتنفخ الروح، وذلك يستدعي ظهور الحمل إن كان. اه. وقوله ولياليها: في المغني ما نصه. تنبيه: إنما قال: بلياليها لأن الأوزاعي والأصم قالا: تعتد بأربعة أشهر وعشر ليال وتسعة أيام قالا: لأن العشر تستعمل في الليالي دون الأيام. ورد بأن العرب تغلب صيغة التأنيث في العدد خاصة فيقولون سرنا عشرا ويريدون به الليالي والأيام وهذا يقتضي أنه لو مات في أثناء الليل ليلة الحادي والعشرين من الشهر أن هذه العشرة التي هي آخر الشهر لا تكفي مع أربعة أشهر بالهلال بل لا بد من تمام تلك الليلة، والذي يظهر أن ذلك يكفي. اه. (قوله: للكتاب الخ) دليل لكون عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام: أي وهو قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * وقوله والسنة: أي والإجماع لكن في غير اليوم العاشر نظرا إلى عشرا إنما يكون للمؤنث وهو الليالي لا غير، كما تقدم (قوله: وتجب على المتوفي عنها زوجها) صادق بالحامل من شبهة فيقتضي أنه يجب عليها الإحداد حالة الحمل وليس كذلك، بل يجب عليها بعد الوضع. ولو قال: وتجب على المعتدة عن وفاة لكان أولى لعدم صدقه على ما ذكر. وقوله العدة بما ذكر: أي بأربعة أشهر وعشرة أيام (قوله: مع إحداد) الظرف متعلق بمحذوف حال من العدة: أي تجب العدة حال كونها مصحوبة بالإحداد وهو من أحد، ويقال فيها الحداد من حد لغة المنع واصطلاحا الإمتناع من الزينة في البدن (قوله: يعني يجب الإحداد عليها) أي على المتوفى عنها زوجها. وقوله أيضا: أي كما يجب عليها العدة. واعلم، أن ترك الإحداد كل المدة أو بعضها كبيرة فتعصي به إن علمت حرمة الترك، ومع ذلك تنقضي عدتها ولو بلغها وفاة زوجها بعد انقضاء العدة. فلا إحداد عليها الانقضاء عدتها، كما لو بلغها طلاقه بعد انقضاء العدة فإنه لا عدة عليها (قوله: بأي صفة كانت) أي المتوفى عنها زوجها: أي سواء كانت رجعية أو صغيرة أو غيرهما (قوله: للخبر المتفق عليه) دليل لوجوب الإحداد. وقوله: لا يحل الخ: بدل أو عطف بيان من الخبر (قوله: فوق ثلاث) أي وأما الثلاث وما دونها فيحل فيهما للمرأة الإحداد في نحو القريب من سيد وصديق ومملوك وصهر. والضابط من حزنت لموته فلها الإحداد عليه ثلاثة أيام، ومن لا فلا. كذا في البجيرمي نقلا عن الزيادي (قوله: أربعة أشهر وعشرا) متعلق بمحذوف بينه الشارح بقوله: أي فإنه الخ وقوله أي يجب: تفسير مراد للحل الذي هو الجواز (قوله: لأن الخ) علة لكون المراد من الحل الوجوب. وحاصله أن ما جاز بعد امتناعه: أي نفيه واجب غالبا ولك أن تقول: أن ما جاز بعد الإمتناع يصدق بالوجوب المجمع عليه كما هنا، لا هو نفس الوجوب. وبيان ذلك أنه أولا نفى الحل بقوله: لا يحل ثم أعيد ثانيا مثبتا

_ (1) سورة البقرة، الاية: 234.

لان ما جاز بعد امتناعه واجب وللاجماع على إرادته إلا ما حكي عن الحسن البصري، وذكر الايمان للغالب أو لانه أبعث على الامتثال، وإلا فمن لها أمان يلزمها ذلك أيضا ويلزم الولي أمر موليته به. تنبيه: الاحداد الواجب على المتوفي عنها زوجها ولو صغيرة ترك لبس مصبوع لزينة وإن خشن. ويباح إبريسم لم يصبغ، وترك التطيب ولو ليلا، والتحلي نهارا بحلي ذهب أو فضة. ولو نحو خاتم أو قرط أو تحت الثياب للنهي عنه، ومنه مموه بأحدهما ولؤلؤ ونحوه من الجواهر التي تتحلى بها، ومنها العقيق وكذا نحو نحاس ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمفهوم، فعلم أن المراد به ما قابل الإمتناع فيصدق بالوجوب (قوله: وللإجماع على إرادته) أي إرادة الوجوب في الحديث لا الجواز. وقوله إلا ما حكي عن الحسن البصري: أي إلا ما نقل عنه من عدم وجوبه فلا يكون قادحا في الإجماع (قوله: وذكر الإيمان) أي في الحديث. وقوله للغالب: أي أن المحدة تكون مؤمنة (قوله: أو لأنه) أي الإيمان. وقوله أبعث: أي أشد باعثا وحاملا لها على الإمتثال للمأمور به (قوله: وإلا فمن الخ) أي وإن لم نقل إن ذكر الإيمان للغالب أو لأنه أبعث فلا يصح التقييد به لأن من لها أمان كالذمية والمعاهدة والمستأمنة كذلك (قوله: يلزمها ذلك) أي الإحداد بمعنى أنا نلزمها به لو رفع الأمر إلينا. قال سم: بل ويلزم من لا أمان لها أيضا لزوم عقاب في الآخرة بناء على الأصح من مخاطبة الكفار بفروع الشريعة. اه (قوله: ويلزم الولي الخ) أي ويلزم الولي أن يأمر موليته صغيرة كانت أو مجنونة بالإحداد (قوله: تنبيه) أي في بيان معنى الإحداد اصطلاحا (قوله: الإحداد) مبتدأ خبره قوله ترك الخ (قوله: على المتوفي عنها زوجها) قد علمت ما فيه (قوله: ترك لبس مصبوغ لزينة) أي ليلا ونهارا من حرير أو غيره كثوب أصفر أو أحمر وخرج بقوله: لزينة ما صبغ لا لزينة، بل لأجل احتمال وسخ كالأسود والأخضر والأزرق فلا يحرم عليها لبسه إلا إن كانت من قوم يتزينون به كالأعراب فيحرم. وقوله وإن خشن: غاية للحرمة (قوله: ويباح إبريسم) هو بالمعنى الشامل للقز مطلق الحرير، ومثله بالأولى قطن وصوف وكتان لم تصبغ (قوله: وترك التطيب) معطوف على ترك الأول: أي والإحداد الواجب عليها أيضا ترك التطيب فيحرم عليها التطيب في بدن أو ثوب أو طعام أو شراب أو كحل وضابط الطيب المحرم عليها كل ما حرم على المحرم، لكن يلزمها هنا إزالة الطيب الكائن معها حال الشروع في العدة (قوله: والتحلي الخ) معطوف على التطيب: أي والإحداد الواجب أيضا ترك التحلي. وقوله نهارا: أما ليلا فجائز لكن مع الكراهة إن كان لغير حاجة، فإن كان لحاجة فلا كراهة. قال في المغني: فإن قيل: لبس المصبوغ يحرم ليلا فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب: بأن ذلك يحرم الشهوة، بخلاف الحلي. اه. وقوله: بحلي ذهب أو فضة متعلق بالتحلي: أي ترك التحلي بحلي ذهب أو فضة فلو تحلت بذلك حرم لأنه يزيد في حسنها كما قيل: وما الحلي إلا زينة لنقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا فأما إذا كان الجمال موفرا كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا وقوله أن يزورا: أي يحسن ويزين من التزوير، وهو تحسين الكذب (قوله: ولو نحو خاتم) أي ولو كان ذلك الحلي نحو خاتم كخلخال وسوار فإنه يحرم (قوله: أو قرط) هو بضم القاف وسكون الراء: وهو حلق يعلق في شحمة الأذن وينبغي أن محل حرمته ما لم يحصل لها ضرر بتركه، وإلا جاز لها لبسه (قوله: أو تحت الثياب) أي أو كان الحلي لبسته من تحت الثياب فيحرم (قوله: للنهي عنه) تعليل لوجوب ترك التحلي بحلي ذهب أو فضة: أي وإنما وجب ذلك للنهي عن الحلي في رواية أبي داود والنسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: المتوفي عنها زوجها لا تلبس الحلي ولا تكتحل ولا تختضب (قوله: ومنه مموه) أي ومن الحلي الواجب تركه نحاس مموه بذهب أو فضة، ومثله المموه بغيرهما إن كان مما يحرم التزين به (قوله: ولؤلؤ) معطوف على مموه: أي ومن الحلي أيضا لؤلؤ فيحرم التزين به لأن الزينة فيه ظاهرة، قال تعالى: * (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) * وهذا هو الأصح، ومقابله يقول: لا حرمة بالتزين به لأنه

_ (1) سورة فاطر، الاية: 33.

وعاج إن كانت من قوم يتحلون بهما وترك الاكتحال بإثمد إلا لحاجة وإن كانت سوداء، ودهن شعر رأسها لا سائر البدن وحل تنظف بغسل، وإزالة وسخ وأكل تنبل وندب إحداد لبائن بخلع أو فسخ أو طلاق ثلاث لئلا يفضي تزيينها لفسادها، وكذا الرجعية إن لم ترج عودة بالتزين فيندب. وتجب على المعتدة بالوفاة وبطلاق بائن ـــــــــــــــــــــــــــــ يحل للرجل (قوله: ومنها العقيق) أي ومن الجواهر العقيق فيحرم عليها التحلي به (قوله: وكذا نحاس) أي وكذلك من الحلي نحو نحاس كرصاص بالقيد الآتي وحينئذ فتقييد الحلي فيما مر بكونه من ذهب أو فضة محله إن كانت من قوم لا يتحلون إلا بهما، وإلا فليس بقيد. وعبارة المغني: والتقييد بالذهب والفضة يفهم جواز التحلي بغيرهما كنحاس ورصاص وهو كذلك إلا إن تعود قومها التحلي بهما أو أشبها الذهب والفضة، بحيث لا يعرفان إلا بتأمل أو موها بهما فإنهما يحرمان. قال الأذرعي: والتمويه بغير الذهب والفضة: أي مما يحرم تزينها به كالتمويه بهما، وإنما اقتصروا على ذكرهما اعتبارا بالغالب. اه (قوله: أن كانت) أي المرأة المعتدة بعدة الوفاة. وقوله يتحلون بهما: أي بالنحاس والعاج وهو عظم الفيل (قوله: وترك الإكتحال) عطف على ترك الأول أيضا: أي والإحداد الواجب أيضا ترك الإكتحال. وقوله بإثمد: أي ونحوه مما يكتحل به للزينة. وقوله إلا لحاجة: أي كرمد فتكتحل به لكن ليلا فقط وتمسحه نهارا ويجوز للضرورة نهارا أيضا، وذلك لخبر أبي داود أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم سلمة وهي حادة على أبي سلمة وقد جعلت على عينها صبرا. فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ فقالت: هو صبر لا طيب فيه. فقال: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار (قوله: ودهن) بالجر عطف على الإكتحال: أي وترك دهن وهو بفتح الدال مراد به المصدر. وقوله شعر رأسها: أي ولحيتها إن كانت وبقية شعور وجهها (قوله: لا سائر البدن) بالجر عطف على رأسها: أي لا يجب عليها ترك دهن سائر شعور البدن، وكما يحرم عليها الدهن يحرم عليها طلاء وجهها بالإسفيذاج - بالذال المعجمة - وهو ما يتخذ من الرصاص يطلى به الوجه وبالدمام - بكسر الدال المهملة وضمها - وهي ما يطلى به الوجه للتحسين، وهو الحمرة التي يورد بها الخد وهو المسمى عند العامة بحسن يوسف. ويحكى أن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه كان إذا ذكر أحد عنده بسوء ينهى عنه ويقول: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالكل أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدا وبغضا، إنه لدميم أي معمول بالدمام المتقدم، ويحرم عليها أيضا خضاب ما ظهر من بدنها كالوجه واليدين والرجلين بنحو الحناء وتطريف أصابعها وتصفيف شعر طرتها: أي ناصيتها على جبهتها وتجعيد شعر صدغيها وحشو حاجبها بالكحل وتدقيقه بالحف وهو إزالة شعر ما حول الحاجبين وأعلى الجبهة بالتحفيف (قوله: وحل تنظف بغسل) أي لرأس أو بدن ولو بدخول حمام ليس فيه خروج محرم وحل أيضا امتشاط بلادهن واستعمال نحو سدر وإزالة شعر لحية أو شارب أو إبط أو عانة وقلم ظفر (قوله: وإزالة وسخ) بالجر عطفا على غسل: أي وحل تنظف بإزالة وسخ (قوله: وأكل تنبل) بالرفع عطفا على تنظف: أي وحل لها أكل تنبل إذ هو ليس من أنواع الطيب (قوله: وندب إحداد لبائن الخ) وفي قول قديم يجب كالمتوفي عنها زوجها بجامع الإعتداد عن النكاح. ورد بأنها إن فورقت بطلاق فهي مجفوة به: أي مهجورة متروكة بسبب الطلاق ونفسها قائمة منه فلا تحزن عليه أو بخلع، فالخلع إنما هو منها لكراهتها له أو بفسخ، فالفسخ إما منها أو منه لعيب قائم بها فلا يليق بها إيجاب الاحداد (قوله: لئلا يفضي الخ) علة الندب: أي وإنما ندب لئلا يفضي تزيينها إلى فسادها (قوله: وكذا الرجعية) أي وكذا يندب الإحداد للرجعية، كما نقله في الروضة كأصلها عن أبي ثور عن الشافعي رضي الله عنه، ثم نقل عن بعض الأصحاب أن الأولى لها أن تتزين بما يدعو الزوج إلى رجعتها. اه. شرح المنهج (قوله: إن لم ترج عوده بالتزين) قيد في ندب الإحداد للرجعية (قوله: فيندب) أي التزين، وهو مفرع على محذوف: أي إذا ترجت العود فيندب لها التزين، وعلى ما ذكر حمل حجر ما أطلقه الأصحاب من أولوية التزين لها. تنبيه: قال سم: حيث طلب الإحداد أو أبيح وتضمن تغيير اللباس لأجل الموت كان مستثنى من حرمة تغيير اللباس للموت المقرر في باب الجنائز. اه. (قوله: وتجب على المعتدة بالوفاة الخ) وذلك لقوله تعالى في الطلاق: *

أو فسخ ملازمة مسكن كانت فيه عند الموت أو الفرقة إلى انقضاء عدة ولها الخروج نهارا لشراء نحو طعام وبيع غزل ولنحو احتطاب لا ليلا ولو أوله، خلافا لبعضهم لكن لها خروج ليلا إلى دار جاره الملاصق لغزل وحديث ـــــــــــــــــــــــــــــ (أسكنوهن من حيث سكنتم) * أي مكانا من مكان سكناكم، ولخبر، فريعة - بضم الفاء - بنت مالك في الوفاة أن زوجها قتل فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ترجع إلى أهلها، وقالت إن زوجي لم يتركني في منزل يملكه، فأذن لها في الرجوع قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني، فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، صححه الترمذي وغيره (قوله: وبطلاق) معطوف على بالوفاة: أي وعلى المعتدة بطلاق. وقوله بائن: مفاد التقييد به أن المفارقة بطلاق رجعي لا يجب عليها ملازمة المسكن، وليس كذلك بدليل قوله بعد أما الرجعية الخ. ولو قال: أو بطلاق ولو بائنا وقيد قوله: ولها الخروج بغير الرجعية لكان أولى وأنسب بقوله: أما الرجعية الخ. تأمل (قوله: أو فسخ) أي أو انفساخ بردة أو لعان أو رضاع. ح ل (قوله: ملازمة مسكن) فاعل تجب: أي وتجب على المعتدة بالوفاة وما بعده ملازمة مسكن فلا تخرج بنفسها منه وليس لزوج ولا غيره أن يخرجها منه ولو وافقها الزوج على خروج منه بغير حاجة لم يجز وعلى الحاكم المنع منه لأن في العدة حقا لله تعالى وقد وجبت وهي في ذلك المسكن. قال تعالى: * (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * والإضافة في قوله: * (من بيوتهن) * لسكناهن فيها، وإلا فالبيوت للأزواج. وفسر ابن عباس وغيره الفاحشة المبينة بأن تبذو على أهل زوجها حتى يشتد أذاهم ومثل أهل الزوج جيرانها، فإن اشتد أذاهم بها جاز إخراجها كما أنه إذا اشتد أذاها بهم جاز خروجها (قوله: كانت فيه الخ) الجملة صفة لمسكن. أي مسكن موصوف بأنها كانت فيه عند الموت أو عند الفرقة أي بإذن الزوج وكان لائقا بها حينئذ وأمكن بقاؤها فيه لإستحقاقه منفعته، فإن فورقت بوفاة أو غيرها وهي في مسكن لم يأذن فيه بأن انتقلت من مسكنها الأول إلى المسكن الثاني بغير إذن الزوج لها فيلزمها أن ترجع للأول وتعتد فيه لعصيانها بذلك، بخلاف ما لو انتقلت إليه بإذنه فإنها تعتد فيه وجوبا وإن كان أبعد من الأول أو رجعت إليه لأخذ متاع، وذلك لإعراضها عن الأول بحق أو لم يكن لائقا بها فلا تكلف السكنى فيه كالزوجة أو لم يمكن بقاؤها فيه كأن تعلق به حق كرهن وقد بيع في الدين لتعذر وفائه من غيره ولم يرض مشتريه بإقامتها فيه بأجرة المثل فتنتقل منه إلى غيره (قوله: إلى انقضاء عدة) متعلق بملازمة: أي وتجب الملازمة إلى أن تنقضي العدة، فإذا انقضت فلا وجوب (قوله: ولها الخروج نهارا الخ) وذلك لما رواه مسلم عن جابر قال: طلقت خالتي سلمى فأرادت أن تجذنخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: جذي عسى أن تتصدقي أو تفعلي معروفا قال الشافعي رضي الله عنه، ونخل الأنصار قريب من منازلهم، والجذاذ لا يكون إلا نهارا. وورد ذلك في البائن، ويقاس بها المتوفي عنها زوجها. وضابط من يجوز لها الخروج لما ذكره ومن لا يجوز لها ذلك كل معتدة لا تجب نفقتها ولم يكن لها من يقضيها حاجتها لها الخروج في النهار لشراء طعام وقطن وبيع غزل للحاجة، أما من وجبت نفقتها من رجعية أو بائن حامل أو مستبرأة فلا تخرج إلا بإذن أو ضرورة كالزوجة لأنهن مكفيات بالنفقة (قوله: لا ليلا) أي لا يجوز لها الخروج في الليل مطلقا لذلك لأنه مظنة الفساد إلا إذا لم يمكنها ذلك نهارا: أي وأمنت كما بحثه أبو زرعة. اه. تحفة وقوله ولو أوله: أي لا يجوز لها الخروج في الليل ولو كان في أوله (قوله: خلافا لبعضهم) أي القائل بأن لها الخروج أوله (قوله: لكن لها خروج ليلا الخ) إستدراك من امتناعه ليلا، وإنما جاز لها فيه للغزل ونحوه لما رواه الشافعي والبيهقي رحمهما الله تعالى أن رجالا استشهدوا بأحد، فقالت نساؤهم: يا رسول الله إنا نستوحش في بيوتنا فنبيت عند إحدانا، فأذن لهن - صلى الله عليه وسلم - أن يتحدثن عند إحداهن، فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة من بيتها (قوله: إلى دار جاره الملاصق) أي لدارها، ومثله ملاصق الملاصق والمقابل، وفي تقييده الجار بما ذكر إشارة إلى أن المراد به هنا الذي مر في الوصية وهو الذي لم يتجاوز داره أربعين دارا من كل جانب فما كان من الأربعين فهو جار ولو لم يكن ملاصقا ولا ملاصق الملاصق فلو أوصى لجيرانه يقسم على أربعين دارا من كل جانب. وقوله: لغزل وحديث، متعلق بخروج.

_ (1) سورة الطلاق، الاية: 6. (2) سورة الطلاق، الاية: 1.

ونحوهما لكن بشرط أن يكون ذلك بقدر العادة وأن لا يكون عندها من يحدثها ويؤنسها على الاوجه وأن ترجع وتبيت في بيتها. أما الرجعية فلا تخرج إلا بإذنه أو لضرورة لان عليه القيام بجميع مؤنها كالزوجة، ومثلها بائن حامل وتنتقل من المسكن لخوف على نفسها أو ولدها أو على المال ولو لغيرها كوديعة وإن قل وخوف هدم أو حرق أو سارق. أو تأذت بالجيران أذى شديدا، وعلى الزوج سكنى المفارقة ولو بأجرة ما لم تكن ناشزة وليس له ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله ونحوهما: أي كخياطة (قوله: لكن الخ) تقييد لجواز الخروج المذكور (قوله: أن يكون ذلك) أي الخروج إلى دار جارتها، والمراد ما يترتب عليه وهو مكثها عند جارتها. ولو صرح به وقال: أن يكون مكثها بقدر العادة لكان أولى. وقوله: بقدر العادة وقال بعضهم: تمكث عند جارتها لذلك حصة لم تكن معظم الليل، وإلا فيحرم عليها ذلك (قوله: وإن لا يكون عندها الخ) أي وبشرط أن لا يكون عندها أي المعتدة: أي في دارها التي هي فيه من يؤنسها ويحدثها فإن وجد من ذكر عندها فلا يجوز لها ذلك ولم يذكر هذا الشرط الرملي (قوله: وأن ترجع الخ) أي وبشرط أن ترجع إلى دارها وتبيت فيه، فلو لم ترجع بل باتت عند جارتها حرم عليها ذلك (قوله: أما الرجعية فلا تخرج إلا بإذنه) مقابل قوله: المعتدة بالوفاة الخ. والأنسب بالمقابلة أن يقول: أما الرجعية فيجب عليها ملازمة السكنى أيضا، ولكن لا تخرج إلا بإذنه أو يقول ما قدمته هناك. وقوله إلا بإذنه: هذا هو محل المخالفة بين الرجعية وغيرها، فالأولى لا تخرج إلا بالإذن والثانية لها الخروج ولو بلا إذن لحاجة، أما حالة الضرورة فهما سواء في جواز الخروج (قوله: لأن عليه) أي الزوج وهو علة لامتناع الخروج عليها إلا بإذنه أو لضرورة. وقوله كالزوجة: الكاف للتنظير. والمراد نظير الزوجة الحقيقية فإنها يمتنع عليها الخروج إلا بإذنه لكونه قائما بجميع مؤنها (قوله: ومثلها) أي الرجعية بائن حامل: أي فيمتنع عليها الخروج إلا بإذنه لكونه قائما بجميع مؤنها أيضا (قوله: وتنتقل) أي المعتدة مطلقا بوفاة أو غيرها جوازا. وقوله من المسكن: أي الذي كانت فيه عند الموت أو الفرقة (قوله: لخوف على نفسها) اللام تعليلية متعلقة بتنتقل: أي تنتقل لأجل خوف على نفسها إذا دامت فيه: أي من نحو ريبة للضرورة. قال في التحفة: وظاهر أنه يجب الإنتقال حيث ظنت فتنة كخوف على نحو بضع ومن ذلك أن ينتجع قوم البدوية وتخشى من التلف. اه. وقوله أو ولدها: أي أو خوف على ولدها. وقوله أو على المال: أي أو خوف على المال. وقوله ولو لغيرها: أي ولو كان المال لغيرها وهو موضوع عندها على سبيل الأمانة كوديعة. وقوله وإن قل: أي ذلك المال والذي يظهر أنه لا بد من أن يكون متمولا: إذ لا وجه لجواز الخروج للخوف على نحو حبة بر. وفي التحفة زيادة أو اختصاص (قوله: وخوف هدم الخ) الأولى أن يقول: من نحو هدم الخ فيبدل لفظ خوف بلفظة من نحو لأن هذا هو المخوف منه وعبارة المنهاج مع التحفة: وتنتقل من المسكن لخوف على نفسها أو نحو ولدها أو مال ولو لغيرها كوديعة وإن قل أو اختصاص كذلك فيما يظهر من نحو هدم أو غرق أو سارق أو لخوف على نفسها ما دامت فيه من ريبة الخ. اه. فلو عبر مثلهما لكان أولى، ولعله حصل تحريفه من النساخ بإبدال لفظة من نحو بخوف. فتنبه (قوله: أو تأذن بالجيران) الأولى والأخصر أن يقول كالمنهج أو شدة تأذيها بالجيران لأنه معطوف على خوف، ومثل تأذيها بالجيران ما لو تأذى الجيران بها أذى شديدا فيجوز لها الانتقال لما روى مسلم أن فاطمة بنت قيس كانت تبدو على أحمائها فنقلها - صلى الله عليه وسلم - عنهم إلى بيت ابن أم مكتوم ولا يعارضه رواية نقلها لخوف مكانها لإحتمال تكرر الواقعة: قال في التحفة. تنبيه: يتعين حمل المتن على ما إذا كان تأذيهم بأمر لم تتعد هي به، وإلا أجبرت على تركه ولم يحل لها الإنتقال حينئذ. اه (قوله: وعلى الزوج سكنى المفارقة) أي ويجب على الزوج سكنى المفارقة مطلقا بوفاة أو طلاق بائن أو رجعي أو فسخ وفي الوفاة تكون السكنى في تركته حيث وجدت وتقدم على الديون المرسلة في الذمة. قال ع ش: وتقدم على مؤنة التجهيز لأنه حق تعلق بعين التركة وليس هو من الديون المرسلة في الذمة. وينبغي أن هذا إذا كان ملكه أو يستحق منفعته مدة عدتها بإجارة. ويحتمل أنه إذا خلفها في بيت معار أو مؤجر وانقضت المدة أنها تقدم بأجرة المسكن على مؤن التجهيز أيضا، ويحتمل - وهو الظاهر - أنها تقدم بأجرة يوم الموت فقط لأن ما بعده لا يجب إلا بدخوله فلم يزاحم مؤن التجهيز. اه. وفي التحفة: ويسن للسلطان حيث لا تركة ولا متبرع إسكانها من بيت المال. كذا أطلقوه. ولو

مساكنتها ولا دخول محل هي فيه مع انتفاء نحو المحرم فيحرم عليه ذلك ولو أعمى وإن كان الطلاق رجعيا لان ذلك يجر إلى الخلوة المحرمة بها، ومن ثم لزمها منعه إن قدرت عليه (و) كما تعتد حرة بما ذكر (تعتد غيرها) أي غير الحرة (بنصف) من عدة الحرة لانها على النصف في كثير من الاحكام (وكمل الطهر الثاني) إذ لا يظهر ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل يجب كوفاء دينه بل أولى - لأن هنا حقا لله أيضا لم يبعد. اه (قوله: ما لم تكن) أي المفارقة مطلقا ناشزة، فإن كانت كذلك فليس عليه سكناها. ومثل الناشزة كل من لا نفقة لها عليه كصغيرة لا تحتمل الوطئ. وعبارة المنهج وشرحه: هذا حيث تجب نفقتها على الزوج لو لم تفارق فلا تجب سكنى لمن لا نفقة لها عليه من ناشزة ولو في العدة وصغيرة لا تحتمل الوطئ وأمة لا تجب نفقتها. اه. وقوله: لا تجب نفقتها بأن لم تكن مسلمة ليلا ونهارا ح ل (قوله: وليس له مساكنتها) أي ليس للزوج مساكنتها: أي المعتدة منه بطلاق ولو رجعيا أو فسخ، أما الموت فمتعذر كما هو ظاهر. ومحل هذا حيث كان المسكن واحدا، فلو تعدد بأن كانت الدار مشتملة على حجرتين وسكن أحدهما حجرة والآخر حجرة جاز ذلك مع الكراهة، ولو لم يكن محرم إن لم تتحد المرافق كمطبخ ومستراح وممر ومرقى وأغلق باب بينهما أو سد، فإن اتحدت اشترط المحرم كما لو لم تكن إلا حجرة واحدة. وقوله ولا دخول الخ: أي وليس له دخول محل هي أي المعتدة ساكنة فيه: أي وإن لم يكن على جهة المساكنة (قوله: مع انتفاء نحو المحرم) الظرف متعلق بكل من مساكنة ومن دخول المنفيين: أي ليس له المساكنة المقارنة لانتفاء نحو المحرم وليس له الدخول المقارن لإنتفاء نحو المحرم من زوجة أخرى أو أمة أو امرأة أجنبية، فإن وجد محرم لها بصير مميز يحتشم بحيث يمنع وجوده وقوه خلوة بها أو محرم له أنثى أو زوجة أخرى أو أمة أو امرأة أجنبية وكل منهن ثقة محتشم جاز ذلك لكن مع الكراهة، وإنما حلت خلوة رجل بامرأتين ثقتين يحتشمهما، بخلاف خلوة امرأتين برجلين لما في وقوع فاحشة من امرأة بحضور مثلها من البعد لأنها تحتشمها، ولا كذلك الرجل مع مثله (قوله: فيحرم الخ) لما كان امتناع المساكنة والدخول المفهوم من النفي السابق قد يكون على طريق الإستحباب، فلا يتعين للتحريم صرح بالتحريم. وقوله ذلك: أي المذكور من المساكنة والدخول عليها (قوله: لأن ذلك الخ) علة التحريم: أي وإنما حرم ذلك عليه لأنه يجر إلى الخلوة المحرمة. قال في المغني: ولأن في ذلك إضرارا بها وقد قال تعالى: * (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) * أي في المسكن. اه (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن ذلك يجر الخ يلزمها أن تمنعه من مساكنتها أو الدخول عليها. وقوله إن قدرت عليه: أي على المنع المذكور (قوله: وكما تعتد حرة بما ذكر) أي بالأقراء أو بالأشهر (قوله: أي غير الحرة) وهي من فيها رق ولو مبعضة. وقوله بنصف من عدة الحرة: أي فتعتد ذات الأشهر شهرا ونصفا وتعتد ذات الأقراء قرءين بتكميل المنكسر - كما سيأتي - وهذا في غير الوفاة، أما فيها فتعتد بشهرين وخمسة أيام ولو كانت من ذوات الأقراء (قوله: لأنها على النصف) أي لأن غير الحرة جارية على نصف الحرة: أي ولقول سيدنا عمر رضي الله عنه: وتعتد الأمة بقرأين وقوله في كثير من الأحكام: أي كما تقدم في القسم أن للحرة ليلتين وللأمة ليلة وكما سيأتي في باب الحدود إن شاء الله تعالى أنها إذا زنت الحرة المكلفة تجلد مائة وتغرب عاما والأمة على النصف، وإذا شربت الأولى الخمر تحد أربعين والأمة على النصف وغير ذلك وخرج بالكثير القليل كضرب المدة في العنة ومدة الزفاف وكسن الحيض وأقله وأكثره وكبينونتها بالثلاث فيما إذا تزوجت على حر وأبانها ففي جميعها ساوت الحرة. تنبيه: لو عتقت في عدة رجعية فكحرة فتكمل ثلاثة أقراء لأن الرجعية كالزوجة في معظم الأحكام فكأنها عتقت قبل الطلاق، بخلاف ما إذا عتقت في عدة بينونة لأنها كالأجنبية فكأنها عتقت بعد انقضاء العدة، أما لو عتقت مع العدة كأن علق طلاقها وعتقها بشئ واحد فإنها تعتد عدة حرة وفي عكس ما ذكر بأن صارت الحرة أمة: كأن التحقت بدار الحرب فتكمل عدة حرة على أوجه الوجهين (قوله: وكمل الطهر الثاني) أي مع أنها إذا كانت على النصف كما ذكر فحقه أن

_ (1) سورة الطلاق، الاية: 6.

نصفه إلا بظهور كله فلا بد من الانتظار إلى أن يعود الدم (وتعتدان) أي الحرة والامة لوفاة أو غيرها وإن كانتا تحيضان (بوضع حمل) حملتا لصاحب العدة ولو مضغة تتصور لو بقيت لا بوضع علقة. فرع: يلحق ذا العدة الولد إلى أربع سنين موقت طلاقه لا إن أتت به بعد نكاح لغير ذي العدة وإمكان ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون عدتها قرءا ونصفا. وقوله: إذ لا يظهر الخ علة التكميل، وجعله في شرح الروض علة لعلة قبلها وعبارته: وإنما كمل القرء الثاني لتعذر تبعيضه كالطلاق إذ لا يظهر الخ. اه. وهي أولى. وإنما تعذر تبعيضه لأن أكثر الطهر لا آخر له ولا تعتبر عادتها فيه لأنه ربما أنها تخالف عادتها فاحتيط لذلك، وأوجبوا عليها تكميل القرء. وقوله نصفه: أي الطهر وقوله إلا بظهور كله: أي لا يظهر النصف إلا بظهور الكل: أي لا يتبين، ويتضح لنا إلا إذا تم ظهور الكل وتمام ظهوره يكون بعود الدم (قوله: فلا بد الخ) تفريع على العلة أو على المعلل. وقوله من الإنتظار. أي تنتظر نفسها وتتربص فلا تتزوج. وقوله إلى أن يعود الدم: أي فإذا عاد تمت مدة الإنتظار والتربص فيجوز لها بعد ذلك أن تتزوج لانقضاء العدة (قوله: وتعتدان الخ) لما أنهى الكلام على عدة الحائل شرع في بيان عدة الحامل. وقوله أي الحرة والأمة: بيان لألف التثنية. وقوله لوفاة متعلق بتعتدان: أي تعتدان عدة وفاة. وقوله أو غيرها: أي الوفاة أي غير مدة الوفاة كعدة الطلاق أو الفسخ (قوله: وإن كانتا تحيضان) غاية لكون عدة الحامل بوضع الحمل، وحينئذ فكان الأولى تأخيره عن قوله بوضع حمل (قوله: بوضع حمل) متعلق بتعتدان والمراد تنقضي عدتهما بوضع حمل، وذلك لقوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * وهو مخصص لقوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * ولأن القصد من العدة براءة الرحم وهي حاصلة بالوضع. ثم إنه يتوقف انقضاؤها على انفصال جميع الولد فلا أثر لخروج بعضه متصلا أو منفصلا، ويتوقف أيضا على وضع الولد الأخير من توأمين بينهما أقل من ستة أشهر، فإن كان بينهما ستة أشهر فأكثر فالثاني حمل آخر. وقوله حملتا: أي الحرة والأمة وقدره لأجل تعلق الجار والمجرور بعده ولا حاجة لتقديره ويكون الجار والمجرور بعده صفة لحمل: أي حمل منسوب لصاحب العدة من زوج أو واطئ شبهة. وخرج به ما إذا كان منسوبا لغيره فلا تنقضي العدة به. ثم إن كان الحمل بوطئ شبهة انقضت عدة الشبهة بوضعه ثم تعتد للزوج وإن كان من زنا فوجوده كعدمه: إذ لا إحترام له فإن كانت من ذوات الأشهر بأن لم تحض قبل الحمل اعتدت بها أو من ذوات الإقراء اعتدت بها وعليه لو زنت في العدة وحملت من الزنا لم تنقطع العدة (قوله: ولو مضغة الخ) غاية لكون عدة الحامل بالوضع أن تعتد بذلك ولو كان ما وضعته من الحمل مضغة تتصور لو بقيت في بطنها، ومثله بالأولى ما لو كان فيها صورة آدمي بالفعل. وعبارة المنهاج مع التحفة: وتنقضي بمضغة فيها صورة آدمي خفية على غير القوابل أخبر بها بطريق الجزم أهل الخبرة ومنهم القوابل لأنها حينئذ تسمى حملا وعبروا بأخبر لأنه لا يشترط لفظ شهادة إلا إذا وجدت دعوى عند قاض أو محكم، وإذا اكتفى في الأخبار بالنسبة للباطن فليكتف بقابلة - كما هو ظاهر - أخذا من قولهم لمن غاب زوجها فأخبرها عدل بموته أن تتزوج باطنا فإن لم يكن فيها صورة خفية ولكن قلن: أي القوابل مثلا لا مع تردد هي أصل آدمي ولو بقيت تخلقت انقضت العدة بوضعها أيضا على المذهب لتيقن براءة الرحم بها كالدم بل أولى. اه. وقوله فليكتف بقابلة: أي بالنسبة للباطن، أما بالنسبة للظاهر فلا بد من أربع قوابل بشرط عدالتهن كما في سائر الشهادات أو رجلين أو رجل وامرأتين (قوله: لا بوضع علقة) أي لا تنقضي العدة بوضع علقة، وذلك لأنها تسمى دما لا حملا ولا يعلم كونها أصل آدمي، ومثلها بالأولى النطفة (قوله: يلحق ذا العدة الخ) أي بشرط أن لا تنكح آخر أو نكحته، ولكن لم يمكن كون الولد منه بأن كان صبيا أو ممسوحا أو ولدته لدون ستة أشهر من نكاحه كما سيعلم مما بعده. وقوله إلى أربع سنين: متعلق بمحذوف: أي إذا وضعت لستة أشهر ولحظتين أو أكثر، وتنتهي الكثرة بوضعه لأربع سنين لأنها أكثر مدة الحمل بدليل الاستقراء. وحكي عن مالك أنه قال: جاورتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاث أبطن في اثنتي

_ (1) سورة الطلاق، الاية: 4. (2) سورة البقرة، الاية: 228.

لان يكون منه بأن أتت به لستة أشهر بعد نكاحه. (وتصدق) المرأة (في) دعوى (انقضاء عدة) بغير أشهر إن (أمكن) انقضاوها وإن خالفت عدتها أو كذبها الزوج، إذ يعسر عليها إقامة البينة بذلك ولانها مؤتمنة على ما في رحمها وإمكان الانقضاء بالولادة ستة أشهر ولحظتان وبالاقراء لحرة طلقت في طهر اثنان وثلاثون يوما ولحظتان وفي حيض سبعة وأربعون يوما ولحظة. فائدة: ينبغي تحليف المرأة على انقضاء العدة (ولا يقبل دعواها) أي المرأة (عدم انقضائها) أي العدة (بعد تزوج الآخر) لان رضاها بالنكاح يتضمن الاعتراف بانقضاء العدة، فلو ادعت بعد الطلاق الدخول فأنكر ـــــــــــــــــــــــــــــ عشرة سنة، فحمل كل بطن أربع سنين (قوله: من وقت طلاقه) أي تحسب الأربع سنين من وقت فراقه بتنجيز أو تعليق، وهذا محمول على مقارنة الوطئ للفراق، وإلا لزادت مدة الحمل على أربع سنين مع أنهم حصروا أكثر مدة الحمل في أربع سنين مع لحظة الوطئ فقط. وفي شرح المنهج: من وقت إمكان العلوق قبل الفراق، ثم قال فيه واعتباري للمدة في هذه من وقت إمكان العلوق قبل الفراق، لا من الفراق الذي عبر به أكثر الأصحاب هو ما اعتمده الشيخان حيث قالا فيما أطلقوه تساهل الخ. اه (قوله: لأن أتت به الخ) أي لا يلحق ذا العدة إن أتت إلخ. ومثله في عدم اللحوق به ما لو أتت به من لم تنكح آخر لأكثر من أربع سنين من وقت الوطئ لعدم الإمكان (قوله: وإمكان لأن يكون منه) أي من غير ذي العدة (قوله: بأن أتت به الخ) تصوير لإمكان كونه منه. وقوله بعد نكاحه: أي الغير وبين المصنف حكم ما إذا أمكن كونه من الأول أو من الثاني، وبقي عليه بيان حكم ما إذا أمكن كونه منهما كأن ولدته لستة أشهر من وطئ الثاني ولدون أربع سنين من طلاق الأول. وحاصله أنه يعرض على قائف: فإن ألحقه بأحدهما فكالإمكان منه فقط وقد مر حكمه، أو ألحقه بهما أو نفاه عنهما أو اشتبه عليه الأمر انتظر بلوغه وانتسابه بنفسه، ومثله ما لو فقد القائف كأن كان بمسافة القصر، وأما إذا لم يمكن كونه منهما كأن ولدته لدون ستة أشهر من وطئ الثاني ولأكثر من أربع سنين من وطئ الأول فهو منفي عنهما (قوله: وتصدق المرأة الخ) قد ذكر هذا بعينه في آخر فصل الرجعة قبيل فصل الإيلاء، وقد تقدم الكلام عليه (قوله: وإمكان الإنقضاء) أي للعدة. وقوله ستة أشهر: أي عددية وهي مائة وثمانون يوما من حين إمكان اجتماعهما بعد النكاح. اه ش ق. وقوله ولحظتان: أي لحظة للوطئ ولحظة للوضع، وهذا في وضع التام. أما في غيره فإن كان مصورا فإمكان انقضاء العدة بوضعه مائة وعشرون يوما ولحظتان وإن كان مضغة فإمكان ذلك فيها ثمانون يوما ولحظتان (قوله: وبالأقراء) معطوف على بالولادة: أي وإمكان انقضاء العدة بالإقراء لحرة طلقت في طهر: أي سبق بحيض اثنان وثلاثون يوما ولحظتان، لحظة للقرء الأول ولحظة للطعن في الحيضة الثالثة، وبيان ذلك أن يطلقها وقد بقي من الطهر لحظة ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر وهو خمسة عشر يوما ثم تحيض وتطهر كذلك ثم تطعن في الحيضة الثالثة لحظة (قوله: وفي حيض الخ) معطوف على في طهر: أي وإمكان انقضاء العدة بالإقراء لحرة طلقت في حيض سبعة وأربعون يوما ولحظة: أي من حيضة رابعة، وبيانه بأن يطلقها آخر جزء من الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر وتحيض كذلك ثم تطهر أقل الطهر ثم تطعن في الحيض لحظة، وقد تقدم الكلام كله مع بيان عدة الأمة والمبعضة فارجع إليه إن شئت (قوله: فائدة ينبغي تحليف إلخ) أي يجب عليه فالمراد من الإنبغاء الوجوب كما يفيده عبارته فيما مر حيث جزم بذلك وهي تصدق بيمينها في انقضاء العدة بغير الأشهر إلخ، ومثله في متن الإرشاد. وعبارته مع الشرح: وإذا تنازع الزوجان فادعت انقضاء العدة بممكن وضع أو أقراء صدقت إن حلفت وإن خالفت عادتها لعسر إقامة البينة وائتمانها على ما في رحمها فإن نكلت صدق إن أراد رجعة. اه. (قوله: ولا يقبل دعواها الخ) يعني المرأة المطلقة لو تزوجت على آخر ثم بعده ادعت أنها تزوجت عليه وعدتها لم تنقض بقصد فساد النكاح لا يقبل دعواها ذلك لأن رضاها بالنكاح عليه يتضمن الاعتراف بانقضاء العدة (قوله: فلو ادعت بعد الطلاق الخ) يعني إذا اختلفا بعد الطلاق في الدخول وعدمه فادعت هي الدخول بها لأجل أن تأخذ المهر كله وأنكر هو الدخول بها ويتشطر المهر صدق هو بيمينه. وقوله لأن الأصل

صدق بيمينه لان الاصل عدمه وعليها العدة مؤاخذة لها بإقرارها وإن رجعت وكذبت نفسها في دعوى الدخول لان الانكار بعد الاقرار غير مقبول. فرع: لو انقضت عدة الرجعية ثم نكحت آخر فادعى مطلقها عليها أو على الزوج الثاني الرجعية قبل انقضاء العدة فأثبت ذلك ببينة أو لم يثبت لكن أقرا: أي الزوجة، والثاني له به أخذها لانه قد ثبت بالبينة أو الاقرار ما يستلزم فساد النكاح ولها عليه بالوطئ مهر المثل، فلو أنكر الثاني الرجعة صدق بيمينه في إنكارها لان النكاح وقع صحيحا والاصل عدم الرجعة أو أقرت هي دون الثاني فلا يأخذها لتعلق حق الثاني حتى تبين من الثاني، إذ لا يقبل إقرارها عليه بالرجعة ما دامت في عصمته لتعلق حقه بها، أما إذا بانت منه فتسلم للاول بلا عقد وأعطت وجوبا الاول قبل بينونتها مهر المثل للحيلولة الصادرة منها بينه وبين حقه بالنكاح الثاني حتى لو زال أخذت المهر لارتفاع الحيلولة، ولو تزوجت امرأة كانت في حيالة زوج بأن ثبت ذلك ولو بإقرارها به قبل نكاح الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــ عدمه: أي الدخول. وقوله وعليها العدة إلخ: أي ويجب عليها العدة مع سقوط المهر. وقوله مؤاخذة الخ: علة لوجوب العدة عليها. وقوله وإن رجعت: أي عما أقرت به وهو غاية لوجوب العدة عليها (قوله: فرع لو انقضت العدة الخ) المناسب ذكر هذا الفرع في باب الرجعة بعد قوله: ولو ادعى رجعة وهي منقضية ولم تنكح الخ أو يذكر ذلك هنا، وذلك لأن ما هنا محترز قوله: هناك ولم تنكح (قوله: فادعى مطلقها) أي طلاقا رجعيا كما هو ظاهر، وقوله عليها أو على الزوج الثاني: أي أو عليهما معا، فأو مانعة خلو (قوله: فأثبت) أي مطلقها، فالضمير المستتر يعود له ومثله ضمير له الآتي. وقوله ذلك: أي ما ادعاه من الرجعة، ومثله ضمير به الآتي. وقوله أو لم يثبت: أي ذلك بالبينة وقوله لكن أقرا الخ: قيد فيما إذا لم يثبت ذلك. وقوله له: أي لمطلقها (قوله: أخذها) أي انتزعها مطلقها من الزوج سواء دخل بها أم لا (قوله: ما يستلزم فساد النكاح) أي وهو الرجعة وذلك لأنه إذا ثبتت الرجعة لم يصح نكاحها لأنها زوجة (قوله: ولها عليه) أي الثاني. وقوله مهر المثل: أي لا المسمى لفساد النكاح (قوله: فلو أنكر الثاني الرجعة) أي مع إنكارها لها أيضا، وإلا كانت عين المسألة الثانية. وقوله صدق بيمينه، فلو نكل عن اليمين حلف الأول وأخذها (قوله: أو أقرت هي دون الثاني) أي فإنه أنكر ذلك وحلف عليه (قوله: فلا يأخذها) أي مطلقها. وقوله لتعلق حق الثاني: أي بها وهو استحقاق الإنتفاع بالبضع (قوله: حتى تبين من الثاني) أي بموت له أو فسخ أو طلاق بائن (قوله: إذ لا يقبل إقرارها عليه) أي على الثاني: أي بالنسبة للثاني وهو علة لعدم أخذها إلى أن تبين. وقوله بالرجعة: متعلق بإقرار. وقوله ما دامت في عصمته: أي الثاني. وقوله لتعلق حقه أي الثاني وقوله بها أي المقرة بالرجعة للأول (قوله: ما إذا بانت) الأولى فإذا بانت لأنه مفاد الغاية السابقة. وقوله منه: أي من الثاني (قوله: فتسلم للأول) أي مدعي الرجعة. وقوله بلا عقد: أي لأنه ادعى الرجعة، وهي لا تحتاج إلى عقد (قوله: وأعطت وجوبا الأول) أي الزوج الأول المدعي للرجعية. وقوله قبل بينونتها: أي من الثاني. وعبارة الروض وشرحه: وقبل ذلك - أي زوال حق الثاني - يجب عليها للأول مهر مثلها للحيلولة: أي لأنها حالت بينه وبين حقه بالنكاح الثاني حتى لو زال حق الثاني رد لها المهر لإرتفاع الحيلولة (قوله: للحيلولة) أي لا للفيصولة وحكم الذي للحيلولة أنه يكون كالرهن عنده، بخلاف الذي للفيصولة فإنه لا يكون كذلك بل يستبد به ويتملكه من تسلمه. وقوله بينه: أي الأول. وقوله وبين حقه: أي وهو الانتفاع بالبضع - كما تقدم - وقوله بالنكاح الثاني: متعلق بالصادرة: أي أنها صدرت منها بسبب نكاحها الثاني (قوله: حتى لو زال) أي النكاح الثاني بينونتها منه. وقوله أخذت المهر: أي من الأول. وقوله لإرتفاع الحيلولة: علة لأخذ (قوله: ولو تزوجت امرأة الخ) الفرق بين هذه المسألة وبين ما قبلها أنه في هذه المسألة وقع الإختلاف في أصل الطلاق وفيما قبلها في الرجعة مع الإتفاق على الطلاق. وقوله في حيالة - بالياء المثناة - قال في القاموس: الحيال خيط يشد به من بطان البعير إلى حقبه وقبالة الشئ وقعد حياله، وبحياله بإزائه. اه. وفي بعض نسخ الخط، بالباء الموحدة وهو الموافق للروض، والمراد على كل أنها تحت عهدة زوج

فادعى عليها الاول بقاء نكاحه وأنه لم يطلقها وهي تدعي أنه طلقها وانقضت عدتها منه قبل أن تنكح الثاني ولا بينة بالطلاق فحلف أنه لم يطلقها أخذها من الثاني لانها أقرت له بالزوجية وهو إقرار صحيح، إذ لم يتفقا على الطلاق (وتنقطع عدة) بغير حمل (بمخالطة) مفارق لمفارقة (رجعية فيها) لا بائن ولو بخلع كمخالطة الزوج زوجته بأن كان يختلي بها، ويتمكن عليها ولو في الزمن اليسير سواء أحصل وطئ أم لا فلا تنقضي العدة لكن إذا زالت المعاشرة بأن نوى أنه لا يعود إليها كملت على ما مضى، وذلك لشبهة الفراش كما لو نكحها حائلا في ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: بأن ثبت ذلك) أي كونها تحت الزوج، والباء للتصوير (قوله: ولو بإقرارها) أي ولو ثبت ذلك بإقرارها. وقوله به: أي بكونها كانت تحت زوج (قوله: قبل نكاح الثاني) متعلق بإقرارها، واحترز به عما إذا أقرت بالزوجية للأول بعد نكاح الثاني فإنه لا يقبل إقرارها عليه نظير ما لو نكحت بإذنها ثم ادعت رضاعا محرما فإنه لا يقبل، ولا يصح جعله متعلقا بثبت لأنه يفيد أنه إذا ثبت ذلك ببينة بعد نكاح الثاني لا تقبل فلا يأخذها وهو لا يصح (قوله: فادعى عليها الأول) أي الزوج الأول الذي كانت تحت حياله (قوله: بقاء نكاحه) مفعول ادعى. وقوله: وأنه لم يطلقها، معطوف على بقاء نكاحه: أي وادعى أنه لم يطلقها (قوله: وهي) أي من تزوجت على غير زوجها الأول. وقوله أنه: أي الأول. وقوله وانقضت عدتها منه: أي وأنه انقضت عدتها منه: أي الأول. وقوله قبل أن تنكح الثاني: الظرف متعلق بكل من طلقها وانقضت عدتها. وقوله: ولا بينة بالطلاق، أي والحال أنه لا بينة تشهد بالطلاق (قوله: فحلف) أي الأول المدعى عليه الطلاق (قوله: أخذها) أي الأول. وقوله من الثاني: أي الزوج الثاني (قوله: لأنها أقرت له بالزوجية) أي فيما إذا ثبتت بالإقرار: أي أو لأنها ثبتت له بالبينة (قوله: وهو) أي إقرارها بالزوجية إقرار صحيح. وقوله إذ لم يتفقا: أي الزوج الأول والزوجة وهو علة لصحة الإقرار. وقوله على الطلاق: أي الرافع للزوجية، بخلاف المسألة السابقة فإنهما اتفقا فيها في على الطلاق وادعى بعده رجعة، فإذا أقرت هي بها دون الثاني لا يقبل إقرارها، كما تقدم (قوله: وتنقطع عدة إلخ) شروع في حكم معاشرة المفارق للمعتدة، وقد ترجم له الفقهاء بترجمة مستقلة (قوله: بغير حمل) خرج به عدة الحمل فلا تنقطع بما ذكر، بل تنقضي بوضعه مطلقا (قوله: بمخالطة الخ) الباء سببية متعلقة بتنقطع. وقوله مفارق: يقرأ بصيغة اسم الفاعل. وقوله لمفارقة يقرأ بصيغة اسم المفعول أي زوجة مفارقة: أي فارقها زوجها وقوله رجعية: صفة لمفارقة (قوله: فيها) أي في العدة، وهو متعلق بمخالطة أو بمحذوف صفة لها: أي مخالطة حاصلة في العدة (قوله: لا بائن) معطوف على رجعية: أي لا تنقطع العدة بمخالطة مفارق لبائن لأنه لا شبهة لفراشه، وعبارة المغني: لأن مخالطتها محرمة بلا شبهة فأشبهت المزني بها فلا أثر للمخالطة. اه. وقوله: ولو بخلع غاية في البائن: أي ولو كانت بينونتها بسبب خلع فإنها لا تنقطع عدتها بالمخالطة (قوله: كمخالطة الزوج زوجته) قيد في المخالطة التي تقطع العدة، فالجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمخالطة: أي مخالطة كائنة كمخالطة الزوج زوجته، وذلك بأن يدوم على حالته التي كان معها قبل الطلاق من النوم معها ليلا أو نهارا والخلوة بها كذلك وغير ذلك. وقوله بأن كان الخ: تصوير للمخالطة المذكورة. وقوله يختلي بها. أي بالرجعية (قوله: ويتمكن عليها) على بمعنى من كما هو مصرح بها في بعض نسخ الخط، والمراد التمكن من الإستمتاع بها. وقوله: ولو في الزمن اليسير: غاية في الإختلاء بها والتمكن منها: أي ولو كان ما ذكر يحصل في زمن يسير قال الرشيدي: هو صادق بما إذا قل الزمن جدا، ولعله غير مراد، وأنه إنما احترز به عن اشتراط دوام المعاشرة في كل الأزمنة (قوله: سواء أحصل الخ) تعميم في انقطاع العدة بالإختلاء والتمكن منها: أي لا فرق في ذلك بين أن يكون حصل منه وطئ أو لا، وأفاد به أن المدار في انقطاع العدة على وجود الإختلاء والتمكن بحيث لو أراد الوطئ لأمكن (قوله: فلا تنقضي العدة) أي زمن المخالطة وإن طال الزمن جدا كعشر سنين، وهو مفرع على انقطاع العدة (قوله: لكن إذا زالت الخ) استدراك من قوله: وتنقطع عدة الخ رفع به ما يوهمه الانقطاع من وجوب الإستئناف. وقوله المعاشرة: عبر بها هنا وفيما تقدم بالمخالطة تفننا وهو ارتكاب فنين من التعبير مؤداهما واحد (قوله: بأن نوى الخ) تصوير لزوال المعاشرة، وهو

العدة فلا يحسب زمن استفراشه عنها بل تنقطع من حين الخلوة ولا يبطل بها ما مضى فتبني عليه إذا زالت ولا يحسب الاوقات المتخللة بين الخلوات، (و) لكن (لا رجعة) له عليها (بعدها) أي بعد العدة بالاقراء أو الاشهر على المعتمد وإن لم تنقض عدتها لكن يلحقها الطلاق إلى انقضائها، والذي رجحه البلقيني أنه لا مؤنة لها ـــــــــــــــــــــــــــــ يفيد أنها لا تزول إلا بالنية (قوله: كملت) بالبناء للمعلوم: أي كملت هي عدتها، وهو جواب إذا. وقوله على ما مضى: متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر: أي حال كونها بانية للعدة على ما مضى منها قبل المعاشرة، والمراد أنها لا تستأنف عدة جديد بعد زوال المعاشرة ومحل ما ذكر أن مضى زمن بعد الطلاق بلا معاشرة فإن لم يمض زمن بعده بلا معاشرة بأن استمرت المعاشرة من حين الطلاق استأنف العدة من حين زوالها (قوله: وذلك لشبهة الفراش) اسم الإشارة يعود عى المذكور من عدم انقضاء العدة، والإضافة على معنى اللام: أي وإنما لم تنقض العدة بالمخالطة في الرجعية لوجود شبهة للإستفراش بها وهي كونها كالزوجة في الأحكام المار بيانها غير مرة. وعبارة المغني: فلا تنقضي عدتها وإن طالت المدة لأن الشبهة قائمة، وهي بالمخالطة مستفرش بها، فلا يحسب زمن الإستفراش من العدة، كما لو نكحت غيره في العدة وهو جاهل بالحال لا يحسب زمن استفراشه من العدة. اه (قوله: كما لو نكحها الخ) الكاف للتنظير، والفاعل يعود على مطلق شخص، والمفعول يعود على امرأة أجنبية في عدة طلاق رجعي: أي هذا نظير ما لو نكح مطلقة من غيره طلاقا رجعيا في العدة وهو جاهل بالحال فإنها تنقطع ولا يحسب زمن استفراشه. هكذا يتعين حل العبارة - كما تنطق به عبارة المغني المارة - ولو عبر مثله لكان أولى: لأن عبارته توهم أن الزوج نكح المطلقة منه مطلقا طلاقا رجعيا في العدة وهو لا يصح لأنه إن أراد بالنكاح من قوله: نكحها العقد فهو باطل لأنه تقدم أن العقد على الرجعية رجعة لكن بالنية وإن أراد به الوطئ فلا يصح أيضا لأنه يلزم عليه أن يكون المنظر عين المنظر به. فتأمل. وقوله حائلا: الذي في التحفة والنهاية جاهلا، فلعل في عبارتنا تحريفا من النساخ. وقوله في العدة: متعلق بنكحها (قوله: فلا يحسب) جواب لو ولا حاجة إليه مع ما بعده لأنه قد علم من كاف التنظير. وقوله زمن إستفراشه: أي من نكح المعتدة من غيره. وقوله منها: أي العدة (قوله: بل تنقطع) أي العدة. وقوله من حين الخلوة: أي بها ولو لم يوجد وطئ (قوله: ولا يبطل بها) أي بالخلوة: وقوله ما مضى: أي من العدة (قوله: فتبني عليه) أي على ما مضى، وهذا هو معنى عدم بطلان ما مضى بها. وقوله إذا زالت: أي الخلوة (قوله: ولا يحسب) أي من العدة. وقوله الأوقات: أي التي لم تحصل فيها خلوة (قوله: ولكن لا رجعة الخ) إستدراك من المتن: أي لا تنقطع عدتها بالمخالطة في العدة، ولكن لا رجعة الخ، ولو أبقي المتن على حاله ولم يزد أداة الإستدراك لكان أولى، وإنما لم يجز له الرجعة بعدها للإحتياط والتغليظ عليه فهي كالبائن بعد مضي عدتها الأصلية إلا في لحوق الطلاق خاصة - كما صرح به المؤلف - والحاصل، هي بعد انقضاء عدتها الأصلية كالبائن في تسعة أحكام: في إنه لا يصح رجعتها ولا توارث بينهما ولا يصح منها إيلاء ولا ظهار ولا لعان ولا نفقة ولا كسوة ولا يصح خلعها، بمعنى أنه إذا خالعها وقع الطلاق رجعيا ولا يلزم العوض. ولذلك قال بعضهم: ليس لنا امرأة يلحقها الطلاق ولا يصح خلعها إلا هذه. وإذا مات عنها لا تنتقل لعدة الوفاة. وكالرجعية في خمسة أحكام في لحوق الطلاق وفي وجوب سكناها، وفي أنه لا يحد بوطئها وليس له تزوج نحو أختها ولا أربع سواها (قوله: أي بعد العدة) أي بعد انقضائها، والمراد صورة وإلا فلا يصح لأن الغرض في هذه أن عدتها لا تنقضي بسبب المخالطة. وقوله على المعتمد: مقابله يثبت له الرجعة بعدها. وفي شرح الروض ما نصه: وما نقله كأصله عن البغوي من عدم ثبوت الرجعة هو ما جزم به في المنهاج، ونقله في المحرر عن المعتبرين. وفي الشرح الصغير عن الأئمة: قال في المهمات: والمعروف من المذهب المفتي به ثبوت الرجعة كما ذهب إليه القاضي، ونقله البغوي في فتاويه عن الأصحاب. فالرافعي نقل اختيار البغوي دون منقوله وذكر نحوه الزركشي، لكن يعارض نقل البغوي له عن الأصحاب نقل الرافعي مقابله عن المعتبرين والأئمة كما مر. اه (قوله: وإن لم تنقض عدتها) الأولى إسقاطه لأن فرض المسألة في الرجعية المخالطة وهي لا تنقضي عدتها بسبب المخالطة (قوله: لكن يلحقها الطلاق إلى انقضائها) أي العدة الصورية

بعدها. وجزم به غيره فقال: لا توارث بينهما ولا يحد بوطئها. تتمة: لو اجمتع عدتا شخص على امرأة بأن وطئ مطلقته الرجعية مطلقا أو البائن بشبهة تكفي عدة أخيرة منهما فتعتد هي من فراغ الوطئ وتندرج فيها بقية الاولى فإن كرر الوطئ استأنفت أيضا لكن لا رجعة حيث لم يبق من الاولى بقية. فرع: في حكم الاستبراء وهو شرعا تربص بمن فيها رق عند وجود سبب مما يأتي للعلم ببراءة رحمها أو ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: أنه لا مؤنة لها) أي عليه. وقوله بعدها: أي بعد العدة الصورية (قوله: وجزم به) أي بما رجحه البلقيني (قوله: فقال: لا توارث الخ) لا يدل على المدعي. فلعل في العبارة سقطا يعلم من عبارة التحفة ونصها: ومؤنتها عليه إلى انقضاء العدة لكن الذي رجحه البلقيني أنه لا مؤنة لها. وجزم به غيره فقال: لا توارث بينهما ولا يصح إيلاء منها ولا ظهار ولا لعان ولا مؤنة لها ويجب لها السكنى لأنها بائن إلا في الطلاق ولا يحد بوطئها. اه بحذف. فالساقط من عبارتنا الذي كان عليه أن يأتي به هو قوله: ولا مؤنة لها، فكان عليه أن يأتي به. وقوله ولا يحد بوطئها: أي لشبهة اختلاف العلماء في حصول الرجعة بالوطئ كما تقدم في بابها (قوله: تتمة) أي في بيان تداخل العدتين (قوله: لو اجتمع عدتا شخص الخ) ذكر حكم اجتماع عدتين من جنس واحد لشخص واحد، وبقي عليه ما إذا كانا من جنسين له أيضا كحمل وأقراء كأن طلقها حاملا ثم وطئها قبل الوضع أو طلقها حائلا ثم وطئها وأحبلها، وحكم ذلك كحكم ما إذا كانا من جنس واحد فتتداخلان وتنقضيان بوضعه وما إذا كانا لشخصين سواء كان من جنس كأن كانت في عدة زوج أو وطئ شبهة فوطئت من آخر بشبهة أو نكاح فاسد فلا تداخل لتعدد المستحق، بل تعتد لكل منهما عدة كاملة. وتقدم عدة الطلاق على وطئ الشبهة وإن سبق وطئ الشبهة الطلاق لقوتها باستنادها إلى عقد جائز أو كانا من جنسين كأن وجد حمل من أحد الشخصين فكذلك لا تداخل لكن عدة الحمل تقدم مطلقا - سواء كان من المطلق أو من الواطئ بشبهة - ففيما إذا كان من الأول ثم وطئت بشبهة تنقضي عدة الطلاق بوضعه ثم بعد مضي زمن النفاس تعتد بالأقراء، وفي عكسه تنقضي عدة الشبهة بوضعه ثم تعتد أو تكمل للطلاق. فتحصل أن الأقسام أربعة: وذلك لأن العدتين إما أن يكونا لشخص أو لشخصين، وعلى كل إما أن يكونا من جنس أو من جنسين (قوله: مطلقا) أي سواء كان الوطئ بشبهة أم لا كما يدل عليه التقييد بعد، وفيه أن وطئ الرجعية إلا يكون لا شبهة فلا يصح التعميم المذكور. وأجيب بأن المراد بالشبهة فيها شبهة الفاعل بأن ظنها زوجته غير المطلقة أو كان جاهلا معذورا بأنه يحرم عليه وطؤها (قوله: أو البائن) معطوف على الرجعية. أي أو وطئ مطلقته البائن. وقوله بشبهة: متعلق بوطئ: أي وطئها بشبهة. والمراد شبهة الفاعل كما في الذي قبله. وخرج ما لو وطئها بغير شبهة: بأن كان عالما بأنها المطلقة فلا عدة للوطئ لأنه غير محترم لكونه زنا (قوله: تكفي عدة أخيرة) هي هنا عدة الوطئ أي تغني عما بقي من عدة الطلاق وقوله منهما: أي العدتين عدة الطلاق وعدة الوطئ (قوله: فتعتد الخ) هذا هو معنى الإكتفاء بالعدة الأخيرة منهما (قوله: من فراغ الوطئ) أي وهو إخراج الحشفة ح ل. بجيرمي (قوله: وتندرج) أي تدخل. وقوله فيها: أي العدة الأخيرة. وقوله بقية الأولى: أي عدة الطلاق هنا: أي فيكون قدر تلك البقية مشتركا واقعا عن الجهتين (قوله: فإن كرر الوطئ) أي مطلقا في الرجعية وبشبهه في البائن (قوله: استأنفت أيضا) أي من فراغ الوطئ، ويندرج في عدته بقية الأولى وهكذا (قوله: لكن لا رجعة الخ) إستدراك من اندراج بقية الأولى في عدة الثانية. وقوله حيث لم يبق من الأولى: أي عدة لطلاق الرجعي، وذلك كأن وطئها بشبهة بعد قرءين من عدة الطلاق ولم يراجعها إلا بعد تمام القرء الثالث فلا تصح الرجعة، فإن بقي منها بقية كأن راجعها في القرء الثالث صحت الرجعة. فائدة: قد يجب على المرأة أربع عدد، وذلك كما لو طلقت الأمة فشرعت في العدة فلما قرب انقضاؤها عتقت فإنها تنتقل لعدة الحرائر، فلما قرب انقضاؤها مات زوجها فإنها تنتقل لعدة الوفاة، فلما قرب انقضاؤها وطئت بشبهة وحملت منه فإنها تنتقل لعدة الحمل (قوله: فرع في حكم الإستبراء) أي كحرمة الاستمتاع بالأمة التي حدث له ملكها حتى يستبرئها. وقد أفرده الفقهاء بباب

للتعبد. (يجب استبراء) لحل تمتع أو تزويج (بملك أمة) ولو معتدة بشراء أو إرث أو وصية أو هبة مع قبض أو ـــــــــــــــــــــــــــــ مستقل وإنما ذكر عقب العدة لإشتراكهما في أصل البراءة وخص بهذا الاسم لأنه اكتفى فيه بأقل ما يدل على براءة الرحم كحيضة في ذوات الحيض وشهر في ذوات الأشهر بخلاف العدة فإنه لما لم يكتف فيها بذلك خصت باسم العدة المأخوذة من العدد لإشتمالها عليه غالبا. والأصل فيه قوله - صلى الله عليه وسلم - في سبايا أوطاس: ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة وأوطاس بضم الهمزة أفصح من فتحها: اسم واد من هوازن عند حنين: وقاس الشافعي رضي الله عنه غير المسببة عليها بجامع حدوث الملك، ومن لا تحيض بمن تحيض في اعتبار قدر الطهر والحيض وهو شهر غالبا (قوله: وهو) أي الإستبراء. وقوله شرعا الخ: أي وأما لغة فهو طلب البراءة وقد يطلق بمعنى تحصيلها والإتصاف بها، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه أي حصل برأتهما واتصف بها (قوله: تربص بمن فيها رق) أي صبر وانتظار بمن فيها رق ولو مبعضة، والمتربص بها هو السيد فيما إذا أراد التمتع بها أو تزويجها أو هي نفسها فيما إذا زال فراشه عنها بعتقها، فلا بد من أن تتربص وتنتظر نفسها بنفسها، ولا يجوز لها أن تتزوج حالا. وقد يكون الإستبراء في الحرة كما إذا كان لها ولد من غير زوجها ومات ذلك الولد فإنه يسن له إستبراؤها لأنها ربما تكون حاملا فيكون الحمل أخا للميت من الأم فيرث منه السدس، ولو عبر بالمرأة كما في شرح المنهج لكان أولى لشمولها الحرة وغيرها. وقوله: عند وجود سبب مما يأتي: وهو حدوث الملك أو زوال الفراش، وهذا باعتبار الأصل والغالب، وإلا فقد يجب الإستبراء بغير ذلك كأن وطئ أمة غيره يظن أنها أمته فيجب فيها الإستبراء لأنها في نفسها مملوكة والشبهة شبهة ملك اليمين. وخرج بيظن أنها أمته ما لو ظنها زوجته الحرة فإنها تعتد بثلاثة قروء أو زوجته الأمة فتعتد بقرءين (قوله: للعلم الخ) علة لمقدر: أي وإنما شرع الترب ص ليحصل العلم بالبراءة، وهذا فيمن تحبل. وقوله أو للتعبد: وهذا في البكر، ومن استبرأها بائعها قبل بيعها والمشتراة من صبي أو امرأة (قوله: يجب استبراء) أي على السيد بالنسبة لما إذا أراد التمتع بأمته أو تزويجها بعد أن وطئها أو عليها بالنسبة لزوال الفراش عنها بعتقها بموته أو إعتاقها فيجب عليها أن تستبرئ نفسها بنفسها فلا يحل لها أن تتزوج قبل ذلك - كما تقدم - وقد يستحب الإستبراء كما في الحرة السابقة وكما في الأمة التي اشتراها زوجها فتستبرئ استحبابا ليتميز ولد النكاح عن ولد ملك اليمين فإنه في النكاح ينعقد مملوكا ثم يعتق بالملك وفي ملك اليمين ينعقد حرا وتصير أمه أم ولد، وكما في الأمة الموطوءة فإنه يستحب لمالكها قبل بيعها استبراؤها ليكون على بصيرة (قوله: لحل تمتع) تعليل لوجوب الإستبراء: أي وإنما وجب لأجل حل التمتع بها. وقوله أو تزويج: معطوف على تمتع: أي أو لحل تزويج فلا يحل للسيد أن يزوج أمته على غيره إلا بعد استبرائها لكن بشرط أن يكون قد وطئها، ويعلم منه أن الإستبراء إنما يجب على الرجل دون المرأة لأنها لا تستمتع بجاريتها ولأن شرط وجوب الإستبراء في صورة التزويج الآتية أن تكون الأمة موطوءة لسيدها وهذا لا يتأتى في المرأة اه. جمل (قوله: بملك أمة الخ) ذكر لوجوب الإستبراء سببين ملك الأمة: أي حدوثه وزوال فراشه ويرد على الأول ما لو فسخت المكاتبة كتابة صحيحة الكتابة أو فسخها السيد عند عجزها عن النجوم فيجب استبراؤها مع عدم حدوث الملك وما لو أسلمت الأمة المرتدة أو السيد المرتد أو أسلما معا بعد ردتهما فإنه يجب استبراؤها مع عدم ذلك، ويرد على الثاني ما لو أراد تزويج موطوءته مستولدة كانت أو غيرها فإنه يجب استبراؤها قبل تزويجها مع أنها عند إرادة التزويج لم يزل فراشه عنها. وأجيب بأن هذين سببان باعتبار الأصل والغالب. وهذه الصور جاءت على خلاف ذلك وقال بعضهم: ما ذكر ليس بسبب حقيقة والسبب في الحقيقة إنما هو حل التمتع أو روم التزويج ولكل منهما أسباب: فمن أسباب الأول الملك، ومن أسباب الثاني وطؤه الأمة التي يريد تزويجها. ويمكن حمل كلام المؤلف عليه بجعل قوله: لحل تمتع أو تزويج علة لوجوب الإستبراء، وجعل الباء من قوله بملك الخ سببية مرتبطة بحل التمتع لا بوجوب الإستبراء في المتن: أي يجب الإستبراء لأجل حل التمتع ولأجل حل تزويجها والأول يحصل بسبب ملك الأمة والثاني يحصل بزوال الفراش عنه على اللف والنشر المرتب (قوله: ولو معتدة) غاية في وجوب الإستبراء بملك الأمة: أي يجب بذلك ولو كانت الأمة التي استبرأها معتدة بوطئ شبهة مثلا. وعبارة الجمل: قوله ولو معتدة، أي فيجب عليها الإستبراء بعد انقضاء العدة وهذا بالنسبة لحل التمتع، أما بالنسبة لحل

سبي بشرطه من القسمة أو اختيار تملك (وإن تيقن براءة رحم) كصغيرة وبكر وسواء أملكها من صبي أم امرأة أم من بائع استبرأها قبل البيع فيجب فيما ذكر بالنسبة لحل التمتع (وبزوال فراش) له (عن أمة موطوءة) غير مستولدة (أو مستولدة بعتقها): أي بإعتاق السيد كل واحدة منهما أو موته لا إن استبرأ قبيل إعتاق غير مستولدة ـــــــــــــــــــــــــــــ التزويج فيكفي فيه انقضاء العدة، وهذا كله إن كانت العدة لغيره فإن كانت العدة له فلا استبراء وتنقطع بملك لها، والصواب أن معتدته يجب عليها الإستبراء أيضا لكن تنقطع العدة، فالفارق بين معتدته ومعتدة غيره إنما هو انقطاع العدة وعدم انقطاعها. اه. وهذا محله في إرادة التمتع، أما في إرادة التزويج فلا يجب الإستبراء، كما صرح به في الروض (قوله: بشراء الخ) الباء سببية متعلقة بملك. أي أن الملك حصل له بسبب شرائه للأمة وقوله أو إرث: أي لها: وقوله أو وصية: أي بها له مع قبولها. وقوله أو هبة: أي بها له. وقوله مع قبض: قيد في الهبة إذ هي قبله لا تملك. وقوله أو سبي: أي حاصل منه لها، فهذه كلها أسباب للملك. وقوله بشرطه: أي بوجود شرط السبي: أي التملك به. وقوله: من القسمة أو اختيار تملك: بيان لشرطه أو تنويع الخلاف، يعني أنه اختلف فيما يحصل به التملك بالسبي: فقيل القسمة - أي قسمة الإمام السبي - على المستحقين - وهو الراجح - وقيل اختيار التملك: أي بأن يقول كل واحد منهم اخترت نصيبي وهو مرجوح وفي البجيرمي ما نصه: عن الجويني والقفال وغيرهما أنه يحرم وطئ السراري اللاتي يجلبن من الروم والهند والترك إلا أن ينصب الإمام من يقسم الغنائم من غير ظلم أي يفرز خمس الخمس لأهله. اه. سم. والمعتمد جواز الوطئ لاحتمال أن يكون السابي ممن لا يلزمه التخميس كذمي ونحن لا نحرم بالشك. م ر. اه. وسيذكر الشارح مسألة حكم السراري المجلوبة من الروم والهند نقلا عن شيخه في أواخر باب الجهاد بأبسط من هذا (قوله: وإن تيقن براءة رحم) غاية وجوب الإستبراء: أي يجب الإستبراء وإن تيقن الخ للتعبد - كما مر - (قوله: كصغيرة) تمثيل لتيقن براءة رحمها (قوله: وبكر) في كون البكر تتيقن براءة رحمها نظرا لأنه يمكن شغله باستدخال المني من غير وطئ. وأجيب بأن ذلك نادر فلا عبرة به (قوله: وسواء أملكها الخ) تعميم في وجوب الإستبراء فهو معطوف على الغاية. ولو قال ومملوكة من صبي الخ: عطفا على كصغيرة لكان أولى وأخصر. إذ هي من أفراد من تيقن براءة رحمها (قوله: فيجب) أي الإستبراء، وهو تفريع على الغاية وعلى التعميم. وقوله فيما ذكر: أي الصغيرة وما بعدها (قوله: بالنسبة لحل التمتع) أي وأما بالنسبة لحل التزويج فلا يجب الإستبراء - كما في الروض وشرحه - وعبارتهما: وإن اشترى أمة غير موطوءة أو أمة من امرأة أو صبي أو أمة استبرأها البائع فله تزوجها بلا استبراء، فإن أعتقها فله تزويجها قبل الإستبراء، ويذكر أن الرشيد طلب حيلة مسقطة للاستبراء. فقال له أبو يوسف من الحنفية: أعتقها ثم تزوجها. اه. وقوله استبرأها البائع: الجملة صفة أمة. وقوله فله تزوجها: أي على الغير، وهو جواب إن وقوله فله تزويجها: أي لنفسه (قوله: وبزوال فراش) عطف على بملك أمة: أي ويجب الإستبراء عليها بزوال فراش أي ملك. وقوله له: أي للسيد، وهو قيد في الفراش. وخرج به ما لو أعتق أمته المزوجة أو المعتدة من زوج فلا إستبراء لأنها ليست فراشا للسيد ولأن الإستبراء لحل التمتع أو التزويج وهي مشغولة بحق الزوج من الزوجية أو عدة النكاح. وقوله عن أمة: متعلق بزوال. وقوله موطوءة: خرج غيرها، فلا إستبراء عليها بعتقها (قوله: غير مستولدة أو مستولدة) تعميم في الموطوءة (قوله: بعتقها) متعلق بزوال، والباء سببية (قوله: أي بإعتاق) بيان لما يحصل به العتق: أي أن العتق الحاصل لها تارة يكون بإعتاق السيد لها وتارة يكون بموته (قوله: كل واحدة منهما) أي من المستولدة وغيرها (قوله: أو موته) عطف على إعتاق، ويتصور عتقها بموته بما إذا كانت مستولدة أو مدبرة لأن غيرهما لا يعتق بالموت، بل ينتقل الملك للورثة (قوله: لا إن استبرأ الخ) إستثناء من وجوب الإستبراء على من زال فراشها بالعتق أو بالموت أي يجب عليها الإستبراء إلا إن استبرأها سيدها قبل إعتاقها وكانت غير مستولدة فلا يجب عليها. وعبارة المنهج وشرحه: ولو استبرأ قبله - أي قبل العتق - مستولدة فإنه يجب عليها الإستبراء لما مر، لا إن استبرأ قبله غيرها: أي غير مستولدة ممن زال عنها الفراش فلا يجب الإستبراء فتتزوج حالا. إذ لا تشبه منكوحة بخلاف المستولدة فإنها تشبهها فلا يعتد بالإستبراء الواقع قبل زوال فراشها. اه. ولو صنع الشارح كصنيعها لكان أولى وأوضح (قوله: غير

ممن زال عنها الفراش فلا يجب بل تتزوج حالا. إذ لا تشبه هذه منكوحة بخلاف المستولدة. (و) يحرم بل (لا يصح تزويج موطوءته) أي المالك (قبل) مضي (إستبراء) حذر من اختلاط الماءين، أما غير موطوءته فإن كانت غير موطوءة لاحد فله تزويجها مطلقا أو موطوءة غيره فله تزويجها ممن الماء منه وكذا من غيره إن كان الماء غير محترم أو مضت مدة الاستبراء منه. ولو أعتق موطوءته فله نكاحها بلا استبراء (وهو) أي الاستبراء (لذات أقراء حيضة) كاملة فلا تكفي بقيتها الموجودة حالة وجوب الاستبراء ولو وطئها في الحيض فحبلت منه، فإن كان قبل ـــــــــــــــــــــــــــــ مستولدة) مفعول استبرأ. وقوله ممن زال عنها الفراش: بيان للمضاف الذي هو لفظ غير والمراد زال عنها الفراش بالإعتاق الذي استبرأها قبله. وحاصل هذه المسألة: أنه لو استبرأ السيد أمته غير المستولدة بأن مضت مدة الإستبراء وهو لم يطأها فيها ثم زال فراشه عنها بالإعتاق فلا إستبراء عليها فلها أن تتزوج حالا (قوله: فلا يجب) أي الإستبراء عليها، وهو مفرع على مفهوم قوله لا إن استبرأها أو جواب شرط محذوف: أي فإن استبرأها كما ذكر فلا يجب إستبراء، ولو حذفه لكان أخصر وأولى، لأنه يعلم من استثنائه مما يجب الإستبراء فيه (قوله: بل إلخ) إضراب انتقالي (قوله: إذ لا إلخ) علة لعدم وجوب الإستبراء. وقوله هذه: أي غير المستولدة التي استبرأها سيدها قبل زوال الفراش (قوله: بخلاف المستولدة) أي فإنها تشبه المنكوحة. قال في التحفة: والفرق بين غير المستولدة وبين المستولدة ظاهر: إذ الأولى لا تشبه المنكوحة، بخلاف الثانية لثبوت حق الحرية لها فكان فراشها أشبه بفراش الحرة المنكوحة اه. بالمعنى وقوله: أشبه بفراش الحرة: أي وهي تجب عليها العدة. اه (قوله: ويحرم بل لا يصح الخ) هذا يفيد أن السبب في الإستبراء روم التزويج، وهو يؤيد ما تقدم عن بعضهم أن السبب الحقيقي، إما حل التمتع أو روم التزويج. وقوله تزويج موطوءته. أي أو موطوءة غيره إن كان الماء محترما وأراد تزويجها لغير صاحبه ولم يكن البائع استبرأها قبل البيع ما يعلم من التفصيل الذي ذكره الشارح (قوله: قبل مضي استبراء) في التحفة، وإنما حل بيعها قبله مطلقا لأن القصد من الشراء ملك العين والوطئ قد يقع وقد لا، بخلاف النكاح لا يقصد به إلا الوطئ (قوله: حذرا من اختلاط الماءين) أي اشتباه أحدهما بالآخر فليس المراد حقيقة الإختلاط لأنه تقدم أن الرحم لا يحتوي على ماءين (قوله: أما غير موطوءته) صادق بصورتين بما إذا لم توطأ أصلا وبما إذا وطئها غيره، وقد أفادهما بقوله فإن كانت الخ (قوله: فله) أي المالك، والمناسب للتقابل أن يقول فلا يحرم تزويجها. وقوله تزويجها: أي قبل مضي مدة الاستبراء، وكذا يقال فيما بعده. وقوله مطلقا: أي من كل أحد (قوله: أو موطوءة غيره) أي أو كانت موطوءة غير المالك المريد لتزويجها بأن كانت موطوءة البائع لها قبل استبرائها أو موطوءة بشبهة أو بزنا (قوله: فله) أي للمالك الذي هو المشتري. وقوله تزويجها ممن الماء منه: أي على من الماء منه، ولا فرق فيه بين أن يكون الماء محترما أم لا، مضت مدة الإستبراء عنده أم لا، ويدل على ذلك ما بعده (قوله: وكذا من غيره) أي وكذا له أن يزوجها على غير من الماء منه لكن بشرط أن يكون الماء غير محترم بأن كان وطؤه لها بزنا، أو محترما لكن مضت مدة الإستبراء منه: أي عند صاحب الماء قبل انتقالها للمشتري (قوله: ولو أعتق موطوءته فله نكاحها بلا استبراء) أي كما يجوز أن ينكح المعتدة منه. إذ لا إختلاط هنا، ومن ثم لو اشترى أمة فزوجها لبائعها الذي لم توطأ غيره لم يلزمه استبراء كما لو أعتقها فأراد بائعها أن يتزوجها. وخرج بموطوءته ومثلها من لم يطأها أو وطئت زنا أو استبرأها من انتقلت منه إليه من وطئها غيره وطئا غير محرم فلا يحل له تزوجها قبل استبرائها وإن أعتقها. اه. تحفة. وقوله من وطئها: فاعل خرج (قوله: وهو) مبتدأ خبره حيضة. وقوله أي الاستبراء: أي قدره. وقوله لذات أقراء حال من المبتدأ على رأى أو من الخبر مقدم عليه وهو المسوغ لمجئ الحال من النكرة (قوله: حيضة كاملة) إنما كان العبرة هنا بالحيض وفي العدة بالطهر لان الاقراء فيها متكررة فتعرف البراءة بتكرر الحيض ولا تكرر هنا فيعتمد الحيض الدال على البراءة فمن انقطع حيضها صبرت إلى أن تحيض فتستبرأ بحيض، فإن لم تحض صبرت إلى سن اليأس ثم استبرئت بشهر على نحو ما تقدم في العدة وأقل مدة إمكان الاستبراء إذا جرى سببه في الطهر يوم وليلة ولحظتان وفي الحيض ستة عشر يوما ولحظتان (قوله: فلا تكفي بقيتها) أي الحيضة: أي لا يحصل بهذه البقية من الحيض الاستبراء بخلاف بقية الطهر في العدة فإنها تحسب

مضي أقل الحيض انقطع الاستبراء وبقي التحريم إلى الوضع كما حبلت من وطئه وهي طاهرة وإن حبلت بعد مضي أقله كفى في الاستبراء لمضي حيض كامل لها قبل الحمل (ولذات أشهر) من صغيرة أو آيسة (شهر ولحامل لا تعتد بالوضع) أي بوضع الحمل وهي التي حملها من الزنا أو المسبية الحامل أو التي هي حامل من السيد وزال عنها فراشه بعتق سواء الحامل المستولدة وغيرها (وضعه) أي الحمل. ـــــــــــــــــــــــــــــ قرءا والفرق أن بقية الطهر تستعقب الحيضة الدالة على البراءة، وهذه تستعقب الطهر ولا دلالة له على البراءة (قوله: ولو وطئها إلخ) أي لو وطئ السيد أمته في الحيض: أي وقبل مضي مدة الاستبراء كما يدل عليه آخر العبارة، ولو صرح به كالروض وشرحه لكان أولى. وعبارضة الروض وشرحه. فرع: وطئ السيد أمته قبل الاستبراء أو في أثنائه لا يقطع الاستبراء وإن أثم به لقيام الملك بخلاف العدة فإن حبلت منه قبل الحيض بقي التحريم حتى تضع كما لو وطئها ولم تحبل أو حبلت منه في أثنائه حلت له بانقطاعه لتمامه. قال الإمام: هذا إن مضى قبل وطئه أقل الحيض وإلا فلا تحل له حتى تضع كما لو أحبلها قبل الحيض. اه (قوله: فحبلت منه) أي الواطئ (قوله: فإن كان) أي الحبل. وقوله قبل مضي أقل الحيض: الظرف متعلق بمحذوف خبر كان: أي فإن كان حاصلا قبل مضي أقل الحيض وهو يوم وليلة (قوله: انقطع الاستبراء) أي انقطع بالحبل اعتبار الاستبراء بالحيض واعتبر الاستبراء بالوضع، فإذا وضعت حل وطؤها كما يفيده قوله وبقي التحريم إلى الوضع أي بقي تحريم الوطئ عليه إلى أن تضع (قوله: فإذا وضعت ارتفع التحريم) ولا يلزم استبراء ثان بعد الوضع (قوله: كما لو حبلت إلخ) الكاف للتنظير: أي هو نظير ما لو حبلت الامة من وطئه لها في حال طهارتها فإنه يبقي التحريم إلى الوضع فإذا وضعت ارتفع (قوله: وإن حبلت بعد مضي أقله) أي الحيض، وهو يوم وليلة (قوله: كفى) أي مضى أقله في الاستبراء: أي فيحل له بعده التمتع بها ولا يصبر إلى الوضع (قوله: لمضي حيض إلخ) علة لقوله وكفى: أي وإنما كفى ذلك لمضي حيض كامل لها قبل الحمل (قوله: ولذات أشهر) معطوف على لذات أقراء أي والاستبراء لذات أشهر شهر. وقوله من صغيرة الخ: بيان لذات الاشهر وقوله شهر: أي ما لم تحض فيه، فإن حاضت فيه استبرئت بالحيضة لانها صارت من ذوات الأقراء. اه. ع ش (قوله: ولحامل) معطوف أيضا على ذات أقراء: أي والاستبراء لامة حامل. وقوله لا تعتد بالوضع: أي ليس لها عدة بالوضع، وهو قيد في كون الاستبراء في حق الحامل وضع الحمل. وخرج به ما لو كانت تعتد بالوضع بأن ملكها معتدة عن الزوج أو وطئ شبهة أو عتقت حاملا من شبهة وهي فراش لسيدها فلا يكون الاستبراء بالوضع، بل يلزمها أن تستبرئ بعده (قوله: وهي) أي التي لا تعتد بالوضع. وقوله التي حملها من الزنا: أي ولم تحض فإن حاضت كفت حيضة ولا عبرة بالحمل، ولو كانت من ذوات الشهور ومضى شهر فكذلك. (والحاصل) أن الاستبراء في الحامل من الزنا يحصل بالاسبق من الوضع والحيضة فيمن تحيض وبالاسبق من الوضع والشهر في ذوات الأشهر (قوله: أو المسبية الحامل) أي من كافر وأفاد بذكرها وما بعدها أن الحمل قد يكون من غير زنا ويكون الاستبراء بالوضع، واندفع بذلك حصر بعضهم الحامل التي لا تعتد بالوضع في التي حملها من زنا وقال: لأنه إن كان من سيدها صارت به أم ولد ولا يصح بيعها وإن كان من زوج انقضت عدتها به ولا يدخل الاستبراء في العدة بل يجب الاستبراء بعده ويكون الولد في هذه رقيقا وإن كان من شبهة نقصت عدة الشبهة بوضعه والولد حر ويغرم الواطئ قيمته لسيد الامة ولا يصح بيعها وهي حامل به لان الحامل بحر لاتباع فيتعين أن يكون الحمل من الزنا. وحاصل الدفع أنا لا نسلم أنها تنحصر في ذلك بل تارة تكون حاملا من زنا، وتارة تكون غيرها كالمسبية المذكورة وما بعدها (قوله: أو التي هي حامل من السيد إلخ) أي أو الامة التي هي حامل من السيد ثم زال عنها فراشه بعتقها فإنها ليس لها عدة بالوضع، فإذا رام تزويجها لا بد من إستبرائها ويكون إستبراؤها بالوضع (قوله: سواء الخ) تعميم في الاخيرة وهي الحامل التي زال فراش السيد عنها بالعتق: أي لا فرق فيها بين أن تكون مستولدة من قبل هذا الحمل بأن ولدت منه أولا ثم وطئها

فرع: لو اشترى نحو وثنية أو مرتدة فحاضت ثم بعد فراغ الحيض أو في أثنائه ومثله الشهر في ذات الاشهر أسلمت لم يكف حيضها أو نحوه في الاستبراء لانه لا يستعقب حل التمتع الذي هو القصد في الاستبراء (وتصدق) المملوكة بلا يمين (في قولها) حضت لانه لا يعلم إلا منها (وحرم في غير مسبية تمتع) ولو بنحو نظر بشهوة ومس (قبل) تمام (استبراء) لادائه إلى الوطئ المحرم ولاحتمال أنها حامل بحر فلا يصح نحو بيعها نعم ـــــــــــــــــــــــــــــ وحملت منه ثم أعتقها ورام أن يزوجها فيكون استبراؤها بالوضع، والتعميم المذكور ساقط من عبارة التحفة والنهاية (قوله: وضعه) أي الاستبراء الحامل وضع الحمل لحصول البراءة به وللخبر السابق (قوله: لو اشترى نحو وثنية) أي كمجوسية (قوله: أو مرتدة) أي أو اشترى مرتدة (قوله: فحاضت) أي الوثنية ونحوها المرتدة (قوله: ثم بعد فراغ الحيض) الظرف متعلق بأسلمت بعده. وقوله أو في أثنائه أي الحيض (قوله: ومثله) أي مثل الحيض الشهر أي فلو أسلمت بعده أو في أثنائه لم يكف مضي الشهر عن الاستبراء قال في التحفة: وكذا الوضع على ما صرح به. اه (قوله: لم يكف حيضها إلخ) أي فلا بد من إستبراء ثان بعد الاسلام. وقوله أو نحو: أي الحيض من الشهر أو الوضع وقوله في الاستبراء: متعلق بيكفي (قوله: لأنه الخ) علة لعدم الاكتفاء بما ذكر في الاستبراء. وقوله لا يستعقب: إن جعلت السين والتاء زائدتين فما بعده فاعل به وحذف مفعوله. أي لا يعقبه ويتسبب عنه حل التمتع وإن جعلا للطلب فما بعده مفعول والفاعل ضمير مستتر يعود على المذكور من الحيض ونحوه: أي لا يستلزم، ويطلب حل التمتع واعترض التعليل المذكور بأنه يأتي في المحرمة أي إذا اشتراها محرمة فحاضت قبل التحلل فإنه يعتد به مع أنه لا يستعقب الحل (قوله: الذي هو) أي حل التمتع بعد مضي الحيضة أو الشهر القصد في الاستبراء: أي وهذا القصد لم يحصل بما ذكر فلا يكفي في الاستبراء، ولذلك قال القفال: كل إستبراء لا يتعلق به استباحة الوطئ لا يعتد به أي إلا استبراء المرهونة قبل انفكاك الرهن فيعتد به لأنه يحل للراهن وطؤها بإذن المرتهن فهي محل الاستمتاع. وفرق ابن حجر بينها وبين ما لو اشترى عبد مأذون لها في التجارة أمة وعليه دين حيث لا يعتد باستبرائها قبل سقوط الدين فليس للسيد وطؤها مع أنه يجوز للسيد وطؤها بإذن العبد والغرماء ح ل اه. جمل. وقوله وفرق ابن حجر: عبارته ويفرق بينها وبين ما قبلها بأنه يحل وطؤها بإذن المرتهن فهي محل للاستمتاع، بخلاف غيرها حتى مشتراة المأذون لان له حقا في الحجر وهو لا يعتد بإذنه. فإن قلت: هي تباح له بإذن العبد والغرماء فساوت المرهونة. قلت: الاذن هنا أندر لاختلاف جهة تعلق العبد والغرماء بخلافه في المرهونة. اه. بحذف (قوله: وتصدق المملوكة بلا يمين في قولها حضت) أي تصدق في انقضاء الاستبراء قال في التحفة: وإذا صدقناها فكذبها فهل يحل له وطؤها قياسا على ما لو ادعت التحليل فكذبها بل أولى أولا ويفرق محل نظر. والاول أوجه. اه (قوله: لانه) أي الحيض لا يعلم إلا منها، وهو علة لتصديقها بلا يمين في قولها ذلك قال البجيرمي: ولانها لو نكلت لم يقدر السيد على الحلف على عدم الحيض فللسيد وطؤها بعد الطهر وهذا حيث أمكن كما تصدق الحرة في انقضاء عدتها حيث أمكن لانها مؤتمنة على رحمها. اه (قوله: وحرم في غير مسبية تمتع الخ) وهل هو كبيرة أو لا؟ فيه نظر والأقرب الأول، لكن لا يخفى أن الوطئ وإن كان حراما لعدم الاستبراء لكنه ليس بزنا لوجود شبهة الملك، ومحل حرمته ما لم يخف الزنا فإن خافه جاز له أفاده ع ش وغيره (قوله: ولو بنحو نظر بشهوة) أي ولو كان التمتع بنحو نظر بشهوة، فإنه يحرم وفي سم ما نصه. قوله ويحرم الاستمتاع بالمستبرأة قد يشمل الاستمتاع بنحو شعرها وظفرها بمس أو نظر بشهوة أو بجزئها المنفصل وهو غير بعيد ما لم يوجد نقل بخلافه. فرع: وقع السؤال إستطرادا عن النظر لاجل الشراء. هل يجوز إذا كان بشهوة كما في نظر الخطبة أو يفرق؟ فيه نظر. اه. بتصرف (قوله: ومس) يفيد عدم تقييده بما إذا كان بشهوة وتقييد النظر بما إذا كان بشهوة أنه يحرم المس ولو بغير شهوة (قوله: قبل الخ) متعلق بحرم (قوله: لادائه إلى الوطئ المحرم) علة لحرمة التمتع لكن بغير الوطئ وإلا لم يصح لأنه يصير المعنى يحرم التمتع بالوطئ لادائه إلى التمتع بالوطئ ولا معنى له (قوله: ولاحتماله إلخ) علة ثانية لحرمة التمتع

تحل له الخلوة بها، أما في المسبية فيحرم الوطئ لا الاستمتاع بغيره من تقبيل ومس لانه (ص) لم يحرم منها غيره مع غلبة امتداد الاعين والايدي إلى مس الاماء سيما الحسان، ولان ابن عمر رضي الله عنه قبل أمة وقعت في سهمه من سبايا أوطاس، وألحق الماوردي وغيره بالمسبية في حل الاستمتاع بغير الوطئ كل من لا يمكن حملها كصبية وآيسة وحامل من زنا. فرع: لا تصير أمة فراشا لسيدها إلا بوطئ منه في قبلها ويعلم ذلك بإقراره به أو ببينة، فإذا ولدت للامكان من وطئه ولدا لحقه وإن لم يعترف به. ـــــــــــــــــــــــــــــ مطلقا سواء كان بوطئ أو غيره. وقوله إنها حامل بحر: أي بأن وطئت بشبهة أو وطئها سيدها (قوله: فلا يصح نحو بيعها) أي وإذا كانت حاملا بحر فلا يكون بيعها صحيحا وإذا لم يكن صحيحا لا يجوز للمشتري أن يتمتع بها لأنها باقية على ملك البائع (قوله: نعم إلخ) استدراك من حرمة التمتع بها دفع به ما يتوهم من حرمة الخلوة أيضا. وقوله تحل له الخلوة بها: أي لتفويض الشرع أمر الاستبراء إلى أمانته نعم: إن كان مشهورا بالزنا وعدم المسكة حيل بينه وبينها (قوله: أما في المسبية الخ) مقابل قوله غير مسبية. وقوله فيحرم الوطئ الخ إنما فارقت المسبية غيرها لتيقن ملكها ولو حاملا فلم يجر فيها الاحتمال السابق، وإنما حرم وطؤها صيانة لمائه أن يختلط بماء حربي لا لحرمته ولم ينظر والاحتمال كونها أم ولد لمسلم فلم يملكها سابيا لندرته وقوله الاستمتاع بغيره أي لا يحرم عليه الاستمتاع بغير الوطئ وقوله من تقبيل ومس: بيان لغير الوطئ (قوله: لانه - صلى الله عليه وسلم - الخ) تعليل لحرمة الوطئ وعدم حرمة غيره. وقوله لم يحرم إلخ أي في الخبر المار أول الفرع وقوله في سبايا أوطاس ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة. وقوله منها: أي المسبية. وقوله غيره: أي الوطئ (قوله: مع غلبة إلخ) فيه أن هذا لا يختص بالسبايا فلا ينتج المدعي. وقوله إلى مس الاماء: هذا بالنسبة لامتداد الايدي، وكان حقه أن يزيد وإلى النظر إليهن ليكون مقابل امتداد الاعين. وقوله سيما الحسان: أي خصوصا في الغلبة المذكورة الاماء الحسان (قوله: ولان ابن عمر الخ) معطوف على قوله لانه - صلى الله عليه وسلم - إلخ (قوله: من سبايا أوطاس) وقيل من سبايا جلولاء وجمع بينهما بأن جلولاء كانوا معاونين لهوازن لكونهم حلفاءهم: أي معاهدين لهم فيمكن أن السبايا من هوازن أو من جلولاء وقسموها في الموضع المسمى بأوطاس، فتكون الجارية الواقعة لابن عمر من جلولاء. وقصة ابن عمر رضي الله عنهما أنه اتفق أن واحدة سبيت من نسائهم فلما نظر عنقها كإبريق أي سيف فضة فلم يتمالك الصبر عن تقبيلها والناس ينظرونه ولم ينكر أحد عليه فصار إجماعا سكوتيا لا يقال الاجماع لا ينعقد في حياته - صلى الله عليه وسلم - لأنا نقول المراد ولم ينكر عليه أحد من الصحابة بعد موته - صلى الله عليه وسلم - لا يقال تقبيله لها خارم للمروءة لانا نقول: لعله اعتقد عدم وجود أحد عنده فقوله والناس ينظرون: أي وهو لم يعلم بذلك أو أنه فعله إغاظة للكفار أو باجتهاده (قوله: وألحق الماوردي الخ) قال سم ظاهر كلامهم يخالفه. اه. (قوله: بالمسبية) متعلق بألحق. وقوله في حل الاستمتاع: هذا هو وجه الالحاق. وقوله كل الخ: مفعول ألحق. وقوله من لا يمكن حملها أي أمة لا يمكن حملها لمانع منه كصغر وإياس وحمل من زنا موجود في بطنها: إذ الحامل لا يتصور أن تحمل على حملها الحاصل (قوله: كصبية الخ) تمثيل للتي لا يمكن حملها (قوله: لا تصير أمة الخ) وهذا بخلاف الزوجة فإنها تصير فراشا بمجرد الخلوة بها حتى إذا ولدت للامكان من الخلوة بها لحقه وإن لم يعترف بالوطئ. والفرق أن مقصود النكاح التمتع والولد فاكتفى فيه بالامكان من الخلوة وملك اليمين قد يقصد به التجارة والاستخدام فلا يكتفي فيه إلا بالامكان من الوطئ اه. شرح المنهج (قوله: إلا بوطئ منه) أي من السيد. ومثل الوطئ دخول مائة المحترم فيه. وقوله في قبلها: خرج به الدبر فلا تصير فراشا بالوطئ فيه، وقيل تصير فراشا به فعليه إذا ولدت للامكان منه يلحقه (قوله: ويعلم ذلك) أي الوطئ. وقوله بإقراره: أي السيد. وقوله به: أي الوطئ. وقوله أو ببينة: أي على الوطئ أو على إقراره به (قوله: فإذا الخ) تفريع على كونها تصير بالوطئ فراشا، وعبارة التحفة مع الاصل: وإذا تقرر أن الوطئ يصيرها فراشا فإذا ولدت للامكان الخ (قوله: للامكان من وطئه) أي عند الامكان أو مع الامكان، فاللام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى عند أو مع. والمعنى أنها إذا ولدت ولدا يمكن أن يكون من وطئه بأن يكون بين زمن الولادة وزمن الوطئ ستة أشهر (قوله: لحقه وإن لم يعترف به) أي بأن سكت عن استلحاقه، وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - ألحق الولد بزمعة بمجرد الفراش: أي بعد علمه الوطئ بوحي أو إخبار فإن نفي الولد بعد إقراره بالوطئ وادعى استبراءا بعد الوطئ بحيضة وقبل الوضع بستة أشهر وحلف على ذلك لم يلحقه الولد، وذلك لان الوطئ الذي هو المعول عليه في اللحوق عارضه دعوى الاستبراء فبقي محض الامكان ولا تعويل عليه في ملك اليمين والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في النفقة من الانفاق وهو الاخراج (يجب) المد الآتي وما عطف عليه (لزوجة) أو أمة ومريضة (مكنت) من الاستمتاع بها ومن نقلها إلى حيث شاء عند أمن الطريق والمقصد ولو بركوب بحر غلبت فيه السلامة، فلا تجب ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في النفقة أي في بيان أحكامها. واعلم، أن للنفقة ثلاثة أسباب: الزوجية والقرابة والملك، وذكر في هذا الفصل الاولين، وذكر الثالث في فصل الحضانة، وكان الأولى ذكره في هذا الفصل جمعا بين الاسباب، وبدأ بنفقة الزوجة لانها أقوى لكونها معاوضة في مقابلة التمكين من التمتع ولا تسقط بمضي الزمان وأخرت إلى هنا لوجوبها في النكاح وبعده كأن طلقت وهي حامل أو كان الطلاق رجعيا. والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع: فمن الأول قوله تعالى: * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * ومن الثاني خبر: اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله تعالى واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف (قوله: من الانفاق) يرد عليه أن النفقة مصدر مجرد والانفاق مصدر مزيد ولا يشتق المجرد من المزيد. ويمكن أن يجاب بأن المراد مأخوذة من الانفاق والاخذ أوسع دائرة من الاشتقاق (قوله: وهو) أي الانفاق. وقوله الإخراج: أي دفع ما يسمى نفقة لمن يستحقه، ثم إن الانفاق لا يستعمل إلا في الخير: كما إن الاسراف لا يستعمل إلا في غيره. ومن بلاغات الزمخشري: لا سرف في الخير كما لا خير في السرف. وهو من رد العجز إلى الصدر (قوله: يجب) أي وجوبا موسعا فلا يحب س ولا يلازم لكن لو طالبته وجب عليه الدفع، فإن تركه مع القدرة عليه أثم. ح ل. بجيرمي (قوله: المد الآتي) أي ذكره في المتن، ثم إن المؤلف قدر هنا فاعلا للفعل وجعل الفاعل بحسب صنيع المتن خبرا وقدر له مبتدأ (قوله: وما عطف عليه) أي المد الآتي وهو مدان ومد ونصف: أي وما تعلق به من الادم وما بعده (قوله: لزوجة) متعلق بيجب (قوله: ولو أمة ومريضة) الغاية للتعميم: أي لا فرق في وجوب ما ذكر للزوجة بين أن تكون أمة أو تكون حرة، ولا فرق أيضا بين أن تكون صحيحة أو مريضة (قوله: مكنت من الإستمتاع بها) أي بأن عرضت نفسها عليه كأن تقول إني مسلمة نفسي إليك فاختر أن آتيك حيث شئت أو إن تأتيني. ومحل ذلك إذا كان في بلدها فإن غاب عن بلدها رفعت الأمر إلى الحاكم ليكتب إلى حاكم بلد الزوج ليعلمه بالحال فيجئ إليها أو يوكل في الانفاق عليها فإن لم يفعل شيئا من الامرين فرضها القاضي في ماله من حين إمكان وصوله هذا أن كانت بالغة عاقلة فإن كانت صغيرة أو مجنونة. فالعبرة بعرض وليها لانه هو المخاطب بذلك، ولا بد من التمكين التام فلو مكنته وقتا دون وقت كأن تمكنه الليل دون النهار أو في دار دون دار فلا نفقه لها. وخرج بتمكينها من الإستمتاع بها ما لو لم تمكنه من ذلك فهي ناشزة ولا نفقة لها. وقوله ومن نقلها الخ: أي ومكنته من نقلها إلى حيث شاء الزوج. وخرج به ما لو امتنعت من ذلك فهي ناشزة أيضا ولا نفقة لها. وقوله عند أمن الطريق: والمقصد قيد في اشتراط تمكين نفسها له من نقلها إلى حيث شاء: أي يشترط ذلك إذا كان كل من الطريق والمقصد آمنا، وإلا فلا يشترط فلو امتنعت من ذلك حينئذ فليست بناشزة وعليه نفقتها. وقوله ولو بركوب بحر إلخ: غاية في اشتراط التمكين من النقل معه: أي يشترط ذلك ولو كان النقل يكون بركوب بحر لانه يلزمها إجابته إليه على الأوجه - كما في فتح الجواد. وقوله غلبت فيه السلامة: قيد في ركوب البحر. وخرج به ما لو لم تغلب فيه السلامة فلا يشترط أن تمكن من نقلها الذي يحصل بركوبه بمعنى أنها لو

بالعقد خلافا للقديم وإنما تجب بالتمكين يوما فيوما ويصدق هو بيمينه في عدم التمكين وهي في عدم النشوز والانفاق عليها، وإذا مكنت من يمكن التمتع بها ولو من بعض الوجوه وجبت مؤنها ولو كان الزوج طفلا لا يمكن جماعه: إذ لا منع من جهتها وإن عجزت عن وطئ بسبب غير الصغر كرتق أو مرض أو جنون، لا إن عجزت بالصغر، بأن كانت طفلة لا تحتمل الوطئ فلا نفقة لها وإن سلمها الولي إلى الزوج. إذ لا يمكن التمتع بها ـــــــــــــــــــــــــــــ امتنعت من ذلك لا تكون ناشزة فلا تسقط نفقتها (قوله: فلا تجب) أي المذكورات من المد وما عطف عليه وما يتعلق به، ويصح عوده على المؤن المعلومة من المقام، وهو تفريع على قوله مكنت المجعول قيدا للوجوب. وقوله بالعقد: أي وقبل التمكين وذلك لانه يوجب المهر فلا يوجب عوضين ولانها مجهولة بسبب جهل حال الزوج من يسار أو إعسار أو توسط والعقد لا يجوب مالا مجهولا، ولانه - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين ولم ينقل أنه أنفق عليها قبل الدخول، فلو كانت النفقة واجبة بالعقد لساقها إليها ولو وقع لنقل (قوله: خلافا للقديم) أي القائل بوجوبها بالعقد كالمهر بدليل وجوبها للمريضة والرتقاء وكتب الرشيدي ما نصه قوله والقديم تجب بالعقد - أي وتستقر - بالتمكين كما صرح به الجلال، ثم قال عقبه فإن امتنعت سقطت اه. وانظر ما معنى وجوبها بالعقد عليه؟ ولعله يظهر ذلك فيما لو مات أحدهما قبل التمكين فيستحق مؤنة ما بعد العقد وقبل الموت (قوله: وإنما تجب بالتمكين يوما فيوما) أي وتجب بفجر كل يوم - كما سيصرح به - وإنما وجبت به لأن الواجب - كما سيأتي - الحب فيحتاج إلى طحنه وعجنه وخبزه، فلو حصل التمكين ابتداء في أثناء اليوم وجبت بالقسط حتى لو حصل وقت الغروب كما يقع كثيرا وجبت كذلك. وخرج بقوله ابتداء ما لو كان ذلك بعد نشوز بأن كانت ناشزة ثم مكنت نفسها في أثناء اليوم فلا تجب نفقة ذلك اليوم لانها تسقط بالنشوز فلا تعود بالطاعة (قوله: ويصدق هو بيمينه إلخ) أي لو اختلف الزوجان في التمكين وعدمه بأن ادعته هي وأنكره هو ولا بينة صدق بيمينه لأن الأصل عدمه، فلو نكل عن اليمين حلفت هي يمين الرد واستحقت النفقة لأن اليمين المردودة كالاقرار أو كالبينة (قوله: وهي الخ) أي وتصدق هي فيما لو اتفقا على التمكين وادعى هو نشوزها بعده وهي عدمه أو ادعى هو الانفاق عليها وادعت هي عدمه، وذلك لأن الأصل عدم النشوز وعدم الانفاق. وقوله: والانفاق عليها: بالجر عطف على النشوز (قوله: وإذا مكنت من يمكن التمتع بها) من واقعة على الزوجة، وهي فاعل الفعل ومفعوله محذوف: أي وإذا مكنت الزوجة التي يمكن التمتع بها زوجها وجبت عليه المؤن. وقوله ولو من بعض الوجوه: أي ولو كان التمتع بها من بعض الوجوه - لا من كلها (قوله: وجبت مؤنها) أي على زوجها (قوله: ولو كان الزوج طفلا) غاية لوجوب المؤن عليه وهي للرد على من قال: لا تجب عليه لانه لا يستمتع بها بسبب هو معذور فيه. وعبارة المنهاج مع شرح م ر: والاظهر أنها تجب لكبيرة - أي لمن يمكن وطؤها وإن لم تبلغ كما هو ظاهر على صغير لا يمكن وطؤه إذا عرضت على وليه لأن المانع من جهته، والثاني: لا تجب لانه لا يستمتع بها بسبب هو معذور فيه فلا يلزمه غرم. انتهت (قوله: وإن عجزت عن وطئ الخ) ظاهر صنيعه أنه غاية لقوله: وجبت مؤنها المرتب على من يمكن التمتع بها. ويرد عليه أنه لا يلائمه قوله بعد لا إن عجزت بالصغر لانه ينحل المعنى لا إن عجزت: أي من يمكن التمتع بها بالصغر، ولا يخفى ما فيه ولو قدم الشارح هذه الغاية على قوله وإذا مكنت الخ لكان أولى: لانه يصير عليه غاية لقوله: وإنما تجب بالتمكين وهو ظاهر - كما في فتح الجواد - وعبارته: وتجب لها بالتمكين وإن عجزت عن وطئ الخ ما ذكره الشارح، وحاصل المعنى أنها تجب المؤن بالتمكين وإن عجزت عن وطئ بسب ب غير الصغر، وذلك لان المرض يطرأ ويزول. ومثله الجنون والرتق وإن كان لا يزول لكنه قد رضي به مع التمتع ممكن بغير الوطئ في الجميع وهو كاف من بعض الوجوه - كما صرح به قبل - وقوله أو جنون: أي مقارن للتسليم أو حادث بعده (قوله: لا إن عجزت بالصغر) أي لا تجب ان عجزت بالصغر. وعبارة المنهاج مع شرح م ر: والاظهر ان لا نفقة ولا مؤنة لصغيرة لا تحتمل الوطئ وإن سلمت له لان تعذر وطئها لمعنى قائم بها فليست أهلا للتمتع، والثاني لها النفقة لانها حسبت عنده وفوات الاستمتاع لسبب هي فيه معذورة كالمريضة والرتقاء، وفرق الاول بما مر في التعليل. اه. (قوله: فلا نفقة لها) الأولى إسقاطه لأن

كالناشزة، بخلاف من تحتمله ويثبت ذلك بإقراره وبشهادة البينة به أو بأنها في غيبته باذلة للطاعة ملازمة للمسكن ونحو ذلك ولها مطالبته بها إن أراد سفرا طويلا (ولو رجعية) وإن كانت حائلا أي يجب لها ما ذكر ما عدا آلة التنظيف لبقاء حبسه لها وقدرته على التمتع بها بالرجعة ولامتناعه عنها لم يجب لها آلة التنظيف ويسقط مؤنتها ما يسقط مؤنة الزوجة كالنشوز، وتصدق في قدر أقرائها بيمين إن كذبها وإلا فلا يمين، وتجب النفقة أيضا لمطلقة ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى قوله لا إن عجزت الخ لا تجب المؤن ان عجزت. وقوله وان سلمها الخ: غاية لعدم وجوب النفقة لها (قوله: إذ لا يمكن التمتع بها) أي ولا من وجه، وهو علة لعدم وجوب النفقة (قوله: بخلاف من تحتمله) أي الوطئ وهو محترز قوله لا تحتمل الوطئ (قوله: ويثبت ذلك) أي تمكينها له الموجب للنفقة. وقوله بإقراره: أي الزوج. وقوله وبشهادة البينة به: أي بالاقرار. وقوله أو بأنها في غيبته الخ: أي ويثبت ذلك بشهادة البينة بأنها في حال غيبته باذلة للطاعة. قال ع ش: وهذا إنما يحتاج إليه إذا لم يسبق تمكين منها أو سبق نشوز، وإلا فالقول قولها في عدم النشوز من غيبته. وقوله ونحو ذلك: بالجر معطوف على إقراره: أي ويثبت بنحو ذلك كرفع أمرها للحاكم وإظهار أنها مسلمة له (قوله: ولها مطالبته بها الخ) أي للزوجة إذا أراد زوجها أن يسافر سفرا طويلا أن تطالبه بالنفقة مدة سفره، ويلزم القاضي إجابتها في منعه من السفر حتى يترك لها النفقة منه أو يوكل من ينفق عليها أو يطلقها - كما سيصرح به الشارح - قال في التحفة: ويفرق بينها وبين من له دين مؤجل فإنه لا منع له وإن كان يحل عقب الخروج بأن الدائن ليس في حبس المدين وهو المقصر برضاه بذمته، ولا كذلك الزوجة فيهما: إذ لا تقصير منها وهي في حبسه فلو مكناه من السفر الطويل بلا نفقة ولا منفق لادى ذلك إلى إضرارها بما لا يطاق الصبر عليه لا سيما الفقيرة التي لا تجد منفقا فاقتضت الضرورة إلزامه ببقاء كفايتها عند من يثق به. اه. وهذه المسألة مكررة مع قوله الآتي ويكلف من أراد سفرا طويلا طلاقها أو توكيل من ينفق عليها من مال حاضر، فكان المناسب الاقتصار على أحدهما وعلى الثانية أولى لان فيها زيادة الطلاق (قوله: ولو رجعية) غاية لوجوب ما ذكر للزوجة: أي يجب ما ذكر لها ولو كانت زوجة حكما كالرجعية (قوله: وإن كانت) أي الرجعية. وقوله حائلا: أي غير حامل (قوله: أي يجب لها ما ذكر) أي وهو المد الآتي، وما عطف عليه ولو أبدل ما ذكر بما يأتي لكان أولى (قوله: ما عدا آلة التنظيف) أي أما هي فلا تجب عليه لها. نعم: لها ما يزيل الوسخ فقط - كما سيذكره - (قوله: لبقاء حبسه لها) علة لوجوبها للرجعية (قوله: ولامتناعه) متعلق بما بعده: أي لم يجب لها آلة التنظيف لامتناع الزوج عنها: أي عن الاستمتاع بها لكونه قد طلقها (قوله: ويسقط مؤنتها) أي الرجعية ما يسقط مؤنة الزوجة: أي مما يتصور فيها كالنشوز - بخلاف ما لا يتصور فيها كالعجز عن الوطئ بسبب الصغر، وذلك لانها إذا طلقت قبل الوطئ تبين ولا تكون رجعية. وقوله كالنشوز: أي بخصوص الخروج عن المسكن والسفر والردة، وأما نشوزها بامتناعها من الإستمتاع بها فلا يتصور فيها (قوله: وتصدق) أي الرجعية. وقوله في قدر أقرائها فلو ادعت أن قرأها - أي طهرها - تسع وعشرون يوما غالبه وادعى هو أن قرأها خمسة عشر يوما أقله صدقت هي لانها مؤتمنة على ما في رحمها (قوله: إن كذبها) قيد في اليمين (قوله: وإلا) أي وإن لم يكذبها، فلا يمين عليها (قوله: وتجب النفقة) الاولى التعبير هنا وفي جميع ما يأتي بالمؤنة لانها تشمل الكسوة والمسكن - بخلاف النفقة فإنها خاصة بالقوت والحامل البائن يجب لها النفقة والكسوة والمسكن لا الاولى فقط. وعبارة المنهج مع شرحه: ولا مؤنة من نفقة وكسوة لحامل بائن وتجب لحامل إلخ. اه. وقوله أيضا: أي كما تجب لرجعية. وقوله لمطلقة حامل: إنما وجبت لها لآية * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن) * ولانه كالمستمتع برحمها لاشتغاله بمائه، ثم إن وجوب النفقة لها بسبب الحمل لا للحمل على الأصح لأنها تلزم المعسر وتتقدر بالامداد بحسب يسار الزوج وإعساره وتسقط بالنشوز - ولا تسقط بمضي الزمان ولو كانت للحمل لتقدرت بقدر كفايته وهي متعذرة ولم تجب على المعسر وسقطت بمضي الزمان. وقوله بالطلاق الثلاث: متعلق ببائن. وقوله أو الخلع: معطوف على الطلاق: أي أو بائن

_ (1) سورة الطلاق، الاية: 6.

حامل بائن بالطلاق الثلاث أو الخلع أو الفسخ بغير مقارن وإن مات الزوج قبل الوضع ما لم تنشز ولو أنفق بظنه فبان عدمه رجع عليها أما إذا بانت الحامل بموته فلا نفقة، وكذا لا نفقة لزوجة تلبست بعدة شبهة بأن وطئت بشبهة وإن لم تحبل لانتفاء التمكين. إذ يحال بينه وبينها إلى انقضاء العدة، ثم الواجب لنحو زوجة ممن مر (مد طعام) من غالب قوت محل إقامتها لا إقامته ويكفي دفعه من غير إيجاب وقبول كالدين في الذمة. قال شيخنا: ـــــــــــــــــــــــــــــ بالخلع. وقوله أو الفسخ: معطوف أيضا على الطلاق: أي أو بائن بالفسخ، وفيه أن عبارته تفيد أن البائن بالفسخ مطلقة مع أنه تقدم أن الفسخ لا يحسب طلاقا، فالأولى أن يقول وتجب لحامل بائن إلخ. ويحذف لفظ مطلقة. وقوله بغير مقارن: متعلق بالفسخ: أي الفسخ بسبب غير مقارن للعقد بأن يكون طرأ بعده كردة، أما إذا قارن العقد بأن وجد حالته كعيب أو غرور فلا نفقه لها بفسخه به. قال في التحفة: لانه يرفع العقد من أصله. اه. وتوقف فيه سم وقال الجمل: هذا التعليل ضعيف، والمعتمد أنه يرفعه من حينه ومع ذلك لا تستحق. اه (قوله: وان مات الزوج قبل الوضع) غاية لوجوب النفقه للمطلقة الحامل: أي تجب النفقة لها وإن مات قبل أن تضع حملها لما علمت أن الاصح أن النفقة تجب لها لا للحمل ولان البائن لا تنتقل لعدة الوفاة ولان المؤن وجبت قبل الموت فاغتفر بقاؤها في الدوام لانه أقوى من الابتداء وإذا مات أخرجت من تركته. وقوله ما لم تنشز: قيد لوجوب النفقة. وخرج به ما لو نشزت بأن خرجت من المسكن لغير حاجة فانها تسقط نفقتها (قوله: ولو أنفق) أي الزوج عليها. وقوله يظنه: أي الحمل. وقوله فبان عدمه: أي تبين أن لا حمل وقوله رجع عليها: أي بما دفعه لها بعد عدتها لانه بان أن لا شئ عليه (قوله: أما إذا إلخ) محترز قوله بائن بالطلاق الثلاث الخ. وقوله فلا نفقة: أي لها عليه، وذلك لخبر الدارقطني: ليس للحامل المتوفى عنها زوجها نفقة وإنما وجبت فيما لو توفي بعد بينونتها لانها وجبت قبل الوفاة فاغتفر بقاؤها في الدوام لانه أقوى من الابتداء ولان البائن لا تنتقل إلى عدة الوفاة كما مر آنفا (قوله: وكذا لا نفقة) أي أصلا لا على الزوج ولا على الواطئ بشبهة. وقوله لزوجة إلخ: أي ولو كانت رجعية لكن يشترط فيها أن تحمل من وطئ الشبهة، أما إذا لم تحمل فيجب لها النفقة لان عدة الطلاق حينئذ مقدمة على عدة الشبهة - كما في فتح الجواد - وعبارته مع الأصل: وتجب لزوجة ورجعية لا إذا تلبست إحداهما بعدة شبهة بأن وطئت الزوجة بشبهة وإن لم تحبل أو الرجعية بها وحبلت لانتفاء تمكين الزوجة: إذ يحال بينه وبينها إلى انقضاء العدة ولان الرجعية مشغولة بحق غيره واشترط حبلها لان عدة الشبهة لا تقدم إلا حينئذ كما مر. اه. بتصرف. (قوله: بأن وطئت بشبهة) أي ولو بنكاح فاسد، والباء لتصوير المتلبسة بعدة الشبهة (قوله: وإن لم تحبل) غاية في عدم وجوب النفقة (قوله: لانتفاء التمكين) علة لعدم وجوب النفقة: أي وإنما لم تجب لانتفاء التمكين منها الموجب للنفقة (قوله: إذ يحال إلخ) علة للعلة أي وإنما انتفى التمكين لانه يحال بينها وبينه إلى انقضاء عدة الشبهة (قوله: ثم الواجب الخ) دخول في على المتن. وقول ممن مر: بيان لنحو الزوجة وهو الرجعية والحامل البائن بما تقدم (قوله: مد طعام) خبر الواجب (قوله: من غالب الخ) بيان للمد: أي حال كونه كائنا من غالب قوت محل إقامتها سواء كان من بر أو غيره كأقط كالفطرة وإن لم يلق بها ولا ألفته: إذ لها إبداله، فإن اختلف غالب قوت محل إقامتها وجب لائق به يسارا وضده ولا عبرة بما يتناوله هو توسعا أو بخلا (قوله: لا إقامته) أي لا من غالب قوت محل إقامة الزوج (قوله: ويكفي) أي في براءة ذمته من النفقة. وقوله دفعه: أي المد، ومثله بقية المؤن ويكفي الوضع بين يديها مع التمكن من الاخذ والدفع يكون لها إن كانت كاملة، وإلا فلوليها وسيد غير المكاتبة. وقوله كالدين في الذمة: أي فإنه يكفي فيه الدفع من غير افتقار إلى إيجاب وقبول (قوله: قال شيخنا) أي في شرح الارشاد، ونص عبارته: ويكفي دفعة من غير إيجاب وقبول كالدين في الذمة، ومنه يؤخذ إلخ. اه. وقوله ومنه يؤخذ: أنظر من أين يؤخذ ذلك؟ فإن كان من جعل أدائه كأداء الدين ففيه نظر: لأنه لا بد في وقوع ما دفعه عن الدين من قصد الأداء عن جهة الدين، كما يعلم من عبارة شرح الروض الآتية قريبا، وكما تقدم عن ابن حجر في باب الضمان ونصه هناك: قال السبكي في تكملة شرح المهذب عن الامام متى أدى المدين بغير قصد شئ حالة الدفع لم يكن شيئا ولم يملكه المدفوع إليه، بل لا بد من قصد الأداء عن جهة الدين، وكثير من الفقهاء يغلط في هذا ويقول أداء

ومنه يؤخذ أن الواجب هنا عدم الصارف لا قصد الاداء، خلافا لابن المقري ومن تبعه (على معسر) ولو بقوله ما لم يتحقق له مال وهو من لا يملك ما يخرجه عن المسكنة (ولو مكتسبا) وإن قدر على كسب واسع (و) على (رقيق) ولو مكاتبا وإن كثر ماله (ومدان على موسر) وهو من لا يرجع بتكليفه مدين معسرا (ومد ونصف على ـــــــــــــــــــــــــــــ الدين لا تجب فيه النية. اه. وجرى عليه الزركشي وغيره. اه. وإن كان من الاكتفاء بالدفع بقطع النظر عن التشبيه فمحتمل، ويدل على هذا التقييد بقوله هنا: أي في النفقة فقط لا في الدين إلا أنه بعيد. تأمل. وقوله عدم الصارف: أي أن لا يكون صارف يصرف الأداء عن جهة النفقة بأن ينوي به مثلا غير أدائها كالتبرع أو قضاء دينه الذي عليه لها غير النفقة (قوله: خلافا لابن المقري ومن تبعه) أي فإنهم اشترطوا قصد الاداء. وفي حاشية الجمل ما نصه: قوله وعليه دفع حب إلخ - قال في شرح الروض: بأن يسلمه لها بقصد أداء ما لزمه كسائر الديون من غير افتقار إلى لفظ. اه. وقضية قوله كسائر الديون اعتبار القصد فيها (قوله: على معسر) متعلق بالواجب الذي قدره الشارح أو يجب في المتن. وقوله ولو بقوله: أي ولو ثبت إعساره بقوله كأن قال أنا معسر وحلف على ذلك فإنه يصدق بيمينه. وقوله ما لم يتحقق له مال: قيد في ثبوت إعساره بقوله، وخرج به ما لو تحقق له ذلك فإنه لا يثبت إعساره بقوله بل لا بد من البينة. وعبارة النهاية: ولو ادعت يسار زوجها صدق بيمينه إن لم يعهد له مال وإلا فلا، فإن ادعى تلفه ففيه تفصيل الوديعة. اه. وقوله ففيه تفصيل الوديعة هو أنه إن ادعى تلفه مطلقا: أي من غير ذكر سبب له أصلا أو سبب خفي كسرقة أو ظاهر كحريق عرف دون عمومه فإنه يصدق بيمينه وإن عرف عمومه ولم يتهم فيصدق بلا يمين وإن ذكر سببا ظاهرا وجهل طولب ببينة بوجوده ثم يحلف أنها تلفت به (قوله: وهو) أي المعسر. وقوله من لا يملك إلخ: بيان لضابط المعسر. والمعنى أن ضابط المعسر هو من لا يملك شيئا من المال يكون به غير مسكين بأن لا يملك شيئا أصلا أو يملك شيئا منه يكون معه مسكينا فالمراد بالمعسر هنا مسكين الزكاة بالنسبة للمال، أما بالنسبة للكسب فلا كما تفيده الغاية بعد فالذي يكتسب قدر كفايته كل يوم معسر هنا لا في الزكاة ويعتبر إعساره، ومثله اليسار والتوسط بطلوع فجر كل يوم لأنه وقت الوجوب فنعتبر ما عنده عند طلوع الفجر. هذا إذا كانت ممكنة عنده، أما الممكنة بعده فيعتبر عقب التمكين (قوله: ولو مكتسبا) غاية للمتن. أي أنه يجب على المعسر مد طعام ولو كان مكتسبا، فاكتسابه لا يخرجه عن الاعسار. ويصح أن يجعل غاية لضابط المعسر في الشرح: أي أن ضابط المعسر هو الذي لا يملك الخ، ولو كان مكتسبا لا يخرجه عن كونه لا يملك شيئا. وقوله وإن قدر على كسب واسع غاية في المكتسب: أي أن المكتسب معسر ولو قدر على الكسب الواسع فالقدرة عليه لا تخرجه عن الاعسار في النفقة وإن كانت تخرجه عن استحقاق سهم المساكين في الزكاة. وكتب ع ش ما نصه: قوله وإن قدر زمن كسبه على مال واسع: أي فهو معسر في الوقت الذي لا مال بيده وإن كان لو اكتسب حصل مالا كثيرا وموسر حيث اكتسب وصار بيده مال وقت طلوع الفجر. اه. وفي سم ما نصه: قوله ومنه كسوب، أي قادر على المال بالكسب، فإن حصل مالا منه نظر فيه باعتبار ما يأتي في قوله ومسكين الزكاة معسر بأنه قد يكون معسرا وقد يكون غيره. اه (قوله: وعلى رقيق) معطوف على معسر: أي ويجب مد أيضا على رقيق: أي من فيه رق ولو كان مكاتبا أو مبعضا، وذلك لضعف ملكه إن كان مكاتبا، ونقص حاله إن كان مبعضا، وعدم ملكه إن كان غيرهما (قوله: ومدان على موسر) معطوف على مد على معسر من عطف المفردات: أي والواجب مدان على موسر، وإنما فاوتوا بين المعسر والموسر في قدر الواجب لقوله تعالى: * (لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) * وأما كون الواجب على الموسر خصوص المدين وعلى المعسر خصوص المد فبالقياس على الكفارة بجامع أن كلا مال وجب بالشرع ويستقر في الذمة وأكثر ما وجب في الكفارة لكل مسكين نصف صاع وهو مدان، وذلك في كفارة نحو الحلق في النسك، وأقل ما وجب له مد في كفارة نحو اليمين، وهو يكتفي به الزهيد ويقنع به الرغيب، ولما أوجبوا على الموسر الاكثر، وعلى المعسر الاقل أوجبوا على المتوسط ما بينهما

_ سورة الطلاق، الاية: 7.

متوسط) وهو من يرجع بذلك معسر، وإنما تجب النفقة وقت طلوع فجر كل يوم فيوم (إن لم تؤاكله) على العادة برضاها وهي رشيدة، فلو أكلت معه دون الكفاية وجب لها تمام الكفاية على الاوجه، وتصدق هي في قدر ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه لو ألزمناه بالمدين لضره ذلك ولو اكتفينا منه بالمد لضرها ذلك فأوجبنا عليه قدرا وسطا وهو مد ونصف. قال في النهاية: وإنما لم يعتبر شرف المرأة وضده لانها لا تعير بذلك ولا الكفاية كنفقة القريب لانها تجب للمريضة والشبعانة، وما اقتضاه ظاهر خبر هند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف من تقديرها بالكفاية الذي ذهب إلى اختياره جمع من حيث الدليل وأطالوا القول فيه: يجاب عنه بأنه لم يقدرها فيه بالكفاية فقط، بل بها بحسب المعروف، وحينئذ فما ذكروه هو المعروف المستقر في العقول - كما هو واضح - ولو فتح للنساء باب الكفاية من غير تقدير لوقع التنازع لا إلى غاية فتعين ذلك التقدير اللائق بالعرف. اه (قوله: وهو) أي الموسر. وقوله من لا يرجع: أي يصير فهو من رجع بمعنى صار ومعسرا خبره. وقوله مدين: مفعول المصدر، والمعنى أن ضابط الموسر هو الذي لو كلفناه كل يوم مدين لا يصير معسرا. وفي البجيرمي ما نصه: قوله من لا يرجع الخ - بأن يكون الفاضل من ماله بعد التوزيع على العمر الغالب أو سنة مدين - ح لي. اهـ. وقوله على العمر الغالب: أي إن لم يستوفه. وقوله أو سنه. أي أن استوفاه. (والحاصل) أن الموسر هو الذي عنده ما يكفيه بقية العمر الغالب ويزيد عليه مدان فإن لم يكن عنده ما يكفيه العمر الغالب أو كان عنده ما يكفيه ولم يزد عليه شئ فمعسر، وإن زاد عليه شئ ولم يبلغ مدين فمتوسط. وفي حاشية الشرقاوي ما نصه، وهناك ضابط للشيخين أخصر من ذلك، وهو أن من زاد دخله على خرجه فموسر، ومن استوى دخله وخرجه فمتوسط، ومن زاد خرجه على دخله فمعسر. اه (قوله: ومد ونصف الخ) معطوف أيضا على مد إلخ: أي فالواجب مد ونصف على متوسط (قوله: وهو) أي المتوسط. وقوله من يرجع إلخ: أي من يصير بتكليفه مدين كل يوم معسرا (قوله: وإنما تجب النفقة إلخ) هذا ليس دخولا على المتن، وإنما هو بيان لكون الوجوب يعتبر بفجر كل يوم وذلك لأنه لو جعل دخولا لاقتضى أن قوله وقت طلوع الخ قد ذكره قبل مع أنه لم يذكره. ولو زاد الشارح عند قوله أول الفصل وإنما تجب بالتمكين يوما فيوما وقت طلوع الفجر لصح أن يكون دخولا ومعنى كون وجوب النفقة يعتبر وقت طلوع الفجر أنها تطالبه بها من حينئذ لاحتياجها إلى طحنه ونحوه كما مر ويلزم من اعتبار الوجوب وقته اعتبار يساره وإعساره وتوسطه وقته أيضا، كما قدمته، فتعتبر ما عنده عند طلوع الفجر، فإذا وجدناه يزيد على كفاية العمر الغالب بمدين فهو موسر فيلزمه في هذا اليوم مدان، ويختلف ذلك بالرخص والغلاء وقلة العيال وكثرتهم حتى أن الشخص الواحد قد يلزمه لزوجته نفقة موسر ولا يلزمه لو تعددت إلا نفقة متوسط أو معسر (قوله: إن لم تؤاكله) قيد للمتن: أي يجب عليه لها المد إلخ إن لم تأكل عنده معه أو وحدها أو أرسل إليها الطعام فأكلته بحضرته أو غيبته وإلا سقط، وذلك لاطباق الناس عليه في زمنه - صلى الله عليه وسلم - وبعده ولم ينقل خلافه، ولا أنه - صلى الله عليه وسلم - بين أن لهن الرجوع ولا قضاء من تركة من مات. وقوله على العادة: أي أكلا كائنا على العادة بأن تتناول كفايتها من غير تمليك ولا اعتياض. وفي شرح الروض: قال في المهمات: والتصوير بالاكل معه على العادة يشعر بأنها إذا أتلفته أو أعطته غيرها لم تسقط - أي النفقة - عنه. اه. وقوله لم تسقط: أي ويرجع عليها ببدل ما أتلفته أو أعطته، كما هو ظاهر، وقوله برضاها: متعلق بتؤاكله، وهو قيد سيذكر محترزه. وقوله وهي رشيدة: الجملة حالية وهي قيد آخر سيذكر محترزه أيضا. وكون المعتبر رضاها وهي رشيدة محله إذا كانت حرة، فإن كانت أمة فالعبرة فيها إذا أوجبنا نفقتها على الزوج بأن كانت مسلمة له ليلا ونهارا برضا سيدها المطلق التصرف لا برضاها (قوله: فلو أكلت إلخ) محترز قوله على العادة، وكان المناسب أن يذكر مفهوم المنطوق المستكمل للقيود بأن يقول: فإن آكلته على العادة برضاها وهي رشيدة لم يجب عليه المد إلخ، ثم بعد ذلك يذكر مفهوم القيود (قوله: وجب لها تمام الكفاية) أي فتطالبه بالتفاوت بين ما أكلته وبين كفايتها في أكلها المعتاد. وانظر هل ولو كان قدر الكفاية عادة زائدا على الواجب شرعا أو لا بد من أن يكون قدره والذي يؤخذ من كلام سم الثاني ونصه: قوله: إن أكلت قدر الكفاية وإلا رجعت بالتفاوت، هل المراد التفاوت بين ما أكلته وكفايتها أو بينه وبين الواجب شرعا؟ فيه نظر، ويتجه الثاني: إذ الواجب شرعا هو اللازم له دون ما

ما أكلته ولو كلفها مؤاكلته من غير رضاها أو واكلته غير رشيدة بلا إذن ولي فلا تسقط نفقتها به، وحينئذ هو متطوع فلا رجوع له بما أكلته، خلافا للبلقيني ومن تبعه، ولو زعمت أنه متطوع وزعم أنه مؤد عن النفقة صدق بيمينه على الاوجه. وفي شرح المنهاج: لو أضافها رجل إكراما له سقطت نفقتها ويكلف من أراد سفرا طويلا طلاقها وتوكيل من ينفق عليها من مال حاضر ويجب ما ذكر (بأدم) أي مع أدم اعتيد وإن لم تأكله كسمن وزيت وتمر ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ زاد عليه إلى حد الكفاية إذا كانت أكثر منه. اه. وقوله على الاوجه: مثله في فتح الجواد، ومفاده أن مقابل الاوجه هو أنه لا يجب لها تمام الكفاية فانظره فإنه لم يصرح به في التحفة والنهاية والأسنى وغيرها (قوله: وتصدق الخ) أي إذا ادعت عليه أن ما أكلته دون الكفاية وأرادت منه تمامها وادعي هو أنها أكلت كفايتها فتصدق هي، أي باليمين، لأن الأصل عدم قبضها ما نفته (قوله: ولو كلفها الخ) أي أكرهها على أن تأكل معه من غير رضاها، وهذا محترز قوله برضاها. وقوله: (أو وآكلته إلخ:) أي أو أكلت معه برضاها من غير إذن الولي حال كونها غير رشيدة لصغرها أو جنونها أو سفهها وقد حجر عليها بأن استمر سفهها المقارن للبلوغ أو طرأ وحجر عليها وإلا لم يحتج لاذن الولي ومثلها كما تقدم ما لو كانت قنة ولو رشيدة لم يأذن سيدها المطلق التصرف، وإلا فوليه. وقوله بلا إذن ولي: فإن كان بإذنه سقطت نفقتها به. قال في التحفة: واكتفى بإذن الولي مع أن قبض غير المكلفة لغو لان الزوج بإذنه يصير كالوكيل في الانفاق عليها، وظاهر أن محله إن كان لها فيه حظ، وإلا لم يعتد باذنه فيرجع عليه بما هو مقدر لها. اه. ومثله في النهاية (قوله: فلا تسقط إلخ) جواب لو. وقوله به: أي بالاكل معه (قوله: وحينئذ) أي حين إذ لم تسقط نفقتها. وقوله هو: أي الزوج. وقوله متطوع. أي بما أكلته معه (قوله: فلا رجوع له بما أكلته) تفريع على كونه متطوعا بالنفقة، ومحل ما ذكر إن كان غير محجور عليه، وإلا فلوليه الرجوع: كذا في م ر (قوله: خلافا للبلقيني) أي في قوله انها تسقط نفقتها به - كما في المغنى - وعبارته: وأفتى البلقيني بسقوطها بذلك، قال: وما قيده النووي غير معتمد. اه. (قوله: ولو زعمت) أي الرشيدة الآكلة معه برضاها. وقوله أنه متطوع: أي أنه قاصد بإطعامها معه التبرع فالنفقة باقية. وقوله وزعم أنه مؤد عن النفقة: أي أنه قاصد بذلك النفقة (قوله: صدق بيمينه على الأوجه) أي كما لو دفع لها شيئا ثم ادعى كونه عن المهر وادعت هي الهدية فإنه المصدق باليمين، ومقابل الاوجه ما في الاستقصاء من أنها تصدق بلا يمين - كما في التحفة - ونصها: ولو قالت له قصدت بإطعامي التبرع فنفقتي باقية فقال بل قصدت النفقة صدق بلا يمين على ما في الاستقصاء والقياس وجوبها: أي اليمين. اه. (قوله: وفي شرح المنهاج) أي مع المتن لان قوله سقطت نفقتها متن، وعبارة الشرح فقط، بل قال شارح أو أضافها رجل إكراما له. اه. (قوله: إكراما له) أي للزوج وحده، فإن كان لهما فينبغي سقوط النصف أولها لم يسقط شئ. اه. ع ش. (قوله: ويكلف الخ) أي يكلف الحاكم من أراد سفرا طويلا بعد طلبها للنفقة طلاقها أو توكيل من ينفق عليها أي ثقة ينفق عليها من مال حاضر: أي يبقيه عنده وكإبقاء المال عند من ذكر دينه على موسر مقر باذل وجهة ظاهرة اطردت العادة باستمرارها، فإن لم يفعل شيئا من ذلك منعه الحاكم من السفر (قوله: ويجب ما ذكر) أي المد أو المدان أو المد والنصف (قوله: بأدم) هو بضم الهمزة والدال المهملة أو سكونها ما يؤكل به الخبز مما يطيبه ويصلحه فيصير ملائما للنفس، فهو من أسباب الصحة، وأفضله اللحم، ثم اللبن، ثم عسل النحل. وفي التحفة والنهاية. وبحث الأذرعي إنه إذا كان القوت نحو لحم أو لبن اكتفي به في حق من يعتاد اقتياته وحده. اه. ويجب لها أيضا الفاكهة التي تغلب في أوقاتها، كخوخ ومشمش وتين ونحو ذلك، وما جرت بها لعادة، من الكعك والسمك والنقل في العيد والقهوة والدخان إن اعتادت شربهما، وما تطلبه المرأة عند ما يسمى بالوحم مما يسمى بالملوحة إذا اعتيد أيضا، ويجب السراج أيضا في أول الليل لجريان العادة بذلك. والضابط أنه يجب لها كل ما جرت به العادة. وقوله أي مع أدم: أفاد به أن الباء بمعنى مع. وقوله اعتيد: أي جرت به العادة، فالعادة هي المحكمة في ذلك. فإن جرت عادة بلدها بشئ من أنواع الادم اتبعت هذا إن كان في بلدها أدم غالب، فإن لم يكن فيها ما ذكر: كأن يكون فيها أدمان على السواء وجب اللائق بحال الزوج من يسار أو إعسار: ويختلف الادم باختلاف الفصول: فيجب في كل فصل ما يعتاده الناس فيه. قال في التحفة: حتى الفواكه

تنازعا فيه أو في اللحم الآتي قدره قاض باجتهاده مفاوتا في قدر ذلك بين الموسر وغيره، وتقدير الحاوي كالنص بأوقية زيت أو سمن تقريب ويجب أيضا لحم اعتيد قدرا ووقتا بحسب يساره وإعساره وإن لم تأكله أيضا، فإن اعتيد مر في الاسبوع فالاولى كونه يوم الجمعة أو مرتين فالجمعة والثلاثاء والنص أيضا رطل لحم في الاسبوع على المعسر ورطلان على الموسر محمول على قلة اللحم في أيامه بمصر فيزاد بقدر الحاجة بحسب عادة المحل، والاوجه أنه لا أدم يوم اللحم إن كفاها غذاء وعشاء وإلا وجب (و) مع (ملح) وحطب (وماء شرب) ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكفي عن الادم على ما اقتضاه كلامهما. اه. وكتب سم قوله فيكفي عن الادم: المتجه أنه يجب، وأنه المعتبر في قدرها ما هو اللائق بأمثاله، وأنها إن أغنت عن الادم بأن تأتي عادة التأدم بها لم يجب معها أدم آخر، وإلا وجب. اه. (قوله: وان لم تأكله) أي يجب لها ما جرت به العادة من الادم وإن لم تأكله لانه حقها (قوله: كسمن الخ) تمثيل للادم (قوله: وزيت) أي الزيت الطيب ومثله الشيرج، وهو دهن السمسم، وورد فيه كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة وفي رواية فإنه طيب مبارك (قوله: ولو تنازعا فيه) أي في الادم من السمن والزيت والتمر: أي في قدره. وقوله أو في اللحم: أي قدره. وقوله قدره قاض باجتهاده: أي لأنه لا تقدير فيهما من جهة الشرع. وقوله مفاوتا في قدر ذلك: أي الادم. وقوله بين الموسر وغيره هو المتوسط والمعسر: أي فينظر القاضي ما يحتاجه المد من الادم فيفرضه على المعسر ويضاعفه على الموسر ويجعل ما بينهما على المتوسط وينظر في اللحم إلى عادة المحل من اسبوع أو غيره (قوله: وتقدير الحاوي كالنص الخ) في التحفة: وتقدير الشافعي بمكيلة سمن أو زيت حملوه على التقريب وهي أوقية قال جمع: أي حجازية، وهي أربعون درهما، لا بغدادية، وهي نحو اثني عشر، لانها لا تغني عنها شيئا، ونص على الدهن لانه أكمل الادم وأخفه مؤنة. اه (قوله: ويجب أيضا لحم) إفراده عما قبله يفيد أنه ليس من الادم وقد يطلق اسم الادم عليه فيكون من ذكر الخاص بعد العام لفضله. ويدل على كونه أدما حديث سيد أدم أهل الدنيا والآخرة اللحم أفاده البجيرمي. وقوله اعتيد قدرا ووقتا: عبارة المنهج: ويجب لحم يليق به كعادة المحل، قال في شرحه: قدرا ووقتا. اه. ومثله المنهاج، وهي أولى: لأن معنى عبارة المؤلف يجب لحم محتاد من جهة القدر والوقت أو في القدر والوقت، ومفاده أنه لا يجب لحم ليس معتادا كذلك، ولا يخفى ما فيه. فلو صنع كصنيعهما لكان أولى. وقوله قدرا ووقتا: أي ونوعا وكيفية من كونه مطبوخا أو مشويا أو نحو ذلك. وقوله بحسب يساره: أي ويعتبر بحسب ما يليق به يسارا وإعسارا وتوسطا ولا يتقدر بشئ: إذ لا توقيف فيه (قوله: وإن لم تأكله) غاية في وجوب اللحم: أي يجب على العادة وإن لم تأكله زوجته وقوله أيضا: أي كما يجب الادم وإن لم تأكله (قوله: فإن اعتيد مرة في الاسبوع) أي فإن جرت العادة بأكله مرة واحدة في الاسبوع (قوله: فالاولى كونه يوم الجمعة) أي فالأولى أن يكون أكله في يوم الجمعة لانه أحق بالتوسيع (قوله: أو مرتين) معطوف على مرة: أي أو اعتيد كونه، أي أكله، مرتين من الاسبوع. وقوله فالجمعة والثلاثاء: أي فالأولى أن يكون ذلك في يوم الجمعة ويوم الثلاثاء (قوله: والنص) مبتدأ. وقوله رطل لحم بدل منه. وقوله محمول خبره: أي وتقدير اللحم في النص برطل على المعسر ورطلين على الموسر محمول على قلة اللحم في أيام الشافعي بمصر: أي فعادتهم فيها ما ذكر. قال في التحفة: وقول جمع لا يزاد على النص لانه فيه كفاية لمن يقنع ضعيف. اه (قوله: فيزاد) أي على ما في النص. وقوله بحسب عادة المحل: أو محل الزوجة (قوله: والاوجه أنه الخ) في التحفة وبحث الشيخان عدم وجوب الادم يوم اللحم، ولهما احتمال بوجوبه على الموسر إذا أوجبنا عليه اللحم كل يوم ليكون أخذهما غذاء، والآخر عشاء، واعتمد الاذرعي الاول. اه. وفي حاشية الجمل: قال أبو شكيل والذي يظهر توسط بين ذلك وهو أنه يجب لها مع اللحم لصف الادم المعتاد في كل يوم إن كان اللحم لا يكفيها إلا مرة واحدة. وهذا التفصيل كالمتعين: إذ لا يتجه غيره فيقال إن أعطاها من اللحم ما يكفيها للوقتين، فليس لها في ذلك اليوم أدم غيره وإن لم يعطها إلا ما يكفيها لوقت واحد وجب، أي نصفه، قاله في التنبيه شوبري. اه. وقوله إن كفاها إلخ: قيد في انتفاء وجوب الادم يوم اللحم. وقوله وإلا: أي وإن لم يكفها غذاء وعشاء. وقوله وجب: أي الادم والمراد تمام كفايتها منه، وبه وافقت عبارة

لتوقف الحياة عليه (و) مع (مؤنة) كأجرة طحن وعجن وخبز وطبخ ما لم تكن من قوم اعتادوا ذلك بأنفسهم، كما جزم به ابن الرفعة والاذرعي، وجزم غيرهما بأنه لا فرق (و) مع (آلة) لطبخ وأكل وشرب كقصعة وكوز وجرة وقدر ومغرفة وإبريق من خشب أو خزف أو حجر، ولا يجب من نحاس وصيني وإن كانت شريفة (و) يجب لها على الزوج ولو معسرا أول كل ستة أشهر كسوة تكفيها طولا وضخامة. فالواجب (قميص) ما لم تكن ممن اعتدن ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف التفصيل الذي ذكره أبو شكيل (قوله: ومع ملح الخ) معطوف على بأدم، وصرح في المعطوف بمعنى الباء، وهو المعية ولو صرح بها لكان أولى: لانه على حاله يلزم أن مع معطوفة على الباء ومدخول مع معطوف على مدخول الباء، ولا يصح عطف الاسم على الحرف. وهكذا يقال في جميع ما يأتي: أي ويجب ما ذكر مع أدم ومع ملح. وقوله وحطب: أي ومع حطب، أي ونحوه من كل ما يوقد به (قوله: وماء شرب) في شرح م ر: ويجب لها أيضا ماء تشربه، كما أفهمه قوله آلات أكل وشرب، لانه إذا وجب الظرف وجب المظروف، وأما قدره فقال الزركشي والدميري: الظاهر أنه الكفاية قالا ويكون إمتاعا لا تمليكا حتى لو مضت عليه مدة ولم تشربه لم تملكه، وإذا شرب غالب أهل البلد ماء ملحا وخواصها عذبا وجب ما يليق بالزوج. اه. لكن مقتضى كلام الشيخين وغيرهما أنه تمليك، وهو المعتمد، اه (قوله: لتوقف الحياة) علة لوجوب ماء الشرب. وقوله عليه: أي ماء الشرب (قوله: ومع مؤنة) أي تتعلق بالقوت وبالادم (قوله: كأجرة طحن الخ) تمثيل للمؤنة المتعلقة بما ذكر، ومحل وجوب ما ذكر ما لم يتول ذلك بنفسه، وإلا فلا أجرة ولو باعته أو أكلته حبا استحقتها. ويوجه بأنه بطلوع الفجر تلزمه تلك المؤن فلم تسقط بما فعلته. وقوله وعجن الخ: أي وأجرة عجن وأجرة خبز وأجرة طبخ. وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس هل يجب على الرجل إعلام زوجته بأنها لا تجب عليها خدمته بما جرت به العادة من الطبخ والكنس ونحوهما مما جرت به عادتهم أم لا؟ وأجبنا عنه بأن الظاهر الاول لانها إذا لم تعلم بعدم وجوب ذلك ظنت أنه واجب وأنها لا تستحق نفقة ولا كسوة إن لم تفعله فصارت كأنها مكرهة على الفعل، ومع ذلك لو فعلته ولم يعلمها فيحتمل أنه لا يجب لها أجرة على الفعل لتقصيرها بعدم البحث والسؤال عن ذلك. اه (قوله: ما لم تكن من قوم إلخ) قيد في وجوب أجرة المذكورات عليه (قوله: وجزم غيرهما) أي غير ابن الرفعة والاذرعي وقوله بأنه لا فرق: أي في وجوب المؤن بين أن تكون من قوم اعتادوا ذلك بأنفسهم أم لا (قوله: ومع آلة) أي ويجب ما ذكر مع آلة: أي تليق به ولا يعتبر حالها (قوله: كقصعة) بفتح القاف، وفي المثل: لا تفتح الخزانة ولا تكسر القصعة. وقوله وكوز: آلة للشرب، ومثله الجرة. وقوله وقدر ومغرقة: مثالان لالة الطبخ وهي بكسر الميم ما يغرف به. وقوله وإبريق: هذا مثال لآلة الوضوء فكان حقه أن يزيد بعد قوله وشرب ووضوء (قوله: من خشب الخ) راجع للقصعة وما بعدها. وقوله ولا يجب: أي ما ذكر من القصعة وما بعدها من نحاس. نعم: إن اطرد عادة أمثالها بكونه نحاس وجب، إذ المعول عليه فيما يجب لها عليه عادة أمثالها: م ر (قوله: ويجب لها) أي للزوجة - ولو رجعية - ومثلها الحامل البائن كما مر (قوله: ولو معسرا) هو من لا مال له أو له مال لا يكفيه لو وزع على العمر الغالب كما تقدم (قوله: أول كل ستة أشهر) أي من وقت التمكين واستشكل تعبيره بستة أشهر وإن تبع فيه شيخ الاسلام بما إذا وقع التمكين في نصف فصل الشتاء مثلا فإنه يلزم عليه أنه لا تتم الستة أشهر إلا في نصف فصل الصيف وعكسه. ومن المعلوم أن ما يلزم من الكسوة في الشتاء غير ما يلزم منها في الصيف، فيلزم على تغليب نصف الشتاء أنه يلزم في نصف الصيف ما ليس لازما فيه ويسقط ما كان لازما فيه، وعلى تغليب نصف الصيف أنه يسقط في نصف الشتاء ما كان لازما فيه، ويلزم فيه ما ليس لازما، وكل باطل. ولذلك عبر في المنهاج بقوله أول شتاء وأول صيف. والمراد بالشتاء ما يشمل الربيع، وبالصيف ما يشمل الخريف. فالسنة عند الفقهاء فصلان، وإن كانت في الاصل أربعة، وهي الشتاء والربيع والصيف والخريف. قال في التحفة: هذا إن وافق أول وجوبها أول فصل الشتاء وإلا أعطيت وقت وجوبها ثم جددت بعد كل ستة أشهر. وقوله أعطيت الخ. أي بالقسط. قال ع ش: بأن يعتبر قيمة ما يدفع إليها عن جميع الفصل فيسقط عليه ثم ينظر لما مضى قبل التمكين، ويجب فيه ما بقي من القيمة فيشتري لها من جنس الكسوة ما يساويه والخيرة لها في تعيينه. اه. وفي سم ما نصه: قال الدميري: والظاهر أن هذا

الازار والرداء فيجبان دونه على الاوجه (وإزار) وسراويل (وخمار) أي مقنعة ولو لامة (ومكعب) أي ما يلبس في رجلها ويعتبر في نوعه عرف بلدها. نعم قال الماوردي إن كانت ممن يعتدن أن لا يلبسن في أرجلهن شيئا في البيوت لا يجب لارجلها شئ ويجب ذلك لها (مع لحاف للشتاء) يعني وقت البرد ولو في غير الشتاء ويزيد في الشتاء جبة محشوة. أما في غير وقت البرد ولو في وقت الشتاء في البلاد الحارة فيجب لها رداء أو نحوه إن كانوا ممن يعتادون فيه غطاء غير لباسهم أو ينامون عرايا كما هو السنة، فإن لم يعتادوا لنومهم غطاء لم يجب ذلك ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ التقدير في غالب البلاد التي تبقي فيها الكسوة هذه المدة، فلو كانوا في بلاد لا تبقى فيها تلك المدة لفرط الحرارة أو لرداءة ثيابها اتبعت عادتهم، وكذلك لو كانوا يعتادون ما يبقى سنة كالاكسية الوثيقة والجلود كأهل السراة بالسين المهملة فالاشبه اعتبار عادتهم. اه (قوله: كسوة) بكسر الكاف وضمها، وإنما وجبت لما روى الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث: وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن وقوله تكفيها طولا وضخامة: أي المعتبر كفايتها، وهي تختلف بطولها وقصرها وسمنها وهزالها فلا يكفي ما ينطلق عليه اسم الكسوة إذا لم يكفها. ولو اعتاد أهل البلد تقصيرها كثياب الرجال لم يعتبر ذلك، وإنما لم تقدر الكسوة كالنفقة لمشاهدة كفاية البدن المانعة من وقوع تنازع فيها، ويختلف أيضا عددها باختلاف البلاد حرا أو بردا وجودتها وضدها بيساره وضده، فيفاوت بين الموسر وغيرها في الجودة والرداءة لا في عدد الكسوة لانه لا يختلف بذلك (قوله: فالواجب قميص) قال في المغني: هو ثوب مخيط يستر جميع البدن وفي ذلك إشعار بوجوب الخياطة على الزوج وبه صرح في الروضة كأصلها (قوله: ما لم تكن إلخ) قيد في وجوب القميص (قوله: فيجبان) مفرع على مفهوم القيد: أي فإن كانت ممن اعتدن الازار والرداء فانهما يجبان دون القميص (قوله: وإزار) معطوف على قميص: أي والواجب أيضا إزار (قوله: وسراويل) الواو بمعنى أو، وهو ثوب مخيط يستر أسفل البدن ويصون العورة، وهو معرب مؤنث عند الجمهور، وقيل مذكر. اه. مغني (قوله: وخمار) معطوف على قميص أيضا (قوله: أي مقنعة) تفسير للخمار، وهي بكسر الميم شئ من القماش يوضع على الرأس (قوله: ولو لامة) أي فإنه يجب لها (قوله: ومكعب) بكسر الميم وسكون الكاف وتخفيف العين أو بضم الميم وفتح الكاف وتشديد العين. وقوله أي ما يلبس في رجلها. تفسير مراد له، وذلك كالمداس والبابوج والصرمة، وكالقبقاب إن جرت العادة به (قوله: ويعتبر في نوعه) أي المكعب. وقوله عرف بلدها: أي لا بلده (قوله: نعم إلخ) استدراك من وجوب المكعب لها (قوله: ويجب ذلك) أي ما ذكر من القميص وما بعده. وقوله لها: أي للزوجة ونحوها مما مر. وقوله مع لحاف لشتاء: أي مع زيادة لحاف في الشتاء (قوله: يعني وقت البرد) أي أن المراد بالشتاء الذي يزاد فيه اللحاف وقت البرد ولو في غير وقت الشتاء (قوله: ويزيد في الشتاء الخ) لا يحسن ارتباطه بما قبله، ولو قال ومع جبة الخ عطفا على مع لحاف لكاف أولى أخصر. وقوله محشوة: أي بالقطن أو نحوه كصوف. وفي المغنى: فان اشتد البرد فجبتان أو فروتان فأكثر بقدر الحاجة، وإذا لم تستغن في البلاد الباردة بالثياب عن الوقود وجب لها من الحطب والفحم بقدر العادة. اه (قوله: أما في غير وقت البرد الخ) مقابل قوله مع لحاف لشتاء الخ (قوله: فيجب لها الخ) الأنسب بالمقابلة أن يقول فلا تجب زيادة جبة محشوة. وقوله أو نحوه: أي الرداء كالملحفة أي الملاءة التي يتلحف بها وهي غير لحاف الشتاء، كما يدل عليه عبارة المغني ونصها: وتجب لها ملحفة بدل اللحاف أو الكساء في الصيف. اه (قوله: أن كانوا إلخ) قيد في وجوب الرداء ونحوه، والضمير يعود على قوم هذه الزوجة. ولو قال إن كانت من قوم الخ لكان أولى. وقوله يعتادون فيه: أي في غير وقت البرد. وقوله غطاء غير لباسهم: أي غطاء زائدا على لباسهم: أي ما يلبسونه من القميص ونحوه كالازار والرداء (قوله: أو ينامون عرايا) معطوف على يعتادون: أي أو كانوا ممن ينامون عرايا - أي يعتادون النوم عرايا - أي مجردين من لباسهم. والمراد يعتادون ذلك من استعمال غطاء آخر بدله، وليس المراد أنهم يعتادون ذلك من غير غطاء لانه حينئذ تنكشف عورتهم وهو حرام، كما هو مقرر معلوم، (قوله: كما هو السنة) الضمير يعود على العري عند النوم: أي أن العري عند النوم هو السنة، والمراد بالعري فيه أيضا التجرد من ثيابهم التي يلبسونها مع استعمال غطاء بدلها لا التجرد مطلقا من غير أخذ

اعتادوا ثوبا للنوم وجب، كما جزم به بعضهم، ويختلف جودة الكسوة وضدها بيساره وضده ويجب عليه توابع ذلك من نحو تكة سراويل وزر نحو قميص وخيط وأجرة خياط وعليه فراش لنومها ومخدة ولو اعتادوا على السرير وجب. ـــــــــــــــــــــــــــــ غطاء لان هذا مخالف للسنة لا من السنة. إذ يترتب عليه كشف العورة المحرم، وممن صرح بأن العري عند النوم هو السنة العلامة الرملي في شرح المنهاج في باب شروط الصلاة وعبارته هناك: ولو نام في ثوب فكثر فيه دم البراغيث التحق بما يقتله منها عمدا لمخالفته السنة من العري عند النوم، ثم رأيت صورة سؤال رفع للعلامة السيد محمد بن عبد الرحمن الاهدل رحمه الله تعالى في المراد من العري في نظير العبارة المذكورة، فأجاب رحمه الله تعالى بما يؤيد ما قررته فيه ولفظها. سئل: ما المراد بالتعري في قول الايعاب ولو نام في ثيابه فكثر فيها دم البراغيث التحق بما يقتله منها عمدا لمخالفته السنة من التعري عند النوم اه. فأجاب: المراد بالتعري التجرد عن اللباس الذي كان على بدنه ثم يأخذ غطاء غير لباسه أو يتجرد عما سوى الازار كما يدل على ذلك الاحاديث الواردة في ذلك، وليس المراد بالتعري التعري عن جميع الثياب على البدن، فإن ذلك يؤدي إلى كشف العورة لغير ضرورة، وذلك حرام، بل معدود من جملة الكبائر، كما في الزواجر. اه. ملخصا. وقوله أو يتجرد عما سوى الازار: هذا احتمال ثان في المراد من التعري، والاول الذي اقتصرت عليه أولى، وذلك لأن الحكمة في سنية التعري خوف إصابة النجاسة لملبوسه عند النوم، وهو لا يشعر به وهي غير مغتفرة. لان النوم فيه ينزل منزلة العمد في إصابة النجاسة، كما تفيده العبارة المارة، وإذا كان لابسا لازاره انتفت الحكمة المذكورة. فتنبه (قوله: فإن لم يعتادوا لنومهم غطاء) أي غير لباسهم، بل إنما يعتادون النوم فيه. وهذا مقابل قوله إن كانوا ممن يعتادون فيه غطاء غير لباسهم، وإنما اقتصر عليه ولم يأت بمقابل قوله أو ينامون عرايا وهو أو لم يناموا عرايا لان ذلك يعني عنه، وذلك لأنه يلزم من كونهم لم يعتادوا عند النوم غطاء غير لباسهم، بل إنما يعتادون النوم فيه أنهم لم يناموا عرايا (قوله: لم يجب ذلك) أي الرداء ونحوه بل الواجب عليه لباسهم فقط، وعبارة المغني: قال الروياني وغيره لو كانوا لا يعتادون في الصيف لنومهم غطاء غير لباسهم لم يجب غيره. اه (قوله: ولو اعتادوا ثوبا للنوم وجب) إن كان المراد اعتادوا ثوبا للنوم غير لباسهم كان عين قوله فيجب لها رداء أو نحوه بالنسبة للحالة الأولى: أعني قوله إن كانوا ممن يعتادون فيه غطاء وإن كان المراد أنهم يعتادون ثوبا مع التجرد من لباسهم أغنى عنه ذلك بالنسبة للحالة الثانية. أعني قوله أو ينامون عرايا. وعبارة التحفة: ويختلف عددها، أي الكسوة باختلاف محل الزوجة بردا وحرا، ومن ثم لو اعتادوا ثوبا للنوم وجب كما جزم به بعضهم وجودتها وضدها بيساره وضده اه. ولو صنع المؤلف كصنيع شيخه لكان أولى (قوله: ويختلف جودة الكسوة الخ) عبارة المنهاج مع المغني: وجنسها أي الكسوة قطن: أي ثوب يتخذ منه لانه لباس أهل الدين وما زاد عليه ترفه ورعونة، ويختلف ذلك بحال الزوج من يسار وإعسار وتوسط، فيجب لامرأة الاول من لينه والثاني من غليظه والثالث مما بينهما هذا إن اعتدنه، فإن جرت عادة البلد لمثله بكتان أو حرير وجب في الأصح مع وجوب التفاوت في مراتب ذلك الجنس بين الموسر وغيره عملا بالعادة، والثاني لا يلزمه ذلك، بل يقتصر على القطن لما مر وتعتبر العادة في الصفاقة ونحوها. نعم: لو جرت العادة بلبس الثياب الرفيعة التي لا تستر ولا تصح فيها الصلاة فإنه لا يعطيها منها اه. (قوله: وضدها) أي الجودة وهي الرداءة. وقوله بيساره: أي الزوج، وهو متعلق بيختلف. وقوله وضده: أي اليسار، وهو الاعسار، وعبارته: لا تشمل حالة التوسط بين الجودة والرداءة وبين اليسار والاعسار ويمكن أن يقال إن المراد بالضد مطلق الخلاف، فالمراد بضد الجودة خلافها وهو صادق بحالة التوسط وبحالة الرداءة، والمراد بضد اليسار خلافه وهو صادق بالاعسار وبحالة التوسط (قوله: ويجب عليه) أي الزوج (قوله: توابع ذلك) أي الكسوة (قوله: من نحو الخ) بيان للتوابع. وقوله تكة: وهو مضاف إلى ما بعده وهي ما يتمسك بها السراويل. وقوه وزر: معطوف على نحو من عطف

فرع: يجب تجديد الكسوة التي لا تدوم سنة بأن تعطاها كل ستة أشهر من كل سنة، ولو تلفت أثناء الفصل ولو بلا تقصير لم يجب تجديدها، ويجب كونها جديدة (و) لها عليه (آلة تنظف) لبدنها وثوبها وإن غاب عنها، لاحتياجها إليه كالادم، فمنها سدر ونحوه (كمشط) وسواك وخلال (و) عليه (دهن) لرأسها وكذا لبدنها إن اعتيد من شيرج أو سمن فيجب الدهن كل أسبوع مرة فأكثر بحسب العادة، وكذا دهن لسراجها وليس لحامل بائن ومن ـــــــــــــــــــــــــــــ الخاص على العام، وهو بكسر الزاي واحد أزرار القميص - كما في المختار - وقال في المصباح: زر الرجل القميص زرا من باب قتل أدخل الازرار في العرى. اه. وقوله وخيط وأجرة خياط: معطوفان أيضا على نحو تكة (قوله: وعليه) أي ويجب على الزوج مطلقا موسرا كان أو متوسطا أو معسرا، لكن يفاوت بينهم في الكيفية. وقوله فراش: أي كطراحة ومضربة وثيرة: أي لينة وقطيفة، أي دثار مخمل، أي له خمل، ويجب لها أيضا ما تقعد عليه من بساط ثخين له وبرة كبيرة وهو المسمى بالسجادة في الشتاء، ونطع بكسر النون وفتحها مع إسكان الطاء وفتحها وهو الجلد كالفروة في الصيف بالنسبة للموسر، ونحو لباد في الشتاء وحصير في الصيف بالنسبة للمعسر. وتقدم قريبا وجوب ما تتغطى به كاللحاف في الشتاء والرداء في الصيف. واعلم، أنه لا يجب تجديد ما ذكر من الفراش وما بعده في كل فصل كالكسوة، بل يجب تصليحه كلما احتاج لذلك بحسب ما جرت به العادة، وهو المسمى عند الناس بالتنجيد (قوله: ومخدة) بكسر الميم وهي ما يوضع الرأس عليها، وسميت بذلك لوضع الخد عليها (قوله: ولو اعتادوا على السرير) أي اعتادوا النوم عليه. وقوله وجب: أي السرير، ولو اعتادوا النوم على فراش الجلوس لم يجب غيره (قوله: يجب تجديد الكسوة إلخ) أعاده مع أن قوله فيما تقدم ويجب لها أول كل ستة الخ: يفيد مفاده لاجل التقييد بقوله التي لا تدوم سنة ولاجل بيان حكم ما إذا تلفت في أثناء الفصل (قوله: التي لا تدوم سنة) فإن كانت تدوم سنة كالاكسية الوثيقة فلا يجب تجديدها في كل فصل، كما تقدم، (قوله: بأن تعطاها الخ) تصوير لتجديدها (قوله: ولو تلفت) أي الكسوة، وفي البجيرمي: قال المنوفي وكذا لو أتلفتها أو تمزقت قبل أو ان التمزق لكثرة نومها فيها وتحاملها عليها لم يلزمه الابدال أيضا. اه (قوله: ولو بلا تقصير) غاية في التلف (قوله: ولم يجب تجديدها) أي الكسوة لانه وفاها عليه كالنفقة إذا تلفت في يدها فلا يجب عليه اعطاؤها بدلها (قوله: ولها عليه إلخ) أي ويجب للزوجة ولو أمة على الزوج. وقوله آلة تنظف: أي ما له دخل في التنظيف: أي إزالة الوسخ والرائحة الكريهة فيشمل نحو الاجانة مما يغسل فيه، وشمل نحو مرتك - بفتح الميم وكسرها - إذا تعين لدفع صنان، أما إذا لم يتعين كأن كان يندفع بماء وتراب فلا يجب (قوله: وإن غاب عنها) أي يجب عليه آلة التنظيف وإن غاب الزوج عنها ولو كانت الغيبة طويلة، وظاهر هذا عدم الاكتفاء بما يزيل شعثها فقط، وحينئذ فيتدافع مع قوله الآتي وليس لحامل بائن ومن زوجها غائب إلا ما يزيل الشعث الخ، إلا أن يقال أن المراد بآلة التنظيف ما له دخل في التنظيف ولو من بعض الوجوه وهو ما يزيل الشعث فقط فلا تدافع، والغاية المذكورة ساقطة من عبارة التحفة وهو أولى (قوله: لاحتياجها إليه) أي إلى التنظيف وهو علة لوجوب آلة التنظيف. وقوله كالادم: أي نظير الادم في وجوبه لها (قوله: فمنها) أي من آلة التنظيف. وقوله سدر: هو شجر النبق. وقوله ونحوه: أي كصابون وأشنان وغاسول (قوله: كمشط) بضم الميم وسكون الشين أو ضمها وبكسر الميم مع سكون الشين ما تمشط به المرأة شعرها، وهو تمثيل لنحو السدر بالنسبة للشرح، وتمثيل لآلة التنظيف بالنسبة للمتن (قوله: وسواك) قال سم: هو ظاهر إن احتيج إليه لتنظيف الفم لتغير لونه أو ريحه، أما لو لم يحتج إليه لذلك بأن لم يكن فيه تغير مطلقا وإنما احتاجت لمجرد التعبد به وإقامة سنية الاستياك ففي الوجوب نظر. اه (قوله: وخلال) هو بكسر الخاء ما تخلل به أسنانها، ومثله المدري وهو ما تفرق به شعر رأسها (قوله: وعليه دهن إلخ) أي ويجب عليه دهن لرأسها الخ: أي أما دهن الاكل فتقدم في الادم (قوله: وكذا الخ) أي وكذلك يجب الدهن لجميع بدنها. وقوله إن اعتيد: راجع لما بعد كذا: أي أنه يجب الدهن لجميع بدنها إن جرت العادة به، وإلا فلا يجب (قوله: من شيرج) بيان للدهن وهو بفتح الشين: دهن السمسم، ويتبع في نوع الدهن عادة بلدها، فإن دهن أهله بزيت كالشام أو شيرج كالعراق

زوجها غائب إلا ما يزيل الشعث والوسخ على المذهب ويجب عليه الماء للغسل الواجب بسببه كغسل جماع ونفاس لا حيض واحتلام وغسل نجس ولا ماء وضوء إلا إذا نقضه بلمسه (لا) عليه (طيب) إلا لقطع ريح كريه ولا كحل (ودواء) لمرضها وأجرة طبيب، ولها طعام أيام المرض وأدمها وكسوتها وآلة تنظفها وتصرفه للدواء وغيره. ـــــــــــــــــــــــــــــ أو سمن كالحجاز وجب كذلك، وكذلك يتبع في قدره العادة. ولو اعتيد أن يكون مطيبا ببنفسج أو ورد وجب أيضا (قوله: فيجب الدهن إلخ) مفرع على محذوف كان الأولى التصريح به وهو: ويعتبر في تعيين زمنه العادة. (والحاصل) يعتبر في تعيين نوعه وقدره وزمنه عادة محلها (قوله: وكذا دهن لسراجها) أي وكذلك يجب لها دهن لسراجها بحسب العادة، وعبارة المغني: سكتوا عن دهن السراج، والظاهر، كما قاله بعض المتأخرين، وجوبه ويتبع فيه العرف حتى لا يجب على أهل البوادي شئ. اه. وعبارة البجيرمي: ويجب لها زيت السراج بأول الليل وقضية تقييدهم بأول الليل عدم وجوبه كل الليل إذا جرت العادة بإسراج كل الليل، ويمكن توجيهه بأنه خلاف السنة: إذ يسن إطفاؤه عند النوم والاقرب وجوبه عملا بالعادة وإن كان مكروها كوجوب الحمام لمن اعتاده. اه. بحذف (قوله: وليس لحامل الخ) مثلها الرجعية كما يعلم من عبارة النهاية ونصها: والاوجه عدم وجوب آلة التنظيف لبائن حامل وإن أوجبنا نفقتها كالرجعية. نعم: يجب لها ما يزيل شعثها فقط إلخ. اه. وقوله والوسخ: معطوف على الشعث، من العطف بالمرادف (قوله: ويجب عليه) أي الزوج. وقوله الماء: أي أو ثمنه. وقوله بسببه. متعلق بالواجب: أي الواجب بسبب الزوج: أي أنه هو السبب في وجوبه عليه كأن لاعبها فأنزلت أو جامعها (قوله: كغسل جماع) تمثيل للغسل الواجب بسببه، والاولى حذف المضاف وجعله تمثيلا للسبب. وقوله ونفاس: يعني ولادة ولو بلا بلل لان الحاجة إليه من قبله، وبه يعلم أنه لا يلزمه إلا ماء الفرض لا السنة. اه. تحفة. وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس عما لو انقطع دم النفاس قبل مجاوزة غالبه أو أكثره فأخذت منه أجرة الحمام واغتسلت ثم عاد عليها الدم بعد ذلك فهل يجب عليه إبدال الاجرة لتبين أنه من بقايا الاول وعذرها في ذلك أم لا؟ فيه نظر، والجواب عنه أن الظاهر أن يقال لا يجب إبدالها قياسا على ما لو دفع لها ما تحتاج إليه من الكسوة ونحوها وتلف قبل مضي زمن يجدد فيه عادة حيث لا يبدل. اه (قوله: لا حيض) بالجر عطف على جماع: أي لا يجب عليه الماء للغسل من الحيض وإن وطئ فيه أو بعد انقطاعه فيما يظهر لأنه ليس بسببه. وقوله واحتلام. وألحق به استدخالها لذكره وهو نائم أو مغمى عليه لانتفاء صنعه كغسل زناها ولو مكرهة وولادتها من وطئ شبهة فماء هذه عليها دون الواطئ، وبه يعلم أن العلة مركبة من كونه زوجا وبفعله. اه. شرح م ر (قوله: وغسل نجس) انظر هو معطوف على ما إذا، فإن جعل معطوفا على حيض أفاد أنه لا يجب عليه الماء لغسل ما تنجس من بدنها أو ثوبها وليس كذلك بل يجب عليه ذلك وإن لم يكن بتسببه كماء نظافتها بل أولى وأن عطف على غسل جماع صار تمثيلا للغسل الواجب بسببه، وأفاد حينئذ أنه لا يجب عليه الماء لغسل النجاسة إلا إذا كانت بسببه مع أنه ليس كذلك لأنه يجب عليه الماء لها مطلقا وإن عطف على قوفه للغسل الواجب صح ذلك، وأفاد وجوبه عليه مطلقا إلا أنه بعيد من صنيعه لما يلزم عليه من تفريق المعطوفات، فكان الأولى أن يسلك مسلك شيخه في التعبير - وعبارته. ويلزم أيضا ماء وضوء وجب لتسببه فيه وحده - بخلاف ما وجب لغير ذلك - كأن تلامسا معا فيما يظهر وماء غسل ما تنجس من بدنها وثيابها وإن لم يكن بتسببه كما اقتضاه إطلاقهم كماء نظافتها بل أولى. اه. وقوله ولا ماء وضوء: الاولى حذف المضاف ويكون معطوفا على حيض لانه مع وجوده عطفه يصير التقدير، ولا يجب عليه الماء لماء وضوء، وفي ذلك ركاكة لا تخفى. والحاصل: كأن حق التعبير ما بينته لك. وقوله إلا إذا نقضه: أي الوضوء. وقوله بلمسه: يتعين أن تكون الإضافة من إضافة المصدر لفاعله والمفعول محذوف: أي للمس الزوج إياها (قوله: لا عليه طيب) معطوف على قوله ولها عليه آلة تنظف: أي لا يجب عليه لها طيب: أي لانه لزيادة التلذذ فهو حقه فإن أراده هيأه ولزمها استعماله. وقوله إلا لقطع ريح كريه: أي كأثر الحيض فيجب عليه لها من الطيب ما تقطعه به (قوله: ولا كحل) أي ولا يجب كحل، ومثله الخضاب لما

تنبيه: يجب لها في جميع ما ذكر من الطعام والادم وآلة ذلك والكسوة والفرش وآلة التنظيف أن يكون تمليكا بالدفع دون إيجاب وقبول وتملكه هي بالقبض فلا يجوز أخذه منها إلا برضاها أما المسكن فيكون إمتاعا حتى يسقط بمضي الزمان لانه لمجرد الانتفاع كالخادم وما جعل تمليكا يصير دينا بمضي الزمان ويعتاض عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم آنفا. قال في التحفة: ونق الماوردي أنه - صلى الله عليه وسلم - لعن المرأة السلتاء: أي التي لا تخضب، والمرهاء: أي التي لا تكتحل: من المره - بفتحتين - أي البياض، ثم حمله على من فعلت ذلك حتى يكرهها ويفارقها. وفي رواية ذكرها غيره إني لابغض المرأة السلتاء والمرهاء والكلام في المزوجة لكراهة الخضاب أو حرمته لغيرها. اه. (قوله: ودواء) عطف على طيب: أي لا يجب عليه دواء لمرضها ومنه ما يحتاج إليه المرأة بعد الولادة لما يزيل ما يصيبها من الوجع الحاصل في بطنها ونحوه فلا يجب عليه. أفاده ع ش. وقوله وأجرة طبيب معطوف على طيب أيضا: أي ولا يجب عليه أجرة طبيب: أي وحاجم وفاصد وخاتن، وإنما لم تجب عليه كالدواء لانها لحفظ الاصل وهو لا يجب عليه كما لا يجب عمارة الدار المستأجرة، وأما آلة التنظيف فإنها نظير غسل الدار وكنسها. أفاده البجيرمي (قوله: ولها) أي للزوجة، ولو رجعية ومثلها البائن الحامل. وقوله طعام أيام المرض إلخ: إنما وجب لها ذلك لانها محبوسة له (قوله: وتصرفه الخ) أي ولها أن تصرفه لانه حقها (قوله: تنبيه الخ) الأولى تأخيره عن قوله ولها عليه مسكن لانه متعلق به أيضا كما نبه عليه بقوله أما المسكن الخ (قوله: يجب الخ) أي يتعين. وقوله في جميع ما ذكر متعلق بيجب. وقوله من الطعام إلخ: بيان لما. وقوله وآلة ذلك: أي الطعام والادم. وقوله والكسوة والفرش: أي ومن الكسوة والفرش. وقوله وآلة التنظيف: أي ومن آلة التنظيف (قوله: أن يكون تمليكا) المصدر المؤول فاعل يجب: أي يجب بمعنى يتعين كونه تمليكا لها لا إمتاعا، وقيل هو إمتاع. وينبني على هذا الخلاف أنه على الأول يشترط أن يكون ملكا للزوج وأن الحرة وسيد الامة كل منهما يتصرف فيه بما شاء من بيع وغيره إلا أن تضيق على نفسها أو يضيق سيد الامة عليها في طعام أو غيره بما يضرها فله منعهما من ذلك لحق التمتع، وينبني عليه أيضا أنه لا يسقط بمستأجر ولا مستعار. قال في الروض وشرحه، فلو لبست المستعار وتلف فضمانه يلزم الزوج لانه المستعير وهي نائبة عنه في الاستعمال، والظاهر أن له عليها في المستأجر أجرة المثل لأنه إنما أعطاها ذلك عن كسوتها. اه. وقوله بالدفع: أي للحرة أو لسيد الامة، وقيد في شرح الروض الدفع المذكور بشرط قصد أداء ما لزمه كسائر الديون، ومثله في النهاية وعليه لو وضعها بين يديها من غير قصد شئ لا يعتد به. وفي سم خلافه ونصه: قوله وتملكه بمجرد الدفع ولا يتقيد بشرط قصد الدفع عما لزمه، بل يكفي عن القصد المذكور الوضع بين يديها مع التمكن من الاخذ. اه (قوله: دون إيجاب وقبول) أي دون اشتراط إيجاب وقبول (قوله: وتملكه هي) أي الزوجة وما ألحق بها (قوله: فلا يجوز آخذه) أي ما ذكر من الطعام وما بعده، وهذا تفريع على كونها تملكه بالقبض (قوله: أما المسكن) مقابل قوله ويجب في جميع ما ذكر من الطعام الخ (قوله: فيكون إمتاعا) أي حكمه أن يكون إمتاعا: أي انتفاعا لا تمليكا لانها تستمتع به (قوله: حتى يسقط) أي فيسقط: فحتى تفريعية، والفعل بعدها مرفوع (قوله: لانه لمجرد الانتفاع) علة لكونه إمتاعا، وفيه تعليل الشئ بنفسه: إذ الامتاع هو الانتفاع، كما فسره به البجيرمي. فإن قلت: هو علة لقوله فيسقط بمضي الزمان. قلت: هو مفرع على كونه امتاعا - كما علمت - والقاعدة أن المفرع عليه علة في المفرع فيصير مكررا معه لان التقدير عليه فيسقط بمضي الزمان لانه إمتاع لانه لمجرد الانتفاع. فلو قال بدل هذه العلة، كما في شرح المنهج، لأنه لا يشترط أن يكون ملكه لكان أولى (قوله: كالخادم) الكاف للتنظير: أي أن المسكن مثل الخادم في كونه إمتاعا، وهذا بخلاف نفقته فهي كنفقتها وهي تمليك لا إمتاع وعبارة المنهج: والمسكن والخادم إمتاع لا تمليلك. قال في شرحه: لما مر أنه لا يشترط كونهما ملكه. اه (قوله: وما جعل تمليكا إلخ) بيان لما يترتب على التمليك غير ما قدمته. وقوله يصير دينا بمضي الزمان: أي إذا مضت مدة وهو لم يكسها أو ينفق عليها، فالنفقة أو الكسوة لجميع ما مضى من تلك المدة دين لها عليه لانها استحقت ذلك في ذمته وفي التحفة ما نصه.

ولا يسقط بموت أثناء الفصل، (و) لها (عليه مسكن) تأمن فيه لو خرج عنها على نفسها ومالها - وإن قل - للحاجة بل للضرورة إليه (يليق بها) عادة وإن كانت ممن لا يعتادون السكنى (ولو معارا) ومكترى. ولو سكن معها في منزلها بإذنها أو لامتناعها من النقلة معه أو في منزل منحو أبيها بإذنها لم يلزمه أجرة لان الاذن العرى عن ذكر ـــــــــــــــــــــــــــــ فرع: ادعت نفقة أو كسوة ماضية كفى في الجواب لا تستحق علي شيئا وكذا نفقة اليوم إلا أن عرف التمكين على ما بحثه بعضهم وفيه نظر، بل الاوجه أنه يكفي وإن عرف ذلك لان نشوز لحظة يسقط نفقة جميعه وتصدق بيمينها في عدم النشوز وعدم قبض النفقة. اه (قوله: ويعتاض عنه) أي عما جعل تمليكا: أي أنه يجوز أن يستبدل الطعام الواجب لها بغيره، وكذا الكسوة (قوله: ولا يسقط) أي ما جعل تمليكا. وقوله بموت: أي حصل لها أو له. وقوله أثناء الفصل: أي أو اليوم، ومثل الاثناء - على المعتمد - ما لو حصل الموت أول الفصل فتجب كلها لها، ولا يقال كيف تجب كلها بمضي لحظة من الفصل؟ لانا نقول ذلك جعل وقتا للايجاب فلم يفترق الحال بين قليل الزمان وكثيره ومن ثم ملكتها بالقبض وجاز لها التصرف فيها، بل لو أعطاها نفقة وكسوة مستقبلة جاز وملكت بالقبض وجاز لها التصرف فيها كتعجيل الزكاة ويسترد إن حصل مانع اه. تحفة بتصرف (قوله: ولها عليه مسكن) أي ويجب للزوجة على زوجها مسكن: أي تهيئته لان المطلقة يجب لها ذلك لقوله تعالى: * (أسكنوهن) * لزوجة أولى (قوله: تأمن فيه) شرط في المسكن: أي يشترط فيه، أي الاكتفاء به، أن تأمن الزوجة فيه. وقوله لو خرج عنها: أي تأمن إذا خرج عنها وتركها فيه (قوله: على نفسها) متعلق بتأمن قال ع ش: يؤخذ منه أنه لا يجب عليه أن يأتي لها بمؤنسة حيث أمنت على نفسها، فلو لم تأمن أبدل لها المسكن بما تأمن على نفسها فيه. فتنبه له فإنه يقع فيه الغلط كثيرا اه. وقوله ومالها: أي أو اختصاصها. وقوله وإن قل: أي المال، فهو غاية لاشتراط الامان فيه (قوله: للحاجة إلخ) تعليل لوجوب المسكن عليه وقوله بل للضرورة إليه: أي المسكن، والإضراب انتقالي. (قوله: يليق بها عادة) شرط آخر للمسكن، وكان على الشارح أن يقدر قبله ما يناسبه كأن يقول: ولا بد أن يليق بها أو نحوه. والمعنى: أنه يشترط في المسكن أن يكون لائقا بها بحسب العادة بأن يكون من دار أو حجرة أو غيرهما كشعر أو صوف أو خشب أو قصب، وإنما اعتبر المسكن بحالها بخلاف النفقة والكسوة - حيث اعتبرتا بحاله يسارا وغيره - لان المعتبر فيهما التمليك منه وفيه الامتاع فروعي حاله فيهما وحالها فيه ولانهما إذا لم يليقا بها يمكنها إبدالهما بلائق فلا إضرار، بخلاف المسكن فإنها ملزمة بملازمته فتتضرر به إذا لم يكن لائقا. ولبعضهم: ما كان إمتاعا كمسكن وجب لمرأة فراع حالها تثب وإن يكن تملكا كالكسوة فحال زوج راعها لا الزوجة (قوله وإن كانت ممن لا يعتادون السكنى) أي يجب لها المسكن وإن كانت من قوم لا يعتادون المسكن. قال في فتح الجواب: والذي يظهر في هذه أنه يعتبر اللائق بها لو كانت من أهل المحل الذي يريد إسكانها به فيعتبر بمن يماثلها من أهله نسبا وغيره نظير ما مر في مهر المثل وغيره. اه. وفي النهاية ما نصه: وذكر ابن الصلاح أن له نقل زوجته من حضر لبادية وإن خشن عيشها لان نفقتها مقدرة أي لا تزيد ولا تنقص وأما خشونة عيش البادية فهي بسبيل من الخروج عنها بالابدال - كما مر - قال: وليس له سد طاق مسكنها عليها، وله إغلاق الباب عليها عند خوف لحوق ضرر له من فتحه وليس له منعها من نحو غزل وخياطة في منزله. اه. وما ذكره آخرا يتعين حمله على غير زمن الاستمتاع الذي يريده أو على ما إذا لم يتعذر به، وفي سد الطاقات محمول على طاقات لا ريبة في فتحها، وإلا فله السد بل يجب عليه - كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى - أخذا من إفتاء ابن عبد السلام بوجوبه في طاقات ترى الاجانب منها: أي وعلم منها تعمد رؤيتهم. اه (قوله: ولو معارا ومكترى) غاية في المسكن وهي للتعميم: أي لا فرق بين أن يكون مملوكا له أو معارا أو مكترى، وذلك لحصول المقصود بما ذكر (قوله: ولو سكن الخ) لو شرطية، جوابها قوله لم يلزمه أجرة (قوله: بإذنها) أي

_ (1) الطلاق، الاية: 6.

العوض ينزل على الاعارة والاباحة، (و) عليه ولو معسرا، خلافا لجمع، أو قنا (إخدام حرة) بواحدة لا أكثر لانه من المعاشرة بالمعروف، بخلاف الامة وإن كان جميلة (تخدم) أي يخدم مثلها عادة عند أهلها، فلا عبرة بترفهها في بيت زوجها، وإنما يجب عليه الاخدام ولو بحرة صحبتها أو مستأجرة أو بمحرم أو مملوك لها ولو عبدا أو ـــــــــــــــــــــــــــــ له في السكنى معه (قوله: أو لامتناعها) أي أو لم يكن بإذنها لكن كانت ممتنعة من الانتقال معه إلى بيته أو بلده (قوله: أو في منزل الخ) معطوف على قوله في منزلها: أي أو سكن معها في منزل نحو أبيها كأمها (قوله: بإذنه) أي نحو أبيها: أي أو منعه من النقلة (قوله: لم يلزمه أجرة) عبارة المغني: سقط حق السكنى ولا مطالبة لها بأجرة سكناها معها إلخ. اه (قوله: لان الاذن العرى الخ) هذا التعليل قاصر على صورة الاذن، وكان عليه أن يزيد بعده ولان امتناعها أو منع نحو أبيها من النقلة معه أمارة على رضاها أو رضاه بسكنى الزوج، فهو منزل منزلة الاذن، ولو سكن معها مع السكوت وعدم الامتناع من النقلة معه لزمته الاجرة (قوله: ينزل على الاعارة) أي يحمل على إعارة المسكن. وقوله والاباحة: معطوف على الاعارة من عطف اللازم إذ الاعارة عقد يتضمن إباحة الانتفاع بالمعار (قوله: وعليه) أي ويجب على الزوج. وقوله ولو معسرا: الغاية للرد: أي يجب على الزوج الاخدام، ويستوي فيه الموسر والمتوسط والمعسر (قوله: خلافا لجمع) أي قائلين بعدم وجوبه على المعسر، واستدلوا بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب لسيدتنا فاطمة على سيدنا علي رضي الله عنهما خادما لاعساره. قال في التحفة: ويرد بأنه لم يثبت أنهما تنازعا في ذلك فلم يوجبه، وأما مجرد عدم إيجابه من غير تنازع فهو لما طبع عليه - صلى الله عليه وسلم - من المسامحة بحقوقه وحقوق أهله على أنها واقعة حال محتملة فلا دليل فيها. اه (قوله: أو قنا) معطوف على معسرا: أي ولو كان الزوج قنا مكاتبا أو غيره (قوله: إخدام حرة) وفي المغني ما نصه: أفهم قوله إخدام أن الزوج لو قال أنا أخدمها بنفسي ليسقط عني مؤنة الخادم لم يلزمها الرضا به لانها تستحي منه وتعير به، وأنها لو قالت أنا أخدم نفسي وآخذ أجرة الخادم أو ما يأخذ من نفقة لم يلزمه الرضا بذلك لانها تصير مبتذلة. اه. ملخصا (قوله: بواحدة لا أكثر) ظاهره وإن احتاجت إلى الاكثر، وهو كذلك، إلا إن مرضت واحتاجت لاكثر من واحدة فيجب قدر الحاجة. كذا في البجيرمي (قوله: لأنه) أي الاخدام وهو تعليل لوجوب الاخدام عليه. وقوله من المعاشرة بالمعروف: أي المأمور بها (قوله: بخلاف الامة) أي بخلاف الزوجة الأمة فلا يجب إخدامها ولو مبعضة ما لم تكن مريضة لان العرف على أن تخدم نفسها لنقصها. وقوله وإن كانت جميلة: أي وإن كانت تخدم في بيت سيدها (قوله: تخدم) الجملة صفة لحرة، وهو شرط في وجوب الاخدام لها: أي يجب الاخدام لها بشرط أن تكون ممن تخدم. وقوله أي يخدم مثلها: أفاد به أن الشرط أن يكون مثلها ممن يخدم سواء هي خدمت بالفعل أو لم تخدم به، فلو كان مثلها لا يخدم ولكن هذه خدمت بالفعل في بيت أهلها لا يجب على الزوج إخدامها. وقوله عند أهلها: متعلق بيخدم أي أن العبرة في خدمة مثلها ببيت أهلها (قوله: فلا عبرة إلخ) محترز قوله عند أهلها يعني لو ارتفعت في بيت زوجها وترفهت فيه بحيث صار يليق بحالها في بيت الزوج الخادم لم يجب، كما صرح به الشيخ أو حامد في تعليقه وأقره في الروضة، (قوله: وإنما يجب عليه الاخدام الخ) الأولى والأخصر أن يقول والاخدام الواجب عليه يكون بحرة الخ إذ لا معنى للحصر ولا للغاية. وعبارة المنهاج: وعليه لمن لا يليق بها خدمة نفسها إخدامها بحرة أو أمة له أو مستأجرة الخ اه وحاصل ذلك أن له الاخدام بكل ما يحصل المقصود به، لكن بشرط حل النظر من الجانبين فله ذلك بحرة ولو متبرعة. وقول ابن الرفعة لها الامتناع من المتبرعة للمنة يرد بأن المنة عليه لا عليها وبأمة له أو مستأجرة وبصبي غير مراهق وبنحو محرم لها أو مملوك لها وبممسوح لا بنحو مراهق ولا بذمية مع مسلمة لحرمة النظر ولا بنفسه: أي الزوج لانها تستحي منه وتعير به، كما تقدم (قوله: صحبتها) الجملة صفة لحرة، والضمير المستتر يعود إليها والبارز يعود على الزوجة: أي له الاخدام بحرة صحبت زوجته، والمراد صحبتها لتخدمها من غير استئجار لها بل بالنفقة فقط (قوله: أو مستأجرة) أي له الاخدام بمستأجرة للخدمة (قوله: أو بمحرم) أي لزوجته (قوله: أو مملوك لها) أي أو له وكان أمة أو عبدا غير مراهق. وقوله ولو عبدا: غاية في المملوك لها، ولا فرق بين أن يكون

بصبي غير مراهق، فالواجب للخادم الذي عينه الزوج مد وثلث على موسر، ومد على معسر ومتوسط مع كسوة أمثال الخادم من قيمص وإزار ومقنعة، ويراد للخادمة خف وملحفة إذا كانت تخرج وإن كانت قنة اعتادت كشف الرأس، وإنما لم يجب الخف والملحفة للمخدومة، على المعتمد، لان له منعها من الخروج والاحتياج إليه لنحو الحمام نادر. تنبيه: ليس على خادمها إلا ما يخصها وتحتاج إليه. كحمل الماء للمستحم والشرب وصبه على بدنها ـــــــــــــــــــــــــــــ صغيرا أو كبيرا (قوله: أو بصبي) الأولى حذف الباء - كالذي قبله - وقوله غير مراهق: فإن كان مراهقا لا يجوز إخدامها (قوله: فالواجب للخادم الذي عينه الزوج مد الخ) الفاء فاء الفصيحة الواقعة في جواب سؤال حاصله: إذا وجب الاخدام عليه فما الواجب عليه للخادم من النفقة؟ فأجاب بأن الواجب إلخ. ثم إنه لا يخفى ما في عبارته من إيهام أن الواجب للخادم مطلقا ما ذكره مع أن فيه تفصيلا، وهو أنه إن كان مستأجرا فعليه أجرته فقط، وإن كان ملكا له فعليه كفايته سواء كانت مدا وثلثا أو تزيد أو تنقص فليس عليه نفقة مقدرة، وإن كان حرة صحبتها أو محرما أو مملوكا لها فله ما ذكره بقوله مد وثلث ومن إيهام التقييد بالذي عينه وهو أن الذي عينته هي ليس لها ما ذكره مع أن معينها إذا رضي به كمعينه في التفصيل المذكور. ويدل لما ذكرته عبارة فتح الجواد ونصها: ثم الخادم إن لم يعينه الزوج بأن كان ملكه وجب له كفايته من غير تقدير وإن عين، فإن كان مستأجرا لم يجب له غير أجرته، وإن كان ملكها أو حرة صحبتها ورضي الزوج وجب لمن عينتها منهما أو عينها هو صبح كل يوم مد الخ. اه. بحذف. وأصرح منها عبارة المنهاج ونصها: فإن أخدمها بحرة أو أمة بأجرة فليس عليه غيرها أو بأمته أنفق عليها بالملك أو بمن صحبتها لزمه نفقتها وجنس طعامها: أي التي صحبتها جنس طعام الزوجة إلخ. اه (قوله: مد وثلث) قال في التحفة: ووجهه أن نفقة الخادمة على المتوسط ثلثا نفقة المخدومة عليه فجعل الموسر كذلك إذ المد والثلث ثلثا المدين. اه (قوله: على موسر) الملائم أن يقول عليه: أي الزوج إن كان موسرا ومد إن كان معسرا أو متوسطا (قوله: ومتوسط) إنما ألحقوه بالمعسر في الخادم لا في الزوجة لان مدار نفقة الخادم على سد الضرورة (قوله: مع كسوة) أي مع أدم له على الصحيح لان العيش لا يتم بدونه وهو، كما في التحفة، كجنس أدم المخدومة ودونه نوعا، وأما قدره فهو بحسب الطعام. وفي وجوب اللحم وجهان، والذي يتجه ترجيحه منهما اعتبار عادة البلد. وقوله أمثال الخادم: أي واللائق بالخادم دون ما يليق للمخدومة جنسا ونوعا (قوله: من قميص الخ) بيان لكسوة (قوله: ومقنعة) تقدم بيانها، والاولى ذكرها بعد قوله ويزاد للخادمة لايهام تقديمه أن المقنعة مشتركة بين الخادم والخادمة وليس كذلك. وعبارة فتح الجواد ويزاد ذكر قبعا وأنثى مقنعة وخمارا وخفا وملحفة. اه. وعبارة شرح المنهج: وقدر الكسوة قميص ونحو مكعب وللذكر نحو قمع وللانثى مقنعة وخف ورداء لحاجتها إلى الخروج، ولكل جبة في الشتاء لا سراويل، وله ما يفرشه وما يتغطى به كقطعة لبد وكساء في الشتاء وبارية في الصيف ومخدة. اه. وكتب البجيرمي على قوله لا سراويل ما نصه: هذا مبني على عرف قديم وقد اطرد العرف الآن بوجوبه للخادمة، وهذا هو المعتمد. زي. اه (قوله: ويزاد للخادمة خف وملحفة) أي ملاءة. وقوله إذا كانت تخرج: قيد في زيادة ما ذكر (قوله: وإنما لم يجب الخف والملحفة للمخدومة على المعتمد) قال سم والأوجه كما أفاده الشيخ - أي شيخ الاسلام - وجوب الخف والرداء للمخدمة أيضا فإنها تحتاج للخروج إلى حمام أو غيره من الضرورات وإن كان نادرا م ر. ش. اه (قوله: لأن إلخ) علة لعدم الوجوب (قوله: والاحتياج إليه) أي إلى الخروج. وقوله نادر: أي والنادر لا حكم له (قوله: تنبيه ليس على خادمها إلخ) عبارة التحفة، وفي المراد بإخدامها الواجب خلاف، والمعتمد منه أنه ليس على خادمها إلا ما يخصه إلى آخر ما ذكره الشارح، وزاد عليه ولو منعها من أن تتولى خدمة نفسها لتفوز بمؤنة الخادم لانها تصير بذلك مبتذلة. اه. وقوله إلا ما يخصها: أي إلا الامر المختص بها، وسيذكر محترزه. وقوله وتحتاج إليه: قيد، فلو كان الامر يخصها لكن لا تحتاج إليه فإنه لا يجب على الخادم فعله (قوله: كحمل الماء الخ) تمثيل للامر الذي يخصها وتحتاج إليه. وقوله للمستحم: هو بضم الميم مع فتح التاء والحاء موضع الغسل. وقوله والشرب: معطوف على

وغسل خرق الحيض والطبخ لاكلها أما ما لا يخصها كالطبخ لاكله وغسل ثيابه فلا يجب على واحد منهما بل هو على الزوج، فيوفيه بنفسه أو بغيره. مهمات: من شرح المنهاج لشيخنا: لو اشترى حليا أو ديباجا لزوجته وزينها به لا يصير ملكا لها بذلك، ولو اختلفت هي والزوج في الاهداء والعارية صدق ومثله وارثه، ولو جهز بنته بجهاز لم تملكه إلا بإيجاب وقبول والقول قوله في أنه لم يملكها. ويؤخذ مما تقرر أن ما يعطيه الزوج صلحة أو صباحية، كما اعتيد ببعض البلاد، لا تملكه إلا بلفظ أو قصد إهداء، خلافا لما مر عن فتاوى الحناطي وإفتاء غير واحد بأنه لو أعطاها مصروفا ـــــــــــــــــــــــــــــ المستحم: أي وكحمل الماء للشرب (قوله: وصبه على بدنها) أي وكصب الماء عليه، فهو معطوف على حمل (قوله: وغسل الخ) معطوف على حمل أيضا: أي وكغسل خرق الحيض، وقوله والطبخ: معطوف أيضا على حمل: أي وكالطبخ لاكلها (قوله: أما ما لا يخصها) أي بل يخص الزوج. وقوله كالطبخ الخ: تمثيل للذي لا يخصها. وقوله لاكله: أي الزوج. وقوله: وغسل ثيابه: أي وكغسل ثيابه أي الزوج (قوله: فلا يجب) جواب أما. وقوله على واحد منهما: أي من الخادم والزوجة، والأنسب بالمقابلة أن يقول فلا يجب على الخادم كما لا يجب على الزوجة (قوله: بل هو) أي ما لا يخصها مما ذكر (قوله: فيوفيه) أي فيوفي الزوج ما يخصها بل يخصه. وقوله بنفسه أو بغيره: أي يوفيه: أي يفعله إن شاء بنفسه وإن شاء بغيره باستئجار أو غيره (قوله: مهمات الخ) الملائم ذكرها في آخر التنبيه المار قبيل قوله ولها مسكن أو يؤخر التنبيه عن قوله ولها مسكن - كما نبهت على هذا هناك - وذلك لأنه إنما ذكرها هنا مع أن غالبها قد تقدم في باب الهبة لكونها لها تعلق بالتنبيه المذكور من جهة أنها كالتقييد لما ذكر فيه من كون الطعام والكسوة والفرش تملكه بمجرد الدفع إليها ولا يحتاج ذلك إلى إيجاب وقبول، وبيانه أن ظاهر هذا أنها تملك ما ذكر بالدفع إليها مطلقا سواء كان من جنس الواجب عليه أم لا مع أنه ليس كذلك بل لا بد من تقييده بكونه من جنس الواجب عليه، وإلا فلا بد من لفظ الايجاب والقبول أو قصد الهدية ويستفاد التقييد المذكور من المهمات والمراد من معظمها ويدل لما ذكرته سياق التحفة ونصها بعد كلام وظاهر أنها على الأول أي على أن المذكورات من الطعام وما بعده تمليك لا إمتاع تملكه بمجرد الدفع والاخذ من غير لفظ وإن كان زائدا على ما يجب لها لكن في الصفة دون الجنس فيقع عن الواجب بمجرد إعطائه لانه الصفة الزائدة وقعت تابعة فلم تحتج للفظ، بخلاف الجنس فلا تملكه إلا باللفظ لانه قد يعيرها قصدا لتجملها به ثم يسترجعه منها وحينئذ فكسوتها الواجبة لها باقية في ذمته. وفي الكافي: لو اشترى حليا أو ديباجا إلى آخر ما ذكره المؤلف. اه. فتنبه (قوله: لو اشترى) أي الزوج. وقوله حليا أو ديباجا: أي ونحوهما من كل ما يتخذ للزينة (قوله: وزينها به) أي زين الزوج زوجته بالمذكور من الحلي والديباج (قوله: لا يصير إلخ) الجملة جواب لو: أي لا يصير المذكور من الحلي والديباج ملكا لها بنفس التزيين المذكور بل إنما يصير بصدور الايجاب والقبول منهما أو بقصد الهدية منه لها بذلك (قوله: ولو اختلفت هي والزوج في الاهداء والعارية) أي فادعت هي أنه أهدى لها الحلي والديباج المذكورين وادعى هو أنه لم يهدهما لها وإنما جعلهما عندها عارية (قوله: صدق) أي الزوج لأن الأصل عدم التمليك (قوله: ومثله وارثه) أي مثل الزوج في ذلك وارثه: يعني لو اختلفت هي ووارث الزوج في الاهداء والعارية صدق الوارث (قوله: ولو جهز) أي أعطى الاب بنته، وهذه المسألة ذكرها هنا استطرادي لأنها ليس لها تعلق بالزوج والزوجة (قوله: بجهاز) هو بفتح الجيم ويجوز الكسر، الامتعة (قوله: لم تملكه إلخ) جواب لو الثانية، وكان حقه أن يصرح بهذا أيضا في المسألة الأولى (قوله: والقول إلخ) أي أن ادعت البنت بأنه ملكها إياه بإيجاب وقبول وادعى هو بأنه لم يملكها فالقول قول الاب في أنه لم يملكها (قوله: ويؤخذ مما تقرر) أي من أنها لا تملك ما ذكر إلا بالايجاب والقبول (قوله: أن ما يعطيه الزوج) أي لزوجته. وقوله صلحة: اسم للشئ المعطى لاجل المصالحة إذا غضبت. وقوله أو صباحية: هي اسم للشئ المعطى صبح الزواج ويسمى صبيحة (قوله: كما اعتيد) أي إعطاء الصلحة والصباحية ببعض البلاد (قوله: لا تملكه) أي ما أعطاه الزوج لها

للعرس ودفعا وصباحية فنشزت استرد الجميع غير صحيح، إذ التقييد بالنشوز لا يتأتى في الصباحية لما قررته فيها أنها كالصلحة لانه إن تلفط بإهداء أو قصده ملكته من غير جهة الزوجية، وإلا فهو ملكه وأما مصروف العرس فليس بواجب فإذا صرفته بإذنه ضاع عليه، وأما الدفع، أي المهر، فإن كان قبل الدخول استرده، وإلا فلا لتقرره به فلا يسترد بالنشوز. (وتسقط) المؤن كلها (بنشوز) منها إجماعا: أي بخروج عن طاعة الزوج وإن لم تأثم ـــــــــــــــــــــــــــــ من الصلحة والصباحية (قوله: إلا بلفظ) أي مفيد للتمليك، ويصح أن يقرأ بغير تنوين ويكون هو وما بعده مضافين إلى إهداء (قوله: خلافا لما مر) أي في باب الهبة من أنها تملكه من غير لفظ ونص عبارته هناك. ونقل شيخنا ابن زياد عن فتاوي ابن الخياط إذا أهدى الزوج للزوجة بعد العقد بسببه فإنها تملكه ولا يحتاج إلى إيجاب وقبول، ومن ذلك ما يدفعه الرجل إلى المرأة صبح الزواج، مما يسمى صبحية في عرفنا، وما يدفعه إليها إذا غضبت أو تزوج عليها فإن ذلك تملكه المرأة بمجرد الدفع إليها. انتهت. ثم إن قوله هنا الحناطي وهناك ابن الخياط يعلم أنه وقع تحريف في النسخ ولم يعلم الاصح منهما (قوله: وإفتاء الخ) مبتدأ. وقوله غير صحيح خبره (قوله: بأنه) أي الحال والشأن (قوله: لو أعطاها) أي زوجته قبل الدخول. وقوله مصروفا للعرس: أي لوليمة الزواج. وقوله ودفعا: أي أعطاها دفعا أي مهرا. وقوله وصباحية: أي أو أعطاها صباحية (قوله: فنشزت) أي بعد أن أعطاها ما ذكر (قوله: استرد) أي الزوج، وهو جواب لو. وقوله الجميع: أي جميع ما ذكر من مصروف العرس والدفع والصباحية (قوله: إذ التقييد بالنشوز إلخ) تعليل لعدم الصحة. وقوله لا يتأتى في الصباحية: أي لا يأتي فيها (قوله: لما قررته فيها) أي في الصباحية، وهو تعليل لعدم تأتي النشوز فيها، وذلك لأنه إن دفعها لها بلفظ الاهداء أو قصده صارت ملكا لها سواء وقع منها ذلك أم لا (قوله: أنها كالصلحة) في عبارة التحفة إسقاط لفظة أنها وهو الاولى لانه على إثباتها يستفاد أنه قرر حكم الصلحة أولا ثم قاس عليها الصباحية مع أنه لم يصنع كذلك (قوله: لانه إن تلفظ الخ) هذا عين الذي قرره فيلزم تعليل الشئ بنفسه، فالاولى أن يبدل لام التعليل بمن البيانية، وقد علمت معنى العلة المذكورة آنفا (قوله: فليس بواجب) أي عليه (قوله: فإذا صرفته بإذنه ضاع عليه) أي سواء وقع منها نشوز أم لا، ويفهم منه أنها لو لم تصرفه أو صرفته لا بإذنه لا يضيع عليه بل هو باق على ملكه في لاول وتغرمه له في الثاني (قوله: وأما الدفع: أي المهر فإن كان قبل الدخول استرده) اسم كان يحتمل أن يعود على النشوز المعلوم من السياق وضمير استرده يعود على الدفع بمعنى المهر المفروض وقوعه قبل الدخول وهو الذي ربط المبتدأ بالجملة الواقعة خبرا، ويحتمل أن يعود على الدفع المذكور ويقدر مضاف ومتعلق والتقدير على الأول، وأما الدفع الواقع قبل النشوز، كما هو أصل فرض المسألة، فإن كان النشوز وقع قبل الدخول أيضا استرده وعلى الثاني، وأما الدفع فإن كان تسليمه وقع قبل الدخول استرده بالنشوز الواقع قبله أيضا والاول أقرب إلى صنيعه وأولى لما في الثاني من كثرة الحذف، ثم إنه إذا استرده يبقيه عنده إلى زوال النشوز وحصول التمكين فإذا زال النشوز وحصل التمكين رده كله لها أو إلى طلاقها، فإذا طلقها رد لها النصف وأخذ هو النصف وكان حقه أن يسترد منها النصف فقط لأنه هو الذي يستحقه على تقدير أنه يطلقها. ولذلك كتب السيد عمر على قول التحفة استرده ما نصه: محل تأمل إن أريد استرداد جميعه. اه. ولعل ما ذكرته هو وجه التأمل. ثم إني رأيت في الروض وشرحه في باب الصداق ما يخالف ما ذكر من استرداده ونص عبارته: لو امتنعت من تسليم نفسها بلا عذر وقد بادر بتسليم الصداق لم يسترده لتبرعه بالمبادرة كما لو عجل الدين المؤجل فإنه لا يسترده. اه. ومثله في فتح الجواد (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يكن النشوز حاصلا قبل الدخول فلا يسترده على الإحتمال الأول: أي وإن لم يعط الدفع لها قبل الدخول، بل أعطى بعده فلا يسترده على الثاني (قوله: لتقرره) أي الدفع. وقوله به: أي بالدخول (قوله: فلا يسترد بالنشوز) لا حاجة إليه لأنه عين قوله فلا (قوله: وتسقط الخ) المراد بالسقوط ما يشمل عدم الوجوب من أول الأمر حتى لو طلع الفجر وهي ناشزة فلا وجوب، ويقال سقطت بمعنى أنها لم تجب من أول الأمر وإن كان السقوط فرع الوجوب فغلب ما في الاثناء على ما في الابتداء وسمى الكل سقوطا. وقوله المؤن: المراد بها ما يشمل المسكن (قوله: بنشوز) متعلق

كصغيرة ومجنونة ومكرهة (ولو ساعة) أو ولو لحظة فتسقط نفقة ذلك اليوهم وكسوة ذلك الفصل ولا توزع على زماني الطاعة والنشوز، ولو جهل سقوطها بالنشوز فأنفق رجع عليها إن كان ممن يخفى عليه ذلك، وإنما لم يرجع من أنفق في نكاح أو شراء فاسد وإن جهل ذلك لانه شرع في عقدهما على أن يضمن المؤن بوضع اليد ولا كذلك ههنا، وكذا من وقع عليه طلاق باطنا ولم يعلم به فأنفق مدة ثم علم فلا يرجع بما أنفقه - على الاوجه - ـــــــــــــــــــــــــــــ بتسقط. وقوله منها: متعلق بمحذوف صفة لنشوز: أي نشوز حاصل من الزوجة (قوله: إجماعا) مرتبط بقوله تسقط: أي تسقط بالاجماع (قوله: أي بخروج الخ) تفسير للنشوز (قوله: وإن لم تأثم) غاية في سقوط المؤن بالنشوز: أي تسقط به وإن لم تكن تأثم به وتسقط أيضا بما ذكر وإن قدر على ردها للطاعة وتركه (قوله: كصغيرة إلخ) تمثيل لغير الآثمة بالنشوز (قوله: ومكرهة) قال ع ش: ومن ذلك ما يقع كثيرا من أن أهل المرأة يأخذونها مكرهين لها من بيت زوجها وإن كان قصدهم بذلك إصلاح شأنها كمنعهم للزوج من التقصير في حقها بمنع النفقة أو غيرها. اه. (قوله: ولو ساعة أو ولو لحظة) غايتان في سقوط المؤن: أي تسقط المؤن بالنشوز ولو نشزت ساعة أو لحظة فلا يشترط نشوزها في كل اليوم أو كل الفصل فلو عادت للطاعة في بقية اليوم أو بقية الفصل لا تعود نفقة ذلك اليوم ولا كسوة ذلك الفصل، بل تنفق على نفسها بقية ذلك اليوم وتكسو نفسها بقية الفصل ثم بعد ذلك اليوم ينفق عليها الزوج، وبعد ذلك الفصل يكسوها، وفي حاشية الجمل ما نصه: وهذا كله ما لم يتمتع بها، أي بالناشزة، فإن تمتع بها ولو لحظة لم تسقط بل تجب نفقة اليوم بكمالها وكسوة الفصل بكمالها على معتمد م ر وإن قيل بالتقسيط على زمن التمتع وغيره. اه. شيخنا. وفي ق ل على الجلال: ولا تعود بعودها للطاعة في بقية الليلة أو اليوم أو الفصل ما لم يستمتع بها على المعتمد، كما تقدم، اه (قوله: فتسقط نفقة ذلك اليوم إلخ) مفرع على سقوطها بنشوزها ساعة أو لحظة: أي وإذا نشزت ساعة أو لحظة سقطت ذلك اليوم كله وذلك الفصل كله. قال سم: بقي النشوز بالنسبة لما يدوم ولا يجب كل فصل كالفرش والاواني وجبة البرد فهل يسقط ذلك ويسترد بالنشوز ولو لحظة في مدة بقائها أو كيف الحال؟ للاذرعي فيه تردد واحتمالات يراجع ويحرر الترجيح، وقال أيضا: بقي المسكن فانظر ما يسقط منه بالنشوز هل سكنى ذلك اليوم أو الليلة أو الفصل أو زمن النشوز فقط حتى لو أطاعته بعد لحظة استحقته لانه غير مقدر بزمن معين؟ فيه نظر، ولا يبعد سقوط سكنى اليوم والليلة الواقع فيهما النشوز. اه. قال البجيرمي: والظاهر أن مثل السكنى غيرها من الفرش والغطاء وغيرهما: اه (قوله: ولا توزع الخ) هذا لازم لسقوطها كل اليوم وكل الفصل (قوله: ولو جهل سقوطها) أي النفقة. وقوله بالنشوز: متعلق بسقوط (قوله: فأنفق) أي عليها جاهلا بذلك (قوله: رجع عليها) أي إذا تبين له أنها كانت ناشزة (قوله: ممن يخفى عليه ذلك) أي سقوطها بالنشوز، والظاهر أن المراد بمن يخفى عليه ذلك غير الفقيه ولو كان مخالطا للعلماء. إذ هذه المسألة من فروع المسائل الدقيقة (قوله: وإنما لم يرجع) أي عليها في صورة النكاح وعلى سيدها في صورة الشراء، وهذا وارد على رجوع الزوج بما أنفقه عليها عند جهله بالنشوز. وقوله فاسد: صفة لكل من نكاح وشراء (قوله: وإن جهل ذلك) أي الفساد، وهو غاية لعدم الرجوع (قوله: لأنه شرع في عقدهما) أي النكاح والشراء، والاضافة للبيان، إذ المراد بالنكاح والشراء العقد أيضا بدليل وصفهما بالفساد، وفيه أن هذا التعليل لا يجدي شيئا لان من جهل سقوط نفقتها بالنشوز كذلك شرع في عقدها على أن يضمن مؤنتها فلو قال لانهما: أي المنكوحة بنكاح فاسد والمشتراة بشراء فاسد تحت حبسه وقبضته والناشزة ليست كذلك لكان أولى، ثم رأيت العلامة الرشيدي كتب على قول النهاية بأنه شرع إلخ ما نصه: فيه وقفة لا تخفى. اه. ولعل وجهه ما ذكرته. تأمل (قوله: ولا كذلك هنا) أي وليس في صورة جهله بسقوط نفقتها بالنشوز شارعا في عقدها على أن يضمن مؤنتها، وقد علمت ما فيه (قوله: وكذا من الخ) أي ومثل من أنفق في نكاح الخ من وقع عليه طلاق باطنا الخ لأنه شرع في عقدها على أن يضمن المؤن بوضع اليد على ما ذكره، والاولى أن يقال لان هذه المطلقة طلاقا باطنا تحت حبس الزوج وتمكنه. وقوله باطنا: وذلك بأن علق طلاقها بالثلاث على شئ فوجد الشئ

ويحصل النشوز (بمنع) الزوجة الزوو (من تمتع) ولو بنحو لمس أو بموضع عينه (لا) إن منعته عنه (لعذر) ككبر آلته بحيث لا تحتمله ومرض بها يضر معه الوطئ وقرح في فرجها وكنحو حيض، ويثبت كبر آلته بإقراره أو برجلين من رجال الختان ويحتالان لانتشار ذكره بأي حيلة، غير إيلاج ذكره في فرج محرم أو دبر أو بأربع نسوة فإن لم يمكن معرفته إلا بنظرهن إليهما مكشوفي الفرجين حال انتشار عضوه جاز ليشهدن. فرع: لها منع التمتع لقبض الصداق الحال أصالة قبل الوطئ بالغة مختارة. إذ لها الامتناع حينئذ فلا ـــــــــــــــــــــــــــــ المعلق عليه وهو لم يعلم به (قوله: ويحصل النشوز) دخول على المتن (قوله: بمنع الزوجة الزوج من تمتع) أي ولو بحبسها ظلما أو بحق وإن كان الحابس هو الزوج، كما اقتضاه كلام ابن المقري واعتمده الوالد رحمة الله تعالى، ويؤخذ منه بالاولى سقوطها بحبسها له ولو بحق للحيلولة بينه وبينها - كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى - أو باعتدادها بوطئ شبهة. اه. نهاية وكتب الرشيدي قوله وإن كان الحابس هو الزوج هو غاية في قوله أو بحق فقط كما يعلم من التحفة. اه. ومحل كون المنع المذكور يحصل به النشوز إذا لم يكن على وجه التدلل أي التحبب وإظهار الجمال، وإلا فلا تكون ناشزة به (قوله: ولو بنحو لمس) أي ولو منعته من التمتع بنحو لمس كنظر، كأن غطت وجهها أو تولت عنه وإن مكنته من الجماع فإنه يحصل النشوز به (قوله: أو بموضع عينه) أي ولو منعته من التمتع بها في موضع منها قد عينه كيدها وفخذها فإنه يحصل النشوز به (قوله: لا إن منعته عنه لعذر) أي لا يحصل النشوز إن منعت زوجها عن التمتع بها لعذر (قوله: ككبر آلته) مثال للعذر لكن في غير اللمس: إذ هو ليس عذرا من منع اللمس (قوله: بحيث لا تحتمله) تصوير للكبر: أي حال كون الكبر مصورا بحالة لا تحتملها الزوجة (قوله: ومرض الخ) معطوف على كبر: أي وكمرض قائم بها يضر مع وجوده الوطئ فلا يحصل النشوز بمنعها من الوطئ حينئذ (قوله: وقرح في فرجها) معطوف على مرض من عطف الخاص على العام (قوله: وكنحو حيض) لا حاجة لزيادة الكاف كالذي قبله وإنما لم تسقط النفقة به وبما قبله من الاعذار لانه إما عذر دائم ككبر الذكر أو يطرأ ويزول كنحو الحيض والمرض وهي معذورة فيه وقد حصل التسليم الممكن ويمكن التمتع بها من بعض الوجوه (قوله: ويثبت كبر آلته الخ) قال ع ش: وسكت عن بيان ما يثبت به المرض والقياس أنه لا يثبت إلا برجلين من الاطباء لانه مما تطلع عليه الرجال غالبا. اه. وقوله بإقراره: أي الزوج وهو متعلق بيثبت. وقوله أو برجلين: معطوف على بإقراره. وقوله من رجال الختان: أي من الرجال الذين لهم معرفة بالختان، وإنما خصهم لانهم غالبا لهم اطلاع على آلات الرجال فيميزون به صغيرها وكبيرها (قوله: ويحتالان) أي الرجلان، وقوله لانتشار ذكره: أي إذا كانت معرفة الكبر متوقفة عليه. وقوله بأي حيلة: متعلق بيحتالان، وقوله غير إيلاج ذكره في فرج محرم: أما به فيحرم. وقوله أو دبر: معطوف على فرج محرم من عطف الخاص على العام (قوله: أو بأربع نسوة) معطوف على بإقراره: أي ويثبت كبر آلته بأربع نسوة أي شهادتهن (قوله: فإن لم يمكن معرفته) أي كبر الآلة (قوله: إلا بنظرهن) أي الاربع النسوة، وقوله إليهما، أي إلى الرجل وزوجته، وقوله مكشوفي الفرجين: حال من ضمير إليهما، وقوله حال: منصوب بإسقاط الخافض: أي نظرهن في حال انتشار عضوه أي ذكره (قوله: جاز) أي النظر وهو جواب إن. وقوله: ليشهدن علة الجواز (قوله: فرع لها الخ) قد تقدم الصداق، وإنما أعاده هنا ليرتب عليه عدم حصول النشوز وسقوط النفقة به، وكان الأخصر أن يقول وكعدم إقباضه إياها الصداق الحال أصالة قبل الوطئ عطفا على ككبر آلته. وذلك لأنه من جملة الاعذار (قوله: الحال أصالة) أي ابتداء. وخرج به ما إذا نكحها بمهر مؤجل ثم حل فليس لها الامتناع من التمتع لانه قد وجب عليها التمكين قبل الحلول (قوله: قبل الوطئ) متعلق بمنع (قوله: بالغة) حال من مقدر: أي قبل وطئها حال كونها بالغة ولو عبر بكاملة كما عبر به في باب الصداق لكان أولى لتخرج المجنونة (قوله: إذ لها الامتناع) تعليل لقوله لها منع الخ، وهو عين المعلل، كما لا يخفى، وقوله حينئذ: أي حين إذ كان لقبض الصداق الحال (قوله:

يحصل النشوز ولا تسقط النفقة بذلك، فإن منعت لقبض الصداق المؤجل أو بعد الوطئ طائعة فتسقط فلو منعته لذلك بعد وطئها مكرهة أو صغيرة ولو بتسليم الولي فلا. ولو ادعى وطأها بتمكينها وطلب تسليمها إليه فأنكرته وامتنعت من التسليم صدقت (وخروج من مسكن) أي المحل الذي رضي بإقامتها فيه ولو بيتها أو بيت أبيها ولو لعيادة وإن كان الزوج غائبا بتفصيله الآتي (بلا إذن) منه ولا ظن لرضاه فخروجها بغير رضاه ولو لزيارة صالح أو عيادة غير محرم أو إلى مجلس ذكر عصيان ونشوز، وأخذ الاذرعي وغيره من كلام الامام أن لها اعتماد العرف الدال على رضا أمثاله بمثل الخروج الذي تريده قال شيخنا: وهو محتمل ما لم تعلم منه غيره تقطعه عن أمثاله في ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا يحصل إلخ) هذا هو ثمرة كونها لها الامتناع. وقوله: ولا تسقط الخ: عطف لازم على ملزوم. وقوله بذلك: أي بامتناعها لقبض الصداق. وقيد في فتح الجواد عدم السقوط بما إذا كانت عنده ونص عبارته: فلا تسقط مؤنتها بذلك إذا كانت عنده لعذرها. اه. (قوله: فإن منعت) أي تمتعه بها فالمفعول محذوف. وقوله لقبض الصداق المؤجل: أي وإن حل قبل الامتناع، وهو محترز قوله الحال (قوله: أو بعد الوطئ) محترز قوله قبل الوطئ. وقوله طائعة: حال من محذوف واقع مفعولا للمصدر - كما تقدم - (قوله: فتسقط) أي النفقة، وهو جواب إن (قوله: فلو منعته لذلك) أي لقبض الصداق الخ (قوله: بعد وطئها) متعلق بمنعته. وقوله مكرهة أو صغيرة: هذا محترز قوله بالغة مختارة. وقوله: ولو بتسليم الولي: أي ما لم يكن تسليمه لمصلحة، كما صرح به في باب الصداق، والغاية راجعة لقوله أو صغيرة فقط (قوله: فلا) أي فلا تسقط نفقتها لانها إذا وطئت غير كاملة لها أن تمنع نفسها بعد الكمال إلا أن يسلمها الولي بمصلحة، ومثله ما لو وطئت مكرهة فلها أن تمنع نفسها بعد زوال الاكراه (قوله: ولو ادعى وطأها إلخ) يعني لو ادعى وطئ من منعته نفسها لقبض الصداق الحال أصالة بتمكينها نفسها له وطلب منها أو من وليها تسليمها إليه وادعت هي عدم تمكينها نفسها له وامتنعت من التسليم فإنها هي المصدقة في ذلك، وعبارة الروج وشرحه: فصل القول قول من ينكر الوطئ من الزوجين بيمينه وإن وافق على جريان خلوة لأن الأصل عدمه، فلو ادعى وطأها بتمكينها وطلب تسليمها إليه فأنكرته وامتنعت لتسليم المهر صدقت أو ادعت جماعها قبل الطلاق وطلبت جميع المهر فأنكره صدق. اه (قوله: وطلب) بصيغة الماضي عطف على ادعى ومتعلقه محذوف: أي منها أو من وليها (قوله: فأنكرته) أي الوطئ بتمكينها نفسها له (قوله: وامتنعت) أي لاجل قبض الصداق الحال (قوله: صدقت) أي باليمين ولا تسقط نفقتها (قوله: وخروج من مسكن) معطوف على بمنع من تمتع: أي ويحصل النشوز أيضا بخروج من مسكن (قوله: أي المحل) تفسير للمراد من المسكن: أي أن المراد منه المحل الذي رضي بإقامتها فيه سواء كان محله أو محله أو محل أبيها (قوله: ولو لعيادة الخ) غاية لكون الخروج يعد نشوزا أي يعد الخروج نشوزا ولو كان لعيادة مريض أو كان زوجها غائبا، وقوله بتفصيله: أي الخروج بالنسبة لما إذا كان الزوج غائبا. وقوله الآتي: أي قريبا عند قوله ومنها إذا خرجت على غير وجه النشوز إلخ. وحاصله أنه إذا كان الزوج غائبا وخرجت بلا إذنه لعيادة أو زيارة قريب ولم يمنعها أو يرسل إليها به لم يكن نشوزا وإلا عد نشوزا (قوله: بلا إذن إلخ) متعلق بخروج أي يحصل النشوز بخروج منه بلا إذن أصلا من الزوج ولا ظن رضاه، فإن كان الخروج بإذنه أو بظن رضاه فلا يحصل به النشوز (قوله: فخروجها) مبتدأ خبره قوله عصيان ونشوز. وهذا تصريح بما علم مما قبله. وقوله أو عيادة غير محرم: أي قريب، أما الخروج لعيادة المحرم: أي القريب، فلا يكون عصيانا ونشوزا، لكن بشرط أن لا يمنعها منه (قوله: أن لها اعتماد العرف) أي ولو لم يأذن لها أو تظن رضاه، وقوله الدال: أي ذلك العرف. وقوله على رضا أمثاله: أي الزوج، وقوله بمثل: الخ متعلق برضا (قوله: وهو) أي ما أخذه الاذرعي وغيره من كلام الامام (قوله: ما لم تعلم إلخ) قيد في كونه محتملا: أي محل كونه محتملا إذا لم تعلم بأن للزوج غيرة زائدة تقطعه عن أمثاله: أي تفرده عنهم (قوله:

تنبيه: يجوز لها الخروج في مواضع منها إذا أشرف البيت على الانهدام، وهل يكفي قولها خشيت انهدامه أو لا بد من قرينة تدل عليه عادة؟ قال شيخنا: كل محتمل، والاقرب الثاني. ومنها إذا خافت على نفسها أو مالها من فاسق أو سارق، ومنها إذا خرجت إلى القاضي لطلب حقها منه، ومنها خروجها لتعلم العلوم العينية أو للاستفتاء حيث لم يغنها الزوج الثقة أو نحو محرمها، فيما استظهره شيخنا، ومنها إذا خرجت لاكتساب نفقة بتجارة، أو سؤال أو كسب إذا أعسر الزوج، ومنها إذا خرجت على غير وجه النشوز في غيبة الزوج عن البلد بلا ـــــــــــــــــــــــــــــ في ذلك) أي في مثل الخروج الذي تريده (قوله: تنبيه يجوز لها الخروج الخ) هذا كالاستثناء مما قبله، فكأنه قال الخروج من المسكن عصيان ونشوز إلا في هذه المواضع (قوله: منها) أي المواضع التي يجوز لاجلها الخروج. وقوله إذا أشرف البيت أي كله أو بعضه الذي يخشى منه كما هو ظاهر. اه. تحفة (قوله: وهل يكفي قولها إلخ) أي إذا ادعى الزوج عليها بأنها خرجت لغير ضرورة وادعت هي أنها خرجت خشية انهدام البيت وليس هناك قرينة تدل على ذلك، فهل يكفي قولها المذكور فلا تسقط نفقتها أو لا يكفي مجرد قولها المذكور إلا إذا انضم إليه قرينة تدل عادة على الانهدام؟ (قوله: قال شيخنا: كل) أي من الشقين محتمل. وقوله والأقرب الثاني: من مقول قول شيخه وهو أنه لا بد من قرينة تدل عليه (قوله: ومنها) أي من المواضع التي يجوز لاجلها الخروج (قوله: إذا خافت على نفسها أو مالها) قال في النهاية: ويتجه أن الاختصاص الذي له وقع كذلك اه. وكتب ع ش: قولها أو مالها أي وإن قل أخذا من إطلاقه هنا وتقييده الاختصاص بماله وقع، ولو اعتبر في المال كونه ليس تافها جدا لم يكن بعيدا. اه (قوله: ومنها) أي المواضع المذكورة، وقوله إذا خرجت إلى القاضي لطلب إلخ: أي إذا خرجت إلى القاضي لاجل طلب حقها من زوجها والمراد خرجت ليخلص لها القاضي حقها من الزوج (قوله: ومنها) أي من المواضع المذكورة، وقوله: خروجها لتعلم العلوم العينية: أي كالواجب تعلمه من العقائد والواجب تعلمه مما يصحح الصلاة والصيام والحج ونحوها (قوله: أي للاستفتاء) أي لامر تحتاج إليه بخصوصه وأرادت السؤال عنه أو تعلمه أما إذا أرادت الحضور لمجلس علم لتستفيد أحكاما تنتفع بها من غير احتياج إليها حالا أو الحضور لسماع الوعظ فلا يكون عذرا (قوله: حيث لم يغنها) قيد في جواز الخروج لتعلم ما ذكر: أي محل جواز ذلك إذا لم يغنها الزوج الثقة عن الخروج لذلك، أما إذا أغناها عن ذلك بأن كان يعلمها ما تحتاج إليه فلا يجوز لها الخروج، وقوله أو نحو محرمها: أي وحيث لم يغنها نحو محرمها ممن يحل له النظر كعبدها قال في التحفة بعده: ويظهر أنها لو احتاجت للخروج لذلك وخشي عليها منه فتنة والزوج غير ثقة وامتنع من أن يعلمها أو يسأل لها أجبره القاضي على أحد الأمرين ولو بأن يخرج معها أو يستأجر من يسأل لها. اه. وقوله فيما استظهره شيخنا: راجع لنحو محرمها (قوله: ومنها) أي من المواضع التي يجوز الخروج لأجلها، وقوله: إذا خرجت لاكتساب نفقة: أي لاجل اكتساب نفقتها: وقوله أو سؤال: أي سؤال النفقة: أي طلبها على وجه الصدقة، وقوله أو كسب: أي عمل صنعة (قوله: ومنها) أي المواضع المذكورة (قوله: إذا خرجت على غير وجه النشوز) يفيد التقييد به أن الخروج لزيادة أو عيادة قريب قد يكون على وجه النشوز أنه حينئذ يسقط النفقة، والتعليل الآتي في قوله لان الخروج لذلك لا يعد نشوزا يفيد خلافا وحينئذ يقع تدافع بين مفاده ومفاد التعليل، وعبارة فتح الجواد ليس فيها ذلك ونصها: وتسقط بالخروج إلا إن لم يعد نشوزا: كأن خرجت لطلب حقها منه أو للزيارة أو للعيادة لاحد من محارمها بلا إذن مع تلبسه بغيبة عن البلد. اه. فالاولى إسقاط التقييد المذكور أو يزيد قبل قوله لزيارة الخ لفظ كأن خرجت لزيارة الخ ويكون تمثيلا للخروج الذي ليس على وجه النشوز، كما في عبارة فتح الجواد المذكورة، (قوله: في غيبة الزوج عن البلد) قال سم: خرج خروجها في غيبته في البلد فهو نشوز. اه. قال ع ش: وينبغي أن مثل غيبته عن البلد خروجها مع حضوره حيث اقتضى العرف رضاء بمثل ذلك، ومن ذلك ما لو جرت عادته بأنه إذا خرج لا يرجع إلا آخر النهار مثلا فلها الخروج ونحوها إذا كانت ترجع إلى بيتها قبل عوده وعلمت منه الرضا بذلك. اه. وقوله ع ش موافق لما أخذه الاذرعي من كلام الامام أن لها اعتماد العرف

إذنه لزيارة أو عيادة قريب لا أجنبي أو أجنبية على الاوجه لان الخروج لذلك لا يعد نشوزا عرفا. قال شيخنا: وظاهر أن محل ذلك إن لم يمنعها من الخروج أو يرسل إليها بالمنع (وبسفرها) أي بخروجها وحدها إلى محل يجوز القصر منه للمسافر ولو لزيارة أبويها أو للحج (بلا إذن) منه ولو لغرضه ما لم تضطر كأن جلا جميع أهل البلد وبقي من لا تأمن معه (أو) بإذنه ولكن (لغرضها) أو لغرض أجنبي فتسقط المؤن على الاظهر لعدم التمكين، ولو سافرت بإذنه لغرضهما معا فمقتضى المرجح في الايمان فيما إذا قال لزوجته إن خرجت لغير ـــــــــــــــــــــــــــــ الدال على رضا أمثاله الخ (قوله: لزيارة أو عيادة) مضافان لما بعدهما فيقرآن من غير تنوين. وعبارة المنهاج: لزيارة ونحوها وكتب سم: قوله ونحوها منه موت أبيها وشهود جنازته فما نقله الزركشي عن الحموي شارح التنبيه مقيد بحضوره. اه. وقوله فما نقله: أي من أنه ليس لها الخروج لموت أبيها ولا لشهود جنازته: وقوله مقيد بحضوره، أي محمول على الزوج الحاضر في البلد وذلك لتمكنها من استئذانه. وقوله قريب. قال في التحفة: قضية التعبير هنا بالقريب أنه لا فرق بين المحرم وغيره، لكن قضية تعبير الزركشي بالمحارم وتبعه في شرح الروض تقيده بالمحرم. وهو متجه. اه. وقوله لا أجنبي أو أجنبية: أي ليس من المواضع التي يجوز الخروج لها إذا خرجت لزيارة أو عيادة أجنبي أو أجنبية. وقوله على الأوجه: مقابله يقول لها الخروج للزيارة والعيادة مطلقا سواء كان لقريب أو نحوه (قوله: لان الخروج لذلك) أي لزيارة أو عيادة قريب وهو تعليل لكون الخروج لزيارة أو عيادة القريب جائزا لا تصير به ناشزة (قوله: وظاهر أن محل ذلك) أي كون الخروج المذكور لا يعد نشوزا، وقوله إن لم يمنعها: أي قبل السفر. وقوله أو يرسل لها بالمنع: قال ع ش: أي أو تدل القرينة على عدم رضاه بخروجها في غيبته مطلقا. اه. (قوله: وبسفرها) معطوف على منع من تمتع: أي ويحصل النشوز أيضا بسفرها: أي مطلقا سواء كان طويلا أو قصيرا ولا ينافي هذا قول الشارح بعد أي بخروجها إلى محل يجوز القصر منه لأنه لا يلزم من خروجها إليه أن يكون سفرها طويلا (قوله: أي بخروجها وحدها) تفسير مراد للسفر الذي يحصل النشوز به (قوله: إلى محل يجوز القصر منه) أي وهو خارج السور إن كان أو العمران وقوله للمسافر، أي سفرا طويلا وهو متعلق بيجوز (قوله: ولو لزيارة إلخ) غاية لحصول النشوز لخروجها وحدها. أي يحصل بخروجها. أي ولو كان ذلك الخروج لزيارة أبويها أو للحج، ولو قال أو للنسك لكان أولى ليشمل العمرة (قوله: بلا إذن منه) أي الزوج والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من سفرها: أي يحصل النشوز بالسفر في حال كونه بغير إذن من الزوج، وقوله ولو لغرضه: أي ولو كان سفرها بلا إذن لغرض الزوج: أي حاجته فيحصل به النشوز (قوله: ما لم تضطر) قيد في حصول النشوز بالسفر المذكور، أي محل حصول النشوز بسفرها بلا إذنه ما لم تضطر إلى السفر، وإلا فلا يحصل النشوز به. وقوله كأن الخ: تمثيل لحالة الاضطرار. وقوله جلا جميع أهل البلد. أي تفرقوا عنها. قال في القاموس: جلا القوم عن الموضع، ومنه جلوا وجلاء، وأجلوا تفرقوا. اه. وقوله أو بقي من لا تأمن معه: أي أو لم يجل جميع أهل البلد ولكن بقي من لا تأمن معه على نفسها أو مالها (قوله: أو بإذنه إلخ) أي ويحصل النشوز بسفرها بإذنه أيضا ولكن كان سفرها لغرضها أو لغرض أجنبي (قوله: فتسقط المؤن) مفرع على جميع ما قبله والمراد بالمؤن ما يشمل الكسوة فتسقط كسوة ذلك الفصل، كما تقدم، وتقدم أيضا الخلاف في المسكن. فلا تغفل، وقوله لعدم التمكين: أي بسبب سفرها المذكور (قوله: ولو سافرت بإذنه لغرضهما) أي الزوج والزوجة أو لاجنبي بدلها (قوله: فمقتضى المرجح) مبتدأ خبره قوله عدم السقوط. وقوله في الايمان، متعلق بالمرجح. وقوله فيما إذا قال إلخ: بدل من في الايمان بدل بعض. وقوله إن خرجت لغير الحمام فأنت طالق: الجملة مقول لقوله: وقوله فخرجت لها: أي فخرجت بقصد الذهاب إلى الحمام وبقصد غيره. واعلم: أنه يوجد في غالب النسخ فخرجت لها ولغيرها بتأنيث الضمير، وهذا مبني على أن الحمام مؤنث، وهو خلاف الغالب. وفي حاشية عبادة على الشذور ما نصه: قوله وحمامات هذا بناء أن حمامات مذكر وهو قول جل أهل اللغة، وقال بعض أهل اللغة الحمام مؤنثة. اه. وقوله أنها لا تطلق: أن وما بعدها في تأويل مصدر بدل من المرجح أو

الحمام فأنت طالق فخرجت لها ولغيرها أنها لا تطلق عدم السقوط هنا لكن نص الام والمختصر يقتضي السقوط (لا) بسفرها (معه) أي الزوج بإذنه ولو في حاجتها ولا بسفرها بإذنه لحاجته ولو مع حاجة غيره فلا تسقط المؤن لانها ممكنة وهو المفوت لحقه في الثانية. وفي الجواهر وغيرها عن الماوردي وغيره لو امتنعت من النقلة معه لم تجب النفقة إلا إن كان يتمتع بها في زمن الامتناع فتجب ويصير تمتعه بها عفوا عن النقلة حينئذ. انتهى. قال شيخنا: وقضيته جريان ذلك في سائر صور النشوز وهو محتمل. وتسقط المؤن أيضا بإغلاقها الباب في وجهه وبدعواها طلاقا بائنا كذبا، وليس من النشوز شتمه وإيذاؤه باللسان، وإن استحقت التأديب. ـــــــــــــــــــــــــــــ عطف بيان له: أي فمقتضى الذي رجح في الايمان وهو أنها لا تطلق عدم سقوط المؤن. وقوله هنا: أي فيما إذا سافرت لغرضها (قوله: لكن نص الام والمختصر يقتضي السقوط) أي سقوط المؤن هنا قياسا على عدم وجوب المتعة إذا ارتدا معا ولانه إذا اجتمع مقتض ومانع يقدم المانع (قوله: لا بسفرها معه) أي لا يحصل النشوز بسفرها مع زوجها إلا إن منعها من الخروج معه فخرجت ولم يقدر على ردها فيحصل النشوز به وتسقط المؤن، وقوله بإذنه: ليس بقيد كما يدل على ذلك عبارة الفتح وهي: ولا إن سافرت معه ولو لحاجتها بلا إذن وإن عصت. اه. ومثلها عبارة شرح المنهج. ثم إن هذا محترز قوله فيما مر وحدها. قوله ولو في حاجتها: أي ولو سافرت معه لأجل قضاء حاجة نفسها (قوله: ولا بسفرها بإذنه لحاجته) أي ولا يحصل النشوز بسفرها وحدها بإذنه لحاجته، وهذا محترز قوله بلا إذن منه. وقوله ولو مع حاجة غيره: الاولى إسقاطه لأنه يغني عنه. قوله فيما تقدم ولو سافرت بإذنه لغرضهما معا: إذ الغير صادق بها وبأجنبي (قوله: فلا تسقط المؤن) مفرع على قوله لا بسفرها إلخ: أي وإذا لم يحصل النشوز بما ذكر فلا تسقط المؤن به (قوله: لانها ممكنة) أي في الأولى وهي ما إذا سافرت معه، وكان الأولى زيادته بدليل المقابلة (قوله: وهو) أي الزوج (قوله: المفوت لحقه في الثانية) وهي ما إذا سافرت وحدها بإذنه (قوله: لو امتنعت من النقلة معه) أي لسفر معه. وقوله لم تجب النفقة: أي لما تقدم من أنها لا تجب إلا إن مكنته من التمتع بها ومن نقلها إلى حيث شاء (قوله: إلا أن كان) أي الزوج، وهو استثناء من عدم وجوب النفقة إذا امتنعت من النقلة معه (قوله: فتجب) أي النفقة (قوله: ويصير تمتعه بها الخ) أي ويصير بسب التمتع بها كأنه عفا من النقلة معه ورضي ببقائها في محلها، وقوله حينئذ أي حين إذ امتنعت من النقلة والظرف متعلق بتمتعه (قوله: وقضيته) أي ما ذكر في الجواهر من أن امتناعها من النقلة مع التمتع بها لا يسقط النفقة. وقوله جريان ذلك. أي عدم سقوط النفقة بالتمتع. وقوله في سائر صور النشوز: أي في سائر أنواع النشوز الذي يتأتى منه هنا كالخروج من المسكن، وأما الذي لا يتأتى كالنوع الاول منه وهو منعها من التمتع بها لانها إذا منعته فكيف يقال إذا تمتع بها لا تسقط نفقتها إلا أن يقال يتأتى التمتع مع كراهتها له ومنعها منه بأن يتمتع بها قهرا عنها. وقوله وهو: أي الاقتضاء المذكور. وقوله محتمل: في التحفة بعده ونوزع فيه بما لا يجدي وما مر في مسافرة معه بغير إذنه من وجوب نفقتها لتمكينها وإن أتمت بعصيانه صريح فيه، وظاهر كلام الماوردي أنها لا تجب إلا زمن التمتع دون غيره. نعم: يكفي في وجوب نفقة اليوم تمتع لحظة منه بعد النشوز وكذا الليل. اه. وقوله صريح فيه. أي في جريان ذلك في سائر صور النشوز (قوله: وتسقط المؤن) الملائم لما قبله أن يقول ويحصل النشوز وإن كان يلزمه سقوط المؤن، وقوله أيضا: أي كما تسقط بما قبله (قوله: بإغلاقها الباب في وجهه) أي وبعبوسها بعد لطف وطلاقة وجه وبكلام خشن بعد أن كان بلين لأن ما ذكر كله يعد نشوزا (قوله: وبدعواها طلاقا بائنا كذبا) أي وتسقط المؤن بدعواها ما ذكر لأنها لا تكون إلا عن كراهة فتعد نشوزا في العرف (قوله: وليس من النشوز شتمه وإيذاؤه باللسان) لأنه قد يكون لسوء الخلق (قوله: وإن استحقت التأديب) غاية في كون ما ذكر من الشتم والايذاء ليس من النشوز: أي ليس منه وإن كانت تستحق عليه التأديب. قال البجيرمي: والمؤدب لها هو الزوج فيتولى تأديبها بنفسه ولا يرفعه إلى القاضي لأن فيه مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد وتوحيشا للقلوب، بخلاف ما لو شتمت أجنبيا. قال الزركشي: وينبغي تخصيص ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلا فيتعين

مهمة: لو تزوجت زوجة المفقود غيره قبل الحكم بموته سقطت نفقتها ولا تعود إلا بعلمه عودها إلى طاعته بعد التفريق بينهما. فائدة: يجوز للزوج منعها من الخروج من المنزل ولو لموت أحد أبويها أو شهود جنازته، ومن أن تمكن من دخول غير خادمة واحدة لمنزله ولو أبويها أو ابنها من غيره، لكن يكره منع أبويها حيث لا عذر، فإن كان المسكن ملكها لم يمنع شيئا من ذلك إلا عند الريبة. ـــــــــــــــــــــــــــــ الرفع إلى القاضي. اه (قوله: مهمة لو تزوجت زوجة المفقود الخ) هذه المهمة مختصرة من عبارة الروض وشرحه ونصهما. (فصل) زوجة المفقود المتوهم موته لا تتزوج غيره حتى يتحقق: أي يثبت بعدلين موته أو طلاقه وتعتد لأنه لا يحكم بموته في قسمة ماله وعتق أم ولده فكذا في فراق زوجته ولان النكاح معلوم بيقين فلا يزال إلا بيقين، ولو حكم حاكم بنكاحها قبل تحقق الحكم بموته نقض لمخالفته للقياس الجلي، ويسقط بنكاحها غيره نفقتها عن المفقود لانها ناشزة به وإن كان فاسدا، وكذا تسقط عنه إن فرق بينهما واعتدت وعادت إلى منزله ويستمر السقوط حتى يعلم المفقود عودها إلى طاعته لان النشوز إنما يزول حينئذ ولا نفقة لها على الزوج الثاني. إذ لا زوجية بينهما ولا رجوع له بما أنفقه عليها لانه متبرع إلا فيما كلفه من الإنفاق عليها بحكم حاكم فيرجع عليها به. فلو تزوجت قبل ثبوت موته أو طلاقه وبأن المفقود ميتا قبل تزوجها بمقدار العدة صح التزوج لخلوه عن المانع في الواقع فأشبه ما لو باع مال أبيه يظن حياته فبان ميتا. اه (قوله: قبل الحكم بموته) أي حكم القاضي بموته ببينة تشهد به أو باجتهاده عند مضي مدة لا يعيش مثله إليها في غالب العادة فإن تزوجت بعد الحكم بموته ثم تبينت حياته لا تسقط نفقتها لانها ليست ناشزة حينئذ (قوله: سقطت نفقتها) أي عن المفقود (قوله: ولا تعود إلخ) يعني لو تبين عدم موته فلا تعود نفقتها عليه إلا بعد علمه بعودها إلى طاعته والتفريق بينها وبين زوجها الثاني لان نكاحها عليه فاسد (قوله: يجوز للزوج الخ) ويجوز له منعها أيضا من أكل سم وممرض لها خشية الهلاك ومن تناول منتن كثوم وكراث وبصل وفجل دفعا للضرر، لا منعها من نحو غزل في منزله إلا مع من يستحي من أخذها من بينهن لقضاء وطره (قوله: ولو لموت أحد أبويها) أي له ذلك ولو كان الخروج لموت أحد أبويها (قوله: ومن إن تمكن من دخول الخ) أي وله منعها من إن تمكن من دخول غير خادمة واحدة لمنزله، أما هي فليس له منعها إن كنت ممن تخدم، فإن كانت ممن لا تخدم فله منعها من إن تمكن من دخولها وإن أنفقت عليها، كما في الفتح، ونص عبارته: وله منع لمن تخدم من زيادة خادم آخر من مالها ولمن لا تخدم أن تتخذ خادما وإن أنفقته. اه. وقوله ولو أبويها أو ابنها: أي ولو كان ذلك الغير أبويها أو ابنها. وقوله من غيره: أي غير زوجها الآن أي حال كون ذلك الابن من زوج غيره (قوله: لكن يكره منع أبويها) أي من دخول منزله (قوله: حيث لا عذر) أي في المنع، فإن كان عذر كفسق أبويها أو إساءة خلقهما بحيث يحملانها على النشوز وخروجها عن الطاعة فلا يكره منعهما (قوله: فإن كان المسكن الخ) مقابل المحذوف: أي ما تقدم من جواز المنع له من تمكين دخول غير خادمة واحدة إذا لم يكن المسكن ملكها بأن كان ملكه أو مستأجره فإن كان ملكها لم يمنع إلخ. وقوله لم يمنع شيئا من ذلك: الاولى لم يمنع ذلك ويحذف لفظ شيئا ولفظ من الجارة لأن اسم الإشارة عائد على تمكينها من دخول غير خادمة واحدة فقط وهو شئ واحد، ولا يصح عوده على جميع ما تقدم من منعها من الخروج من المنزل ومن منعها من التمكين المذكور لان له منعها من الخروج مطلقا سواء كان مسكنها أو مسكنه ثم رأيت هذه اللفظة سرت له من عبارة فتح الجواد ونصها: وله منعها من إن تمكن من دخول غير خادمة ولو أبويها أو ابنها وله منعهم أيضا من دخوله وإخراجهم منه وله إخراج سائر أموالها ما عدا خادمها من منزله. نعم: إن كان المسكن ملكها لم يمنع شيئا من ذلك. اه. وهو ظاهر فيها لان المتقدم أشياء متعددة، فإذا كان المسكن ملكها ليس له أن يمنع شيئا منها.

تتمة: لو نشزت بالخروج من المنزل فغاب وأطاعت في غيبته بنحو عودها للمنزل لم تجب مؤنها ما دام غائبا في الاصح لخروجها عن قبضته فلا بد من تجديد تسليم وتسلم ولا يحصلان مع الغيبة، فالطريق في عود الاستحقاق أن يكتب الحاكم إلى قاضي بلده ليثبت عودها للطاعة عنده. فإذا علم وعاد أو أرسل من يتسلمها له أو ترك ذلك لغير عذر عاد الاستحقاق، وقضية قول الشافعي في القديم أن النفقة تعود عند عودها للطاعة لان الموجب في القديم العقد لا التمكين. وبه قال مالك. وصرحوا أن نشوزها بالردة يزول بإسلامها مطلقا لزوال ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله تتمة) أي في بيان بعض أحكام تتعلق بالنشوز الجلي والنشوز الخفي، وحاصله أنها إذا نشزت نشوزا جليا أو ظاهرا كأن خرجت من المنزل ثم غاب عنها زوجها وعادت إلى الطاعة بعودها إلى المنزل في حال غيبته فلا تجب عليه مؤنتها ولو علم ذلك. نعم: إن رفعت أمرها للحاكم وأظهرت له التسليم وكتب الحاكم لحاكم بلده ليعلم بالحال ويحضر فورا ليستلمها أو يرسل من يستلمها عنه، فإن علم ذلك ولم يفعل ما ذكر وجبت عليه وهو غائب فيفرض القاضي لها من ماله الحاضر إن كان، وإلا فيقترض لها عليه، وإن نشزت نشوزا خفيا كأن ارتدت بعد الوطئ ثم غاب عنها زوجها أو امتنعت من تمتعه بها ولم تخرج من المنزل ثم غاب وعادت إلى الطاعة باسلامها في الصورة الأولى وبرجوعها عن الامتناع من التمتع في الثانية فتجب لها المؤن بمجرد ذلك ولو لم ترفع أمرها إلى الحاكم، لكن بشرط أن يعلم بذلك بأن ترسل له يعودها إلى الطاعة (قوله: لو نشزت بالخروج من المنزل) أي كان نشوزها بسبب خروجها من المنزل (قوله: فغاب) أي الزوج (قوله: وأطاعت) أي الزوجة في حال غيبته (قوله: بنحو عودها للمنزل) متعلق بأطاعت، وانظر ما يندرج تحت قوله نحو مما يحصل به العود إلى الطاعة؟ وهو ساقط من عبارة المغني وهو أولى (قوله: لم تجب مؤنها) جواب لو (قوله: في الأصح) مقابله يقول مؤنها تجب لعودها إلى الطاعة فإن الاستحقاق زال بخروجها عن الطاعة، فإذا زال العارض عاد الاستحقاق. اه. نهاية (قوله: لخروجها عن قبضته) أي الزوج، وهو علة لعدم وجوب مؤنها. وعبارة المغني: لانتفاء التسليم والتسلم، إذ لا يحصلان مع الغيبة. اه. وهو أولى من عبارتنا (قوله: فلا بد من تجديد تسليم) أي تسليم نفسها له. وقوله وتسلم: أي منه (قوله: ولا يحصلان) أي التسليم والتسلم. وقوله مع الغيبة: أي غيبة الزوج. والمراد لا يحصلان بغير الطريق الذي سيذكره (قوله: فالطريق في عود الاستحقاق) أي لها في حال غيبته. وقوله إن يكتب الحاكم: أي بعد أن ترفع أمرها إليه وتظهر له التسليم. وعبارة فتح الجواد. وإنما يحصل بذلك بأن تبعث وكيلا لقاضي بلده ليثبت عودها للطاعة عنده أو تثبت هي ذلك عند قاضي بلدها ثم ينهيه إلى قاضي بلده ليعلمه فإذا علم خرج فورا أو وكل من يذهب إليها ويستلمها وتجب المؤن من حين التسليم، فإن امتنع قدر له مدة يمكن عوده فيها ثم بعدها يفرض نفقتها في ماله إن كان وإلا اقترض عليه أو أذن لها أن تنفق لترجع. فإن جهل موضعه كتب القاضي لقضاة البلاد الذين ترد عليهم القوافل من بلده عادة، فإن لم يظهر فرضها من ماله الحاضر وأخذ منها كفيلا بما يصرفه إليها لاحتمال موته أو طلاقه ويجري ذلك كله فيما لو غاب الزوج عن بلدها وأرادت القرض عليه ابتداء. اه (قوله: فإذا علم) أي الزوج بعودها إلى الطاعة وعاد إليها من سفره (قوله: أو أرسل الخ) معطوف على عاد أي أو لم يعد ولكن أرسل من يتسلمها (قوله: أو ترك ذلك) أي العود إليها أو إرسال من يتسلمها. وقوله لغير عذر: خرج به ما إذا منعه من العود أو التوكيل عذر فلا يعود الاستحقاق ولا يفرض عليه القاضي شيئا لعدم تقصيره (قوله: وقضية إلخ) مبتدأ خبره أن النفقة تعود الخ، وقوله قول الشافعي: أي أن النفقة تجب بالعقد فمقول القول محذوف معلوم مما سبق ومن التعليل الآتي. وقوله تعود عند عودها للطاعة: أي مطلقا سواء حصل تجديد تسليم وتسلم أم لا. وهذا هو مقابل الاصح المار (قوله: لان الموجب في القديم إلخ) لا يخفى ما في هذا التعليل: إذ هو عين القول القديم فلا يصح أن يؤتى به ويجعل علة لقضيته. وإذا علمت ذلك فكان الأولى تقديمه على قوله إن النفقة تعود الذي هو خبر عن قضية الخ. وحذف لام الجر مع لفظ في القديم وجعله مقولا لقول الشافعي في القديم بأن يقول: وقضية قول الشافعي في القديم: ان الموجب، أي للنفقة، العقد لا التمكين أن النفقة تعود الخ (قوله: وبه قال مالك) أي بمقتضى قول الشافعي القديم قال مالك (قوله: وصرحوا

المسقط، وأخذ منه الاذرعي أنها لو نشزت في المنزل ولم تخرج منه كأن منعته نفسها فغاب عنها ثم عادت للطاعة عادت نفقتها من غير قاض وهو كذلك على الاصح، ولو التمست زوجة غائب من القاضي أن يفرض لها فرضا عليه اشترط ثبوت النكاح وإقامتها في مسكنه وحلفها على استحقاق النفقة وأنها لم تقبض منه نفقة مدة مستقبلة فحينئذ يفرض لها عليه نفقة المعسر إلا إن ثبت يساره. ـــــــــــــــــــــــــــــ الخ) صنيعه يقتضي أنه تأييد للقضية المذكورة وليس كذلك لأن القضية المذكورة مفروضة في النشوز الجلي وهو الخروج من المنزل، وما صرحوا به مفروض في الخفي وهو الردة، وبينهما فرق، فلا يصح أن يكون تأييدا وساقه في التحفة لاجل بيان مخالفة النشوز بالردة للنشوز بالخروج عن المسكن وذكره عقب قوله ولا يحصلان مع الغيبة بلفظ، وبه فارق نشوزها بالردة الخ. اه. فلو صنع كصنيع شيخه لكان أولى. وقوله أن نشوزها بالردة، أي الحاصل بسب الردة. وقوله يزول: أي النشوز فتستحق النفقة من وقته لكن حيث أعلمته به، كما في ع ش، وقوله مطلقا: أي سواء حصل تجديد تسليم وتسلم بالطريق الذي ذكره أم لا (قوله: لزوال المسقط) أي للنفقة وهو الردة. وكتب الرشيد: قوله: لزوال المسقط أي مع كونها في قبضته ليفارق نظيره. اه. (قوله: وأخذ منه) أي من كون النشوز بالردة يزول بالاسلام مطلقا لزوال المسقط، ووجه المناسبة بين المأخوذ والمأخوذ منه ان النشوز في كل منهما خفي (قوله: لو نشزت في المنزل) أي نشزت وهي في المنزل بنوع خفي من أنواع النشوز (قوله: ثم عادت للطاعة) أي بصريح لفظ يدل عليه. وقوله عادت نفقتها: أي مطلقا أيضا لزوال المسقط وهو منعها نفسها منه (قوله: وهو كذلك الاصح) هذا من جملة كلام الاذرعي فكان ينبغي أن يزيد قبله لفظ قال. اه. رشيدي. قال في التحفة بعده: قال وحاصل ذلك الفرق بين النشوز الجلي والنشوز الخفي. اه. ويتجه أن مراده بعودها للطاعة إرسال إعلامه بذلك، بخلاف نظيره في النشوز الجلي. وإنما قلنا ذلك لان عودها للطاعة من غير علمه بعيد، كما هو ظاهر، وهل إشهادها عند غيبته وعدم حاكم كإعلامه؟ فيه نظر. وقياس ما مر في نظائره نعم. اه. ومثله في النهاية (قوله: ولو التمست زوجة إلخ) هذه مسألة مستقلة، فكان الأولى أن يقول فرع لو الخ. كعادته، وكما في التحفة. وقوله من القاضي: متعلق بالتمست (قوله: أن يفرض الخ) المصدر المؤول مفعول التمست. وقوله فرضا عليه: أي على زوجها الغائب (قوله: اشترط) أي في فرض القاضي لها فرضا، وقوله ثبوت النكاح: أي بعدلين، وقوله وإقامتها: بالرفع عطفا على ثبوت المضاف: أي واشترط أيضا إقامة الزوجة في مسكن الغائب. ويحتمل أنه بالجر عطفا على المضاف إليه. وقوله وحلفها: بالرفع لا غير معطوف على ثبوت أيضا: أي واشترط حلفها على أنها تستحق النفقة لكونها قد مكنته ولم تنشز. وقوله وأنها لم تقبض: أي وحلفها على أنها لم تقبض من زوجها الغائب نفقة مدة مستقبلة وهي مدة الغيبة (قوله: فحينئذ) أي فحين إذ ثبت نكاحها وإقامتها في المنزل وحلفت على ما ذكر يفرض القاضي لها عليه نفقة المعسر ولو كان ما يفرضه من الدراهم. قال في التحفة بعده: ويظهر أن محل ذلك، أي الفرض المذكور، إن كان له مال حاضر بالبلد تريد الاخذ منه، وإلا فلا فائدة للفرض إلا أن يقال له فائدة: هي منع المخالف من الحكم بسقوطها بمضي الزمان، وأيضا فيحتمل ظهور مال له بعد فتأخذ منه من غير احتياج لرفع إليه. اه. (قوله: إلا إن ثبت يساره) أي فيفرض لها نفقة الموسر. فائدة: تتعلق بالمسألة المذكورة في سم ما نصه. (سئل) شيخنا الشهاب الرملي عن امرأة غاب عنها زوجها وترك معها أولادا صغارا ولم يترك عندها نفقة ولا أقام لها منفقا وضاعت مصلحتها ومصلحة أولادها وحضرت إلى حاكم شافعي وأنهت له ذلك وشكت وتضررت وطلبت منه أن يفرض لها ولاولادها على زوجها نفقة، ففرض لهم عن نفقتهم نقدا معينا في كل يوم وأذن لها في إنفاق ذلك عليها وعلى أولادها أو في الاستدانة عليه عند تعذر الاخذ من ماله والرجوع عليه بذلك وقبلت ذلك منه، فهل التقدير والفرض صحيح؟ وإذا قدر الزوج لزوجته نظير كسوتها عليه حين العقد نقدا كما يكتب في وثائق الانكحة ومضت على ذلك مدة وطالبته بما قدر لها عن تل ك المدة وادعت عليه بذلك عند حاكم شافعي واعترف به وألزمه فهل إلزامه صحيح أم لا؟ وهل إذا مات الزوج وترك زوجته ولم يقدر لها كسوة وأثبتت وسألت الحاكم الشافعي أن

فرع في فسخ النكاح: وشرع دفعا لضرر المرأة يجوز (لزوجة مكلفة) أي بالغة عاقلة لا لولي غير مكلفة (فسخ نكاح من) أي زوح (أعسر) مالا وكسبا لائقا به حلالا (بأقل نفقة) تجب وهو مد (أو) أقل (كسوة) تجب كقميص وخمار وجبة شتاء، بخلاف نحو سراويل ونعل وفرش ومخدة والاواني لعدم بقاء النفس بدونهما فلا ـــــــــــــــــــــــــــــ يقدر لها عن كسوتها الماضية التي حلفت على استحقاقها نقدا وأجابها لذلك وقدره لها كما تفعله القضاة الآن فهل له ذلك أو لا؟ وهل ما تفعله القضاة من الفرق للزوجة والاولاد عن النفقة أو الكسوة عند الغيبة أو الحضور نقدا صحيح أو لا. فأجاب: تقدير الشافعي في المسائل الثلاث صحيح إذ الحاجة داعية إليه، والمصلحة تقتضيه فله فعله ويثاب عليه، بل قد يجب عليه. اه (قوله: فرع في فسخ النكاح) أي بالاعسار بالمؤن، وقد ترجم الفقهاء له بباب مستقل والأصل فيه خبر الدارقطني والبيهقي الآتي وحاصل الكلام على ذلك أنه إذا أعسر الزوج مالا وكسبا لائقا بأقل نفقة أو كسوة أو مهر وجب قبل وطئ ولم تصبر زوجته فلها الفسخ بالطريق الآتي بيانه، أما لو امتنع من الانفاق وهو موسر أو متوسط أو معسر لا عن أقل نفقة أو كسوة سواء حضر أو غاب فليس لها الفسخ وإن انقطع خبره على المعتمد الذي عليه النووي والرافعي (قوله: وشرع) أي الفسخ، وقوله دفعا لضرر المرأة: أي تضررها بعد النفقة أو الكسوة أو المهر (قوله: يجوز لزوجة الخ) أي ويجوز لها الصبر فهي مخيرة بين الفسخ وبين الصبر (قوله: أي بالغة عاقلة) أي ولو كانت سفيهة فهي كالرشيدة هنا (قوله: لا لولي غير المكلفة) أي لا يجوز الفسخ لولي غير المكلفة، وكذا ولي المكلفة بالاولى، وعبارة التحفة والنهاية: لا لولي امرأة حتى صغيرة ومجنونة الخ. اه. وإنما لم يجز الفسخ للولي لان الفسخ بذلك يتعلق بالشهوة والطبع فلا يفوض لغير مستحقه، وإذا لم تجز الفسخ له تكون النفقة في مالها إن كان وإلا فعلى من تلزمه قبل النكاح وإن كانت تصير دينا على الزوج (قوله: فسخ الخ) فاعل يجوز. وقوله أي زوج: أفاد به أن من نكرة موصوفة. وقوله أعسر الخ: الحاصل شروط هذه المسألة خمسة تعلم من كلامه: الاول الاعسار فخرج ما إذا امتنع مع عدم الاعسار، الثاني كونه بالنفقة أو الكسوة أو المسكن أو المهر بشرطه الآتي فخرج ما إذا أعسر بنحو الادم، الثالث كون النفقة لها فخرج ما إذا أعسر بنفقة الخادم، الرابع كون الاعسار بنفقة المعسر فخرج ما إذا أعسر بنفقة الموسر أو المتوسط مع القدرة على نفقة المعسر، الخامس كون النفقة مستقبلة فخرج ما لو أعسر بالنفقة الماضية (قوله: مالا وكسبا) منصوبان على التمييز: أي أعسر من جهة المال ومن جهة الكسب فليس عنده مال ولا قدرة على كسب ينفق عليها من أحدهما (قوله: لائقا به) صفة لكسبا وليس بقيد بل مثل اللائق غيره إذا أراد تحمل المشقة بمباشرته، كما في التحفة، وقوله حلالا: صفة ثانية وخرج به الحرام فلا أثر لقدرته عليه فلها الفسخ قال في التحفة: وأما قول الماوردي والروياني الكسب بنحو بيع الخمر كالعدم وبنحو صنعة آلة لهو محرمة له أجرة المثل فلا فسخ لزوجته، وكذا ما يعطاه منجم وكاهن لانه عن طيب نفس فهو كالهبة فردوه بأن الوجه أنه لا أجرة لصانع محرم لاطباقهم على أنه لا أجرة لصانع آنية النقد ونحوها، وما يعطاه نحو النجم إنما يعطاه أجرة لا هبة فلا وجه لما قالاه. اه (قوله: بأقل نفقة) متعلق بأعسر. وقوله تجب: أي النفقة في المستقبل، والمراد تجب لها بدليل قوله في المفاهيم ولا بنفقة الخادم، وكان الأولى التصريح به لأن ما ذكر هو محترزه (قوله: وهو) أي أقل النفقة مد (قوله: أو أقل كسوة) معطوف على أقل نفقة: أي أو أعسر بأقل كسوة. وقوله تجب: أي لها في المستقبل كالذي قبله (قوله: كقميص الخ) تمثيل لاقل الكسوة (قوله: بخلاف الخ) مرتبط بمحذوف يعلم من عبارة الفتح الآتي نقلها تقديره، والمراد بأقل الكسوة ما لا بد منه كقميص الخ بخلاف نحو سراويل الخ - إلا أن قوله وفرش وما بعده لا يناسب ذكره هنا لأنه ليس من أنواع الكسوة وعبارة فتح الجواد ليس فيها ذلك ونصها مع الأصل أو عن أقل كسوة وهي كسوة المعسر إذ لا بقاء بدونها غالبا وقيد ابن الصلاح البعض: أي المفهوم من لفظ أقل بما لا بد منه كخمار وجبة شتاء بخلاف نحو نعل وسراويل واختاره الزركشي وهو متجه. اه. بزيادة يسيرة. إذا علمت ذلك فكان الأولى للشارح أن لا يذكره هنا وأن يزيد ما قدرته. وقوله وفرش الخ: في ع ش ما نصه: وبحث م ر الفسخ بالعجز عما لا بد منه من الفرش بأن يترتب على عدمه الجلوس والنوم على البلاط والرخام المضر ومن الاواني كالذي يتوقف عليه

فسخ بالاعسار بالادم وإن لم يسغ القوت ولا بنفقة الخادم ولا بالعجز عن النفقة الماضية كنفقة الامس وما قبله لتنزيلها منزلة دين آخر (أو) أعسر (بمسكن) وإن لم يعتادوه (أو) أعسر (بمهر) واجب حال لم تقبض منه شيئا حال كون الاعسار به (قبل وطئ) طائعة فلها الفسخ للعجز عن تسليم العوض مع بقاء المعوض بحاله وخيارها ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو الشرب. اه. سم (قوله: لعدم بقاء إلخ) تعليل لجواز الفسخ بالاعسار بأقل النفقة وأقل الكسوة، وقوله بدونهما: أي أقل النفقة وأقل الكسوة (قوله: فلا فسخ بالاعسار بالادم) هذا محترز قوله عن أقل نفقة بناء على أن المراد بأقل النفقة ما لا تقوم النفس بدونه كما أشار إليه الشارح بقوله فيما تقدم وهو مد: أي لا غيره، وقوله وإن لم يسغ القوت: أي بدون الادم، فالمتعلق محذوف وقوله ولا بنفقة الخادم قد علمت أن هذا محترز ما قدرته وهو لفظ لها. وقوله ولا بالعجز عن النفقة الماضية محترز قوله نفقة تجب ومثل العجز عن النفقة الماضية العجز عن الكسوة الماضية أيضا فلا فسخ به. واعلم: أن ما ذكر من الادم ونفقة الخادم والنفقة الماضية وإن كان لا يحصل الفسخ بالعجز عنها يصير دينا حتى في ذمة المعسر لأنها في مقابلة التمكين وقد وجد. وقوله كنفقة الامس: تمثيل للنفقة الماضية. وقوله وما قبله: أي قبل الامس (قوله: لتنزيلها إلخ) علة لعدم جواز الفسخ بالعجز عن النفقة الماضية فقط لا كما يفيده صنيعه أنه علة لجميع ما قبله أي وإنما لم يجز الفسخ بالعجز عنها لأنها منزلة منزلة دين آخر غير النفقة الماضية الكائنة عليه لها وتوضيح ذلك أنها إذا كان لها دين غير دين النفقة عند زوجها وأعسر به فليس لها الفسخ به، فكذلك دين النفقة الماضية لانها منزلة منزلته (قوله: أو أعسر بمسكن) معطوف على أعسر بأقل الخ: أي ويجوز فسخ نكاح من أعسر بمسكن ولم يقل بأقل مسكن كسابقه لعدم تصور الاقل فيه: إذ الواجب على المعسر مسكن لائق بحالها بخلاف سابقيه، فإن الواجب فيهما ما يليق بحاله يسارا وإعسارا أو توسطا فيتصور فيهما أقل ووسط وأكثر، وإنما كان لها الفسخ بعجزه عن المسكن لشدة الحاجة إليه كالنفقة، وخالف بعضهم فجعله كالادم، وهو ضعيف (قوله: وإن لم يعتادون) غاية في كونها لها الفسخ بالاعسار المسكن: أي لها الفسخ بذلك وإن لم يعتد أهل محلتها المسكن (قوله: أو أعسر بمهر الخ) معطوف على أعسر بأقل نفقة أيضا: أي ويجوز لها فسخ نكاح من أعسر بمهر لكن بشروط أربعة مذكورة في كلامه: أن يكون واجبا بتسمية وبدونها، وأني يكون حالا، وأن لا تقبض منه شيئا، وأن يكون إعساره به قبل وطئها طائعة، فلا فسخ بإعساره بغير الواجب كمفوضة قبل الفرض، وذلك لانها إذا فوضت لوليها المهر بأن قالت له زوجني بما شئت فلا يجب على الزوج إلا بعد أن يفرضه على نفسه أو يفرضه الحاكم عليه، كما تقدم، ولا بغير الحال ولا بعد قبضها منه شيئا ولا بعد الوطئ (قوله: واجب) صفة لمهر وهو الشرط الاول. وقوله حال: صفة ثانية وهو الشرط الثاني. وقوله لم تقبض منه شيئا: الجملة صفة ثالثة وهو الشرط الثالث. وقوله حال الخ: هو الشرط الرابع. وقوله به أي بالمهر (قوله: قبل وطئ طائعة) أي قبل وطئها حال كونها طائعة (قوله: فلها الفسخ) أي إذا أعسر بالمهر بدليل سياق كلامه وليس مرتبطا بجميع ما قبله وأعاده - مع أنه معلوم - لاجل العلة بعده وهي قوله للعجز الخ (قوله: عن تسليم العوض) هو المهر (قوله: مع بقاء المعوض بحاله) هو البضع، وذلك لان تلفه إنما هو بالوطئ، فإذا لم يوجد بقي على حاله. والقاعدة أنه إذا لم يسلم أحد العاقدين العوض وكان المعوض باقيا بعينه رجع فيه مالكه وفسخ العقد (قوله: وخيارها) أي في الفسخ. وقوله حينئذ: أي حين إذا أعسر بالمهر المذكور، وليس والمراد حينئذ أعسر بأقل النفقة وبأقل الكسوة وبالمسكن وبالمهر فيكون راجعا لجميع ما قبله لانه غير صحيح: إذ الفورية خاصة في الخيار بالاعسار بالمهر. وأما ما عداه فسيصرح المؤلف بأنه بعد توفر شروط الفسخ يمهل ثلاثة أيام، وحينئذ فلا يكون فوريا. وقوله عقب الرفع: قال ع ش: أما الرفع نفسه فليس فوريا، فلو أخرت مدة ثم أرادته مكنت. والفرق أنه بعد الرفع ساغ لها الفسخ فتأخيرها رضا بإلاعسار وقبل الرفع لم تستحق الفسخ الآن لعدم الرفع المقتضي لاذن القاضي لاستحقاقها الفسخ. وقوله فوري: قال في شرح الروض: وعلم من كونه على الفور بعد الطلب أنه لا يمهل ثلاثة أيام ولا دونها وبه صرح الماوردي والروياني. قال الاذرعي: وليس بواضح بل قد يقال بأن الامهال هنا هو أولى لانها تتضرر بتأخير النفقة، بخلاف المهر. اه. قال سم: وما قاله الاذرعي هو الوجه، والفورية إنما تعتبر بعد الامهال. اه

حينئذ عقب الرفع إلى القاضي فوري فيسقط الفسخ بتأخيره بلا عذر كجهل ولا فسخ بعد الوطئ لتلف المعوض به وصيرورة العوض دينا في الذمة، فلو وطئها مكرهة فلها الفسخ بعده أيضا. قال بعضهم: إلا إن سلمها الولي له وهي صغيرة بغير مصلحة فتحبس نفسها بمجرد بلوغها فلها الفسخ حينئذ إن عجز عنه ولو بعد الوطئ لان وجوده هنا كعدمه. أما إذا قبضت بعضه فلا فسخ لها على ما أفتى به ابن الصلاح واعتمده الاسنوي والزركشي وشيخنا، وقال البارزي كالجوهري لها الفسخ أيضا واعتمده الاذرعي. تنبيه: يتحقق العجز عما مر بغيبة ماله لمسافة القصر، فلا يلزمها الصبر إلا إن قال أحضر مدة الامهال أو ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: فيسقط الفسخ) أي خياره فليس لها الخيار بالفسخ إذا أخرته بلا عذر عن الرفع إلى الحاكم أو عن الامهال على ما قاله الاذرعي، واستوجهه سم، وقوله كجهل مثال للعذر، فإذا جهلت أن الخيار فوري وأخرته عن الرفع المذكور لها الفسخ بعد ذلك (قوله: ولا فسخ بعد الوطئ) أي طائعة وكان حقه أن يذكره كما ذكره فيما تقدم لاجل أن يلائم التفريع بعده (قوله: لتلف المعوض) تعليل لعدم جواز الفسخ: يعني ليس لها الفسخ بما ذكر لكون المعوض، وهو البضع، قد تلف بالوطئ، والعوض، وهو المهر، صار دينا في ذمته بتمكينها له لأنه يشعر برضاها بذمته. والفسخ لا يتصور إلا إذا كان المعوض باقيا بحاله، والعوض ليس في الذمة، فصار حكمه حينئذ حكم عجز المشتري عن الثمن بعد قبض المبيع وتلفه (قوله: فلو وطئها مكرهة) محترز طائعة التي قدرتها أو التي ذكرت في كلامه (قوله: فلها الفسخ بعده) أي بعد وطئها الذي أكرهت عليه لان وجوده كعدمه، وقوله أيضا: أي كقبل الوطئ (قوله: قال بعضهم إلخ) مرتبط بقوله ولا فسخ بعد الوطئ فالاستثناء منه، فكان الأولى تقديمه على قوله ولو وطئها مكرهة. واستوجه في النهاية القول المذكور وقوله له: أي للزوج وقوله وهي صغيرة: أي والحال أنها صغيرة: أي أو مجنونة. وقوله بغير مصلحة: متعلق بسلمها والمصلحة كأن كانت تحتاج إلى الانفاق وليس هناك من ينفق عليها فيسلمها له لاجل الانفاق (قوله: فلها الفسخ حينئذ) أي حين إذ سلمها الولي بغير مصلحة وحبست نفسها عنه عقب بلوغها أو عقب إفاقتها من الجنون، وقوله إن عجز عنه: أي عن المهر (قوله: ولو بعد الوطئ) الاولى عدم ذكر هذه الغاية لأن الإستثناء من قوله ولا فسخ بعد الوطئ، كما علمت (قوله: لان وجوده) أي الوطئ: وقوله هنا: أي في حالة ما إذا سلمها الولي له بغير مصلحة. وقوله كعدمه: أي الوطئ (قوله: أما إذا قبضت بعضه) مفهوم قوله لم تقبض منه شيئا (قوله: فلا فسخ لها) أي بعجزه عن بقيته (قوله: على ما أفتى إلخ) أي أن عدم الفسخ مبني على ما أفتى به الخ، وهذا هو المعتمد عند ابن حجر. قال: لان البضع لا يقبل التبعيض فبأداء البعض يدور الامر بين أن يغلب عليه حكم المقبوض أو حكم غيره، والاول أولى لتشوف الشارع إلى بقاء النكاح. اه. وقوله حكم المقبوض: أي فلا فسخ. وقوله أو حكم غيره: أي فيثبت الفسخ. وقال في التحفة: وفارق جواز الفسخ بالفلس بعد قبض بعض الثمن بإمكان التشريك فيه دون البضع. اه (قوله: وقال البارزي كالجوهري لها الفسخ) أي لانه يلزم على عدم جوازه إجبارها على تسليم نفسها بتسليم بعض الصداق ولو درهما واحدا من صداق هو ألف درهم وهو في غاية البعد، وقوله واعتمده الاذرعي: أي وقال هو الوجه نقلا ومعنى، واعتمد هذا الخطيب في مغنيه أيضا (قوله: يتحقق العجز) أي المثبت للفسخ. وقوله عما مر: أي من أقل النفقة وأقل الكسوة والمسكن والمهر (قوله: بغيبة ماله) أي الزوج (قوله: لمسافة القصر) خرج غيبته لدون مسافة القصر فلا يتحقق العجز بها لأنه في حكم الحاضر فيكلف إحضاره عاجلا (قوله: فلا يلزمها الصبر) أي فلها الفسخ حالا لتضررها بالانتظار الطويل. قال في شرح الروض: وفرق البغوي بين غيبته موسرا وغيبة ماله بأنه إذا غاب ماله فالعجز من جهته، وإذا غاب هو موسرا فقدرته حاصلة والتعذر من جهتها. اه (قوله: إلا إن قال أحضر الخ) أي فيلزمها الصبر، وعبارة شرح المنهج: نعم، لو قال أنا أحضره مدة الامهال فالظاهر إجابته ذكره الأذرعي وغيره. اه. وقوله مدة الامهال: قال في الجمل أي إمهال المعسرين وهي ثلاثة أيام، فإذا لم يحضره فيها أمهل ثلاثة أخرى، فإذا لم يحضره فيها فسخت ولا يمهل مدة ثالثة. اه. شيخنا. اه. ثم إن هذا في غير الاعسار بالمهر لأنه

بتأجيل دينه بقدر مدة إحضار ماله الغائب بمسافة القصر أو بحلوله مع إعسار المدين ولو الزوجة لانها في حالة الاعسار لا تصل لحقها والعسر منظر وبعدم وجدان المكتسب من يستعمله إن غلب ذلك أو بعروض ما يمنعه عن الكسب. فائدة: إذا كان للمرأة على زوجها الغائب دين حال من صداق أو غيره وكان عندها بعض ماله وديعة فهل لها أن تستقل بأخذه لدينها بلا رفع إلى القاضي ثم تفسخ به أو لا؟ فأجاب بعض أصحابنا ليس للمرأة المذكورة الاستقلال بأخذ حقها بل ترفع الامر إلى القاضي لان النظر في مال الغائبين للقاضي. نعم. إن علمت أنه لا يأذن لها إلا بشئ يأخذه منها جاز لها الاستقلال بالاخذ وإذا فرغ المال وأرادت الفسخ بإعسار الغائب، فإن لم يعلم ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس فيه إمهال بل الفسخ فيه فوري، كما علمت (قوله: أو بتأجيل دينه الخ) معطوف على بغيبة ماله: أي ويتحقق العجز أيضا بتأجيل دينه الذي له على غيره إن كان الاجل بقدر مدة إحضار ماله الغائب بمسافة القصر فما فوق، فإن كان بدون قدر ذلك فلا يتحقق العجز به (قوله: أو بحلوله الخ) معطوف على بغيبة ماله أي ويتحقق العجز أيضا بحلول الدين مع كون المدين معسرا، وقوله ولو الزوجة: أي ولو كان المدين الزوجة (قوله: لأنها الخ) تعليل للاخير، وقوله لا تصل لحقها: أي لكون الزوج ليس عنده إلا الدين الذي على معسر وقوله والمعسر منظر كالعلة لقوله لا تصل لحقها، وإنما كان منظرا لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (قوله: وبعدم وجدان الخ) معطوف على بغيبة ماله: أي ويتحقق العجز بعدم وجدان المكتسب من يستعمله لانه حينئذ في حكم المعسر وقوله إن غلب ذلك: أي أن كان عدم وجود من يستعمله غالبا لا نادرا: أي وتعذرت النفقة لذلك، كما في حاشية الجمل نقلا عن الروض وشرحه، ونص عبارته: وإن كانت تحصل البطالة على الجعلاء: أي العملة بأن لم يجدوا من يستعملهم وتعذرت النفقة لذلك وكان ذلك يقع غالبا لانادرا جاز لها الفسخ لتضررها. اه. وفي النهاية: فلو كان يكتسب في كل يوم ما يفي بثلاثة ثم يبطل ثلاثة ثم يكتسب ما يفي بها فلا فسخ لعدم مشقة الاستدانة حينئذ فصار كالموسر، ومثله نحو نساج ينسج في الاسبوع ثوبا أجرته تفي بنفقة الاسبوع، ومن تجمع له أجرة الاسبوع في يوم منه وهي نفي بنفقة جميعه، وليس المراد أنا نصبرها أسبوعا بلا نفقة، وإنما المراد أنه في حكم واحد نفقتها وينفق مما استدانه لامكان الوفاء. ويعلم من ذلك أنا مع كوننا نمكنها من مطالبته ونأمره بالاستدانة والانفاق لا نفسخ عليه لو امتنع لما تقرر أنه في حكم الموسر الممتنع. اه. (قوله: أو بعروض) معطوف على بغيبة ماله: أي ويتحقق العجز أيضا بعروض مانع كمرض يمنعه عن الكسب، ولا بد من تقييد ذلك بكونه لا يتوقع زوال المانع عن قرب، كما يفيده عبارة التحفة والنهاية ونصهما: ولا أثر لعجزه إن رجى برؤه قبل مضي ثلاثة أيام. اه. وفي الروض وشرحه: فلو أبطل من كان يكتسب في الاسبوع نفقة جميعه الكسب أسبوعا لعارض فسخت لتضررها لا لامتناع له من الكسب فلا تفسخ اه. (قوله: فائدة) أي في بيان حكم ما إذا كان عند زوجة الغائب بعض ماله وكان معسرا بمامر (قوله: من صداق الخ) بيان للدين الحال. وقوله أو غيره: أي غير الصداق كدين نفقة المدة الماضية أو الحاضرة أو دين آخر غيرها (قوله: وكان عندها) أي زوجة الغائب. وقوله بعض ماله: أي الغائب، (وقوله: وديعة) أي على سبيل الوديعة والامانة (قوله: فهل لها) أي لزوجة الغائب. وقوله أن تستقل: أي من غير حاكم. وقوله بأخذه: أي بعض مال الغائب، وقوله لدينها: أي لاجل دينها الصداق أو غيره، وقوله بلا رفع: هذا هو معنى استقلالها (قوله: ثم) أي بعد أخذها إياه في مقابلة دينها. وقوله تفسخ به: أي بالاعسار بالنفقة أو نحوها مما مر. وقوله أو لا: أي أو لا تستقل به بل لا بد من الرفع إلى الحاكم (قوله: بل ترفع الأمر إلى القاضي) أي وهو بعد ذلك يأذن لها في أخذه بعد ثبوت دينها عليه عنده (قوله: لأن النظر إلخ) علة لعدم جواز استقلالها بالاخذ (قوله: نعم إلخ) استدراك من قوله ليس لها الاستقلال الخ. وقوله أن علمت أنه: أي القاضي. (وقوله: لا يأذن لها) أي في أخذ ما عندها من مال الغائب لدينها (قوله: جاز لها الخ)

_ (1) سورة البقرة، الاية: 280.

المال أحد ادعت إعساره وأنه لا مال له حاضر ولا ترك نفقة وأثبتت الاعسار وحلفت على الاخيرين ناوية بعدم ترك النفقة عدم وجودها الآن وفسخت بشروطه وإن علم المال فلا بد من بينة بفراغه أيضا. انتهى. (فلا فسخ) على المعتمد (بامتناع غيره) موسرا أو متوسطا من الانفاق حضر أو غاب (إن لم ينقطع خبره) فإن انقطع خبره ولا مال له حاضر جاز لها الفسخ لان تعذر واجبها بانقطاع خبره كتعذر ربالاعسار، كما جزم به الشيخ زكريا، وخالفه ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب إن (قوله: وإذا فرغ المال) أي المودع عندها، والمناسب وإذا أخذت المال في مقابلة مالها عليه (قوله: وأرادت الفسخ بإعسار الغائب) أي بالنفقة أو بالصداق أو نحوهما (قوله: فإن إلخ) أي ففي ذلك تفصيل وهو أنه إن لم يعلم إلخ. وقوله المال: أي الذي كان عندها لزوجها الغائب وأخذته لدينها (قوله: ادعت) أي عند القاضي، وهو جواب إن. وقوله إعساره: أي بما مر. وقوله وأنه لا مال الخ: أي وادعت أنه لا مال لزوجها الغائب حاضر في البلد، وقوله ولا ترك نفقة: أي وادعت أنه لم يترك لها نفقة (قوله: وأثبتت الاعسار) أي ببينة أو بإقراره كما سيأتي (قوله: على الاخيرين) أي كونه لا مال له حاضر وكونه لم يترك لها نفقة (قوله: ناوية الخ) أي لاجل البراءة من الكذب. ومحل هذا إذا ترك لها نفقة فإن لم يترك لها نفقة أصلا فلا حاجة إليه كما هو ظاهر، وقوله بعدم ترك النفقة: أي وبعدم وجود مال (قوله: وفسخت بشروطه) أي الفسخ وهي ملازمتها للمسكن وعدم صدور نشوز منها وحلفها عليهما (قوله: وإن علم المال) مقابل قوله فإن لم يعلم المال أحد (قوله: فلا بد من بينة بفراغه) أي فلا بد في فسخها بالاعسار من بينة تشهد بفراغ المال المودع عندها، وقوله أيضا: أي كما أنه لا بد من بينة على الاعسار ومن حلفها على أنه لا مال له حاضر ولا ترك نفقة مستقبله (قوله: فلا فسخ الخ) وذلك لانتفاء الاعسار المثبت للفسخ وهي متمكنة من خلاص حقها في الحاضر بالحاكم بأن يلزمه بالحبس وغيره وفي الغائب يبعث الحاكم إلى قاضي بلده (قوله: على المعتمد) لا يلائمه التقييد بقوله بعد إن لم ينقطع خبره لانه المعتمد عدم الفسخ مطلقا انقطع خبره أو لا، فالصواب إسقاطه (قوله: بامتناع غيره) أي غير من أعسر بأقل النفقة أو أقل الكسوة أو بالمسكن أو بالصداق بشروطه، وهو صادق بالموسر والمتوسط والمعسر القادر على نفقة المعسرين، فقوله بعد موسرا أو متوسطا: أي أو معسرا قادرا على ما ذكر (قوله: من الانفاق) متعلق بامتناع: أي فلا فسخ بامتناعه من الانفاق: أي أو الكسوة أو المسكن أو المهر ومثله امتناع القادر على الكسب من الاكتساب فيجبره الحاكم على الاكتساب (قوله: حضر أو غاب) الجملة في محل نصب حال من غير: أي حال كون غير المعسر حاضرا في البلد أو غائبا عنها (قوله: إن لم ينقطع خبره) المعتمد أنه متى امتنع من الإنفاق وهو قادر على نفقة المعسرين يمتنع الفسخ مطلقا حضر أو غاب انقطع خبره أولا. وعبارة شرح م ر: وشمل كلامه من تعذر تحصيلها منه لغيبته وإن طالت وانقطع خبره فقد صرح في الام بأنه لا فسخ ما دام موسرا وإن انقطع خبره وتعذر استيفاء النفقة من ماله: أي ولم يعلم غيبة ماله في مرحلتين أخذا مما يأتي والمذهب نقل، كما قاله الأذرعي، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى. وإن اختار كثيرون الفسخ، وجزم به الشيخ في شرح منهجه. اه. ومثله في التحفة، وفي ق ل ما نصه: قوله لافسخ بمنع موسر ولا متوسط سواء حضر أو غاب وإن انقطع خبره بأن تواصلت القوافل إلى الاماكن التي يظن وصوله إليها ولم تخبر به وإن لم يبلغ العمر الغالب سواء غاب موسرا أو معسرا أو جهل حاله وإن شهدت بينة بأنه غاب معسرا وهذا ما اعتمده شيخنا. ز ي. وم ر. وقال الاذرعي: إنه نص الشافعي وما نقل مما يخالف ذلك مردود. نعم: لو شهدت البينة أنه معسر الآن اعتمادا على إعساره السابق على غيبته من غير أن تصرح بذلك قبلت ولها الفسخ بذلك. وقال شيخ الإسلام في المنهج وغيره وتبعه العلامة الطبلاوي. وغالب المتأخرين أن لها الفسخ بانقطاع خبره وعزى أيضا لوالد شيخنا م ر في بعض حواشيه وهو غير معتمد له. اه (قوله: فإن انقطع خبره الخ) مفهوم إن لم ينقطع (قوله: ولا مال له حاضر) أي في البلد، فإن كان له مال حاضر امتنع الفسخ ومثله ما إذا غاب ماله دون مسافة القصر فيمتنع الفسخ لأنه في حكم الحاضر (قوله: جاز لها الفسخ) جواب إن (قوله: لان تعذر واجبها) أي الزوجة من النفقة والكسوة ونحوهما مما مر، وهو علة لجواز الفسخ. وقوله بانقطاع خبره: الباء سببية متعلقة بتعذر (قوله: كتعذره) أي الواجب، والجار والمجرور خبر أن (قوله: كما جزم به) أي بجواز الفسخ عند انقطاع خبره

تلميذه شيخنا. واختار جمع كثيرون من محققي المتأخرين في غائب تعذر تحصيل النفقة منه الفسخ، وقواه ابن الصلاح، وقال في فتاويه: إذا تعذرت النفقة لعدم مال حاضر مع عدم إمكان أخذها منه حيث هو بكتاب حكمي وغيره لكونه لم يعرف موضعه أو عرف ولكن تعذرت مطالبته عرف حاله في اليسار والاعسار أو لم يعرف فلها الفسخ بالحاكم والافتاء بالفسخ هو الصحيح. انتهى ونقل شيخنا كلامه في الشرح الكبير، وقال في آخره وأفتى بما قاله جمع من متأخري اليمن. وقال العلامة المحقق الطنبداوي في فتاويه، والذي نختاره، تبعا للائمة المحققين، أنه إذا لم يكن له مال، كما سبق، لها الفسخ وإن كان ظاهر المذهب خلافه لقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * ولقوله (ص): بعثت بالحنيفية السمحة ولان مدار الفسخ على الاضرار ولا شك أن الضرر موجود فيها إذا لم يمكن الوصول إلى النفقة منه وإن كان موسرا. إذ سر الفسخ هو تضرر المرأة وهو موجود، لاسيما مع إعسارها فيكون تعذر وصولها إلى النفقة حكمه حكم الاعسار. انتهى. وقال تلميذه شيخنا خاتمة المحققين ابن زياد في فتاويه: وبالجملة فالمذهب الذي جرى عليه الرافعي والنووي عدم جواز الفسخ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وخالفه تلميذه شيخنا) عبارته بعد كلام: فجزم شيخنا في شرح منهجه بالفسخ في منقطع خبر لا مال له حاضر مخالف للمنقول، كما علمت. اه. وقد علمت أن م لا مخالف أيضا له (قوله: واختار الخ) هذا قول ثالث أعم مما جزم به شيخ الإسلام، وهو ضعيف أيضا (قوله: في غائب) أي زوج غائب وهو متعلق باختار، وقوله تعذر تحصيل النفقة: أي سواء كان التعذر بانقطاع خبره أم لا. ومثل النفقة سائر ما يجب لها: إذ لا فرق بين أنواع ما يجب لها (قوله: الفسخ) مفعول اختار (قوله: وقواه) أي ما اختاره كثيرون (قوله: وقال) أي ابن الصلاح في فتاويه (قوله: إذا تعذرت النفقة) أي أو نحوها من كل ما هو واجب لها كما علمت (قوله: لعدم مال حاضر) علة التعذر (قوله: مع عدم إمكان أخذها) أي النفقة، وقوله منه: أي من الزوج الغائب، وقوله حيث هو: أي في المكان الذي هو مستقر فيه. وقوله بكتاب متعلق بأخذها. وقوله حكمي: نسبة للحاكم بأن ترفع أمرها لحاكم بلدها ويكتب كتابا لحاكم بلده (قوله: وغيره) أي غير الكتاب الحكمي (قوله: لكونه لم يعرف الخ) علة لعدم إمكان أخذها منه (قوله: أو عرف) أي موضعه (قوله: ولكن تعذرت مطالبته) أي لكونه ظالما مثلا (قوله: عرف حاله) أي من تعذر أخذ النفقة منه، وقوله في اليسار والاعسار في بمعنى من البيانية لحاله، وقوله أو لم يعرف: أي حاله من ذلك (قوله: فلها الفسخ) الجملة جواب إذا (قوله: والافتاء بالفسخ) من مقول ابن الصلاح. وقوله هو الصحيح: ضعيف (قوله: ونقل شيخنا كلامه) أي كلام ابن الصلاح. وقوله في الشرح الكبير: هو الامداد (قوله: وقال في آخره) أي وقال شيخنا في آخر كلامه. وقوله وأفتى بما قاله: أي ابن الصلاح (قوله: إذا لم يكن له) أي لزوجها الغائب. وقوله مال كما سبق: أي حاضر مع عدم إمكان أخذها منه حيث هو (قوله: لها الفسخ) جواب إذا (قوله: لقوله تعالى وما جعل الخ) علة لكونها لها الفسخ (قوله: بعثت بالحنيفية) أي بالطريق الحنيفية: أي المائلة عن سائر الاديان إلى الدين الحق القيم. وقوله السمحة: أي السهلة التي لا يكلف فيها أحد إلا وسعه، وقوله ولان مدار الفسخ على الاضرار: أي أصل الفسخ مرتب على إضرار الزوجة (قوله: موجود فيها) أي في المرأة، وقوله إذا لم يكن الخ: قيد في وجود الضرر فيها، وقوله وإن كان موسرا: غاية في وجود الضرر حينئذ (قوله: إذ سر الفسخ الخ) الأولى حذف هذا والإقتصار على قوله بعد لا سيما الخ لأنه عين قوله ولان مدار الفسخ الخ (قوله: فيكون تعذر إلخ) مفرع على كونها إذا لم يكن له مال كما سبق، وقوله حكمه حكم الاعسار: أي وهو كونه يثبت الفسخ (قوله: وبالجملة) أي فأقول قولا متلبسا بجملة الكلام وحاصله (قوله: عدم جواز الفسخ كما سبق) أي على الوصف الذي سبق وهو كونه في

_ (1) سورة الحج، الاية: 78.

كما سبق، والمختار الجواز، وجزم في فتيا له أخرى بالجواز و (لا) فسخ بإعسار بنفقة ونحوها أو بمهر (قبل ثبوت إعساره) أي الزوج بإقرارة أو بينة تذكر إعساره الآن، ولا تكفي بينة ذكرت أنه غاب معسرا. ويجوز للبينة اعتماد في الشهادة على استصحاب حالته التي غاب عليها من إعسار أو يسار، ولا تسئل من أين لك أنه معسر الآن، فلو صرح بمستنده بطلت الشهادة (عند قاض) أو محكم فلا بد من الرفع إليه فلا ينفذ ظاهرا ولا باطنا قبل ذلك ولا يحسب عدتها إلا من الفسخ. قال شيخنا: فإن فقد قاض ومحكم بمحلها أو عجزت عن الرفع إلى القاضي. كأن قال لا أفسخ حتى تعطيني مالا استقلت بالفسخ للضرورة وينفذ ظاهرا وكذا باطنا، كما هو ظاهر، خلافا ـــــــــــــــــــــــــــــ غائب تعذر تحصيل النفقة منه (قوله: والمختار الجواز) أي جواز الفسخ وهو ضعيف كما علمت (قوله: وجزم) أي ابن زياد، وقوله في فتيا له أخرى: أي غير هذه الفتيا التي اختار فيها الجواز، وقوله بالجواز: أي جواز الفسخ حينئذ (قوله: ولا فسخ بإعسار بنفقة إلخ) هذا كالتقييد لجواز الفسخ بالاعسار المار فكأنه قال محله إذا ثبت الاعسار وإلا لم يجز الفسخ (قوله: ونحوها) أي النفقة كالكسوة والمسكن (قوله: قبل ثبوت إلخ) الظرف متعلق بمحذوف خبر لا: أي لا فسخ كائن قبل ثبوت الاعسار (قوله: بإقراره) متعلق بثبوت (قوله: أو بينة) معطوف على إقراره (قوله: تذكر) أي البينة في الشهادة، وقوله إعساره الآن: أي إذا أرادت البينة تشهد بالاعسار لا بد من أن نقول أنه معسر الآن سواء كانت معتمدة في ذلك على ما كان من إعساره حال الغيبة أم لا بدليل قوله ويجوز للبينة الخ (قوله: ولا تكفي إلخ) المقام للتفريع على قوله تذكر إعساره الآن: أي فلا تكفي بينة تذكر أنه غاب عنهم وهو معسر وذلك لاحتمال طرو الغنى له بعد غيبته والذي يظهر أن الاقرار ميل البينة فلا بد من إقراره بأنه معسر الآن. فلو أقر بأنه كان معسرا فلا يكفي للعلة المذكورة (قوله: ويجوز للبينة الخ) يعني يجوز للبينة الاقدام على الشهادة بإعساره الآن اعتمادا على حالة الزوج التي غاب وهو متلبس بها وهي الاعسار ويقبلها القاضي وإن علم أنها إنما شهدت معتمدة على ما كان عليه. وقوله أو يسار: الأولى إسقاطه، إذ الكلام في الاعسار (قوله: ولا تسئل إلخ) أي ولا يسأل القاضي البينة إذا شهدت بالاعسار ويقول لها من أين لك أنه معسر الآن؟ (قوله: فلو صرح بمستنده) أي فلو صرح الشاهد بمستنده في شهادته بإعساره الآن وهو استصحاب حالته التي غاب وهو متلبس بها، والأولى أن يقول فلو صرحت بمستندها بتأنيث الضمير العائد على البينة وقوله بطلت الشهادة في التحفة ما يقتضي تقييد البطلان بما إذا ذكرته على سبيل الشك لا على سبيل التقوية ونصها بعد كلام: بل لو شهدت بينة أنه غاب معسرا فلا فسخ ما لم تشهد بإعساره الآن وإن علم استنادها للاستصحاب أو ذكرته تقوية لا شكا كما يأتي. اه. وسيأتي للشارح مثل هذا في آخر فصل الشهادات نقلا عن ابن أبي الدم وعبارته هناك: وشرط ابن أبي الدم في الشهادات بالتسامع أن لا يصرح بأن مستنده الاستفاضة ومثلها الاستصحاب، ثم اختار، وتبعه السبكي وغيره، أنه إن ذكره تقوية لعلمه بأن جزم بالشهادة، ثم قال: مستندي الاستفاضة أو الاستصحاب سمعت شهادته وإلا فلا. اه. بحذف (قوله: عند قاض) متعلق بثبوت (قوله: أو محكم) قال في النهاية: بشرطه. اه. وكتب ع ش: قوله بشرطه، أي بأن يكون مجتهدا ولو مع وجود قاض أو مقلدا وليس في البلد قاضي ضرورة. اه (قوله: فلا بد) أي في صحة الفسخ، وقوله من الرفع إليه: أي رفع أمرها إلى من ذكر من القاضي أو المحكم، ولا بد أيضا من ثبوت إعساره عنده (قوله: فلا ينفذ) أي الفسخ منها وهو مفرع على فلا بد الخ. وقوله قبل ذلك: أي قبل الرفع إليه (قوله: ولا يحسب عدتها) أي إذا فسخت بالشروط المذكورة. وقوله إلا من الفسخ: أي لا من الرفع للقاضي (قوله: قال شيخنا) أي في التحفة (قوله: فإن فقد قاض الخ) مفرع في كلامه على عدم جواز الفسخ حتى يثبت إعساره عند قاض أو محكم وقوله بمحلها: أي الزوجة، والجار والمجرور متعلق بفقد: أي فقد في محلها من ذكر (قوله: أو عجزت عن الرفع إلخ) أي أو لم يفقد القاضي أو المحكم لكن عجزت عن الرفع. وقوله إلى القاضي: أي أو المحكم. ولو قال أو عجزت عن الرفع إليه بالضمير العائد على من ذكر من القاضي والمحكم لوفى بالمراد وسلم من الاظهار في محل الاضمار، والمراد بالعجز الشرعي لان العجز الحسي، وهو الفقد، قد ذكره بقوله فإن فقد قاض (قوله: كأن قال الخ) تمثيل للعجز عن الرفع ويمثل أيضا بما إذا فقد

لمن قيد بالاول لان الفسخ مبني على أصل صحيح وهو مستلزم للنفوذ باطنا ثم رأيت غير واحد جزموا بذلك. انتهى. وفي فتاوي شيخنا ابن زياد: لو عجزت المرأة عن بينة الاعسار جاز لها الاستقلال بالفسخ. انتهى. وقال الشيخ عطية المكي في فتاويه: إذا تعذر القاضي أو تعذر الاثبات عنده لفقد الشهود أو غيبتهم فلها أن تشهد بالفسخ، وتفسخ بنفسها - كما قالوا - في المرتهن إذا غاب الراهن وتعذر إثبات الرهن عند القاضي أن له بيع الرهن دون مراجعة قاض، بل هذا أهم. وأهم وقوعا. اه. (ف) - إذا توفرت شروط الفسخ من ملازمتها المسكن الذي غاب عنها وهي فيه وعدم صدور نشوز منها وحلفت عليهما وعلى أن لا مال له حاضر ولا ترك نفقة ـــــــــــــــــــــــــــــ الشهود أو غابوا. وقوله لا أفسخ حتى تعطيني مالا قال ع ش: ظاهره وإن قل وقياس ما مر في النكاح من أن شرط جواز العدول عن القاضي للمحكم غير المجتهد حيث طلب القاضي مالا أن يكون له وقع جريان مثله هنا. اه (قوله: استقلت بالفسخ) أي بشرط الامهال الآتي وهو جواب إن (قوله: وينفذ) أي الفسخ إذا استقلت به (قوله: ظاهرا) أي بحسب ظاهر الشرع فلها أن تتزوج بعد انقضاء العدة (قوله: وكذا باطنا) أي ينفذ باطنا: أي بحسب ما بينها وبين الله (قوله: خلافا لمن قيد) أي النفوذ. وقوله بالاول: هو نفوذه ظاهرا فقط (قوله: لان الفسخ الخ) علة للنفوذ مطلقا ظاهرا وباطنا، وقوله على أصل صحيح: وهو الاعسار بما مر. وقوله وهو: أي بناؤه على أصل صحيح مستلزم لنفوذه باطنا، ولا ينافيه أن شرط نفوذه ثبوت الاعسار عند القاضي أو المحكم لان محله إذا لم تعجز عنه (قوله: جزموا بذلك) أي بالنفوذ باطنا ممن جزم به شيخ الإسلام في شرح الروض ونص عبارته: فإن استقلت بالفسخ لعدم حاكم ومحكم ثم أوجرت عن الرفع نفذ ظاهرا وباطنا للضرورة. اه (قوله: وفي فتاوى شيخنا ابن زياد الخ) هو مع ما بعده تأييد لما قاله شيخه ابن حجر. والحاصل: الذي يستفاد من هذه النقول أن محل وجوب الرفع إلى القاضي أو المحكم وثبوت الاعسار عنده عند الامكان فإن لم يمكن ذلك لفقد القاضي أو المحكم أو لطلبه مالا أو لفقد الشهود أو غيبتهم جاز لها الفسخ بنفسها مع الاشهاد عليه (قوله: لو عجزت المرأة عن بينة الاعسار) أي لفقدهم أو لغيبتهم (قوله: جاز الخ) جواب لو (قوله: إذا تعذر القاضي) أي والمحكم (قوله: أو تعذر الاثبات) أي أو لم يتعذر القاضي ولكن تعذر إثبات الاعسار عنده، وقوله لفقد الخ: علة تعذر الاثبات: أي وإنما تعذر إثبات الاعسار لفقد الشهود أو غيبتهم عن البلد (قوله: فلها أن تشهد بالفسخ) جواب إذا ومفاد هذا أنه لا بد من الاشهاد ولم يتعرض ابن حجر لذلك ويمكن أن يقال إن عدم تعرضه له لكونه معلوما لأنه لا بد من الإشهاد على الفسخ (قوله: وتفسخ بنفسها) أي وتستقل بالفسخ بنفسها لتعذر القاضي (قوله: كما قالوا إلخ) أي قياسا على قولهم في المرتهن الخ. وقوله إذا غاب الراهن: وقد حل الاجل وأراد المرتهن استيفاء حقه منه. (قوله: وتعذر إثبات الرهن) أي لفقد الشهود أو لغيبتهم أو لكون القاضي يطلب مالا (قوله: أن له) أي للمرتهن وهو مقول القول، وقوله بيع الرهن: أي المرهون، وقوله دون مراجعة قاض: أي من غير أن يراجع المرتهن القاضي (قوله: بل هذا) أي فسخها بنفسها عند تعذر القاضي أو الشهود، وقوله أهم: أي من بيع المرتهن الرهن عند تعذر ذلك لتضررها بعدم الفسخ، وقوله أعم وقوعا: أي أكثر وجودا وحصولا (قوله: فإذا توفرت شروط الفسخ من ملازمتها المسكن الخ) فيه أنه لم يبين فيما تقدم أن شروط الفسخ ملازمتها الخ، وصنيعه يوهم أنه قد تقدم منه ذلك وأيضا هذه ليست شروطا للفسخ لأنه قد نص على أن شرط الفسخ الاعسار بما مر والاعسار له قيود، وهي: أن يكون بأقل النفقة أو الكسوة أو المسكن أو المهر، وأن يثبت عند القاضي بإقراره أو بينة، ولو سلم أن شروط النفقة شروط للفسخ بالاعسار بطريق اللزوم، إذ المراد بالاعسار الاعسار بنحو النفقة، ولا يقال ذلك إلا إذا كان ثابتا عليه وهو لا يثبت عليه إلا بملازمتها المسكن ونحوه من كل ما لا يسقط النفقة، فكان ينبغي أن ينص عليه بأن يقول: وشرط للفسخ شروط النفقة. ولو قال فإذا أثبتت إعساره عند القاضي أو المحكم يمهله القاضي ثلاثة أيام ثم يفسخ هو أو يأذن لها فيه ولا يجوز الفسخ إلا بشرط ملازمتها للمسكن وعدم صدور نشوز منها وحلفها عليها وعلى أن لا مال له حاضر ولا ترك نفقة لكان أولى وأسبك (قوله:

وأثبتت الاعسار بنحو النفقة على المعتمد أو تعذر تحصيلها على المختار (يمهل) القاضي أو المحكم وجوبا (ثلاثة) من الايام وإن لم يستمهله الزوج ولم يرج حصول شئ في المستقبل ليتحقق إعساره في فسخ لغير إعساره بمهر فإنه على الفور، وأفتى شيخنا أنه لا إمهال في فسخ نكاح الغائب، (ثم) بعد إمهال الثلاث بلياليها (يفسخ هو) أي القاضي أو المحكم أثناء الرابع، لخبر الدارقطني والبيهقي في الرجل لا يجد شيئا ينفق على امرأته يفرق بينهما وقضى به عمر وعلي وأبو هريرة رضي الله عنهم. قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أعلم أحدا من الصحابة خالفهم. ولو فسخت بالحاكم على غائب فعاد وادعى أن له مالا بالبلد لم يبطل، كما أفتى به ـــــــــــــــــــــــــــــ وعدم صدور نشوز منها) عطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص (قوله: وحلفت عليهما) أي على ملازمتها للمسكن وعدم صدور نشوز منها. وقوله وعلى أن إلخ: الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور قبله: أي وحلفت أن لا مال له حاضر وعلى أنه لم يترك لها نفقة (قوله: وأثبتت الاعسار) أي بإقراره أو ببينة. وقوله بنحو النفقة: متعلق بالاعسار (قوله: على المعتمد) أي في أن الفسخ إنما يجوز لها بالاعسار (قوله: أو تعذر تحصيلها) جملة فعلية معطوفة على جملة وأثبتت الاعسار، ويحتمل أن يقرأ تعذر بصيغة المصدر فيكون معطوفا على الاعسار: أي وأثبتت تعذر تحصيلها. وقوله على المختار: أي في أنه يجوز لها الفسخ إذا غاب وتعذر تحصيل النفقة منه. وهو ضعيف (قوله: يمهل القاضي إلخ) جواب إذا (قوله: أو المحكم) أي أو يمهل المحكم إذا فقد القاضي، وقوله ثلاثة من الايام، صفة لموصوف محذوف أي يمهل وجوبا إمهالا ثلاثة أيام بلياليها (قوله: وإن لم يستمهله الزوج) غاية في وجوب إمهال القاضي أو المحكم المدة المذكورة والسين والتاء للطلب: أي يجب الامهال وإن لم يطلب الزوج من القاضي المهلة (قوله: ولم يرج الخ) معطوف على الغاية فهو غاية أي يجب الامهال للزوج المدة المذكورة وإن لم يرج الزوج حصول شئ في المستقبل ينفقه عليها (قوله: ليتحقق إعساره) علة للامهال (قوله: في فسخ) متعلق بيمهل، وقوله لغير إعساره بمهر: متعلق بفسخ. وخرج به الفسخ لاعساره بالمهر فإنه لا مهلة فيه، بل يكون على الفور عقب الرفع إلى القاضي، كما صرح به بقوله فإنه: أي الفسخ بالاعسار بالمهر على الفور، وقد علمت عند قوله وخيارها فوري ما نقله في شرح الروض عن الاذرعي من أن الفورية ليست بواضحة وأن الامهال فيه أولى لانه إذا ثبت في الإعسار بالنفقة التي ضررها بتأخيرها أكثر فليثبت في الاعسار بالمهر بالاولى (قوله: وأفتى شيخنا أنه لا إمهال الخ) أي بل تنجز الفسخ عقب ثبوت الاعسار (قوله: ثم بعد إمهال إلخ) أي ثم بعد مضي مدة الامهال المذكورة (قوله: يفسخ هو) أي ولو بعد رضاها بإعساره. اه. فتح الجواد (قوله: أثناء الرابع) عبارة المنهاج: صبيحة الرابع (قوله: في الرجل) متعلق بمحذوف صفة لخبر: أي الخبر الوارد، وقوله لا يجد شيئا: الجملة حال من الرجل، وقوله ينفق على امرأته: الجملة صفة لشيئا، وقوله يفرق بينهما، بدل من لفظ خبر أو عطف بيان له أو مقول لقول محذوف: أي قال عليه السلام فيه يفرق بينهما، وعبارة فتح الجواد: وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته يفرق بينهما وهو وإن أعله ابن القطان لكن يعضده عمل عمر وعلي وأبي هريرة رضي الله عنهم بقضيته. قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أعلم أحدا من الصحابة خالفهم، وصح عن سعيد بن المسيب أن ذلك سنة، قال الشافعي رضي الله عنه: ويشبه أن يكون سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. اه (قوله: وقضى) أي حكم وقوله به: أي بالخبر المذكور: أي بمقتضاه (قوله: ولو فسخت بالحاكم على غائب) أي ثبت إعساره عنده. وقوله لم يبطل: أي الفسخ، وقوله إلا إن ثبت أنها تعلمه: عبارة التحفة. فرع: حضر المفسوخ نكاحه وادعى أن له بالبلد ما لا يخفى على بينة الاعسار لم يكفه حتى يقيم بينة بذلك وبأنها تعلمه وتقدر عليه فحينئذ يبطل الفسخ قاله الغزالي وفي الاحتياج إلى إقامته البينة بعلمها وقدرتها نظر ظاهر لأنه بيان ببينة الوجود أنه موسر وهو لا يفسخ عليه وإن تعذر تحصيل النفقة منه كما مر. اه. ومثله في النهاية، وفي حاشية الجمل ما نصه: وانظر على قول شيخ الإسلام ومن تبعه لو حضر وادعى أن له مالا بالبلد هل يقبل قوله ويبطل الفسخ أو لا؟. اه.

الغزالي، إلا إن ثبت أنها تعلمه ويسهل عليها أخذ النفقة منه بخلاف نحو عقار وعرض لا يتيسر بيعه فإنه كالعدم (أو) تفسخ (هي بإذنه) أي القاضي بلفظ فسخت النكاح فلو سلم نفقة الرابع فلا تفسخ بما مضى لانه صار دينا. ولو أعسر بعد أن سلم نفقة الرابع بنفقة الخامس بنت على المدة ولم تستأنفها. وظاهر قولهم أنهم لو أعسر بنفقة السادس استأنفتها وهو محتمل، ويحتمل أنه إن تخللت ثلاثة وجب الاستئناف، أو أقل فلا كما قاله شيخنا ولو تبرع رجل بنفقتها لم يلزمها القبول بل لها الفسخ. فرع: لهافي مدة الامهال والرضا بإعساره الخروج نهارا قهرا عليه لسؤال نفقة أو اكتسابها وإن كان لها ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ويسهل الخ) أي وإنها يسهل عليها أخذ النفقة من المال الذي تعلمه في البلد (قوله: بخلاف نحو إلخ) مفهوم قوله ويسهل عليها أخذ النفقة منه: أي بخلاف ما لو ادعى مالا له في البلد، وعلمت به لكنه لا يسهل عليها أخذ النفقة منه كعقار وعرض لا يتيسر بيعه فإنه لا يبطل به الفسخ لانه حينئذ كالعدم. وقوله لا يتيسر بيعه: أي إن احتيج إلى بيعه بأن لم تف غلته لو أجر بالنفقة كما هو ظاهر. وكتب ع ش: قوله لا يتيسر بيعه، لعل المراد لا يتيسر بيعه بعد مدة قريبة فيكون كالمال الغائب فوق مسافة القصر. اه. (قوله: أو تفسخ هي) معطوف على قوله يفسخ هو. وقوله بإذنه: إنما توقف فسخها على إذنه لانه مجتهد فيه كالعنة فلا ينفذ منها قبل ذلك ظاهرا ولا باطنا. وقوله أي القاضي: أي أو المحكم (قوله: بلفظ فسخت النكاح) متعلق بكل من الفعلين السابقين: أعني قوله: أولا ويفسخ هو، وقوله ثانيا أو تفسخ هي (قوله: فلو سلم نفقة الرابع) أي قدر عليها ح ل، وهذا مفهوم قيد ملحوظ بعد قوله بإذنه وهو ما لم تسلم لها نفقة الرابع (قوله: فلا تفسخ إلخ) جواب لو، والاولى فيه أن يقول لم تفسخ. وقوله بما مضى: أي من نحو النفقة (قوله: لانه صار دينا) علة لعدم الفسخ: أي لا تفسخ بما مضى إذا سلمها نفقة اليوم الرابع لأن ما مضى من النفقة صار دينا عليه ولا فسخ بالاعسار بالدين. قال في شرح المنهج: ولو سلم بعد الثلاث نفقة يوم وموافقا على جعلها ما مضى ففي الفسخ احتمالان في الشرحين والروضة بلا ترجيح، وفي المطلب الراجح منعه اه. (قوله: ولو أعسر) أي من أمهل المدة المذكورة، وقوله بعد أن سلم نفقة الرابع: متعلق بأعسر، وقوله بنفقة الخامس: متعلق بأعسر أيضا (قوله: بنت على المدة) أي بنت الزوجة الفسخ على مدة الامهال الماضية بمعنى أنه يعتد بها وتفسخ الآن. وقوله ولم تستأنفها: هو معنى البناء على المدة المارة أو لازم لها (قوله: وظاهر قولهم) مقول لقول محذوف: أي بنفقة الخامس، وهو ثابت في عبارة التحفة والنهاية، فلعله في الشرح ساقط من النساخ (قوله: أنه الخ) المصدر المؤول من أن المفتوحة واسمها وخبرها خبر ظاهر (قوله: استأنفتها) أي مدة الامهال فلا تفسخ إلا بعد مضي ثلاثة أخرى من بعد اليوم الرابع الذي وقع الانفاق فيه (قوله: هو) أي الاستئناف الذي هو ظاهر قولهم المذكور محتمل (قوله: ويحتمل أنه الخ) وعليه فتبنى على ما مضى إذا أعسر بنفقة السادس لان المتخلل أقل من ثلاثة. وقوله إن تخللت ثلاثة: أي فصلت ثلاثة أيام ينفق فيها بين الاعسار الاول الذي مضت مدة الامهال له وبين الاعسار الثاني. والحاصل: الضابط على هذا الاحتمال أن يقال أنه متى أنفق ثلاثة متوالية وعجز استأنفت، وإن أنفق دون الثلاثة بنت على ما قبله (قوله: أو أقل فلا) أي أو تخلل أقل من الثلاثة فلا يجب الاستئناف، بل تبنى وتفسخ حالا: كالمثال المار (قوله: ولو تبرع رجل بنفقتها لم يلزمها القبول) أي لما فيه من المنة، ومن ثم لو سلمها للزوج وهو سلمها لها لزمها القبول لانتفاء المنة ثم إن محل عدم لزوم قبول تبرعه إذا لم يكن أصلا للزوج ولا سيدا له فإن كان له أصلا أبا أو جدا وإن علا لزمها القبول لكن بشرط أن يكون الزوج تحت حجره، وكذلك إن كان سيدا ووجهه في الأول أنه يقدر دخول ما تبرع به في ملك المؤدي عنه ويكون الولي كأنه وهب وقبل له ووجهه في الثاني أن علقة السيد بقنه أتم من علقة الوالد بولده. وبحث بعضهم أن تبرع ولد الزوج الذي يلزمه إعفافه كذلك فيلزمها القبول (قوله: بل لها الفسخ) الاضراب انتقالي (قوله: لها إلخ) الجار والمجرور خبر مقدم، وقوله الخروج: مبتدأ مؤخر، وقوله في مدة الامهال: متعلق به (قوله:

مال وأمكن كسبها في بيتها وليس له منعها لان حبسه لها إنما هو في مقابلة إنفاقه عليها، وعليها رجوع إلى مسكنها ليلا لانه وقت الايواء دون العمل، ولها منعه من التمتع بها نهارا وكذلك ليلا لكن تسقط نفقتها عن ذمته مدة المنع في الليل. قال شيخنا: وقياسه أنه لا نفقة لها زمن خروجها للكسب اه. فرع: لا فسخ في غير مهر لسيد أمة وليس له منعها من الفسخ بغيره ولا الفسخ به عند رضاها بإعساره أو ـــــــــــــــــــــــــــــ والرضا بإعساره) أي وفي مدة الرضا بإعساره، وذلك لانها في حالة إعساره مخيرة بين الفسخ وبين الرضا بإعساره مع عدم الفسخ، فإذا رضيت لها الخروج في مدة الرضا نهارا، وقوله قهرا عليه: أي بالقهر على زوجها المعسر (قوله: لسؤال الخ) متعلق بالخروج: أي لها الخروج لاجل طلب نفقة أو اكتسابها، وقوله وإن كان لها: غاية في جواز الخروج لما ذكر: أي يجوز لها الخروج لما ذكر وإن كان لها مال يكفيها لنفقتها أو أمكن كسبها في بيتها من غير خروج (قوله: وليس لها منعها) أي من الخروج لما ذكر. قال: في النهاية: والاوجه تقييد ذلك بعدم الريبة، وإلا منعها من الخروج أو خرج معها. اه ومثله في التحفة (قوله: لان حبسه لها) أي حبس الزوج: أي منعه لها من الخروج وغيره (قوله: إنما هو) أي الحبس، وقوله في مقابلة إنفاقه عليها: أي فإذا لم يوجد الانفاق فليس له حبسها (قوله: وعليها إلخ) أي ويجب عليها الرجوع إلى مسكنها: أي الذي رضي به الزوج. وقوله ليلا: ظرف متعلق برجوع (قوله: لانه وقت الايواء) أي لان الليل وقت الايواء: أي السكون والراحة، وهو علة لوجوب الرجوع ليلا: وفي البجيرمي نقلا عن ع ش: ويؤخذ منه أنه لو توقف تحصيلها: أي الراحة على مبيتها في غير منزله كان لها ذلك. اه. وقوله دون العمل: أي ليس الليل وقت العمل والشغل (قوله: ولها منعه من التمتع) عبارة النهاية ولها منعه من التمتع بها، كما قاله البغوي ورجحه في الروضة، وقال الروياني: ليس لها ذلك، وحمل الاذرعي وغيره الاول على النهار: أي وقت التحصيل والثاني على الليل وبه صرح في الحاوي وتبعه ابن الرفعة. انتهت. ومثله في التحفة (قوله: قال شيخنا وقياسه الخ) خالفه في النهاية وعبارتها: والاوجه عدم سقوط نفقتها مع منعها له من الاستمتاع زمن التحصيل فإن منعته ذلك في غير مدة التحصيل سقطت زمن المنع اه (قوله: فروع) أي ثلاثة: الأول قوله لا فسخ الخ، الثاني قوله: ولو زوج أمته الخ الثالث قوله: ولو أعسر الخ (قوله: لا فسخ في غير مهر إلخ) أي لا يجوز لسيد الامة إذا زوج أمته وأعسر الزوج بغير المهر من النفقة والكسوة والمسكن أن يفسخ النكاح مطلقا ولو كانت غير مكلفة لان الفسخ بذلك يتعلق بالشهوة والطبع للمرأة لا دخل للسيد فيه، وما يجب لها من ذلك وإن كان ملكا له لكنه في الاصل لها ويتلقاه السيد من حيث أنها لا تملك أما إذا أعسر بالمهر فله الفسخ به مطلقا لانه محض حقه لا تعلق للامة به ولا ضرر عليها في فواته ولانه في مقابلة البضع فكان الملك فيه: لسيدها. ويشبه ذلك بما إذا باع عبدا وأفلس المشتري بالثمن يكون حق الفسخ للبائع لا للمشتري. قال في التحفة: نعم. المبعضة لا بد لمن الفسخ فيها من موافقتها هي والسيد أي مالك البعض، كما اعتمده الأذرعي، أي بأن يفسخا معا أو يوكل أحدهما الآخر كما هو ظاهر. اه. ومثله في النهاية وشرح المنهج (قوله: وليس له منعها من الفسخ بغيره) أي ليس للسيد إذا أرادت أمته الفسخ بإعساره بغير المهر أن يمنعها منه لان حق قبضه لها وفي الروض وشرحه: وتستقل الامة بالفسخ للنفقة كما تفسخ بجبه وعنته ولانها صاحبة حق في تناول النفقة، فإذا أرادت الفسخ لم يكن للسيد منعها، ولو كانت الأمة صغيرة أو مجنونة أو اختارت المقام مع الزوج لم يفسخ السيد لما مر ولأن النفقة في الاصل لها ثم يتلقاها السيد لأنها لا تملك فيكون الفسخ لها لا لسيدها. اه (قوله: ولا الفسخ به الخ) لفظ فسخ يحتمل أن يكون معطوفا على منعها، فهو مرفوع، وضمير به عليه يحتمل عوده على غير المهر، وهذا هو الملائم والاقرب لما بعده من التقييد والتعليل، ويحتمل عوده على المهر. والمعنى على الأول: وليس للسيد الفسخ بغير المهر عند رضاها بإعساره أو كونها غير مكلفة وفيه أن هذا عين قوله أولا لا فسخ في غير مهر لسيد أمة، وعلى الثاني وليس للسيد الفسخ بالمهر: أي بالاعسار به عند رضاها بإعساره به وهو باطل لان للسيد الفسخ به مطلقا ويحتمل

عدم تكليفها لان النفقة في الاصل لها بل له إلجاؤها إليه بأن لا ينفق عليها ويقول لها إفسخي أو جوعي دفعا للضرر عنه، ولو زوج أمته بعبده واستخدمه فلا فسخ لها ولا له إذ مؤنتها عليه، ولو أعسر سيد المستولدة عن نفقتها قال أبو زيد: أجبر على عتقها أو تزويجها. فائدة: لو فقد الزوج قبل التمكين فظاهر كلامهم أنه لا فسخ ومذهب مالك رحمه الله تعالى لا فرق بين ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون معطوفا على الفسخ فهو مجرور ويجري في ضمير به الاحتمالان المذكوران، والمعنى حينئذ وليس للسيد منعها من الفسخ بغير المهر على أن الضمير يعود عليه أو ليس له منعها من الفسخ بالمهر على أن الضمير يعود عليه والاول مكرر مع ما قبله والثاني باطل لان الفسخ بالمهر يتعلق بالسيد لا غير، وعبارة المنهج مع شرحه: ولا فسخ في غير مهر لسيد أمة بل له أن كانت غير صبية ومجنونة إلجاؤها إليه بأن يترك واجبها ويقول لها افسخي أو اصبري على الجوع، أو العري دفعا للضرر عنه. أما في المهر فله الفسخ بالاعسار لانه محض حقه. اه. وعبارة فتح الجواد مع الارشاد: وتفسخ من فيها رق دون سيدها لنفقة أو كسوة أو مسكن ويفسخ سيد لمهر خاصة لانه محض حقه وليس له منعها من الفسخ بغيره ولا الفسخ به عند رضاها أو عدم تكليفها لان النفقة في الاصل لها الخ. اه. فأنت ترى المؤلف خلط صدر عبارة المنهج بعجز عبارة فتح الجواد فأوجب عدم الالتئام في عبارته، فكان عليه أن يسلك مسلك العبارة الاولى أو مسلك العبارة الثانية ويحذف قوله ولا الفسخ به ويكون التقييد والتعليل بعد مرتبطين بقوله لا فسخ في غير مهر لسيد أمة (قوله: عند رضاها الخ) متعلق بقوله ولا فسخ به بناء على احتمال الرفع مع احتمال عود الضمير على غير المهر: أي وليس للسيد الفسخ بغير المهر عند رضاها بإعصار به أو عدم تكليفها، فإن لم ترض به وكانت مكلفة فهي التي تباشر الفسخ لا السيد أما على بقية الاحتمالات فهو متعلق بقوله لا فسخ في غير مهر لسيد أمة، ومثله التعليل بعده (قوله: لأن النفقة الخ) أي ليس للسيد الفسخ بغير المهر لان النفقة في الاصل لها وإن كانت تؤول بعد ذلك له من حيث إن الامة لا تملك شيئا (قوله: بل له إلجاؤها) أي ليس له الفسخ بغير المهر عند رضاها لكن له إلجاؤها إلى الفسخ لكن محله إذا كانت مكلفة إذ لا ينفذ من غيرها، وقوله: بأن لا ينفق عليها تصوير للالجاء، فمعنى الالجاء أن لا ينفق عليها ولا يمونها حتى تفسخ فإذا فسخت أنفق عليها واستمتع بها أو زوجها على غيره وكفى نفسه مؤنتها (قوله: دفعا للضرر عنه) تعليل لجواز الالجاء له (قوله: ولو زوج أمته بعبده الخ) مثله ما لو زوج أمته بأصل له يلزمه إعفافه فلا فسخ لها ولا له إذ مؤنتها عليه (قوله: فلا فسخ لها) أي للأمة. وقوله ولاله: أي للسيد، وقوله إذ مؤنتها: أي الامة وكذا مؤنة العبد وفي بعض النسخ مؤنتهما فيكون الضمير عائدا عليهما. وقوله عليه: أي على السيد (قوله: ولو أعسر سيد المستولدة) أي منه. وقوله عن نفقتها: متعلق بأعسر (قوله: قال أبو زيد أجبر الخ) وقال في النهاية: أجبر على تخليتها للكسب لتنفق منه أو على إيجارها ولا يجبر على عتقها أو تزويجها ولا بيعها من نفسها فإن عجزت عن الكسب أنفق عليها من بيت المال. قال القمولي: ولو غاب مولاها ولم يعلم له مال ولا لها كسب ولا كان بيت مال فالرجوع إلى وجه أبي زيد بالتزويج أولى للمصلحة وعدم الضرر. اه (قوله: فائدة إلخ) المناسب تقديم هذه الفائدة وذكرها في شرح قوله فلا فسخ إن لم ينقطع خبره (قوله: لو فقد الزوج قبل التمكين) أي غاب وانقطع خبره قبل أن تمكنه الزوجة من نفسها. ثم إن هذا يقتضي تقييد الخلاف المار في منقطع الخبر بالممكنة، وهو أيضا مقتضى كلامه المار: إذ هو مفروض في موسر أو متوسط ممتنع من الانفاق، ولا يقال إنه ممتنع إلا إذا وجب عليه ولا يجب عليه إلا بعد التمكين (قوله: فظاهر كلامهم أنه لا فسخ) أي قولا واحدا. وانظر لم لم يجر فيه الخلاف المار في منقطع الخبر بعد التمكين بجامع التضرر في كل وقد مر أن مدار الفسخ على الضرر ولا شك أنه حاصل لها؟ ويمكن أن يفرق بينهما بأن الفسخ إنما هو للاعسار بالنفقة أو لتعذرها بانقطاع خبره والمفقود قبل التمكين لم تجب عليه نفقة حتى يقال إنه أعسر بها أو تعذر تحصيل النفقة منه. فتنبه. (قوله: ومذهب مالك رحمه الله تعالى) في الباجوري: مذهب المالكية إذا غاب الزوج ولم يترك لها مالا تفسخ عندهم، فلو فعل ذلك مالكي ثم حضر الزوج فللشافعي نقضه، اه، بالمعنى (قوله: لا فرق) أي في جواز الفسخ

الممكنة وغيرها إذا تعذرت النفقة وضربت المدة وهي عنده شهر للتفحص عنه ثم يجوز الفسخ. تتمة: يجب على موسر ذكر أو أنثى ولو بكسب يليق به بما فضل عن قوته وقوت ممونة يومه وليلته وإن لم يفضل عن دينه كفاية نفقة وكسوة مع أدم ودواء لاصل وإن علا ذكر أو أنثى وفرع وإن نزل. كذلك إذا لم يملكاها ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: إذا تعذرت) أي بغيبته، وقوله وضربت المدة: معطوف على تعذرت النفقة (قوله: وهي) أي المدة. وقوله عنده: أي عند مالك رضي الله عنه. وقوله للتفحص عنه: علة لضرب المدة المذكورة عنده: أي وتضرب المدة لاجل التفحص عنه: أي السؤال والتفتيش عنه (قوله: ثم يجوز الفسخ) أي ثم بعد ضرب المدة المذكورة يجوز لها الفسخ عندهم (قوله: تتمة) أي في بيان حكم مؤن الاقارب: الاصول والفروع. والأصل في وجوبها للاصول قوله تعالى في حق الابوين * (وصاحبهما في الدنيا معروفا) * وقوله تعالى: * (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا) * ومن المعروف والاحسان القيام بكفايتهما عند حاجتهما، وخبر أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه، فكلوا من أموالهم والاجداد والجدات ملحقون بهما في ذلك. والأصل في وجوبها للفروع قوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * إذ إيجاب الاجرة لارضاع الاولاد يقتضي إيجاب نفقتهم، وقوله عليه الصلاة والسلام لهند خذي ما يكفيك ولدك بالمعروف رواه الشيخان. وأولاد الاولاد ملحقون بهم (قوله: يجب على موسر) أي من أصل أو فرع، والكلام على التوزيع، فإن كان الموسر فرعا فيجب عليه الكفاية لاصله، وإن كان أصلا يجب عليه الكفاية لفرعه، وقوله ذكر أو أنثى: تعميم في الموسر (قوله: ولو بكسب) غاية للموسر، وهي للرد: أي يجب عليه ولو كان يساره بسب قدرته على كسب يليق به، وهذا يفيد أنه يجب على الاصل اكتساب نفقة فرعه، وهو كذلك إذ كان عاجزا عن الكسب، كما في سم، وعبارته: يجب على الاصل القادر اكتساب نفقة فرعه العاجز لنحو زمانة كصغر - لا مطلقا - اه. وقوله يليق به: ولا بد أن يكون حلالا أيضا. وعبارة التحفة مع الاصل: ويلزم كسوبا كسبها، أي المؤن، في الاصح إن حل ولاق به وإن لم تجر عادته به لان القدرة بالكسب كهي بالمال في تحريم الزكاة وغيرها، وإنما لم يلزمه، أي الكسب لوفاء دين لم يعص به لانه على التراخي، وهذه فورية ولقلة هذه وانضباطها بخلافه، ولا يجب لاجلها، أي المؤن، سؤال زكاة ولا قبول هبة، فإن فعل وفضل شئ عما مر أنفق عليه منه. اه (قوله: بما فضل) متعلق بموسر: أي يجب على موسر بما فضل إلخ فإن لم يفضل شئ عما ذكر فلا وجوب لأنه ليس من أهل المواساة، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شئ فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شئ فلذي قرابتك وقوله عن قوته: أي حاجته من كل ما لا يغنى لمثله عنه كمسكن وملبس وفرش وماء وضوء. وقوله: وقوت ممونة: أي حاجة من يمونه من زوجته وخادمها وأم ولده. وقوله يومه وليلته: الضمير فيهما يعود على الانفاق المعلوم من المقام، والظرف متعلق بفضل: أي موسر بما فضل عن قوته وقوت ممونه في يوم الانفاق وليلته: أي التي تأخرت عنه (قوله: وإن لم يفضل عن دينه) أي يجب عليه ما ذكر وإن لم يكن فاضلا عن دينه (قوله: كفاية الخ) فاعل يجب، وهو مضاف إلى ما بعده إضافة على معنى اللام أو من: أي يجب على موسر كفاية لنفقة الخ لقوله عليه السلام خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ويجب إشباعه شبعا يقدر معه على التردد والتصرف، ولا يجب ما زاد على ذلك وهو المبالغة في إشباعه، كما لا يكفي سد الرمق، ويعتبر حاله في سنه وزهادته ورغبته، وقوله: مع أدم ودواء: أي ومسكن، وعبارة البجيرمي: دخل في الكفاية القوت الادم والكسوة، وخالف البغوي في الادم. وتجب الكسوة بما يليق به لدفع الحاجة والمسكن وأجرة الفصد والحجامة وطبيب وشرب الادوية ومؤنة الخادم إن احتاج إليه لزمانة أو مرض. اه. ثم إنه يباع لكفاية القريب ما يباع للدين من عقار وغيره كالمسكن والخادم والمركوب ولو احتاجها لانها مقدمة على وفاء الدين فبيع فيها ما يباع فيه بالاولى. قال في شرح المنهج: وفي كيفية بيع العقار وجهان: أحدهما يباع كل يوم جزء بقدر الحاجة، والثاني لا لانه يشق، ولكن يقترض عليه إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له، ورجح النووي في نظيره من نفقة

_ (1) سورة لقمان، الاية: 15. (2) سورة العنكبوت، الاية: 8. (3) سورة الطلاق، الاية: 6.

وإن اختلفا دينا لا إن كان أحدهما حربيا أو مرتدا. قال شيخنا في شرح الارشاد: ولا إن كان زانيا محصنا أو تاركا للصلاة، خلافا لما قاله في شرح المنهاج، ولا إن بلغ فرع وترك كسبا لائقا ولا أثر لقدرة أم أو بنت على النكاح ـــــــــــــــــــــــــــــ العبد الثاني فليرجع هنا. وقال الاذرعي. أنه الصحيح أو الصواب، قال ولا ينبغي قصر ذلك على العقار. اه (قوله: لاصل) متعلق بكفاية، وكما تجب الكفاية له تجب لقنه المحتاج له وزوجته إن وجب إعفافه بأن احتاج إلى النكاح. وقوله وإن علا: أي الاصل. وقوله ذكر أو أنثى: أي لا فرق في الاصل بين أن يكون ذكرا أو أنثى (قوله: وفرع) معطوف على الاصل. وقوله وإن نزل: أي الفرع ولو كان من جهة البنات فشمل ولد الابن وولد البنت وقوله كذلك أي ذكرا أو أنثى. تنبيه: اقتصاره على الاصل والفرع يخرج غيرهما من سائر الاقارب كالاخ والاخت والعم والعمة، وأوجب أبو حنيفة رضي الله عنه نفقة كل ذي محرم بشرط اتفاق الدين في غير الابعاض تمسكا بقوله تعالى: * (وعلى الوارث مثل ذلك) * وأجاب الشافعي، رضي الله عنه، بأن المراد مثل ذلك في نفي المضارة كما قيده ابن عباس، وهو أعلم بكتاب الله تعالى، أفاده في المغني (قوله: إذا لم يملكاها) أي الكفاية. قال في المنهج وشرحه، وكانا حرين معصومين وعجز الفرع عن كسب يليق به، ثم قال: وبما ذكر، أي من تقييد الفرع بالعجز والاطلاق في الاصل، علم أنهما لو قدرا على كسب لائق بهما وجبت لاصل لا فرع لعظم حرمة الأصل الخ. اه. وقوله حرين: أي كلا أو بعضا. قال في حاشية الجمل: فالمبعض تجب عليه نفقه قريبة بتمامها. كما في شرح م ر، خلافا لمن قال يجب عليه بقدر ما فيه من الحرية ولمن قال لا يجب عليه شئ. وعبارة الخطيب على المنهاج: وأما المبعض فإن كان منفقا فعليه نفقة تامة لتمام ملكه فهو كحر الكل وقيل بحسب حريته، وإن كان منفقا عليه فتبعض نفقته على القريب والسيد بالنسبة إلى ما فيه من رق وحرية. اه (قوله: وان اختلفا دينا) غاية في وجوب الكفاية: أي تجب الكفاية للاصل أو الفرع مطلقا سواء اختلفا في الدين أو اتفقا، فلا يضر في ذلك اختلاف الدين فيجب على المسلم نفقة الكافر، لكن بشرط العصمة وعكسه لعموم الادلة ولوجود الموجب وهو البعضية فإن قيل هلا كان وجوب النفقة كالميراث في اشتراط اتفاق الدين؟ أجيب، بأن الميراث مبني على الموالاة والمناصرة، ولا موالاة ولا مناصرة عند اختلاف الدين، والنفقة مبنية على الحاجة، وهي موجودة عند الاتفاق وعند الاختلاف (قوله: لا إن كان أحدهما الخ) مفهوم قيد ملحوظ يعلم من عبارة المنهج: أي تجب الكفاية لاصل وفرع إن كانا معصومين لا إن كان أحدهما حربيا أو مرتدا وإنما لم تجب كفايتهما لانها مواساة وهما ليسا من أهلها لأنه لا حرمة لهما. إذ أمر الشارع بقتلهما (قوله: قال شيخنا في شرح الإرشاد ولا إن كان زانيا الخ) عبارته: ويجب قوام بعض له من أصل أو فرع معصوم لا مرتد وحربي، وكذا زان محصن وتارك الصلاة بشرطه أخذا من التعبير بمعصوم وقياسا لهما على من قبلهما. اه. إذا علمت ذلك فالمؤلف حكى قوله بالمعنى. وقوله بشرطه: أي بشرط عدم عصمته، وهو أن يكون قد أمره الامام بها واستتابه فلم يتب (قوله: خلافا لما قاله في شرح المنهاج) عبارته: وهل يلحق بهما أي المرتد والحربي نحو زان محصن بجامع الاهدار أو يفرق بأنهما قادران على عصمة نفسيهما فكان المانع منهما بخلافه فإن توبته لا تعصمه ويسن له الستر على نفسه وكذا للشهود على ما يأتي فكان من أهل المواساة لعدم مانع قائم به يقدر على إسقاطه؟ كل محتمل. والثاني أوجه. اه. قال ع ش: ومقتضى ما علل به أن مثله، أي الزاني المحصن، قاطع الطريق بعد بلوغ خبره للامام. اه (قوله: ولا إن بلغ فرع الخ) هذا مفهوم قيد ملحوظ يعلم من عبارة المنهج أيضا وهو، وعجز الفرع عن كسب يليق به: أي فلا تجب الكفاية على الاصل إن بلغ فرع وترك كسبا له قدرة عليه وكان لائقا به، بخلاف الاصل تجب له وإن ترك كسبا لاق بمثله لما تقدم ويستثنى من الأول ما لو كان مشتغلا بعلم شرعي ويرجى منه النجابة والكسب يمنعه فتجب كفايته حينئذ ولا يكلف الكسب. وفي حاشية الجمل: وقع السؤال عما لو حفظ القرآن ثم نسيه بعد البلوغ وكان الاشتغال بحفظه يمنعه من الكسب هل يكون ذلك كاشتغاله بالعلم أم لا؟ والجواب عنه أن الظاهر أن يقال فيه إن تعين طريقا بأن تتيسر القراءة في غير أوقات الكسب كان كالاشتعال بالعلم، وإلا فلا. اه. وخرج بقوله

_ (1) سورة البقرة، الاية: 233.

لكن تسقط نفقتها بالعقد، وفيه نظر، لان نفقتها على الزوج إنما تجب بالتمكين، كما مر، وإن كان الزوج معسرا ما لم تفسخ ولا تصير مؤن القريب بفوتها دينا عليه إلا باقتراض قاض لغيبة منفق أو منع صدر منه لا بإذن منه ولو منع الزوج أو القريب الانفاق أخذها المستحق ولو بغير إذن قاض. فرع: من له أب وأم فنفقته على أب، وقيل هي عليهما لبالغ، ومن له أصل وفرع فعلى الفرع وإن نزل، أو ـــــــــــــــــــــــــــــ بلغ ما إذا لم يبلغ فكفايته تكون على الولي مطلقا ولو كان مكتسبا وترك الكسب اختيارا. نعم: يجوز له أن يحمله على الاكتساب إذا أطاقه وينفق عليه من كسبه وله إيجاره لذلك ولو لاخذ نفقته الواجبة له عليه (قوله: ولا أثر لقدرة أم أو بنت على النكاح) أي في وجوب كفايتهما فيجب لهما الكفاية مع القدرة عليه. وفي البجيرمي: قال زي وقدرة الام أو البنت على النكاح لا تسقط نفقتها وهو واضح في الام، وأما البنت ففيه نظر إذا خطبت وامتنعت لأن هذا من باب التكسب والفرع إذا قدر عليه كلفه إلا أن يقال أن التكسب بذلك يعد عيبا. اه (قوله: لكن تسقط الخ) الأولى حذف أداة الاستدراك ووضع حرف العطف موضعها. وعبارة التحفة: وبتزوجها تسقط نفقتها بالعقد وإن كان الزوج معسرا ما لم تفسخ لتعذر إيجاب نفقتين. كذا قيل. وفيه نظر: لان نفقتها على الزوج إنما تجب بالتمكين كما مر فكان القياس اعتباره، إلا أن يقال إنها بقدرتها عليه مفوتة لحقها، وعليه فمحله في مكلفة فغيرها لا بد من التمكين، وإلا لم تسقط عن الاب فيما يظهر. اه (قوله: وفيه) أي سقوط نفقتها بالعقد نظر، وهو غير ظاهر على القديم من أنها تجب بالعقد (قوله: لان نفقتها الخ) علة النظر (قوله: وإن كان الزوج معسرا) غاية لقوله تسقط نفقتها بالعقد: أي تسقط نفقتها به وإن كان الزوج معسرا لا يملك نفقتها، وقوله: ما لم تفسخ قيد في سقوط نفقتها بذلك مع إعسار الزوج: أي محله ما لم تفسخ النكاح بالاعسار، فإن فسخت استحقت النفقة على الأصل أو الفرع (قوله: ولا تصير مؤن القريب إلخ) أي لا تصير مؤن القريب الأصل أو الفرع بفوتها بمضي الزمان دينا عليه، بل تسقط بذلك وإن تعدى المنفق بالمنع، وذلك لانها وجبت لدفع الحاجة الناجزة مواساة وقد زالت، بخلاف نفقة الزوجة. وفي حاشية الجمل ما نصه: قال بعضهم قد علم من ظاهر كلامهم المذكور أن في النفقة المذكورة، أي نفقة القريب، شائبة إمتاع من حيث سقوطها بمضي الزمان، وشائبة إباحة من حيث عدم تصرفه فيها بغير أكله، وشائبة تمليك من حيث ملكه لها بالدفع من غير صيغة وعدم استردادها منه لو أيسر فيأكلها. اه. ق ل. على الجلال. اه (قوله: إلا باقتراض قاض إلخ) أي فإنه حينئذ تصير دينا عليه، ويشترط في اقتراض القاضي أن يثبت عنده احتياج الفرع وغنى الاصل. وقوله لغيبة: متفق متعلق باقتراض، واللام للتعليل. وقوله أو منع: أي أو منعه من الإنفاق عليه. وقوله صدر منه: أي من المنفق (قوله: لا بإذن منه) أي لا تصير دينا بإذن صادر من القاضي في الاقتراض وما ذكر هو الذي جرى عليه شيخ الإسلام في شرح المنهج، وقال فيه خلافا لما وقع في الأصل: أي من صيرورتها دينا بذلك، ونص عبارة الاصل: ولا تصير دينا إلا بفرض قاض أو إذنه في اقتراض. اه. قال في التحفة والنهاية: وبحث أنها لا تصير دينا إلا بعد الاقتراض. اه (قوله: ولو منع الزوج أو القريب الانفاق) أي امتنع من الإنفاق على من يجب عليه الانفاق له (قوله: أخذها المستحق) أي من مال الزوج أو القريب الموسر وعبارة المغني وللقريب أخذ نفقته من مال قريبه عند امتناعه إن وجد جنسها، وكذا لم يجده في الاصح وله الاستقراض إن لم يجد له مالا وعجز عن القاضي ويرجع إن أشهد. اه. قال في النهاية: والاوجه جريان ذلك في كل منفق (قوله: فرع) الأولى فروع لأنه ذكر ثلاثة فروع: الأول قوله: من له أب وأم الخ، الثاني قوله: من له أصل وفرع الخ، الثالث قوله: ويجب على أم إلخ (قوله: من له أب) أي وإن علا. وقوله وأم: وإن علت (قوله: فنفقته على الأب) أي ولو كان بالغا استصحابا لما كان في صغره ولعموم خبر هند السابق (قوله: وقيل هي) أي النفقة عليهما أي على الأب والأم معا. وقوله لبالغ: أي عاقل وإنما وجبت له عليهما لاستوائهما فيه - بخلاف ما إذا كان صغيرا أو مجنونا لتميز الاب بالولاية عليهما (قوله: ومن له أصل وفرع) أي وهو عاجز. وقوله فعلى الفرع: أي فنفقته على الفرع وإن بعد كأب وابن ابن لان عصوبته أقوى وهو أولى

له محتاجون من أصول وفروع ولم يقدر على كفايتهم قدم نفسه ثم زوجته وإن تعددت، ثم الاقرب فالاقرب. نعم، لو كان له أب وأم وابن قدم الابن الصغير ثم الام ثم الاب ثم الولد الكبير. ويجب على أم إرضاع ولدها اللبأ وهو اللبن أول الولادة ومدته يسيرة، وقيل يقدر بثلاثة أيام وقيل سبعة. ثم بعده إن لم توجد إلا هي أو أجنبية وجب إرضاعه على من وجدت ولها طلب الاجرة ممن تلزمه مؤنته، وإن وجدتا لم تجبر الام خلية كانت أو في نكاح أبيه، فإن رغبت في إرضاعه فليس لابيه منعها إلا إن طلبت فوق أجرة المثل، وعلى أب أجرة مثل لام ـــــــــــــــــــــــــــــ بالقيام بشأن أبيه لعظم حرمته، وقيل إنها على الاصل، وقيل عليهما لاشتراكهما في البعضية (قوله: أو له) أي من أيسر. وقوله محتاجون من أصول وفروع: أي وغيرهما ممن تلزمه نفقته كزوج وخادمها بدليل قوله بعد ثم زوجته. وعبارة التحفة: ومن له محتاجون من أصوله وفروعه أو أحدهما مع زوجة وضاق موجوده عن الكل. اه (قوله: قدم نفسه) أي للحديث إبدأ بنفسك الخ. وقوله ثم زوجته: أي لأن نفقتها آكد لانها لا تسقط بغناها ولا بمضي الزمان، ولانها وجبت عوضا والنفقة على القريب مواساة. قال في التحفة: ومر أن مثل الزوجة خادمها وأم ولده. اه. وقوله وإن تعددت أي الزوجة فيقدم المتعدد من الزوجات على بقية الاقارب (قوله: ثم الاقرب فالاقرب) أي ثم قدم الأقرب فالأقرب من أصوله وفروعه فيقدم الاب على الجد والابن على ابن الابن (قوله: نعم لو كان الخ) هذا مفهوم قوله قدم الاقرب فالاقرب: أي فإن استووا في القرب فالحكم ما ذكره بقوله قدم الخ، فلو ذكره لا على وجه الاستدراك بل على وجه المفهوم لكان أولى. وقوله: الابن الصغير، ويقدم بالرضيع والمريض على غيره (قوله: ثم الأب) قال في التحفة الاوجه ان الاب المجنون مستو مع الولد الصغير أو المجنون ويقدم من اختص من أحد مستويين قربا بمرض أو ضعف، كما تقدم، بنت ابن على ابن بنت لضعفها وإرثها وأبو أب على أبي أم لارثه وجد أو ابن ابن زمن على الأب أو ابن غير زمن، ولو استوى جمع من سائر الوجوه وزع ما يجده عليهم إن سد مسدا من كل وإلا أقرع. اه. بتصرف (قوله: ثم الولد الكبير) أي العاقل (قوله: ويجب على أم إرضاع ولدها اللبأ) أي لان الولد لا يعيش بدونه غالبا أو لا يقوى ولا تشتد بنيته إلا به. قال في التحفة ومع ذلك لها طلب الاجرة عليه إن كان لمثله أجرة كما يجب إطعام المضطر بالبدل. اه. وفي ع ش: فلو امتنعت من إرضاعه ومات فالذي ذكره ابن أبي شريف عدم الضمان لأنه لم يحصل منها فعل يحال عليه سبب الهلاك، قياسا على ما لو أمسك على المضطر واعتمده شيخنا إلخ اه (قوله: وهو) أي اللبأ، ويقرأ بالهمزة مع القصر، وقوله اللبن أول الولادة: أي اللبن النازل أول الولادة، والذي في التحفة والنهاية هو ما ينزل بعد الولادة (قوله: ومدته) أي اللبأ. وقوله يسيرة: أي قليلة (قوله: وقيل يقدر) أي اللبأ: أي مدته (قوله: وقيل سبعة) أي وقيل يقدر بسبعة أيام، والمعتمد أنه يرجع في قدره إلى أهل الخبرة (قوله: ثم بعده) أي بعد إرضاع اللبأ. وقوله إن لم توجد: أي للارضاع، وقوله إلا هي: أي الأم، وقوله أو أجنبية: أي أو لم توجد إلا أجنبية (قوله: وجب إرضاعه على من وجدت) أي من الام أو الاجنبية إبقاء وحفظا للطفل (قوله: ولها) أي للمرضعة منهما. وقوله طلب الاجرة ممن تلزمه مؤنته: عبارة المغني: ولها طلب الاجرة من ماله إن كان، وإلا فمن تلزمه نفقته. اه (قوله: وإن وجدتا) أي الام والاجنبية. وقوله: لم تجبر الام: على الارضاع، وذلك لقوله تعالى: * (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) * يعني فإن تضايقتم في الارضاع فامتنع الاب من الاجرة والام من فعله فسترضع له، أي للاب، أخرى ولا تكره الام على إرضاعه ح ل جلال (قوله: خلية كانت) أي الأم. وقوله أو في نكاح أبيه: أي أو كانت في نكاح أبي الطفل (قوله: فإن رغبت) أي الأم، وقوله في إرضاعه: أي ولو بأجرة مثله، وقوله فليس لابيه منعها: أي من إرضاعه لانها أشفق على الولد من الاجنبية ولبنها له أصلح وأوفق، وخرج بأبيه غيره كأن كانت منكوحة غير أبيه فله منعها (قوله: إلا أن طلبت) أي الام فوق أجرة المثل: أي أو تبرعت بإرضاعه أجنبية أو رضيت بأقل من أجرة المثل دون الام فله منعها من ذلك. وعبارة الروض وشرحه: فلو وجدت متبرعة بإرضاعه نزعه من أمه ودفعه إلى المتبرعة

_ (1) سورة الطلاق، الاية: 6.

لارضاع ولدها حيث لا متبرع بالرضاع، وكمتبرع راض بما رضيت. ـــــــــــــــــــــــــــــ لترضعه إن لم تتبرع أمه بالارضاع لأن في تكليفه الاجرة مع المتبرعة إضرارا به، وكالمتبرعة الراضية بدون أجرة المثل إذا لم ترض الام إلا بها، والراضية بأجرة المثل إذا لم ترض الام إلا بأكثر منها. ولو ادعى وجودها، أي المتبرعة أو الراضية، بما ذكر وأنكرت هي صدق بيمينه لانها تدعي عليه أجرة والاصل عدمها ولانه يشق عليه إقامة البينة. انتهت (قوله: وعلى أب أجرة مثل الخ) أي إذا رغبت الام في الارضاع وطلبت أجرة المثل وأجيبت فعلى الاب تلك الاجرة، لكن بشرط أن لا يوجد متبرع بالارضاع، فإن وجد نزعه منها حيث لم تتبرع به ودفعه للمتبرع. وكان الاخصر والاسبك للشارح أن يحذف هذا وما بعده ويزيد عقب قوله إلا إن طلبت فوق أجرة المثل ما زدته أعني أو تبرعت بإرضاعه الخ. تأمل (قوله: وكمتبرع راض بما رضيت) لعل لفظه دون ساقطة من النساخ قبل ما، والاصل وكمتبرع راض بدون ما رضيت به، وعبارة فتح الجواد: وكمتبرع راض بدون أجرة المثل إذا لم ترض الام إلا بها أو بدون ما رضيت به وإن كان دونها. اه. مهمة: إذا أرضعت الام بأجرة المثل استحقت النفقة إن لم ينقص إرضاعها تمتعه وإلا فلا، كما لو سافرت لحاجتها بإذنه فإنه لا نفقة لها، كذا قال الشيخان. قال في التحفة: واعترضهما الاذرعي بأن ذاك فيما إذا لم يصحبها في سفرها وإلا فلها النفقة وهو هنا مصاحبها فلتستحقها، ويفرق بأن شأن الرضاع أن يشوش التمتع غالبا، فإن وجد ذلك بحيث فات به كمال التمكين سقطت وإلا فلا فلم ينظروا هنا للمصاحبة. اه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل الحضانة والاولى بالحضانة وهي تربية من لا يستقل إلى التمييز أم لم تتزوج بآخر، فأمهاتها وإن علت، فأب فأمهاته ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل الحضانة أي في بيان أحكام الحضانة ونفقة الملوك والحضانة، بفتح الحاء، لغة الضم وشرعا ما سيذكره بقوله تربية الخ. وتثبت لكل من له أهلية من الرجال والنساء، لكن الاناث أليق بها لانهن بالمحضون أشفق وعلى القيام بها أصبر، وبأمر التربية أبصر، وإذا نوزع في الاهلية فلا بد من ثبوتها عند الحاكم ومؤنتها في مال المحضون ثم الاب ثم الام ثم هو من محاويج المسلمين فتكون المؤنة في بيت المال إن انتظم وإلا فعلى مياسير المسلمين (قوله: والاولى بالحضانة) أي الاحق بها، وهو مبتدأ خبره قوله الآتي أم وما بينهما اعتراض، وإنما كانت أولى لخبر البيهقي إن امرأة قالت يا رسول الله: إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء. وإن أباه طلقني، وزعم أنه ينزعه مني فقال أنت أحق به ما لم تنكحي قال في التحفة والنهاية: نعم يقدم عليها ككل الاقارب زوجة محضون يتأتى وطؤه لها وزوج محضونة تطيق الوطئ: اه. واعلم: أن المستحق للحضانة إن تمحض أناثا قدم الام ثم أمها تهاثم أمهات الاب ثم أخت ثم خالة ثم بنت أخت ثم بنت أخ ثم عمة وقد نظمها بعضهم فقال: أم فأمها بشرط أن ترث فأمهات والد لقد ورث أخت فخالة فبنت أخته فبنت أخ يا صاح مع عمته وإن تمحض ذكورا ثبتت الحضانة لكل قريب وارث ولو غير محرم وترتيبهم كترتيب ولاية النكاح لا الارث فيقدم الجد على الاخ هنا، وإن لم يقدم عليه في الارث، ولا تسلم مشتهاة لغير محرم، بل تسلم لثقة وهو يعينها وإن اجتمع الذكور والاناث قدمت الام ثم أمهاتها ثم الاب ثم أمهاته ثم الجد لاب ثم أمهاته ثم الأقرب فالأقرب من الحواشي ذكرا كان أو أنثى، فتقدم الاخوة والاخوات على غيرهما كالخالة والعمة فإن استويا قربا قدمت الانثى لما تقدم من أن النساء أبصر وأصبر فتقدم أخت على أخ وبنت أخ على ابن أخ، فإن استويا ذكورة أو أنوثة كأخوين أو بنتين قدم بقرعة من خرجت قرعته على غيره والخنثى كالذكر هنا. فالاحوال ثلاثة: اجتماع الاناث فقط، اجتماع الذكور فقط، اجتماعهما، المصنف رحمه الله تعالى اقتصر على الحالة الثالثة، كما سترى ولم يستوفها (قوله: وهي تربية من لا يستقل) أي بفعل ما يصلحه ويقيه عما يضره كأن يتعهده بغلس جسده وثيابه ودهنه وكحله وربطه في المهد وغير ذلك، والمراد بمن لا يستقل من لا يقوم بأموره كصغير ومجنون قال في الروض وشرحه: المحضون كل صغير ومجنون ومختل وقليل التمييز. وقوله إلى التمييز: أي وتستمر التربية إلى التمييز: قال في التحفة: واختلف في انتهائها في الصغير فقيل بالبلوغ، وقال الماوردي بالتمييز وما بعده إلى البلوغ كفالة والظاهر أنه خلاف لفظي نعم: يأتي أن ما بعد التمييز يخالف ما قبله في التخيير وتوابعه. اه. وهذا بالنسبة للصغير، وأما المجنون فتستمر تربيته إلى الافاقة (قوله: لم يتزوج بآخر) أي بزوج آخر: أي غير أبيه ويشترط فيه أن لا يكون له حق في الحضانة، كعم الطفل وابن عمه، وإلا فلا تسقط حضانتها بالتزوج عليه وهذا أحد شروط الحضانة المنظومة في قول بعضهم:

فأخت فخالة فبنت أخت فبنت أخ فعمة والمميز إن افترق أبواه من النكاح كان عند من اختاره منهما ولاب اختير ـــــــــــــــــــــــــــــ الحق في الحضانة للجامع تسع شرائط بلا منازع بلوغه وعقله حريته إسلامه لمسلم عدالته إقامة سلامة من ضرر كبرص وفقده للبصر ومرض يدوم مثل الفالج كذا خلوها من التزوج إلا إذا تزوجت بأهل حضانة وقد رضى بالطفل وعدم امتناع ذات الدرمن الرضاع بأخذ الاجر وقوله إقامة: أي في بلد المحضون فلو اراد الحاضن سفرا ولو قصيرا انتقلت الحضانة إلى غيره ممن هو مقيم في بلده، نعم: إن أراد أحد الابوين يسفر نقلة من بلد إلى بلد آخر فالاب أولى بحضانته من الام ولا يضر سفره إن أمن الطريق والمقصد حفظا للنسب لأنه لو ترك مع الام لضاع نسبه ومثل الاب بقية العصبة. وقوله وعدم امتناع الخ: يعني يشترط إذا كان المحضون رضيعا وكانت الحاضنة ذات لبن أن لا تمتنع من إرضاعه، فإن امتنعت منه سقطت حضانتها، وقوله لو بأخذ الاجر: يعني: لو رضيت ترضعه بالاجرة ووجدت متبرعة تسقط حضانتها أيضا، فلو شرطية، وجوابها محذوف (قوله: فأمهاتها) أي الام ويشترط أن يكن وارثات فلا حضانة لغير الوارثات كأم الجدة الفاسدة وهي أم أبي أم. ومحل الترتيب المذكور ما لم يكن للمحضون بنت، وإلا قدمت في الحضانة عند فقد الام على الجدات وتقدم إنه إذا كان له زوجة أو زوج يقدمان على سائر الاقارب حتى الابوين (قوله: وإن علت) إن أعيد الضمير للامهات فذكره مستدرك لانهن جمع مضاف لمعرفة فيعم وإن أعيد للام كان ذكر الامهات مستدركا فالأولى حذفه (قوله: فأمهاته) أي الاب ويشترط أيضا أن يكن وارثات فلا حضانة لغيرهن كالجدة الفاسدة المارة (قوله: فأخت) أي للمحضون ولو كانت لام (قوله: فبنت أخت فبنت أخ) إنما قدمت الأولى على الثانية لانه إذا اجتمعت الاخت مع الاخ قدمت الاخت وبنت المقدم مقدمة على بنت غيره. وقوله فعمة: إنما أخرت عن الخالة لانها تدلي بذكر والخالة تدلى بأنثى وما كان مدليا بأنثى يقدم في هذا الباب على المدلى بذكر. (واعلم) أنه تقدم أخت وخالة وعمة لابوين عليهن لاب لزيادة قرابتهن ويقدمن إذا كن لاب عليهن إذا كن لام لقوة الجهة (قوله: والمميز إلخ) أفاد به أن الترتيب السابق إنما هو في المحضون غير المميز، وأما المميز فيكون عند من اختاره ولو على خلاف الترتيب السابق وسن التمييز غالبا سبع سنين أو ثمان تقريبا وقد يتقدم على السبع وقد يتأخر عن الثمان والمدار على التمييز لا على السن. قال ابن الرفعة: ويعتبر في تمييزه أن يعرف أسباب الاختيار، وذلك موكل إلى نظر الحاكم، وقوله أسباب الاختيار: هي الدين والمحبة وكثرة المال وغير ذلك مما يفضي إلى ميله لاحدهما (قوله: إن افترق أبواه من النكاح) أي وصلحا للحضانة فخرج بالأول ما إذا لم يفترقا فإنه يكون عندهما وخرج بالثاني ما إذا لم يصلح إلا أحدهما فإنه يتعين وما إذا لم يصلح واحد منهما فإنها تنتقل الكفالة لمن بعدهما إن صلح وإلا عين الحاكم وجوبا من يصلح لها. قال سم: وينبغي أن يكون كالافتراق من النكاح ما إذا لم يفترقا منه لكنهما لا يجتمعان بأن اختلف محلهما وكان كل منهما لا يأتي للآخر لأن ذلك في معنى الافتراق من النكاح، وكذا إذا كان يأتيه لكن أحيانا لا يتأتى فيها القيام بمصالحه. اه (قوله: كأن عنده من اختاره منهما) أي للخبر الحسن أنه - صلى الله عليه وسلم - خير غلاما بين أبيه وأمه وإنما يدعى بالغلام المميز، ومثله الغلامة، أي فإن اختار الاب سلم إليه وإن اختار الام سلم إليها، فإن اختارهما معا أقرع بينهما وسلم لمن خرجت قرعته منهما وله بعد اختيار أحدهما اختيار الآخر لانه قد يظهر له الأمر على خلاف ما ظنه كأن يظن أن في الاب خيرا فيظهر له أن فيه شرا أو يتغير حال من اختاره أو لا فيحول إلى من اختاره ثانيا وهكذا حتى إذا تكرر منه ذلك نقل إلى من اختاره ما لم يظهر أن ذلك لقلة تمييزه وإلا ترك عند من كان عنده قبل التمييز: وكما يقع التخيير بين الابوين يقع أيضا عند فقد أحدهما بين الذي لم يفقد من الابوين وبين

منع الانثى لا الذكر زيارة الام ولا تمنع الام عن زيارتها على العادة والام أولى بتمريضهما عند الاب إن رضي وإلا فعندها وإن اختارها ذكر فعندها ليلا وعنده نهارا أو اختارتها أنثى فعندها أبدا ويزورها الاب على العادة ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ غيره ممن له الحضانة وعند فقدهما معا يقع بين غيرهما كذلك، فإذا كان المفقود الاب يقع التخيير بين الام والجد إن وجد فإن لم يوجد وقع التخيير بينها وبين من على حاشية النسب كأخ وعم وإذا فقدت الام وقع التخيير بين الاب والاخت لغير أب فقط بأن كانت شقيقة أو لأم أو بين الاب والخالة إن لم توجد الاخت وإذا فقدا معا وقع بين الاخت أو الخالة وبقية العصبة على الاوجه. قال في التحفة وظاهر كلامهم أن التخيير لا يجري بين ذكرين ولا أنثيين. اه. (قوله: ولاب اختير الخ) أي ويجوز لاب اختاره المحضون أن يمنعه من زيارة أمه إن كان أنثى وذلك لتألف الصيانة وعدم الخروج والام أولى منها بالخروج لزيارتها. قال في التحفة: وإفتاء ابن الصلاح بأن الام إذا طلبتها أرسلت إليها محمول على معذورة عن الخروج للبنت لنحو تخدر أو مرض أو منع نحو زوج، ويظهر أن محل إلزام ولي البنت بخروجها للام عند عذرها بناء على ما ذكر حيث لا ريبة في الخروج قوية، وإلا لم يلزمه. اه. وقوله لا الذكر: أي فلا يمنعه من زيارة أمه لئلا يكون ساعيا في العقوق وقطع الرحم، وهو أولى منها بالخروج لانه ليس بعورة، فإن منعه حرم عليه (قوله: ولا تمنع الام إلخ) يعني لا يمنع الاب المختار الام من زيارة ابنها أو بنتها في بيته بل يمكنها من دخوله لذلك، وعبارة شرح البهجة: وإذا زارت لا يمنعها الدخول لبيته ويخلى لها حجرة، فإن كان البيت ضيقا خرج ولا تطيل المكث في بيته وعدم منعها الدخول لازم، كما صرح به الماوردي، فقال: يلزم الاب أن يمكنها من الدخول ولا يولها على ولدها للنهي عنه، وفي كلام غيره ما يفهم عدم الوجوب، وبه أفتى ابن الصلاح فقال: فإن بخل الاب بدخولها إلى منزله أخرجها إليها، فإن أبى تعين أن يبعثها إلى الام، فإن امتنع الزوج من إدخالها إلى منزله نظرت إليها والبنت خارجة وهي داخله ثم نقل عن بعضهم أن الدخول من غير إطالة لغرض الزيارة لا منع منه. انتهت (قوله: على العادة) أي كيوم من الاسبوع لا في كل يوم. قال في النهاية: إلا أن يكون منزلها قريبا فلا بأس بدخولها كل يوم. اه. قال ع ش: وقد يتوقف في الفرق بين قريبة المنزل وبعيدته، فإن المشقة في حق البعيدة إنما هي على الام. اه. قال الرشيدي: ثم ظهر أن وجهة النظر للعرف، فإن العرف أن قريب المنزل كالجار يتردد كثيرا - بخلاف بعيده. اه (قوله: والام أولى بتمريضهما) أي الابن والبنت لانها أهدى إليه وأشفق عليهما، وقوله عند الاب: أي في بيت الاب، وقوله إن رضي: أي الاب بتمريضهما في بيته، وقوله وإلا فعندها: أي وإن لم يرض أن يكون التمريض في بيته فليكن عندها في بيتها ويعودهما الاب، وليحترز حينئذ في هذه الحالة وفي التي قبلها عن الخلوة المحرمة (قوله: وإن اختارها ذكر الخ) هذا مقابل قوله ولاب اختير إلخ. وكان المناسب في التقابل أن يقول بدل قوله ولاب اختير الخ فإن اختاره ذكر لم يمنعه من زيارة أمه أو أنثى فله منعها ثم يقول ولا تمنع الأم الخ ثم يقول وإن اختارها الخ (قوله: فعندها ليلا) أي فيكون عند الام المختارة ليلا. وقوله وعنده نهارا أي ويكون عند الاب نهارا، وذلك ليعلمه الامور الدينية على ما يليق به وإن لم يكن لائقا بأبيه، فإذا كان أبوه حمارا وهو عاقل حاذق جدا فالذي يليق به أن يكون عالما مثلا، وإن كان أبوه عالما وهو بليد جدا فالذي يليق به مثلا أن يكون حمارا فيؤد به بالذي يليق، فمن أدب ولده صغيرا سر به كبيرا. ويقال: الادب على الآباء والصلاح على الله تعالى. وما أحسن قول بعضهم: علم بنيك إن أردت صلاحه لا خير في ولد إذا لم تضرب أو ما ترى الاقلام حين قصامها إن لم تقط رؤوسها لم تكتب؟ وقال آخر: منن الاله على العباد كثيرة وأجلهن نجابة الاولاد فضع العصا أدبا لهم كي يسلكوا سبل الرشاد ومنهج الازهاد

يطلب إحضارها عنده ثم إن لم يختر واحدا منهما فالام أولى وليس لاحدهما فطمه قبل حولين من غير رضا الآخر ولهما فطمه قبلهما إن لم يضره، ولاحدهما بعد حولين ولهما الزيادة في الرضاع على الحولين حيث لا ضرر، لكن أفتى الحناطي بأنه يسن عدمها إلا لحاجة ويجب على مال كفاية رقيقة إلا مكاتبا ولو أعمى أو زمنا ولو غنيا أو ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: أو اختارتها) أي الأم. وقوله أنثى: أي محضونة أنثى (قوله: فعندها أبدا) أي فتكون عند الام ليلا ونهارا، وذلك لاستواء الزمنين في حقها: إذ الاليق بها سترها ما أمكن (قوله: ويزورها الاب) أي مع الاحتراز عن الخلوة، وقوله على العادة: في المغني ما نصه: (تنبيه) قوله على العادة يقتضي منعه من زيارتها ليلا، وبه صرح بعضهم لما فيه من التهمة والريبة، وظاهر أنها لو كانت بمسكن زوج لها لم يجز له دخوله إلا بإذن منه، فإن لم يأذن أخرجتها إليه ليراها ويتفقد حالها ويلاحظها بقيام تأديبها وتعليمها وتحمل مؤنتها، وكذا حكم الصغير غير المميز والمجنون الذي لا تستقل الام بضبطه فيكونان عند الام ليلا ونهارا ويزورهما الاب ويلاحظهما بما مر وعليه ضبط المجنون. اه. (قوله: ولا يطالب إحضارها عنده) أي لتألف الصيانة وعدم الخروج كما مر (قوله: ثم إن لم يختر) أي المجنون المميز ذكرا كان أو أنثى، وقوله: واحدا منهما: أي الأب أو الأم (قوله: فالام أولى) أي من الاب لان الحضانة لها ولم يختر غيرها (قوله: وليس لاحدهما الخ) يعني إذا كن المحضون رضيعا فليس لاحد الأبوين: أي أو غيرهما ممن له الحضانة عند فقدهما فطمه عن الرضاع قبل مضي حولين. قال في النهاية: لانهما تمام مدة الرضاع، فإن تنازعا أجيب الداعي إلى إكمال الحولين إلا إذا كان الفطام قبلهما أصلح للولد فيجاب طالبه: كفطمه عند حمل الام أو مرضها ولم يوجد غيرها. اه. (قوله: ولهما فطمه الخ) أي إا تراضيا فلهما فطمه قبل مضي حولين. لقوله تعالى: * (فإن أراد فصالا عن تراض منهما وتشاور) * أي لاهل الخبرة أن ذلك يضرأ أو لا فلا جناح عليهما وقوله إن لم يضر: أي الفطم قبلهما بأن اكتفي عن اللبن بالطعام (قوله: ولاحدهما بعد حولين) أي ولاحدهما فطمه من غير رضا الآخر بعد مضي حولين، وذلك لاستكمال مدة الرضاع، ولم يقيده بعدم الضرر كالذي قبل نظرا للغالب، إذ لو فرض أن الفطم يضره بعدهما لضعف خلقته أو لشدة حر أو برد لزم الاب بذل أجرة الرضاع بعدهما حتى يجتزئ بالطعام وتجبر الام على إرضاعه بالاجرة إن لم يوجد غيرها، أفاده في التحفة (قوله: ولهما الخ) أي وللابوين الزيادة في الرضاع علي الحولين (قوله: حيث لا ضرر) أي بالزيادة عليهما فإن حصل ضرر له بالزيادة عليهما فليس لهما ذلك (قوله: لكن أفتى الحناطي) هو بحاء مهملة ونون معناه الحناط: كخباز، ويقال ومع فاعل وفعال فعل في وهو من صيغ النسب منسوب لبيع الحنطة. قال ابن مالك ومع فاعل وفعال فعل في نسب أغنى عن اليافقبل لكن زادوا عليه ياء النسب لتأكيد النسبة، قال ابن السمعاني: لعل بعض أجداده كان يبيع الحنطة وهو أبو عبد الله الحسين له مصنفات كثيرة في الفقه وأصوله، اه. ذكره الاسنوي في المهمات اه. بجيرمي (قوله: بأنه يسن عدمها) أي الزيادة اقتصارا على الوارد، وقوله إلا لحاجة: أي فلا يسن عدمها والحاجة كشدة حر أو برد (قوله: ويجب على مالك إلخ) شروع في بيان نفقة المماليك من الارقاء وغيرهم، وقد أفرده الفقهاء بفصل مستقل، والمناسب تقديمه على الحضانة (قوله: كفاية رقيقه) أي لان السيد يملك كسبه وتصرفه فيه فتلزمه كفايته، والمعتبر كفايته في نفسه باعتبار حاله زهادة ورغبة، كما في نفقة القريب، ولا بد من مراعاة حال السيد أيضا يسارا وإعسارا فيجب ما يليق بحاله من رفيع الجنس وخسيسه (قوله: إلا مكاتبا) أي فلا تجب كفايته على سيده ولو كانت الكتابة فاسدة لاستقلاله بالكسب. نعم: إن عجز نفسه ولم يفسخ سيده كتابته فعليه كفايته، ومثل المكاتب الامة المسلمة لزوجها ليلا ونهارا فلا تجب كفايتها على السيد (قوله: ولو أعمى إلخ) غاية في وجوب كفاية الرقيق: أي تجب كفاية رقيقه ولو لم ينتفع السيد به كأن كان أعمى أو

_ (1) سورة البقرة، الاية: 233.

أكولا نفقة وكسوة من جنس المعتاد لمثله من أرقاء البلد ولا يكفي ساتر العورة وإن لم يتأذ به، نعم، إن اعتيد ولو ببلاد العرب على الاوجه، كفى: إذ لا تحقير حينئذ، وعلى السيد ثمن دوائه وأجرة الطبيب عند الحاجة، وكسب الرقيق لسيده ينفقه منه إن شاء، ويسقط ذلك بمضي الزمان كنفقة القريب. ويسن أن يناوله مما يتنعم به من طعام وأدم وكسوة، والافضل إجلاسه معه للاكل، ولا يجوز أن يكلفه كالدواب على الدوام عملا لا يطيقه وإن رضي. ـــــــــــــــــــــــــــــ زمنا: أي أو مستأجرا أو موصى بمنفعته أبدا أو معارا وذلك لخبرة للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا يطيق، وخبر كفى بالمرء إثما أن يحبس عن مملوكه قوته رواهما مسلم. وقيس بما فيهما ما في معناهما من سائر المؤن (قوله: ولو غنيا) في هذه الغاية نظر: إذ العبد لا يملك شيئا حتى أنه يتصف بالغني اللهم إلا أن يقال إنه قد يتصور أن يكون غنيا فيما إذا كان مبعضا وكان بينه وبين سيده مهايأة وملك ببعضه الحر ففي اليوم الذي لسيده تكون كفايته عليه ولو ملك أموالا كثيرة، أو يقال إن ذلك بحسب الظاهر بأن كان مأذونا له في التجارة، أو يقال أنه جاز على القول القديم بأنه يملك إذا ملكه سيده، وقوله أو أكولا: أي ولو كان كثير الاكل بحيث يزيد فيه على أمثاله فانه تجب كفايته (قوله: نفقة وكسوة) منصوبان على التمييز لقوله كفاية، ومثلهما سائر مؤنة حتى ماء طهارته ولو سفرا وتراب تيممه إن احتاجه (قوله: من جنس إلخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لنفقة وكسوة. أي نفقة وكسوة كائنين من جنس المعتاد لمثله من أرقاء البلد. (والحاصل) تجب كفايته من غالب قوت أرقاء البلد من قمح وشعير وذرة ونحو ذلك، ومن غالب أدمهم من سمن وزيت ومن غالب كسوتهم من قطن أو صوف ونحو ذلك. فلا يجب أن يكون طعامه من طعام سيده، ولا أن يكون أدمه من أدم سيده، ولا أن تكون كسوته من كسوة سيده، ولكن يسن ذلك (قوله: ولا يكفي) أي في كسوة الرقيق ساتر العورة لان فيه إهانة وتحقيرا له (قوله: وإن لم يتأذ به) أي لنحو حر وبرد، وهو غاية لعدم الاكتفاء بساتر العورة (قوله: نعم إن اعتيد) أي ساتر العورة كبلاد السودان، وهو استدراك من عدم الاكتفاء بساتر العورة (قوله: كفى) أي سائر العورة. وقوله إذ لا تحقير: علة له، قال في النهاية: فلو كانوا لا يستترون أصلا وجب ستر العورة لحق الله تعالى. ويؤخذ من التعليل إن الواجب ستر ما بين السرة والركبة. اه. قال ع ش: أي ولو أنثى وينبغي أن محله إذا لم يرد إخراجها بحيث تراها الاجانب، وإلا وجب ستر جميع بدنها. اه (قوله: وعلى السيد) المقام للاضمار ولو حذفه لكان أخصر ويكون قوله بعد ممن الخ معطوفا على نفقة وكسوة، وقوله ثمن دوائه: مثله سائر المؤن كماء طهارته، كما علمت (قوله: وكسب الرقيق) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده: أي وكسب الرقيق يكون ملكا لسيده (قوله: ينفقه منه) أي ينفق عليه من كسبه، وقوله إن شاء: أي الانفاق منه وإلا فمن غيره (قوله: ويسقط ذلك الخ) أي يسقط ما ذكر من النفقة والكسوة وثمن الدواء وأجرة الطبيب بمضي الزمان فلا تصير دينا عليه إلا باقتراض القاضي بنفسه أو مأذونه، وقوله كنفقة القريب: أي قياسا على نفقة القريب بجامع وجوب الكفاية (قوله: ويسن أن يناوله إلخ) أي ويسن للسيد أن يعطى رقيقه مما يتنعم هو به، وذلك لخبر إنما هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه وقوله من طعام إلخ: بيان لما يتنعم به (قوله: والافضل إجلاسه معه للاكل) أي ليتناول القدر الذي يشتهيه فإن لم يفعل أو امتنع هو من جلوسه معه توقيرا له فليروغ له في الدسم لقمة كبيرة تسد مسدا لا صغيرة تهيج الشهوة ولا تقضي النهمة أو لقمتين ثم يناوله لخبر الصحيحين إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكله أو أكلتين فإنه ولي حره وعلاجه والمعنى فيه تشوف النفس لما تشاهده وهذا يقطع شهوتها. اه. نهاية. وقوله فليروغ: أي يروى. وقوله أحدكم: مفعول مقدم وخادمه فاعل مؤخر (قوله: ولا يجوز أن يكلفه) أي الرقيق للخبر السابق. وقوله كالدواب: أي كما لا يجوز أن يكلف الدواب ما ذكر، وقوله عملا لا يطيقه: أي لا يطيق الرقيق الدوام عليه فيحرم عليه أن يكلفه عملا يقدر عليه يوما أو يومين ثم يعجز عنه، وكذلك الدواب يحرم عليه أن يحملها ما لا تطيق الدوام عليه (قوله: وإن رضي) أي بما لا يطيقه وهو غاية لعدم الجواز. وقوله إذ يحرم عليه: أي الرقيق وهو علة لمحذوف: أي وإن رضي فلا يعتبر رضاه: إذ

إذ يحرم عليه إضرار نفسه فإن أبى السيد إلا ذلك بيع عليه: أي إن تعين البيع طريقا، وإلا أوجر عليه. أما في بعض الاوقات فيجوز أن يكلفه عملا شاقا ويتبع العادة في إراحته وقت القيلولة والاستمتاع وله منعه من نفل صوم وصلاة، وعلى مالك علف دابته المحترمة، ولو كلبا محترما، وسقيها إن لم تألف الرعي ويكفها وإلا كفى ـــــــــــــــــــــــــــــ يحرم عليه أن يضر نفسه، وعبارة ع ش: وبقي ما لو رغب العبد في الاعمال الشاقة من تلقاء نفسه، فهل يجب على السيد منعه منها؟ فيه نظر. والأقرب عدم الوجوب لانه الذي أدخل الضرر على نفسه، ويحتمل المنع لانه قد يؤدي إلى ضرر يجر إلى إتلافه أو مرضه الشديد، وفي ذلك تفويت مالية على السيد بتمكينه فينسب إليه فينزل منزلة ما لو باشر إتلافه. اه (قوله: فإن أبى السيد إلا ذلك) أي تكليفه من العمل على الدوام ما لا يطيقه، وكذا لو حمله على كسب محرم، وقوله بيع عليه: أي باعه الحاكم قهرا عنه (قوله: إن تعين البيع طريقا) أي في خلاصه بأن لم يمتنع من تكليفه ذلك إلا به (قوله: وإلا أو جر عليه) أي وإن لم يتعين البيع طريقا أو جر عليه، وفي المغني ما نصه: تنبيه: قد علم مما تقرر أن القاضي إنما يبيعه إذا تعذرت إجارته كما ذكره الجرجاني وصاحب التنبيه وإن كان قضية كلام الروضة وأصلها أن الحاكم يخير بين بيعه وإجارته هذا في غير المستولدة، أما هي فيخليها للكسب أو يؤجرها ولا يجبر على عتق. اه. (قوله: أما في بعض الأوقات) مفهوم قوله على الدوام (قوله: فيجوز أن يكلفه عملا شاقا) قال في فتح الجواد. ويظهر أن محله إن أمن عاقبة ذلك الشاق بأن لم يخف منه محذور تيمم ولو نادرا وإن كان مآلا. اه (قوله: ويبع العادة في إراحته الخ) عبارة الروض وشرحه: ويتبع السيد في تكليفه رقيقه ما يطيقه العادة في إراحته في وقت القيلولة والاستمتاع وفي العمل طرفي النهار ويريحه من العمل، أما الليل إن استعمله نهارا أو النهار إن استعمله ليلا وإن اعتادوا: أي السادة الخدمة من الارقاء نهارا مع طرفي الليل لطوله اتبعت عادتهم، وعلى العبد بذل الجهد وترك الكسل في الخدمة. اه. وقوله وقت القيلولة: الاولى كوقت القيلولة (قوله: والاستمتاع) أي وقت الاستمتاع: أي التمتع فيما إذا كان رقيقه مزوجا (قوله: وله منعه الخ) أي وللسيد أن يمنع رقيقه من صوم التطوع وصلاة التطوع، وعبارة فتح الجواد: وله منعه من نفل نحو صوم وصلاة بتفصيله السابق في الزوجة على الأوجه. اه. وقوله بتفصيله السابق: حاصل التفصيل الذي ذكره فيها إنه إذا كان الزوج حاضرا وليس به مانع وطئ وكان نحو الصوم نفلا غير راتب فله منعها منه بخلاف ما إذا كان غائبا أو به مانع كإحرام أو كان نحو الصوم فرضا أو كان نفلا راتبا فليس له في الجميع منعها ولا تسقط المؤن بفعله، وأنت خبير بأن التفصيل المذكور لا يظهر إلا في الأمة التي يريد الاستمتاع بها. وفي شرح الروض في باب الصوم ما نصه: والامة المباحة لسيدها كالزوجة وغير المباحة كأخته والعبد إن تضررا بصوم التطوع لضعف أو غيره لم يجز بغير إذن، وإلا جاز ذكره في المجموع وغيره. اه. (قوله: وعلى مالك إلخ) أي ويجب على مالك علف، وهو بسكون اللام وبفتحها المعلوف، وذلك لحرمة الروح، ولخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الارض بفتح الخاء وكسرها أي هوامها، وقوله دابته: أي التي لم يرد بيعها ولا ذبح ما يحل منها، كما في التحفة والنهاية، أما إذا أراد ذلك حالا بأن كان شارعا في البيع في الاولى ومتعاطيا لاسباب الذبح في الثانية فلا يجب عليه ذلك. وقوله المحترمة: سيذكر محترزها (قوله: ولو كلبا محترما) هو غير العقور، وهو غاية في الدابة التي يجب على مالكها علفها. وفيها نظر: إذ الكلب لا يمل ك وإنما تثبت عليه اليد كسائر الاختصاصات: فلو قال وكذا ما يختص به من نحو كلب محترم لكان أولى. واعلم: أن الكلب ينقسم إلى ثلاثة أقسام عقور وهذا لا خلاف في عدم احترامه وندب قتله وما فيه نفع من اصطياد أو حراسة، وهذا لا خلاف في احترامه وحرمة قتله وما لا نفع فيه ولا ضرر وهذا فيه خلاف، ومعتمد الرملي فيه أنه محترم (قوله: وسقيها) عطف على علف أي وعليه سقيها أي وسائر ما ينفعها. قال في النهاية: والواجب علفها وسقيها حتى تصل لاول الشبع والري دون غايتهما ويجوز غصب العلف لها وغصب الخيط لجراحتها ببدلها إن تعينا ولم يباعا، ثم قال: ويجب على مالك النحل أن يبقى له من العسل في الكوارة قدر حاجتها إن لم يكفها غيره، وإلا فلا يلزمه ذلك، وإن

إرسالها للرعي والشرب حيث لا مانع، فإن لم يكفها الرعي لزمه التكميل، فإن امتنع من علفها أو إرسالها أجبر على إزالة ملكه أو ذبح المأكولة، فإن أبى فعل الحاكم الاصلح من ذلك ورقيق كدابة في ذلك كله، ولا يجب علف غير المحترمة، وهي الفواسق الخمس، ويحلب مالك الدواب ما لا يضر بها ولا بولدها، وحرم ما ضر أحدهما، ولو لقلة العلف، والظاهر ضبط الضرر بما يمنع من نمو أمثالهما، وضبطه فيه بما يحفظه عن الموت ـــــــــــــــــــــــــــــ كان في الشتاء وتعذر خروجها كان المبقى أكثر فإن قام شئ مقام العسل في غذائها لم يتعين العسل، قال الرافعي: وقد قيل يشوي دجاجة ويعلقها بباب الكوارة فتأكل منها ويجب على مالك دود القز إما تحصيل ورق التوت ولو بشرائه، وإما تخليته لاكله إن وجد لئلا يهلك بغير فائدة، ويجوز تشميسه عند حصول نوله وإن هلك به كما يجوز ذبح الحيوان. اه (قوله: أن لم تألف إلخ) قيد في وجوب العلف عليه والسقي. وقوله الرعي: أي والشرب في طريقها (قوله: ويكفها) هكذا وجد بالنسخ التي بأيدينا بصورة المجزوم وليس بظاهر، بل الصواب ويكفيها بصورة المرفوع وتكون الواو حالية، والمعنى هذا إن لم تألف الرعي حال كونه كافيا لها، وقوله وإلا: أي بأن ألفته حال كونه كافيا كفى إرسالها له عن العلف وقوله والشرب أي إن كان في مرعاها نحو غدير تشرب منه، وإلا لزمه السقي، كما هو ظاهر، وقوله حيث لا مانع: أي من الرعي والشرب كثلج أو سبع، فإن وجد مانع فلا يكفي إرسالها لذلك (قوله: فإن لم يكفها) أي الدابة المرسلة للرعي وقوله لزمه: أي المالك وقوله التكميل: أي تكميل كفايتها (قوله: فإن امتنع الخ) عبارة الخطيب: فإن امتنع المالك مما ذكر وله مال أجبرها الحاكم في الحيوان المأكول على أحد ثلاثة أمور: بيع له أو نحوها مما يزول ضرره به أو علف أو ذبح وأجبر في غيره على أحد أمرين: بيع أو علف. ويحرم ذبحه لنهي عن ذبح الحيوان إلا لاكله فإن لم يفعل ما أمره الحاكم به ناب عنه في ذلك على ما يراه ويقتضيه الحال، فإن لم يكن له مال باع الحاكم الدابة أو جزءا منها أو إكراها عليه، فإن تعذر ذلك فعلى بيت المال كفايتها. اه. وبها يعلم ما في عبارة الشارح حيث لم يفصل فيها بين من كان له مال ومن لم يكن له وحيث سكت عن الامر الثالث: أعني إجباره على العلف وعن حكم غير المأكول (قوله: فإن أبى) أي ما أخبره الحاكم به من إزالة ملكه أو الذبح (قوله: فعل الحاكم) أي بنفسه أو مأذونه. وقوله الاصلح من ذلك: أي من إزالة الملك أو الذبح (قوله: ورقيق كدابة في ذلك كله) أي مما يتأتى فيه وهو أنه يجبر السيد على إزالة ملكه عنه إن امتنع من الإنفاق عليه، فإن أبى باعه الحاكم عليه. وأما الذبح فلا يتأتى فيه ولو حذف لفظ التوكيد لكان أولى، بل قوله المذكور يغني عنه قوله المار في الرقيق فإن أبى السيد إلا ذلك بيع الخ (قوله: ولا يجب علف غير المحترمة) أي غير دابته المحترمة. وانظر ما مفاد هذه الاضافة؟ لا يقال مفادها الاختصاص لانا نقول الفواسق لا تثبت عليها يد لاحد بملك ولا باختصاص. تأمل. شوبري، ويمكن أن يقال الاضافة تأتى لادنى ملابسة وما هنا كذلك. اه. بجيرمي. وجمل، ومن الواضح أنه مع عدم وجوب العلف عليه يمتنع عليه حبسها حتى تموت جوعا لخبر إذا قتلتم فأحسنوا القتلة (قوله: وهي) أي غير المحترمة الفواسق الخمس، وبقد نظمها بعضهم فقال: خمس فواسق في حل وفي حرم يقتلن بالشرع عمن جاء بالحكم كلب عقور غراب حية وكذا حدأة فأرة خذ واضح الكلم وفي البجيرمي ما نصه: قال في المصباح الفسق أصله خروج الشئ على وجه الفساد وسميت هذه الحيوانات فواسق استعارة وامتهانا لهن لكثرة خبثهن وأذاهن. اه. ثم إن عبارة الشارح تقتضي حصر غير المحترم في الفواسق الخمس لانها جملة معرفة الطرفين، وليس كذلك: إذ بقي منها أشياء كالدب والنسر ونحوهما، فلو قال كالفواسق، بالكاف، لكان أولى (قوله: ويحلب مالك إلخ) قال في المختار حلب يحلب بالضم حلبا بفتح اللام وسكونها. اه. وقوله ما لا يضر: أي قدرا لا يضر بها، قوله ولا بولدها: أي ولا يضر بولدها: أي لانه غذاؤه ما في ولد الامة، بل قال الاصحاب لو كان لبنها دون غذاء ولدها، وجب عليه تكميل غذائه من غيرها، وإنما يحلب الفاضل عن ريه. اه. نهاية (قوله: وحرم ما ضر أحدهما) أي للنهي الصحيح عنه (قوله: ولو لقلة العلف) في التحفة تخصيص الغاية بما يضر الام،

توقف فيه الرافعي، فالواجب الترك له قدر ما يقيمه حتى لا يموت، ويسن أن لا يبالغ الحالب في الحلب بل يبقى في الضرع شيئا، وأن يقص أظفار يديه، ويجوز الحلب إن مات الولد بأي حيلة كانت. ويحرم التهريش بين البهائم ولا يجب عمارة داره أو قناته، بل يكره تركه إلى أن تخرب بغير عذر كترك سقي زرع وشجر دون ترك ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو الظاهر: أي ولا يحلب ما يضرها ولو كان الضرر الحاصل لها في الحلب بسبب قلة العلف، وعبارة الخطيب: ولا يجوز الحلب إذا كان يضر بالبهيمة علفها ولا ترك الحلب أيضا إذا كان يضرها فإن لم يضرها كره للاضافة اه (قوله: والظاهر ضبط الضرر) أي الذي يحرم ارتكابه في الحلب وقوله بما يمنع على حذف مضاف: أي بترك ما يمنع أي القدر الذي يمنع وأخذ ما عداه، وقوله من نمو أمثالهما: أي الولد وأمه، وإذا كان هذا هو ضابط الضرر يكون الواجب حينئذ عليه ترك القدر الذي ينمو به أمثالهما وأخذ ما عداه (قوله: وضبطه فيه بما يحفظه عن الموت) انظر ما مرجع الضمائر البارزة؟ والظاهر أن الثاني والثالث يعودان على الولد المعلوم من المقام، وأما الاول فظاهر السياق أنه يعود على الضرر، وهو مشكل، إذ ضبطه حينئذ ليس بما يحفظه عن الموت، بل بما لا يحفظه، وإلا لنافاه قوله بعد المفرع عليه فالواجب الترك له إلخ، وعبارة شرح الروض: والواجب في الولد، كما قال الروياني، أن يترك له ما يقيمه حتى لا يموت. قال في الأصل: وقد يتوقف في الاكتفاء بهذا قال الأذرعي، وهذا التوقف هو الصواب الموافق لكلام الشافعي والأصحاب. اه. ومثله في النهاية ونصها: قال الروياني والمراد أن يترك له ما يقيمه حتى لا يموت. قال الرافعي: وقد يتوقف في الاكتفاء بهذا الخ. وكتب ع ش قوله وقد يتوقف الخ: فيقال يجب أن يترك له ما ينميه نمو أمثاله. اه (قوله: ويسن أن لا يبالغ إلخ) أي لخبر دع داعي اللبن (قوله: وأن يقص) أي ويسن أن يقص أظفاره: أي لئلا يؤذيها. قال في فتح الجواد: ويحرم حلبها مع طول ظفره إن آذاها. اه (قوله: ويجوز الحلب إن مات الولد) محط الجواز قوله بأي حيلة كانت، وإلا فجواز الحلب قد علم من قوله سابقا ويحلب مالك الخ. وقيد ذلك بموت الولد لان الغالب عند موته وذهاب اللبن أو قلته ما لم يتحايل على خروجه، والعرب يحشون جلده بتراب أو نحوه ويجعلونه أمامها يخيلون لها أنه حي كي لا يذهب لبها أو يقل (قوله: ويحرم التهريش بين البهائم) أي تسليط بعضها على بعض. قال في القاموس: التهريش التحريك بين الكلاب، والإفساد بين الناس، والمهارشة تحريك بعضها على بعض. اه (قوله: ولا يجب عمارة إلخ) لما أنهى الكلام على حكم ماله روح شرع في بيان حكم ما لا روح له، وحاصل الكلام على ذلك أن ما لا روح له كقناة ودار لا تجب عمارته لانتفاء حرمة الروح، وهذا إذا كان المالك له رشيد، أما إذا كان غير رشيد فيلزم وليه عمارة داره وأرضه وحفظ ثمره وزرعه، وكذا وكيل وناظر وقف، وإذا لم تجب العمارة لا يكره تركها إلا إذا أدى إلى الخراب فيكره، ويكره أيضا ترك سقي الزرع والشجر عند الامكان لما فيه من إضاعة المال. فإن قيل: إضاعة المال تقتضي التحريم. أجيب: بأن محل الحرمة حيث كانت الاضاعة ناشئة عن فعل كإلقاء متاع في البحر بلا خوف ورمي الدراهم في الطريق، بخلاف ما إذا كانت ناشئة عن ترك عمل كما هنا فإنها لا تحرم، ولكنها تكره، كما علمت (قوله: بل يكره تركه) أي التعمير المأخوذ من لفظ عمارة، وفي بعض نسخ الخط تركها، أي العمارة، وهو الأولى الموافق لما في التحفة. وقوله إلى أن تخرب، بفتح الراء. فإن قيل: إن العمارة التي يكره تركها لا تكون إلا لدار قد خرجت والغاية تفيد خلافه. أجيب: بأن الفرض أن الدار التي يكره ترك عمارتها ليست خربة بالكلية، وإنما فيها بعض مواضع خربة تحتاج إلى إصلاح ولو ترك لخربت بالكلية بحيث تصير لا تصلح للسكنى. وقوله بغير عذر متعلق بترك: أي يكره الترك لها بلا عذر، أما إذا كان بعذر، كأن لم توجد مؤن العمارة، فلا يكره تركها (قوله: كترك سقي زرع وشجر) أي فإنه يكره (قوله: دون

زارعة الارض وغرسها ولا يكره عمارة لحاجة وإن طالت، والاخبار الدالة على منع ما زاد على سبعة أذرع محمولة على من فعل ذلك للخيلاء والتفاخر على الناس. والله سبحانه وتعالى أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ ترك زراعة الارض وغرسها) أي فلا يكره (قوله: ولا يكره عمارة لحاجة وإن طالت) قال ع ش: بل قد تجب العمارة إن ترتب على تركها مفسدة بنحو اطلاع الفسقة على حريمه مثلا. قال في النهاية: والزيادة على العمارة خلاف الاولى وربما قيل بكراهتها، وفي صحيح ابن حبان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الرجل ليؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب وفي أبي داود كل ما أنفقه ابن آدم في التراب فهو عليه وبال يوم القيامة إلا ما أي إلا ما لا بد منه: أي ما لم ينفق بالانفاق في البناء به مقصدا صالحا كما هو معلوم. اه. وقوله مقصدا صالحا: ومنه أن ينتفع بغلته بصرفها في وجوه القرب أو على عياله. اه. ع ش (قوله: والاخبار الدالة إلخ) قال في الزواجر: أخرج ابن أبي الدنيا عن عمار بن ياسر قال: إذا رفع الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي يا أفسق الفاسقين: إلى أين؟ وأبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه فرأى قبة مشرفة فقال ما هذه؟ قال أصحابه هذه لفلان، رجل من الانصار، فسكت وحملها في نفسه حتى إذ جاء صاحبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سلم عليه الناس، فأعرض عنه، صنع ذلك مرارا، حتى عرف الرجل الغضب في وجهه والاعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه قال: والله إني لانكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا خرج فرأى قبتك، فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالارض، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فلم يرها. قال ما فعلت القبة؟ قالوا شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما؟ أي إلا مالا بد منه. اه. ومن الاخبار ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان لا يبني بيتا ويقول سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة، وعن ميسرة قال: ما بنى عيسى عليه السلام بنيانا قط، فقيل له ألا تبني بيتا؟ فقال لا أترك بعدي شيئا من الدنيا أذكر به. وعن ابن مطيع أنه نظر يوما إلى داره فأعجبه حسنها فبكى، ثم قال: والله لولا الموت لكنت بك مسرورا، ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا، ثم بكى حتى ارتفع صوته (قوله: محمولة) خبر الاخبار أي ما فيها (قوله: على من فعل ذلك) أي ما زاد على سبعة أذرع وقوله للخيلاء: اللام تعليلية متعلقة بفعل: أي فعله لاجل الخيلاء والتكبر على الناس، أما إذا كان لا لأجل ذلك فلا يمنع من الزيادة المذكورة (قوله: والله سبحانه وتعالى أعلم) أي من كل ذي علم، قال الله تعالى: * (وفوق كل ذي علم عليم) * أي حتى ينتهي الامر إلى الله سبحانه وتعالى فهو أعلم من كل ذي علم، وكأن المصنف قصد بذلك التبري من دعوى الاعلمية، ففي باب العلم من صحيح البخاري في قصة موسى مع الخضر مع نبينا وعليهما الصلاة والسلام ما يقتضي طلب ذلك حيث سئل موسى عن أعلم الناس، فقال أنا، فعتب الله عليه: إذ لم يرد العلم إليه، أي كأن يقول: الله أعلم، وفي القرآن العظيم: الله أعلم حيث يجعل رسالته ويسن لمن سئل عما لا يعلم: أن يقول: الله ورسوله أعلم. خاتمة: نسأل الله حسن الختام ويكره للانسان أن يدعو على نفسه أو على ولده أو ماله أو خدمه. لخبر مسلم في آخر كتابه وأبي داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسئل فيها عطاء فيستجيب له وأما خبر إن الله لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه فضعيف. والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ (1) سورة يوسف، الاية: 76. (2) سورة الانعام، الاية: 124.

باب الجناية

باب الجناية من قتل وقطع وغيرهما. والقتل ظلما أكبر الكبائر بعد الكفر وبالقود أو العفو لا تبقى مطالبة أخروية. ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الجناية أي في بيان أحكامها: كوجوب القود والدية، والتعبير بها أولى من تعبير بعضهم بالجراح، وذلك لانه يخرج القتل بالسحر ونحوه كالخنق، ويخرج إزالة المعاني كالسمع، فيقتضي أن الحكم فيها ليس كالحكم في الجراح، وليس كذلك، وقد تقدم حكمه تأخير الجنايات عن المعاملات والمناكحات، والمراد بها هنا الجنايات على الابدان وأما الجناية على الاموال والاعراض والانساب وغيرها فستأتي في كتاب الحدود والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) * وخبر لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة وشرع القصاص في الجنايات حفظا للنفوس لان الجاني إذا علم أنه إذا جنى يقتص منه انكف عن الجناية، فيترتب على ذلك حفظ نفسه ونفس المجني عليه، كما شرعت الحدود الآتية حفظا للانساب والعقول والاموال والاديان، ثم إن مذهب أهل السنة والجماعة أن القتل لا يقطع الاجل، وأن من قتل مات بأجله، خلافا للمعتزلة في قولهم القتل يقطع الاجل متمسكين بخبر إن المقتول يتعلق بقاتله يوم القيامة ويقول: يا رب ظلمني وقتلني وقطع أجلي وهو متكلم في إسناده، وبتقدير صحته فهو منظور فيه للظاهر من أنه لو لم يقتل لاحتمل أن يعيش، أو محمول على مقتول سبق في علم الله تعالى أنه لو لم يقتل لكان يعطى أجلا زائدا. قال صاحب الجوهرة: وميت بعمره من يقتل وغير هذا باطل لا يقبل (قوله: من قتل وقطع) بيان للجناية، وقوله وغيرهما: أي كالجرح الذي لا يزهق وإزالة المعاني كالسمع والبصر ونحوهما (قوله: والقتل ظلما) هو ما كان عمدا بغير حق (قوله: أكبر الكبائر بعد الكفر) أي لخبر سئل - صلى الله عليه وسلم - أي الذنب أعظم عند الله؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قيل ثم أي؟ قال في أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك رواه الشيخان. وخبر لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا وما فيها رواه أبو داود بإسناد صحيح. واعلم، أن توبة القاتل تصح منه لان الكافر تصح توبته فهذا أولى، لكن لا تصح توبته إلا بتسليم نفسه لورثة القتيل ليقتصوا منه أو يعفوا عنه على مال ولو غير الدية أو مجانا فإذا تاب توبة صحيحة وسلم نفسه لورثة القتيل راضيا بقضاء الله تعالى عليه فاقتصوا منه أو عفوا عنه سقط عنه حق الله بالتوبة، وحق الورثة بالقصاص أو بالعفو عنه وأما حق الميت فيبقى متعلقا بالقاتل لكن الله يعوضه خيرا ويصلح بينهما في الآخرة، فإن لم يتب ولو يقتص منه بقيت عليه الحقوق الثلاثة ثم إذا أصر على ذلك إلى أن مات فلا يتحتم عذابه بل هو في خطر المشيئة، كسائر أصحاب الكبائر غير الكفر، فإن شاء الله غفر له وأرضى الخصوم وإن شاء عذبه لقوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * وإن عذبه لا يخلد في النار. وأما قوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) * فمحمول على المستحل

_ (1) سورة البقرة، الاية: 178. (2) سورة النساء، الاية: 48. (3) سورة النساء، الاية: 93.

والفعل المزهق ثلاثة: عمد، وشبه عمد، وخطأ (لا قصاص إلا في عمد) بخلاف شبهه والخطأ (وهو قصد فعل) ظلما (و) عين (شخص) يعني الانسان: إذ لو قصد شخصا ظنه ظبيا فبان إنسانا كان خطأ (بما يقتل) غالبا جارحا ـــــــــــــــــــــــــــــ لذلك، أو المراد بالخلود فيه: المكث الطويل، فإن الدلائل تظاهرت على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم (قوله: وبالقود) أي القصاص، وهو متعلق بالفعل الذي بعده. وقوله أو العفو: أي على مال أو مجانا. وقوله لا تبقى مطالبة أخروية. هذا إذا تاب عند تسليم نفسه للقود أو عند العفو عنه من الورثة توبة صحيحة، وإلا بقيت عليه المطالبة من الله، كما علمت أن الحقوق ثلاثة: حق الله تعالى، وحق الورثة، وحق المقتول. والحق الاول لا يسقط إلا بتوبة صحيحة (قوله: والفعل) أي جنس الفعل بدليل الاخبار عنه بثلاثة، والمراد بالفعل ما يشمل القول كشهادة الزور وكالصياح، وقوله المزهق: أي المخرج للروح وهذا القيد لا مفهوم له لان غير المزهق تأتي فيه الثلاثة الاقسام التي ذكرها، وعبارة شرح المنهج: هي أي الجناية على البدن سواء كانت مزهقة للروح أو غير مزهقة من قطع نحوه ثلاثة الخ. وقوله ثلاثة: أي ولا رابع لها، ووجه ذلك أن الجاني إن لم يقصد عين المجني عليه بأن لم يقصد الجناية أصلا كأن زلقت رجله فوقع على إنسان فقتله أو قصد الجناية على زيد فأصاب عمرا فهو الخطأ المحض سواء كان بما يقتل غالبا أو لا، وأن قصد عين المجني عليه فإن كان بما يقتل غالبا فهو العمد المحض، وإن كان بما لا يقتل غالبا فهو شبه العمد. قال ابن رسلان في زبده: فعمد محض هو قصد الضارب شخصا بما يقتله في الغالب والخطأ الرمي لشاخص بلا قصد أصاب بشرا فقتلا ومشبه العمد بأن يرمي إلى شخص بما في غالب لن يقتلا (قوله: عمد) أي محض، وقوله وشبه عمد: ويقال لهذا عمد خطأ وخطأ عمد وخطأ شبه عمد وحقيقته مركبة من شائبة العمد وشائبة الخطأ، وقوله وخطأ أي محض (قوله: لا قصاص إلا في عمد) أي للاجماع (قوله: بخلاف شبهه) أي العمد فلا قصاص فيه: لخبر إلا أن في قتيل عمد الخطأ، قتيل السوط والعصا مائة من الإبل وقوله والخطأ أي وبخلاف الخطأ فلا قصاص فيه لقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * (قوله: وهو) أي العمد، وقوله قصد فعل: أي قتل وخرج به ما إذا لم يقصد كأن زلقت رجله فوقع على إنسان فقتله فلا قصاص فيه لانه خطأ. وقوله ظلما. الأولى حذفه لأنه سيذكر شروط القصاص كلها ويذكره معها والمراد كونه ظلما من حيث الاتلاف، فخرج ما إذا قصده بحق كالقتل قودا أو دفعا لصائل أو لباغ أو بغير حق لكن لا من حيث الاتلاف، أي إزهاق الروح، كأن استحق حز رقبته فقده نصفين فإنه لا قود فيهما بل هو في الاول جائز وفي الثاني وإن كان غير جائز لكنه من حيث العدول عن الطريق المستحق إلى غيره لا من حيث الاتلاف (قوله: وعين شخص) معطوف على فعل. أي وقصد عين شخص أي ذاته، وخرج به ما لو قصد إصابة زيد مثلا فأصاب السهم عمرا فلا يلزمه القود لأنه لم يقصد عين المصاب (قوله: يعني الانسان) أي أن المراد بالشخص الانسان لا ما يشمل الانسان وغير، وقوله إذ لو قصد الخ: تعليل لكون المراد من الشخص الانسان: أي وإنما كان المراد من الشخص الانسان، لا مطلق شخص، لانه لو قصد شخصا ظنه ظبية أو نخلة أو نحوهما فرماه ثم تبين أنه إنسان كان قتله له خطأ لا عمدا لانه وإن قصد الشخص الذي هو الظبية ولم يقصد الانسان المصاب وفي هذا التعليل نظر لأنه يقتضي أنه إذا قصد إنسانا عند الرمي وأصاب إنسانا آخر غيره كان عمدا مع أنه خطأ كما تقدم. إذا علمت ذلك فكان المناسب أن يقيد الانسان المفسر للشخص بالمصاب ويأتي بدل صورة التعليل المذكور بصورة التفريع بأن يقول فلو قصد شخصا الخ. والصورة المعلل بها خارجة بقوله قصد عين شخص، وذلك لأنه إذا رمى شخصا على زعم أنه ظبية ثم تبين أن المصاب المرمي إنسان فهو لم يقصد عين المصاب وقت الرمي كالصورة المتقدمة.

_ (1) سورة النساء، الاية: 92.

كان كغرز إبرة بمقتل كدماغ وعين وخاصرة وإحليل ومثانة وعجان وهو ما بين الخصية والدبر أو لا: كتجويع وسحر (وقصدهما) أي الفعل والشخص (بغيره) أي غير ما يقتل غالبا (شبه عمد) سواء أقتل كثيرا أم نادرا كضربة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها، بخلافها بنحو قلم أو مع خفتها جدا فهدر ولو غرز إبرة بغير مقتل، كألية وفخذ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تأمل (قوله: بما يقتل) متعلق بقصد: أي قصده بما يقتل أي بشئ يقتل في الغالب ولو بالنظر لبعض المحال كغرز الابرة في المقتل، وعلم منه بالأولى ما لو قصده بما يقتل قطعا. وخرج به ما لو قصده بما يقتل لا غالبا بأن كان نادرا كغرز إبرة الخياط بغير مقتل ولم يظهر لها أثر أو لا غالبا ولا نادرا بأن كان على حد سواء كضرب غير متوال في غير مقتل فإنه شبه عمد ولا قود فيه كما سيصرح به (قوله: جارحا كان) أي الشئ الذي يقتل (قوله: كغرز إبرة الخ) تمثيل للجارح. والمراد كالابرة، كما في البجيرمي عن زي إبرة الخياط، أما المسلة التي يخاط بها الظروف، فهي مما يقتل غالبا مطلقا سواء كان في مقتل أو لا، وقوله بمقتل: مصدر ميمي أريد به المكان، ومثله ما لو غرزها في بدن نحو هرم أو نحيف أو صغير أو كانت مسمومة وغرزها في كبير، وقوله كدماغ الخ: تمثيل للمقتل، وفي المغني المقتل، بفتح المثناة الفوقية واحد المقاتل، وهي المواضع التي إذا أصيبت قتلت كعين ودماغ وأصل أذن وحلق وثغرة نحر إلخ. اه. وقوله وخاصرة: هي ما بين رأس الورك وآخر ضلع في الجنب، ومثله الخصر والكشح، وقوله وإحليل: وهو مخرج البول من ذكر الانسان واللبن من الثدي. وقوله ومثانة: هي موضع الولد أو موضع البول. أفاد ذلك كله في القاموس، وقوله وعجان بكسر العين (قوله: وهو) أي العجان المحل الذي بين الخصية والدبر (قوله: أو لا) أي أو لا يكون جارحا (قوله: كتجويع إلخ) تمثيل لما لا يكون جارحا (قوله: وسحر) أي وكسحر فإذا قتل به اقتص منه وفي التحفة ما نصه ومر قبيل هذا الكتاب أنه لا ضمان على القاتل بالعين وإن تعمد ونقل الزركشي عن بعض المتأخرين أنه أفتى بأن لولي الدم قتل ولي قتل مورثه بالحال لان فيه اختيارا كالساحر وحينئذ فينبغي أن يأتي فيه تفصيله اه. وفيه نظر، بل الذي يتجه خلافه لأن غايته أنه كعائن تعمد وقد اعتيد منه دائما قتل من تعمد النظر إليه على أن القتل بالحال حقيقة إنما يكون لمهدر لعدم نفوذ حاله في محرم إجماعا. اه. وقوله تفصيله أي الساحر وهو أنه إذا قال قتلته بسحري وكان يقتل غالبا فيكون عمدا فيه القود وإن كان يقتل نادرا فشبه عمد، أو قال أخطأت من اسم غيره له فخطأ وفيهما الدية على العاقلة (قوله: وقصدهما) مبتدأ خبره شبه عمد (قوله: أي الفعل والشخص) تفسير لضمير قصدهما، قال في التحفة والنهاية: وإن لم يقصد عينه. اه (قوله: بغيره) متعلق بقصد: أي قصدهما بغير الشئ الذي يقتل في الغالب (قوله: شبه عمد) أي يقال له شبه عمد واعترض في المغنى على ضابطه المذكور فقال: يرد على طرده التعزير ونحوه فإنه قصد الفعل والشخص بما لا يقتل غالبا وليس شبه عمد بل خطأ وعلى عكسه ما لو قال الشاهدان الراجعان لم نعلم أنه يقتل بقولنا وكانا ممن يخفى عليهما ذلك فحكمه حكم شبه العمد مع وجوب قصد الشخص والفعل بما يقتل غالبا. اه (قوله: سواء أقتل كثيرا) تعميم في غير الذي يقتل في الغالب، وأفاد به أن الكثرة لا تنافي عدم الغلبة وهو كذلك. إذ قد يكون الشئ كثيرا في نفسه وليس بغالب، وقوله أم نادرا أي أم قتل نادرا لكن بحيث يكون سببا في القتل وينسب إليه القتل عادة لا نحو قلم مما لا ينسب إليه القتل عادة لان ذلك مصادفة قدر فلا شئ فيه، لا قود ولا دية ولا غيرهما، وقد أفاد الشارح هذا القيد بالتمثيل بقوله بعد كضربة يمكن عادة الخ (قوله: كضربة الخ) تمثيل للنادر لان الضربة الواحدة يندر القتل بها ولم يمثل للكثير، ومثاله نحو الضرب الكثير غير المتوالي في غير مقتل كما تقدم وقوله يمكن عادة إحالة الهلاك عليها، كما إذا كانت بنحو سوط (قوله: بخلافها) أي الضربة وقوله بنحو قلم كثوب أو منديل (قوله: أو مع خفتها) أي أو كانت الضربة بنحو عصا مثلا لكن كانت خفيفة جدا (قوله: فهدر) أي لا شئ فيها، لا قصاص ولا دية ولا غيرهما (قوله: ولو غرز إبرة إلخ) المقام للتفريع. وحاصل مسألة الابرة أنه إن غرزها في مقتل أو في بدن نحيف أو صغير فعمد مطلقا وإن لم يكن معه ألم فإن غرزها في غير ذلك كبدن كبير فإن تألم بذلك فعمد أيضا وإلا فشبه عمد وإن غرزها فيما لا يؤلم كجلدة عقب فهدر لعلمنا بأنه لم يمت به والموت

وتألم حتى مات فعمد وإن لم يظهر أثر ومات حالا فشبه عمد ولو حبسه كأن أغلق بابا عليه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما والطلب لذلك حتى مات جوعا أو عطشا، فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا فعمد لظهور قصد الاهلاك به. ويختلف ذلك باختلاف حال المحبوس والزمن قوة وحرا، وحد الاطباء الجوع المهلك غالبا باثنين وسبعين ساعة متصلة، فإم لم تمض المدة المذكورة ومات بالجوع: فإن لم يكن به جوع أو عطش سابق فشبه عمد فيجب نصف ديته لحصول الهلاك بالامرين، ومال ابن العماد فيمن أشار لانسان بسكين تخويفا ـــــــــــــــــــــــــــــ عقبه موافقة قدر، وقد علمت المراد بالابرة فلا تغفل (قوله: كألية وفخذ) تمثيل لغير المقتل (قوله: وتألم حتى مات) أي تألم تألما شديدا دام به حتى مات (قوله: وإن لم يظهر أثر) إن شرطية جوابها قوله فشبه عمدا، والانسب بما قبله وإن لم يتألم (قوله: ومات حالا) أي أو بعد زمن يسير: أي عرفا فيما يظهر. اه. تحفة (قوله: فشبه عمد) قال في التحفة: كالضرب بسوط خفيف. اه (قوله: ولو حبسه الخ) الانسب تأخير هذه المسألة وذكرها في التنبيه الآتي لان منع الطعام والشراب من أسباب الهلاك لا من مباشرته. وقوله كأن أغلق بابا عليه: مثال للحبس، والاغلاق ليس بقيد، بل مثله ما لو لم يغلقه ووضع عليه حارسا يمنعه من ذلك. وقوله ومنعه الخ: عطف على جملة حبسه قال في النهاية: وخرج بحبسه ما لو أخذ بمفازة قوته أو لبسه أو ماءه وإن علم هلاكه به وبمنعه ما لو امتنع من تناول ما عنده وعلم به خوفا أو حزنا أو من طعام خوف عطش أو من طلب ذلك: أي وقد جوز إجابته لذلك فيما يظهر فلا قود بل ولا ضمان حيث كان حرا لأنه لم يحدث فيه صنعا في الأول وهو القاتل لنفسه في البقية. قال الفوراني: وكذا لو أمكنه الهرب بلا مخاطرة فتركه، أما الرقيق فيضمنه باليد. اه. وقوله الطعام والشراب: أي معا: وقوله أو أحدهما: أي أو منعه أحدهما، أي الطعام أو الشراب، ومثل منعه من الطعام أو الشراب منعه من اللباس، كما في المدابغي، وسأنقل لك عبارته (قوله: والطلب لذلك) معطوف على الطعام والشراب: أي ومنعه الطلب للطعام والشراب (قوله: حتى مات إلخ) أي حبسه ومنعه من ذلك إلى أن مات بالجوع أو بالعطش أو بكليهما (قوله: فإن مضت مدة) أي من ابتداء منعه إلى موته وهو جواب لو، وقوله بموت مثله: أي المحبوس الممنوع من الطعام والشراب، وقوله فيها: أي في تلك المدة، وقوله جوعا أو عطشا: أي يموت بالجوع وبالعطش، فهما منصوبان بإسقاط الخافض (قوله: فعمد) أي ففعله المذكور عمد موجب للقود، وقوله لظهور الخ: علة لكونه عمدا وقوله به: أي بالفعل المذكور من الحبس ومنع الطعام والشراب: أي ولما كان قصد الاهلاك بالفعل المذكور ظاهرا أحيل الهلاك عليه (قوله: ويختلف ذلك) أي المدة التي يحصل الموت فيها غالبا عند منع الطعام والشراب، وذكر اسم الاشارة باعتبار تأويلها بالمذكور أو بالزمن، وعبارة شرح المنهج، وتختلف المدة باختلاف حال الممنوع قوة وضعفا والزمن حرا أو بردا ففقد الماء في الحر ليس كهو في البرد. اه (قوله: باختلاف حال المحبوس) متعلق بيختلف، وقوله والزمن معطوف على حال: أي وباختلاف الزمن (قوله: قوة) أي وضدها وهو راجع لحال المحبوس، وقوله وحرا: أي وضده وهو راجع للزمن (قوله: وحد الاطباء الجوع) أي ضبطوا زمنه. وقوله باثنين وسبعين ساعة: أي فلكية وهي ثلاثة أيام بلياليها. اه. رشيدي (قوله: فإن لم تمض المدة المذكورة) أي التي يموت فيها غالبا مثله (قوله: ومات) أي المحبوس الممنوع من الطعام والشراب مدة لا يموت مثله غالبا فيها (قوله: فإن لم يكن إلخ) جواب أن وقوله جوع أو عطش سابق: أي على الحبس والمنع المذكورين (قوله: فشبه عمد) أي لأن ما ذكر لا يقتل غالبا. قال في التحفة والنهاية: وعلم من كلامه السابق أنه لا بد من مضي مدة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها. اه (قوله: فيجب نصف ديته) لا يصح تفريعه على ما قبله لان شبه العمد يجب فيه دية كاملة كالخطأ، ثم ظهر من عبارة التحفة مع الاصل أن في عبارة الشارح سقطا من النساخ بعد قوله فشبه عمد وقبل قوله فيجب نصف ديته ونصهما لتعرف ذلك السقط بعده فإن لم يكن به جوع وعطش سابق فشبه عمد، وإن كان بعد جوع وعطش سابق وعلم الحابس الحال فعمد لشمول حده السابق له وإلا يعلم الحال فلا يكون عمدا في الأظهر لأنه لم يقصد الهلاك، ولو أتى بمهلك بل شبهه فيجب نصف ديته لحصول الهلاك

له فسقطت عليه من غير قصد إلى أنه عمد موجب للقود. قال شيخنا: وفيه نظر، لانه لم يقصد عينه بالآلة فالوجه أنه غير عمد. انتهى. تنبيه: يجب قصاص بسبب كمباشرة فيجب على مكره بغير حق بأن قال اقتل هذا وإلا لاقتلنك فقتله، وعلى مكره أيضا، وعلى من ضيف بمسموم يقتل غالبا غير مميز، فإن ضيف به مميزا أو دسه في طعامه الغالب ـــــــــــــــــــــــــــــ بالامرين. اه. بتصرف. وقوله بالامرين: هما الجوع أو العطش السابق على الحبس، والجوع أو العطش الواقع بعده فاعتبر للسابق نصف الدية وللاحق نصفها والواقع من الحابس هو الثاني فوجب عليه النصف. ومثلهما عبارة المدابغي على الخطيب ونصها: فرع: من حبس آدميا ومنعه الزاد والماء أو عراه فمات فإن كان زمنا يموت فيه غالبا جوعا أو عطشا أو برد فعمد أو لا يموت فيه، فإن لم يكن به جوع وعطش سابق فشبه عمد، وإلا فإن حبسه زمنا إذا ضم للاول مات وعلم سابق جوعه وعطشه فعمد محض وإن جهل وجب نصف دية شبه العمد، فلو أطمعه وسقاه حتى مات ضمنه إن كان عبدا لا حرا أو أخذ زاده أو ماءه أو ثيابه بمفازة فمات جوعا أو عطشا أو بردا هدر. اه (قوله: تخويفا له) مفعول لأجله: أي أشار إليه بسكين لاجل أن يخوفه (قوله: فسقطت) أي السكين، وقوله عليه: أي على الانسان المشار إليه، وقوله من غير قصد متعلق بسقطت. أي سقطت لا بقصد السقوط بأن انفلتت من يده (قوله: إلى أنه عمد) متعلق بمال: أي مال إلى أن فعله المذكور عمد، فإذا مات وجب القود (قوله: وفيه نظر) أي في كونه عمدا نظر لأنه لم يقصد عينه: أي المشار إليه المصاب، وقوله بالآلة: أي بسقوطها عليه كما في ع ش وعبارته: قوله لأنه الخ، فيه نظر، فإنه حيث أشار كان قاصدا عينه بالاشارة. نعم: خصوص الاشارة التي وجدت منه لا تقتل غالبا، وسقوط السكين من يده لم يقصده، ويمكن حمل كلام الشارح على هذا بأن يقال لم يقصد عينه بسقوط الآلة. اه (قوله: فالوجه أنه غير عمد) أي بل هو شبه عمد لانه قصد الفعل، وهو التخويف الذي لا يقتل غالبا (قوله: يجب قصاص بسبب) هو ما يؤثر في تحصيل ما يؤثر في التلف كالاكراه فإنه يؤثر داعية القتل في المكره، وهذه الداعية تؤثر في التلف، وخرج به الشرط فإنه لا يؤثر في الفعل ولا يحصله بل يحصل التلف عنده بغيره ويتوقف تأثير ذلك الغير عليه كحفر بئر مع التردي فيها فإن المفوت هو التخطي جهته والمحصل هو التردي فيها المتوقف على الحفر، ومن ثم لم يجب فيه قود مطلقا، ثم السبب تارة يكون حسيا كالاكراه، وتارة يكون عرفيا كتقديم الطعام المسموم إلى الضيف، وتارة يكون شرعيا كشهادة الزور وقوله كمباشرة الكاف للتنظير: أي نظير مباشرة القتل فإنه يجب بها القصاص وهي ما أثر في التلف وحصله، فتحصل أن المباشرة ما ذكر وإن السبب ما أثر في التلف فقط، ولم يحصله ومنه منع الطعام السابق، والشرط ما لا يؤثر فيه ولا يحصله، وتقدم المباشرة على السبب، ثم هو على الشرط - كما سيذكره (قوله: فيجب) أي القصاص وقوله على مكره، بكسر الراء، أي مكره إنسانا بأن يقتل آخر معينا سواء كان إماما أو متغلبا، ومنه آمر خيف من سطوته لو خولف فأمره كالاكراه. ويشترط لوجوب القصاص عليه أن يكون عالما بأن المقتول آدمي سواء علم به المكره، بفتح الراء، أم لا، وشرط لوجوبه على المكره، بفتح الراء، أن يكون عالما به أيضا سواء علم به المكره بكسر الراء أم لا فلا يتوقف وجوب القصاص على علمهما به معا. والحاصل: أن المكره والمكره إما أن يكونا عالمين بأن المقتول آدمي أو جاهلين به، أو الاول عالما والثاني جاهلا أو بالعكس، فيجب القود على كل منهما في الصورة الأولى، وتجب الدية على عاقلتهما في الثانية لانه خطأ، ويجب القود على المكره، بكسر الراء، وحده في الثالثة، وعلى عاقلة المكره - بفتحها - نصف الدية، والرابعة بعكس الثالثة. وقوله بغير حق: خرج به ما إذا أبره الامام آخر على قتل من استحق القتل فلا شئ فيه أصلا (قوله: بأن قال اقتل هذا) أي إشارة لآدمي علمه، كما علمت، وخرج بقوله هذا المشار به لمعين ما لو قال له اقتل نفسك وإلا قتلتك فقتلها، وما لو قال له اقتل زيدا أو عمرا فقتلهما أو أحدهما فلا قصاص على المكره - بكسر الراء - لأنه ليس بإكراه حقيقة لاتحاد المأمور به والمخوف به في الصورة الأولى، فكأنه اختار قتل نفسه ولتفويض تعيين عين المقتول إلى المكره بفتح الراء في الثانية فصار له اختيار في القتل، فالقود يكون عليه (قوله: وعلى مكره أيضا) أي ويجب القصاص أيضا على مكره، بفتح الراء،

أكله منه فأكله جاهلا فشبه عمد فيلزمه ديته ولا قود لتناوله الطعام باختياره وفي قول قصاص لتغريره وفي قول لا شئتغليبا للمباشرة، وعلى من ألقى في ماء مغرق لا يمكنه التخلص منه بعوم أو غيره وإن التقمه حوت ولو قبل وصوله الماء، فإن أمكنه تخلص بعوم أو غيره ومنعه منه عارض كموج وريح فهلك فشبه عمد ففيه ديته، وإن أمكنه فتركه خوفا أو عنادا فلا دية. ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن بشرط علمه بأن المقتول آدمي، كما علمت. قال في التحفة: وقيد البغوي وجوب القود عليه بما إذا لم يظن أن الاكراه يبيح الاقدام، وإلا لم يقتل جزما، وأقره جمع لان القصاص يقسط بالشبهة ويتعين حمله بعد تسليمه على ما إذا أمكن خفاء ذلك عليه. اه. وإنما وجب القصاص عليه مع أنه مكره لانه آثر نفسه بالبقاء وإن كان كالآلة فهو كالمضطر الذي قتل غيره ليأكله فإن عليه الضمان، وقيل لا قصاص عليه لعموم خبر رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (قوله: وعلى من ضيف إلخ) أي ويجب القصاص أيضا على من ضيف بمسموم، ومثل التضييف به دس السم في طعام المقتول، وقوله بمسموم يقتل غالبا: عبارة التحفة: بمسموم يعلم كونه يقتل غالبا فأفادت أنه لا بد من علم المضيف بذلك فلو لم يعلم به فلا قود، وخرج بقوله غالبا ما إذا كان يقتل لا غالبا ففيه الدية لا القود. وقوله غير مميز: أي صبيا كان أو مجنونا، وهو مفعول ضيف (قوله: فإن ضيف به) أي بالمسموم الذي يعلم أنه يقتل غالبا، وقوله مميزا: سواء كان بالغا أم لا (قوله: أو دسه) أي السم. وقوله في طعامه: أي المميز. وخرج به ما لو دسه في طعام نفسه فأكل منه من يعتاد الدخول له وقتله فإنه هدر. وقوله الغالب أكله منه: أي الذي يغلب أكل المميز من ذلك الطعام. قال سم: هذا القيد وقع في المنهاج وغيره من كتب الشيخين ولم يذكره الاكثرون وهو تقييد لمحل الخلاف المذكور حتى يتأتى القول بوجوب القصاص، وإلا فدية شبه العمد واجبة مطلقا، سواء كان الغالب أكله منه أو لا، خلافا لما ذكره كثير من الشراح من إهداره إذا لم يكن الغالب أكله منه. نبه على ذلك شيخنا الشهاب الرملي. فقول الشارح الآتي فهدر ممنوع. اه. (قوله: فأكله جاهلا) أي بأن فيه سما وخرج به ما لو أكله عالما به ومات فإنه يكون هدرا (قوله: فشبه عمد) لا يخفى أن هذا لا يصدق عليه حد شبه العمد المتقدم لأنه تقدم أن يكون بما لا يتلف غالبا، إلا أن يكون ذاك مخصوصا بالآلة وهذا في السبب. تأمل. ح ل. بجيرمي (قوله: فيلزمه ديته) أي دية شبه العمد (قوله: ولا قود) أي على المضيف أو الداس للسم (قوله: لتناوله الطعام باختياره) هذا هو الفارق بينه وبين غير المميز (قوله: وفي قول قصاص) أي وفي قول يجب قصاص على المضيف أو الداس للسم (قوله: لتغريره) أي من ذكر من المضيف أو الداس: أي للتغرير الحاصل منه للمميز الآكل فهو كالاكراه. وفرق بأن في الاكراه إلجاء دون هذا (قوله: وفي قول لا شئ) أي لا قصاص ولا دية (قوله: تغليبا للمباشرة) قال في النهاية: ورد بأن محل تغليبها حيث اضمحل السبب معها كالممسك مع القاتل، ولا كذلك هنا. اه. وقوله كالممسك مع القاتل: يعني إذا أمسك شخص آخر فجاء آخر وقتله فالقصاص على القاتل لا على الممسك تغليبا للمباشرة (قوله: وعلى من ألقى) من واقعة على المميز القادر على الحركة، ومفعول ألقى محذوف. والمعنى: يجب القصاص على مميز قادر على الحركة ألقى غيره وقوله في ماء: أي جار أو راكد، ومثل الماء النار، ولو قال، كما في المنهج، فيما لا يمكنه التخلص منه لكان أولى، وقوله مغرق: أي لمثله وخرج به ما لو ألقاه في ماء غير مغرق: كماء منبسط يمكنه الخلاص منه عادة فمكث فيه مضطجعا حتى هلك فإنه هدر لا ضمان فيه ولا كفارة لانه المهلك لنفسه، وقوله لا يمكنه التخلص منه: أي من الغرق فيه كلجة وقت هيجانها. وقوله بعوم: الباء سببية متعلقة بالتخلص. وقوله أو غيره: أي غير العوم (قوله: وإن التقمه حوت) غاية في وجوب القصاص: أي يجب القصاص على الملقى وإن التقم الملقى بفتح القاف حوت. وقوله ولو قبل وصوله للماء: أي ولو وقع التقام الحوت له قبل أن يصل الماء (قوله: فإن أمكنه تخلص) مفهوم قوله لا يمكنه التخلص منه، وقوله ومنعه منه: أي التخلص بذلك، وقوله عارض: أي بعد الالقاء، فإن كان العارض موجودا عند الالقاء فالقصاص. ح ل. وقوله كموج وريح: تمثيل للعارض. وقوله فهلك: أي الملقى (قوله: فشبه عمد) أي فالفعل المذكور وهو الالقاء شبه عمد (قوله: ففيه ديته) مفرع على كونه شبه عمد: أي فيلزمه في

فرع: لو أمسكه شخص ولو للقتل فقتله آخر فالقصاص على القاتل دون الممسك، ولا قصاص على من أكره على صعود شجرة فزلق ومات، بل هو شبه عمد إن كانت مما يزلق على مثلها غالبا وإلا فخطأ (وعدم قصد أحدهما) بأن لم يقصد الفعل كأن زلق فوقع على غيره فقتله أو قصده فقط، كأن رمى لهدف فأصاب إنسانا ومات (فخطأ. ولو وجد) بشخص (من شخصين معا) أي حال كونهما مقترنين في زمن الجناية بأن تقارنا في الاصابة (فعلان مزهقان) للروح (مذففان) أي مسرعان للقتل (كحز) للرقبة (وقد) للجثة (أو لا) أي غير مذففين (كقطع ـــــــــــــــــــــــــــــ هلاك من أمكنه التخلص ومنعه منه عارض دية شبه العمد (قوله: وإن أمكنه) أي التخلص، وقوله فتركه الخ: أي فتركه لا لعارض بل خوفا أو عنادا (قوله: فلا دية) أي على الملقى ولا كفارة عليه أيضا. قال في التحفة والنهاية: لانه الملك لنفسه، إذ الأصل عدم الدهشة، ومن ثم لزمته الكفارة. اه. وقوله لزمته: أي لزمت من أمكنه التخلص وتركه الكفارة لقتله نفسه. اه. ع ش. (قوله: فرع) الأولى فرعان لانه ذكرهما الأول قوله لو أمسكه الخ، الثاني قوله ولا قصاص الخ. (قوله: لو أمسكه شخص الخ) مثله ما لو ألقاه من مكان عال فتلقاه آخر بسيف وقده نصفين أو حفر بئرا فرداه فيها آخر، فالقصاص على القاد والمردي (قوله: ولو للقتل) أي ولو كان إمساكه لاجل قتله والغاية للرد على الإمام مالك رضي الله عنه القائل أنه إذا أمسكه للقتل يكون القصاص عليهما لانه شريك. اه. بجيرمي وقوله فالقصاص على القاتل: أي الاهل للضمان أما غير الاهل كمجنون أو سبع ضار أو حية فلا أثر له لانه كالآلة والقود على الممسك (قوله: ولا قصاص على من أكره) من واقعة على المكره - بكسر الراء - والفعل مبني للمعلوم، ومفعوله محذوف: أي على الذي أكره غيره، وقوله على صعود شجرة، أي أو على نزول بئر (قوله: فزلق) أي فصعد الشجرة فزلق وفي المصباح زلقت القدم زلقا من باب تعب لم تثبت حتى سقطت. اه (قوله: بل هو) أي إكراهه على صعود الشجرة شبه عمد لأنه لا يقصد به القتل غالبا، وقيل هو عمد فيجب القصاص لتسببه في قتله فأشبه ما لو رماه بسهم (قوله: إن كانت) أي الشجرة، وهو قيد لكونه شبه عمد، وقوله مما يزلق أي من الشجر الذي يزلق على مثلها في الغالب، وقال سم: المعتمد أنه شبه عمد وإن لم تزلق غالبا والتقييد بالازلاق غالبا لاجل الضعيف، وهو أن ذلك عمد. م ر. اه (قوله: وإلا فخطأ) أي وإن لم تكن مما يزلق على مثلها، فهو خطأ، وسيأتي بيان ما يترتب على الخطأ وشبه العمد (قوله: وعدم قصد أحدهما) أي أو عدم قصدهما معا: أي الفعل وعين الشخص والمثال الاول من مثاليه يصلح له (قوله: بأن لم يقصد الفعل إلخ) تصوير لعدم قصد أحدهما. واعلم: أنه يلزم من عدم قصد الفعل عدم قصد الشخص، إذ يستحيل فقد قصد الفعل دون فقد قصد الشخص وإن كانت عبارته تفيد خلافه (قوله: كأن زلق إلخ) تمثيل لعدم قصد الفعل (قوله: أو قصده) أي الفعل فقط ولم يقصد الشخص (قوله: كأن رمى الخ) تمثيل لقصد الفعل فقط، ومثله من رمى زيدا فأخطأ السهم وأصاب عمرا، أو رمى إنسانا ظنه شجرة فبان إنسانا فهو خطأ في الصورتين لأنه لم يقصد عين الشخص المصاب، وقوله لهدف: هو الغرض الذي يرمي إليه، ويسمى بالنيشان. قال في المصباح: الهدف بفتحتين كل شئ عظيم مرتفع، ويطلق أيضا على الغرض. اه (قوله: فخطأ) الاولى حذف الفاء كما حذفها من سابقه لانه خبر، وهو لا تدخل عليه الفاء إلا بشروط مفقودة هنا (قوله: ولو وجد بشخص إلخ) شروع في بيان حكم الجناية من اثنين، وقد ترجم له في المنهاج بفصل مستقل (قوله: أي حال كونهما الخ) أفاد أن متعلقة بمحذوف حال من شخصين، وفيه مجئ الحال من النكرة وهو ضعيف، وأفاد أيضا أنها تدل على الاتحاد في الزمن وفيه خلاف فجوزه ثعلب ومن تبعه ومنعه ابن مالك محتجا بقول إمامنا رضي الله عنه في أن من قال لزوجتيه إن ولدتما معا فأنتما طالقان أنه لا يشترط في وقوع الطلاق الاقتران بالزمن، وبعضهم حمل قول ابن مالك على ما إذا لم توجد قرينة فإن وجدت دلت على الاقتران في الزمان والقرينة هنا قد وجدت وهي قوله بعد أو وجدا به مرتبا، وقوله بأن تقارنا في الاصابة: أي وإن لم يتقارنا في ابتداء الرمي (قوله: فعلان) نائب فاعل وجد، وقوله مزهقان للروح: أي مخرجان لها (قوله: مذففان) بكسر الفاء المشددة. وقوله: أي مسرعان تفسير لمذففان، إذ التذفيف الاسراع (قوله: كجز

عضوين) أي جرحين أو جرح من واحد وعشرة مثلا من آخر فمات منهما (فقاتلان) فيقتلان: إذ رب جرح له نكاية باطنا أكثر من جروح، فإن ذفف أي أسرع للقتل أحدهما فقط فهو القاتل فلا يقتل الآخر، وإن شككنا في تذفيف جرحه، لان الاصل عدمه، والقود لا يجب بالشك (أو) وجدا به منهما (مرتبا ف) - القاتل (الاول إن أنهاه إلى حركة مذبوح) بأن لم يبق فيه إدراك وإبصار ونطق وحركة اختياريات ويعزر الثاني وإن جنى الثاني قبل إنهاء الاول إليها وذفف كحز به بعد جرح فالقاتل الثاني، وعلى الاول قصاص العضو أو مال بحسب الحال وإن لم ـــــــــــــــــــــــــــــ للرقبة) أي صادر من أحدهما، وقوله وقد للجثة: أي صادر من الآخر لكن الفعلان وقعا معا (قوله: أولا) أي أو لم يوجد منهما فعلان مذففان فقول الشارح أي غير مذففين: حل معنى، ولو عبر بما عبرت به لكان أولى (قوله: كقطع عضوين) أي اشتركا فيهما أو قطع كل واحد عضوا في آن واحد (قوله: أي جرحين) التفسير لا يصلح هنا، فلعله حصل تحريف في النساخ بإبدال أو بأي، وعبارة التحفة: أو جرحين أو جرح من واحد. اه. وهي ظاهرة، والمراد أو جرحا جرحين بأن اشتركا فيهما أو جرح كل واحد جرحا في بدنه، ويشترط في ذلك أن يكون كل واحد لو انفرد لقتل (قوله: أو جرح من واحد وعشرة مثلا من آخر) لكن يشترط ما مر أنه لو انفرد جرح الواحد لقتل، وكذا لو انفردت الاجراح العشرة لقتلت (قوله: فقاتلان) أي فهما قاتلان، فهو خبر لمبتدأ محذوف، والجملة جواب ولو وجد (قوله: فيقتلان) أي بشروط القصاص الآتية (قوله: إذ رب جرح الخ) علة لكن بالنسبة للصورة الأخيرة: أعني قوله أو جرح من واحد وعشرة من آخر كما هو ظاهر. وقوله له نكاية: أي تأثير (قوله: فإن ذفف إلخ) مفهوم قوله مذففان، وقوله: أحدهما: أي الفعلين. وقوله فقط: أي دون الفعل الآخر (قوله: فهو) أي الذي ذفف فعله، فالضمير يعود على معلوم وقوله فلا يقتل الآخر: أي الذي لم يذفف فعله (قوله: وإن شككنا في تذفيف جرحه) أي الآخر الذي لم نوجب قتله والملائم إبدال جرحه بفعله: إذ هو أعم يصدق بالجرح وبقطع العضو، والغاية المذكورة لعدم قتل الآخر (قوله: لأن الأصل عدمه) أي عدم تذفيف جرحه، وهو تعليل لمحذوف: أي وإنما لم نقتله إذا شككنا في تذفيف جرحه لأن الأصل عدمه (قوله: والقود لا يجب بالشك) أي مع سقوطه بالشبهة. اه. نهاية (قوله: أو وجدا) أي الفعلان. وقوله به: أي بالشخص المقتول، وقوله مرتبا: أي بأن لم يقترنا في الاصابة، وهو مفهوم قوله معا (قوله: فالقاتل الاول) جملة مركبة من مبتدأ وخبر: أي فالقاتل هو الاول، أي الذي جرحه أولا أو قطع عضوه أولا (قوله: إن أنهاه) أي أوصله بجنايته إلى حركة مذبوح، وحينئذ يعطى حكم الاموات، وهذا قيد لكون القاتل هو الاول (قوله: بأن لم يبق الخ) تصوير لانهائه: أي وصوله إلى حركة المذبوح: أي ويتصور وصوله إلى حركة مذبوح بما إذا لم يبق فيه بسبب الجرح إدراك وإبصار ونطق وحركة، وقوله اختياريات: صفة للاربعة قبله. قال في التحفة: وأفهم التقييد بالاختيار أنه لا أثر لبقاء الاضطرار فهو معه في حكم الاموات ومنه ما لو قد بطنه وخرج بعض أحشائه عن محله خروجا يقطع بموته معه فإنه وإن تكلم بمنتظم كطلب من وقع له ذلك ماء فشربه، ثم قال: هكذا يفعل بالجيران ليس عن رؤية واختيار فلم يمنع الحكم عليه بالموت، بخلاف ما لو بقيت أحشاؤه كلها بمحلها فإنه في حكم الاحياء لانه قد يعيش مع ذلك كما هو مشاهد حتى فيمن خرق بعض أمعائه لان بعض المهرة فعل فيه ما كان سببا للحياة مدة بعد ذلك. اه. وفي المغني ما نصه: وإن شك في وصوله إلى حركة مذبوح رجع إلى أهل الخبرة، كما قال الرافعي، أي وعمل بقول عدلين منهم وحالة المذبوح تسمى حاله اليأس وهي التي لا يصح فيها إسلام ولا ردة ولا شئ من التصرفات وينتقل فيها ماله لورثته الحاصلين حينئذ لا لمن حدث ولو مات له قريب لم يرثه. اه (قوله: ويعزر الثاني) أي لهتكه حرمة الميت (قوله: وإن جنى الثاني قبل إنهاء الاول إليها) أي إلى حركة المذبوح، (قوله: وذفف) أي الثاني: أي جرحه (قوله: كحز به) الباء بمعنى اللام أي كحز صادر منه له: أي للمقتول ويحتمل أن تكون الباء بمعنى من والضمير يعود على الثاني، وقوله بعد جرح: هو بفتح الجيم لانه مثال للفعل وهو مصدر. أما الاثر الحاصل بالجرح فهو جرح بالضم. اه. ع ش (قوله: فالقاتل الثاني) أي فعليه القصاص لان الجرح الصادر من الاول إنما يقتل بالسراية وحز الرقبة الصادر من الثاني إنما يقطع أثرها، ولا فرق بين أن يتوقع البرء من الجراحة السابقة أو يتيقن

يذفف الثاني أيضا ومات المجني بالجنايتين كأن قطع واحد من الكوع والآخر من المرفق فقاتلان لوجود السراية منهما. فرع: لو اندملت الجراحة واستمرت الحمى حتى مات فإن قال عدلا طب إنها من الجرح فالقود، وإلا فلا ضمان (وشرط) أي للقصاص في النفس في القتل كونه عمدا ظلما فلا قود في الخطأ وشبه العمد وغير الظلم و (في قتيل عصمة) بإيمان أو أمان يحقن دمه بعقد ذمة أو عهد فيهدر الحربي والمرتد وزان محصن قتله مسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ الهلاك بها بعد يوم أو أيام لأن له في الحال حياة مستقرة وقد عهد عمر في هذه الحالة وعمل بعهده ووصاياه. اه. مغني. ببعض زيادة (قوله: وعلى الأول) أي ويجب على الجارح الاول، وقوله قصاص العضو: أي إن كان عمدا، وقوله أو مال: أي إن كان غير عمد (قوله: بحسب الحال) أي من عمد أو ضده على التوزيع المار (قوله: وإن لم يذفف الثاني) أي لم يسرع جرحه في الهلاك، وهذا مفهوم قوله وذفف أي الثاني. وقوله أيضا: أي كالاول (قوله: ومات المجني) أي عليه. وقوله بالجنايتين: أي الواقعتين من الاول ومن الثاني مع عدم تذفيفهما (قوله: كأن قطع الخ) تمثيل للجنايتين اللتين لم تذففا (قوله: فقاتلان) خبر لمبتدأ محذوف: أي فهما قاتلان فيقتص منهما معا (قوله: لوجود السراية) علة لثبوت كونهما قاتلين بالجنايتين الصادرتين منهما، وقوله منهما: أي من الجنايتين. قال في المغني بعد العلة المذكورة: ولا يقال إن أثر القطع الثاني أزال أثر القطع الأول. اه (قوله: لو اندملت الجراحة) أي برئت. قال المصباح: اندمل الجرح تراجع إلى البرء. اه (قوله: فإن قال إلخ) جواب لو (قوله: إنها) أي الحمى من الجرح (قوله: فالقود) أي يلزم الجارح (قوله: وإلا فلا ضمان) أي وإن لم يقل عدلا طب أنها من الجرح فلا ضمان: أي فلا يلزمه شئ لا قصاص ولا غيره من حيث الهلاك، وأما من حيث الجرح فيلزم منه ما ترتب عليه (قوله: وشرط إلخ) شروع في بيان شروط الاخذ الاخذ بالقصاص المتعلقة بالقتل وبالقتيل وبالقاتل، وكان الأولى أن يذكر أولا أركان القود ثم يذكر ما يتعلق بكل من الشروط كما صنع في المنهج وعبارته: أركان القود في النفس ثلاثة: قتيل وقاتل وقتل، وشرط فيه أي في القتل ما مرأي من كونه عمدا ظلما، وفي القتيل عصمة ثم قال: وشرط في القاتل أمران: التزام للاحكام ومكافأة حال جناية. اه. (قوله: أي للقصاص في النفس) أي لاخذ القصاص بالنسبة للنفس. وقوله في القتل: متعلق بشرط (قوله: كونه) أي القتل، (وقوله: عمدا ظلما) خبران عن الكون من جهة النقصان، وقد تقدم أن المراد بكونه ظلما من حيث الاتلاف (قوله: فلا قود في الخطأ) أي لقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) * وهو وما بعده مفهوم قوله عمدا. (وقوله: وغير الظلم) مفهوم قوله ظلما (قوله: وفي قتيل عصمة) أي وشرط في قتيل وجود عصمة، قال في التحفة: من أول أجزاء الجناية كالرمي إلى الزهوق. اه (قوله: بإيمان) أي مع عدم نحو صيال وقطع طريق للخبر الصحيح فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها (قوله: أو أمان يحقن دمه) أي يحفظه (قوله: بعقد ذمة أو عهد) أي أو أمان مجرد ولو من الآحاد: كأن يقول شخص أنت تحت أماني أو ضرب الرق عليه لانه يصير مالا للمسلمين ومالهم في أمان، ولو قال كعقد، بكاف التمثيل، لشمل الامان جميع ذلك ودليل أن عقد الذمة أي الجزية يحقن الدم قوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * ودليل الثاني والثالث قوله تعالى: * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) * (قوله: فيهدر الحربي الخ) أي لعدم العصمة في الجميع، ولقوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) *، وقوله والمرتد: أي ويهدر المرتد لخبر من بدل دينه فاقتلوه والمراد يهدر في حق معصوم، لا على مثله، كما يستفاد مما يأتي، والفرق بينه وبين الحربي، حيث أهدر مطلقا، أن المرتد ملتزم للاحكام فعصم على مثله،

_ (1) سورة النساء، الاية: 92. (2) سورة التوبة، الاية: 29. (3) سورة التوبة، الاية: 6. (4) سورة التوبة، الاية: 5.

ليس زانيا محصنا سواء أثبت زناه ببينة أم بإقرار لم يرجع عنه. وخرج بقولي ليس زانيا محصنا الزاني المحصن فيقتل به ما لم يأمره الامام بقتله. قال شيخنا: ويظهر أن يلحق بالزاني المحصن في ذلك كل مهدر كتارك صلاة وقاطع طريق متحتم قتله. (والحاصل) أن المهدر معصوم على مثله في الاهدار وإن اختلفا في سببه ويد السارق مهدرة إلا على مثله سواء المسروق منه وغيره، ومن عليه قصاص كغيره في العصمة في حق غير المستحق. فيقتل قاتله ولا قصاص على حربي وإن عصم بعد لعدم التزامه ولما تواتر عنه (ص) عن أصحابه من عدم الاقادة ممن أسلم كوحشي قاتل حمزة رضي الله عنهما، بخلاف الذمي فعليه القود وإن أسلم (و) شرط في قاتل تكليف فلا يقتل صبي ومجنون ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا كذلك الحربي (قوله: وزان محصن) أي ويهدر زان محصن. وقوله قتله مسلم: خرج به ما لو قتله غير المسلم كذمي غير حربي أو مرتد فإنه يقتل به، أما الحربي، فلا يقتل به، كما سيأتي، قال في التحفة مع الاصل: والزاني المحصن إن قتله ذمي، والمراد به غير الحربي أو مرتد قتل به: إذ لا تسليط لهما على المسلم ولا حق لهما في الواجب عليه. اه. وقوله: ليس: أي القاتل المسلم. وقوله زانيا محصنا: أي أو نحوه من كل مهدر، كما سيذكره (قوله: سواء الخ) تعميم في إهدار الزاني المحصن. وقوله ببينة: هي في الزنا أربعة شهود (قوله: أم بإقرار) معطوف على بينة أي أم ثبت زناه بإقراره بأنه زنى، وقوله لم يرجع عنه: أي عن إقراره فإن رجع عنه قتل قاتله إن علم برجوعه، كما في التحفة (قوله: الزاني المحصن) فاعل خرج (قوله: فيقتل) أي الزاني المحصن، وقوله به: أي بقتله للزاني المحصن الذي هو مثله (قوله: ما لم يأمره الامام بقتله) قيد في قوله به، وخرج به ما لو أمره به فلا يقتل به، بل ولا ضمان عليه (قوله: قوله: ويظهر أن يلحق بالزاني المحصن) أي القاتل لمثله، وقوله في ذلك: أي كونه يقتل إذا قتل مثله (قوله: كل مهدر) نائب فاعل يلحق (قوله: كتارك صلاة) أي كسلا بعد أمر الامام له بها وامتناعه منها، وإلا فهو معصوم، ولا عبرة بأمر غير الامام (قوله: وقاطع طريق متحتم قتله) أي بأن قتل في الطريق من يكافئه (قوله: والحاصل أن المهدر معصوم الخ) أي بشرط المكافأة فيما سيأتي فلا يرد عليه ما إذا كان القتيل مرتدا والقاتل مسلما زانيا محصنا أو قاطع طريق فإنه سيذكر أن المسلم ولو مهدرا بنحو زنا لا يقتل بكافر لعدم التكافؤ بينهما في الإسلام. وقوله في الاهدار متعلق بمثله: أي مثله في مطلق الاهدار (قوله: وإن اختلفا) أي المهدران وقوله في سببه: أي الاهدار أي كتارك صلاة قتل زانيا محصنا (قوله: ويد السارق) بالنصب عطف على المهدر: أي وأن يد السارق وقوله مهدرة إلا على مثله: أي على سارق مثله فإنها لا تكون مهدرة عليه فيطالب بها إذا جنى عليها (قوله: سواء المسروق منه وغيره) أي سواء كان ذلك المثل الذي لا تهدر يد السارق بالنسبة إليه من سرق منه وغيه (قوله: ومن عليه قصاص إلخ) أي ومن وجب عله قصاص كائن كغيره ممن ليس عليه ذلك في العصمة، وقوله في حق غير المستحق: متعلق بما تعلق به الخبر، أما في حق المستحق فليس هو كغيره فلو قتله المستحق لا يقتل ولو بغير أمر الإمام (قوله: فيقتل قاتله) أي من عليه قصاص إذا كان غير المستحق (قوله: ولا قصاص على حربي) أي ولا دية أيضا إذا قل غيره في حال حرابته (قوله: وإن عصم بعد) أي بعد جنايته بإسلام أو عقد ذمة. وقوله لعدم التزامه: أي للاحكام وهو علة لكونه لا قصاص عليه لو قتل (قوله: ولما تواتر إلخ) علة ثانية لكون الحربي لا قصاص عليه أيضا (قوله: من عدم الافادة) بيان لما: أي من عدم أخذ القود ممن أسلم (قوله: كوحشي قاتل حمزة) أي فإنه عليه الصلاة والسلام لم يقتله لانه قتل في حال حرابته. نعم: قال له عليه السلام: أن استطعت أن تغيب عنا وجهك فافعل لأنه عليه الصلاة والسلام حزن على عمه حزنا شديدا، وقد استشهد في أحد رضي الله عنه (قوله: بخلاف الذمي) مثله المرتد لالتزامه الاحكام، كما مر (قوله: فعليه القود) أي القصاص إذا قتل غيره لالتزامه للاحكام وقوله وإن أسلم: أي الذمي فالقود يبقى عليه إذ الاسلام يثبته ولا يرفعه (قوله: وشرط في قاتل تكليف) أي وعدم حرابة أيضا لما تقدم تقريبا أن الحربي لا قود عليه وكان عليه أن يزيد ما ذكر ويؤخر قوله المتقدم ولا قصاص على حربي الخ عنه

حال القتل والمذهب وجوبه على السكران المتعدي بتناول مسكر فلا قود على غير متعد به، ولو قال كنت وقت القتل صبيا وأمكن صباه فيه أو مجنونا وعهد جنونه فيصدق بيمينه (ومكافأة) أي مساواة حال جناية بأن لا يفضل قتيله حال الجناية (بإسلام أو حرية أو أصالة) أو سيادة فلا يقتل مسلم ولو مهدرا بنحو زنا بكافر ولا حر بمن فيه ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: فلا يقتل صبي ولا مجنون) أي لعدم تكليفهما، وقوله حال القتل: هو منصوب بإسقاط الخافض متعلق بكل من صبي ومجنون (قوله: والمذهب وجوبه) أي القود. قال في النهاية: وفي قول لا وجوب عليه كالمجنون أخذا مما مر في الطلاق في تصرفه. اه (قوله: على السكران المتعدي) مثله كل من تعدى بإزالة عقله (قوله: فلا قود إلخ) مفهوم قوله المتعدي الخ. وقوله على غير متعد به. أي بتناول المسكر كأن أكره على شرب مسكر أو شرب ما ظنه دواء أو ماء فإذا هو مسكر. قال ع ش: ويصدق في ذلك وإن قامت قرينة على كذبه للشبهة فيسقط القصاص عنه وتجب الدية. اه (قوله: ولو قال كنت وقت القتل صبيا إلخ) قال في الروض: وإن قامت بينتان بجنونه وعقله تعارضتا. اه. قال سم: وينبغي أن يجري ذلك إذا قامتا بصباه وبلوغه. اه. ولو قال أنا صبي الآن وأمكن صدق من غير حلف لان التحليف لاثبات صباه ولو ثبت لبطلت يمينه ففي تحليفه إبطال لتحليفه، وقوله وأمكن صباه فيه: أي في وقت القتل. وخرج بقوله وأمكن صباه ما إذا لم يمكن صباه بأن كان عمره نحو عشرين سنة مثلا وكان القتل من قبل بسنة مثلا (قوله: أو مجنونا) أي أو قال كنت وقت القتل مجنونا، وقوله وعهد جنونه: أي ولو مرة ولو متقطعا، وهو قيد خرج به ما إذا لم يعهد جنونه فلا يصدق (قوله: فيصدق بيمينه) جواب لو، والضمير يعود على المذكور من مدعي الصبا والجنون. وفي التحفة ما نصه: ولو اتفقا على زوال عقله وادعى الجنون والولي المسكر صدق القاتل بيمينه، ومثله، كما هو ظاهر ما لو قال زال بما لم أتعد به وقال الولي بل بما تعديت به. اه (قوله: ومكافأة) معطوف على تكلي ف: أي وشرط مكافأة (قوله: أي مساواة) أي من المقتول لقاتله، وقوله حال جناية: أي فلا عبرة بما حدث بعدها، فلو قتل مسلم كافرا لا يقتل به ولو ارتد المسلم بعد لعدم المساواة حال الجناية (قوله: بأن لا يفضل) فاعله يعود على القاتل، وقوله قتيله: مفعوله، والباء لتصوير المكافأة (قوله: بإسلام الخ) الاحسن تعلقه بيفضل المنفي: أي بأن لا يفضل القاتل على قتيله بإسلام، فإن فضل عليه به لا يقتل ولا يفضل عليه بحرية، فإن فضل عليه بها لا يقتل به ولا يفضل عليه بأصالة، فإن فضل عليه بها بأن يكون القاتل أصلا والمقتول فرعا فلا يقتل ولا يفضل عليه بسيادة، فإن فضل عليه بها بأن يكون القاتل سيدا والمقتول عبده فلا يقتل به (قوله: فلا يقتل مسلم الخ) هذا مفهوم قوله بإسلام، وإنما لم يقتل المسلم بالكافر لخبر البخاري ألا لا يقتل مسلم بكافر وقوله بكافر: أي ولو ذميا، خلافا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه حيث قال: ويقتل المسلم بالذمي. ووافق الإمام الشافعي رضي الله عنه على عدم قتل المسلم بالكافر مطلقا الإمام مالك والإمام أحمد وإسحاق رضي الله عنهم. وحكي: أنه رفع إلى أبي يوسف مسلم قتل كافرا فحكم عليه بالقود فأتاه رجل برقعة ألقاها إليه من شاعر يكنى أبا المضرح وفيها هذه الابيات: يا قاتل المسلم بالكافر جرت، وما العادل كالجائر يا من ببغداد وأطرافها من فقهاء الناس أو شاعر جار على الدين أبو يوسف بقتله المسلم بالكافر فاسترجعوا وابكوا على دينكم واصطبروا فالاجر للصابر فأخذ أبو يوسف الرقعة ودخل بها إلى هارون الرشيد فأخبره بالحال وقرأ عليه الرقعة فقال له الرشيد تدارك هذا الامر بحيلة لئلا يكون منه فتنة، فخرج أبو يوسف وطالب أولياء المقتول بالبينة على صحة الذمة وأداء الجزية فلم يأتوا بها، فأسقط القود وحكم بالدية، وهذا إذا كان مفضيا إلى استنكار النفوس وانتشار الفتن كان العدول عنه أحق وأصوب. واعلم: أنه يقتل الذمي أو المعاهد أو المرتد بمثله ولو أسلم القاتل بعد للمكافأة حال الجناية، ويقتل من ذكر

رق وإن قل ولا أصل بفرعه وإن سفل، ويقتل الفرع بأصله، (ويقتل جمع بواحد) كأن جرحوه جراحات لها دخل في الزهوق وإن فحش بعضها أو تفاوتوا في عددها وإن لم يتواطأوا أو كأن ألقوه من عال أو في بحر لما روى الشافعي رضي الله عنه وغيره أن عمر رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة قتلوا رجلا غيلة أي خديعة بموضع خال وقال ولو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلهم به جميعا، ولم ينكر عليه فصار إجماعا. وللولي العفو عن بعضهم على ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمسلم أيضا لانه إذا قتل بمثله فيمن فوقه أولى (قوله: ولا حر بمن فيه رق) هذا مفهوم قول أو حرية: أي ولا يقتل حر بمن فيه رق لقوله تعالى: * (الحر بالحر والعبد بالعبد) * ولخبر لا يقتل حر بعبد رواه الدارقطني. وحكى الروياني أن بعض فقهاء خراسان سئل في مجلس أميرها عن قتل الحر بالعبد فقال: أقدم حكاية قبل ذلك: كنت في أيام فقهي ببغداد قائما ذات ليلة على شاطئ نهر الدجلة إذ سمعت غلاما يترنم ويقول: خذوا بدمي هذا الغزال فإنه رماني بسهمي مقلتيه على عمد ولا تقتلوه إنني أنا عبده ولم أر حرا قط يقتل بالعبد فقال له الامير حسبك فقد أغنيت عن الدليل، وقوله خذوا بدمي: أي بدله وهو الدية لئلا ينافي قوله بعد ولا تقتلوه. واعلم: أنه يقتل بالرقيق مطلقا سواء استويا كقنين ومكاتبين أم لا: كأن كان أحدهما قنا والآخر مدبرا أم مكاتبا أم أم ولد. نعم لا يقتل مكاتب بقنه وإن ساواه رقا أو كان أصله على المعتمد لتمييزه عليه بسيادته، والفضائل لا يقابل بعضها ببعض (قوله: ولا أصل بفرعه) هذا مفهوم قوله أو أصالة: أي ولا يقتل أصل بقتل فرعه، وإن نزل لخبر: لا يقاد للابن من أبيه رواه الحاكم وصححه. وبقية الاصول كالاب وبقية الفروع كالابن والمعنى فيه أن الاصل كان سببا في وجود الفرع فلا يكون الفرع سببا في عدمه، وكما لا يقتل الاصل إذا قتل فرعه كذلك لا يقتل إذا قتل عتيق الفرع أو أمة أو زوجته ونحوهم من كل ما للفرع فيه حق لأنه إذا لم يقتل بجنايته على الفرع نفسه فلان لا يقتل بجنايته على من له في قتله حق أولى. واعلم: أنه أسقط مفهوم قوله أو سيادة فكان عليه أن يزيده بأن يقول ولا سيد برقيقه (قوله: ويقتل الفرع بأصله) أي بشرط المكافأة في الاسلام والحرية ويستثنى المكاتب إذا قتل أباه وهو يملكه بأن اشتراه أسيرا فإنه لا يعتق عليه فلا يقتل به كما مر ويقتل المحارم بعضهم ببعض إذ لا تميز (قوله: ويقتل جمع بواحد) أي بقتلهم واحدا لكن بشرط وجود المكافأة ويجب على كل واحد كفارة (قوله: كأن جرحوه جراحات) أي كأن جرح الجمع واحدا جراحات بمحدد أو بمثقل. وقوله لها: أي للجراحات، وقوله دخل في الزهوق: أي خروج الروح، وأفاد بهذا أنه لا يشترط أن تكون كل واحدة من الجراحات تقتل غالبا لو انفردت بل الشرط أن يكون لها دخل في الزهوق. وخرج به ما لو لم يكن لها دخل في الزهوق بأن كانت خفيفة بحيث لا تؤثر في القتل فلا اعتبار بها ولا شئ على صاحبها (قوله: وإن فحش بعضها) أي الجراحات، وهو غاية في الجراحات التي توجب القتل للجمع، وقوله أو تفاوتوا في عددها: أي كأن صدر من واحد جراحة واحدة، ومن آخر أكثر وهكذا، وهو غاية أيضا فيما ذكر (قوله: وإن لم يتواطأوا) أي يتوافقوا على قتله بأن جرح كل واحد منهم اتفاقا (قوله: وكأن ألقوه) معطوف على قوله كأن جرحوه. قال في التحفة: وكأن ضربوه ضربات وكل قاتلة لو انفردت أو غير قاتلة وتواطأوا اه. وقوله وتوطأوا: راجع لغير القاتلة وإنما لم يعتبروا التواطؤ في الجراحات مطلقا لانها لا يقصد بها الهلاك غالبا (قوله: لما روى الشافعي الخ) علة لكون الجمع يقتلون بواحد: أي ولأنه لو لم يجب عليه الاشتراك لكان كل من أراد قتل شخص استعان بغيره واتخذ الناس ذلك ذريعة لسفك الدماء فوجب القصاص عند الاشتراك لحقن الدماء (قوله: غيلة) بكسر المعجمة وهي أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد، وقوله أي خديعة: تفسير لها، وقوله بموضع خال: متعلق بقتلوا (قوله: وقال) أي سيدنا عمر. وقوله ولو تمالا: أي اجتمع، وقوله أهل

_ (1) سورة البقرة، الاية: 178.

حصته من الدية باعتبار عدد الرؤوس دون الجراحات ومن قتل جمعا مرتبا قتل بأولهم. فرع: لو تصارعا مثلا ضمن بقود أو دية كل منهما ما تولد في الآخر من الصراعة لان كلا لم يأذن فيما يوءدي إلى نحو قتل أو تلف عضو، قال شيخنا: ويظهر أنه لا أثر لاعتياد أن لا مطالبة في ذلك بل لا بد في انتفائها من صريح الاذن. تنبيه: يجب قصاص في أعضاء حيث أمكن من غيره ظلم كيد ورجل وأصابع وأنامل وذكر وأنثيين وأذن ـــــــــــــــــــــــــــــ صنعاء: إنما خصهم لان القاتلين كانوا منهم. بجيرمي (قوله: ولم ينكر عليه) أي ولم ينكر أحد من الصحابة على سيدنا عمر (قوله: فصار) أي الحكم بقتل جمع بواحد إجماعا (قوله: وللولي العفو عن بعضهم) أي وقتل الباقين، وقوله على حصته من الدية: أي على أخذ ما يخص ذلك البعض من الدية (قوله: باعتبار عدد الرؤوس) أي فلو كانوا عشرة مثلا وعفا عن واحد منهم أخذ عشر الدية لأنه هو الذي يخصه لو وزعت الدية عليهم (قوله: دون الجراحات) أي دون اعتبار الجراحات، وإنما لم تعتبر لان تأثيرها لا ينضبط بل قد تزيد نكاية الجرح الواحد على جراحات كثيرة. هذا في صورة الجراحات، وأما في صورة الضربات فالمعتبر عددها، لا عدد الرؤوس، فلو كانوا ثلاثة وضرب واحد ضربة وواحد ضربتين وواحد ثلاثا فعلى الاول سدس الدية وعلى الثاني ثلثها وعلى الثالث نصفها لان مجموع الضربات ست فتوزع الدية عليهم بنسبة ما لكل من الضربات إلى المجموع. قال في التحفة: وفارقت الضربات الجراحات بأن تلاقى ظاهر البدن فلا يعظم فيها التفاوت، بخلاف هذه. اه (قوله: ومن قتل جمعا مرتبا قتل بأولهم) بأن قتلهم دفعة واحدة قتل بواحد منهم بالقرعة وللباقين الديات من تركته لتعذر القصاص، ولو قتله غير الاول في الاولى وغير من خرجت قرعته في الثانية عصى ووقع قتله قصاصا وللباقين الديات. قال في النهاية: ولو قتله أولياء القتلى جميعا وقع القتل عنهم موزعا عليهم فيرجع كل منهم إلى ما يقتضيه التويع من الدية، فإن كانوا ثلاثة حصل لكل منهم ثلاث حقه وله ثلثا الدية. اه (قوله: لو تصارعا) أي طرح كل صاحبه على الارض بشدة فتولد من ذلك قتل أو كسر عضو. قال في القاموس: الصرع والطرح على الارض. اه (قوله: ضمن بقود أو دية) أي بحسب الحال من عمد أو غيره (قوله: كل الخ) فاعل ضمن. وقوله منهما: أي من المتصارعين وقوله ما تولد: مفعول ضمن. وقوله من الصراعة متعلق بتولد: أي يضمن كل ما نشأ في الآخر من الصراعة، فإذا مات كل منهما أخذت دية كل من تركة الآخر (قوله: لأن كلا الخ) تعليل للضمان، وقوله لم يأذن: أي للآخر، وقوله فيما يؤدي: أي في التصارع الذي يؤدي إلى نحو قتل، وقوله أو تلف عضو: معطوف على نحو من عطف الخاص على العام (قوله: ويظهر أنه لا أثر الخ) أي لا عبرة بما جرت به العادة من عدم المطالبة فيما تولد من الصراعة (قوله: بل لا بد في انتفائها) أي المطالبة، وقوله من صريح الاذن: أي بأن يقول كل واحد للآخر صارعني وأذنت لك في كل ما تقدر عليه مما يؤدي إلى قتلي أو شجي أو نحو ذلك، فإنه حينئذ لا ضمان على كل مما تولد في الآخر بالصراعة (قوله: تنبيه) أي فيما يوجب القصاص في غير النفس مما يأتي (قوله: يجب قصاص في أعضاء) أي أطراف وهي خمسة عشر: أذن، عين، جفن، أنف، شفة، لسان، سن، لحى، يد، رجل، حلمة، ذكر، أليان، أنثيان، شفران، وكما يجب القصاص في الاطراف كذلك يجب في إزالة ما ضبط من المعاني وهو ستة: بصر، سمع، بطش، ذوق، شم، كلام. أما مالا يضبط منها كالنطق، والصوت، والمضغ، والبطش، والمشي، وقوة الاحبال، والامناء، والجماع، والعقل فلا قود فيه ويجب أيضا في الموضحة من الجروح، وهي الجراحة التي تصل إلى العظم بعد خرق الجلدة التي عليه وإن لم ير العظم لصغر الجرح كغرز إبرة وصلت إليه دون غيرها منها: كالحارصة وهي ما شق الجلد قليلا، والدامية هي التي تشقه وتدميه، والباضعة هي التي تقطع اللحم بعد الجلد، والمتلاحمة وهي التي تغوص في اللحم ولا تبلغ الجلدة التي بينه وبين العظم، والهاشمة وهي التي تكسر العظم، والمنقلة وهي التي تنقله من محله إلى محل آخر. وإنما وجب في الموضحة دون غيرها لتيسر ضبطها واستيفاء مثلها بأن يقاس مثلها طولا وعرضا من عضو

وسن ولسان وشفة وعين وجفن ومارن أنف - وهو ما لان منه - ويشترط لقصاص الطرف والجرح ما شرط للنفس، ولا يؤخذ يمين بيسار وأعلى بأسفل وعكسه، ولا قصاص في كسر عظم، ولو قطعت يد من وسط ذراع اقتص في الكف، وفي الباقي حكومة، ويقطع جمع بيد تحاملوا عليها دفعة واحدة بمحدد فأبانوها، ومن قتل بمحدد أو خنق أو تجويع أو تغريق بماء اقتص إن شاء بمثله، أو بسحر فبسيف (موجب العمد قود) أي قصاص، ـــــــــــــــــــــــــــــ الشاج، ويوضح بالموسى ونحوه بخلاف البقية (قوله: حيث أمكن من غير ظلم) أي حيث أمكن القصاص من غير تعد إلى ما لا يستحق، وذلك بأن يكون العضو الذي قطعه الجاني له مفصل وقطعه من المفصل كمرفق وكوع ومفصل القدم والركبة أو لم يكن له مفصل لكن له نهايات مضبوطة كالعين والاذن والجفن والمارن والشفة واللسان والذكر والانثيين، أما ما لا يمكن القصاص فيه من غير ظلم فلا قصاص فيه ككسر العظام لعدم الوثوق بالمماثلة لانه لا ينضبط. نعم: إن أمكن في كسر السن بقول أهل الخبرة وجب كأن يكون أصل الجناية بنحو منشار أو مبرد فتنشر سن الجاني كذلك (قوله: كيد الخ) تمثيل للاعضاء التي يمكن القصاص فيها من غير تعد (قوله: وأنثيين) أي بيضتين ويشترط لوجوب القصاص فيهما قطعهما بجلدتيهما، بخلاف قطعهما دون جلدتيهما بأن سلهما منهما مع بقائهما فلا قود فيهما لتعذر الانضباط حينئذ (قوله: وهو) أي المارن. ما لان من الانف (قوله: ويشترط القصاص الطرف) بفتح الراء، وأما بسكونها فجفن العين. وقوله والجرح: فيه أنه لم يذكر قصاص الجرح فيما تقدم، فكان الأولى الاقتصار على الأول، وقوله ما شرط للنفس: أي لقصاص النفس: أي فيقال هنا يشترط في قطع الطرف أن يكون عمدا وظلما ويشترط في المقطوع منه عصمة، ويشترط في القاطع تكليف ومكافأة بما سبق. والحاصل: كل من لا يقتل بشخص لا يقطع بقطع طرف ذلك الشخص، فلا يقطع الصبي والمجنون بقطع طرف غيرهما كما لا يقتلان به، ولا يقطع الوالد بقطع طرف ولده وكما لا يقتل به، ولا يقطع المسلم بقطع طرف الكافر كما لا يقتل به، ولا يقطع الحر بقطع طرف العبد كما لا يقتل به وهكذا، ويشترط أيضا زيادة على ما تقدم شرطان أحدهما الاشتراك في الاسم الخاص للطرف المقطوع كاليمني باليمنى واليسرى باليسرى، ويستفاد هذا الشرط من قوله بعد ولا يؤخذ يمين الخ. ثانيهما أن لا يكون بأحد العضوين نحو شلل فلا تقطع يد أو رجل صحيح بشلاء، ولا تؤخذ عين صحيحة بحدقة عمياء، ولا لسان ناطق بأخرس لعدم المماثلة (قوله: ولا يؤخذ يمين الخ) هذا مفهوم قيد الاشتراك في الاسم الخاص الذي طواه ولم يذكره، وكان الأولى ذكره ليرتب عليه ما ذكر (قوله: وأعلى بأسفل) أي ولا يؤخذ طرف أعلى بطرف أسفل كجفن أعلى بجفن أسفل وكشفة عليا بشفة سفلى (قوله: ولا قصاص في كسر عظم) أي لعدم الوثوق بالمماثلة فيه لأنه لا ينضبط - كما مر - (قوله: ولو قطعت إلخ) عبارة التحفة مع الاصل: وله أي المقطوع بعض ساعده أو فخذه سواء سبق القطع كسر أم لا كما أفاده كلامه هنا مع قوله الآتي ولو كسر عضده وأبانه قطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر وإن تعدد ذلك المفصل ليستوفي بعض حقه وحكومة الباقي لانه لم يأخذ عوضا عنه وفيما إذا كسر من الكوع له التقاط أصابعها وأناملها وإن تعددت المفاصل لعدم قدرته على محل الجناية ومفصل غير ذلك وأفهم قوله أبانه أنه لا بد في وجوب القود من المفصل بعد الكسر واعتمده البلقيني وغيره، فلو كسر بلا فصل لم يقتص منه بقطع أقرب مفصل. اه. بحذف (قوله: ويقطع جمع) أي أيديهم (قوله: بيد) أي بقطعها (قوله: تحاملوا عليها دفعة) خرج به ما إذا لم يتحاملوا كذلك بأن تميز فعل بعضهم عن بعض كأن قطع واحد من جانب وآخر من جانب حتى التقت الحديدتان فلا تقطع يد واحد منهما، بل على كل منهما حكومة تليق بجنايته، وقوله بمحدد: أي أو بمثقل كأن أبانوها بضربة اجتمعوا عليها كما في النفس، وقوله فأبانوها: أي ولو بالقوة شرح م ر: أي كأن صارت معلقة بالجلدة اه. ع ش (قوله: ومن قتل) من واقعة على الجاني والفعل مبني للمعلوم (قوله: بمحدد) أي أو بمثل كحجر (قوله: أو خنق) بكسر النون مصدرا. اه. تحفة ونهاية. وكتب الرشيدي قوله بكسر النون مصدرا: أي ككذب ومضارعه يخنق، بضم النون، كما

سمي ذلك قودا لانهم يقودون الجاني بحبل وغيره. قاله الازهري. (والدية) عند سقوطه بعفو عنه عليه أو بغير عفو (بدل) عنه. فلو عفا المستحق عنه مجانا أو مطلقا فلا شئ (وهي) أي الدية لقتل حر مسلم ذكر معصوم ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله الجوهري. وجوز فيه الفارابي إسكان النون وتبعه المصنف في تحريره فقال: ويجوز إسكان النون مع فتح الخاء وكسرها، قال وحكى صاحب المطالع فتح النون وهو شاذ وغلط قوله اقتص الانسب بما بعده بناؤه للمعلوم وفاعله ضمير مستتر يعود على المستحق ومتعلقه محذوف أي اقتص المستحق منه بمثله، ويحتمل أن يكون بالبناء للمجهول، وقوله إن شاء: ضميره يعود على المستحق، ومفعوله محذوف: أي إن شاء المثل فإن شاء السيف اقتص به وإن لم يرض الجاني لانه أسهل وأسرع في القتل، وقوله بمثله: نائب فاعل: أي يأخذ منه المستحق القصاص بمثل ما قتل به (قوله: أو بسحر) معطوف على قوله بمحدد: أي ومن قتل بسحر يقتص منه بالسيف لا غير لتعذر المثل هنا لحرمته، ومثل السحر نحوه من كل ما يحرم فعله كلواط وخمر فيقتص فيهما بالسيف لا غير، لا يقال إن التجويع والتغريق يحرم فعلهما أيضا، فكيف يتقص بهما؟ لانا نقول التجويع ونحوه إنما حرم فعلهما من حيث إنه يؤدي إلى إتلاف النفس والاتلاف هنا مستحق فلا يمتنع بخلاف نحو الخمر فإنه يحرم من حيث ذاته وإن أمن الاتلاف به. ثم إن محل قتل الساحر بالسحر إذا كان عمدا بأن قال قتلته بسحري وكان يقتل غالبا فإن كان نادرا فشبه عمد، أو قال أخطأت من اسم غيره له فخطأ فيهما الدية على العاقلة إن صدقوه وإلا فعليه، وقد تقدم هذا التفصيل أول الباب. تنبيه: قال في التحفة: تعلم السحر وتعليمه حرامان مفسقان مطلقا على الاصح، ومحل الخلاف حيث لم يكن فعل مكفر ولا اعتقاده. ويحرم فعله ويفسق به أيضا، ولا يظهر إلا على فاسق إجماعا فيهما. نعم: سئل الامام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال لا بأس به وأخذ منه حل فعله لهذا الغرض وفيه نظر، بل لا يصح: إذ إبطاله لا يتوقف على فعله، بل يكون بالرقي الجائزة ونحوها مما ليس بسحر، وفي حديث حسن النشرة من عمل الشيطان قال ابن الجوزي هي حل السحر، ولا يكاد يقدر عليه إلا من عرف السحر. اه: أي فالنشرة التي هي من السحر محرمة وإن كانت لقصد حله، بخلاف النشرة التي ليست من السحر فإنها مباحة كما بينها الائمة، وذكروا لها كيفيات، وظاهر المنقول عن ابن المسيب جواز حله عن الغير ولو بسحر، قال لانه حينئذ صلاح لا ضرر، لكن خالفه الحسن غيره، وهو الحق، لانه داء خبيث من شأن العالم به الطبع على الافساد والاضرار به ففطم الناس عنه رأسا، وبهذا يرد على من اختار حله إذا تعين لرد قوم يخشى منهم، قال: كما يجوز تعلم الفلسفة المحرمة، وله، أي للسحر، حقيقة عند أهل السنة، ويؤثر نحو مرض وبغضاء وفرقة. اه. (قوله: موجب العمد) بفتح الجيم أي ما يوجبه العمد ويقتضيه، وهو مبتدأ خبره قوله قيد، وهو بفتح الواو، (قوله: سمي ذلك الخ) أي إنما سمي القصاص بالقود لانهم، أي المستحقين، يقودون الجاني بحبل وغيره إلى محل قتله (قوله: والدية) هي شرعا المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو فيما دونها فشملت الاروش والحكومات. والأصل فيها قوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * وخبر الترمذي الآتي (قوله: عند سقوطه) أي القود عن الجاني. وقوله بعفو: متعلق بسقوط، وقوله عنه أي عن القود أو عن الجاني، وقوله عليها: أي الدية وذلك بأن يقول المستحق له عفوت عنك على أن تعطيني الدية (قوله: أو بغير عفو) المراد بغيره موت القاتل بجناية أو غيرها قبل الاقتصاص منه ولا يشمل قتل الوالد ولده فإن الواجب قيد الدية ابتداء والكلام هنا في سقوط القود بعد ثبوته، وفي ع ش ما يقتضي أن المراد بالغير ما يشمل قتل الوالد ولده وعليه يكون المراد بالسقوط ما يشمل عدم ثبوته بالكلية: اه. بجيرمي ملخصا (قوله: بدل عنه) أي عن القود. قال في شرح المنهج، أي على ما قاله الدارمي وجزم به الشيخان. والاوجه ما اقتضاه كلام الشافعي والاصحاب، وصرح به الماوردي في قود النفس أنها بدل ما جنى عليه، وإلا لزم المرأة بقتلها الرجل دية امرأة. وليس كذلك. اه. (قوله: فلو عفا المستحق) عنه أي عن القود أو عن الجاني، وقوله مجانا: أي بلا مال. والمراد صرح له بذلك بأن قال له عفوت عنك بلا شئ، وقوله أو مطلقا: أي أو

_ (1) سورة النساء، الاية: 92.

(مائة بعير مثلثة في عمد وشبهه) أي ثلاثة أقسام، فلا نظر لتفاوتها عددا (ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة) أي حاملا بقول خبيرين (ومخمسة في خطأ من بنات مخاض و) بنات (لبون وبني لبون وحقاق وجذاع) من كل منها عشرون، لخبر الترمذي وغيره، (إلا) إن وقع الخطأ (في) حرم (مكة أو) في (أشهر حرم) ذي القعدة ـــــــــــــــــــــــــــــ عفا عن عفوا. مطلقا: أي من غير تعرض للدية بأن قال له عفوت عنك وأطلق (قوله: فلا شئ) أي يجب على الجاني (قوله: وهي) مبتدأ خبره مائة بعير (قوله: لقتل حر) خرج به الرقيق ففيه القيمة بلغت ما بلغت تشبيها له بالدواب بجامع الملكية. وقوله مسلم: خرج به الكافر ففيه ثلث دية المسلم إن كان كتابيا وثلث خمس ديته إن كان مجوسيا، وقوله معصوم: أي غير جنين، وخرج غير المعصوم كزان محصن وقاطع طريق ومرتد وتارك صلاة وحربي فلا دية فيه ولا كفارة، وقيده سم بما إذا لم يكن القاتل مثله، وخرج بما زدته الجنين ففيه الغرة عبد أو أمة (قوله: مائة بعير) أي لأن الله تعالى أوجب في الآية دية وبينها النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتاب عمرو بن حزم في قوله: في النفس مائة من الابل رواه النسائي وصححه ابن حبان، ونقل ابن عبد البر وغيره فيه الاجماع، وأن أول من سنها مائة عبد المطلب، وقيل غيره. ثم إن محل كونها مائة إذا صدر القتل من حر ملتزم للاحكام، أما إذا صدر من رقيق فإن كان قنا لغير القتيل أو مكاتبا فالواجب أقل الأمرين من قيمة القن والدية أو مبعضا وبعضه القن مملوك لغير القتيل، فالواجب من جهة الحرية القدر الذي يناسبها من الدية كنصف ومن جهة الرقيق أقل الأمرين من قيمة باقيه الرقيق أو الباقي من الدية. أما القن للقتيل فلا يتعلق به شئ. إذ السيد لا يجب له على قنه شئ أو صدر من غير ملتزم الاحكام كالحربي فلا شئ عليه أصلا، كما مر (قوله: مثلثة) بالنصب حال من مائة لتخصيصها بالاضافة، وبالرفع خبر لمبتدأ محذوف. أي وهي مثلثة (قوله: في عمد وشبهة) أي في القتل عمدا أو شبهة، والجار والمجرور متعلق بمثلثة (قوله: أي ثلاثة أقسام) بيان لمعنى كونها مثلثة (قوله: فلا نظر لتفاوتها عددا) أي بل المدار على كونها تقسم ثلاثة أجزاء وإن كان بعضها أكثر عددا كالقسم الثالث فإن أربعون (قوله: ثلاثون حقة) وهي ما لها ثلاث سنين، سميت بذلك لأنها استحق أن يطرقها الفحل، أو أن تركب ويحمل عليها (قوله: وثلاثون جذعة) وهي مالها أربع سنين، سميت بذلك لأنها أجزعت، أي أسقطت مقدم أسنانها (قوله: وأربعون خلفة) قال في المصباح: الخلفة، بكسر اللام، اسم فاعل يقال خلفت خلفا من باب تعب إذا حملت، فهي خلفة مثل تعبة. اه. وعند الجمهور لا جمع لها من لفظها، بل من معناها وهي مخاض بمعنى الحوامل، وقال ابن سيده تجمع على خلفات، وقوله بقول خبيرين: متعلق بحامل - يعني أن حملها يثبت بقول عدلين من أهل الخبرة (قوله: ومخمسة) معطوف على مثلثة: أي خمسة أقسام متساوية وفي العدد لعدم زيادة بعض الاقسام على بعض، وكان الملائم لما قبله أن يأتي بهذا التفسير، وقوله في خطأ: أي في القتل خطأ والجار والمجرور متعلق بمخمسة (قوله: من بنات مخاض) متعلق بمخمسة أيضا، وبنت المخاض هي ما لها سنة ودخلت في الثانية (قوله: وبنات لبون) هي ما لها سنتان ودخلت في الثالثة. وقد سبق الكلام في الزكاة على بيان ما ذكر، وإنما عدته هنا لبعد العهد (قوله: وحقاق وجذاع) لو قال وحقات وجذعات لكان أولى: إذ المعتبر فيهما الاناث: قال م ر: لان أجزاء الذكور منهما لم يقل به أحد من أصحابنا. اه (قوله: من كل) الجار والمجرور خبر مقدم وعشرون مبتدأ مؤخر، وضمير منها يعود على المذكورات من بنات المخاض وما بعده (قوله: لخبر الترمذي) دليل لكونها مثلثة بالنسبة للعمد وشبهه ومخمسة وبالنسبة للخطأ، قال سم: لفظه بالنسبة للعمد من قتل عمدا رجع إلى أولياء المقتول إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة اه. (قوله: إلا إن وقع الخطأ إلخ) استثناء من كونها مخمسة في الخطأ: أي هي مخمسة فيه إلا إن وقع القتل خطأ في حرم مكة فلا تخمس بل تثلث مطلقا سواء كان القاتل والمقتول فيه أو كان فيه أحدهما بأن كان القاتل فيه والمقتول في الحل أو بالعكس أو كلاهما بالحل لكن قطع السهم في مروره هواء الحرم. هذا إذا كان المقتول مسلما، فإن كان كافرا فلا تغلظ ديته بالتثليث لانه ممنوع من دخول الحرم، واختلف ابن حجر والرملي في تغليظها بما ذكر فيما إذا دخله لضرورة وقتل فيه فقال الاول تغلظ وقال الثاني لا. قال الخطيب هو الاوجه. (قوله: أو في أشهر حرم) معطوف على في حرم مكة فهو

وذي الحجة والمحرم ورجب (أو محرم رحم) بالاضافة كأم وأخت (فمثلثة) كما فعله جمع من الصحابة رضي الله عنهم وأقرهم الباقون ولعظم حرمة الثلاثة زجر عنها بالتغليظ من هذا الوجه ولا يلحق بها حرم المدينة ولا الاحرام ولا رمضان ولا أثر لمحرم رضاع ومصاهرة. وخرج بالخطأ ضداه فلا يزيد واجبهما بهذه الثلاثة اكتفاء بما فيهما من التغليظ وأما دية الانثى والخنثى فنصف دية الذكر (ودية عمد على جان معجلة) كسائر أبدال ـــــــــــــــــــــــــــــ مستثنى أيضا مما تقدم أي وإلا إذا وقع القتل خطأ في الأشهر الحرم. أي في بعضها سواء كان المقتول مسلما أو كافرا (قوله: ذي القعدة) بدل من أشهر حرم، وهي بفتح القاف على المشهور سمي بذلك لقعودهم عن كالقتال فيه، وقوله ذي الحجة، بكسر الحاء، على المشهور سمي بذلك لوقوع الحج فيه، وقوله والمحرم، بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة، سمي بذلك لأن أول تحريم القتال كان فيه على ما قيل، وقيل لتحريم الجنة على إبليس فيه، وقوله ورجب: بالصرف إذا لم يرد به معين كما هنا؟ فإن أريد به معين منع من الصرف، سمي بذلك لأن العرب كانت ترجبه: أي تعظمه. ثم إن عدها على هذا الترتيب وجعلها من سنتين قال في شرح مسلم: هو الصواب، خلافا لمن بدأ بالمحرم لتكون من سنة واحدة (قوله: أو محرم رحم) معطوف على أشهر حرم، فهو مستثنى أيضا مما تقدم: أي وإلا إذا وقع القتل خطأ في محرم رحم (قوله: بالاضافة) أي إضافة محرم إلى رحم: أي محرم نشأت محرميته من جهة الرحم: أي القرابة، واحترز بذلك عن المحرم الذي لم تنشأ محرميته من الرحم بل من الرضاع أو المصاهرة كبنت عم هي أخت من الرضاع أو أم زوجة فإنه لا تغلظ ديته بالتثليث (قوله: فمثلثة) خبر لمبتدأ محذوف: أي فهي مثلثة في الثلاثة أقسام (قوله: كما فعله) أي التثليث فيها (قوله: ولعظم) متعلق بما بعده، وقوله حرمة الثلاثة: أي حرم مكة والاشهر الحرم والمحرم والرحم، وقوله زجر عنها: أي نهي عن القتل فيها، وقوله بالتغليظ من هذا الوجه: أي وهو التثليث. واعلم: أن دية العمد مغلظة من ثلاثة وجوه: كونها مثلثة، وكونها معجلة، وكونها على الجاني. ودية الخطأ مخففة من ثلاثة أوجه: كونها مخمسة، وكونها مؤجلة، وكونها على العاقلة، ودية شبه العمد والخطأ الواقع في الثلاثة المذكورة: مغلظة من وجه واحد وهو التثليث، ومخففة من وجهين وهما التأجيل وكونها على العاقلة (قوله: ولا يلحق بها) أي بهذه الثلاثة، والكلام على التوزيع بالنسبة للمجموع: أي ولا يلحق بحرم مكة حرم المدينة لاختصاص حرم مكة بوجوب جزاء الصيد فيه دون حرم المدينة ولا الاحرام في غير الحرم لان حرمته عارضة غير مستمرة، ولا يلحق بالاشهر الحرم رمضان، وإن كان سيد الشهور، لان المتبع في ذلك التوقيف (قوله: ولا أثر لمحرم رضاع ومصاهرة) محترز قوله رحم، وكذا لا أثر لما لو كان الرحم غير محرم كبنت العم (قوله: وخرج بالخطأ) أي الذي يغلظ فيه إذا وقع في واحد من الثلاثة المارة، (وقوله: ضداه) العمد وشبهه (قوله: فلا يزيد واجبهما) أي فلا يزاد التغليظ في واجبهما وهو الدية، وقوله بهذه الثلاثة: أي بوقوعهما في واحد من هذه الثلاثة، (وقوله: اكتفاء بما فيهما من التغليظ) أي والمغلظ لا يغلظ نظير قولهم المكبر لا يكبر (قوله: وأما دية الانثى الخ) لم يتقدم له مقابل، وهو متحرز قوله فيما تقدم ذكره، وبين محترزه ولم يبين محترز بقية القيود، وكان عليه أن يبينها وقد علمتها، (وقوله: فنصف دية الذكر) أي لما روى البيهقي: دية المرأة نصف دية الرجل وألحق بالانثى هنا الخنثى لان زيادته عليها مشكوك فيها، ففي قتل المرأة أو الخنثي خطأ عشر بنات مخاض وعشر بنات لبون وهكذا، وفي قتلها أو قتله عمدا أو شبه عمد خمس عشرة حقة وخمس عشرة جذعة وعشرون خلفة. تتمة: قال في الإقناع: يدخل التغليظ والتخفيف في دية المرأة والذمي ونحوه ممن له عصمة، وفي قطع الطرف وفي دية الجرح بالنسبة لدية النفس، ولا يدخل قيمة العبد تغليظ ولا تخفيف، بل الواجب قيمته يوم التلف على قياس سائر المتقومات، ولا تغليظ في قتل الجنين بالحرم، كما يقتضيه إطلاقهم، وصرح به الشيخ أبو حامد، وإن كان مقتضى النص خلافه، ولا تغليظ في الحكومات، كما نقله الزركشي عن تصريح الماوردي، وإن كان مقتضى كلام الشيخين خلافه. اه. (قوله: ودية عمد على جان) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده: أي ودية عمد كائنة على الجاني. (وقوله:

المتلفات (و) دية (غيره) من شبه عمد وخطأ وإن تثلثت (على عاقلة) للجاني (مؤجلة بثلاث سنين) على الغني منهم نصف دينار والمتوسط ربع كل سنة، فإن لم يفوا فمن بيت المال فإن تعذر فعلى الجاني لخبر الصحيحين، والمعنى في كون الدية على العاقلة فيهما أن القبائل في الجاهلية كانوا يقومون بنصرة الجاني منهم ويمنعون أولياء الدم أخذ حقهم، فأبدل الشرع تلك النصرة ببذل المال وخص تحملهم بالخطأ وشبه العمد لانهما مما يكثر لاسيما في متعاطي الاسلحة فحسنت إعانته لئلا يتضرر بما هو معذور فيه وأجلت الدية عليهم رفقا بهم. وعاقلة الجاني عصباته المجمع على إرثهم بنسب أو ولاء إذا كانوا ذكورا مكلفين غير أصل وفرع، ويقدم منهم ـــــــــــــــــــــــــــــ معجلة) أي حالة بالنصب حال من الضمير المستتر في الخبر، ويحتمل أن يكون بالرفع خبرا والجار والمجرور قبله متعلق به (قوله: كسائر أبدال المتلفات) أي فإنها معجلة على من أتلفها (قوله: ودية غيره) أي غير العمد، (وقوله: من شبه الخ) بيان للغير، (وقوله: وإن تثلثت) أي دية الخطأ بأن وقع في المواضع الثلاثة المتقدمة (قوله: على عاقلة) جمع عاقل على غير قياس سميت بذلك لعقلهم الابل بفناء دار المستحق، وقيل لتحملهم عن الجاني العقل: أي الدية (قوله: مؤجلة بثلاث سنين) قال في شرح المنهج: والظاهر تساوي الثلاث في القسمة وأن كل ثلث آخر سنته. اه. وما ذكر من تأجيلها ثلاث سنين محله في حق دية نفس كاملة بإسلام وحرية وذكورة، فإن كانت غير كاملة بأن كان المقتول كافرا معصوما فتؤجل ديته بسنة أو كان رقيقا، فإن كانت قيمته قدر دية نفس كاملة فتؤجل ثلاث سنين في آخر كل سنة قدر ثلث الدية، وإن زادت على ذلك يزاد في التأجيل. والحاصل التأجيل في الرقيق بحسب قيمته ولا يتقدر بثلاث سنين، بل قد يزيد عليها وقد ينقص عنها، أو كان غير ذكر بأن كان أنثى أو خنثى فديته تؤجل سنتين: يؤخذ في السنة الأولى قدر ثلث دية النفس الكاملة وهو ثلاث وثلاثون وثلث، وفي السنة الثانية الباقي وهو سدس. (قوله: على الغني منهم) أي من العاقلة، وهو هنا من يملك زائدا على كفاية ممونه بقية العمر الغالب عشرين دينارا، (وقوله: نصف دينار) مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله، (وقوله: والمتوسط) أي وعلى المتوسط منهم ربع دينار، وهو هنا من يملك زائدا على ذلك أقل من عشرين دينارا وفوق ربع دينار، ويعتبر الغني وغيره آخر السنة (قوله: كل سنة) ظرف متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله: أي نصف دينار كائن على الغني في كل سنة وربع دينار كائن على المتوسط في كل سنة (قوله: فإن لم يفوا) أي العاقلة بالواجب، (وقوله: فمن بيت المال) أي فيوفي من بيت المال، (وقوله: فإن تعذر) أي بيت المال بأن كان غير منتظم، (وقوله: فعلى الجاني) أي فباقي الدية يكون على الجاني (قوله: لخبر الصحيحين) دليل على كون دية غير العمد تكون على العاقلة، ولفظ الخبر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأتين اقتتلتا فحذفت إحداهما الاخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن دية جنينها غرة عبد أو أمة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وفي رواية وأن العقل على عصبتها وفي رواية لأبي داود وبرأ الولد أي من العقل (قوله: والمعنى في كون الخ) أي والحكمة في ذلك، (وقوله: فيهما) أي شبه العمد والخطأ (قوله: أن القبائل في الجاهلية) أي قبل الاسلام، (وقوله: كانوا الخ) خبر أن (وقوله: بنصرة الجاني منهم) أي من القبائل، والمراد كل قبيلة تنصر الجاني. منها (قوله: ويمنعون) أي القبائل، (وقوله: أولياء الدم) أي المستحقين، (وقوله: أخذ حقهم) أي استيفاء القصاص (قوله: فأبدل الشرع الخ) أي جعل الشرع بدل تلك النصرة والحمية من منعهم أولياء الدم حقهم بذل المال: أي دفع المال لاولياء الدم (قوله: وخص تحملهم) أي لعاقلة للدية، (وقوله: بالخطأ وشبه العمد) متعلق بخص: أي خص بهما. (وقوله: لانهما) أي الخطأ وشبه العمد، (وقوله: مما يكثر) أي وقوعه (قوله: فحسنت إعانته) أي الجاني فيهما. (وقوله: لئلا يتضرر) أي الجاني وهو تعليل لحسن إعانته، (وقوله: بما هو معذور فيه) أي من الخطأ أو شبهه (قوله: وأجلت الدية عليهم) أي على العاقلة (قوله: رفقا بهم) أي بالعاقلة، وهو علة لجعل الدية مؤجلة عليهم (قوله: وعاقلة إلخ) بيان لضابط العاقلة التي تتحمل الدية (قوله: المجمع على إرثهم) خرج به ذو الارحام فلا

الاقرب فالاقرب، ولا يعقل فقير، ولو كسوبا، وامرأة خنثى وغير مكلف (ولو عدمت إبل) في المحل الذي يجب تحصيلها منه حسا أو شرعا بأن وجدت فيه بأكثر من ثمن المثل أو بعدت وعظمت المونة والمشقة (ف) - الواجب (قيمتها) وقت وجوب التسليم من غالب نقد البلد وفي القديم الواجب عند عدمها في النفس الكاملة ألف مثقال ذهبا أو اثنا عشر ألف درهم فضة. نبيه: وكل عضو مفرد فيه جمال ومنفعة إذا قطعه وجبت فيه دية كاملة مثل دية صاحب العضو إذا قتله، ـــــــــــــــــــــــــــــ يعقلون إلا إن عدمت عصبات النسب والولاء وبيت المال (قوله: إذا كانوا ذكورا) خرج بهم الاناث والخناثى فلا يعقلن. نعم: إن بان أن الخنثى ذكر غرم حصته التي أداها غيره. (وقوله: مكلفين) خرج غيرهم من الصبيان والمجانين فلا يعقلون ويشترط فيهم أيضا الحرية والاتفاق في الدين، فلا يعقل الرقيق، ولو مكاتبا، ولا مسلم عن كافر وعكسه، (وقوله: غير أصل وفرع) خرج الاصل والفرع فلا يعقلان (قوله: ويقدم منهم) أي من العصبات، (وقوله: الاقرب فالاقرب) أي فيقدم الاخوة لأبوين ثم لأب ثم يتوهم وإن سفلوا ثم الاعمال لأبوين ثم لأب ثم بنوهم ثم معتق الجاني الذكر ثم عصبته، إلا أصله وفرعه كأصل الجاني وفرعه ثم معتق المعتق ثم عصبته - إلا الاصل والفرع كما مر - ثم معتق أبي الجاني ثم عصبته - إلا الاصل والفرع، وهكذا أبدا، ولا يعقل عتيق عن معتقه كما لا يرثه، فإن فقد العاقل ممن ذكر عقل ذوو الارحام إن لم ينتظم أمر بيت المال، وإن انتظم عقل فيؤخذ منه قدر الواجب، فإن لم يكن بيت المال فكل الواجب على الجاني بناء على أن الدية تجب عليه ابتداء ثم تتحملها العاقلة، وهو الاصح (قوله: ولا يعقل إلخ) المقام للتفريع على قوله على الغني إلخ، وكان الأولى تقديمه عنده. (وقوله: فقير) هذا مفهوم قوله على الغني والمتوسط. (وقوله: ولو كسوبا) أي فلا يعتبر كسبه هنا، (وقوله: وامرأة) أي ولا تعقل امرأة، وهذا مفهوم ذكورا، والمناسب أن يأتي فيه وفيما بعده بصيغة الجمع بأن يقول: ونساء وخناثى وغير مكلفين. (وقوله: وخنثى) هذا مفهوم قوله ذكورا أيضا، (وقوله: غير مكلف) محترز مكلفين (قوله: ولو عدمت) بالبناء للمفعول: أي فقدت (قوله: في المحل الذي يجب تحصيلها منه) أي وهو محل الدافع من جان أو عاقلة أو أقرب محل إليه (قوله: حسا) أي فقدت في الحس بأن لم توجد في المحل المذكور أصلا، (وقوله: أو شرعا) أي أو فقدت في الشرع (قوله: بأن وجدت الخ) وهو وما بعده مثالان للفقد الشرعي، (وقوله: فيه) أي في المحل الذي يجب تحصيلها منه (قوله: أو بعدت إلخ) أي أو وجدت بثمن المثل لكن بعدت عن المحل الذي يجب تحصيلها منه. (وقوله: وعظمت المؤنة والمشقة) أي في نقلها من المحل الذي هي فيه وضبط الامام عظم المؤنة بأن يزيد مجموع الامرين من مؤنة إحضارها وما يدفعه في ثمنها في محل الاحضار على قيمتها بمحل الفقد (قوله: فالواجب قيمتها) هذا إن لم يمهل الدافع، فإن أمهل بأن قال له المستحق أنا أصبر حتى وجد الابل لزمه امتثاله لانها الاصل، فإن أخذت القيمة فوجدت الابل لم ترد لتشتري الابل لانفصال الامر بالاخذ. اه. بجيرمي (قوله: وقت وجوب التسليم) أي تسليم الابل (قوله: من غالب نقد البلد) أي أن القيمة تكون من غالب نقد البلد: أي محل الفقد الواجب تحصيلها منه. وفي سم ما نصه: هل المراد بالمحل المذكور بلده أو أقرب البلاد إليه حيث فرض فقدها منهما بعد وجودها فيهما؟ وقد يؤيد الاول أن بلده هي الاصل، ولا معنى لاعتبار غيرها مع وجود شئ فيه. اه. (قوله: الواجب عند عدمها) أي الإبل (قوله: في النفس الكاملة) متعلق بالواجب (قوله: ألف مثقال ذهبا) والمعتبر فيه وفيما بعده المضروب الخالص. قال في التحفة والنهاية: ولا تغليظ هنا على الأصح. اه. ومقابله يقول إن غلظت الدية ولو من وجه واحد زيد عليها قدر الثلث لاجل التغليظ، ففي الدنانير ألف وثلثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا، وفي الفضة ستة عشر ألف درهم (قوله: تنبيه) أي في بيان ما يتعلق بقطع الاطراف من وجوب دية كاملة، أو نصفها، أو عشرها، أو نصف العشر (قوله: وكل عضو مفرد) أي كاللسان والذكر أو حشفته (قوله: فيه جمال ومنفعة) خرج ما لا جمال فيه ولا منفعة كالذكر الاشل وكلسان الاخرس خلقيا كان الاخرس أو عارضيا، فإن فيه حكومة لان الشرع لم ينص على ما يجب فيه ولم يبينه

وكذا كل عضوين من جنس إذا قطعهما ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها، ففي قطع الاذنين الدية، وفي إحداهما النصف، ومثلهما العينان والشفتان والكفان بأصبعهما والقدمان بأصبعهما، وفي كل إصبع عشر من الابل، وفي كل سن خمس (و) يثبت (القود للورثة) العصبة وذي الفروض بحسب إرثهم المال ولو مع بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ فوجبت فيه حكومة وهي جزء من الدية نسبته إلى دية النفس كنسبة ما نقص من قيمته بسبب الجناية لو كان رقيقا إليها سليما، فلو كانت قيمة المجني على يده مثلا لو كان رقيقا عشرة لو لم يجن عليها وصارت بالجناية تسعة فالنقص عشر فيجب عشر دية النفس وهو عشر من الإبل (قوله: إذا قطعه) أي ذلك العضو (قوله: وجبت فيه) أي في العضو المقطوع، وهو جواب إذا، وجملة الشرط والجواب خبر كل (قوله: مثل دية إلخ) أي في التغليظ وضده والتعجيل وضده، (وقوله: صاحب العضو) أي المقطوع، (وقوله: إذا قتله) أي خطأ أو شبه عمد (قوله: وكذا كل عضوين) أي ومثل العضو المقطوع في وجوب دية كاملة كل عضوين من جنس واحد، والمراد كل عضوين فيهما جمال ومنفعة، أما ما لا منفعة فيهما ولا جمال، كأن يكون فيهما شلل، ففيهما الحكومة كما مر (قوله: ففيهما) أي العضوين المقطوعين الكائنين من جنس واحد. (وقوله: الدية) أي الكاملة. (قوله: وفي أحدهما) أي العضوين اللذين من جنس واحد. (وقوله: نصفها) أي الدية (قوله: ففي قطع الاذنين الدية) أي إذا كان القطع من أصلهما بغير إيضاح سواء كان سميعا أم أصم، وذلك لخبر عمرو بن حزم في الاذن خمسون من الابل رواه الدارقطني والبيهقي، ولانهما عضوان فيهما جمال ومنفعة فوجب أن تكمل فيهما الدية، فإن حصل بالجناية إيضاح وجب مع الدية أرش والجناية في بعض الاذن بقسطه ويقدر بالمساحة، ولو أيبسهما بالجناية عليهما بحيث لو حركتا لم تتحركا فدية كما لو ضرب يده فشلت، ولو قطع أذنين يابستين بجناية أو غيرها فحكومة (قوله: ومثلهما العينان) أي ومثل الاذنين العينان أي فتجب فيهما دية كاملة لخبر عمرو بن حزم بذلك، وحكى ابن المنذر فيهما الاجماع ولانهما من أعظم الجوارح نفعا فكانتا أولى بإيجاب الدية، وفي كل عين نصفها ولو عين أحول وهو من في عينيه خلل دون بصره، وعين أعمش وهو من يسيل دمعه غالبا مع ضعف رؤيته، وعين أعور وهو ذاهب حس إحدى العينين مع بقاء بصره في الاخرى، وعين أخفش وهو صغير العين المبصرة وعين أعشى وهو من لا يبصر ليلا، وعين أجهر وهو من لا يبصر في الشمس لان المنفعة باقية بأعين من ذكر، ومقدار المنفعة لا ينظر إليه (قوله: والشفتان) أي ومثلهما أيضا الشفتان ففي قطعهما معا دية كاملة، وفي كل شفة نصفها عليا كانت أو سفلى رقيقة أو غليظة صغيرة أو كبيرة، وإشلالهما كقطعهما، وفي شقهما بلا إبانة حكومة، ولو قطع شفة مشقوقة وجبت ديتها إلا حكومة الشق (قوله: والكفان بأصبعهما) أي ومثلهما أيضا الكفان مع أصبعهما، وأصبع مفرد مضاف فيعم جميع الاصابع، ففي قطعهما مع الاصابع دية واحدة فقط لانهما كالعضو الواحد بدليل قطعهما في السرقة بدليل قوله تعالى: * (فاقطعوا أيديهما) * وفي قطع إحداهما النصف، ومحل ما ذكر إن قطعت من مفصل الكف وهو الكوع، فإن قطع ت من فوق الكف وجب مع دية الكف حكومة كما مر، وخرج بقوله مع أصبعهما ما إذا لم تقطعا معها بأن قطعت الاصابع أولى ثم بعد مدة قطعت الكف فلكل حكمه ففي كل أصبع عشر الدية وفي الكف حكومة (قوله: والقدمان بإصبعهما) أي ومثلهما أيضا القدمان مع إصبعهما أي أصابعهما ففي قطعهما معها دية واحدة فقط، وخرج بقوله مع أصبعهما ما إذا لم تقطعا مع الاصابع بأن قطعت الاصابع أولا ثم بعد مدة قطعت القدمان فلكل حكمه، كما مر (قوله: وفي كل أصبع) أي أصلية أما الزائدة ففيها حكومة وفي كل أنملة من أصابع اليدين أو الرجلين من غير إبهام ثلث العشر لان كل أصبع له ثلاث أنامل إلا الابهام فله أنملتان ففي أنملته نصفها عملا بقسط واجب الاصبع (قوله: وفي كل سن) أي أصلية تامة مثغورة غير مقلقلة صغيرة كانت أو كبيرة بيضاء أو سوداء. وخرج بقيد الاصلية الزائدة وهي الخارجة عن سمت الاسنان الاصلية لمخالفة نباتها لها ففيها حكومة كالاصبع الزائدة، وبقيد التامة ما لو كسر بعض الظاهر منها ففيه قسطه من الارش، وبقيد المثغورة ما لو قلع سن

_ (1) سورة المائدة، الاية: 38.

القرابة كذي رحم إن ورثناه أو مع عدمها كأحد الزوحين والمعتق وعصبته. تنبيه: يحبس الجاني إلى كمال الصبي من الورثة بالبلوغ وحضور الغائب أو إذنه، فلا يخلي بكفيل لانه ـــــــــــــــــــــــــــــ صغير أو كبير لم يثغر فينظر فيه: فإن بان فساد المنبت فكالمثغورة وإن لم يتبين الحال حتى مات ففيها الحكومة، وبقيد غير المقلقلة المقلقلة، أي المتحركة، فإن بطلت منفعتها ففيها الحكومة، وقوله خمس: أي من الابل وهي نصف العشر. قال في المنهج وشرحه: ولو قلعت الاسنان كلها وهي اثنان وثلاثون فبحسابه وإن زادت على دية ففيها مائة وستون بعيرا وإن اتحد الجاني لظاهر خبر عمرو ولو زادت على ثنتين وثلاثين فهل يجب لما زاد حكومة أو لكل سن منه أرش؟ وجهان بلا ترجيح للشيخين، وصحح صاحب الانوار الاول والقمولي والبلقيني الثاني، وهو الأوجه، اه. تتمة: تجب دية كاملة في ذهاب واحد من المعاني كالسمع والبصر والكلام والذوق والمضغ وغيرها مما تقدم أول الباب، وتجب أيضا في المارن وهو ما لان من الانف مشتملا على طرفين وحاجز، وفي كل من الثلاثة ثلث الدية، وفي اللحيين، وهما العظمان تنبت عليهما الأسنان السفلى، فإن زال معهما شئ من الاسنان وجبت ديته أيضا لأن كلا منهما له منفعة مستقلة، وفي الجفون الاربعة، ولو كانت لاعمى، لان فيها جمالا ومنفعة، وتدخل حكومة الاهداب في ديتها ولو أزال الاهداب فقط وجبت فيها حكومة كسائر الشعر إن فسد منبتها لان الفائت بقطعها الزينة والجمال دون المقاصد الاصلية وإن لم يفسد منبتها وجبت التعزير فقط، ويجب ثلث الدية في مأمومة وهي الجراحة التي تبلغ خريطة الدماغ ولا تخرقها، وفي جائفة وهي جراحة تنفذ إلى جوف باطن محيل للغذاء أو الدواء كبطن أو طريق له كصدر وفي ثلث لسان وثلث كلام وما مر من أحد طرفي الانف أو الحاجز، ويجب ربعها في جفن واحد من جفون العين وفي ربع شئ مما مر كربع الاذن واللسان، فتحصل أن الواجب في دية غير النفس من الطرف والجرح، والمعنى قد يكون دية كاملة، وقد يكون نصفها، وقد يكون ثلثها، وقد يكون ربعها، وقد يكون عشرها، وقد يكون نصف عشرها، وقد علمت أمثلتها كلها فتفطن (قوله: ويثبت القود للورثة إلخ) شروع في بيان مستحق القود ومستوفيه (قوله: العصبة) بدل من الورثة وهي كل من لبس له فروض مقدرة، (وقوله: وذي الفروض) الاولى وذوي، بصيغة الجمع، وهم كل من له فروض مقدرة كالزوجين والام والاخ من الأم (قوله: بحسب إرثهم) متعلق بيثبت: أي يثبت القود لمجموع الورثة بحسب إرثهم: أي يوزع عليهم بحسب إرثهم كالدية فإنها تثبت لهم بحسب ذلك والقود يثبت لهم بطريق التلقي عن الميت لا ابتداء على المعتمد فإذا عفي عنه على مال تعلقت به الديون وجهز منه لأن ذلك من جملة تركه الميت، وقيل يثبت لهم ابتداء فلا يوفي الدين من المال الذي عفي عليه على هذا (قوله: ولو مع بعد القرابة) غاية في ثبوته للورثة: أي يثبت القود لهم بحسب إرثهم مطلقا سواء كان إرثهم ثابتا لهم مع قرابة قريبة أو بعيدة أو مع عدمها رأسا. وعبارة المنهاج مع شرح م ر: الصحيح ثبوته لكل وارث بفرض أو تعصيب بحسب إرثهم المال، سواء أورث بنسب وإن بعد: كذي رحم إن ورثناه، أم بسبب كالزوجين والمعتق والامام فيمن لا وارث له مستغرق. انتهت (قوله: كذي رحم) تمثيل لذي القرابة البعدية. (وقوله: إن ورثناه) أي ذا الرحم، أي بأن فقد أرباب الاستحقاق ولم ينتظم بيت المال (قوله: أو مع عدمها) أي القرابة (قوله: كأحد الزوجين) تمثيل للورثة العادمة للقرابة (قوله: تنبيه) أي في بيان ما إذا كان المستحق للقود غير كامل أو كان غائبا (قوله: يحبس الجاني) أي يحبسه الحاكم وجوبا من غير توقف على طلب ولي ولا حضور غائب ضبطا للحق من عذر مستحقه، وإنما توقف حبس الحامل التي أخر قتلها لاجل الحمل على طلبه للمسامحة فيها رعاية للحمل. كذا في التحفة. (قوله: إلى كمال الصبي) أي فينتظر حتى يكمل بالبلوغ، ومثله المجنون فينتظر حتى يكمل بالافاقة، وإنما انتظر ذلك لان القود للتشفي ولا يحصل باستيفاء غير المستحق له من ولي أو حاكم أو بقية الورثة، فإن كان الصبي والمجنون فقيرين محتاجين للنفقة جاز لولي المجنون غير الوصي العفو على الدية دون ولي الصبي لان له غاية تنتظر، بخلاف المجنون، وفي ع ش ما نصه: لو استوفاه أي القود، الصبي في حال صباه فينبغي الاعتداد به، (وقوله: من الورثة) أي حال كون الصبي من الورثة، (وقوله: بالبلوغ) متعلق بكمال (قوله: وحضور الغائب) معطوف على كمال: أي ويحبس

قد يهرب فيقوت الحق والكلام في غير قاطع الطريق، أما هو إذا تحتم قتله فيقتله الامام مطلقا ولا يستوفي القود إلا واحد من الورثة أو من غيرهم بتراض منهم أو من باقيهم، أو بقرعة بينهم إذا لم يتراضوا. ولو بادر أحد المستحقين فقتله عالما تحريم المبادرة فلا قصاص عليه إن كان قبل عفو منه أو من غيره، وإلا فعليه القصاص، ولو قتله أجنبي أخذ الورثة الدية من تركة الجاني لا من الاجنبي ولا يستوفي المستحق القود في نفس أو غيرها إلا بإذن الامام أو نائبه فإن استقل به عزر. ـــــــــــــــــــــــــــــ الجاني إلى حضور المستحق للقود الغائب، (وقوله: أو إذنه) أي الغائب لبقية الورثة في أخذ القود (قوله: فلا يخلى بكفيل) مفرع على قوله يحبس الجاني: أي وإذا كان الجاني يحبس: أي وجوبا فلا يترك مطلقا من غير حبس بضامن، (وقوله: لأنه) أي الجاني، (وقوله: قد يهرب) بضم العين مضارع هرب بفتحها مثل طلب يطلب، وقوله فيفوت الحق: مفرع على الهرب (قوله: والكلام الخ) أي والكلام المذكور في الجاني من كونه يحبس إلى كمال الصبي أو حضور الغائب ولا يخلى بكفيل محله في جان غير قاطع طريق (قوله: أما هو) أي قاطع الطريق (قوله: إذا تحتم قتله) أي بأن أخذ المال وقتل (قوله: فيقتله الامام) في شرح الروض قاطع الطريق أمره إلى الامام لتحتم قتله، لكن يظهر أن الإمام إذا قتله يكون لنحو الصبي الدية في ماله: أي قاطع الطريق لأن قتله لم يقع عن حقه. اه. (وقوله: مطلقا) أي سواء كان المستحق صبيا أم لا غائبا أم لا (قوله: ولا يستوفي القود إلا واحد الخ) أي ويمتنع اجتماعهم على قتل أو نحو قطع ولا يمكنهم الامام من ذلك لو أرادوه لان فيه تعذيبا، ومن ثم لو كان القود بنحو إغراق جاز اجتماعهم، كما صرح به البلقيني، اه شرح م ر (قوله: أو من غيرهم) أي أو واحد من غير الورثة، ويتعين الغير في قود نحو طرف، ولا يجوز أن يكون مستوفيه منهم لانه ربما بالغ في ترديد الآلة فشدد عليه (قوله: بتراض منهم) أي من الورثة كلهم إذا كان المستوفى واحدا من غيرهم، (وقوله: أو من باقيهم) أي الورثة إذا كان المستوفي واحدا منهم، فالكلام على سبيل اللف غير المرتب (قوله: أو بقرعة بينهم) معطوف على بتراض، وما ذكر مختص بما إذا كان المستوفى واحدا منهم: أي ويستوفي القود واحد منهم بقرعة إذا لم يتراضوا: أي يتفقوا على شئ، وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: وليتفقوا على مستوف له، وإلا بأن لم يتفقوا على مستوف وقال كل أنا أستوفية فقرعة يجب على الإمام فعلها بينهم فمن خرجت له استوفى بإذن الباقي إذ له منعه وطلب الاستيفاء بنفسه بأن يقول لا تستوف وأنا أستوفي. انتهت (قوله: ولو بادر إلخ) المقام للتفريع: أي فلو أسرع أحد المستحقين في القتل من غير إذن الباقين (قوله: فلا قصاص عليه) أي على المبادر لان له حقا في قتله في هذه الحالة. قال في النهاية: نعم لو حكم حاكم بمنعه من المبادرة قتل جزما أو باستقلاله لم يقتل جزما كما لو جهل تحريم المبادرة. اه. ومثله في التحفة (قوله: قبل عفو منه) أي من المبادر بالقتل، (وقوله: أو من غيره) أي أو قبل عفو من غيره من بقية الورثة (قوله: وإلا فعليه القصاص) أي وإن لم يكن القتل قبل العفو منه أو من غيره بأن كان بعده فيجب على المبادر من المستحقين القصاص والمستحق له ورثة الجاني الذي بودر بقتله ولبقية ورثة المجني عليه أولا قسط الدية من تركته لفوات القود بغير اختيارهم (قوله: ولو قتله) أي الجاني من غير إذن المستحقين (قوله: أخذ الورثة) أي ورثة المجني عليه أولا (قوله: من تركة الجاني) أي لأنه هو القاتل لمورثهم فهو المطالب بالحق (وقوله: لا من الاجنبي) أي لا توجد من الاجنبي لانهم ليس لهم حق عليه والحق إنما هو لوارث الجاني. على الاجنبي الذي جنى عليه فإما أن يقتص منه أو يعفو عنه (قوله: ولا يستوفي الخ) أي لخطره احتياجه إلى النظر لاختلاف العلماء في شروطه. قال في شرح المنهج: نعم لا يحتاج مالك رقيق في رقيقه إلى الاذن ولا مضطر لاكل من له عليه قود ولا منفردا لا يراه أحد وعجز عن الاثبات اه. (وقوله: إلا بإذن الامام) ويتعين عليه أن لا يأذن إلا لعارف بالاستيفاء أهل له أما غير العارف أو غير الاهل كالشيخ والزمن والمرأة فلا يأذن له في الاستيفاء. (وقوله: أو نائبه) أي الذي تنالت ولايته إقامة الحدود عليه اه. م ر (قوله: فإن استقل) أي المستحق. (وقوله: به) أي القود (وقوله: عزر) أي عزره الامام التعزير اللائق به على حسب ما

تتمة: يجب عند هيجان البحر وخوف الغرق إلقاء غير الحيوان من المتاع لسلامة حيوان محترم وإلقاء الدواب لسلامة الآدمي المحترم إن تعين لدفع الغرق وإن لم يأذن المالك. أما المهدر، كحربي وزان محصن، فلا يلقى لاجله مال مطلقا، بل ينبغي أن يلقى هو لاجل المال، كما قاله شيخنا، ويحرم إلقاء العبيد للاحرار والدواب لما لا روح له، ويضمن ما ألقاه بلا إذن مالكه، ولو قال لرجل ألق متاع زيد وعلي ضمانه إن طالبك ففعل ضمنه الملقى - لا الآمر -. ـــــــــــــــــــــــــــــ يراه. (قوله تتمة) أي في حكم ما يلقى في البحر إذا أشرفت السفينة على الغرق من جواز الالقاء أو وجوبه. وحاصل الكلام على ذلك أنه إذا أشرفت سفينة فيها متاع وركاب على غرق وخيف غرقها بما فيها يجوز طرح متاعها عند توهم النجاة بأن اشتد الامر وقرب اليأس ولم يفد الالقاء إلا على ندور أو عند غلبة ظن النجاة بأن لم يخش من عدم الطرح إلا نوع خوف غير قوي حفظا للروح، ويجب طرح ذلك عند ظن النجاة مع قوة الخوف لو لم يطرح، وينبغي للمالك، إذا تولى، الالقاء بنفسه أو غيره بإذنه العام له تقديم الاخف قيمة من المتاع والحيوان حفظا للمال حسب الامكان، فإن لم يلق من وجب عليه الالقاء حتى حصل الغرق وهلك به شئ أثم ولا ضمان (قوله: يجب عند هيجان البحر) أي شدة اضطرابه بسبب كثرة الامواج فيه وتعرض المؤلف لحالة الوجوب ولم يتعرض لحالة الجواز، وقد علمتها في الحاصل المار (قوله: وخوف الغرق) أي خوفا قويا بحيث يغلب الهلاك لو لم يطرح وإلا فلا يجب كما علمت (قوله: إلقاء) فاعل يجب (قوله: من المتاع) بيان لغير الحيوان (قوله: لسلامة الخ) علة لوجوب إلقاء غير حيوان: أي يجب الالقاء لاجل سلامة حيوان محترم ولو كلبا (قوله: وإلقاء الدواب الخ) معطوف على إلقاء غير الحيوان أي ويجب إلقاء الدواب لاجل سلامة الآدمي المحترم (قوله: إن تعين) أي إلقاء الدواب بأن لم يمكن في دفع الغرق غيره، فإن أمكن غيره في دفع الغرق لم يجب بل لا يجوز أفاده في الروض وشرحه. وقوله لدفع الغرق: أي غرق الآدمي المحترم (قوله: وإن لم يأذن المالك) غاية لوجوب الالقاء في الصورتين: أي يجب إلقاء ما ذكر من المتاع أو الدواب سواء أذن المالك لهما فيه أو لم يأذن لكنه يضمن الملقى فيما إذا كان بغير الاذن كما سيصرح به، (قوله: أما المهدر) مفهوم محترم الذي هو قيد في الحيوان في الآدمي (قوله: كحربي) أي وككلب عقور وتارك الصلاة بعد أمر الامام وقاطع الطريق (قوله: فلا يلقى) أي في البحر، وقوله لأجله. أي المهدر وقوله مال مطلقا: أي سواء كان متاعا أو دواب (قوله: بل ينبغي أن يلقي هو) أي المهدر. قال في التحفة: ويؤيده بحث الأذرعي أنه لو كان، ثم أسرى وظهر للامام المصلحة في قتلهم بدأ بهم قبل المال اه. (وقوله: بدأ بهم) أي في إلقائهم في البحر قبل المال (قوله: لاجل المال) أي سلامته (قوله: ويحرم إلقاء العبيد للاحرار) أي لسلامة الاحرار، وكذلك يحرم إلقاء كافر لمسلم وجاهل لعالم متبحر ولو انفرد وغير شريف لشريف لاشتراك الجميع في أصل التكريم وإن تفاوتوا في الصفات، وحينئذ فيبقون كلهم، فإما أن يغرقوا كلهم، أو يسلموا كلهم (قوله: والدواب الخ) أي ويحرم إلقاء الدواب لاجل سلامة ما لا روح له من الامتعة (قوله: ويضمن ما ألقاه) أي من غير الحيوان لاجل سلامة الحيوان المحترم ومن الدواب لاجل سلامة الآدمي المحترم، ولا ينافي الضمان عدم الاثم في الالقاء لانه واجب مطلقا، كما صرح به، لان الاثم وعدمه يتسامح فيهما ما لا يتسامح في الضمان لأن من باب خطاب الوضع (قوله: ولو قال) أي شخص من ركاب السفينة، (وقوله: لآخر) أي شخص آخر غير المالك، (وقوله: ألق الخ) الجملة مقول القول، وقوله متاع زيد: خرج به ما لو قال له ألق متاعك وعلي ضمانه فألقاه لزم الآمر ضمانه وإن لم يكن له في السفينة شئ ولم تحصل النجاة لأنه التمس إتلافا لغرض صحيح بعوض فصار كقوله أعتق عبدك عني بكذا فأعتق، بخلاف ما لو اقتصر على قوله ألق متاعك ففعل فلا ضمان، ويشترط لضمان الآمر شرطان: أن يخاف الغرق، وأن لا يختص مالكه بفائدة الالقاء بأن يختص بها الملتمس أو أجنبي أو أحدهما مع المالك (قوله: ضمنه الملقى) أي لانه المباشر للاتلاف. قال في التحفة: نعم إن كان المأمور أعجميا يعتقد وجوب طاعة آمره ضمن الامر لان ذلك آلة له. اه.

فرع: أفتى أبو إسحاق المروزي بحل سقى أمته دواء ليسقط ولدها ما دام علقة أو مضغة، وبالغ الحنفية فقالوا يجوز مطلقا. وكلام الاحياء يد على التحريم مطلقا قال شيخنا وهو الاوجه. خاتمة: تجب الكفارة على من قتل من يحرم قتله خطأ كان أو عمدا وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: قال في المغني: سكت المصنف عن المضمون أهو المثل ولو صورة كالقرض أو المثل في المثلى والقيمة في المقوم أو القيمة مطلقا؟ ظاهر كلامهم الاخير، وإن كان الملقى مثليا، ورجحه البلقيني لما في إيجاب المثل من الاجحاف، وجزم في الكفاية بالوسط، ورجحه الاذرعي، وهو كما قال شيخي أوجه من كلام البلقيني، خلافا لبعض المتأخرين، وتعتبر قيمة الملقى حيث أوجبناها قبل هيجان البحر إذ لا قيمة له حينئذ. اه. بتصرف، وفي الروض وشرحه ما نصه: فرع: لو لفظ البحر المتاع الملقى فيه على الساحل وظفرنا به أخذه المالك واسترد الضامن منه عين ما أعطى إن كان باقيا، وبدله إن كان تالفا ما سوى الارش الحاصل بالغرق فلا يسترده. اه (قوله: فرع أفتى أبو إسحاق إلخ) عبارة التحفة في فصل عدة الحامل. فرع: اختلفوا في التسبب لاسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه وهو مائة وعشرون يوما، والذي يتجه وفاقا لابن العماد وغيره الحرمة، ولا يشكل عليه جواز العزل لوضوح الفرق بينهما بأن المني حال نزوله محض جماد لم يتهيأ للحياة بوجه بخلافه بعد استقراره في الرحم وأخذه في مبادئ التخلق ويعرف ذلك بالامارات، وفي حديث مسلم أنه يكون بعد اثنتين وأربعين ليلة: أي ابتداؤه كما مر في الرجعة، ويحرم استعمال ما يقطع الحبل من أصله، كما صرح به كثيرون، وهو وظاهر. اه. والذي رجحه م ر أنه بعد نفخ الروح يحرم مطلقا ويجوز قبله ونص عبارته في باب أمهات الاولاد بعد كلام. قال الدميري: لا يخفى أن المرأة قد تفعل ذلك بحمل زنا وغيره، ثم هي إما أمة فعلت ذلك بإذن مولاها الواطئ لها وهي مسألة الفراتي أو بإذنه وليس هو الواطئ وهو صورة لا تخفى، والنقل فيها عزيز، وفي مذهب أبي حنيفة شهير، ففي فتاوى قاضيخان وغيره أن ذلك يجوز، وقد تكلم الغزالي عليها في الاحياء بكلام متين غير أنه لم يصرح بالتحريم. اه. والراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا وجوازه قبله. اه. (قوله: يحل سقي أمته) الامة ليس بقيد كما يعلم ذلك من عبارة التحفة في النكاح ونص عبارته: واختلفوا في جواز التسبب إلى إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم فقال أبو إسحاق المروزي يجوز إلقاء النطفة والعلقة، ونقل ذلك عن أبي حنيفة إلخ. اه. (قوله: مطلقا) المراد بالاطلاق هنا وفيما يأتي ما يشمل العلقة والمضغة وحالة ما بعد نفخ الروح (قوله: وكلام الاحياء يدل على التحريم) أي وليس صريحا فيه وعبارته بعد أن قرر أن العزل خلاف الاولى: وليس هذا كالاستجهاض والوأد، أي قتل الاطفال، لانه جناية على موجود حاصل، فأول مراتب الوجود وقع النطفة في الرحم فيختلط بماء المرأة فإفسادها جناية، فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش، فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشا. اه. (قوله: قال شيخنا الخ) عبارته. فرع: أفتى أبو إسحاق المروزي بحل سقي أمته لتسقط ولدها ما دام علقة ومضغة وبالغ الحنفية فقال: يجوز مطلقا، وكلام الاحياء يدل على التحريم مطلقا وهو الاوجه كما مر اه. أي في فصل عدة الحامل، وقد علمت عبارته آنفا. (قوله: خاتمة) أي في بيان وجوب الكفارة (قوله: تجب الكفارة إلخ) أي لقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) *، وخبر واثلة بن الاسقع قال: أتينا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في صاحب لنا قد استوجب النار بالقتل، فقال:

_ (1) سورة النساء، الاية: 92.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار رواه أبو داود وصححه الحاكم وغيره. وقوله على من قتل: أي على كل قاتل ولو كان كافرا غير حربي أو صبيا أو مجنونا أو عبدا أو أمة، ولا فرق في القتل بين أن يكون بمباشرة أو تسبب أو شرط، فدخل فيه شاهد الزور والمكره، بكسر الراء، وحافر بئر عدوانا. واعلم، أنه لا كفارة في القتل بالحال كأن توجه ولي بحاله إلى شخص فقتله كما أنه لا ضمان فيه بقود ولاية، كما مر عن التحفة، ولا في القتل بالدعاء كما نقل ذلك عن جماعة من السلف. قال مهران بن ميمون: حدثنا غيلان بن جرير بن مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه كان بينه وبين رجل كلام، فكذب عليه فقال مطرف: اللهم إن كان كاذبا فأمته فخر ميتا فرفع ذلك إلى زياد، فقال قتلت رجل فقال لا: ولكنها دعوة وافقت أجلا، ولا في القتل بالعين كما لا ضمان فيه بالقود ولا بالدية كما مر وإن اعترف به وإن كان ذلك حقا. وينبغي للامام حبس العائن أو أمره بلزوم بيته ويرزقه من بيت المال ما يكفيه إن كان فقيرا لان ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي منعه عمر من مخالطة الناس. وبندب للعائن أن يدعو للمعيون بأن يقول له باسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم بارك فيه ولا تضره. أو يقول: حصنتك بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنك السوء بألف ألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهكذا ينبغي للانسان إذا رأى نفسه سليمة وأحواله مستقيمة أن يقول ذلك ولو في نفسه. وكذلك ينبغي للشيخ إذا استكثر تلامذته أو استحسن حالهم أن يقول ذلك، ومثله الوالد في ولده، وفي الأذكار ما نصه: ذكر الإمام أبو محمد القاضي حسين من أصحابنا رحمهم الله في كتابه التعليق في المذهب قال: نظر بعض الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إلى قومه يوما فاستكثرهم وأعجبوه، فمات منهم في ساعة سبعون ألفا، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه أنك عنتهم ولو أنك إذ عنتهم حصنتهم لم يهلكوا. قال وبأي شئ أحصنهم؟ فأوحى الله تعالى إليه تقول: حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال المعلق عن القاضي حسين: وكان عادة القاضي، رحمه الله، إذا نظر إلى أصحابه فأعجبه سمتهم وحسن حالهم حصنهم بهذا المذكور. اه. (قوله: من يحرم قتله) أي من كل نفس معصومة عليه فدخل فيه نفسه لانها معصومة عليه وعبد نفسه، ودخل أيضا الزاني المحصن ونحوه من كل مهدر إذا كان هو، أي القاتل، مهدرا مثله لما مر أنه معصوم بالنسبة لمثله. وخرج به الحربي وكل مهدر إذا لم يكن القاتل مثله وباغ وصائل ومقتص منه قتله المستحق فلا كفارة في قتلهم كما لا ضمان فيهم بقود ولا دية - كما مر - (قوله: خطأ كان) أي القتل. (وقوله: أو عمدا) أي أو شبه عمد لكن تجب في الخطأ على التراخي وفي العمد وشبهه على الفور تداركا للاثم (قوله: وهي) أي الكفارة. (وقوله: عتق رقبة) أي إعتاق رقبة: أي مؤمنة سليمة من العيوب المخلة بالعمل أو الكسب (قوله: فإن لم يجد) أي الرقبة بشروطها، والمراد لم يجدها حسا بأن فقدها أو شرعا بأن وجدها بأكثر من ثمن مثلها أو وجدها بثمنها وعجز عنه، (وقوله: فصيام شهرين) أي فعليه صيام شهرين مع النية. ويشترط فيها ما مر في باب الصوم من تبييتها وتعيينها بكونها من الكفارة، ولا يشترط نية التتابع على المعتمد، فإن عجز المكفر عن الصيام فلا إطعام على الاصح. نعم: لو مات أطعم عنه بدلا عن الصوم الواجب - كما علم مما مر في باب الصوم - (وقوله: متتابعين) أي بأن لا يفصل بين أيام الصوم فاصل فينقطع التتابع بفطر يوم ولو بعذر لا ينافي الصوم كمرض، بخلاف العذر الذي ينافي كجنون وحيض ونفاس فلا يقطع التتابع. واعلم أن صوم الفرض من حيث التتابع وعدمه ثلاثة أنواع: الاول ما يجب فيه التتابع وهو صوم رمضان وكفارة الظهار وكفارة القتل وكفارة الجماع في نهار رمضان عمدا وصوم النذر الذي شرط فيه التتابع، الثاني ما يجب فيه التفريق: وهو صوم التمتع والقران وفوات النسك وترك الواجب فيه وصوم النذر المشروط فيه التفريق، الثالث ما يجوز فيه الامران: وهو قضاء رمضان وكفارة الجماع في النسك وكفارة اليمين وفدية الحلق والصيد والشجر واللبس والتطيب والاحصار وتقليم الاظفار ودهن غير الرأس أو اللحية في الاحرام وصوم النذر المطلق والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب في الردة

باب في الردة (الردة) لغة الرجوع، وهي أفحش أنواع الكفار ويحبط بها العمل إن اتصلت بالموت فلا يجب إعادة ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في الردة أي في بيان أحكامها، أعاذنا الله وأحبتنا وجميع المسلمين منها، وإنما ذكر هذا الباب بعدما قبله لانه جناية مثله، لكن ما تقدم من أول الجناية إلى هنا متعلق بالنفس وهذا متعلق بالدين، وأخره عما تقدم، وإن كان هذا أهم، لكثرة وقوع ذلك اه. ع ش، وحاصل الكلام على أنواع الردة أنها تنحصر في ثلاثة أقسام: اعتقادات وأفعال وأقوال، وكل قسم منها يتشعب شعبا كثيرة. فمن الأول: الشك في الله أو في رسالة رسوله أو في شئ من القرآن أو في اليوم الآخر أو في وجود الجنة أو النار أو في حصول الثواب للمطيع والعقاب للعاصي أو فيما هو مجمع عليه مما هو معلوم من الدين بالضرورة أو اعتقاد فقد صفة من صفاته تعالى أو تحليل ما هو حرام، ومن الثاني السجود لصنم أو لشمس أو مخلوق آخر، ومن الثالث قوله لمسلم يا كافر أو يا عديم الدين قاصدا بالاول أن دينه المتلبس به وهو الاسلام كفر، وبالثاني أن ما هو متصف به لا يسمى دينا، أو قوله لو آخذني الله بترك الصلاة مع ما أنا فيه من المرض والشدة ظلمني، أو قوله أنا أفعل بغير تقدير الله عند سماعه من يقول فعلك هذا بتقدير الله تعالى، أو قوله لو شهد عندي جميع المسلمين ما قبلتهم استهزاء بهم وسخرية، أو قوله للمفتي عند إعطائه جواب سؤال استفتاه فيه أي شئ هذا الشرع ويرمي الجواب استخفافا بالشرع، أو قوله: وقد أمر بحضور مجلس علم أي شئ أعمل بمجلس العلم، أو لعنة الله على كل عالم قاصد الاستخاف ان لم يرد الاستغراق وإلا لم يشترط الاستخفاف لشموله الانبياء والملائكة، أو قوله يكون الابعد قوادا إن صليت أو صمت، أو ما أصبت خيرا منذ صليت، أو الصلاة لا تصلح لي قاصدا بذلك الاستخفاف أو الاستهزاء، أو قول مريض طال مرضه توفني مسلما أو كافرا إن شئت، أو قول معلم الصبيان اليهود خير من المسلمين لانهم يقضون حق معلمي أولادهم لكن إن قصد الخيرية المطلقة ومما يخشى منه الكفر، والعياذ بالله تعالى، شتم رجل اسمه من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - ذاكرا النبي، والكلام بكلام الدنيا عند سماع قرآن أو أذان، وقوله للقراء هؤلاء آكلوا الربا، وقوله لصالح وجهه كالخنزير، أو أنا أريد المال سواء كان من حلال أو حرام. واعلم: أنه يجري على ألسنة العامة جملة من أنواع الكفر من غير أن يعلموا أنها كذلك فيجب على أهل العلم أن يبينوا لهم ذلك لعلهم يجتنبونه إذا علموه لئلا تحبط أعمالهم ويخلدون في أعظم العذاب، وأشد العقاب، ومعرفة ذلك أمر مهم جدا، وذلك لأن من لم يعرف الشر يقع فيه وهو لا يدري، وكل شر سببه الجهل، وكل خير سببه العلم، فهو النور المبين، والجهل بئس القرين، وقد استوفى الكلام على جميع أنواع الردة وبيان المختلف فيه منها والمتفق عليه ابن حجر في كتابه المسمى بالاعلام بقواطع الاسلام، فمن أراد الاحاطة بجميع ذلك فعليه بالكتاب المذكور (قوله: الردة لغة الرجوع) أي عن مطلق شئ إلى غيره سواء كان رجوعا عن الاسلام إلى غيره وهو الكفر أو عن شئ آخر إلى غيره فالمعنى اللغوي أعم من الشرعي كما هو الغالب (قوله: وهي) أي الردة. (وقوله أفحش أنواع الكفر) أي أغلظ من غيرها من بقية أنواع الكفر وذلك لقوله تعالى: * (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) * الآية، وقوله تعالى: * (ومن يبتغ

_ (1) سورة البقرة، الاية: 217.

عباداته التي قبل الردة. وقال أبو حنيفة تجب، وشرعا: (قطع مكلف) مختار، فتلغو من صبي ومجنون ومكره عليها إذا كان قلبه مؤمنا (إسلاما بكفر عزما) حالا أو مآلا فيكفر به حالا (أو قولا أو فعلا باعتقاد) لذلك الفعل أو القول أي معه (أو) مع (عناد) من القائل أو الفاعل (أو) مع (استهزاء) أي استخفاف، بخلاف ما لو اقترن به ما ـــــــــــــــــــــــــــــ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) * ولخبر البخاري من بدل دينه فاقتلوه (وقوله: ويحبط بها العمل) أي الحاصل منه قبل الردة فكأنه لم يعمل شيئا ويترتب على ذلك وجوب مطالبته به في الآخرة، (وقوله إن اتصلت بالموت) فإن لم تتصل به بأن أسلم قبله فلا يحبط بها العمل وإنما يحبط بها ثوابه فقط فيدعو له العمل مجردا عن الثواب، ويترتب على ذلك أنه لا يجب عليه قضاؤه ولا يطالب به في الآخرة (قوله: فلا يجب إعادة إلخ) مفرع على مفهوم قوله إن اتصلت بالموت وهو فإن لم تتصل بالموت فلا يحبط عمله فلا يجب إعادة، ولعله سقط هذا المفهوم من النساخ (قوله: وقال أبو حنيفة تجب) أي الاعادة لانها يحبط بها عنده العمل مطلقا ولو لم تتصل بالموت (قوله: وشرعا) معطوف على لغة (قوله: قطع مكلف) من إضافة المصدر لفاعله، وخرج به الكفر الاصلي فلا يسمى ردة وهي تفارقه في أمور منها أن المرتد لا يقر على ردته فلا يقبل منه إلا الاسلام، ومنها أنه يلزم بأحكامنا لالتزامه لها بالاسلام، ومنها إنه لا يصح نكاحه، ومنها تحرم ذبيحته ولا يستقر له ملك ولا يسبى ولا يفادي ولا يمن عليه ولا يرث ولا يورث، بخلاف الكافر الاصلي في جميع ذلك، (قوله: فتلغو) أي الردة: أي لا يؤاخذ بها (وقوله من صبي ومجنون) أي وسكران غير معتد بسكره (قوله: ومكره عليها) أي وتلغو من مكره عليها لقوله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * (قوله: إسلاما) أي دوام إسلام، وهو مفعول قطع، وخرج به قطع الصلاة ونحوها فلا يسمى ردة (قوله: بكفر) متعلق بقطع، وقوله عزما تمييز محول عن المضاف والاصل بعزم كفر (قوله: حالا أو مآلا) يعني أن العزم على الكفر يقطع الاسلام سواء عزم أن يكفر حالا أو عزم أن يكفر غدا، ومثل العزم على التردد فيه فيكفر به أيضا (قوله: فيكفر به حالا) أي فيكفر بعزمه على الكفر في المآل: أي المستقبل حالا (قوله: أو قولا أو فعلا) معطوفان على عزما فهما منصوبان عى التمييز أيضا لان المعطوف على التمييز تمييز وهما محولان عن المضاف أيضا، والتقدير أو قول كفر أو فعله، وقد علمت بعضا من الاقوال المكفرة والافعال كذلك، ومن الاول أيضا غير ما تقدم أن يقول الله ثالث ثلاثة، ومن الثاني غير ما تقدم أن يلقى مصحفا وكتب علم شرعي أو ما عليه اسم معظم في قاذورة ولو طاهرة، وأما ضرب الفقيه مثلا للاولاد الذين يتعلمون منه بألواحهم أو رميهم بها من بعد فقال ع ش: الظاهر أنه ليس كفرا لأن الظاهر من حال الفقيه أنه لا يريد الاستخفاف بالقرآن. نعم: ينبغي حرمته لاشعاره بعدم التعظيم كما قالوه فيما لو روح بالكراسة على وجهه (قوله: باعتقاد) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لما قبله، وظاهر عبارته أن الاعتقاد وما بعده من العناد والاستهزاء مختصان بالقول والفعل وليس كذلك، بل تأتي الثلاثة أيضا في العزم على الكفر، كما صرح بذلك في التحفة والنهاية فعزمه عليه يكون مع اعتقاد أو عناد أو استهزاء، قال بعضهم لا يظهر الاستهزاء في العزم. وقوله أي معه: أفاد أن الباء بمعنى مع (قوله: أو مع عناد) أي بأن عر ف أن الحق باطنا وامتنع أن يقر به كأن يقول الله ثالث ثلاثة، أو يسجد لصنم عنادا لمن يخاصمه مع اعتقاد أن الله واحد، أو أن السجود لا يكون إلا لله (قوله: أو مع استهزاء) مثل م ر للاستهزاء في القول بما إذا قيل له قلم أظفارك فإنه سنة فقال لا أفعله وإن كان سنة أو لو جاءني به النبي ما قبلته ما لم يرد المبالغة في تبعيد نفسه أو يطلق فإن المتبادر منه التبعيد، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى تبعا للسبكي في أنه ليس من التنقيص قول من سئل في شئ لو جاءني جبريل أو النبي ما فعلته. اه (قوله: بخلاف الخ) مقابل قوله باعتقاد وما معه: أي أن هذه الثلاثة أعني العزم على الكفر، أو قوله أو فعله تقطع الاسلام، ويحصل بها الردة بالاعتقاد أو العناد أو الاستهزاء. أما إذا لم تقترن بها بل اقترنت بسبق لسان أو حكاية كفر أو غير ذلك فلا تقطع الاسلام ولا يحصل بها الردة. (وقوله: ما لو اقترن به) ما واقعة على الثلاثة الأول: أعني العزم والقول والفعل، وضمير به يعود عليها. (وقوله:

_ (1) سورة آل عمران، الاية: 85. (2) سورة النحل، الاية: 106.

يخرجه عن الردة كسبق لسان أو حكاية كفر أو خوف قال شيخنا كشيخه وكذا قول الولي حال غيبته أنا الله ونحوه مما وقع لائمة من العارفين كابن عربي وأتباعه بحق وما وقع في عبارتهم مما يوهم كفرا غير مراد به ظاهره كما لا يخفى على الموفقين. نعم، يحرم على من لم يعرف حقيقة اصطلاحهم وطريقتهم مطالعة كتبهم فإنها مزلة قدم ـــــــــــــــــــــــــــــ كسبق لسان إلخ) تمثيل لما يخرجه عن الكفر. (وقوله: أو حكاية كفر) أي كفر غيره كأن يقول قال فلان أنا الله مثلا. (وقوله: أو خوف) أي كأن يكون في بلاد الكفر وأمروه بالسجود لصنم فسجد له خوفا منهم أن يقتلوه لو لم يسجد، ومثل ما ذكر من سبق اللسان وما بعده الاجتهاد فيما لم يقم الدليل القاطع على خلافه كاعتقاد المعتزلة عدم رؤية الباري في الآخرة أو عدم عذاب القبر أو نعيمه فلا يكفرون بذلك لانه اقترن به اجتهاد (قوله: وكذا قول الولي) أي مثل ما اقترن به ما يخرجه عن الردة قول الولي في حال غيبته أنا الله فلا يقتل لعدم تكليفه حينئذ. وعبارة المغني: وخرج بذلك من سبق لسانه إلى الكفر أو أكره عليه فإنه لا يكون مرتدا، وكذا الكلمات الصادرة من الاولياء في حال غيبتهم، وفي أمالي الشيخ ابن عبد السلام أن الولي إذا قال أنا الله عزر التعزير الشرعي ولا ينافي الولاية لانهم غير معصومين، وينافي هذا قول القشيري من شرط الولي أن يكون محفوظا كما إن من شرط النبي أن يكون معصوما، فكل من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرور مخادع، فالولي الذي توالت أفعاله على الموافقة، وقد سئل ابن سريج عن الحسين الحلاج لما قال: أنا الحق فتوقف فيه، وقال هذا رجل خفي علي أمره، وأما أقول فيه شيئا، وأفتى بكفره بذلك القاضي أبو عمرو والجنيد وفقهاء عصره، وأمر المقتدر بضربه ألف سوط، فإن مات وإلا ضرب ألفا أخري، فإن لم يمت قطعت يداه ورجلاه ثم ضرب عنقه، ففعل به جميع ذلك لست بقين من ذي الحجة ستة تسع وثلثمائة والناس مع ذلك يختلفون في أمره، فمنهم من يبالغ في تعظيمه، ومنهم من يكفره لانه قتل بسيف الشرع، وجرى ابن المقري، تبعا لغيره، على كفر من شك في كفر طائفة، كابن عربي الذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الاتحاد، وهو بحسب ما فهموه من ظاهر كلامهم، ولكن كلام هؤلاء جار على اصطلاحهم: إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي مجاز في غيره، والمعتقد منهم لمعناه معتقد لمعنى صحيح، وأما من اعتقد ظاهره من جهلة الصوفية فإنه يعرف فإن استمر على ذلك بعد تعريفه صار كافرا. اه. وفي شرح الروض بعد كلام: والحق أن هؤلاء، أي الطائفة كابن عربي، مسلمون أخيار وكلامهم جار على اصطلاحهم كسائر الصوفية وهو حقيقة عندهم في مرادهم وإن افتقر عند غيرهم ممن لو اعتقد ظاهره عنده كفر إلى تأويل: إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي مجاز في غيره بالمعتقد منهم لمعناه معتقد لمعنى صحيح، وقد نص على ولاية ابن عربي جماعة علماء عارفون بالله منهم الشيخ تاج الدين بن عطاء الله والشيخ عبد الله اليافعي ولا يقدح فيه وفي طائفة ظاهر كلامهم المذكور عند غير الصوفية لما قلناه ولانه قد يصدر عن العارف بالله إذا استغرق في بحر التوحيد والعرفان بحيث تضمحل ذاته في ذاته وصفاته في صفاته ويغيب عن كل ما سواه عبارات تشعر بالحلول والاتحاد لقصود العبارة عن بيان حاله الذي ترقى إليه وليست في شئ منهما كما قاله العلامة السعد التفتازاني وغيره. اه. في حاشية الامير علي عبد السلام الناس في التوحيد متفاوتون، فالعامة الاسلامية اقتصروا على علم ظاهر لا إله إلا الله، ومنهم من ترقى إلى معرفة ما يمكن بالبراهين الفكرية، ومنهم من فتح عليه بأمور وجدانية، ومنهم من ذاق الكل من الله وإليه فرضي بكل شئ من هذه الحيثية، كما سبقت الاشارة إليه غير مرة، ومنهم من غاب عن المغايرة وطفح في سكره حيث قال أنا الله، أو ما في الجبة إلا الله، أو ما في الكون إلا الله، فمنهم من عذرهم بذلك، ومنهم من عاقبهم، والكل على خير إن شاء الله تعالى حيث صح الأصل. اه (قوله: وما وقع) مبتدأ، خبره غير مراد به ظاهره، والمعنى أن ما وقع في عبارات القوم مما يوهم الكفر كالكلمات المتقدمة غير مراد به ظاهره، بل له معنى صحيح عندهم اصطلحوا عليه (قوله: كما لا يخفى على الموفقين) أي المنورين البصيرة (قوله: نعم يحرم الخ) استدراك على كون ما وقع من هذه الطائفة غير مراد ظاهره بل له معنى صحيح عندهم (قوله: مطالعة) فاعل يحرم (قوله: فإنها) أي مطالعة كتبهم، (وقوله: مزلة قدم) أي موضع زللها، والمراد من طالع كتبهم وهو لا يعرف حقيقة اصطلاحهم يكون ذلك له سببا في زلله وخروجه

له، ومن ثم ضل كثيرون اغتروا بظواهرها. وقول ابن عبد السلام: يعزر ولي قال أنا الله؟ فيه نظر، لانه إن قاله وهو مكلف فهو كافر لا محالة، وإن قاله حال الغيبة المانعة للتكليف فأي وجه للتعزير. اه. وذلك (كنفي صانع و) نفي (نبي) أو تكذيبه (وجحد مجمع عليه) معلوم من الدين بالضرورة من غير تأويل وإن لم يكن فيه نص ـــــــــــــــــــــــــــــ عن سنن أهل الحق والاستقامة إلى سنن أهل البدع والضلالة (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أنها مزلة قدم (قوله: وقول ابن عبد السلام إلخ) عبارة التحفة: وقوله ابن عبد السلام يعزر ولي قال أنا الله ولا ينافي ذلك ولايته لانه غير معصوم فيه نظر لأنه إن كان غائبا فهو غير مكلف لا يعزر كما لو أول بمقبول، وإلا فهو كافر، ويمكن حمله على ما إذا شككنا في حاله فيعزر فطما له ولا يحكم عليه بالكفر لاحتمال عذره ولا بعدم الولاية لانه غير معصوم. اه (قوله: وذلك) أي المكفر قولا أو فعلا أو عزما، لكن الأمثلة التي ذكرها بعضها يناسب الاول، وبعضها يناسب الثاني، وبعضها يناسب الثالث فتكون على التوزيع، (وقوله: كنفي صانع) أي وجوده وهو الله سبحانه وتعالى والذي نفى الصانع الدهرية وهم طائفة يزعمون أن العالم لم يزل موجودا كذلك بلا صانع، ومثله نفي صفة من صفاته الواجبة له تعالى إجماعا كالقدم والبقاء ونكر لفظ صانع لانه هو الوارد ففي حديث الطبراني والحاكم اتقوا الله فإن الله فاتح لكم وصانع (قوله: ونفي نبي) أي نبوته، والمراد نبي من الانبياء الذين يجب الإيمان بهم تفصيلا، وهم الخمسة والعشرون المذكورون في القرآن وقد نظمهم بعضهم في قوله: حتم على كل ذي التكليف معرفة لانبياء على التفصيل قد علموا في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشر ويبقى سبعة وهمو إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا (قوله: أو تكذيبه) أي نبي من الانبياء، ومثل التكذيب تنقيصه بأي منقص كان: كأن صغر اسمه مريدا تحقيره. وخرج بتكذيبه الكذب عليه فلا يكون كفرا وإن كان حراما. قال في التحفة: وقول الجويني أن الكذب على نبينا - صلى الله عليه وسلم - كفر بالغ ولده إمام الحرمين في تزييفه وأنه زلة. اه (قوله: وجحد مجمع عليه) أي إنكار ما أجمع على إثباته أو على نفيه فدخل فيه جميع الواجبات المجمع عليها وجميع المحرمات كذلك، ودخل أيضا القرآن فمن أنكر وجوب شئ من الواجبات كالصلاة والصوم أو حرمة شئ من المحرمات المجمع عليها كالزنا واللواط وشرب الخمر أو أنكر شيئا من القرآن، ولو آية، كفر بذلك، وسبب التكفير به - كما في التحفة - أن في إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة تكذيبا للنبي - صلى الله عليه وسلم -. (وقوله: معلوم من الدين بالضرورة) أي معلوم من أدلة ديننا علما يشبه الضروري الذي لا يحتاج إلى نظر واستدلال بحيث استوى في معرفته العامة والخاصة. قال اللقاني: ومن لمعلوم ضرورة جحد من ديننا يقتل كفرا ليس حد (قوله: من غير تأويل) متعلق بجحد، أي جحد من غير تأويل: أي أو بتأويل قطعي بالبطلان كجحد أهل اليمامة وجوب الايمان بعد موته - صلى الله عليه وسلم - قائلين أنه لا يجب الايمان إلا في حياته لانقطاع شريعته بموته كبقية الانبياء فهذا التأويل باطل قطعا لان شريعته - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة، أما ما كان بتأويل غير قطعي البطلان كجحد كفر فرعون وإثبات إيمانه تمسكا بظاهر قوله تعالى: * (قال آمنت) * الآية فلا يكون مكفرا لوجود تأويل وإن كان فاسدا لان الايمان لا ينفع عند يأس الحياة بأن وصل لآخر رمق كالغرغرة وإدراك الغرق في الآية من ذلك كما هو واضح لكنه غير قطعي الفساد. والحاصل كفر فرعون مجمع عليه لما ذكر لكن من جحد ذلك لا يكفر لوجود تأويل ما قال وفي التحفة بعد كلام: وبما تقرر علم خطأ من كفر القائلين بإسلام فرعون لانا وإن اعتقدنا بطلان هذا القول لكنه غير ضروري وإن فرض أنه

_ (1) سورة يونس، الاية: 90.

كوجوب نحو الصلاة المكتوبة وتحليل نحو البيع والنكاح وتحريم شرب الخمر واللواط والزنا والمكس وندب الرواتب والعيد بخلاف مجمع عليه لا يعرفه إلا الخواص ولو كان فيه نص كاستحقاق بنت الابن السدس مع البنت وكحرمة نكاح المعتدة للغير، كما قاله النووي وغيره، وبخلاف المعذور كمن قرب عهده بالاسلام (وسجود لمخلوق) اختيارا من غير خوف ولو نبيا وإن أنكر الاستحقاق أو لم يطابق قلبه جوارحه لان ظاهر حاله يكذبه وفي الروضة عن التهذيب من دخل دار الحرب فسجد لصنم أو تلفظ بكفر ثم ادعى إكراها فإن فعله في خلوته لم يقبل أو بين أيديهم وهو أسير قبل قوله أو تاجر فلا وخرج بالسجود الركوع لان صورته تقع في العادة ـــــــــــــــــــــــــــــ مجمع عليه بناء على أنه لا عبرة بخلاف أولئك إذ لم يعلم أن فيهم من بلغ مرتبتة الاجتهاد. اه (قوله: وان لم يكن فيه نص) غاية في تكفير جاحد مجمع عليه: أي يكفر به وإن لم يكن لهذا المجمع عليه نص من القرآن أو السنة كالاجماع السكوتي (قوله: كوجوب الخ) تمثيل للمجمع عليه فإذا جحده كفر. وقوله نحو الصلاة: أي كالصيام والزكاة والحج (قوله: وتحليل نحو البيع والنكاح) عطف على وجوب: أي وكتحليل الخ: أي فهو مجمع عليه، فمن جحده كفر (قوله: وندب الرواتب) أي السنن الراتبة: أي فهو مجمع عليه، فمن أنكره كفر، وقوله والعيد: عطف على الرواتب أي وندب العيد: أي صلاته قال في الاعلام وفي تعليق البغوي من أنكر السنن الراتبة أو صلاة العيدين يكفر، والمراد إنكار مشروعيتها لانها معلومة من الدين بالضرورة ومنكر هيئة الصلاة زعما منه أنها لم ترد إلا مجملة وهذه الصفات والشروط لم ترد بنص جلي متواتر يكفر أيضا إجماعا اه. (قوله: بخلاف مجمع عليه إلخ) محترز قوله معلوم من الدين بالضرورة. (وقوله: لا يعرفه إلا الخواص) أي دون العوام. قال ع ش: ظاهره وإن علمه ثم أنكره وهو المعتمد. وفي شرح البهجة لشيخ الاسلام ما يخالفه. اه. (قوله: كاستحقاقه بنت الابن السدس) تمثيل للمجمع عليه الذي لا يعرفه إلا الخواص: أي فمن جحده لا يكفر به (قوله: وكحرمة نكاح المعتدة) أي فمن جحدها لا يكفر. قال ع ش: أي مع اعترافه بأصل العدة وإلا فإنكار العدة من أصلها كفر لثبوته بالنص وعلمه بالضرورة. اه. (قوله: وبخلاف المعذور) محترز قيد ملحوظ. أي وجحد مجمع عليه من غير عذر وكان الأولى التصريح به (قوله: كمن قرب عهده بالإسلام) تمثيل للمعذور، ومثله من نشأ ببادية بعيدة عن العلماء (قوله: وسجود لمخلوق) معطوف على نفي صانع: أي وكسجود لمخلوق سواء كان صنما أو شمسا أو مخلوقا غيرهما فيكفر به لانه أثبت لله شريكا. قال في الإعلام. سواء كان السجود في دار الحرب أم في دار الإسلام بشرط أن لا تقوم قرينة على عدم استهزائه أو عذره وما في الحلية عن القاضي عن النص أن المسلم لو سجد للصنم في دار الحرب لم يحكم بردته ضعيف وواضح أن الكلام في المختار. اه. (قوله: اختيارا) خرج المكره كأن كان في دار الحرب وأكرهوه على السجود لنحو صنم. وقوله من غير خوف: لا حاجة إليه لأنه يغني عنه ما قبله (قوله: ولو نبيا) أي ولو كان المخلوق نبيا فإنه يكفر بالسجود له (قوله: وإن أنكر الاستحقاق) أي يكفر بالسجود للمخلوق وإن أنكر استحقاقه له واعتقد أنه مستحق لله تعالى خاصة (وقوله: أو لم يطابق الخ) عطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص. قال في الاعلام: وفي المواقف وشرحها من صدق بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك سجد للشمس كان غير مؤمن بالاجماع لان سجوده لها يدل بظاهره على أنه ليس بمصدق ونحن نحكم بالظاهر، فلذلك حكمنا بعدم إيمانه لان عدم السجود لغير الله داخل في حقيقة الايمان حتى لو علم أنه لم يسجد لها على سبيل التعظيم واعتقاد الالهية، بل سجد لها وقلبه مطمئن بالتصديق لم يحكم بكفره فيما بينه وبين الله وإن أجرى عليه حكم الكافر في الظاهر. اه. (قوله: من دخل دار الحرب) أي من المسلمين (قوله: فسجد) أي من دخل دار الحرب. (وقوله: لصنم) أي أو نحوه كشمس (قوله: أو تلفظ بكفر) معطوف على سجد لصنم (قوله: ثم ادعى إكراها) خرج به ما إذا لم يدعه فيحكم بكفره مطلقا (قوله: فإن فعله) أي المذكور من السجود والتلفظ بالكفر، والجملة جواب من (وقوله: في خلوته) أي ليس بين أيديهم) (وقوله: لم يقبل) أي لأن قرينة حاله تكذبه (قوله: أو بين أيديهم) معطوف على الجار والمجرور قبله: أي أو فعله بين أيديهم. (وقوله: قبل) لان قرينة حاله وهي أسره وكونه بين أيديهم تصدقه (قوله: أو تاجر) معطوف على أسير: أي فإن فعله بين

للمخلوق كثيرا، بخلاف السجود. قال شيخنا: نعم يظهر أن محل الفرق بينهما عند الاطلاق، بخلاف ما لو قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله تعالى به فإنه لا شك في الكفر حينئذ. اه. وكمشي إلى الكنائس بزيهم من زنار وغيره وكإلقاء ما فيه قرآن في مستقذر، قال الروياني أو علم شرعي، ومثله بالاولى ما فيه اسم معظم (وتردد في كفر) أيفعله أو لا، وكتكفير مسلم لذنبه بلا تأويل لانه سمي الاسلام كفرا، وكالرضا بالكفر: ـــــــــــــــــــــــــــــ أيديهم وهو تاجر فلا يقبل لان عدم الاسر يدل على كذبه (قوله: وخرج بالسجود الركوع) أي فلا يكفر به ولكنه يحرم (قوله: لأن صورته) أي الركوع، وهو علة لعدم كفره بالركوع (قوله: بخلاف السجود) أي فإن صورته لا تقع في العادة لمخلوق (قوله: أن محل الفرق بينهما) أي الركوع والسجود، (وقوله: عند الإطلاق) أي عند عدم قصده شيئا أي أو عند قصده تعظيمه لكن لا كتعظيم الله. قال البجيرمي: الحاصل أن الانحناء لمخلوق، كما يفعل عند ملاقاة العظماء، حرام عند الاطلاق أو قصد تعظيمهم لا كتعظيم الله تعالى، وكفر إن قصد تعظيمهم كتعظيم الله تعالى. اه. (قوله: فإنه) أي من قصد تعظيم مخلوق بالركوع كتعظيم الله (وقوله لا شك في الكفر) أي في كفره. فأل عوض عن الضمير. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ قصد ما ذكر (قوله: وكمشى إلى الكنائس) معطوف على كسجود لمخلوق: أي والمكفر أيضا كمشى إلى الكنائس حالة كونه متلبسا بزيهم: أي بهيئتهم التي يتلبسون بها كأن يشد على وسطه زنارا وهو خيط غليظ فيه ألوان يشد في الوسط فوق الثوب أو يخيط فوق الثياب بموضع لا يعتاد الخياطة عليه كالكتف ما يخالف لونها أو يضع البرنيطة فيكفر بذلك وأفهم قوله وكمشي إلى الكنائس بزيهم أنه لو فقد أحدهما كأن مشى إلى الكنائس لا بزيهم بل بزي المسلمين أو تزيا بزيهم من غير مشي إليها لا يكفر، وهو كذلك (قوله: وكإلقاء ما فيه قرآن في مستقذر) أي فيكفر به. قال في الاعلام: والمراد بالمستقذر النجاسات مطلقا، بل والقذر الطاهر، كما صرح به بعضهم، ثم قال: وكإلقاء المصحف ونحوه في القذر تلطيخ الكعبة أو غيرها من المساجد بنجس، ولو قيل إن تلطيخ الكعبة بالقذر الطاهر كذلك لم يبعد، إلا أن كلامهم ربما يأباه. اه. وقال في التحفة: وقضية قوله كإلقاء أن الالقاء ليس بشرط وأن مماسة شئ من ذلك بقذر كفر أيضا، وفي إطلاقه نظر، ولو قيل لا بد من قرينة تدل على الاستهزاء لم يبعد. اه. وقال سم: اختلف مشايخنا في مسح القرآن من لوح المتعلم بالبصاق، فأفتى بعضهم بحرمته مطلقا وبعضهم بحرمته إن بصق على القرآن ثم مسحه، وبحله إن بصق على نحو خرقة ثم مسح بها. اه. وقال ع ش: ما جرت به العادة من البصاق على اللوح لازالة ما فيه ليس بكفر، وينبغي عدم حرمته أيضا، ومثله ما جرت العادة به أيضا من مضغ ما عليه قرآن أو نحوه للتبرك به أو لصيانته عن النجاسة. اه. (قوله: قال الروياني أو علم شرعي) قال في الاعلام أيضا: وهل مراد الروياني بالعلوم الشرعية الحديث والتفسير والفقه وآلاتها كالنحو وغيره وإن لم يكن فيه آثار السلف أو يختص بالحديث والتفسير والفقه؟ الظاهر الاطلاق، وإن كان بعيد المدرك في ورقة من كتاب نحو مثلا ليس فيها اسم معظم. اه. (قوله: ومثله) أي العلم الشرعي، وقوله ما فيه اسم معظم: أي من أسماء الله أو أسماء الانبياء أو الملائكة (قوله: وتردد في كفر) عطف على نفي صانع: أي وكتردد في كفر هل يفعله أم لا؟ فإنه يكفر به حالا. قال في شرح الروض: لان استدامة الايمال واجبة والتردد ينافيها. اه. فإن قلت: التردد من أي قسم من الاقسام السابقة: هل هو من العزم أو الفعل أو القول؟. قلت: يحتمل أن يكون من العزم لأن المراد به القصد مطلقا سواء كان مع جزم أو مع تردد، ويحتمل أن يكون من الفعل ويراد به ما يشمل الفعل القلبي، ويحتمل أن يكون من الثالث بأن يراد من التردد التردد اللساني لكن الموافق للقلبي كما هو ظاهر (قوله: وكتكفير مسلم) أي بأن قال له يا كافر. وقوله لذنبه: أي لاجل ارتكابه ذنبا من الذنوب، وهو ليس بقيد، بل مثله بالأولى ما إذا كفره من غير ذنب. (وقوله: بلا تأويل) أي فيكفر به إن كفره بلا تأويل للكفر ككفر النعمة مثلا، وإلا فلا يكفر (قوله: لانه سمى الاسلام كفرا) علة لمقدر: أي فيكفر من كفر مسلما من غير تأويل لانه سمى الاسلام المتلبس به كفرا، وقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا قال الرجل لاخيه يا كافر فقد باء بها أي رجع بكلمة الكفر (قوله: وكالرضا بالكفر) أي فيكفر به. قال في الاعلام: ومن المكفرات أيضا أن يرضى بالكفر ولو ضمنا: كأن يسأله كافر يريد

كأن قال لمن طلب منه تلقين الاسلام اصبر ساعة فيكفر في الحال في كل ما مر لمنافاته الاسلام، وكذا يكفر من أنكر إعجاز القرآن أو حرفا منه أو صحبة أبي بكر أو قذف عائشة رضي الله عنها، ويكفر في وجه حكاه القاضي من ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسلام أن يلقنه كلمة الاسلام فلم يفعل أو يقول له اصبر حتى أفرغ من شغلي أو خطبتي ولو كان خطيبا، وكأن يشير عليه بأن لا يسلم وإن لم يكن طالبا لاسلام فيما يظهر. اه. (قوله: فيكفر في الحال) تفريع على جميع ما مر من نفي صانع إلى هنا بدليل قوله في كل ما مر. (وقوله: لمنافاته) أي ما مر للاسلام (قوله: وكذا يكفر من أنكر إعجاز القرآن) أي لانه مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة. (قوله: أو حرفا منه) أي أو أنكر حرفا من القرآن: أي أو آية مجمعا عليها كبسملة النمل التي في وسطها، أما بسملة الفاتحة فلا يكفر من نفاها منها لعدم الاجماع عليها، ومثله ما لو زاد فيه آية معتقدا أنها منه فيكفر به. تنبيه: قال شيخنا الاستاذ العارف بربه المنان سيدنا السيد أحمد بن زيني دحلان في كتابة له في التجويد ما نصه: قد كفر بعضهم من وقف على نحو قوله تعالى: * (وقالت اليهود) * وابتدأ بقوله: * (عزير ابن الله) * أو * (وقالت النصارى) * وابتدأ بقوله: * (المسيح ابن الله) * أو وقالت اليهود وابتدأ بقوله: * (يد الله مغلولة) * أو * (ما أنتم بمصرخي) * وابتدأ بقوله: * (إني كفرت) * والمحققون على أنه لا يطلق القول بالتكفير ولا بالحرمة، بل إن كان مضطرا وابتدأ بما بعده غير معتقد لمعناه لا يكفر وإن اعتقد معناه كفر مطلقا وقف أم لا، وعليه يحمل كلام من أطلق فإن وقف متعمدا غير معتقد المعنى حرم ولم يكفر. اه. (قوله: أو صحبة أبي بكر) أي أو أنكر صحبة أبي بكر رضي الله عنه فيكفر به لثبوتها بالقرآن، وفي إنكارها تكذيب للقرآن، وظاهره أنه لا يكفر بإنكار صحبة غيره. وفي رسالة شيخنا الاستاذ في فضل أبي بكر رضي الله عنه ما نصه: ومن الآيات الدالة على فضله قوله تعالى: * (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) * أجمع المسلمون على أن المراد بالصاحب هنا أبو بكر رضي الله عنه، ومن ثم من أنكر صحبته كفر إجماعا، ولا كذلك إنكار صحبة غيره. اه. وفي البجيرمي: قال الشهاب الرملي: لو قال أبو بكر لم يكن من الصحابة كفر، ولو قال ذلك لغير أبي بكر لم يكفر، وفيه نظر: لأن الاجماع منعقد على صحابة غيره، والنص وارد شائع. قلت: وأقل الدرجات أن يتعدى ذلك إلى عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم لان صحابتهم يعرفها الخاص والعام من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنافي صحبة أحدهم مكذب للنبي - صلى الله عليه وسلم -. اه (قوله: أو قذف عائشة رضي الله عنها) أي وكذلك يكفر من قذف عائشة لان القرآن نزل ببراءتها، ففي قذفها حماها الله تكذيب للقرآن (قوله: ويكفر في وجه إلخ) قال في الاعلام: وفي وجه حكاه القاضي حسين في تعليقه أنه يلحق بسب النبي - صلى الله عليه وسلم - سب الشيخين وعثمان وعلي رضي الله عنهم فقال: من سب الصحابة فسق ومن سب الشيخين أو الحسنين يكفر أو يفسق وعبارة البغوي: من أنكر خلافة أبي بكر يبدع ولا يكفر، ومن سب أحدا من الصحابة ولم يستحل يفسق، واختلفوا في كفر من سب الشيخين. قال الزركشي كالسبكي وينبغي أن يكون الخلاف إذا سبه لامر خاص به، أما لو سبه لكونه صحابيا فينبغي القطع بتكفيره لان ذلك استخفاف بحق الصحبة، وفيه تعريض بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد روى الترمذي أنه - صلى الله عليه وسلم -: رأى أبا بكر وعمر فقال هذان السمع والبصر وهكذا القول في شأن غيرهما من الصحابة. وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: يقول الله تعالى: من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب - وفي رواية فقد استحل محارمي، ولا شك أنا نتحقق ولاية العشرة، فمن آذى واحدا منهم فقد بارز الله تعالى بالمحاربة فلو قيل يجب عليه ما يجب على المحارب لم يبعد ولا يلزم هذا في غيرهم إلا من تحققت ولايته بإخبار

_ (1) سورة البقرة، الاية: 113. (2) سورة التوبة، الاية: 30. (3) سورة البقرة، الاية: 113. (4) سورة التوبة، الاية: 30. (5) سورة المائدة، الاية: 64. (6) سورة إبراهيم، الاية: 22. (7) سورة إبراهيم، الاية: 22. (8) سورة التوبة، الاية: 40.

سب الشيخين أو الحسن والحسين رضي الله عنهم، لا من قال لمن أراد تحليفه لا أريد الحلف بالله بل بالطلاق مثلا أو قال رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت. تنبيه: ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام، وما زال أئمتنا على ذلك قديما وحديثا. (ويستتاب) وجوبا (مرتد) ذكرا كان أو أنثى لانه كان محترما بالاسلام وربما عرضت له شبهة فتزال (ثم) إن لم يتب بعد الاستتابة (قتل) أي قتله الحاكم ولو بنائبه بضرب الرقبة لا بغيره (بلا ـــــــــــــــــــــــــــــ الصادق. اه (قوله: لا من قال الخ) أي لا يكفر من قال لخصمه وقد أراد الخصم بالله تعالى لا أريد الحلف بالله تعالى بل بالطلاق أو الاعتاق (قوله: أو قال رؤيتي إياك كرؤية ملك المو ت) أي لا يكفر بذلك ولا يكفر أيضا من قال لمسلم سلبك الله الايمان أو لكافر لا رزقك الله الايمان لانه مجرد دعاء عليه بتشديد الامر والعقوبة عليه، ولا إن دخل دار الحرب وشرب معهم الخمر وأكل لحم الخنزير، ولا إن صلى بغير وضوء متعمدا أو بنجس أو إلى غير القبلة ولم يستحل ذلك، ولا إن تمنى حل ما كان حلالا في زمنه قبل تحريمه: كأن تمنى أنه لا يحرم الله الخمر، ولا إن شد الزنار على وسطه أو وضع قلنسوة المجوس على رأسه أو دخل دار الحرب للتجارة أو لتخليص الاساري، ولا إن قال النصرانية خير من المجوسية، ولا إن قال لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها. صرح بذلك كله في شرح الروض (قوله: تنبيه ينبغي للمفتي) أي يتعين عليه. (وقوله: أن يحتاط إلخ) أي أن يسلك طريق الاحتياط في الافتاء بتكفير أحد، فلا يفتي بذلك إلا بعد الفحص الشديد واليقين السديد (قوله: لعظم خطره) أي التكفير وذلك لانه ربما كفر مسلما بلفظ غير مكفر فيكفر، وقوله وغلبة عدم قصده أي المكفر، وقوله سيما: أي خصوصا من العوام فإنهم يتلفظون بكلمات مكفرة ولا يقصدون معناها (قوله: وما زال أئمتنا على ذلك) أي على الاحتياط فيه قال في التحفة بعده: بخلاف أئمة الحنفية فإنهم توسعوا بالحكم بمكفرات كثيرة مع قبولها للتأويل بل مع تبادره منها، ثم رأيت الزركشي قال عن ما توسع به الحنفية أن غالبه في كتب الفتاوى نقلا عن مشايخهم وكان المتورعون من متأخري الحنفية ينكرون أكثرها ويخالفونهم ويقولون هؤلاء لا يجوز تقليدهم لانهم غير معروفين بالاجتهاد ولم يخرجوها على أصل أبي حنيفة لأنه خلاف عقيدته: إذ منها إن معنا أصلا محققا هو الايمان فلا نرفعه إلا بيقين. فليتنبه لهذا وليحذر ممن يبادر إلى التكفير في هذه المسائل منا ومنهم فيخاف عليه أن يكفر لانه كفر مسلما. اه. ملخصا. فائدة: قال الغزالي: من زعم أن له مع الله حالا أسقط عنه نحو الصلاة أو تحريم نحو شرب الخمر وجب قتله، وإن كان في الحكم بخلوده في النار نظر. وقتل مثله أفضل من قتل مائة كافر لان ضرره أكثر. اه (قوله: ويستتاب إلخ) شروع في بيان ما يجب على المرتد والعياد بالله تعالى بشئ مما مر وحاصل ذلك أنه يجب عليه العود فورا إلى دين الاسلام، ولا يحصل إلا بالتلفظ بالشهادتين والاقلاع، عما وقعت به الردة والندم على كل ما صدر منه والعزم على أن لا يعود لمثله. ويجب عليه أيضا قضاء ما فاته من واجبات الشرع في مدة الردة، فإذا فعل ذلك كله حكم عليه بالعود إلى الاسلام لقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * ولخبر فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم فإن لم يعد لذلك بنفسه وجب على الإمام أو نائبه أن يأمره بذلك فورا بأن يقول له تب وارجع لدين الاسلام وإلا قتلتك. (وقوله وجوبا) أي استتابة واجبة والفرق بينه وبين تارك الصلاة حيث ندبت استتابته أن جريمة المرتد تقتضي تخليده في النار ولا كذلك جريمة تارك الصلاة (قوله: ذكرا كان أو أنثى) تعميم في المرتد (قوله: لانه كان محترما بالاسلام) علة للاستتابة. أي إنما استتيب أولا ولم يقتل من غير استتابة لانه كان محترما بالاسلام أي ولانه - صلى الله عليه وسلم - أمر في امرأة ارتدت أن يعرض عليها الاسلام، فإن أسلمت وإلا قتلت (قوله: وربما عرضت له شبهة) كالعلة الثانية للاستتابة: أي ولانه ربما عرضت له شبهة اقتضت ردته فيسعى في إزالتها قال في التحفة: بل الغالب أنها، أي الردة، لا تكون عن عبث محض. اه. وقال في

_ (1) سورة الانفال، الاية: 38.

إمهال) أي تكون الاستتابة والقتل حالا لخبر البخاري: من بدل دينه فاقتلوه، فإذا أسلم صح إسلامه وترك وإن تكررت ردته لاطلاق النصوص. نعم يعزر من تكررت ردته لا في أول مرة إذا تاب، خلافا لما زعمه جهلة القضاة. تتمة: إنما يحصل إسلام كل كافر أصلي أو مرتد بالتلفظ بالشهادتين من الناطق فلا يكفي ما بقلبه من الايمان، وإن قال به الغزالي وجمع محققون ولو بالعجمية، وإن أحسن العربية على المنقول المعتمد، لا بلغة ـــــــــــــــــــــــــــــ الروض وشرحه، ولو سأل المرتد قبل الاستتابة أو بعدها إزالة شبهة عرضت له نوظر بعد إسلامه لا قبله لانه الشبهة لا تنحصر فحقه أن يسلم ثم يستكشفها من العلماء، وهذا ما صححه الغزالي. وفي وجه يناظر أولا لان الحجة مقدمة على السيف. اه (قوله: ثم إن لم يتب) أي المرتد وقوله بعد الاستتابة: أي طلب التوبة منه (قوله: قتل) أي كفرا لا حدا فلا يجب غسله ولا تكفينه ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين لخروجه عنهم بالردة (قوله: أي قتله الحاكم) فلو قتله غيره عزر لافتياته على الامام، ومحله إذا كان المرتد حرا، فإن كان رقيقا جاز للسيد قتله في الأصح لأنه ملكه فله فعل ما يتعلق به من تأديب ونحوه (قوله: بضرب الرقبة) متعلق بقتل: أي قتل بضرب رقبته بسيف. (وقوله لا بغيره) أي غير ضرب الرقبة بسيف كإحراق وتغريق وذلك لخبر إذا قتلتم فأحسنوا القتلة (قوله: بلا إمهال) متعلق بكل من قوله يستتاب. (وقوله: قتل) كما يدل عليه: تفسيره بعد (قوله: لخبر البخاري الخ) دليل للقتل حالا (قوله: فإذ أسلم الخ) الأولى تقديمه على قوله ثم إن لم يتب الخ لأنه مفرع على الاستتابة: أي فإذا امتثل أمر الامام وتاب بأن عاد إلى الإسلام صح إسلامه وترك. (وقوله: وإن تكررت ردته) غاية لصحة إسلامه إذا أسلم. (وقوله: لاطلاق النصوص) راجع للغاية: أي تقبل توبته وإن تكررت منه الردة لاطلاق النصوص كقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * وكخبر فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم (قوله: نعم يعزر من تكررت ردته) استدراك من صحة إسلامه إذا تكررت منه الردة: أي يصح إسلامه مع تكررها لكنه يعزر لزيادة تهاونه بالدين، (وقوله: لا في أول مرة) عطف على محذوف: أي فيعزر في المرة الثانية والثالثة لا في أول مرة أما فيها فلا يعزر (وقوله: إذا تاب) متعلق بيعزر (قوله: خلافا لما زعمه جهلة القضاة) أي من تعزيره في أول مرة. وعبارة التحفة: ولا يعزر مرتد تاب على أول مرة خلافا لما يفعله جهلة القضاة. اه. (قوله: تتمة) أي في بيان ما يحصل به الاسلام مطلقا على الكافر الاصلي وعلى المرتد (قوله: إنما يحصل إسلام إلخ) عبارة التحفة ولا بد في الاسلام مطلقا وفي النجاة من الخلود في النار كما حكى عليه الاجماع في شرح مسلم من التلفظ بالشهادتين الخ (قوله: بالتلفظ بالشهادتين) متعلق بيحصل وإنما توقف صحة الاسلام عليه لان التصديق القلبي أمر باطني لا اطلاع لنا عليه فجعله الشارع منوطا بالنطق بالشهادتين الذي مدار الاسلام عليه (وقوله: من الناطق) خرج به الاخرس فلا يطالب بالنطق، بل إذا قامت قرينة على إسلامه كالاشارة كفى في حصول الاسلام (قوله: فلا يكفي ما بقلبه من الإيمان) أي في إجراء أحكام المؤمنين في الدنيا عليه بناء على ن النطق شرط في الايمان أو في النجاة من النار بناء على أنه شطر منه. والحاصل: اختلف في النطق بالشهادتين: هل هو شرط في الايمان لاجل إجراء الاحكام عليه أو شطر منه، أي جزء منه، فذهب إلى الاول محققو الاشاعرة والماتريدية وغيرهم. ويترتب عليه أن من صدق بقلبه ولم يقر بلسانه فهو مؤمن عند الله غير مؤمن في الاحكام الدنيوية، ومن أقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق فهو مؤمن في الاحكام الدنيوية غير مؤمن عند الله، وذهب إلى الثاني قوم محققون كالامام أبي حنيفة وجماعة من الاشاعرة، وعليه فيكون الايمان عند هؤلاء اسما لعملي القلب واللسان جميعا وهما التصديق والاقرار، ويترتب عليه أن من صدق بقلبه ولم يتفق له الاقرار

_ (1) سورة الانفال، الاية: 38.

لقنها بلا فهم ثم بالاعتراف برسالته (ص) إلى غير العرب ممن ينكرها فيزيد العيسوي من اليهود محمد رسول الله إلى جميع الخلق أو البراءة من كل دين يخالف دين الاسلام، فيزيد المشرك كفرت بما كنت أشركت به وبرجوعه عن الاعتقاد الذي ارتد بسببه ومن جهل القضاة أن من ادعى عليه عندهم بردة أو جاءهم يطلب الحكم بإسلامه يقولون له تلفظ بما قلت وهذا غلط فاحش، فقد قال الشافعي رضي الله عنه إذا ادعى على رجل أنه ارتد وهو مسلم لم اكشف عن الحال وقلت له قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأنك برئ من كل دين يخالف دين الاسلام. اه. قال شيخنا: ويؤخذ من تكريره رضي الله عنه لفظ أشهد أنه لا بد منه في صحة ـــــــــــــــــــــــــــــ في عمره لا مرة ولا أكثر مع القدرة على ذلك لا يكون مؤمنا لا عندنا ولا عند الله تعالى، وهذا ضعيف. والمعتمد الاول (قوله: وإن قال به) أي بالاكتفاء بما في قبه من الايمان (قوله: ولو بالعجمية) أي يحصل الاسلام بالتلفظ بالشهادتين، ولو أتى بهما بالعجمية. (قوله: وإن أحسن العربية: غاية للغاية) وكلاهما للرد (قوله: لا بلغة إلخ) أي لا يكفي في حصول الاسلام الاتيان بهما بلغة لقنها له العارف بتلك اللغة وهو لا يفهم المراد منها (قوله: ثم الاعتراف) عطف على التلفظ: أي إنما يحصل الاسلام بالتلفظ وبالاعتراف لفظا برسالته - صلى الله عليه وسلم - إلى غير العرب. (وقوله ممن ينكرها) حال من الاعتراف: أي حالة كون الاعتراف المشروط ممن ينكر رسالته إلى غير العرب ويقول إنها خاصة بالعرب (قوله: فيزيد العيسوي إلخ) قال في الاسنى: العيسوية فرقة من اليهود تنسب إلى أبي عيسى اسحاق بن يعقوب الاصبهاني كان في خلافة المنصور يعتقد أنه - صلى الله عليه وسلم - رسول إلى العرب خاصة، وخالف اليهود في أشياء غير ذلك منها أنه حرم الذبائح. اه. (وقوله: محمد رسول) الأولى أن يقول بعد محمد رسول الله إلى جميع الخلق، لان المزيد الجار والمجرور فقط (قوله: أو البراءة) ظاهر صنيعه أنه معطوف على محمد رسول الله الخ. ويكون المعنى أو يزيد البراءة من كل الخ، وهو صريح عبارة الفتح ونصها: نعم العيسوي لا بد في صحة إسلامه أن يقول بعد محمد رسول الله إلى جميع الخلق أو يبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام. اه. (قوله: فيزيدك المشرك إلخ) لا يناسب تفريعه على ما قبله، فالاولى الاتيان بواو الاستئناف بدل الفاء (قوله: وبرجوعه الخ) عطف على قوله بالاعتراف يعني إذا اعتقد مكفرا من المكفرات، فلا بد مع النطق بالشهادتين منرجوعه عن اعتقاده. قال ع ش: كأن يقول برئت من كذا، فيبرأ منه ظاهرا أما في نفس الأمر فالعبرة بما في نفسه. اه. (قوله: ومن جهل القضاة) الجار والمجرور خبر مقدم، والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها بعد مبتدأ مؤخر (قوله: أن من ادعى عليه عندهم) أي عند القضاة، (وقوله: بردة) أي أنكرها. (وقوله: أو جاءهم يطلب الحكم بإسلامه) أي بعد أن نسبت إليه الردة. (وقوله ويقولون أي القضاة له) أي لمن ادعى عليه بالردة أو جاءهم يطلب الحكم بإسلامه. (وقوله: تلفظ بما قلت) أي مما نسب إليك من ألفاظ الردة، وهذا مقول يقولون (قوله: وهذا) أي ما يقولون له غلط فاحش لما يلزم عليه من إعادة لفظ الكفر على لسانه (قوله: فقد قال الشافعي إلخ) استدلال على كون ما يفعله القضاة غلطا فاحشا. (وقوله: إذا ادعى على رجل) أي عندي. (وقوله: لم أكشف عن الحال) أي عن السبب الذي ارتد به (قوله: وأشهد أن محمدا رسول الله) في التحفة إسقاط واو العطف وكتب سم عليها هذا النص فيه تصريح بأن لا يشترط عطف إحدى الشهادتين على الاخرى، ويوافقه قولهم لو أذن كافر غير عيسوي حكم باسلامه بالشهادتين مع أن الاذان لا عطف على شهادتيه. اه. (قوله: ويؤخذ من تكريره) أي الإمام الشافعي رضي الله عنه. (وقوله لفظ أشهد) مفعول تكرير. وقوله أنه: نائب فاعل يؤخذ. (وقوله: لا بد منه) أي من التكرير. قال سم: ينبغي أن يغني عنه العطف. اه. وفي حاشية العلامة الباجوري على الجوهرة ما نصه: ولا بد من لفظ أشهد وتكريره ولا يشترط أن يأتي بحرف العطف على ما قاله الزيادي ورجع إليه الرملي آخرا، فلا يكفي إبدال لفظ أشهد بغيره وإن كان مرادفا لما فيه من معنى التعبد ولا بد من ترتيب الشهادتين وموالاتهما ثم قال: وما تقدم من الشروط مبني على المعتمد في مذهبنا معاشر الشافعية، وبه قال ابن عرفة من المالكية حيث قال: لا بد أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله

الاسلام وهو ما يدل عليه كلام الشيخين في الكفارة وغيرها، لكن خالف فيه جمع، وفي الاحاديث ما يدل لكل. اه. ويندب أمر كل من أسلم بالايمان بالبعث ويشترط لنفع الاسلام في الآخرة، مع ما مر تصديق القلب بواحدانية الله تعالى. ورسله وكتبه واليوم الآخر، فإن اعتقد هذا ولم يأت بما مر لم يكن مؤمنا وإن أتى به بلا اعتقاد ترتب عليه الحكم الدنيوي ظاهرا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وخالف الابي شيخه ابن عرفة فقال: لا يتعين ذلك بل يكفي كل ما يدل على الايمان فلو قال الله واحد ومحمد رسول الله كفى، ونحوه ما قاله الابي لبعض من الشافعية وهو العلامة ابن حجر، وللنووي ما يوافقه أيضا، فيكون في المسألة قولان لاهل كل من المذهبين. قال المصنف في شرحه: وأولهما أولى بالتعويل. اه (قوله: وهو) أي وجوب التكرير (قوله: في الكفارة) أي في بابها وقوله وغيرها: أي غير الكفارة (قوله: لكن خالف فيه) أي في وجوب التكرير (قوله: وفي الأحاديث ما يدل لكل) أي من وجوب التكرير وعدمه (قوله: بالايمان بالبعث) متعلق بأمر والبعث عبارة عن احياء الموتى وإخراجهم من قبورهم بعد جمع الاجزاء الاصلية وهي التي من شأنها البقاء من أول العمر إلى آخره، ويندب أيضا أمره بجميع ما يجب به الايمان من عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير والميزان. والصراط والنار والجنة ونحو ذلك مما أخبر به نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قوله: ويشترط لنفع الاسلام) أي لكونه منجيا في الدار الآخرة (قوله: مع ما مر) أي من التلفظ بالشهادتين (قوله: تصديق القلب بوحدانية الله تعالى) أي بأن الله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، ولا بد أيضا من تصديقه بما يجب له سبحانه وتعالى وما يستحيل عليه وما يجوز في حقه تفصيلا، ومجموع ذلك واحد وأربعون عقيدة قد تقدم بيانها أول الكتاب، ثم بعد ذلك تصديقه بأن الله متصف بكل كمال منزه عن شائبة النقصان (قوله: ورسله) معطوف على وحدانية الله تعالى: أي ويشترط تصديق القلب برسله: أي بأن لله رسلا أرسلهم فضلا منه ورحمة للعباد ليعلموا الناس الشرائع والاحكام وأنه لا يعلم عددهم إلا الله تعالى لقوله تعالى: * (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) * لكن ما قام الدليل بمعرفتهم تفصيلا يجب تصديق القلب بهم كذلك، وهؤلاء هم الخمسة والعشرون المذكورون في القرآن، وما قام الدليل بمعرفتهم إجمالا يجب تصديق القلب بهم كذلك، ولا بد من تصديقه بما يجب لهم عليهم الصلاة والسلام من الصدق والأمانة والتبليغ والفطانة وبما يستحيل عليهم من أضداد هذه الاربعة، وبما يجوز في حقهم من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى النقص في مراتبهم العلية (قوله: وكتبه) معطوف على وحدانية أيضا: أي ويشترط تصديق القلب بكتبه أي المنزلة من السماء على الانبياء، والمراد بها ما يشمل الصحف واختلف في عددها والمشهور أنها مائة وأربعة: المنزل على شيث ستون، وعلى إبراهيم ثلاثون، وعلى موسى قبل التوراة عشرة، والكتب الاربعة، أعني التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، ويشترط أيضا تصديق القلب بملائكته وهم أجسام لطيفة نورانية لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون شأنهم الطاعات ومسكنهم السموات * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * (قوله: واليوم الآخر) أي ويشترط تصديق القل ب باليوم الآخر وهو يوم القيامة، وأوله من وقت الحشر إلى ما لا يتناهى على الصحيح، وقيل إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وسمي باليوم الآخر لانه آخر أيام الدنيا بمعنى أنه متصل بآخر أيام الدنيا لانه ليس منها حتى يكون آخرها، وسمي بيوم القيامة لقيام الناس فيه من قبورهم وقيامهم بين يدي خالقهم وقيام الحجة لهم وعليهم، ويشترط أيضا تصديق القلب بما يقع فيه من هول الموقف: أي ما ينال الناس فيه من الشدائد لطول الموقف، قيل ألف سنة - كما في آية السجدة، وقيل خمسين ألف سنة، كما في آية سأل، ولا تنافي لان العدد لا مفهوم له وهو مختلف باختلاف أحوال الناس فيطول على الكفار ويتوسط على الفساق ويخف على الطائعين حتى يكون كصلاة ركعتين (قوله: فإن اعتقد هذا) أي ما ذكر من وحدانية الله تعالى والرسل والكتب واليوم الآخر (قوله: ولم يأت بما مر) أي بالشهادتين (قوله: لم يكن مؤمنا) أي عندنا وعند الله إن قلنا بالشطرية أو عندنا فقط إن قلنا بالشرطية كما

_ (1) سورة غافر، الاية: 78. (2) سورة التحريم، الاية: 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مر، ومحل ما ذكر إذا لم يكن عدم الاتيان بهما عن إباء بأن عرضت عليه الشهادتان فأبى، فإن كان كذلك فهو كافر مطلقا على القولين (قوله: وإن أتى به) أي بما مر من الشهادتين، (وقوله: بلا اعتقاد) أي لما مر من الوحدانية، وما بعدها (قوله: ترتب عليه الحكم الدنيوي) أي فهو مؤمن عندنا في الدنيا ويترتب عليه الاحكام الدنيوية في مناكحته وأكل ذبيحته ومن غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين بعد موته لحديث أمرت أن أحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر وليس مؤمنا عند الله بل هو منافق في الدرك الاسفل من النار: ثبتنا الله على الايمان ورزقنا التمتع بالنظر إلى وجهه الكريم في الجنان. بجاه سيدنا محمد سيد ولد عدنان. آمين. والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب الحدود

باب الحدود أو أولها حد الزنا، وهو أكبر الكبائر، بعد القتل، وقيل هو مقدم عليه. (يجلد) وجوبا (إمام) أو نائبه دون غيرهما خلافا للقفال (حرا مكلفا زنى) بإيلاج حشفة أو قدرها من فاقدها في فرج آدمي حي قبل أو دبر ذكر أو ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الحدود أي باب في بيان الحدود أسبابها. والحدود جمع حد، وهو لغة المنع، وشرعا ما ذكر من الجلد أو الرجم ونحو ذلك من كل عقوبة مقدرة. وسميت بذلك لمنعها من ارتكاب الفواحش. وشرعت حفظا للكليات الستة المنظومة في قول اللقاني: وحفظ دين ثم نفس مال نسب ومثلها عقل وعرض قد وجب فشرع القصاص حفظا للنفس وقتل الردة حفظا للدين، وقد تقدمك وحد الزنا حفظا للنسب، وحد القذف حفظا للعرض، وحد السرقة حفظا للمال، وحد الشرب حفظا للعقل. وبيان ذلك أنه إذا علم القاتل أنه إذا قتل قتل انكف عن القتل فكان ذلك سببا لحفظ النفس، وهكذا يقال في الباقي. واعلم: أن ارتكاب الكبائر لا يسلب الايمان ولا يحبط الطاعات: إذ لو كانت محبطة لذلك للزم أن لا يبقى لبعض العصاة طاعة والقائل بالاحباط يحيل دخوله الجنة. قال السبكي: والأحاديث الدالة على دخول من مات غير مشرك الجنة بلغت مبلغ التواتر وهي قاصمة لظهور المعتزلة القائلين بخلود أهل الكبائر في النار ذكره المناوي (قوله: أولها) أي أول الحدود وقوله حد الزنا. هو بالقصر لغة حجازية، وبالمد لغة تميمية (قوله: وهو) أي الزنا. وقوله أكبر الكبائر بعد القتل: أي لقوله تعالى: * (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) * ولاجماع أهل الملل على تحريمه فلم يحل في ملة قط، ولهذا كان حده أشد الحدود في الجملة (قوله: وقيل هو) أي الزنا (وقوله مقدم عليه) أي على القتل لان فيه جناية على النسب وعلى العرض. وفي ع ش ما نصه: وفي كلام بعض شراح الجامع الصغير أن أكبر الكبائر الشرك بالله ثم قتل النفس وأن ما وراء ذلك من السبع الموبقات وغيرها كالزنا لا ترتيب فيه وإنما يقال في كل فرد منه من أكبر الكبائر. اه (قوله: يجلد وجوبا) أي لقوله تعالى: * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * وقوله: فاجلدوا أمر وهو للوجوب. وقوله إمام أو نائبه: هذا إذا كان الزاني حرا أو مبعضا، فإن كان رقيقا لا يتحتم فيه الامام، بل يجوز للسيد أن يحده ولو بغير إذن الامام كما سيذكره لخبر مسلم إذا زنت أمة أحدكم فليحدها وخبر أبي داود والنسائي أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم (قوله: دون غيرهما) أي الإمام أو نائبه فلا يستوفي الحد. وقوله خلافا للقفال: أي القائل بأن لغير الامام أن يستوفيه (قوله: حرا) خرج الرقيق فلا يجلد مائة بل نصفها، كما سيذكره، (وقوله: مكلفا) أي ولو حكما فشمل السكران المتعدي بسكره. وخرج به الصبي والمجنون والسكران غير المتعدي فلا يجلدون، ولا بد أن يكون المكلف ملتزما للاحكام. وخرج به الحربي والمستأمن وأن يكون واضح الذكورة وخرج الخنثى المشكل إذا أولج آلة الذكورة في فرج فلا يحد لان إيلاجه لا يسمى زنا لاحتمال أنوثته وكون هذا عضوا زائدا (قوله: زنى بإيلاج حشفة) أي

_ (1) سورة الاسراء، الاية: 32. (2) سورة النور، الاية: 2.

أنثى مع علم تحريمه، فلا حد بمفاخذة ومساحقة واستمناء بيد نفسه أو غير حليلته، بل يعزر فاعل ذلك. ويكره بنحو يدها كتمكينها من العبث بذكره حتى ينزل لانه في معنى العزل، ولا بإيلاج في فرج بهيمة أو ميت، ولا يجب ذبح البهيمة المأكولة، خلافا لمن وهم فيه، وإنما يجلد من ذكر (مائة) من الجلدات (ويغرب عاما) ولاء ـــــــــــــــــــــــــــــ إدخال حشفة، ولا بد فيها أن تكون أصلية ومتصلة فخرج إيلاج غير الحشفة كأصبعه أو الحشفة الزائدة، ولو احتمالا، كما لو اشتبه الاصلي بالزائد أو المنفصلة فلا حد في جميع ما ذكر لأنه لا يسمى زنا (قوله: أو قدرها) أي أو إيلاج قدر الحشفة، وقوله من فاقدها: خرج به ما لو ثنى ذكره وأدخل قدر الحشفة مع وجودها فلا حد لانه كإدخال بعض أصبع. اه. بجيرمي (قوله: في فرج الخ) متعلق بإيلاج، ويشترط فيه أن يكون واضحا فلا حد في إيلاج فرج الخنثى المشكل لأنه لا يسمى زنا لاحتمال كون هذا المحل زائدا وشمل الفرج فرج نفسه كأن أدخل ذكره في دبره فيحد به. قال البجيرمي: ونقل عن بعض أهل العصر خلافه فاحذره. وقوله آدمي حي: سيأتي محترزهما (قوله: قبل أو دبر) بدل من فرج ثم يحتمل عدم تنوينهما وإضافتهما إلى ما بعدهما ويحتمل تنوينهما وما بعدهما بدل من آدمي. (وقوله: ذكر أو أنثى) أي ولو صغيرا فلو أولج مكلف ذكره في فرج صغيرة ولو بنت يوم فإنه يحد كما أن المرأة المكلفة لو أدخلت ذكر صبي ولو ابن يوم في فرجها فإنها تحد (قوله: مع علم تحريمه) أي الزنا والظرف متعلق بزنا أو بإيلاج، وخرج به الجاهل بالتحريم فلا يحد بخلاف الجاهل بوجوب الحد مع علمه بالتحريم فإنه يحد (قوله: فلا حد بمفاخذة إلخ) محترز قوله بإيلاج الخ: إذ لا إيلاج في فرج في جميع ذلك، (وقوله: واستمناء) أي تعمد طلب إخراج المني. وقوله: بيد نفسه أو غير حليلته: فإن كان بيدها فلا حرمة ولا تعزير، وبالاولى عدم وجوب الحد (قوله: بل يعزر فاعل ذلك) أي ما ذكر من المفاخذة والمساحقة والاستمناء وإنما عزر لحرمته (قوله: ويكره) أي الاستمناء. (وقوله: بنحو يدها) أي حليلته (قوله: كتمكينها) الإضافة من إضافة المصدر للمفعول بعد حذف الفاعل: أي كتمكين الزوج إياها من العبث واللعب بذكره فإنه يكره عليه ذلك (قوله: لأنه) أي ما ذكر من الاستمناء بيدها وتمكينها من العبث بذكره، وهو علة الكراهة، (وقوله: في معنى العزل) أي عزل المني عن الحليلة وهو مكروه (قوله: ولا بإيلاج إلخ) أي ولا حد بإيلاج في فرج بهيمة أو ميت: أي لأنه مما ينفر الطبع عنه فلا يحتاج إلى الزجر عنه. قال في شرح الروض: لكن يعزر. اه. وهذا محترز قوله آدمي حي (قوله: ولا يجب ذبح البهيمة المأكولة) أي إذا وطئت (قوله: خلافا لمن وهم فيه) أي في وجوب ذبحها، وهذا مبني على وجوب الحد على الفاعل. قال في الروض وشرحه: قال في الأصل، وقيل يحد واطئ البهيمة وعليه فقيل حده قتله مطلقا وقيل قتله إن كان محصنا وعلى وجوب القتل لا يختص القتل به بل يجب به: أي بالايلاج فيها ذبح البهيمة المأكولة ولا بإيلاج في دبرها وعليه حمل حديث الترمذي وغيره من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة بخلاف غير المأكولة لما في قتلها من ضياع المال بالكلية والمأكولة إذا ذبحت يحل أكلها لانها مذكاة. اه. ملخصا. وفي المغنى: اختلفوا في علة ذلك: أي وجوب ذبح البهيمة عند القائل به فقيل لاحتمال أن تأتي بولد مشوه الخلق فعلى هذا لا تذبح إلا إذا كانت أنثى وقد أتاها في الفرج، وقيل إن في بقائها تذكارا للفاحشة فيعبر بها وهذا هو الأصح فعلى هذا لا فرق بين الذكر والانثى. اه (قوله: وإنما يجلد من ذكر) يصح أن يكون الفعل مبنيا للمعلوم والموصول فاعله وهو واقع على الإمام أو نائبه ومفعوله محذوف: أي وإنما يجلد الإمام أو نائبه حرا مكلفا الخ، أو الفاعل ضمير مستتر يعود على الإمام أو نائبه والموصول مفعوله وهو واقع على الحر المكلف الخ. ويصح أن يكون مبنيا للمجهول، والموصول نائب فاعل وهو واقع على الحر المكلف الخ (قوله: مائة من الجلدات) منصوب على المفعولية المطلقة ليجلد (قوله: ويغرب عاما) أي من بلد الزنا تنكيلا له وإبعادا من موضع الفاحشة. واعلم: أن شروط التغريب سبعة: أولها: أن يكون بأمر الإمام أو نائبه فلو تغرب بنفسه لم يحسب، ثانيها: أن يكون إلى مسافة القصر فأكثر فلا يكفي ما دونها لتواصل الاخبار إليه غالبا فلا يحصل له الايحاش بالبعد عن الاهل والوطن، ثالثها: أن يكون إلى بلد معين فلا يرسله الامام إرسالا وإذا عين له الامام جهة فليس له أن يختار غيرها،

لمسافة قصر فأكثر (إن كان) الواطئ أو الموطوءة حرا (بكرا) وهو من لم يطأ أو توطأ في نكاح صحيح (لا) إن زنى (مع ظن حل) بأن ادعاه وقد قرب عهده بالاسلام أو بعد عن أهله (أو مع تحليل عالم) يعتد بخلافه لشبهة إباحته وإن لم يقلده الفاعل كنكاح بلا ولي كمذهب أبي حنيفة، أو بلا شهود، كمذهب مالك، بخلاف الخالي ـــــــــــــــــــــــــــــ رابعها: أن يكون الطريق والمقصد آمنين، خامسها: أن لا يكون بالبلد الذي يغرب إليه طاعون لانه يحرم الدخول في البلد الذي فيه الطاعون والخروج منه لغير حاجة، سادسها: كونها عاما في الحر ونصف عام في الرقيق، سابعها: كون التغريب عاما أو نصفه ولاء فلا يجوز التفريق لان الايحاش لا يحصل بالمفرق، وذكر المؤلف منها ثلاثة. وفي المغني ما نصه: تنبيه: أفهم عطفه التغريب بالواو أنه لا يشترط الترتيب بينهما: أي بين الجلد والتغريب، فلو قدم التغريب على الجلد جاز. اه (قوله: ولاء) راجع لكل من قوله مائة من الجلدات. وقوله ويغرب عاما: وإن كان ظاهر العبارة يقتضي أنه مختص بالثاني، فلو فرق الجلدات فإن دام الالم به لم يضر، وإن زال الالم، فإن كان الماضي خمسين لم يضر أيضا لانه حد الرقيق فقد حصل حد في الجملة وإن كان دونها ضر ووجب الاستئناف، أو فرق العام أو نصفه استأنف من أول العام، وقوله لمسافة القصر: متعلق بيغرب فلا يكفي التغريب لما دون مسافة القصر لأنه في حكم الحضر لتواصل الاخبار فيها إليه، والمقصود إيحاشه بالبعد عن الاهل والوطن، (وقوله: فأكثر) أي من مسافة القصر: أي على حسب ما يراه الإمام (قوله: إن كان الواطئ أو الموطوءة حرا) الأولى أن يقول إن كان من ذكر من الحر المكلف الذي زنى بإيلاج الخ بكرا، ثم يقول ومثله في ذلك الموطوءة، وذلك لان اشتراط كون الواطئ حرا قد صرح به، فيلزم بالنسبة إليه التكرار وهذا قيد للجلد مائة والتغريب عاما (قوله: وهو) أي البكر. (وقوله من لم يطأ أو توطأ في نكاح صحيح) أي بأن وطئ أو وطئت من غير نكاح أصلا أو بنكاح لكنه فاسد، أما إن وطئ أو وطئت في نكاح صحيح فيرجم لانه حينئذ محصن (قوله: لا إن زنى من ظن حل) أي لا يجلد مائة ويغرب عاما إن زنى ظانا حل الزنا لعذره. (وقوله: بأن ادعاه) أي الحل وقوله وقد قرب إلخ خرج به ما إذا ادعاه وهو بين المسلمين فلا تقبل دعواه ويحد. قال ع ش: ويؤخذ من هذا جواب حادثة وقع السؤال عنها: وهي أن شخصا وطئ جارية زوجته وأحبلها مدعيا جهله وإن ملك له زوجته ملك له وهو، أي الجواب، عدم قبول ذلك منه وحده وكون الولد رقيقا وعدم خفاء ذلك على مخالطنا. اه (قوله: أو مع تحليل عالم إلخ) أي ولا إن زنى باعتبار مذهبه ولكن وجد عالم يحكم على ذلك الوطئ بأنه حلال وليس بزنا فإنه لا يجلد به ولا يغرب ولا يعاقب عليه في الآخرة لوجود الشبهة، وقوله يعتد بخلافه: خرج به ما لا يعتد بخلافه كإباحة الشيعة ما فوق الاربع، فإذا وطئ زائدا عليهن يحد (قوله: لشبهة إباحته) علة لعدم الجلد والتغريب: أي وإنما لم يجلد ويغرب لشبهة إباحة العالم وطأه وهذه الشبهة تسمى شبهة الطريق: أي المذهب، وأما شبهة الفاعل فهي فيمن وطئ أجنبية ظانا أنها زوجته وشبهة المحل تكون فيمن وطئ أمة مشتركة وكوطئ الاصل جارية ولده وحد فيهما أيضا. وقد نظم الثلاثة بعضهم في قوله: اللذ أباح البعض حله فلاحد به وللطريق استعملا وشبهة الفاعل كأن أتى لحرمة يظن حلا مثبتا ذات اشتراك ألحقن وسمين هذا الاخير بالمحل فاعلمن (قوله: وإن لم يقلده) أي العالم، وهو غاية لعدم الجلد والتغريب عند وجود شبهة عالم. (وقوله: الفاعل) أي الزاني (قوله: كنكاح بلا ولي) مثال لما إذا زنى مع تحليل عالم (قوله: أو بلا شهود) أي وكنكاح بولي وبلا شهود، وقوله كمذهب مالك: قال في النهاية على ما اشتهر عنه لكن المعروف من مذهبه اعتبارهم في صحة الدخول حيث لم يقع وقت العقد (قوله: بخلاف الخالي عنهما) أي عن الولي وعن الشهود فإنه يجب فيه الحد لعدم الشبهة ولا نظر لخلاف داود لعدم الاعتداد به، هذا ما جرى عليه ابن حجر، وجرى م ر على أنه يعتد به وأنه شبهة يسقط بها الحد ونص عبارة النهاية أو

عنهما، وإن نقل عن داود. وكنكاح متعة نظرا لخلاف ابن عباس ولو من معتقد تحريمه. نعم: إن حكم حاكم بإبطال النكاح المختلف فيه حد لارتفاع الشبهة حينئذ قاله الماوردي، ويحد في مستأجرة للزنا بها إذ لا شبهة ـــــــــــــــــــــــــــــ بلا ولي وشهود كما نقل عن داود، وصرح به المصنف في شرح مسلم لجعله من أمثلة نكاح المتعة الذي لا حد فيه جريانه مؤقتا بدون ولي وشهود، فإذا انتفى مع وجود التأقيت المقتضي لضعف الشبهة فلان ينتفي مع انتفائه بالاولى. وقد أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى. اه (قوله: وكنكاح متعة) معطوف على كنكاح بلا ولي، فهو مثال لما إذا زنى مع تحليل عالم ونكاح المرأة إلى مدة وهو باطل، لكن لو نكح به شخص لم يحد لشبهة ابن عباس رضي الله عنهما. واعلم: إن نكاح المتعة كان مباحا ثم نسخ يوم خيبر ثم أبيح يوم الفتح ثم نسخ في أيام الفتح واستمر تحريمه إلى يوم القيامة وكان فيه خلاف في الصدر الأول ثم ارتفع وأجمعوا على تحريمه. قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما بين الركن والباب وهو يقول: أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع، ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا وعن إمامنا الشافعي رضي الله عنه لا أعلم شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة. وما نقل عن ابن عباس من جوازها رجع عنه فقد قال بعضهم والله ما فارق ابن عباس الدنيا حتى رجع إلى قول الصحابة في تحريم المتعة. ونقل عنه أنه قام خطيبا يوم عرفة وقال أيها الناس إن المتعة حرام كالميتة والدم والخنزير. وقد وقعت مناظرة بين القاضي يحيى بن أكثم وأمير المؤمنين المأمون فإن المأمون نادى بإباحة المتعة، فدخل يحيى بن أكثم وهو متغير بسبب ذلك وجلس عنده فقال له المأمون: ما لي أراك متغيرا؟ قال لما حدث في الإسلام. قال وما حدث؟ قال النداء بتحليل الزنا. قال المتعة زنا؟ قال نعم المتعة زنا قال ومن أين لك هذا؟ قال من كتاب الله وسنة رسوله. أما الكتاب فقد قال الله تعالى: * (قد أفلح المؤمنون) * إلى قوله * (والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) * يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك اليمين؟ قال: لا قال: فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها؟ قال: لا. قال: فقد صار متجاوزا هذين من العادين، وأما السنة فقد روى الزهري بسند إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها فالتفت المأمون للحاضرين وقال أتحفظون هذا من حديث الزهري قالوا نعم. فقال المأمون استغفر الله نادوا بتحريم المتعة. وقد تقدم معظم ذلك في باب النكاح عند قول المؤلف ولا مع تأقيت، وقد تقدم هناك أيضا تفسير نكاح المتعة بتفسير غير هذا التفسير الذي ذكرته هناك (قوله: ولو من معتقد تحريمه) أي لا يحد ولو صدر هذا المذكور من النكاح بلا ولي وبلا شهود أو نكاح المتعة ممن يعتقد تحريمه، وعبارة الروض وشرحه: ويسقط بالشبهة في الجهة، أي الطريق، وهي إباحة بعض العلماء الوطئ بجهة: كالنكاح بلا ولي - كمذهب أبي حنيفة، أو بلا شهود كمذهب مالك، ونكاح المتعة كمذهب ابن عباس، ولو اعتقد المولج التحريم في هذه الشبهة نظرا لاختلاف العلماء. اه (قوله: نعم إن حكم حاكم) استدراك من عدم الحد إذا زنى مع تحليل عالم. (وقوله بإبطال النكاح) أي أو بالتفرقة بينهما ووقع الوطئ بعدم علم الواطئ به، (وقوله: حد) أي قطعا، (وقوله: لارتفاع الشبهة حينئذ) أي حين إذ حكم الحاكم بإبطال النكاح المختلف فيه. وفي المغني ما نصه: تنبيه: محل الخلاف في النكاح المذكور، كما قاله الماوردي، أن لا يقارنه حكم، فإن حكم شافعي ببطلانه حد قطعا أو حنفي أو مالكي بصحته لم يحد قطعا. اه (قوله: ويحد) أي من ذكر من الحر المكلف الحد المار، وهو مائة جلدة ويغرب أيضا عاما (قوله: في مستأجرة للزنا بها) أي في وطئ امرأة استأجرها لاجل أن يزني بها (قوله: إذ لا شبهة)

_ (1) سورة المؤمنون، الاية: 1.

لعدم الاعتداد بالعقد الباطل بوجه، وقول أبي حنيفة أنه شبهة ينافيه الاجماع على عدم ثبوت النسب بذلك، ومن ثم ضعف مدركه ولم يراع خلافه، وكذا في مبيحة لان الاباحة هنا لغو ومحرمة عليه لتوثن أو لنحو بينونة كبرى وإن كان قد تزوجها خلافا لابي حنيفة لانه لا عبرة بالعقد الفاسد، أما مجوسية تزوجها فلا يحد بوطئها للاختلاف في حل نكاحها، ولا يحد بإيلاج في قبل مملوكة حرمت عليه بنحو محرمية أو شرب لغيره فيها أو ثوثن أو تمجس ولا بإيلاج في أمة فرع ولو مستولدة لشبهة الملك فيما عدا الاخيرة وشبهة الاعفاف فيها، وأما حد ذي ـــــــــــــــــــــــــــــ أي موجودة وهو تعليل للحد في المستأجرة (قوله: لعدم الاعتداد الخ) أي وإنما انتفت الشبهة في المستأجرة لان عقد الاستئجار لذلك باطل ولا يعتد بالعقد الباطل في وجه من الوجوه (قوله: وقول أبي حنيفة أنه) أي الاستئجار للزنا. (وقوله: شبهة) أي فلا يحد به وقوله ينافيه الجملة خبر قول، وكتب سم ما نصه: مما يمنع هذه المنافاة أن الاكراه شبهة دافعة للحد مع أنه لا يثبت النسب. اه. (وقوله: الإجماع على عدم ثبوت النسب بذلك) أي بذلك الاستئجار، والمراد بذلك الوطئ الحاصل بالاستئجار: أي ولو كان شبهة لثبت النسب به (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن قول الامام ينافيه الاجماع الخ، وقوله ضعف مدركه، بضم الميم، مصدر ميمي بمعنى إدراك، والمراد ما يدرك منه الحكم من نحو دليل. اه. بجيرمي. وقوله ولم يراع خلافه: قال في التحفة بعده: هذا ما أورده شارح عليه، وهو لا يتم إلا لو قال إنه شبهة في إباحة الوطئ، وهو لم يقل بذلك بل بأنه شبهة في درء الحد، فلا يرد عليه ما ذكر وإنما الذي يرد عليه إجماعهم على أنه لو اشترى حرة فوطئها أو خمرا فشربها حد ولم تعتبر صورة العقد الفاسد. اه (قوله: وكذا في مبيحة) أي وكذا يحد في وطئ مبيحة: أي إباحة الوطئ، وقوله لان الاباحة الخ: علة للحد، وقوله هنا: أي في الوطئ. (وقوله: لغو) أي فلا يعتد به (قوله: ومحرمة عليه) بالجر عطف على مبيحة: أي وكذا يحد في وطئ محرمة عليه. وقوله لتوثن: اللام للاجل متعلقة بمحرمة: أي محرمة عليه لاجل توثن، (وقوله: أو لنحو بينونة كبرى) أي أو محرمة عليه لنحو بينونة كبرى وهي التي تكون بالطلاق ثلاثا، ويدخل تحت النحو الرضاع والمصاهرة والقرابة (قوله: وإن كان قد تزوجها) غاية لحده بوطئ المحرمة عليه بما ذكر: أي يحد بوطئها وإن كان عقد عليها لان العقد ليس بشبهة. وقال الإمام أحمد وإسحاق: يقتل ويؤخذ ماله لحديث فيه صححه يحيى بن معين، (وقوله: خلافا لأبي حنيفة) أي في قوله: إن صورة العقد شبهة، وفي المغني ما نصه. فروع: لو ادعى الجهل بتحريم الموطوءة بنسب لم يصدق لبعد الجهل بذلك قاله الاذرعي لان الجهل مع ذلك النسب ولم يظهر لنا كذبه فالظاهر تصديقه أو تحريمها برضاع فقولان أظهرهما، كما قاله الأذرعي، تصديقه إن كان ممن يخفى عليه ذلك أو بتحريمها بكونها مزوجة لا معتدة وأمكن جهله بذلك صدق بيمينه وحدت هي دونه إن علمت تحريم ذلك. اه. (قوله: أما مجوسية تزوجها إلخ) قال في الروض وشرحه: وخرج بالوثنية المجوسية ففيها، كما في الأصل عن البغوي، أنه يجب الحد وعن الروياني لا يجب للخلاف في صحة نكاحها، وهذا نقله الروياني في التجربة عن النص. قال الاذرعي والزركشي: فهو المذهب اه. وقوله فلا يحد بوطئها: أي المجوسية (قوله: للاختلاف في حل نكاحها) علة لعدم الحد، وإنما اختلفوا فيه لان المجوس كان لهم كتاب منسوب إلى زرداشت، فلما بدلوه رفع على الأصح (قوله: ولا يحد بالايلاج في قبل مملوكة له الخ) عبارة الفتح مع الأصل: ولا إن كان مع شبهة في المحل كالايلاج في قبل أمة مملوكة له لكنها حرمت عليه بنحو محرمية بنسب أو غيره أو توثن أو تمجس أو إسلام ونحو شركة لغيره فيها، وكلايلاج في قبل أمة فرع ولو مستولدة لشبهة الملك فيما عدا الاخيرة وشبهة الاعفاف الواجب له في الجملة فيها، وظاهر كلامه هنا وجوب الحد بالايلاج في دبر الاخيرتين، وفيه نظر بينته في الأصل (قوله: أو شركة لغيره) أي شركة ثابتة لغير الواطئ معه في الأمة الموطوءة (قوله: أو توثن أو تمجس) معطوفان على نحو محرمية عطف الخاص على العام: أي أو حرمت عليه مملوكته بسبب توثن أو تمجس (قوله: ولا بإيلاج في أمة فرع) أي ولا يحد بإيلاج في أمة فرع، وقوله ولو

رق محصن أو بكر ولو مبعضا فنصف حد الحر وتغريبه فيجلد خمسين ويغرب نصف عام، ويحد الرقيق الامام أو السيد (ويرجم) أي الامام أو نائبه بأن يأمر الناس ليحيطوا به فيرموه من الجوانب بحجارة معتدلة إن كان (محصنا) رجلا أو امرأة حتى يموت إجماعا لانه (ص) رجم ماعزا والغامدية. ولا يجلد مع الرجم عند جماهير العلماء، وتعرض عليه توبة لتكون خاتمة أمره، ويؤمر بصلاة دخل وقتها، ويجاب لشرب، لا أكل، ولصلاة ـــــــــــــــــــــــــــــ مستولدة: أي ولو كانت أمة فرع مستولدة له (قوله: لشبهة الملك) أي لا يحد في وطئ المذكورات لقيام شبهة الملك في غير الصورة الاخيرة وهي الايلاج في أمة الفرع (قوله: وشبهة الاعفاف فيها) أي في الصورة الاخيرة: أي لان مال الولد كله محل لاعفاف الاصل والامة من جملة مال الولد (قوله: وأما حد ذي رق) أي وتغريبه ففي الكلام اكتفاء، وهو محترز قوله إن كان حرا. وقوله محصن أو بكر: بدل من ذي رق أو عطف بيان، والمحصن ضد البكر. وقوله ولو مبعضا: أي ولو كان ذو الرق مبعضا (قوله: فنصف الخ) جواب أما. وقوله وتغريبه: بالجر عطف على حد الحر: أي ونصف تغريبه (قوله: فيجلد الخ) بيان لنصف حد الحر وتغريبه (قوله: ويحد الرقيق الإمام أو السيد) فحده لا يتعين فيه الامام بل للسيد أن يحده بنفسه للخبر المار: فإن تنازعا قدم الامام (قوله: ويرجم) هو من باب نصر (قوله: بأن يأمر الخ) تصوير لرجم الإمام أو نائبه، فمعنى رجمه أن يأمر الناس الخ. فإسناد الرجم إليه على سبيل المجاز العقلي (قوله: فيرموه) ويسن لامرأة حفرة إلى صدرها إن لم يثبت زناها بإقرار لئلا تنكشف، بخلاف ما إذا ثبت بالاقرار فلا تسن لها ليمكنها الهرب إن رجعت (قوله: بحجارة معتدلة) خرج بالمعتدلة الحصيات الخفيفة لئلا يطول تعذيبه والصخرات لئلا تدفعه فيفوت به التنكيل المقصود، وليس لما يرجم به تقدير لا جنسا ولا عددا فقد تصيب الاحجار مقاتله فيموت سريعا، وقد يبطئ موته (قوله: وإن كان) أي الزاني محصنا. واعلم: أن الاحصان لغة المنع. قال تعالى: * (لتحصنكم من بأسكم) * وشرعا عبارة عن البلوغ والعقل والحرية والوطئ في نكاح صحيح (قوله: حتى يموت) أي يرجم حتى يموت (قوله: إجماعا) روى الشيخان عن عمر رضي الله عنه أنه خطب فقال: الرجم حق على من زنى إذا كان محصنا، وقال: إن الله بعث محمدا نبيا وأنزل عليه كتابا، وكان فيما أنزل عليه آية الرجم فتلوناها ووعيناها وهي: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم. قال وقد رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه (قوله: لأنه - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعزا والغامدية) أي أمر برجمهما. قال البجيرمي: ظاهره أن ماعزا زنى بالغامدية، وليس كذلك، بل هو زنى بامرأة وهي زنت برجل آخر. روى أبو داود والنسائي عن يزيد بن أبي نعيم عن أبيه أبي نعيم قال: كان ماعز بن مالك في حجر أبي هزال فأصاب جارية من الحي تسمى فاطمة، وقيل غير ذلك، وكانت أمة لابي هزال، فقال أبو هزال ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك. فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك وأقر عنده أربع مرات فأمر برجمه، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لماعز قبل رجمه لو سترته بتوبتك لكان خيرا لك وأما الغامدية فهي امرأة من غامد، حي من الازد، وفي حديثها: لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له اه. ملخصا. واعلم أنه يسن للزاني ولكل من ارتكب معصية أن يستر على نفسه: لخبر: من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله تعالى، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد رواه الحاكم (قوله: ولا يجلد مع الرجم) محله إذا زنى بعد الاحصان أما لو زنى قبله ثم زنى بعده فإنه يج ب جلده ثم رجمه على الأصح من وجهين في الروضة، وهو المعتمد، لانهما عقوبتان مختلفتان فلا يتداخلان لكن يسقط التغريب بالرجم (قوله: وتعرض عليه توبة) أي ويستحب أن تعرض على الزاني المحصن قبل الرجم توبة لتكون خاتمة أمره (قوله: ويؤمر) أي الزاني المحصن إذا أرادوا رجمه (قوله:

_ (1) سورة الانبياء، الاية: 80.

ركعتين، ويعتد بقتله بالسيف، لكن فات الواجب والمحصن مكلف حر وطئ أو وطئت بقبل في نكاح صحيح ولو في حيض فلا إحصان لصبي أو مجنون أوقن وطئ في نكاح ولا لمن وطئ في ملك يمين أو نكاح فاسد ثم زنى (وأخر) وجوبا (رجم) كقود (لوضع حمل وفطام) لا لمرض يرجى بروه منه وحر وبرد مفرطين. نعم، يؤخر الجلد لهما ولمرض يرجى بروه منه أو لكونه حاملا لان القصد الردع لا القتل (ويثبت) الزنا (بإقرار) ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجاب لشرب) أي إذا طلب عند الرجم ماء يشربه فيجاب له (قوله: ولصلاة ركعتين) أي ويجاب أيضا لصلاة ركعتين إذا طلبها (قوله: ويعتد بقتله بالسيف) أي فلا يرجم بعده: إذ لا فائدة فيه، وقوله لكن فات الواجب وهو الرجم بالحجارة (قوله: والمحصن مكلف) أي وإن طرأ تكليفه أثناء الوطئ فاستدامه قيل لا معنى لاشتراط التكليف في الاحصان بعد اشتراطه في مطلق وجوب الحد، ويرد بأن له معنى هو أن حذفه يوهم أن اشتراطه لوجوب الحد لا لتسميته محصنا فبين بتكريره أنه شرط فيهما، ويلحق بالمكلف هنا أيضا السكران. اه. تحفة وقوله حر أي كله مسلما كان أو كافرا لانه - صلى الله عليه وسلم - رجم اليهوديين. كما في الصحيحين، زاد أبو داود: وكانا قد أحصنا (قوله: وطئ أو وطئت) أي حال الكمال بالبلوغ والعقل والحرية فلا بد من وقوعه حال الكمال بما ذكر كما أنه لا بد أن يكون الزنا حال الكمال، فلا يرجم إلا من كان كاملا في الحالين وإن تخللهما نقص كجنون ورق بخلاف ما لو وطئ وهو ناقص بأن كان صبيا أو مجنونا ثم زنى وهو كامل فلا يرجم، ولا يرد النائم إذا استدخلت المرأة ذكره من حيث إنه صار محصنا وليس بمكلف عند الفعل لأنا نقول هو مكلف استصحابا بالحالة قبل النوم والاظهر أن الكامل من رجل أو امرأة يكون محصنا بوطئ ناقص كما لو كانا كاملين (قوله: بقبل) متعلق بكل من الفعلين قبله والباء مستعملة في التعدية بالنسبة للاول، وفي الظرفية بالنسبة للثاني، والمراد به على الاول ذكر الواطئ، وعلى الثاني فرج المرأة، ويحتمل جعلها للظرفية مطلقا ويقدر لكل منهما متعلق: أي وطئ بذكر أصلي في قبل أو وطئت به في قبلها، وخرج بالقبل الدبر فلا يحصل بالوطئ فيه تحصين، كما لا يحصل به تحليل، (قوله: في نكاح صحيح) أي عقد صحيح، وهو متعلق بكل من الفعلين أيضا. وإنما اعتبر في الاحصان الوطئ في نكاح صحيح لان به قضي الواطئ الشهوة واستوفى اللذة فحقه أن يمتنع عن الحرام، فإذا وقع فيه غلظ عليه بالرجم (قوله: ولو في حيض) أي يكون محصنا بالوطئ المذكور، ولو وقع في زمن حيض: أي أو نحوه من كل ما يحرم الوطئ معه حرمة عارضية كالوطئ في نهار رمضان أو في الاحرام أو في عدة شبهة (قوله: فلا إحصان لصبي أو مجنون) محترز قوله مكلفا وإنما لم يكونا محصنين لنقصهما فلا يرجمان وإنما يؤدبان إن كان لهما نوع تمييز بما يزجرهما عن الوقوع في الزنا، وقوله أو قن: أي ولا إحصان لقن فلا يرجم وذلك لأنه على النصف من الحر كما تقدم والرجم لا نصف له، وهذا محترز قوله حر وقوله وطئ: أي من ذكر من الصبي والمجنون والقن، وقوله في نكاح: أي صحيح (قوله: ولا لمن وطئ في ملك يمين) أي ولا إحصان لمن وطئ في ملك يمين، وهو محترز قوله في نكاح، وقوله أو نكاح فاسد: محترز قوله صحيح (قوله: ثم زنى) معطوف على وطئ في نكاح ووطئ في ملك اليمين أي ولا إحصان لصبي أو مجنون أو قن وطئ بمن زنى ولمن وطئ في ملك اليمين ثم زنى ولا حاجة إليه إذ الكلام في بيان مفاهيم قيود الاحصان (قوله: وأخر وجوبا رجم إلخ) قال في الروض وشرحه: ويؤخر وجوبا حدود الله كقطع السرقة لمرض يرجى زواله وشدة حر وبرد إلى البرء واعتدال الزمان لئلا يهلك المحدود لان حقوقه تعالى مبنية على المساهلة بخلاف حقوق الآدميين كقصاص وحد قذف فلا تؤخر لانها مبنية عن المضايقة، لا الرجم، فلا يؤخر بشئ مما ذكر ولو ثبت زناه بإقرار لان نفسه مستوفاة ويؤخر للحمل وانقضاء الفطام ولو كان الحمل من زنا، كما في استيفاء القصاص، اه. (قوله: لوضع حمل) أي إلى وضعه، وقوله وفطام: أي وإلى فطم الرضيع، فإذا وضعت ومضت مدة الرضاع رجمت (قوله: لا لمرض إلخ) أي لا يؤخر الرجم لاجل مرض، وقوله يرجى برؤه منه: هو ليس بقيد، بل مثله بالأولى ما لا يرجى برؤه، وذكر في المنهاج قولا أنه إن ثبت بإقراره يؤخر ندبا، وذلك لانه بسبيل من الرجوع (قوله: وحر وبرد) معطوفان على مرض: أي ولا يؤخر الرجم لاجل حر وبرد مفرطين (قوله: نعم يؤخر الجلد الخ) لا معنى للاستدراك: إذ الكلام في الرجم، فالاولى حذف أداة الاستدراك والاتيان بواو

حقيقي مفصل نظير ما في الشهادة ولو بإشارة أخرس إن فهمها كل أحد ولو مرة ولا يشترط تكرره أربعا، خلافا لابي حنيفة، (وبينة) فصلت بذكر المزني بها وكيفية الادخال ومكانه ووقته كاشهد أنه أدخل حشفته في فرج فلانة بمحل كذا وقت كذا على سبيل الزنا (ولو أقر) بالزنا (ثم رجع) عن ذلك قبل الشروع في الحد أو بعده بنحو كذبت أو ما زنيت. وإن قال بعد كذبت في رجوعي أو كنت فاخذت فظننته زنا وإن شهد حاله بكذبه فيما استظهره شيخنا بخلاف ما أقررت به لانه مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به (سقط) الحد لانه (ص) عرض لماعز بالرجوع ـــــــــــــــــــــــــــــ العطف في محلها، وقوله لهما: أي لحر وبرد مفرطين إلى اعتدال الوقت (قوله: ولمرض يرجى برؤه منه) أي ويؤخر الجلد أيضا لمرض يرجى برؤه منه، فإن لم يرج برؤه منه لا يؤخر، ولا تفرق السياط على الايام وإن احتمل التفريق بل يضرب في الحال. إذ لا غاية تنتظر لكن لا يضرب بسياط لئلا يهلك، بل يضرب بعثكال، أي عرجون عليه مائة غصن مرة، فإن كان عليه خمسون غصنا فمرتين، فإن برئ بعد ضربه بذلك أجزأه الضرب به (قوله: أو لكونها حاملا) أي ويؤخر الجلد لذلك كما يؤخر الرجم (قوله: لأن القصد الردع) علة لتأخير الجلد (قوله: ويثبت الزنا بإقرار حقيقي) خرج الحكمي وهو اليمين المردودة بعد نكول الخصم: كأن ادعى شخص على آخر أنه زنى وأراد تحليفه على أنه لم يزن فنكل ثم رد اليمين على المدعى فحلف اليمين المردودة فإنها كالاقرار لكن لا يثبت بها الزنا في حق المدعى عليه، وإنما يسقط بها الحد عن القاذف، وقوله مفصل قال البجيرمي: كأن يقول أدخلت حشفتي فرج فلانة على سبيل الزنا ولا بد أن يذكر الاحصان أو عدمه. اه. وقوله نظير ما في الشهادة: أي من اعتبار التفصيل فيها كما يأتي (قوله: ولو بإشارة أخرس) غاية في الإقرار: أي يثبت بالاقرار ولو كان الاقرار بإشارة أخرس، لكن بشرط أن يفهمها كل أحد (قوله: ولو مرة) غاية ثانية للاقرار أيضا: أي يثبت بالاقرار ولو كان الاقرار مرة وهي للرد (قوله: ولا يشترط إلخ) المقام للتفريع، وقوله تكرره: أي الاقرار أربع مرات، وقوله خلافا لأبي حنيفة: أي وأحمد فإنهما اشترطا أن يكون الاقرار أربعا لحديث ماعز لان كل مرة قائمة مقام شاهد، وأجاب أئمتنا بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما كرره على ماعز في خبره لانه شك في عقله، ولهذا قال له: أبك جنون؟ ولم يكرره في الغامدية (قوله: وبينة) معطوف على إقرار: أي ويثبت الزنا أيضا ببينة وهي أربعة شهود لقوله تعالى: * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) * (قوله: فصلت إلخ) يعني إنه يشترط في البينة أن تفصل وتفصيلها يكون بذكر المزني بها لاحتمال أن لا حد بوطئها وبذكر الكيفية: أي كيفية ما وجد منه من إدخال الحشفة أو قدرها لاحتمال إرادة المباشرة فيما دون الفرج بقولها إنه زنى وذكر مكان الوطئ وزمانه لان المرأة قد تحل في مكان دون مكان وفي زمان دون زمان، ولو اختلفت البينة في مكانه ووقته بطلب الشهادة (قوله: كاشهد الخ) تمثيل للشهادة المستكملة للقيود السابقة (قوله: ولو أقر) أي الزاني بالزنا (قوله: ثم رجع عن ذلك) أي عن إقراره (قوله: قبل الشروع) متعلق برجع. وقوله أو بعده: أي بعد الشروع (قوله: بنحو كذبت الخ) متعلق برجع أيضا (قوله: وإن قال إلخ) غاية لمقدر: أي يقبل رجوعه بذلك وإن قال بعد الرجوع كذبت في رجوعي ولو أخر هذه الغاية عن قوله سقط الحد لكان أولى للاستغناء به عن تقدير ما ذكر (قوله: أو كنت فاخذت) معطوف على قوله بنحو كذبت فيكون متعلقا بقوله رجع أيضا: أي أو رجع بقوله كنت فاخذت فظننته زنا وأقررت به (قوله: وإن شهد حاله بكذبه) أي يقبل الرجوع بما ذكر وإن شهد حاله بكذبه أي في ظنه أن المفاخذة زنا بأن يكون ممن لا يخفى عليه ذلك (قوله: بخلاف ما أقررت به) أي بخلاف قوله بعد إقراره أنا ما أقررت به فلا يقبل به الرجوع (قوله: لأنه) أي قوله ما أقررت به. وقوله مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به: أي بإقراره. اه. سم (قوله: سقط الحد) جواب لو، فلو قتل بعد سقوطه عنه بالرجوع وجب على قاتله الدية لا القود لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع، وأفهم قوله سقط الحد أن غيره لا يسقط عنه كمهر من قال زنيت بها مكرهة ثم رجع عن قوله وهو كذلك كما صرح به في فتح الجواد، وقال: لانه حق آدمي. وفي سم: لو أقر بالزنا فهل تسقط عدالته بإقراره بالزنا ثم يعود حكمها برجوعه؟ فيه نظر. اه. (قوله: لأنه الخ) علة لسقوط الحد (قوله: عرض لماعز بالرجوع)

_ (1) سورة النساء، الاية: 15.

فلولا أنه لا يفيد لما عرض له به، ومن ثم سن له الرجوع. وكالزنا في قبول الرجوع عنه كل حد لله تعالى كشرب وسرقة بالنسبة للقطع. وأفهم كلامهم أنه إذا ثبت بالبينة لا يتطرق إليه رجوع وهو كذلك لكنه يتطرق إليه السقوط بغيره كدعوى زوجية وملك أمة وظن كونها حليلة، وثانيها حد القذف وهو من السبع الموبقات (وحد قاذف) مكلف مختار ملتزم للاحكام عالم بالتحريم (محصنا) وهو هنا مكلف حر مسلم عفيف من زنا ووطئ دبر حليلته ـــــــــــــــــــــــــــــ أي بقوله عليه الصلاة والسلام له: لعلك قبلت. لعلك لمست. أبك جنون (قوله: فلولا أنه لا يفيد) الصواب حذف لا - كما في التحفة والنهاية - وذلك لان لولا تفيد امتناع الجواب لوجود الشرط فلو كانت لا ثابتة لكان المعنى ثبت امتناع عدم التعريض لوجود عدم الافادة، وهو غير مستقيم لأن القصد ثبوت الافادة لا عدمها (قوله: ومن ثم سن الرجوع) أي ومن أجل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض لماعز بالرجوع سن لمن أقر بذلك الرجوع عن إقراره ويتوب بينه وبين الله تعالى فإن الله يقبل توبته إذا أخلص نيته (قوله: وكالزنا في قبول الرجوع عنه) أي عن الإقرار به. وقوله كل حد لله تعالى: أي كل موجب حد. إذ الذي يقربه ثم يرجع عنه الموجب ويدل له تمثيل الشارح له بعد بقوله كشرب الخ: إذ هو لا يصح تمثيلا للحد وإنما هو لموجبه (قوله: بالنسبة للقطع) راجع للسرقة أي يقبل الرجوع في السرقة بالنسبة لسقوط الحد عنه وهو القطع، أما بالنسبة للمال المسروق فلا يقبل رجوعه بل يؤخذ منه. (قوله: وأفهم كلامهم) المناسب وأفهم قولي ولو أقر ثم رجع لأن ما ذكره مفهوم قوله وأن كان هو مفهوم كلامهم أيضا (قوله: أنه) أي الزنا (قوله: لا يتطرق إليه) الضمير عائد على الزنا، لكن بتقدير مضاف: أي لا يتطرق إلى إثباته بالبينة رجوع (قوله: وهو كذلك) أي ما أفهمه كلامهم من عدم تطرق الرجوع إليه كذلك (قوله: لكنه) أي الزنا أي حده يتطرق إليه: أي إلى حده السقوط، وقوله بغيره: أي غير الرجوع (قوله: كدعوى زوجية) أي لمن زنى بها وهو تمثيل لتطرق السقوط بغير الرجوع (قوله: وملك أمة) أي وكدعوى ملك أمة زنى بها، وقوله وظن كونها حليلة: أي وكدعوى أن هذه الاجنبية التي زنى بها يظن أنها حليلته ففي جميع ما ذكر يسقط عنه حد الزنا الثابت بالبينة لوجود الشبهة وقد قال عليه السلام: ادرءوا الحدود بالشبهات (قوله: وثانيها حد القذف) أي وثاني الحدود حد القذف، والقذف لغة الرمي: يقال قذف النواة أي رماها وشرعا الرمي بالزنا في معرض التعيير: أي في مقام هو التعيير: أي التوبيخ. وألفاظه ثلاثة: صريح، وكناية، وتعريض. فالاول هو ما اشتهر فيه ولم يحتمل غيره كقوله لرجل أو امرأة زنيت أو زنيت بفتح التاء وكسرها أو يا زاني، ولا يضر اللحن بالتذكير للمؤنث وعكسه. والثاني هو ما احتمل القذف واحتمل غيره: كقوله زنأت بالهمز في الجبل أو نحوه فهو كناية لان ظاهره يقتضي الصعود، وكقوله لرجل يا فاجر يا فاسق يا خبيث ولامرأة يا فاجرة يا خبيثة يا فاسقة وأنت تحبين الخلوة أو الظلمة أو لا تردين يد لامس، فإن نوى به القذف حد وإلا فلا، وإذا ادعى عليه بأنه أراده وأنكره صدق بيمينه في أنه ما أراده. والثالث هو ما لا يحتمل ظاهره القذف، كقوله لغيره في خصومة أو غيرها يا ابن الحلال وأنا لست بزان أو ليست أمي بزانية فليس بقذف وإن نواه (قوله: وهو) أي القذف، وقوله من السبع الموبقات: أي المهلكات من أوبقته الذنوب إذا أهلكته، وهي: السحر، والشرك بالله تعالى، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات: أي الحرائر البريئات (قوله: وحد قاذف الخ) وذلك لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * وقوله - صلى الله عليه وسلم - لهلال بن أمية حين قذف زوجته بشريك بن سحماء: البينة أو حد في ظهرك، ولما قال - صلى الله عليه وسلم - له ذلك، قال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا أينطلق يلتمس البينة؟ فجعل - صلى الله عليه وسلم - يكرر ذلك. فقال هلال: والذي بعثك بالحق نبيا إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزلت آية اللعان (قوله: مكلف) أي بالغ عاقل، فلا حد على صبي ومجنون لنفي الايذاء بقذفهما لعدم تكليفهما، لكن يعزران إذا كان لهما نوع تمييز، وقوله مختار: خرج المكره بفتح الراء فلا حد عليه لعدم قصد الايذاء بذلك. وقوله ملتزم للاحكام: أي فلا حد على غير

_ (1) سورة النور، الاية: 4.

(ثمانين) جلدة إن كان القاذف حرا وإلا فأربعين. ويحصل القذف بزنيت أو يا زاني أو يا مخنث أو بلطت أو لاط بك فلان أو يا لائط أو يا لوطي، وكذا بياقحبة، لامرأة، ومن صريح قذف المرأة أن يقول لابنها من زيد مثلا لست ابنه أو لست منه لا قوله لابنه لست ابني ولو قال لولده أو ولد غيره يا ولد الزنا كان قذفا لامه (ولا يحد أصل) لقذف ـــــــــــــــــــــــــــــ الملتزم لها كالحربي. وقوله عالم بالتحريم: خرج الجاهل به لقربه من الاسلام فلا يحد (قوله: محصنا) مفعول قاذف (قوله: وهو) أي المحصن أي ضابطه. وقوله هنا: أي في حد القذف، واحترز به عن المحصن في حد الزنا فهو غير المحصن هنا من حيث إن الذي يشترط هنا كالاسلام، والعفة لا يشترط هناك. والحاصل شروط الاحصان هنا خمسة: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، وعفته عن وطئ يحد به وعن وطئ محرم مملوكة له وعن وطئ زوجته في دبرها. وشروط الاحصان هناك أي في حد الزنا، البلوغ، والعقل، والحرية، والوطئ في نكاح صحيح (قوله: مكلف) خرج الصبي والمجنون فلا يحد قاذفهما. وقوله حر: خرج الرقيق فلا يحد قاذفه لنقصه، وقوله مسلم: خرج الكافر مطلقا فلا يحد قاذفه لما تقدم. وفي البجيرمي: لو نازع القاذف في حرية المقذوف أو في إسلامه صدق المقذوف بيمينه. اه. (وقوله: عفيف الخ) خرج غير العفيف من ذلك فلا يحد قاذفه لما تقدم، (وقوله: من زنا ووطئ دبر حليلته) أي ومن وطئ مملوكة محرم له، كما في شرح المنهج، فالمعتبر عفته عن هذه الثلاثة فلا تبطل عفته بغيرها ولو كان حراما: كوطئ زوجته في عدة شبهة لان التحريم عارض يزول، وكوطئ أمة ولده لثبوت النسب حيث حصل علوق من ذلك الوطئ مع انتفاء الحد، وكوطئ في نكاح فاسد كوطئ منكوحة بلا ولي أو بلا شهود لقوة الشهبة، وكوطئ زوجته أو أمته في حيض أو نفاس أو إحرام أو نحو ذلك (فرعان) لو زنى مقذوف قبل أن يحد قاذفه سقط الحد عن قاذفه لان الاحصان لا يتيقن، بل يظن فظهور الزنا يدل على سبق مثله، فكأنه وقت القذف كان غير محصن، ومن زنى مرة ثم صلح بأن صلح حاله لم يعد محصنا أبدا، ولو لازم العدالة، وصار من أورع خلق الله تعالى وأزهدهم لان العرض إذا انخرم بالزنا لم يزل خلله بما يطرأ له من العفة. فإن قيل: قد ورد التائب من الذنب كمن لا ذنب له. أجيب: بأن هذا بالنسبة إلى الآخرة (قوله: ثمانين جلدة) مفعول مطلق لحد، وذلك للآية المارة، ولا تصح الزيادة عليها ومات ضمن بالقسط (قوله: إن كان القاذف حرا) قيد في كون الحد ثمانين جلدة، واستفيد كون الثمانين مخصوصة بالاحرار من قوله تعالى: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * وذلك لاقتضاء أنهم قبل القذف كانت شهادتهم مقبولة فتستلزم حريتهم. إذ الرقيق لا تقبل شهادته وإن لم يقذف وإنما ردت شهادتهم بالقذف لفسقهم به إذ هو كبيرة كما في آخر الآية حيث قال * (وأولئك هم الفاسقون) * (قوله: وإلا فأربعين) أي وإن لم يكن القاذف حرا، بل كان رقيقا، فيحد أربعين لانه نصف الحر. (قوله: ويحصل القذف إلخ) أي ويحصل القذف بلفظ يدل عليه أما صريحا فيه أو كناية، كما تقدم، وجميع ما ذكره من الصريح ما عدا يا مخنث ويا لوطي فإنهما من الكناية، لان الاول مأخوذ من التخنث، وهو التكسر، فهو محتمل له وللقذف، والثاني محتمل لارادة كونه على دين قوم لوط. (وقوله: بزنيت) هو بتاء المخاطب المفتوحة ومثله أو بلطت (قوله: ومن صريح قذف المرأة أن يقول لابنها من زيد الخ) أي ولو كان منفيا بلعان لكنه قال له ذلك بعد استلحاقه أما قبله فكناية فيسئل، فإن قال أردت تصديق النافي في نسبة أمه إلى الزنا فقاذف لها، أو أردت أن النافي نفاه أو انتفى نسبه منه شرعا أو أنه لا يشبهه خلقا أو خلقا صدق بيمينه ويعزر للايذاء اه. ش ق (قوله: لا قوله لابنه لست ابني) أي ليس من صريح قذف المرأة قوله لابنه ما ذكر بل هو من الكناية فيسأل حينئذ فإن قال أردت أنه من زنا فقاذف لامه أو أنه لا يشبهني خلقا ولا خلقا فيصدق بيمينه، والفرق بين قول الاب لولده ما ذكر وبين قول الاجنبي ما تقدم أن الاب لاحتياجه

_ (1) سورة النور، الاية: 4.

فرع بل يعزر كقاذف غير مكلف. ولو شهد بزنا دون أربعة من الرجال أو نساء أو عبيد حدوا ولو تقاذفا لم يتقاصا، ولقاذف تحليف مقذوفه أنه ما زنى قط. وسقط بعفو من مقذوف أو ووارثه الحائز ولا يستقل المقذوف باستيفاء الحد، ولزوج قذف زوجته التي علم زناها وهي في نكاحه ولو بظن ظنا مؤكدا مع قرينة، كأن رآها وأجنبيا في ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى تأديب ولده يحمل ما قاله على التأديب، بخلاف الأجنبي (قوله: ولو قال) أي شخص أبا أو غيره، (وقوله: كان) أي قوله المذكور، (قوله: قذفا لامه) أي الولد. وعبارة المغني. فرع: قال في الحاوي في باب اللعان لو قال لابنه أنت ولد زنا كان قاذفا لامه. قال الدميري: وهذه مسألة حسنة ذكرها ابن الصلاح في فتاويه بحثا من قبل نفسه، وكأنه لم يطلع فيها على نقل وزاد أنه يعزر للمشتوم اه. (قوله: ولا يحد أصل لقذف فرع) أي وإن علا الاصل وسفل الفرع (قوله: بل يعزر) أي الاصل للايذاء الحاصل منه لفرعه. قال في المغني: فإن قيل: قد قالوا في الشهادات أن الأصل لا يحبس في وفاء دين فرعه مع أن الحبس تعزير. أجيب: بأن حبسه للدين قد يطول زمنه فيشق عليه، بخلاف التعزير هنا فإنه قد يحصل بقيام من مجلس ونحوه، وحيث ثبت فهو لحق الله تعالى لا لحق الولد، وكما لا يحد بقذف ورثة الولد. اه. (قوله: كقاذف غير مكلف) أي فإنه لا يحد بل يعزر، ثم أنه يحتمل تنوين اسم الفاعل وما بعده مجرور صفة له أو منصوب به، ويحتمل عدم تنوينه وما بعده مجرور بالاضافة لا غير، والمعنى على كل صحيح. إذ التكليف شرط في حد القاذف والمقذوف، فإذا فقد من أحدهما فلا حد على واحد منهما (قوله: ولو شهد بزنا دون أربعة) أي شهد به رجال أحرار مسلمون كائنون دون أربعة أي أقل من أربعة فدون ظرف غير متصرف صفة لفاعل محذوف، وهذا هو الصحيح الذي جرى عليه سيبويه والبصريون، وجرى الكوفيون على أنها من الظروف المتصرفة فعليه هي فاعل شهد (قوله: أو نساء أو عبيد) أي أو شهد به نساء أو عبيد ولو زادوا على أربعة (قوله: حدوا) أي لانهم في غير الأولى ليسوا من أهل الشهادة، وحذرا في الأولى من الوقوع في أعراض الناس بصورة الشهادة ولما في البخاري أن عمر رضي الله عنه حد الثلاثة الذين شهدوا بزنا المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ولم يخالفه أحد. قال في التحفة والنهاية: ولهم، أي لما دون الاربعة، تحليفه أنه لم يزن، فإن نكل وحلفوا لم يحدوا. اه. (قوله: ولو تقاذفا) أي صدر من كل منهما قذف لصاحبه، (وقوله: لم يتقاصا) أي لم يسقط حد هذا بقذف الآخر ولا العكس، بل لكل منهما حد على الآخر، وذلك لأن شرط التقاص اتحاد الجنس والصفة وهو متعذر هنا لاختلاف تأثير الحدين باختلاف البدنين غالبا (قوله: ولقاذف تحليف مقذوفه) أي رجاء أن ينكل المقذوف فيحلف القاذف ويسقط عنه الحد (قوله: وسقط) أي حد القذف، (وقوله: بعفو) أي عنه كله فلو عفا عن بعضه لم يسقط منه شئ. (وقوله: من مقذوف) متعلق بمحذوف صفة لعفو: أي عفو صادر من مقذوف (قوله: أو وارثه الحائز) أي أو بعفو صادر من وارث المقذوف الحائز: أي لجميع التركة وخرج بالحائز غيره كأن عفا بعض الورثة فلا يسقط منه شئ، وذلك لانه يرث الحد جميع الورثة الخاصين غير موزع، بل يثبت كله جملة لكل واحد بدلا عن الآخر، فلو عفا بعضهم عن حصته فللباقين استيفاء جميعه لانه عار، والعار يلزم الواحد كما يلزم الجميع. وكما يسقط الحد بالعفو يسقط بإقامة البينة على زنا المقذوف وبإقرار المقذوف به وبإرث القاذف الحد (قوله: ولا يستقل المقذوف الخ) أي بل الذي يستقل به الإمام أو نائبه، فلو استقل به المقذوف لم يقع الموقع ولو كان بإذن الامام أو القاذف، فإن مات القاذف به قتل المقذوف ما لم يكن بإذن القاذف وإن لم يمت لم يجلد حتى يبرأ من الالم الاول (قوله: ولزوج قذف زوجته الخ) ظاهره أن له ذلك ويسقط عنه الحد، وليس كذلك، بل لا يسقط عنه إلا إذا أقام بينة على زناها أو لاعن زوجته. تنبيه: إعلم أن الفقهاء عقدوا اللعان بابا وذكروه بعد الظهار، والشارح رحمه الله تعالى لم يتعرض له أصلا، ويناسب ذكر نبذه تتعلق به هنا. وحاصلها أن اللعان شرعا كلمات خمسة جعلت كالحجة للمضطر إلى قذف الزوجة التي

خلوة، أو رآه خارجا من عندها مع شيوع بين الناس بأنه زنى بها، أو مع خبر ثقة أنه رآه يزني بها أو مع تكرر رؤيته لهما كذلك مرات، ووجب نفي الولد إن تيقن أنه ليس منه وحيث لا ولد ينفيه فالاولى له الستر وعليها، وأن ـــــــــــــــــــــــــــــ لطخت فراشه أو إلى نفي ولد علم أو ظن ظنا مؤكدا أنه ليس منه ظاهرا كأن لم يطأ أو ولدته لدون ستة أشهر من الوطئ، والقذف لنفيه حينئذ واجب وهي أن يقول: إذا قذف زوجته أربع مرات أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به هذه من الزنا وأن يقول الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وذلك لقوله تعالى: * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) * ويحصل باللعان أشياء كانتفاء نسب نفاه به حيث كان ولد لما في الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - فرق بينهما وألحق الولد بالمرأة ودرأ الحد عنه الثابت لها بالقذف، وكذا للزاني إن كان قد عينه في قذفه وسماه في لعانه وكتحريم المرأة عليه مؤبدا لخبر البيهقي اللاعنان لا يجتمعان وكإيجاب الحد عليها إن لم تلاعن فإن لاعنت فلا حد، وذلك لقوله تعالى: * (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادة بالله إنه لمن الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) * وكانفساخ النكاح ظاهرا وباطنا (قوله: التي علم زناها) أي كأن رآها تزني وكأن أخبره عدد التواتر بزناها، فإن لم يعلم زناها ولم يظنه ظنا مؤكدا حرم عليه قذفها ولعانها ولو كان هناك ولد لانه يلحقه بالفراش وقوله وهي في نكاحه: الجملة حال من زناها: أي علم زناها والحال أنها هي في نكاحه فإن علم زناها وليست هي في نكاحه فليس له أن يقذفها، فإن قذفها حد وليس له لعان لعدم احتياجه لقذفها حينئذ كالاجنبية (قوله: ولو بظن ظنا مؤكدا) تأمل هذه الغاية بعد قوله علم زناها والاولى أو ظن بأو العاطفة بدل ولو (قوله: مع قرينة) حال من ظنا أي أو ظنه ظنا مصحوبا بقرينة، والأولى أن يقول بقرينة بباء التصوير بدل مع المفيدة للمصاحبة، وذلك لان الظن يحصل بالقرينة مع الشيوع لا معها (قوله: كأن رآها الخ) تمثيل للقرينة، (وقوله: أو رآه) أي أو رأى الاجنبي خارجا من عند زوجته: أي أو رأى رجلا معها مرارا في محل ريبة أو مرة تحت شعار واحد، وهو ما ولي الجسد من الثياب (قوله: مع شيوع بين الناس) متعلق بالفعلين قبله، ويحتمل جعله متعلقا بمحذوف صفة لقرينة: أي مع قرينة مصحوبة بشيوع فلا تكفي القرينة وحدها لانه ربما رأى الاجنبي دخل عليها لخوف أو سرقة أو نحوها أو دخلت هي على الاجنبي لذلك ولا الشيوع وحده لانه قد يشيعه عدو لها أو من طمع فيها ولم يظفر بشئ (قوله: أو مع خبر ثقة) معطوف على قوله مع قرينة، وعبارة التحفة: وكإخبار عدل رواية أو من اعتقد صدقه له عن معاينة بزناها وليس عدوا لها ولا له ولا للزاني. قال بعضهم: وقد بين كيفية الزنا لئلا يظن ما ليس بزنا وكإقرارها له به واعتقد صدقها. اه. (قوله: أو مع تكرر الخ) معطوف على قوله مع قرينة، أو على قوله أو مع خبر ثقة، (وقوله: رؤيته) أي الزوج، (وقوله: لهما) أي لزوجته والاجنبي وقوله كذلك: أي في الخلوة أو خارجا من عندها، (وقوله: مرات) مفعول مطلق مؤكد لقوله تكرر، إذ التعدد يفهم من التكرر (قوله: ووجب نفي الولد) أي فورا، فإن أخر بلا عذر بطل حقه من النفي فيلحقه الولد، بخلاف ما إذا كان بعذر كأن بلغه الخبر ليلا فأخر حتى يصبح، أو كان مريضا أو محبوسا ولم يمكنه إعلام القاضي بذلك أو لم يجد القاضي فأخر حتى يجده فلا يبطل حقه في ذلك أن تعسر عليه الاشهاد بأنه باق على النفي، وإلا بطل حقه ثم إن علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا قذفها ولاعن، ولا بد أن يذكر نفي الولد في كلمات اللعان الخمسة بأن يقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به هذه من الزنا وأن هذا الولد ليس مني أو هذا الولد من زنا فإن لم يعلم زناها أو يظنه فلا يجوز له قذفها، كما تقدم، ويقتصر على النفي باللحان لجواز كونه من شبهة أو زوج سابق بأن يقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين في أن هذا الولد ليس مني، (وقوله: إن تيقن أنه ليس منه) أي أو ظنه ظنا مؤكدا، وذلك بأن لم يطأها في القبل أو لم تستدخل ماءه المحترم أصلا أو وطئها فيه أو استدخلت ماءه المحترم ولكن ولدته لدون ستة أشهر من الوطئ ولو لاكثر منها من العقد أو فوق أربع سنين من الوطئ فإن لم يكن يعلم أو يظن أنه ليس منه حرم عليه النفي والقذف (قوله: وحيث لا ولد ينفيه الخ) هذا مقابل لمقدر: أي ما مر من جواز القذف ووجوب نفي الولد

_ (1) سورة النور، الاية: 6. (2) سورة النور، الاية: 8.

يطلقها إن كرهها، فإن أحبها أمسكها، لما صح: أن رجلا أتى النبي (ص) فقال امرأتي لا ترد يد لامس، فقال طلقها، قال: إني أحبها، قال أمسكها. فرع: إذا سب شخص آخر فللآخر أن يسبه بقدر ما سبه مما لا كذب فيه ولا قذف: كيا ظالم ويا أحمق. ولا يجوز سب أبيه وأمه وثالثها حد الشرب (ويجلد) أي الامام أو نائبه (مكلفا) مختارا (عالما) بتحريم الخمر ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا كان هناك ولد ينفيه، فإن لم يكن هناك ولد فالاولى له أن يستر عليها مع إمساكها أو مع طلاقها فهو مخير في ذلك، فقوله بعد وأن يطلقها الخ بيان لهذين الحالين، وقوله فإن أحبها أمسكها: في البجيرمي: قال الحلبي فيه تصريح بأن له إمساكها مع علمه بأنها تأتي الفاحشة. اه. (قوله: إذا سب شخص آخر للآخر أن يسبه) أي لخبر أبي داود أن زينب لما سبت عائشة رضي الله عنها قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - سبيها وإذا سبه فقد استوفى حق نفسه، ويبقى على الاول إثم الابتداء لما فيه من الايذاء، والاثم لحق الله تعالى. قال في التحفة: كذا قاله غير واحد، والذي يتجه أنه لا يبقى عليه إلا الثاني لأنه إذا وقع الاستيفاء بالسبب المماثل فأي ابتداء يبقى على الاول للثاني حتى يكون عليه إثم؟ وإنما الذي عليه الاثم المتعلق بحق الله، فإذا مات ولم يتب عوقب عليه إن لم يعف عنه. اه. بتصرف. (وقوله: بقدر ما سبه) قال ح ل: أي عددا لا مثل ما يأتي به الساب لان الذي يأتي به الساب قد يكون كذبا وقذفا وهو لا يسب بنظيره، (وقوله: مما لا كذب فيه ولا قذف) بيان للقدر الصادر من الثاني فهو متعلق بمحذوف حال منه: أي حال كون هذا القدر الذي يسبه به ليس فيه كذب ولا قذف وليس بيانا لما الواقعة على السب الصادر من السب الاول، ويدل على ذلك عبارة شرح المنهج ونصها: وإنما يسبه بما ليس كذبا ولا قذفا. اه. وكتب عليها البجيرمي: قوله بما ليس كذبا ولا قذفا وإن كان ما أتى به الاول كذبا وقذفا، وقد يقال في هذا لم يسبه بقدر ما سبه ح ل. ويدفع بأن المراد قدره عددا لا صفة كما ذكره. اه. (قوله: كيا ظالم ويا أحمق) تمثيل لما لا كذب فيه ولا قذف، وذلك لأنه ليس هنا أحد يكاد ينفك عن ذلك والاحمق هو من يفعل الشئ في غير موضعه مع علمه بقبحه. وفي المصباح الحمق فساد في العقل. تنبيه: قال في المغني: يجوز للمظلوم أن يدعو على ظالمه كما قاله الجلال السيوطي في تفسير قوله تعالى: * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * قال: بأن يخبر عن ظلم ظالمه ويدعو عليه: اه. ويخفف عن الظالم بدعاء المظلوم لما رواه أحمد في كتاب الزهد عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: بلغني أن الرجل ليظلم مظلمة فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينقصه حتى يستوفي حقه وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من دعا على من ظلمه فقد استنصر وفي كتاب اللطائف للقاضي أبي يوسف أن امرأة من بني إسرائيل كانت صوامة قوامة سرقت لها امرأة دجاجة فنبت ريش الدجاجة في وجه السارقة وعجزوا عن إزالته عن وجهها، فسألوا عن ذلك بعض علمائهم فقالوا: لا يزول هذا الريش إلا بدعائها عليها، فلم تزل تكرر ذلك حتى سقط جميع الريش. اه. (قوله: وثالثها) أي الحدود (قوله: حد الشرب) أي شرب كل مسكر، وهو من الكبائر لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) * أي القمار و * (الانصاب) * أي ما ينصب ليعبد من دون الله * (والازلام) * أي القداح التي يضرب بها * (رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) * وقوله عليه الصلاة والسلام: لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، ومبتاعها، وبائعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه زاد في رواية: وآكل ثمنها وقوله عليه السلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر وقوله عليه الصلاة والسلام: اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر وقوله عليه الصلاة والسلام: إذا تناول العبد كأس الخمر ناداه الايمان: أنشدك بالله أن لا تدخله علي فإني لا أستقر أنا وهو في

_ (1) سورة النساء، الاية: 148. (2) سورة المائدة، الاية: 90.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موضع واحد، فإن شربه يفر منه مفرة لم يعد إليه أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه وسلب من عقله شيئا لا يرده عليه إلى يوم القيامة. واعلم: أن في شربها عشر خصال مذمومة تقع له في الدنيا: أولها إذا شربها يصير بمنزلة المجنون ويصير مضحكة للصبيان ومذموما عند العقلاء، وإلى هذا أشار ابن الوردي بقوله: واهجر الخمرة إن كنت فتى كيف يسعى في جنون من عقل؟ ثانيها: أنها مذهبة للعقل متلفة للمال. ثالثها: أن شربها سبب للعداوة بين الاخوان والاصدقاء. رابعها: أن شربها يمنع من ذكر الله ومن الصلاة. وخامسها: أن شربها يحمل على الزنا وعلى طلاق امرأته وهو لا يدري. سادسها: أنها مفتاك كل شر. سابعها أن شربها يؤذي الحفظة الكرام بالرائحة الكريهة. ثامنها: أن شاربها أوجب على نفسه أربعين جلدة، فإن لم يضرب في الدنيا ضرب في الآخرة بسياط من نار على رؤوس الأشهاد والناس ينظرون إليه والآباء والاصدقاء. تاسعها: أنه أغلق باب السماء على نفسه فلا ترفع حسناته ولا دعاؤه أربعين يوما. عاشرها: أنه مخاطر بنفسه لانه يخاف عليه أن ينزع الايمان منه عند موته. وأما العقوبات التي في الآخرة فلا تحصى: كشرب الحميم، والزقوم، وفوت الثواب، وغير ذلك. واعلم: أن الخمرة كان شربها جائزا في صدر الإسلام، ثم حصل التحريم بعد ذلك في السنة الثالثة من الهجرة بعد أحد، وفي تفسير البغوي ما نصه: وجملة القول على تحريم الخمر أن الله أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة وهي: * (من ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) * فكان المسلمون يشربونها، وهي لهم حلال يومئذ. ثم أن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وجماعة من الانصار أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال، فأنزل الله تعالى: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) * إلى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا أناسا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا وحضرت صلاة المغرب وتقدم بعضهم ليصلي فقرأ: * (قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون) * بحذف لا النافية، فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) * فحرم السكر في أوقات الصلاة. فلما نزلت هذه الآية تركها قوم وقالوا لا خير في شئ يحول بيننا وبين الصلاة، وتركها قوم في أوقات الصلاة وشربوها في غير أوقاتها حتى كان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر ويشرب بعد صلاة الصبح فيصحو إذا جاء وقت الظهر. واتخذ عتبان بن مالك طعاما ودعا رجالا من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص وكان قد شوى لهم رأس بعير فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، ثم إنهم افتخروا عند عتبان وانتسبوا وتناشدوا الاشعار، فأنشد سعد قصيدة فيها هجو للانصار وفخر لقومه، فأخر رجل من الانصار لحي البعير فضرب به رأس سعد فشجه شجة موضحة، فانطلق سعد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشكا إليه الانصار فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فأنزل الله تعالى تحريم الخمر في سورة المائدة في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) * إلى قوله * (فهل أنتم منتهون) * وذلك بعد غزوة الاحزاب بأيام فقال عمر انتهينا يا رب. اه. (قوله: ويجلد) أي بسوط أو عصا معتدلة أو نعل أو أطراف ثياب لما روى الشيخان أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يضرب بالجريد والنعال وفي البخاري عن أبي هريرة أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بسكران فأمر بضربه: فمنا من ضرب بيده، ومنا من ضرب بنعله، ومنا من ضرب بثوبه. ويفرق الضارب الضرب على الاعضاء فلا يجمعه في موضع واحد لانه قد يؤدي إلى الهلاك، ويجتنب المقاتل، وهي المواضع التي يسرع الضرب فيها إلى القتل: كالقلب ونقرة النحر والفرج، ويجتنب الوجه أيضا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ولانه مجمع

_ (1) سورة النحل، الاية: 67. (2) سورة البقرة، الاية: 219. (3) سورة الكافرون، الاية: 2. (3) سورة النساء، الاية: 43.

(شرب) لغير تداو (خمرا) وحقيتها عند أكثر أصحابنا المسكر من عصير العنب وإن لم يقذف بالزبد فتحريم غيرها قياسي: أي بفرض عدم ورود ما يأتي، وإلا فسيعلم منه أن تحريم الكل منصوص عليه، وعند أقلهم كل مسكر، ولكن لا يكفر مستحل المسكر من عصير غير العنب للخلاف فيه، أي من حيث الجنس، لحل قليله على قول جماعة. أما المسكر بالفعل فهو حرام إجماعا، كما حكاه الحنفية فضلا عن غيرهم - بخلاف مستحله من عصير العنب الصرف الذي لم يطبخ ولو قطرة لانه مجمع عليه ضروري، وخرج بالقيود المذكورة فيه ـــــــــــــــــــــــــــــ المحاسن، بخلاف الرأس فلا يجتنبه لانه مغطى بالعمامة غالبا (قوله: أي الإمام أو نائبه) أي أن الذي يستوفي الحد الإمام أو نائبه لا غيرهما (قوله: مكلفا) أي ولو حكما، فدخل السكران المتعدي بسكره، ولا بد أن يكون ملتزما للاحكام. فخرج الحربي لعدم التزامه لها، والذمي أيضا لأنه لا يلزم بالذمة ما لا يعتقده (قوله: عالما بتحريم الخمر) أي وبكون ما شربه خمرا (قوله: شرب إلخ) الجملة صفة لمكلفا أي مكلفا موصوفا بكونه شرب خمرا، أي أو أكل بأن جمد الخمر وأكله، بخلاف ما لو احتقن به بأن أدخله دبره أو استعط به بأن أدخله أنفه فلا يحد بذلك لان الحد للزجر ولا حاجة إليه هنا (وقوله: خمرا) أي صرفا لغير ضرورة وإن قل وإن لم يسكر لقلته وإن كان درديا، وهو ما يبقي في أسفل إنائه ثخينا، وخرج بالصرف ما لو شربه في ماء استهلك فيه بحيث لم يبق له طعم ولا لون ولا ريح، أو أكل خبزا عجن دقيقه به أو لحما طبخ به، أو معجونا هو فيه فلا حد بذلك لاستهلاك عين الخمر، بخلاف ما لو شرب مرق اللحم المطبوخ به أو غمس به أو ثرد فيه فإنه يحد به لبقاء عينه، وخرج بغير ضرورة ما لو غص بلقمة، أي شرق بها، ولم يجد غيره فأساغها به فلا حد عليه لوجوبها عليه إنقاذا لنفسه من الهلاك، فهذه رخصة واجبة، فلو وجد غيره، ولو بولا، أساغها به، وحرم إساغتها بالخمر، ولكن لا حد به على المعتمد للشبهة (قوله: وحقيقتها) أي حقيقة الخمر اللغوية ما ذكر، وعليه فإطلاق الخمر على المسكر من غير عصير العنب مجاز. (وقوله: المسكر من عصير العنب) إنما سمي خمرا لكونه يخمر العقل: أي يستره (قوله: وإن لم يقذف بالزبد) أي وإن لم يرم به قال في المصباح: الزبد بفتحتين من البحر وغيره كالرغوة اه. (قوله: فتحريم غيرها) أي غير الخمرة المتخذة من عصير العنب كالمتخذة من الانبذة: (وقوله: قياسي) أي بالقياس على المتخذ من عصير العنب بجامع الاسكار في كل (قوله: أي بفرض إلخ) أي أن كونه قياسا إنما هو على فرض عدم ورود ما يأتي من خبر الصحيحين وخبره مسلم وقال سم: لا حاجة إليه بناء على جواز القياس مع وجود النص (قوله: وإلا) أي بأن فرض وروده. (وقوله: فسيعلم منه) أي مما يأتي. (وقوله: أن تحريم الكل) أي ما اتخذ من عصير العنب وما اتخذ من غيره، والملائم والاخصر في الجواب أن يقول فهو منصوص عليه (قوله: وعند أقلهم) معطوف على قوله عند أكثر أصحابنا: أي وحقيقتها عند أقلهم كل مسكر وهذا هو ظاهر الاحاديث كحديث كل مسكر خمر، وكل خمر حرام (قوله: ولكن لا يكفر مستحل المسكر) عبارة النهاية: ولكن لا يكفر مستحل قدر لا يسكر من غيره. اه. وكتب الرشيدي عليها: بخلاف مستحل الكثير منه فإنه يكفر، خلافا لابن حجر. اه. (قوله: للخلاف فيه) أي في المسكر من غير عصير العنب. (وقوله: أي من حيث الجنس) دفع به ما يقال أن الخلاف ليس فيه مطلقا، بل في القليل منه وهو القدر الذي لا يسكر. وحاصل الدفع أن يقال أن المراد أن الخلاف فيه من حيث جنسه وهو يصدق بالقليل والكثير والمراد القليل، (وقوله: لحل قليله) أي وهو القدر الذي لا يسكر بدليل قوله بعد أما المسكر الخ (قوله: بخلاف مستحله) أي المسكر وقوله من عصير العنب متعلق بمحذوف حال من ضمير مستحله. وقوله الصرف: خرج غير الصرف وقد تقدم الكلام عليه (وقوله: الذي لم يطبخ) أي بخلاف ما لو طبخ على صفة يقول بحلها بتلك الصفة بعض المذاهب. اه. ع ش (قوله: لانه مجمع عليه ضروري) علة لمحذوف: أي بخلاف مستحله من عصير العنب الخ فيكفر به لانه مجمع عليه ضروري: أي لان تحريمه مجمع عليه. وفي مغنى الخطيب: ولم يستحسن الامام إطلاق القول بتكفير مستحل الخمر. قال: وكيف نكفر من خالف الاجماع ونحن لانكفر من يرد أصله وإنما نبدعه؟ وأول كلام الأصحاب على ما إذا صدق المجمعين على أن تحريم الخمر ثبت شرعا ثم حلله فإنه رد للشرع. حكاه عن الرافعي. ثم قال: وهذا إن صح

أضدادها فلا حد على من اتصف بشئ منها من صبي ومجنون ومكره وجاهل بتحريمه أو بكونه خمرا إن قرب إسلامه أو بعد عن العلماء. ولا على من شرب لتداو، وإن وجد غيرها، كما نقله الشيخان عن جماعة، وإن حرم التداوي بها. فائدة: كل شراب أسكر كثيره من خمر أو غيرها حرم قليله وكثيره، لخبر الصحيحين: كل شراب أسكر فهو حرام وخبر مسلم: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام ويحد شاربه وإن لم يسكر: أي متعاطيه. وخرج بالشراب ما حرم من الجامدات فلا حد فيها، وإن حرمت وأسكرت، بل التعزير: ككثير البنج والحشيشة ـــــــــــــــــــــــــــــ فليجر في سائر ما حصل الاجماع على افتراضه فنفاه أو تحريمه فأثبته، وأجاب عنه الزنجاني بأن مستحل الخمر لا نكفره لانه خالف الاجماع فقط، بل لانه خالف ما ثبت ضرورة أنه من دين محمد - صلى الله عليه وسلم - والاجماع والنص عليه. اه. (قوله: وخرج بالقيود المذكورة فيه) أي في جلد من شرب المسكر، وهي كونه مكلفا مختارا عالما بتحريم الخمر شرب لغير تداو خمرا (قوله: فلا حد على من الخ) أي ولا حرمة أيضا في معظمها (وقوله: بشئ منها) أي من أضدادها (قوله: من صبي الخ) بيان لشئ (قوله: ومكره) منه المصبوب في حلقه قهرا، ويجب عليه أن يتقايأه بعد زوال الاكراه (قوله: وجاهل بتحريمه) بخلاف ما لو كان عالما به وجهل وجوب الحد عليه فانه يجب عليه الحد لأنه كان من حقه حيث علم الحرمة أن يمتنع عن الشرب فلما شرب مع ذلك غلظ عليه بإيجاب الحد. وقوله أو بكونه خمرا: أي أو جاهل بكونه خمرا كأن شربه يظنه ماء أو نحوه فلا حد عليه للعذر ويصدق في دعواه الجهل بيمينه (قوله: إن قرب إلخ) قيد في عدم حده بالجهل (قوله: ولا على من شرب لتداو) أي ولا حد على من شرب الخمر للتداوي. (قوله: وإن وجد غيرها) أي غير الخمر من الطاهرات للشبهة وهو غاية لعدم الحد بشربها للتداوي (قوله: وإن حرم التداوي بها) أي بصرفها، وهو غاية ثانية لما ذكر، وإنما حرم التداوي بها لانه - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن التداوي به قال إنه ليس بدواء ولكنه داء. وصح خبر أن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها وما دل عليه القرآن أن فيها منافع إنما هو قبل تحريمها، وأما بعده فالله سبحانه وتعالى سلبها منافعها. وخرج بصرفها ما إذا استهلكت في دواء فيجوز التداوي به إذا لم يجد ما يقوم مقامه من الطاهرات كالتداوي بالنجس غير الخمر كلحم الميتة والبول بالشرط المذكور. (قوله: فائدة) أي بيان ضابط حرمة شرب الخمر (قوله: كل إلخ) مبتدأ خبره حرم قليله إلخ (قوله: من خمر) بيان للشراب، وهي المتخذة من عصير العنب، (وقوله: أو غيرها) أي غير الخمر، وهو المتخذ من نقيع التمر والزبيب وغيره (قوله: حرم قليله وكثيره) قال في المغني: وخالف الإمام أبو حنيفة في القدر الذي لا يسكر من نقيع التمر والزبيب غيره، واستند لاحاديث معلولة بين الحفاظ، وأيضا أحاديث التحريم متأخرة فوجب العمل بها. اه. (قوله: لخبر الصحيحين) أي ولخبر أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره وخبر ما أسكر كثيره قليله حرام (قوله: ويحد شاربه وإن لم يسكر) أي حسما لمادة الفساد كما حرم تقبيل الاجنبية والخلوة بها لافضائه إلى الوطئ المحرم (قوله: أي متعاطيه) تفسير لقوله شاربه: أي أن المراد بالشارب المتعاطي له سواء كان بالشرب أو غيره، كما في المغنى، وعبارته. تنبيه: المراد بالشارب المتعاطي شربا كان أو غيره، سواء فيه ليتفق على تحريمه والمختلف فيه، وسواء جامدة ومائعه مطبوخه ونيئه، وسواء أتناوله معتقدا تحريمه أم إباحته على المذهب لضعف أدلة الاباحة. اه. (قوله: وخرج بالشراب ما حرم من الجامدات) أي ما عدا جامد الخمر، أما هو فيحد متعاطيه كما مر (قوله: فلا حد فيها) أي الجامدات وقوله وإن حرمت: الصواب حذف هذه والاقتصار على ما بعده لان الكلام فيما حرم من الجامدات. تأمل (قوله: بل التعزير) أي بل فيها التعزير (قوله: ككثير البنج إلخ) تمثيل لما حرم من الجامدات (قوله: والحشيشة) أي وككثير الحشيشة.

والافيون ويكره أكل يسير منها من غير قصد المداومة، ويباح لحاجة التداوي (أربعين) جلدة (إن كان حرا) ففي مسلم عن أنس: كان (ص) يضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين جلدة وخرج بالحر الرقيق ولو مبعضا، فيجلد عشرين جلدة، وإنما يجلد الامام شارب الخمر إن ثبت (بإقراره أو شهادة رجلين) لا بريح خمر وهيئة سكر وقئ وحد عثمان رضي الله عنه بالقئ اجتهاد له. ويحد الرقيق أيضا بعلم السيد دون غيره. ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم: أن العلماء قد ذكروا في مضار الحشيشة نحو مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية: منها أنها تورث النسيان والصداع وفساد العقل والسل والاستسقاء والجذام والبرص وسائر الامراض وإفشاء السر وإنشاء الشر وذهاب الحياء وعدم المروءة وغير ذلك، ومن أعظم قبائحها أنها تنسي الشهادة عند الموت، وجميع قبائحها موجود في الافيون والبنج ونحوهما. ويزيد الافيون بأن فيه تغيير الخلقة، كما هو مشاهد من أحوال من يتعاطاه، وما أحسن ما قيل في الحشيشة: قل لمن يأكل الحشيشة جهلايا خسيسا قد عشت شر معيشه دية العقل بدرة فلماذا يا سفيها قد بعتها بحشيشة؟ والبدرة كما في القاموس كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف درهم (قوله: ويكره أكل يسير منها) أي من هذه الثلاثة، والمراد باليسير أن لا يؤثر في العقل، ولو تخديرا وفتورا، وبالكثير ما يؤثر فيه كذلك، فيجوز تعاطي القليل مع الكراهة، ولا يحرم، ولكن يجب كتمه على العوام لئلا يتعاطوا كثيره ويعتقدوا أنه قليل، وقوله من غير قصد المداومة: مفهومه أنه إذا تعاطاه مع قصدها حرم. فانظره (قوله: ويباح) أي أكل ما ذكر من الثلاثة (قوله: لحاجة التداوي) مطلقا سواء كان كثيرا أم قليلا وإن كان ظاهر عبارته أنه مختص بالقليل. قال في الروض وشرحه. فرع: مزيل العقل من غير الاشربة كالبنج والحشيشة حرام لازالته العقل لا حد فيه لأنه لا يلذ ولا يطرب ولا يدعو قليله إلى كثيره بل فيه التعزير، وله تناوله ليزيل عقله لقطع عضو متأكل. اه. (قوله: أربعين جلدة) مفعول مطلق لقوله ويجلد: أي يجلده الإمام أو نائبه جلدات أربعين، وذهبت الائمة الثلاثة إلى أنها ثمانون، ويجب توالي الضربات ليحصل الزجر والتنكيل فلا يجوز أن يفرق على الايام والساعات لعدم حصول الايلام المقصود من الحدود، والضابط أنه إن تخلل زمن يزول فيه الالم الاول لم يكف على الاصح، ويحد الذكر قائما والانثى جالسة ويجعل عند المرأة محرم أو امرأة تلف عليها ثيابها إذا انكشفت ويجعل عند الخنثى محرم لا رجل أجنبي ولا امرأة أجنبية، ويكفي الحد المذكور ولو تعدد الشرب مرارا كثيرة قبل الحد وحديث الامر بقتل الشارب في المرة الرابعة منسوخ بالاجماع (قوله: إن كان حرا) سيأتي محترزه (قوله: ففي مسلم الخ) دليل على أنها أربعون (قوله: يضرب في الخمر) أي في شربه (قوله: أربعين) أي في غالب أحواله - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فقد جلد ثمانين كما في جامع عبد الرزاق. اه. ح ل (قوله: فيجلد عشرين جلدة) أي لانه حد يتبعض فتنصف على الرقيق كحد الزنا (قوله: وإنما يجلد الامام إلخ) دخول على المتن (قوله: أن ثبت) أي شربه الخمر، وقوله بإقراره أو شهادة رجلين: أي لأن كلا من الاقرار وشهادة من ذكر حجة شرعية، ولا يشترط فيهما تفصيل، بل يكفي الاطلاق في إقراره من شخص بأنه شرب خمرا وفي شهادة بشرب مسكر بأنه شرب فلان خمرا، ولا يحتاج أن يقول وهو مختار عالم لأن الأصل عدم الاكراه والغالب من حال الشارب علمه بما يشربه، فنزل الاقرار والشهادة عليه (قوله: لا بريح إلخ) أي لا يثبت شرب الخمر بريح خمر وهيئة سكر وقئ لاحتمال أن يكون شرب غالطا أو مكرها، والحد يدرأ بالشبهة، وكذلك لا يثبت برجل وامرأتين لان البينة ناقصة والاصل براءة الذمة. وكتب سم على قول التحفة وهيئة سكر وما نصه تقدير هيئة الظاهر أنه غير ضروري. اه. (قوله: وحد عثمان) مبتدأ خبره اجتهاد له وقوله بالقئ متعلق بحد، وقوله اجتهاد له أي لسيدنا عثمان رضي الله عنه: أي فقد أثبت رضي الله عنه الحد لشارب الخمر بالقئ (قوله: ويحد الرقيق

_ (1) (قوله كما في القاموس الخ) عبارته: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف دينار. اه. فتأمل وحرر اه. مصححة. حاشية إعانة الطالبين ج 4 م 12

تتمة: جزم صاحب الاستقصاء بحل إسقائها للبهائم، وللزركشي احتمال أنها كالآدمي في حرمة إسقائها لها، ورابعها قطع السرقة. (ويقطع) أي الامام وجوبا بعد طلب المالك وثبوت السرقة (كوع يمين بالغ) ذكرا ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا) أي كما يحد بإقراره أو بشهادة رجلين. وقوله بعلم السيد: أي أنه شرب الخمر. وقوله دون غيره: أي غير الرقيق فلا يحده القاضي بعلمه، والفرق أنه جاز للسيد ذلك لاصلاح ملكه. تتمة: لا يحد السكران في حال سكره لأن المقصود منه الردع والزجر والتنكيل. وذلك لا يحصل مع السكر بل يؤخر وجوبا إلى إفاقته ليرتدع، فإن حد قبلها ففي الاعتداد به وجهان أصحهما، كما قاله البلقيني، الاعتداد به ولا في المسجد لخبر أبي داود وغيره: لا تقام الحدود في المساجد ولاحتمال أن يتلوث من جراحة تحدث (قوله: جزم صاحب الاستقصاء) عبارة التحفة. تنبيه: جزم صاحب الاستقصاء بحل إسقائها للبهائهم وللزركشي احتمال أنها كالآدمي في امتناع إسقائها إياها للعطش. قال: لانها تثيره فيهلكها فهو من قبيل إتلاف المال اه. والاولى تعليله بأن فيه إضرارا لها وإضرار الحيوان حرام وإن لم يتلف. قال: والمتجه منع إسقائها لها لا لعطش لانه من قبيل التمثيل بالحيوان وهو ممتنع، وفي وجه غريب حل إسقائها للخيل لتزداد حموا أي شدة في جريها، قال: والقياس حل إطعامها نحو حشيش وبنج للجوع، وإن تخدرت، ويظهر جوازه لآدمي جاع. ولم يجد غير ذلك وإن تخدرت لان المخدر لا يزيد في الجوع. اه. (قوله: بحل إسقائها) أي الخمر، فالإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل: أي إسقاء الشخص إياخا، وقوله للبهائم متعلق بالمصدر (قوله: وللزركشي احتمال) مبتدأ وخبره وقوله أنها الخ: المصدر المؤول بدل من احتمال أو خبر لمبتدأ محذوف، وقوله في حرمة إسقائها: أي الخمر، (وقوله: لها) أي للبهائم (قوله: ورابعها) أي ورابع الحدود وقوله قطع السرقة: هي لغة أخذ الشئ خفية، وشرعا أخذ المال خفية من حرز مثل بشروط. وهي من الكبائر لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن وفي رواية: إذا فعل ذلك فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه فإن تاب تاب الله تعالى عليه وقوله عليه السلام: لعن الله السارق: يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده والمراد بالبيضة بيضة الحديد التي تساوي ربع دينار والمراد بالحبل حبل تساوي قيمته ما ذكر وإلا نافى ما يأتي من أن شرط القطع في المسروق أن يساوي ربع دينار، وقوله عليه السلام: لا يحل لاحد أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه وقوله عليه السلام: إن دم المسلم وعرضه وماله حرام (قوله: ويقطع إلخ) أي لقوله تعالى: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) * ولما نظم أبو العلاء المعري البيت الذي شكك به على أهل الشريعة في الفرق بين الدية والقطع في السرقة وهو: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار؟ أجابه القاضي عبد الوهاب المالكي بقوله: وقاية النفس أغلاها وأرخصها وقاية المال فافهم حكمه الباري ويروي: عز الامانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري وقال ابن الجوزي لما سئل عن ذلك: لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت: وأركان السرقة الموجبة للقطع ثلاثة: مسروق وسارق وسرقة. ويشترط في المسروق كونه ربع دينار أو ما قيمته ذلك، وكونه محرزا بحرز مثله، وألا يكون للسارق فيه ملك، وأن لا يكون له فيه شبهة، ويشترط في السارق: أن يكون بالغا عاقلا مختارا ملتزما للاحكام

_ (1) سورة المائدة، الاية: 38.

كان أو أنثى (سرق) أي أخذ خفية (ربع دينار) أي مثقال ذهبا مضروبا خالصا وإن تحصل من مغشوش (أو ـــــــــــــــــــــــــــــ عالما بالتحريم وأن لا يكون مأذونا له من المالك (قوله: أي الامام) يعني أن الذي يستوفي القطع في غير الرقيق الإمام أو نائبه فلو فوضه للسارق لم يقع الموقع، بخلاف ما لو فوضه للمسروق منه فيقع الموقع، وإن امتنع من التفويض له مخافة أن يردد الآلة عليه فيؤدي إلى إهلاكه أو قطعها أحد بلا إذن الامام عزر لافتياته وتعديه عليه ولا يضمن شيئا وإن مات بالسراية لانها مستحقة وما تولد من قطعها تولد من مستحق. اه. ش ق (قوله: وجوبا) أي حال كون القطع وجوبا: أي واجبا للأمر به في الآية السابقة، وهو الوجوب. ويمتنع العفو عنه بعد رفع الامر إليه، وأما ما نقل عن سيدنا معاوية رضي الله عنه أنه عفا عن سارق حين أنشدته أمه: يميني أمير المؤمنين أعيذها بعفوك أن تلقى نكالا يشينها فلا خير في الدنيا وكانت خبيثة إذا ما شمالي فارقتها يمينها فهو مذهب صحابي فلا يرد (قوله: بعد طلب المالك) متعلق بيقطع أي يقطع الامام بعد طلب صاحب المال للقطع وقوله وثبوت السرقة: أي عنده بما يأتي ولا يقطع قبل ذلك، فلو قطع لا يقع الموقع (قوله: كوع يمين) مفعول يقطع: أي تقطع يده اليمنى من مفصل الكوع ولو كانت معيبة أو ناقصة، كفاقدة الاصابع أو زائدتها خلقة أو عروضا، وإن سرق مرارا قبل قطعه لاتحاد السبب، كما لو زنى أو شرب مرارا فإنه يكتفي بحد واحد، كما مر، فإن سرق ثانيا بعد قطعه قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم، فإن سرق ثالثا قطعت يده اليسرى كذلك، فإن سرق رابعا قطعت رجله اليمنى فإن سرق بعد ذلك عزر، ولا يقتل، كما سيذكره، وقوله بالغ: مجرور بإضافة يمين إليه، ويشترط أيضا أن يكون عاقلا مختارا ملتزما للاحكام، فلا قطع على صبي ومجنون ومكره وحربي (قوله: سرق إلخ) الجملة صفة لبالغ، وقوله: أي أخذ خفية تفسير ليسرق (قوله: ربع دينار) مفعول سرق: أي سرق ربع دينار أي فصاعدا لخبر مسلم: لا تقطع يد سارق إلا في ربع دينار فصاعدا. واعلم: أن العبرة في المضروب من الذهب بالوزن فقط فلاتعتبر فيه القيمة، والعبرة في غير المضروب بالوزن والقيمة معا فلو كان وزنه دون ربع دينار فلا قطع به، وإن بلغت قيمته ربع دينار كخاتم وزنه دون ربع دينار وبلغ بالصنعة ربع دينار فأكثر فلا نظر لقيمة الصنعة، ولو كان وزنه ربع دينار فأكثر ولم تبلغ قيمته ذلك فلا قطع به أيضا كربع دينار سبيكة أو حليا أو نحو ذلك كقراضة الذهب لا يساوي ربعا مضروبا، والعبرة في غير الذهب ولو من الفضة بالقيمة فقط، فلو سرق من الفضة ما يبلغ قيمته ربع دينار قطع به وإن لم يبلغ وزنه ذلك، وكذا لو سرق شيئا يساوي ذلك حتى المصحف وكتب العلم الشرعي وما يتعلق به وكتب شعر نافع مباح، وكذا الكتب التي لا يحل الانتفاع بها إن بلغت قيمة ورقها وجلدها نصابا وإناء النقدين إن بلغ بدون صنعته نصابا إلا إن أخرجه من الحرز ليظهر كسره فلا قطع حينئذ، وكذا كل ما سلط الشرع على كسره كمزمار وطنبور وصنم وصليب لان إزالة المعصية مطلوبة شرعا فصار شبهة لكن محل ذلك إن قصد بإخراجه تكسيره فإن قصد السرقة وبلغ مكسره نصابا قطع به لانه سرق نصابا من حرز مثله كما لو كسره في الحرز ثم أخرجه وهو يبلغ نصابا فإنه يقطع به كما يقطع بإناء الخمر أو إناء البول إن بلغ نصابا وقصد بإخراجه السرقة، فإن قصد بإخراجه إراقته فلا قطع لان ذلك مطلوب شرعا ولا قطع فيما لا يتمول كخمر ولو محترمة وخنزير وكلب ولو معلما وجلد ميتة بلا دبغ لأن ما ذكره لا قيمة له. نعم: إن صار الخمر خلا قبل إخراجه من الحرز أو دبغ الجلد قبل ذلك ولو بدبغ السارق به وكل منهما يساوي نصابا قطع به ويقطع بثوب رث، أي بال، في جيبه تمام نصاب وإن جهله السارق لانه أخرج نصابا من حرز مثله بقصد السرقة، والجهل بجنسه لا يؤثر كالجهل بصفته (قوله: أي مثقال) تفسير للدينار، وقوله ذهبا: تمييز لمثقال (قوله: مضروبا خالصا) حالان من ربع دينار: أي حال كون الربع الذي يقطع به مضروبا، فلا يقطع بما إذا كان ربع دينار سبيكة ولا يساوي قيمة مضروب كما سيذكره وحال كونه خالصا فلا يقطع بما إذا كان ربعا مغشوشا (قوله: وإن تحصل من مغشوش) أي أن المعتبر في المسروق أن يكون وزنه ربع دينار خالصا ولو تحصل ذلك من مغشوش

قيمته) بالذهب المضروب الخالص وإن كان الربع لجماعة فلا يقطع بكونه ربع دينار سبيكة أو حليا لا يساوي ربعا مضروبا (من حرز) أي موضع يحرز فيه مثل ذلك المسروق عرفا ولا قطع بما للسارق فيه شركة ولا بملكه وإن تعلق به نحو رهن، ولو اشترك اثنان في إخراج نصاب فقط لم يقطع واحد منهما. وخرج بسرق ما لو اختلس معتمدا الهرب أو انتهب معتمدا القوة فلا يقطع بهما لخبر الصحيح به ولامكان دفعهم بالسلطان وغيره، بخلاف السارق لاخذه خفية فشرع قطعه زجرا (لا) حال كون المال (مغصوبا) فلا يقطع سارقه من حرز الغاصب وإن لم ـــــــــــــــــــــــــــــ مسروق (قوله: أو قيمته) معطوف على ربع دينار: أي أو سرق ما يساوي قيمة ربع دينار من عروض ودراهم، وقوله بالذهب الخ: الباء بمعنى من وهي متعلقة بمحذوف حال من المضاف إليه العائد على ربع الدينار: أي حال كون ذلك الربع المعتبر تقويم غيره به من الذهب المضروب الخالص. قال في التحفة: فإن لم تعرف قيمته بالدنانير قوم بالدراهم ثم هي بالدنانير، فإن لم يكن بمحل السرقة دنانير انتقل لاقرب محل إليها فيه ذلك، كما هو قياس نظائره. اه. (قوله: وان كان الربع لجماعة) أي يقطع به ولو كان لجماعة اتحد حرزهم فلا يشترط في الربع اتحاد المالك (قوله: فلا يقطع إلخ) مفهوم قوله مضروبا. (وقوله: بكونه) أي المسروق ربع دينار، (وقوله: سبيكة) حال من ربع دينار: أي حال كونه سبيكة: أي غير مضروب، (وقوله: أو حليا) معطوف على ربع دينار: أي أو بكونه حليا، (وقوله: لا يساوي) أي كل من السبيكة والحلي ربعا مضروبا، والمراد قيمتهما لا تساوي ربع دينار خالصا مضروبا (قوله: من حرز) متعلق بسرق: أي سرق ذلك من حرز مثله، فلا قطع فيما إذا أخذه من غير حرزه لان المالك مكنه منه بتضييعه، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: لا قطع في شئ من الماشية إلا فيما أواه المراح أي أو ما يقوم مقامه من حافظ يراها (قوله: أي موضع الخ) تفسير للحرز، وفيه إشارة إلى أنه اسم مصدر بمعنى اسم المفعول: أي محرز فيه. (وقوله: يحرز فيه) أي يحفظ فيه مثل ذلك المسروق وقوله عرفا: أي أن المحكم في الحرز العرف لانه لم يضبط في الشرع ولا في اللغة فرجع فيه إلى العرف، وضبطه الغزالي بما لا يعد صاحبه مضيعا له (قوله: ولا قطع الخ) مفهوم قيد ملحوظ في كلامه وهو أن لا يكون للسارق فيما سرقه شبهة، (وقوله: بما للسارق فيه شركة) أي بمسروق فيه شركة وإن قل نصيبه فيه لأن له في كل جزء حقا وذلك شبهة، (وقوله: ولا بملكه) أي ولا قطع بأخذ ملكه من يد غيره ولو بالدعوى بأن ادعى بعد أن سرقه أنه ملكه فلا يقطع به لاحتمال ما ادعاه فيكون شبهة. وسمى هذا الإمام الشافعي رضي الله عنه السارق الظريف (قوله: وإن تعلق به نحو رهن) غاية لقوله ولا بملكه: أي لا يقطع بملكه، وإن كان مرهونا أو مؤجرا (قوله: ولو اشترك اثنان) هذا مفهوم مرجع ضمير سرق وهو البالغ: إذ منطوقة أن الذي تقطع يده هو البالغ الذي سرق ربع دينار ومفهومه أنه إذا كانا بالغان سرقا ربع دينار لا تقطع يدهما، (وقوله: في إخراج نصاب) هو هنا ربع دينار بخلافه في الزكاة (قوله: لم يقطع واحد منهما) أي من المشتركين، وذلك لأن كل واحد لم يسرق نصابا، والمراد لم يقطع ولا واحد ولو قال لم تقطع يدهما لكان أولى لئلا يوهم أن المراد نفي قطع واحد فقط فيصدق بإثباته للاثنين مع أنه لا يصح ذلك (قوله: وخرج بسرق ما لو اختلس الخ) الاختلاس أخذ المال جهرا مع الاعتماد على الهرب والنهب أخذه كذلك مع الاعتماد على القوة الغلبة (قوله: معتمدا الهرب) حال من فاعل اختلس (قوله: أو انتهب) معطوف على اختلس، وقوله معتمدا القوة: حال أيضا من فاعل انتهب (قوله: فلا يقطع بهما) أي بالاختلاس والنهب ومثلهما ما لو خان بجحد نحو وديعة. وقوله للخبر الصحيح به: أي الوارد به أي بعدم القطع في الاختلاس والنهب ولفظه: ليس على المختلس والمنتهب والخائن قطع صححه الترمذي، وقوله ولامكان دفعهم: الاولى دفعهما، أي المختلس والمنتهب، ولو زاد بعد قوله أو انتهب أو خان لوافق ما في الخبر وناسب جمع الضمير لكن يبقى عليه أن يجمع الضمير في قوله فلا يقطع بهما. والقصيد بهذا: التعليل بيان الفرق بين السارق وبين غيره ممن ذكره، وحاصله أن السارق يأخذ المال خفية ولا يتأتى منعه بالسلطان أو غيره وكل من المختلس والمنتهب يأخذ المال جهرة معاينة فيتأتى منعه بالسلطان أو غيره، والخائن يعطيه المالك المال بنفسه فربما يشهد عليه فيتأتى أخذ حقه منه بالحاكم إذا خان بعد ذلك، فإن لم يشهد عليه فهو المقصر (قوله: بخلاف السارق) أي فإنه لا يتأتى دفعه بالسلطان لانه أخذ المال

يعلم أنه مغصوب لان مالكه لم يرض بإحرازه به (أو) حال كونه (فيه) أي في مكان مغصوب فلا قطع أيضا بسرقة من حرز مغصوب لان الغاصب ممنوع من الاحراز به بخلاف نحو مستأجر ومعار ويختلف الحرز باختلاف الاموال والاحوال والاوقات فحرز الثوب والنقد الصندوق المقفل والامتعة الدكاكين وثم حارس ونوم بمسجد أو شارع على متاع ولو بتوسده حرز له لا إن وضعه بقربه بلا ملاحظ قوي يمنع السارق بقوة أو استغاثة أو انقلب عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ خفية، فلذلك إذا اطلع عليه تقطع يده (قوله: لا حال كون المال مغصوبا) أفاد به أن مغصوبا حال مما قبله وهو ربع دينار، والمراد بالمال ربع الدينار، ولو عبر به لكان أنسب بما قبله (قوله: فلا يقطع سارقه) أي يد سارق المال المغصوب. (وقوله: من حرز الغاصب) متعلق بسارقه، ويعلم بالاولى عدم قطع يد سارقه من غير حرز الغاصب (قوله: وإن لم يعلم) أي السارق (قوله: لان مالكه إلخ) علة لعدم قطع يد سارق المال المغصوب: أي لا يقطع لان مالك المال لم يرض بإحرازه في حرز الغاصب (قوله: أو حال كونه فيه) أفاد به أيضا أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال مما قبله أيضا وهو ربع دينار (قوله: فلا قطع إلخ) مفرع على قوله أو حال كونه في مكان مغصوب. (وقوله: أيضا) أي كما أنه لا يقطع فيما إذا كان المال المسروق مغصوبا (قوله: لان الغاصب إلخ) علة لعدم قطع يد السارق من حرز مغصوب: أي وإنما لم تقطع يده لان الغاصب للموضع الذي أحرز فيه ماله ممنوع: أي شرعا من أن يحرز فيه ماله (قوله: بخلاف نحو مستأجر ومعار) أي بخلاف حرز مؤجر أو معار وسرق منه فيقطع السارق منه لان المستأجر والمستعير مستحقان لمنافعه (قوله: ويختلف الحرز الخ) الأنسب ذكره بعد قوله عرفا (قوله: باختلاس الاموال) إنما اختلف باختلافها لأنه قد يكون الشئ حرزا في مال دون مال: أي فصحن الدار وصفتها حرز لخسيس آنية، وأما نفيسها فحرزه بيوت الدور وبيوت الخانات وبيوت الاسواق المنيعة وخزانة وصندوق حرز حلي ونقد ونحوهما نوم بنحو صحراء أو كمسد وشارع على متاع أو توسده حرز له ورأسه حرز لعمامته وجيبه حرز لما فيه وأصبعه حرز لخاتمه ورجله حرز لمداسه، وقوله والاحوال: أي ويختلف ذلك باختلاف الأحوال فقد يكون الشئ حرزا في حال دون حال: فالدار المنفصلة عن العمارة حرز في حال ملاحظة قوي يقظان بها ولو مع فتح الباب أو نائم مع إغلاقه والمتصلة بالعمارة حرز بإغلاق الباب مع ملاحظ ولو نائما أو ضعيفا ومع غيبته زمن أمن نهارا لا مع فتحه ونومه ليلا أو نهارا ولا مع غيبته زمن خوف ولو نهارا أو زمن أمن ليلا أو والباب مفتوح فليست حرزا، (وقوله: والاوقات) أي ويختلف ذلك باختلاف الاوقات فقد يكون الشئ حرزا في وقت دون وقت بحسب صلاح أحوال الناس وفسادها وقوة السلطان وضعفه (قوله: فحرز الثوب) أي النفيس، وهو تفريع على اختلافه باختلاف الاموال، (وقوله: والنقد) أي ونحوه كاللؤلؤ (قوله: الصندوق المقفل) أي ونحوه من كل موضع حصين خزانة (قوله: والامتعة) أي وحرز الامتعة الدكاكين وقوله وثم حارس: قيد في كون الدكاكين حرزا للامتعة: أي ويشترط في كونها حرزا أن يكون عندها حارس يحرسها على العادة، وهذا بالنسبة لليل، أما بالنسبة إلى النهار فيكفي إرخاء نحو شبكة وشراع لان الجيران والمارة ينظرونها. قال في الروض وشرحه: وإن ضم العطار أو البقال أو نحوهما الامتعة وربطها بحبل على باب الحانوت أو أرخى عليها شبكة أو خالف لو حين على باب حانوت فحرزه بذلك بالنهار، ولو نام فيه أو غاب عنه لان الجيران والمارة ينظرونها، ثم قال: والحانوت المغلق بلا حارس حرز لمتاع البقال في زمن الامن ولو ليلا لا لمتاع البزاز ليلا. اه. (قوله: ونوم بمسجد) مبتدأ خبره حرز له. (وقوله: أو شارع) أي أو صحراء. (وقوله: على متاع) متعلق بنوم. (وقوله: ولو بتوسدة) أي نومه على المتاع حرز له، سواء كان مفترشا له أو متوسده، أي جاعلا له كالوسادة التي يوضع عليها الرأس عند النوم. ومحل هذا فيما كان التوسد حرزا له، وإلا كان توسد كيسا فيه نقد أو جوهر فلا يكون حرزا له (قوله: لا إن وضعه) أي لا إن كان النائم وضع المتاع بقربه، ومثل النائم الذاهل عنه، والاولى حذف لا وزيادة الواو، وعبارة الروض: وأن وضع متاعه بقربه في صحراء أو مسجد أو شارع وأعرض عنه كأن ولاه ظهره أو ذهل عنه شاغل أو نام فليس بمحرز. اه. (قوله: بلا ملاحظ) أي حارس، فإن كان هناك ملاحظ قوي ولا زحمة أو كثر الملاحظون ولو وجدت فهو حرز له فيقطع من سرقة. (وقوله: يمنع) أي ذلك الملاحظ. (وقوله: بقوة) أي يمنعه بسبب قوة، (وقوله: أو

ولو بقلب السارق فليس حرزا له (ويقطع بمال وقف) أي بسرقة مال موقوف على غيره (و) مال (مسجد) كبابه وساريته وقنديل زينة (لا) بنحو (حصره) وقناديل تسرج وهو مسلم لانها أعدت للانتفاع بها (ولا بمال صدقة) أي زكاة (وهو مستحق لها) بوصف فقر أو غيره ولو لم يكن له فيه حق كغني أخذ مال صدقة وليس غارما لاصلاح ذات البين ولا غازيا قطع لانتفاء الشبهة (و) لا بمال (مصالح) كبيت المال وإن كان غنيا لان له فيه حقا لان ذلك ـــــــــــــــــــــــــــــ استغاثة) أي أو يمنعه بسبب استغاثة: أي طلب من يغيثه على دفع السارق (قوله: أو انقلب) أي النائم عنه: أي عن متاعه. (وقوله: ولو بقلب السارق) أي سواء كان انقلابه عنه بنفسه أو بقلب السارق فلا قطع به لزوال الحرز قبل أخذه. قال في النهاية: وأما قول الجويني وابن القطان لو وجد جملا صاحبه نائم عليه فألقاه عنه وهو نائم قطع فمردود، فقد صرح البغوي بعدمه لانه قد رفع الحرز ولم يهتكه، وقد علم من كلامهم الفرق بين هتك الحرز ورفعه من أصله. اه. (وقوله: هتك الحرز) أي كما في نقب السارق الجدار. (قوله: ورفعه من أصله) أي إزالته من أصله كما هنا فإن نومه على متاعه حرز له، فإذا قلبه عنه فقد زال ذلك الحرز (قوله: فليس حرزا له) جواب إن (قوله: ويقطع) أي السارق (قوله: بمال وقف) التركيب توصيفي، كما يدل عليه تفسيره بعد، ويصح جعله إضافيا على جعل الإضافة من إضافة الموصوف للصفة (قوله: أي بسرقة مال موقوف على غيره) فإن وقف عليه أو كان هو أحد الموقوف عليهم فلا قطع لانه مستحق له، وكذلك لا يقطع لو كان السارق أبا الموقوف عليه أو ابنه للشبهة، ثم إنه لا فرق في القطع بسرقة المال الموقوف على غيره بين أن يكون الملك فيه لله أو للموقوف عليه أو للواقف (قوله: ومال مسجد) أي ويقطع بسرقة مال مسجد. قال البجيرمي: ويلحق به ستر الكعبة فيقطع سارقه على المذهب إن خيط عليها لانه حينئذ محرز، وينبغي أن يكون ستر المنبر كذلك إن خيط عليه، ولا قطع بسرقة مصحف موقوف للقراءة فيه في المسجد ولو غير قارئ لشبهة الانتفاع به بالاستماع للقارئ منه كقناديل الاسراج. اه. (قوله: كبابه) تمثيل لمال المسجد، ومثل الباب ما أعد لتحصينه وعمارته وأبهته كالسقوف والشبابيك (قوله: وقنديل زينة) أي القنديل المعد للزينة، وسيأتي مفهومه (قوله: لا بنحو حصره) أي لا يقطع بسرقة نحو حصره من كل ما يفرش فيه (قوله: وقناديل تسرج) أي ولا يقطع بسرقة قناديل تسرج فيه (قوله: وهو مسلم) قيد في عدم القطع: أي محل عدم قطعه بسرقة ما ذكر من الحصر والقناديل إذا كان السارق له مسلما أما إذا كان ذميا فيقطع به. قال زي: وكذا مسلم لا يستحق الانتفاع بها بأن اختصت بطائفة ليس هو منهم كما هو قضية التعليل. اه. (قوله: لأنها) أي الحصر والقناديل ونحوهما، وهو علة لعدم القطع بسرقة ما ذكر: أي وإنما لم تقطع يده بسرقتها لانها إنما أعدت للانتفاع بها، وذلك السارق أحد المستحقين للانتفاع فله شبهة الانتفاع. قال في التحفة: فكان كبيت المال. اه. (قوله: ولا بمال صدقة) معطوف على لا بنحو حصره: أي ولا يقطع بسرقة مال صدقة، (وقوله: أي زكاة) تفسير للصدقة هنا (قوله: وهو مستحق لها) قيد في عدم قطع السارق من مال الصدقة، أي محل عدم قطعه إذا كان السارق مستحقا لها، (وقوله: بوصف فقر) الباء سببية متعلقة بمستحق، أي مستحق للصدقة بسبب وجود وصف فقر فيه، (وقوله: غيره) أي غير وصف الفقر ككونه غازيا أو غارما (قوله: ولو لم يكن إلخ) الأولى التفريع بالفاء لأن المقام يقتضيه ولو شرطية جوابها قوله قطع، (وقوله: له) أي للسارق. (وقوله: فيه) أي في مال الصدقة، (وقوله: كغنى الخ) تمثيل للسارق الذي ليس له حق في مال الصدقة (قوله: وليس غارما) هو على ثلاثة أقسام، كما تقدم في باب الزكاة، والمراد به هنا من استدان دينا لتسكين فتنة بين طائفتين فيعطى ما يقضي به دينه ولو كان غنيا ترغيبا للناس في هذه المكرمة، (وقوله: لإصلاح ذات البين) أي لاصلاح الحال الواقع بين القوم، والمراد لتسكين الفتنة الواقعة بين القوم (قوله: قطع) أي الغني: أي يده (قوله: لانتفاء الشبهة) علة للقطع: أي وإنما قطع لان شبهة الانتفاع منتفية عنه (قوله: ولا بمال مصالح) معطوف أيضا على بنحو حصر، أي ولا يقطع بسرقة مال يصرف في مصالح المسلمين كعمارة المساجد وسد الثغور ونحو ذلك (قوله: كبيت المال) أي الذي لم يفرز لغيره، أما ما أفرز لغيره ممن له سهم مقدر، كذوي القربى، فيقطع به، وعبارة المنهاج مع شرح م ر: ومن سرق بيت المال وهو مسلم إن أفرز لطائفة ليس هو منهم قطع لانتفاء الشبهة، وإلا بأن لم يفرز فالاصح أنه إن

قد يصرف في عمارة المساجد والرباطات فينتفع به الغني والفقير من المسلمين (و) لا بمال (بعض) من أصل أو فرع (وسيد) لشبهة استحقاق النفقة في الجملة (والاظهر قطع أحد الزوجين بالآخر) أي بسرقة ماله المحرز عنه (فإن عاد) بعد قطع يمناه إلى السرقة ثانيا (ف) - تقطع (رجله اليسرى) من مفصل الساق والقدم (ف) - إن عاد ثالثا فتقطع (يده اليسرى) من كوعها (ف) - إن عاد رابعا فتقطع (رجله اليمنى ثم) إن سرق بعد قطع ما ذكر (عزر) ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ كان له حق في المسروق كمال مصالح ولو غنيا فلا يقطع. اه. (قوله: لأن له) أي للسارق في بيت المال حقا، وهو علة لعدم قطع السارق من بيت المال، (وقوله: لأن ذلك الخ) علة للعلة، أي وإنما كان له فيه حق وإن كان غنيا لان ذلك قد يصرف الخ. (وقوله: فينتفع به) أي بما ذكر من المساجد والرباطات، (وقوله: من المسلمين) أفاد به أنه يشترط لعدم القطع الاسلام، فلو كان ذميا وسرق من مال المصالح قطع به، ولا نظر إلى إنفاق الامام عليه عند الحاجة لانه إنما ينفق عليه للضرورة وبشرط الضمان كما في الانفاق على المضطر، وأما انتفاعه بالقناطر والرباطات فللتبعية من حيث إنه قاطن ببلاد الاسلام، لا لاختصاصه بحق فيه (قوله: ولا بمال بعض) معطوف أيضا على لا بنحو حصر إلخ: أي ولا يقطع بسرقة مال بعض للسارق، (وقوله: من أصل أو فرع) بيان للبعض، وفي هذا البيان نظر. إذ الاصل ليس بعضا من الفرع ولو عبر كغيره بقوله ولا بمال أصل أو فرع لكان أولى، وعبارة الروض وشرحه: ولا يقطع بمال فرعه وإن سفل وأصله وإن علا لما بينهما من الاتحاد ولان مال كل منهما مرصد لحاجة الآخر، ومنها أن لا تقطع يده بسرقة ذلك المال، بخلاف سائر الاقارب. اه. وكما لا يقطع الاصل والفرع بسرقة مال الآخر لا يقطع رقيق كل منهما بسرقة مال الآخر لأن القاعدة أن من لا يقطع بمال لا يقطع به رقيقه (قوله: وسيد) معطوف على بعض: أي ولا يقطع رقيق بسرقة مال سيده لان يده كيده ولشبهة استحقاقه النفقة في مال سيده ولو مبعضا أو مكاتبا لانه قد يعجز نفسه فيصير قنا كما كان، ولذلك لا يقطع السيد بسرقة مال مكاتبه (قوله: لشبهة استحقاق النفقة) تعليل لعدم القطع في المسألتين سرقة مال البعض ومال السيد: أي وإنما لم تقطع يد السارق من مال البعض أو السيد لوجود الشبهة وهي استحقاق النفقة، (وقوله: في الجملة) أي من بعض الوجوه، وهو ما إذا كان البعض المنفق عليه فقيرا وما إذا كان الرقيق غير مكاتب لان المكاتب نفقته على نفسه لا على سيده (قوله: والاظهر قطع أحد الزوجين بالآخر) أي لعموم الادلة وشبهة استحقاقها النفقة والكسوة في ماله لا أثر لها لانها مقدرة محدودة، وبه فارقت المبعض والقن وأيضا، فالفرض أنه ليس لها عنده شئ منها، فإن فرض أن لها شيئا من ذلك حال السرقة وأخذته بقصد الاستيفاء لم تقطع ومقابل الاظهر قولان: الاول لا قطع على واحد من الزوجين للشبهة لانها تستحق النفقة وهو يستحق الحجر عليها، الثاني يقطع الزوج دونها لان لها حقوقا في ماله، بخلافه، ومال إلى هذا الاذرعي. أفاده المغني (قوله: أي بسرقة إلخ) أفاد به أن في الكلام مضافين مقدرين بعد الباء الجارة لاجل تصحيح العبارة، (وقوله: ماله) أي الآخر. (وقوله: المحرز عنه) أي المحفوظ عن السارق بسبب جعله في حرزه (قوله: فإن عاد إلخ) مرتبط بقوله ويقطع، أي الامام كوع يمين بالغ (قوله: بعد قطع يمناه) أي من مفصل الكوع، وخرج به ما لو سرق قبل قطع يمناه فإنه يكتفي بقطعها، كما علم مما مر، (وقوله: إلى السرقة ثانيا) متعلق بعاد (قوله: فتقطع رجله اليسرى) أي بعد اندمال يده اليمنى لئلا يفضي التوالي إلى الهلاك، وهكذا يقال فيما بعده. (وقوله: من مفصل الساق والقدم) أي من المفصل الذي بين الساق والقدم (قوله: فإن عاد ثالثا) أي إلى السرقة بعد قطع رجله اليسرى (قوله: فتقطع يده اليسرى من كوعها) أي من مفصل كوعها وهو، كما تقدم أول الكتاب الذي يلي إبهام اليد (قوله: فإن عاد رابعا) أي إلى السرقة بعد قطع يده اليسرى، وقوله فتقطع رجله اليمنى. واعلم: أنه إنما كان القطع من خلاف لئلا يفوت عليه جنس المنفعة من جهة واحدة فتضعف حركته كما في قطع الطريق، وقد روى الإمام الشافعي رضي الله عنه بإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في السارق إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله وحكمة قطع اليد والرجل أنهما آلة السرقة، بالاخذ والنقل، ومحل ما ذكر من الترتيب إذا كان له أربع، إذ هو الذي يتأتى فيه الترتيب،

يقتل، وما روي من أنه (ص) قتله منسوخ أو مؤول بقتله لاستحلال بل ضعفه الدارقطني وغيره، وقال ابن عبد البر أنه منكر لا أصل له. ومن سرق مرارا بلا قطع لم يلزمه إلا حد واحد - على المعتمد - فتكفي يمينه عن الكل لاتحاد السبب فتداخلت (وتثبت) السرقة (برجلين) كسائر العقوبات غير الزنا وإقرار من سارق بعد دعوى عليه مع تفصيل في الشهادة والاقرار بأن تبين السرقة والمسروق منه وقدر المسروق والحرز بتعيينه (و) تثبت السرقة أيضا خلافا لما اعتمده جمع (بيمين رد) من المدعى عليه على المدعي لانها كإقرار المدعى عليه (وقبل رجوع مقر) بالنسبة لقطع بخلاف المال فلا يقبل رجوعه فيه لانه حق آدمي (ومن أقر بقعوبة لله تعالى) أي بموجبها كزنا ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا لم يكن إلا بعض الاربع فيقطع في الاولى ما يقطع في الثانية، بل يقطع في الاولى ما يقطع في الرابعة، بأن لم يكن له إلا رجل واحدة يمنى لأنه لما لم يوجد ما قبلها تعلق الحق بها (قوله: ثم إن سرق بعد قطع ما ذكر) أي من أعضائه الاربعة وذلك كأن سرق بفمه أو رأسه (قوله: عزر ولا يقتل) أي على المشهور لأنه لم يبق في نكاله بعدما ذكر إلا التعزير (قوله: وما روى) مبتدأ خبره منسوخ، (قوله: قتله) أي السارق بعد المرة الرابعة (قوله: أو مؤول) أي وإذا كان غير منسوخ بالفرض، فهو مؤول بأنه عليه السلام إنما قتله بعد المرة الرابعة لكون السارق استحل السرقة (قوله: بل ضعفه الخ) ما تقدم من الجواب بالنسخ أو التأويل مبني على تسليم أن المروي عنه - صلى الله عليه وسلم - صحيح ثم انتقل عنه إلى الجواب بأن المروي: لا يحتج به لانه ضعيف أو منكر (قوله: ومن سرق مرارا الخ) هذا مفهوم تقييد القطع ثانيا وثالثا ورابعا بما إذا كان العود حصل بعد القطع (قوله: لم يلزمه) أي السارق المتكررة منه السرقة وقوله إلا حد واحد: أي كما لو زنى أو شرب مرارا فإنه يكتفي فيه بحد واحد (قوله: فتكفي يمينه عن الكل) أي فيكفي قطع يمينه عن كل المرات، (وقوله: لاتحاد السبب) أي وهو السرقة، (وقوله: فتداخلت) أي الحدود: أي اندرج بعضها في بعض لوجود الحكمة وهي الزجر ولاتحاد أسبابها، وإنما تعددت الكفارة فيما لو لبس أو تطيب في الاحرام في مجالس مع اتحاد السبب لأن فيه حقا لآدمي لصرفها إليه فلم تتداخل، بخلاف الحد، (قوله: وتثبت السرقة برجلين) هذا بالنسبة للقطع مع المال، أما بالنسبة للمال فقط فتثبت برجل وامرأتين وبرجل ويمين لكن بعد دعوى المالك أو وكيله المال فلو شهدوا حسبة لم يثبت بشهادتهم أيضا لان شهادتهم منصبة إلى المال، وشهادة الحسبة بالنسبة إليه غير مقبولة (قوله: كسائر العقوبات) أي فإنها تثبت برجلين. (وقوله: غير الزنا) أي أما هو فلا يثبت إلا بأربعة، كما تقدم، (قوله: وإقرار من سارق) معطوف على رجلين: أي وتثبت أيضا بإقرار السارق بالمال الذي سرقه، وقوله بعد دعوى عليه: قيد في الاقرار، فلو أقر به قبل دعوى من المالك عليه ثبت به المال فقط ولا يثبت به القطع إلا إن طلب المالك ماله (قوله: مع تفصيل) متعلق بتثبت بالنسبة للرجلين وللاقرار (قوله: بأن تبين الخ) تصوير للتفصيل: أي والتفصيل مصور ببيان السرقة: أي أخذ المال خفية، وذلك لانه ربما أخذه بالاختلاس أو النهب فلا قطع وببيان المسروق منه هل هو زيد أو عمرو، وذلك لانه ربما أن يكون أصلا أو فرعا فلا قطع بالسرقة منه وببيان قدر المسروق كربع دينار لأنه قد لا يكون نصابا فلا قطع وببيان الحرز كصندوق أو خزانة، وذلك لأنه قد يكون حرزا للمسروق فلا قطع (قوله: وتثبت السرقة) أي بالنسبة للقطع مع المال، (وقوله: خلافا لما اعتمده جمع) أي من أنه لا يقطع بها، وعللوه بأن القطع حق لله تعالى وهو لا يثب ت باليمين المردودة، وصنيع عبارته يفيد أن معتمد الجمع المذكور ضعيف عنده، وهو خلاف ما عليه شيخه من اعتماده وعبارته: والمنقول المعتمد لا قطع كما لا يثبت بها حد الزنا. اه. ومثلها النهاية والمغني (قوله: بيمين الخ) متعلق بتثبت. وقوله رد: يحتمل قراءته بصيغة المصدر ويكون مجرورا بالاضافة وهي من إضافة الموصوف إلى الصفة: أي يمين مردودة ويحتمل قراءته بصيغة الماضي والجملة صفة، وتذكير الضمير فيه باعتبار الحلف. وقوله من المدعى عليه: متعلق برد وهو السارق، وقوله على المدعي: متعلق أيضا برد، وهو المسروق منه (قوله: لأنها) أي اليمين المردودة، وهو علة لثبوت السرقة باليمين المردودة (قوله: وقبل رجوع مقر بالنسبة لقطع) قال سم: ولو أقر بالسرقة ثم رجع ثم كذب رجوعه قال الدارمي لا يقطع، ولو أقر بها ثم أقيمت عليه

وسرقة وشرب خمر ولو بعد دعوى (فلقاض) أي يجوز له، كما في الروضة وأصلها، لكن نقل في شرح مسلم الاجماع على ندبه، وحكاه في البحر عن الاصحاب وقضية تخصيصهم القاضي بالجواز حرمته على غيره. قال شيخنا: وهو محتمل، ويحتمل أن غير القاضي أولى منه لامتناع التلقين عليه (تعريض) له (برجوع) عن الاقرار أو بالانكار فيقول لعلك فأخذت أو أخذت من غير حرز أو ما علمته خمرا لانه (ص) عرض لماعز وقال لمن أقر عنده بالسرقة ما إخالك سرقت وخرج بالتعريض التصريح كارجع عنه أو اجحده فيأثم به لانه أمر بالكذب ويحرم ـــــــــــــــــــــــــــــ البينة ثم رجع، قال القاضي سقط عنه القطع على الصحيح لان الثبوت كان بالإقرار. اه (قوله: بخلاف المال) أي بخلاف الرجوع بالنسبة للمال (قوله: فلا يقبل رجوعه) أي عن إقراره. وقوله فيه: أي في المال، وقوله: لأنه: أي المال حق آدمي: أي وهو مبني على المشاحة، بخلاف القطع فإنه حق الله وهو مبني على المسامحة (قوله: ومن أقر بعقوبة لله تعالى) خرج حق الآدمي فلا يحل التعريض بالرجوع عنه وان لم يفد الرجوع فيه شيئا، ووجهه بأن فيه حملا على محرم فهو كمتعاطي العقد الفاسد، وقوله أي بموجبها، بكسر الجيم، أي سببها (قوله: كزنا الخ) تمثيل لموجب العقوبة (قوله: ولو بعد دعوى) غاية في الإقرار: أي ولو كان إقراره بعد دعوى عليه (قوله: فلقاض) الفاء واقعة في جواب من الشرطية والجار والمجرور خبر مقدم، وقوله: بعد تعريض الخ: مبتدأ مؤخر (قوله: أي يجوز له) تفسير مراد لقوله فلقاض، والمراد يجوز له ذلك جوازا مستوي الطرفين، فهو جائز وليس بمندوب، وبما ذكر صح الاستدراك بعد، وأفاد به أنه ليس المراد بالجواز ما ذكر، بل المراد به الندب، وإنما جاز ذلك له سترا للقبيح ولخبر الترمذي وغيره من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة (قوله: الاجماع على ندبه) أي التعريض. قال في النهاية: والمعتمد الأول، أي عدم الندب، اه (قوله: وحكاه) أي الاجماع على ندبه (قوله: وقضية تخصيصهم القاضي الخ) يفهم التخصيص من تقديم الجار والمجرور (قوله: حرمته) أي التعريض، (وقوله: على غيره) أي غير القاضي (قوله: وهو) أي ما اقتضاه التخصيص من التحريم (قوله: ويحتمل أن غير القاضي الخ) هو من مقول قول شيخه. وقوله أولى: أي بالجواز من القاضي. قال في النهاية: وهو الأوجه. اه (قوله: لامتناع التلقين عليه) علة للاولوية: أي وإنما كان غير القاضي أولى بالجواز منه لان القاضي يمتنع عليه أن يلقن الخصم الحجة ولا يمتنع ذلك على غيره، فإذا جاز التعريض من القاضي الذي يمتنع عليه ذلك فلان يجوز من غيره بالأولى (قوله: تعريض له) أي للمقر: قال في التحفة: إن كان جاهلا بوجوب الحد وقد عذر على ما في العزيز ولكن توقف الاذرعي، ويؤيد توقفه أن له التعريض لمن علم أن له الرجوع، فكذا لمن علم أن عليه الحد. اه. وقوله برجوع عن الاقرار: متعلق بتعريض: أي تعريض بالرجوع عنه (قوله: أو بالانكار) معطوف على قوله برجوع: أي أو تعريض بالانكار أي لموجب العقوبة لا للمال. وعبارة التحفة: وأفهم قوله بالرجوع أنه لا يعرض له بالانكار لانه فيه حملا على الكذب، كذا قيل، وفيه نظر لما مر في الزنا أن إنكاره بعد الاقرار الرجوع عنه. ثم رأيتهم صرحوا بأن له التعريض بالانكار وبالرجوع، ويجاب عما علل به بأن تشوف الشارع إلى درء الحدود الغي النظر إلى تضمن الانكار للكذب على أنه ليس صريحا فيه فخف أمره اه. وانظر كيف يصور التعريض بالانكار بموجب الحد؟ ولعل صورة ذلك أن يقول له لعلك ما سرقت، لعلك ما زنيت ويبدأ ذلك بحرف النفي، وعليه فيكون التعريض بالرجوع أعم منه لانه لا يختص بحرف النفي (قوله: فيقول الخ) بيان لصور التعريض بالرجوع. وقوله لعلك فاخذت هذا بالنسبة للتعريض بالرجوع عن الاقرار بالزنا. (وقوله: أو أخذت من غير حرز) أي أو لعلك أخذت من غير حرز، وهذا بالنسبة للتعريض بالرجوع عن السرقة، (وقوله: أو ما علمته خمرا) أي أو لعلك شربته وأنت لم تعلم بأنه خمر وهذا بالنسبة للتعريض بالرجوع عن الاقرار بشرب الخمر (قوله: لأنه الخ) علة لجواز التعريض (قوله: عرض لماعز) أي المقر بالزنا بقوله لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت (قوله: وقال) أي عليه الصلاة والسلام. وقوله ما أخالك، بكسر الهمزة، على الافصح، ويفتحها على القياس: أي ما أظنك (قوله: وخرج بالتعريض التصريح) أي بالرجوع أو بالانكار (قوله:

التعريض عند قيام البينة. ويجوز للقاضي أيضا التعريض للشهود بالتوقف في حد الله تعالى إن رأى المصلحة في الستر، وإلا فلا، وبه يعلم أنه لا يجوز له التعرض ولا لهم التوقف إن ترتب على ذلك ضياع المسروق أو حد الغير كحد القذف. خاتمة: في قاطع الطريق لو علم الامام قوما يخيفون الطريق ولم يأخذوا مالا ولا قتلوا نفسا عزرهم وجوبا ـــــــــــــــــــــــــــــ كارجع) تمثيل للتصريح بالرجوع. وقوله أو أجحده: تمثيل للتصريح بالانكار (قوله: فيأثم) أي القاضي وقوله به: أي بالتصريح (قوله: لأنه الخ) علة للاثم به (قوله: ويحرم التعريض عند قيام البينة) أي لما فيه من تكذيب الشهود (قوله: ويجوز للقاضي أيضا) أي كما يجوز له التعريض لمن أقر الخ (قوله: بالتوقف في حد الله تعالى) أي بالتوقف في أداء الشهادة فيما يوجب حد الله تعالى كشرب الخمر والزنا وغير ذلك وعبارة المغني وهل للحاكم أن يعرض للشهود بالتوقف في حدود الله تعالى؟ وجهان، أصحهما في زيادة الروضة نعم إن رأى المصلحة في الستر وإلا فلا. قال الاذرعي: ولم يصرحوا بأن التصريح لا يجوز أو مكروه، والظاهر أن مرادهم الأول. اه (قوله: إن رأي) أي القاضي. (وقوله: المصلحة في الستر) أي على من اتصف بشئ من هذه القاذورات (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم ير المصلحة في الستر فلا يجوز التعريض لهم بالتوقف (قوله: وبه يعلم) أي بعموم قوله، وإلا فلا الصادق بما يترتب على ذلك من المفسدة كضياع المسروق ونحوه. وقوله أنه: أي القاضي أو الحال أو الشأن، (وقوله: لا يجوز له) أي للقاضي، (وقوله: التعريض) أي للشهود في التوقف عند أداء الشهادة، (وقوله: ولا لهم التوقف) أي ولا يجوز للشهود التوقف عن ذلك وإن عرض القاضي لهم به، (وقوله: وإن ترتب على ذلك) أي على التوقف عن أداء الشهادة فيما يوجب حد الله كالسرقة، (وقوله: ضياع المسروق) أي المال المسروق، وقوله أو حد الغير: بالرفع عطف على ضياع: أي أو ترتب على ذلك وجوب حد على الغير كأن شهد ثلاثة بالزنا فيجب على الرابع أن لا يتوقف في الشهادة ولا يجوز للقاضي التعريض له به لئلا يتوجه على الثلاثة حد القذف. تنبيه: لم يتعرض المؤلف للشفاعة في الحد، ثم رأيت المغني نص على ذلك فقال: وأما الشفاعة في الحد فقال المصنف في شرح مسلم أجمع العلماء على تحريمها بعد بلوغ الامام وأنه يحرم تشفيعه فيه، وأما قبل بلوغ الامام فأجازها أكثر العلماء إن لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس، فإن كان لم يشفع. اه (قوله: خاتمة في قاطع الطريق) أي في حكم مانع المرور في الطريق، فالقاطع بمعنى المانع: مأخوذ من القطع بمعنى المنع. وقطع الطريق هو البروز لاخذ مال أو لقتل أو إرعاب مكابرة اعتماد على القوة ويثبت برجلين، لا برجل وامرأتين كالسرقة، ولذلك ذكر عقبها والأصل فيه قوله تعالى: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) * أي أن يقتلوا إن قتلوا ولم يأخذوا المال، أو يصلبوا مع القتل إن قتلوا وأخذوا المال أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال فقط، أو ينفوا من الارض إن أخافوا السبيل ولم يقتلوا، ولم يأخذوا المال، كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما بذلك، فحمل كلمة أو: على التنويع، لا على التخيير (قوله: لو علم الامام قوما) أي ملتزمين للاحكام مختارين مكلفين ولو حكما. وخرج بالقيود المذكورة أضدادها فليس المتصف بها أو بشئ منها من حربي ولو معاهدا أو صبي أو مجنون أو مكره قاطع طريق، وقوله يخيفون الطريق: أي المار فيها بسبب وقوفهم فيها، ولا بد أن يكون لهم شوكة: أي قوة بحيث يقاومون من يبرز إليهم، وخرج بذلك المختلسون لانتفاء الشوكة فيهم فليسوا بقطاع، بل حكمهم قودا أو ضمانا كحكم غيرهم (قوله: ولم يأخذوا مالا) أي نصاب سرقة فيصدق بما لو أخذوا دون ذلك ويلزمهم في هذه الصورة مع التعزير رده (قوله: ولا قتلوا نفسا) أي ولم يقتلوا أحدا ممن يمر عليهم

_ (1) سورة المائدة، الاية: 33.

بحبس وغيره وإن أخذ القاطع المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، فإن عاد فرجله اليمنى ويده اليسرى، وإن قتل قتل حتما - وإن عفا مستحق القود - وإن قتل وأخذ نصابا قتل ثم صلب بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه ثلاثة أيام حتما ثم ينزل، وقيل يبقى وجوبا حتى يتهرى ويسيل صديده، وفي قول يصلب حيا قليلا ثم ينزل فيقتل. ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: عزرهم) أي الإمام، وهو جواب لو، (وقوله: وجوبا) أي تعزيرا واجبا عليه (قوله: بحبس) متعلق بعزر، (وقوله: وغيره) أي غير الحبس بما يراه الامام من ضرب وغيره لارتكابهم معصية لا حد فيها ولا كفارة وللامام ترك ذلك إذا رآه مصلحة، وإنما وجب التعزير لاجل ردعهم عن هذه الورطة العظيمة (قوله: وإن أخذ القاطع المال) أي نصاب السرقة، ولا بد أن يكون من حرز مثله ولا شبهة له فيه وإلا فلا قطع كما مر في السرقة، (وقوله ولم يقتل) خرج به ما إذا قتل وسيذكر حكمه (قوله: قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى) أي وجوبا فلو قطع الامام مع اليد اليمنى الرجل اليمنى ضمن الرجل بالقود إن كان عامدا، وإلا فبالدية، ولا تجزئ عن قطع اليسرى لمخالفة قوله تعالي: * (من خلاف) * (قوله: فإن عاد) أي لقطع الطريق وأخذ المال ولم يقتل أيضا، (وقوله: فرجله اليمنى) أي فتقطع رجله اليمنى ويده اليسرى (قوله: وإن قتل) أي عمدا عدوانا ولم يأخذ نصابا قتله الامام حتما، فلو قتل خطأ أو شبه عمد أو لا عدوانا بأن قتل مرتدا أو زانيا محصنا أو تاركا للصلاة بعد أمر الإمام أو من يستحق عليه القصاص فلا يقتل (قوله: وإن عفا إلخ) غاية في قتله (قوله: وإن قتل) أي عمدا عدوانا كما مر (قوله: وأخذ نصابا) أي نصاب السرقة وهو ربع دينار كما مر. (وقوله: قتل أي قتله الإمام أو نائبه) أي يأمر بذلك. (وقوله: ثم صلب) أي على خشبة أو نحوها. (وقوله: بعد غسله إلخ) أي أن كان مسلما. (وقوله: ثلاثة أيام) أي صلب ثلاثة أيام، ومحله إن لم يتفجر قبلها، فإن تفجر أنزل. وإنما صلب بعد القتل زيادة في التنكيل وزجرا لغيره ولذلك لا يقام عليه الحد إلا في مكان يشاهده فيه من ينزجر به، وإنما كان ثلاثة أيام ليشتهر الحال ويتم النكال ولان لها في الشرع اعتبارا في مواضع كثيرة ولا غاية لما زاد عليها، فلذلك لم يعتبر في الشرع غالبا (قوله: ثم ينزل) أي ثم بعد صلبه ثلاثة أيام على نحو خشبة مثلا ينزل ويدفن (قوله: وقيل يبقى وجوبا حتى يتهرى) أي ولو زاد على ثلاثة أيام (قوله: وفي قول يصلب حيا) أي لانه عقوبة فيفعل به حيا. وقوله قليلا: قال في التحفة: الذي يظهر أن المراد به أدنى زمن ينزجر به عرفا غيره. اه. واعلم: أن محل قتله وصلبه هو محل محاربته إلا أن لا يمر به من ينزجر به فأقرب محل إليه. خاتمة: نسأل الله حسن الختام تسقط عقوبات تخص القاطع من تحتم قتل وصلب وقطع رجل، وكذا يد بتوبته عن قطع الطريق قبل القدرة عليه لقوله تعالى: * (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا إن الله غفور رحيم) * بخلاف ما لا تخصه، كالقود وضمان المال، فلا يسقط عنه بها أما توبته بعد القدرة عليه فلا يسقط بها شئ من ذلك وإن صلح عمله لمفهوم الآية، والفرق أن التوبة قبل القدرة لا تهمة فيها وبعدها فيها تهمة دفع الحد، ولا تسقط سائر الحدود المختصة بالله تعالى كحد زنا وسرقة وشرب خمر بالتوبة لانه - صلى الله عليه وسلم - حد من ظهرت توبته، وقيل تسقط بها قياسا على حد قاطع الطريق. نعم: تارك الصلاة يسقط حده بها مطلقا، وهذا الخلاف بحسب الظاهر، أما فيما بينه وبين الله فحيث صحت توبته سقط بها سائر الحدود قطعا، ومن حد لم يعاقب في الآخر على ذلك لحديث: أيما عبد أصاب شيئا مما نهى الله عنه، ثم أقيم عليه حده كفر الله عنه ذلك الذنب نعم: يعاقب على الاصرار عليه إن لم يتب. والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ (1) سورة المائدة، الاية: 34.

فصل في التعزير (ويعزر) أي الامام أو نائبه (لمعصية لا حد لها ولا كفارة) سواء كانت حقا لله تعالى أم لآدمي كمباشرة أجنبية في غير فرج وست ليس بقذف وضرب لغير حق (غالبا) وقد يشرع التعزير بلا معصية كمن يكتسب باللهو الذي لا معصية فيه، وقد ينتفي مع انتفاء الحد والكفارة: كصغيرة صدرت ممن لا يعرف بالشر لحديث صححه ابن حبان: أقيلوا ذوي الهيئات عثرايهم إلا الحدود وفي رواية: زلاتهم وفسرهم الشافعي رضي الله عنه بمن ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في التعزير أي في بيان موجبه وما يحصل به، والتعزير لغة التأديب وشرعا تأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة، كما يؤخذ من كلامه، والأصل فيه قبل الاجماع آية * (واللاتي تخافون نشوزهن) * الآية، فأباح الضرب عند المخالفة، فكان فيه تنبيه على التعزير، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في سرقة التمر إذا كان دون نصاب غرم مثله وجلدات نكال رواه أبو داود والنسائي بمعناه، وروى البيهقي أن عليا رضي الله عنه سئل عمن قال للرجل يا فاسق يا خبيث؟ فقال يعزر، وهو يفارق الحد من ثلاثة أوجه: أحدها اختلافه باختلاف الناس، والثاني جواز الشفاعة والعفو عنه بل يستحبان، والثالث التالف به مضمون، خلافا لأبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما، (قوله: ويعزر أي الإمام أو نائبه) أي أو السيد أو الأب أو الزوج، كما سيذكره، (قوله: لمعصية) متعلق بيعزر، واللام تعليلية: أي يعزر لاجل صدور معصية، (وقوله لا حد لها) أي المعصية، وهو قيد خرج به المعصية التي فيها الحد كالزنا فلا تعزير فيه، (وقوله: ولا كفارة) خرج المعصية التي توجب الكفارة كالتمتع بالطيب في الاحرام فلا تعزير أيضا فيه (قوله: سواء كانت) أي المعصية وهو تعميم فيها، (وقوله: حقا لله تعالى) أي كشهادة الزور وموافقة الكفار في أعيادهم ونحوها ومسك الحيات ودخول النار وغير ذلك. (وقوله: أم لآدمي) أي أم حقا لآدمي، وقوله كمباشرة إلخ تمثيل له (قوله: غالبا) راجع لقوله ويعزر ولقوله لمعصية ولقوله لا حد لها ولا كفارة بدليل كلام الشارح الآتي، فبين محترز التقييد بالغلبة في الثاني بقوله: وقد يشرع التعزير بلا معصية إلخ، وفي الأول بقوله: وقد ينتفي مع انتفاء الحد الخ، وفي الثالث بقوله وقد يجامع التعزير الكفارة الخ (قوله: كمن يكتسب باللهو) أي كالطبل والنفير. فللامام أن يعزره وإن لم يكن مثله معصية، ومثله الصبي والمجنون إذا فعلا ما يعزر عليه البالغ العاقل فيعزران وإن لم يكن فعلهما معصية. (وقوله: الذي لا معصية فيه) يعلم بالاولى التعزير على اكتساب اللهو الذي فيه معصية ولا حد فيها ولا كفارة كاللعب بالاوتار. قال البجيرمي: ومن ذلك ما جرت به العادة في مصر من اتخاذ من يذكر حكاية مضحكة وأكثرها أكاذيب فيعزر على ذلك الفعل ولا يستحق ما يأخذ عليه، ويجب رده إلى دافعه وإن وقعت صورة الاستئجار، لانه على ذلك الوجه فاسد. اه. (قوله: وقد ينتفي) أي التعزير في ارتكار معصية. (قوله: كصغيرة الخ) أي وكما في قطع شخص أطراف نفسه (قوله: لحديث الخ) دليل لانتفاء التعزير مع انتفاء الحد والكفارة (قوله: أقيلوا ذوي الخ) أي تجاوزوا عنها ولا تؤاخذوهم عليها. (وقوله: عثراتهم) جمع عثرة، وهي الصغيرة التي لا معصية فيها - كما هو أحد وجهين - وقيل أول زلة ولو كبيرة صدرت من مطيع (قوله: إلا الحدود) أي فلا تقيلوهم فيها (قوله: وفي رواية

_ (1) سورة النساء، الاية: 34.

ذكر، وقيل: هم أصحاب الصغائر، وقيل: من يندم على الذنب ويتوب منه. وكقتل من رآه يزني بأهله على ما حكاه ابن الرفعة لاجل الحمية والغضب، ويحل قتله باطنا. وقد يجامع التعزير الكفارة كمجامع حليلته في نهار رمضان ويحصل التعزير (بضرب) غير مبرح أو صفع وهو الضرب بجمع الكف (أو حبس) حتى عن الجمعة أو ـــــــــــــــــــــــــــــ زلاتهم) أي بدل عثراتهم (قوله: وفسرهم) أي ذوي الهيئات (قوله: بمن ذكر) أي بمن لا يعرف بالشر. وعبارة المغني: اقتضى كلام المصنف ثلاثة أمور: الاول تعزير ذي المعصية التي لا حد فيها ولا كفارة، ويستثنى منه مسائل: الاولى إذا صدر من ولي لله تعالى صغيرة فإنه لا يعزر - كما قاله ابن عبد السلام - قال: وقد جهل أكثر الناس فزعموا أن الولاية تسقط بالصغيرة، ويشهد لذلك حديث أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود رواه أبو داود، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: والمراد بذوي الهيئات الذين لا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة. ولم يعلقه بالاولياء لأن ذلك لا يطلع عليه. فإن قيل: قد عزر عمر رضي الله عنه غير واحد من مشاهير الصحابة رضي الله عنهم وهم رؤوس الاولياء وسادات الامة ولم ينكره أحد؟. أجيب: بأن ذلك تكرر منه، والكلام هنا في أول زلة زلها مطيع إلخ. اه. (قوله: وقيل هم) أي ذوو الهيئات. (وقوله: أصحاب الصغائر) أي مع عدم الاصرار عليها - كما هو ظاهر - (قوله: وقيل من يندم الخ) أي وقيل هم من يندم على الذنب ويتوب منه، وظاهره أنه لا فرق في الذنب بين أن يكون كبيرة أو صغيرة، وإلا لساوى هذا القيل ما قبله. (قوله: وكقتل من رآه يزني بأهله) معطوف على قوله كصغيرة: أي فمن رأى شخصا يزني بأهله: أي وهو محصن فقتله انتفى عنه الحد والكفارة والتعزير لعذره. ومقتضى السياق أن قتله المذكور معصية، لأن الكلام في إرتكاب معصية إنتفى فيها التعزير مع انتفاء الحد والكفارة، وهو كذلك. ولا ينافيه قوله بعد: ويحل قتله باطنا لان ذلك مفروض فيمن ثبت زناه بأربعة. (وقوله: المذكور بعد) مفروض فيمن لم يثبت زناه - كما ستقف عليه - ويفرق بين من ثبت زناه فلا يجوز قتله بإمكان رفعه للحاكم، وبين من لم يثبت زناه، فلا يجوز قتله بعذره حيث رآه، يزني بأهله، وعجز عن إثباته. (وقوله: لاجل الحمية) أي ويعذر في ذلك لأجل الحمية: أي إرادة المنع عما يطلب منه حمايته. وفي المختار: الحمية العار والانفة. اه. (قوله: ويحل قتله باطنا) الضمير يعود على من رآه يزني بأهله، والعبارة فيها سقط يعلم من عبارة التحفة، ونصها بعد قوله: وكقتل من رأى إلخ: هذا إن ثبت ذلك، وإلا حل له قتله باطنا، وأقيد به ظاهرا. اه. (وقوله: هذا إن ثبت إلخ) أي ما ذكر من إنتفاء الحد والكفارة والتعزير إن ثبت زناه بأربعة، فإن لم يثبت، حل قتله باطنا، ولكن يؤخذ منه القود ظاهرا (قوله: وقد يجامع التعزير الكفارة) أي وقد يجامع الحد أيضا، كما لو قطعت يد السارق، وعلقت في عنقه زيادة في نكاله. وقد تجتمع الثلاثة الحد والكفارة والتعزير: كما لو زنى بأمه في جوف الكعبة في رمضان وهو صائم معتكف محرم، فإنه يلزمه العتق لافساده صوم يوم من رمضان بالجماع، ويلزمه البدنة لافساده الاحرام بالجماع، ويلزمه الحد للزنا والتعزير لقطع الرحم وانتهاك البيت. (قوله: كمجامع حليلته في نهار رمضان) أي فيجب فيه التعزير مع الكفارة والقضاء، ومثله المظاهر فانه يجب عليه التعزير معها، واليمين الغموس: أي الفاجرة، سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في النار، أو في الاثم، فيجب فيها ذلك أيضا (قوله: ويحصل التعزير) دخول على المتن (قوله: بضرب غير مبرح) أي غير شديد مؤلم. قال في المغني: فإن علم أن التأديب لا يحصل إلا بالضرب المبرح فعن المحققين أنه ليس له فعل المبرح ولا غيره. قال الرافعي: ويشبه أن يقال يضربه ضربا غير مبرح، إقامة لصورة الواجب. قال في المهمات. وهو ظاهر. اه (قوله: أو صفع) معطوف على ضرب: أي ويحصل التعزير بصفع (وقوله: وهو) أي الصفع. وقوله بجمع الكف - بفتح الجيم - أي ضمها مع الاصابع، وليس بقيد، بل مثله بسطها (قوله: أو حبس) معطوف على ضرب: أي

توبيخ بكلام أو تغريب أو إقامة من مجلس ونحوها مما يراها المعزر جنسا وقدار لا بحلق لحية. قال شيخنا: وظاهر حرمة حلقها وهو إنما يجئ على حرمته التي عليها أكثر المتأخرين أما على كراهته التي عليها الشيخان وآخرون فلا وجه للمنع إذا رآه الامام. انتهى. ويجب أن ينقص التعزير عن أربعين ضربة في الحر وعن عشرين في غيره (وعزر أب) وإن علا وألحق به الرافعي الام وإن علت (ومأذونه) أي من أذن له في التعزير كالمعلم ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحصل التعزير بحبس (قوله: حتى عن الجمعة) أي حتى يحبسه عن حضور الجمعة (قوله: أو توبيخ بكلام) أي ويحصل التعزير بتوبيخ: أي تهديد بكلام، لانه يفيد الرد والزجر عن الجريمة (قوله: أو تغريب) أي ويحصل التعزير بتغريب عن بلده إلى مسافة القصر: إذ هو إلى ما دونها ليس بتعزير كما مر في الزنا (قوله: أو إقامة من مجلس) أي ويحصل التعزير بإقامته من المجلس (قوله: ونحوها) أي ويحصل التعزير بنحو المذكورات، ككشف رأس، وتسويد وجه، وحلق رأس لمن يكرهه، وإركابه حمارا منكوسا، والدوران به كذلك بين الناس (قوله: مما يراها) بيان لنحوها: أي من كل عقوبة يراها الخ (وقوله: المعزر) أي الإمام أو نائبه. وقوله جنسا وقدرا: منصوبان على التمييز أي من جهة جنسها وقدرها بحسب ما يراد تأديبا. والحاصل: أمر التعزير مفوض إليه لانتفاء تقديره شرعا، فيجتهد فيه جنسا، وقدرا، وانفرادا، واجتماعا، فله أن يجمع بين الامور المتقدمة، وله أن يقتصر على بعضها، بل له تركه رأسا بالنسبة لحق الله تعالى، لاعراضه - صلى الله عليه وسلم - عن جماعة إستحقوه، كالغال في الغنيمة: أي الخائن فيها، وكلاوي شدقه في حكمه - صلى الله عليه وسلم - للزبير رضي الله عنه. ولا يجوز ترك التعزير إن كان لآدمي، وتجوز الشفاعة فيه، وفي غيره من كل ما ليس بحد، بل تستحب لقوله تعالى: * (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) * ولخبر الصحيحين، عن أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه وقال: اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء. (قوله: لا بحلق لحية) معطوف على بضرب: أي لا يحصل التعزير بحلق لحية، وصريحه عدم الاجزاء به. قال سم على المنهج: وليس كذلك، بل يجزئ وإن كان لا يجوز، ونص عبارته: صريح هذا الكلام أن حلق اللحية لا يجزئ في التعذير لو فعله الامام، وليس كذلك فيما يظهر، والذي رأيته في كلام غيره، أن التعزير لا يجوز بحلق اللحية، وذلك لا يقتضي عدم الاجزاء، ولعله مراد الشارح. اه. (قوله: وظاهره) أي ظاهر منع التعزير بحلق اللحية حرمة حلقها لاجله (قوله: وهو) أي المنع من التعزير بالحلق المقتضي للتحريم، إنما يتأتى على القول بحرمة الحلق مطلقا. (وقوله: أما على كراهته الخ) أي أما إن جرينا على القول بكراهة الحلق، فلا وجه لمنع التعزير به. وقال في النهاية لا يعزر بحلق لحية، وإن قلنا بكراهته وهو الأصح. اه (وقوله: إذا رآه الامام) أي رأى التعزير بحلق اللحية زاجرا له عن الجريمة، قال في التحفة بعده: فإن قلت: فيه تمثيل وقد نهينا عن المثلة. قلت: ممنوع لامكان ملازمته لبيته حتى تعود، فغايته أنه كحبس دون سنة. اه. (قوله: ويجب أن ينقص التعزير إلخ) أي لخبر من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين رواه البيهقي. (وقوله: عن أربعين ضربة) هذا إذا كان التعزير بالضرب، فإن كان بالحبس أو بالتغريب، فيجب أن ينقص عن سنة في الحر، وفي غيره يجب أن ينقص عن نصف سنة. (قوله: وعزر أب) أي بضرب وغيره وهذا ما بعده كالاستثناء من قوله ويعزر أي الإمام أو نائبه لمعصية الخ. وصرح في المغني بالاستثناء المذكور وعبارته: وقضية كلامه أنه لا يستوفيه: أي التعزير إلا الامام، واستثنى منه مسائل: الاولى: للاب والام ضرب الصغير والمجنون زجرا لهما عن سئ الاخلاق،

_ (1) سورة النساء، الاية: 85.

(صغيرا) وسفيها بارتكابهما ما لا يليق زجرا لهما عن سئ الاخلاق وللمعلم تعزير المتعلم منه (و) عزر (زوج) زوجته (لحقه) كنشوزها لا لحق الله تعالى وقضيته أنه لا يضر بها على ترك الصلاة. وأفتى بعضهم بوجوبه. والاوجه - كما قال شيخنا - جوازه، وللسيد تعزير رقيقه لحقه، وحق الله تعالى وإنما يعزر من مر بضرب غير مبرح، فإن يفد تعزيره إلا بمبرح ترك لانه مهلك وغيره لا يفيد. (وسئل) شيخنا عبد الرحمن بن زياد رحمه الله ـــــــــــــــــــــــــــــ وإصلاحا لهما. قال شيخنا: ومثلهما السفيه. وعبارة الدميري: وليس للاب تعزير البالغ وإن كان سفيها على الاصح، وتبعه ابن شهبة، الثانية: للمعلم أن يؤدب من يتعلم منه، لكن بإذن الولي، الثالثة: للزوج ضرب زوجته لنشوزها، ولما يتعلق به من حقوقه عليها، وليس له ذلك لحق الله تعالى لانه لا يتعلق به، الرابعة: للسيد ضرب رقيقه لحقه اه. بحذف (قوله: وألحق به الخ) أي وألحق الرافعي الام بالاب في تعزيرها الصغير. قال ع ش: ظاهره وإن لم تكن وصية، وكان الاب والجد موجودين، ولعل وجهه أن هذا لكونه ليس تصرفا في المال، بل لمصلحة تعود على المحجور عليه، سومح فيه ما لم يسامح في غيره. اه. (قوله: وإن علت) أي الام فلها أن تعزر (قوله: ومأذونه) معطوف على أب: أي وعزر مأذون الاب أيضا (قوله: كالمعلم) أي فإذا أذن له الاب بالتعزير فله ذلك ولو كان بالغا، وإذا لم يأذن له فيه، فليس له ذلك - كما في التحفة والنهاية - وقال في شرح الروض: قال الأذرعي وسكت الخوارزمي وغيره عن هذا التقييد، والاجماع الفعلي مطرد من غير إذن. اه. وشمل المعلم: الشيخ مع الطلبة، فله تأديب من حصل منه ما يقتضي تأديبه فيما يتعلق بالتعلم. قال البجيرمي: وليس منه ما جر ت به العادة من أن المتعلم إذا توجه عليه حق لغيره يأتي صاحب الحق للشيخ، ويطلب منه أن يخلصه من المتعلم منه، فإذا طلبه الشيخ منه ولم يوفه فليس له ضربه ولا تأديبه على الإمتناع من توفية الحق، فلو عزره الشيخ بالضرب وغيره حرم عليه ذلك لأنه لا ولاية له عليهم. اه. (قوله: صغيرا) مفعول عزر. (وقوله: وسفيها) أي أو مجنونا (قوله: بارتكابهما) الباء سببية متعلقة بعزر: أي عزر الاب أو مأذونه، صغيرا أو سفيها بسبب ارتكابهما ما لا يليق. (وقوله: زجرا لهما الخ) أي منعا لهما عن الاتصاف بذميم الاخلاق: أي وإصلاحا لهما، وهو علة التعزير (قوله: وللمعلم إلخ) مكرر مع قوله كالمعلم وأيضا هذا يقتضي عدم اشتراط الاذن، وما تقدم يقتضي الاشتراط (قوله: وعزر زوج زوجته لحقه) أي بالنسبة لحق نفسه (وقوله: كنشوزها) تمثيل له: أي فإذا نشزت - أي أو تركت حقا من الحقوق المتعلقة به - فله تعزيرها على ذلك (قوله: لا لحق الله تعالى) أي لا يعزرها بالنسبة لحق الله تعالى، ومحله - كما في التحفة والنهاية - ما لم يبطل أو ينقص شيئا من حقه، وإلا كأن شربت خمرا، فحصل نفور منها، له سبب ذلك، أو نقص تمتعه بها بسبب رائحة الخمر، فله تعزيرها على ذلك (قوله: وقضيته) أي قضية منع تعزيرها لحق الله تعالى. وقوله أنه لا يضربها على ترك الصلاة: أي لانها حق الله تعالى (قوله: وأفتى بعضهم) هو ابن البزري (وقوله: بوجوبه) أي ضربها على ترك الصلاة قال في التحفة: وبحث ابن البزري - بكسر الموحدة - أنه يلزمه أمر زوجته بالصلاة في أوقاتها وضربها عليها، وهو متجه حتى في وجوب ضرب المكلفة، لكن لا مطلقا، بل إن توقف الفعل عليه، ولم يخش أن يترتب عليه مشوش للعشرة يعسر تداركه. اه. وتقدم الكلام على هذه المسألة في أول الكتاب (قوله: كما قال شيخنا) أي في فتح الجواد وعبارته: وأفتى بعضهم بوجوبه، والاوجه جوازه - كما بينته مع ما يتعلق به في الأصل - اه. (قوله: وللسيد تعزير رقيقه لحقه وحق الله تعالى) أي لان سلطنته أقوى من غيره ولما مر في الزنا (قوله: وإنما يعزر من مر) الفعل مبني للمعلوم، وفاعله ما بعده، وهو واقع على الاب ومأذونه والزوج والسيد، ويحمل بناؤه للمجهول وما بعده نائب فاعل، ويكون واقعا على المحجور والزوجة والرقيق. (وقوله: بضرب) أي إن كان التعزير به (وقوله: غير مبرح) أي شديد مؤلم كما مر (قوله: فإن لم يفد تعزيره) أي من ذكر. (وقوله: إلا بمبرح) أي بضرب مبرح (قوله: ترك) أي التعزير رأسا، وهذا بخلاف التعزير الصادر من الامام فإنه يعزر بضرب غير مبرح، وإن لم يفد كما مر عن المغني نقلا عن الرافعي. وفي فتح الجواد: ويعزر من مر، وإن لم يفد إلا نحو الزوجة إذا لم يفد تعزيره إلا بمبرح فيترك لانه مهلك، أي

تعالى عن عبد مملوك عصى سيده وخالف أمره ولم يخدمه خدمة مثله. هل لسيده أن يضربه ضربا غير مبرح أم ليس له ذلك؟ وإذا ضربه سيده ضربا مبرحا، ورفع به إلى أحد حكام الشريعة، فهل للحاكم أن يمنعه عن الضرب المبرح أم ليس له ذلك؟ وإذا منعه الحاكم مثلا ولم يمتنع، فهل للحاكم أن يبيع العبد ويسلم ثمنه إلى سيده أم ليس له ذلك؟ وبماذا يبيعه، بمثل الثمن الذي اشتراه به سيده، أو بما قاله المقومون، أو بما انتهت إليه الرغبات في الوقت؟ (فأجاب) إذا امتنع العبد من خدمة سيده الخدمة الواجبة عليه شرعا فللسيد أن يضربه على الامتناع ضربا غير مبرح إن أفاد الضرب المذكور، وليس له أن يضربه ضربا مبرحا، ويمنعه الحاكم من ذلك، فإن لم يمتنع من الضرب المذكور فهو كما لو كلفه من العمل ما لا يطيق، بل أولى إذ الضرب المبرح ربما يؤدي إلى الزهوق بجامع التحريم. وقد أفتى القاضي حسين بأنه إذا كلف مملوكه ما لا يطيق أنه يباع عليه بثمن ـــــــــــــــــــــــــــــ قد يؤدي إلى الهلاك، ومنه يؤخذ حد المبرح بأنه ما خشي منه هلاك ولو نادرا. اه. (وقوله: وغيره لا يفيد) أي ولان غير المبرح لا يفيد شيئا فلا حاجة إليه. (قوله: وسئل شيخنا الخ) تأييد لقوله وإنما يعزر من مر بضرب غير مبرح الخ (قوله: عن عبد مملوك) متعلق بسئل (قوله: عصى) أي العبد (قوله: وخالف أمره إلخ) هذا هو معنى العصيان. فلو قال بأن خالف أمره ولم يخدمه الخ لكان أولى (قوله: هل لسيده إلخ) هذه صورة السؤال (قوله: أن يضربه) أي عبده المذكور (قوله: أم ليس له ذلك) أي أم ليس له أن يضربه ضربا غير مبرح (قوله: وإذا ضربه) أي العبد العاصي (قوله: ورفع به) أي رفع العبد أو غيره بسبب ضربه المبرح: أي شكا سيده، فالفعل مبني للمجهول، والجار والمجرور نائب فاعله (قوله: فهل للحاكم أن يمنعه) أي السيد (قوله: أم ليس له ذلك) أي أم ليس للحاكم أن يمنعه عن ذلك (قوله: وإذا منعه الحاكم) أي عن الضرب المبرح، وقوله مثلا: أي أو نائبه (قوله: ولم يمتنع) أي السيد عن الضرب المبرح (قوله: فهل للحاكم أن يبيع العبد ويسلم ثمنه الخ) لم يجب عن هذه المسألة بالصراحة، وإن كان يعلم بالمفهوم من قوله أنه يباع عليه: أي يبيعه قهرا عليه، والذي يبيع كذلك هو الحاكم. ومن المعلوم أن المبيع ملك للسيد، وقيمته كذلك، فيسلمها الحاكم له (قوله: وبماذا يبيعه) أي وإذا أراد بيعه فبأي شئ يبيع العبد به، فما ركبت مع ذا وجعلتا كلمة واحدة، ويحتمل عدم التركيب، فتكون ما إستفهامية، وذا موصولة بدل من ما والعائد محذوف: أي وبما الذي يبيعه به والاظهر الاول (قوله: بمثل الثمن) بدل من الجار والمجرور قبله، والقياس ذكر أداة الاستفهام قبله لتضمن المبدل منه معنى همزة الاستفهام عملا بقول ابن مالك: وبدل المضمن الهمز يلي همزا، كمن ذا؟ أسعيد أم على؟ (قوله: أو بما قاله المقومون) أي أو يبيعه بما يقوله المقومون: أي للسلع (قوله: أو بما انتهت إلخ) أي أو يبيعه بما انتهت: أو وصلت إليه الرغبات في وقت البيع (قوله: فأجاب) أي العلامة عبد الرحمن بن زياد رحمه الله (قوله: إذا امتنع الخ) إذا شرطية جوابها جملة فللسيد الخ. (وقوله: الخدمة الواجبة عليه) أي على العبد. (وقوله: أن يضربه على الامتناع) أي من الخدمة المذكورة. (وقوله: ضربا غير مبرح) مفعول مطلق مبين للنوع. (وقوله: إن أفاد الضرب المذكور) هو غير المبرح (قوله: وليس له أن يضربه ضربا مبرحا) مقابل قوله فللسيد أن يضربه ضربا غير مبرح (قوله: ويمنعه) أي السيد (قوله: من ذلك) أي من الضرب المبرح (قوله: فإن لم يمتنع) أي السيد. (قوله: من الضرب المذكور) هو المبرح، وفيه إظهار في مقام الاضمار (قوله: فهو) أي السيد: أي حكمه (قوله: كما لو كلفه من العمل ما لا يطيق) أي كحكم السيد الذي كلف رقيقه من العمل ما لا يطيق، وسيذكره قريبا. (وقوله: بل أولى) أي بل هذا الذي لم يمتنع من الضرب المذكور، أولى من الذي كلف رقيقه ما ذكر بالحكم الذي سيذكر (قوله: إذا الضرب الخ) علة للاولية (قوله: بجامع التحريم) أي في كل من الضرب المبرح، ومن التكليف بما لا يطاق، وهذا بيان لوجه الشبه في

المثل، وهو ما انتهت إليه الرغبات في ذلك الزمان والمكان. انتهى. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فهو كما لو كلفه الخ، ولو قدمه على الاضراب وعلته لكان أولى (قوله: أنه يباع عليه) بدل من أنه الاولى وجواب إذا محذوف يدل عليه هذا البدل. ولو قال وأفتى بأنه يباع عليه مملوكه إذا كلفه الخ لكان أولى (قوله: وهو ما انتهت إليه الخ) أي ثمن المثل ما انتهت إليه، أي وصلت إليه ووقفت عنده رغبة الراغبين في دفعه لشراء ذلك العبد. (وقوله: الرغبات) بفتح الغين، جمع رغبة بسكونها، (وقوله: في ذلك الزمان) أي زمان البيع (وقوله: والمكان) أي مكانه، وهو بلد السيد التي العبد فيها. والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في الصيال وهو الاستطالة والوثوب على الغير (يجوز) للشخص (دفع) كل (صائل)، مسلم وكافر، مكلف وغيره (على معصوم) من نفس أو طرف أو منفعة أو بضع ومقدماته كتقبيل ومعانقة، أو مال وإن لم يتمول على ما ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في الصيال أي في بيان حكمه: أي وفي بيان حكم الختان وإتلاف البهائم. فهذا الفصل معقود لذلك كله - كما ستقف عليه - وإنما ذكر عقب التعزير لانه يناسبه في مطلق التعدي. إذ التعزير سببه التعدي على حق الله أو حق عباده. والاصل في الصيال قبل الإجماع قوله تعالى * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * وتسمية الثاني إعتداء مشاكلة، وإلا فهو جزاء للاعتداء الاول. وخبر البخاري أنصر أخاك ظالما أو مظلوما والصائل ظالم ونصره منعه من ظلمه وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من أذل عنده مسلم فلم ينصره وهو قادر أن ينصره أذله الله تعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة (قوله: وهو) أي الصيام لغة ما ذكر. وأما شرعا: فهو الوثوب على معصوم بغير حق. (وقوله: الاستطالة) أي فهو مأخوذ من صال إذا استطال وعطف الوثوب عليها تفسير: أي الهجوم والعدو والقهر (قوله: يجوز للشخص إلخ) أي عند غلبة ظن صياله، فلا يشترط لجواز الدفع تلبس الصائل بصياله حقيقة. (وقوله: دفع كل صائل) أي ولو آدمية حاملا، فإذا صالت على إنسان، ولم تندفع إلا بقتلها مع حملها، جاز على المعتمد ولا ضمان، وفرق بينها وبين الجانية حيث يؤخر قتلها بأن المعصية هناك قد انقضت، وهنا موجودة مشاهدة حال دفعها، وهي الصيال، وكذا يقال في دفع الهرة الحامل إذا صالت على طعام أو نحوه. اه. ش ق (قوله: مسلم إلخ) تعميم في الصائل، وسيأتي التعميم في المصول عليه. (قوله: مكلف وغيره) تعميم ثان في الصائل أيضا وغير المكلف كصبي ومجنون وبهيمة (قوله: على معصوم) متعلق بصائل. وخرج غيره، كالحربي والمرتد وتارك الصلاة، بعد أمر الامام، فلا يجوز للشخص دفع الصائل عنهم، وله دفع مسلم عن ذمي، ووالد عن ولده، وسيد عن عبده، لانهم معصومون (قوله: من نفس إلخ) بيان للمعصوم: أي المصول عليه، وهو كالتعميم: أي لا فرق في المصول عليه بين أن يكون نفسا، أو طرفا، أو منفعة، أو بضعا، أو غير ذلك. قال في النهاية: فإن وقع صيال على الجميع في زمن واحد ولم يمكن إلا دفع واحد فواحدة قدم النفس ومن يسري إليها كالجرح فالبضع، فالمال الخطير فالحقير، أو وقع الصيال على صبي يلاط به، أو امرأة يزني بها، قدم الدفع عنها كما هو أوجه احتمالين، واقتضاه كلامهم، لان حد الزنا مجمع عليه ولما يخشى من اختلاف الانساب المنظور له شرعا. اه. وقال ابن حجر: في الصورة الأخيرة يقدم الدفع عن الصبي الملوط به، لان اللواط لا طريق إلى حله. وقال الخطيب: يتخير بينهما التعارض المعنيين (قوله: أو طرف) - بفتحتين - العضو كما مر (قوله: أو منفعة) إن كان المراد منفعة الطرف، فلا حاجة إلى ذكرها، لأنه يلزم من إبطاله إبطالها - كما قاله سم - وإن كان المراد منفعة دار، أو دابة مثلا بأن يسكن الاولى، ويركب الثانية، فظاهر ولا يغني عنه ما قبله ولا يقال إن منفعة ما ذكر داخلة في مال لأنا نقول هي لا تسمى مالا في العرف، وإن قوبلت بمال (قوله: أو بضع) بوزن قفل: أي قبلا كان أو دبرا،

_ (1) سورة البقرة، الاية: 194.

اقتضاه إطلاقهم كحبة بر، أو اختصاص كجلد ميتة سواء كانت للدافع أم لغيره وذلك للحديث الصحيح أن: من قتل دون دمه أو ماله أو أهله فهو شهيد ويلزم منه أن له القتل والقتال: أي وما يسيري إليهما كالجرح (بل يجب) عليه إن لم يخف على نفسه أو عضوه الدفع (عن بضع) ومقدماته ولو من غير أقاربه (ونفس) ولو مملوكة (قصدها كافر) أو بهيمة أو مسلم غير محقون الدم كزان محصن، وتارك صلاة، وقاطع طريق تحتم قتله، فيحرم الاستسلام لهم فإن قصدها مسلم محقون الدم لم يجب الدفع، بل يجوز الاستسلام له، بل يسن للامر به ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ من آدمي أو بهيمة ولو بضع حربية، والدفع عن بعضها لا لاحترامها، بل من باب إزالة المنكر، وإن كان الواطئ لها حربيا، لان الزنا لم يبح في ملة من الملل. (قوله: مقدماته) أي البضع: أي مقدمات الحال فيه، وهو الوطئ (قوله: أو مال) معطوف على نفس. (وقوله: وإن لم يتمول) أي يقابل بمال. وقال في شرح المنهج: أو مال وإن قل، واختصاص كجلد ميتة. اه. واستشكل ذلك بما مر في السرقة من إشتراط نصاب لقطع اليد. وأجيب بأن ما ينزجر به السارق - وهو قطع اليد - أمر محقق، لا يجوز العدول عنه لنص القرآن، فاشترط له أن يكون المال المسروق محققا، وهو ربع دينار فأكثر، وما ينزجر به الصائل، كقتل غير محقق، لعدم النص عليه، فيجوز العدول عنه إلى ما دونه، فلم يشترط تقدير المال المصول عليه. (وقوله: على ما اقتضاه إطلاقهم) راجع للغاية: أي أن عدم إشتراط التمول في المال، جار على ما اقتضاه إطلاق الفقهاء المال الذي يجوز الدفع عنه: أي أنهم لم يقيدوه بقليل ولا كثير. قال في التحفة بعده: ويؤيده أن الاختصاص هنا كالمال مع قولهم: قليل المال خير من كثير الاختصاص، ويحتمل تقييد نحو الضرب بالمتمول. اه. (وقوله: تقييد نحو الضرب) أي تقييد الدفع بنحو الضرب، كالقطع والقتل. (وقوله: بالمتمول) أي بأخذ الصائل متمولا (قوله: كحبة بر) مثال لغير المتمول (قوله: أو اختصاص) معطوف على نفس، ويصح عطفه على مال، وهكذا كل معطوف بأو يجوز عطفه على الأول وعلى ما قبله. (وقوله: كجلد ميتة) تمثيل للاختصاص. (قوله: سواء كانت) أي المذكورات من النفس وما بعدها (قوله: وذلك) أي ما ذكر من جواز دفع الصائل، ثابت للحديث الصحيح (وقوله: أن إلخ) بدل من الحديث، أو عطف بيان له. (وقوله: قتل) بالبناء للمجهول. (وقوله: دون دمه) أي لاجل الدفع عن دمه الخ. قال القرطبي: دون في الاصل ظرف مكان بمعنى أسفل وتحت، وهو نقيض فوق، وقد استعملت في هذا الحديث بمعنى لاجل (قوله: ويلزم منه) أي من كونه شهيدا إذا قتل، وهذا بيان لوجه دلالة الحديث على جواز دفع الصائل. وحاصله أنه لما جعل المقتول لاجل الدفع شهيدا دل التزما على أن له القتل والقتال، كما أن من قتله أهل الحرب لما كان شهيدا، كان له القتل والقتال. (وقوله: أي وما يسري إليهما) أي أو ما يؤدي إلى القتل والقتال. (وقوله: كالجرح) مثال له. (قوله: بل يجب) إضراب انتقالي. (قوله: إن لم يخف إلخ) قيد في وجوب الدفع بالنسبة لنفس الغير وبضعه: أي فإن خاف لا يجب عليه لحرمة الروح. (وقوله: الدفع) فاعل يجب. (قوله: عن بضع) متعلق بالدفع، ولا فرق فيه بين أن يكون الصائل كافرا أو غيره. (قوله: ومقدماته) أي البضع كالقبلة والمفاخذة والمعانقة. (قوله: ولو من غير أقاربه) أي يجب الدفع، ولو كان البضع لغير أقاربه: أي ولو كان لبهيمة. (قوله: ونفس) أي له أو لغيره أو هو معطوف على بضع. (وقوله: ولو مملوكة) أي ولو كانت النفس المصول عليها مملوكة، فإنه يجب الدفع عنها. (قوله: قصدها) أي النفس. (قوله: أو مسلم غير محقون الدم) أي غير معصوم الدم بأن كان مهدرا. (قوله: كزان محصن إلخ) تمثيل لغير محقون الدم. (قوله: وقاطع طريق تحتم قتله) أي بأن أخذ المال وقتل. (قوله: فيحرم الاستسلام لهم) أي للكافر والبهيمة وغير محقون الدم، وذلك لان الاستسلام للكافر فيه ذل ديني، والبهيمة تذبح لاستبقاء الآدمي، فلا وجه للاستسلام لها. وغير المعصوم كذلك. (قوله: فإن قصدها) أي النفس له أو لغيره. (قوله: لم يجب الدفع) أي دفع المسلم الصائل عن النفس. (قوله: بل يجوز

يجب الدفع عن مال لا روح فيه لنفسه (وليدفع) الصائل المعصوم (بالاخف) فالاخف (إن أمكن) كهرب فزجر بكلام فاستغاثة أو تحصن بحصانة فضرب بيده فبسوط فبعصا فقطع فقتل لان ذلك جوز للضرورة ولا ضرورة للاثقل مع إمكان الاخف، فمتى خالف وعدل إلى رتبة مع إمكان الاكتفاء بدونها ضمن بالقود وغيره. نعم: لو التحم القتال بينهما واشتد الامر عن الضبط سقط مراعاة الترتيب، ومحل رعاية الترتيب أيضا في غير الفاحشة فلو رآه قد أولج في أجنبية فله أن يبدأه بالقتل وإن اندفع بدونه لانه في كل لحظة مواقع لا يستدرك بالاناة قاله ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستسلام) ومحله إذا لم يكن المصول عليه ملكا توحد في ملكه، أو عالما توحد في زمانه وكان في بقائه مصلحة عامة، وإلا فيجب الدفع عنه، ولا يجوز الاستسلام. (قوله: بل يسن) أي الاستسلام (وقوله: للأمر به) أي في خبر كن خير ابني آدم - أي قابيل وهابيل - وخيرهما المقتول - وهو هابيل - لكونه استسلم للقاتل ولم يدفع عن نفسه ولذا استسلم سيدنا عثمان رضي الله عنه وقال لعبيده - وكانوا أربعمائة - من ألقى منكم سلاحه فهو حر. (قوله: ولا يجب الدفع عن مال) حله ما لم يتعلق به حق، كرهن وإجارة، وإلا وجب الدفع عنه. (وقوله: لا روح فيه) خرج ما فيه روح كبهيمة، فإنه يجب الدفع عنها لكن بشرط أن يقصد الصائل إتلافها، وأن لا يخاف الدافع على نفسه. (وقوله: لنفسه) متعلق بمحذوف صفة لمال، ومفهومه أنه إذا كان لغيره يجب الدفع عنه مطلقا، وليس كذلك بل لا يجب إلا إذا كان مال محجوره أو وديعة تحت يده، أو وقفا. نعم: جرى الغزالي على وجوب الدفع عن مال الغير مطلقا إن أمكنه من غير مشقة بدن، أو خسران مال، أو نقص جاه، فيمكن أن يكون الشارح تبعه في ذلك. تأمل. (قوله: وليدفع) أي الشخص المصول عليه، وهو شروع في بيان كيفية الدفع. (وقوله: الصائل) مفعوله. (وقوله: المعصوم) سيأتي محترزه. (قوله: بالاخف فالاخف) أي من الانواع التي يتأتى الدفع بها. (قوله: إن أمكن) أي الدفع بالاخف وسيأتي محترزه. (قوله: كهرب فزجر الخ) بيان للاخف على الترتيب: أي فيبدأ بالهر ب لانه أخف من غيره، فإذا لم يندفع به فبالزجر بالكلام: أي نهيه به فإذا لم يندفع به فبالاستغاثة، أو التحصن من الصائل بحصن يستتر فيه، فإذا لم يندفع به بالضرب، فإذا لم يندفع به فبقطع عضو من أعضائه، فإذا لم يندفع به بالقتل ولا قود عليه ولا دية ولا كفارة. ومحل وجوب الترتيب بين الزجر والاستغاثة إن ترتب على الاستغاثة ضرر أقوى من الضرر المترتب على الزجر، كأن يترتب عليه إمساك حاكم جائر، وإلا فلا ترتيب بينهما. وظاهر المنهاج عدم الترتيب بينهما مطلقا. (قوله: لأن ذلك الخ) علة لوجوب الدفع بالاخف فالاخف: أي وإنما وجب الدفع بذلك لانه إنما جوز للضرورة. (قوله: ولا ضرورة للاثقل) أي الاشد ضررا. (قوله: مع إمكان الاخف) أي مع إمكان الدفع بالاخف. (قوله: فمتى خالف) أي المصول عليه الترتيب المذكور. (قوله: وعدل إلى رتبة) أي أشد. (قوله: مع إمكان الاكتفاء) أي الدفع. (وقوله: بدونها) أي الرتبة المعدول إليها. (قوله: ضمن بالقود وغيره) أي كالدية والكفارة. وقيمة البهيمة والرقيق. (قوله: نعم إلخ) استدراك من وجوب البدء بالاخف فالاخف المقتضي لوجوب الترتيب. (وقوله: بينهما) أي بين الصائل والدافع. (قوله: واشتد الامر عن الضبط) أي خرج الامر: أي أمر الدافع عن ضبطه بالترتيب السابق (قوله: مراعاة الترتيب) جواب لو، ولو اختلفا في ذلك صدق الدافع. (قوله: أيضا) لا محل لها هنا، ويمكن أن يلتمس لها محل من الاستدراك المذكور: أي أن محل رعاية الترتيب في الفاحشة، كما أن محلها في غير حالة التحام القتال. (قوله: فلو رآه إلخ) مفرع على مفهوم في غير الفاحشة: أي أما فيها فتسقط رعاية الترتيب، فلو رآه الخ. وفاعل رأى يعود على الدافع، ومفعوله يعود على الصائل. (قوله: فله) أي الدافع أن يبدأه في الدفع بالقتل، ويسقط الترتيب. (قوله: وإن اندفع بدونه) غاية في جواز بدئه بالقتل: أي له ذلك وإن اندفع المولج في أجنبية بدون القتل. قال سم: كلام الشيخين مصرح بخلاف هذا، وعبارة العباب كالروض، وأصله: فإن اندفع بغير القتل فقتله، فالقود إن لم يكن محصنا. اه. ولهذا قال شيخنا الشهاب الرملي: المعتمد خلاف ما قاله الماوردي والروياني وأنه يجب الترتيب حتى في الفاحشة. اه. (قوله: لأنه) أي المولج في أجنبية. (وقوله: في كل لحظة مواقع) أي مجامع لها. (وقوله: لا يستدرك) السين والتاء زائدتان، والمراد لا يدرك: أي لا يحصل منعه من الوقاع بالاناة بوزن

الماوردي والروياني والشيخ زكريا. وقال شيخنا: وهو ظاهر في المحصن، أما غيره فالمتجه أنه لا يجوز قتله إلا إن أدى الدفع بغيره إلى مضي زمن وهو متلبس بالفاحشة. انتهى. وإذا لم يمكن الدفع بالاخف كأن لم يجد إلا نحو سيف فيضرب به، أما إذا كان الصائل غير معصوم فله قتله بلا دفع بالاخف لعدم حرمته. فرع: يجب الدفع عن منكر كشرب مسكر وضرب آلة لهو وقتل حيوان ولو للقاتل. (ووجب ختان) للمرأة والرجل حيث لم يولدا مختونين لقوله تعالى: * (أن اتبع ملة إبراهيم) * ومنها الختان، إختتن وهو إبن ـــــــــــــــــــــــــــــ قناة: أي بالتأني والتراخي، يعني أن اللحظة التي يدفع فيها بالاخف فالاخف هو مواقع فيها، والقصد منعه منه رأسا، ولا يكون ذلك إلا بالقتل، وفيه أن العلة المذكورة لا تظهر إلا بالنسبة لما إذا لم يندفع عن الوقاع إلا بالقتل، أما بالنسبة لما إذا كان يندفع بغيره فلا تظهر، لأنه لا يصدق عليه أنه في كل لحظة مواقع لا يحصل منعه منه بالاناة، لانه قد انكف بغيره عن الوقاع. (قوله: قاله) أي ما ذكر من البدء بالقتل. (قوله: وقال شيخنا) أي في فتح الجواد. (وقوله: وهو) أي ما قاله الماوردي الخ من بدئه بالقتل. (وقوله: في المحصن) أي بأن كان بالغا عاقلا واطئا في نكاح صحيح كما مر، وإنما كان ما ذكر ظاهرا فيه لاستحقاقه القتل بفعله هذه الفاحشة. (قوله: أما غيره) أي غير المحصن. (قوله: فالمتجه أنه لا يجوز قتله إلا إن أدى إلخ) أي فإن لم يؤد الدفع بغير القتل إلى ما ذكر، لم يجز الدفع بالقتل، وهذا يفيد أنه قد ينكف عن الوقاع بغير القتل. (قوله: وإذا لم يمكن إلخ) محترز قوله وإن أمكن (وقوله: أما إذا كان الصائل إلخ) محترز قوله المعصوم، فهو جار على اللف غير المرتب. (قوله: فرع) مناسبة ذكره هنا من حيث وجوب الدفع، وإلا فليس فيه صيال إلا أن يقال أن مرتكب المنكر صائل مجازا على الشرع من حيث عدم امتثاله له. (قوله: يجب الدفع عن منكر) أي ولو أدى إلى القتل، ولا ضمان عليه بل يثاب على ذلك. وعبارة التحفة: قال الإمام ولا يختص الخلاف بالصائل، بل من أقدم على محرم، فهل للآحاد منعه حتى بالقتل؟ قال الاصوليون لا، وقال الفقهاء نعم. قال الرافعي وهو المنقول، حتى قالوا لمن علم شرب خمر، أو ضرب طنبور في بيت شخص، أن يهجم عليه ويزيل ذلك، فإن أبوا قاتلهم، فإن قتلهم فلا ضمان عليه، ويثاب على ذلك. وظاهر أن محل ذلك: ما لم يخش فتنة من وال جائر، لان التغرير بالنفس والتعرض لعقوبة ولاة الجور ممنوع. اه. ومثله في النهاية والروض وشرحه. (قوله: ولو للقاتل) أي ولو كان الحيوان ملكا للقاتل، فله منعه من قتله لحرمة الروح. وخرج بالقتل التذكية، فليس له منعه منها إن كان مما يذكى وكان ملكا للمذكي - كما هو ظاهر - (قوله: ووجب ختان الخ) مناسبة ذكره هنا من حيث إن من تعدى بختان الصبي أو المجنون من غير إذن الولي، وهلك المختون ضمنه، كما أن من تعدى في دفع الصائل بعدم الترتيب في المراتب السابقة يضمن أيضا. (وقوله: للمرأة والرجل) خرج الخنثى فلا يجب ختنه بل لا يجوز على ما في الروضة والمجموع لان الجرح مع الاشكال ممنوع. (قوله: حيث لم يولدا مختونين) أي فإن ولدا كذلك فلا يجب الختان. فائدة: روي أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولد مختونا - كثلاثة عشر نبيا - وقد نظمهم المسعودي في قوله: وإن ترد المولود من غير قلفة بحسن ختان نعمة وتفضلا من الانبياء الطاهرين فهاكم ثلاثة عشر باتفاق أولي العلا فآدم شيث ثم نوح بنيه شعيب للوط في الحقيقة قد تلا وموسى وهود ثم صالح بعده ويوسف زكرياء فافهم لتفضلا وحنظلة يحيى سليمان مكملا لعدتهم في الخلف جاء لمن تلا

_ (1) سورة النحل، الاية: 123.

ثمانين سنة، وقيل واجب على الرجال، وسنة للنساء. ونقل عن أكثر العلماء. (ببلوغ) وعقل إذ لا تكليف قبلهما فيجب بعدهما فورا. وبحث الزركشي وجوبه على ولي مميز وفيه نظر. فالواجب في ختان الرجل قطع ما يغطي حشفته حتى تنكشف كلها، والمرأة قطع جزء يقع عليه الاسم من اللحمة الموجودة بأعلى الفرج فوق ثقبة البول تشبه عرف الديك وتسمى البظر بموحدة مفتوحة فمعجمة ساكنة ونقل الاردبيلي عن الامام ولو كان ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه لم يختن إلا أن يغلب على الظن سلامته، ويندب تعجيله سابع يوم ـــــــــــــــــــــــــــــ ختاما لجمع الانبياء محمد عليهم سلام الله مسكا ومندلا والمندل: اسم لعود البخور، وغلب غير آدم عليه، وإلا فهو لم يولد. انتهى. ع ش. (قوله: لقوله تعالى الخ) دليل لوجوب الختان. (وقوله: أن اتبع ملة إبراهيم) يعني أن الذي لم يوح إليك فيه شئ، وكان في ملة إبراهيم فاتبعه، وحينئذ يكون إتباعه فيه بوحي من عند الله تعالى، لا أنه تابع له فيه بلا وحي. اه. بجيرمي. (قوله: ومنها) أي ومن ملة إبراهيم الختان: أي بوجوبه كما في المهذب، فدل على المدعي، واندفع ما يقال لم يعلم أن الختن عنده واجب أو مندوب، والامر بالاتباع يشملهما. اه. بجيرمي. (قوله: اختتن) أي إبراهيم بالقدوم، اسم موضع، وقيل آلة للنجار. (وقوله: وهو ابن ثمانين سنة) وقيل وهو ابن مائة وعشرين، والاول أصح. وقد يحمل الاول على حسبانه من النبوة، والثاني من الولادة. (قوله: وقيل واجب الخ) أي الختان واجب الخ. (قوله: ونقل) أي هذا القيل (قوله: ببلوغ وعقل) متعلقان بيجب. (قوله: إذ لا تكليف قبلهما) أي قبل البلوغ والعقل، وهو علة لوجوب الختان بما ذكر. (قوله: فيجب) أي الختن بعدهما: أي البلوغ والعقل فورا. قال في التحفة: إلا إن خيف عليه منه فيؤخر، حتى يغلب على الظن سلامته منه، ويأمره به حينئذ الامام، فإن امتنع أجبره ولا يضمنه إن مات إلا أن يفعله به في شدة حر أو برد فيلزمه نصف ضمانه. ولو بلغ مجنونا لم يجب ختانه. اه. (قوله: وبحث الزركشي إلخ) عبارة فتح الجواد: وبحث الزركشي وجوبه على ولي مميز توقفت صحة صلاته عليه لضيق القلفة، وعدم إمكان غسل ما تحتها من النجاسة فيه نظر، لأنه لم يخاطب بوجوب الغسل حتى يلزم وليه ذلك. اه. (قوله: فالواجب إلخ) شروع في بيان كيفية الختن. (قوله: في ختان) الاولى في ختن، لانه المصدر وهو الفعل، وأما الختان فهو موضع القطع. (قوله: قطع ما يغطي حشفته) أي وهو القلفة - بضم القاف - قال ع ش: وينبغي أنها إذا نبتت بعد ذلك لا تجب إزالتها لحصول الفرض بما فعل أولا. اه. (قوله: حتى تنكشف) أي الحشفة كلها. (قوله: والمرأة إلخ) أي والواجب في ختان المرأة قطع جزء يقع عليه اسم الختان وتقليله أفضل لخبر أبي داود وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للخاتنة: أشمي ولا تنهكي فإنه أحظى للمرأة وأحب للبعل أي لزيادته في لذة الجماع، وفي رواية: أسرى للوجه أي أكثر لمائه ودمه. (قوله: من اللحمة) متعلق بقطع. (قوله: فوق ثقبة البول) حال من اللحمة: أي حال كونها فوق ثقبة البول وهو توكيد لما قبله. (قوله: تشبه) أي اللحمة الكائنة فوق ما ذكر. (قوله: عرف الديك) - بضم العين - اللحمة الحمراء التي في رأسه (قوله: وتسمى) أي اللحمة المذكورة (قوله: ونقل الاردبيلي) هو بهزة مفتوحة، وراء ساكنة، ثم دال مفتوحة، وباء مكسورة، صاحب الانوار. (قوله: ولو إلخ) جملة الشرط، والجواب مفعول نقل. أي نقل هذا اللفظ. (قوله: كان) أي الذي يراد ختنه. (وقوله: ضعيف الخلقة) خبر كان. (قوله: بحيث إلخ) تصوير لضعيف الخلقة، أي أنه مصور بحالة هي أنه لو ختن لخيف عليه الهلاك. (قوله: لم يختن) جواب لو الأولى، فلو خولف وختن، ضمنه من ختنه بالقود أو بالمال بشرطهما من المكافأة في القود والعصمة في المال كما مر. ومن ختن مطيقا فمات، لم يضمنه إن كان وليا أو مأذونه، فإن كان أجنبيا ضمنه لتعديه بالمهلك كذا في شرح المنهج. (قوله: إلا أن يغلب على الظن سلامته) أي فإنه يختن (قوله: ويندب تعجيله سابع إلخ) أي لأنه - صلى الله عليه وسلم - ختن الحسن والحسين رضي الله عنهما يوم سابعهما ويكره قبل السابع، ولا يحسب من السبعة، يوم ولادته، لانه كلما أخر قوي عليه. وبه فارق العقيقة، حيث حسب فيها يوم الولادة من السبعة، ولانها بر فندب الاسراع

الولادة للاتباع، فإن أخر عنه ففي الاربعين، وإلا ففي السنة السابعة لانها وقت أمره بالصلاة ومن مات بغير ختان لن يختن في الاصح. ويسن إظهار ختان الذكر وإخفاء ختان الانثى، وأما مؤنة الختان في مال المختون ولو غير ملف، ثم على من تلزمه نفقته. ويجب أيضا قطع سرة المولود بعد ولادته بعد نحو ربطها لتوقف إمساك الطعام عليه. (وحرم تثقيب) أنف مطلقا (وأذن) صبي قطعا، وصبية على الاوجه لتعليق الحلق - كما صرح به الغزالي وغيره - لانه إيلام لم تدع إليه حاجة وجوزه الزركشي واستدل بما في حديث أم زرع في الصحيح، وفي فتاوى ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه. (قوله: فإن أخر) أي الختن عنه: أي سابع يوم الولادة. (قوله: ففي الاربعين) أي فيختن في الاربعين من الولادة. (قوله: وإلا) أي وإن لم يختن في الاربعين، فيختن في السنة السابعة. قال ع ش: وبعدها ينبغي وجوبه على الولي أن توقفت صحة الصلاة عليه. اه. وهو مؤيد لبحث الزركشي السابق. (قوله: لأنها) أي السنة السابعة وقت أمر الصبي بالصلاة. (قوله: لم يختن) أي بعد موته في الأصح. (قوله: ويسن إظهار إلخ) قال في التحفة بعده: كذا نقله جمع منا عن ابن الحاج المالكي، وسكتوا عليه، وفيه نظر، لأن مثل هذا إنما يثبت بدليل ورد عنه - صلى الله عليه وسلم -، فإن أريد أن ذلك أمر استحساني لم يناسبه الجزم بسنيته، وظاهر كلامهم في الولائم، أن الاظهار سنة فيهما، إلا أن يقال لا يلزم من ندب وليمة الختان إظهاره في المرأة. اه. (قوله: وأما مؤنة الختان) أي من أجرة الخاتن وشراء أدوية وغير ذلك. (قوله: ففي مال المختون) أي لانه لمصلحته. (قوله: ثم على إلخ) أي ثم إن لم يكن عنده مال، فهي واجبة على من تلزمه مؤنته. (قوله: ويجب أيضا) أي كما يجب الختان. (قوله: قطع سرة المولود) الاولى سر - بحذف التاء - لان السرة لا تقطع. إذ هي الموضع الذي يقطع منه السر، والمخاطب بقطعها الولي إن حضر، وإلا فمن علم به عينا تارة، وكفاية أخرى، كإرضاعه لأنه واجب فوري لا يقبل التأخير. فإن فرط فلم يحكم القطع أو نحو الربط الآتي ضمن. (وقوله: بعد ولادته) أي عقبها. (قوله: بعد نحو ربطها) متعلق بقطع (قوله: لتوقف الخ) علة لوجوب القطع بعد نحو الربط. (وقوله: عليه) أي على القطع المذكور (قوله: وحرم تثقيب أنف مطلقا) أي لصبي أو صبية. وعبارة التحفة: ويظهر في خرق الانف بحلقة تعمل فيه من فضة أو ذهب أنه حرام مطلقا، لأنه لا زينة في ذلك يغتفر لاجلها إلا عند فرقة قليلة، ولا عبرة بها مع العرف العام، بخلاف ما في الآذان فإنه زينة للنساء في كل محل. اه. قال ع ش: ومع حرمة ذلك فلا يحرم على من فعل به ذلك وضع الخزام للزينة، ولا النظر إليه. اه. (قوله: وأذن صبي) أي وحرم تثقيب أذن الصبي، والاولى لصبي: إذ لفظ أذن من المتن فهو منون. (قوله: قطعا) صريح في أنه لا خلاف في حرمته، وليس كذلك، لأن العلامة الرملي استوجه الجواز مطلقا في الصبي والصبية - كما يعلم من عبارته فلتراجع - (قوله: وصبية على الأوجه) أي وحرم تثقيب أذن صبية على الأوجه. (قوله: لتعليق الخ) متعلق بتثقيب. (وقوله: الحلق) جمع حلقة (قوله: كما صرح به الخ) أي كما صرح بتحريم تثقيب الاذن في الصبي والصبية الغزالي وغيره. (قوله: لأنه) أي التثقيب، وهو تعليل للحرمة. (قوله: لم تدع إليه حاجة) أي لم تدع إلى ذلك الايلام حاجة. (قوله: وجوزه) أي التثقيب في خصوص الاذن مطلقا للصبي والصبية، وليس راجعا لتثقيب الانف أيضا، كما قد يتبادر من كلامه. (قوله: واستدل) أي الزركشي. (قوله: بما في حديث أم زرع). إعلم، أن هذا الحديث أفرده الائمة بالتصنيف، وله ألقاب كثيرة أشهرها ما ذكره. وله أيضا طرق كثيرة بعضها موقوف، وبعضها مرفوع، والمرفوع - كما في رواية عبد الله بن مصعب - عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا عائشة: كنت لك كأبي زرع لام زرع. فقلت: يا رسول الله: وما حديث أبي زرع وأم زرع؟ قال: جلست إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا، فقالت الاولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقل. قالت الثانية: زوجي لا أثير خبره إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثالثة: زوجي العشنق إن أنطق أو أطلق، وإن أسكت أعلق. قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عما عهد. قالت السادسة: زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث. قالت السابعة: زوجي عياياء أو غياياء طباقاء كل داء، له داء شجك، أو فلك أو جمع كلالك. قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب. قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد. قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، وما أبو زرع؟ أناس من حلي أذني، وملا من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلى نفسي. وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح، أم أبي زرع. فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبه؟ وتشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع. فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تملا بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والاوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا، وأخذ خطيا، وأراح علي نعما ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك، فلو جمعت كل شئ أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع: قالت عائشة رضي الله عنها: فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كنت لك كأبي زرع لام زرع وحيث سقنا الحديث بتمامه، فلنتمم الفائدة بشرح كلماته بالاختصار تبركا بذلك. فقوله في الحديث قالت الاولى: زوجي لحم جمل غث، أي كلحم الجمل شديد الهزال في الرداءة. وقوله: على رأس جبل أي كائن ذلك اللحم على رأس جبل. وقوله: لا سهل فيرتقي أي ليس ذلك الجبل سهلا فيصعد إليه. وقوله: ولا سمين أي ذلك اللحم فينتقل إلى البيوت. والكلام على اللف غير المرتب. والمقصود من ذلك: المبالغة في تكبره، وسوء خلقه مع كونه مكروها رديئا. وقوله: قالت الثانية زوجي لا أثير خبره: أي لا أظهره. قوله: إني أخاف أن لا أذره أي لا أترك عدم ترك الخبر بأن أذكره والمقصود أنها تريد أن لا تذكر خبره، لانها تخاف الشقاق والفراق وضياع العيال، لانها إن تذكره تذكر عجره وبجره: أي سائر عيوبه الظاهرة والخفية. وقوله: قالت الثالثة: زوجي العشنق - بعين مهملة وشين معجمة مفتوحتين ونون مفتوحة مشددة - وهو الطويل المستكره في طوله النحيف. قوله: إن أنطق أطلق أي إن أنطق بعيوبه تفصيلا يطلقني لسوء خلقه، ولا أحب الطلاق لحاجتي إليه. (وقوله: وإن أسكت أعلق) أي وإن أسكت عن عيوبه يصيرني معلقة، وهي المرأة التي لا هي مزوجة بزوج ينفع، ولا مطلقة تتوقع أن تتزوج. وقوله: وقالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، أي في الاعتدال وعدم الاذى وسهولة أمره - كما بينته بقولها بعد لا حر ولا قر - أي لا ذو حرارة مفرطة، ولا ذو قر بفتح القاف، أي برودة. وبقولها: لا مخالفة ولا سآمة) أي لا ذو مخافة ولا ذو سآمة. (وقوله: وقالت الخامسة زوجي إن دخل فهد) أي فهو كالفهد بفتح الفاء والهاء، وفي الوثوب علي لارادة الجماع، أو في النوم والتمرد، فهو يحتمل المدح والذم. وقوله: وإن خرج أسد: أي فهو كالاسد أي في فضل قوته وشجاعته، أو في غضبه وسفهه فيحتمل أيضا المدح والذم. (وقوله: ولا يسأل عما عهد) أي علم في بيته من مطعم ومشرب وغيرهما، إما تكرما وإما تكاسلا، فهو محتمل أيضا للمدح والدم. وقوله: وقالت السادسة: زوجي إن أكل لف - بتشديد الفاء - أي كثر وخلط صنوف الطعام، ومرادها أنه إن أكل لم يبق شئ للعيال، وأكل الطعام بالاستقلال. (وقوله: وإن شرب اشتف) أي شرب الشفافة بضم الشين، وهي بقية الماء في قعر الاناء. (وقوله: وإن اضطجع التف) أي وإن اضطجع التف في ثيابه وتغطى بلحاف منفردا في ناحية وحده، ولا يباشرها فلا نفع فيه. (وقوله: ولا يولج الكف ليعلم البث) أي ولا يدخل يده تحت ثيابها عند مرضها ليعلم الحزن والمرض. والمراد لا شفقة عنده عليها حتى في حال مرضها فكأنه أجنبي. (وقوله: وقالت السابعة: زوجي عياياء) بفتح العين المهملة وتحتيتين بينهما ألف وهو من الابل الذي عيى من الضراب، ومرادها أنه عنين لا يقدر على الجماع. (وقوله: أو غياياء) بفتح الغين المعجمة وتحتيتين كالذي قبله: أي ذو غي وهو الضلالة أو الخيبة. (وقوله: طباقاء بفتح أوله ممدودا) أي أحمق تنطبق عليه الامور فلا يهتدي لها. (وقوله: كل داء له دواء) أي كل داء يعرف في الناس فهو داء له. والمراد أنه اجتمع فيه سائر العيوب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصائب. وقوله: شجك بتشديد الجيم وكسر الكاف أي جرحك إن ضربك. وقوله: أو فلك - بتشديد اللام وكسر الكاف أيضا - بمعنى كسرك. (وقوله: أو جمع كلا) أي من الجرح والكسر لك. والمراد أنه ضروب لها، فإن ضربها شجها أو كسر عظمها، أو جمع الشج والكسر، لسوء عشرته مع الاهل. (وقوله: وقالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب) أي كمس الارنب في اللين والنعومة. (وقوله: والريح ريح زرنب) أي وريحه كريح الزرنب، وهو نوع من النبات طيب الرائحة. (وقوله: قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد) أي شريف الذكر، ظاهر الصيت. وقوله: طويل النجاد - بكسر النون - حمائل السيف، وطولها يستلزم طول القامة، وهو المراد. وقوله: عظيم الرماد، أي عظيم الكرم والجود على سبيل الكناية. (وقوله: قريب البيت من الناد) أي قريب المنزل من النادي الذي هو مجتمع القوم. (وقوله: وقالت العاشرة: زوجي مالك) أي اسمه مالك. وقوله: وما مالك؟ استفهام تعظيم وتفخيم، فكأنها قالت: مالك شئ عظيم، لا يعرف لعظمته، فهو خير مما يثنى عليه به. وقوله: مالك خير من ذلك: أي من كل زوج سبق ذكره. وقوله: له إبل كثيرات المبارك: جمع مبرك، وهو محل بروك البعير. وقوله: قليلات المسارح: جمع مسرح، وهو محل تسريح الماشية، والمراد أنه لاستعداده للضيفان يتركها باركة بفناء بيته كثيرا، ولا يوجههما للرعي إلا قليلا، حتى إذا نزل به ضيف كانت حاضرة عنده، ليسرع إليه بلبنها أو لحمها. وقوله: إذا سمعت صوت المزهر - بكسر الميم - أي العود الذي يضرب به عند الغناء. وقوله: أيقن أنهن هوالك أي منحورات للضيف. وقوله: قالت الحادية عشرة زوجي أبو زرع، وما أبو زرع؟ الاستفهام للتعظيم. وقوله: أناس من حلي أذني: أي ملا أذني من الحلى، وهذا هو محل إستدلال الزركشي، ونظر في التحفة في الاستدلال به، بأن وجود الحلي فيهما لا يدل على حل ذلك التخريق السابق. وقوله: وملا من شحم عضدي: المراد وجعلني سمينة بالتربية في التنعم، وخصت العضدين بالذكر، لانهما إذا سمنا يسمن سائر الجسد. وقوله: وبجحني فبجحت إلى نفسي: أي فرحني وعظمني، ففرحت وعظمت إلى نفسي. وقوله: وجدني في أهل غنيمة بالتصغير: أي في أهل غنم قليل. وقوله: بشق - بفتح الشين - اسم موضع: وقوله: فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق: أي فحملني إلى أهل خيل ذات صهيل، وإبل ذات أطيط، وبقر تدوس الزرع، ومنق ينق الحب وينظفه، وقوله: فعنده أقول فلا أقبح: أي فأتكلم عنده بأي كلام فلا ينسبني إلى القبح، لكرامتي عليه ولحسن كلامي لديه. وقوله: وأرقد فأتصبح: أي فأنام إلى أن يدخل الصباح، ولا يوقظني لخدمته. وقوله: وأشرب فأتقمح: أي أروى وأدع الماء لكثرته عنده، مع قلته عند غيره. وقوله: أم أبي زرع: لما مدحت أبا زرع، انتقلت إلى مدح أمه. وقوله، فما أم أبي زرع؟ إستفهام تعظيم وتفخيم. وقوله: عكومها رداح: بضم العين والكاف، وفتح الراء والدال، أي أعدالها عظيمة ثقيلة، وقوله: وبيتها فساح - بفتح الفاء - أي واسع. وقوله: ابن أبي زرع: لما مدحت أبا زرع وأمه، انتقلت إلى مدح ابنه. وقوله: مضجعه كمسل شطبة: أي محل اضطجاعه - وهو الجنب - كشطبة مسلولة من جريد النخل. والمراد أنه في غاية اللطافة. وقوله: وتشبعه ذراع الجفرة: فيه إشارة إلى قلة أكله. وقوله: بنت أبي زرع. لما مدحت أبا زرع وأمه وابنه، انتقلت إلى مدح بنته. وقوله: طوع أبيها وطوع أمها: أي هي مطيعة لهما بارة بهما. وقوله: وملئ كسائها أي مالئة لكسائها لضخامتها وسمنها، وهذا ممدوح في النساء. وقوله: وغيظ جارتها: المراد منها ضرتها، وإنما أغاظتها لغيرتها منها بسبب مزيد جمالها وحسنها. وقوله: جارية أبي زرع: لما مدحت من تقدم، انتقلت إلى مدح جاريته. وقوله: لا تبث حديثنا تبثيثا أي لا تنشر كلمنا الذي نتكلم به فيما بيننا نشرا، لديانتها. وقوله: ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: أي لا تنقل طعامنا نقلا لامانتها وصيانتها. وقوله: ولا تملا بيتنا تعشيشا: أي لا تجعل بيتنا مملوءا من القمامة والكناسة، حتى يصير كأنه عش الطائر، بل تصلحه وتنظفه لشطارتها. وقوله: قالت - أي أم زرع - خرج أبو زرع: أي من البيت لسفر والاوطاب تمخض، بالبناء للمجهول، أي أسقية اللبن تحرك لاستخراج الزبد من اللبن. وقوله: فلقي: أي أبو زرع في سفره. وقوله: يلعبان من تحت خصرها برمانتين: المراد أنها ذات كفل عظيم، بحيث إذا استلقت، يصير تحت وسطها فجوة يجري فيها الرمان، فيلعب ولداها برمي الرمانتين. وقوله: فطلقني ونكحها: أي فبسبب ذلك طلقني وتزوج علي. وقوله: رجلا سريا: أي شريفا. وقوله: ركب شريا: بفتح الشين وتشديد الياء: أي فرسنا. وقوله: وأخذ خطيا - بتشديد

قاضيخان من الحنفية أنه لا بأس به لانهم كانوا يفعلونه في الجاهلية فلم ينكر عليهم رسول الله (ص)، وفي الرعاية للحنابلة يجوز في الصبية لغرض الزينة. ويكره في الصبي. انتهى. ومقتضى كلام شيخنا في شرح المنهاج جوازه في الصبية لا الصبي لما عرف أنه زينة مطلوبة في حقهن قديما وحديثا في كل محل. وقد جوز (ص) اللعب لهن بما فيه صورة للمصلحة، فكذا هذا أيضا. والتعذيب في مثل هذه الزينة الداعية لرغبة الازواج إليهن سهل محتمل ومغتفر لتلك المصلحة. فتأمل ذلك فإنه مهم. تتمة: من كان مع دابة يضمن ما أتلفته ليلا ونهارا. وإن كانت وحدها فأتلفت زرعا أو غيره نهارا لم يضمن ـــــــــــــــــــــــــــــ الطاء المكسورة - أي رمحا. وقوله: وأراح علي نعما ثريا: أي أدخل علي نعما كثيرة. وقوله: وأعطاني من كل رائحة زوجا: أي أعطاني من كل بهيمة اثنين اثنين. وقوله، وقال كلي أم زرع: أي وقال لي ذلك الرجل الذي تزوجته، كلي ما تشائين يا أم زرع. وقوله: وميري أهلك أي أعطيهم الميرة: أي الطعام. وقوله: فلو جمعت كل شئ الخ تعني أن جميع ما أعطاها، لا يساوي أصغر شئ حقير مما لابي زرع. وفي ذلك إشارة إلى قولهم: ما الحب إلا للحبيب الاول ولذلك كانت السنة تزوج البكر. (وقوله: كنت لك كأبي زرع لام زرع) أي في الالفة والعطاء - لا في الفرقة والخلاء - فالتشبيه ليس من كل وجه. والله سبحانه وتعالى أعلم. (قوله: أنه لا بأس به) أي أن تثقيب الاذن لا بأس به مطلقا. (قوله: لانهم) أي العرب (وقوله: كانوا يفعلونه) أي التثقيب (وقوله: فلم ينكر عليهم إلخ) هذا هو محل الاستدلال، وفيه نظر، لأن التثقيب سبق في الجاهلية، وسكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على حله. وزعم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع لا يجدي هنا، لأنه ليس فيه تأخير ذلك، إلا لو سئل عن حكم التثقيب، أو رأى من يفعله، أو بلغه ذلك، فهذا هو وقت الحاجة. وأما شئ وقع وانقضى، ولم يعلم هل فعل بعد أو لا، فلا حاجة ماسة لبيانه، نعم لو كان نقل أنهم استمروا على فعله بعد الاسلام، ولم ينكر عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لصلح الاستدلال به، ولم يثبت ذلك - كما نقله في التحفة عن الغزالي ونصها - نعم، صرح الغزالي وغيره بحرمة تثقيب أذن الصبي أو الصبية، لانه إيلام لم تدع إليه حاجة. قال الغزالي: إلا إن يثبت فيه من جهة النقل رخصه ولم تبلغنا، وكأنه أشار بذلك إلى رد ما قيل مما جرى عليه قاضيخان من الحنفية في فتاويه إلى آخر الشرح. (قوله: وفي الرعاية) اسم كتاب. (قوله: يجوز) أي التثقيب في الإذن (قوله: لغرض الزينة) أي بتعليق الحلي. (قوله: ومقتضى كلام شيخنا في شرح المنهاج) عبارته. والحاصل: أن الذي يتمشى على القواعد حرمة ذلك في الصبي مطلقا، لأنه لا حاجة له فيه يغتفر لاجلها ذلك التعذيب، ولا نظر لما يتوهم أنه زينة في حقه ما دام صغيرا، لان الحق أنه لا زينة فيه بالنسبة إليه، وبفرضه هو عرف خاص ولا يعتد به إلا في الصبية لما عرف أنه زينة مطلوبة في حقهن قديما وحديثا، وقد جوز - صلى الله عليه وسلم - اللعب لهن للمصلحة، فكذا هذا. وأيضا جوز الائمة لوليها صرف مالها فيما يتعلق بزينتها، لبسا وغيره، مما يدعو الازواج إلى خطبتها، وإن ترتب عليه فوات مال لا في مقابل، تقديما لمصلحتها المذكورة، فكذا هنا ينبغي أن يغتفر هذا التعذيب لاجل ذلك. على أنه تعذيب سهل محتمل، وتبرأ منه سريعا، فلم يكن في تجويزه لتلك المصلحة مفسدة بوجه. فتأمل ذلك فإنه مهم. اه. (قوله: لما عرف أنه) أي التثقيب في الاذن زينة. والمراد أنه سبب في الزينة الحاصلة بتعليق الحلي، وإلا فنفس التثقيب لا يعد زينة. (قوله: قديما وحديثا) أي جاهلية وإسلاما. (قوله: تتمة) أي في بيان حكم ما تتلفه البهائم. (قوله: من كان مع دابة) أي سواء كان مالكها، أو مستعيرها، أو مستأجرها، أو غاصبها، أو وديعها، أو مرتهنها، وسواء كان من ذكر راكبها، أو سائقها، أو قائدها. وإذا اجتمع الثلاثة

صاحبها. أو ليلا ضمن إلا أن لا يفرط في ربطها. وإتلاف نحو هرة طيرا أو طعاما عهد إتلافها ضمن مالكها ليلا ونهارا إن قصر في ربطه، وتدفع الهرة الضارية على نحو طير أو طعام لتأكله كصائل برعاية الترتيب السابق. ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ - أعني الراكب والسائق والقائد - فيختص الضمان بالراكب على الأرجح من وجهين، ولو كان أعمى ثانيهما يكون الضمان أثلاثا، وخص ع ش كون الضمان على الراكب على الارجح، بما إذا كان الزمام بيده، وإلا فالضمان على من الزمام بيده. ولو اجتمع سائق وقائد دون راكب، فالضمان عليهما نصفين، ولو كان عليها راكبان فالضمان على المقدم منهما، لان سيرها منسوب إليه، وقيل عليهما لان اليد لهما. نعم، إن لم ينسب إلى المقدم فعل، كصغير ومريض لا حركة له، وجب الضمان على المؤخر وهو الرديف وحده، لان فعلها حينئذ منسوب إليه، وكذا لو كان المقدم غير ملتزم للاحكام كحربي. هذا إن كانا على ظهرها، فإن كان في جنبيها متحاذيين، كأن كانا في محارة أو شقدف فالضمان عليهما. فلو ركب في الوسط ثالث، اختص الضمان به عند العلامة الرملي، وعند غيره الضمان على الثلاثة. (وقوله: يضمن الخ) أي غالبا، ومن غير الغالب قد لا يضمن، كأن أركب أجنبي صبيا أو مجنونا بغير إذن الولي، فأتلفت شيئا فالضمان على الاجنبي، وكأن نخسها إنسان بغير إذن راكبها، فرمحت فأتلفت شيئا، فالضمان على الناخس. فلو كان بإذنه فالضمان عليه، وكأن ند بعيره، أو انفلتت دابته من يده، فأفسدت شيئا، فلا ضمان عليه لغلبتها له حينئذ، وكأن كانت الدواب مع راع فهاجت ريح، وأظلم النهار فتفرقت منه، وأتلفت زرعا مثلا، فلا ضمان على الراعي في الاظهر للغلبة، بخلاف ما لو تفرقت لنومه، فأتلفت شيئا فإنه يضمنه لتفريطه. (وقوله: ما أتلفته ليلا ونهارا) قال في المنهج وشرحه: أي أو ما تلف ببولها أو روثها أو ركضها ولو معتادا بطريق، لان الارتفاق بالطريق مشروط بسلامة العاقبة - كما في الجناح والروشن - وهذا ما جزم به في الروضة، وأصلها في باب محرمات الاحرام، وهو المنقول عن نص الأم والاصحاب، وجزم به في المجموع، وفيه إحتمال للامام بعدم الضمان، لان الطريق لا تخلو منه، والمنع منها لا سبيل إليه، وعلى هذا الاحتمال جرى الاصل، كالروضة وأصلها هنا. اه. (وقوله: وعلى هذا الاحتمال الخ) اعتمده أيضا في النهاية والتحفة، ومحل الضمان فيما أتلفته الدابة إذا لم يقصر صاحبه، فإن قصر كأن وضعه بطريق، أو عرضه لها، فلا ضمان لتفريطه، فهو المضيع لماله. (قوله: وإن كانت وحدها) أي وإن كانت الدابة سائرة وحدها: أي وقد أرسلها في الصحراء، على الأصح في الروضة. وقال الرافعي: إنه الوجه. أما لو أرسلها في البلد، فيضمن مطلقا لمخالفته العادة. قال في التحفة: وقضيته أن العادة لو اطردت به - أي بإرسالها في البلد - أدير الحكم عليها أيضا كالصحراء، إلا أن يفرق بغلبة ضرر المرسلة بالبلد، فلم تقو فيها العادة على عدم الضمان. ويؤيده قول الرافعي: إن الدابة في البلد تراقب ولا ترسل وحدها. اه. (وقوله: لم يضمن صاحبها الخ) أي للحديث الصحيح بذلك، الموافق للعادة في حفظ نحو الزرع نهارا، وحفظ الدابة ليلا، ومن ثم لو جرت عادة بلد بعكس ذلك، إنعكس الحكم، أو بحفظها فيهما - أي ليلا ونهارا - ضمن فيهما - كما بحثه البلقيني - وقياسه أنها لو جرت بعدمه فيهما لم يضمن فيهما اه. تحفة. (قوله: إلا أن يفرط في ربطها) أي أن الضمان عليه فيما أتلفته ليلا، إلا إذا لم يفرط في ربطها، بأن أحكمه وأغلق الباب واحتاط على العادة، فخرجت ليلا لنحو حلها، أو فتح لص للباب، فإنه لا ضمان عليه حينئذ لعدم تقصيره. (قوله: وإتلاف نحو هرة) دخل فيه الطير والنحل، فقولهم لا ضمان بإرسال الطير والنحل، محمول على غير العادي الذي عهد إتلافه. سم. وقال: ق ل على الجلال: أنه لا ضمان مطلقا، كما قاله شيخنا ز ي وخ ط، وخالفهما شيخنا م ر اه. بجيرمي. (وقوله: عهد إتلافها) أي الهرة، والاولى إتلافه بتذكير الضمير، والمراد عهد ذلك منه مرتين أو ثلاثا. وقيل يكتفي بمرة. وخرج به التي لم يعهد ذلك منها، فلا ضمان فيه على الأصح، لأن العادة جرت بحفظ الطعام عنها لا ربطها. (وقوله: ضمن) - بفتح الضاد وتشديد الميم المفتوحة - وضميره المستتر يعود على المبتدأ وهو إتلاف، والجملة خبره. (وقوله: مالكها) أي نحو الهرة، والأولى أيضا أن يكون مالكه بتذكير الضمير. ولو قال كما في شرح المنهج مضمن لذي اليد لكان أولى، لايهامه تخصيص ذلك بالمالك، وليس كذلك إذ المستعير والمستأجر ونحوهما كالمالك. (وقوله: إن قصر في ربطه) أي نحو

تقتل ضارية ساكنة - خلافا لجمع لامكان التحرز عن شرها. ـــــــــــــــــــــــــــــ الهرة، لان هذا ينبغي أن يربط، ويكفى شره، وخرج به ما إذا أحكم ربطه وأغلق الباب واحتاط على العادة، فانحل من رباطه، أو فتح لص الباب، فخرج وأتلف فلا ضمان. (قوله: وتدفع الهرة الضارية) أي المفترسة التي عهد منها ذلك. (وقوله: على نحو طير) متعلق بمحذوف صفة: أي الضارية الجانية على نحو طير. وسيأتي محترزه. (قوله: كصائل) متعلق بتدفع (وقوله: برعاية الترتيب السابق) متعلق أيضا بتدفع: أي تدفع بالاخف فالاخف، كما في الصائل. ولو أخر قوله كصائل عنه لكان أنسب. (قوله: ولا تقتل ضارية ساكنة) أي لا يجوز قتلها حال كونها ساكنة غير جانية على شئ. (وقوله: خلافا لجمع) أي قالوا إنها تقتل، إلحاقا لها بالفواسق الخمس المأمور بقتلها، فلا يعصمها الاقتناء ووضع اليد عليها. تتمة: لو كان بداره كلب عقور، أو دابة جموح، ودخلها شخص بإذنه ولم يعلمه بالحال، فعضه الكلب، أو جمحته الدابة، ضمنه ولو كان الداخل بصيرا، فإن دخل بلا إذنه، أو أعلمه، فلا ضمان لانه المتسبب في هلاك نفسه، وكذا لو كان ما ذكر خارجا عن داره، ولو كان بجانب بابها، فلا ضمان لان ذلك ظاهر يمكن الاحتراز عنه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب الجهاد

باب الجهاد ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الجهاد أي باب في بيان أحكام الجهاد: أي القتال في سبيل الله مأخوذ من المجاهدة، وهي المقاتلة في سبيل الله. واعلم، أنه ورد في الجهاد من الآيات والاخبار ما يطول ذكره ويتعذر حصره، فمن الأول قوله تعالى: * (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) * وقوله تعالى: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) * وقوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) * وقوله تعالى: * (أذن الذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير) * وقوله تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون) * الآية. ومن الثاني قوله - صلى الله عليه وسلم -: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم وقوله عليه السلام: اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله، فواق نافة وجبت له الجنة. والفواق ما بين الحلبتين، وقوله عليه السلام: أن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض وقوله عليه السلام: ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار. وقوله عليه السلام: لا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى، حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا. وقوله عليه السلام: من رمى بسهم في سبيل الله كان له كعدل محرر وقوله عليه السلام: من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة. يعني حسنات. وقد ورد في فضل الشهادة أيضا شئ كثير: فمن ذلك قوله تعالى: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله) * وقوله تعالى: * (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم. ويدخلهم الجنة عرفها لهم) * وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلية الايمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار: الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه. واعلم، أنه ينبغي لكل مسلم أن ينوي الجهاد في سبيل الله، ويحدث نفسه به حتى يسلم من الوعيد الوارد في ترك ذلك، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شبهة من النفاق وينبغي الاكثار من سؤال الشهادة. قال عليه الصلاة والسلام: من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه. نسأل الله العظيم أن يمن علينا بالشهادة وبالحسنى وزيادة.

_ (1) سورة البقرة، الاية: 216. (2) سورة البقرة، الاية: 193. (3) سورة التوبة، الاية: 5. (4) سورة الحج، الاية: 39. (5) سورة التوبة، الاية: 111. (6) سورة آل عمران، الاية: 169. (7) سورة محمد، الاية: 4.

(هو فرض كفاية كل عام) ولو مرة إذا كان الكفار ببلادهم، ويتعين إذا دخلوا بلادنا كما يأتي: وحكم فرض الكفاية أنه إذا فعله من فيهم كفاية سقط الحرج عنه وعن الباقين. ويأثم كل من لا عذر له من المسلمين إن تركوه وإن جهلوا. وفروضها كثيرة (كقيام بحجج دينية) وهي البراهين على إثبات الصانع سبحانه وما يجب له ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: هو) أي الجهاد فرض كفاية، أما كونه فرضا فبالاجماع. وأما كونه على الكفاية فلقوله تعالى: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى) * ففاضل بين المجاهدين والقاعدين، ووعد كلا الحسنى وهي الجنة، والعاصي لا يوعد بها. ولا يفاضل بين مأجور ومأزور. وقال تعالى: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) * أي ومكثت طائفة * (ليتفقهوا) * أي الماكثون * (في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) * فحثهم على أن تنفر طائفة فقط. فدل ذلك على أن الجهاد فرض كفاية، لا فرض عين. (قوله: كل عام) أي لفعله - صلى الله عليه وسلم - إياه كل عام منذ أمر به، وكإحياء الكعبة فإنه فرض كفاية في كل عام. (وقوله: ولو مرة) أي ولو فعل في كل عام مرة، فإنه يكفي، والمرة في الجهاد هي أقله. وعبارة المغني: أقل الجهاد مرة في السنة كإحياء الكعبة، ولقوله تعالى: * (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) *. قال مجاهد: نزلت في الجهاد، ولان الجزية تجب بدلا عنه، وهي واجبة في كل سنة، فكذا بدلها، فإن زاد على مرة فهو أفضل. وتحصل الكفاية بأن يشحن الامام الثغور بمكافئين للكفار، مع إحكام الحصون والخنادق وتقليد الامراء، أو بأن يدخل الإمام أو نائبه دار الكفر بالجيوش لقتالهم، ووجوب الجهاد وجوب الوسائل لا المقاصد: إذ المقصود بالقتال إنما هو الهداية، وما سواها من الشهادة. وأما قتل الكفار فليس بمقصود، حتى لو أمكن الهداية بإقامة الدليل بغير جهاد كان أولى من الجهاد. اه. بحذف. ثم إن محل الاكتفاء فيه بمرة إذا لم يحتج إلى زيادة، احتيج إليها، زيد بقدر الحاجة. (قوله: إذا كان الخ) قيد لكونه فرض كفاية: أي أنه فرض كفاية في كل عام إذا كان الكفار حالين في بلادهم لم ينتقلوا عنها. (قوله: ويتعين) أي الجهاد، أي يكون فرض عين، والملائم أن يقول وفرض عين الخ. (وقوله: إذا دخلوا بلادنا) أي بلدة من بلاد المسلمين ومثل البلدة القرية وغيرها. (قوله: كما يأتي) أي في المتن في قوله وإن دخلوا بلدة لنا تعين الخ. (قوله: وحكم فرض الكفاية) أي مطلقا جهادا كان أو غيره. (قوله: أنه إذا فعله من فيهم كفاية) أي لمقاومة الكفار، وإن لم يكونوا من أهل فرض الجهاد، كالصبيان والمجانين والنساء، وذلك لأنه أقوى نكاية في الكفار (وقوله: سقط الحرج) أي الاثم (وقوله: عنه) أي عن الفاعل إن كان من أهله. (وقوله: وعن الباقين) أي الذين لم يفعلوا الجهاد لحصول الكفاية بفعل من فيه كفاية (قوله: ويأثم إلخ) داخل في حكم فرض الكفاية. (وقوله: من لا عذر له من المسلمين) فإن كان به عذر فلا يأثم. (وقوله: إن تركوه) أي كلهم. (وقوله: وإن جهلوا) أي يأثمون بالترك، وإن كانوا جاهلين بفرضية الجهاد عليهم. قال في التحفة: أي وقد قصروا في جهلهم به، أخذا من قولهم لتقصيرهم، كما لو تأخر تجهيز ميت بقرية: أي ممن تقضي العادة بتعهده، فإنه يأثم وإن جهل موته، لتقصيرهم بعدم البحث عنه. اه. (قوله: وفروضها) أي الكفاية كثيرة، ولما كان شأن فروض الكفاية مهما لكثرتها وخفائها، ذكر جملة منها هنا. (قوله: كقيام بحجج دينية) أي وقيام بحل مشكلة في الدين، وإنما كان ما ذكر من فروض الكفايات لتندفع الشبهات، وتصفو الاعتقادات عن تمويهات المبتدعين، ومعضلات الملحدين، ولا يحصل كمال ذلك إلا بإتقان قواعد علم الكلام، المبنية على الحكميات والالهيات. ومن ثم قال الامام: لو بقي الناس على ما كانوا عليه في صفوة الاسلام، لما أوجبنا التشاغل به، وربما نهينا عنه - أي كما جاء عن الائمة كالشافعي، بل جعله أقبح مما عدا الشرك. فأما الآن - وقد ثارت البدع ولا سبيل إلى تركها تلتطم - فلا بد من إعداد ما يدعي به إلى المسلك الحق، وتحل به الشبهة فصار الاشتغال بأدلة المعقول، وحل الشبهة من فروض الكفايات، وأما من استراب في أصل من أصول الاعتقاد فيلزمه السعي في إزالته،

_ (1) سورة النساء، الاية: 95. (2) سورة التوبة، الاية: 122. (3) سورة التوبة، الاية: 122.

من الصفات ويستحيل عليه منها وعلى إثبات النبوات وما ورد به الشرع من المعاد والحساب وغير ذلك. (وعلوم شرعية) كتفسير وحديث وفقه زائد على ما لا بد منه وما يتعلق بها بحيث يصلح للقضاء والافتاء للحاجة إليهما (ودفع ضرر معصوم) من مسلم وذمي ومستأمن جائع لم يصل لحالة الاضطرار أو عار أو نحوهما. والمخاطب به كل موسر بما زاد على كفاية سنة له ولممونة عند احتلال بيت المال وعدم وفاء زكاة (وأمر بمعروف) أي ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى تستقيم عقيدته. اه. تحفة. (قوله: وهي البراهين إلخ) أي أن الحجج هي البراهين الدالة على إثبات الصانع سبحانه وتعالى، وإثبات ما يجب له سبحانه وتعالى من الصفات المتقدم بيانها في أول الكتاب، وإثبات ما يستحيل عليه منها. (قوله: وعلى إثبات النبوات) أي والبراهين الدالة على إثبات ما يتعلق بالانبياء مما يجب لهم من الصفات، ويستحيل عليهم منها. (قوله: وما ورد به الشرع) أي من كل ما أخبر به الشارع - صلى الله عليه وسلم - من البعث، والنشور، والحساب، والعقاب، ودخول الجنة، وغير ذلك. (قوله: وعلوم شرعية) أي وكقيام بعلوم شرعية، فهو معطوف على بحجج. (وقوله: كتفسير الخ) تمثيل لها. (وقوله: زائد) صفة لفقه: أي وفرض الكفاية منه القيام بالزائد على ما لا بد منه، أما القيام بما لا بد منه فهو فرض عين. (قوله: وما يتعلق بها) معطوف على علوم شرعية، وليس معطوفا على تفسير الخ. لافادته أنه من العلوم الشرعية مع أنه ليس منها. والمراد بما يتعلق بالعلوم الشرعية، ما تتوقف عليه من علوم العربية، وأصول الفقه، وعلم الحساب، المضطر إليه في المواريث والاقارير والوصايا، فتجب الاحاطة بذلك كله لشدة الحاجة إليه. (قوله: بحيث يصلح للقضاء والافتاء) مرتبط بعلوم شرعية، والباء لتصوير القيام بها، الذي هو فرض كفاية: أي ويتصور القيام بها المسقط للحرج، بأن يتلبس بحالة هي أن يصلح للقضاء أو الافتاء. قال في النهاية: وإنما يتوجه فرض الكفاية في العلم على كل مكلف حر ذكر غير بليد مكفي ولو فاسقا، غير أنه لا يسقط به لعدم قبول فتواه، ويسقط بالعبد والمرأة في أوجه الوجهين. وبقوله غير بليد مع قول المصنف رحمه الله تعالى كابن الصلاح، أن الاجتهاد المطلق انقطع من نحو ثلاثمائة سنة، يعلم أنه لا إثم على الناس اليوم بتعطيل هذا الفرض، وهو بلوغ درجة الاجتهاد المطلق، لان الناس صاروا كلهم بلداء بالنسبة إليها. أي إلى درجة الاجتهاد. اه. ومثله في التحفة. (قوله: للحاجة إليهما) أي إلى القضاء والافتاء، وهو علة لتصوير القيام بها بما ذكر. (قوله: ودفع ضرر معصوم) يصح عطفه على قيام، أي وكدفع ضرر الخ، ويصح عطفه على حجج: أي وكالقيام بدفع. قال في النهاية: هل المراد بدفع ضرر من ذكر ما يسد الرمق أم الكفاية؟ قولان أصحهما ثانيهما، فيجب في الكسوة ما يستر كل البدن، على حسب ما يليق بالحال من شتاء وصيف. ويلحق بالطعام والكسوة ما في معناهما، كأجرة طبيب، وثمن دواء، وخادم منقطع، - كما هو واضح. اه. (وقوله: معصوم) خرج غيره كالحربي والمرتد وتارك الصلاة، فلا يجب دفع ضررهم. (قوله: من مسلم الخ) بيان للمعصوم. (قوله: جائع) صفة لمعصوم. (وقوله: لم يصل لحالة الاضطرار) أما إذا وصل إليها فيجب إطعامه على كل من علم به، ولو لم يزد ما عنده عن كفاية سنة، وإن كان يحتاجه عن قرب. (قوله: أو عار) معطوف على جائع. (قوله: أو نحوهما) أي نحو الجائع والعاري كمريض. (قوله: والمخاطب به) أي بدفع الضرر عمن ذكر. (قوله: بما زاد) متعلق بموسر. (قوله: عند اختلاف الخ) متعلق بالمخاطب: أي أن المخاطب بدفع الضرر الموسر عند عدم انتظام بيت المال، وعدم وفاء الزكاة، أو نحوها بكفايته، فإن لم يختل ما ذكر، أو وقت الزكاة بها، لا يكون الموسر هو المخاطب به، بل يكون دفع ضرره من بيت المال أو من الزكاة. (وقوله: وعدم وفاء زكاة) أي أو نذر أو وقف أو وصية، بسد حاجات المحتاجين. (قوله: وأمر بمعروف) أي وكأمر بمعروف أو قيام بأمر الخ، فهو بالجر معطوف على قيام أو على حجج كما تقدم. واعلم أنه ورد في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من الآيات والاخبار شئ كثير لا يكاد يحصر، فمن الأول قوله تعالى: * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) * ومن

_ (1) سورة آل عمران، الاية: 104.

واجبات الشرع والكف عن محرماته فشمل النهي عن منكر - ي المحرم - لكن محله في واجب أو حرام مجمع عليه، أو في اعتقاد الفاعل والمخاطب به كل مكلف لم يخف على نحو عضو ومال وإن قل ولم يغلب على ظنه أن فاعله يزيد فيه عنادا وإن علم عادة أنه لا يفيده بأن يغيره بكل طريق أمكنه من يد فلسان فاستغاثة بالغير فإن عجز أنكره بقلبه. وليس لاحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون. نعم: إن أخبره ثقة بمن ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني قوله عليه السلام: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الايمان وفي رواية أخرى: ليس وراء ذلك - يعني الانكار بالقلب - من الايمان مثقال ذرة وقوله عليه الصلاة والسلام: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر. (قوله: أي واجبات الخ) تفسير للمعروف: أي أن المراد به شيئان واجبان، الشرع والكف عن محرماته. (وقوله: فشمل) أي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو تفريع على تفسيره المعروف بما ذكر. وبيان ذلك أنه إذا أريد بالمعروف ما يشمل الكف عن المحرم، وأريد من الامر الامر اللغوي، وهو الطلب سواء عبر عنه بصيغة الامر الاصطلاحي، أو بصيغة النهي، صدق ذلك بالنهي عن المنكر. إذ هو طلب الكف عن المحرم. والقصد من ذلك كله دفع ما يرد على اقتصاره على الامر بالمعروف، من أن مقتضاه أن النهي عن المنكر، ليس من فروض الكفاية، مع أنه منها. وحاصل الجواب أن عبارته صادقة به أيضا، فلا إيراد. (قوله: لكن محله) أي محل وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. (وقوله: مجمع عليه) صفة لكل من واجب ومن حرام، والمجمع عليه منهما هو ما علم وجوبه بالنسبة للاول، وتحريمه بالنسبة للثاني من الدين بالضرورة. والاول: كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك، والثاني: كالزنا واللواط وشرب الخمر. وخرج بالمجمع عليه المختلف فيه منهما، فليس القيام به من فروض الكفاية، فلا يأمر الشافعي الحنفي بالبسملة في الفاتحة، كما أنه لا ينهى المالكي عن استعمال الماء القليل الواقع فيه نجاسة لم تغيره، ولا يرد حد الشافعي حنفيا شرب نبيذا يري إباحته لضعف أدلته، ولان العبرة بعد الرفع للقاضي بإعتقاده فقط. (قوله: أو في اعتقاد الفاعل) معطوف على مجمع عليه: أي أو واجب أو حرام في اعتقاد الفاعل، فله أن يأمر به أو ينهى عنه، وإن كان على خلاف اعتقاده. قال في النهاية: ولا ينكر العالم مختلفا فيه، حتى يعلم من فاعله اعتقاد تحريمه له حال ارتكابه، لاحتمال أنه حينئذ قلد القائل بحله أو أنه جاهل بحرمته، أما من ارتك ب ما يرى إباحته بتقليد صحيح، فلا يحل الانكار عليه. اه. (قوله: والمخاطب به) أي بالامر بالمعروف الشامل للنهي عن المنكر (قوله: لم يخف إلخ) قال في الروض وشرحه: ولا يسقط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا لخوف منهما على نفسه أو ماله أو عضوه أو بضعه، أو لخوف مفسدة على غيره أكثر من مفسدة المنكر الواقع، أو غلب على ظنه أن المرتكب يزيد فيما هو فيه عنادا. اه. (قوله: وان علم عادة الخ) غاية لقوله والخاطب به كل مكلف: أي هو مخاطب بما ذكر، وإن علم عادة أن أمره أو نهيه لا يفيد المأمور أو المنهي شيئا. قال في الروض وشرحه: ولا يختص الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمسموع القول، بل عليه - أي على كل مكلف - أن يأمر وينهى وإن علم بالعادة أنه لا يفيد، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، فلا يسقط ذلك عن المكلف بهذا العلم، لعموم خبر: من رأى منكم إلخ، ولا يشترط في الآمر والناهي كونه ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه، بل عليه أن يأمر وينهى نفسه وغيره، فإن اختل أحدهما لم يسقط الآخر. اه. (قوله: بأن يغيره) تصوير للنهي عن المنكر المندرج تحت الامر بالمعروف. وعبارة فتح الجواد بعد قوله والمخاطب به الخ: فعليه إنكاره حينئذ بأن يغيره إلخ. اه. (قوله: بكل طريق أمكنه) أي بكل شئ ممكن له يزيل به المنكر. (وقوله: من يد الخ) بيان للطريق (وقوله: فاستغاثة بالغير) أي يستغيث بغيره لاجل أن يعينه على إزالة المنكر. (قوله: فإن عجز) أي عن تغيير بيده الخ. (وقوله: أنكره بقلبه) قال في التحفة. تنبيه: ظاهر كلامهم أن الامر والنهي بالقلب من فروض الكفاية، وفيه نظر ظاهر، بل الوجه أنه فرض عين، لان المراد منهما به الكراهة والانكار به، وهذا لا يتصور فيه أن يكون إلا فرض عين. فتأمله فإنه مهم نفيس. اه.

اختفى بمنكر لا يتدارك كالقتل والزنا لزمه ذلك. ولو توقف الانكار على الرفع للسلطان لم يجب لما فيه من هتك حرمة وتغريم مال. قاله ابن القشيري. قال شيخنا: وله احتمال بوجوبه إذا لم ينزحر إلا به هو الاوجه، وكلام الروضة وغيرها صريح فيه. انتهى. (وتحمل شهادة) على أهل له حضر إليه المشهود عليه أو طلبه إن عذر ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وليس لاحد البحث الخ) قال سيدنا الحبيب عبد الله الحداد في نصائحه الدينية. واعلم، أنه ليس بواجب على أحد أن يبحث عن المنكرات المستورة، حتى ينكرها إذا رآها، بل ذلك محرم لقوله تعالى: * (ولا تجسسوا) * ولقول النبي عليه السلام: من يتتبع عورة أخيه يتتبع الله عورته الحديث، وإنما الواجب هو الامر بالمعروف عندما ترى التاركين له في حال تركهم، والانكار للمنكر كذلك، فاعلم هذه الجملة فإنا رأينا كثيرا من الناس يغلطون فيها. ومن المهم أن لا تصدق ولا تقبل كل ما ينقل إليك من أفعال الناس وأقوالهم المنكرة، حتى تشاهد ذلك بنفسك أو ينقله إليك مؤمن تقي لا يجازف ولا يقول إلا الحق، وذلك لان حسن الظن بالمسلمين أمر لازم، وقد كثرت بلاغات الناس بعضهم على بعض، وعم التساهل في ذلك، وقلت المبالاة، وارتفعت الامانة، وصار المشكور عند الناس من وافقهم على أنفسهم - وإن كان غير مستقيم لله - والمذموم عندهم من خالفهم - وإن كان عبدا صالحا - فتراهم يمدحون من لا يستأهل المدح لموافقته إياهم، وسكوته على باطلهم، ويذمون من يخالفهم وينصحهم في دينهم. هذا حال الاكثر إلا من عصم الله، فوجب الاحتراز والتحفظ والاحتياط في جميع الأمور، فإن الزمان مفتون، وأهله عن الحق ناكبون، إلا من شاء الله منهم - وهم الاقلون - اه (قوله: والتجسس) هو البحث عما ينكتم عنك من عيوب المسلمين وعوراتهم، فحينئذ عطفه على البحث مرادف. (قوله: واقتحام الدور) أي الدخول فيها من غير إذن صاحبها. (قوله: بالظنون) متعلق بكل من المصادر السابقة. (قوله: نعم إلخ) استدراك من قوله ليس لاحد الخ. لانه يوهم أنه ليس له ذلك، ولو أخبره ثقة بشخص اختفى بمنكر الخ، مع أنه ليس كذلك، فدفع هذا الايهام بالاستدراك المذكور. (قوله: بمن اختفى بمنكر الخ) أي لارادة فعل منكر لا يتدارك لو فعل كالقتل والزنا، فإنه لا يمكن تداركهما بعد حصولهما، بخلاف ما يتدارك كالغصب والسرقة فلا يلزمه فيه ذلك، فإنه يمكن تدارك المغصوب بعد غصبه، والمسروق بعد سرقته. (قوله: لزمه ذلك) أي ما ذكر من البحث والتجسس واقتحام الدور. (قوله: ولو توفق الانكار) أي للمنكر: أي إزالته. (وقوله: على الرفع للسلطان) متعلق بتوقف. (قوله: لم يجب) أي الرفع إلى السلطان. (قوله: لما فيه) أي في الرفع. (وقوله: من هتك حرمة) أي من كشف وفضيحة حرمة المرتكب، وقد أمرنا بسترها ما أمكن. (وقوله: وتغريم مال) أي تغريم السلطان المرتكب مالا، وهذا إن كان المنكر الذي ارتكبه فيه تغريم ماله، أو كان السلطان جائرا يأخذ مالا نكالا. (قوله: وله) أي لابن القشيري، (وقوله: احتمال بوجوبه) أي الرفع للسلطان. (وقوله: إذا لم ينزجر) أي مرتكب المنكر إلا بالرفع إليه (قوله: وهو) أي هذا الاحتمال الاوجه. (قوله: صريح فيه) أي في هذا الاحتمال. تتمة: يجب على الإمام أن ينصب محتسبا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإن كانا لا يختصان بالمحتسب، فيتعين عليه الامر بصلاة الجمعة إذا اجتمعت شروطها، وكذا بصلاة العيد وإن قلنا إنها سنة. فإن قيل: قال الامام: معظم الفقهاء على أن الامر بالمعروف في المستحب مستحب، وهنا مستحب. أجيب: بأن محله في غير المستحب، ولا يقاس بالوالي غيره، ولهذا لو أمر الامام بصلاة الاستسقاء أو صومه صار واجبا، ولا يأمر المخالفين له في المذهب بما لا يجوزونه، ولا ينهاهم عما يرونه فرضا عليهم أو سنة لهم. اه. مغني. (قوله: وتحمل شهادة) أي وكتحمل شهادة أو قيام بتحمل شهادة فيجري عليه ما مر من العطف على قيام، أو على حجج، فهو من فروض الكفاية. (قوله: على أهل له) أي للتحمل: أي بأن يكون مكلفا حرا ذا مروءة وعدالة. (قوله:

_ (1) سورة الحجرات، الاية: 12. حاشية إعانة الطالبين ج 4 م 14

بعذر جمعة (وأدائها) على من يحملها إن كان أكثر من نصاب وإلا فهو فرض عين (وكإحياء كعبة) بحج وعمرة كل عام وتشييع جنازة (ورد سلام) مسنون (عن جمع) أي إثنين فأكثر، فيسقط الفرض عن الباقين ويختص ـــــــــــــــــــــــــــــ حضر إليه) أي إلى الاهل الذي يجب عليه التحمل. (قوله: أو طلبه) أي أو طلب المشهود عليه الاهل الذي يريد التحمل. (وقوله: إن عذر بعذر جمعة) قيد في كون التحمل يجب بالطلب: أي محل وجوبه عليه بالطلب إن عذر: أي الطالب المشهود عليه، فإن لم يعذر لا يجب التحمل بالطلب. وعبارة المغني: وتحمل الشهادة إن حضر المشهود عليه، فإن دعا الشاهد المتحمل، لم يجب عليه إلا إن دعاه قاض أو معذور بمرض أو نحوه. اه. (قوله: وأدائها) أي وكأداء الشهادة والقيام بأداء الشهادة فهو من فروض الكفاية. (وقوله: إن كان أكثر من نصاب) قيد في كونه فرض كفاية: أي محل كون الاداء فرض كفاية على المتحمل إن كان أكثر من نصاب. والنصاب في الشهود يختلف، ففي نحو الزنا أربعة، وفي الاموال والعقود رجلان، أو رجل وامرأتان، ولما يظهر للرجال غالبا كنكاح وطلاق وعتق رجلان. وهكذا وسيذكر ذلك في باب الشهادة. (قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم يكن المتحمل أكثر من نصاب، بل كان نصابا فقط، فيكون الاداء فرض عين. قال في المغني. تنبيه: التحمل يفارق الاداء من جهة أن التحمل فرض كفاية على الناس، والاداء على من تحمل دون غيره. قاله الماوردي في باب الشهادة: وفرض الاداء أغلظ من فرض التحمل لقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة) * اه. (قوله: وكإحياء الخ) عطف على قوله كقيام. وانظر لم أعاد العامل؟ والاولى عدم ذكره لكون المعطوفات على نسق واحد، فإحياء الكعبة - أي قصدها بالنسك من جمع - يحصل بهم للشعار فرض كفاية كل عام. (وقوله: بحج وعمرة) فلا يكفي إحياؤها بأحدهما، ولا بغيرهما كالصلاة والاعتكاف. تنبيه: قاله في المغنى: ولا يشترط في القائمين بهذا الفرض قدر مخصوص، بل الفرض أن يحجها كل سنة بعض المكلفين. قاله في المجموع. قال الاسنوي: ويتجه اعتباره من عدد يظهر بهم الشعار اه. ونوزع في ذلك. فإن قيل: كيف الجمع بين هذا وبين المتطوع بالحج، لأن إحياء الكعبة بالحج من فروض الكفايات فكل، وقد يجيئون كل سنة للحج، فهم يحيون الكعبة، فمن كان عليه فرض الاسلام حصل ما أتى به سقوط فرضه، ومن لم يكن عليه فرض الاسلام كان قائما بفرض الكفاية فلا يتصور حج التطوع؟. أجيب: بأن هنا جهتين من حيثيتين: جهة التطوع من حيث إنه ليس عليه فرض الاسلام، وجهة فرض الكفاية من حيث الامر بإحياء الكعبة، فيصح أن يقال هو تطوع من حيث إنه ليس فرض عين، وأن يقال فرض كفاية من حيث الاحياء، وبأن وجوب الاحياء لا يستلزم كون العبادة فرضا، لان الواجب المتعين قد يسقط بالمندوب، كاللمعة المغفلة في الوضوء تغسل في الثانية أو الثالثة، والجلوس بين السجدتين بجلسة الاستراحة. وإذا سقط الواجب المتعين بفعل المندوب، ففرض الكفاية أولى. ولهذا تسقط صلاة الجنازة عن المكلفين بفعل الصبي. ولو قيل يتصور ذلك في العبيد والصبيان والمجانين لكان وجيها. اه. (قوله: وتشييع جنازة) أي وكتشييع جنازة، فهو فرض كفاية، ومثله غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه. (قوله: ورد سلام) أي وكرد سلام، أي جوابه، فهو فرض كفاية إذا كان المسلم مسلما مميزا غير متحلل به من صلاة، أما كونه فرضا فلقوله تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * وأما كونه كفاية فلخبر: يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم. (وقوله: مسنون) صفة السلام، وخرج به غير المسنون مما سيذكره في قوله ولا يندب السلام على قاضي حاجة الخ فلا يجب رده. (قوله: عن جمع) عن بمعنى على، وهي ومجرورها متعلق بسلام: أي أن رد السلام الكائن على جماعة فرض كفاية عليهم، إذا قام به واحد منهم سقط الحرج عن

_ (1) سورة البقرة، الاية: 283. (2) سورة النساء، الاية: 86.

بالثواب، فإن ردوا كلهم - ولو مرتبا - أثيبوا ثواب الفرض كالمصلين على الجنازة. ولو سلم جمع مرتبون على واحد فرد مرة قاصدا جميعهم، وكذا لو أطلق على الاوجه أجزأه ما لم يحصل فصل ضار. ودخل في قولي مسنون سلام امرأة على امرأة أو نحو محرم أو سيد أو زوج وكذا على أجنبي وهي عجوز لا تشتهى. ويلزمها في هذه الصورة رد سلام الرجل. أما مشتهاة ليس معها امرأة أخرى فيحرم عليها رد سلام أجنبي، ومثله ابتداؤه ويكره رد سلامها، ومثله ابتداؤه أيضا. والفرق أن ردها وابتداءها يطمعه لطمعه فيها أكثر - بخلاف ابتدائه ورده. قاله شيخنا. ولو سلم على جمع نسوة وجب رد إحداهن إذ لا يخشى فتنة حينئذ. وخرج بقولي عن جمع الواحد ـــــــــــــــــــــــــــــ الباقين. (قوله: أي اثنين فأكثر) ولا بد أن يكونوا مكلفين، أو سكارى لهم نوع تمييز سمعوه. (قوله: ويختص) أي الرد بالثواب. (قوله: فإن ردوا كلهم) أي كل المسلم عليهم. (وقوله: ولو مرتبا) أي ولو كان ردهم مرتبا، وليس في آن واحد. (قوله: أثيبوا) أي كلهم. (وقوله: ثواب الفرض) أي فرض الكفاية. (قوله: كالمصلين على الجنازة) أي فإنهم يثابون كلهم ثواب الفرض. فإن قلت: لم لم يسقط الفرض برد الصبي بخلاف نظيره في الجنازة؟. قلت: لأن القصد ثم الدعاء، وهو منه أقرب للاجابة، والقصد هنا الامن، وهو ليس من أهله. (قوله: ولو سلم جمع مرتبون) أي أو دفعة. (قوله: فرد مرة) أي فأجابهم بجواب واحد. (وقوله: قاصدا جميعهم) أي قاصدا الرد على جميعهم: (وقوله: وكذا لو أطلق) أي لم يقصد شيئا. وخرج بذلك ما إذا قصد الابتداء فلا يسقط به الفرض. (قوله: أجزأه) أي الرد عن الجميع. (قوله: ما لم يحصل فصل ضار) أي بين السلام والجواب، فإن حصل فصل ضار فلا يجزئه، وفيه أنه كيف يتصور عدم وجود فصل ضار بالنسبة لغير السلام الاخير المتصل بالجواب، إذا كان المسلمون كثيرا، وسلم واحد بعد واحد كما هو فرض المسألة. ثم رأيت في المغني ما يؤيد الاشكال ونص عبارته: وظاهر كلام المجموع أنه لا فرق بين أن يسلموا دفعة واحدة أو متفرقين، وهو كما قاله بعض المتأخرين ظاهر فيما إذا سلموا دفعة واحدة، أما لو سلموا واحدا بعد واحد، وكانوا كثيرين، فلا يحصل الرد لكلهم: إذ قد مر أن شرط حصول الواجب، أن يقع متصلا بالابتداء. اه. (قوله: سلام امرأة على امرأة) أي فإنه مسنون. (قوله: أو نحو محرم) بالجر عطف على امرأة: أي سلامها على نحو محرم، والأولى حذف لفظ نحو، لأن ما اندرج تحته صرح به بعد. (قوله: أو سيد أو زوج) أي أو سلامها على زوج أو سيد. (قوله: وكذا على أجنبي) أي وكذا دخل في المسنون، سلامها على رجل أجنبي، والحال أنها عجوز لا تشتهي. (قوله: ويلزمها) أي المرأة. (وقوله: في هذه الصورة) أي صورة كونها عجوزا لا تشتهي. (وقوله: رد سلام الرجل) أي إذا سلم الرجل عليها وهي عجوز لا تشتهي، لزمها أن ترد عليه، لان سلامه عليها مسنون كسلامها عليه. (أما مشتهاة إلخ) مفهوم قوله لا تشتهي. والحاصل: يحرم الرد عند اختلاف الجنس بشروط أربعة: كون الانثى وحدها، وكونها مشتهاة، وكون الرجل وحده، وانتفاء المحرمية ونحوها: كالزوجية. (قوله: ومثله) أي ومثل الرد في حرمته منها ابتداؤه منها، فإنها حرام. (قوله: ويكره رد سلامها) أي يكره على الاجنبي أن يرد سلام المشتهاة. (وقوله: ومثله) أي الرد في الكراهة، ابتداء السلام منه عليها. (قوله: والفرق) أي بين ابتدائها وردها حيث حرما، وبين رده وابتدائه حيث كرها. (وقوله: أن ردها) أي الاجنبية المشتهاة على الاجنبي. (وقوله: وابتداءها) أي ابتداء السلام منها عليه. (وقوله: يطمعه لطمعه فيها أكثر) في بعض نسخ الخط إسقاط لفظة لطمعه، وهو الصواب الموافق لما في التحفة، وإلا لزم تعليل الشئ بنفسه. والمراد إن كلا من ردها سلام الاجنبي، أو ابتدائها بالسلام عليه، يطمع ذلك الاجنبي فيها طمعا أكثر من طمعه فيها الحاصل برده عليها، أو ابتدائها به. (قوله: بخلاف ابتدائه ورده) أي فلا يطمعه كل منهما فيها أكثر. (قوله: قاله شيخنا) أي قال ما ذكر

فالرد فرض عين عليه ولو كان المسلم صبيا مميزا. ولا بد في الابتداء والرد من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع المحقق ولو في ثقيل السمع. نعم: إن مر عليه سريعا بحيث لم يبلغه صوته فالذي يظهر - كما قاله شيخنا - أنه يلزمه الرفع وسعيه دون العدو خلفه. ويجب اتصال الرد بالسلام كاتصال قبول البيع بإيجابه. ولا بأس بتقديم عليك في رد سلام الغائب لان الفصل ليس بأجنبي. وحيث زالت الفورية فلا قضاء - خلافا لما يوهمه كلام الروياني. ويجب في الرد على الاصم أن يجمع بين اللفظ والاشارة ولا يلزمه الرد إلا إن جمع له ـــــــــــــــــــــــــــــ من قوله ودخل في قولي مسنون، لا الفرق فقط، وإن كان هو ظاهر عبارته كما يعلم من الوقوف على عبارة شيخه في التحفة. (قوله: ولو سلم) أي أجنبي. (وقوله: على جمع نسوة) التركيب إضافي أو توصيفي. (قوله: وجب إلخ) جواب لو، (وقوله: رد إحداهن) فلو رددن كلهن جاز وأثبن ثواب الفرض، فالتقييد بإحداهن ليس بمتعين. قال في المغني: ولا يكره أي الرد على جمع نسوة أو عجوز، لانتفاء خوف الفتنة، بل يندب الابتداء به منهن على غيرهن وعكسه. اه. (قوله: إذ لا يخشى فتنة حينئذ) أي حين إذ كن جمعا، وهو علة وجوب الرد. (قوله: وخرج بقولي عن جمع الواحد) أي المسلم عليه الواحد. (وقوله: فالرد فرض عين عليه) أي جواب السلام يكون فرض عين عليه، لكن إن كان مكلفا. (قوله: ولو كان المسلم إلخ) غاية في كونه فرض عين. (قوله: ولا بد في الابتداء والرد من رفع الصوت) أي فلا تسقط سنية الابتداء إلا برفع الصوت، ولا تسقط فرضية الرد إلا بذلك أيضا. (وقوله: بقدر ما يحصل به السماع) أي أنه يرفع كل من المبتدئ والراد صوته بقدر ما يحصل به سماع كل للآخر سماعا محققا، ولو بالنسبة لثقيل السمع. قال في الأذكار: وأقل السلام الذي يصير به مسلما مؤديا سنة السلام، أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه، فإن لم يسمعه، لم يكن آتيا بالسلام، فلا يجب الرد عليه. وأقل ما يسقط به فرض رد السلام، أن يرفع صوته بحيث يسمعه المسلم، فإن لم يسمعه، لم يسقط عنه فرض الرد. ذكرهما المتولي وغيره. قلت: والمستحب أن يرفع صوته رفعا يسمعه به المسلم عليه، أو عليهم سماعا محققا، وإذا تشكك في أنه يسمعهم زاد في رفعه واحتاط. واستثنى ما إذا سلم على إيقاظ عندهم نيام، فالسنة أن يخفض صوته بحيث يحصل سماع الايقاظ ولا يستيقظ النيام. اه. (قوله: نعم الخ) استدراك على إشتراط حصول السماع المحقق. (وقوله: إن مر الخ) فاعل مر يعود على المسلم، وكذلك ضمير يبلغه، وباقي الضمائر يعود على المسلم عليه. والمعنى: إذا سلم شخ ص وهو مار بسرعة على آخر، وبعد عنه بحيث أنه إذا رد عليه، لم يبلغ المسلم صوته يجب على ذلك الآخر المسلم عليه، أن يرفع صوته طاقته، ولا يجب عليه أن يسعى خلفه، سواء بلغه صوته أم لا. (قوله: ويجب اتصال الرد بالسلام) أي الصادر من المسلم نفسه، أو من المبلغ، فالاتصال في كل شئ بحسبه. فلا يعترض. ويقال أن ذاك ظاهر فيما لو كان السلام حصل من المسلم مشافهة، أما إذا كان بالتبليغ، فلا يتصور: أي فلو فصل بينهما كلام أجنبي، أو سكوت طويل، لم يسقط به الفرض. (قوله: كإتصال قبول إلخ) أي نظير وجوب إتصال قبول البيع بإيجابه. (قوله: ولا بأس بتقديم عليك إلخ) أي بأن يقول فيه كما سيأتي، وعليك وعليه السلام، فالفصل بعليك غير مضر، لانه ليس بأجنبي، أو هو مستثنى، كما عبر به بعضهم. (قوله: وحيث زالت الفورية) أي في الرد، أي لم يحصل رد فورا، والانسب بما قبله أن يقول وحيث لم يحصل الاتصال. (وقوله: فلا قضاء) أي فلا يقضى الرد، بل يفوت عليه ويأثم بذلك. قال سم: ويؤيد عدم القضاء، أو يصرح به، قول الاذكار: فصل قال الإمام أبو محمد القاضي حسين، والامام أبو الحسن الواحدي وغيرهما: ويشترط أن يكون الجواب على الفور، فإن أخره ثم رد، لم يعد جوابا، وكان آثما بترك الرد. اه. فقوله لم يعد جوابا وكان آثما الخ: يقتضي ذلك، إذ لو كان يقضى، لم يقل بترك الرد: كأن يقول بتأخير الرد. اه. (قوله: خلافا لما يوهمه كلام الروياني) أي من أنه يقضى إذا زالت الفورية. (قوله: ويجب في الرد على الاصم الخ) به يعلم الفرق بين ثقيل السمع وبينه.

المسلم عليه بين اللفظ والاشارة (وابتداؤه) أي السلام عند إقباله أو انصرافه على مسلم غير نحو فاسق أو مبتدع حتى الصبي المميز وإن ظن عدم الرد (سنة) عينا للواحد وكفاية للجماعة كالتمسية للاكل لخبر: أن أولى ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: إن يجمع) أي الراد ليحصل الافهام، ويسقط عنه فرض الجواب. (وقوله: بين اللفظ والاشارة) أي بنحو اليد. ويغني عن الاشارة علمه بأن الاصم فهم بقرينة الحال، والنظر إلى فهمه الرد عليه. كذا في شرح الروض. (قوله: ولا يلزمه الرد إلخ) أي ولا يلزم الاصم الرد على من سلم عليه، إلا إن جمع له من سلم عليه بين اللفظ والاشارة. قال في الروض وشرحه. وتجزئ إشارة الاخرس إبتداء وردا، لان إشارته قائمة مقام العبارة. (قوله: وابتداؤه أي السلام) يؤخذ من قوله إبتداؤه، أنه لو أتى به بعد تكلم لم يعتد به. نعم: يحتمل في تكلم سهوا أو جهلا، وعذر به أنه لا يفوت الابتداء به فيجب جوابه. اه. تحفة. (قوله: عند إقباله) أي على شخص مسلم. (وقوله: أو انصرافه) أي عنه: أي إذا أراد أن ينصرف عنه، يسن للمنصرف إبتداء السلام عليه. (قوله: على مسلم) متعلق بالسلام. وخرج به الكافر، فلا يسن السلام عليه، بل يحرم - كما سيذكره - (قوله: غير نحو فاسق أو مبتدع) سيأتي محترزهما. (قوله: حتى الصبي المميز) غاية في المسلم: أي يسن السلام عليه، ولو كان صبيا مميزا. (قوله: وإن ظن عدم الرد) غاية في سنية ابتداء السلام على مسلم. فلو أخرها عن قوله سنة لكان أولى (قوله: سنة) قال الحليمي: وإنما كان الرد فرضا والابتداء سنة، لان أصل السلام أمان ودعاء بالسلامة، وكل اثنين أحدهما آمن من الآخر، يجب أن يكون الآخر آمنا منه، فلا يجوز لاحد إذا سلم عليه غيره أن يسكت عنه لئلا يخافه. اه. واعلم: أن أصل السلام ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقد قال سبحانه وتعالى: * (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) *. وقال تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) *. وقال تعالى: * (فقالوا سلاما قال سلام) *. وأما السنة ففي الصحيحين: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الاسلام خير؟ قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعر ف. وفيهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خلق الله عزوجل آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. فزادوه رحمة الله. وفيهما عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار القسم. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أو لا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم. (قوله: عينا للواحد) حال من سنة: أي حال كون السنة عينا: أي سنة عين من الواحد. (قوله: وكفاية للجماعة) أي وسنة كفاية إذا كان من جماعة، فإذا فعله واحد منهم، فقد أدى المطلوب وسقط الطلب به عن الباقين. قال ابن رسلان في زبده: والسنة المثاب من قد فعله ولم يعاقب امرؤ إن أهمله ومنه مسنون على الكفاية كالبدء بالسلام من جماعة (قوله: كالتسمية للاكل) أي فإنها سنة عين من الواحد، وكفاية من الجماعة. (قوله: لخبر إلخ) دليل على سنية إبتداء السلام: أي وإنما كان سنة لخبر: إن أولى الناس بالله - أي برحمته، أو بدخول جنته - أي من بدأهم بالسلام.

_ (1) سورة النور، الاية: 61. (2) سورة النساء، الاية: 86. (3) سورة الذاريات، الاية: 25.

الناس بالله من بدأهم بالسلام. وأفتى القاضي بأن الابتداء أفضل كما أن إبراء المعسر أفضل من إنظاره وصيغة ابتدائه السلام عليكم أو سلام عليكم، وكذا عليكم السلام أو سلام، لكنه مكروه للنهي عنه ومع ذلك يجب الرد فيه - بخلاف وعليكم السلام بالواو - إذ لا يصلح للابتداء والافضل في الابتداء والرد الاتيان بصيغة الجمع حتى في الواحد لاجل الملائكة والتعظيم وزيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته. ولا يكفي الافراد ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وأفتى القاضي بأن الابتداء أفضل) أي من الرد، وإن كان واجبا. (قوله: كما أن إبراء المعسر أفضل من إنظاره) أي مع أن الابراء سنة، والانظار واجب. (قوله: وصيغة إبتدائه السلام عليكم) أي وصيغة رده: وعلكيم السلام، أو سلام ولو ترك الواو جاز - وإن كان ذكرها أفضل - فإن عكس فيهما، بأن قال في الابتداء عليكم السلام، وقال في الرد السلام عليكم، جاز وكفى. فإن قال في الرد وعليكم وسكت عن السلام لم يجز: إذ ليس فيه تعرض للسلام. (قوله: وكذا عليكم السلام) أي وكذلك يكفي في صيغة الابتداء عليكم السلام بتقديم الخبر. (قوله: أو سلام) معطوف على لفظ السلام: أي وكذا يكفي عليكم سلام، بالتنكير وتقديم الخبر. (قوله: لكنه مكروه) أي لكن الاتيان في الابتداء بعليكم السلام، أو عليكم سلام مكروه، فضمير لكنه يعود على ما بعد، وكذا لا على قوله أو سلام فقط. وعبارة النهاية: ويجزئ مع الكراهة عليكم السلام، ويجب فيه الرد، وكعليكم السلام عليكم سلام. اه. (وقوله: للنهي عنه) أي في خبر الترمذي وغيره. (قوله: ومع ذلك) أي مع كونه مكروها. (وقوله: يجب الرد فيه) أي في هذا المكروه. (قوله: بخلاف وعليكم السلام) أي فإنه لا يجب فيه الرد، لأنه لا يصلح لابتداء السلام، لتقدم واو العطف. (قوله: والافضل في الابتداء والرد إلخ) قال النووي في الأذكار: اعلم أن الأفضل أن يقول المسلم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيأتي بضمير الجمع، وإن كان المسلم عليه واحدا ويقول المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله وعليكم. وممن نص على أن الافضل في المبتدئ أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الامام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في كتابه الحاوي في كتاب السير، والامام أبو سعيد المتولي من أصحابنا في كتاب صلاة الجمعة وغيرهما. ودليله ما رويناه في مسند الدارمي وسنن أبي داود والترمذي، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام ثم جلس. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر. ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرده عليه فجلس، فقال عشرون. ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال ثلاثون قال الترمذي حديث حسن. وفي رواية لأبي داود من رواية معاذ بن أنس رضي الله عنه زيادة على هذا: قال: ثم أتى آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال أربعون، وقال: هكذا تكون الفضائل. اه. (قوله: حتى في الواحد) أي يأتي المبتدئ بصيغة الجمع، ولو كان المسلم عليه واحدا، ويأتي الراد بذلك أيضا، ولو كان المسلم عليه واحدا. (وقوله: لاجل الملائكة) أي نظرا لمن معه من الملائكة. قال ابن العربي: إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أو سلمت على أحد في الطريق، فقلت السلام عليكم، فأحضر في قلبك كل عبد صالح لله في الارض والسماء، وميت وحي، فإن من في ذلك المقام يرد عليك، فلا يبقى ملك مقرب، ولا روح مطهر، يبلغه سلامك إلا ويرد عليك، وهو دعاء فيستجاب فيك فتفلح، ومن لم يبلغه سلامك من عباد الله المهيم في جلاله المشتغل به، فأنت قد سلمت عليه في هذا الشمول، فإن الله ينوب عنه في الرد عليك، وكفى بهذا شرفا لك حيث يسلم عليك الحق. فليته لم يسمع أحد ممن سلمت عليه، حتى ينوب الله عن الكل في الرد عليك. اه. مناوي. (قوله: وزيادة إلخ) أي والافضل زيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته، لما تقدم آنفا عن النووي، ولما روي عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل يمر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يرعى دواب أصحابه فيقول السلام عليك يا رسول الله، فيقول له النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه. فقيل يا رسول الله تسلم على هذا سلاما ما تسلمه على أحد من

للجماعة ولو سلم كل على الآخر فإن ترتبا كان الثاني جوابا: أي ما لم يقصد به الابتداء وحده كما بحثه بعضهم وإلا لزم كلا الرد. فروع: يسن إرسال السلام للغائب ويلزم الرسول التبيلغ لانه أمانة ويجب أداؤها. ومحله ما إذا رضي بتحمل تلك الامانة. أما لو ردها فلا وكذا إن سكت. وقال بعضهم: يجب على الموصى به تبليغه ومحله - كما قال شيخنا - إن قبل الوصية بلفظ يدل على التحمل ويلزم المرسل إليه الرد فورا باللفظ في الارسال وبه أو بالكتابة فيها. ويندب الرد أيضا على المبلغ والبداءة به فيقول عليك وعليه السلام، للخبر المشهور فيه. وحكى ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحابك. قال وما يمنعني من ذلك وهو ينصرف بأجر بضعة عشر رجلا. (قوله: ولا يكفي الافراد للجماعة) أي ولا يكفي الافراد في السلام على الجماعة فلا يجب عليهم الرد. (قوله: ولو سلم كل) أي من اثنين تلاقيا. (قوله: فإن ترتبا) أي السلامان بأن تقدم أحدهما على الآخر. (وقوله: كان الثاني جوابا) أي كان السلام الثاني كافيا في الرد: أي إن قصد به الرد أو أطلق أو شرك أخذا مما بعده. (وقوله: ما لم يقصد) أي المسلم الثاني به: أي بسلامه الابتداء وحده، فإن قصده وحده لم يكف عن الجواب، فيجب عليه رد السلام على من سلم عليه أولا. (قوله: وإلا لزم كلا الرد) أي وإن لم يترتبا، بأن وقع سلامهما دفعة واحدة، لزم كلا منهما أن يرد سلام الآخر. (قوله: يسن إرسال السلام) أي برسول أو بكتاب. (وقوله: للغائب) أي الذي يشرع له السلام عليه لو كان حاضرا بأن يكون مسلما غير نحو فاسق أو مبتدع (قوله: ويلزم الرسول التبليغ) أي ولو بعد مدة طويلة، بأن نسي ذلك ثم تذكره لانه أمانة. اه. ع ش (قوله: لأنه) أي السلام المرسل أمانة. (قوله: ويجب أداؤها) أي الامانة. قال بعضهم: والظاهر أنه لا يلزم المبلغ قصد محل الغائب، بل إذا اجتمع به وذكر بلغه. اه. ونظر فيه في التحفة، وقال: بل الذي يتجه أنه يلزمه قصد محله حيث لا مشقة شديدة عرفا عليه، لان أداء الامانة ما أمكن واجب. اه. (قوله: ومحله) أي ومحل لزوم التبليغ عليه. (وقوله: ما إذا رضي) أي لفظا والأولى حذف لفظ ما والاقتصار على ما بعده. (وقوله: بتحمل تلك الامانة) أي وهي السلام المرسل للغائب. (قوله: أما لو ردها) أي تلك الامانة (وقوله: فلا) أي فلا يلزمه التبليغ. (قوله: وكذا إن سكت) أي وكذا لا يلزمه التبليغ إن سكت ولم يردها لفظا. قال في التحفة بعده أخذا من قولهم لا ينسب لساكت قول، وكما لو جعلت بين يديه وديعة فسكت. ويحتمل التفصيل بين أن تظهر منه قرينة تدل على الرضا وعدمه. اه. (قوله: وقال بعضهم إلخ) عبارة التحفة: ثم رأيت بعضهم قال: قالوا يجب على الموصى به تبليغه ومحله الخ. اه. فالشارح تصرف فيها حتى جعل قوله ومحله الخ من كلامه وأنه تابع فيه لشيخه مع أنه من مقول البعض، كما يعلم من آخر عبارة التحفة. (وقوله: يجب على الموصى به تبليغه) يعني إذا أوصى شخص آخر أن يبلغ سلامه على زيد مثلا بعد موته، فيجب على ذلك الشخص الموصى - بفتح الصاد - بالسلام التبليغ. (قوله: ومحله) أي ومحل وجوب التبليغ على الوصي. (وقوله: إن قبل الوصية) أي لانه يبعد تكليفه الوجوب بمجرد الوصية. (وقوله: يدل على التحمل) أي تحمل أمانة السلام. (قوله: ويلزم المرسل إليه الرد فورا) أي إن أتى الرسول بصيغة معتبرة، كأن قال له فلان يقول لك السلام عليك، أو أتى المرسل بها، كأن قال السلام على فلان فبلغه عني، فقال الرسول له: زيد يسلم عليك. والحاصل، لا بد في وجوب الرد، من صيغة شرعية من المرسل أو الرسول، بخلاف ما إذا لم توجد من واحد منهما، كأن قال المرسل سلم لي على فلان، فقال الرسول لفلان زيد يسلم عليك، فلا يجب الرد. (قوله: وبه الخ) معطوف على باللفظ: أي ويلزم المرسل إليه الرد فورا باللفظ أو بالكتابة، فيما إذا أرسل له السلام في كتاب فيلزم الرد إما باللفظ أو بالكتابة. (قوله: ويندب الرد) أي في ضمن رده على المرسل، كما يعلم من التفريع بقوله فيقول الخ. (قوله: والبداءة به) أي ويندب البداءة بالمبلغ في صيغة رد السلام. (قوله: فيقول الخ) بيان لكيفية

بعضهم ندب البداءة بالمرسل. ويحرم أن يبدأ به ذميا ويستثنيه وجوبا بقلبه إن كان مع مسلم. ويسن لمن دخل محلا خاليا أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ولا يندب السلام على قاضي حاجة بول أو غائط أو جماع أو استنجاء ولا على شارب وآكل في فمه اللقمة لشغله ولا على فاسق بل يسن تركه على مجاهر بفسقه ـــــــــــــــــــــــــــــ صيغة الرد على المبلغ، مع البداءة به وعلى المرسل: أي فيقول المرسل إليه في الرد عليهما، وعليك وعليه السلام. (قوله: للخبر المشهور فيه) أي في ندب الرد على المبلغ مع البداءة به، وذلك الخبر هو ما رواه أبو داود في سننه، عن غالب القطان عن رجل قال له: حدثني أبي عن جدي قال: بعثني أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ائته فأقرئه السلام، فأتيته فقلت إن أبي يقرئك السلام، فقال عليك السلام وعلى أبيك السلام. (قوله: ندب البداءة بالمرسل) أي بأن يقول وعليه وعليك السلام. (قوله: ويحرم أن يبدأ به) أي بالسلام ذميا، وذلك للنهي عنه في خبر مسلم، فإن بان من سلم عليه معتقدا أنه مسلم ذميا، استحب له أن يسترد سلامه، بأن يقول له رد علي سلامي. والغرض من ذلك أن يوحشه، ويظهر له أنه ليس بينهما ألفة. وروي أن ابن عمر سلم على رجل، فقيل له إنه يهودي فتبعه، وقال له: رد علي سلامي. قال النووي في الاذكار: روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه. وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليكم. وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك، فقل وعليك. ثم قال: قال أبو سعيد: لو أراد تحية ذمي فعلها بغير السلام، بأن يقول هداك الله، وأنعم الله صباحك. قلت: هذا الذي قاله أبو سعيد لا بأس به إذا احتاج إليه، وأما إذا لم يحتج إليه، فالاختيار أن لا يقول شيئا، فإن ذلك بسط له وإيناس، وإظهار صورة مودة، ونحن مأمورون بالاغلاظ عليهم، ومنهيون عن ودهم فلا نظهره. والله أعلم. اه. (قوله: ويستثنيه) أي الذمي وجوبا إن كان ذلك الذمي مع مسلم. قال النووي في الاذكار أيضا: إذا مر على جماعة فيهم مسلمون، أو مسلم وكفار، فالسنة أن يسلم عليهم، ويقصد المسلمين أو المسلم. روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أسامة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الاوثان واليهود، فسلم عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -. اه. (قوله: ويسن لمن دخل إلخ) قال في الروض وشرحه: ومن دخل داره فليسلم ندبا على أهله، لخبر أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم، يكن بركة عليك وعلى أهلك رواه الترمذي، وقال حسن صحيح، أو دخل موضعا خاليا عن الناس فليقل ندبا، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. لما روى مالك في موطئه، أنه بلغني أنه يستحب ذلك، وقال تعالى: * (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) * وليقل ندبا قبل دخوله، بسم الله، ويدعو بما أحب، ثم يسلم بعد دخوله لخبر أبي داود، إذا ولج الرجل بيته فليقل اللهم إني أسألك خير المولج وخير المدخل. بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله توكلنا، ثم يسلم على أهله. اه. (قوله: ولا يندب السلام على قاضي حاجة إلخ) أي للنهي عنه، ولان مكالمته بعيدة عن المروءة والادب، ولا يندب أيضا على من في الحمام. قال الرافعي: لانه بيت الشيطان، ولاشتغاله بالغسل. اه. (وقوله: بول) مضاف إليه لفظ حاجة، والاضافة فيه للبيان. (قوله: ولا على شارب) أي ولا يندب على شارب: أي في فمه جرعة ماء على قياس ما بعده. (وقوله: لشغله) أي المذكور من الشارب والآكل، بما في فيه من الماء واللقمة. (قوله: ولا على فاسق) أي ولا يندب السلام على فاسق. قال الإمام النووي في الاذكار: وأما المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما ولم يتب منه، فينبغي أن لا يسلم عليهم ولا يرد عليهم السلام، كذا قاله البخاري وغيره من العلماء. فإن اضطر إلى السلام على

_ (1) سورة النور، الاية: 61.

ومرتكب ذنب عظيم لم يتب منه ومبتدع إلا لعذر أو خوف مفسدة ولا على مصل وساجد ومؤذن ومقيم وخطيب ومستمعه ولا رد عليهم إلا مستمع الخطيب فإنه يجب عليه ذلك بل يكره الرد لقاضي الحاجة والجامع والمستنجي ويسن للآكل وإن كانت اللقمة بفيه. نعم: يسن السلام عليه بعد البلع وقبل وضع اللقمة بفيه، ويلزمه الرد ويسن الرد لمن في الحمام وملب باللفظ ولمصل ومؤذن ومقيم بالاشارة، وإلا فبعد الفراغ أي إن ـــــــــــــــــــــــــــــ الظلمة، بأن دخل عليهم وخاف ترتب مفسدة على دينه أو دنياه أو غيرهما، إن لم يسلم عليهم. قال الإمام أبو بكر بن العربي: قال العلماء يسلم وينوي أن السلام من أسماء الله تعالى: المعنى الله عليكم رقيب. اه. (قوله: بل يسن تركه) أي ترك السلام فيثاب عليه. (وقوله: على مجاهر بفسقه) حال من ضمير تركه، أو متعلق بنفس الضمير، بناء على القول بجواز ذلك إذا عاد على ما يجوز التعلق به. (قوله: ومرتكب ذنب عظيم) الذي يظهر أنه معطوف على مجاهر، ومثله ما بعده. ثم رأيت العلامة الرشيدي صرح به مستدلا بعبارة التحفة المماثلة لعبارة شارحنا. فتحصل أن هؤلاء لا يسن إبتداء السلام عليهم. ويسن تركه بحيث يثاب عليه، وما عداهم من مرتكب ذنب غير عظيم، وهو مخف لا يسن السلام عليه فقط، وأما تركه فليس بسنة، بل هو مباح. (قوله: إلا لعذر) يحتمل إرتباطه بقوله ولا على فاسق، ويحتمل إرتباطه بقوله بل يسن تركه. قال ع ش: ومن العذر خوفه أن يقطع نفقته. (قوله: أو خوف مفسدة) عطف على عذر من عطف الخاص على العام. إذ العذر شامل لخوف المفسدة. (قوله: ولا على مصل إلخ) أي ولا يندب السلام على مصل الخ. والحاصل، ضابط من لا يندب السلام عليه كل شخص مشغول بحالة لا يليق بالمروءة القرب منه فيها. كذا في شرح الروض. (قوله: ولا رد عليهم) أي ولا رد واجب عليهم: أي على قاضي الحاجة ومن بعده، لان من لا يستحب السلام عليه لا يلزمه رده لو سلم عليه، إلا ما استثني. (قوله: إلا مستمع الخطيب) أي إذا سلم عليه. (وقوله: فانه يجب عليه ذلك) أي الرد. أي مع أن السلام عليه مكروه، وقيل لا يجب عليه الرد، لتقصير المسلم عليه. وعبارة المغني: وإذا سلم على حاضر الخطبة وقلنا بالجديد لا يحرم عليهم الكلام، ففي الرد ثلاثة أوجه: أصحها عند البغوي وجوب الرد، وصححه البلقيني، والثاني استحبابه، والثالث جوازه. اه. (قوله: بل يكره الرد لقاضي الحاجة إلخ) أي لأنه يسن لهم عدم الكلام مطلقا. (قوله: ويسن) أي الرد للآكل المتقدم، وهو الذي سلم عليه واللقمة بفمه. (وقوله: وإن كانت اللقمة بفيه) أي يسن للآكل المذكور الرد سواء كانت اللقمة باقية بفمه أو لا. (قوله: نعم: يسن إلخ) استثناء من الآكل، وهو في الحقيقة مفهوم التقييد بقوله سابقا في فمه اللقمة، فإنه يفهم منه أنه إذا لم تكن في فمه يندب السلام عليه، وإذا ندب وجب رده. وعبارة المغني: واستثنى الامام من الآكل، ما إذا سلم عليه بعد الابتلاع. وقبل وضع لقمة أخرى، فيسن السلام عليه، ويجب عليه الرد، وكذا من في محل نزع الثياب في الحمام - كما جرى عليه الزركشي وغيره - اه. (قوله: ويسن الرد لمن في الحمام) الاخصر حذف قوله: ويسن الرد. ويكون قوله ولمن الخ معطوفا على للآكل وهو الاولى أيضا، ليكون قوله باللفظ مرتبطا برد الآكل أيضا. (قوله: وملب) أي ويسن الرد لملب. قال النووي: والملبي يكره أن يسلم عليه، لانه يكره له قطع التلبية، فإن سلم عليه، رد السلام باللفظ. نص عليه الشافعي وأصحابنا. اه. (قوله: ولمصل إلخ) أي ويسن الرد لمن سلم عليه وهو في الصلاة أو الأذان أو الإقامة بالاشارة بالرأس أو باليد أو بغير ذلك. قال النووي في الاذكار: وأما المصلي فيحرم عليه أن يقول وعليكم السلام، فإن فعل ذلك بطلت صلاته إن كان عالما بتحريمه، وإن كان جاهلا لم تبطل على أصح الوجهين عندنا، وإن قال عليه السلام - بلفظ الغيبة - لم تبطل صلاته، لانه دعاء ليس بخطاب، والمستحب أن يرد عليه في الصلاة بالاشارة، ولا يتلفظ بشئ، وإن رد بعد الفراغ من الصلاة فلا بأس. وأما المؤذن فلا يكره له رد الجواب بلفظه المعتاد، لان ذلك يسير لا يبطل الاذان ولا يخل به. اه. وما جرى عليه الشارح في الاذان من رده بالإشارة، وإلا فبعد الفراغ خلاف ما ذكر. (قوله: بالاشارة) متعلق بما تعلق به.

قرب الفصل، ولا يجب عليهم. ويسن عند التلاقي سلام صغير على كبير وماش على واقف وراكب عليهم وقليلين على كثيرين. فوائد: وحتى الظهر مكروه. وقال كثيرون حرام. وأفتى النووي بكراهة الانحناء بالرأس وتقبيل نحو رأس أو يد أو رجل لا سيما لنحو غني لحديث: من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه. ويندب ذلك لنحو صلاح أو ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: لمصل إلخ) أي ويسن الرد بالاشارة لمصل إلخ. (قوله: وإلا فبعد الفراغ) أي وإن لم يرد من ذكر من المصلي والمؤذن والمقيم بالاشارة، فليرد بعد الفراغ: أي من الصلاة أو الأذان أو الإقامة. وما ذكر من سنية الرد بالاشارة أو بعد الفراغ هو الاوجه. وقيل يجب بعد الفراغ. وعبارة المغني: ولو سلم على المؤذن لم يجب حتى يفرغ. وهل الاجابة بعد الفراغ واجبة أو مندوبة؟ لم يصر جوابه. والاوجه - كما قال البلقيني - أنه لا يجب. اه. (قوله: أي إن قرب الفصل) أي بين السلام والرد: قال ع ش: بأن لا يقطع القبول عن الإيجاب في البيع. اه. (قوله: ولا يجب) أي الرد. (وقوله: عليهم) أي على الآكل، ومن في الحمام ومن بعده. وقد نظم الجلال السيوطي المسائل التي لا يجب فيها الرد فقال: رد السلام واجب إلا على من في صلاة أو بأكل شغلا أو شرب أو قراءة أو أدعية أو ذكر أو في خطبة أو تلبية أو في قضاء حاجة الانسان أو في إقامة أو الاذان أو سلم الطفل أو السكران أو شابة يخشى بها افتتان أو فاسق أو ناعس أو نائم أو حالة الجماع أو تحاكم أو كان في حمام أو مجنونا فواحد من بعده عشرونا وقوله: أو شابة يقرأ بتخفيف الباء للضرورة. (قوله: ويسن عند التلاقي) أي في طريق. وخرج بالتلاقي ما إذا كان القوم جلوسا، أو وقوفا، أو مضجعين، وورد عليهم غيرهم، فالوارد يبدأ بالسلام مطلقا سواء كان صغيرا أو كبيرا، قليلا أو كثيرا. (قوله: سلام صغير الخ) فلو عكس، بأن سلم الكبير على الصغير، أو الواقف على الماشي، أو الماشي على الراكب، لم يكره، وإن كان خلاف السنة (وقوله: وماش على واقف) أي أو جالس أو مضطجع. (وقوله: وراكب عليهم) أي ويسن سلام راكب على كبير وماش وواقف، ولو كان الراكب صغيرا. (قوله: وقليلين على كثيرين) أي ويسن سلام قليلين على كثيرين. قال في شرح الروض: فلو تلاقى قليل ماش، وكثير راكب، تعارضا. اه. (وقوله: تعارضا) أي فلا أولوية لأحدهما على الآخر. (قوله: وحتى الظهر) أي عند السلام. (وقوله: مكروه) أي لخبر: أن رجلا قال: يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا. قال أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا. قال فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم رواه الترمذي. ولا يغتر بكثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح، أو غيرهما من خصال الفضل، فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا) *. وعن الفضيل بن عياض رحمه الله: اتبع طريق الهدي ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطريق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين. ومحل كراهة التقبيل، إذا لم يكن لنحو صلاح، أما إذا كان لذلك فلا يكره - بل يندب - كما سينص عليه قريبا. (قوله: وقال كثيرون حرام) أي خصوصا إن وصل إلى حد الركوع (قوله: وأفتى النووي بكراهة الانحناء بالرأس) معتمد (قوله: وتقبيل الخ) معطوف على الانحناء: أي وأفتى بكراهة تقبيل الخ، ومحلها في غير تقبيل الامرد الحسن الوجه، أما هو فيحرم بكل حال - سواء قدم من سفر أم لا - والمعانقة كالتقبيل، بل أولى. (وقوله: لا سيما لنحو غني) أي خصوصا إذا كان لنحو غني. ودخل تحت نحو: ذو

_ (1) سورة الحشر، الاية: 7.

علم أو شرف لان أبا عبيدة قبل يد عمر رضي الله عنهما. ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة من نحو صلاح أو علم أو ولادة أو ولاية مصحوبة بصيانة. قال ابن عبد السلام أو لمن يرجى خيره أو يخشى شره ولو كافرا خشي منه ضررا عظيما. ويحرم على الرجل أن يحب قيامهم له. ويسن تقبيل قادم من سفر ومعانقته للاتباع (كتشميت عاطس) بالغ (حمد الله تعالى) بيرحمك الله أو رحمكم الله وصغير مميز حمد الله بنحو أصلحك الله فإنه سنة على الكفاية إن سمع جماعة وسنة عين إن سمع واحد إذا حمد الله العاطس المميز عقب عطاسه بأن لم يتخلل ـــــــــــــــــــــــــــــ ثروة وشوكة ووجاهة. (وقوله: لحديث الخ) تعليل لكراهة التقبيل لنحو غني. (وقوله: من تواضع) أي من أظهر التواضع، سواء كان بتقبيل أو قيام، أو غير ذلك. (قوله: ويندب ذلك) أي التقبيل: قال الإمام النووي في الاذكار: إذا أراد تقبيل غيره، إن كان ذلك لزهده وصلاحه، أو علمه، أو شرفه، وصيانته، أو نحو ذلك من الأمور الدينية لم يكره، بل يستحب. وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك، فهو مكروه شديد الكراهة. وقال المتولي من أصحابنا: لا يجوز، فأشار إلى أنه حرام. روينا في سنن أبي داود عن زارع رضي الله عنه - وكان في وفد عبد القيس - قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجله، ثم قال: وأما تقبيل الرجل خد ولده الصغير وأخيه، وقبلة غير خده من أطرافه ونحوها على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبة القرابة فسنة، وكذلك قبلته ولد صديقه وغيره من صغار الاطفال على هذا الوجه، وأما التقبيل بالشهوة فحرام بالاتفاق، وسواء في ذلك الوالد وغيره، بل النظر إليه بالشهوة حرام إتفاقا: على القريب والاجنبي. اه. (قوله: ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة) أي إكراما وبرا وإحتراما له لا رياءا. (وقوله: من نحو صلاح) بيان للفضيلة. (وقوله: أو ولادة) أي ويسن القيام لمن له ولادة: كأب أو أم. (وقوله: أو ولاية) أي ولاية حكم: كأمير وقاض. (قوله: مصحوبة بصيانة) قال ع ش: راجع للجميع. اه. والمراد بالصيانة: العفة والعدالة، ومفهومها أنه لو كان كل ممن ذكر ليس فيه صيانة، بأن كان فاسقا أو ظالما، فلا يسن له القيام (قوله: أو لمن يرجى خيره) أي ويسن القيام لمن يترقب خيره، قال السيد عمر البصري: لعل المراد الخير الاخروي - كالمعلم - حتى لا ينافي الحديث المار. اه. (وقوله: أو يخشى شره) أي يخاف شره لو لم يقم له. (قوله: ويحرم على الرجل أن يحب الخ) أي للحديث الحسن من أحب أن يتمثل الناس له قياما، فليتبوأ مقعده من النار. (قوله: ويسن تقبيل إلخ) أي لما روي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يجر ثوبه، فاعتنقه وقبله قال الترمذي حديث حسن. (قوله: كتشميت عاطس) أي فهو سنة عندنا، واختلف أصحاب مالك في وجوبه: فقال القاضي عبد الوهاب هو سنة، ويجزئ تشميت واحد من الجماعة، كمذهبنا، وقال ابن مزين يلزم كل واحد منهم، واختاره ابن العربي المالكي اه. أذكار. (قوله: بالغ) سيذكر مقابله. (قوله: حمد الله تعالى) قيد وسيذكر محترزه، ولا بد أيضا أن لا يزيد عطاسه على ثلاث، وأن لا يكون بسبب، وإلا فلا يسن التشميت. (قوله: بيرحمك الله) أي أن التشميت يكون بيرحمك الله، أو ربك، أو بيرحمكم الله، أو رحمكم الله. (قوله: وصغير مميز) معطوف على بالغ، وهو مفهومه: أي وكتشميت صغير مميز، ولم يقيد في التحفة والنهاية الصغير بكونه مميزا، ولعل ما جرى عليه الشارح هو الظاهر، لأن التشميت لا يسن إلا بعد الحمد، وإذا كان غير مميز فلا يتصور منه حمد. (وقوله: بنحو أصلحك الله) أي تشميت الصغير يكون بما يناسبه، كأصلحك الله، أو أنشأك الله إنشاء صالحا، أو بارك الله فيك، ولم يفرق النووي في الإذكار بين ما يشمت به الكبير والصغير. (قوله: فإنه) أي التشميت سنة، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى، كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان. قال العلماء: والحكمة في ذلك أن العطاس سببه محمود، وهو خفة الجسم التي تكون لقلة الاخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه، لانه يضعف الشهوة ويسهل الطاعة، والتثاؤب بضد ذلك. (قوله: على الكفاية إن سمع جماعة) أي العطاس والحمد عقبه، فالمفعول

بينهما فوق سكتة تنفس أوعى فإنه يسن له أن يقول عقبه الحمد لله وأفضل منه الحمد لله رب العالمين، وأفضل منه الحمد لله على كل حال. وخرج بقولي حمد الله من لم يحمده عقبه فلا يسن التشميت له. فإن شك قال يرحم الله من حمده. ويسن تذكيره الحمد وعند توالي العطاس يشمته لثلاث ثم يدعو له بالشفاء ويسر به ـــــــــــــــــــــــــــــ محذوف. فإذا شمت واحد سقط الطلب عن الباقين، لكم الافضل أن يشمته كل واحد منهم، للحديث المتقدم. (قوله: وسنة عين إن سمع واحد) قال في الأذكار. فإن كانوا جماعة فسمعه بعضهم دون بعض، فالمختار أنه يشمته من سمعه دون غيره. وحكى ابن العربي خلافا في تشميت الذي لم يسمع الحمد، إذا سمع تشميت صاحبه، فقيل يشمته لانه عرف عطاسه وحمده بتشميت غيره، وقيل لا لانه لم يسمعه. اه. (قوله: إذا حمد الله الخ) أعاده لاجل بيان إشتراط العقبية، وبيان أن الحمد سنة عين للعاطس. ولو قال أولا حمد الله عقب عطاسه بأن إلخ، ثم قال بعد قوله فإنه سنة عين كالحمد للعاطس، فإنه يسن إلخ لكان أخصر وأسبك. (وقوله: عقب عطاسه) لم يقيد به في التحفة والنهاية وشرح الروض والاذكار فليراجع. (قوله: بأن لم الخ) تصوير للعقبية. (وقوله: بينهما) أي العطاس والحمد. (وقوله: فوق الخ) أي مقدار فوق الخ. فلفظ فوق صفة لموصوف محذوف هو الفاعل، أو لفظ فوق هي الفاعل لانها من الظروف المتصرفة. (قوله: فإنه يسن له) أي للعاطس عينا (وقوله: أن يقول عقبه) أي العطاس وذلك لحديث: إذا عطس أحدكم فليحمد الله تعالى. (قوله: وأفضل منه) أي من الحمد لله، الحمد لله رب العالمين. (وقوله: وأفضل منه) أي من الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على كل حال، وذلك لحديث: من عطس أو تجشى فقال: الحمد لله على كل حال، رفع الله عنه سبعين داء، أهونها الجذام. فائدة: من قال بعد العطاس عقب حمدا لله: اللهم ارزقني مالا يكفيني، وبيتا يأويني، واحفظ علي عقلي وديني، واكفني شر من يؤذيني: أعطاه الله سؤاله. اه. بجيرمي. (قوله: من لم يحمده) أي أو قال لفظا آخر غير الحمد. (وقوله: عقبه) الاولى إسقاطه لانه ليس داخلا في المخرج بالحمد، أو يقول وخرج بقولي عقبه ما إذا لم يحمده عقبه. (قوله: فلا يسن التشميت له) أي للعاطس الذي لم يحمد الله تعالى عقبه. (قوله: فإن شك) أي شخص في أن العاطس حمد أو لا. (قوله: قال) أي الشاك. (وقوله: يرحم الله من حمده) أي ولا يقول رحمك الله بالخطاب. (قوله: ويسن تذكيره الحمد) أي ويسن تذكير من عطس، ولم يحمد الله تعالى الحمد، لأنه إعانة على معروف، ولما روي من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص - أي وجع الضرس - واللوص - أي وجع الاذن - والعلوص - وهو وجع البطن - ونظمها بعضهم فقال: من يبتدي عاطسا بالحمد يأمن من شوس ولوص وعلوص، كذا وردا (قوله: وعند توالي العطاس يشمته لثلاث) أي لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، وإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا يشمت بعد ثلاث. قال النووي في الأذكار: واختلف العلماء فيه - أي في المزكوم - فقال ابن العربي المالكي قيل يقال له في الثانية إنك مزكوم، وقيل يقال له في الثالثة، وقيل في الرابعة، والاصح أنه في الثالثة. قال والمعنى فيه، أنك لست ممن يشمت بعد هذا، لأن هذا الذي بك زكام ومرض لا خفة العطاس. فإن قيل: فإذا كان مرضا فكان ينبغي أن يدعى له ويشمت، لانه أحق بالدعاء من غيره. فالجواب: أنه يستحب أن يدعى له، لكن غير دعاء العطاس المشروع، بل دعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة ونحو ذلك، ولا يكون من باب التشميت. اه.

المصلي ويحمد في نفسه إن كان مشغولا بنحو بول أو جماع ويشترط رفع بكل بحيث يسمعه صاحبه. ويسن للعاطس وضع شئ على وجهه وخفض صوته ما أمكنه، وإجابة مشمته بنحو يهديكم الله ويصلح بالكم أو يغفر الله لكم للامر به ويسن للمتثائب رد التثاؤب طاقته وستر فيه - ولو في الصلاة - بيده اليسرى. ويسن إجابة الداعي بلبيك. (والجهاد) فرض كفاية (على) كل مسلم (مكلف) أي بالغ عاقل لرفع القلم عن غيرهما (ذكر) ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ويسر به) أي بالحمد المصلي. قال في الأذكار: إذا عطس في صلاته، يستحب أن يقول الحمد لله ويسمع نفسه، هذا مذهبنا. ولاصحاب مالك ثلاثة أقوال: أحدها، هذا، واختاره ابن العربي، والثاني: يحمد في نفسه، والثالث: قاله سحنون، لا يحمد جهرا ولا في نفسه. اه. (قوله: ويحمد في نفسه الخ) أي يجري ألفاظ الحمد في قلبه في غير أن يتلفظ بها إن كان العاطس مشغولا ببول ونحوه كغائط. وبالتفسير المذكور حصل الفرق بينه وبين الحمد سرا وحاصله أن معنى الحمد سرا، أن يتكلم به بحيث يسمع نفسه، ومعنى الحمد في نفسه إجراؤه على قلبه من غير أن يتكلم به، ويثاب على هذا الحمد. وليس لنا ذكر يثاب عليه من غير لفظ إلا هذا - كما تقدم أول الكتاب في آداب داخل الخلاء -. (قوله: ويشترط رفع) أي رفع الصوت. (وقوله: بكل) أي من الحمد والتشميت. (وقوله: بحيث يسمعه صاحبه) أي بحيث يسمع أحدهما الآخر، فالحمد يرفع صوته بالحمد بحيث يسمعه المشمت، والمشمت يرفع صوته بالتشميت، بحيث يسمعه الحامد. (قوله: ويسن للعاطس وضع شئ عى وجهه وخفض صوته ما أمكنه) أي لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض - أو غض - بها صوته. وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله عزوجل يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: التثاؤب الرفيع والعطشة الشديدة من الشيطان. (قوله: وإجابة مشمته) أي ويسن للعاطس أن يجيب مشمته: أي من قال له يرحمك الله. (وقوله: بنحو إلخ) متعلق بإجابة. (قوله: للأمر به) الاولى بها: أي بإجابة المشمت، وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوة أو صاحبه يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله، فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم. أي شأنكم. (قوله: ويسن للمتثائت الخ) أي للحديث المتقدم. (قوله: وستر فيه إلخ) أي ويسن له ستر فمه عند التثاؤب: لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه، فإن الشيطان يدخل. (وقوله: ولو في الصلاة) أي ولو كان التثاؤب في الصلاة، ولا ينافيه ما تقدم في باب الصلاة، من أنه يكره للمصلي وضع يده على فمه، لان محله إذا لم تكن حاجة كالتثاؤب وشبهه. (وقوله: بيده اليسرى) متعلق بستر. (قوله: ويسن إجابة الداعي) أي المنادي له. (وقوله: بلبيك) بأن يقول له لبيك فقط، أو لبيك وسعديك. ويسن أيضا أن يرحب بالقادم عليه، بأن يقول له مرحبا، وأن يدعو لمن أحسن إليه، بأن يقول جزاك الله خيرا، أو حفظك الله ونحوهما، للاخبار المشهورة بذلك. (قوله: والجهاد فرض كفاية إلخ) شروع في بيان شروط الجهاد الذي هو فرض كفاية، أما الذي هو فرض عين، فلا تشترط فيه هذه الشروط كما سيذكره. (قوله: على كل مسلم) أي فلا جهاد على كافر ولو ذميا، لقوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) * فخاطب به المؤمنين دون غيرهم، ولان الذمي إنما بذل الجزية لنذب عنه، لا ليذب عنا. (قوله: مكلف) أي بالغ عاقل ولو حكما، فدخل السكران المتعدي، فلا جهاد على صبي لان النبي - صلى الله عليه وسلم - رد ابن عمر يوم أحد - وكان إذ ذاك ابن أربع عشرة سنة - وأجازه يوم الخندق، وكان إذ ذاك ابن خمس عشرة سنة، ولا على مجنون لقوله تعالى: * (ليس على الضعفاء) * الآية، قيل هم المجانين لضعف عقولهم، وقيل الصبيان لضعف أبدانهم (قوله: لرفع القلم عن غيرهما) أي عن غير البالغ والعاقل. (قوله: ذكر) أي واضح الذكورة، فلا جهاد

_ (1) سورة التوبة، الاية: 123. (2) سورة التوبة، الاية: 91.

لضعف المرأة عنه غالبا (حر) فلا يجب على ذي رق ولو مكاتبا ومبعضا وإن أذن له سيده لنقصه (مستطيع له سلاح) فلا يجب على غير مستطيع كأقطع وأعمى وفاقد معظم أصابع يده، ومن به عرج بين أو مرض تعظم مشقته، وكعادم مؤن ومركب في سفر قصر فاضل ذلك عن مؤنة من تلزمه مؤنته - كما في الحج - ولا على من ليس له سلاح لان عادم ذلك لا نصرة به (وحرم) على مدين موسر عليه دين حال لم يوكل من يقضي عنه من ماله ـــــــــــــــــــــــــــــ على امرأة وخنثى مشكل لضعفهما غالبا، ولقوله تعالى: * (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) *. ولفظ المؤمنين ينصرف للرجال دون النساء، ولخبر البيهقي وغيره: عن عائشة رضي الله عنها قلت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: نعم. جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة. وتسمية الحج جهادا لكونه مشتملا على مجاهدة النفس بالتعب والمشقة. (قوله: لضعف المرأة عنه) أي عن الجهاد، ومثلها الخنثى. (قوله: حر) أي كله. (قوله: فلا يجب على ذي رق) أي ذكرا كان أو أنثى (وقوله: ولو مكاتبا) أي أو مدبرا. (قوله: وإن أذن له سيده) أي فلا يجب عليه، ولو أمره به فلا يجب عليه امتثال أمره لان الجهاد ليس من الاستخدام المستحق للسيد، فإن الملك لا يقتضي التعريض للهلاك. نعم: للسيد استصحاب غير المكاتب معه في الجهاد للخدمة. (قوله: لنقصه) أي ذي الرق أي ولقوله تعالى: * (وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) *. ولا مال للرقيق، ولا نفس له يملكها، فلم يشمله الخطاب. (قوله: مستطيع) أي للجهاد بأن يكون صحيحا واجدا ما يكفيه ذهابا وإيابا، فاضلا عن مؤنة من تلزمه مؤنته كذلك. والحاصل، الاستطاعة المعتبرة في الحج معتبرة هنا، ما عدا أمن الطريق، فليس معتبرا هنا وإن اعتبر في الحج، فلو كان الطريق مخوفا من كفار، أو لصوص مسلمين، لا يمتنع الجهاد. لان مبناه على إرتكاب المخاوف، فيحتمل فيه ما لا يحتمل في الحج. (قوله: له) أي للمستطيع (وقوله: سلاح) أي يصلح لقتال العدو. (قوله: فلا يجب) أي الجهاد على غير مستطيع، وذلك لقوله تعالى: * (ليس على الاعمى حرج، ولا على الاعرج حرج، ولا على المريض حرج) *. (قوله: كأقطع) أي لليدين أو الرجلين أو الواحدة منهما. (قوله: وفاقد معظم أصابع يده) أي أو أشل معظمها، وإنما لم يجب الجهاد مع ذلك، لأن المقصود منه البطش والنكاية، وهو مفقود فيهما. وخرج بمعظم فقد الاقل. وبقوله أصابع يده فقد معظم أصابع رجليه فلا أثر فيهما، لامكان البطش والنكاية بذلك. (قوله: ومن به عرج بين) أي ولو في رجل واحدة. وخرج بالبين العرج اليسير الذي لا يمنع المشي، فإنه لا يؤثر. (قوله: أو مرض تعظم مشقته) أي بأن كان يمنعه من الركوب والقتال الا بمشقة شديدة، بحيث لا تحتمل عادة، كحمى مطبقه، بخلاف المرض الذي لا يمنعه عن ذلك، كصداع خفيف، ووجع ضرس، وحمى خفيفة، فإنه لا يؤثر. (قوله: وكعادم مؤن) أي لنفسه. (وقوله: ومركوب) أي وكعادم مركوب حسا أو شرعا. (وقوله: في سفر قصر) قيد في المركوب، فهو ليس بشرط، إلا إن كان السفر سفر قصر، فإن كان دونه لم يشترط إن كان قادرا على المشي، وإلا اشترط. (قوله: فاضل ذلك) نعت لكل من قوله مؤن، وقوله مركوب، واسم الإشارة يعود عليه أيضا. والمعنى وكعادم المؤن المركوب الفاضلين على مؤنة من تلزمه مؤنته، وذلك صادق بأن لا يوجد أصلا وأوجدا، لكن غير فاضلين عن ذلك لأن النفي المأخوذ من عادم يصح تسليطه على المقيد والقيد معا، أو على القيد فقط. (قوله: ولا على من لبس له سلاح) أي ولا يجب الجهاد على من ليس عنده سلاح (قوله: لان عادم ذلك الخ) علة لعدم وجوبه على من ليس عنده سلاح: أي وإنما لم يجب لان عادم السلاح لا تحصل به النصرة على العدو. (قوله: وحرم على مدين) أي ولو والدا. (قوله: موسر) أي بأن كان عنده أزيد مما يبقى للمفلس فيما يظهر، ويلحق بالمدين وليه. (وقوله: عليه) أي الموسر. (وقوله: دين حال) سيذكر محترزه. (قوله: لم يوكل إلخ) أي فإن وكل

_ (1) سورة الانفال، الاية: 65. (2) سورة الصف، الاية: 11. (3) سورة الفتح، الاية: 17.

الحاضر (سفر) لجهاد وغيره، وإن قصر وإن لم يكن مخوفا أو كان لطلب علم رعاية لحق الغير، ومن ثم جاء في مسلم: القتل في سبيل الله يكفر كل شئ إلا الدين. (بلا إذن غريم) أو ظن رضاه وهو من أهل الاذن. ولو كان الغريم ذميا أو كان بالدين رهن وثيق أو كفيل موسر. قال الاسنوي في المهمات: أن سكوت رب الدين ليس بكاف في جواز السفر، معتمدا في ذلك على ما فهم من كلام الشيخين هنا. وقال ابن الرفعة والقاضي أبو الطيب والبندنيجي والقزويني: لا بد في الحرمة من التصريح بالمنع، ونقله القاضي إبراهيم بن ظهيرة ولا يحرم السفر، بل ولا يمنع منه إن كان معسرا أو كان الدين مؤجلا وإن قرب حلوله بشرط وصوله لما يحل له فيه القصر وهو مؤجل (و) حرم السفر لجهاد وحج تطوع بلا إذن (أصل) مسلم أب وأم وإن عليا ولو أذن من هو ـــــــــــــــــــــــــــــ من يؤديه عنه من ماله الحاضر، فلا يحرم السفر، لكن بشرط أن تثبت الوكالة، ويعلم الدائن بالوكيل. (قوله: سفر) فاعل حرم. (وقوله: بالجهاد) متعلق بسفر. (قوله: وغيره) أي وغير الجهاد، كحج وتجارة. (قوله: وان قصر) أي السفر. قال في التحفة: يظهر ضبط القصير هنا بما ضبطوه به في التنفل على الدابة، وهو ميل أو نحوه، وحينئذ. فليتنبه لذلك، فإن التساهل يقع فيه كثيرا. اه. (قوله: وان لم يكن مخوفا) غاية في الحرمة: أي يحرم السفر وإن لم يكن مخوفا بأن كان آمنا. (قوله: أو كان لطلب علم) غاية ثانية. أي يحرم وإن كان لاجل طلب العلم، ولا حاجة لهذه الغاية، لاندراج طلب العلم في قوله أو غيره. (قوله: رعاية لحق الغير) علة للحرمة: أي وإنما حرم السفر رعاية وحفظا وتقديما للدين الذي هو حق الغير. وقال في شرح المنهج: تقديما لفرض العين على غيره. اه. (قوله: ومن ثم إلخ) أي ومن أجل رعاية حق الغير، ورد في صحيح مسلم: القتل في سبيل الله يكفر كل شئ إلا الدين. أي فلا يكفره، لكونه حق الغير. (قوله: بلا إذن غريم) أي دائن، والجار والمجرور متعلق بحرم أو بسفر: أي فإن كان بإذنه فلا يحرم لرضاه بإسقاط حقه. قال في النهاية والتحفة: نعم لا يتعرض للشهادة، بل يقف وسط الصف، أو حاشيته، حفظا للدين. اه. (قوله: وهو من أهل الاذن) أي والحال أن ذلك الغريم من أهل الاذن: أي والرضا بأن كان مكلفا رشيدا، فلو لم يكن من أهل الاذن، حرم السفر مطلقا ولو أذن، ولا يجوز لوليه أن يأذن في السفر. ولو أذن فإذنه لاغ لا يتعد به. (قوله: ولو كان الغريم ذميا إلخ) غاية في حرمة السفر بلا إذن: أي يحرم السفر بلا إذن الغريم، ولو كان ذلك الغريم ذميا، أو كان رهن وثيق في الدين، أو ضامن موسر. (قوله: قال الأسنوي الخ) حاصل ما استفيد من نقل ما ذكر أن بعضهم إشترط لجواز السفر بالاذن، أن يكون ذلك الاذن لفظا، وأن السكوت غير كاف، وبعضهم لم يشترط ذلك، وقال متى لم يحصل منع باللفظ، جاز السفر مطلقا - سواء حصل بإذن اللفظ أو لا -. (قوله: معتمدا) حال من فاعل قال، (وقوله: في ذلك) أي في أن السكوت ليس بكاف. (وقوله: على ما فهم) بالبناء للمجهول. (وقوله: هنا) أي في باب الجهاد. (قوله: والبندنيجي) بباء مفتوحة، فنون ساكنة، فدال مفتوحة، فنون مكسورة. (قوله: والقزويني) بقاف مفتوحة، وزاي ساكنة. (قوله: لا بد في الحرمة) أي حرمة السفر. (قوله: من التصريح بالمنع) أي منع الغريم السفر. (قوله: ونقله) أي نقل ما قاله هؤلاء من أنه لا بد من التصريح. (قوله: إن كان معسرا) مفهوم قوله موسرا. (قوله: أو كان الدين مؤجلا) أي ولا يحرم السفر، بل ولا يمنع منه إن كان الدين مؤجلا، لانه لا مطالبة لمستحقيه الآن. نعم: له الخروج معه ليطالبه به عند حلوله. (وقوله: إن قرب حلوله) غاية لعدم الحرمة. (وقوله: بشرط إلخ) تقييد للغاية. (وقوله: لما يحل له فيه القصر) أي لمكان يحل له: أي للمسافر القصر كخارج السور العمران. (وقوله: وهو مؤجل) أي والحال أن الدين باق على تأجيله، فإن حل قبل وصوله لما يحل له القصر منه، حرم السفر ومنع منه، لانه حينئذ في البلد. (قوله: وحرم السفر لجهاد الخ) السفر ليس بقيد بالنسبة للجهاد، لانه يحرم الجهاد بلا إذن من الاصل مطلقا - سواء وجد سفر أم لا - وذلك لان بره فرض عين، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لمن استأذنه في الجهاد، وقد أخبره أنهما أي الوالدين له، ففيهما فجاهد، وصح ألك والدة؟ قال: نعم. قال انطلق فأكرمها، فإن الجنة تحت رجليها. (قوله: بلا إذن أصل) متعلق بحرم أو بالسفر. (قوله: مسلم) خرج الكافر، فلا يحرم

أقرب منه، وكذا يحرم بلا إذن أصل سفر لم تغلب فيه السلامة لتجارة (لا) سفر (لتعلم فرض) ولو كفاية كطلب النحو ودرجة الفتوى فلا يحرم عليه وإن لم يأذن أصله (وإن دخلوا) أي الكفار (بلدة لنا تعين) الجهاد (على أهلها) أي يتعين على أهلها الدفع بما أمكنهم وللدفع مرتبتان. إحداهما أن يحتمل الحال اجتماعهم وتأهبهم للحرب فوجب الدفع على كل منهم بما يقدر عليه حتى على من لا يلزمه الجهاد نحو فقير وولد ومدين وعبد وامرأة فيها قوة بلا إذن ممن مر. ويغتفر ذلك لهذا الخطب العظيم الذي لا سبيل لاهماله. وثانيتهما أن يغشاهم ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهاد بلا إذنه، لأنه لا يجب استئذانه، لاتهامه بمنعه له حمية لدينه، وإن كان عدوا للمقاتلين. (قوله: أب وأم) بدل من أصل. (قوله: وإن عليا) أي الاب والام، وكان القياس وإن علوا - بالواو - لانه واوي، يقال علا يعلو، ثم رأيت أن علا جاء بالواو والياء، فيقال في مضارعه يعلو ويعلى. وعليه فما هنا على إحدى اللغتين. اه. ع ش. بزيادة. (قوله: ولو أذن من هو أقرب منه) غاية في حرمة السفر بلا إذن: أي يحرم السفر بلا إذن من أحد الاصول، وإن أذن له أصل أقرب من المانع، كأن منعه جده وأذن له أبوه. (قوله: وكذا يحرم إلخ) أي كما أنه يحرم السفر للجهاد وحج التطوع بلا إذن أصل، يحرم السفر للتجارة بلا إذنه. (وقوله: لم تغلب فيه السلامة) ظاهره أنه قيد حتى في السفر القصير. وعبارة المغني صريحة في كونه قيدا في الطويل، أما القصير فيجوز مطلقا ونصها. تنبيه: سكت المصنف عن حكم السفر المباح كالتجارة، وحكمه أنه إن كان قصيرا فلا منع منه بحال، وإن كان طويلا، فإن غلب الخوف فكالجهاد، وإلا جاز على الصحيح بلا إستئذان. والوالد الكافر في هذه الاسفار كالمسلم ما عدا الجهاد - كما مر. اه. (قوله: لا سفر لتعلم فرض) قال في النهاية، ومثله كل واجب عيني وإن كان وقته متسعا، لكن يتجه منعهما له من خروج لحجة الاسلام قبل خروج قافلة أهل بلده: أي وقته عادة لو أرادوه، لعدم مخاطبته بالوجوب إلى الآن. اه. (قوله: ولو كفاية) أي ولو كان الفرض كفاية، من علم شرعي، كطلب درجة الفتوى أو آلة له، كطلب نحو أو صرف أو منطق. (قوله: فلا يحرم) أي السفر لما ذكر، لكن بشرط أن يكون أمنا أو قل خطره، ولم يجد ببلده من يصلح لكمال ما يريده، أو رجا بقرينة زيادة فراغ، أو إرشاد أستاذ، وأن يكون رشيدا، وأن لا يكون أمرد جميلا، إلا أن يكون معه محرم يأمن على نفسه. (وقوله: عليه) أي الفرع. (وقوله: وإن لم يأذن) أصله غاية في عدم الحرمة. (قوله: وإن دخلوا إلخ) المناسب تقديم هذا على قوله وحرم سفر الخ، لأنه مرتبط بقوله والجهاد فرض كفاية، وذكره في المنهج مفهوم قيد ذكره لقوله الجهاد فرض كفاية، وذلك القيد هو قوله والكفار ببلادهم. وكان الأولى للشارح أن يذكر القيد المذكور بعد قوله والجهاد فرض كفاية، وقبل قوله على كل مكلف الخ، كما صنع في المنهج، وكما صنع هو نفسه أول الباب فانظره. ثم إن الدخول ليس بقيد، فمثله ما لو صار بينهم وبين البلدة دون مسافة القصر. (وقوله: بلدة) مثل البلدة القرية. (وقوله: لنا) أي المسلمين، ومثل كونها لنا كونها للذميين. ولو زاد الشارح لفظة مثلا بعد قوله بلدة، وقوله لنا لكان أولى. (قوله: تعين إلخ) جواب أن (وقوله: على أهلها) أي البلدة التي لنا أو للذميين. (قوله: أي يتعين الخ) تفسير مراد لتعين الجهاد. (قوله: الدفع بما أمكنهم) أي بأي شئ أطاقوه، ولو بحجارة أو عصا. (قوله: وللدفع مرتبتان الخ) القصد من هذا بيان كيفية الدفع، وأن فيها تفصيلا. (قوله: أن يحتمل الحال اجتماعهم) أي يمكن اجتماعهم، بأن لم يهجم عليهم العدو. (وقوله: وتأهبهم للحرب) أي إستعدادهم له. (قوله: فوجب الدفع) الفاء للتفريع، والاولى التعبير بالمضارع: أي ففي هذه المرتبة يجب الدفع مطلقا من غير تقييد بشئ. (وقوله: على كل منهم) أي على كل واحد واحد من أهل البلد، وممن دون مسافة القصر. (وقوله: بما يقدر عليه) متعلق بالدفع الواجب عليه. (قوله: حتى على إلخ) أي يجب الدفع حتى على من لا يلزمه الجهاد. (قوله: نحو فقير إلخ) تمثيل لمن لا يلزمه الجهاد. (قوله: بلا إذن ممن مر) أي من الاصل ورب الدين والسيد: أي والزوج، وإن لم يتقدم له ذكر. (قوله: ويغتفر ذلك) أي عدم وجود الاذن في هؤلاء. (وقوله:

الكفار ولا يتمكنون من اجتاع وتأهب فمن قصده كافر أو كفار وعلم أنه يقتل إن أخذه فعليه أن يدفع عن نفسه بما أمكن وإن كان ممن لا جهاد عليه لامتناع الاستسلام لكافر. فروع: وإذا لم يمكن تأهب لقتال وجوز أسرا وقتلا فله قتال واستسلام إن علم أنه إن امتنع منه قتل وأمنت المرأة فاحشة إن أخذت وإلا تعين الجهاد، فمن علم أو ظن أنه إن أخذ قتل عينا امتنع عليه الاستسلام كما مر آنفا. ولو أسروا مسلما يجب النهوض إليهم فورا على كل قادرر لخلاصه إن رجى. ولو قال لكافر أطلق أسيرك وعلي كذا فأطلقه لزمه ولا يرجع به على الاسير إلا إن أذن له في مفاداته فيرجع عليه وإن لم يشترط له الرجوع (و) تعين على (من دون مسافة قصر منها) أي من البلدة التي دخلوا فيها وإن كان في أهلهم كفاية لانهم في حكمهم، ـــــــــــــــــــــــــــــ لهذا الخطب العظيم) أي لهذا الامر العظيم الذي هو دخول الكفار في بلاد المسلمين. (وقوله: الذي لا سبيل لاهماله) أي تركه، أي هذا الخطب. (قوله: وثانيتهما) أي ثانية المرتبتين أن يغشاهم الكفار: أي يهجموا عليهم ويحيطوا بهم. (قوله: ولا يتمكنون) أي المسلمون. (وقوله: من اجتماع) أي اجتماعهم. (وقوله: وتأهب) أي تأهبهم للقتال. (قوله: فمن قصده كافر الخ) الفاء للتفريع على المرتبة الثانية: أي ففي هذه المرتبة الثانية كل من قصده الخ. (وقوله: وعلم أنه) أي من قصده الخ، ومثل العلم غلبة الظن. وسيأتي محترزه في الفروع. (وقوله: يقتل إن أخذه) أي أخذه الكافر (قوله: فعليه الخ) أي فيجب على من قصده كافر، والجملة جواب من. (قوله: وإن كان ممن لا جهاد عليه) غاية في الوجوب، وهو بعيد بالنسبة للصبي. (قوله: لامتناع الاستسلام لكافر) أي لانه ذل ديني. (قوله: فروع الخ) الاسبك والأخصر أن يحذف لفظة فروع وما بعدها إلى قوله ولو أسروا الخ ويذكر مفهوم قوله قبل الفروع، وعلم أنه يقتل إن أخذه بأن يقول فإن لم يعلم أنه يقتل، بأن جوز أسرا وقتلا إلخ، ثم يقول بعد ذلك ولو أسروا الخ. (قوله: وجوز أسرا) أي من غير قتل. (وقوله: وقتلا) الواو بمعنى أو: أي أو جوز قتلا: أي بعد الاسر. (قوله: فله قتال الخ) أي فيجوز له إذا جوز الاسر، وجوز القتل، أن يقاتل، ويجوز له أن يستسلم لهم. (قوله: إن علم إلخ) قيد في الاستسلام: أي محل جوازه له، إن علم أو ظن ظنا قويا، أنه إن امتنع من الاستسلام يقتل يقينا. (قوله: وأمنت المرأة إلخ) أي وإن أمنت المرأة التي قصدها كافر فعل الفاحشة فيها إن أسرت. (قوله: وإلا تعين) أي وإن لم يعلم أنه إن امتنع من الاستسلام يقتل، ولم تأمن المرأة فعل الفاحشة فيها تعين الجهاد، ولا يجوز الاستسلام، لانه حينئذ ذل ديني. (قوله: فمن علم أو ظن الخ) هذا مفهوم قوله وجوز أسرا وقتلا، لان مفهومه أنه إن لم يجوز ذلك، بل تيقن أو غلب على ظنه أنه إن أخذ قتل، إمتنع عليه الاستسلام. (قوله: كما مر آنفا) أي قبيل الفروع في قوله فمن قصده كافر الخ. (قوله: ولو أسروا) أي الكفار. (وقوله: يجب النهوض إليهم) أي وجوبا عينيا كدخولهم دار نابل هذا أولى: إذ حرمة المسلم أعظم. (قوله: على كل قادر) متعلق بالنهوض أو بيجب: أي يجب النهوض على كل قادر، أي ولو كان قنا. (قوله: لخلاصه) اللام تعليلية متعلقة بيجب: أي يجب النهوض لاجل خلاص المسلم المأسور من أيدي الكفار. (قوله: إن رجي) أي الخلاص ولو على ندور، فإن لم يرج خلاصه، تركناه للضرورة. (قوله: ولو قال لكافر إلخ) عبارة التحفة: ويسن للامام - بل وكل موسر - عند العجز عن خلاصه مفاداته بالمال، فمن قال لكافر إلخ. اه. وهي أولى بالزيادة التي زادها قبل قوله فمن إلخ. (قوله: لزمه) أي لزم من قال للكافر ما ذكر المال له. (قوله: ولا يرجع) أي الدافع للكافر ذلك المال. (وقوله: به) أي المال. (قوله: إلا أن أذن الخ) أي إلا إن أذن الاسير له في أن يفديه بمال، بأن قال له أفدني بمال، فحينئذ يرجع على الاسير به. (وقوله: وإن لم يشترط له الرجوع) غاية في الرجوع على الاسير إذا أذن: أي يرجع عليه إذا أذن له في المفاداة، وإن لم يقل وترجع به علي. ففاعل يشترط يعود على الاسير، وضمير له يعود على القائل للكافر ما تقدم. (قوله: وتعين) أي الجهاد. (قوله: وإن كان في أهلهم) الاولى في أهلها: أي البلدة التي دخلوها، ثم وجدت ذلك في بعض نسخ الخط. (قوله: لانهم في

وكذا من كان على مسافة القصر إن لم يكف أهلها ومن يليهم، فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد. (وحرم) على من هو من أهل فرض الجهاد (انصراف عن صف) بعد التلاقي وإن غلب على ظنه أنه إذا ثبت قتل لعده (ص) الفرار من الزحف من السبع الموبقات. ولو ذهب سلاحه وأمكن الرمي بالحجارة لم يجز له الانصراف على تناقض فيه. وجزم بعضهم بأنه إذا غلب ظن الهلاك بالثبات من غير نكاية فيهم وجب الفرار (إذا لم يزيدوا) أي الكفار (على مثلينا) للآية. وحكمة وجوب مصابرة الضعف أن المسلم يقاتل على ـــــــــــــــــــــــــــــ حكمهم) أي لان من كان دون مسافة القصر، في حكم أهل البلدة التي دخلوها. (قوله: وكذا من كان الخ) أي وكذا يتعين الجهاد على من كان على مسافة القصر. (وقوله: إن لم يكف أهلها) أي البلدة التي دخلوها (وقوله: ومن يليهم) أي ومن يلي أهل البلدة التي دخلوها، وهم من على دون مسافة القصر. (قوله: فيصير) أي الجهاد. (وقوله: فرض عين في حق من قرب) أي وهم من على دون مسافة القصر. (قوله: وفرض كفاية) بالنصب معطوف على فرض عين: أي ويصير فرض كفاية. (وقوله: في حق من بعد) أي وهم من على مسافة القصر، ولا يظهر تفريع هذا على ما قبله إلا لو زاد بعد قوله وكذا على من كان على مسافة القصر بقدر الكفاية، فيفهم منه حينئذ أنه لا يلزم جميعهم الخروج، بل يكفي في سقوط الحرج عنهم خروج قوم منهم فيهم كفاية. ولعل في كلامه سقطا من الناسخ وهو ما ذكر. (قوله: وحرم على من هو من أهل فرض الجهاد) خرج من هو ليس من أهله كمريض وامرأة، فلا حرمة عليه بانصرافه. (وقوله: انصراف عن صف) خرج به ما لو لقي مسلم مشركين، فإنه يجوز إنصرافه عنهما، وإن طلبهما ولم يطلباه. (قوله: بعد التلاقي) أي تلاقي الصفين فإن كان قبله فلا يحرم (قوله: وإن غلب على ظنه إلخ) غاية في الحرمة، أي يحرم الانصراف وإن غلب على ظنه أنه إذا ثبت في الصف قتل. وكتب سم. على قول التحفة وإن غلب على ظنه إلى آخره ما نصه: إلا فيما يأتي قريبا عن بعضهم. اه. (وقوله: إلا فيما يأتي الخ) سيذكره المؤلف أيضا بقوله وجزم بعضهم الخ (قوله: لعده إلخ) أي ولقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار) * (وقوله: الفرار من الزحف) أي الفرار من الصف، لاجل زحف الكفار إلى جهة صف المسلمين. (وقوله: من السبع الموبقات) أي المهلكات. وقد تقدم بيانها غير مرة. (قوله: ولو ذهب سلاحه الخ) مثله ما لو مات مركوبه وأمكنه الجهاد راجلا، فيمتنع عليه الانصراف. (قوله: على تناقض فيه) أي على تناقض في عدم جواز الانصراف، وقع في كلامهم (قوله: وجزم بعضهم بأنه) أي الحال والشأن. (وقوله: إذا غلب ظن الهلاك بالثبات) بثباته في الصف. (وقوله: من غير نكاية فيهم) أي من غير أن يحصل منه نكاية: أي قتل وإثخان في الكفار. قال في المصباح: نكيت في العدو أنكى، والاسم النكاية إذا قتلت وأثخنت. اه. بحذف. (وقوله: وجب الفرار) أي لقوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *. (قوله: إذا لم يزيدوا الخ) متعلق بحرم: أي حرم الانصراف إذا لم يزيدوا على مثلينا. وعبارة المنهج: إن قاومناهم. اه. وقال في شرحه: وإن زادوا على مثلينا، كمائة أقوياء عن مائتين وواحد ضعفاء، ثم قال: وخرج ما إذا لم نقاومهم، وإن لم يزيدوا على مثلينا، فيجوز الانصراف، كمائة ضعفاء عن مائتين إلا واحدا أقوياء. اه. وهي أولى لان العبرة بالمقاومة لا بالعدد، ولا ينافي ذلك الآية، فإنها ينظر فيها للمعنى، وهو المقاومة المأخوذة من قوله صابرة، وعبارة التحفة: وإنما يراعي العدد عند تقارب الاوصاف، ومن ثم لم يختص الخلاف بزيادة الواحد ونقصه، ولا براكب وماش، بل الضابط - كما قاله الزركشي كالبلقيني - أن يكون في المسلمين من القوة ما يغلب على الظن أنهم يقاومون الزائد على مثليهم، ويرجون الظفر بهم، أو من الضعف ما لا يقاومونهم. اه. (قوله: للآية) هي قوله تعالى: * (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله. والله مع الصابرين) *. وهي خبر بمعنى الأمر: أي لتصبر مائة لمائتين. (قوله: وحكمة الخ) أي الحكمة في كوننا مأمورين بالصبر على مقاتلة ضعفنا من الكفار،

_ (1) سورة الانفال، الاية: 15. (2) سورة البقرة، الاية: 195. (3) سورة الانفال، الاية: 66.

إحدى الحسنيين: الشهادة والفوز بالغنيمة مع الاجر، والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا فقط. أما إذا زادوا على المثلين كمائتين وواحد عن مائة فيجوز الانصراف مطلقا. وحرم جمع مجتهدون الانصراف مطلقا إذا بلغ المسلمون اثني عشر ألفا لخبر: لن يغلب إثنا عشر ألفا من قلة وبه خصت الآية. ويجاب بأن المراد من الحديث أن الغالب على هذا العدد الظفر فلا تعرض فيه لحرمة فرار ولا لعدمها - كما هو واضح - وإنما يحرم الانصراف إن قاومناهم إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة يستنجد بها على العدو ولو بعيدة (ويرق ذراري كفار) وعبيدهم ولو مسلمين كاملين (بأسر) كما يرق حربي مقهور لحربي بالقهر أي يصيرون بنفس الاسر أرقاء لنا ويكونون كسائر أموال الغنيمة. ودخل في الذراري الصبيان والمجانين والنسوان ولا حد إن وطئ غانم أو أبوه أو ـــــــــــــــــــــــــــــ أن المسلمين يقاتلون على إحدى الحسنيين: إما الفوز بالشهادة إن قتلوا، وإما الفوز والظفر بالغنيمة مع حصول الاجر إن لم يقتلوا. وأما الكفار فإنما يقاتلون على الفوز والظفر بالدنيا فقط، فكان الحاصل للمسلمين بسبب الجهاد ضعف ما هو حاصل للكفار، فوجب عليهم أن يصبروا على ملاقاة ضعفهم من الكفار. (قوله: أما إذا زادوا إلخ) مفهوم قوله إذا لم يزيدوا على مثلينا. (وقوله: كمائتين وواحد عن مائة) قد علمت أن العبرة بالمقاومة وعدمها، لا بالعدد. فلا تغفل. (قوله: فيجوز الانصراف) أي عن الصف (وقوله: مطلقا) أي غلب على الظن الهلاك أم لا، بلغوا اثني عشر ألفا أم لا. (قوله: وحرم جمع مجتهدون الانصراف مطلقا) أي زادوا على مثلينا أم لا. (وقوله: إذا بلغ إلخ) قيد في الحرمة. (قوله: لخبر إلخ) علة للحرمة. (وقوله: لن يغلب) بالبناء للمجهول ونائب فاعله ما بعده. (وقوله: من قلة متعلق به) أي لن يغلب جيش جيشا بلغ اثني عشر ألفا من أجل قلته، بل هو إذا بلغ هذا المقدار فهو كثير ولا يعد قليلا، فيفهم الخبر حينئذ أنه لا يجوز الانصراف لانهم كثير. (قوله: وبه خصت الآية) أي وبهذا الخبر خصت الآية السابقة المقتضية أن المسلمين إنما يقاتلون الضعف ولو زادوا على اثني عشر ألفا، فيقال أن محل ذلك ما لم يبلغ المسلمون هذا المقدار، فإن بلغوه قاتلوا مطلقا ولو زاد الكفار على ضعفهم. (قوله: أن الغالب على هذا العدد) أي الذي في الحديث. (وقوله: الظفر) أي بالاعداد ولو زاد الكفار على ضعفهم. (قوله: فلا تعرض فيه) أي في الحديث، وهذا هو محط الجواب. (قوله: كما هو) أي كون المراد منه ما ذكر واضح. (قوله: وإنما يحرم الانصراف) أعاده لأجل الاستثناء بعده وإلا فهو مصرح به فيما قبل. ولو قال ومحل حرمة الانصراف إذا لم يكن متحرفا الخ، لكان أولى وأخصر. (وقوله: إن قاومناهم) المناسب لعبارته أن يقول أن لم يزيدوا على مثلينا. (قوله: إلا متحرفا لقتال إلخ) استثناء من عموم الأحوال: أي يحرم إنصراف المسلم عن الصف في جميع الأحوال، إلا في حالة كونه متحرفا لقتال: أي مائلا عن محله ومنتقلا عنه، لاجل مصلحة القتال، بأن كان قصد به الانتقال لمكان أرفع من مكانه، أو أصوب منه، ليكمن من العدو، أو في حالة كونه متحيزا: أي ذاهبا إلى فئة من المسلمين يستنجد بها: أي يستنصر بها على العدو فلا يحرم. (قوله: ولو بعيدة) أي ولو كانت الفئة التي قصدها بعيدة. (قوله: ويرق إلخ) شروع في بيان ما يفعل بالاسرى. (وقوله: ذراري) جمع ذرية وهم الصغار. قال في المصباح: الذرية فعلية من الذر وهم الصغار، وتجمع على ذريات، وقد تجمع على ذراري، وقد أطلقت الذرية على الآباء مجازا. اه. (قوله: وعبيدهم) أي ويرق عبيدهم. قال في شرح المنهج: والمراد برق العبيد إستمراره لا تجديده. اه. وقيل إن الرق الذي فيهم يزول بالاسر، ويخلفه رق آخر لنا، ومثلهم المبعضون بالنسبة لبعضهم الرقيق، ويأتي في بعضهم الحر التخير بين المن والفداء والاسترقاق، لا القتل تغليبا لحقن الدم. (وقوله: ولو مسلمين) غاية في رق العبيد، أي يرق عبيدهم ولو كانوا مسلمين كاملين. (قوله: بأسر) متعلق بيرق، والمراد به الاستيلاء والقهر. (قوله: كما يرق حربي مقهور لحربي بالقهر) الكاف للتنظير في كون الحربي إذا قهر حربيا آخر أسترقه بذلك. (قوله: أي يصيرون الخ) تفسير مراد لارقاق الذراري والعبيد بالاسر. (قوله: ويكونون) أي الذين استرقوا بالاسر. (وقوله: كسائر أموال الغنيمة) أي فيخمسون الخمس لاهله والباقي للغانيمن، لانه - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم السبي كما

سيده أمة في الغنيمة ولو قبل اختيار التملك لان فيها شبهة ملك ويعزر عالم بالتحريم لا جاهل به إن عذر لقرب إسلامه أو بعد محله عن العلماء. فرع: يحكم بإسلام غير بالغ ظاهرا وباطنا: إما تبعا للسابي المسلم ولو شاركه كافر في سبيه، وإما تبعا لاحد أصوله وإن كان إسلامه قبل علوقه فلو أقر أحدهما بالكفر بعد البلوغ فهو مرتد من الآن (ولامام) أو أمير ـــــــــــــــــــــــــــــ يقسم المال. (قوله: ودخل في الذراري الخ) في دخول المجانين والنسوان البالغين نظر: إلا أن يكون على سبيل المجاز، بأن يراد بالذراري، كل من ينتمي للكفار ممن تجب مؤنته عليهم. (قوله: ولا حد) أي لازم. (قوله: إن وطئ غانم) أي واحد من الغانمين. (قوله: أو أبوه) أي أو أبو الغانم. (وقوله: أو سيده) أي سيد الغانم (وقوله: أمة) مفعول وطئ. (قوله: في الغنيمة) الجار والمجرور صفة لامة، أي أمة كائنة في الغنيمة التي غنهما المسلمون. (قوله: ولو قبل اختيار التملك) غاية لعدم الحد: أي لا يحد، ولو قبل أن تدخل في ملكه، والدخول فيه يكون باختيار التملك: بأن يقول اخترت نصيبي ذلك لان الملك في الغنيمة إنما يحصل بعد إختيار كل التملك لنصيبه. (قوله: لان فيها شبهة ملك) علة لعدم الحد: أي وإنما لم يحد بوطئ أمة الغنيمة، لان فيها شبهة الملك. (قوله: ويعزر عالم بالتحريم) أي يعزره الامام بما يراه: أي ويلزمه المهر للشبهة، كوطئ الاب جارية ابنه، فإن أحبلها لم يثبت الاستيلاد وإن كان موسرا لعدم الملك، ولزمه أرش الولادة لحصة غيره. كذا في شرح الروض. (قوله: لا جاهل به) أي لا يعزر جاهل بالتحريم، لكن بشرط أن يكون معذورا بأن قرب إلخ. (قوله: فرع إلخ) لما ذكر أن ذراري الكفار يسترقون بالاصل، فرع على ذلك أنه يحكم عليهم بالاسلام تبعا للمسلمين الذين أسروهم، وذكر في ضمن ذلك تبعيتهم فيه أيضا لاحد الاصول. (قوله: يحكم بإسلام غير بالغ) أي ذكرا كان أو أنثى أو خنثي والمجنون البالغ كالصغير، سواء بلغ مجنونا أو بلغ عاقلا ثم جن على الأصح. (قوله: ظاهرا وباطنا) وقد يحكم عليه بالاسلام ظاهرا فقط، كما لو وجد لقيط في دار الإسلام، أو في دار كفار وفيها مسلم، فإنه يحكم عليه تبعا للدار، والفرق بين من يحكم عليه بالاسلام ظاهرا وباطنا وبين من يحكم عليه به ظاهرا فقط، أنه في الأول لو وصف الكفر بعد بلوغه يصير مرتدا فيستتاب، فإن تاب ترك وإلا قتل، وفي الثاني يتبين أنه كافر أصلي وليس مرتدا. (قوله: إما تبعا للسابي المسلم) أي ولو كان غير مكلف، ويشترط لتبعيته له أن يكون منفرد عن أبويه، بحيث لا يكون معه أحدهما في جيش واحد غنيمة واحدة، فإن لم يكن كذلك فلا يتبع السابي له، بل يتبع أحد أبويه، لان تبعية الاصل أقوى من تبعية الفرع. (قوله: ولو شاركه كافر) أي يحكم عليه بالاسلام تبعا للسابي المسلم، ولو شاركه في السبي كافر تغليبا لجانب المسلم. (قوله: وإما تبعا لأحد أصوله) أي من جهة الأب أو الأم وإن لم يكونوا وارثين وإن بعدوا. فإن قيل: إطلاق ذلك يقتضي الحكم على جميع الاطفال بالاسلام، بإسلام أبيهم آدم عليه الصلاة السلام. أجيب: بأن الكلام في جد ينسب إليه بحيث يعرف به. (قوله: وإن كان إسلاما قبل علوقه) أي يحكم عليه بالاسلام تبعا وإن كان إسلام أحد أصوله قبل علوقه: أي قبل أن تعلق به أمه أي تحمل، وفيه أنه لا معنى لهذه الغاية وذلك لأنه إن أسلم أحد أصوله قبل العلوق أو عنده، فقد انعقد الحمل مسلما بالاجماع. ولا يقال إنه حكم بالاسلام فيه تبعا، وإن أسلم بعد العلوق، فالحكم بالاسلام يكون على الحمل لا على الصبي - كما صرح به الباجوري - وعبارته: ومثل الصبي الحمل في إسلامه بإسلام أحد أبويه أو أحد أصوله: وصورة ذلك أن تحمل به أمه في حال كفر أبويه وسائر أصوله، ثم يسلم أحد أبويه أو أحد أصوله قبل انفصاله، أو بعده وقبل تمييزه أو بعده وقبل بلوغه، أما لو كان أحد أبويه أو أحد أصوله مسلما وقت علوقه فقد انعقد مسلما بالاجماع، ولا يضر ما يطرأ بعد ذلك من ردة أحد أبويه أو أحد أصوله. اه. تنبيه: خرج بقوله تبعا في الصورتين إسلامه إستقلالا، كأن نطق بالشهادتين فلا يعتد به، وذلك لأن نطقه

(خيار في) أسير (كامل) ببلوغ وعقل وذكورة وحرية (بين) أربع خصال من (قتل) بضرب الرقبة لا غير (ومن) عليه بتخلية سبيله (وفداء) بأسرى منا أو مال فيخمس وجوبا أو بنحو سلاحا ويفادى سلاحهم بأسرانا على الاوجه لا بمال (واسترقاق) فيفعل الامام أو نائبه وجوبا الاحظ للمسلمين لاجتهاده، ومن قتل أسيرا غير كامل ـــــــــــــــــــــــــــــ بالشهادتين إما خبر أو إنشاء، فإن كان خبرا فخبره غير مقبول، وإن كان إنشاء فهو كعقوده وهي باطلة. وأما إسلام سيدنا علي رضي الله عنه فقد اختلف في وقته، فقيل إنه كان بالغا حين أسلم - كما نقله القاضي أبو الطيب عن الامام - وقيل إنه أسلم قبل بلوغه - وعليه الاكثرون - وأجاب عنه البيهقي بأن الاحكام إنما صارت معلقة بالبلوغ بعد الهجرة. قال السبكي: وهو الصحيح. (قوله: فلو أقر أحدهما) أي المحكوم عليه بالاسلام تبعا للسابي، أو المحكوم عليه به تبعا لاحد الاصول، (وقوله: فهو مرتد من الآن) أي من وقت إقراره بالكفر، لا كافر أصلي، وحينئذ يستتاب، فإن تاب ترك، وإلا قتل - كما مر -. (قوله: ولا إمام أو أمير) أي أمير جيش. (قوله: خيار في أسير كامل) أي من الكفار الاصليين: أما إذا كان من المرتدين، فلا خيار فيه بل يطالبه الامام أو الامير بالاسلام فقط. (قوله: ببلوغ الخ) متعلق بكامل: أي أن كماله يكون ببلوغ وعقل وذكورة وحرية، فإن لم يكمل بما ذكر بأن كان صبيا، أو مجنونا، أو أنثى، أو خنثى، أو رقيقا، فلا خيار فيه، بل يسترق بمجرد الاسر فقط، كما مر. (قوله: بين أربع خصال) متعلق بخيار: أي هو مخير بين أربع خصال، وهذا بالنسبة لغير المبعضين، أما هم فيتخير فيهم الامام بين ثلاثة أشياء فقط، كما مر. (قوله: من قتل الخ) بيان للاربع الخصال، ثم إن محل القتل إذا كان فيه إخماد شوكة الكفار وإعزاز المسلمين وإظهار قوتهم. (وقوله: بضرب الرقبة لا غير) أي لا بتحريق وتغريق ولا بغير ذلك من أنواع القتل. (قوله: ومن عليه) أي إنعام عليه، وهو معطوف على قتل. (وقوله: بتخلية سبيله) متعلق بمن: أي من عليه بتخلية سبيله بفكه وإطلاقه من الاسر من غير مقابل، ويفعل ذلك الإمام إذا كان فيه إظهار عز المسلمين. (قوله: وفداء) معطوف على قتل أيضا - وهو بكسر الفاء مع المد أو بفتحها مع القصر - (وقوله: بأسرى منا) أي برد أسرى من المسلمين إلينا، ومثلهم الذميون. والمراد يدفع لهم أسراهم، ويدفعون إلينا أسرانا. (قوله: أو مال) معطوف على أسرى: أي أو فداء بأخذ مال منهم سواء كان من مالهم أو من مالنا تحت أيديهم. (قوله: فيخمس) أي المال الذي نأخذه كبقية أموال الغنيمة. (قوله: أو بنحو سلاحنا) معطوف على بأسرى، أي أو فداء بأخذ نحو سلاحنا الذي أخذوه منا. (قوله: ويفادي سلاحهم بأسرانا) يعني نعطيهم سلاحهم الذي أخذناه منهم برد أسرانا إلينا. (قوله: لا بمال) أي لا يفادى سلاحهم الذي أخذناه بدفع مال إلينا. قال في التحفة: إلا إن ظهرت فيه مصلحة لنا ظهورا تاما لا ريبة فيه، فيجوز ويفرق بينه وبين منع بيع السلاح لهم مطلقا: أي ولو ظهرت مصلحة فيه، بأن ذلك فيه إعانتهم إبتداء من الآحاد، فلم ينظر فيه لمصلحة، وهذا أمر في الدوام يتعلق بالامام، فجاز أن ينظر فيه إلى مصلحة. اه. بزيادة. (قوله: وإسترقاق) معطوف على قتل أي ومن إسترقاق: أي ضرب الرق ولو لوثني أو عربي، أو بعض شخص إذا رآه مصلحة، ولا يسري الرق إلى باقيه على الاصح فيكون مبعضا. (قوله: فيفعل إلخ) مفرع على قوله ولامام خيار الخ. وأشار به إلى أن التعبير بالخيار فيه مسامحة، لانه إنما يكون عند استواء الخصال. (قوله: الاحظ للمسلمين) أي الاصلح والانفع للمسلمين: أي وللاسلام، وذلك لان حظ المسلمين ما يعود إليهم من الغنائم وحفظ مهجهم، ففي الاسترقاق والفداء حظ للمسلمين، وفي المن والقتل حظ للاسلام. هذا إن ظهر له الاحظ، فإن لم يظهر له حبسهم حتى يظهر له الاحظ فيفعله، لآنه أمر راجع إلى الاجتهاد لا إلى التشهي، فيؤخر لظهور الصواب. تنبيه: قال في التحفة: لم يتعرضوا فيما علمت إلى أن الامام لو اختار خصلة له الرجوع عنها أولا، ولا إلى أن اختياره هل يتوقف على لفظ أو لا؟ والذي يظهر لي في ذلك تفصيل لا بد منه. أما الاول فهو أنه لو اختار خصلة ظهر له بالاجتهاد أنها الاحظ. ثم ظهر له به إن الاحظ غيرها، فإن كانت رقا لم يجز له الرجوع عنها مطلقا، لان الغانمين وأهل الخمس ملكوا بمجرد ضرب الرق، فلم يملك إبطاله عليهم، أو قتلا جاز له الرجوع عنه تغليبا لحقن الدماء ما أمكن، وإذا جاز رجوع مقر بنحو الزنا بمجرد تشهيه وسقط عنه القتل بذلك، فهنا أولى، لان هذا محض حق الله تعالى، وذاك

لزمته قيمته أو كاملا قبل التخيير فيه عزر فقط (وإسلام كافر) كامل (بعد أسر يعصم دمه) من القتل لخبر الصحيحين: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ولم يذكر هنا وماله لانه لا يعصمه. إذا اختار الامام رقه ولا صغار أولاده للعلم بإسلامهم تبعا له وإن كانوا ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه شائبة حق آدمي، أو فداء، أو من، لم يعمل بالثاني لاستلزامه نقض الاجتهاد بالاجتهاد من غير موجب، كما لو اجتهد الحاكم وحكم، ولا ينقض حكمه باجتهاد بان، نعم، إن كان اختياره أحدهما: لسبب ثم زال ذلك السبب، وتعينت المصلحة في الثاني عمل بقضيته، وليس هذا نقض اجتهاد باجتهاد، بل بما يشبه النصر لزوال موجب الاول بالكلية. وأما الثاني فهو أن الاسترقاق لا بد فيه من لفظ يدل عليه، ولا يكفي فيه مجرد الفعل بالاستخدام، لانه لا يستلزمه، وكذا الفداء، نعم، يكفي فيه لفظ ملتزم البدل مع قبض الامام له من غير لفظ، بخلاف الخصلتين الاخيرتين لحصولهما بمجرد الفعل اه. (وقوله: أما الاول) أي أما التفصيل في الأول، وهو كونه لو اختار خصلة له الرجوع أولا. (وقوله: وأما الثاني) أي وأما التفصيل في الثاني وهو كون اختياره هل يتوقف على لفظ أم لا؟ (قوله: ومن قتل أسيرا إلخ) قال في الاقناع. تنبيه: لا يقتل من ذكر: أي النساء والصبيان والمجانين والعبيد للنهي عن قتل النساء والصبيان والباقي في معناهما، فإن قتلهم الامام ولو لشرهم وقوتهم، ضمن قيمتهم للغانمين كسائر أموال الغنيمة وقوله: فإن قتلهم الامام: مثل الامام غيره، وهذا في قتل الناقصين. أما قتل الكاملين، فإن كان بعد اختيار الامام القتل أو قبله، فلا ضمان إلا لتعزير، وإن كان بعد اختيار الامام للفداء. فإن كان بعد قبضه الفداء، وقبل وصول الكافر لمأمنه ضمن بالدية، ويأخذ الامام منها قدر للفداء والباقي لورثته، وإن كان بعد وصوله لمأمنه فلا ضمان. وأما إن كان القتل بعد المن، فإن كان قبل وصوله لمأمنه، ضمن بالدية لورثته. وإن كان بعد وصوله لمأمنه فلا ضمان اه. بجيرمي. (قوله: أو كاملا) أي أو قتل أسيرا كاملا، وكماله بما مر. (وقوله: قبل التخيير فيه) متعلق بقتل المقدر: أي قتله قبل أن يختار الامام فيه شيئا من الخصال الاربع. ومفهومه أنه إذا كان بعد التخيير لا شئ عليه أصلا، لا تعزير ولا غيره، مع أنه ليس كذلك بل فيه تفصيل يعلم من عبارة البجيرمي المارة آنفا. (وقوله: عزر) أي القاتل وهو جواب إن المقدرة مع شرطها (قوله: وإسلام كافر كامل) خرج الناقص فلا يعتد بإسلامه إلا تبعا وسيذكر حكمه. (قوله: بعد أسر) أي وقبل اختيار الامام فيه شيئا، فإن كان بعد اختيار الامام فيه خصلة من الخصال، تعينت ما عدا القتل اه. بجيرمي. (قوله: يعصم دمه من القتل) الجملة خبر إسلام. (قوله: لخبر إلخ) دليل على عصمة دم من أسلم الخ. (قوله: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) أي وأن محمدا رسول الله، أو يقال أن لا إله إلا الله صارت علما على الشهادتين. اه. ز ي (قوله: فإذا قالوها) أي كلمة التوحيد. (قوله: وأموالهم) فيه أن الاموال لا تعصم بإسلامه بعد الاسر، فمحل الاستدلال قوله دماءهم، وكان الأولى ذكر هذا الخبر بعد قوله وإسلامه قبله يعصم دما ومالا اه. بجيرمي (قوله: إلا بحقها) أي بحق الدماء والاموال والانساب التي تقتضي جواز قتلهم وأخذ أموالهم. اه. ع ش. وذلك كالقود والزكاة. (قوله: ولم يذكر هنا) أي ولم يذكر المصنف هنا: أي في إسلامه بعد الاسر، كما ذكره بعد في قوله وإسلامه قبله، وكان حق التعبير أن يقول: ولم أذكر بهمزة التكلم إلا أن يقال أنه ارتكب التجريد. (قوله: وماله) مفعول يذكر. (قوله: لأنه) أي الاسلام بعد الاسر (وقوله: لا يعصمه) أي المال، لان المقدور عليه بعده غنيمة. (قوله: إذا اختار الامام رقه) قال الرشيدي: قضية هذا القيد أنه إذا اختار غير الرق يعصم ماله، وانظره مع قوله الآتي ومن حقها - أي الاموال - أن ماله المقدور عليه بعد الاسر غنيمة، ولم أر هذا القيد في غير كلامه، وكلام التحفة. اه. (قوله: ولا صغار أولاده) معطوف على قوله وماله: أي ولم يذكر هنا صغار أولاده. (قوله: للعلم بإسلامه إلخ) عبارة التحفة للعلم بإسلامهم تبعا له من كلامه الآتي: إذ التقيد فيه بقبل الظفر، لافادة عموم العصمة، ثم بخلافها هنا لما ذكر في المال، وأما صغار أولاده فالملحظ في الصورتين

بدار الحرب أو أرقاء وإذا تبعوه في الاسلام وهم أحرار لم يرقوا لامتناع طرو الرق على من قارن إسلامه حريته. ومن ثم أجمعوا على أن الحر المسلم لا يسبى ولا يسترق أو أرقاء لم ينقص رقهم. ومن ثم لو ملك حربي صغيرا ثم حكم بإسلامه تبعا لاصله جاز سبيه واسترقاقه ويبقى الخيار في باقي الخصال السابقة من المن أو الفداء أو الرق. ومحل جواز المفاداة مع إرادة الاقامة في دار الكفر إن كان له ثم عشيرة يأمن معها على نفسه ودينه (و) إسلامه (قبله) أي قبل أسر بوضع أيدينا عليه (يعصم دما) أي نفسا عن كل ما مر (ومالا) أي جميعه بدارنا أو دارهم وكذا فرعه الحر الصغير والمجنون عند السبي عن الاسترقاق لا زوجته فإذا سبيت ولو بعد الدخول انقطع ـــــــــــــــــــــــــــــ واحد وزعم المخالفة بين ما هنا. وثم وأن عموم ذلك مقيد بهذا، فلا يتبعونه في إسلامه بعد الظفر، ولا يعصمون به عن الرق ليس في محله لتصريحهم بتبعيتهم له قبل الظفر، فبعده كذلك. اه. فلعل في العبارة سقطا من الناسخ يعلم من العبارة المذكورة. (وقوله: تبعا له) أي لاصله الذي أسلم. (قوله: وإن كانوا إلخ) غاية في التبعية: أي يتبعونه في الاسلام، وإن كانوا بدار الحرب. (وقوله: أو أرقاء) أي أو كانوا أرقاء، بأن سباهم مسلمون، أو قهرهم حربيون. (قوله: وإذا تبعوه) أي الاصل الذي أسلم. (وقوله: وهم أحرار) أي والحال أنهم، أي صغار أولاده أحرار. (قوله: لم يرقوا) جواب إذا. (قوله: لامتناع طرو الرق إلخ) علة لعدم إسترقاقهم. (وقوله: على من قارن إسلامه حريته) أي على الشخص الذي قارن إسلامه حريته. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل إمتناع طرو الطرق على من ذكر. (وقوله: أجمعوا على أن الحر المسلم) خرج الرقيق المسلم، فيسبي ويسترق إذا كان للحربين كما تقدم. (وقوله: لا يسبي) أي لا يؤسر. (وقوله: ولا يسترق) عطف لازم على ملزوم، لأنه يلزم من عدم صحة سبيه عدم صحة استرقاقه. (قوله: أو أرقاء) معطوف على أحرار: أي وإذا تبعوه في الاسلام وهم أرقاء، لم ينقض رقهم: أي فلا يعصمهم إسلام أبيهم من الرق، لان أمرهم تابع لساداتهم، لانهم من أموالهم. (قوله: ومن ثم) يعني ومن أجل أن الرق لا ينقض بطرو إسلامهم تبعا لابيهم، بل يستمر رقهم مع الاسلام. (وقوله: ثم حكم بإسلامه) أي ذلك الصغير (وقوله: تبعا لاصله) أي أصل ذلك الصغير بأن أسلم أحد أصوله. (وقوله: جاز سببه واسترقاقه) أي صح سبي ذلك الصغير واسترقاقه: أي لانه رقيق لحربي، ولم ينقض رقه بإسلامه تبعا، ورقيق الحربي يجوز سبيه واسترقاقه أي لانه رقيق لحربي، ولم ينقض رقه بإسلامه تبعا، ورقيق الحربي يجوز سبيه واسترقاقته ولو كان مسلما. (قوله: ويبقى الخيار إلخ) مرتبط بالمتن يعني أن إسلامه إنما يعصمه من القتل فقط، ويبقى الخيار في باقي الخصال، كما أن من عجز عن الاعتاق في كفارة اليمين يبقى خياره في الباقي من خصالها. (وقوله: من المن الخ) بيان لباقي الخصال (قوله: ومحل جواز المفاداة الخ) قال ع ش: ينبغي أن مثله: أي الفداء المن بالاولى مع إرادته الاقامة بدار الحرب. اه. (قوله: أن كان له ثم) أي في دار الكفر عشيرة: أي جماعة يأمن معها على نفسه وماله، فإن لم يكن له ثم عشيرة كما ذكر، لا تجوز مفاداته ومثلها المن. (قوله: وإسلامه قبله) هذا مفهوم قوله: وإسلام كافر بعد أسر. (قوله: أي قبل أسر) أي أسر الامام أو أمير الجيش، (وقوله: بوضع أيدينا عليه) متعلق بأسر. (قوله: يعصم دما الخ) الجملة خبر إسلامه. (قوله: أي نفسا الخ) أشار بهذا التفسير إلى أنه ليس المراد بالدم سفكه بالقتل، كالدم المتقدم فيمن أسلم بعد الاسر، بل المراد به النفس. والمراد عصمتها من القتل ومن غيره كالرق (فقوله: عن كل ما مر) أي من الخصال السابقة من القتل والرق والمفاداة. (قوله: ومالا) أي ويعصم مالا: أي من غنمه. (قوله: بدارنا أو دراهم) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمالا: أي مالا كائنا بدار المسلمين، أو بدار الكفار. (قوله: وكذا فرعه الحر الصغير) أي وكذا يعصم إسلامه فرعه الحر الصغير، لتبعيته له في الإسلام. وقيد بالحر. لان الرقيق يسبى ويسترق ولا يمنعه الاسلام كما علمت (وقوله: الصغير) خرج الكبير فلا يعصمه إسلام أصله. (وقوله: والمجنون عند السبي) أي وكذا يعصم ولده المجنون عند الاسر. ولو طرأ جنونه بعد البلوغ كما مر. ومثل الصبي والمجنون الحمل، ة فيعصمه إسلام أبينه، لانه يتبعه في الإسلام كما مر. نعم، إن سبيت أمه قبل إسلام أبيه، ثبت رقه

نكاحه حالا. وإذا سبي زوجان أو أحدهما انفسخ النكاح بينهما لما في خبر مسلم أنهم لما امتنعوا يوم أوطاس من وطئ المسبيات المتزوجات نزل * (والمحصنات) * أي المتزوجات * (من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) *. (1) فحرم الله تعالى المتزوجات إلا المسبيات. فرع: لو ادعى أسير قد أرق إسلامه قبل أسره لم يقبل في الرق ويجعل مسلما من الآن ويثبت بشاهد وامرأتين ولو ادعى أسير أنه مسلم، فإن أخذ من دارنا صدق بيمينه أو من دار الحرب فلا (وإذا أرق) الحربي ـــــــــــــــــــــــــــــ بسبي الام مع الحكم بإسلامه تبعا لابيه، ولكن لا يبطل إسلامه رقه كالمنفصل. (وقوله: عن الاسترقاق) متعلق بيعصم المقدر بعد كذا. (قوله: لا زوجته) يعني أن إسلام الكافر لا يعص زوجته عن الاسترقاق ولو كانت حاملا لاستقلالها. فإن قيل: إذا عقد الكافر الجزية، عصم زوجته الموجودة حين عقد الجزية عن استرقاقها، فكان الاسلام أولى بذلك. (أجيب) بأن الزوجة تستقل بالاسلام، فلا تجعل فيه تابعة، لان ما يمكن إستقلال الشخص به لا يجعل فيه تابعا لغيره، ولا تستقل ببذل الجزية فتجعل فيه تابعة، لأن ما لا يمكن إستقلال الشخص به يجعل فيه تابعا لغيره. (قوله: فإذا سبيت) أي زوجته. (وقوله: ولو بعد الدخول) غاية لقوله انقطع نكاحه: أي ينقطع النكاح، ولو كان السبي حصل بعد الدخول بها، وهي للرد على القائل بأنه إن كان السبي بعد الدخول بها إنتظرت العدة، فلعلها تعتق فيها فيدوم النكاح كالردة. (قوله: انقطع نكاحه حالا) أي انفسخ نكاحه حالا: أي حال السبي، وذلك لامتناع إمساك الامة الكافرة في نكاح المسلم، كما يمتنع إبتداء نكاحها. (قوله: وإذا سبي زوجان أو أحدهما) أي وكانا حرين، أو أحدهما حرا فقط، ورق بأن كان غير مكلف، أو أرقه الامام بأن كان مكلفا. أما لو كانا رقيقين، سواء سبيا أم أحدهما، فلا ينقطع نكاحهما: إذ لم يحدث رق، وإنما انتقل الملك من شخص إلى آخر، وذلك لا يقطع النكاح، كالبيع والهبة. (قوله: إنفسخ النكاح بينهما) محله في سبي زوج صغير أو مجنون أو مكلف إختار الامام رقه، فإن من عليه، أو فادى به، إستمر نكاحه حيث لم يحكم برق زوجته، بأن سبي وحده وبقيت بدار الحرب. (قوله: لما في خبر مسلم الخ) دليل لانفساخ النكاح بينهما إذا سبيا أو أحدهما. (قوله: أنهم) أي الصحابة، وهو بيان لما في خبر مسلم. (قوله: يوم أوطاس) بفتح الهمزة كما في المختار. وقال ق ل: هو بضم الهمزة أفصح من فتحها: اسم واد من هوازن عند حنين. اه. (قوله: من وطئ المسبيات المتزوجات) أي اللائي كن متزوجات قبل السبي. (قوله: والمحصنات) أي وحرمت عليكم المحصنات، فهو معطوف على ما قبله في الآية. (قوله: فحرم الله تعالى المتزوجات إلا المسبيات) أي واستثنى منهم من سبي منهن، فأحل نكاحهن، وهذا يدل على أنه ينفسخ بالسبي النكاح، وإلا لم يحل نكاحهن. (قوله: فرع) الأولى فرعان. (قوله: لو ادعى أسير) أي كامل إذ الدعوى لا تسمع إلا منه، وإنما ادعى ذلك لأجل أن لا يصح سبيه، فلا يصح إسترقاقه. (قوله: قد أرق) أي قد اختار الامام رقه، ومفهومه أنه إذا ادعاه قبل أن يرق يقبل حتى بالنسبة للرق فانظره. (قوله: لم يقبل في الرق) أي لم يقبل ما ادعاه بالنسبة للرق، فيستدام الرق الذي اختاره الإمام فيه، أما بالنسبة للقتل والمفاداة فيقبل. (قوله: ويجعل مسلما الآن) أي ويحكم بإسلامه من وقت دعواه ذلك. (قوله: ويثبت إلخ) هذا كالتقييد لقوله لم يقبل: أي أن محل عدم قبوله إذا لم يثبت إسلامه الذي ادعاه بالبينة، فإن ثبت بها، وهي رجل وامرأتان، قبلت فلا يصح أسره ولا استرقاقه ولا غير ذلك. (قوله: ولو ادعى أسير أنه مسلم) تأمله، فإن كان المراد أنه ادعى إسلامه قبل أسره، فهو عين ما قبله: وإن كان المراد بعد أسره، فانظر لم فصل فيه بقوله فإن أخذ من دارنا الخ. ولم يفصل فيما إذا ادعى أنه أسلم قبل الاسر؟ والظاهر أن المراد الاول، وقصده بيان تقييد قوله فيما تقدم، لم يقبل

_ (1) سورة النساء، الاية: 24.

(وعليه دين) لمسلم أو ذمي (لم يسقط) وسقط إن كان لحربي، ولو اقترض حربي من حربي أو غيره أو اشترى منه شيئا ثم أسلما أو أحدهما يسقط لالتزامه بعقد صحيح. ولو أتلف حربي على حربكي شيئا أو غصبه منه فأسلما أو أسلم المتلف فلا ضمان لانه لم يلتزم شيئا بعقد حتى يستدام حكمه ولان الحربي لو أتلف مال مسلم أو ذمي لم يضمنه فأولى مال الحربي. ـــــــــــــــــــــــــــــ في الرق المقتضي قبوله بالنسبة لغير الرق. (قوله: ويجعل مسلما من الآن) بما إذا أخذناه من دارنا، فإن أخذناه من دارهم فلا يقبل مطلقا، ولا يحكم عليه بالاسلام، لكن كان المناسب والأخصر في التعبير، حيث كان هذا هو المراد، أن يقول بعد قوله ويجعل مسلما من الآن إن أخذناه من دارنا، فإن أخذناه من دارهم فلا. وفيه أن هذا يقتضي أنهم يجوز قتلهم إذا أخذناهم من ديارهم، ولو قالوا: نحن مسلمون فانظره. ثم رأيت ع ش بحث في ذلك واختار استفسارهم. وعبارته. فرع: لو أسر نفر فقالوا: نحن مسلمون أو أهل ذمة، صدقوا بأيمانهم إن وجدوا في دار الإسلام. وإن وجدوا في دار الحرب لم يصدقوا. جزم به الرافعي في آخر الباب. اه. سم على منهج. وقضية عدم تصديقهم جواز قتلهم مع قولهم نحن مسلمون، وقد يقال، القياس إستفسارهم، فإن نطقوا بالشهادتين تركوا، وإلا قتلوا إلخ. اه. (قوله: وإذا أرق الحربي) بالبناء للمجهول: أي وإذا أرق الامام أو أمير الجيش الحربي. (قوله: وعليه دين لمسلم أو ذمي) مثل من عليه دين، من له الدين، فإذا أرق، فإن كان دينه على مسلم أو ذمي لم يسقط، وإن كان على حربي سقط. والحاصل، صور لمقام ستة، لانه إذا أرق من عليه الدين، إما أن يكون دينه لمسلم أو ذمي أو حربي، وإذا أرق من له الدين، إما أن يكون من عليه الدين مسلما أو ذميا أو حربيا. ولا يسقط في هذه الصور كلها، إلا دين حربي على مثله إذا أرق أحدهما. (قوله: لم يسقط) أي الدين، فيقضي من ماله إن غنم بعد رقه، وإن زال ملكه عنه بالرق قياسا للرق على الموت، فإن غنم قبل رقه أو معه لم يقض منه، فإن لم يكن له مال، أو لم يقض منه، بقي في ذمته إلى أن يعتق فيطالب به. اه. شرح المنهج. (قوله: وسقط) أي الدين إن كان لحربي مفهوم قوله: لمسلم أو ذمي. والفرق بين الحربي وغيره، أن مال الاول غير محترم، بخلاف الثاني. (قوله: ولو اقترض حربي من حربي) أي أو كان له عليه دين معاوضة كصداق. (قوله: أو غيره) بالجر معطوف على حربي المجرور بمن: أي أو اقترض حربي من غير الحربي، من مسلم أو ذمي أو معاهد أو مستأمن. (قوله: أو اشترى) أي الحربي. (وقوله: منه) أي حربي آخر. (قوله: ثم أسلما) أي الحربيان معا أو مرتبا، أو أعطيا الجزية، أو أخذا أمانا. وعبارة المنهج: ثم عصم أحدهما بإسلام أو أمان مع الآخر أو دونه. اه. (قوله: لم يسقط) أي الدين الملتزم بعقد القرض أو الشراء. (قوله: لالتزامه) أي الدين، وهو علة لعدم السقوط. (وقوله: بعقد صحيح) أي وهو القرض أو البيع. (قوله: ولو أتلف) مفهوم قوله: إقترض أو اشترى المقتضي وجود عقد: إذ الاتلاف لا عقد فيه. (وقوله: على حربي) ليس بقيد كما يفهم من قوله الآتي، ولو أتلف مال مسلم أو ذمي لم يضمنه. (قوله: فأسلما) أي الحربيان معا أو مرتبا. (قوله: أو أسلم المتلف) في شرح الروض وكإسلامهما إسلام أحدهما، وتقييد الاصل بإسلام المتلف لبيان محل الخلاف. اه. (قوله: فلا ضمان) أي على المتلف. (قوله: لأنه) أي المتلف لم يلتزم: أي في ذمته شيئا بعقد. (وقوله: حتى يستدام حكمه) أي حكم الملتزم بالعقد، وهو الضمان. وأفهم التعليل المذكور أن ما اقترضه المسلم أو الذمي من الحربي يستحق المطالبة به، وإن لم يسلم لالتزامه بعقد. أفاده ع ش. (قوله: ولان الحربي الخ) معطوف على لأنه لم يلتزم الخ. (قوله: فأولى مال الحربي) أي فمال الحربي المتلف أولى

فرع: لو قهر حربي دائنه أو سيده أو زوجه ملكه ارتفع الدين والرق والنكاح وإن كان المقهور كاملا، وكذا إن كان القاهر بعضا للمقهور ولكن ليس للقاهر بيع مقهوره البعض لعتقه عليه خلافا للسمهودي. مهمة: قال شيخنا في شرح المنهاج: قد كثر اختلاف الناس وتأليفهم في السراري والارقاء المجلوبين من الروم والهند. وحاصل معتمد مذهبنا فيهم أن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم تقسم يحل شراوه وسائر التصرفات فيه لاحتمال أن آسره البائع له أولا حربي أو ذمي فإنه لا يخمس عليه وهذا كثير لا نادر، فإن تحقق أن آخذه مسلم بنحو سرقة أو اختلاس لم يجز شراوه إلا على الوجه الضعيف أنه لا يخمس عليه فقول جمع متقدمين ظاهر الكتاب والسنة والاجماع على منع وطئ السراري المجلوبة من الروم والهند إلا أن ينصب ـــــــــــــــــــــــــــــ بعدم الضمان. (قوله: لو قهر حربي دائنه) أي لو قهر حربي مديون دائنه الحربي. (وقوله: أو سيده) أي أو قهر عبد حربي سيده الحربي. (وقوله: أو زوجة) أي أو قهر حربي زوجه، أي زوجته فإطلاق الزوج بلا تاء على المرأة هو القياس. ومثله ما لو قهرت امرأة زوجها. (قوله: ملكه) أي ملك القاهر المقهور. (وقوله: وارتفع الدين) أي سقط بالنسبة للصورة الأولى. (قوله: والرق) أي وارتفع الرق بالنسبة للصورة الثانية. (قوله: والنكاح) أي وارتفع النكاح بالنسبة للصورة الثالثة. (قوله: وإن كان المقهور كاملا) أي ملكه وارتفع ما ذكر، وإن كان المقهور كاملا ببلوغ وعقل وحرية وذكورة. قال في شرح الروض: قال الامام: ولم يعتبروا في القهر قصد الملك، وعندي لا بد منه، فقد يكون للاستخدام أو غيره. اه. (قوله: وكذا إن كان القاهر بعضا للمقهور) أي وكذا يملكه إن كان القاهر ولدا للمقهور، أو والدا له. فمراده بالبعض ما يشمل الاصل والفرع، وإن كان في إطلاقه على الاصل تسمح. (قوله: ولكن ليس للقاهر) أي الأصل أو الفرع. (قوله: بيع مقهوره البعض) أي الأصل أو الفرع. (قوله: لعتقه عليه) أي بعد ثبوت الملك بالقهر يعتق عليه. (قوله: خلافا للسمهودي) مقتضى السياق أنه يخالف في عدم جواز البيع. (قوله: مهمة) أي تتعلق بما يسبى من بلاد الروم ونحوها. وحاصل الكلام على ذلك أنه إن كان حرا مسلما، فلا يصح سبيه، ولا استرقاقه كما مر، وإن كان كافرا، فإن علم أن السابي له كافر صح سبيه واسترقاقه وجاز شراؤه وسائر التصرفات فيه، أو علم أنه مسلم سباه باختلاس أو نهب أو غير ذلك، فإن علم أن الامام خمسه كسائر أموال الغنيمة، أو قال كل من أخذ شيئا فهو له. فكذلك يصح شراؤه وسائر التصرفات قطعا. وإن علم أنه لم يخمسه، أو لم يقل ذلك، فلا يصح شراؤه ولا سائر التصرفات قطعا. ووقع الخلاف فيما إذا احتمل أن السابي كافر، واحتمل أنه مسلم، والمعتمد أنه يصح شراؤه للاحتمال الاول. (قوله: في السراري) جمع سرية. (وقوله: والارقاء) معطوف على ما قبله، من عطف العام على الخاص. (قوله: المجلوبين) أي المأخوذين. (قوله: من الروم والهند) أي ونحوهما، كالترك والسودان. (قوله: وحاصل معتمد مذهبنا فيهم) أي في السراري والأرقاء المجلوبين من الروم والهند. (قوله: أن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم تقسم) أي بأن علم أنه غنيمة تخمست وقسمت أو جهل ذلك. (قوله: يحل شراؤه) أي من لم يعلم كونه غنيمة، لم تتخمس ولم تقسم. (قوله: وسائر التصرفات فيه) أي ويحل فيه سائر التصرفات، كالهبة والعتق والرهن والاجارة. (قوله: لاحتمال الخ) علة لحل ذلك: أي وإنما حل شراؤه، لاحتمال أن الذي أسره حربي أو ذمي. (قوله: فإنه لا يخمس عليه) علة للعلة: أي وإنما حل شراؤه إذا احتمل أن سابيه حربي أو ذمي، لان مأسور الحربي أو الذمي لا يخمسه الامام عليه، بل يستقل به، لكونه ليس غنيمة للمسلمين. (قوله: وهذا) أي كون الآسر له حربيا أو ذميا، كثير لا نادر. (قوله: فإن تحقق أن آخذه مسلم) أي وأنه لم يخمسه الامام ولم يقسمه. وهذا مفهوم قوله من لم يعلم كونه الخ. (وقوله: بنحو سرقة) متعلق بآخذه. (قوله: لم يجز شراؤه) أي لانه غنيمة للمسلمين، وهي لا تملك إلا بعد التخميس والقسمة. (قوله: أنه لا يخمس عليه) أن وما بعدها في تأويل مصدر بدل من الوجه الضعيف، أو عطف بيان. (قوله: فقول جمع

من يقسم الغنائم ولا حيف يتعين حمله على ما علم أن الغانم له المسلمون وإنه لم يسبق من أميرهم قبل الاغتنام من أخذ شيئا فهو له لجوازه عند الائمة الثلاثة. وفي قول الشافعي بل زعم التاج الفزاري أنه لا يلزم الامام قسمة الغنائم ولا تخميسها، وله أن يحرم بعض الغانمين، لكن رده المصنف وغيره بأنه مخالف للاجماع وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس ردها لمستحق علم، وإلا فللقاضي كالمال الضائع - أي الذي لم يقع اليأس من صاحبه - وإلا كان ملك بيت المال فلمن له فيه حق الظفر به على المعتمد. ومن ثم كان المعتمد كما مر أن من وصل له شئ يستحقه منه حل له أخذه وإن ظلم الباقون. نعم: الورع لمريد التسري أن يشتري ثانيا ـــــــــــــــــــــــــــــ إلخ) مبتدأ خبره جملة يتعين حمله الخ، وهذا جواب شرط مقدر تقديره. وإذا علمت أن حاصل معتمد مذهبنا ما ذكر من التفصيل فقول جمع الخ. (قوله: ظاهر إلخ) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده، والجملة مقول القول. وفي التحفة تظاهر بصيغة الماضي بمعنى اتفق. (وقوله: على منع وطئ السراري) أي على حرمة ذلك لعدم صحة شرائهن. (قوله: إلا أن ينصب الخ) أي إلا أن يولي الإمام من يقسم الغنائم، فإن ولي فلا منع. (وقوله: ولا حيف) أي ولا جور وظلم موجود في القسمة، بأن يعطى كل ذي حق حقه، أما إذا وجد حيف، بأن أعطى بعض الغانمين وحرم الباقين، فيمتنع وطؤهن. (قوله: يتعين حمله) أي القول المذكور. (وقوله: على ما علم) أي تيقن أن الغانم له: أي للمذكور من السراري المسلمون. (قوله: وأنه لم يسبق) أي وعلم أنه لم يسبق إلخ. (قوله: من أخذ شيئا فهو له) فاعل يسبق. أي لم يسبق من أميرهم هذا اللفظ. (قوله: لجوازه) أي لجواز أن يسبق من الامير المذكور ذلك: أي صحته عند الأئمة الثلاثة. وعبارة المؤلف في آخر باب الزكاة: ولا يصح شرط الإمام من أخذ شيئا فهو له، وفي قول يصح وعليه الائمة الثلاثة. اه. وإذا جاز قول الامير المذكور، جاز الاخذ بقوله - كما في الرشيدي - وعبارته: إذ بقوله المذكور كل من أخذ شيئا اختص به، أي عند الأئمة الثلاثة، لا عند الشافعي، إلا في قول ضعيف له. اه. وإذا جاز الاخذ بقول الامير، لصحته عند الأئمة الثلاثة، فيصح وطئ السراري، ويبطل قول جمع ظاهر الكتاب الخ، إلا أن يحمل على ما ذكره المؤلف. (قوله: وفي قول الشافعي) معطوف عل عند الأئمة الثلاثة، أي ولجوازه في قول ضعيف للشافعي. (قوله: بل زعم التاج الفزاري الخ) وعليه فيحمل وطئ السراري مطلقا لصحة شرائهن. (قوله: وله أن يحرم الخ) معطوف على اسم إن وخبرها: أي وزعم الفزاري أن للامام أن يحرم إلخ. (قوله: لكن رده) أي ما زعمه التاج الفزاري. (وقوله: المصنف) أي النووي. (وقوله: بأنه) متعلق برده. (قوله: وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس) أي والمخلص لمن وقع في يده شئ من الغنائم التي لم تخمس يقينا، بشراء أو هبة أو وصية، أن يدفعه لمستحقه إن كان معلوما، ثم بعد ذلك إن شاء اشتراه منه بعقد جديد، ويحل وطؤه حينئذ. (قوله: وإلا فللقاضي) أي وإن لم يعلم المستحق: أي ولم ييأس منه بدليل التشبيه الآتي، فيرده للقاضي ليحفظه عنده حتى يعلم المستحق فيعطيه له. (قوله: كالمال الضائع) الكاف للتنظير: أي أن هذه الغنائم التي لم تخمس، نظير المال الضائع في أنه يدفع للقاضي ليحفظه عنده. (قوله: أي الذي الخ) بيان لقيد المال الضائع، ومثله في القيد المذكور من وقع بيده من الغنائم. (قوله: وإلا) أي بأن وقع اليأس من مالكه، كأن ملك بيت المال، وعلى قياسه يقال هنا إذا وقع اليأس من مستحق الغنيمة، يكون ملكا لبيت المال. (قوله: فلمن له فيه الخ) تفريع على كونه لبيت المال: أي وإذا صار ملكا له، فلكل من كان له في بيت المال حق الظفر به: أي بالمال الضائع الذي أيس من مالكه. (قوله: ومن ثم إلخ) أي ومن أجل أن من كان له حق في بيت المال له الظفر به، كان المعتمد فيمن وصل له شئ: أي أعطي شيئا يستحقه من بيت المال حل أخذه، وإن كان بقية المستحقين مظلومين. (وقوله: كما مر) يعني في كلام التحفة في كتاب قسم الفئ والغنيمة، وعبارته هناك. فائدة: منع السلطان المستحقين حقوقهم من بيت المال. ففي الإحياء قيل: لا يجوز لأحدهم أخذ شئ منه أصلا لأنه مشترك ولا يدري حصته منه، وهذا غلو. وقيل يأخذ كفاية يوم بيوم. وقيل كفاية سنة. وقيل ما يعطى إذا كان قدر

من وكيل بيت المال لان الغالب عدم التخميس واليأس من معرفة مالكها فيكون ملكا لبيت المال. انتهى. تتمة: يعتق رقيق حربي إذا هرب ثم أسلم ولو بعد الهدنة أو أسلم ثم هرب قبلها وإن لم يهاجر إلينا لا عكسه بأن أسلم بعد هدنة ثم هرب فلا يعتق لكن لا يرد إلى سيده فإن لم يعتقه باعه الامام من مسلم أو دفع ـــــــــــــــــــــــــــــ حقه، والباقون مظلومون. وهذا هو القياس لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين، ومن ثم من مات وله فيه حق لا يستحقه وارثه. اه. وخالفه ابن عبد السلام فمنع الظفر في الأموال العامة لأهل الإسلام، ومال المجانين والايتام. وما ذكره الغزالي أوجه مما ذكره ابن عبد السلام. اه. بحذف. (قوله: نعم الورع إلخ) مرتبط بقوله يحل شراؤه في أول المبحث: يعني إنه إذا لم يعلم كونه غنيمة لم تخمس، يحل شراؤه وسائر التصرفات، لكن الورع لمريد التسري الخ. ويحتمل أن يكون مرتبطا بقوله قريبا حل له أخذه. ويدل للاول صنيع النهاية، وقوله المؤلف بعد أن يشتري ثانيا. إذ هو يدل على أنه وقع الشراء منه أولا، وفي صورة حل الاخذ ليس فيه شراء أصلا. (وقوله: أن يشتري ثانيا) أي بثمن ثان غير الذي اشترى به أولا. ويشترط أن يكون ثمن مثلها. اه. ع ش. (وقوله: واليأس) بالرفع عطف على عدم التخميس: أي ولان الغالب اليأس من معرفة مالكها: أي السراري (قوله: فيكون) أي الذي لم يخمس، وأيس من معرفة مالكه. (وقوله: ملكا لبيت المال) أي ككل ما أيس من معرفة مالكه. اه. رشيدي. (قوله: تتمة) أي في ذكر مسائل تتعلق بالهدنة، وهي مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة مجانا أو بعوض، لا على سبيل الجزية، وهي جائزة لا واجبة. والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (براءة من الله ورسوله) * الآية، وقوله: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) *. وأركانها ثلاثة. الأول العاقد: وهو الإمام أو نائبه إن كانت الهدنة للكفار مطلقا، أو لاهل إقليم كالروم والهند، لان فيها خطرا عظيما بترك الجهاد فاختصت بهما، فإن كانت لبعض كفار إقليم، جاز أن يكون الوالي، وأن يكون الامام، وإنما يعقدها من ذكر لمصلحة، كضعفنا بقلة عدد وأهبة، وكرجاء إسلام، أو بذل جزية، أو إعانتهم لنا، أو كفهم عن الاعانة علينا. الثاني المدة: وهي أربعة أشهر فأقل إن كان بنا قوة، وعشر سنين فأقل إن كان بناضعف. فمتى زادت المدة على أربعة أشهر في الحالة الأولى، أو على عشر سنين في الحالة الثانية، بطل العقد في الزائد، وصح في الجائز تفريقا للصفقة، فإن لم يذكر في عقد الهدنة مدة أصلا بطل مطلقا، لانه يقتضي التأبيد. الثالثة الصيغة: وهي كهادنتكم أو وادعتكم مثلا على ترك القتال مدة كذا. وإذا صحت الهدنة وجب علينا الكف عنهم وفاء بالعهد حتى تنقضي مدتها، أو ينقضوها هم بتصريح منهم بنقضها أو بقتالنا أو قتل مسلم أو ذمي بدارنا عمدا. (قوله: يعتق رقيق حربي) هو تركيب إضافي، والمراد قنه مطلقا ولو مستولدة أو مكاتبا. (وقوله: إذا هرب) أي من سيده الحربي. (وقوله: ثم أسلم) أي بعد الهرب. (وقوله: ولو بعد الهدنة) أي ولو وقع الاسلام بعد الهدنة، فإنه يعتق عليه، لأن الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض. قال في الروض وشرحه: ولو هاجر قبل الهدنة أو بعدها ثم أسلم عتق، لانه إذا جاء قاهرا لسيده ملك نفسه بالقهر فيعتق، أو أسلم ثم هاجر قبل الهدنة، فكذا يعتق لوقوع قهره حال الاباحة، أو بعدها فلا يعتق لان أموالهم محظورة حينئذ، فلا يملكها المسلم بالاستيلاء. اه. (قوله: أو أسلم ثم هرب قبلها) أي الهدنة. (وقوله: وإن لم يهاجر إلينا) غاية لعتقه بما ذكر: أي يعتق عليه بما ذكر، وإن لم يهاجر: أي يأت إلى المسلمين. (قوله: لا عكسه) أي لا يعتق في عكس المذكور. (قوله: بأن أسلم الخ) تصوير للعكس. (قوله: ثم هرب) أي بعد الاسلام. (قوله: فلا يعتق) أي على سيده الحربي، لان أموالهم محظورة علينا حينئذ، فلا يملكها المسلم بالاستيلاء - كما تقدم -. (قوله: لكن لا يرد إلى سيده) استدراك من عدم عتقه حينئذ، دفع به ما يتوهم منه من تمكين السيد منه. (قوله: فإن لم يعتقه الخ) مقابل لمحذوف، أي فإن عتقه أو باعه عن مسلم فذاك واضح، وإن لم يعتقه ولم

_ (1) سورة التوبة، الاية: 1. (2) سورة الانفال، الاية: 61.

لسيده قيمته من مال المصالح وأعتقه عن المسلمين والولاء لهم وإن أتانا بعد الهدنة. وشرط رد من جاء منهم إلينا حر ذكر مكلف مسلما، فإن لم تكن له ثم عشيرة تحميه لم يرد وإلا رد عليهم بطلبهم بالتخلية بينه وبين طالبه بلا إجبار على الرجوع مع طالبه. وكذا لا يرد صبي ومجنون وصفا الاسلام أم لا وامرأة وخنثى أسلمتا: أي لا يجوز ردهم ولو لنحو الاب لضعفهم ويغرمون لنا قيمة رقيق ارتد دون الحر المرتد. ـــــــــــــــــــــــــــــ يبعه عليه باعه الامام على مسلم، أو دفع له قيمته من بيت المال وأعتقه عن كافة المسلمين، والولاء يكون لهم جميعا. (قوله: وإن أتانا بعد الهدنة) فاعل الفعل قوله بعد حر ذكر مكلف. (وقوله: وشرط رد من جاء منهم إلينا) الجملة حالية: أي والحال أنهم شرطوا علينا في عقد الهدنة أن نرد إليهم من جاء منهم إلينا. (قوله: مسلما) حال من فاعل جاء، أو من فاعل أتانا، وهو قوله حر، ولو رفعه وجعله صفة رابعة لكان أولى. (قوله: فإن لم تكن إلخ) جواب أن أتانا: أي وإن أتانا، من ذكر مسلما ففيه تفصيل، فإن لم تكن له عشيرة: أي جماعة ثم، أي في بلاد أهل الحرب تحميه، فلا يجوز رده إليهم. وإن كان له ثم عشيرة تحميه رد إليهم بطلبهم إياه، فإن طلبه غير عشيرته لم يرد، وإن كان يحميه إلا أن يقدر المطلوب على قهر الطالب والهرب منه فيرد إليه، وعليه حمل رد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بصير لما جاء في طلبه رجلان، فقتل أحدهما في الطريق، وهرب منه الآخر. (قوله: بالتخلية بينه وبين طالبه) تصوير للرد، فمعنى رده إليهم أن يخلي بينه وبين طالبه. (قوله: بلا إجبار الخ) أي أنه يخلي بينه وبين طالبه من غير أن نجبره على الرجوع مع طالبه، لحرمة إجبار المسلم على إقامته بدار الحرب، ولا يلزم المطلوب الرجوع مع طالبه، بل لا يجوز له إن خشي فتنة، وذلك لأنه لم يلتزمه، إذ العاقد غيره، ولهذا لم ينكر - صلى الله عليه وسلم - على أبي بصير إمتناعه ولا قتله لطالبه، بل سره ذلك، ومن ثم سن أن يقال له سرا لا ترجع، وإن رجعت فاهرب متى قدرت أفاده في التحفة. (قوله: وكذا لا يرد إلخ) أي كما أنه لا يرد من ليس له ثم عشيرة تحميه، كذلك لا يرد صبي ومجنون، وهو مفهوم قوله مكلف. (وقوله: وصفا الاسلام أم لا) أي نطقا بالشهادتين أم لا، وإنما قال وصفا ولم يقل أسلما لعدم صحة الاسلام منهما. (قوله: وامرأة) أي وكذا لا ترد امرأة: أي لئلا يطأها زوجها أو يتزوجها حربي. (وقوله: وخنثى) أي وكذا لا يرد خنثى وهما مفهوم قوله ذكر، وبقي عليه مفهوم قوله حر، وهو الرقيق، فلا يرد أيضا، لانه جاء مسلما مراغما لسيده، وتقدم بيان كونه يعتق عليه أم لا. (قوله: أي لا يجوز ردهم) تفسير مراد لقوله وكذا لا يرد إلخ، أفاد به حكمه وهو عدم الجواز. (قوله: لضعفهم) علة لعدم جواز ذلك: أي لا يجوز لضعفهم. أي الصبي والمجنون والمرأة والخنثى. قال في التحفة. فإن كمل الصبي أو المجنون واختيارهم مكناه منهمم. اه. (قوله: ويغرمون لنا قيمة رقيق ارتد) أي وهرب منا إليهم وقد شرطوا علينا أن لا يردوا من جاءهم مرتدا آمنا. قال في المنهج وشرحه: ولو شرط عليهم في الهدنة رد مرتد جاءهم منا، لزمهم الوفاء به عملا بالشرط سواء كان رجلا أم أمرأة، حرا أو رقيقا، فإن أبوا فناقضو العهد لمخالفتهم الشرط، وجاز شرط عدم رده: أي مرتد جاءهم منا، ولو امرأة ورقيقا فلا يلزمهم رده، لانه - صلى الله عليه وسلم - شرط ذلك في مهادنة قريش، ويغرمون مهر المرأة وقيمة الرقيق، فإن عاد إلينا رددنا لهم قيمة الرقيق دون مهر المرأة، لان الرقيق بدفع قيمته يصير ملكا لهم، والمرأة لا تصير زوجة. اه. (قوله: دون الحر المرتد) أي إذا ذهب إليهم فلا يلزمهم شئ فيه. إذ لا قيمة للحر. خاتمة: نسأل الله حسن الختام، العقود التي تفيد الكفار الامن ثلاثة: الهدنة، والامان، والجزية. وقد علمت ما يتعلق بالهدنة، وأنها تختص بالامام أو نائبه. وأما الامان فلا يختص به، بل يجوز لكل مسلم مختار غير صبي ومجنون وأسير، ولو امرأة وعبدا وفاسقا وسفيها أمان جماعة من أهل الحرب محصورين قبل أسر، وذلك لقوله تعالى: * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) * وخبر الصحيحين: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم - أي يتحملها ويعقدها مع الكفار أدناهم - فمن أخفر مسلما - أي نقض عهده - فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وخرج بمسلم

_ (1) سورة التوبة، الاية: 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكافر، فلا يصح أمانه لانهم متهم، وبمختار المكره، وبما بعده الصبي والمجنون والاسير، فلا يصح أمانهم. وخرج بالمحصورين غيرهم. وضابطه أن يؤدي الامان إلى إبطال الجهاد في تلك الناحية، فلا يصح من الآحاد حينئذ أمان، لابطاله شعار الدين وأعظم مكاسب المسلمين، وإنما ينعقد الامان بإيجاب صريح: كأمنتك، وأجرتك، ولا تخف، ولا بأس عليك، أو كناية نحوكن كيف شئت. ومنها الكتابة، وبقبول للامان ولو بما يشعر به كترك القتال. ويدخل في الامان للحربي بدارنا، ماله وأهله من ولده الصغير والمجنون وزوجته إن كان بدارنا، وكذا ما معه من مال غيره إن كان المؤمن له الامام. فإن أمنه غيره لم يدخل أهله ولا ما يحتاجه من ماله إلا بشرط دخولهما، وكذا يدخلان فيه إن كانا بدارهم، وشرط دخولهما إمام لا غيره. وأما الجزية فتختص بالامام أو نائبه كالهدنة، وهي لغة اسم لخراج مجعول على أهل الذمة، وشرعا مال يلتزمه كافر بعقد مخصوص. والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * وما رواه البخاري من أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر وقال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب وما رواه أبو داود من أخذه لها من أهل نجران. وفسر إعطاء الجزية في الآية بالتزامها بالعقد والصغار فيها بالتزام أحكامنا التي يعتقدونها كحرمة زنا وسرقة، بخلاف التي لا يعتقدونها كحرمة شرب مسكر، ونكاح مجوسي محارم، فإنهم لا يلتزمونها، لانه لا يلزمهم الانقياد إلا للاحكام التي يعتقدونها. وأركانها خمسة: عاقد، ومعقود له، ومكان، ومال، وصيغة. وشرط فيها ما مر في البيع من نحو إتصال الايجاب بالقبول، وهي إيجابا كأقررتكم، أو أذنت في إقامتكم بدارنا على أن تلتزموا كذا وتنقادوا لحكمنا، وقبولا كقبلنا ورضينا. وشرط في العقاد كونه إماما أو نائبه، فلا يصح عقدها من غيره لانها من الامور الكلية، فيحتاج إلى نظر واجتهاد، وشرط في المعقود له كونه متمسكا بكتاب كتوراة وإنجيل وزبور حرا ذكرا غير صبي ومجنون. وشرط في المكان قبوله للتقرير، فيمنع كافر ولو ذميا إقامة بالحجاز، وهو مكة والمدينة واليمامة وطرقها وقراها كالطائف لمكة، وخيبر للمدينة. وشرط في المال عند قوتنا كونه دينارا فأكثر كل سنة عن كل واحد، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: خذ من كل حالم - أي محتلم - دينارا رواه أبو داود وغيره. ويسن للامام أن يشاحح غير الفقير عند العقد في قدر ما يعقد به، بأن يقول للمتوسط لا أعقد إلا بدارين، وللموسر لا أعقد إلا بأربعة دنانير. ويسن للامام أيضا أن يشرط عليهم الضيافة لمن يمر عليهم من المسلمين المجاهدين وغيرهم. ويتضمن عقد الجزية أربعة أشياء: أحدها: أن يؤدوا الجزية بالذلة والصغار. ثانيها: أن تجري عليهم أحكام المسلمين فيضمنون ما يتلفونه عليهم من نفس ومال. ثالثها: أن لا يذكروا الاسلام إلا بخير. رابعها: أن لا يفعلوا ما فيه ضرر على المسلمين، كرفع بناء لهم على بناء جار مسلم، وكإيوائهم من يطلع على عورات المسلمين، وكدلالتهم أهل الحرب على عورة لنا، وكدعائهم مسلما للكفر، وكزنا ذمي بمسلمة، فإن فعلوا ذلك إنتقض عهدهم. ويجب على الإمام إذا اختلطوا بنا أن يأمرهم بلبس الغيار، وهو تغير اللباس، بأن يخيط الذمي على ثوبه شيئا يخالف لون ثوبه، وشد الزنار - وهو خيط غليظ يشد في الوسط فوق الثياب - وبغير ذلك مما هو مذكور في المطولات. والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ (1) سورة التوبة، الاية: 29.

باب القضاء

باب القضاء بالمد: أي الحكم بين الناس. والاصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * وقوله: * (فاحكم بينهم بالقسط) * وأخبار كخبر الصحيحين: إذا حكم حاكم - أي أراد الحكم - فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. وفي رواية بدل الاولى: فله عشرة أجور قال في شرح مسلم: أجمع المسلمون على أن هذا في حاكم عالم مجتهد. أما غيره فآثم بجميع أحكامه، وإن وافق الصواب لان إصابته إتفاقية. وصح خبر: القضاة ثلاثة: قاض في الجنة، وقاضيان في النار وفسر ـــــــــــــــــــــــــــــ باب القضاء أي في بيان أحكام القضاء: من كونه فرض كفاية، أو فرض عين، أو مندوبا، أو مكروها، أو حراما. وما يتعلق بذلك من شروط القاضي. وإنما أخر إلى هنا لأنه لا يجري في جميع ما قبله. من معاملات وغيرها. (قوله: أي الحكم بين الناس) أي المترتب على الولاية، وهذا معنى القضاء شرعا: أما لغة: فهو إحكام الشئ بكسر الهمزة: أي إتقانه وإمضاؤه، أي تنفيذه، وله معنى أيضا عند المتكلمين وهو إيجاد الله الاشياء مع زيادة الاحكام والاتقان عند الماتريدية منهم، أو إرادة الله الاشياء في الازل على ما هي عليه فيما لا يزال عند الاشاعرة منهم. (قوله: والأصل فيه) أي والدليل عليه قبل الإجماع. (قوله: قوله تعالى) أي وقوله تعالى: * (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس) *. (قوله: وأن احكم بينهم) أي اقض بينهم. (قوله: وأخبار) أي والأصل فيه أخبار. (قوله: وفي رواية بدل الأولى) أي قوله فله أجران. (وقوله: فله عشرة أجور) لا ينافي هذا الرواية الاولى لان الإخبار بالقليل لا ينفي الكثير، ولجواز أنه أعلم أولا بالاجرين فأخبر بهما، ثم بالعشرة فأخبر بها. (قوله: أجمع المسلمون على أن هذا) أي ما في خبر الصحيحين من كون المصيب له أجران، أو عشرة أجور، والمخطئ له أجر واحد. (قوله: في حاكم الخ) أي مفروض في حاكم عالم مجتهد. (قوله: أما غيره) أي أما حاكم غير العالم المجتهد. (قوله: فآثم بجميع أحكامه) أي لأنه لا يجوز له الحكم حينئذ. (قوله: وإن وافق الصواب) غاية في إثمه بذلك. قال في التحفة بعد الغاية: وأحكامه كلها مردودة لان إصابته اتفاقية. اه. وعبارة المغني مثلها ونصها: ولا ينفذ حكمه سواء وافق الحق أم لا، لأن إصابته اتفاقية ليست عن أصل شرعي. اه. وإذا علمت ما ذكر تعلم أن في عبارته سقطا من النساخ، وهو المعلل بالعلة التي ذكرها: أعني لان إصابته إتفاقية. وقوله في التحفة وأحكامه كلها مردودة: محله كما سيأتي، وكما في الرشيدي. ما لم يولد ذو شوكة، وإلا فلا تكون مردودة. (قوله: وصح خبر القضاة ثلاثة الخ). يحكى أنه كانت القضاة في بني إسرائيل ثلاثة، فمات أحدهم، فولي مكانه غيره، ثم قضوا ما شاء الله أن يقضوا، ثم بعث الله لهم ملكا يمتحنهم، فوجد رجلا يسقي بقرة على ماء، وخلفها عجلة، فدعاها الملك وهو راكب فرسا، فتبعتها العجلة فتخاصما، فقالا: بيننا القاضي، فجاءا إلى القاضي الاول فدفع إليه الملك درة كانت معه، وقال له احكم

_ (1) سورة المائدة، الاية: 49. (2) سورة المائدة، الاية: 42. (3) سورة النساء، الاية: 105.

الاول بأنه عرف الحق وقضى به، والاخيران بمن عرف وجار في الحكم ومن قضى على جهل. وما جاء في التحذير عنه كخبر: من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين محمول على عظم الخطر فيه، أو على من يكره له القضاء، أو يحرم (هو) أي قبوله من متعددين صالحين له (فرض كفاية) في الناحية بل أسنى فروض الكفايات ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن العجلة لي. قال بماذا أحكم؟ قال: أرسل الفرس والبقرة والعجلة، فإن تبعت الفرس فهي لي. فأرسلها فتبعت الفرس فحكم بها له، وأتبا القاضي الثاني فحكم كذلك، وأخذ درة. وأما القاضي الثالث فدفع له الملك درة وقال له: احكم بيننا. فقال له: إني حائض. فقال الملك: سبحان الله: أيحيض الذكر؟ فقال له القاضي: سبحان الله أتلد الفرس بقرة؟ وحكم بها لصاحبها. اه. فشني على الاربعين. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من ولي قضاء المسلمين ثم غلب عدله جوره فله الجنة، وإن غلب جوره عدله فله النار أخرجه أبو داود. وقال عليه السلام: عج حجر إلى الله تعالى وقال: إلهي وسيدي عبدتك كذا وكذا سنة ثم جعلتني في أس كنيف، فقال أما ترضى إن عدلت بك عن مجالس القضاة؟ رواه ابن عساكر. ولذلك امتنع الاكابر من قبول القضاء لما عرض عليهم: كابن عمر رضي الله عنهما، فإنه امتنع منه لما سأله عثمان رضي الله عنه القضاء، وعرض على الحسين بن منصور النيسابوري قضاء نيسابور، فاختفى ثلاثة أيام، ودعا الله فمات في اليوم الثالث، وامتنع منه الإمام الشافعي رضي الله عنه لما استدعاه المأمون لقضاء الشرق والغرب، وامتنع منه الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه لما استدعاه المنصور فحبسه وضربه. وحكى القاضي الطبري وغيره أن الوزير ابن الفرات طلب أبا علي بن خيران لتولية القضاء، فهرب منه، فختم على دوره نحوا من عشرين كما قيل فيه: وطينوا الباب على أبي علي عشرين يوما ليلي فما ولي وقال بعض القضاة: وليت القضاء وليت القضالم يك شيئا توليته فأوقعني في القضاء القضاوما كنت قدما تمنيته وقال آخر: فيا ليتني لم أكن قاضياويا ليتها كانت القاضية (قوله: وفسر الاول) أي فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الاول، فالمفسر هو النبي، كما تدل عليه عبارة الخطيب ونصها: وقد روى الاربعة والبيهقي والحاكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة. فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق وقضى به، واللذان في النار: رجل عرف الحق فجار في الحكم، ورجل قضى للناس على جهل. (قوله: والاخيران) بكسر الخاء: أي وفسر الاخيران: أي فسرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - - كما علمت -. (قوله: وما جاء في التحذير عنه) أي وما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التحذير عن القضاء. (قوله: فقد ذبح بغير سكين) هو كناية عن هلاكه بسبب القضاء. (قوله: محمول) خبر ما جاء الخ. (وقوله: على عظم الخطر فيه) أي في القضاء: أي فينبغي ترك الدخول فيه. (قوله: أو على من يكره له القضاء) فيه أن الكراهة لا توجب هذا الوعيد الشديد. اه. بجيرمي. وفي المغني ما نصه: وورد من الترغيب والتحذير أحاديث كثيرة، ولا شك أنه - أي القضاء - منصب عظيم إذا قام العبد بحقه، ولكنه خطر والسلامة فيه بعيدة، إلا إن عصمه الله تعالى. وقد كتب سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما لما كان قاضيا ببيت المقدس: أن الارض لا تقدس أحدا، وإنما يقدس المرء عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا تداوي، فإن كنت تبرئ فنعما لك، وإن كنت مطببا فاحذر أن تقتل أحدا فتدخل النار. فما بالك بمن ليس بطبيب ولا مطبب؟. اه. (قوله: وهو) مبتدأ خبره فرض كفاية. (قوله: أي قبول الخ) تفسير للضمير الواقع مبتدأ. (وقوله: من متعددين صالحين له) أي

حتى قال الغزالي: أنه أفضل من الجهاد، فإن امتنع الصالحون له منه أثموا. أما تولية الامام أو نائبه لاحدهم في إقليم ففرض عين عليه، ثم على ذي شوكة. ولا يجوز إخلاء مسافة العدوى عن قاض. فرع: لا بد من تولية من الامام أو مأذونه ولو لمن تعين للقضاء، فإن فقد الامام فتولية أهل الحل والعقد في البلد أو بعضهم مع رضا الباقين ولو ولاه أهل جانب من البلد صح فيه دون الآخر. ومن صريح التولية وليتك ـــــــــــــــــــــــــــــ القضاء. (قوله: فرض كفاية) أما كونه فرضا فلقوله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط) *. وأما كونه على الكفاية، فلانه أمر بمعروف أو نهي عن منكر. وهما على الكفاية. وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا إلى اليمن قاضيا، فقال: يا رسول الله بعثتني أقضي بينهم وأنا شاب لا أدري ما القضاء؟ فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - صدره وقال: اللهم اهده وثبت لسانه. قال: فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما شككت في قضاء بين اثنين. واستخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - عتاب بن أسيد على مكة واليا وقاضيا، وقلد معاذا قضاء اليمن، وبعث عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعري إلى البصرة، فلو كان القضاء فرض عين لم يكف واحد. أفاده في المغني. (قوله: في الناحية) هي مسافة العدوى دون ما زاد. (قوله: بل أسنى الخ) أي بل القضاء أسنى: أي أفضل فروض الكفايات، وذلك للاجماع مع الاضطرار إليه، لان طباع البشر مجبولة على التظالم، وقل من ينصف من نفسه. والامام الاعظم مشتغل بما هو أهم منه، فوجب من يقوم به، وكان أسنى فروض الكفاية. (قوله: فإن امتنع الصالحون له) أي للقضاء. (وقوله: منه) متعلق بامتنع، فالضمير يعود على القضاء أيضا. (وقوله: أثموا) أي وأجبر الامام أحدهم. (قوله: أما تولية الخ) مقابل قوله هو: أي قبوله. وعبارة المغني: وخرج بقبول التولية إيقاعها للقاضي من الامام فإنها فرض عين عليه. اه. (قوله: في إقليم) أي كالهند وجاوى والحجاز. (قوله: ففرض عين عليه) أي على الامام، ويتعين على قاضي الاقليم أن يولي تحته فيما عجز عنه. (قوله: ثم على ذي شوكة) أي ثم هو فرض عين على ذي شوكة إن لم يوجود الإمام. (قوله: ولا يجوز إخلاء الخ) والمخاطب بذلك الامام أو من فوض إليه الامام الاستخلاف: كقاضي الاقليم. (وقوله: مسافة العدوى) هي التي خرج منها بكرة - أي من طلوع الفجر - لبلد الحاكم رجع إليها يومه بعد فراغ زمن المخاصمة المعتدلة من دعوى وجواب وإقامة بينة حاضرة وتعديلها. والعبرة بسير الاثقال لانه منضبط. (وقوله: عن قاض) أي أو خليفته. (قوله: فرع لا بد من تولية من الإمام أو مأذونه إلخ) فيه أن هذا عين قوله أولا أما تولية الإمام أو نائبه ففرض عين الخ، فكان الاسبك والأخصر أن يقول بعد قوله ثم على ذي شوكة، ثم على أهل الحل والعقد الخ. وبعد قوله معارضا للباقين يأتي بقوله أولا، ولا يجوز إخلاء مسافة العدوى عن قاض، ثم يأتي بقوله ومن صريح التولية الخ. واعلم أنه يشترط في التولية أن تكون للصالح للقضاء، فإن لم يكن صالحا له لم تصح توليته، ويأثم المولي - بكسر اللام - والمولى - بفتحها - ولا ينفذ حكمه، وإن أصاب فيه إلا للضرورة، بأن ولي سلطان ذو شوكة مسلما فاسقا، فينفذ قضاؤه للضرورة لئلا تتعطل مصالح الناس - كما سيذكره - روى البيهقي والحاكم: من استعمل عاملا على المسلمين، وهو يعلم أن غيره أفضل منه - وفي رواية رجلا على عصابة، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه - فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. (قوله: فإن فقد الامام فتولية) يقرأ بالجر: أي فلا بد من تولية. (وقوله: أهل الحل والعقد) أي حل الامور وعقدها من العلماء ووجوه الناس المتيسر اجتماعهم. (قوله: أو بعضهم) أي بعض أهل الحل والعقد، ولو كان واحدا لكن مع رضا الباقين. (قوله: ولو ولاه) أي الصالح للقضاء. (وقوله: أهل جانب من البلد) أي من أهل الحل والعقد. (قوله: صح) أي ما ذكر من التولية، ولو قال صحت بتاء التأنيث لكان أولى. (وقوله: فيه) أي في ذلك الجانب. (وقوله: دون

_ (1) سورة النساء، الاية: 135. حاشية إعانة الطالبين ج 4 م 16

أو قلدتك القضاء. ومن كفايتها عولت واعتمدت عليك فيه. ويشترط القبول لفظا وكذا فورا في الحاضر. وعند بلوغ الخبر في غيره. وقال جمع محققون: الشرط عدم الرد ومن تعين في ناحية لزمه قبوله وكذا طلبه ولو ببذل مال وإن خاف من نفسه الميل فإن لم يتعين فيها كره للمفضول القبول والطلب إن لم يمتنع الافضل، ويحرم طلبه بعزل صالح له ولو مفضولا (وشرط قاض كونه أهلا للشهادات) كلها بأن يكون مسلما مكلفا حرا ذكرا ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر) أي دون الجانب الآخر من البلد، فلا تصح التولية بالنسبة إليه، لكن محله إن لم يرض به أهله إلا صحت. (قوله: ومن صريح التولية إلخ) مرتبط بمحذوف، أي ويشترط في صحة التولية الصيغة من إيجاب وقبول، ومن صريح التولية أي إيجابا بتوليتك، أو قلدتك القضاء. (قوله: ومن كنايتها) أي التولية. (قوله: عليك فيه) متعلقان بكل من عولت واعتمدت. (قوله: ويشترط القبول) أي من المولى بفتح اللام. (وقوله: لفظا) أي بأن يقول قبلت ذلك أو توليته. (قوله: وكذا فورا إلخ) أي وكذا يشترط أن يكون فورا فيما إذا كان المولى - بفتح اللام - حاضرا. (قوله: وعند بلوغ الخبر في غيره) أي ويشترط أن يكون القبول عند بلوغ خبر التولية بكتاب أو برسول فيما إذا كان غير حاضر. (قوله: وقال جمع محققون الخ) معتمد. قال سم: لا يعتبر القبول لفظا، بل يكفي فيه الشروع بالفعل كالوكيل - كما أفتى بذلك شيخنا الشهاب الرملي - نعم: يرتد بالرد. اه. (قوله: ومن تعين في ناحية) أي للقضاء بأن لم يوجد في ناحيته أي بلده، ومن على دون مسافة العدوى صالح له غيره. (قوله: لزمه قبوله) أي القضاء للحاجة إليه. (قوله: وكذا طلبه) أي وكذا يلزمه طلبه القضاء إن تعين له. وفي المغني ما نصه: تنبيه: محل وجوب الطلب إذا ظن الاجابة - كما بحثه الأذرعي - فإن تحقق أو غلب على ظنه عدمها لما علم من فساد الزمان وأئمته لم يلزمه، فإن عرض عليه لزمه القبول، فإن امتنع عصى، وللامام إجباره على الأصح، لأن الناس مضطرون إلى علمه ونظره، فأشبه صاحب الطعام إذا منعه المضطر، فإن قيل إنه بامتناعه حينئذ يصير فاسقا، ويحمل قولهم يجبر على أنه يؤمر بالتوبة أولا، فإذا تاب أجبر: أجيب بأنه لا يفسق بذلك، لانه لا يمتنع غالبا إلا متأولا للتحذيرات الواردة في الباب، واستشعاره من نفسه العجز، وعدم اعتماده على نفسه الامارة بالسوء، وكيف يفسق من امتنع متأولا تأويلا سائغا أداه اجتهاده إليه؟ وأن المنجي له من عذاب الله وسخطه له، عدم التلبس بهذا الأمر. اه. (قوله: ولو ببذل مال) أي إن قدر عليه فاضلا عما يعتبر في الفطرة. (قوله: وإن خاف من نفسه الميل) أي يلزمه القبول والطلب وإن خاف من نفسه الجور والظلم، وإذا تولاه احترز عنه كسائر فروض الاعيان. (قوله: فإن لم يتعين فيها) أي في ناحيته بأن وجد من يصلح له غيره. (قوله: كره للمفضول القبول والطلب) وذلك لما روي، عن عبد الرحمن بن سمرة أنه قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تسأل الامارة. ومحل كراهة ما ذكر حيث لم يتميز المفضول بكونه أطوع في الناس، أو أقرب إلى القلوب، أو أقوى في القيام في الحق، أو ألزم لمجلس الحكم، وإلا جاز له القبول والطلب من غير كراهة. (قوله: إن لم يمتنع الافضل) فإن امتنع فهو كالمعدوم، ولا يكره للمفضول ذلك. (قوله: ويحرم طلبه) أي القضاء، قال في الروض وشرحه: وإن كان هناك قاض، فإن كان غير مستحق للقضاء فكالمعدوم، وإن كان مستحقا له، فطلب عزله، حرام وإن كان مفضولا، فإن فعل - أي عزل وولى غيره - نفذ للضرورة: أي عندها وأما عند تمهد الاصول الشرعية فلا ينفذ، صرح به الأصل فيما إذا بذل مال لذلك، والظاهر أنه بدونه كذلك. اه. (قوله: بعزل صالح له) أي للقضاء، فإن كان غير صالح له فلا يحرم طلبه بعزله، بل يسن ولو ببذل المال. واعلم أن الذي تحصل من كلامه أن قبول القضاء تعتريه الاحكام الخمس - ما عدا الإباحة - فيجب إذا تعين في الناحية، ويندب إن لم يتعين، وكان أفضل من غير، ويكره إن كان مفضولا ولم يمتنع الافضل، ويحرم بعزل صالح ولو مفضولا. (قوله: وشرط قاض) هو مفرد مضاف فيعم (قوله: كونه أهلا الخ) فيه إحالة على مجهول، إلا أن يقال إتكل في ذلك على شهرته. (وقوله: للشهادات كلها) أي لسائر أنواعها، إذ هي تتنوع بحسب المشهود به إلى سبعة أنواع، كما

عدلا سميعا ولو بالصياح بصيرا، فلا يولي من ليس كذلك ولا أعمى وهو من يرى الشبح ولا يميز الصورة وإن قربت - بخلاف من يميزها إذا قربت بحيث يعرفها ولو بتكلف ومزيد تأمل، وإن عجز عن قراءة المكتوب. واختير صحة ولاية الاعمى (كافيا) للقيام بمنصب القضاء، فلا يولى مغفل ومختل نظر بكبر أو مرض (مجتهدا) فلا يصح تولية جاهل ومقلد وإن حفظ مذهب إمامه لعجزه عن إدراك غوامضه. والمجتهد من يعرف بأحكام ـــــــــــــــــــــــــــــ سيأتي بيانيا في بابها. (قوله: بأن يكون مسلما) قال الماوردي: وما جرت به عادة الولاة من نصب رجل من أهل الذمة فتقليد رياسة وزعامة: أي سيادة لا تقليد حكم وقضاء. اه. (قوله: مكلفا) أي بالغا عاقلا. (قوله: حرا) أي كله. (قوله: ذكرا) أي يقينا. (قوله: عدلا) العدالة لغة التوسط، وشرعا ملكة في النفس، تمنع من اقتراف الكبائر والرذائل المباحة - كما تقدم. (قوله: سميعا) إنما اشترط السمع فيه، لان الاصم لا يفرق بين إقرار، وإنكار، وإنشاء، وإخبار. (وقوله: ولو بالصياح) غاية في كونه سميعا: أي ولو كان لا يسمع إلا بالصياح في أذنيه فإنه يكفي ولا يضر إلا الصمم الشديد، بحيث لا يسمع أصلا. (قوله: بصيرا) أي ولو بإحدى عينيه، ولو كان يبصر نهارا فقط دون من يبصر ليلا فقط. قاله الاذرعي. وخالفه الرملي ومن تبعه فيمن يبصر ليلا فقط، فقال يكفي كونه يبصر ليلا فقط، كما يكفي كونه يبصر نهارا فقط. فائدة: البصر قوة في العين تدرك به المحسوسات، كما أن البصيرة قوة في القلب تدرك بها المعقولات، فالبصيرة للقلب بمنزلة البصر للعين. (قوله: فلا يولى من ليس كذلك) أي من ليس مستكملا للشروط المذكورة، بأن يكون كافرا، أو صبيا، أو مجنونا أطبق جنونه أولا، أو رقيقا كله أو بعضه، أو أنثى، أو خنثى، أو فاسقا، أو أصم، أو أعمى، فلا يصح توليتهم لنقصهم. (قوله: ولا أعمى) فيه أنه مندرج في قوله من ليس كذلك فلاي شئ أفرده. (قوله: وهو من يرى إلخ) عبارة التحفة: فلا يولى أعمى ومن يرى الشبح الخ. اه. فلعل لفظة هو: زائدة من النساخ. (قوله: الشبح) أي الجسم. (وقوله: ولا يميز الصورة) أي ولا يميز صورة ذلك الشبح، هل هي صورة زيد أو عمرو، أو غير ذلك؟ (قوله: وإن قربت) أي لا يميزها مطلقا مع القرب ومع البعد. (قوله: بخلاف من يميزها إذا قربت) أي الصورة فإنه يصح توليته. (قوله: بحيث يعرفها) تصوير لتمييزه إياها. والمراد بحيث يعرف أنها صورة زيد مثلا. (قوله: ولو بتكلف إلخ) أي ولو كانت معرفتها بتكلف ومزيد تأمل، فإنه يصح توليته. (قوله: وإن عجز عن قراءة المكتوب) أي فإنه يصح توليته. (قوله: واختير صحة ولاية الاعمى) أي واختار بعضهم صحة ولاية الاعمى مستدلا بأنه - صلى الله عليه وسلم -: استخلف ابن أم مكتوم على الصلاة وغيرها من أمور المدينة رواه الطبراني. وأجاب المانعون ولايته باحتمال أنه استخلفه في الامور العامة من الحراسة وما يتعلق بها، لا في خصوص الحكم الذي الكلام فيه. (قوله: كافيا للقيام بمنصب القضاء) أي بأن يكون ذا يقظة تامة، وقوة على تنفيذ الحق بحيث لا يؤتى من غفلة: أي لا يصاب في الحكم، بأن يحكم بخلاف الحق من أجل غفلته، ولا يخدع من غرة: أي لا يخدع عن الحق بسبب غرور شخص له. قال في المغني: وفسر بعضهم الكفاية اللائقة بالقضاء، بأن يكون فيه قوة على تنفيذ الحق بنفسه، فلا يكون ضعيف النفس جبانا. فإن كثيرا من الناس يكون عالما دينا، ونفسه ضعيفة عن التنفيذ والالزام والسطوة، فيطمع في جانبه بسبب ذلك. اه. (قوله: فلا يولى مغفل) هو الذي لا يضبط الامور بأن يكون مختل النظر والفكر، لكبر أو مرض أو غير ذلك. (قوله: ومختل نظر) أي فكر، وعطفه على ما قبله من عطف التفسير. (وقوله: بكبر أو مرض) الباء سببية متعلق بكل من مغفل ومختل نظر. (قوله: مجتهدا) أي اجتهادا مطلقا لأنه المنصرف إليه اللفظ عند الاطلاق، وبدليل بيانه الآتي، والاجتهاد في الاصل بدل المجهود في طلب المقصود، ويرادفه التحري والتوخي، ثم استعمل في استنباط الاحكام من الكتاب والسنة. وخرج به مجتهد المذهب، وهو من يستنبط الاحكام من قواعد إمامه كالمزني، ومجتهد الفتوى، وهو من يقدر على الترجيح في الاقوال كالرافعي والنووي، والمقلد الصرف وهو الذي لم يتأهل للنظر في قواعد إمامه والترجيح بين الاقوال. (قوله: فلا يصح تولية جاهل) أي بالاحكام الشرعية. (قوله: ومقلد) أي ولا يصح تولية مقلد لامام من الأئمة الأربعة. (قوله: وإن حفظ إلخ)

القرآن من العام والخاص والمجمل والمبين والمطلق والمقيد والنص والظاهر والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه وبأحكام السنة من المتواتر - وهو ما تعددت طرقه - والآحاد - وهو بخلافه - والمتصل باتصال رواته إليه صلى الله عليه وسلم ويسمى المرفوع، أو إلى الصحابي فقط ويسمى الموقوف. والمرسل وهو قول التابعي ـــــــــــــــــــــــــــــ غاية في عدم صحة تولية المقلد. (قوله: لعجزه عن إدراك غوامضه) أي مسائل مذهب إمامه الصعبة. قال في التحفة بعده: وتقرير أدلته إذ لا يحيط بهما إلا مجتهد مطلق. اه. وقال في النهاية: المقلد هو من حفظ مذهب إمامه، لكنه غير عارف بغوامضه، وقاصر عن تقرير أدلته، لأنه لا يصلح للفتوى، فالقضاء أولى. اه. (قوله: والمجتهد) أي المطلق. (قوله: من يعرف بأحكام القرآن) الباء زائدة. وفي الكلام حذف مضافين: أي من يعرف أنواع محال الاحكام، ليتمكن من استنباطها منها، ويقدر على الترجيح فيها عند تعارض الادلة. (قوله: من العام الخ) بيان للمضاف الاول من المضافين اللذين قدرتهما، وليس بيانا للاحكام في كلامه، كما يفيده صنيعه: إذ العام ليس حكما، وإنما هو محل له، والعام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر كقوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) *. والخاص بخلافه كقوله عليه الصلاة والسلام: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام، وإن شاء أفطر. والمجمل ما لم تتضح دلالته كقوله تعالى: * (وآتوا الزكاة) *. وقوله: * (خذ من أموالهم صدقة) *. لأنه لم يعلم منها قدر الواجب، والمبين هو ما اتضحت دلالته، والمطلق ما دل على الماهية بلا قيد كآية الظهار. والمقيد ما دل على الماهية بقيد كآية القتل. والنص ما دل دلالة قطعية، والظاهر ما دل دلالة ظنية. قال في جمع الجوامع: المنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق، وهو نص إن أفاد معنى لا يحتمل غيره كزيد، وظاهر إن احتمل غيره مرجوحا كأسد. اه. والناسخ كآية: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) *. والمنسوخ كآية: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول) *. والمحكم كقوله تعالى: * (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) * فهذه نص في أنه لا يماثله شئ في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، والمتشابه كقوله تعالى: * (الرحمن على العرش استوى) *. (قوله: وبأحكام السنة) معطوف على بأحكام القرآن. والمراد أن يعرف أنواع محال الاحكام من السنة أيضا - كما تقدم - والسنة هي الاحاديث الشريفة، وهي كل ما نسب للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الاقوال والافعال والهم والتقرير، كأن فعل بعض الصحابة شيئا أو قال شيئا بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقره عليه. (قوله: من المتواتر إلخ) بيان لما قدرته أيضا وليس بيانا لنفس الاحكام - كما مر -. (قوله: وهو) أي المتواتر ما تعددت طرقه، بأن رواه جمع عن جمع يؤمن من تواطؤهم على الكذب. قال البجيرمي: المتواتر ما ترويه جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عن جماعة كذلك في جميع الطبقات، والآحاد ما يرويه واحد عن واحد أو أكثر ولم يبلغوا عدد التواتر. اه. (قوله: والآحاد) بالجر عطف على المتواتر، (قوله: وهو) أي الآحاد: أي حديثهم. (وقوله: باتصال رواته) أي المصور باتصال رواته، فالباء للتصوير، وكان الملائم لما قبله، أي يأتي به في صورة التعريف بأن يقول وهو ما اتصلت رواته الخ. (قوله: ويسمى) أي المتصل باتصال الخ المرفوع (قوله: أو إلى الصحابي) معطوف على قوله إليه: أي أو باتصال رواته إلى الصحابي ولم يرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قوله: ويسمى) أي المتصل إلى الصحابي الموقوف. (قوله: والمرسل) بالجر أيضا عطف على المتواتر. (وقوله: وهو قول التابعي الخ) أي فهو ما سقط منه الصحابي، كما قال في البيقونية: ومرسل منه الصحابي سقط

_ (1) سورة محمد، الاية: 33. (2) سورة النور، الاية: 56. (3) سورة التوبة، الاية: 103. (4) سورة البقرة، الاية: 234. (5) سورة البقرة، الاية: 240. (6) سورة الشورى، الاية: 11. (7) سورة طه، الاية: 5.

قال رسول الله (ص) كذا، أو فعل كذا، أو بحال الرواة قوة وضعفا وما تواتر ناقلوه. وأجمع السلف على قبوله. لا يبحث عن عدالة ناقليه وله الاكتفاء بتعديل إمام عرف صحة مذهبه في الجرح والتعديل ويقدم عند التعارض الخاص على العام، والمقيد على المطلق، والنص على الظاهر، والمحكم على المتشابه، والناسخ والمتصل والقوي على مقابلها. ولا تنحصر الاحكام في خمسمائة آية ولا خمسمائة حديث خلافا لزاعمهما وبالقياس بأنواعه الثلاثة من الجلي وهو ما يقطع فيه بنفي الفارق كقياس ضرب الولد على تأفيفه، أو المساوي وهو ما يبعد فيه إنتفاء الفارق كقياس إحراق مال اليتيم على أكله، أو الادون وهو ما لا يبعد فيه إنتفاء الفارق كقياس الذرة ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا اصطلاح المحدثين. وأما اصطلاح الفقهاء والاصوليين، فهو ما سقط من سنده راو أو أكثر، سواء كان من أوله أو من آخره أم بينهما. وعبارة ق ل في حاشية شرح الورقات، وأما اصطلاح المحدثين: فالمرسل ما سقط منه الصحابي، وما وقف على الصحابي موقوف، وما وقف على التابعي مقطوع، وما سقط منه راو منقطع، أو راويان فمنقطع من موضعين إن كان بغير اتصال، وإلا فمعضل، وما سقط أوله معلق، وما أسند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوع. اه. (قوله: أو بحال الرواة) معطوف على بأحكام القرآن، وأو بمعنى الواو: أي ويعرف بحال الرواة لانه يتوصل به إلى تقرير الاحكام. (قوله: قوة وضعفا) منصوبان على التمييز: أي من جهة القوة ومن جهة الضعف. (قوله: وما تواتر ناقلوه) أي بلغوا عدد التواتر، وهو مستأنف. (قوله: وأجمع السلف) عبارة التحفة: نعم ما تواتر ناقلوه، أو أجمع السلف على قبوله لا يبحث عن عدالة ناقليه. اه. فعليه تكون الواو بمعنى أو. (قوله: وله الخ) أي للمجتهد الاكتفاء بتعديل إمام لراوي الحديث: أي قوله أنه عدل. (وقوله: عرف) أي المجتهد. (وقوله: صحة مذهبه) أي الإمام. (قوله: في الجرح والتعديل) أي جرح الرواة وتعديلهم: أي بيان أنهم عدول أو غير عدول. (قوله: ويقدم عند التعارض إلخ) بيان لكيفية الترجيح عند تعارض الادلة. (قوله: والناسخ والمتصل والقوي) أي وتقدم هذه الثلاثة على مقابلها، وهو المنسوخ والمنقطع والضعيف. (قوله: ولا تنحصر الاحكام إلخ) قال في النهاية: ولا ينحصر ذلك في خمسمائة آية، ولا خمسمائة حديث، للاستنباط في الأولى من القصص والمواعظ وغيرهما أيضا، ولان المشاهدة قاضية ببطلانه في الثاني. فإن أراد القائل بالحصر في ذلك بالنسبة للاحاديث الصحيحة السالمة من الطعن في سند أو نحوه، أو الاحكام الخفية الاجتهادية، كان له نوع قرب على أن قول ابن الجوزي أنها ثلاثة آلاف ونحوه، مردود بأن غالب الاحاديث لا تكاد تخلو عن حكم، أو أدب شرعي، أو سياسة دينية، ويكفي اعتماده فيها على أصل مصحح عنده يجمع غالب أحاديث الاحكام كسنن أبي داود: أي مع معرفة اصطلاحه، وما للناس فيه من نقل ورد. اه. (قوله: خلافا لزاعمهما) أي زاعم انحصار الاحكام في خمسمائة آية وخمسمائة حديث. (قوله: وبالقياس) معطوف على بأحكام القرآن: أي وبأن يعرف بالقياس. (وقوله: بأنواعه) أي القياس، والجار والمجرور بدل من الجار والمجرور قبله. (قوله: من الجلي الخ) بيان للانواع الثلاثة. (قوله: وهو) أي الجلي. (قوله: ما يقطع فيه بنفي الفارق) أي بين المقيس والمقيس عليه. (قوله: كقياس ضرب الولد على تأفيفه) أي في التحريم الثابت بقوله تعالى: * (فلا تقل لهما أف) *. ومثله قياس من فوق الذرة بها في قوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) *. (قوله: أو المساوي) معطوف على الجلي. (قوله: وهو) أي المساوي. (وقوله: ما يبعد فيه انتفاء الفارق) الصواب وجود الفارق. وعبارة التحفة: وهو ما يبعد فيه الفارق. اه. وهي ظاهرة. (قوله: كقياس إحراق مال اليتيم على أكله) أي في التحريم الثابت بقوله تعالى: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) *. (قوله: أو الادون) معطوف على الجلي أيضا. (قوله: وهو ما لا يبعد فيه انتفاء

_ (1) سورة الاسراء، الاية: 23. (2) سورة الزلزلة، الاية: 7. (3) سورة النساء، الاية: 10.

على البر في الربا بجامع الطعم وبلسان العرب لغة ونحوا وصرفا وبلاغة وبأقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم ولو فيما يتكلم فيه فقط لئلا يخالفهم. قال ابن الصلاح: إجتماع ذلك كله إنما هو شرط للمجتهد المطلق الذي يفتي في جميع أبواب الفقه، أما مقيد لا يعدو مذهب إمام خاص فليس عليه غير معرفة قواعد إمامه وليراع فيها ما يراعيه المطلق في قوانين الشرع فإنه مع المجتهد كالمجتهد مع نصوص الشرع، ومن ثم لم يكن له عدول عن نص إمامه كما لا يجوز الاجتهاد مع النص. انتهى. (فإن ولى سلطان) ولو كافرا أو (ذو شوكة) غيره في بلد بأن انحصرت قوتها فيه (غير أهل) للقضاء كمقلد وجاهل وفاسق، أي مع علمه بنحو فسقه ـــــــــــــــــــــــــــــ الفارق) عبارة التحفة: وهو مالا يبعد فيه ذلك: أي وجود الفارق، وهي الصواب. (قوله: كقياس الذرة على البر) الذي في التحفة والنهاية: كقياس التفاح على البر بجامع الطعم، وهو أولى: إذ قياس الذرة على البر من القياس المساوي، لانه يبعد فيه وجود الفارق بينهما، إذ القصد منهما واحد، وهو الاقتيات، بخلاف قياس التفاح على البر، فإنه لا يبعد فيه وجود الفارق، بل هو قريب، إذ القصد من التفاح التفكه والتلذذ - بخلاف البر فالقصد منه الاقتيات -. (قوله: وبلسان العرب) معطوف على بأحكام القرآن أيضا: أي وبأن يعرف بلسان العرب: أي كلامهم لغة ونحوا وصرفا وغيرها، لأنه لا بد منها في فهم الكتاب والسنة. إذ بها يعرف عموم اللفظ وخصوصه، وإطلاقه وتقييده، وإجماله وبيانه، وصيغ الامر والنهي، والخبر والاستفهام والاسماء والافعال والحروف. (قوله: وبأقوال العلماء) معطوف على بأحكام القرآن: أي وبأن يعرف بأقوال العلماء إجتماعا واختلافا، لئلا يخالفهم في اجتهاده. (قوله: ولو فيما يتكلم فيه فقط) أي يكفي معرفة الاقوال ولو في المسألة التي يتكلم فيها، فلا يشترط أن يعرف أقوال العلماء في كل مسألة، بل في المسألة التي يريد النظر فيها، بأن يعلم أن قوله فيها لا يخالف إجماعا. (قوله: اجتماع ذلك كله) أي معرفته أحكام القرآن والسنة والقياس ولسان العرب وأقوال العلماء. (قوله: إنما شرط للمجتهد المطلق) أي وقد فقد من بعد الخمسمائة بحسب ما يظهر لنا، فلا ينافي أنه في نفس الأمر يوجد، وأقله قطب الغوث، فإنه لا يكون إلا مجتهدا. اه. بجيرمي. وفي المغني ما نصه: قال ابن دقيق العيد: ولا يخلو العصر عن مجتهد، إلا إذا تداعى الزمان وقربت الساعة، وأما قول الغزالي والقفال إن العصر خلا عن المجتهد المستقل، فالظاهر أن المراد مجتهد قائم بالقضاء، فإن العلماء يرغبون عنه. وهذا ظاهر لا شك فيه. اه. (قوله: أما مقيد) هو صادق بمجتهد المذهب، وبمجتهد الفتوى، وبالمقلد الصرف. (قوله: لا يعدو مذهب إمام خاص) أي لا يتجاوزه. (وقوله: فليس عليه الخ) جواب أما. (قوله: وليراع فيها) أي في قواعد إمامه: أي بأن يقدم الخاص منها على العام، والمقيد على المطلق، والنص على الظاهر وهكذا. (قوله: في قوانين الشرع) أي قواعده. (قوله: فإنه مع المجتهد إلخ) أي فإن المقيد الذي لا يعدو قواعد إمامه بالنسبة لامامه المجتهد، كالمجتهد بالنسبة لنصوص الشرع، فقواعد إمامه في حقه كنصوص الشرع في حق إمامه. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أنه مع المجتهد إلخ. (وقوله: لم يكن له عدول عن نص إمامه) أي لا يجوز له أن يعدل عن نص إمامه، كما لا يسوغ للمجتهد أن يعدل عن نص الشرع. (قوله: فإن ولى سلطان) أي مطلقا ذا شوكة كان أم لا: بأن حبس أو أسر ولم يخلع، فإن أحكامه تنفذ. (قوله: ولو كافرا) لم يذكر هذه الغاية في التحفة، ولا في النهاية، ولاغيرهما، وهي مشكلة. إذ السلطان يشترط فيه أن يكون مسلما، وأما الكافر فلا تصح سلطنته، ولا تنعقد إمامته. ولو تغلب، ولو أخرها عن قوله أو ذو شوكة، وجعلها غاية له، لانه ممكن أن يكون كافرا، أو عن قوله غير أهل، وجعلها غاية له، وتكون بالنسبة للثاني للرد على الاذرعي القائل بعدم نفوذ تولية الكافر القضاء، لكان أولى. تأمل. (قوله: أو ذو شوكة غيره) أي غير السلطان. (قوله: في بلد) متعلق بمحذوف حال: أي حال كون ذي الشوكة في بلد، أي ناحية. (وقوله: بأن انحصرت قوتها) أي البلدة فيه، أي ذي الشوكة، والباء لتصوير كونه له شوكة في بلده. وعبارة التحفة والنهاية: بأن يكون بناحية انقطع غوث السلطان عنها، ولم يرجعوا إلا إليه. اه. (قوله: غير أهل) مفعول ولى. (قوله: كمقلد إلخ) تمثيل لغير الاهل. (قوله: أي مع علمه) أي

وإلا بأن ظن عدالته مثلا، ولو علم فسقه لم يوله فالظاهر - كما جزم به شيخنا - لا ينفذ حكمه وكذا لو زاد فسقه أو ارتكب مفسقا آخر على تردد فيه. انتهى. وجزم بعضهم بنفوذ توليته وإن ولاه غير عالم بفسقه وكعبد وامرأة وأعمى (نفذ) ما فعله من التولية وإن كان هناك مجتهد عدل على المعتمد فينفذ قضاء من ولاه للضروة ولئلا تتعطل مصالح الناس وإن نازع كثيرون فيما ذكر في الفاسق وأطالوا وصوبه الزركشي. قال شيخنا: وما ذكر في المقلد محله إن كان ثم مجتهد وإلا نفذت تولية المقلد ولو من غير ذي شوكة، وكذا الفاسق. فإن كان هناك عدل أشترطت شوكة وإلا فلا - كما يفيد ذلك قول ابن الرفعة - الحق أنه إذا لم يكن ثم من يصلح للقضاء نفذت تولية ـــــــــــــــــــــــــــــ المولي - بكسر اللام - سلطانا أو ذا شوكة. (وقوله: بنحو فسقه) أي المولى - بفتح اللام -. (قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم يعلم به. (وقوله: ولو علم فسقه لم يوله) الواو للحال: أي والحال أنه لو كان يعلم بفسقه لم يوله. (وقوله: فالظاهر إلخ) جواب أن الشرطية المدغمة في لا النافية (وقوله: كما جزم به شيخنا) أي في فتح الجواد. (قوله: وكذا لو زاد إلخ) أي وكذا لا ينفذ حكمه لو زاد فسقه، بأن كان يشرب الخمر في الجمعة مرة، فصار يشرب على خلاف العادة. (قوله: أو ارتكب مفسقا آخر) أي بأن كان يزني فصار يزني ويشرب الخمر. (قوله: على تردد فيه) أي فيما بعد كذا ممن زاد فسقه، أو ارتكب مفسقا آخر. (قوله: وجزم بعضهم بنفوذ توليته) أي الفاسق مطلقا. (وقوله: وإن ولاه غير عالم بفسقه) هذا هو الفارق بين ما جزم به بعضهم وبين ما ذكره قبل. (قوله: وكعبد الخ) معطوف على قوله كمقلد. (قوله: نفذ ما فعله) أي المولى سلطانا، أو ذا شوكة. (قوله: من التولية) بيان لما. (قوله: وإن كان إلخ) غاية في نفوذ التولية: أي تنفذ التولية وإن كان هناك: أي في الناحية المولى عليها غير الاهل مجتهد عدل. (قوله: على المعتمد) متعلق بنفذ. (قوله: فينفذ قضاء) مفرع على نفوذ التولية. (قوله: للضرورة) قال البلقيني يستفاد من ذلك، أنه لو زالت شوكة من ولاه بموت أو نحوه، انعزل لزوال الضرورة، وأنه لو أخذ شيئا من بيت المال على ولاية القضاء، أو جوامك في نظر الاوقاف، استرد منه، لان قضاءه إنما نفذ للضرورة، ولا كذلك المال. اه. بجيرمي. (قوله: وإن نازع كثيرون فيما ذكر) أي في نفوذ قضاء من ولاه للضرورة إذا كان فاسقا. (وقوله: وأطالوا) أي في النزاع. (وقوله: وصوبه الزركشي) أي وقال إنه لا ضرورة إليه، بخلاف المقلد. قال في التحفة بعده وهو عجيب، فإن الفرض أن الامام أو ذو الشوكة هو الذي ولاه عالما بفسقه، بل أو غير عالم به على ما جزم به بعضهم، فكيف حينئذ يفرع إلى عدم تنفيذ أحكامه المترتب عليه من الفتن ما لا يتدارك خرقه، وقد أجمعت الامة - كما قاله الأذرعي - على تنفيذ أحكام الخلفاء الظلمة، وأحكام من ولوه؟ اه. (قوله: وما ذكر في المقلد إلخ) أي ما ذكر في المقلد من أنه إذا ولاه سلطان، أو ذو شوكة، تنفذ توليته محله إن كان ثم مجتهد، وإلا نفذت ولو من غير ذي شوكة. ولا يخفى ما في عبارة شيخه المذكورة. إذ قوله سلطان صادق بذي الشوكة وغيره - كما صرح به هو -. وإذا كان كذلك فلا معنى للتقييد الذي ذكره بل لا يتأتى. نعم، يصير للتقييد المذكور معنى لو أبقى عبارة المنهاج على حالها، وهي فإن تعذر جمع هذه الشروط، فولى سلطان له شوكة فاسقا، أو مقلدا، نفذ قضاؤه للضرورة. ففيها تخصيص التولية بذي الشوكة، وحينئذ فيصح قوله، وما ذكر محله الخ. ثم رأيت الرشيدي اعترض على قول النهاية المضاهي لقول شيخه المذكور بما نصه: قوله: وما ذكر في المقلد محله إلخ، هذا إنما يتأتى لو أبقي المتن على ظاهره الموافق لكلام غيره، وأما بعد أن حوله إلى ما مر، فلا موقع لهذا هناك. وحاصل المراد - كما يؤخذ من كلامهم - أن السلطان إذا ولى قاضيا بالشوكة، نفذت توليته مطلقا - سواء كان هناك أهل للقضاء أم لا - وإن ولاه لا بالشركة، أو ولاه قاضي القضاة كذلك، فيشترط في صحة توليته فقد أهل للقضاء. انتهى. (قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم يكن هناك مجتهد نفذت تولية المقلد، ولو صدرت من غير ذي شوكة، كسلطان محبوس أو مأسور ولم يخلع كما مر. (قوله: وكذا الفاسق) أي ومثل المقلد فيما ذكر من التفصيل الفاسق. (قوله: فإن كان هناك عدل الخ) تصريح بما علم من التشبيه. (قوله: اشترطت شوكة) أي في المولي - صلى الله عليه وسلم - بكسر اللام -. (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يكن هناك عدل، فلا تشترط الشوكة.

غير الصالح قطعا، والاوجه أن قاضي الضرورة يقضي بعلمه ويحفظ مال اليتيم ويكتب لقاض آخر خلافا للحضرمي وصرح جمع متأخرون بأن قاضي الضرورة يلزمه بيان مستنده في سائر أحكامه ولا يقبل قول حكمت بكذا من غير بيان مستنده فيه ولو طلب الخصم من القاضي الفاسق تبيين الشهود التي ثبت فيها الامر لزم القاضي بيانهم وإلا لم ينفذ حكمه. فرع: يندب للامام إذا ولى قاضيا أن يأذن له في الاستخلاف وإن أطلق التولية إستخلف فيما لا يقدر عليه لا غيره في الاصح. (مهمة) يحكم القاضي باجتهاده إن كان مجتهدا أو باجتهاد مقلده إن كان مقلدا. وقضية كلام الشيخين أن المقلد لا يحكم بغير مذهب مقلده. وقال الماوردي وغيره: يجوز. وجمع ابن عبد السلام ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: كما يفيد ذلك) أي التفصيل المذكور. (قوله: الحق إلخ) مقول قول ابن الرفعة. (قوله: والاوجه أن قاضي الضرورة يقضي بعلمه) أي يحكم بما علمه إن شاء: كأن يدعي شخص على شخص بمال، وقد رآه القاضي أقرضه إياه أو سمعه يقر به، فله أن يحكم عليه بما علمه ويثبت المال عنده. (قوله: ويحفظ مال اليتيم) أي وله أن يحفظ مال اليتيم. (قوله: ويكتب لقاض آخر) أي وله أن يكتب لقاض آخر، فيما إذا ادعى عنده على غائب بمال مثلا، وثبت عنده بالبينة، فله أن يكتب إلى قاضي بلد الغائب ليستوفي له من مال الغائب الحاضر عنده. (قوله: خلافا للحضرمي) أي الشيخ إسماعيل الحضرمي في قوله ليس لقاضي الضرورة أن يحكم بعلمه الخ. (قوله: يلزمه بيان مستنده) أي إذا سئل عنه كما أفصح به في التحفة، وسيأتي أيضا، والمراد بمستند ما استنده إليه من بينة، أو نكول، أو نحو ذلك. اه. رشيدي. وذلك كأن يقول مثلا، ثبت عندي بالبينة أن المال المدعى به عندك، وحكمت عليك به. (قوله: ولا يقبل قوله حكمت بكذا إلخ) قال في التحفة: وكأنه لضعف ولايته، ثم قال: ومحله إن لم يمنع موليه من طلب بيان مستنده اه. (وقوله: من غير بيان مستنده فيه) أي فيما حكم به. (قوله: ولو طلب الخصم) أي المدعى عليه. (قوله: تبيين الشهود) أي عينهم كزيد وعمرو مثلا. (قوله: لزم القاضي) أي الفاسق، والمقام للإضمار. فلو قال لزمه لكان أولى. (قوله: وإلا) أي وإن لم يبينهم لم ينفذ حكمه. (قوله: يندب للامام) أي أو نائبه. (قوله: أن يأذن إلخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر نائب فاعل يندب: أي يندب له إذنه للقاضي المولى - بفتح اللام - في الاستخلاف ليكون أسهل له، وأقرب لفصل الخصومات، ويتأكد ذلك عند اتساع الخطة، فبان نهاه الامام عنه لم يستخلف استخلافا عاما لعدم رضاه بنظر غيره، فإن كان ما فوض له أكثر مما يمكنه القيام به، اقتصر على المتمكن وترك الاستخلاف. أما الاستخلاف الخاص كتحليف وسماع بينة، فقطع القفال بجوازه للضرورة إلا أن ينص على المنع منه. أفاده م ر. (قوله: وإن أطلق التولية) أي بأن لم يأذن له في الاستخلاف ولم ينهه عنه. (وقوله: استخلف فيما لا يقدر عليه) أي فيما عجز عنه لحاجته إليه. (وقوله: لا غيره) أي لا يستخلف في غيره ما لا يقدر عليه، وهو المقدور عليه، لان قرينة الحال تقتضي عدم الاستخلاف فيه. (وقوله: في الأصح) مقابله يقول يستخلف مطلقا فيما عجز عنه وغيره. تنبيه: يشترط في الخليفة ما شرط في القاضي من كونه أهلا للشهادات كلها ومجتهدا، إلا إن استخلف في أمر خاص كسماع بينة وتحليف، فيكفي علمه بما يتعلق به من شروط البينة والتحليف، ويحكم الخليفة باجتهاده أو باجتهاد مقلده - بفتح اللام - إن كان مقلدا، ولا يجوز أن يشرط عليه أن يحكم بخلاف اجتهاده أو اجتهاد مقلده - بفتح اللام - لانه يعتقد بطلانه، والله تعالى إنما أمر بالحكم بالحق. (قوله: مهمة) أي في بيان كون القاضي يحكم باجتهاده إن كان مجتهدا، أو باجتهاد مقلده إن كان مقلدا. (قوله: يحكم القاضي) أي أو خليفته كما مر. (قوله: باجتهاده) أي بما أداه إليه اجتهاده من المسائل. (قوله: إن كان مجتهدا) أي اجتهادا مطلقا. (قوله: أو اجتهاد مقلده) أي أو يحكم باجتهاد مقلده، أي إمامه فهو بفتح اللام. (وقوله: إن كان) أي القاضي. (وقوله: مقلدا) بكسر اللام (قوله: وقضية كلام الشيخين الخ) أقره سم (قوله: وقال الماوردي وغيره يجوز) أي الحكم بغير مذهب مقلده - بفتح اللام - (قوله: وجمع ابن عبد السلام

والاذرعي وغيرهما بحمل الاول على من لم ينته لرتبة الاجتهاد في مذهب إمامه وهو المقلد الصرف الذي لم يتأهل للنظر ولا للترجيح والثاني على من له أهلية. لذلك. ونقل ابن الرفعة عن الاصحاب أن الحاكم المقلد إذا بان حكمه على خلاف نص مقلده نقض حكمه ووافقه النووي في الروضة والسبكي، وقال الغزالي: لا ينقض، وتبعه الرافعي بحثا في موضع. وشيخنا في بعض كتبه. فائدة: إذا تمسك العامي بمذهب لزمه موافقته، وإلا لزمه التمذهب بمذهب معين من الاربعة لا غيرها ثم ـــــــــــــــــــــــــــــ والاذرعي) أي بين قضية كلام الشيخين وقول الماوردي. (وقوله: بحمل الأول) أي قضية كلام الشيخين. (قوله: وهو) أي من لم ينته لما ذكر. (قوله: المقلد الصرف) أي المحض، وبينه بقوله بعد الذي لم يتأهل للنظر: أي أن المقلد الصرف هو الذي لم يتأهل للنظر في قواعد إمامه، والترجيح بين الاقوال. (قوله: والثاني الخ) أي وحمل الثاني، وهو قول الماوردي. (وقوله: على من له أهلية لذلك) أي للنظر والترجيح. قال في التحفة بعده: ومنع ذلك الحسباني من جهة أن العرف جرى بأن تولية المقلد مشروطة بأن يحكم بمذهب مقلده، وهو متجه - سواء الاهل لما ذكر وغيره - لاسيما إن قال له في عقد التولية على عادة من تقدمك، لانه لم يعتد لمقلد حكم بغير مذهب إمامه. اه. (قوله: ونقل ابن الرفعة الخ) مؤيد لكلام الشيخين. (قوله: وقال الغزالي لا ينقض) عبارة التحفة: وما أفهمه كلام الرافعي عن الغزالي من عدم النقض، بناء على أن للمقلد تقليد من شاء، وجزم به في جمع الجوامع. قال الاذرعي: بعيد، والوجه - بل الصواب - سد هذا الباب من أصله، لما يلزم عليه من المفاسد التي لا تحصى. اه. وقال غيره المفتي على مذهب الشافعي: لا يجوز له الافتاء بمذهب غيره ولا ينفذ منه: أي لو قضى به لتحكيم أو تولية لما تقرر عن ابن الصلاح. نعم، إن انتقل لمذهب آخر بشرطه وتبحر فيه، جاز له الافتاء به. اه. (قوله: وتبعه الرافعي) أي تبع الغزالي الرافعي في قوله لا ينقض. (وقوله: بحثا) أي أنه بحث ذلك من غير نص. (قوله: وشيخنا في بعض كتبه) أي وتبعه شيخنا في بعض كتبه. (قوله: فائدة) أي في بيان التقليد. وحاصل الكلام عليه أن التقليد هو الاخذ والعمل بقول المجتهد من غير معرفة دليله، ولا يحتاج إلى التلفظ به، بل متى استشعر العامل أن عمله موافق لقول إمام فقد قلده، وله شروط ستة: الأول: أن يكون مذهب المقلد - بفتح اللام - مدونا. الثاني: حفظ المقلد - بكسر اللام - شروط المقلد - بفتح اللام - في تلك المسألة. الثالث: أن لا يكون التقليد مما ينقض فيه قضاء القاضي. الرابع: أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالاسهل، وإلا فتنحل ربقة التكليف من عنقه. قال ابن حجر: ومن ثم كان الاوجه أن يفسق به، وقال الرملي الاوجه أنه لا يفسق وإن أثم به. الخامس: أن لا يعمل بقول في مسألة ثم يعمل بضده في عينها، كأن أخذ نحو دار بشفعة الجوار تقليدا لابي حنيفة، ثم باعها ثم اشتراها فاستحق واحد مثله بشفعة الجوار، فأراد أن يقلد الامام الشافعي ليدفعها، فإنه لا يجوز. السادس: أن لا يلفق بين قولين تتولد منهما حقيقة واحدة مركبة، لا يقول كل من الامامين بها، وزاد بعضهم شرطا سابعا: وهو أنه يلزم المقلد اعتقاد أرجحية أو مساواة مقلده للغير. وقال في التحفة: الذي رجحه الشيخان جواز تقليد المفضول مع وجوه الفاضل، وزاد بعضهم أيضا شرطا ثامنا: وهو أنه لا بد في صحة التقليد أن يكون صاحب المذهب حيا، وهو مردود بما اتفق عليه الشيخان وغيرهما من جواز تقليد الميت وقالا - وهو الصحيح - قال في التحفة: ومن أدى عبادة اختلف في صحتها من غير تقليد للقائل بالصحة، لزمه إعادتها إذا علم بفسادها حال تلبسه بها، لكونه عابثا حينئذ، أما من لم يعلم بفسادها حال تلبسه بها، كمن مس فرجه مثلا، فنسيه أو جهل التحريم وقد عذر به، فله تقليد الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه في إسقاط القضاء إن كان مذهبه صحة صلاته، مع عدم تقليده له عند الصلاة. اه. بالمعنى. (وقوله: فله تقليد الإمام أبي حنيفة) قال سم وهو صريح في جواز التقليد بعد الفعل. اه. (قوله: إذا تمسك العامي) مثله غيره من العلماء الذين لم يبلغوا رتبة الاجتهاد كما ذكره سم عند قول التحفة قال الهروي: مذهب أصحابنا أن العامي لا مذهب له الخ. فانظره إن شئت. (قوله: لزمه التمذهب) أي المشي والجري على مذهب معين من المذاهب الاربعة.

له وإن عمل بالاول الانتقال إلى غيره بالكلية، أو في المسائل بشرط أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالاسهل منه فيفسق به على الاوجه. وفي الخادم عن بعض المحتاطين. الاولى لمن ابتلي بوسواس الاخذ بالاخف والرخص لئلا يزداد فيخرج عن الشرع، ولضده الاخذ بالاثقل لئلا يخرج عن الاباحة. وأن لا يلفق بين قولين يتولد منهما حقيقة مركبة لا يقول بها كل منهما. وفي فتاوي شيخنا: من قلد إماما في مسألة لزمه أن يجري على قضية مذهبه في تلك المسألة وجميع ما يتعلق بها، فيلزم من انحرف عن عين الكعبة وصلى إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: لا غيرها) أي غير المذاهب الاربعة، وهذا إن لم يدون مذهبه، فإن دون جاز كما في التحفة ونصها: يجوز تقليد كل من الأئمة الاربعة، وكذا من عداهم ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة ودون حتى عرفت شروطه وسائر معتبراته، فالاجماع الذي نقله غير واحد على منع تقليد الصحابة، يحمل على ما فقد فيه شرط من ذلك. اه. (قوله: ثم له) أي ثم يجوز له إلخ. قال ابن الجمال: (إعلم) أن الأصح من كلام المتأخرين - كالشيخ ابن حجر وغيره - أنه يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب من المذاهب المدونة ولو بمجرد التشهي، سواء انتقل دواما أو في بعض الحادثة، وإن أفتى أو حكم وعمل بخلافه ما لم يلزم منه التلفيق. اه. (قوله: وان عمل بالاول) أي بالمذهب الاول كمذهب الشافعي. (قوله: الانتقال إلى غيره) أي غير الاول بالكلية: كأن ينتقل من مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة رضي الله عنهما. (قوله: أو في المسائل) أي أو الانتقال في بعض مسائل لغير مذهبه. (وقوله: بشرط إلخ) مرتبط به: أي يجوز له أن يقلد في بعض المسائل بشرط أن لا يتتبع الرخص. (قوله: بأن يأخذ الخ) تصوير لتتبع الرخص. (قوله: فيفسق به) أي بتتبع الرخص، وهذا ما جرى عليه ابن حجر. أما ما جرى عليه الرملي فلا يفسق به، ولكنه يأثم، كما مر. (قوله: وفي الخادم إلخ) هذا كالتقييد لما قبله، فكأنه قال محل اشتراط عدم تتبع الرخص فيمن لم يبتل بالوسواس، أما هو فيجوز له ذلك. (وقوله: عن بعض المحتاطين) أي الذين يأخذون بالاحوط في أعمالهم. (قوله: لئلا يزداد) أي الوسواس، وهو علة الأولوية، (وقوله: فيخرج) بالنصب عطف على يزداد: أي فيخرج بسبب زيادة الوسواس عن الشرع مثلا، وابتلى بالوسواس في النية في الوضوء، أو بقراءة الفاتحة خلف الامام، وصار يصرف أكثر الوقت في الوضوء أو في الصلاة، فله أن يترك النية ويقلد الإمام أبا حنيفة فيه فإنها سنة عنده، أو يقلده في ترك الفاتحة خلف الامام، حتى يذهب عنه الوسواس. (قوله: ولضده) أي والاولى لضد من ابتلي بالوسواس، وهو الذي لم يبتل به. (قوله: الاخذ بالاثقل) أي بالاشد. (قوله: لئلا يخرج عن الاباحة) أي عن لمباح لو لم يأخذ بالاثقل. (قوله: وإن لا يلفق الخ) معطوف على قوله أن لا يتتبع الرخص: أي وبشرط أن لا يلفق: أي يجمع بين قولين. (قوله: يتولد الخ) أي ينشأ من القولين اللذين لفق بينهما حقيقة واحدة متركبة، كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس، ومالك في طهارة الكلب، في صلاة واحدة، فلا يصح تقليده المذكور، لانه لفق فيه بين قولين نشأ منهما حقيقة واحدة، وهي الصلاة لا يقول بصحتها كلا الامامين. (قوله: وفي فتاوي شيخنا الخ) مؤيد لاشتراط عدم التلفيق. (قوله: لزمه أن يجري على قضية مذهبه) أي على ما يقتضيه مذهب ذلك الامام الذي قلده في تلك المسألة. (وقوله: وجميع ما يتعلق بها) أي بتلك المسألة: أي من استكمال شروطها، ومراعاة مصححاتها، واجتناب مبطلاتها. (قوله: فيلزم من انحرف الخ) تعبيره بالماضي فيه وفيما بعده لا يلائم قوله بعد أن يمسح الخ، فإنه للاستقبال وانحرف وصلى للمضي، فلا بد من ارتكاب تأويل في الاول، بأن يجعل بمعنى المضارع، أو في الثاني بأن يجعل بمعنى الماضي: أي فيلزم الشافعي الذي قصده أن ينحرف عن عين القبلة، ويصلي إلى جهتها مقلدا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أن تكون طهارته على مذهبه، بأن يكون يمسح في الوضوء قدر الناصية، وأن لا يسيل منه دم بعد الوضوء، فإنه ناقض له عنده، أو فيلزم الشافعي الذي انحرف وصلى إلى الجهة مقلدا للإمام أبي حنيفة

جهتها مقلدا لابي حنيفة مثلا أن يمسح في وضوئه من الرأس قدر الناصية وأن لا يسيل من بدنه بعد الوضوء دم وما أشبه ذلك، وإلا كانت صلاته باطلة باتفاق المذهبين فليتفطن لذلك. انتهى. ووافقه العلامة عبد الله أبو مخرمة العدني وزاد فقال: قد صرح بهذا الشرط الذي ذكرناه غير واحد من المحققين من أهل الاصول والفقه: منهم ابن دقيق العيد والسبكي، ونقله الاسنوي في التمهيد عن العراقي. قلت: بل نقله الرافعي في العزيز عن القاضي حسين. انتهى. وقال شيخنا المحقق ابن زياد رحمه الله تعالى في فتاويه: إن الذي فهمناه من أمثلتهم أن التركيب القادح إنما يمتنع إذا كان في قضية واحدة. فمن أمثلتهم. إذا توضأ ولمس تقليدا لابي حنيفة واقتصد تقليدا للشافعي ثم صلى فصلاته باطلة لاتفاق الامامين على بطلان ذلك. وكذلك إذا توضأ ومس بلا شهوة تقليدا للامام مالك ولم يدلك تقليدا للشافعي ثم صلى فصلاته باطلة لاتفاق الامامين على بطلان طهارته - بخلاف ما إذا كان التركيب من قضيتين، فالذي يظهر أن ذلك غير قادح في التقليد، كما إذا توضأ ومسح بعض رأسه ثم صلى إلى الجهة تقليدا لابي حنيفة فالذي يظهر صحة صلاته لان الامامين لم يتفقا على بطلان طهارته، فإن الخلاف فيها بحاله، لا يقال اتفقا على بطلان صلاته لانا نقول هذا الاتفاق ينشأ من التركيب في قضيتين. ـــــــــــــــــــــــــــــ في ذلك أنه كان قد مسح إلخ. (وقوله: وإن لا يسيل الخ) معطوف على أن يمسح، (قوله: وما أشبه ذلك) أي ما ذكر من مسح قدر الناصية وعدم سيلان الدم، والمشبه لذلك فعل كل ما هو شرط لصحة الصلاة عند الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وترك كل ما هو مبطل لها عنده. (قوله: وإلا) أي بأن لم يمسح قدر الناصية، أو سال منه دم بعد الوضوء، كانت صلاته باطلة. (قوله: فليتفطن لذلك) أي للشرط المذكور. (قوله: ووافقه) أي الشيخ ابن حجر. (قوله: وزاد) أي العلامة عبد الله أبو مخرمة. (قوله: قد صرح بهذا الشرط) أي وهو أن من قلد إماما في مسألة لزمه الجريان على قضية مذهبه فيها. (قوله: وقال شيخنا المحقق ابن زياد الخ) فيه مخالفة لابن حجر ومن وافقه فيما إذا كان التركيب من قضيتين. (قوله: إن الذي فهمناه من أمثلتهم) أي التي يجوز فيها التقليد والتي لا يجوز. (قوله: إن التركيب القادح) أي المضر في التقليد. (قوله: إنما يمتنع) صوابه إنما يوجد. (قوله: إذا كان) أي التركيب وقع في قضية واحدة، كالطهارة أو الصلاة. (قوله: فمن أمثلتهم) أي للتقليد المضر (قوله: إذا توضأ ولمس) أي الاجنبية. (قوله: تقليدا لأبي حنيفة) أي في عدم نقض الوضوء باللمس. (قوله: واقتصد تقليدا للشافعي) أي في عدم نقض الوضوء بذلك. (قوله: ثم صلى) أي بذلك الوضوء. (قوله: لاتفاق الامامين) أي الشافعي وأبي حنيفة. (وقوله: على بطلان ذلك) أي الوضوء لانتقاضه باللمس عند الشافعي، وبخروج الدم عند أبي حنيفة. (قوله: وكذلك) أي مثل هذا المثال في البطلان. (وقوله: إذا توضأ ومس) أي فرجه. (وقوله: تقليدا للامام مالك) أي في عدم نقض الوضوء. (وقوله: ولم يدلك) أي لم يتبع الإمام مالكا في الدلك، بل تبع الامام الشافعي في عدمه. (قوله: ثم صلى) أي بذلك الوضوء المجرد عن الدلك. (قوله: لاتفاق الامامين) أي الشافعي ومالك. (وقوله: على بطلان طهارته) أي لانه مس وهو مبطل عند الشافعي، ولم يدلك وهو مبطل عند الإمام مالك. (قوله: بخلاف ما إذا كان التركيب) أي الناشئ من التلفيق بين قولين. (وقوله: من قضيتين) أي حاصلا من قضيتين: أي كالطهارة والصلاة مثلا. (قوله: فالذي يظهر أن ذلك) أي التركيب من قضيتين. (قوله: غير قادح في التقليد) أي غير مضر له. (قوله: كما إذا توضأ إلخ) تمثيل لما إذا كان التركيب حاصلا من قضيتين (قوله: ومسح بعض رأسه) أي أقل من الناصية تقليدا للامام الشافعي فيه. (قوله: ثم صلى إلى الجهة) أي لا إلى عين الكعبة. (وقوله: تقليدا لأبي حنيفة) أي في قوله بصحة الصلاة إلى جهة الكعبة. (قوله: فالذي يظهر الخ) الجملة جواب إذا. (وقوله: صحة صلاته) خبر الذي (قوله: لان الامامين) أي الشافعي وأبا حنيفة رضي الله عنهما. (وقوله: لم يتفقا على بطلان طهارته) إذ هي صحيحة على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه. (قوله: فإن الخلاف فيها بحاله) أي فإن الخلاف بين

والذي فهمناه أنه غير قادح في التقليد ومثله ما إذا قلد الامام أحمد في أن العورة السوأتان وكأن ترك المضمضة والاستنشاق أو التسمية الذي يقول الامام أحمد بوجوب ذلك، فالذي يظهر صحة صلاته إذا قلده في قدر العورة لانهما لم يتفقا على بطلان طهارته التي هي قضية واحدة، ولا يقدح في ذلك إتفاقهما على بطلان صلاته فإنه تركيب من قضيتين وهو غير قادح في التقليد كما يفهمه تمثيلهم. وقد رأيت في فتاوي البلقيني ما يقتضي أن التركيب بين القضيتين غير قادح. انتهى. ملخصا. تتمة: يلزم محتاجا إستفتاء عالم عدل عرف أهليته ثم إن وجد مفتيين فإن اعتقد أحدهما أعلم تعين تقديمه. قال في الروضة: ليس لمفت وعامل على مذهبنا في مسألة ذات وجهين أو قولين أن يعتمد أحدهما بلا ـــــــــــــــــــــــــــــ الامامين باق بحاله في تلك الطهارة، فهي صحيحة على مذهب الشافعي، وباطلة على مذهب أبي حنيفة. (قوله: لا يقال إتفقا على بطلان صلاته) أي لفقد شرطها عند الشافعي، وهو استقبال العين وفقد شرطها عند أبي حنيفة وهو مسح قدر ربع الرأس. (قوله: لانا نقول إلخ) علة النفي. (قوله: من التركيب في قضيتين) أي الحاصل في قضيتين، وهما الطهارة والصلاة، كما مر. (قوله: والذي فهمناه) أي من أمثلتهم. (وقوله: أنه) أي التركيب الواقع في قضيتين. (وقوله: غير قادح في التقليد) أي غير مضر ومؤثر فيه. (قوله: ومثله) أي مثل هذا المثال في التركيب من قضيتين. (قوله: في إن العورة السوأتان) أي القبل والدبر، فالواجب عند الإمام أحمد سترهما فقط. (قوله: وكان) فعل ماض، واسمها يعود على المقلد للامام أحمد: أي وكان المقلد للامام أحمد في قدر العورة ترك المضمضة مقلدا للامام الشافعي. (قوله: والاستنشاق) الواو بمعنى أو (قوله: الذي يقول إلخ) الأولى في التعبير أن يقول التي يقول الامام أحمد بوجوبها: أي الثلاثة وهو المضمضة، والاستنشاق، والبسملة. (قوله: فالذي يظهر إلخ) جواب إذا (قوله: إذا قلده) أي قلد الامام أحمد. (قوله: لأنهما) أي الامام أحمد والامام الشافعي، وهو تعليل لظهور صحة صلاته فيما ذكر. (وقوله: لم يتفقا على بطلان طهارته) أي لان الشافعي يقول بصحتها، والامام أحمد يقول ببطلانها. (وقوله: التي هي) أي الطهارة. (وقوله: قضية واحدة) أي هي التي يضر فيها التركيب. (قوله: ولا يقدح في ذلك) أي في التقليد المذكور. (قوله: فإنه) أي فإن البطلان المتفق عليه. (وقوله: تركيب من قضيتين) هما ستر العورة والطهارة. (قوله: وهو) أي التركيب من قضيتين غير قادح في التقليد. (قوله: وقد رأيت في فتاوي البلقيني الخ) مؤيدا لما تقدم. (قوله: تتمة) أي في بيان حكم الاستفتاء. (قوله: يلزم محتاجا) أي إلى معرفة حكم من الاحكام الشرعية. (وقوله: إستفتاء عالم عرف أهليته) عبارة الروض وشرحه: يجب على المستفتي عند حدوث مسألة، أن يستفتي من عرف علمه وعدالته، ولو بإخبار ثقة عارف، أو بإستفاضة لذلك، وإلا بأن لم يعرفهما بحث عن ذلك - يعني عن علمه - بسؤال الناس، فلا يجوز له إستفتاء من انتسب إلى ذلك وانتصب للتدريس وغيره من مناصب العلماء بمجرد إنتسابه وانتصابه. وقضية كلامه أنه يبحث عن عدالته أيضا، والمشهور كما في الأصل خلافه، وبه يشعر قوله فلو خفيت عليه عدالته الباطنة اكتفى بالعدالة الظاهرة، لان الباطنة تعسر معرفتها على غير القضاة. اه (قوله: ثم إن وجد) أي المحتاج. (وقوله: مفتيين) مفعول وجد، وهو هنا بمعنى أصاب، فلا يطلب إلا مفعولا واحدا. (قوله: فإن اعتقد أحدهما أعلم إلخ) قال في الروض: ويعمل - أي المستفتي - بفتوى عالم مع وجود أعلم منه جهله. قال في شرحه: بخلاف ما إذا علمه بأن اعتقده أعلم - كما صرح به بعد - فلا يلزمه البحث عن الاعلم إذا جهل اختصاص أحدهما بزيادة علم، ثم قال في الروض: فإن اختلفا - أي المفتيان - جوابا وصفة ولا نص قدم الاعلم، وكذا إذا اعتقد أحدهما أعلم أو أورع، قدم من اعتقده أعلم أو أورع، ويقدم الاعلم على الاورع. اه. بزيادة من شرحه. (قوله: قال في الروضة ليس لمفت وعامل إلخ) قال في التحفة بعد أن نقل ما ذكر: ونقل ابن الصلاح الاجماع فيه، لكن حمله بعضهم على المفتي والقاضي، لما مر من جواز

نظر فيه فلا خلاف، بل يبحث عن أرجحهما بنحو تأخره وإن كانا لواحد. انتهى. (ويجوز تحكيم اثنين) ولو من غير خصومة كما في النكاح (رجلا أهلا لقضاء) أي من له أهلية القضاء المطلقة لا في خصوص تلك الواقعة فقط. خلافا لجمع متأخرين ولو مع وجود قاض أهل خلافا للروضة. أما غير الاهل فلا يجوز تحكيمه - أي مع وجود الاهل - وإلا جاز، ولو في النكاح، وإن كان ثم مجتهد، كما جزم به شيخنا في شرح المنهاج تبعا لشيخه ـــــــــــــــــــــــــــــ تقليد غير الائمة الاربعة بشرطه، وفيه نظر. لأنه صرح بمساواة العامل للمفتي في ذلك، فالوجه حمله على عامل متأهل للنظر في الدليل وعلم الراجح من غيره. اه. وقال في الفوائد وابن الجمال في فتح المجيد. (اعلم) أن القولين أو الوجهين أو الطريقين إذا كانا لواحد ولم يرجح أحدهما، فللمقلد أن يعمل لنفسه بأيهما شاء إذا لم يكن أهلا للترجيح، فإن كان أهلا له، فلا يجوز له العمل إلا بالتتبع والترجيح، فإن رجح أحدهما فالفتوى والحكم بالراجح مطلقا، والمرجوح منهما إذا رجحه بعض أهل الترجيح يجوز تقليده للعمل فقط، سواء كان المقلد أهلا للنظر والترجيح أم لا. وإن لم يرجح فيمتنع تقليده على الاهل لا على غيره، وإذا كان الوجهان والطريقان لاثنين، ولم يرجح أحدهما ثالث يجوز تقليد كل منهما في الافتاء والقضاء أيضا إذا لم يكن المقلد أهلا، ويجوز لعمل نفسه فقط إذا كان التقليد من المتأهل، لتضمن ذلك ترجيح كل منهما من قائله الاهل، وإن رجح أحدهما ثالث، فالفتوى بالراجح لتقويته بالترجيحين - سواء كان المفتي أهلا أم لا - والمرجوح منهما يجوز تقليده لعمل النفس فقط، ولو من المتأهل للتضمن المذكور. هذا هو الحق الصريح الذي لا محيد عنه، لانه المنقول والمعتمد عند جمهور المتأخرين. اه. من تذكرة الاخوان المشتملة على مصطلحات التحفة وغيرها. (قوله: أن يعتمد أحدهما) أي الوجهين أو القولين، وأن وما بعدها في تأويل مصدر اسم ليس. (قوله: بلا نظر فيه) أي بلا تأمل وتفكر في ذلك الأحد الذي يريد أن يعتمده. (قوله: بلا خلاف) أي ليس له ذلك بلا خلاف، وقد علمت أن محله إذا كان أهلا للنظر والترجيح. (قوله: بل يبحث عن أرجحهما) أي الوجهين أو القولين. (قوله: بنحو تأخره) متعلق بأرجحهما، وهو بيان المقتضي للارجحية، فتأخر أحد القولين أو الوجهين أو قوة دليله أو نحو ذلك يقتضي الارجحية. (قوله: وإن كانا) أي القولان أو الوجهان لمتبحر واحد، وهو غاية لكونه يبحث عن الارجح بما ذكر (قوله: ويجوز تحكيم اثنين) أي غير حد وتعزير لله تعالى، أما هما فلا يجوز فيهما التحكيم. إذ لا طالب لهما معين. (قوله: ولو من غير خصومة) غاية في جواز التحكيم: أي يجوز مطلقا سواء كان في خصومة، كأن حكم خصمان ثالثا، أو في غير خصومة، كأن حكم اثنان في نكاح ثالثا. (قوله: كما في النكاح) أي لفاقدة ولي خاص بنسب أو معتق، وهو تمثيل للتحكيم في غير الخصومة. (قوله: رجلا) مفعول تحكيم المضاف إلى فاعله. (قوله: أهلا لقضاء) صفة لرجلا. (قوله: أي من له أهلية القضاء المختلفة) تفسير للمراد من الاهل للقضاء، وتقدم ضابط من له أهلية ما ذكر، وهو من له قدرة على استنباط الاحكام من الكتاب والسنة والقياس والاجماع. (قوله: لا في خصوص تلك الواقعة) أي ليس المراد به من كان أهلا للقضاء في تلك المسألة الحادثة فقط (قوله: خلافا لجمع) أي قالوا بأن الشرط وجود الاهلية في خصوص تلك الواقعة لا مطلقا. (قوله: ولو مع وجود قاض أهل) غاية في جواز تحكيم رجل أهل: أي يجوز تحكيم الاهل، ولو مع وجود قاض أهل في تلك البلدة. (قوله: خلافا للروضة) أي القائلة بعدم جواز التحكيم مع وجوده. (قوله: أما غير الاهل) مفهوم قوله أهلا. (قوله: أي مع وجود الاهل) أنظر ما المراد بالاهل: هل هو خصوص القاضي، أو ما يعمه وغيره؟ والظاهر أن المراد الاول، وإلا بأن كان المراد الثاني نافته الغاية بعد: أعني قوله وإن كان ثم مجتهد. (قوله: وإلا مجاز) أي وإن لم يوجد قاض أهل على ما مر، بأن لم يوجد قاض أصلا، أو وجد لكنه غير أهل، جاز تحكيم غير الاهل، وهو ضعيف، كما يفيده الاستدراك بعد. (قوله: ولو في النكاح) أي ولو كان التحكيم في النكاح فإنه يجوز. (قوله: وإن كان ثم مجتهد) أي غير قاض. (قوله: كما جزم به) أي بما ذكر من عدم جواز تحكيم غير الاهل مع وجود الاهل، وجواز تحكيمه مع عدم

زكريا. لكن الذي أفتاه أن المحكم العدل لا يزوج إلا مع فقد القاضي ولو غير أهل. ولا يجوز تحكيم غير العدل مطلقا ولا يفيد حكم المحكم إلا برضاهما به لفظا لا سكوتا فيعتبر رضا الزوجين معا في النكاح، نعم: يكفي سكوت البكر إذا استؤذنت في التحكيم ولا يجوز التحكيم مع غيبة الولي ولو إلى مسافة القصر إن كان ثم قاض - خلافا لابن العماد - لانه ينوب عن الغائب بخلاف المحكم: ويجوز له أن يحكم بعلمه على الاوجه. (وينعزل القاضي) أي يحكم بانعزاله ببلوغ خبر العزل له ولو من عدل (و) ينعزل (نائبه) في عام أو خاص بأن ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوده، وفيه أنه لم يجزم بهذا شيخه، وإنما ذكره وأحاله على ما مر منه في النكاح، من أنه لا يجوز مع وجود الحاكم، ونض عبارته هنا وأما غير الاهل فلا يجوز تحكيمه - أي مع وجود الاهل - وإلا جاز، ولو في النكاح على ما مر فيه. اه. وقوله: على ما مر: أي في باب النكاح. ونص عبارته هناك: نعم لو لم يكن لها ولي، جاز لها أن تفوض مع خاطبها أمرها إلى مجتهد عدل، فيزوجها ولو مع وجود الحاكم المجتهد، أو إلى عدل غير مجتهد ولو مع وجود مجتهد غير قاض، فيزوجها لا مع وجود حاكم ولو غير أهل، كما حررته في شرح الإرشاد. اه. (قوله: لكن الذي أفتاه) أي أفتى به شيخه ابن حجر، وعبارته تفيد إن هذا هو ما جزم به في فتاويه مع أنه جزم به في غيرها - كما يعلم من عبارته في باب النكاح - ثم إن هذا هو الذي جزم به في النهاية أيضا ونصها: نعم لا يجوز تحكيم غير مجتهد مع وجود قاض، ولو قاضي ضرورة. اه. ونقله سم وأقره فهو المعتمد. (وقوله: ولو غير أهل) أي ولو كان القاضي غير أهل. قال البجيرمي: فيمتنع التحكيم الآن لوجود القضاة ولو قضاة ضرورة، كما نقله زي عن م ر، إلا إذا كان القاضي يأخذ مالا له وقع، فيجوز التحكيم حينئذ كما قاله ح ل. اه. (قوله: ولا يجوز تحكيم غير العدل مطلقا) أي سواء فقد القاضي أم لا. (قوله: ولا يفيد حكم المحكم) أي لا ينفع ويؤثر. (وقوله: إلا برضاهما) أي الخصمين من قبل الحكم، ويشترط استمراره إلى انتهائه. قال في التحفة: نعم إن كان أحد الخصمين القاضي الذي له الاستخلاف واستمر رضاه، لم يؤثر عدم رضا خصمه، لان المحكم نائبه. (وقوله: به) أي بالحكم الذي يستحكم به. (وقوله: لفظا) أي بأن يقولا له حكمناك لتحكم بيننا، ورضينا بحكمك. (وقوله: لا سكوتا) أي فلا يكفي (قوله: فيعتبر رضا الزوجين معا) قال ع ش أي فلا يكتفي بالرضا من ولي المرأة والزوج، بل الرضا إنما يكون بين الزوجين حيث كانت الولاية للقاضي. اه. (قوله: نعم إلخ) استدراك من اعتبار رضا الزوجين: أي باللفظ. (قوله: ولايجوز التحكيم مع غيبة الولي) هذا كالتقييد لما تقدم، فكأنه قال محل جواز التحكيم في النكاح إذا لم يكن الولي غائبا بأن كان مفقودا بالكلية. (قوله: ولو إلى مسافة القصر) أي لا يجوز التحكيم مع غيبة الولي، ولو كانت غيبته إلى مسافة القصر (قوله: إن كان ثم) أي في البلدة التي يراد التحكيم فيها. (قوله: خلافا لابن العماد) أي القائل بجوازه عند غيبته ولو كان هناك قاض (قوله: لأنه) أي القاضي وهي علة لعدم جواز التحكيم حين إذ غاب الولي. (قوله: بخلاف المحكم) أي فإنه لا ينوب عن الغائب، فلا يجوز تحكيمه مع وجود الغائب. (قوله: ويجوز له) أي للمحكم أن يحكم بعلمه كقاضي الضرورة كما مر. (وقوله: على الأوجه) أي عند ابن حجر، وأما عند م ر فالاوجه عدم الجواز قال: لانحطاط رتبته عن القاضي. (قوله: وينعزل القاضي إلخ) شروع فيما يقتضي انعزال القاضي وما يذكر معه. وقد أفرده الفقهاء بفصل مستقل. (قوله: ببلوغ خبر العزل) أي الصادر من الامام بأخذ الاسباب الآتية. (قوله: ولو من عدل) أي ولو كان بلغه الخبر، أي وصل إليه من عدل واحد فإنه ينعزل به. وعبارة التحفة وبحث الأذرعي الاكتفاء في العزل بخبر واحد مقبول الرواية، والقياس ما قاله الزركشي أنه لا بد من عدلي الشهادة أو الاستفاضة كالتولية، لا يقال يتعين على من علم عزله أو ظنه أن يعمل باطنا بمقتضى علمه أو ظنه كما هو قياس نظائره، لأنا نقول إنما يتجه ذلك إن قلنا بعزله باطنا قبل أن يبلغه خبره، وقد تقرر أن الوجه خلافه. اه. وإذا علمتها تعلم أن المؤلف وافق الاذرعي في الاكتفاء بالواحد، وخالف شيخه. (قوله: وينعزل نائبه) أي نائب القاضي الذي عزل، ولو قاضي الاقليم، لان القصد بالاستنابة المعاونة، وقد زالت ولايته فطلبت المعاونة. (قوله: في عام) متعلق بنائبه، أي نائبه في أمر عام، كأن أنابه في كل الاحكام. (وقوله: أو خاص) أي أمر خاص كسماع شهادة في حادثة معينة على ميت أو

يبلغه خبر عزل مستخلفه له أو الامام لمستخلفه إن أذن له أن يستخلف عن نفسه أو أطلق (لا) حال كون النائب نائبا (عن إمام) في عام أو خاص بأن قال للقاضي إستخلف عني فلا ينعزل بذلك وإنما انعزل القاضي ونائبه (بخبره) أي ببلوغ خبر العزل المفهوم من ينعزل لا قبل بلوغه ذلك لعظم الضرر في نقض أقضيته لو انعزل، بخلاف الوكيل فإنه ينعزل من حين العزل ولو قبل بلوغ خبره. ومن علم عزله لم ينفذ حكمه له إلا أن يرضى بحكمه فيما يجوز التحكيم فيه (و) ينعزل أيضا كل منهما بأحد أمور (عزل نفسه) كالوكيل (وجنون) وإغماء وإن قل زمنهما (وفسق) أي ينعزل بفسق من لم يعلم موليه بفسقه الاصلي أو الزائد على ما كان حال توليته وإذا زالت ـــــــــــــــــــــــــــــ غائب. (قوله: بأن يبلغه) أي النائب، والجار والمجرور متعلق بينعزل، أي ينعزل النائب ببلوغه خبر عزل مستخلفه له، وإضافة عزل إلى ما بعده من إضافة المصدر لفاعله. (قوله: أو الامام إلخ) بالجر عطف على مستخلفه: أي أو يبلغه خبر عزل الامام لمستخلفه. قال في شرح الروض: قال البلقيني: ولو بلغه الخبر ولم يبلغه نوابه لا ينعزلون حتى يبلغهم الخبر، وتبقى ولاية أصلهم مستمرة حكما، وإن لم ينفذ حكمه، ويستحق ما رتب له على سد الوظيفة. قال: ولو بلغ النائب قبل أصله فالقياس أنه لا ينعزل وينفذ حكمه حتى يبلغ الأصل. اه. (قوله: إن أذن إلخ) أي ومحل انعزاله ببلوغه خبر عزل الامام لمستخلفه إن كان الإمام أذن له أن يستخلف عن نفسه، بأن قال الامام له: وليتك القضاء واستخلف عن نفسك، أو أطلق بأن قال له: استخلف، ولم يقل له عن نفسك ولا عني. ومثل ذلك ما إذا لم يأذن له في الاستخلاف. (قوله: لا حال كون النائب إلخ) أي ولا إن كان قيما ليتيم، أو وقف، فلا ينعزل بانعزال القاضي لئلا تختل مصالحهما. (قوله: بأن قال) أي الإمام (قوله: فلا ينعزل) أي النائب بذلك: أي بانعزال القاضي، وذلك لانه خليفة الامام، والقاضي إنما هو سفير في التولية. (قوله: وإنما انعزل إلخ) دخول على المتن. (قوله: لا قبل بلوغه ذلك) أي لا ينعزل كل من القاضي ونائبه قبل بلوغ خبر العزل. (قوله: لعظم الخ) تعليل لكون العزل إنما يثبت بعد بلوغ الخبر لا قبله. (وقوله: في نقض أقضيته) أي في رد أقضيته الصادرة منه بعد العزل في الواقع وقبل أن يعلم به. (وقوله: لو انعزل) أي لو حكم عليه بالانعزال قبل بلوغ الخبر. (قوله: بخلاف الوكيل الخ) أي لأن من شأنه عدم عظم الضرر في نقض تصرفاته. (قوله: فإنه) أي الوكيل، سواء كان وكيلا عن صاحب المال مثلا، أو عن وكيل صاحب المال، بأن إذن له في أن يوكل عن نفسه أو أطلق. (وقوله: من حين العزل) أي عزل الموكل صاحب المال له، أو عزل صاحب المال لموكله. (قوله: ومن علم عزله الخ) كالإستثناء من عدم انعزاله قبل بلوغ خبره، فكأنه قال: ومحل عدم ثبوت انعزاله بالنسبة لمن لم يعلم به. أما بالنسبة له فيثبت، ولا ينفذ حكمه لعلمه أنه غير حاكم باطنا. قال في التحفة بعد نقله ما ذكر عن الماوردي: وإنما يتجه إن صح ما قاله أنه غير حاكم باطنا على ما اقتضاه إطلاقهم أنه قبل أن يبلغه خبر عزله باق على ولايته ظاهرا وباطنا، فلا يصح ما قاله. ألا ترى أنه لو تصرف بعد العزل وقبل بلوغ الخبر بتزويج من لا ولي لها مثلا، لم يلزم الزوج باطنا ولا ظاهرا انعزالها؟. اه. (قوله: إلا أن يرضى الخ) أي فينفذ حكمه فيه. (وقوله: فيما يجوز التحكيم فيه) أي وهو ما كان غير حد وتعزير لله تعالى، كما مر. (قوله: وينعزل أيضا) أي كما أنه ينعزل ببلوغه خبر العزل. (قوله: كل منهما) أي القاضي ونائبه. (قوله: بأحد أمور) متعلق بينعزل. (قوله: عزل نفسه) بدل من أحد أمور بالنسبة للشرح، ومعطوف على خبره بالنسبة للمتن، ومحله ما لم يتعين، وإلا فلا ينفذ عزله لنفسه كما سيذكره. (قوله: وجنون وإغماء) معطوفان على عزل نفسه. (قوله: وإن قل زمنهما) أي الجنون والاغماء. قال في فتح الجواد: كما اقتضاه إطلاقهم، لكن مر في نحو الشركة أنه لا انعزال به، إلا إن كان زمنه بقدر ما بين صلاتين، فيحتمل أن يقال هنا بذلك، ويحتمل الفرق بأنه يحتاط هنا ما لا يحتاط به، ثم ولعل هذا أقرب اه. وقوله: ولعل إلخ: جرى عليه في التحفة، وعبارتها: ولو لحظة - خلافا للشارح -. اه. (قوله: وفسق) إنما لم ينعزل الامام الاعظم به، لما فيه من اضطراب الامور وحدوث الفتن. (قوله: أي ينعزل بفسق) يقرأ بالتنوين، وفاعل للفعل من لم يعلم. (قوله: حال توليته) ظرف متعلق بيعلم المنفي: أي لم يعلم موليه

هذه الاحوال لم تعد ولايته إلا بتولية جديدة في الاصح. ويجوز للامام عزل قاض لم يتعين بظهور خلل لا يقتضي إنعزاله ككثرة الشكاوي فيه وبأفضل منه وبمصلحة كتسكين فتنة سواء أعزله بمثله أو بدونه وإن لم يكن شئ من ذلك لم يجز عزله لانه عبث ولكن ينفذ العزل. أما إذا تعين بأن لم يكن ثم من يصلح غيره فيحرم على موليه عزله ولا ينفذ، وكذا عزله لنفسه حينئذ بخلافه في غير هذه الحالة فينفذ عزله لنفسه وإن لم يعلم موليه (ولا ينعزل قاض بموت إمام) أعظم ولا بانعزاله لعظم شدة الضرر بتعطيل الحوادث وخرج بالامام القاضي ـــــــــــــــــــــــــــــ حال توليته إياه بفسقه الاصلي، أو علم به لكنه لم يعلم بما زاد عليه حال التولية أيضا، فإن علم موليه بذلك حالها، فلا ينعزل به، لما تقدم أنه إذا ولى سلطان أو ذو شوكة غير أهل، نفذ قضاؤه للضرورة، وكلامه صريح في أن فسقه أو ما زاد عليه لم يطرأ بعد التولية، بل هو موجود حال التولية، إلا أنه لم يعلم موليه به، وكلام غيره صريح في أنه طارئ بعد التولية. ولو أبقي المتن على ظاهره لكان يمكن حمله عليه، بخلافه بعد أن فصل فيه بين علم موليه به وعدم علمه به حال التولية، فلا يمكن حمله عليه لأنه لم يكن موجودا إذ ذاك حتى يفصل فيه بما ذكر. (قوله: وإذا زالت هذه الاحوال) أي الجنون والاغماء والفسق. (وقوله: لم تعد ولايته) أي لم ترجع له إلا بتولية جديدة من الامام، لان ما بطل لا يعود إلا بتجديد عقده. (وقوله: في الأصح) مقابله يقول تعود من غير تولية جديدة، قياسا على الاب إذا جن ثم أفاق، أو فسق ثم تاب، فإنه تعود له الولاية على موليه بعد ذلك. (قوله: ويجوز للامام عزل قاض) أي لما روى أبو داود أنه - صلى الله عليه وسلم -: عزل إماما صلى بقوم بصق في القبلة، وقال: لا يصلي بهم بعدها أبدا. وإذا جاز هذا في إمام الصلاة، جاز في القاضي بل أولى، إلا أن يكون متعينا فلا يجوز له عزله. ولو عزل لم ينعزل. اه. شرح الروض. (قوله: لم يتعين) أي للقضاء بأن وجد من يصلح للقضاء غيره. (قوله: بظهور خلل) متعلق بعزل (وقوله: لا يقتضي انعزاله) الجملة صفة لخلل: أي خلل موصوف بكونه غير مقتض لانعزاله، فإن اقتضاه لم يحتج إلى عزل الامام له، لانعزاله بنفس ذلك الخلل المقتضي له، وهو كالفسق والجنون إلى آخر ما تقدم (قوله: ككثرة الخ) تمثيل للخلل الذي لا يقتضي انعزاله. (وقوله: الشكاوي) أي من الرعية بسبب تضررها منه. (وقوله: فيه) أي في القاضي. (قوله: وبأفضل منه) معطوف على بظهور خلل، أي ويجوز عزله بوجود أفضل منه، وإن لم يظهر فيه خلل، رعاية للاصلح للمسلمين، ولا يجب العزل لذلك، وإن قلنا إن ولاية المفضول لا تنعقد مع وجود الفاضل، لان الغرض حدوث الافضل بعد الولاية، فلم يقدح فيها أفاده في التحفة. (قوله: وبمصلحة) معطوف أيضا على بظهور خلل: أي ويجوز عزله بسبب وجود مصلحة في العزل، كتسكين فتنة، ولو لم يعزل يخاف من حدوثها. (وقوله: سواء أعزله بمثله أم بدونه) أي سواء عزله بذلك مع وجود مثله يوليه في مكانه أم دونه، فالباء بمعنى مع، وهي مضافة لمحذوف (قوله: وإن لم يكن شئ من ذلك) أي من المذكور من ظهور خلل، ووجود أفضل منه، وظهور مصلحة. (وقوله: لم يجز عزله لانه عبث) أي وتصرف الامام يصان عنه. (وقوله: ولكن ينفذ العزل) أي مع إثم المولى والمتولي بذلا لطاعة السلطان. قال في النهاية: وهذا في الامر العام، أما الوظائف الخاصة كإمامة وأذان وتصوف وتدريس وطب ونحوها، فلا تنعزل أربابها بالعزل من غير سبب - كما أفتى به جمع متأخرون - وهو المعتمد. ومحل ذلك حيث لم يكن في شرط الواقف ما يقتضي خلاف ذلك. اه. وقوله: خلاف ذلك) أي وهو العزل من غير سبب بأن قال الواقف، وللناظر عزله وتولية آخر من غير سبب. (قوله: أما إذا تعين إلخ) مفهوم قوله لم يتعين. (قوله: بأن لم يكن ثم) أي في تلك الناحية من يصلح للقضاء غيره. (قوله: فيحرم الخ) جواب أما. (قوله: ولا ينفذ) أي عزله. (قوله: وكذا عزله لنفسه حينئذ) أي وكذا يحرم عزله لنفسه مع عدم نفوذه حين إذ تعين للقضاء. (قوله: بخلافه في غير هذه الحالة) أي بخلاف عزله لنفسه في غير حالة التعيين. (قوله: فينفذ عزله لنفسه) أي ولا يحرم، وهو تفريع على قوله بخلافه إلخ. (وقوله: وإن لم يعلم موليه) غاية في النفوذ. (قوله: ولا ينعزل قاض) أي ولو قاضي ضرورة إذا لم يوجد مجتهد صالح، أما مع وجوده، فإن رجى توليه انعزل، وإلا فلا فائدة في انعزاله. ع ن. اه. بجيرمي. ومثل القاضي - في عدم انعزاله - الامير، والمحتسب، وناظر الجيش، ووكيل بيت المال، وما أشبه ذلك. (قوله: ولا بانعزاله)

فينعزل نوابه بموته (ولا يقبل قول متول في غير محل ولايته) وهو خارج عمله (حكمت بكذا) لانه لا يملك إنشاء الحكم حينئذ فلا ينفذ إقراره به وأخذ الزركشي من ظاهر كلامهم أنه إذا ولي ببلد لم يتناول مزارعها وبساتينها فلو زوج وهو بأحدهما من هي بالبلد أو عكسه لم يصح، قيل، وفيه نظر قال شيخنا والنظر واضح بل الذي يتجه أنه إن علمت عادة بتبعية أو عدمها فذلك وإلا اتجه ما ذكره اقتصارا على ما نص له عليه وأفهم قول المنهاج أنه في غير محل ولايته كمعزول أن لا ينفذ منه فيه تصرف استباحه بالولاية كإيجار وقف نظره للقاضي وبيع مال يتيم وتقرير في وظيفة. قال شيخنا وهو ظاهر (ك) - ما لا يقبل قول (معزول) بعد انعزاله ومحكم بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ أي الامام الاعظم بسبب كفره، أو عزله لنفسه. (قوله: لعظم شدة الخ) إضافة عظم إلى ما بعده للبيان: أي لعظم، هو شدة الضرر. وفي التحفة والنهاية: لعظم الضرر فقط، بدون زيادة شدة، وهو الأولى. (وقوله: بتعطيل الحوادث) الباء سببية متعلقة بعظم: أي إن عظم الضرر حاصل بسبب تعطيل الحوادث: أي الاحكام لو انعزل القاضي بانعزال الامام أو بموته. (قوله: فينعزل نوابه) أي القاضي. (وقوله: بموته) أي القاضي: أي أو بانعزاله بما مر، كما مر. (قوله: ولا يقبل) أي إلا ببينة. (وقوله: قول متول في غير محل ولايته) أي ولو على أهل محل ولايته. زي. (قوله: وهو) أي غير محل ولايته. (وقوله: خارج عمله) أي تصرفه. قال في التحفة: لا خارج مجلسه - خلافا لمن وهم فيه - إلا أن يريد أن موليه قيد ولايته بذلك المجلس. اه. (قوله: حكمت بكذا) مقول القول، سواء أقالها على وجه الاقرار، أو على وجه الانشاء. (قوله: لأنه) أي المتولي في غير محل ولايته. (وقوله: لا يملك إنشاء الحكم حينئذ) أي حين إذ كان في غير محل ولايته. (قوله: فلا ينفذ إقراره به) أي بالحكم في غير محل ولايته. (قوله: من ظاهر كلامهم) أي الفقهاء. (قوله: أنه الخ) المصدر المنسبك مفعول أخذ. (قوله: لم يتناول) أي توليه المفهوم من ولى، أو حكمه المعلوم من المقام (وقوله: مزارعها) أي البلد. (وقوله: وبساتينها) عطف خاص على عام. (قوله: فلو زوج) أي القاضي، وهو تفريع على قوله لم يتناول الخ. (وقوله: وهو) أي القاضي. (وقوله: بأحدهما) أي المزارع، أو البساتين. (قوله: من هي بالبلد) مفعول زوج. (قوله: أو عكسه) أي بأن زوج من هو في البلد من كانت في أحدهما. (قوله: لم يصح) أي التزوج، وهو جواب لو. (قوله: قيل وفيه نظر) أي وفيما أخذه الزركشي من ظاهر كلامهم: أي في إطلاقه نظر. (قوله: والنظر واضح) وجهه أنه قد يقتضي العرف تبعية المزارع أو البساتين للبلد، فلا يصح إطلاق القول بعد نفوذ حكمه فيهما حينئذ. (قوله: بل الذي يتجه الخ) حاصله أنه إن اطرد عرف بالتبعية نفذ حكمه فيهما، وإلا فلا ينفذ، وإن لم يطرد عرف لا بتبعية ولا غيرها اقتصر على ما نص عليه فلا يتجاوزه. (قوله: بتبعية) أي تبعية المزارع والبساتين للبلد. (وقوله: أو عدمها) أي التبعية (قوله: فذلك) أي واضح: أي فيعمل بما جرت به العادة. (قوله: وإلا) أي وهن لم تعلم عادة لا بتبعية ولا غيرها. (وقوله: اتجه ما ذكره) أي الزركشي من أنه إذا ولى ببلد لم يتناول مزارعها وبساتينها. (قوله: اقتصارا الخ) علة لاتجه ما ذكره: أي وإنما اتجه ما ذكره إن علمت عادة بتبعية أو عدمها، اقتصارا على المحل الذي نص الامام عليه في الولاية، وهو هنا البلد فيقتصر عليها، ولا يتجاوز حكمه غيرها من البساتين والمزارع. (قوله: أنه الخ) الجملة مقول قول المنهاج: أي أن القاضي بالنسبة لغير محل ولايته كائن كمعزول. (قوله: أنه لا ينفذ الخ) المصدر المنسبك مفعول افهم. (وقوله: فيه) أي في غير محل ولايته. (وقوله: تصرف) فاعل ينفذ (وقوله: استباحه بالولاية) الجملة صلة لتصرف أي تصرف موصوف بكونه استباحة بسبب الولاية. (قوله: كإيجار وقف) مثال للتصرف الذي يستبيحه بالولاية، ولا ينفذ فيه إن كان في غير محل ولايته. (وقوله: نظره للقاضي) أي النظر على ذلك الوقف كائن للقاضي. (قوله: وبيع مال الخ) معطوف على إيجار وقف: أي وكبيع مال يتيم وتقرير أحد في وظيفة، وهما مثالان أيضا للتصرف الذي يستبيحه بالولاية، ولا ينفذ منه إن كان في غير محل ولايته. (قوله: قال شيخنا وهو) أي ما أفهمه قول المنهاج ظاهر. وقال بعده: كتزويج من ليست بولايته، وظاهر هطا إنه لا يصح استخلافه قبل وصوله لمحل ولايته من يحكم بها، فإفتاء بعضهم بصحته

مفارقة مجلس حكمه حكمت بكذا لانه لا يملك إنشاء الحكم حينئذ فلا يقبل إقراره به ولا يقبل أيضا شهادة كل منهما بحكمه لانه يشهد بفعل نفسه إلا إن شهد بحكم حاكم ولا يعلم القاضي أنه حكمه فتقبل شهادته إن لم يكن فاسقا، فإن علم القاضي أنه حكمه لم تقبل شهادته كما لو صرح به ويقبل قوله بمحل حكمه قبل عزله حكمت بكذا، وإن قال بعلمي لقدرته على الانشاء حينئذ حتى لو قال على سبيل الحكم نساء هذه القرية: أي المحصورات طوالق من أزواجهن قبل إن كان مجتهدا ولو في مذهب إمامه ولا يجوز لقاض أن يتبع حكم قاض ـــــــــــــــــــــــــــــ بعيد. اه. (قوله: كما لا يقبل قول معزول) أي قاض معزول، والكاف للتنظير. (قوله: بعد انعزاله) متعلق بقول. (قوله: ومحكم) معطوف على معزول: أي وكما لا يقبل قول محكم بعد مفارقة المجلس الذي وقع الحكم فيه. (قوله: حكمت بكذا) مقول لقول كل من المعزول والمحكم. (قوله: لأنه) أي المذكور من المعزول والمحكم، ولو قال لانهما لكان أولى. (قوله: حينئذ) أي حين إذ صدر القول المذكور بعد الانعزال وبعد مفارقة مجلس الحكم. (قوله: فلا يقبل إقراره) أي بعد الانعزال وبعد المفارقة المذكورة. (وقوله: به) أي بالحكم. (قوله: ولا يقبل أيضا) أي كما لا يقبل حكمهما حينئذ. (قوله: شهادة كل منهما) أي من المعزول والمحكم، ومثلهما المتولي في غير محل ولايته. ولو قال شهادة من ذكر ليشمل الجميع لكان أولى. (وقوله: بحكمه) خرج به ما لو شهد أن فلانا أقر في مجلسه بكذا فيقبل. (قوله: لأنه) أي كلا منهما. (وقوله: يشهد بفعل نفسه) أي فعل نفسه: أي والشهادة على ذلك غير صحيحة. قال في التحفة: وفارق المرضعة بأن فعلها غير مقصود بالاثبات، مع أن شهادتها لا تتضمن تزكية نفسها، بخلاف الحاكم فيهما. اه. (قوله: إلا إن شهد إلخ) استثناء من عدم قبول شهادته على فعل نفسه: أي لا يقبل ذلك إلا إن شهد كل منهما بحكم حاكم، ولم يضفه لنفسه بأن قال أشهد أنه حاكم حكم بهذا، أو ثبت هذا عند حاكم ولا يعلم القاضي الذي حصلت الدعوى عنده أن هذا الحكم حكم الشاهد الذي شهد به فتقبل شهادته، لانه لم يشهد على فعل نفسه ظاهرا، واحتمال المبطل لا أثر له. (وقوله: إن لم يكن فاسقا) قيد في قبول الشهادة من المذكور. وخرج به ما إذا كان فاسقا فلا تقبل شهادته، لانتفاء شرط الشهادة. (قوله: فإن علم القاضي) أي المشهود عنده، وهو مفهوم قوله ولا يعلم إلخ. (وقوله: أنه) أي الحكم الذي شهد به. (وقوله: حكمه) أي الشاهد. (قوله: لم تقبل شهادته) جواب إن. قال في التحفة: وقد يشكل عليه ما في فتاوي البغوي، إشترى شيئا فغصبه منه غاصب فادعى عليه به وشهد له البائع بالملك مطلقا قبلت شهادته، وإن علم القاضي أنه البائع له، كمن رأى عينا في يد شخص يتصرف فيها تصرف الملاك، له أن يشهد له بالملك مطلقا، وإن علم القاضي أنه يشهد بظاهر اليد فيقبله، وإن كان لو صرح به لم يقبل. ثم رأيت الغزي نظر في مسألة البيع، وقد يجاب بأن التهمة في مسألة الحكم أقوى، لان الانسان مجبول على ترويج حكمه ما أمكنه، بخلاف المسألتين الاخيرتين اه. (قوله: كما لو صرح به) أي بأنه حكمه عند أداء الشهادة، فلا تقبل شهادته. (قوله: ويقبل قوله) أي القاضي. (وقوله: بمحل حكمه) أي ولايته، وهو وما بعده متعلقان بلفظ قوله: ويحتمل أن يكونا متعلقين بمحذوف حال من ضمير قوله: أي ويقبل قول القاضي حال كونه كائنا في محل ولايته، وحال كونه قبل عزله. (وقوله: حكمت بكذا) مقول القول. (قوله: وإن قال بعلمي) غاية في القبول: أي يقبل قوله ما ذكر وإن قال حكمت بعلمي: أي لا ببينة ولا إقرار. (قوله: لقدرته على الانشاء حينئذ) أي حين إذ كان في محل ولايته وقبل العزل. (قوله: حتى لو قال) حتى تفريعية، أي فلو قال القاضي. (وقوله: على سبيل الحكم) أي لا على سبيل الاخبار. (وقوله: نساء هذه القرية) مبتدأ خبره طوالق. (قوله: أي المحصورات) عبارة التحفة: وبحث الأذرعي أن محله - أي قبول قوله المذكور - في المحصورات، وإلا فهو كاذب مجازف، وفي قاض مجتهد ولو في مذهب إمامه. قال: ولا ريب عندي في عدم نفوذه من جاهل أو فاسق. اه. (قوله: قبل) جواب لو. (قوله: إن كان إلخ) قيد في القبول، أي محل قبول قول القاضي ما ذكر أن كان مجتهدا. (وقوله: ولو في مذهب إمامه) أي ولو كان مجتهدا في مذهب إمامه فإنه يكفي، ولا يشترط أن يكون مجتهدا مطلقا. (قوله: ولا يجوز لقاض أن يتبع) يقرأ بتشديد التاء، وأصله يتتبع بتاءين فأدغم أحدهما في الآخر. وعبارة

قبله صالح للقضاء (وليسو القاضي بين الخصمين) وجوبا في إكرامهما وإن اختلفا شرفا وجواب سلامهما والنظر إليهما والاستماع للكلام وطلاقة الوجه والقيام فلا يخص أحدهما بشئ مما ذكر. ولو سلم أحدهما انتظر الآخر ويغتفر طول الفصل للضرورة أو قال له سلم ليجيبهما معا ولا يمزح معه وإن شرف بعلم أو حرية والاولى أن يجلسهما بين يديه. ـــــــــــــــــــــــــــــ الفتح: أن يتتبع بالفك من غير إدغام، وقد عقد في الروض وشرحه لهذه المسألة فصلا فقال: فصل في جواز تتبع القاضي حكم من قبله من القضاة الصالحين. للقضاء وجهان: أحدهما نعم، واختاره الشيخ أبو حامد، وثانيهما المنع، لان الظاهر منه السداد، وبه جزم المحاملي، وصححه الفارقي، وعزاه الماوردي إلى جمهور البصريين، واقتضاه كلام الاصل في الباب الآتي، فإن تظلم شخص من معزول أو نائبه، سأله عما يريد منه، ولا يسارع إلى إحضاره فقد يقصد إبتذاله، فإن ادعى بأن ذكر أنه يدعي معاملة، أو إتلاف مال، أو عينا أخذها بغصب أو نحوه، أحضره وفصل خصومته منه كغيره. وكذا لو ادعى عليه رشوة بتثليث الراء. أو حكما بعبدين مثلا، أي بشهادة عبدين أو غيرهما ممن لا تقبل شهادته، وإن لم يتعرض للاخذ، أي أخذ المال المحكوم به منه، فإن أقام على المعزول بعد الدعوى عليه بينة، أو أقر المعزول حكم عليه، وإلا صدق بيمينه، كسائر الامناء إذا ادعى عليهم خيانة، ولعموم خبر: البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلخ. اه. (قوله: وليسو القاضي إلخ) لما فرغ من شروط القاضي، شرع في الامر المطلوب منه وفي المحرم عليه، وبدأ بالاول فقال: وليسو الخ. (قوله: بين الخصمين) أي وإن وكلا، فلا يرفع الموكل على الخصم لان الدعوى متعلقة به أيضا، بدليل أنه إذا وجبت يمين وجب تحليفه، وكثير يوكل خلاصا من ورطة التسوية بينه وبين خصمه، وهو جهل قبيح (قوله: في إكرامهما) متعلق بيسو: أي وليسو في إكرام الخصمين: أي بسائر وجوه الاكرام، وفي الكلام اكتفاء، أي وفي عدم إكرامهما، كطلاقة وجه وضدها، وقيام وضده ونظر إليهما وضده، وهكذا. (قوله: وإن اختلفا شرفا) أي فضيلة، وهو غاية للتسوية، ومحله ما لم يختلفا بالاسلام والكفر، وإلا فيجب أن يميز المسلم على الكافر في سائر وجوه الاكرام: كأن يجلس المسلم أقرب إليه، كما جلس سيدنا علي رضي الله عنه بجنب شريح في خصومة له مع يهودي، وقال له لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك، لكني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تساووهم في المجالس. رواه البيهقي. (قوله: وجواب سلامهما) معطوف هو وما بعده على إكرامهما، من عطف الخاص على العام. وعبارة المنهج: وليسو بين الخصمين في الاكرام، كقيام، ودخول، واستماع، وطلاقة وجه إلخ. اه. وهي أولى من عبارة المؤلف. (قوله: والنظر إليهما) أي وليسو في النظر إلى الخصمين، فلا ينظر لاحدهما دون الآخر، لئلا ينكسر قلب الآخر. (قوله: والاستماع للكلام) أي وليسو في استماع كلامهما، فلا يسمع كلام أحدهما دون الآخر لما مر. (قوله: وطلاقة الوجه) أي وليسو في طلاقة الوجه، أي إظهار الفرح لهما، فلا يخص أحدهما بطلاقة الوجه لما مر. (قوله: والقيام) أي وليسو بينهما في القيام لهما، فلا يقوم لاحدهما دون الآخر لما مر، فلو قام لاحدهما ولم يعلم أنه في خصومة، ينبغي أن يقوم للآخر، أو يعتذر بأنه لم يعلم أنه جاء في خصومة. (قوله: فلا يخص أحدهما) أي الخصمين، وهو تفريع على قوله وليسو الخ. (وقوله: بشئ مما ذكر) أي من جواب السلام، والنظر والاستماع للكلام، وطلاقة الوجه، والقيام. (قوله: ولو سلم إلخ) الأولى التفريع بالفاء. (وقوله: أحدهما) أي الخصمين. (وقوله: انتظر) أي القاضي الآخر: أي سلامه، فيجيبهما معا. وفي البجيرمي: قال بعضهم إن ما ذكر هنا يخالف ما سبق في السير من أن ابتداء السلام سنة كفاية من جمع، فإذا حضر جمع وسلم أحدهم كفى عن الباقين. اه. (قوله: ويغتفر طول الفصل) أي بين الرد وسلام الاول. (وقوله: للضرورة) أي وهي المحافظة على التسوية. (قوله: أو قال له سلم) واغتفر هذا التكلم بأجنبي ولم يكن قاطعا للرد لضرورة التسوية أيضا. قال زي: فلو لم يسلم ترك جواب الاول محافظة على التسوية. اه. قال البجيرمي. وفيه أنه يلزم عليه ترك واجب لتحصيل واجب، فما المرجح إلا أن يقال المرجح الاحتياط للمحافظة على التسوية. اه. (قوله: ولا يمزح الخ) معطوف على (قوله: فلا يخص أحدهما) أي ولا يمزح القاضي مع

فرع: لو ازدحم مدعون قدم الاسبق فالاسبق وجوبا كمفت ومدرس فيقدمان وجوبا بسبق، فإن استووا أو جهل سابق أقرع وقال شيخنا، وظاهر أن طالب فرض العين مع ضيق الوقت يقدم كالمسافر. ويستحب كون مجلسه الذي يقضي فيه فسيحا بارزا ويكره أن يتخذ المسجد مجلسا للحكم صونا له عن اللغط وارتفاع ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد الخصمين، لئلا ينكسر قلب الآخر ويتضرر به. وتخصيص المزح بكونه مع أحد الخصمين ليس بقيد، بل مثله بالأولى، ما إذا كان مع الخصمين، كما صرح به في الروض وشرحه ونصهما: وليقبل عليهما بقلبه، وعليه السكينة بلا مزح معهما أو مع أحدهما، ولا نهر، ولا صياح عليهما ما لم يتركا أدبا، فإن تركا أدبا نهرهما وصاح عليهما. ويندب أن يجلسا بين يديه ليتميزا. وليكون إستماعه لك منهما أسهل، وإذا جلسا تقاربا، إلا أن يكونا رجلا وامرأة غير محرم فيتباعدان. اه. (قوله: وان شرف الخ) غاية لقوله لا يخص إلخ: أي لا يخص أحدهما بذلك، وإن شرف بعلم أو حرية أو نحوهما، وكان الأولى تقديمه على قوله ولو سلم أحدهما الخ. (قوله: والاولى أن يجلسهما) أي الخصمين بين يديه لما مر آنفا. ولو أجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره جاز، لكنه خلاف الأولى. (قوله: فرع) الأولى فروع (قوله: لو ازدحم مدعون) أي في مجلس الحكم وقد جاءوا مترتبين، وعرف السابق بدليل قوله بعد، فإن استووا أو جهل سابق. (قوله: قدم الاسبق فالاسبق) أي المسلم، أما الكافر فيقدم عليه المسلم المسبوق. قال في التحفة: والعبرة بسبق المدعي، لانه ذو الحق، وبحث البلقيني أنه لو جاء مدع وحده ثم مدع مع خصمه ثم خصم الاول قدم من جاء مع خصمه. (قوله: كمفت ومدرس) أي في فرض العين أو الكفاية، أما في غير الفرض كالعروض، وزيادة التبحر، على ما يشترط في الاجتهاد المطلق، فالتقدم بالمشيئة والاختيار. (قوله: فيقدمان) أي المفتي والمدرس. ومفعول الفعل محذوف: أي يقدمان من جاء يستفتي أو يتعلم. (وقوله: بسبق) متعلقان بيقدمان، وهذا إن كان ثم سبق، وعرف السابق بدليل ما بعد. (قوله: فإن استووا) أي في مجيئهم عند القاضي، أو المفتي، أو المدرس، فهو مرتبط بالجميع ولو تمم الكلام على ما يتعلق بالقاضي ثم قال كمفت ومدرس لكان أولى. (وقوله: أو جهل سابق) أي جهل من جاء أولا إليهم. (وقوله: أقرع) أي بينهم، إذ لا مرجح لاحدهم على الآخر، وحينئذ يقدم من خرجت قرعته. قال في الروض وشرحه: فإن كثروا وعسر الاقراع، كتب الرقاع أو كتب فيها أسماءهم وصبت بين يدي القاضي، ليأخذها واحدة واحدة، ويدعى من خرج إسمه في كل مرة، ويستحب أن يرتب ثقة يكتب أسماءهم يوم قضائه ليعرف ترتبهم، ولو قدم الاسبق غيره على نفسه جاز، ولا يقدم سابق وقارع: أي من خرجت قرعته إلا بدعوى واحدة، وإن اتحد المدعى عليه دفعا للضرر عن الباقين، فإن كان له دعوى أخرى، إنتظر فراغهم، أو حضر في مجلس آخر. ويستحب له عند إجتماع الخصوم عند تقديم مسافرين مستوفزين، أي متهيئين للسفر وخائفين من انقطاعهم عن رفقتهم إن تأخروا عن المقيمين، لئلا يتضرروا بالتخلف. وتقديم نساء طلبا لسترهن. ولو كان المسافرون والنساء مدعى عليهم، فإنه يستحب تقديمهم بدعاويهم إن كانت خفيفة، بحيث لا تضر بالمقيمين في الاولى، وبالرجال في الثانية إضطرارا بينا، ويقدم المسافر على المرأة المقيمة صرح به في الانوار. اه. بحذف. (قوله: وقال شيخنا) أي في فتح الجواد ونص عبارته مع الأصل: كمفت ومدرس في فرض عين أو كفاية، فيقدمان وجوبا بسبق إلى مجلسهما ولو قبل حضورهما قياسا على ما مر في القاضي، فإن استووا، أو جهل سابق فبقرعة بفتوى أو درس واحد، نعم: إن ظهر له جواب المسبوق فقط، قدمه. بحثه الاذرعي ويأتي في تقديم سفر: أي مسافرين ونساء ما مر، أما في غير الفرض، قال بعضهم كالعروض، فالتقديم بمشيئة المفتي أو المدرس، وظاهر أن طالب فرض العين مع ضيق الوقت يقدم كالمسافر بل أولى. اه. وإذا تأملتها تعلم أن عبارة شارحنا مختصرة منها، إلا أنه أخل في الاختصار من حيث إنه لم يستوف الكلام على القاضي أولا، ومن حيث أنه أطلق في المفتي والمدرس، ومن حيث إن قوله وظاهر أن طالب فرض الخ، يوهم إرتباطه بالقاضي كالمفتي والمدرس مع أنه مرتبط بالاخيرين فقط. (قوله: ويستحب كون مجلسه الخ) ويستحب أيضا له أن يأتي المجلس راكبا ويسلم على الناس يمينا وشمالا، وأن يجلس على مرتفع كدكة وكرسي، ليسهل عليه النظر إلى الناس، ويسهل عليهم المطالبة بين يديه، وأن

الاصوات. نعم إن اتفق عند جلوسه فيه قضية أو قضيتان فلا بأس بفصلها (وحرم قبوله) أي القاضي (هدية من لا ـــــــــــــــــــــــــــــ يتميز عن غيره بفرش كمرتبة ووسادة وطيلسان وعمامة، وإن كان زاهدا متواضعا ليعرفه الناس، وليكون أهيب للخصوم وأرفق به، وأن يستقبل القبلة في جلوسه، لأنها أشرف الجهات، وأن يدعو عقب جلوسه بالتوفيق والسداد، والأولى أن يقول كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روته أم سلمة: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي. وكان الشعبي يقوله إذا خرج إلى مجلس القضاء ويزيد فيه: أو أعتدي أو يعتدى علي. اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وألزمني التقوى حتى لا أنطق إلا بالحق، ولا أقضي إلا بالعدل. وأن يشاور الامناء والفقهاء عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الادلة، قال تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: * (وشاورهم في الامر) * قال الحسن البصري كان - صلى الله عليه وسلم - مستغنيا عن المشاورة، ولكن أراد الله أن تكون سنة للحكام. وخرج بقولنا عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الادلة الحكم المعلوم بنص أو إجماع أو قياس جلي، فلا حاجة للمشاورة فيه. وأن ينظر أولا في حال أهل الحبس، لانه عذاب عليهم، فمن أقر بحق منهم فعل به مقتضاه، ومن ادعى منهم أنه مظلوم بالحبس طلب من خصمه حجة إن كان حاضرا، فإن لم يقمها صدق المحبوس بيمينه وأطلقه. وإن كان غائبا كتب إليه ليحضر عاجلا هو أو وكيله، فإن لم يحضر صدقه بيمينه وأطلقه أيضا، لكن يحسن أن يأخذ منه كفيلا. ثم بعد فراغه من النظر في حال المحبوسين، ينظر في حال الاوصياء، فمن ادعى منهم وصاية أثبتها عنده ببينة ثم يبحث عن حاله وتصرفه فيها، فمن وجده عدلا قويا أقره، ومن وجده فاسقا أو شك في عدالته، نزع المال منه ووضعه عند عدل. ومن وجده عدلا ضعيفا قواه بمعين يضمه إليه. ثم بعد ذلك ينظر في أمناء القاضي المنصوبين على المحاجير. ثم في الوقف العام والمال والضال واللقطة، ويستحب أيضا أن يتخذ كاتبا للحاجة إليه، فإن القاضي قد لا يحسن الكتابة، وإن أحسنها فلا يتفرغ لها غالبا، ويشترط في الكاتب أن يكون عدلا لئلا يخون فيما يكتبه، حرا ذكرا عارفا بكتابة محاضر وسجلات وكتب حكمية، ليعلم كيفية ما يكتبه. والمحاضر جمع محضر، وهو ما يكتب فيه حضر فلان وادعى على فلان بكذا، إلى آخر ما يقع من الخصمين من غير حكم، والسجلات جمع سجل، وهو ما يسجل فيه الحكم بعد الدعوى، ويحفظ في بيت القاضي، والكتب الحكمية هي المعروفة الآن بالحجج، وهو ما يكتب فيه ذلك ويكتب القاضي عليه خطه، ثم يعطى للخصم، وأن يتخذ له مترجمين يترجمان له كلام من لا يعرف لغته من خصم أو شاهد، وإن كان ثقيل السمع إتخذ مسمعين أيضا، بشرط أن يكون كل من المترجمين والمسمعين من أهل الشهادة، وأن يتخذ سجنا واسعا للتعزيز وأداء الحق، وأجرته على المسجون لشغله له، وأجرة السجان على صاحب الحق. ودرة - بكسر الدال وفتح الراء المشددة - للتأديب بها، وأول من اتخذها سيدنا عمر رضي الله عنه، وكانت من نعل سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت أهيب من سيف الحجاج، وما ضرب بها أحدا على ذنب وعاد إليه، بل يتوب منه. (قوله: ويكره أن يتخذ المسجد إلخ) أي بلا عذر، فإن وجد عذر كشدة حر، أو برد، أو ريح، أو مطر، فلا يكره. (قوله: صونا له) أي حفظا للمسجد. (وقوله: من اللغط وارتفاع الاصوات) أي الواقعين بمجلس القضاء عادة وعطف إرتفاع الاصوات على اللغط من عطف التفسير. (قوله: نعم إن اتفق عند جلوسه فيه) أي في المسجد لصلاة أو غيرها. (وقوله: قضية الخ) فاعل اتفق. (قوله: فلا بأس بفصلها) أي القضية: أي أو فصلهما - أي القضيتين - أي فلا يكره ذلك في المسجد، وعلى ذلك يحمل ما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - وعن خلفائه من القضاء في المسجد. ثم إن جلس في المسجد مع الكراهة أو دونها، منع الخصوم من الخوض فيه بالمخاصمة والمشاتمة ونحوهما. ولا يدخلونه جميعا بل يقعدون خارجه، وينصب من يدخل عليه خصمين خصمين. (قوله: وحرم قبوله إلخ) شروع فيما يحرم على القاضي، وهو الهدية وما في معناها كالضيافة، والهبة، والعارية، إن كانت المنفعة تقابل بأجرة، كسكنى دار، وركوب دابة، بخلاف التي لا تقابل بأجرة كقطع بسكين، وغربلة بغربال، وكالصدقة، والزكاة على ما سيأتي فيهما. (قوله: أي القاضي) خرج به المفتي والواعظ ومعلم القرآن، فلا يحرم عليهم قبول الهدية. إذ ليس لهم رتبة الالزام، لكن ينبغي لهم

_ (1) سورة آل عمران، الاية: 159.

عادة له بها قبل ولاية) أو كان له عادة بها لكنه زاد في القدر أو الوصف (إن كان في محله) أي محل ولايته (و) هدية (من له خصومة) عنده أو من أحس منه بأنه سيخاصم وإن اعتادها قبل ولايته لانها في الاخيرة تدعو إلى الميل إليه وفي الاولى سببها الولاية وقد صحت الاخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال (وإلا) بأن كان من عادته أنه يهدى إليه قبل الولاية ولو مرة فقط أو كان في غير محل ولايته أو لم يزد المهدي على عادته ولا خصومة ـــــــــــــــــــــــــــــ التنزه عن ذلك. (قوله: هدية) يقرأ يغير تنوين، لانه مضاف إلى ما بعده، وهو مفعول المصدر المضاف إلى فاعله. (وقوله: من لا عادة له بها) أي بالهدية: أي بإهدائها للقاضي. والجار والمجرور متعلق بعادة ومثله الظرف بعده. (قوله: أو كان الخ) الجملة معطوفة على جملة لا عادة له بها: أي وحرم قبول هدية من له عادة بها الخ. (قوله: لكنه) أي من له عادة الهدية. (وقوله: زاد في القدر) أي قدر الهدية، كأن كانت عادته قبل الولاية إهداء عشرة مثلا، فزاد عليها بعدها. (وقوله: أي الوصف) أي كأن كانت عادته قبلها إهداء ثوب كتاب، فأهدى له بعدها ثوب حرير. واختلف هل يحرم في صورة الزيادة قبول الجميع أو الشئ الزائد فقط، وينبغي أن يقال - كما في الذخائر - إن لم تتميز الزيادة بجنس أو قدر، حرم قبول الجميع إن كان للزيادة وقع، فإن لم يكن لها وقع، فلا عبرة بها. وإن تميزت بجنس أو قدر حرم قبول الزيادة فقط، ولا يحرم قبول الاصل. (قوله: إن كان إلخ) قيد في حرمة قبوله هدية من ذكر: أي محل حرمة ذلك إن كان القاضي حالا في محل ولايته، سواء كان المهدي من أهل محل ولايته أم لم يكن من محل ولايته ودخل بها في محلها، وكذا لو أرسلها مع رسول ولم يدخل بها، فيحرم قبولها على الراجح عند بعضهم كما سيذكره. (قوله: وهدية) بالنصب معطوف على هدية: أي وحرم قبوله هدية من له خصومة عنده حاضرة. (قوله: أو من أحس منه) معطوف على من له خصومة: أي وحرم قبوله هدية من ليس له عنده خصومة حاضرة، ولكنه أحس واستشعر منه بأنه يسخاصم. (قوله: وإن اعتادها إلخ) غاية في الصورتين: أي يحرم قبوله هدية من له خصومة أو من سيخاصم، وإن اعتاد القاضي الهدية منه قبل ولايته: أي وإن كان في غير محل ولايته، فيحرم عليه أيضا قبولها. (قوله: لأنها الخ) علة لحرمة القبول في جميع الصور. (وقوله: في الأخيرة) مراده بها من له خصومة وما عطف عليه. (وقوله: تدعو إلى الميل إليه) أي إلى المهدي المذكور، فيقدمه على خصمه وربما يحكم له بغير الحق. (وقوله: وفي الأولى) مراده بها من لا عادة له بها وما عطف عليه. (وقوله: سببها) أي الهدية والولاية. روى الشيخان، عن أبي حميد الساعدي: ما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول: هذا من عملكم وهذا أهدي إلي؟ أفلا قعد في بيت أبيه أو أمه فنظر هل يهدى له أم لا؟ فوالذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئا، إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه. إن كان بعيرا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تيعر. فقد بلغت: أي حكم الله الذي أرسلت به في هذا إليكم. (قوله: وقد صحت الاخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال) منها قوله عليه السلام: هدايا العمال - وفي رواية الامراء - غلول بضم الغين واللام - وهو الخيانة، والمراد أنه إذا أهدى العامل للإمام أو نائبه شيئا فقبله فهو خيانة منه للمسلمين، فلا يختص به دونهم. ومنها ما رواه أبو يعلى: هدايا العمال حرام كلها، وإنما حل له - صلى الله عليه وسلم - قبول الهدية لانه معصوم، فهو من خصوصياته. روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها: كان يقبل الهدية ويثيب عليها بخلاف غيره من الحكام وولاة الامور، فإنه رشوة، فيحرم عليهم خوفا من الزيغ عن الشرع والميل مع الهوى. أفاده البجيرمي. (قوله: وإلا) أي وإن لم يكن لا عادة له، بأن كان له عادة، لأن نفي النفي إثبات. (وقوله: أنه يهدى) بالبناء للمعلوم، وضميره مع الذي قبله يرجع للمهدي، وضمير إليه يرجع للقاضي. (قوله: ولو مرة) أي ولو كان الاهداء إليه مرة واحدة، فإنه لا يحرم. (قوله: أو كان في غير محل ولايته) معطوف على مدخول لو المقدر، أي ولو كان القاضي في غير محل ولايته فإنه لا يحرم، والأولى أن يأتي في الغاية بما هو مستبعد، بأن يقول أو كان في محل ولايته. (قوله: أو لم يزد) الأولى التعبير بالواو، لانه مع ما بعده قيد فيمن كان له عادة، يعني وإن كانت له عادة ولم يزد عليها، ولم تكن له خصومة الخ جاز قبولها، سواء كان للقاضي في محل ولايته أم لا.

له حاضرة ولا مترقبة جاز قبوله ولو جهزها له مع رسوله وليس له محاكمة ففي جواز قبوله وجهان: رجح بعض شراح المنهاج الحرمة وعلم مما مر أنه لا يحرم عليه قبولها في غير عمله وإن كان المهدي من أهل عمله ما لم يستشعر بأنها مقدمة لخصومة. ولو أهدى له بعد الحكم حرم القبول أيضا إن كان مجازاة له وإلا فلا. كذا أطلقه بعض شراح المنهاج. قال شيخنا: ويتعين حمله على مهد معتاد أهدى إليه بعد الحكم وحيث حرم القبول أو الاخذ لم يملك ما أخذه فيرده لمالكه إن وجد وإلا فلبيت المال وكالهدية الهبة والضيافة وكذا الصدقة على ـــــــــــــــــــــــــــــ والحاصل أن من له خصومة في الحال. أو مترقبة، يحرم قبول هديته، ولو كان القاضي في غير محل ولايته، وإن اعتادها قبل ولايته، وأما غير من له خصومة، فإن لم يكن للمهدي عادة بالهدية، أو له عادة وزاد عليها قدرا وصفة، حرم قبول هديته أيضا إذا كان القاضي في محل ولايته، فإن كان للمهدي عادة بالهدية، ولم يزد عليها قدرا وصفة، لم يحرم عليه قبولها، سواء كان القاضي في محل ولايته أو غيرها. (قوله: جاز قبوله) جواب إن المدغمة في لا النافية. (قوله: ولو جهزها إلخ) يعني لو أرسل المهدي هدية مع رسوله إلى القاضي، والحال أنه ليس له محاكمة، أي خصومة، ففي جواز القبول وجهان، وفيه أن هذه الصورة داخلة تحت قوله وحرم قبوله هدية من لا عادة الخ. إذ هو صادق بما إذا جاء بها إلى القاضي أو أرسلها إليه ولم يجئ بنفسه، ففي كلامه تدافع، إذ ما سبق يقتضي الحرمة بالاتفاق، وهذا يقتضيها مع وجود الخلاف. ويمكن أن يجاب بأن ما سبق محمول على ما إذا جاء صاحبها بها فلا تدافع. وعبارة التحفة في شرح قول المصنف حرم عليه قبولها، وسواء كان المهدي من أهل عمله أم من غيره، وقد حملها إليه لأنه صار في عمله، فلو جهزها له مع رسول وليس له محاكمة فوجهان إلخ. اه. وهي ظاهرة. فلو صنع كصنيع شيخه لكان أولى. (قوله: رجح بعض شراح المنهاج الحرمة) أي حرمة قبول القاضي للهدية في الصورة المذكورة. (قوله: وعلم مما مر) أي من قوله إن كان في محله المجعول، قيد الحرمة قبول هدية من لا عادة له، أو من له عادة لكن زاد عليها. (قوله: أنه) أي القاضي لا يحرم عليه قبولها: أي الهدية ممن لا عادة له بها، أو زاد عليها. (قوله: في غير عمله) أي حال كون القاضي في غير محل ولايته، فالجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من ضمير أنه. (قوله: وإن كان المهدى إلخ) غاية في عدم حرمة قبوله إذا كان في غير محل ولايته. (قوله: ما لم يستشعر إلخ) قيد في عدم الحرمة: أي محل عدم الحرمة إذا لم يستشعر القاضي بأن الهدية مقدمة لخصومة ستقع من المهدي، فإن استشعر ذلك حرم قبولها. (قوله: ولو أهدى له) أي للقاضي. (وقوله: بعد الحكم) أي للمهدي. (قوله: حرم القبول أيضا) أي كما يحرم قبل الحكم. (قوله: إن كان) أي ما أهدي له، وهو قيد في الحرمة. (وقوله: مجازاة له) أي بقصد أنه مجازاة: أي في مقابلة الحكم (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يقصد أنه مجازاة له، فلا يحرم قبوله. (قوله: كذا أطلقه) أي ما ذكر من التفصيل بين الحرمة إن قصدت المجازاة وعدمها إن لم تقصد. (قوله: ويتعين حمله) أي ما أطلقه بعض الشراح. (وقوله: على مهد معتاد إلخ) أي فإن لم يكن معتادا حرم القبول مطلقا، سواء قصدت المجازاة أو لا. (قوله: حيث حرم القبول أو الاخذ) عبارة فتح الجواد: والاخذ بالواو وهي أولى، ولو اقتصر على الأول لكان أولى. (قوله: لم يملك) أي القاضي. (وقوله: ما أخذه) أي من المهدي. (قوله: فيرده) أي يرد القاضي ما أخذه. (وقوله: لمالكه) أي المال المأخوذ. (قوله: إن وجد) أي المالك. (قوله: وإلا) أي وإن لم يوجد المالك. (وقوله: فلبيت المال) أي فيرده في بيت المال. (قوله: وكالهدية الهبة) أي في الحرمة بقيودها المارة، من كونه ليس له عادة قبل الولاية، أو له عادة وزادت، مع كون القاضي فيهما في محل ولايته، ووجود خصومة مطلقا، وجدت عادة أم لا، كأن في محل ولايته أم لا. وفي عدم الحرمة إن انتفت قيودها. (قوله: والضيافة) أي كالهدية، هذا يفيد أن الضيافة غير الوليمة، وهو كذلك. إذ الضيافة تختص بالطعام الذي يصنع للنازل عنده، والوليمة مختصة بالطعام الذي ينادى عليه، لكن رأيت في المصباح عرف الوليمة بتعريف شامل للضيافة. وعبارته: الوليمة اسم لكل طعام يتخذ لجمع. اه. وعليه فتكون الضيافة من أفراد

الاوجه وجوز له السبكي في حلبياته قبول الصدقة ممن لا خصومة له ولا عادة وخصه في تفسيره بما إذا لم يعرف المتصدق أنه القاضي، وبحث غيره القطع بحل أخذه الزكاة. قال شيخنا: وينبغي تقييده بما ذكر. وتردد السبكي في الوقف عليه من أهل عمله والذي يتجه فيه، وفي النذر أنه إن عينه باسمه وشرطنا القبول كان كالهدية له. ويصح إبراؤه عن دينه إذ لا يشترط فيه قبول. ويكره للقاضي حضور الوليمة التي خص بها وحده وقال جمع: يحرم أو مع جماعة آخرين ولم يعتد ذلك قبل الولاية بخلاف ما إذا لم يقصد بها خصوصا كما لو اتخذت للجيران أو العلماء وهو منهم أو لعموم الناس. قال في العباب: يجوز لغير القاضي أخذ هدية بسبب النكاح إن ـــــــــــــــــــــــــــــ الوليمة، ويكون بينه وبين قوله الآتي، ويكره حضور الوليمة تدافع. إذ هو هنا أطلق أن الضيافة كالهدية، وفيما سيأتي فصل تفصيلا غير التفصيل المذكور في الهدية. (قوله: وكذا الصدقة) أي ومثل الهدية في التفصيل المذكور بين الحرمة بالقيود المارة وعدمها بانتفائها الصدقة. (قوله: وجوز له السبكي الخ) الفرق بين ما قاله السبكي وبين ما مر، أن السبكي أطلق الجواز فيما إذا لم يكن له عادة، ولم يقيده بما إذا لم يكن في محل ولايته، بخلاف ما مر فإنه مقيد بذلك. (وقوله: ولا عادة) بالأولى ما إذا كان له عادة. (قوله: وخصه) أي خص السبكي جواز القبول ممن لا خصومة له ولا عادة في تفسيره بما إذا لم يعرف المتصدق أن هذا المتصدق عليه هو القاضي: أي ولم يعرف القاضي عين المتصدق، كما يدل لذلك عبارة تفسيره ونصها - كما في الرشيدي - إن لم يكن المتصدق عارفا بأنه القاضي، ولا القاضي عارفا بعينه فلا شك في الجواز. انتهت. وكما صرح به الشارح في باب الوقف (قوله: وبحث غيره) أي غير السبكي. (وقوله: القطع) أي الجزم بحل أخذه: أي القاضي الزكاة. (قوله: وينبغي تقييده) أي الحل. (وقوله: بما ذكر) أي بما إذا لم تكن هناك خصومة ولا عادة ولم يكن المزكي ممن يعرف القاضي: أي ولا القاضي يعرفه. (قوله: وتردد السبكي في الوقف عليه) أي على القاضي. (وقوله: من أهل عمله) الجار والمجرور حال من الوقف: أي حال كونه صادرا من أهل عمله. (قوله: والذي يتجه فيه) أي في الوقف على القاضي. (وقوله: في النذر) أي على القاضي (قوله: أنه) يصح عود الضمير على القاضي، ويصح عوده على الواقف أو الناذر المأخوذين من الوقف والنذر. (وقوله: إن عينه) الضمير المستتر يعود على الواقف أو الناذر، والبارز يعود على القاضي. (وقوله: باسمه متعلق بعينه) أي عينه بإسمه بأن قال: وقفت هذا على فلان القاضي، أو نذرت هذا عليه. وخرج به ما إذا لم يعينه بإسمه بأن قال: وقفت هذا على من يتولى القضاء في هذه البلدة، أو نذرت عليه أو على السادة، وكان القاضي منهم، فإنه يصح لأنه لم يقصده بعينه حال الوقف. (قوله: وشرطنا القبول) أي قلنا إن القبول من الموقوف عليه والمنذر له شرط. قال ع ش: وهو معتمد في الوقف دون النذور. اه. فإن لم نقل إنه شرط فلا يكونان كالهدية. (قوله: كان) أي المذكور من الموقوف والمنذور. (وقوله: كالهدية له) أي للقاضي فيحرم عليه قبوله، وعليه حينئذ يكون الوقف من منقطع الاول، فيكون باطلا. (قوله: ويصح إبراؤه) أي القاضي. (وقوله: عن دينه) أي الدين الذي عليه. (قوله: إذ لا يشترط فيه) أي في الابراء قبول، وهو تعليل لصحة إبراء القاضي من الدين الذي عليه. (قوله: ويكره للقاضي حضور الوليمة) المراد بها ما يشمل وليمة العرس وغيرها، ولا ينافي هذا أن وليمة العرس إجابتها واجبة، لأن محله في غير القاضي، أما هو فلا تجب عليه كما تقدم في بابها. (قوله: التي خص بها) أي بالوليمة وحده. (قوله: وقال جمع يحرم) أي فيما إذا خص بها وحده. قال في شرح الروض: قال الأذرعي، وما ذكر من كراهة حضوره لها فيما إذا اتخذت له، أخذه الرافعي من التهذيب، والذي اقتضاه كلام الجمهور أن ذلك كالهدية، وهو ما أورده الفوراني والامام والغزالي. اه. (قوله: أو مع جماعة آخرين) معطوف على قوله وحده: أي خص بها مع جماعة آخرين غيره. (قوله: ولم يعتد ذلك) أي تخصيصه بها وحده أو مع آخرين قبل الولاية، فإن اعتيد ذلك قبلها فله حضوره، ولا يكره. (قوله: بخلاف ما إذا لم يقصد بها خصوصا) أي ولو يقصد بها أيضا في عموم الاغنياء، كما في فتح الجواد فإنه لا يكره ولا يحرم، بل تسن الإجابة حينئذ. (قوله: كما لو اتخذت) أي الوليمة وهو تمثيل لما إذا لم يقصد بها القاضي خصوصا. (قوله: وهو منهم) الجملة حالية: أي والحال أن القاضي من جملة الجيران أو العلماء.

لم يشترط، وكذا القاضي حيث جاز له الحضور ولم يشترط ولا طلب. اه. وفيه نظر. تنبيه: يجوز لمن لا رزق له في بيت المال ولا في غيره وهو غير متعين للقضاء وكان عمله مما يقابل بأجرة أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة أو رزق على ما قاله جمع وقال آخرون يحرم وهو الاحوط لكن الاول أقرب ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن محل هذا التفصيل إن كانت الوليمة لغير خصم، فإن كانت له حرم عليه الحضور مطلقا، سواء كانت خاصة له أو عامة، كما في الروض وشرحه، وعبارتهما: وليس له حضور وليمة أحد الخصمين حال الخصومة، ولا حضور وليمتهما ولو في غير محل ولايته، لخوف الميل، ويجيب غيرهما استحبابا إن عم المولم النداء لها. ولم يقطعه كثرة الولائم عن الحكم، بخلاف ما إذا قطعته عنه، فيتركها في حق الجميع، وله تخصيص إجابة من اعتاد تخصيصه بها قبل الولاية، ويكره له حضور وليمة اتخذت له خاصة أو للاغنياء ودعي فيهم، بخلاف ما لو اتخذت للجيران أو العلماء. اه. (قوله: ويجوز لغير القاضي أخذ هدية بسبب النكاح) يعني إذا أهدى الزوج لغير القاضي من ولي المرأة المخطوبة، أو وكيلها، أو هي نفسها لاجل تزوجه عليها، جاز قبول الهدية منه، وتقدم للشارح في باب الهبة وباب الصداق أن من دفع لمخطوبته أو وكيلها أو وليها طعاما أو غيره ليتزوجها، فرد قبل العقد رجع على من أقبضه، وعلله ابن حجر بأن قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعث أو دفع إليها لتتم الخطبة، ولم تتم إذ يفهم منه جواز قبولها، وعدم رجوعه بعد العقد. (قوله: إن لم يشترط) أي غير القاضي على الزوج بأنه لا يزوجه بنته مثلا إلا بمال، فإن اشترط ذلك حرم قبوله. قال في التحفة في أواخر باب الهبة. وحيث دلت قرينة أن ما يعطاه إنما هو للحياء حرم الاخذ، ولم يملكه، قال الغزالي إجماعا. وكذا لو امتنع من فعل أو تسليم ما هو عليه إلا بمال، كتزويج بنته. اه. (قوله: وكذا القاضي) أي وكذلك يجوز له ما أهدي إليه بسبب النكاح، بأن كان هو ولي المخطوبة. (قوله: حيث جاز له الحضور) انظره فإن الكلام فيما يدفع إليه على سبيل الهدية، وليس في ذلك حضور وليمة حتى يشترط ذلك. تأمل. (قوله: ولم يشترط) أي القاضي على الزوج أنه لا يزوج مثلا إلا بمال أو نحوه. (وقوله: ولا طلب) أي القاضي منه ذلك، فإن اشترط أو طلب، حرم عليه القبول. إذ لا يقابل ذلك بمال. (قوله: وفيه نظر) أي في قوله بجواز أخذ القاضي الهدية مطلقا نظر. ووجهه أن القاضي لا يجوز له أخذ الهدية إلا إذا اعتيد ذلك، ولم يزد على العادة، ولم تكن خصومة، كما تقدم لا مطلقا، فالنظر بالنسبة للقاضي فقط من جهة إطلاقه فيه جواز الاخذ. (قوله: ويجوز لمن لا رزق) أي لقاض لا رزق له، وهو بفتح الراء اسم للفعل، وبكسرها اسم للاثر، وهو ما سيق إليك. والمراد هنا الثاني. (قوله: ولا في غيره) أي غير بيت المال كمن مياسير المسلمين. (قوله: وهو غير متعين للقضاء) أي والحال أن هذا القاضي الذي لا رزق له فيما ذكر غير متعين للقضاء، بأن وجد من يصلح للقضاء غيره، وما ذكر قيد في جواز أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة. وخرج به ما إذا تعين للقضاء، فيحرم عليه ذلك، وهذا مبني على الضعيف أن الواجب العيني لا يقابل بأجرة، والاصح أنه يقابل بأجرة، فالمتعين كتعليم الفاتحة له أن يمتنع منه إلا بأجرة، وكذلك المتعين للقضاء له أن يمتنع من الحكم إلا بأجرة، لكن إن كان مما يقابل بأجرة كما نبه على ذلك في فتح الجواد، وعبارته: ولمن لا رزق له في بيت المال ولا في غيره وهو غير متعين للقضاء، وكان عمله مما يقابل بأجرة أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة أو رزق، على ما قاله جمع، وهو أقرب للمنقول، لكن في استثناء المتعين والعمل يقابل بأجرة مخالفة لقولهم لا يلزم المتعين تعليم الفاتحة إلا بأجرة، لان الاصح جواز أخذها على الواجب العيني، كما لا يجب بذل طعام للمضطر إلا بالتزام البدل، فلعل ذلك التقييد على مقابل الأصح. اه. (قوله: وكان عمله) أي عمل من لا رزق له مما يقابل بأجرة، فإن كان مما لا يقابل بأجرة، فليس له أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة، ويحرم عليه قبولها ولا يملكها، وتقدم للشارح في باب الاجارة أنه نقل عن شيخه ابن زياد حرمة أخذ القاضي الأجرة على مجرد تلقين الايجاب. إذ لا كلفة في ذلك. (قوله: وقال آخرون يحرم) أي قوله ما ذكر، وإذا حرم ذلك حرم قبولها ولا يملكها لو أعطيت له. (قوله: وهو) أي القول بالحرمة الاحوط. (قوله: لكن الأول) هو القول بالجواز أقرب: أي إلى المنقول.

(ونقض) القاضي وجوبا (حكما) لنفسه أو غيره إن كان ذلك الحكم (بخلاف نص) كتاب أو سنة أو نص مقلده أو قياس جلي وهو ما قطع فيه بإلحاق الفرع للاصل (أو إجماع) ومنه ما خالف شرط الواقف. قال السبكي: ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: قال في المغني: قبول الرشوة حرام، وهو ما يبذل له ليحكم بغير الحق، أو ليمتنع من الحكم بالحق، وذلك لخبر: لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم رواه ابن حبان وغيره وصححوه. لان الحكم الذي يأخذ عليه المال إن كان بغير حق، فأخذ المال في مقابلته حرام. أو بحق فلا يجوز توقيفه على المال إن كان له رزق في بيت المال، وروي: أن القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر واختلف في تأويله فقيل: إذا أخذها مستحلا، وقيل أراد أن ذلك طريق وسبب موصل إليه، كما قال بعض السلف، المعاصي بريد الكفر. اه. (قوله: ونقض القاضي لخ) شروع فيما ينقض حكم الحاكم، وقد ترجم له في الروض بفصل مستقل، وعبارته مع شرحه: فصل: فيما ينقض من قضائه أي القاضي. ولنقدم عليه قواعد فنقول: المعتمد فيما يقضي به القاضي، ويفتي به المفتي الكتاب والسنة والإجماع، وقد يقتصر على الكتاب والسنة، ويقال الاجماع يصدر عن أحدهما، والقياس يرد إلى أحدهما، وليس قول الصحابي إن لم ينتشر في الصحابة حجة، لانه غير معصوم عن الخطأ، فأشبه التابعي، ولان غيره يساويه في أدلة الاجتهاد فلا يكون قوله حجة على غيره، لكن يرجح به أحد القياسين على الآخر. وإذا تقرر أنه ليس بحجة فاختلاف الصحابة في شئ كاختلاف سائر المجتهدين، فلا يكون قول واحد منهم حجة. نعم: إن لم يكن للقياس فيه مجال فهو حجة، كما نص عليه الشافعي في اختلاف الحديث فقال: روي عن علي رضي الله عنه أنه صلى في ليلة ست ركعات، في كل ركعة ست سجدات، وقال: لو ثبت ذلك عن علي لقلت به، فإنه لا مجال للقياس فيه. فالظاهر أنه فعله توقيفا اه. فإن انتشر قول الصحابي في الصحابة ووافقوه، فإجماع خفي في حقه، فلا يجوز له كغيره مخالفة الاجماع، فإن خالفوه فليس بإجماع ولا حجة، فإن سكتوا بأن لم يصرحوا بموافقته ولا بمخالفته، أو لم ينقل سكوت ولا قول، فحجة سواء كان القول مجرد فتوى أم حكما من إمام أو قاض، لانهم لو خالفوه لاعترضوا عليه، هذا إن انقرضوا، وإلا فلا يكون حجة لاحتمال أن يخالفوه لامر يبدو لهم. والقياس جلي وهو ما قطع فيه بنفي تأثير الفارق بين الاصل والفرع، أو بعد تأثيره. وغير جلي وهو ما لا يقطع فيه بذلك، والحق كائن مع أحد المجتهدين في الفروع. قال صاحب الانوار: وفي الاصول والآخر مخطئ مأجور لقصده الصواب. ولخبر الصحيحين: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر اه. بحذف. (قوله: حكما لنفسه أو غيره) أي حكما صدر من نفسه أو صدر من غيره، لكن إذا صدر من غيره ونقضه، سئل عن مستنده. وقولهم لا يسأل القاضي عن مستنده، محله إذا لم يكن حكمه نقضا، ومحله أيضا كما مر إذا لم يكن فاسقا أو جاهلا. (قوله: إن كان إلخ) قيد في النقض: أي محل كون الحكم ينقض إن بان مخالفا للنص. (وقوله: كتاب أو سنة) بدل من قوله نص أو عطف بيان له، وهذا إن كان القاضي مجتهدا. (قوله: أو نص مقلده). أي أو كان بخلاف نص مقلده - بفتح اللام - وهذا إن كان مقلدا، لما تقدم أن نص المقلد بالنسبة للمقلد كنص الشارع بالنسبة للمجتهد المطلق. (قوله: أو قياس جلي) عطف على نص: أي أو كان بخلاف قياس جلي، والمرد به غير الخفي فيشمل المساوي. وخرج به ما إذا كان بخلاف قياس خفي، فلا ينقض الحكم به. وعبارة الروض وشرحه. فإن بان له الخطأ بقياس خفي رجحه: أي رآه أرجح مما حكم به، إعتمده مستقبلا: أي فيما يستقبل من أخوات الحادثة، ولا ينقض به حكما، لان الظنون المتقاربة لا استقرار لها، فلو نقض ببعض لما استمر حكم ولشق الأمر على الناس، وعن عمر رضي الله عنه أنه شرك الشقيق في المشركة بعد حكمه بحرمانه، ولم ينقض الاول وقال: ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي. اه. (قوله: وهو) أي القياس الجلي. (قوله: ما قطع فيه بإلحاق الفرع) أي المقيس للاصل: أي المقيس عليه، وذلك كإلحاق الضرب بالتفيف في قوله تعالى: * (فلا تقل لهما أف) * وكإلحاق ما فوق الذرة بها في قوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * كما تقدم أول الباب. (قوله: أو إجماع) عطف على نص،

_ (1) سورة الاسراء، الاية: 23. (2) سورة الزلزلة، الاية: 7.

وما خالف المذاهب الاربعة كالمخالف للاجماع (أو بمرجوح) من مذهبه فيظهر القاضي بطلان ما خالف ما ذكر وإن لم يرفع إليه بنحو نقضته أو أبطلته. تنبيه: نقل العراقي وابن الصلاح الاجماع على أنه لا يجوز الحكم، بخلاف الراجح في المذهب، وصرح السبكي بذلك في مواضع من فتاويه وأطال وجعل ذلك من الحكم - بخلاف ما أنزل الله - لان الله تعالى أوجب على المجتهدين أن يأخذوا بالراجح وأوجب على غيرهم تقليدهم فيما يجب عليهم العمل به. ونقل الجلال البلقيني عن والده أنه كان يفتي أن الحاكم إذا حكم بغير الصحيح من مذهبه نقض. وقال البرهان بن ظهيرة: وقضيته والحالة هذه أنه لا فرق بين أن يعضده اختيار لبعض المتأخرين أو بحث. تنبيه ثان: إعلم أن المعتمد في المذهب للحكم والفتوى ما اتفق عليه الشيخان، كما جزم به النووي ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أو كان ذلك الحكم بخلاف الاجماع. (قوله: ومنه) أي ومن خلاف الاجماع ما خالف شرط الواقف، فمن حكم بخلافه نقض. (قوله: وما خالف الخ) أي والحكم الذي خالف المذاهب الاربعة فهو كالمخالف للاجماع: أي فينقض. (قوله: أو بمرجوح) عطف على قوله بخلاف نص: أي أو كان ذلك الحكم بقول مرجوح من مذهب إمامه. (قوله: فيظهر إلخ) مرتبط بقوله ونقض، وهو كالتفسير له: أي فالمراد من نقضه إظهار بطلانه، لانه باطل من أصله. وليس المراد به بطلان نفسه، لايهامه أنه كان صحيحا ثم بطل. (وقوله: ما ذكر) أي من النص والقياس والاجماع. (قوله: وإن لم يرفع إليه) غاية في إظهار البطلان والفعل مبني للمجهول، ونائب فاعله يعود على الامر المخالف لما ذكر، وضمير إليه يعود علي القاضي: أي يظهر القاضي البطلان مطلقا سواء رفع الخصمان الامر المخالف لما ذكر إليه أم لا. قال في المغني: وعلى القاضي إعلام الخصمين بصورة الحال. قال الماوردي: ويجب على القاضي أن يسجل بالنقض كما يسجل بالحكم، ليكون التسجيل الثاني مبطلا للاول، كما صار الثاني ناقضا للحكم الاول، فإن لم يكن قد سجل بالحكم لم يلزمه الاسجال بالنقض، وإن كان الاسجال به أولى. اه. (قوله: بنحو نقضته) متعلق بيظهر: أي يظهر البطلان بصيغة تدل عليه كنقضته وأبطلته وفسخته. قال في التحفة: إجماعا في مخالف الاجماع وقياسا في غيره. (قوله: تنبيه) أي في بيان عدم جواز الحكم بخلاف الراجح. (قوله: بالاجماع) مفعول نقل. (قوله: على أنه) ضميره للحال والشأن. والجار والمجرور متعلق بالاجماع. (وقوله: بخلاف الراجح) متعلق بالحكم. (وقوله: في المذهب) متعلق بالراجح: أي لا يجوز للقاضي أن يحكم بخلاف الراجح في مذهبه، وهو المرجوح. (قوله: وصرح السبكي بذلك) أي بعدم الجواز. (قوله: وأطال) أي السبكي الكلام على ذلك. (قوله: وجعل ذلك) أي الحكم بخلاف الراجح في المذهب. (وقوله: من الحكم) بخلاف ما أنزل الله تعالى. قال في التحفة: وبه يعلم أن مراد الاولين بعدم الجواز عدم الاعتداد به فيجب نقضه، وقال فيها أيضا: قال ابن الصلاح وتبعوه، وينفذ حكم من له أهلية الترجيح إذا رجح قولا ولو مرجوحا في مذهبه بدليل جيد، وليس له أن يحكم بشاذ أو غريب في مذهبه، إلا إن ترجح عنده، ولم يشرط عليه إلتزام مذهب باللفظ أو العرف، كقوله على قاعدة من تقدمه. اه. (قوله: لأن الله تعالى إلخ) تعليل لجعل الحكم بخلاف الراجح من الحكم بغير ما أنزل الله تعالى. (قوله: أنه) أي والد الجلال. (وقوله: نقض) أي حكمه. (قوله: وقضيته) أي الافتاء بنقض الحكم. (قوله: والحالة هذه) أي حالة كون الحكم كائنا بغير الصحيح من مذهبه. (وقوله: أنه) أي الحال والشأن. (وقوله: لا فرق) أي في نقض الحكم بغير الصحيح. (وقوله: بين أن يعضده) أي يقويه، وضميره يعود على غير الصحيح، والمقابل محذوف: أي أولا. (قوله: تنبيه ثان) أي في بيان المعتمد في المذهب. (قوله: ما اتفق عليه الشيخان) أي النووي والرافعي، ومحله

فالرافعي فما رجحه الاكثر فالاعلم فالاورع. قال شيخنا: هذا ما أطلق عليه محققو المتأخرين والذي أوصى باعتماده مشايخنا، وقال السمهودي: ما زال مشايخنا يوصوننا بالافتاء بما عليه الشيخان وأن نعرض عن أكثر ما خولفا به. وقال شيخنا ابن زياد: يجب علينا في الغالب ما رجحه الشيخان وإن نقل عن الاكثرين خلافه (ولا يقضي) القاضي أي لا يجوز له القضاء (بخلاف علمه) وإن قامت به بينة كما إذا شهدت برق أو نكاح أو ملك من يعلم حريته أو بينونتها أو عدم ملكه لانه قاطع ببطلان الحكم به حينئذ والحكم بالباطل محرم (ويقضي) أي ـــــــــــــــــــــــــــــ ما لم يتفق المتأخرون على أن ما اتفقا عليه سهو أو غلط. (قوله: فما جزم به النووي) يعني إذا اختلف كلام النووي والرافعي، فالمعتمد ما جزم به النووي. وأعلم أنه إذا اختلفت كتب النووي، فالمتبحر لا يتقيد بشئ منها في الاعتماد عليه، وأما غيره فيعتمد منها المتأخر الذي يكون تتبعه فيه لكلام الاصحاب أكثر، فالمجموع فالتحقيق فالتنقيح فالروضة فالمنهاج، وما اتفق عليه الاكثر من كتبه مقدم على ما اتفق عليه الاقل منها، وما ذكر في بابه مقدم على ما ذكر في غيره غالبا فيهما. قاله ابن حجر وتبعه ابن علان وغيره. (قوله: فالرافعي) أي فما جزم به الرافعي إن لم يجزم النووي بشئ. (قوله: فما رجحه إلخ) أي فإن اختلفا ولم يجزما بشئ، فالمعتمد من كلامهما ما رجحه أكثر الفقهاء، ثم ما رجحه أعلمهم، ثم ما رجحه أورعهم. (قوله: قال شيخنا هذا) أي ما ذكر من كون المعتمد فيما ذكر ما اتفق عليه الشيخان الخ. (وقوله: ما أطبق) أي أجمع واتفق. (قوله: والذي أوصى الخ) أي وهذا هو الذي أوصى به الخ. فاسم الموصول معطوف على ما قبله. وأعلم أنه إذا اختلف كلام المتأخرين عن الشيخين - كشيخ الاسلام وتلامذته - فقد ذهب علماء مصر إلى اعتماد ما قاله الشيخ محمد الرملي، خصوصا في نهايته، لانها قرئت على المؤلف إلى آخرها في أربعمائة من العلماء فنقدوها وصححوها. وذهب علماء حضرموت وأكثر اليمن والحجاز إلى أن المعتمد ما قاله الشيخ أحمد بن حجر في كتبه، بل في تحفته لما فيها من الاحاطة بنصوص الامام مع مزيد تتبع المؤلف فيها، ولقراءة المحققين لها عليه الذين لا يحصون، ثم إذا لم يتعرضا بشئ فيفتي بكلام شيخ الاسلام، ثم بكلام الخطيب، ثم بكلام الزيادي، ثم بكلام ابن قاسم، ثم بكلام عميرة، ثم بكلام ع ش، ثم بكلام الحلبي، ثم بكلام الشوبري، ثم بكلام العناني، ما لم يخالفوا أصول المذهب. كقولهم لو نقلت صخرة من أرض عرفات إلى غيرها يصح الوقوف عليها، وقد تقدم في خطبة الكتاب ما هو أبسط مما هنا، فارجع إليه إن شئت. (قوله: وقال السمهودي الخ) تأييد لما قبله. (قوله: ولا يقضي القاضي) أي أو نائبه. (قوله: أي لا يجوز الخ) تفسير للمراد من نفي القضاء بخلاف العلم. (قوله: بخلاف علمه) أي بالشئ المخالف لعلمه. قال بعضهم: الصواب التعبير بما يعلم خلافه، فإن من يقضي بشهادة من لا يعلم صدقهما ولا كذبهما قاض بخلاف علمه وهو نافذ إتفاقا. اه. ورده في التحفة بقوله: وهو عجيب فإنه فرضه فيمن لا يعلم صدقا ولا كذبا فكيف يصح أن يقال إن هذا قضى بخلاف علمه حتى يرد على المتن؟ فالصواب صحة عبارته. اه. قال في المغني: وقوله ولا يقضي بخلاف علمه يندرج فيه حكمه بخلاف عقيدته. قال البلقيني: وهذا يمكن أن يدعي فيه إتفاق العلماء، لان الحكم إنما يبرم من حاكم بما يعتقده. اه. (قوله: وان قامت به) أي بخلاف علمه بينة، وفي هذه الحالة لا يقضي بعلمه، كما لا يقضي بالبينة، للتعارض بينهما، فيعرض عن القضية بالكلية. (قوله: كما إذا شهدت) أي البينة. (وقوله: برق الخ) الالفاظ الثلاثة تقرأ من غير تنوين لاضافتها إلى لفظ من الواقعة إسما موصولا. (وقوله: يعلم) أي القاضي. (وقوله: حريته) راجع لما إذا شهدت البينة برقه. (وقوله: أو بينونتها) أي أو يعلم بينونتها، وهو راجع لما إذا شهدت بالنكاح، أي ببقائه ولم تبن منه.

القاضي ولو قاضي ضرورة على الاوجه (بعلمه) إن شاء: أي بظنه المؤكد الذي يجوز له الشهادة مستندا إليه وإن استفاد قبل ولايته. نعم لا يقضي به في حدود أو تعزير لله تعالى كحد الزنا أو سرقة أو شرب لندب الستر في أسبابها. أما حدود الآدميين فيقضي فيها به سواء المال والقود وحد القذف. وإذا حكم بعلمه لا بد أن يصرح بمستنده فيقول علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمي. فإن ترك أحد هذين اللفظين لم ينفذ حكمه كما قاله الماوردي وتبعوه. (ولا) يقضي لنفسه ولا (لبعض) من أصله وفرعه ولا لشريكه في المشترك ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله: أو عدم ملكه) أي أو يعلم عدم ملكه لهذا العبد مثلا، وهو راجع لما إذا شهدت بملكه له، فالكلام على التوزيع مع اللف والنشر المرتب. (قوله: لانه قاطع) أي جازم وهو علة لعدم جواز قضائه، بخلاف علمه فيما إذا قامت به بينة. (وقوله: به) أي بما شهدت به البينة. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ كان مخالفا لعلمه. (وقوله: والحكم بالباطل محرم) من تتمة العلة. (قوله: ويقضي أي القاضي الخ) أي يجوز له ذلك. (وقوله: ولو قاضي ضرورة) هكذا في التحفة وقيده في النهاية بما إذا كان مجتهدا. (قوله: بعلمه) متعلق بيقضي. قال في شرح الروض: لانه يقضي بالبينة، وهي إنما تفيده ظنا، فبالعلم أولى، لكنه مكروه كما أشار إليه الشافعي في الأم، فلو رام البينة نفيا للريبة كان أحسن. قاله الغزالي في خلاصته. اه. (قوله: أن شاء) أي القضاء بعلمه. (قوله: أي بظنه المؤكد) تفسير للعلم، والأوجه كما في سم تفسيره بما يشمل العلم والظن. إذ قد يحصل له حقيقة العلم أو الظن لا تفسيره بخصوص الظن لخروج العلم به. (قوله: الذي إلخ) صفة لظنه. (وقوله: يجوز) - بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة -. (وقوله: له) أي للقاضي. (وقوله: له الشهادة) مفعول يجوز. (قوله: مستندا) أي معتمدا، وهو حال من ضمير له. (وقوله: إليه) أي إلى ظنه المؤكد. (قوله: وإن استفاده) أي العلم، وهو غاية للقضاء بعلمه. يعني أنه يقضي بعلمه مطلقا، سواء استفاده قبل الولاية أم بعدها، وسواء أيضا أكان في الواقعة بينة أم لا. (قوله: نعم لا يقضي به) أي بعلمه، إستدراك من جواز قضاء القاضي بعلمه: أي يجوز له ذلك إلا في الحدود والتعازير. (قوله: لندب الستر) أي مع سقوطها بالشبهة. (وقوله: في أسبابها) أي الحدود والتعزير، وتلك الاسباب هي الزنا وشرب الخمر والسرقة. قال في التحفة: نعم من ظهر منه في مجلس حكمه ما يوجب تعزيرا عزره، وإن كان قضاء بالعلم. قال جمع متأخرون: وقد يحكم بعلمه في حد الله تعالى، كما إذا علم من مكلف أنه أسلم ثم أظهر الردة. فيقضي عليه بموجب ذلك. قال البلقيني: وكما إذا اعترف في مجلس الحكم بموجب حد ولم يرجع عنه، فيقضي فيه بعلمه، وإن كان إقراره سرا لخبر: فإن اعترفت فارجمها ولم يقيد بحضرة الناس، وكما إذا ظهر منه في مجلس الحكم على رؤوس الأشهاد، نحو ردة وشرب خمر. اه. (قوله: أما حدود الآدميين) أي الحدود المتعلقة بحقوق الآدميين. (قوله: فيقضي فيها) أي في حدود الآدميين. (وقوله: به) أي بعلمه. (قوله: سواء المال الخ) لا يصلح أن يكون تعميما للحدود. إذ هي عقوبات مقدرة كما مر، والمال ليس منها، ولو قال فيما تقدم أما حقوق الآدميين فيقضي الخ لكان أولى. إذ هي شاملة للمال وللحدود (قوله: وإذا حكم) أي القاضي. (قوله: لا بد أن يصرح بمستنده) أي بما استند إليه، وهو هنا علمه. (قوله: فيقول الخ) تمثيل للحكم بالعلم مع التصريح بمستنده. (قوله: فإن ترك أحد هذين اللفظين) أي التركيبين وهما قوله علمت الخ. وقوله وقضيت أو حكمت إلخ. (وقوله: لم ينفذ حكمه) جواب إن. (قوله: ولا يقضي لنفسه) أي لا يجوز له أن يقضي لنفسه من غيره للتهمة، فلو قضى لم ينفذ، كما لا ينفذ سماعه شهادة لنفسه، وإنما جاز له تعزير من أساء أدبه عليه في حكمه، كحكمت علي بالجور، لئلا يستخف ويستهان فلا يسمع حكمه. وخرج بقوله لنفسه القضاء عليها فيجوز، وهل هو إقرار أو حكم؟ وجهان المعتمد عند ابن حجر الثاني، وعند م ر الاول. قال الخطيب في مغنيه: واستثنى البلقيني صورا تتضمن حكمه فيها لنفسه وتنفذ. الاولى: أن يحكم لمحجوره بالوصية، وإن تضمن حكمه إستيلاءه على المال المحكوم به وتصرفه فيه. الثانية: الاوقاف التي شرط النظر فيها للحاكم، أو صار فيها النظر إليه بطريق العموم، لانقراض ناظرها الخاص له الحكم بصحتها، وإن تضمن الحكم إستيلاءه عليه وتصرفه فيه. الثالثة: للامام الحكم بانتقال ملك إلى بيت المال، وإن كان فيه استيلاؤه عليه

ويقضي لكل منهم غيره من إمام وقاض آخر ولو نائبا عنه دفعا للتهمة (ولو رأى) قاض وكذا شاهد (ورقة فيها حكمه) أو شهادته (لم يعمل به) في إمضاء حكم ولا أداء شهادة (حتى يتذكر) ما حكم أو شهد به لامكان التزوير ومشابهة الخط ولا يكفي تذكره أن هذا خطه فقط. وفيهما وجه إن كان الحكم والشهادة مكتوبين في ورقة مصونة عندهما ووثق بأنه خطه ولم يداخله فيه ريبة أنه يعمل به (وله) أي الشخص (حلف على استحقاق) حق له على ـــــــــــــــــــــــــــــ بجهة الامامة، وللقاضي الحكم به أيضا، وإن كان يصرف إليه في جامكية ونحوها. اه. بتصرف، ومثله في التحفة والنهاية. (قوله: ولا لبعض) أي ولا يقضي لبعض من أصله أو فرعه للتهمة أيضا. (قوله: ولا لشريكه في المشترك) أي ولا يقضي لشريكه في المال المشترك للتهمة أيضا. قال البلقيني: ويستثنى من ذلك ما إذا حكم بشاهد وبيمين الشريك، فإنه يجوز لان المنصوص أنه لا يشاركه في هذه الصورة قال: ولم أر من تعرض لذلك. ولا يقضي أيضا لرقيقه للتهمة ولو مكاتبا، واستثنى البلقيني منه أيضا الحكم بجناية عليه قبل رقه، بأن جنى ملتزم على ذمي، ثم حارب وأرق فإنه يجوز، قال: ويوقف ما ثبت له حينئذ إلى عتقه، فإن مات قنا صار فيئا. وفي المغني ما نصه: قد يوهم إقتصار المصنف على منع الحكم لمن ذكر جوازه على العدو، وهو وجه إختاره الماوردي. والمشهور في المذهب أنه لا يجوز حكمه عليه ويجوز أن يحكم له. اه. (قوله: ويقضي لكل منهم) أي من القاضي نفسه والبعض والشريك. (وقوله: غيره) أي غير القاضي الذي أراد الحكم لنفسه أو لهؤلاء. (وقوله: من إمام إلخ) بيان لذلك الغير. (قوله: قاض آخر) أي غير هذا القاضي الذي أراد القضاء لنفسه أو لهؤلاء. (قوله: ولو نائبا عنه) أي ولو كان القاضي الآخر نائبا عن القاضي المذكور. (قوله: دفعا للتهمة) علة لكونه يقضي له من ذكر. (قوله: ولو رأى قاض إلخ) أي أو شهد شاهدان أنك حكمت أو شهدت بما في هذه الورقة. (قوله: وكذا شاهد) أي وكذلك مثل القاضي الشاهد: أي رأى ورقة فيها شهادته. (قوله: ورقة) مفعول رأى. (وقوله: فيها حكمه) أي في تلك الورقة مكتوب فيها حكمه، وهذا بالنسبة للقاضي. (وقوله: أو شهادته) أي أو فيها شهادته، وهذا بالنسبة للشاهد. (قوله: لم يعمل) أي من ذكر من الحاكم أو الشاهد. (وقوله: به) أي بمضمون ما في الورقة من الحكم أو الشهادة. وفي البجيرمي: وأشعر كلامه بجواز العمل به لغيره وهو كذلك، فلو شهدا عند غيره بأن فلانا حكم بكذا، لزمه تنفيذه، إلا إن قامت بينة بأن الاول أنكر حكمه، وكذبهما زي وكلامه قاصر على ما إذا شهد بالحكم. اه. (قوله: في إمضاء إلخ) فيه أن هذا هو معنى العمل به المنفي، فلو قال بأن يمضيه ويكون تصويرا للعمل لكان أولى وأخصر. وفي التحفة والنهاية إسقاطه وهو أولى. (قوله: حتى يتذكر ما حكم أو شهد به) أي تفصيلا، كما في التحفة، ونصها: حتى يتذكر الواقعة بتفصيلها. اه. وبدليل قوله بعد، ولا يكفي الخ. (قوله: لامكان التزوير) هذا يناسب جعله علة لما زدته، وهو عدم العمل بشهادة شاهدين عليه بما ذكر. (وقوله: ومشابهة الخط) أي ولامكان مشابهة الخط، وهذا يناسب جعله علة لما ذكره، وهو عدم العمل بالورقة المكتوب فيها الحكم أو الشهادة. وقولي أو لا يناسب إلخ، يعلم منه أنه يصح جعله علة أيضا لما ذكره، ويكون المراد بالتزوير، التزوير في الخط. فتنبه. (قوله: ولا يكفي تذكره) أي القاضي أو الشاهد. (وقوله: إن هذا) أي المكتوب خطه. (وقوله: فقط) أي من غير أن يتذكر الواقعة تفصيلا، وهذا مقابل لما زدته أولا بقولي: أي تفصيلا. (قوله: وفيهما وجه) انظر ما مرجع الضمير؟ فإن كان الحكم والشهادة بمضمون ما في الورقة فغير مناسب لما بعده، لانه ينحل المعنى، وفي الحكم والشهادة وجه إن كان الحكم والشهادة الخ، وفي ذلك ركاكة لا تخفى، وإن كان الورقة المكتوب فيها الحكم، والورقة المكتوب فيها الشهادة فلا معنى له أصلا، ثم ظهر الاول، وأنه ارتكب الإظهار في مقام الإضمار في قوله بعد أن كان الحكم والشهادة، فكان عليه أن يقول إن كانا بألف التثنية. تأمل. (قوله: مصونة عندهما) أي محفوظة عند القاضي وعند الشاهد. (قوله: ووثق بأنه) أي ووثق كل من القاضي والشاهدين بأن ما في الورقة خطه. (قوله: ولم يداخله فيه) أي في كونه خطه. (قوله: ريبة) أي شك. (قوله: أنه يعمل) بدل من قوله وجه، أو عطف بيان له. قال في التحفة والنهاية: والاصح عدم الفرق لاحتمال الريبة. اه. (وقوله: به) أي بمضمون ما في الورقة. (قوله: وله الخ) الجار والمجرور خبر مقدم. (وقوله: حلف) مبتدأ مؤخر،

غيره أو أدائه لغيره (إعتمادا) على إخبار عدل و (على خط) نفسه على المتعمد وعلى خط مأذونه ووكيله وشريكه و (مورثه إن وثق بأمانته) بأن علم منه أنه لا يتساهل في شئ من حقوق الناس إعتضادا بالقرينة. تنبيه: والقضاء الحاصل على أصل كاذب ينفذ ظاهرا لا باطنا فلا يحل حراما ولا عكسه. فلو حكم ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مستأنف. (قوله: حلف) يشمل اليمين المردودة واليمين التي معها شاهد. اه. بجيرمي. (قوله: على استحقاق) لو قال كما في المنهج على ما له به تعلق كاستحقاق الخ، لكان أولى. (قوله: أو أدائه لغيره) عطف على استحقاق: أي ولو حلف على أداء الحق الذي عليه لغيره. (قوله: اعتمادا الخ) هو منصوب على الحال على تأويله باسم الفاعل: أي له أن يحلف على ذلك حال كونه معتمدا على ما ذكر. قال في التحفة: ودليل حل الحلف بالظن حلف عمر رضي الله عنه بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ابن صياد هو الدجال، ولم ينكر عليه مع أنه غيره عند الاكثرين، وإنما قال إن يكنه فلن تسلط عليه. اه. (وقوله: على إخبار عدل) متعلق بإعتمادا: أي إخباره باستحقاق الحق أو أدائه. (قوله: وعلى خط نفسه) معطوف على إخبار عدل. (وقوله: على المعتمد) مرتبط بالمعطوف. أي وله الحلف اعتمادا على خط نفسه على المعتمد، وفارق القضاء والشهادة السابقين، حيث لا يجوز فيهما الاعتماد على الخط بأن اليمين تتعلق به، والحكم والشهادة يتعلقان بغيره. (قوله: وعلى خط مأذونه) أي واعتمادا على خط مأذونه: أي رقيقه المأذون له في التجارة مثلا، فإذا وجد سيده ورقة مكتوبا فيها بخطه إن لك عند فلان دينا كذا ثمن كذا، أو إني أديت عنك ما عليك من الدين، جاز له أن يحلف اعتمادا على خطه. (وقوله: ووكيله) معطوف على مأذونه، أي واعتمادا على خط وكيله: أي في بيع ماله، ولو في الذمة، أو قضاء الديون التي عليه، فإذا وجد موكله ورقة مكتوبا فيها بخطه إن لك عند فلان ثمن كذا، أو أني أديت الدين عنك، جاز له أن يحلف اعتمادا على ذلك الخط. (قوله: وشريكه) معطوف على مأذونه أيضا: أي واعتمادا على خط شريكه: أي المأذون له في بيع المال المشترك، ولو في الذمة، وأداء الديون، فإذا وجد شريكه ورقة مكتوبا فيها إن لك عند فلان ثمن كذا، أو أني أديت الدين عنك، جاز له أن يحلف اعتمادا على ذلك الخط. (قوله: ومورثه) معطوف أيضا على مأذونه، أي واعتمادا على خط مورثه، فإذا وجد الوارث ورقة مكتوبا فيها بخط مورثه، أن لي عند فلان كذا، أو أني أديت الدين الذي كان علي، جاز له أن يحلف اعتمادا على الخط المذكور. (قوله: أن وثق) أي الشخص. (وقوله: بأمانته) أي من ذكر من مأذونه، وما بعده باعتبار الشرح، أو مورثه فقط باعتبار المتن. (قوله: بأن علم) أي الحالف وهو تصوير للوثوق بأمانته. (وقوله: أنه) أي من ذكر من مأذونه وما بعده، أو المورث فقط على نسق ما قبله. (وقوله: لا يتساهل في شئ من حقوق الناس) ضابط ذلك أنه لو وجد في التذكرة لفلان على كذا سمحت نفسه بدفعه، ولم يحلف على نفيه. (قوله: إعتضادا بالقرينة) علة للحلف، أي له أن يحلف إعتضادا، أي اعتمادا على القرينة، وهي خط مأذونه وما بعده، وفيه أن هذه العلة هي عين قوله اعتمادا على خط الخ. تتمة: له رواية الحديث اعتمادا على خط كتبه هو أو غيره، محفوظ عنده أو عند غيره، متضمن ذلك الخط أنه قرأ البخاري مثلا على الشيخ الفلاني أو أنه سمعه منه أو أنه أجازه عليه، وإن لم يتذكر قراءة ولا سماعا ولا إجازة، لان باب الرواية أوسع، وعلى ذلك عمل السلف والخلف، ولو رأى خط شيخه بالاذن له في الرواية وعرفه، جاز له الاعتماد عليه أيضا. (قوله: تنبيه) أي في بيان ما إذا خالف الظاهر الباطن: أي حقيقة الامر. (قوله: والقضاء) أي الحكم الذي يستفيده القاضي بالولاية فيما باطن الامر فيه، بخلاف ظاهره. (وقوله: الحاصل على أصل كاذب) أي المرتب على أصل كاذب، مثل شهادة الزور. (قوله: ينفذ طاهرا) أي بحسب ظاهر الشرع. (وقوله: لا باطنا) أي لا ينفذ في الباطن: أي فيما بينه وبين الله، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشئ فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار. وقوله ألحن: قال ع ش: أي أقدر

بشاهدي زور بظاهر العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنا سواء المال والنكاح. أما المرتب على أصل صادق فينفذ القضاء فيه باطنا أيضا قطعا. وجاء في الخبر: أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. وفي شرح المنهاج لشيخنا: ويلزم المرأة المحكوم عليها بنكاح كاذب الهرب بل والقتل وإن قدرت عليه كالصائل على البضع ولا نظر لكونه يعتقد الاباحة، فإن أكرهت فلا إثم (والقضاء على غائب) عن البلد وإن كان في غير عمله ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الرشيدي: أي أبلغ وأعلم، والاول أنسب. (قوله: فلا يحل) أي ذلك الحكم حراما، كأن أثبت بشاهدي زور نكاحه بامرأة. (وقوله: ولا عكسه) أي ولا يحرم حلالا، كأن أدعى عليه بأنه طلق زوجته بذلك، فلا تحرم عليه باطنا، ويحل له وطؤها إن أمكن، لكنه يكره للتهمة، ويبقى التوارث بينهما لا النفقة للحيلولة، ولو نكحها آخر فوطئها جاهلا بالحال فشبهة، وتحرم على الاول حتى تنقضي العدة، أو عالما أو نكحها أحد الشاهدين فكذا في الاشبه عند الشيخين. اه. (قوله: فلو حكم الخ) تفريع على الاول: أعني فلا يحل حراما. (قوله: بظاهر العدالة) بدل من بشاهدي زور. ولو قال كما في شرح الرملي ظاهرهما العدالة لكان أولى. (قوله: لم يحصل إلخ) جواب لو. (قوله: سواء المال والنكاح) تعميم في عدم حصول الحل باطنا فيما حكم به بشاهدي زور. (قوله: أما المرتب) أي أما القضاء المرتب، وهو مقابل قوله والقضاء الحاصل الخ. (وقوله: على أصل صادق) وهو ما لم يكن بشهادة الزور. (قوله: فينفذ القضاء فيه) أي في المرتب على أصل صادق. (وقوله: باطنا أيضا) أي كما ينفذ ظاهرا. (وقوله: قطعا) هذا إن كان في محل إتفاق المجتهدين، مثل وجوب صوم رمضان بشاهدين، وإلا بأن كان في محل اختلافهم فينفذ على الاصح، مثل وجوب صومه بواحد، ومثل شفعة الجوار. (قوله: وجاء في الخبر) أي ورد فيه، وساقه دليلا على قوله ينفذ ظاهرا لا باطنا. (وقوله: أمرت أن أحكم الخ) أي أمرني الله أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. قال في التحفة جزم الحافظ العراقي بأن هذا الخبر لا أصل له، وكذا أنكره المزي وغيره، ولعله من حيث نسبة هذا اللفظ بخصوصه إليه - صلى الله عليه وسلم -، أما معناه فهو صحيح منسوب إليه - صلى الله عليه وسلم - أخذا من قول المصنف في شرح مسلم في خبر: إني أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم. معناه أني أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر كما قال - صلى الله عليه وسلم -. اه. (قوله: ويلزم المرأة إلخ) أي يجب عليها ما ذكر، فلو سلمت نفسها مع القدرة على ما ذكر أثمت به. (قوله: الهرب) أي من المدعى عليها بما ذكر. (وقوله: بل والقتل) أي بل يلزمها أن تقتله ولو بسم. ومحله إن لم يندفع بغيره. (وقوله: إن قدرت عليه) أي على المذكور من الهرب والقتل. (قوله: كالصائل على البضع) أي فإنها يلزمها دفعه ولو بالقتل. (قوله: ولا نظر لكونه) أي الواطئ: أي يلزمها ما ذكر ولا تنظر لكونه يعتقد الاباحة. (قوله: يعتقد الاباحة) أي إباحة الوطئ بالحكم كأن يكون حنيفا. وعبارة المغني. فإن قيل: فلعله ممن يرى الاباحة فكيف يسوغ دفعه وقتله؟ أجيب: بأن المسوغ للدفع والموجب له إنتهاج الفرج المحرم بغير طريق شرعي، وإن كان الطالب لا إثم عليه، كما لو صال صبي أو مجنون على بضع امرأة، فإنه يجوز لها دفعه بل يجب. اه. (قوله: فإن أكرهت) أي على الوطئ، بأن لم تقدر على الهرب ولا على قتله فلا إثم عليها بوطئه إياها. قال في التحفة: ولا يخالف هذا قولهم الاكراه لا يبيح الزنا لشبهة، سبق الحكم على أن بعضهم قيد عدم الاثم بما إذا ربطت، حتى لم يبق لها حركة، لكن فيه نظر: إذ لو كان هذا مرادا لم يفرقوا بين ما هنا والاكراه على الزنا، لان محل حرمته حيث لم تربط كذلك. اه. (قوله: والقضاء على غائب) شروع في بيان جواز القضاء لحاضر على غائب. والأصل فيه قوله - صلى الله عليه وسلم - لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وهو قضاء منه على زوجها وهو غائب، ولو كان فتوى لقال لها لك أن تأخذي، أو لا بأس عليك، أو نحوه ولم يقل خذي. وقول عمر رضي الله عنه في خطبته: من كان له على الاسيفع - بالفاء المكسورة - دين فليأتنا غدا، فإنا بايعوا ماله وقاسموه بين غرمائه - وكان غائبا. (قوله: عن البلد) أي فوق مسافة العدوى. اه. بجيرمي. (قوله: وإن كان) أي ذلك الغائب المدعى عليه. (وقوله: في غير عمله) أي في غير محل ولاية القاضي.

أو عن المجلس بتوار أو تعزز (جائز) في غير عقوبة الله تعالى (إن كان لمدع حجة ولم يقل هو) أي الغائب (مقر) بالحق بل ادعى جحوده وأنه يلزمه تسليمه له الآن وأنه مطالبه بذلك فإن قال هو مقر وأنا أقيم الحجة استظهارا مخافة أن ينكر أو ليكتب بها القاضي إلى قاضي بلد الغائب لم تسمع حجته لتصريحه بالمنافي لسماعها، إذ لا فائدة فيها مع الاقرار نعم لو كان للغائب مال حضر وأقام البينة على دينه لا ليكتب القاضي به إلى حاكم بلد الغائب، بل ليوفيه منه فتسمع وإن قال هو مقر وتسمع أيضا إن أطلق (ووجب) إن كانت الدعوى بدين ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: أو عن المجلس) أي أو غائب عن مجلس الحكم. (وقوله: بتوار) متعلق بغائب المقدر: أي أو غائب عن المجلس بتوار: أي اختفاء خوفا. (وقوله: أو تعزز) أي امتناع من الحضور لا خوفا بل تغلبا. (قوله: جائز) أي لما تقدم، ولاتفاقهم على سماع البينة عليه، فالحكم مثلها، ولان الغيبة ليست بأعظم من الصغر، والموت في العجز عن الدفع عن الغائب، فإذا جاز الحكم على الصغير والميت، فليجز على الغائب أيضا. (قوله: في غير عقوبة الله تعالى) أي في كل شئ سوى عقوبة الله تعالى، أما هي فلا يقضى عليه بها لبنائها على المساهلة. (قوله: إن كان لمدع حجة) قيد في جواز القضاء على الغائب: أي يجوز القضاء عليه بشرط أن يكون لمدع حجة: أي وقد علمها الحاكم وقت الدعوى، على ما دل عليه كلامهم، وإن اعترضه البلقيني، وجوز سماعها إذا حدث بعدها علم البينة أو تحملها، كذا في التحفة. والمراد بالحجة هنا ما يشمل الشاهد واليمين فيما يقضي فيه بهما، وعلم الحاكم، وظاهر كلامه أنه إذا لم تكن حجة سمعت دعواه، ولكن لا يحكم القاضي بها على غائب، وليس كذلك فلا تسمع له دعوى أصلا حينئذ، فكان الأولى للشارح أن يدخل على المتن بقوله: وإنما تسمع دعواه، ويقضي بها على الغائب أن كان لمدع حجة. (قوله: ولم يقل هو الخ) سيأتي محترزه. (قوله: بل ادعى) أي طالب الحق على المدعى عليه الغائب. (وقوله: جحوده) أي للحق المدعى به. وفي المغني ما نصه: تنبيه: يقوم مقام الجحود ما في معناه، كما لو اشترى عينا. وخرجت مستحقة فادعى الثمن على البائع الغائب، فلا خلاف أنها تسمع وإن لم يذكر الجحود، وإقدامه على البيع كاف في الدلالة على جحوده. قاله الامام والغزالي. اه. (قوله: وأنه يلزمه الخ) أي وادعى أن الغائب على المدعى عليه يلزمه تسليمه المدعى به الآن، وأنه مطالبه به، فلو لم يذكر في الدعوى ما ذكر، بأن قال لي عليه كذا فقط، فلا تسمع دعواه، إذ من شروطها أن يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال. ويشترط أيضا لها بيان المدعى به وقدره ونوعه ووصفه كما سيأتي. (قوله: فإن قال) أي المدعي هو: أي الغالب مقر، وهذا محترز قوله ولم يقل هو مقر. (قوله: وأنا أقيم الحجة الخ) أي فيكون قد ثبت الحق عليه بالحجة. قال في التحفة: ولا أثر لقوله مخافة أن ينكر خلافا للبلقيني: أي حيث قال إن مخافة إنكاره مبتوعة لسماع الدعوى. (وقوله: استظهارا) أي طلبا لظهور الحق. (قوله: أو ليكتب) معطوف على استظهارا، أي أن إقامة الحجة إما لاجل استظهار الحق، أو لأجل أن يكتب الخ. ويصح عطفه على مخافة: أي لاجل المخافة، أو لأجل أن يكتب الخ. (وقوله: بها) أي بالحجة: أي بثبوت الحق بها. (قوله: لم تسمع حجته) جواب إن، قال في التحفة إلا أن يقول وهو ممتنع فإنها تسمع. وقال في النهاية: لا تسمع ولو قال قال. اه. (قوله: لتصريحه) أي المدعي. (وقوله: بالمنافي لسماعها) أي وهو الاقرار، وذلك لأنها لا تقام على مقر. (قوله: إذ لا فائدة فيها) أي الحجة، وهو علة المنافاة. (قوله: نعم إلخ) استدراك على عدم سماع الدعوى من المقر. (قوله: لا ليكتب القاضي به) أي بثبوت الدين بالبينة. (قوله: بل ليوفيه منه) أي أقام البينة ليوفي القاضي دينه من ماله الحاضر. (قوله: فتسمع) أي البينة وهو جواب لو. (قوله: وإن قال هو مقر) الاولى حذفه إذ الاستدراك مرتب على قوله هو مقر. (قوله: وتسمع أيضا) أي كما تسمع إذا ادعى جحوده. (وقوله: إن أطلق) أي لم يدع جحودا ولا إقرارا، وإنما سمعت في هذه الحالة لأنه قد لا يعلم جحوده في غيبته، ويحتاج إلى إثبات الحق، فيجعل غيبته كسكوته. (قوله: ووجب إن كانت الخ) أي ولم يكن للغائب وكيل حاضر. (وقوله: بدين) أي له على

أو عين أو بصحة عقد أو إبراء كأن أحال الغائب على مدين له حاضر فادعى إبراءه (تحليفه) أي المدعي يمين الاستظهار إن لم يكن الغائب متواريا ولا متعززا (بعد) إقامة (بنية أن الحق) في الصورة الاولى ثابت (في ذمته) إلى الآن احتياطا للمحكوم عليه لانه لو حضر لربما ادعى بما يبرئه. ويشترط مع ذلك أن يقول أنه يلزمه تسليمه إلي وأنه لا يعلم في شهوده قادحا كفسق وعداوة. قال شيخنا في شرح المنهاج، وظاهر كما قال البلقيني أن هذا لا يأتي في الدعوى بعين بل يحلف فيها على ما يليق بها وكذا نحو الابراء، أما لو كان الغائب متواريا أو متعززا فيقضي عليهما بلا يمين لتقصيرهما قال بعضهم: لو كان للغائب وكيل حاضر لم يكن قضاء على غائب ولم يجب ـــــــــــــــــــــــــــــ الغائب. (وقوله: أو عين) أي أودعها عنده، أو أعاره إياها، أو نحو ذلك. (وقوله: أو بصحة عقد) معطوف على بدين، أي أو كانت الدعوى عليه بصحة عقد، كأن ادعى على الغائب أنه اشترى هذا العبد منه بشراء صحيح، وأنكر هو ذلك. (وقوله: أو إبراء) أي أو كانت الدعوى عليه بإبراء، أي بأن الغائب أبرأ الحاضر من الدين الذي له عليه وأنكره. (قوله: كأن أحال الخ) تمثيل للابراء، ولا يتصور بغير ما ذكر، لأن الدعوى على الغائب بإسقاط حق لا تسمع، وعبارة المغني: ولا تسمع الدعوى والبينة على الغائب بإسقاط حق له، لان الدعوى بذلك والبينة لا تسمع إلا بعد المطالبة بالحق. قال ابن الصلاح وطريقه في ذلك أن يدعي على إنسان أن رب الدين أحاله به، فيعترف المدعى عليه بالدين لربه وبالحوالة، ويدعي أنه أبرأه منه أو أقبضه، فتسمع الدعوى بذلك والبينة. اه. (قوله: فادعى) أي المدين الحاضر. (وقوله: أبرأه) أي أبرأه الغائب إياه، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله مع حذف المفعول. ويحتمل أن تكون من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل. (قوله: تحليفه) فاعل وجب. (وقوله: أي المدعي) تفسير للضمير، وأفاد به أن الإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل: أي تحليف الحاكم إياه، وهو غير متعين، بل يصح أن تكون من إضافة المصدر لفاعله وحذف المفعول. (قوله: يمين الاستظهار) هي التي لم يثبت بها حق، وإنما وجبت احتياطا. قال في التحفة: ولا يبطل الحق بتأخير هذه اليمين ولا ترتد بالرد، لانها ليست مكملة للحجة، وإنما هي شرط للحكم. اه. (قوله: وان لم يكن الغائب متواريا ولا متعززا) قيد به في شرح المنهج أيضا، ونقل البجيرمي عن ز ي أن المعتمد أنه يجب تحليفه، وإن كان متواريا أو متعززا. (قوله: بعد إقامة الخ) متعلق بتحليفه: أي تحليفه بعد إقامة البينة: أي وبعد تعديلها. (قوله: أن الحق) أي على أن الحق، وهو متعلق بكل من بينة ومن تحليفه. (قوله: في الصورة الأولى) هي ما إذا كانت الدعوى بدين. (وقوله: ثابت في ذمته) أي الغائب. (وقوله: إلى الآن) أي إلى وقت الدعوى عليه. (قوله: احتياطا الخ) علة لوجوب التحليف: أي وجب تحليفه بذلك احتياطا للغائب المحكوم عليه. (قوله: لأنه الخ) علة للعلة. (وقوله: لربما ادعى) أي الغائب بشئ يبرئه كأداء وإبراء. (قوله: ويشترط مع ذلك) أي مع قوله في الحلف أن الحق ثابت في ذمته. (وقوله: أن يقول أنه الخ) أي لأنه قد يكون عليه ولا يلزمه أداؤه لتأجيل أو نحوه. (قوله: وأنه لا يعلم الخ) أي ويلزمه أيضا أن يقول أنه إلخ. قال في التحفة: بناء على الأصح أن المدعى عليه لو كان حاضرا وطلب تحليف المدعي على ذلك أجيب. اه. (وقوله: قادحا) أي في الشهادة مطلقا، أو بالنسبة للغائب. (وقوله: كفسق وعداوة) تمثيل للقادح في الشهادة. (قوله: قال شيخنا في شرح المنهاج وظاهر إلخ) فيه أن هذا لا يظهر بعد تقييده فيما سبق بقوله في الصورة الأولى، إذ يعلم منه أنه في غيرها لا يحلف بما ذكر. (وقوله: إن هذا) أي ما في المتن فقط، وهو أن الحق ثابت في ذمته، وأما ما زاده عليه وهو أنه يلزمه الخ، فيأتي في جميع الصور. (وقوله: في الدعوى بعين) أي ادعى أنه جعلها وديعة عنده، أو استعارها منه، أو نحو ذلك كما تقدم. (قوله: على ما يليق بها) أي كأن يقول ادعى عليه بالثوب مثلا وهو باق تحت يده، ويلزمه تسليمه إلي، والعين باقية. (قوله: وكذا نحو الابراء) أي وكذلك لا يأتي ما ذكر في الدعوى بنحو إبراء كعتق وطلاق وبيع، بل يحلف فيه على ما يليق به، كان يقول في الابراء أنه أبرأني، وأنه لا يستحق في ذمتي شيئا، وكأن يقول في العتق إن سيده أعتقه، وفي الطلاق أن زوجها طلقها، وفي البيع أنه باعني إياه بيعا صحيحا. (قوله: أما لو كان الغائب إلخ) مفهوم قوله إن لم يكن الغائب الخ. (قوله: فيقضي) أي القاضي. (وقوله:

يمين (كما لو ادعى) شخص (على) نحو (صبي) لا ولي له (وميت) ليس له وارث خاص حاضر فإنه يحلف لما مر. أما لو كان لنحو الصبي ولي خاص أو للميت وارث خاص حاضر كامل إعتبر في وجوب التحليف طلبه، فإن سكت عن طلبها لجهل عرفه الحاكم ثم إن لم يطلبها قضى عليه بدونها. فرع: لو ادعى وكيل الغائب على غائب أو نحو صبي أو ميت فلا تحليف بل يحكم بالبينة لان الوكيل لا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليهما) أي على المتواري والمتعزز. (وقوله: لتقصيرهما) أي بسبب التواري والتعزز. (قوله: قال بعضهم إلخ) عبارة التحفة: أما إذا كان له وكيل حاضر، فهل يتوقف التحليف إلى طلبه؟ وجهان، وقضية كلامهما توقفه عليه، واعتمده ابن الرفعة واستشكله في التوشيح بأنه إذا كان له وكيل حاضر لم يكن قضاء على غائب ولم تجب يمين جزما، وفيه نظر، لأن العبرة في الخصومات في نحو اليمين بالموكل لا الوكيل، فهو قضاء على غائب بالنسبة لليمين، ويؤيد ذلك قول البلقيني للقاضي سماع الدعوى على غائب وإن حضر وكيله، لوجود الغيبة المسوغة للحكم عليه، والقضاء إنما يقع عليه، أي في الحقيقة، أو بالنسبة لليمين. فالحاصل أن الدعوى إن سمعت على الوكيل توجه الحكم إليه دون موكله لا بالنسبة لليمين، احتياطا لحق الموكل، وإن لم تسمع عليه توجه الحكم إلى الغائب من كل وجه في اليمين وغيرها. اه. (قوله: كما لو ادعى شخص على نحو صبي) أي كمجنون، والكاف للتنظير في وجوب الحلف على المدعي. وفي المغني ما نصه: لا تنافي بين ما ذكر هنا وما ذكر في كتاب الدعوى والقسامة، من أن شرط المدعى عليه أن يكون مكلفا ملتزما للاحكام، فلا تصح الدعوى على صبي ومجنون، لأن محل ذلك عند حضور وليهما، فتكون الدعوى على الولي، أما عند غيبته فالدعوى عليهما كالدعوى على الغائب، فلا تسمع إلا أن تكون هناك بينة ويحتاج معها إلى اليمين. اه. (وقوله: لا ولي له) قال في التحفة أو له ولي ولم يطلب، فلا تتوقف اليمين على طلبه. اه. ومثله في النهاية. (قوله: وميت) معطوف على صبي، أي وكما لو ادعى على ميت. (قوله: ليس له وارث خاص حاضر) أي بأن كان له وارث غير خاص، أو له وارث خاص، لكنه غير حاضر في البلد. (قوله: فإنه) أي المدعي على نحو الصبي والميت. (وقوله: يحلف) أي بعد إقامة البينة بما ادعاه وتعديلها، وإلا فلا تسمع دعواه. (قوله: لما مر) أي احتياطا للمحكوم عليه الصبي أو الميت. (قوله: أما لو كان لنحو الصبي ولي خاص إلخ) هذا خلاف ما جرى عليه شيخه من أن وجوب الحلف لا يتوقف على طلب الولي إذا وجد بالنسبة للدعوى على الصبي والمجنون، كما يعلم من عبارته المارة، ويتوقف على طلب الوارث الخاص إذا وجد بالنسبة للميت، وقال: الفرق بينه وبين الولي واضح. وجرى أيضا على ذلك في النهاية، وكتب ع ش على قول النهاية، والفرق واحض ما نصه: وهو - أي الفرق - أن الحق في هذه يتعلق بالتركة التي هي للوارث، فتركه لطلب اليمين إسقاط لحقه، بخلاف الولي فإنه إنما يتصرف على الصبي بالمصلحة. اه. والمؤلف تبع شيخ الاسلام فيما ذكر كما يعلم من عبارة شرح المنهج والاسنى، ونص الثاني: فإن كان للميت وارث خاص، اعتبر في الحلف طلب الوارث، لأن الحق له في التركة، ومثله ما لو كان للصبي نائب خاص. إلخ. اه. (قوله: اعتبر في وجوب التحليف) أي على المدعي. (وقوله: طلبه) أي طلب من ذكر من الولي والوارث التحليف من المدعي، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله، وحذف مفعوله، ويحتمل أن تكون من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل. (قوله: فإن سكت) أي من ذكر من الوارث الخاص والولي. (وقوله: عن طلبها) أي اليمين المعلومة من السياق. (وقوله: لجهل) أي بأنه يعتبر في وجوب اليمين طلبها. (وقوله: عرفه الحاكم) أي بين له آن لك أن تحلفه (وقوله: ثم إن إلخ) أي ثم بعد التعريف إن لم يطلب منه اليمين، حكم عليه الحاكم بدون يمين. (قوله: لو ادعى وكيل الغائب) أي إلى مسافة يجوز القضاء فيها على الغائب، بأن كان فوق مسافة العدوى، أو في غير ولاية الحاكم وإن قربت. أفاده في التحفة. (وقوله: على غائب) أي إلى ما ذكر أيضا. (قوله: أو نحو صبي) بالجر معطوف على غائب: أي أو ادعى وكيل الغائب على نحو صبي كمجنون. (قوله: أو ميت) أي أو ادعى على ميت: أي وإن لم يرثه إلا بيت المال. اه. تحفة. (قوله: فلا تحليف) أي واجب على الوكيل. (قوله: بل يحكم) أي الحاكم. (وقوله: بالبينة) أي التي أقامها الوكيل المدعي، ويعطى حينئذ المال المدعى به

يتصور حلفه على استحقاقه ولا على أن موكله يستحقه ولو وقف الامر إلى حضور الموكل لتعذر استيفاء الحقوق بالوكلاء. ولو حضر الغائب وقال للوكيل أبرأني موكلك أو وفيته فأخر الطلب إلى حضوره ليحلف لي أنه ما أبرأني لم يجب. وأمر بالتسليم له ثم يثبت الابراء بعد إن كان له به حجة لانه لو وقف لتعذر الاستيفاء بالوكلاء. نعم. له تحليف الوكيل إذا ادعى عليه علمه بنحو الابراء أنه لا يعلم أن موكله أبرأه مثلا لصحة هذه الدعوى عليه (وإذا ثبت) عند حاكم (مال على الغائب) أو الميت وحكم به (وله مال) حاضر في عمله أو دين ثابت على حاضر ـــــــــــــــــــــــــــــ إن كان للمدعى عليه هناك مال. (قوله: لان الوكيل إلخ) تعليل لعدم تحليف الوكيل. (وقوله: لا يتصور حلفه على استحقاقه) أي لا يمكن أن يحلف الوكيل على استحقاقه للحق الذي ادعى به، لأنه ليس له وإنما هو للموكل. (قوله: ولا على أن موكله يستحقه) أي ولا يتصور أن يحلف على أن موكله يستحقه: إذ يحتمل أن موكله أبرأه، ولو حلف فلا يستحق الموكل شيئا، إذ لا يثبت للشخص الحق بيمين غيره. (قوله: ولو وقف الامر إلخ) من تتمة التعليل: أي ولانه لو وقف الامر إلخ. (وقوله: إلى حضور الموكل) أي من المحل الذي هو فيه وكان بعيدا أو قريبا، وكان في غير ولاية الحاكم، وإلا بأن كان في محل قريب وهو بولاية القاضي، فلا بد من حضوره وتحليفه يمين الاستظهار، إذ لا مشقة عليه في الحضور حينئذ، بخلاف ما لو بعد، أو كان بغير ولاية الحاكم كذا في التحفة. ومثل حضور الموكل في عدم وقوف الامر إليه بلوغ الصبي، وإفاقة المجنون، وقيام نائب عن الميت، فلا يوقف الامر إلى ذلك. (قوله: ولو حضر الغائب) أي المدعى عليه (وقوله: وقال) أي بعد الدعوى عليه من وكيل الغائب بدين له عليه. (وقوله: أبرأني موكلك) مقول القول. (وقوله: أو وفيته) أي أو قال وفيته. (وقوله: فأخر) فعل أمر، والمخالف الوكيل (وقوله: إلى حضوره) أي الموكل. (وقوله: ليحلف) أي لأجل أن يحلف لي بأنه ما أبرأني: أي ما وفيته. (قوله: لم يجب) جواب لو: أي لم يجب ذلك الغائب الذي حضر إلى ما طلبه من التأخير. (قوله: وأمر بالتسليم له) أي أمر القاضي ذلك الغائب الذي حضر بتسليم الحق للوكيل. (قوله: ثم يثبت الابراء) أي ثم بعد تسليم الحق يمكن من إثبات الابراء، أو التوفية ويأخذ حقه. (وقوله: بعد) مبني على الضم: أي بعد حضور الموكل. (وقوله: أن كان إلخ) قيد في الاثبات. (وقوله: له) أي للغائب الذي قد حضر. (وقوله: به) أي بالابراء، وكذا التوفية. (وقوله: حجة) أي بينة. (قوله: لانه لو وقف الخ) علة لعدم إجابته. (قوله: نعم له) أي للغائب الذي قد حضر وادعى عليه بالدين، وهو استدراك على كونه لم يجب فيما يطلبه. (وقوله: إذا ادعى عليه) أي الوكيل. (وقوله: علمه) أي الوكيل وهو مفعول ادعى. (وقوله: بنحو الابراء) متعلق بعلمه، ونحو الابراء التوفية. (وقوله: أنه لا يعلم الخ) المصدر المؤول منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بتحليف، أي له تحليفه بعدم علمه بأن الموكل أبرأه. (وقوله: مثلا) أي أو وفاه الدين. (قوله: لصحة هذه الدعوى) علة لكونه له تحليف الوكيل بما ذكر، أي وإنما كان له ذلك لصحة هذه الدعوى، وهي علمه بنحو إبراء، لانه لو أقر بمضمونها بطلت وكالته. قال في المغني. فإن قيل: هذا يخالف ما سبق من أن الوكيل لا يحلف. وأجيب: بأنه لا يلزم من تحليفه هنا تحليفه ثم لان تحليفه هنا إنما جاء من جهة دعوى صحيحة يقتضي اعترافه بمضمونها سقوط مطالبته، لخروجه باعترافه بها من الوكالة في الخصومة - بخلاف يمين الاستظهار - فإن حاصله أن المال ثابت في ذمة الغائب أو الميت، وثبوته في ذمة من ذكر لا يتأتى من الوكيل. اه. تنبيه: قال في التحفة: يكفي في دعوى الوكيل مصادقة الخصم له على الوكالة إن كان القصد إثبات الحق لا تسلمه، لانه وإن ثبت عليه لا يلزمه الدفع إلا على وجه مبرر، ولا يبرأ إلا بعد ثبوت الوكالة. اه. (قوله: وإذا ثبت عند حاكم مال) أي بأن أقام المدعي الحجة عليه وحلف يمين الاستظهار كما تقدم. (قوله:

في عمله (قضاه) الحاكم (منه إذا طلبه المدعي) لان الحاكم يقوم مقامه ولو باع قاض مال غائب في دينه فقدم وأبطل الدين بإثبات إيفائه أو بنحو فسق شاهد إسترد من الخصم ما أخذه وبطل البيع للدين على الاوجه خلافا للروياني (وإلا) يكن له مال في عمله ولم يحكم (فإن سأل المدعي إنهاء الحال إلى قاضي بلد الغائب أجابه) وجوبا وإن كان المكتوب إليه قاضي ضرورة مسارعة بقضاء حقه (فينهي إليه سماع بينته) ثم إن عدلها لم يحتج المكتوب إليه إلى تعديلها وإلا احتاج إليه ليحكم بها ثم يستوفي الحق وخرج بها علمه فلا يكتب به لانه شاهد ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكم به) أي بثبوت المال عنده على ذلك الغائب، وهو قيد خرج به ما إذا ثبت عنده ولكنه لم يحكم به، فلا يقضيه منه. (قوله: وله) أي للغائب أو الميت. (وقوله: مال حاضر في عمله) أي في محل عمل القاضي وولايته. (قوله: أو دين الخ) معطوف على له مال حاضر: أي أو كان له دين ثابت على حاضر في محل عمله. قال في النهاية: ولا يعارضه قولهم لا تسمع الدعوى بالدين على غريم الغريم، إذ هو محمول على ما إذا كان الغريم حاضرا أو غائبا ولم يكن دينه ثابتا على غريم الغريم، فليس له الدعوى لاثباته. اه. ومثله في التحفة. (قوله: قضاه) أي الدين. (وقوله: منه) أي من المال الحاضر أو الدين. (قوله: إذا طلبه المدعي) أي إذا طلب المدعى قضاء حقه من الحاكم. وخرج به ما إذا لم يطلبه، فلا يقضيه الحاكم منه. (قوله: لان الحاكم يقوم مقامه) أي الغائب، وهو تعليل لكون الحاكم يقضيه من مال الغائب الحاضر. وعبارة المغني: لانه حق وجب عليه تعذر وفاؤه من جهة من هو عليه، فقام الحاكم مقامه، كما لو كان حاضرا فامتنع. اه. (قوله: ولو باع قاض) أي أو نائبه (قوله: في دينه) أي في قضاء الدين الذي عليه. (قوله: فقدم) أي وصل ذلك الغائب إلى بلد البيع. (قوله: وأبطل الدين) أي أبطل إثباته في ذمته. (وقوله: بإثبات إيفائه) أي أدائه لدائنه، والجار والمجرور متعلق بأبطل. (قوله: أو بنحو فسق شاهد) أي أو أبطله بدعواه فسق الشاهد، ونحوه من كل ما يبطل الشهادة. (قوله: استرد) أي القاضي. (وقوله: ما أخذه) أي الخصم من القاضي. (قوله: وبطل البيع) أي بيع القاضي مال الغائب (وقوله: للدين) أي لاجله، والجار والمجرور متعلق بالبيع. (قوله: خلافا للروياني) أي القائل بعدم بطلان البيع، وعدم استرداد ما أخذه الخصم (قوله: وإلا يكن الخ) الأولى أن يقول وإلا بأن لم يكن له مال. (وقوله: في عمله) أي محل عمل القاضي. (قوله: ولم يحكم) الواو بمعنى أو، ولو في عبر بها كما في التحفة لكان أولى، وهو مفهوم قوله وحكم به. (قوله: فإن إلخ) جواب أن المدغمة في لا النافية. (وقوله: سأل المدعي) أي طلب من قاضي بلد الحاضر. (قوله: إنهاء الحال) أي تبليغ الامر الواقع عند قاضي بلد الحاضر من سماع بينة أو حكم. (قوله: إلى قاضي) متعلق بإنهاء. (قوله: أجابه) أي أجاب القاضي المدعي لما سأله إياه. (قوله: وإن كان المكتوب إليه) الأولى وإن كان المنهي إليه سواء كتب إليه أم لا: إذ الكتابة غير شرط، وهذا يجري في جمع ما يأتي (قوله: مسارعة إلخ) تعليل لوجوب الاجابة. (وقوله: بقضاء حقه) أي حق المدعي من ذلك الغائب. (قوله: فينهي) أي قاضي بلد الحاضر. وهو تفريع على قوله أجابه. (وقوله: إليه) أي قاضي بلد الغائب. (قوله: سماع بينته) أي أنه سمع بينته المدعي. (قوله: ثم إن عدلها) أي عدل قاضي بلد الحاضر البينة: أي أثبت عدالتها. (وقوله: لم يحتج المكتوب إليه) أي القاضي المكتوب إليه. (وقوله: إلى تعديلها) أي إثبات عدالتها عنده. (قوله: وإلا احتاج إليه) أي وإن لم يعدلها قاضي بلد الحاضر، احتاج القاضي المنهي إليه إلى تعديلها (قوله: ليحكم) أي قاضي بلد الغائب، والجار والمجرو متعلق بينهي. (وقوله: بها) أي بالبينة التي سمعها قاضي بلد الحاضر. (قوله: ثم يستوفي) أي قاضي بلد الغائب المنهي إليه من المدعى عليه الكائن في بلدته الحق. (قوله: وخرج بها) أي بالبينة. (وقوله: علمه) أي القاضي بما ادعى به المدعي. (قوله: فلا يكتب به) أي بعلمه ليحكم به المكتوب إليه. (قوله: لأنه) أي القاضي إذا كتب بعلمه، يكون شاهدا لا قاضيا، وعبارة شرح الروض: لانه ما لم يحكم به هو كالشاهد، والشهادة لا تتأدى بالكتابة. اه. وكتب السيد عمر البصري على قول التحفة وخرج بها علمه ما نصه: قد يقال إن حكم بعلمه فظاهر إنهاء الحكم المستند إلى العلم، وإلا فهو شاهد حينئذ. ولعل ما في العدة محمول على الثاني، وكلام السرخسي على الاول. وأما قول البلقيني لان علمه الخ. فإطلاقه محل تأمل، لانه إنما يكون كالبينة

الآن لا قاض. ذكره في العدة وخالفه السرخسي واعتمده البلقيني لان علمه كقيام البينة وله على الاوجه أن يكتب سماع شاهد واحد ليسمع المكتوب إليه شاهدا آخر أو يحلفه ويحكم له (أو) ينهي إليه (حكما) إن حكم (ليستوفي) الحق لان الحاجة تدعو إلى ذلك (والانهاء أن يشهد) ذكرين (عدلين بذلك) أي بما جرى عنده من ثبوت أو حكم ولا يكفي غير رجلين ولو في مال أو هلال رمضان. ويستحب كتاب به يذكر فيه ما يتميز به ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنسبة إليه، لا بالنسبة لقاض. ألا ترى أنه لو كان القاضي الآخر حاضرا فقال له قاض: أنا أعلم هذا الامر يجوز له الحكم بمجرد قوله؟ فليتأمل. اه. (قوله: ذكره) أي ما ذكر من عدم كتابة علمه إلى قاضي بلد الغائب. (وقوله: في العدة) بضم العين، اسم كتاب للقاضي شريح. (قوله: وخالفه السرخسي) أي خالف صاحب العدة السرخسي، فأحاز الكتابة بالعلم. وعبارة شرح الروض. وفي أمالي السرخسي جوازه، ويقضي به المكتوب إليه إذا جوزنا القضاء بالعلم، لان إخباره عن علمه كإخباره عن قيام البينة. اه. والسرخسي وجدته مضبوطا بالقلم - بفتح السين والراء وسكون الخاء وكسر السين بعدها -. (قوله: لان علمه) أي القاضي. (وقوله: كقيام البينة) أي عنده: أي والاخبار به جائز، فليكن الاخبار بعلمه كذلك. (قوله: وله) أي لقاضي بلد الحاضر. (قوله: أن يكتب) أي إلى قاضي بلد الغائب. (وقوله: سماع شاهد واحد) أي أنه يسمع شهادة شاهد واحد. (وقوله: ليسمع الخ) اللام تعليلية متعلقة بيجوز مقدرا قبل قوله له الخ أن: أي ويجوز له أن يكتب بذلك لاجل أن يسمع القاضي المكتوب إليه شاهدا آخر غير هذا الشاهد. (قوله: أو يحلفه) بالنصب معطوف على ليسمع: أي أو يحلفه فيما إذا كانت الدعوى على شئ يثبت بشاهد ويمين. (قوله: ويحكم) بالنصب معطوف على ليسمع أو يحلف، والفاعل يعود على المكتوب إليه. (وقوله: له) أي للمدعي. (قوله: أو ينهى إليه) معطوف على فينهى إليه سماع بينته. (وقوله: حكما) أي ينهى إليه أنى حكمت لفلان على فلان بكذا وكذا. (وقوله: إن حكم) قيد في إنهاء الحكم. (قوله: ليستوفي) أي قاضي بلد الغائب الحق من المدعى عليه، وهو علة لانهاء الحكم. (قوله: لأن الحاجة الخ) تعليل للانهاء بسماع البينة أو بالحكم. (وقوله: إلى ذلك) أي الانهاء. (قوله: والانهاء أن يشهد الخ) أي والانهاء فسروه بأن يشهد قاضي بلد الحاضر ذكرين عدلين بما جرى عنده من سماع بينة أو حكم، ليؤدياه عند قاضي بلد الغائب، وهذان الشاهدان غير الشاهدين على إثبات الحق، ولو لم يشهدهما القاضي، ولكن أنشأ الحكم بحضورهما فلهما أن يشهدا عليه، وإن لم يشهدهما. (قوله: ولا يكفي) أي في الانهاء غير رجلين. (قوله: ولو في مال) أي ولو كان الانهاء في إثبات مال، أو هلال رمضان، لما علمت أن شهود الانهاء غير شهود الاثبات. (قوله: ويستحب كتاب) أي مع الإشهاد. (وقوله: به) أي بما جرى عنده من ثبوت للحق أو حكم. وحاصل صورة الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم. حضر عندنا عافاني الله وإياك فلان، وادعى لفلان الغائب المقيم في بلدك بالشئ الفلاني، وأقام عليه شاهدين، وحلفت المدعي يمين الاستظهار وحكمت له بالمال، فاستوفه أنت منه، وأشهدت بالكتاب فلانا وفلانا. هذا إذا حكم عليه. فإن لم يحكم عليه، قال بعد قوله وحلفت المدعي يمين الاستظهار، فاحكم عليه واستوف الحق منه، وأشهدت بالكتاب فلانا وفلانا. ويسن ختمه بعد قراءته على الشاهدين بحضرته ويقول: أشهدكما أني كتبت إلى فلان بما سمعتما، ويضعان خطهما فيه. ولا يكفيه أن يقول أشهدكما أن هذا خطي، أو أن ما فيه حكمي، ويندب أن يدفع للشاهدين نسخة أخرى بلا ختم ليطالعاها ويتذاكرا عند الحاجة، فإن أنكر الغائب بعد إحضاره إن المال المذكور فيه عليه، شهد عليه الشاهد أن عند قاضي بلده بحكم القاضي الكاتب، فإن قال ليس المكتوب اسمي صدق بيمينه، لانه أخبر بنفسه والأصل براءة ذمته. هذا إن لم يعرف به، فإن عرف به لم يصدق. فإن قال لست الخصل حكم قاضي بلده عليه إن ثبت أن المكتوب اسمه بإقرار أو بينة، ولا يلتفت إلى إنكاره أنه اسمه حينئذ إذا لم يكن ثم من يشاركه فيه، وهو معاصر للمدعي يمكن معاملته له، بأن لم يكن ثم من يشاركه فيه أصلا، أو كان ولم يعاصر المدعي، أو لم تمكن معاملته، لأن الظاهر أنه المحكوم عليه حينئذ، فإن كان هناك من يشاركه فيه وعاصر المدعي وأمكنت معاملته له، بعث المكتوب إليه للكاتب إنه يطلب من الشهود زيادة تمييز للمشهود عليه، ويكتبها وينهيها

المحكوم عليه من إسم أو نسب وأسماء الشهود وتاريخه والانهاء بالحكم من الحاكم يمضي مع قرب المسافة وبعدها وسماع البينة لا يقبل إلا فوق مسافة العدوى. إذ يسهل إحضارها مع القرب وهي التي يرجع منها مبكرا إلى محله ليلا فلو تعسر إحضار البينة مع القرب بنحو مرض قبل الانهاء. فرع: قال القاضي وأقره لو حضر الغريم وامتنع من بيع ماله الغائب لوفاء دينه به عند الطلب ساغ للقاضي ـــــــــــــــــــــــــــــ ثانيا، فإن لم يجد زيادة تمييز وقف الامر حتى ينكشف الحال. فعلم من ذلك أنه يعتبر مع المعاصرة إمكان المعاملة كما صرح به الجرجاني والبندنيجي وغيرهما أفاد ذلك كله في الاقناع وحواشيه. (قوله: يذكر) أي القاضي فيه، أي الكتاب (وقوله: ما يتميز به المحكوم عليه) أي الغائب المحكوم عليه، أي أو المشهود عليه. وعبارة المنهج وشرحه: ما يميز الخصمين الغائب وذا الحق. اه. (قوله: من اسم) بيان لما. (وقوله: أو نسب) أي أو صفة أو حلية. (قوله: وأسماء الشهود) أي على ما في الكتاب، وأما شهود الحق فلا يحتاج إلى ذكر أسمائهم إن كان قد حكم، فإن لم يحكم احتيج إلى ذكرهم إن لم يعدلهم قاضي بلد الحاضر، وإلا فله ترك ذلك. كذا في المنهج وشرحه. (قوله: وتاريخه) أي يذكر تاريخ الكتاب. تتمة: لو شافه القاضي وهو في محل عمله قاضي بلد الغائب بحكمه، بأن حضر قاضي بلد الغائب إلى بلد الحاكم وشافهه بذلك، أمضاه ونفذه إذا رجع إلى محل ولايته، بخلاف ما لو شافه القاضي، وهو في غير محل عمله قاضي بلد الغائب، فلا يمضيه كمال، قاله الامام والغزالي. ولو قال قاضي بلد الحاضر وهو في طرف محل ولايته، حكمت بكذا لفلان على فلان الذي ببلدك، أمضاه ونفذه أيضا، لانه أبلغ من الشهادة والكتاب، وهو حينئذ قضاء بعلمه. (قوله: والانهاء بالحكم) العبارة فيها قلب، والاصل والحكم المنهي ولو بلا كتاب. (قوله: يمضي) أي ينفذ. (قوله: وسماع البينة) بالجر معطوف على بالحكم: أي والانهاء بسماع البينة. وفي العبارة قلب أيضا: أي وسماع البينة المنهي. (قوله: لا يقبل إلا فوق مسافة العدوى) أي لا يقيل الانهاء بالسماع إلا إذا كان بين القاضيين فوق مسافة العدوى. والفرق بينه وبين الانهاء بالحكم أنه لم يتم الامر في سماع البينة مع سهولة إحضارها في القرب دون البعد، فلذلك قبل في البعد دون القرب، وفي إنهاء الحكم قد تم الامر فلم يبق إلا الاستيفاء، فلذلك قبل مطلقا. (قوله: إذ يسهل) أي على قاضي بلد الغائب. (وقوله: إحضارها) أي البينة. (وقوله: مع القرب) أي بأن تكون المسافة مسافة العدوي فما دونها. (قوله: وهي) أي مسافة العدوى. (وقوله: التي يرجع منها) الجار والمجرور متعلق بما بعده. (وقوله: مبكر) أي خارج من محله قبيل طلوع الشمس، وقيل عقب طلوع الفجر. (وقوله: إلى محله) متعلق بيرجع، وهو إظهار في مقام الاضمار. (وقوله: ليلا) أي أوائله. والمعنى أن مسافة العدوى هي التي يرجع أول الليل إلى محله من خرج منه إلى بلد الحاكم قبيل طلوع الشمس، وتعبيره بقوله ليلا لا ينافي تعبيرهم بقولهم يومه، لان أوائل الليل كالنهار كما في النهاية. وعبارة الخطيب. ومسافة العدوى ما يرجع منها مبكر إلى محله يومه المعتدل. اه. قال البجيرمي عليه: والمعنى أن يذهب إليها ويرجع يومه المعتدل. اه. وسميت بذلك لان القاضي يعدي من طلب إحضار خصمه منها: أي يعينه على إحضاره. (قوله: فلو تعسر الخ) تفريع على التعليل، أعني إذ يسهل إلخ. وعبارة التحفة: وأخذ في المطلب من التعليل المذكور أنه لو تعسر الخ. اه. ولو صنع المؤلف كصنيعه لكان أولى. (وقوله: مع القرب) أي قرب المسافة بين القاضيين. (وقوله: بنحو مرض) متعلق بتعسر: أي تعسر إحضار البينة له بسبب مرض أو نحوه، كخوف الطريق. (وقوله: قبل الانهاء) جملة فعلية واقعة جوابا للو. (قوله: قال القاضي) مقول القول جملة لو حضر الغريم. (وقوله: وأقروه) أي الفقهاء في قوله المذكور. (قوله: لو حضر الغريم) أي غريم المدعي في البلد التي هو فيها. (قوله: وامتنع) أي الغريم. (قوله: من بيع ماله الغائب) أي عن البلد التي حضر فيها. (وقوله: لوفاء دينه) متعلق ببيع: أي امتنع من البيع لاجل وفاء الدين الذي عليه. (وقوله: به) أي بماله الغائب: أي بثمنه إذا بيع، وهو متعلق بوفاء. (قوله: عند

بيعه لقضاء الدين وإن لم يكن المال بمحل ولايته، وكذا إن غاب بمحل ولايته كما ذكره التاج السبكي والغزي وقالا بخلاف ما لو كان بغير محل ولايته لانه لا يمكن نيابته عنه في وفاء الدين حينئذ وحاصل كلامهما جواز البيع إذا كان هو أو ماله في محل ولايته ومنعه إذا خرجا عنها. مهمة: لو غاب إنسان من غير وكيل وله مال حاضر فأنهى إلى الحاكم أنه إن لم يبعه اختل معظمه لزمه بيعه إن تعين طريقا لسلامته وقد صرح الاصحاب بأن القاضي إنما يتسلط على أموال الغائبين إذا أشرفت على ـــــــــــــــــــــــــــــ الطلب) أي طلب المدعي حقه منه، والظرف متعلق بامتنع. (قوله: ساغ للقاضي) أي جاز لقاضي بلد المدعي بيعه، وهو جواب لو. (وقوله: لقضاء الدين) أي لأجل قضاء الدين من ثمنه. (قوله: وإن لم يكن المال بمحل ولايته) أي القاضي، وهو غاية في جواز البيع. ويتصور بيعه حينئذ بما إذا كان المشتري من أهل بلد القاضي، وقدر أي المال الغائب، وبما إذا حضر مشتر من بلد المال الغائب واشتراه منه، أو له وكيل في الشراء عنه. (قوله: وكذا إن غاب بمحل ولايته) أي وكذلك يسوغ للقاضي بيع المال الغائب إن غاب الغريم الذي هو مالكه، لكن في محل ولايته. (قوله: كما ذكره) أي ما بعد وكذا. (قوله: وقالا) أي السبكي والغزي (قوله: بخلاف ما لو كان) أي الغريم الذي هو المالك في غير محل ولايته، أي فإنه لا يسوغ للقاضي بيع ماله الغائب. ويؤخذ من قوله بعد ومنعه إذا خرجا عنها تقييد عدم جواز البيع بما إذا كان المال أيضا في غير محل ولايته. (قوله: لأنه الخ) تعليل لما تضمنه قوله بخلاف ما لو الخ. (قوله: لا يمكن نيابته) أي القاضي. (وقوله: عنه) أي عن الغريم الغائب. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ كان في غير محل ولايته. قال في التحفة بعد ما ذكر: ونوزعا بتصريح الغزالي كإمامه واقتضاه كلام الرافعي وغيره بأنه لا فرق في العقار المقضي به بين كونه بمحل ولاية القاضي الكاتب وغيرها قال الامام. فإن قيل: كيف يقضي ببقعة ليست في محل ولايته؟ قلنا هذا غفلة عن حقيقة القضاء على الغائب، فكما أنه يقضي على من ليس بمحل ولايته ففيما ليس فيه كذلك، وعن هذا قال العلماء بحقائق القضاء، قاض في قرية ينقذ قضاؤه في دائرة الآفاق، ويقضي على أهل الدنيا، ثم إذا ساغ القضاء على غائب فالقضاء بالدار الغائبة قضاء على غالب، والدار مقضي بها. اه. ثم قال: وقد اعتمد بعضهم كلام السبكي والغزي فارقا بين إنهاء القاضي إلى قاضي بلد المال، فيجوز مطلقا، وبين بيعه للمال فلا يجوز إلا إن كان أحدهما في محل عمله، فقال ما حاصله. قال ابن قاضي شهبة: وإنما يمتنع البيع إذا غاب هو وماله عن محل ولايته: أي فينهيه إلى حاكم بلد هو فيها أو ماله كما ذكره الائمة، ولا يجوز أن يبيع إذا خرجا عنها وقول بعضهم يجوز سهو. اه. (قوله وحاصل كلامهما) أي السبكي والغزي. (قوله: جواز البيع) أي بيع القاضي مال الغائب بمحل ولايته. (قوله: إذا كان هو) أي الغريم. (قوله: ومنعه) أي البيع. (وقوله: إذا خرجا) أي الغريم وماله معا. (وقوله: عنها) أي عن محل ولاية القاضي. (قوله: لو غاب إنسان الخ) أي غاب إنسان عن بلده من غير أن يجعل له وكيلا فيها. (وقوله: وله) أي للانسان الغائب. (وقوله: مال حاضر) أي في البلد. (قوله: فأنهى) بالبناء للمجهول، والجار والمجرور بعده نائب فاعله، والاصل فأنهى شخص من أهل محلته ما ذكر. قال ع ش: وينبغي وجوب ذلك على سبيل الكفاية في حق أهل محلته. اه. (قوله: أنه) أي المال الحاضر أو الحاكم، فالضمير يصلح عوده على كل منهما. (وقوله: إن لم يبعه) الضمير المستتر يعود على الحاكم، والبارز يعود على المال. (قوله: اختل معظمه) أي فسد معظم المال. (قوله: لزمه بيعه) أي لزم الحاكم بيع المال: أي وحفظ ثمنه عنده. (قوله: إن تعين) أي البيع طريقا: أي سببا لسلامته، فإن لم يتعين لم يلزمه بيعه، بل يبقيه أو يقرضه أو يؤجره. قال في الروض وشرحه: وللقاضي إقراض مال الغائب من ثقة ليحفظه بالذمة: أي فيها، وله بيع حيوان لخوف هلاكه، ونحوه كغصبه، سواء فيه مال اليتيم الغائب وغيره، وله تأجيره - أي إجارته - إن أمن عليه، لان المنافع تفوت بمضي الوقت. ومال من لا يرجى معرفته له بيعه وصرفه، أي صرف ثمنه في

الضياع أو مست الحاجة إليها في استيفاء حقوق ثبتت على الغائب وقالوا ثم في الضياع تفصيل فإن امتدت الغيبة وعسرت المراجعة قبل وقوع الضياع ساغ التصرف وليس من الضياع اختلال لا يؤدي لتلف المعظم ولم يكن ساريا لامتناع بيع مال الغائب لمجرد المصلحة والاختلال المؤدي لتلف المعظم ضياع، نعم الحيوان يباع لمجرد تطرق اختلال إليه. لحرمة الروح ولانه يباع على مالكه بحضرته إذا لم ينفق عليه ولو نهي عن التصرف في ماله امتنع إلا في الحيوان. فرع: يحبس الحاكم الآبق إذا وجده انتظارا لسيده فإن أبطأ سيده باعه الحاكم وحفظ ثمنه فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن. ـــــــــــــــــــــــــــــ المصالح، وله حفظه. اه. بحذف: وقوله: وللقاضي قضيته جواز ما ذكر عليه لا وجوبه، فهو خلاف ما ذكره الشارح. وفي فتاوي القفال ما يقتضي الجواز أيضا، ونصه: للقاضي بيع مال الغائب بنفسه، أو قيمه، إذا احتاج إلى نفقة، وكذا إذا خاف فوته، أو كان الصلاح في بيعه، ولا يأخذ له بالشفعة، وإذا قدم لم ينقض بيع الحاكم ولا إيجاره. اه. (قوله: وقد صرح الاصحاب الخ) الغرض من سياقه تقوية ما ذكره وإفادة أن فيه تفصيلا. (قوله: إنما يتسلط على أموال الغائبين) أي إنما يتصرف فيها ببيع ونحوه. (قوله: إذا أشرفت على الضياع) أي قربت من الفساد. (قوله: أو مست الحاجة إليها) أي ألجأت الحاجة إلى أموالهم. (وقوله: في استيفاء حقوق) متعلق بالحاجة، وفي بمعنى اللام: أي ألجأت الحاجة إلى أموالهم لقضاء الحقوق التي ثبتت عليهم منها. (قوله: وقالوا) أي الاصحاب (قوله: ثم في الضياع) أي فيما يؤول إلى الضياع لو لم يتصرف فيه، إذ التفصيل ليس في الضياع نفسه، وإلا لما صح قوله بعد وعسرت المراجعة قبل وقوع الضياع (قوله: فإن امتدت) أي طالت. (وقوله: الغيبة) أي غيبة مالك المال. (قوله: وعسرت المراجعة) أي مراجعة الحاكم لصاحب المال في شأنه. (قوله: قبل وقوع الضياع) متعلق بالمراجعة. (قوله: ساغ التصرف) أي جاز للحاكم التصرف فيه ببيع ونحوه. وقضيته عدم الوجوب إلا أن يقال المراد به ما قابل الإمتناع، فيصدق بالوجوب وهو المراد. (قوله: وليس من الضياع) أي المسوغ للتصرف فيه. (وقوله: اختلال) أي فساد في المال. (وقوله: لتلف المعظم) أي معظم المال. (وقوله: ولم يكن) أي الاختلال ساريا، وعطف هذه الجملة على ما قبلها من عطف أحد المتلازمين على الآخر. إذ يلزم من عدم سريانه عدم تأديته لتلف المعظم وبالعكس. (قوله: لامتناع الخ) علة لمقدر مرتب على قوله وليس من الضياع إلخ: أي وإذا كان ليس من الضياع الاختلال المذكور، فلا يبيعه الحاكم لامتناع بيع مال الغائب لمجرد المصلحة، وهذا ما يخالف ما مر عن فتاوي القفال من أنه إذا كان الصلاح في بيعه فله ذلك. (قوله: والاختلال المؤدي الخ) هو مفهوم قوله لا يؤدي الخ. وفي أخذه مفهومه، ولم يؤخذ مفهوم ما بعده، أعني ولم يكن ساريا الخ يؤيد ما قررته عليه، والمعنى أن الاختلال المقتضي لتلف معظم المال يعد ضياعا فيسوغ للامام التصرف فيه قبله. (قوله: نعم إلخ) إستدراك على التفصيل في الضياع: أي أن التفصيل المذكور محله في غير الحيوان، أما هو فمتى ما حصل اختلال فيه تصرف فيه مطلقا، ولو لم يؤد اختلاله إلى تلفه. (وقوله: لحرمة الروح) أي حفظا لحرمة الروح، وهو علة البيع. (وقوله: ولانه) أي الحيوان، وهو معطوف على العلة قبله. (وقوله: يباع) أي يبيعه الحاكم عليه. ومحله إن تعين البيع، وإلا بأن أمكن تدارك الضياع بالاجارة اكتفي بها، ويقتصر على أقل زمن يحتاج إليه كما مر. (وقوله: على مالكه) أي قهرا عن مالكه، أو نيابة عنه، فعلى بمعنى عن، وهي متعلقة بمحذوف. (قوله: بحضرته) متعلق بيباع: أي يباع بحضرة مالكه. (وقوله: إذا لم ينفق عليه) أي إذا لم ينفق المالك على الحيوان. (قوله: ولو نهى الخ) معطوف على العلة قبله أيضا، فهو علة لبيع الحيوان. أي ولانه لو نهى المالك عن التصرف فيه، امتنع التصرف فيه إلا في الحيوان، فلا يمتنع حفظا للروح. (قوله: يحبس الحاكم) أي أو نائبه. (وقوله: الآبق) أي الرقيق الهارب من سيده، وهو مفعول يحبس. (قوله: إذا وجده) أي وجد الحاكم الآبق. (قوله: انتظارا لسيده) حال على تأويله باسم الفاعل: أي يحبسه حال كونه منتظرا لسيده. أو مفعول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مطلق لفعل محذوف: أي وينتظر سيده انتظارا. (قوله: فإن أبطأ سيده) أي تراخى في طلب عبده. (قوله: باعه الحاكم) أي أو يؤجره إن أمن عليه. (قوله: فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن) أي وليس له فسخ البيع، لان ما صدر من الامام كان نيابة شرعية عنه. تتمة: في القسمة وهي تمييز بعض الانصباء من بعض. والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) *. فكان يجب إعطاء المذكورين شيئا من التركات في صدر الإسلام، ثم نسخ الوجوب وبقي الندب، وأخبار كخبر الصحيحين: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم الغنائم بين أربابها. والحاجة داعية إليها ليتمكن كل واحد من الشريكين أو الشركاء من التصرف في نصيبه استقلالا، ويتخلص من سوء المشاركة، واختلاف الايدي. وأركانها ثلاثة: قاسم ومقسوم ومقسوم له، ويشترط في القاسم المنصوب من جهة الإمام أهلية الشهادات، وعلمه بالقسمة وكونه عفيفا عن الطمع، حتى لا يرتشي ولا يخون، فإن لم يكن منصوبا من جهة الإمام بل تراضى عليه الشريكان أو الشركاء ولم يحكموه في القسمة، لم يشترط فيه إلا التكليف، فإن حكموه، إشترط فيه ما اشترط في منصوب الإمام. واعلم أن القسمة على ثلاثة أنواع: أحدها: القسمة بالنظر للاجزاء المتساوية، كقسمة المثليات من حبوب وغيرها، فتجزأ الانصباء كيلا في مكيل ووزنا في موزون، وتسمى هذه القسمة قسمة المتشابهات، لان الاجزاء فيها متشابهة قيمة وصورة وقسمة الافراز، لكونها أفرزت لكل من الشركاء نصيبه. ثانيها: القسمة بالتعديل: أي التقويم بأن تعدل السهام بالقيمة، كقسمة أرض تختلف قيمة أجزائها بقوة إنبات أو قرب ماء، أو بسبب ما فيها. كبستان بعضه نخل وبعضه عنب، وتكون الارض بينهما نصفين، ويساوي قيمة ثلث الارض مثلا قيمة ثلثيها. وثالثا: القسمة بالرد وهي التي يحتاج فيها الرد أحد الشريكين للآخر مالا أجنبيا، كأن يكون في أحد جانبي الارض المشتركة بئر، أو شجر مثلا لا يمكن قسمته، فيرد من يأخذه بالقسمة قسط قيمة البئر أو الشجر. فلو كانت قيمة كل من البئر أو الشجر مثلا ألفا رد الاخذ لذلك الجانب الذي فيه البئر أو الشجر خمسمائة، لانها نصف الالف. والنوع الاول من أنواع القسمة الثلاثة إقرار للحق: أي يتبين به إن ما خرج لكل هو الذي ملكه لا يبيع، والنوعان الآخران بيع لكن لا يفتقر للفظ نحو بيع أو تمليك وقبول، بل يقوم الرضا مقامهما. ويشترط للقسمة الواقعة بالتراضي في الانواع الثلاثة رضا بها بعد خروج القرعة إن حكموا بالقرعة، كأن يقولوا رضينا بهذه القسمة، أو بما أخرجته القرعة بخلاف القسمة بالاجبار، وهو لا يكون إلا في قسمة الافراز والتعديل دون الرد، فلا يدخلها إجبار فلا يعتبر فيها الرضا لا قبل القرعة ولا بعدها. فإن لم يحكموا بالقرعة كأن اتفقوا على أن يأخذ أحدهم هذا القسم والآخر ذاك القسم، وهكذا بتراضيهم كما يقع كثيرا، فلا حاجة إلى رضا آخر، والله سبحانه تعالى أعلم.

_ (1) سورة النساء، الاية: 8.

باب الدعوى والبينات

باب الدعوى والبينات الدعوى لغة، الطلب وألفها للتأنيث وشرعا: إخبار عن وجوب حق على غيره عند حاكم. وجمعها دعاوي بفتح الواو وكسرها كفتاوى. والبينة شهود سموا بها لان بهم يتبين الحق وجمعوا لاختلاف أنواعهم. والاصل فيها خبر الصحيحين: ولو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم لكن اليمين على ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الدعوى والبينات ذكرهما عقب القضاء لكونهما لا يقعان إلا عند قاض أو محكم. وأفرد الدعوى لان حقيقتها واحدة وإن اختلف المدعى به، وجمع البينات لاختلاف أنواعها، لانها إما رجل رجلان أو أربع نسوة كما سيأتي. (قوله: الدعوى لغة الطلب) منه قوله تعالى: * (ولهم ما يدعون) * أي يطلبون. (قوله: وألفها للتأنيث) أي كألف حبلى، وقد تؤنث بالتاء، فيقال دعوة، وتجمع على دعوات، كسجدة وسجدات، لكن المشهور أن الدعوة بالتاء تكون للدعوة إلى الطعام. (قوله: وشرعا) عطف على لغة. (وقوله: إخبار عن وجوب حق) أي ثبوت حق على غيره، وهذا يشمل الشهادة، فالاولى أن يزيد لفظ له بأن يقول عن وجوب حق له: أي للمخبر لتخرج الشهادة. (وقوله: عند حاكم) قال في التحفة: وكأنهم إنما لم يذكروا المحكم هنا مع ذكرهم له فيما بعد، لأن التعريف للدعوى حيث أطلقت، وهي لا يتبادر منها إلا ذلك. اه. (قوله: وجمعها الخ) الأولى تقديمه على قوله، وشرعا كما في التحفة، لان الجمع المذكور للدعوى بالمعنى اللغوي لا المعنى الشرعي، لأنه حقيقة واحدة لا تعدد فيها، كما تقدم قريبا. (وقوله: بفتح الواو وكسرها) قال ابن مالك: وبالفعالى والفعالي جمعا صحراء والعذراء والقيس اتبعا (قوله: كفتاوى) أي فإنه بفتح الواو وكسرها. (قوله: والبينة الشهود) الاولى والبينات جمع بينة، وهي الشهود، لانه ذكرها في الترجمة كذلك. (قوله: سموا) أي الشهود. (وقوله: بها) أي بالبينة. (قوله: لان بهم يتبين الحق) أي يظهر، واسم أن ضمير الشأن محذوف. (قوله: وجمعوا) أي البينات، والاولى وجمعت، أي البينة على بينات (قوله: لاختلاف أنواعهم) أي البينات، والاولى لاختلاف أنواعها. أي البينة. واختلاف الانواع يكون بحسب اختلاف المدعى به، كما سيذكره في فصل الشهادات. (قوله: والأصل فيها خبر الصحيحين) عبارة التحفة: والأصل فيها قوله تعالى: * (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم) * الآية وخبر الصحيحين إلخ. اه. (قوله: ولو يعطى الناس إلخ) أي لو كان كل من ادعى شيئا عند الحاكم يعطاه بمجرد دعواه بلا بينة، لادعى أناس الخ، ولكن لا يعطون بدعواهم بلا بينة فلم يدعوا الخ. (قوله: دماء رجال وأموالهم) قدم الدماء مع أن الدعوى بالمال أكثر، لان الدماء أول ما تقع فيه المطالبة، ويفصل فيها بين المتخاصمين يوم القيامة. (قوله: ولكن الخ) هي وإن لم تأت لفظا على قانونها من وقوعها بين نفي وإثبات، لكنها جارية عليه تقديرا. لان لو تفيد النفي، إذ المعنى لا يعطي الناس بدعواهم المجردة ولكن باليمين، وهي

_ (1) سورة يس، الاية: 57. (2) سورة النور، الاية: 48.

المدعى عليه. وفي رواية: البينة على المدعي واليمين على من أنكر (المدعي من خالف قوله الظاهر) وهو براءة الذمة (والمدعى عليه من وافقه) أي الظاهر. وشرطهما تكليف والتزام للاحكام فليس الحربي ملتزما للاحكام بخلاف الذمي. ثم إن كانت الدعوى قودا أو حد قذف أو تعزيرا وجب رفعها إلى القاضي ولا يجوز للمستحق ـــــــــــــــــــــــــــــ على المدعى عليه، إلا في اللعان والقسامة إذا اقترن بدعوى الدم لوث، فاليمين في جانب المدعي فيهما. (قوله: وفي رواية) أي للبيهقي وذكرها بعد ما تقدم لأن فيها زيادة فائدة، وهي أن البينة على المدعي. (قوله: البينة على المدعي واليمين على من أنكر) إنما جعلت البينة على الاول، واليمين على الثاني. لأن جانب الاول ضعيف لدعواه خلاف الاصل، والبينة حجة قوية لبعدها عن التهمة. وجانب الثاني قوي لموافقته للاصل في البراءة، واليمين حجة ضعيفة لقربها من التهمة، فجعل القوي في جانب الضعيف والضعيف في جانب القوي. (قوله: المدعي الخ) لما كانت الدعوى تتضمن مدعيا ومدعى عليه، شرع في بيانهما، فقال المدعي إلخ. (قوله: من خالف قوله الظاهر) وقيل هو من لو سكت لترك، والمدعى عليه من لو سكت لم يترك. قال في التحفة: واستشكل أي التعريف الاول للمدعي بأن الوديع إذا ادعى الرد أو التلف يخالف قوله الظاهر، مع أن القول قوله. ورد بأنه يدعي أمرا ظاهرا، هو بقاؤه على الامانة، ويرده ما في الروضة وغيرها أن الامناء الذين يصدقون في الرد بيمينهم مدعون، لانهم يدعون الرد مثلا، وهو خلاف الظاهر، لكن اكتفى منهم باليمين لانهم أثبتوا أيديهم لغرض المالك. اه. (قوله: وهو) أي الظاهر. (وقوله: براءة الذمة) أي ذمة المدعى عليه مما ادعاه المدعي. فلو أسلم الزوج والزوجة قبل الدخول ثم قال الزوج أسلمنا معا فالنكاح باق، وقالت الزوجة بل أسلمنا مرتبا فلا نكاح. فهو مدع لان إسلامهما معا خلاف الظاهر، وهي مدعى عليها لموافقتها الظاهر، فتحلف هي ويرتفع النكاح. وفي البجيرمي: وقضية هذا أن القول قول الزوجة، والمعتمد خلافه، وهو أن القول قول الزوج، لأن الأصل بقاء النكاح، ولا يرتفع إلا بيقين. اه. بالمعنى. (قوله: والمدعى عليه من وافقه أي الظاهر) أي أن ضابط المدعى عليه من وافق قوله الظاهر، وتقدم ضابط آخر له غير هذا. (قوله: وشرطهما) أي المدعي والمدعى عليه. (وقوله: تكليف) قال سم انظره مع قوله في أول باب القضاء على الغائب. والقياس سماعها على ميت وصغير، ومع قول المتن ويجريان في دعوى على صبي ومجنون. اه. بتصرف. وقصده الاعتراض على اشتراط التكليف بالنسبة للمدعى عليه، مع أن ما تقدم في القضاء على الغالب يقتضي عدم الاشتراط. ثم رأيت العلامة الرشيدي كتب على قول النهاية: والمدعى عليه المتصف بما مر ما نصه: أي الذي من جملته التكلف، ولعل مراده المدعى عليه الذي تجري فيه جميع الأحكام التي من جملتها الجواب والحلف، وإلا فنحو الصبي يدعى عليه لكن لاقامة البينة. اه. (قوله: والتزام للاحكام) أي أحكام المسلمين. قال في فتح الجواد: كذمي لا حربي ومعاهد ومستأمن. نعم، تسمع دعوى الاخيرين على مثلهما وذمي مسلم، بل قد تصح دعوى الحربي كما بينته في الاصل. اه. وقوله في الاول: قال فيه بل الحربي نفسه تصح دعواه في بعض الصور، لما مر في الامان أن الاسير لو اشترى منه شيئا شراء صحيحا لزمه أن يبعث إليه ثمنه، أو فاسدا فعينه، فحينئذ تصح دعواه ذلك، وكذلك تصح دعواه فيما لو دخل حربيان دارنا بأمان فقتل أحدهما الآخر، فإذا قدم وارث المقتول أو سيده، سمعت دعواه على قاتله. اه. (قوله: فليس الحربي ملتزما للاحكام) أي فلا تصح الدعوى منه وعليه. قال سم: وقد تسمع دعوى الحربي. اه. أي في بعض الصور كما تقدم آنفآ. (قوله: بخلاف الذمي) أي فإنه ملتزم لها، فتسمع الدعوى منه وعليه. (قوله: ثم إن كانت الدعوى) أي المدعى به، فهي مصدر بمعنى اسم المفعول، وإلا لما صح الاخبار عنها بقوله قودا الخ. (وقوله: قودا الخ) والحاصل أنه إن كان المدعى به عقوبة لآدمي، وجب رفعها للحاكم، ولا يستقل صاحب الحق باستيفائها. وإن كان عقوبة لله فلا تسمع فيها دعوى، لانتفاء حق المدعي فيها، فالطريق في إثباتها شهادة الحسبة. وإن كان عينا أو دينا ففيه تفصيل سيذكره الشارح، وإن كان منفعة، فإن كانت واردة على العين فهي كالعين، فله استيفاؤها منها بنفسه إن لم يخش من ذلك ضررا، ولا فلا بد من الرفع إلى الحاكم، وإن كانت واردة على الذمة فهي كالدين، فإن كانت على غير ممتنع طالبه بها، ولا يأخذ شيئا من ماله بغير

الاستقلال باستيفائها لعظم الخطر فيها وكذا سائر العقود والفسوخ كالنكاح والرجعة وعيب النكاح والبيع. واستثنى الماوردي من بعد عن السلطان فله استيفاء حد قذف أو تعزير (وله) أي للشخص (بلا خوف فتنة) عليه أو على غيره (أخذ ماله) إستقلالا للضرورة (من) مال مدين له مقر (مماطل) به أو جاحد له أو متوار أو متعزز وإن ـــــــــــــــــــــــــــــ مطالبة. وإن كانت على ممتنع وقدر على تحصيلها بأخذ شئ من ماله فله ذلك بشرطه. قال الرشيدي: وضابط ما تشترط فيه الدعوى عند من ذكر كل ما لا تقبل فيه شهادة الحسبة وليس بمال. اه. (قوله: وجب رفعها) أي الدعوى بما ذكر، فالضمير يعود على الدعوى بالمعنى المصدري لا بمعنى اسم المفعول. (وقوله: إلى القاضي) ومثله أمير أو نحوه ممن يرجي الخلاص على يده، والمقصود عدم الاستقلال عميرة. اه. بجيرمي. (قوله: ولا يجوز للمستحق الاستقلال باستيفائها) أي الدعوى، بمعنى المدعى به، فلو خالف واستقبل وقعت الموقع، وإن أثم باستقلاله. اه. ع ش. (قوله: وكذا سائر العقود الخ) أي ومثل القود وحد القذف والتعزير في وجوب الرفع إلى القاضي وعدم جواز الاستقلال في استيفائه سائر العقود والفسوخ. قال سم: لعله في غير العقوبة كالنكاح والرجعة، باعتبار الظاهر فقط، حتى لو عامل من ادعى زوجيتها أو رجعيتها معاملة الزوجة جاز له ذلك فيما بينه وبين الله تعالى، إذا كان صادقا فليراجع. اه. (قوله: كالنكاح) راجع للعقود، أي فلو ادعى زوجية امرأة فلا بد في ثبوتها من الرفع إلى الحاكم. (قوله: والرجعة) أي فيما إذا ادعى بها بعد انقضاء العدة: أي ادعى بعد انقضاء العدة أنه كان راجعها قبلها، وإلا بأن ادعى بها قبل انقضاء العدة فلا حاجة للدعوى والرفع للحاكم، لأنه قادر على إنشائها. اه. بجيرمي. وهي راجعة للعقود. (قوله: وعيب النكاح) أي العيب الذي يثبت فسخ النكاح، فهو راجع للفسوخ، فليس للزوج أو الزوجة الاستقلال بفسخ النكاح بالعيب، بل لا بد من الرفع إلى الحاكم. (قوله: والبيع) يحتمل أنه معطوف على النكاح المضاف إليه عيب: أي وعيب البيع: أي الذي يثبت به فسخ البيع، فيكون راجعا للفسوخ، ويحتمل أنه معطوف على النكاح الاول: أي وكالبيع فيكون راجعا للعقود. (قوله: واستثنى الماوردي) أي من عدم جواز الاستقلال باستيفاء حد القذف أو التعزير. (وقوله: من بعد عن السلطان) أي أو قرب منه وخاف من الرفع إليه عدم التمكن من إثبات حقه، أو غرم دراهم فله استيفاء حقه حيث لم يطلع عليه من يثبت بقوله وأمن الفتنة. اه. ع ش. (قوله: فله استيفاء الخ) أي ومع ذلك إذا بلغ الامام فله تعزيره لافتياته عليه. (وقوله: حد قذف أو تعزير) أي فقط فلا يستوفي القود. وقال ابن عبد السلام في آخر قواعده: لو انفرد بحيث لا يرى ينبغي أن لا يمنع من القود، ولاسيما إذا عجز عن إثباته. اه. (وقوله: ينبغي أن لا يمنع) أي شرعا. فيجوز له ذلك باطنا. (قوله: وله أي للشخص) مراده به الدائن، بدليل قوله بعد من مال مدين له. فكلامه قاصر على الدين، وكان الأولى أن يذكر كغيره العين أيضا فيقول: وله بلا فتنة أخذ عين ماله استقلالا ممن هي تحت يده، وأخذ ما هو له من مال مدين مماطل الخ. (قوله: بلا خوف فتنة) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من المصدر بعده: أي له أخذ ماله حال كون الآخذ كائنا بلا فتنة. (قوله: عليه أو على غيره) أي أنه لا فرق في خوف الفتنة بين أن تقع على الآخذ نفسه أو على غيره. (قوله: أخذ ماله) بكسر اللام: أي حقه الذي في ذمة المدين، والمراد جنس حقه كما سيذكره. ويصح قراءته بفتح اللام، أي الشئ الذي هو ثابت له في ذمة المدين. (قوله: استقلالا) أي من غير رفع للحاكم. (قوله: للضرورة) تعليل لجواز الاخذ استقلالا: أي وإنما جاز له الاخذ كذلك لوجود الضرورة. قال ح ل: وهي المؤنة ومشقة الرفع إلى الحاكم. اه. وإذا كان المراد بالضرورة ما ذكر كأن مكررا مع قوله الآتي، ولأن في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة، وحينئذ فالاولى حذف هذا التعليل إكتفاء عنه بما سيأتي. (قوله: من مال مدين) متعلق بأخذ. (وقوله: له) متعلق بمدين، وضميره يعود على الاخذ، أي مدين للآخذ. (قوله: مقر مماطل) أي موعد له بالوفاء مرة بعد أخرى. قال في المصباح: مطله بدينه مطلا، إذا سوقه بوعد الوفاء مرة بعد أخرى. اه. (وقوله: به) أي بالدين. (قوله: أو جاحد له) أي منكر للدين، وهو مقابل قوله مقر. (قوله: أو متوار) أي مختف بعد حلول الاجل خوفا أن يطالبه الدائن. (قوله: أو متعزز) أي ممتنع من أدائه اعتمادا على القوة والغلبة. قال في المصباح: عز يعز، أي اشتد كناية عن الانفة وتعزز: أي تقوى. اه.

كان على الجاحد بينة أو رجا إقراره لو رفعه للقاضي لاذنه (ص) لهند لما شكت إليه شح أبي سفيان أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف ولان في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة وإنما يجوز له الاخذ من جنس حقه ثم عند تعذر جنسه يأخذ غيره. ويتعين في أخذ غير الجنس تقديم النقد على غيره ثم إن كان المأخوذ من جنس ماله يتملكه ويتصرف فيه بدلا عن حقه فإن كان من غير جنسه فيبيعه الظافر بنفسه أو مأذونه للغير لا لنفسه إتفاقا ولا لمحجوره لامتناع تولي الطرفين وللتهمة. هذا إن لم يتيسر علم القاضي به لعدم علمه ولا بينة أو مع أحدهما لكنه يحتاج لمؤنة ومشقة وإلا اشترط إذنه ولا ببيعه إلا بنقد البلد (ثم إن كان جنس حقه تملكه) وإلا اشترط جنس حقه وملكه ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال كما في المنهج على ممتنع من أدائه مقرا كان أو جاحدا، لكان أخصر وأنسب بقوله الآتي ولو كان الدين على غير ممتنع من الاداء طالبه إلخ. (قوله: وإن كان على الجاحد الخ) غاية لجواز الاخذ. (قوله: أو رجا) أي الدائن إقراره: أي المدين الجاحد. (وقوله: لو رفعه للقاضي) أي رفع دعواه عليه للقاضي. (قوله: لاذنه الخ) علة لجواز الاخذ. (قوله: أن تأخذ) أي من مال أبي سفيان. والمصدر المنسبك منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بإذنه. (قوله: ولأن في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة) أي في الجملة، وإلا فقد لا تكون مشقة ولا مؤنة فيه. (قوله: وإنما يجوز له) أي للدائن الظافر. (وقوله: من جنس حقه) أي الذي مطله به أو جحده إياه. (قوله: ثم عند تعذر جنسه) أي بأن لم يوجد. (قوله: يأخذ غيره) أي له أن يأخذ غير جنس حقه ولو أمة. ومحله إذا كان الغريم مصدقا أنه ملكه. فلو كان منكرا ذلك لم يجز له أخذه وجها واحدا، كما في النهاية والتحفة. (قوله: ويتعين في أخذ غير الجنس) أي غير جنس حقه. (وقوله: تقديم النقد على غيره) أي تقديم النقد، أي في الاخذ ليشتري به ما هو من جنس حقه. (قوله: ثم إن كان المأخوذ) أي المال الذي أخذه الظافر. (قوله: يتملكه) أي بلفظ يدل على كتملكت. قال في التحفة: وظاهره كالروضة والشرحين أنه لا يملكه بمجرد الاخذ، لكن قال جمع يملكه بمجرده، واعتمده الاسنوي وغيره. لان الشارع إذن له في قبضه فكان كإقباض الحاكم له، وهو متجه. اه. (قوله: ويتصرف) أي الآخذ. (وقوله: فيه) أي في المأخوذ. (قوله: فإن كان) أي المأخوذ. (وقوله: من غير جنسه) أي جنس حقه قال في التحفة: أو منه وهو بصفة أرفع. اه. (قوله: فيبيعه) أي ولا يتملكه من غير بيع، وإن كان قدر حقه. (قوله: بنفسه) متعلق ببيع، أي ببيعه بنفسه: أي استقلالا من غير رفع للحاكم كما يستقل بالاخذ. (قوله: لا لنفسه) أي لا يبيعه على نفسه إتفاقا. (قوله: ولا لمحجوره) قال في التحفة بعده كما هو ظاهر. (قوله: لامتناع إلخ) تعليل لعدم جواز البيع على نفسه أو محجوره. (وقوله: تولي الطرفين) أي الإيجاب والقبول. (قوله: وللتهمة) تعليل ثان. (قوله: هذا) أي محل كونه ببيعه بنفسه للغير. (قوله: وإن لم يتيسر علم القاضي به) أي لم يسهل علم القاضي بحق الظافر الكائن تحت يد الغير. (وقوله: لعدم إلخ) تعليل لعدم تيسر ذلك. (وقوله: علمه) أي القاضي. (وقوله: لا بينة) أي موجودة تشهد بالحال. (وقوله: أو مع أحدهما) أي أو تيسر علم القاضي مع العلم أو البينة، ولا يخفى ما في ذلك من الركاكة. وعبارة فتح الجواد: وباع الظافر بغير جنس حقه ولو بوكليه، ما ظفر به حيث لم يعلم القاضي الحال ولم يكن له بينة، لتقصير المدين بامتناعه، وليس له تملكه، فإن علم القاضي لم يبع إلا بإذنه، وكذا لو كان له بينة. ومحله كما بحثه البلقيني في الاول وقياسه الثاني حيث لا مشقة ومؤنة فوق العادة. وإلا استقل. اه. وهي ظاهرة. (قوله: لكنه) أي الرفع للقاضي يحتاج إلى مؤنة ومشقة. (قوله: وإلا) أي بأن تيسر علم القاضي، أو وجدت بينة مع وجود المشقة، أو مع وجود المؤنة. (وقوله: اشترط إذنه) أي إذن القاضي في البيع. وعبارة شرح الروض: فإن اطلع عليه القاضي لم يبعه إلا بإذنه. قال البلقيني: ولعله فيما إذا لم تحصل مؤنة ومشقة فوق العادة، وإلا فلا يبعد أن يستقل بالبيع كما يستقل بأخذ الجنس وغيره. اه. (قوله: ولا ببيعه) أي غير جنس حقه. (وقوله: إلا بنقد البلد) أي الغالب. (قوله: ثم إن كان جنس حقه تملكه). واعلم أن هذا من المتن في غالب النسخ، فبمقتضاه يكون اسم كان يعود على المأخوذ، ولكن الشارح تصرف فيه

ولو كان المدين محجورا عليه بفلس أو ميتا وعليه دين لم يأخذ إذ قدر حصته بالمضاربة إن علمها وإلا احتاط وله الاخذ من مال غريم غريمه إن لم يظفر بمال الغريم وجحد غريم الغريم أو ماطل وإذا جاز الاخذ ظفرا جاز له كسر باب أو قفل ونقب جدار للمدين إن تعين طريقا للوصول إلى الاخذ وإن كان معه بينة فلا يضمنه كالصائل وإن خاف فتنة أي مفسدة تفضي إلى محرم كأخذ ماله لو اطلع عليه وجب الرفع إلى القاضي أو نحوه لتمكنه من الخلاص به ولو كان الدين على غير ممتنع من الاداء طالبه ليؤدي ما عليه فلا يحل أخذ شئ له لان له الدفع من ـــــــــــــــــــــــــــــ وجعله عائدا على نقد البلد. ويوجد في بعض نسخ الخط أنه من الشارح، وعليه فعود الضمير على نقد البلد ظاهر. (قوله: تملكه) يأتي فيه ما تقدم. (قوله: وإلا اشترى) أي وإن لم يكن نقد البلد من جنس حقه، إشترى به جنس حقه. قال في التحفة: لا بصفة أرفع. اه. (قوله: وملكه) أي ما اشتراه بنقد البلد الذي ليس من جنس حقه، وظاهره أنه يملكه بمجرد الشراء، وهو كذلك كما في التحفة. (قوله: ولو كان المدين الخ) لو شرطية جوابها قوله لم يأخذ إلا قدر حصته. (قوله: أو ميتا) أي أو كان المدين ميتا. (وقوله: وعليه دين) أي وعلى الميت دين آخر لشخص آخر. (قوله: لم يأخذ) أي الظافر بحقه. (وقوله: إلا قدر حصته بالمضاربة) أي قدر ما يخصه من أموال المحجور عليه أو الميت بعد المقاسمة، وتقسيطها على أرباب الديون. (قوله: إن علمها) أي قدر حصته، وأنث الضمير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه. (قوله: وإلا احتاط) أي وإن لم يعلم قدر حصته احتاط. قال ع ش: أي فيأخذ ما تيقن إن أخذه لا يزيد على ما يخصه. اه. (قوله: وله) أي للشخص الدائن. (وقوله: الاخذ) أي ظفرا. (وقوله: من مال غريم غريمه) أي كأن يكون لزيد على عمرو دين، ولعمرو على بكر مثله. فلزيد أن يأخذ من بكر ماله على عمرو، ويلزمه حينئذ أن يعلم الغريم بأخذه حتى لا يأخذ ثانيا، وإن أخذ كان هو الظالم، ولا يلزمه إعلام غريم الغريم إذ لا فائدة فيه، ومن ثم لو خشي أن الغريم يأخذ منه ظلما، لزمه فيما يظهر إعلامه. (قوله: وإن لم يظفر) أي الدائن الذي هو زيد في المثال. (وقوله: بمال الغريم) أي غريم الدائن وهو بكر في المثال، فإن ظفر به لم يجز له الأخذ من مال غريم الغريم. (قوله: وجحد غريم الغريم) يعني وكان غريم الغريم الذي هو بكر جاحدا لغريمه الذي هو عمرو، فلو كان مقرا له غير ممتنع من الاداء لم يجز لزيد أن يأخذ منه شيئا. (قوله: جاز له) أي للآخذ بنفسه، فلو وكل بذلك أجنبيا لم يجز، فإن فعل ضمن المباشر. قال في التحفة: ولو قيل بجواز الاستعانة به لعاجز عن نحو الكسر بالكلية لم يبعد. (قوله: كسر باب أو قفل ونقب جدار) أي بشرط أن لا يكون ما ذكر مرهونا أو مؤجرا، ولا المحجور عليه حجر فلس. (وقوله: للمدين) متعلق بمحذوف صفة لكل من باب وقفل وجدار. ويشترط فيه أن لا يكون صبيا أو مجنونا أو غائبا، فلا يؤخذ من مالهم إن ترتب عليه كسر أو نقب لعذرهم، خصوصا الغائب. وإن لم يترتب على الاخذ ما ذكر جاز، وبعضهم منع الاخذ من مالهم مطلقا. وعبارة النهاية: ويمتنع نحو النقب في غير متعد لنحو صغر. قال الأذرعي وفي غائب معذور وإن جاز الاخذ. اه. (قوله: أن تعين) أي المذكور من الكسر والنقب، فإن لم يتعين ذلك لم يجز. فلو فعل ضمن. (قوله: وإن كان معه بينة) أي يجوز له الكسر والنقب وإن كان بينه معه تشهد بالحق الذي له. قال في التحفة: وإن كان الذي له تافه القيمة، أو اختصاصا، كما بحثه الأذرعي. اه. (قوله: فلا يضمنه) مفرع على جواز الكسر والنقب، وضميره يعود على المذكور من الباب والقفل والجدار. (قوله: كالصائل) أي فإنه لو تعذر دفعه إلا بإتلاف ماله جاز، ولا يضمن. وعبارة التحفة: ولا يضمن ما فوته، كمتلف مال صائل تعذر دفعه إلا بإتلافه. اه. (قوله: وان خاف فتنة إلخ) محترز قوله بلا خوف فتنة. (وقوله: أي مفسدة) تفسير لقوله فتنة. (قوله: تفضي إلى الحرم) أي تؤدي تلك المفسدة إلى ارتكاب حرام. (وقوله: كأخذ ماله) أي مال الآخذ الدائن لو اطلع عليه، وهو مثال للمفسدة التي تفضي إلى محرم. إذ أخذ مال الدائن حرام. (قوله: وجب الرفع) جواب إن. (قوله: أو نحوه) أي كنائبه ومحكم وذوي شوكة. (قوله: لتمكنه) أي الدائن، وهو تعليل لوجوب الرفع للقاضي (وقوله: من الخلاص به) أي من خلاص حقه من المدين بالقاضي. (قوله: ولو كان الدين

أي ماله شاء فإن أخذ شيئا لزمه رده وضمنه إن تلف ما لم يوجد شرط التقاص. فرع: له استيفاء دين له على آخر جاحد له بشهود دين آخر له عليه قضى من غير علمهم وله جحد من جحده إذا كان له على الجاحد مثل ماله عليه أو أكثر فيحصل التقاص للضرورة فإن كان له دون ما للآخر عليه جحد من حقه بقدره (وشرط للدعوى) أي لصحتها حتى تسمع وتحوج إلى جواب (بنقد) خالص أو مغشوش ـــــــــــــــــــــــــــــ على غير ممتنع) أي على مقر غير ممتنع من الاداء، وهذا مفهوم قوله مماطل الخ. (قوله: طالبه) أي طالب الدائن مدينه غير الممتنع. (قوله: فلا يحل أخذ شئ) أي من مال غير الممتنع من غير مطالبة. (وقوله: له) يصح تعلقه بالفعل، ويصح بالمصدر. (قوله: لأن له) أي للمدين غير الممتنع. (وقوله: الدفع من أي ماله شاء) أي بخلاف ما لو استقل بالاخذ، فربما يأخذ شيئا لا تسمح نفس المدين به. (قوله: فإن أخذ) أي الدائن شيئا من مال غير الممتنع من أدائه. (قوله: لزمه) أي الدائن الآخذ. (وقوله: رده) أي للمدين. (قوله: وضمنه) أي ضمان المغصوب إن تلف. (قوله: ما لم يوجد الخ) قيد للزوم الرد والضمان. (وقوله: شرط التقاص) وهو أن يكون الذي أخذه مثل الذي له عند المدين جنسا وقدرا وصفة. قال في المصباح: قاصصته مقاصة وقصاصا، من باب قاتل إذا كان لك عليه دين مثل ما له عليك، فجعلت الدين في مقابلة الدين. اه. (قوله: فرع) الأولى فرعان لانه ذكرهما، الاول: قوله له الاستيفاء الخ. والثاني: قوله وله جحد الخ. (قوله: له) أي للدائن المعلوم من السياق. (وقوله: استيفاء) الحاصل صورة المسألة أن لعمرو مثلا مائتي ريال على بكر، وإحدى المائتين عليها بينة والاخرى ليس عليها ذلك، فأدى بكر المائة التي عليها البينة من غير إطلاعها على الاداء، وأنكر المائة التي بلا بينة، فلعمرو أن يدعي عليه بالمائة الاولى بدل الثانية، ويقيم البينة على ذلك، وإن كان قد أداها في الواقع للضرورة. (قوله: جاحد له) أي جاحد ذلك الآخر لذلك الدين. (قوله: بشهود) متعلق باستيفاء (وقوله: دين آخر له) أي للدائن (وقوله: عليه) أي على المدين الجاحد. (وقوله: قضى من غير علمهم) أي قضى ذلك الدين الآخر من غير علم الشهود به. (قوله: وله جحد من جحده) يعني إذا كان لزيد مائة ريال على عمرو ولعمرو على زيد كذلك وليس عليهما بينة، فأنكر عمرو الدين الذي عليه لزيد، فيجوز لزيد حينئذ أن يجحده أيضا. (قوله: مثل ماله) أي للجاحد. (وقوله: عليه) أي على الدائن الاول. (قوله: فيحصل التقاص) أي فكل منهما يجعل الدين في ذمته في مقابلة الدين الذي في ذمة الآخر. (قوله: فإن كان له) أي لمن يسوغ له الجحد. (وقوله: دون ما للآخر عليه) بأن تكون له خمسون ريالا وللجاحد عنده مائة ريال مثلا. (وقوله: جحد) جواب أن. (وقوله: من حقه) أي حق الجاحد. (وقوله: بقدره) أي بقدر حق نفسه، وهو في المثال المذكور خمسون ريالا. (قوله: وشرط للدعوى إلخ) اعلم أنه يشترط لصحة كل دعوى سواء كانت بدم أم بغيره، كغصب وسرقة وإتلاف مال ستة شروط: الاول أن تكون مفصلة بأن يفصل المدعي ما يدعيه، وتفصيله يختلف باختلاف المدعى به. ففي دعوى الدم يكون التفصيل بذكر قتله عمدا أو خطأ أو شبه عمد، إفرادا أو شركة. وفي دعوي نقد يكون بذكر جنسه ونوعه وقدره. وفي دعوى عين تنضبط بالصفات، كحيوان وحبوب يكون بوصفها بصفات السلم. وفي دعوى عقار يكون بذكر جهة وبلد وسكة وحدود أربعة. وفي دعوى النكاح على حرة يكون بذكر شروطه ورضاها إن كانت غير مجبرة، وعلى أمة يكون بما ذكر ويزيد عليه ذكر خوف العنت وفقد مهر حرة. الشرط الثاني: أن تكون ملزمة للمدعى عليه، فلا تسمع دعوى هبة شئ أو بيعه أو الاقرار به حتى يقول وقبضته بإذن الواهب، ويلزم البائع أو المقر التسليم إلي. وذلك لاحتمال أن يقول الواهب، لكنك لم تقبضها بإذني، فلا يلزمه شئ. ولاحتمال أن يكون للبائع حق الحبس، أو يكون المقر به ليس في يد المقر، فلا يلزمه التسليم إليه. الشرط الثالث: أن يعين المدعى عليه، فلو قال قتله أحد هؤلاء لم تسمع دعواه، لابهام المدعى عليه. الشرط الرابع: أن لا تناقضها دعوى أخرى، فلو ادعى على واحد انفراده بالقتل، ثم ادعى على آخر شركة فيه أو انفرادا به لم تسمع دعواه الثانية، لان الاولى تكذبها، ولا يمكن

(أو دين) مثلي أو متقوم (ذكر جنس) من ذهب أو فضة (ونوع) وصحة وتكسر إن اختلف بهما غرض (وقدر) كمائة درهم فضة خالصة أو مغشوشة أشرفية أطالبه بها الآن لان شرط الدعوى أن تكون معلومة وما علم وزنه كالدينار لا يشترط التعرض لوزنه ولا يشترط ذكر القيمة في المغشوش ولا تسمع دعوى دائن مفلس ثبت فلسه أنه وجد مالا حتى يبين سببه كإرث واكتساب وقدره (و) في الدعوى (بعين) تنضبط بالصفات كحبوب وحيوان ـــــــــــــــــــــــــــــ من العود إلى الاولى لان الثانية تكذبها. الشرط الخامس: أن يكون كل من المدعي والمدعى عليه مكلفا، ومثله السكران. الشرط السادس: أن يكون كل منهما ملتزما للاحكام وقد نظم بعضهم هذه الشروط بقوله: لكل دعوى شروط ستة جمعت تفصيلها مع إلزام وتعيين أن لا تناقضها دعوى تغايرها تكليف كل ونقي الحرب للدين وكلها تؤخذ من كلامه ما عدا التعين بعضها صراحة وبعضها ضمنا. (قوله: حتى تسمع) أي تلك الدعوى، أي يسمعها القاضي. (وقوله: وتحوج إلى جواب) أي تحوج الخصم إلى أن يجيب صاحب الدعوى. (قوله: بنقد) متعلق بالدعوى. (وقوله: خالص أو مغشوش) تعميم في النقد. (قوله: أو دين) معطوف على نقد: أي وشرط للدعوى بدين. (قوله: مثلي) أي ذلك الدين، كإردب حب مسلم فيه أو مقترض. (وقوله: أو متقوم) هو بكسر الواو معطوف على مثلي، وذلك كعبد مسلم فيه أو مقترض. (قوله: ذكر جنس) نائب فاعل شرط، والمراد بالجنس هنا ما كثرت أفراده واختلفت صفاته لا الجنس المنطقي - كما هو ظاهر - قال في فتح الجواد: وقد يغني النوع عنه. (قوله: من ذهب أو فضة) بيان للجنس. (قوله: ونوع) معطوف على جنس: أي وشرط ذكر نوع كأشر في أو ظاهري وكريال مجيدي، أو فرنساوي كجنيه فرنساوي أو مجيدي وهكذا. (قوله: وصحة وتكسر) معطوف أيضا على جنس: أي وشرط ذكر صحة وتكسر. (وقوله: إن اختلف بهما) أي بالصحة والتكسر غرض. وعبارة الروض وشرحه: وكذا بيان صحة وتكسر نقدان أثرا في قيمته بأن اختلفت قيمته بهما، أما إذا لم تختلف قيمة النقد بالصحة والتكسر فلا يحتاج إلى بيانها اه. بحذف. (قوله: وقدر) معطوف على جنس أيضا: أي وشرط ذكر قدر كعشرة. (قوله: كمائة درهم الخ) مثال للمستجمع للقيود ما عدا ما قبل الاخير فلم يذكره، وكان حقه أن يذكره. وعبارة شرح الروض: كمائة درهم فضة ظاهرية، صحاح أو مكسرة. اه. (وقوله: أشرفية) نسبه للسلطان الأشرف. (قوله: أطالبه بها الآن) زائد على القيود السابقة، وهو ساقط من عبارة المنهج وشرح الروض، فكان الأولى إسقاطه هنا، وإن كان هو لا بد منه لما علمت أن من شروط الدعوى الالزام في الحال. (قوله: لان شرط إلخ) علة لاشتراط ما ذكر في الدعوى بنقد أو دين: أي وإنما شرط للدعوى بنقد أو دين، ذكر ما ذكر لأن شرط الدعوى أن تكون معلومة، وهي لا تعلم إلا بذكر ذلك في المدعى به. (قوله: وما علم إلخ) هو في معنى الاستدراك على اشتراط القدر، فكان الاولى زيادة أداة الاستدراك كما في شرح الروض. (قوله: ولا يشترط ذكر القيمة في المغشوش) قال في التحفة: بناء على الأصح أنه مثلي، فقول البلقيني يجب فيه مطلقا ممنوع. اه. وكتب سم قوله بناء على الأصح إلخ. ما نصه: قضيته إعتبار ذكر القيمة في الدين المتقوم لكن عبر في المنهج وشرحه بقوله: ومتى ادعى نقدا أو دينا مثليا أو متقوما وجب ذكر جنس ونوع وقدر وصفة. اه. ولم يتعرض لاعتبار ذكر القيمة -. (قوله: ولا تسمع دعوى) أي على المفلس. (وقوله: دائن مفلس) تركيب إضافي. (وقوله: ثبت فلسه) أي عند القاضي. (قوله: أنه وجد مالا) المصدر المنسبك من أن واسمها وخبرها منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بدعوى. والمعنى لا تسمع دعوى دائن على مفلس بأن المفلس تحصل عنده مال. (وقوله: حتى يبين) أي الدائن المدعى. (وقوله: سببه) أي سبب وجود المال عنده. (قوله: كإرث الخ) تمثيل للسبب. (قوله: وقدره) بالنصب معطوف على سببه، أي وحتى يبين قدر المال الذي وجد عنده، فإن لم يبين سببه وقدره لا تسمع دعواه عليه. أما في الأول فالظاهر عدم وجود مال عنده. وأما في الثاني فلان المال يطلق على أقل متمول فلربما أنه وجد مالا

ذكر (صفة) بأن يصفها المدعي بصفات سلم ولا يجب ذكر القيمة فإن تلفت العين وهي متقومة وجب ذكر القيمة مع الجنس كعبد قيمته كذا (و) في الدعوى (بعقار) ذكر (جهة) ومحلة (وحدود) أربعة فلا يكفي ذكر ثلاثة منها إذا لم يعلم إلا بأربعة فإن علم بواحد منها كفى بل لو أغنت شهرته عن تحديده لم يجب (و) في الدعوى (بنكاح) على امرأة ذكر صحته وشروطه من نحو (ولي وشاهدين عدول) ورضاها إن شرط بأن كانت غير مجبرة فلا يكفي ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قال المدعي، إلا أنه لا يقع الموقع فلا فائدة في سماع الدعوى. (قوله: وفي الدعوى بعين) معطوف على للدعوى بنقد، أي وشرط في الدعوى بعين، والمراد بها غير النقد، أما هو فقد تقدم ذكره. آنفا. (قوله: تنضبط بالصفات) خرج به العين التي لا تنضبط بالصفات كالجواهر، فالمعتبر فيها ذكر القيمة. فيقول جوهرة قيمتها كذا. (قوله: كحبوب وحيوان) تمثيل للعين التي تنضبط بالصفات، ومثل بمثالين إشارة إلى أن لا فرق في العين بين أن تكون من المثليات كالمثال الأول، أو من المتقومات كالمثال الثاني. (قوله: ذكر صفة نائب) فاعل شرط مقدرا قبل قوله وفي الدعوى بعين. وأفهم إطلاقه إشتراط ذكر الصفة في المتقوم، وهو كذلك عند حجر. وعند م ر يجب في المثلي، ويندب في المتقوم مع وجوب ذكر القيمة فيه. (قوله: بأن يصفها) أي العين المدعى بها. (وقوله: بصفات سلم) أي لأنها لا تتميز التميز الكامل إلا بها، وذلك بأن يذكر في الرقيق نوعه كحبشي أو رومي، وذكورته أو أنوثته، وقده طولا أو قصرا، ولونه كأبيض. ويذكر في الثوب الجنس كقطن أو كتاب أو حرير، والنوع كقطن عراقي، والطول والعرض وهكذا. وقد تقدم تفصيل ذلك في باب السلم. (قوله: ولا يجب ذكر القيمة) أي قيمة العين إكتفاء بذكر صفات السلم. (قوله: فإن تلفت العين الخ) مقابل لمحذوف، أي هذا أن بقيت العين، فإن تلفت الخ. ومثل التالفة ما إذا غابت عن البلد، فيجب ذكر القيمة في المتقوم، ولا يجب ذكر الصفات كما صرح بذلك في التحفة في فصل في غيبة المحكوم به، ونص عبارتها مع الاصل: ويبالغ وجوبا المدعي في الوصف للمثلي، ويذكر القيمة في المتقوم وجوبا، إذ لا يصير معلوما إلا بها، أما ذكر قيمة المثلي والمبالغة في وصف المتقوم فمندوبان كما جريا عليه هنا. وقولهما في الدعاوي يجب وصف العين بصفات السلم دون قيمتها مثلية كانت أو متقومة، محمول على عين حاضرة بالبلد يمكن إحضارها مجلس الحكم. اه. (قوله: وجب ذكر القيمة مع الجنس) أي ولا يجب ذكر بقية الصفات، لان القيمة هي الواجبة عند التلف، فلا حاجة لذكر شئ من الصفات معها. (قوله: (قوله: وفي الدعوى بعقار) معطوف على للدعوى بنقد: أي وشرط في الدعوى بعقار. (وقوله: ذكر جهة) نائب فاعل شرط مقدرا قبل قوله وفي الدعوى بعقار، والجهة كالحجاز أو الشام. (وقوله: ومحله) أي وذكر محلة، - وهي بفتحتين وتشديد اللام المفتوحة - المعبر عنها بالحارة. (وقوله: وحدود أربعة) أي وذكر حدود أربعة وهي - الشرق والغرب والشام واليمن -، وبقي عليه ذكر البلد والسكة، أي الزقاق، وأنه في يمنة داخل السكة أو يسرته. وعبارة الروض وشرحه: ويبين في دعوى العقار الناحية والبلدة والمحلة والسكة والحدود الاربعة، وأنه في يمنة داخل السكة أو يسرته أو صدرها ذكره البلقيني ولا حاجة لذكر القيمة. اه. (قوله: فلا يكفي ذكر ثلاثة منها) أي من الحدود. (وقوله: إذا لم يعلم) أي العقار، وهو قيد في عدم الإكتفاء بذلك. (قوله: فإن علم بواحد منها) أي من الحدود الاربعة. (وقوله: كفى) أي ذكر ذلك الواحد. (قوله: بل لو أغنت شهرته) أي العقار، كأن وضع له إسم لا يشاركه فيه غيره، كدار الندوة بمكة. (وقوله: عن تحديده) أي بالحدود الاربعة. (وقوله: لم يجب) أي التحديد. (قوله: وفي الدعوى بنكاح) معطوف أيضا على للدعوى بنقد: أي وشرط في الدعوى بنكاح. (وقوله: على امرأة) متعلق بالدعوى، وهي ليست بقيد، بل مثلها الرجل، فلو ادعت زوجية رجل وذكرت ما يأتي من الصحة وشروط النكاح، فأنكر فحلفت اليمين المردودة، ثبتت زوجيتها ووجبت مؤنتها وحل له اصابتها، لأن إنكار النكاح ليس بطلاق، قاله الماوردي. وحل إصابتها يكون ظاهرا لا باطنا إن صدق في الانكار. (قوله: ذكر صحته) أي النكاح، وهو نائب فاعل شرط المقدر أيضا. (وقوله: وشروطه) أي النكاح، وذلك بأن يقول نكحتها نكاحا صحيحا بولي وشاهدين، ويصفهم بالعدالة، ويصف المرأة بالرضا إن كانت غير مجبرة. قال في شرح الروض: ولا يشترط تعيين الولي والشاهدين، ولا التعرض لعدم الموانع، لأن الأصل

فيه الاطلاق فإن كانت الزوجة أمة وجب ذكر العجز عن مهر حرة وخوف العنت وأنه ليس تحته حرة (و) في الدعوى (بعقد مالي) كبيع وهبة ذكر صحته ولا يحتاج إلى تفصيل كما في النكاح لانه أحوط حكما منه (وتلغو) الدعوى (بتناقض) فلا يطلب من المدعى عليه جوابها (كشهادة خالفت) الدعوى كأن ادعى ملكا بسبب فذكر الشاهد سببا آخر فلا تسمع لمنافاتها الدعوى وقضيته أنه لو أعادها على وفق الدعوى قبلت وبه صرح الحضرمي ـــــــــــــــــــــــــــــ عدمها ولكثرتها. اه. وإنما شرط الجمع بين ذكر الصحة وذكر الشرط مع أن كل واحد منهما يستلزم الآخر إحتياطا في النكاح. (قوله: من نحو ولي الخ) بيان للشروط، ودخل تحت نحو السيد الذي يلي نكاح الأمة. (وقوله: عدول) صفة لكل من ولي وشاهدين. (قوله: ورضاها) معطوف على نحو ولي من عطف الخاص على لعام، ولو قال كرضاها تمثيلا لنحو ما ذكر لكان أولى. (وقوله: إن شرط) أي الرضا. (وقوله: بأن كانت غير مجبرة) تصوير لشرط الرضا. قال في التحفة: أما إذا لم يشترط رضاها كمجبرة فلا يتعرض له بل لمزوجها من أب أو جد، أو لعلمها به إن ادعى عليها. اه. (وقوله: بل لمزوجها الخ) أي بل يتعرض له أو لما بعده بأن يقول نكحتها من أبيها أو جدها، أو هي عالمة به. (قوله: فلا يكفي فيه) أي في دعوى النكاح، وذكر الضمير مع أن المرجع مؤنث لاكتسابه التذكير من المضاف إليه. (وقوله: الاطلاق) أي بأن لم يتعرض للشروط، وقيل يكفي ذلك، ويكون التعرض لذلك مستحبا، كما اكتفي به في دعوى إستحقاق المال، فإنه لا يشترط فيه ذكر السبب بلا خلاف، ولانه ينصرف إلى النكاح الشرعي، وهو ما وجدت فيه الشروط. اه. نهاية. تنبيه: يستثنى من عدم الاكتفاء بالاطلاق على المعتمد أنكحة الكفار، فيكفي في الدعوى بها أن يقول هذه زوجتي، وإن ادعى استمرار نكاحها بعد الاسلام ذكر ما يقتضي تقريره. وأفاده المغني. (قوله: فإن كانت الزوجة أمة وجب) أي زيادة على ما مر. (وقوله: ذكر العجز الخ) أي ذكر ما يبيح له نكاح الأمة من الشروط التي ذكرها، وذلك بأن يقول نكحتها نكاحا صحيحا بولي وشاهدين، وإني عاجز عن مهر حرة، وخائف العنت، وليس تحتي زوجة حرة. (قوله: وفي الدعوى بعقد مالي) معطوف على للدعوى بنقد أيضا: أي وشرط في الدعوى بعقد مالي، أي يتعلق بالمال. (وقوله: كبيع وهبة) تمثيل له. (وقوله: ذكر صحته) أي العقد وهو نائب فاعل شرط المقدر كالذي قبله. (قوله: ولا يحتاج إلى تفصيل) أي ولا يحتاج العقد المالي: أي الدعوى به إلى تفصيل بذكر شروطه، بل يكفي فيه الاطلاق، وقيل يشترط فيه ذلك كأن يقول بعته إياه بيعا صحيحا بثمن معلوم، ونحن جائزا التصرف وتفرقنا عن تراض. (قوله: كما في النكاح) تمثيل للمنفي، فإنه يحتاج فيه إلى التفصيل كما مر. (وقوله: لانه) أي النكاح، وهو علة لكون النكاح يحتاج فيه إلى التفصيل. (وقوله: أحوط حكما منه) أي من العقد المالي، وكان المناسب في العلة أن يقول: لانه دون النكاح في الاحتياط. (قوله: وتلغو الدعوى بتناقض) أي بوجود تناقض: أي مناقض لها، وذلك كأن يدعي شخص على إنسان أنه قتل مورثه وحده، ثم يدعي ثانيا ويقول قتله آخر وحده أو مع الاول، فلا تسمع الثانية لمناقضتها الاولى، ولا يمكنه الرجوع إلى الاولى لمناقضتها الثانية. ومحل إلغاء ما ذكر إذا لم يحصل إقرار من المدعى عليه حينئذ، فيؤاخذ مدعى عليه مقر صدقه المدعي في إقراره بمضمون الأولى أو الثانية لان الحق لا يعدوهما، وغلط المدعي في الاخرى محتمل. (قوله: فلا يطلب الخ) تفريع على إلغائها. (قوله: كشهادة) أي كإلغاء شهادة خالفت الدعوى، فالكاف للتنظير. (قوله: كأن ادعى إلخ) تمثيل لالغاء الشهادة، ولم يمثل لالغاء الدعوى وقد علمته. (وقوله: بسبب) أي كإرث مثلا. (قوله: فذكر الشاهد سببا آخر) أي كهبة. (قوله: فلا تسمع) أي الشهادة (قوله: لمنافاتها) أي الشهادة. (وقوله: الدعوى) مفعول المصدر، أو منصوب بإسقاط الخافض. (قوله: وقضيته) أي التعليل. (وقوله: أنه) أي الشاهد. (وقوله: لو أعادها) أي الشهادة. (وقوله: قبلت) أي الشهادة. قال في التحفة: وينبغي تقييده بمشهور بالديانة إعتيد، نحو سبق لسان أو نسيان. اه. (قوله: وبه صرح الخ) أي وبقبول الشهادة المعادة، صرح الشيخ

واقتضاه كلام غيره ولا تبطل الدعوى بقوله شهودي فسقة أو مبطلون فله إقامة بينة أخرى والحلف (ومن قامت عليه بينة) بحق (ليس له تحليف المدعي) على استحقاق ما ادعاه بحق لانه تكليف حجة بعد حجة فهو كالطعن في الشهود نعم له تحليف المدين مع البينة بإعساره لجواز أن له مالا باطنا ولو ادعى خصمه مسقطا له كأداء له أو إبراء منه أو شرائه منه فيحلف على نفي ما ادعاه الخصم لاحتمال ما يدعيه وكذا لو ادعى خصمه عليه علمه بفسق ـــــــــــــــــــــــــــــ إسماعيل الحضرمي. (قوله: ولا تبطل الدعوى بقوله) أي المدعي. (وقوله: شهودي فسقة الخ) الجملة مقول القول. وخرج بالدعوى نفس البينة، فتبطل بقوله المذكور ولا تقبل. قال في الروض وشرحه: ومن كذب شهوده سقطت بينته لتكذيبه لها لا دعواه، لاحتمال كونه محقا فيها، والشهود مبطلين لشهادتهم بما لا يعلمون، وفي مثله قال الله تعالى: * (والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) *. اه. (قوله: فله إقامة إلخ) مفرع على عدم بطلان الدعوى: أي وإذا لم تبطل الدعوى فله إقامة بينة أخرى: أي غير بينته الاولى، أما هي فلا تقبل ثانيا ما لم تحصل توبة وتمضي مدة الاستبراء، وإلا قبلت - كما في البجيرمي - نقلا عن سم. ونص عبارته: ولو قال شهودي فسقة أو عبيد ثم جاء بعد، فإن مضت مدة استبراء أو عتق قبلت شهادتهم. وإلا فلا. اه. (قوله: والحلف) هكذا في التحفة. وانظر ما المراد به؟ فإن كان المراد أن له إقامة البينة مع الحلف فانظر لاي شئ يحلف؟ وإن كان المراد أن له إقامة البينة وله الحلف بمعنى أنه مخير بينهما فلا يصح إذ لا يقبل منه حلف فقط، وإن كان المراد به حلف النكول بأن قال القاضي للخصم بعد عجز المدعي عن الاتيان بالبينة أحلف، فأبى الخصم ذلك صح، ولكنه بعيد من كلامه. فتأمل. (قوله: ومن قامت عليه بينة) أي شهدت عليه بينة. (قوله: بحق) أي بثبوت حق عنده، والجار والمجرور متعلق بقامت. (قوله: ليس له) أي لمن قامت عليه البينة. (وقوله: تحليف المدعي) أي على من قامت عليه البينة بحق. (وقوله: على استحقاق ما ادعاه) متعلق بتحليف. (وقوله: بحق) هو ضد الباطل، وهو متعلق بإستحقاق: أي ليس لمن قامت عليه البينة أن يحلف المدعي بأن ما ادعى به عليه يستحقه بحق. (قوله: لأنه) أي التحليف، وهو علة لقوله ليس له الخ. (وقوله: تكليف حجة) هي اليمين، وهي حجة في الجملة. (وقوله: بعد حجه) هي البينة. (قوله: فهو إلخ) أي تحليف المدعي مع إقامة البينة كالطعن في الشهود، أي القدح فيهم، وهو ممتنع فكذلك التحليف بعد إقامة البينة. ممتنع، وهذا تعليل ثان لقوله ليس الخ. وعبارة النهاية: لانه كالطعن في الشهود، ولظاهر قوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين) *. اه. (قوله: نعم له تحليف إلخ) استثناء من امتناع التحليف مع إقامة البينة، فكأنه قال يمتنع التحليف مع إقامة البينة، إلا إن ادعى المدين أنه معسر وأقام بينة على إعساره، فللدائن تحليفه بأنه ليس عنده مال، لاحتمال أن يكون له مال باطنا. (قوله: بإعساره) تنازعه كل من تحليف والبينة. (قوله: لجواز الخ) علة لكون الدائن له أن يحلف المدين. (وقوله: مالا لا باطنا) أي لم تطلع عليه البينة. (قوله: ولو ادعى الخ) هذا استثناء أيضا من امتناع التحليف مع إقامة البينة، فكأنه قال يمتنع التحليف مع إقامة البينة، إلا إن ادعى الخصم بعد إقامة البينة عليه أنه أدى الدائن حقه وأن الدائن أبرأه منه أو غير ذلك، فله أن يحلفه على نفي ما ادعاه. (قوله: خصمه) أي خصم الدائن، وهو المدين. (قوله: مسقطا له) أي للحق. (قوله: كأداء الخ) تمثيل للمسقط. (وقوله: له) أي للحق، وكذا ضمير منه بعد. وفي المغني ما نصه: يستثني من إطلاق المصنف الاداء ما لو قال الاجير على الحج قد حججت، فإنه يقبل قوله ولا يلزمه بينة ولا يمين. قاله الدبيلي. اه. (قوله: أو شرائه) بالجر عطف على أدائه: أي وكشرائه: أي الحق منه: أي من المدعي، وذلك بأن يدعي عليه بعبد مثلا في ذمته ويقيم البينة على ذلك، فيقول الخصم قد اشتريته منك. (قوله: فيحلف) يصح قراءته بالبناء للمجهول، فيكون بضم الياء وفتح الحاء وتشديد اللام المفتوحة، وضميره يعود على الدائن المدعى عليه بالاداء ونحوه. ويصح قراءته بالبناء للمعلوم، فيكون بفتح الياء وسكون الحاء وكسر اللام. والمناسب الأول. (وقوله: على نفي ما ادعاه الخصم) أي

_ (1) سورة المنافقون، الاية: 1. (2) سورة البقرة، الاية: 282.

شاهده أو كذبه ولا يتوجه حلف على شاهد أو قاض ادعى كذبه قطعا لانه يؤدي إلى فساد عام. ولو نكل عن هذه اليمين حلف المدعى عليه وبطلت الشهادة (وإذا) طلب الامهال من قامت عليه البينة (أمهله) القاضي وجوبا لكن بكفيل وإلا فبالترسيم عليه إن خيف هربه (ثلاثة) من الايام (ليأتي بدافع) من نحو أداء أو إبراء ومكن من سفره ليحضره إن لم تزد المدة على الثلاث لانها لا يعظم الضرر فيها (ولو ادعى رق بالغ) عاقل مجهول النسب ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن يقول والله ما تأديت منه الحق ولا أبرأته ولا بعته عليه. (قوله: لاحتمال ما يدعيه) تعليل لكونه يحلف، ومحل تحليفه على نفي ذلك إن ادعى الخصم ذلك قبل قيام البينة والحكم أو بينهما ومضي زمن إمكانه، وإلا فلا يلتفت لدعواه كذا في شرح المنهج. (قوله: وكذا لو ادعى الخ) أي وكذلك يحلف على نفي ما ادعاه لو ادعى الخ وهو مستثنى مما مر أيضا. (وقوله: علمه) مفعول ادعى، وضميره يعود على من ادعى عليه بحق دائنا أو غيره. (وقوله: بفسق شاهده) أي الذي أقامه شاهدا على حقه، وهو مفرد مضاف فيعم فيشمل الشاهدين. (وقوله: أو كذبه) أي أو علمه بكذبه، فهو بالجر معطوف على بفسق. وعبارة الروض وشرحه: وإن ادعى علمه بفسق الشهود أو كذبهم، فله تحليفه أنه لا يعلم ذلك لانه لو أقر به لنفعه، وكذا إن ادعى عليه بكل ما لو أقر به لنفعه، كأن ادعى إقراره له بكذا: أي بالمدعي به الخ. اه. (قوله: ولا يتوجه حلف على شاهد أو قاض الخ) عبارة الروض وشرحه: ولا يجوز تحليف القاضي ولا الشهود، وإن كان ينفع الخصم تكذيبهما أنفسهما لما مر أن منصبهما يأبى التحليف. اه. (قوله: ادعى) أي الخصم. (وقوله: كذبه) أي الشاهد في شهادته، أو القاضي في حكمه. وعبارة متن المنهاج: ولا يحلف قاض على تركه الظلم في حكمه، ولا شاهد أنه لم يكذب. اه. (قوله: لأنه) أي توجه الحلف عليهما، وهو علة لقوله ولا يتوجه. (وقوله: يؤدي إلى فساد عام) أي وهو ضياع حقوق الناس، وذلك لان التحليف كالطعن في الشهادة أو في الحكم، وليس هناك أحد يرضى الطعن في شهادته أو في حكمه، فإذا علم الشاهد أو القاضي أنه يحلف، امتنع الاول من الشهادة والثاني من الحكم، فيؤدي ذلك إلى ضياع حقوق الناس، وهذا فساد عام. هذا ما ظهر في معنى الفساد العام. (قوله: ولو نكل) أي مقسم البينة من الحلف، وهو مرتبط بالصور الثلاث: أعني قوله: نعم له تحليف إلخ. وقوله: لو ادعى خصمه الخ. وقوله: وكذا لو ادعى الخ. ومقيم البينة في الصورة الأولى المدين المعسر، وفي الصورتين الباقيتين المدعي بحق دائنا كان أو غيره. (قوله: حلف المدعى عليه) أي اليمين المردودة، والمدعى عليه في الصورة الأولى الدائن، وذلك لان المدين يدعي بأنه معسر فطلب الدائن منه اليمين ونكل منها، فيحلف الدائن حينئذ اليمين المردودة، ولا تسمع بينة الاعسار. وفي الصورتين الباقيتين من عليه الحق. (وقوله: بطلت الشهادة) أي بالاعسار في الصورة الأولى، وبثبوت الحق في ذمة المدين في الصورتين الباقيتين. (قوله: وإذا طلب الامهال) أي من القاضي. (قوله: من قامت عليه البينة) من اسم موصول فاعل طلب، والجملة بعده صلة الموصول. (قوله: أمهله القاضي) أي أمهل من طلب منه الامهال. (قوله: لكن بكفيل) أي لكن يمهله بشرط أن يأتي بكفيل عليه يحضره إذا هرب. (قوله: وإلا) أي وإن لم يأت بكفيل. (وقوله: فبالترسيم عليه) أي فيمهله مع الترسيم عليه: أي المحافظة عليه من طرف القاضي. (قوله: إن خيف هربه) راجع لاصل الاستدراك كما في الرشيدي. (قوله: ثلاثة) مفعول في لامهل، أو نائب عن المفعول المطلق: أي إمهالا ثلاثة أيام. (قوله: ليأتي) أي من طلب الامهال، وهو علة طلبه إياه. أي طلب الامهال لاجل أن يأتي الخ. (وقوله: بدافع) أي بينة دافع، فهو على حذف مضاف، إذ المأتي به البينة لا الدافع الذي بينه بقوله من نحو أداء أو إبراء، ويجب استفساره الدافع إن لم يفسره وكان جاهلا لانه قد يتوهم ما ليس بدافع دافعا، بخلاف ما إذا كان عارفا. (قوله: ومكن من سفره) أي إن احتاج في إثباته إليه. (وقوله: ليحضره) أي الدافع: أي بينته كما علمت. (قوله: إن لم تزل المدة) أي مدة السفر، وهو قيد لتمكينه من السفر. (وقوله: على الثلاثة) أي التي هي مدة الامهال، فإن كانت تزيد عليها لا يمكن منه. وفي البجيرمي: فرع: لو قال لي بينة في المكان الفلاني والامر يزيد على الثلاثة فمفهوم كلامهم عدم الامهال، فلو قضى عليه ثم أحضرها بعد الثلاثة أو قبلها سمعت. عميرة شوبري. اه.

(فقال أنا حر أصالة) ولم يكن قد أقر له بالملك قبل وهو رشيد (حلف) فيصدق بيمينه وإن استخدمه قبل إنكاره وجرى عليه البيع مرارا أو تداولته الايدي لموافقته الاصل وهو الحرية ومن ثم قدمت بينة الرق على بينة الحرية لان الاولى معها زيادة علم بنقلها عن الاصل وخرج بقولي أصالة ما لو قال أعتقتني، أو أعتقني من باعني لك فلا يصدق إلا ببينة وإذا ثبتت حريته الاصلية بقوله رجع مشتريه على بائعه بثمنه وإن أقر له بالملك لانه بناه على ظاهر ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: لأنها) أي الثلاث لا يعظم الضرر فيها، وهو تعليل لكونه يمهل ثلاثة من الايام. قال في التحفة: ولو أحضر بعد الثلاث شهود الدافع، أو شاهدا واحدا، أمهل ثلاثا أخرى للتعديل أو التكميل، كما صرح به الماوردي، لكن ضعفه البلقيني. ولو عين جهة ولم يأت ببينتها ثم ادعى أخرى عند انقضاء مدة المهلة واستمهل لها لم يمهل، أو أثنائها أمهل بقيتها. اه. (وقوله: ولو عين جهة) أي للدفع، كأداء أو إبراء. (قوله: ولو ادعى) أي شخص. (وقوله: رق) مفعول ادعى. (قوله: مجهول النسب) خرج به ما إذا علم نسبه، فلا تسمع دعوى الرق عليه أصلا. (قوله: فقال) أي البالغ العاقل المدعى عليه في الرق. (قوله: أنا حر أصالة) أي لا يضرب علي الرق أصلا. وفي سم وقع السؤال عما لو كانت أمه رقيقة وقال أنا حر الاصل، فهل يقبل قوله بيمينه أيضا، لاحتمال حرية الاصل مع ذلك بنحو وطئ شبهة يقتضي الحرية. أو لا بد من بينة لان الولد يتبع أمه في الرق، فالاصل في ولد الرقيقة هو الرق، وفيه نظر. ولعل الأوجه الثاني، وبه أفتى م ر متكررا، ويؤيده تعليلهم بموافقة الأصل وهو الحرية، إذ لا يقال في ولد الرقيقة أن الاصل فيه الحرية. اه. (قوله: ولم يكن) أي المدعى عليه بالرق. (وقوله: قد أقر له) أي لمدعي الرق، أي أو لغيره. وعبارة شرح الروض ولم يسبق منه إقرار برق اه. وهي أولى. (وقوله: قبل) أي قبل قوله أنا حر أصالة. وخرج به ما لو أقر بالرق ثم ادعى حرية الاصل فلا تسمع دعواه بها، كما صرح به في التحفة قبيل باب الجعالة. وفي شرح الروض وخرج ما لو قال أنا عبد فلان، فالمصدق السيد لاعتراف العبد بالرق، وأنه مال ثبتت عليه اليد، واليد عليه للسيد فلا تنتقل بدعواه. اه. (وقوله: وهو رشيد) الجملة الحالية، أي لم يكن قد أقر به في حال كونه رشيدا، وفي التقييد به خلاف. ولذلك قال في التحفة: وهو رشيد على ما مر قبيل الجعالة، ونص عبارته هناك، وإن أقر به أي الرق، وهو المكلف. وعن ابن عبد السلام ما يقتضي اعتبار رشده أيضا، وظاهر كلامهم خلافه. اه. وكتب سم قوله اعتبار رشده قد يؤيده أنه إقرار بمال وشرطه الرشد، اللهم إلا أن يمنع أن الاقرار بالرق ليس من الاقرار بالمال، وإن ترتب عليه المال. اه. (قوله: حلف) أي مدعي الحرية. (قوله: فيصدق بيمينه) أي إن لم يأت مدعي الرق ببينة، وإلا قدمت. (قوله: وإن استخدمه) أي إستخدم مدعي الرق مدعي الحرية، وهو غاية لتصديق الثاني بيمينه. (قوله: قبل إنكاره) أي إنكار مدعي الحرية الرق، وهو لا مفهوم له كما هو ظاهر. (قوله: أو تداولته الأيدي) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا: أي وإن تداولته الايدي: أي استعملته الايدي بأن صار ينتقل من يد إلى يد أخرى على سبيل الاستخدام، أو الاجارة، أو البيع. (قوله: لموافقته الاصل) تعليل لقوله فيصدق بيمينه، وعبارة شرح الروض: صدق بيمينه وإن تداولته الايدي وسبق من مدعي رقه قرينة تدل على الرق ظاهرا، كاستخدام وإجارة قبل بلوغه لان اليد والتصرف إنما يدلان على الملك فيما هو مال في نفسه، وهذا بخلافه لان الاصل الحرية. اه. (قوله: وهو) أي الاصل الحرية. (قوله: ومن ثم) أي من أجل أن الاصل الحرية. (وقوله: قدمت بينة الرق) أي البينة المثبتة للرق. (وقوله: على بينة الحرية) أي البينة المثبتة للحرية. (قوله: لان الاولى الخ) علة للمعلل مع علته: أي وإنما قدمت بينة الرق لكون الاصل الحرية، لان مع بينة الرق زيادة علم: أي علم بينة الحرية، وبيان ذلك ان بينة الحرية إنما علمت بالاصل فقط وهو الحرية، وبينة الرق علمت به وبطرو الرق عليها فعلمها يزيد على علم الاولى بذلك. (وقوله: بنقلها عن الأصل) الضمير يعود على البينة، والباء سببية متعلقة بزيادة: أي وإنما كان معها زيادة علم بسبب إنتقالها عن الأصل الذي هو الحرية، وشهادتها بخلافه وهو الرق الذي يطرأ غالبا على الحرية. (قوله: وخرج بقولي أصالة) أي من قوله أنا حر أصالة. (قوله: ما لو قال) أي مدعي الحرية الرق. (وقوله: أعتقتني إلخ) مقول القول. (قوله: فلا يصدق إلا ببينة) أي لا يصدق مدعي العتق إلا ببينة يقيمها عليه، لأن الأصل عدمه. (قوله: وإذا ثبتت حريته

اليد (أو) ادعى رق (صبي) أو مجنون كبير (ليس في يده) وكذبه صاحب اليد (لم يصدق إلا بحجة) من بينة أو علم قاض أو يمين مردودة لان الاصل عدم الملك. فلو كان الصبي بيده أو بيد غيره وصدقه صاحب اليد حلف لخطر شأن لحرية ما لم يعرف لقطه ولا أثر لانكاره إذا بلغ لان اليد حجة فإن عرف لقطه لم يصدق إلا ببينة. فرع: لا تسمع الدعوى بدين مؤجل إذ لم يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال ويسمع قول البائع المبيع وقف وكذا ببينة. إن لم يصرح حال البيع بملكه وإلا سمعت دعواه لتحليف المشتري أنه باعه وهو ملكه. ـــــــــــــــــــــــــــــ الاصلية) مثله ما لو ثبتت حريته العارضة بالعتق بالبينة، فيرجع المشتري على بائعه. (قوله: بقوله) أي بقوله أنا حر أصالة: أي مع اليمين كما هو ظاهر. (قوله: رجع إلخ) جواب إذا. (قوله: وإن أقر) أي المشتري له. أي للبائع بالملك وهو غاية للرجوع بالثمن. (قوله: لأنه) أي المشتري المقر وهو علة لمقدر: أي فلا يضر إقراره لأنه الخ. (وقوله: بناه) أي الملك. (وقوله: على ظاهر اليد) أي على ظاهر كونه تحت يده وتصرفه، فإن الذي يظهر من ذلك أنه ملكه. (قوله: أو ادعى) معطوف على مدخول لو، فهي مسلطة عليه أيضا، أي ولو ادعى شخص رق صبي أو مجنون. (وقوله: كبير) صفة لمجنون. (قوله: ليس) أي من ذكر من الصبي والمجنون. (وقوله: في يده) أي في قبضته وتصرفه. والضمير يعود على مدعي الرق. (قوله: وكذبه) أي كذب المدعي صاحب اليد: أي بأن قال له أنه ليس برقيق، وهذا إذا كان في يد غيره، وإلا فقد يكون ليس في يد أحد والحكم واحد. (قوله: لم يصدق) أي مدعي الرق. (قوله: من بينة) هو مع ما بعده بيان للحجة. (وقوله: أو يمين مردودة) أي من صاحب اليد. (قوله: لأن الأصل عدم الملك) أي ولا يترك هذا الاصل إلا بحجة. (قوله: فلو كان الصبي بيده) أي مدعي الرق. (وقوله: وصدقه صاحب اليد) إظهار في مقام الاضمار، وهو محترز قوله وكذبه صاحب اليد. (قوله: حلف) أي مدعي الرق، أي يحكم له به باليمين. (قوله: لخطر شأن الحرية) تعليل للحلف. (قوله: ما لم يعرف لقطه) أي يحلف ويصدق به ما لم يعلم لقط صاحب اليد له، فالمضير يعود على صاحب اليد مطلقا، سواء كان هو مدعي الرق أم لا، والإضافة من إضافة المصدر لفاعله، ويصح أن يعود على المدعى عليه بالرق، والإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل. (قوله: ولا أثر لانكاره) أي المدعى عليه بالرق إذا بلغ. نعم: إن أتى ببينة صدق بها. (قوله: فإن عرف لقطه) محترز قوله ما لم يعرف لقطه. (قوله: لم يصدق) أي من ادعى الرق سواء كان هو الملتقط أو من كان تحت يده كما مر. (وقوله: إلا ببينة) أي لان اللقيط محكوم عليه بالحرية ظاهرا فلا يزال عنها إلا بمستند قوي وهو البينة. (قوله: لا تسمع الدعوى بدين مؤجل) قال في النهاية: إلا إن كان بعضه حالا وادعى بجميعه ليطالبه بما حل سمعت. اه. (قوله: إذ لم يتعلق بها) أي بدعوى الدين المؤجل. (وقوله: إلزام ومطالبة في الحال) أي ومن شرط الدعوى كما تقدم أن تكون ملزمة المدعى عليه بالمدعى به في الحال. (قوله ويسمع قول البائع المبيع وقف إلخ) أي إذا باع عينا ثم ادعى الوقفية وأن البيع باطل، سمعت دعواه. والمراد بسماعها بالنسبة لتحليف الخصم أنه باعه وهي ملكه. وفائدة ذلك أنه ربما ينكل فيحلف البائع بأنها ليست ملكا وإنما هي وقف، ويبطل البيع وهذا إن لم يكن عنده بينة، وإلا عمل بها، ولا تحليف كما هو ظاهر. (قوله: وكذا ببينة) لعل الباء زائدة من النساخ: أي وكذا تسمع بينة أيضا إن وجدت. (وقوله: إن لم يصرح حال الخ) قيد لقوله وكذا ببينة: أي وكذا تسمع إن لم يصرح البائع حال البائع بأنها ملكه بأن اقتصر على البيع ولم يذكر شيئا. (قوله: وإلا سمعت الخ) أي وإلا لم يصرح، بأن صرح حال البيع بأنها ملكه ثم ادعى الوقفية سمعت دعواه فقط، أي ولم تسمع بينته، ولو قال وإلا لم تسمع بينته وسمعت دعواه الخ لكان أنسب. (وقوله: لتحليف الخ) هذا ثمرة سماع دعواه: أي سمعت دعواه لاجل تحليف الخصم أنه باعه والمبيع ملك له لا وقف، فإن حلف استمر البيع على صحته، وإلا بأن نكل حلف البائع وبطل البيع وثبتت الوقفية، وما ذكرته من الحل المذكور هو مقتضى صنيعه كالتحفة، ويؤيده عبارة الانوار ونصها: ولو ادعى البائع أنه وقف قال القفال: لا تسمع بينته والتقييد بها يشعر بسماع دعواه وتحليف خصمه، وقال العراقيون تسمع إذا لم يصرح بأنه ملكه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بل اقتصر على البيع. اه. وقوله تسمع: أي البينة. وجرى في الروض وشرحه على أنه إذا لم يصرح بأنها ملكه سمعت دعواه وبينته، وإذا صرح بذلك لم تسمع دعواه، ولا بينته وعبارتهما: ولو ادعى البائع وقفها ولم يكن قال حين البيع هي ملكي سمعت دعواه للتحليف وبينته وإلا: أي وإن قال ذلك لم تسمع دعواه ولا بينته، وتقييد سماع دعواه بكونه لم يقبل ذلك من زيادته أخذا من المسألة الآتية، وظاهر أن محل عدم سماعها فيهما إذا لم يذكر تأويلا. ولو قال البائع للمشتري منه بعتك وأنا لا أملكها والآن قد ملكتها، ولم يكن قال حين البيع هي ملكي، سمعت دعواه وبينته. فإن لم يكن له بينة حلف المشتري أنه باعه إياها وهي ملكه، وإن كان قال ذلك لم تسمع دعواه ولا بينته. اه. وقوله إذا لم يذكر تأويلا: أي لقوله أولا هي ملكي، ثم قوله ثانيا هي وقف، فإن ذكر تأويلا سمعت دعواه وبينته، والتأويل مثل أن يبيعه ظانا أنها ملكه لكونه ورثها لم يعلم أن مورثه أوقفها، ثم يتبين له بعد البيع أنه قد وقفها فتسمع دعواه الوقفية وبينتها، والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في جواب الدعوى وما يتعلق به (إذا أقر المدعى عليه ثبت الحق) بلا حكم (وإن سكت عن الجواب أمره القاضي به) وإن لم يسأل المدعي (فإن سكت فكمنكر) فتعرض عليه اليمين، (فإن سكت) أيضا ولم يظهر سببه (فنأكل) فيحلف المدعي وإن أنكر اشترط إنكار ما ادعى عليه وأجزائه إن تجزأ (فإن ادعى) عليه (عشرة) مثلا (لم يكف) في الجواب (لا تلزمني) العشرة (حتى يقول ولا بعضها وكذا يحلف) إن توجهت اليمين عليه لان مدعيها مدع لكل جزء منها فلا ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في جواب الدعوى وما يتعلق به لما أنهى الكلام على بيان كيفية الدعوى شرع في بيان كيفية الجواب وما يكفي منه وما لا يكفي. والجواب شيئان: إما إقرار أو إنكار. (وقوله: وما يتعلق به) أي بالجواب، وهو اليمين أو النكول. (قوله: إذا أقر المدعى عليه) أي بالحق للمدعي، أي وكان ممن يصح إقراره. (قوله: ثبت الحق) أي عليه للمدعي. (وقوله: بلا حكم) أي من غير افتقار لحكم بخلاف ما إذا ثبت بالبينة فيفتقر إليه، لأن قبولها يفتقر إلى نظر واجتهاد. (قوله: وإن سكت) أي المدعى عليه. (وقوله: عن الجواب) أي للدعوى الصحيحة، وهو عارف أو جاهل، أو حصلت له دهشة، وأعلم أو نبه فلم يمتثل. وإعلامه أو تنبيهه عند ظهور كون سكوته لذلك واجب. (قوله: وأمره القاضي به) أي بالجواب بأن يقول له أجبه. (قوله: وإن لم يسأل المدعى) غاية في أمر القاشي له به: أي يأمره بذلك وإن لم يطلب المدعي من القاضي ذلك. (قوله: فإن سكت) أي فإن استمر على السكوت عن الجواب بعد أمر القاضي فكمنكر: أي فحكمه كحكم المنكر للمدعى به. (وقوله: فتعرض عليه اليمين) بيان لذلك الحكم. قال في الروض وشرحه: ويستحب عرضها - أي اليمين - على الناكل ثلاثا وعرضها على ساكت عنها آكد من عرضها على الناكل. اه. (قوله: فإن سكت) المراد به هنا السكوت عن الحلف بعد أن عرض عليه، وليس المراد السكوت عن الجواب، وإلا كان مكررا مع قوله أولا فإن سكت فكمنكر. (وقوله: أيضا) أي كما أنه سكت أولا عن الجواب. (قوله: ولم يظهر سببه) أي سبب السكوت من جهل أو دهشة، والفعل يقرأ بالبناء للمعلوم وما بعد فاعله. (قوله: فنأكل) أي فكنأكل: أي ممتنع عن الحلف. قال في الروض وشرحه: والسكوت عن الحلف بعد الاستحلاف لا لدهش ونحوه كغباوة نكول، كما أن السكوت عن الجواب في الابتداء إنكار هذا مع الحكم به: أي بالنكول ليرتب عليه رد اليمين بخلاف ما لو صرح بالنكول، فإنه يردها وإن لم يحكم به، وبخلاف السكوت لدهش أو نحوه ليس نكولا، وليس للقاضي أن يحكم بأنه نكول. اه. (قوله: فيحلف المدعي) أي اليمين المردودة ويثبت بها الحق، وهو تفريع على قوله فنأكل. (قوله: وإن أنكر الخ) مقابل قوله وإن سكت، وهو دخول أيضا على قوله فإن ادعى الخ. (قوله: اشترط) أي لصحة إنكاره. (وقوله: إنكار ما ادعي عليه) أي به فالعائد على ما محذوف. (وقوله: وأجزائه معطوف على ما) أي وإنكار أجزاء ما ادعى عليه به. (وقوله: إن تجزأ) أي إن كان له أجزاء كالعشرة الآتية. (قوله: فإن ادعى الخ) تفريع على قوله وإن أنكر إشترط الخ. (قوله: لم يكف في الجواب) أي على سبيل الانكار. (وقوله: لا تلزمني العشرة) فاعل يكفي قصد لفظه: أي لم يكف هذا اللفظ. (وقوله: حتى يقول ولا بعضها) أي فإذا قال ذلك مع قوله أولا لا تلزمني العشرة كفى في الجواب. (قوله: وكذا يحلف) أي ومثل الجواب المذكور يكون الحلف، فلا يكفي أن يحلف على العشرة حتى يقول ولا بعضها. (قوله:

بد أن يطابق الانكار واليمين دعواه، فإن حلف على نفي العشرة واقتصر عليه فنأكل عما دونها فيحلف المدعي على استحقاق ما دون العشرة ويأخذه لان النكول عن اليمين كالاقرار (أو) ادعى (مالا) مضافا لسبب كأقرضتك كذا (كفاه) في الجواب (لا تستحق) أنت (علي شيئا) أو لا يلزمني تسليم شئ إليك، ولو اعترف به وادعى مسقطا طولب بالبينة. ولو ادعى عليه وديعة فلا يكفي في الجواب لا يلزمني التسليم بل لا تستحق علي شيئا ويحلف كما أجاب ليطابق الحلف الجواب. ولو ادعى عليه مالا فأنكر وطلب منه اليمين فقال لا أحلف وأعطى المال لم يلزمه قبوله من غير إقرار وله تحليفه. ـــــــــــــــــــــــــــــ إن توجهت اليمين عليه) أي بأن لم توجد بينة من المدعي. (قوله: لان مدعيها إلخ) علة لعدم الاكتفاء في الجواب وفي الحلف بقوله لا تلزمني العشرة حتى الخ. (وقوله: لكل جزء منها) أي من العشرة. (قوله: فلا بد أن يطابق الخ) أي وإنما يطابقانها إن نفى المدعى عليه كل جزء منها. (وقوله: دعواه) أي دعوى المدعي. (قوله: فإن حلف) أي المدعى عليه على نفي العشرة بأن قال والله ليس له عندي عشرة دراهم. (قوله: واقتصر عليه) أي على نفي العشرة ولم يزد عليها لفظ ولا بعضها. (وقوله: فنأكل) أي فهو ناكل. (وقوله: عما دونها) أي عن الحلف عما دون العشرة، وفي هذه العبارة بعض إجمال، لأنه لا يكون ناكلا بمجرد حلفه على نفي العشرة، بل لا بد بعد هذا الحلف أن يقول له القاضي هذا غير كاف قل ولا بعضها، فإن لم يحلف كذلك فنأكل عما دونها. (قوله: فيحلف المدعي إلخ) أي من غير تجديد دعوى، وهو تفريع على النكول عما دونها: أي وإذا كان ناكلا عما دونها فيحلف المدعي على استحقاق ما دون العشرة، ويأخد ما حلف عليه، وهو الجزء الذي دون العشرة وإن قل. (قوله: لان النكول عن اليمين) عبارة التحفة. لما يأتي أن النكول مع اليمين كالاقرار. اه. فلعل عن في كلامه بمعنى مع، وإلا فمجرد النكول ليس كالاقرار. (قوله: أو ادعى مالا) عطف على قوله ادعى عليه عشرة. (قوله: مضافا لسبب) أي متعلقا بسبب كالقرض والايداع. (قوله: كفاه في الجواب لا تستحق الخ) أي كفاه في الجواه أن يقول ما ذكر. ولا يشترط فيه التعرض لسبب كأن يقول لم تقرضني شيئا. (وقوله: أو لا يلزمني الخ) معطوف على قوله لا تستحق الخ: أي وكفاه في الجواب لا يلزمني الخ. (قوله: ولو اعترف الخ) أتى به في شرح المنهج في ضمن تعليل ذكره للاكتفاء في الجواب بلا يستحق علي شيئا الخ. ونص عبارته: لان المدعي قد يكون صادقا ويعرض ما يسقط المدعي به. ولو اعترف به وادعى مسقطا، طولب بالبينة وقد يعجز عنها، فدعت الحاجة إلى قبول الجواب المطلق. اه. ومثله في التحفة والنهاية والمغني، وعبارة الاخير بعد قول المنهاج كفاه في الجواب إلخ. ولا يشترط التعرض لنفي تلك الجهة، لان المدعي قد يكون صادقا في الاقراض وغيره، وعرض ما أسقط الحق من أداء أو إبراء، فلو نفى السبب كذب. أو اعترف وادعى المسقط طولب ببينة قد يعجز عنها، فقبل الاطلاق للضرورة. اه. وإذا علمت ذلك فلعل في عبارته سقطا من النساخ وهو قوله لان المدعي إلى قوله ولو اعترف. (وقوله: به) أي بالمدعي به وادعى مسقطا: أي من أداء أو إبراء. (وقوله: طولب بالبينة) أي على ذلك المسقط: أي وهو قد يعجز عنها. (قوله: ولو ادعى عليه وديعة الخ) هذا كالاستثناء من الاكتفاء في جواب دعوى ما أضيف للسبب بقوله لا يلزمني تسليم شئ إليك. (وقوله: فلا يكفي في الجواب لا يلزمني التسليم إلخ) أي لأنه لا يلزمه في الوديعة تسليم، وإنما يلزمه التخلية. (قوله: بل لا تستحق على شيئا) أي بل الذي يكفي في الجواب أن يقول له لا تستحق علي شيئا، ومثله في الإكتفاء به أن يقول هلكت الوديعة، أو رددتها، أو ينكرها من أصلها، وعبارة المغني. فالجواب الصحيح أن ينكر الايداع، أو يقول لا تستحق علي شيئا، أو هلكت الوديعة، أو رددتها. اه. (قوله: ويحلف الخ) مرتبط بجميع ما قبله. (وقوله: كما أجاب) أي فإن أجاب بالاطلاق كقوله لا تستحق علي شيئا، حلف عليه كذلك. (وقوله: ليطابق الخ) علة لكون الحلف يكون على وفق الجواب، وعبارة المنهاج مع المغني: ويحلف المدعى عليه على حسب جوابه هذا، أو على نفي السبب، ولا يكلف التعرض لنفيه، فإن تبرع وأجاب بنفس السبب المذكور كقوله في صورة القرض السابقة ما أقرضني كذا حلف عليه، أي على نفي السبب كذلك ليطابق اليمين الانكار.

فرع: لو ادعى عليه عينا فقال ليست لي أو هي لرجل لا أعرفه أو لابني الطفل أو وقف على الفقراء أو مسجد كذا وهو ناظر فيه فالاصح أنه لا تنصرف الخصومة عنه ولا تنزع العين منه بل يحلفه المدعي أنه لا يلزمه التسليم للعين رجاء أن يقر أو ينكل فيحلف المدعي وتثبت له العين في الاولين والبدل للحيلولة في البقية أو يقيم ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: قضية كلامه أنه إذا أجاب بالاطلاق ليس له الحلف على نفي السبب، وليس مرادا بل لو حلف على نفيه بعد الجواب المطلق جاز اه. بحذف. (قوله: ولو ادعى) أي شخص. (وقوله: عليه) أي على شخص آخر. (قوله: فأنكر) أي المدعى عليه المال المدعى به. (قوله: وطلب منه اليمين) أي وطلب المدعي من المدعى عليه اليمين عل نفي المدعى به. (قوله: فقال) أي المدعى عليه. (قوله: وأعطى المال) أي وأعطيك المال الذي ادعيت به من غير حلف. (قوله: لم يلزمه قبوله) أي لم يلزم المدعي أن يقبل المال. قال ع ش: ومفهومه جواز القبول. ويدل عليه قوله وله تحليفه إلخ. قال في التحفة وكذا لو نكل عن اليمين وأراد المدعي أن يحلف يمين الرد فقال خصمه أنا أبذل المال بلا يمين، فيلزمه الحاكم بأن يقر وإلا حلف المدعي. اه. (قوله: وله تحليفه) أي وللمدعي تحليف المدعى عليه على نفي ما ادعى به عليه، لأنه لا يأمن من أن يدعي عليه بما دفعه بعد. تنبيه: يقع كثيرا أن المدعى عليه يجيب بقوله يثبت ما يدعيه، فتطالب القضاة المدعي بالاثبات لفهمهم أن ذلك جواب صحيح، وفيه نظر ظاهر. إذ طلب الاثبات لا يستلزم إعترافا ولا إنكارا فتعين أن لا يكتفي منه بذلك، بل يلزم بالتصريح بالاقرار أو الانكار، ويقع أيضا كثيرا أن المدعى عليه بعد الدعوى عليه، يقول ما بقيت أتحاكم عندك، أو ما بقيت أدعي عندك، والوجه أنه يجعل بذلك منكرا ناكلا فيحلف المدعي ويستحق - كذا في التحفة وسم -. (قوله: لو ادعى عليه عينا) أي كائنة تحت يد المدعى عليه، ولا فرق في العين بين أن تكون عقارا أو عبدا أو غيرهما. (قوله: فقال) أي المدعى عليه ليست: أي تلك العين لي: أي واقتصر على ذلك. (قوله: أو هي لرجل إلخ) عبارة المنهج وشرحه: أو أضافها لمن يتعذر مخاصمته كهي لمن لا أعرفه الخ. (قوله: أو لابني الطفل) أي أو هي لابني الطفل، أي أو المجنون أو السفيه سواء زاد على ذلك أنها ملكه، أو وقف عليه أم لا، كما هو ظاهر. اه. تحفة. (قوله: أو وقف إلخ) أي أو قال هي وقف على الفقراء، أو مسجد كذا. (وقوله: وهو) أي المدعى عليه ناظر فيه، أي ناظر على الوقف على المسجد أو الفقراء. قال ح ل: فإن كان الناظر غيره انصرفت الخصومة عنه إلى الناظر. اه. (قوله: فالاصح إلخ) جواب لو. (وقوله: أنه) أي الحال والشأن. (وقوله: لا تنصرف الخصومة عنه) أي عن المدعى عليه، وذلك لأن ما صدر منه بالنسبة للاولين ليس بمؤثر، ولانه لم يقر في البقية لذي يد يمكن نصب الخصومة معه. (وقوله: ولا تنزع العين منه) أي لأن الظاهر أن ما في يده ملكه، أو مستحقه، وما صدر عنه ليس بمزيل. (قوله: بل يحلفه المدعي) أي يطلب منه الحلف. (وقوله: أنه لا الخ) أي على أنه لا يلزمه أن يسلم للمدعي العين المدعى بها. (قوله: رجاء إلخ) علة لقوله يحلفه: أي وإنما يحلفه رجاء أن يقر: أي بالعين المدعى بها. (وقوله: أو ينكل) معطوف على يقر: أي ورجاء أن ينكل، أي عن اليمين، وهو بضم الكاف من باب دخل. (قوله: فيحلف) أي المدعي يمين الرد، وهو راجع لقوله ينكل. (وقوله: وتثبت الخ) راجع لكل من الاقرار والنكول مع الحلف. (وقوله: له) أي للمدعي (قوله: في الاولين) هما قوله ليست لي، وقوله هي لرجل لا أعرفه. (قوله: والبدل للحيلولة) أي ويثبت له البدل للحيلولة في البقية: أي قوله هي لابني الطفل، أو وقف على الفقراء، أو مسجد كذا، وذلك البدل هو القيمة وإن كانت العين مثلية، كما في ع ش. وفي البجيرمي ما نصه. (قوله: والبدل للحيلولة) فيه بحث، لأن اليمين المردودة مفيدة لانتزاع العين في المسائل كلها، لان الفرض أن الخصومة لا تنصرف عنه. نعم، إن قلنا بانصراف الخصومة في مسألة المحجور والوقف كما ذهب إليه الغزالي، وكذا في الاولين على وجه كان له التحليف لتغريم البدل. فما قاله شرح المنهج هنا وهم منشؤة انتقال النظر من

المدعي بينة أنها له. ولو أصر المدعى عليه على سكوت عن جواب للدعوى فنأكل إن حكم القاضي بنكوله (وإذا ادعيا) أي إثنان أي كل منهما (شيئا في يد ثالث) لم يسنده إلى أحدهما قبل البينة ولا بعدها (وأقاما) أي كل منهما (بينة) به (سقطتا) لتعارضهما ولا مرجح فكان كما لا بينة فإن أقر ذو اليد لاحدهما قبل البينة أو بعدها رجحت بينته (أو) ادعيا شيئا (بيدهما) وأقاما بينتين (فهو لهما) إذ ليس أحدهما أولى به من الآخر أما إذا لم يكن ـــــــــــــــــــــــــــــ حالة إلى حالة عميرة. سم. وعبارة شرح الروض فيحلف المدعي وتثبت له. اه. ولم يزد وهو صريح في ثبوت العين في جميع الصور. اه. (قوله: أو يقيم المدعي) معطوف على قوله بل يحلفه، فالمدعي مخير بين تحليفه المدعى عليه وبين إقامته البينة، وإذا أقامها يقضي له بالعين. (قوله: ولو أصر المدعى عليه إلخ) هذا قد علم من قوله سابقا، فإن سكت أيضا فنأكل فلا حاجة إلى إعادته هنا، ويمكن أن يقال إنه أعاده لاجل تقييد النكول بكونه بعد حكم القاضي به. (قوله: إن حكم القاضي بنكوله) زاد في شرح المنهج بعده: أو قال للمدعي إحلف بعد عرض اليمين عليه، أن المدعى عليه. اه. وكتب البجيرمي قوله إن حكم إلخ: أي فلا يصير ناكلا بمجرد السكوت، بل لا بد من الحكم بالنكول، أو يقول للمدعي إحلف. اه. وقد تقدم عن شرح الروض مثله وزيادة. (قوله: وإذا ادعيا أي إثنان إلخ) شروع في بيان تعارض البينتين، وكان المناسب للمؤلف أن يفرده كغيره بفصل مستقل. (قوله: أي كل منهما) أشار به إلى أنه ليس المراد أنهما ادعياها جميعا على أنها شركة بينهما، بل المراد أن كلا ادعى ذلك الشئ لنفسه على حدته. (وقوله: شيئا) مفعول ادعيا، والمراد بالشئ هنا العين كما عبر بها في المنهاج. (قوله: في يد ثالث) الجار والمجرور صفة لشيئا: أي شيئا كائنا في يد ثالث. (قوله: لم يسنده إلخ) الجملة صفة لثالث: أي ثالث موصوف بكونه لم يسند ذلك الشئ. أي لم يضفه: أو يقر به لواحد من المدعيين. (قوله: قبل البينة) أي قبل إتيان ذلك الاحد ببينته. (وقوله: ولا بعدها) أي ولم يسنده بعد الاتيان بالبينة إلى أحدهما. (قوله: وأقاما الخ) أي أقام كل واحد من المدعيين بينة تثبت دعواه، سواء كانتا مطلقتي التاريخ أو متفقتيه، أو إحداهما مطلقة والاخرى مؤرخة. كما في شرح الروض. (وقوله: به) الباء بمعنى على متعلقة بأقاما. والضمير يعود على الشئ المدعى به. (قوله: سقطتا) أي البينتان، ويحلف الثالث المدعى عليه حينئذ لكل منهما يمينا لخبر: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر. ويكون المدعى به له، وأما خبر الحاكم: أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعير فأقام كل واحد منهما بينة أنه له، فجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما. فأجيب عنه بأنه يحتمل أن البعير كان بيدهما، فأبطل البينتين وقسمه بينهما. (قوله: لتعارضهما) أي البينتين. (وقوله: ولا مرجح) أي والحال أنه لا مرجح موجود لاحد البينتين على الاخرى. قال في النهاية: أي فأشبه الدليلين إذا تعارضا بلا ترجيح. اه. (قوله: فكان كما لا بينة) أي فكان الشئ المدعى به عند التعارض للبينتين، كالذي لا بينة عليه أصلا. وعبارة التحفة: فكأن لا بينة. اه. (قوله: فإن أقر ذو اليد) أي وهو المدعى عليه، وهذا مفهوم قوله لم يسنده الخ، والملائم له أن يقول: فإن أسنده ذو اليد الخ. (وقوله: لاحدهما) قال سم: فلو أقر بأنها لهما فهل تجعل بينهما. اه. وفي ش ق أنها تجعل بينهما. (وقوله: قبل البينة) متعلق بأقر: أي أقر قبل قيام بينته. (وقوله: أو بعدها) أي البينة: أي قيامها. (وقوله: رجحت بينته) أي بينة ذلك الاحد المقر له لاعتضادها بالاقرار، فيعمل حينئذ بمقتضاها. (قوله: أو ادعيا شيئا بيدهما) أي كأن كان فراشا جالسين عليه، أو جملا راكبين عليه، أو دارا ساكنين فيها. (قوله: وأقاما بينتين) أي أقام كل واحد منهما بينة بأن هذا الشئ كله له. (قوله: فهو لهما) أي فذلك الشئ يبقى تحت يدهما كما كان أولا للتعارض، وكلامه يقتضي أنه لا يحتاج السابق منهما إلى إعادة البينة، وليس مرادا، بل الذي أقام البينة أولا يحتاج إلى إعادتها للنصف الذي بيده، لتقع بعد بينة الخارج بالنسبة لذلك النصف، فإن لم يفعل كان الجميع لصاحب البينة المتأخرة - كما في البجيرمي - هذا إذا شهدت كل بينة بجميع الشئ كما علمت، فإن شهدت بينة كل واحد منهما بالنصف الذي في يد صاحبه، فلا تعارض. لان البينتين لم يتواردا على محل واحد فيحكم القاضي لكل واحد منهما بما في يده، لكن لا من جهة التساقط ولا الترجيح باليد، بل من جهة الترجيح بالبينة. (قوله: إذ ليس أحدهما الخ) تعليل لكون الشئ يجعل لهما بقيام كل بينة

بيد أحد وشهدت بينة كل له بالكل فيجعل بينهما. ومحل التساقط إذا وقع تعارض حيث لم يتميز أحدهما بمرجح وإلا قدم وهو بيان نقل الملك ثم اليد فيه للمدعي أو لمن أقر له به أو انتقل له منه ثم شاهدان مثلا على شاهد ويمين ثم سبق ملك أحدهما بذكر زمن أو بيان أنه ولد في ملكه مثلا ثم بذكر سبب الملك (أو) ادعيا شيئا (بيد أحدهما) تصرفا أو إمساكا (قدمت بينته) من غير يمين وإن تأخر تاريخها أو كانت شاهدا ويمينا وبينة ـــــــــــــــــــــــــــــ على مدعاه. (قوله: أما إذا الخ) صنيعه يقتضي أن حكم هذه المسألة مخالف لحكم ما إذا كان بيدهما، وليس كذلك، بل هو مثله كما يفيده قوله فيجعل بينهما مع قوله أولا فهو لهما، وعبارة المنهج: أو بيدهما أو لا بيد أحد. اه. وكان الأولى أن يصنع كصنيعه. (وقوله: لم يكن بيد أحد) قال سم: كأن كان عقارا أو متاعا ملقى في طريق وليس المدعيان عنده. اه. (قوله: وشهدت بينة كل له بالكل) أي وشهدت بينة كل من المدعيين له بكل ذلك الشئ. قال سم: وكذا بالبعض بالاولى بل لا تعارض حينئذ بينهما. اه. (قوله: فيجعل بينهما) جواب أما: أي فيجعل الشئ المدعى به بين المدعييين، أي للتعارض، فليس أحدهما أولى به من الآخر كما إذا كان بيدهما معا. (قوله: ومحل التساقط إذا وقع تعارض) أي كما في الصور السابقة. (وقوله: حيث لم يتيمز أحدهما) الضمير للمدعيين: أي حيث لم يتميز بينة أحدهما. (وقوله: بمرجح) متعلق بيتميز. (قوله: وإلا) أي بأن تميز أحدهما بمرجح. (وقوله: قدم) أي ذلك الاحد المتميز بما ذكر. (قوله: وهو) أي ذلك المرجح. (وقوله: بيان نقل الملك) أي من أحد المتداعيين للآخر، كأن قالت إحداهما هذه الدار ملك زيد، وقال الاخرى هذه ملك عمرو تملكها من زيد، فتقدم الثانية لانها بينت انتقال الملك. (قوله: ثم اليد فيه للمدعي) أي ثم المرجح أيضا كون اليد على المدعى به ثابتة للمدعي. (وقوله: أو لمن أقر له به) أي أو كون اليد لمن أقر للمدعي بالمدعى به، كأن يكون في يد ثالث وأقر به لاحد المدعيين، والانسب والأولى أن يقول ثم إقرار المدعى عليه به لاحدهما، لان الغرض بيان المرجح، والمرجح هنا الاقرار المذكور لا كون اليد لمن أقر الخ. (وقوله: أو انتقل له منه) أي أو كون اليد لمن انتقل المدعى به منه لاحد المدعيين: كأن قالت إحدى البينتين هي ملك لزيد إشتراها من عمرو واقتصرت على ذلك، وقالت الاخرى هي ملك لبكر إشتراها من خالد وهي في يده، قدمت الثانية. (قوله: ثم شاهدان) معطوف على بيان: أي ثم المرجح أيضا شاهدان. (وقوله: مثلا) أي أو شاهد وامرأتان كما سيأتي. (وقوله: على شاهد ويمين) متعلق بمحذوف: أي ويرجح الشاهدان على شاهد ويمين. (قوله: ثم سبق ملك أحدهما) معطوف أيضا على بيان: أي ثم المرجح أيضا سبق ملك أحد المدعيين: أي سبق تاريخه، وقد صرح به في التحفة. (وقوله: بذكر زمن) أي متقدم، وهو متعلق بمقدر: أي أو يعلم ذلك السبق بذكر زمن متقدم على الزمن الذي ذكرته البينة الاخرى، كأن نقول إحدى البينتين ونشهد أنه ملكه من منذ سنة، وتقول الأخرى من منذ شهر، فتقدم الاولى - كما سيأتي -. (قوله: أو بيان) بالجر عطف على ذكر: أي ويعلم سبق تاريخ الملك أيضا، ببيان أن الشئ المدعى به ولد في ملك أحدهما، كأن شهدت إحدى البينتين أن هذه الدابة ملكه أنها ولدت في ملكه، وشهدت الاخرى بأنها ملك فلان واقتصرت على ذلك، فتقدم الأولى على الثانية. (قوله: ثم بذكر) الباء زائدة، ومدخولها معطوف على بيان الاول: أي ثم المرجح أيضا ذكر سبب الملك كشراء، أو هبة، أو وصية، أو إرث، وفيه أن بيان سبب الملك يستلزم بيان نقل الملك، وإذا كان كذلك فهو يغني عنه، (قوله: أو ادعيا) أي إثنان. (قوله: بيد أحدهما) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لشيئا: أي شيئا كائنا بيد أحد المتداعيين. (قوله: تصرفا أو إمساكا) بيان لمعنى اليد: أي أن المراد باليد الحكمية كالتصرف، أو الحسية كالامساك. (قوله: قدمت بينته) أي ذلك الأحد الذي ذلك الشئ المدعى به تحت يده. (قوله: من غير يمين) أي من ذلك الأحد الذي العين تحت يده. (قوله: وإن تأخر تاريخها) غاية في التقديم: أي قدمت وإن تأخر تاريخها، أي عن تاريخ بينة غير ذي اليد ويسمى الخارج. قال البجيرمي: ومحله إذا لم تسند انتقال الملك عن شخص واحد، وإلا قدمت بينة الخارج إن كانت أسبق تاريخا، كما ذكره في القوت عن فتاوى البغوي وغيرها، واعتمده الشهاب الرملي. اه. وسيذكره الشارح أيضا في قوله ولو ادعى في عيون بيد غيره أنه اشتراها الخ. (قوله: أو كانت

الخارج شاهدين أو لم تبين سبب الملك من شراء وغيره ترجيحا لبينة صاحب اليد بيده ويسمى الداخل وإن حكم بالاولى قبل قيام الثانية أو بينت بينة الخارج سبب ملكه. نعم لو شهدت بينة الخارج بأنه أشتراه منه أو من بائعه مثلا قدمت لبطلان اليد حينئذ ولو أقام الخارج بينة بأن الداخل أقر له بالملك قدمت ولم تنفعه بينته بالملك إلا إن ذكرت إنتقالا ممكنا من المقر له إليه (هذا إن أقامها بعد بينة الخارج) بخلاف ما لو أقامها قبلها لانها إنما تسمع بعدها لان الاصل في جانبه اليمين فلا يعدل عنها ما دامت كافية. ـــــــــــــــــــــــــــــ شاهدا ويمينا) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا: أي قدمت بينة صاحب اليد وإن كانت شاهدا ويمينا، وبينة الخارج شاهدين. (قوله: أو لم تبين سبب الملك) معطوف على الغاية أيضا فهو غاية: أي قدمت بينة صاحب اليد. وإن لم تبين سبب الملك: أي وبينته بينة الخارج. (وقوله: من شراء وغيره) بيان لسبب الملك. (قوله: ترجيحا الخ) علة لتقديم بينة صاحب اليد. (وقوله: بيده) الباء سببية متعلق بترجيحا. (قوله: ويسمى) أي صاحب اليد الداخل. (قوله: وإن حكم بالاولى الخ) غاية أيضا لتقديم بينة صاحب اليد. وانظر ما المراد بالاولى، فإن كان بينة الداخل نافاه قوله بعد هذا: إن أقامها بعد بينة الخارج الخ، وإن كان المراد بينة الخارج فلا منافاة، لكن يرد عليه أن الاولى في كلامه بينة الداخل لا الخارج. ولعلها سرت له من عبارة التحفة المستقيمة، لان الاولى فيها بينة الخارج ونصها مع الأصل. ولو كانت بيده فأقام غيره بها بينة وأقام هو بينة، قدم صاحب اليد ويسمى الداخل، وإن حكم بالاولى قبل قيام الثانية. اه. (وقوله: أو بينت بينة الخارج سبب ملكه) غاية أيضا لتقديم بينة صاحب اليد: أي قدمت وإن بينت بينة الخارج سبب الملك، وفيه أن هذه الغاية يغني عنها الغاية الثالثة. أعني أو لم تبين سبب الملك، لان معناها كما تقدم قدمت بينة صاحب اليد مطلقا سواء بينت سبب الملك أم لا، مع كون بينة الخارج بينت ذلك. (قوله: نعم، لو شهدت إلخ) استثناء من المتن، أعني قوله قدمت بينته: أي صاحب اليد، فكأنه قال تقدم بينة صاحب اليد على بينة الخارج إن كان معها زيادة علم، وإلا قدمت هي على بينة صاحب اليد. (وقوله: بأنه) أي غير صاحب اليد. (وقوله: إشتراه منه) أي من صاحب اليد. (وقوله: أو من بائعه) معطوف على الجار والمجرور قبله، وضميره يعود على صاحب اليد: أي أو اشتراه من البائع على صاحب اليد، لكن لا بد من تقييد هذا بتقديم شرائه على شراء صاحب اليد، حتى يكون شراء صاحب اليد باطلا لانه اشتراه من الذي لا يملك. وسيذكر الشارح هذه المسألة بقوله ولو ادعى في عين بيد غيره أنه اشتراها من زيد من منذ سنتين، فأقام الداخل بينة أنه اشتراها من زيد من منذ سنة، قدمت بينة الخارج لانها أثبتت أن يد الداخل عادية بشرائه من زيد وقد زال ملكه عنه. (وقوله: مثلا) راجع لقوله إشتراه: أي أو غصبها ذلك الداخل، أي أو البائع عليه: أي شهدت بينة الخارج بأن الداخل أو البائع عليه غصبها منه. (قوله: قدمت) أي بينة الخارج. (وقوله: لبطلان اليد) أي يد المدعي. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ أقام الخارج البينة بأنه اشتراه الخ. (قوله: ولو أقام الخارج) أي غير صاحب اليد. (قوله: بأن الداخل) أي صاحب اليد. (وقوله: أقر له) أي للخارج. (قوله: قدمت) أي بينة الخارج. (قوله: ولم تنفعه) أي الداخل. (وقوله: بينته بالملك) أي بينة الداخل التي شهدت بالملك لان بينة الاقرار معها زيادة علم بانتقال الملك من المقر للمقر له. (قوله: إلا إن ذكرت إلخ) أي بأن قالت بينة الداخل نشهد أن هذا مالكه وهبه له فلان المقر له، فتقبل حينئذ وتنفعه، لأن معها زيادة بانتقال الملك من المقر له للمقر. (وقوله: من المقر له) أي وهو الخارج. (وقوله: إليه) أي إلى الداخل وهو المقر. (قوله: هذا إن أقامها إلخ) اسم الإشارة يعود على تقديم بينة صاحب اليد: أي محل تقديمها إن أقامها بعد قيام بينة الخارج، ولو قبل تعديلها. (قوله: بخلاف ما لو أقامها قبلها) أي بخلاف ما لو أقام صاحب اليد بينته قبل بينة الخارج فلا يعتد بها، فإذا أقام الخارج بينته إستحق نزع العين منه، فيحتاج حينئذ إلى إقامة البينة لتدفع بينة الخارج. (قوله: لأنها) أي بينة صاحب اليد وهو تعليل لمحذوف: أي فلا يعتد بها لانها الخ. (وقوله: إنما تسمع بعدها) أي بعد بينة الخارج. (قوله: لأن الأصل إلخ) علة للعلة. (وقوله: في جانبه) أي الداخل، وذلك لأنه مدعي عليه، وهو الذي يكون من جهته اليمين. (قوله: فلا يعدل عنها) أي اليمين. (وقوله: ما دامت كافية) أي وهي كافية ما دام الخارج

فروع: لو أزيلت يده ببينة ثم أقام بينة بملكه مستندا إلى ما قبل إزالة يده واعتذر بغيبة شهوده أو جهله بهم سمعت وقدمت إذ لم تزل إلا لعدم الحجة وقد ظهرت فينقض القضاء، لكن لو قال الخارج هو ملكي اشتريته منك فقال الداخل بل هو ملكي وأقاما بينتين بما قالا قدم الخارج لزيادة علم بينته بانتقال الملك وكذا قدمت بينته لو شهدت أنه ملكه وإنما أودعه أو أجره أو أعاره للداخل أو أنه أو بائعه غصبه منه وأطلقت بينة الداخل. ولو تداعيا دابة أو أرضا أو دارا لاحدهما متاع فيها أو الحمل أو الزرع قدمت بينته على البينة الشاهدة بالملك المطلق ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يقم بينته. اه. بجيرمي. (قوله: فروع) أي ثلاثة. الأول: قوله لو أزيلت الخ، الثاني: قوله ولو تداعيا دابة الخ، الثالث: قوله ولو اختلف الزوجان. (قوله: لو أزيلت يده) أي الداخل والمراد أزيل المال من تحت يده: إما حسا بأن سلم المال لخصمه، وإما حكما بأن حكم عليه به فقط. (وقوله: ببينة) الباء سببية متعلقة بأزيلت: أي أزيلت بسبب بينة أقامها الخارج وحكم له بها القاضي. (قوله: ثم أقام) أي الداخل الذي أزيلت يده. (وقوله: بينة بملكه) أي بينة تشهد بأن هذا المال المزال من تحت يده ملك له من قبل الازالة. (وقوله: مستندا) حال من فاعل أقام: أي أقامها حال كونه مستندا: أي مضيفا ملكه إلى ما قبل الازالة، أي مع استدامته إلى وقت الدعوى، ويصح أن يكون حالا من ملكه، ويكون بالبناء للمفعول: أي بملكه حال كونه مستندا، أي مضافا إلى ذلك، قال في التحفة: وخرج بمستندا الخ شهادتها بملك غير مستند فلا تسمع. اه. (قوله: واعتذر) أي الداخل: أي اعتذر من عدم إقامتها عند إرادة الازالة. قال في شرح المنهج: واشتراط الاعتذار ذكره الاصل كالروضة وأصلها. قال البلقيني: وعندي إنه ليس بشرط، والعذر إنما يطلب إذا ظهر من صاحبه ما يخالفه، كمسألة المرابحة، قال الولي العراقي بعد نقله ذلك: ولهذا لم يتعرض له الحاوي. اه. ويجاب بأنه إنما شرط هنا وإن لم يظهر من صاحب ما يخالفه لتقدم الحكم بالملك لغيره، فاحتيط بذلك ليسهل نقض الحكم. اه. (وقوله: كمسألة المرابحة) أي كما لو قال: اشتريت هذا بمائة، وباعه مرابحة بمائة وعشرة، ثم قال غلطت من ثمن متاع إلى آخر وإنما اشتريته بمائة وعشرة. ع ش. فقوله غلطت هذا هو العذر. اه. بجيرمي. (وقوله: بغيبة شهوده) المقام للإضمار، فلو قال بغيبتها: أي البينة التي أقامها بعد لكان أولى. (وقوله: أو جهله بهم) معطوف على غيبة. أي أو اعتذر بجهله للشهود. قال في التحفة: أي أو بقبولهم. اه. (قوله: سمعت) أي بينة الداخل، وقيل لا تسمع، فلا ينقض القضاء. وإلى هذا ذهب القاضي حسين، ونقل عن الهروي أنه قال: أشكلت على هذه المسألة نيفا وعشرين سنة لما فيها من نقض الاجتهاد بالاجتهاد، وتردد جوابي فيها ثم استقر فيها على أنه لا ينقض. اه. مغني. (قوله: إذا لم تزل) أي يد الداخل. (وقوله: إلا لعدم الحجة) أي وقت الازالة. (قوله: وقد ظهرت) أي الحج بعد الازالة. (قوله: فينقض القضاء) أي يبطل الحكم بإزالة العين من تحت يد الداخل وإثباتها للخارج، وتردد بعض النقد إلى الداخل. (قوله: لكن لو قال الخارج الخ) استدراك على قوله سمعت وقدمت: أي تسمع بينة الداخل بعد إزالة العين من تحت يده ما لم تشهد بينة الخارج بأن الازالة حصلت بسبب شراء الخارج منه، وأنكر الداخل ذلك، فإن شهدت بينة الخارج بما ذكر قدمت على بينة الداخل، وهذا الاستدراك لا حاجة إليه هنا، لأنه يغني عنه الاستدراك الأول. أعني قوله نعم لو شهدت الخ، فالاولى والاخصر إسقاطه. (قوله: لزيادة علم بينته) أي الخارج. (وقوله: بانتقال الملك) متعلق بزيادة، والمراد بالاخبار بانتقال الملك. (قوله: وكذا قدمت بينته) أي الخارج: أي لتبين بطلان يد الداخل. (وقوله: وشهدت) أي بينة الخارج. (وقوله: أنه) أي الشئ. (وقوله: ملكه) أي الخارج. (وقوله: وإنما أودعه الخ) فاعل الافعال الثلاثة يعود على الخارج، وضمير البارز يعود على الشئ. (وقوله: للداخل) تنازعه كل من الافعال الثلاثة. (قوله: أو أنه الخ) عطف على أنه ملكه: أي أو شهدت بينة الخارج أن الداخل غصب ذلك الشئ. (وقوله: أو بائعه) بالنصب عطف على اسم إن، وضميره يعود على الداخل. (وقوله: منه متعلق بغصبه) أي غصبه هو أو البائع عليه من الخارج. (قوله: وأطلقت بينة الداخل) أي بأن قالت هو ملكه، واقتصرت على ذلك. (قوله: ولو تداعيا) أي شخصان. (قوله: لأحدهما) أي المتداعيين. (وقوله: متاع فيها) في بمعنى على بالنسبة للدابة، وعلى حقيقتها بالنسبة للبقية،

لانفراده بالانتفاع فاليد له فإن اختص المتاع ببيت فاليد له فيه فقط. ولو اختلف الزوجان في أمتعة البيت ولو بعد الفرقة ولا بينة ولا اختصاص لاحدهما بيد فلكل تحليف الآخر، فإذا حلفا جعل بينهما وإن صلح لاحدهما فقط أو حلف أحدهما قضى له كما لو اختص باليد وحلف (وترجح) البينة (بتاريخ سابق) فلو شهدت البينة لاحد المتنازعين في عين بيدهما أو يد ثالث أو لا بيد أحد بملك من سنة إلى الآن وشهدت بينة أخرى للآخر بملك لها ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة المغني: ولو تداعيا بعيرا لاحدهما عليه متاع، فالقول قول صاحب المتاع بيمينه لانفراده بالانتفاع، بخلاف ما لو تداعيا عبدا لاحدهما عليه ثوب لم يحكم له بالعبد، لان كون حمله على البعير انتفاع به قيده عليه، والمنفعة في لبس الثوب للعبد لا لصاحب الثوب فلا يد له. ولو تداعيا جارية حاملا واتفقا على أن الحمل لاحدهما. قال البغوي: فهي لصاحب الحمل. اه. (قوله: أو الحمل) أي أو لاحدهما الحمل أو الزرع، والاول بالنسبة للدابة. والثاني بالنسبة للارض. (قوله: قدمت بينته) أي ذلك الأحد الذي له المتاع أو الحمل أو الزرع. أي باتفاقهما أو ببينة. (قوله: على البينة الخ) متعلق بقدمت: أي قدمت على البينة التي تشهد للآخر بالملك المطلق، بأن قالت نشهد أن هذه الدابة أو الأرض أو الدار ملك، ولم تتعرض لشئ آخر. (قوله: لانفراده) أي ذلك الأحد المذكور، وهو علة لتقديم بينته. (وقوله: بالانتفاع) أي بالدابة، لان متاعه عليها، وبالارض، لان زرعه فيها. وبالدار لان متاعه فيها. (قوله: فاليد له) أي للمنفرد بالانتفاع. (قوله: فإن اختص المتاع ببيت) أي من الدار (قوله: فاليد له فيه) أي في البيت الذي فيه المتاع. (وقوله: فقط) أي وليس له اليد في بيت غير الذي فيه المتاع. (قوله: ولو اختلف الزوجان في أمتعة البيت) أي فقال الزوج هي ملكي، وقال الزوجة هي ملكي. (قوله: ولو بعد الفرقة) أي ولو حصل الاختلاف بعد فراقهما بطلاق أو غيره. (قوله: ولا بينة) أي لاحدهما موجودة. (قوله: ولا اختصاص لاحدهما بيد) أي ككونه في خزانة له، أو صندوق مفتاحه بيده. (قوله: فلكل) أي من الزوجين تحليف الآخر: أي على دعواه. (قوله: فإذا حلفا) أي الزوجان. (قوله: جعل) أي المدعى به. والاولى جعلت: أي الامتعة، ومثله يقال في الافعال بعده. (وقوله: بينهما) أي الزوجين، أي نصفين. (قوله: وإن صلح لاحدهما) إن غائية، وإن كان ظاهر صنيعه أنها شرطية جوابها قوله قضى الخ. ويدل على ما قالته عبارة النهاية، ومثلها عبارة عميرة في حواشي البهجة ونصها. قال الشافعي رضي الله عنه: إذا اختلف الزوجان في متاع البيت، فمن أقام البينة على شئ من ذلك فهو له، ومن لم يقم بينة فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه، أن هذا المتاع إن كان في أيديهما معا فيحلف كل منهما لصاحبه على دعواه، فإن حلفا جميعا فهو بينهما نصفين، وإن حلف أحدهما فقط قضى له به - سواء اختلفا في دوام النكاح أم بعده - واختلاف وارثهما كهما، وسواء ما يصلح للزوج - كالسيف والمنطقة - وللزوجة - كالخلخال والغزل، وغيرهما كالدراهم - أو لا يصلح لهما: كالمصحف وهما أميان، وتاج الملوك وهما عاميان. وقال أبو حنيفة: إن كان في يدهما حسا فهو لهما، وإن كان في يدهما حكما فما يصلح للرجل فللزوج، وما يصلح للانثى فللزوجة، والذي يصلح لهما يكون لهما، وعند أحمد ومالك قريب من ذلك. واحتج الشافعي رضي الله عنه بأنا لو استعملنا الظنون لحكم في دباغ وعطار تداعيا عطرا ودباغا في أيديهما أن يكون لكل ما يصلح له، وفيما لو تنازع موسر ومعسر في لؤلؤ أن نجعله للموسر ولا يجوز الحكم بالظنون. اه. (قوله: أو حلف أحدهما) أي الزوجين دون الآخر. (قوله: قضى له) أي قضى ذلك المدعى به لذلك الاحد. والفعل المذكور يجعل جوابا لان مقدرة قبل قوله حلف أحدهما، أي وإن حلف أحدهما قضى له، وذلك ليوافق ما قررته آنفا من جعل إن غائية لا شرطية. (قوله: كما لو اختص باليد وحلف) هذا مفهوم قوله ولا اختصاص لاحدهما بيد، أي كما لو اختص أحدهما بوضع اليد عليه فإنه يقضي له به، لكن بعد الحلف عليه. (قوله: وترجح البينة) أي مطلقا سواء كانت للداخل أو للخارج. (وقوله: بتاريخ سابق) أي على تاريخ البينة الاخرى. (قوله: فلو شهدت الخ) تفريع على ترجح البينة بالتاريخ السابق. (قوله: في عين) متعلق بالمتنازعين. (قوله: بيدهما إلخ) متعلق بمحذوف صفة لعين: أي عين كائنة بيدهما، أو يد ثالث، أو لا بيد أحد. وخرج بذلك ما إذا كانت بيد أحدهما فتقدم، ولو تأخر تاريخها كما تقدم، وكما سيأتي في قوله وإذا كان لصاحب متأخرة التاريخ

من أكثر من سنة إلى الآن كسنتين فترجع بينة ذي الاكثر لانها أثبتت الملك في وقت لا تعارضها فيه الاخرى ولصاحب التاريخ السابق أجرة وزيادة حادثة من يوم ملكه بالشهادة لانها فوائد ملكه وإذا كان لصاحب متأخرة التاريخ يد لم يعلم أنها عادية قدمت على الاصح. ولو ادعى في عين بيد غيره أنه اشتراها من زيد من منذ سنتين فأقام الداخل بينة أنه اشتراها من زيد من منذ سنة قدمت بينة الخارج لانها أثبتت أن يد الداخل عادية بشرائه من زيد ما زال ملكه عنه ولو اتحد تاريخهما أو أطلقتا أو إحداهما قدم ذو اليد ولو شهدت بينة بملك أمس ولم تتعرض للحال لم تسمع كما لا تسمع دعواه بذلك حتى نقول ولم يزل ملكه أولا نعلم له مزيلا أو تبين سببه كأن تقول ـــــــــــــــــــــــــــــ الخ. (قوله: بملك) متعلق بشهدت. (قوله: من سنة) متعلق بملك: أي شهدت بأنه يملكه من منذ سنة. (وقوله: إلى الآن) متعلق بملك أيضا: أي شهدت بأنه يملكه من منذ سنة إلى الآن: أي أنه مستمر إلى الآن، ولا بد من ذكر هذا لما سيأتي قريبا أنه لو شهدت بينة بملك أمس، ولم تتعرض للحال لم تسمع. (قوله: وشهدت بينة أخرى) أي غير هذه البينة. (وقوله: للآخر) أي لاحد المتنازعين الآخر. (وقوله: بملك) متعلق بشهدت. (وقوله: لها) أي للعين المدعى بها. (وقوله: من أكثر الخ) هو الجار والمجرور بعده متعلقان بملك أيضا كالذي قبله. (وقوله: كسنتين) تمثيل للاكثر من سنة. (قوله: فترجح إلخ) جواب لو. (قوله: لأنها) أي بينة ذي الاكثر. (وقوله: أثبتت الملك) أي ملك العين للمدعي بها. (وقوله: في وقت) متعلق بأثبتت. (وقوله: لا تعارضها فيه الاخرى) الجملة صفة لوقت. أي وقت موصوف بكونه لا تعارض بينة ذي الاكثر فيه البينة الاخرى، وذلك الوقت هو السنة الاولى. وعبارة التحفة لانها أثبتت الملك في وقت لا تعارضها فيه الاخرى، وفي وقت تعارضها فيه، فيتساقطان في محل التعارض، ويعمل بصاحبة الاكثر فيما لا تعارض فيه، والأصل في كل ثابت دوامه. اه. (قوله: ولصاحب التاريخ السابق) أي على صاحب التاريخ المتأخر. (وقوله: أجرة) أي لما أثبت له. (وقوله: وزيادة حادثة) أي كولد وثمرة حدثا في المدعى به. (قوله: من يوم ملكه بالشهادة) قال ع ش: أي وهو الوقت الذي أرخت به البينة، لا من وقت الحكم فقط. اه. (قوله: لانها) الاولى لانهما: أي الاجرة والزيادة. (قوله: وإذا كان لصاحب متأخرة التاريخ) أي لصاحب البينة التي تأخر تاريخها. (وقوله: يد) أي تصرفا أو حكما كما مر. (قوله: لم يعلم أنها عادية) الجملة صفة ليد، أي يد موصوفة بكونها لم يعلم أن تلك اليد عادية، أي متعدية في جعل العين تحتها بغصب أو بشراء ما لا يملك. (قوله: قدمت) أي متأخرة التاريخ. قال في التحفة: ذكرتا - أي البينتان أو إحداهما - الانتقال لمن تشهد له من معين أم لا، وإن اتحد ذلك المعين، لتساوي البينتين في إثبات الملك حالا، فيتساقطان وتبقى اليد في مقابلة الملك السابق وهي أقوى. اه. (قوله: ولو ادعى إلخ) المقام للتفريع، فلو قال فلو، بفاء التفريع لكان أولى. (وقوله: بيد غيره) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لعين: أي عين كائنة بيد غيره. (وقوله: أنه اشتراها إلخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر مقدر متعلق بادعى: أي ادعى فيها بأنه اشتراها من زيد من منذ سنتين. (وقوله: فأقام الداخل) أي الذي اليد له. (قوله: قدمت بينة الخارج) قال في التحفة: نعم يؤخذ مما يأتي في مسألة تعويض الزوجة أنه لا بد أن يثبت الخارج هنا أنها كانت بيد زيد حال شرائه منه، وإلا بقيت بيد من هي بيده. اه. (قوله: لأنها) أي بينة الخارج. (قوله: بشرائه) الباء سببية متعلقة بعادية. (وقوله: ما زال ملكه) ما اسم موصول مفعول المصدر: أي بشرائه الشئ الذي زال ملك زيد عنه. قال في التحفة والنهاية: ولا نظر لاحتمال أن زيدا استردها ثم باعها للآخر، لان هذا خلاف الاصل والظاهر. اه. (قوله: ولو اتحد تاريخهما الخ) مقابل قوله بتاريخ سابق، وهذا قد علم من قوله أو ادعيا شيئا بيد أحدهما قدمت بينته وإن تأخر تاريخها، ففي كلامه شبه التكرار. (وقوله: أو أطلقتا) أي في الشهادة ولم تتعرضا للتاريخ. (وقوله: أو إحداهما) أي أو أطلقت إحداهما: أي وأرخت الاخرى. (وقوله: قدم ذو اليد) أي كما أنه يقدم لو اختلف التاريخ، لكن بشرط أن لا يعلم أن يده عادية كما مر. (قوله: ولو شهدت بينة بملك أمس ولم تتعرض للحال) أي بأن قالت نشهد أن هذا ملك فلان أمس، ولم تقل إلى الآن، وهذا محترز التقييد بقوله إلى الآن. (قوله: لم تسمع) أي البينة وهو جواب لو. وفي المغني ما نصه.

اشتراها من خصمه أو أقر له به أمس لان دعوى الملك السابق لا تسمع فكذا البينة. ولو قال من بيده عين اشتريتها من فلان من منذ شهر وأقام به بينة فقالت زوجة البائع منه هي ملكي تعوضتها منه من منذ شهرين وأقامت به بينة، فإن ثبت أنها بيد الزوج حال التعويض حكم بها لها وإلا بقيت بيد من هي بيده الآن (و) ترجح (بشاهدين) وشاهد وامرأتين وأربع نسوة فيما يقبلن فيه (على شاهد مع يمين) للاجماع على قبول من ذكر دون الشاهد واليمين (لا) ترجح (بزيادة) نحو عدالة أو عدد (شهود) بل تتعارضان لان ما قدره الشرع لا يختلف بالزيادة ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: يستثنى من إطلاق المصنف عدم السماع مسائل. الاولى: ما لو ادعى رق شخص بيده وادعى آخر أنه كان له أمس وأنه أعتقه، وأقام بذلك بينة قبلت، لان المقصود منها إثبات العتق، وذكر الملك السابق وقع تبعا. الثانية: ما لو شهدت أن هذا المملوك وضعته أمة في ملكه، أو هذه الثمرة أثمرتها نخلته في ملكه، ولم تتعرض لملك الولد والثمرة في الحال فإنها تسمع. الثالثة: إذا شهدت أن هذا الغزل من قطنه، أو أن هذا الطير من بيضه، أو الآجر من طينه. الرابعة: إذا شهدت أنها ملكه بالامس ورثها. قال العمراني حكم بها على الأصح، وذكر أن الربيع والمزني نقلا ذلك. الخامسة: إذا شهدت أنها ملكه بالامس اشتراها من المدعى عليه بالامس، أو أقر له بها المدعى عليه بالامس ولم تتعرض للحال قبلت. السادسة: لو شهدوا أن هذه الدار اشتراها المدعي من فلان وهو يملكها، ولم يقولوا وهي الآن ملك المدعي قبلت على ما يفهم من كلام الجمهور. اه. بحذف. (قوله: كما لا تسمع دعواه بذلك) أي بالملك أمس من غير تعرض للحال. (قوله: حتى تقول إلخ) مرتبط بقوله لم تسمع: أي لم تسمع البينة حتى تقول الخ، أي فإذا قالت ما ذكر سمعت. (وقوله: ولم يزل ملكه) أي لم ينقل ملكه عنه، فهو من زال يزول التامة. وليس في هذا شهادة بنفي محض حتى يقول إنها غير مقبولة. (قوله: أو لا نعلم الخ) معطوف على قوله: ولم يزل ملكه: أي أو تقول لا نعلم مزيلا لملكه. (قوله: أو تبين إلخ) بالنصب عطف على تقول: أي أو حتى تبين سببه، أي الملك. (قوله: كأن تقول الخ) تمثيل لتبيين السبب. (وقوله: من خصمه) أي وهو المدعى عليه. (قوله: أو أقر) أي الخصم. (وقوله: له) أي للمدعي. (وقوله: به) أي بالشراء. (وقوله: أمس) متعلق بكل من اشترى وأقر. (قوله: لان دعوى الملك إلخ) علة لقوله لم تسمع، ولا حاجة إليها للاستغناء عنها بقوله سابقا، كما لا تسمع دعواه بذلك، إذ هو في معنى العلة. وفي التحفة الاقتصار على الثاني. وفي شرح المنهج: الاقتصار على الأول. (قوله: فكذا البينة) أي لا تسمع. (قوله: ولو قال من بيده عين الخ) هذه الصورة من مفاهيم قوله سابقا لم يعلم أنها عادية. (قوله: وأقام به) أي بالشراء من منذ شهر. (قوله: فقالت زوجة البائع) أي الذي هو فلان المتقدم. (وقوله: هي) أي تلك العين التي اشتريتها أنت ملكي. (وقوله: تعوضتها منه) أي أخذتها منه بعوض بطريق الشراء أو الهبة. (وقوله: من منذ شهرين) متعلق بتعوضتها. (قوله: وأقامت به) أي بالملك أو بالتعويض من منذ شهرين (قوله: فإن ثبت) أي ببينة أو بإقرار المشتري. (وقوله: أنها) أي العين. (وقوله: حكم بها لها) أي حكم بالعين للزوجة، لان يد الداخل عادية بشرائه ممن لا يملك كما مر. (قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم يثبت أنها بيد الزوج حال التعويض، بقيت العين بيد من هي بيده الآن. قال في النهاية: كذا قيل، والأوجه تقدم بينتها: أي الزوجة مطلقا، لاتفاقهما على أن أصل الانتقال من زيد، فعمل بأسبقهما تاريخا. اه. (قوله: وترجح) أي البينة. (وقوله: بشاهدين) الباء للتصوير، وهي متعلق بمحذوف حال من نائب فاعل ترجح: أي وترجح البينة حال كونها مصورة بشاهدين، أو شاهد وامرأتين، أو أربع نسوة. وعبارة المنهج: ويرجح - بالياء التحتية - وعليها فنائب الفاعل يعود على أحد المدعيين، وهي ظاهرة. (وقوله: فيما يقبل) أي يقبل النسوة فيه، وهو ما يظهر للنساء غالبا كولادة وحيض. (قوله: على شاهد مع يمين) متعلق بترجح، ومحله في غير بينة الداخل، كما يعلم مما مر. (قوله: للاجماع الخ) علة الترجيح. وعبارة شرح المنهج، لان ذلك حجة بالاجماع، وأبعد عن تهمة الحالف بالكذب في يمينه. اه. (وقوله: قبول من ذكر) أي من الشاهدين، أو الشاهد والمرأتين، أو الاربع نسوة. (قوله: لا ترجح) أي البينة. (قوله: بزيادة نحو عدالة الخ) لفظ عدالة، يقرأ من غير تنوين، لانه مضاف إلى شهود، أو

والنقص ولا برجلين على رجل وامرأتين ولا على أربع نسوة (ولا) بينة (مؤرخة على) بينة (مطلقة) لم تتعرض لزمن الملك حيث لا يد لاحدهما واستويا في أن لكل شاهدين ولم تبين الثانية سبب الملك فتتعارضان. نعم لو شهدت إحداهما بدين والاخرى بالابراء رجحت بينة الابراء لانها إنما تكون بعد الوجوب. والاصل عدم تعدد الدين ولو شهدت بينة بألف وبينة بألفين يجب ألفان ولو أثبت إقرار زيد له بدين فأثبت زيد إقراره بأنه لا شئ له عليه لم يؤثر لاحتمال حدوث الدين بعد. ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى نظيره. ومثله لفظ عدد. ودخل تحت نحو عدالة بقية الصفات المعتبرة في الشاهد كمروءة وإبصار وسمع وعقل. (وقوله: شهود فيه) إظهار في مقام الاضمار أورث ركة في العبارة، فلو قال لا بزيادة نحو عدالتها، أو عددها لكان أولى. (قوله: بل تتعارضان) أي البينتان، ومحل التعارض ما لم تبلغ زيادة إحداهما عدد التواتر، وإلا رجحت لافادتها حينئذ العلم الضروري، وهو لا يعارض. أفاده في التحفة والنهاية. (قوله: لأن الخ) علة لقوله لا ترجح. (وقوله: ما قدره الشرع) أي الامر الذي قدره وحده الشارع، كعدد الشهود هنا. (وقوله: لا يختلف بالزيادة) أي عددا وصفة كما مر. (وقوله: والنقص) أي عن تلك الزيادة لا عن الذي قدره الشارع، لانه مضر كما هو ظاهر. (قوله: ولا برجلين) أي ولا ترجح برجلين الخ. أي لكمال الحجة في الطرفين. (قوله: ولا بينة مؤرخة) أي ولا ترجح بينة مؤرخة، وهي المقيدة بزمن (قوله: على بينة) متعلقة بترجح المقدر بعد لا النافية (وقوله: مطلقة) - بكسر اللام - اسم فاعل من أطلق، وقد بينها بقوله لم تتعرض لزمن الملك. (قوله: حيث الخ) متعلق بترجح المقدر: أي لا ترجح البينة المؤرخة على البينة المطلقة، بل هما سواء حيث لا يد لاحدهما، بأن كانت لهما معا، أو لا لاحد، أو لثالث غيرهما، أما إذا كانت اليد لاحدهما، فترجح بينة صاحبها وإن كانت مطلقة، خلافا لما يوهمه ظاهر العبارة من أن المؤرخة ترجح إذا كان اليد لاحدهما، سواء كانت بينته هي المؤرخة أو المطلقة. (قوله: واستويا) أي المتداعيان. (وقوله: في أن لكل شاهدين) فإن لم يستويا في ذلك بأن كان مع أحدهما شاهد ويمين، ومع الآخر شاهدان، قدم الثاني، سواء كانت بينته مطلقة أم مؤرخة كما مر. (قوله: ولم تبين الثانية) أي البينة الثانية سبب الملك كشراء أو إرث كما مر، فإن بينت ذلك قدمت على غيرها مطلقا. (قوله: فتتعارضان) مفرع على عدم ترجيح إحداهما على الأخرى المقتضي للاستواء. قال في النهاية: ومجرد التاريخ غير مرجح، لاحتمال أن المطلقة لو فسرت فسرت بما هو أكثر من الأول. اه. (قوله: نعم لو شهدت الخ) أي وقد أطلقت إحداهما وأرخت الاخرى كما هو الفرض، وصرح به في شرح الروض، فهو استدراك على قوله: ولا مؤرخة على مطلقة كما قاله س ل. اه. بجيرمي. وقوله: وصرح به في شرح الروض: وعبارته مع الاصل: والمؤرخة كالمطلقة فلا تقدم عليها بل تساويها، لان المطلقة قد تثبت الملك قبل ذلك التاريخ. نعم: لو شهدت إحداهما بالحق والاخرى بالابراء، وأطلقت إحداهما وأرخت الأخرى، قدمت بينة الابراء لانها إنما تكون بعد الوجوب. اه. (قوله: لأنها) أي بينة الابراء. وعبارة التحفة: لأنه إنما يكون بعد الوجوب. اه. فذكر الضمير وهو أولى لعوده على الإبراء. (وقوله: بعد الوجوب) أي وجوب الدين. أي ثبوته. أي فيكون مع بينة الابراء زيادة علم. (وقوله: والاصل عدم تعدد الدين) من تتمة التعليل، وأتى به لدفع ما يقال إنه ربما استدان منه دينا آخر فتسمع بينته. (قوله: لو شهدت بينة الخ) هذه الصورة والتي بعدها كالاستدراك من قوله والاصل عدم تعدد الدين. (وقوله: يجب ألفان) أي لاحتمال حدوث ألف ثانية عليه، لم تطلع عليه البينة الاولى. (قوله: ولو أثبت) أي أحدهما. (وقوله: إقرار زيد له) أي لذلك الاحد. (وقوله: بدين) أي على زيد لذلك الاحد. (قوله: فأثبت زيد إقراره) أي ذلك الأحد المدعي. (وقوله: بأنه لا شئ له) أي لذلك الاحد. (وقوله: عليه) أي على زيد. (قوله: لم يؤثر) أي إثبات زيد إقرار ذلك الاحد بأنه لا شئ له عليه. (قوله: لاحتمال حدوث الدين بعد) أي بعد إقرار ذلك الاحد بما ذكر. قال في التحفة: ولان الثبوت لا يرتفع بالنفي المحتمل. اه. وقوله: المحتمل أي لهذا الدين ولغيره.

فروع: لو أقام بينة بملك دابة أو شجرة من غير تعرض بملك سابق بتاريخ لم يستحق ثمرة ظاهرة ولا ولدا منفصلا عند الشهادة ويستحق الحمل والثمر غير الظاهر عندها تبعا للام والاصل، فإذا تعرضت لملك سابق على حدوث ما ذكر فيستحقه ولو اشترى شيئا فأخذ منه بحجة غير إقرار رجع على بائعه الذي لم يصدقه ولا أقام بينة بأنه اشتراه من المدعي ولو بعد الحكم به بالثمن بخلاف ما لو أخذ منه بإقراره أو بحلف المدعي بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: فروع) أي خمسة. (قوله: لو أقام بينة بملك دابة أو شجرة) أي لو ادعى شخص أن هذه الدابة، أو هذه الشجرة ملكه، وأقام بينة تشهد بذلك. (وقوله: من غير تعرض إلخ) متعلق بمحذوف، هو متعلق الجار والمجرور قبله: أي أقام بينة تشهد بذلك من غير أن تتعرض لملك سابق بالتاريخ، بأن قالت نشهد أن هذه الدابة أو الشجرة ملك فلان، واقتصرت على ذلك. (قوله: لم يستحق) أي مقيم البينة. (وقوله: ثمرة ظاهرة ولا ولدا منفصلا) إنما لم يستحقهما لانهما ليسا من أجزاء العين، ولذا لا يدخلان في بيعها. ولان البينة لا تثبت الملك بل تظهره، فكفى تقدمه عليها بلحظة فلم يستحق ثمرا ونتاجا حصلا قبل تلك اللحظة. اه تحفة. (قوله: عند الشهادة) متعلق بكل من ظاهرة ومنفصلا. (قوله: ويستحق) أي مقيم البينة. (قوله: غير الظاهر) صفة للثمر: أي الثمر غير البارز المؤبر. (قوله: عندها) متعلق بمحذوف صفة لكل من الحمل والثمر: أي الموجودين عندها: أي الشهادة. (قوله: تبعا للام) أي بالنسبة للحمل. (وقوله: والاصل) أي بالنسبة للثمر. قال في التحفة: ولا عبرة باحتمال كون ذلك الغير مالك الام والشجر بنحو وصية، لانه خلاف الأصل. اه. (قوله: فإذا تعرضت الخ) مقابل قوله: من غير تعرض لملك. (وقوله: سابق على حدوث ما ذكر) أي الثمرة الظاهرة والولد المنفصل، وذلك بأن قالت نشهد أن هذه الدابة، أو الشجرة ملك فلان من منذ سنة، فحينئذ كل ما يحدث في هذه السنة يكون ملكا للمشهود له. وعبارة المغني: فإن تعرضت لوقت مخصوص إدعاه المشهود له فما يحصل من النتاج والثمرة له، وإن تقدم على وقت أداء الشهادة. (قوله: فيستحق) أي يستحق مالك الدابة أو الشجرة ما ذكر من الولد المنفصل، أو الثمرة الظاهرة، ولو قال فيستحقهما بضمير التثنية العائد على الولد والثمرة لكان أولى. (قوله: ولو اشترى شيئا) أي وأقبض ثمنه. (قوله: فأخذ منه) أي فأخذ ذلك الشئ من المشتري بأن ادعى شخص فيه بأنه ملكه، وأقام بينة عليه وأخذه منه. (وقوله: بحجة) أي ولو مطلقة عن تقييد الاستحقاق بوقت الشراء أو غيره. (وقوله: غير إقرار) سيأتي محترزه. (قوله: رجع على بائعه) أي رجع المشتري على بائعه بما دفعه له. قال البجيرمي: محل الرجوع ما لم يكن يعلم عند البيع أنه لا يملكه، كأن تحقق أنه سارقه، أو غاصبه، وإلا لم يرجع عليه بما دفعه له، لأنه في مقابلة تسليمه إياه، وقد حصل أيضا. فلما علم أنه لا يملكه كان كأنه متبرع بما أعطاه له. اه. (وقوله: الذي لم يصدقه) هذه الصلة جرت على غير من هي له، لان الضمير المستتر يعود على المشتري، والبارز يعود على الذي، فكان حقه أن يبرز الضمير، والمعنى للمشتري أن يرجع على بائعه بشرط أن لا يصدقه في أن المدعى به ملكه، فإن صدقه في أنه ملكه، وأن المدعي كاذب في دعواه لم يرجع عليه بشئ، لاعترافه بأن الظالم غيره وهو المدعي. قال في النهاية: نعم لو كان تصديقه له اعتمادا على ظاهر يده، أو كان ذلك في حال الخصومة، لم يمنع رجوعه حيث ادعى ذلك، لعذره حينئذ. اه. (قوله: ولا أقام الخ) معطوف على صلة الموصول، والفاعل ضمير يعود على البائع الواقع عليه إسم الموصول، فالصلة بالنسبة له جرت على من هي له: أي رجع عى بائعه الذي لم يقم بينة بأنه اشتراه من المدعى به ثم باعه، فإن أقام بينة على ذلك بعد أن حكم به للمدعي وأخذ من المشتري، فلا يرجع على بائعه بشئ إذ الظالم غيره وهو المدعي. (قوله: ولو بعد الحكم إلخ) غاية في إقامة البينة، فهي راجعة للمنفى (قوله: بالثمن) متعلق برجع: أي رجع على بائعه بالثمن الذي دفعه له. (قوله: بخلاف ما لو أخذ إلخ) مفهوم قوله غير إقرار: أي بخلاف ما لو أخذ ذلك الشئ من المشتري بإقراره أنه ملك للمدعي فإنه لا يرجع على بائعه بشئ، لان إقراره للغير لا يكون حجة على البائع، ولا ملزما له أن يرجع عليه. (قوله: أو بحلف الخ) معطوف على بإقراره: أي وبخلاف ما لو أخذ منه بحلف المدعي اليمين المردودة من

نكوله لانه المقصر ولو اشترى قنا وأقر بأنه قن ثم ادعى بحرية الاصل وحكم له بها رجع بثمنه على بائعه ولم يضر اعترافه برقه لانه معتمد فيه على الظاهر. ولو ادعى شراء عين فشهدت بينة بملك مطلق قبلت لانها شهدت بالمقصود ولا تناقض على الاصح. وكذا لو ادعى ملكا مطلقا فشهدت له به مع سببه لم يضر وإن ذكر سببا وهم سببا آخر ضر ذلك للتناقض بين الدعوى والشهادة. فرع: لو باع دارا ثم قامت بينة حسبة أن أباه وقفها عليه ثم على أولاده انتزعت من المشتري ورجع بثمنه على البائع ويصرف له ما حصل في حياته من الغلة إن صدق البائع الشهود وإلا وقفت، فإن مات مصرا صرفت ـــــــــــــــــــــــــــــ المشتري، بدليل قوله بعد نكوله، فإن المراد به بعد نكول المشتري عن اليمين، بأن قال المدعي له: إحلف أن هذا الذي اشتريته ليس ملكي، فينكل فيحلف المدعي ويأخذ حقه، ولا يرجع المشتري على البائع، لانه يعتقد أن هذا البيع ملكه وأن المدعي غير محق. (قوله: ولو اشترى) أي شخص، وهذه المسألة قد تقدمت في باب الدعوى بأبسط مما هنا. (وقوله: قنا) أي رقيقا، ذكرا كان أو أنثى. (قوله: وأقر) أي المشتري بأنه قن. (قوله: ثم ادعى) أي القن. (وقوله: بحرية الاصل) أي بأنه حر أصالة. (قوله: وحكم له) أي لمدعي الحرية. (وقوله: بها) أي بالحرية. (قوله: رجع) أي المشتري. (وقوله: بثمنه) أي الرقيق. (وقوله: على بائعه) متعلق برجع. (قوله: ولم يضر) أي في الرجوع بالثمن. (وقوله: إعترافه) أي المشتري. (وقوله: برقه) أي ما اشتراه. (وقوله: لأنه) أي المشتري، وهو علة لعدم الضرر. (وقوله: معتمد فيه) أي في اعترافه بالرق. (وقوله: على الظاهر) أي ظاهر اليد. (قوله: ولو ادعى شراء عين) أي ادعى الملكية وبين السبب. (قوله: بملك مطلق) أي لم تبين فيه السبب. (قوله: قبلت) أي البينة. (قوله: لانها شهدت بالمقصود) أي وهو الملك، وأما السبب فهو تابع له. (قوله: ولا تناقض) أي والحال أنه لا تناقض بين الدعوى والشهادة موجودة. (قوله: على الأصح) متعلق بقبلت. وعبارة التحفة: وفي الانوار عن فتاوي القفال لو ادعى شراء عين فشهدت بينة له بملك مطلق قبلت، لكن رد بأن الصحيح أنها لا تسمع حتى تصرح له بالشراء، وفيه نظر بل الاوجه الأول إلخ. اه. (قوله: وكذا) متعلق بلم يضر بعد الواقع جواب لو: أي لم يضر كذا: أي كما لو ادعى شراء عين الخ. وعدم الضرر فيه لم يصرح به، وإنما يفهم من قوله قبلت. (وقوله: ملكا مطلقا) أي لم يذكر سببه. (وقوله: فشهدت) أي البينة. (وقوله: له) أي لمدعي الملك المطلق. (وقوله: به) أي بالملك. (وقوله: مع سببه) أي مع ذكر سبب الملك. (قوله: لم يضر) أي ما زادته البينة من السبب. قال في التحفة: لان سببه تابع له، وهو المقصود، وقد وافقت البينة فيه الدعوى. نعم: لا يكون ذكرهم السبب مرجحا لانهم ذكروه قبل الدعوى به، فإن أعاد دعوى الملك وسببه فشهدوا بذلك، رجحت حينئذ. اه. (قوله: وإن ذكر) أي المدعي. (وقوله: سببا) أي للملك كشراء. (وقوله: وهم) أي وذكرهم: أي الشهود. (وقوله: سببا آخر) أي كإرث. (قوله: ضر ذلك) أي ذكرهم السبب الآخر في شهادتهم. (قوله: للتناقض إلخ) قال في التحفة: ويفرق بين هذا وما لو قال له علي ألف من ثمن عبد، فقال المقر له لا بل من ثمن دار، بأنه يغتفر في الاقرار ما لا يغتفر في الشهادة المشترط فيها المطابقة للدعوى لا فيه: أي الإقرار. اه. (قوله: لو باع) أي شخص. (قوله: ثم قامت إلخ) أي ثم بعد البيع قامت بينة حسية، وهي التي تشهد قبل الاستشهاد، سواء سبقها دعوى أم لا، وهي مأخوذة من احتسب بكذا أجرا عند الله، اعتده ينوي به وجه الله تعالى. (قوله: إن أباه) أي أبى البائع. (قوله: وقفها) أي الدار المبيعة. (وقوله: عليه) أي على البائع (قوله: ثم على أولاده) أي ثم من بعده تكون وقفا على أولاده. ولا بد أن تكون موقوفة من بعدهم على جهة عامة كالفقراء لتصح شهادة الحسبة، لما سيأتي في الشارح أنها لا تصح إلا في حق مؤكد لله كطلاق، وعتق، ووقف لنحو جهة عامة الخ. (قوله: إنتزعت) أي الدار. وهو جواب لو. (قوله: ورجع) أي المشتري. (قوله: ويصرف له) أي للبائع: أي الذي وقفت الدار عليه. (قوله: من الغلة) أي غلة الدار مثلا: أي أجرتها، وهو بيان لما حصل. (قوله:

لاقرب الناس إلى الواقف. قاله الرافعي كالقفال. فرع: تجوز الشهادة بل تجب إن انحصر الامر فيه بملك الآن للعين المدعاة استصحابا لما سبق من إرث وشراء وغيرهما إعتمادا علي الاستصحاب لان الاصل البقاء وللحاجة لذلك وإلا لتعسرت الشهادة على الاملاك السابقة إذا تطاول الزمن ومحله إن لم يصرح بأنه اعتمد الاستصحاب وإلا لم تسمع عند الاكثرين (ولو ادعيا) أي كل من اثنين (شيئا بيد ثالث) فإن أقر به لاحدهما سلم إليه وللآخر تحليفه (و) إن ادعيا شيئا على ثالث و (أقام كل) منهما (بينة أنه اشتراه) منه وسلم ثمنه (فإن اختلف تاريخهما حكم للاسبق) منهما تاريخا لان معها زيادة علم ـــــــــــــــــــــــــــــ إن صدق البائع الشهود) أي في الوقفية. (قوله: وإلا) أي وإن لم يصدقهم. (وقوله: وقفت) أي الغلة، أي تبقى موقوفة ولا تصرف على أحد. (قوله: فإن مات مصرا) أي على عدم تصديقهم. (وقوله: صرفت) أي الغلة. وانظر حينئذ هل يبطل الوقف أو لا؟ مقتضى قوله لاقرب الناس إلى الواقف يؤيد الاول، وإلا لقال صرفت إلى أولاد البائع من بعده، لانهم مذكورون في صيغة الواقف، وأيضا قولم في باب الوقف يشترط القبول من الموقوف عليه المعين، وإلا بطل حقه. وبطل أصل الوقف إن كان عدم القبول من البطن الاول يؤيده. وعبارة المنهاج مع التحفة هناك: والأصح أن الوقف على معين يشترط فيه قبوله إن تأهل، وإلا فقبول وليه عقب الإيجاب، أو بلوغ الخبر. ولو رد الموقوف عليه المعين بطل بحقه منه. وخرج بحقه أصل الوقف، فإن كان الراد البطن الأول بطل عليهما، أو من بعده فكمنقطع الوسط. اه. بحذف. (قوله: بل تجب) أي الشهادة. (قوله: إن انحصر الأمر فيه) أي في الشاهد، بأن لم يوجد غيره. (قوله: بملك) متعلق بالشهادة. (قوله: إستصحابا) حال من مقدر: أي تجوز الشهادة للشخص حال كونه مستصحبا الخ. (وقوله: لما سبق) أي لسبب سبق الشهادة: أي وجد قبلها. (وقوله: من إرث) بيان لما. (وقوله: وغيرهما) أي غير الارث والشراء كهبة. (قوله: اعتمادا على الاستصحاب) هو عين قوله استصحابا، فاوولى إسقاطه. (قوله: لأن الأصل البقاء) أي بقاء الملك، وهو علة للعلة. (قوله: وللحاجة لذلك) أي للاعتماد على الاستصحاب في أداء الشهادة، وذلك لأنه لا يمكن استمرار الشاهد مع صاحبه دائما لا يفارقه لحظة، لانه متى فارقه أمكن زوال ملكه عنه، فتعذرت عليه الشهادة. (قوله: وإلا) أي وإن لم تجز الشهادة اعتمادا على الاستصحاب. (وقوله: لتعسرت الشهادة على الاملاك السابقة) أي لانه يقال فيها يحتمل زوال ملكه عنها. (قوله: ومحله) أي محل قبول الشهادة اعتمادا على ما ذكر. (وقوله: لم يصرح) أي الشاهد في الشهادة بأنه اعتمد الاستصحاب، بأن يقول أشهد أنه ملك له الآن، اعتمادا على ما سبق من أنه ورثه أو اشتراه. (قوله: وإلا) أي بأن صرح بذلك. (وقوله: لم تسمع) أي الشهادة، قال في النهاية: لكن يتجه حمله على ما إذا ذكره على وجه الريبة والتردد، فإن ذكره لحكاية حال، أو تقوية قبلت معه. اه. (قوله: ولو ادعيا الخ) المسألة الاولى قد تقدمت. (قوله: أي كل من إثنين) أي ادعى كل واحد من إثنين. (قوله: فإن أقر) أي الثالث، وإن أنكر ما ادعياه ولا بينة، حلف لكل منهما يمينا وترك في يده. (وقوله: به) أي بذلك الشئ. (قوله: سلم) أي ذلك الشئ. (وقوله: إليه) أي إلى الاحد المقر له. (قوله: وللآخر تحليفه) أي وللمدعي الثاني تحليف المقر بأن هذا الشئ ليس ملكه. قال في النهاية: إذ لو أقر به له أيضا غرم له بدله. اه. (قوله: وأن ادعيا شيئا على ثالث) أي أنكرهما، وإنما عدل عن قوله في المتن بيد ثالث إلى ما قال ليشمل ما إذا لم يكن في يد البائع، كما ستأتي الاشارة إليه. (قوله: وأقام كل منهما) أي من المدعيين. (وقوله: أنه اشتراه منه) أي وهو يملكه إن كان المبيع بغير يده، وإلا لم يحتج لذكر ذلك كما يأتي. (قوله: وسلم ثمنه) قيد به لأجل قوله بعد: ويرجعان عليه بالثمن. (قوله: فإن اختلف تاريخهما) أي كأن شهدت إحدى البينتين أنه اشتراه في رجب، والاخرى أنه اشتراه في شعبان. (قوله: حكم للاسبق منهما) أي من البينتين. قال سم: ويلزم المدعى عليه للآخر دفع ثمنه لثبوته ببينة من غير تعارض فيه، كما هو ظاهر. وكلام الروض صريح فيه. اه. (قوله: لأن معها) أي مع

(وإلا) يختلف تاريخهما بأن أطلقتا أو إحداهما أو أرختا بتاريخ متحد (سقطتا) لاستحالة أعمالهما ثم إن أقر لهما أو لاحدهما فواضح، وإلا حلف لكل يمينا ويرجعان عليه بالثمن لثبوته بالبينة ولو قال كل منهما والمبيع في يد المدعى عليه بعتكه بكذا وهو ملكي وإلا لم تسمع الدعوى فأنكر وأقاما بينتن بما قالاه وطلباه بالثمن فإن اتحد تاريخهما سقطتا وإن اختلف لزمه الثمنان. ولو قال أجرتك البيت بعشرة مثلا فقال بل أجرتني جميع الدار بعشرة وأقاما بينتين تساقطتا فيتحالفان ثم يفسخ العقد. تنبيه: لا يكفي في الدعوى كالشهادة ذكر الشراء إلا مع ذكر ملك البائع إذا كان غير ذي يد أو مع ذكر يده ـــــــــــــــــــــــــــــ البينة التي هي أسبق تاريخا. (وقوله: زيادة علم) أي بثبوت الملك في وقت لا تعارضها فيه الاخرى. قال في التحفة: ولان الثاني اشتراه من الثالث بعد ما زال ملكه عنه. ولا نظر لاحتمال عوده إليه لانه خلاف الاصل، بل والظاهر. اه. (قوله: وإلا يختلف تاريخهما) أي البينتين معا، وهو صادق بثلاث صور: بأن لا يوجد تاريخ أصلا منهما، وذلك بأن أطلقتا، وبما إذا وجد تاريخ من إحداهما، وبما إذا وجد منهما ولكنه متحد، وقد بينها بقوله بأن أطلقتا الخ (قوله: سقطتا) أي البينتان. (قوله: لاستحالة أعمالهما) أي لاستحالة العمل بهما لتعارضهما. (قوله: ثم إن أقر إلخ) أي ثم بعد سقوطهما إن أقر المدعى عليه بأنه باع كلا منهما، أو أحدهما. فالحكم واضح وهو أنه في الأولى يثبت البيع لاحدهما، ويرجع الآخر عليه بالثمن الذي سلمه له، لبطلان البيع بالنسبة له، وفي الثانية كذلك يثبت البيع للمقر له، ويرجع الآخر عليه بالثمن. (قوله: وإلا) أي وإن لم يقر. (وقوله: حلف لكل منهما) أي بأنه ما باعه. (قوله: ويرجعان عليه بالثمن) قال في شرح الروض: إذ لا تعارض فيه، لان بينة كل منهما شهدت بتوفية الثمن، وإنما وقع التعارض في الدار لامتناع كونها ملكا لكل منهما في وقت واحد، فسقطتا فيها دون الثمن. اه. ومحل رجوعهما عليه بالثمن ما لم تتعرض البينة لقبض المبيع، وإلا فلا يرجعان عليه به لتقرر العقد بالقبض، وليس على البائع عهدة ما يحدث بعده. (قوله: ولو قال كل منهما الخ) هذه عكس المسألة السابقة، لان تلك في مشتريين وبائع، وهذه في بائعين ومشتر، ومقصودهما الثمن وفي تلك العين. (قوله: والمبيع الخ) أي والحال أن المبيع في يد المدعى عليه. (قوله: بعتكه بكذا وهو ملكي) مقول القول. قال سم: وانظر لو قال وهو في يدي هل يكفي كما قد يدل عليه ما في التنبيه الآتي؟ اه. (قوله: وإلا) أي وإن لم يقل هو ملكي لم تسمع الدعوى. (قوله: فأنكر) أي المدعى عليه الشراء منهما. (قوله: وأما) أي مدعيا البيع. (قوله: بما قالاه) أي من البيع عليه. (قوله: فإن اتحد تاريخهما سقطتا) أي لامتناع كون العين ملكا لكل منهما في وقت واحد، فيحلف لكل منهما يمينا كما لو لم يكن بينة، وتبقى له العين ولا يلزمه شئ. (قوله: وإن اختلف) أي تاريخهما. مثله ما لو أطلقتا، أو أطلقت إحداهما وأرخت الاخرى. (قوله: لزمه الثمنان) أي لان التنافي غير معلوم والجمع ممكن، لكن يشترط أن يكون بينهما زمان يمكن فيه العقد الاول، ثم الانتقال من المشتري إلى البائع الثاني ثم العقد الثاني، فلو عين الشهود زمنا لا يتأتى فيه ذلك لم يلزم الثمنان، ويحلف حينئذ لكل. اه. نهاية. (قوله: ولو قال الخ) شروع في حكم ما لو اختلف مؤجر الدار مثلا والمستأجر في قدر ما استؤجر كالمثال المذكور. ومثله ما لو اختلفا في قدر الاجر، كأن قال أجرتك البيت بعشرة، فقال: بل أجرتنيه بخمسة. أو فيهما معا، كأن قال أجرتك البيت بخمسة، فقال بل أجرتني جميع الدار بثلاثة. (قوله: وأقاما بينتين) أي أطلقتا، أو إحداهما، أو اتحد تاريخهما، وكذا إذا اختلف تاريخهما، واتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد. اه. تحفة. (قوله: تساقطتا) أي البينتان، لتناقضهما في كيفية العقد الواحد. قال في شرح الروض: ويفارق هذا ما لو شهدت بينة بألف وأخرى بألفين، حيث ثبتت الالفان بأنهما لا يتنافيان، لان الشهادة بالالف لا تنفي الالفين، وهنا العقد واحد. اه. (قوله: ثم يفسخ العقد) أي عقد الاجارة، ويسلم المكتري أجرة مثل ما سكن في الدار. (قوله: لا يكفي في الدعوى كالشهادة الخ) عبارة الروض وشرحه: ويشترط في دعوى المشتري من

إذا كانت اليد له ونزعت منه تعديا (ولو ادعوا) أي الورثة كلهم أو بعضهم (مالا) عينا أو دينا أو منفعة (لمورثهم) الذي مات (وأقاموا شاهدا) بالمال (وحلف) معه بعضهم على استحقاق مورثه الكل (أخذ نصيبه ولا يشارك فيه) من جهة البقية لان الحجة تمت في حقه وحده وغيره قادر عليها بالحلف وأن يمين الانسان لا يعطى بها غيره فلو كان بعض الورثة صبيا أو غائبا حلف إذا بلغ أو حضر وأخذ نصيبه بلا إعادة دعوى وشهادة ولو أقر بدين لميت فأخذ بعض ورثته قدر حصته ولو بغير دعوى ولا إذن من حاكم فللبقية مشاركته ولو أخذ أحد شركائه في دار أو منفعتها ما يخصه من أجرتها لم يشاركه فيه بقية الورثة كما قاله شيخنا. ـــــــــــــــــــــــــــــ غير ذي اليد أن يقول المدعي: إشتريتها منه وهي ملكه، أو تسلمتها منه، أو سلمها إلي، كالشهادة يشترط فيها أن يقول الشاهد إشتراها من فلان وهي ملكه، أو إشتراها أو تسلمها منه أو سلمها إليه لا في دعوى الشراء من ذي، يد، فلا يشترط فيها ذلك، بل يكفي ذكر اليد، لان اليد تدل على الملك. اه. (قوله: إذا كان) أي البائع غير ذي يد بأن كان المبيع في يد شخص آخر غير البائع. (قوله: أو مع ذكر الخ) عطف على قوله مع ذكر ملك البائع: أي أو إلا مع ذكر اليد فيكفي ذلك، لان اليد تدل على الملك كما مر. (قوله: إذا كانت اليد له) أي للبائع. (وقوله: ونزعت منه تعديا) فيه أنه يكون حينئذ غير ذي يد، فيقال حينئذ ما الفرق بين هذه الصورة والتي قبلها؟ ويمكن أن يفرق بينهما بحمل قوله في الصورة الأولى غير ذي يد على ما إذا لم يكن تحت يده أصلا، بأن ورثه من أبيه ولم يستلمه من وكيله أو من وصيه، وحمل ما هنا على ما إذا دخل تحت يده ولكن انتزع منه. ولو أسقطه - كما في شرح الروض - لكان أولى. (قوله: ولو ادعوا إلخ) هذه المسألة ذكروها في باب الشهادة. (قوله: مالا) مفعول ادعوا. (وقوله: عينا إلخ) تعميم في المال. (قوله: لمورثهم) متعلق بمحذوف صفة لمالا: أي مالا ملكا لمورثهم. (قوله: وأقاموا شاهدا) أي بعد إثباتهم لموته وإرثهم وانحصاره فيهم. اه. نهاية. (قوله: وحلف معه بعضهم) أي وحلف مع الشاهد الذي أقاموه بعض الورثة. قال في شرح الروض: فإذا حلفوا كلهم ثبت الملك له وصار تركة تقضى منها ديونه ووصاياه. اه. (قوله: على استحقاق مورثه الكل) أي المال، ولا يقتصر على قدر حصته، لأنه إنما يثبت الملك لمورثه. وكذا لو حلفوا كلهم لما ذكر. (قوله: أخذ نصيبه) قال في شرح الروض: ويقضي من نصيبه قسطه من الذين والوصية لا الجميع. اه. (قوله: ولا يشارك) بالبناء للمجهول. (وقوله: فيه) نائب فاعله، وضميره يعود على نصيبه الذي أخذه. (قوله: من جهة البقية) أي بقية الورثة. (قوله: لان الحجة تمت إلخ) علة عدم المشاركة. (وقوله: في حقه) أي الحالف. (قوله: وغيره) أي ولان غير الحالف قادر عليها، أي الحجة. (وقوله: بالحلف) متعلق بقادر. (قوله: وأن يمين الإنسان الخ) علة ثالثة لعدم المشاركة. (وقوله: لا يعطى بها) أي بيمين الانسان. (وقوله: غيره) أي غير الانسان صاحب اليمين. (قوله: فلو كان الخ) مرتب على محذوف تقديره: ويبطل حق كامل لم يحلف بنكوله إن حضر في البلد، وكان قد شرع في الخصومة أو شعر بها، فلو كان بعض الورثة صبيا الخ. (قوله: حلف إذا بلغ) راجع للصبي. (وقوله: أو حضر) راجع للغائب. (قوله: وأخذ) أي وأخذ كل منهما. (وقوله: نصيبه) أي حصته (قوله: بلا إعادة دعوى وشهادة) أي لانهما وجدا أولا من الكامل خلافة عن الميت. (قوله: ولو أقر) أي شخص بدين لميت. (قوله: فأخذ بعض ورثته) أي الميت من ذلك الدين المقر به. (قوله: ولو بغير دعوى) غاية في الأخذ. (وقوله: ولا إذن من حاكم) أي في الاخذ. (قوله: فللبقية) أي بقية الورثة. (وقوله: مشاركته) أي مشاركة بعض الورثة في القدر الذي أخذه. (قوله: ولو أخذ أحد شركائه) أي الشخص (وقوله: في دار متعلق بشركاء) أي شركائه في نفس الدار. (وقوله: أو منفعتها) معطوف على في الدار: أي أو شركائه في منفعة الدار، بأن كان موصى بها لجماعة. (قوله: ما يخصه) مفعول أخذ. (وقوله: من أجرتها) بيان لما. (قوله: لم يشاركه فيه) أي فيما أخذه مما يخصه من أجرتها. (قوله: بقية الورثة) صوابه بقية الشركاء، كما في بعض نسخ الخط. والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في الشهادات جمع شهادة. وهي إخبار الشخص بحق على غيره بلفظ خاص. (الشهادة لرمضان) أي لثبوته بالنسبة للصوم فقط. (رجل) واحد لا امرأة وخنثى (ولزنا) ولواط (أربعة) من الرجال يشهدون أنهم رأوه أدخل ملكفا ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في الشهادات شروع في القسم الثاني من ترجمة الباب السابق، وهو البينات. وإنما أفرده بفصل مستقل لطول الكلام على القسم الاول وهو الدعاوي، ولان الباب ما اشتمل على فصول، فلا يقال إنه في الباب السابق ترجم للبينات ولم يذكرها فيه. (قوله: جمع شهادة) وإنما جمعها لتنوعها كما مر بيانه والأصل فيها قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة) * وقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) *. وقوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) *. وأخبار كخبر الصحيحين: ليس لك إلا شاهداك أو يمينه. أي ليس لك يا مدعي في إثبات الحق على خصمك إلا شاهداك، وليس لك في فصل الخصومة بينك وبينه عند عدم البينة إلا يمينه، وكخبر البيهقي والحاكم وصحح إسناده أنه - صلى الله عليه وسلم -: سئل عن الشهادة، فقال للسائل: ترى الشمس؟ قال نعم. فقال: على مثلها فاشهد أو دع. وقوله: على مثلها الخ: المراد إن كنت تعلم الشئ الذي تريد الشهادة به مثل الشمس فاشهد به، وإن كنت لا تعلمه مثلها فاترك الشهادة به. وأركانها خمسة: شاهد ومشهود به ومشهود عليه ومشهود له وصيغة. وكلها تعلم من كلامه. (قوله: وهي) أي الشهادة شرعا ما ذكر. وأما لغة فمعناها الاطلاع والمعاينة كما في المصباح. (وقوله: إخبار الشخص الخ) عرفها بعضهم بأنها إخبار عن الشئ بلفظ خاص، وهو أولى لشموله لنحو هلال رمضان، بخلاف تعريف الشارح. (قوله: بحق على غيره) أي لغيره. (قوله: بلفظ خاص) أي على وجه خاص، بأن تكون عند قاض بشرطه. اه. رشيدي والمراد باللفظ الخاص لفظ أشهد لا غير، فلا يكفي إبداله بغيره ولو كان أبلغ، لان فيه نوع تعبد. (قوله: الشهادة إلخ) شروع في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال وتعدد الشهود، وما لا يعتبر فيه ذلك. (وقوله: لرمضان) أي وتوابعه كتعجيل زكاة الفطر في اليوم الأول، ودخول شوال، وصلاة التراويح. (قوله: أي لثبوته) أي رمضان، وأفاد بهذا التفسير أن الشهادة ليست لنفس رمضان، وإنما هي لاثباته. (قوله: بالنسبة للصوم فقط) أي لا بالنسبة لحلول أجل أو لوقوع طلاق، كما مر في باب الصوم. (قوله: رجل) خبر عن الشهادة، ولا بد من تقدير مضاف في الأول أو الثاني ليتطابق المبتدأ والخبر، وذلك لان الشهادة ليست عين الرجل: إذ هي إسم معنى، وهو جثة. وتقديره في الاول ذو الشهادة لرمضان رجل، وفي الثاني الشهادة لرمضان شهادة رجل، ويصح أن يكون رجل فاعلا لفعل محذوف مع متعلقه، والتقدير يكفي فيها رجل، وهذا أقعد من جهة المعنى إلا أنه يرد عليه أن حذف العامل لا يجوز إلا مع القرينة، ولا قرينة

_ (1) سورة البقرة، الاية: 283. (2) سورة الطلاق، الاية: 2. (3) سورة البقرة، الاية: 282.

مختارا حشفته في فرجها بالزنا. قال شيخنا: والذي يتجه أنه لا يشترط ذكر زمان ومكان إلا ن ذكره أحدهم فيجب سؤال الباقين لاحتمال وقوع تناقض يسقط الشهادة ولا ذكر رأينا كالمرود في المكحلة بل يسن ويكفي للاقرار به إثنان كغيره (ولمال) عينا كان أو دينا أو منفعة (وما قصد به مال) من عقد مالي أو حق مالي (كبيع) وحوالة وضمان ووقف وقرض وإبراء (ورهن) وصلح وخيار وأجل (رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين) ولا يثبت ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا، إلا أن يدعي المقام، ومثل ذلك يجري في جميع ما يأتي. (قوله: لا امرأة وخنثى) أي فلا يثبت بهما هلال رمضان لنقصهما. (قوله: ولزنا ولواط) معطوفان على قوله لرمضان: أي والشهادة لزنا ولواط: أي وإتيان بهيمة أو ميتة. (قوله: أربعة من الرجال) أي لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) *. ولان الزنا أقبح الفواحش، وإن كان القتل أغلظ منه على الاصح، فغلظت الشهادة فيه سترا من الله تعالى على عباده، واشتراط الاربعة فيهما إنما هو بالنسبة لاثبات الحد أو التعزيز، أما بالنسبة لسقوط حصانته وعدالته ووقوع طلاق علق بزناه فيثبت برجلين، وقد يشكل على ثبوت ما ذكر بهما ما مر في باب حد القذف من أن شهادة ما دون الاربعة بالزنا تفسقهم وتوجب حدهم، فكيف يتصور هذا. وقد يجاب بأن صورته أن يقولا نشهد بزناه بقصد سقوط أو وقوع ما ذكر، فقولهما بقصد الخ ينفي عنهما الحد والفسق، لانهما صرحا بما ينفي أن يكون قصدهما إلحاق العار به الذي هو موجب حد القذف. (قوله: يشهدون إلخ) بيان لكيفية الشهادة بالزنا واللواط. (قوله: أنهم) أي الاربعة. (وقوله: رأوه) أي الزاني أو اللائط. (قوله: مكلفا مختارا) حالان من فاعل أدخل. (قوله: حشفته) أي أو قدرها من مقطوعها، وهو مفعول أدخل. (قوله: في فرجها) متعلق بأدخل، ولا بد من تعيينها كهذه، أو فلانة. (وقوله: بالزنا) متعلق بأدخل: أي على وجه الزنا، ولا بد من ذكر ذلك أو ما يفيد معناه، كان يقول على وجه محرم. (قوله: لا يشترط ذكر زمان ومكان) أي زمان الزنا ومكانه. (قوله: إلا أن ذكره) أي المذكور من الزمان والمكان. (وقوله: أحدهم) أي أحد الشهود الاربعة. (قوله: فيجب سؤال الباقين) أي عن الزمان والمكان. (قوله: لاحتمال) علة للوجوب. (وقوله: وقوع تناقض) أي إذا سئلوا عنهما. وذلك كأن تذكر بقية الشهود زمانا أو مكانا غير الذي ذكره الشاهد الاول، كأن يقول أحد الشهود رأيته زنى أول النهار في المكان الفلاني، ويقول الباقون رأيناه زنى آخر النهار في المكان الفلاني غير المكان الاول، فهذا تناقض وخلف وقع بينهم، وهو يسقط الشهادة أو يبطلها. (قوله: ولا ذكر رأينا إلخ) أي ولا يشترط ذكر رأيناه أدخل حشفته في فرجها كدخول المرود في المكحلة، والمرود - بكسر الميم - الميل. (قوله: بل يسن) أي ذكر رأيناه كالمرود في المكحلة. (قوله: ويكفي للاقرار به) أي الزنا: أي وما ألحق به من اللواط، وإتيان البهيمة والميتة. (وقوله: إثنان) أي شهادة إثنين. (وقوله: كغيره) أي كغير الاقرار بالزنا من الاقارير، فإنه يكفي فيها إثنان. (قوله: ولمال) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة لمال (قوله: عينا كان) أي ذلك لمال كدار وثوب (وقوله: أو منفعة) أي لدار ونحوها. (قوله: وما قصد به مال) أي وللشئ الذي قصد منه مال. (قوله: من عقد) بيان لما. (وقوله: مالي) أي متعلق بالمال (قوله: أو حق مالي) أي متعلق بالمال، ولم يمثل له إلا بمثال واحد وهو الخيار. (قوله: كبيع) تمثيل للعقد المالي. (قوله: وحوالة) معطوف على بيع، عطف الخاص على العام، ومثله جميع الامثلة الآتية ما عدا الخيار فإنها للعقد إذ هي بيع دين بدين فهي تمثيل أيضا للعقد المالي. (قوله: وضمان) هو مثال للعقد المالي أيضا. وفي حواشي شرح المنهج جعله مثالا للحق المالي وليس كذلك: إذ هو عقد. (قوله: ووقف) هو مثال أيضا للعقد المالي: أي الذي قصد منه المال. وفي حاشية الباجوري جعله من الحق المالي وليس كذلك، إذ هو عقد أيضا. وكتب البجيرمي على قول الخطيب: تنبيه من هذا الضرب الوقف ما نصه، لأن المقصود منه فوائده أو أجرته وهي مال. وصورة المسألة، أن شخصا ادعى ملكا تضمن وقفية، كأن قال هذه الدار كانت لابي ووقفها علي. وأنت غاصب لها، وأقام شاهدا وحلف معه، حكم له بالملك، ثم تصير وقفا بإقراره، وإن

_ (1) سورة النور، الاية: 4.

شئ بامرأتين ويمين (ولغير ذلك) أي ما ليس بمال ولا يقصد منه مال من عقوبة لله تعالى كحد شرب وسرقة أو لآدمي كقود وحد قدف ومنع إرث بأن ادعى بقية الورثة على الزوجة أن الزوج خالعها حتى لا ترث منه (ولما يظهر للرجال غالبا كنكاح) ورجعة (وطلاق) منجز أو معلق وفسخ نكاح وبلوغ (وعتق) وموت وإعسار ـــــــــــــــــــــــــــــ كان الوقف لا يثبت بشاهد ويمين. قاله في البحر. م. ر. اه. (قوله: وقرض) هو وجميع ما بعده ما عدا الخيار من العقد المالي، أما الخيار فمن الحق المالي كما علمت، ومثله جناية توجب مالا. وجعل البجيرمي الاجل أيضا من الحق المالي، وفيه نظر لأنه لا بد أن يكون مصرحا به في العقد، فهو من متعلقات العقد لا الحق. (قوله: رجلان الخ) خبر المبتدأ المقدر قبل قوله لمال: أي والشهادة لمال وما قصد به مال يكفي فيها رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين، وذلك لقوله تعالى: * (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) * أي إن لم ترغبوا في إقامة الرجلين، وليس المراد أنه لا يكفي الرجل والمرأتان إلا عند تعذر الرجلين، بدليل الاجماع على خلافه ولعموم البلوى بالمعاملات ونحوها، فوسع في طرق إثباتها، واستثنى في التحفة من الاكتفاء بشهادة من ذكر: الشركة والقراض، والكفالة. وقال: أما هي فلا بد فيها من رجلين ما لم يرد في الاولين إثبات حصة من الربح. اه. (قوله: ولا يثبت شئ بإمرأيتن ويمين) أي ولو فيما يثبت بشهادة النساء منفردات، وذلك لعدم ورود ذلك ولضعفهما. وإنما قام المرأتان مقام الرجل في الرجل والمرأتين لوروده. (قوله: ولغير ذلك) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة لغير ذلك المذكور من رمضان وما بعده. (وقوله: أي ما ليس بمال ولا يقصد منه مال) تفسير لغير ذلك، لا لاسم الاشارة كما هو ظاهر. وكان عليه أن يزيد وما ليس برمضان ولا زنا، لانهما من جملة المذكور قبل. (قوله: من عقوبة لله تعالى) بيان لما، وهو على حذف مضاف: أي من موجب عقوبة كشرب وسرقة، لان الشهادة له لا لها. (وقوله: كحد شرب) أي شرب خمر، وهو تمثيل للعقوبة. (قوله: وسرقة) أي وحد سرقة. (قوله: أو لآدمي) معطوف على لله. أي أو عقوبة لآدمي، وهو على حذف مضاف أيضا كالذي قبله: أي موجب عقوبة لآدمي. (قوله: كقود) أي قصاص، وهو تمثيل لعقوبة الآدمي (قوله: ومنع أرث) عطف على قود المجعول مثالا لعقوبة الآدمي، وهو يفيد أنه مثال لها أيضا. وفيه نظر إلا أن يراد من العقوبة مطلق أذية، حسية كانت أو معنوية. تأمل. (قوله: بأن ادعى الخ) تصوير لمنع الارث. (قوله: ولما يظهر للرجال) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة لما يظهر للرجال الخ. (وقوله: غالبا) أي في غالب الاحوال، وقد لا يظهر على سبيل الندور، فقد يتفق أن الرجل يطلق زوجته من غير حضور رجال، بل بحضور النساء، ومع ذلك فلا عبرة بهن. (قوله: كنكاح) قال سم نقلا عن ابن العماد: يجب على شهود النكاح ضبط التاريخ بالساعات واللحظات، ولا يكفي الضبط بيوم العقد، فلا يكفي أن النكاح عقد يوم الجمعة مثلا، بل لا بد أن يزيدوا على ذلك بعد الشمس مثلا بلحظة أو لحظتين، أو قبل العصر أو المغرب كذلك. لان النكاح يتعلق به لحاق الولد لستة أشهر ولحظتين من حين العقد، فعليهم ضبط التاريخ بذلك لحق النسب. وهذا مما يغفل عنه في الشهادة بالنكاح. اه. وفي المغني. (تنبيه) يستثنى من النكاح ما لو ادعت أنه نكحها وطلقها، وطلبت شطر الصداق، أو أنها زوجة فلان الميت، وطلبت الارث فيثبت ما ادعته برجل وامرأتين، وبشاهد ويمين، وإن لم يثبت النكاح بذلك، لان مقصودها المال. ومن الطلاق ما لو كان بعضو وادعاه الزوج فإنه يثبت بشاهد ويمين ويلغز به فيقال: لنا طلاق يثبت بشاهدين ويمين. اه. (قوله: ورجعة) ذكرها مبني على القول بإشتراط الاشهاد فيه، والمعتمد خلافه، فلا تحتاج إلى إشهاد رأسا فضلا عن إشتراط الرجلين فيها. (قوله: وطلاق) أي بعوض أو غيره أن ادعته الزوجة. فإن ادعاه الزوج بعوض يثبت بشاهد ويمين ويلغز به فيقال: لنا طلاق يثبت بشاهد ويمين. زي. وفيه أن الطلاق ثبت بإقراره، والثابت بالرجل واليمين إنما هو

_ (1) سورة البقرة، الاية: 282.

وقراض ووكالة وكفالة وشركة ووديعة ووصاية وردة وانقضاء عدة بأشهر ورؤية هلال غير رمضان وشهادة على شهادة وإقرار بما لا يثبت إلا برجلين (رجلان) لا رجل وامرأتان لما روى مالك عن الزهري: مضت السنة من رسول الله (ص) أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق وقيس بالمذكورات غيرها مما يشاركها في المعنى (ولما يظهر للنساء) غالبا (كولادة وحيض) وبكارة وثيابة ورضاع وعيب امرأة تحت ـــــــــــــــــــــــــــــ العوض. اه. بجيرمي. (قوله: وقراض ووكالة) محل إشتراط الرجلين فيهما. وفي الوصاية وفي الشركة إن أريد عقودها والولاية فيها. فإن أريد إثبات الجعل في الوكالة والوصاية، وإثبات حصته من المال في الشركة، وحصته من الربح فيها وفي القراض، قبل فيها رجلان، أو رجل وامرأتان، أو شاهد ويمين، لان المقصود منها المال حينئذ. وقد تقدم التنبيه على بعض ذلك. (قوله: ووديعة أي ادعى مالكها غصب ذي اليد لها، وذو اليد أنها وديعة، فلا بد من شاهدين، لان المقصود بالذات إثبات ولاية الحفظ له، وعدم الضمان يترتب على ذلك. اه. تحفة. (قوله: ووصاية) أي فالشهادة للوصاية: أي بأن فلانا وصى فلانا، لا بد فيها من رجلين لقوله تعالى: * (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية إثنان) * الخ. (قوله: ورؤية هلال غير رمضان) أي أما رؤية هلال رمضان فتثبت بواحد كما تقدم. والراجح عند غير شيخ الإسلام وابن حجر: أن رؤية هلال غير رمضان تثبت بواحد بالنسبة للعبادة كرؤية هلال رمضان، فتقبل شهادة الواحد بهلال شوال للاحرام بالحج، وصوم ستة أيام من شوال، وبهلال ذي الحجة للوقوف، وللصوم في عشره، ما عدا يوم العيد، وبهلال رجب للصوم فيه، وبهلال شعبان لذلك، حتى لو نذر صوم شهر فشهد واحد بهلاله وجب. (قوله: وشهادة على شهادة) أي بأن يشهد إثنان على شهادة كل من الشاهدين، بنحو قرض لغيبتهما مثلا. (قوله: وإقرار بما لا يثبت إلا برجلين) وهو ما يظهر للرجال غالبا كالنكاح وما بعده. ولو قال وإقرار بها: أي بهذه المذكورات لكان أولى، ومثل الاقرار بذلك الإقرار بما لا يثبت إلا بأربعة رجال كالزنا كما مر، أما الاقرار بما يثبت بهما، أو برجل ويمين، مما مر من المال، أو ما يقصد به مال، فيكفي فيه ذلك أيضا كما صرح به في الروض. وعبارته: الضرب الثالث المال، وما المقصود منه المال كالاعيان والديون والعقود المالية، وكذا الاقرار به يثبت برجلين، أو رجل وامرأتين. اه. فقوله وكذا الاقرار به: هو محل الاستشهاد. (قوله: لا رجل وامرأتان) أي ولا رجل ويمين. (قوله: لما روى مالك إلخ) أي ولأنه تعالى نص في الطلاق والرجعة والوصاية على الرجلين، وصح به الخبر في النكاح. اه. تحفة. (وقوله: مضت السنة) أي استقرت بأنه، أي على أنه الخ. أو حكمت، ونسبة الحكم إليها مجاز، والسنة الطريقة: أي شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي الاحكام الشرعية لا مقابل الفرض. اه. ش ق. (قوله: وقيس بالمذكورات) أي في الخبر، وهي الحدود والنكاح والطلاق. (وقوله: غيرها) أي المذكورات، نائب فاعل قيس. (قوله: مما يشاركها في المعنى) أي وهو كل ما ليس بمال، ولا هو المقصود منه. ولا نظر لرجوع الوصاية والوكالة للمال، لان القصد منهما إثبات الولاية لا المال. اه. تحفة. (قوله: ولما يظهر للنساء) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة للحق الذي يظهر للنساء. (وقوله: غالبا) أي في غالب الاحوال، وقد يظهر للرجال على سبيل الندور. (قوله: كولادة) أي ادعتها وأنكرها الرجل، فتثبت بهن. قال في التحفة: إذا ثبتت الولادة للنساء ثبت النسب، والارث تبعا. لأن كلا منهما لازم شرعا للمشهود به لا ينفك عنه، ويؤخذ من ثبوت الارث فيما ذكر ثبوت حياة المولود، وإن لم يتعرضن لها في شهادتهن بالولادة، لتوقف الارث عليها، أعني الحياة، فلم يمكن ثبوته قبل ثبوتها، أما لو لم يشهدن بالولادة بل بحياة المولود، فظاهر أنهن لا يقبلن، لان الحياة من حيث هي مما يطلع عليه الرجل غالبا. اه. بحذف. (قوله: وحيض) أي ادعته لاجل العدة فأنكر. وفي البجيرمي ما نصه: قوله وحيض - هو صريح في إمكان البينة عليه، وبه صرح النووي في أصل الروضة، ونقله في فتاويه عن ابن الصباغ، وصوبه بعضهم خلافا لما في الروضة، كأصلها في كتاب الطلاق من تعذر إقامة البينة عليه. ورجح بعضهم ما هنا، وحمل في

_ (1) سورة المائدة، الاية: 106.

ثيابها (أربع) من النساء (أو رجلان أو رجل وامرأتان) لما روى ابن أبي شيبة عن الزهري: مضت السنة بأنه يجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادة النساء وعيوبهن وقيس بذلك غيره ولا يثبت ذلك برجل ويمين. (وسئل) بعض أصحابنا عما إذا شهد رجلان أن فلانا بلغ عمره ست عشرة سنة فشهدت أربع نسوة أن فلانة يتيمة ولدت شهر مولده أو قبله أو بعده بشهر مثلا فهل يجوز تزويجها إعتمادا على قولهن أو لا يجوز إلا بعد ثبوت بلوغ نفسها برجلين. ـــــــــــــــــــــــــــــ الطلاق من التعذر على التعسر. اه. وإنما كان متعسرا. لان الدم وإن شوهد إحتمل أنه إستحاضة. (قوله: وبكارة) أي فيما إذا شرطت في العقد وادعى زوجها أنه وجدها ثيبا وأراد الفسخ، وأنكرت ذلك وادعت أنها بكر إلى الآن وأقامت أربع نسوة على دعواها فيقبلن. (وقوله: وثيابة) في بعض نسخ الخط وثيوبة - بالواو - وهي ضد البكارة، وصورتها أن يكون قد طلقها وادعى أنه طلقها وهي بكر لتشطير المهر عليه، فادعت أنها ثيب بوطئه لها ليستقر المهر كله لها وأقامت أربع نسوة على ذلك فيقبلن. (قوله: ورضاع) أي إذا كان من الثدي، أما إذا كان من إناء فلا يقبلن فيه، لان ذلك يطلع عليه الرجال غالبا. نعم: يقبلن في أن هذا اللبن الذي في هذا الإناء من هذه المرأة، لأن الرجال لا يطلعون عليه غالبا. (قوله: وعيب امرأة) أي كرتق، وقرن، وجرح على فرجها، حرة كانت أو أمة. (وقوله: تحت ثيابها) المراد به ما لا يطلع عليه الرجال غالبا. وخرج به عيب الوجه واليد من الحرة، فلا يثبت حيث لم يقصد به مال إلا برجلين، وكذا ما يبدو عند مهنة الامة إذا قصد به فسخ النكاح مثلا، أما إذا قصد به الرد في العيب، فيثبت برجل وامرأتين، وشاهد ويمين: لأن القصد منه حينئذ المال. لا يقال كون هذا مما يطلع عليه الرجال غالبا، إنما يظهر على القول بحل النظر إلى ذلك لا على المعتمد من تحريمه، لانا نقول الوجه والكفان يطلع عليهما الرجال غالبا. وإن قلنا بتحريم النظر لهما لانه جائز لمحارمها وزوجها بل للاجنبي لتعليم ومعاملة وتحمل شهادة. (قوله: أربع من النساء) خبر عن الشهادة المقدرة قبل قوله ولم يظهر إلخ. (واعلم) أن ما قبلت فيه شهادة النساء على فعله، لا تقبل شهادتهن على الإقرار به، لانه مما يطلع عليه الرجال غالبا بالسماع كسائر الاقارير. (قوله أو رجلان إلخ) .. (واعلم) أن قبول شهادة من ذكر معلوم بالاولى، لانه إذا قبلت شهادتهن منفردات قبلت شهادة الرجلين، والرجل والمرأتين بالاولى. (قوله: لما روى الخ) دليل للاكتفاء بشهادة الاربع النسوة فيما لا يظهر للنساء غالبا. (قوله: من ولادة إلخ) بيان لما. (وقوله: وعيوبهن) أي كالرتق وما بعده مما مر. (قوله: وقيس بذلك) أي بالمذكور في الحديث من الولادة والعيوب. (وقوله: غيره) أي غير المذكور في الحديث مما هو في معناه من كل ما لا يطلع عليه الرجال غالبا كالحيض وما بعده مما مر. (قوله: ولا يثبت ذلك) أي ما يظهر للنساء غالبا برجل ويمين، لانها حجة ضعيفة. وعيوب النساء ونحوها مما في معناها أمور مخطرة تحتاج إلى حجة قوية. (قوله: وسئل الخ) الغرض من إيراد ما ذكر، بيان أن البلوغ قد يثبت بالنسوة تبعا لما يقبلن فيه، وإن كان إستقلالا لا يثبت إلا برجلين. (قوله: أن فلانة يتيمة) يحتمل أن هذا علم عليها، ويحتمل الوصف. (قوله: ولدت) بالبناء للمجهول. (وقوله: شهر مولده) أي مولد فلان الذي شهد رجلان ببلوغه ست عشرة سنة. (وقوله: أو قبله) أي أو ولدت قبل شهر مولده. (وقوله: أو بعده) أي أو بعد شهر مولده. (وقوله: بشهر) متعلق بولدت المقدر. وقوله: مثلا) أي أو بشهرين. (قوله: فهل يجوز تزويجها) أي فيما إذا توقف على إذنها بأن لم يكن لها ولي مجبر. (قوله: إعتمادا على قولهن) أي في ثبوت الولادة. (قوله: أو لا يجوز) أي تزويجها. (قوله: إلا بعد

(فأجاب) نفعنا الله به: نعم يثبت ضمنا بلوغ من شهدن بولادتها كما يثبت النسب ضمنا بشهادة النساء بالولادة فيجوز تزويجها بإذنها للحكم ببلوغها شرعا. اه. فرع: لو أقامت شاهدا بإقرار زوجها بالدخول كفى حلفها معه ويثبت المهر أو أقامه هو على إقرارها به لم يكف الحلف معه لان قصده ثبوت العدة والرجعة وليسا بمال (وشرط في شاهد تكليف وحرية ومروءة وعدالة) وتيقظ فلا تقبل من صبي ومجنون ولا ممن به رق لنقصه ولا من غير ذي مروءة لانه لا حياء له ومن لا حياء له يقول ما شاء وهي توقى الادناس عرفا فيسقطها الاكل والشرب في السوق والمشي فيه كاشفا رأسه أو بدنه لغير سوقي ـــــــــــــــــــــــــــــ ثبوت بلوغ نفسها) أي إلا بعد أن تثبت بلوغها بنفسها برجلين. (قوله: نعم يثبت ضمنا) أي تبعا للولادة (وقوله: من شهدن) بنون النسوة. (قوله: كما يثبت النسب) أي تبعا للولادة، كما تقدم في عبارة التحفة. (قوله: فيجوز تزويجها إلخ) مفرع على ثبوت البلوغ بولادتها. (قوله: لو أقامت شاهدا إلخ) أي إذا ادعت دخوله عليها ليستقر المهر كلها، وأنكر الزوج ليتشطر المهر، فأقامت شاهدا على أنه أقر بأنه دخل عليها، كفى حلفها مع ذلك الشاهد. لان القصد المال وما كان القصد منه ذلك يكفي فيه شاهد ويمين كما مر. (وقوله: ويثبت المهر) أي كله بذلك. (قوله: أو أقامه إلخ) أي إذا ادعى دخوله عليها لتثبت العدة إذا طلقها، والرجعة إذا كان رجعيا، وأنكرته هي لئلا يكون عليها عدة، ولا تثبت له الرجعة، لان الطلاق قبل الوطئ لا عدة فيه ولا رجعة. وأقام شاهدا على إقرارها بالدخول فلا يكون الحلف معه، لانه ليس القصد المال بل العدة والرجعة، وما كان كذلك لا بد فيه من رجلين كما مر. (قوله: وشرط في شاهد إلخ) شروع في بيان شروط الشاهد، وذكر منها هنا خمسة شروط، وسيذكر ثلاثة وهي عدم التهمة، والابصار والسمع في المبصرات والمسموعات، وسيذكر محترزات الجميع، وبقي عليه في الشروط الاسلام والنطق، والرشد، فلا تقبل الشهادة من كافر ولو على مثله، لانه أخس الفساق، ولقوله تعالى: * (واستشهدوا شهدين من رجالكم) * وقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *. والكافر ليس من رجالنا وليس بعدل، وأما خبر: لا تقبل شهادة أهل دين على غيرهم إلا المسلمون فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم فضعيف، وأما قوله تعالى: * (أو آخران من غيركم) * فمعناه من غير عشيرتكم، أو منسوخ بقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *. ولا من أخرس وإن فهم إشارته كل أحد فلا يعتد بشهادته بها، كما لا يحنث فيما لو حلف لا يتكلم ولا تبطل صلاته بها، فهي لاغية في هذه الابواب الثلاثة، ومعتبرة في غيرها، ولا من محجور عليه بسفه لنقصه. (واعلم) أن هذه الشروط يعتبر وجودها في الشاهد عند التحمل، والاداء في النكاح لتوقف صحته على الشهود، وعند الاداء فقط في غيره، فيجوز أن يتحملها وهو غير كامل، ثم يؤديها وهو كامل. (قوله: فلا تقبل من صبي) أي لقوله تعالى: * (من رجالكم) *. والصبي ليس من رجالنا فلا تقبل شهادته ولو لمثله أو عليه، خلافا للامام مالك رضي الله عنه حيث قبل شهادة الصبيان فيما يقع بينهم من الجراحات ما لم يتفرقوا. (وقوله: ومجنون) أي فلا تقبل شهادته بالاجماع. (قوله: ولا ممن به رق) أي ولا تقبل الشهادة ممن فيه رق كسائر الولايات، إذ في الشهادة نفوذ قول على الغير، وهو نوع ولاية. ولانه مشغول بخدمة سيده فلا يتفرغ لتحمل الشهادة ولا لادائها. اه. شرح الروض. (قوله: ولا من غير ذي مروءة) أي ولا تقبل الشهادة من غير صاحب مروءة، وهي - بضم الميم - لغة: الاستقامة، وشرعا ما سيذكره. (قوله: لأنه) أي غير صاحب مروءة، لا حياء له. (قوله: ومن لا حياء له يقول ما شاء) أي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا لم تستح فاصنع ما شئت. (قوله: وهي) أي المروءة شرعا، ومعناها لغة ما تقدم. (وقوله: توقي الادناس) أي التحرز من كل دنس، أي خسيس لا إثم فيه. أو فيه إثم كسرقة لقمة. (وقوله: عرفا) راجع

_ (1) سورة البقرة، الاية: 282. (2) سورة الطلاق، الاية: 2. (3) سورة المائدة، الاية: 106.

وقبلة الحلية بحضرة الناس وإكثار ما يضحك بينهم أو لعب شطرنج أو رقص بخلاف قليل الثلاثة ولا من فاسق واختار جمع منهم الاذرعي والغزي وآخرون قول بعض المالكية إذا فقدت العدالة وعم الفسق قضى الحاكم ـــــــــــــــــــــــــــــ للادناس، فالمراد من الدنس، ما يعد في العرب دنسا، فهو لا ينضبط، بل يختلف باختلاف الأشخاص والاحوال والاماكن. وعبارة المنهاج: والمروءة تخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه. قال في المغني: لان الامور العرفية قلما تنضبط، بل تختلف باختلاف الاشخاص والازمنة والبلدان، وهي بخلاف العدالة فإنها لا تختلف بإلاختلاف الاشخاص، فإن الفسق يستوى فيه الشريف والوضيع، بخلاف المروءة فإنها تختلف. وقيل المروءة التحرز. عما يسخر منه ويضحك به. وقيل هي أن يصون نفسه عن الادناس ولا يشينها عند الناس، وقيل غير ذلك. اه. وقوله: وقيل غير ذكل، منه: المروءة ترك ما يزري بمتعاطيه لكونه غير لائق به عرفا، وهذه التعاريف متقاربة من جنة المعنى. (واعلم) أنه يجوز تعاطي خارم المروءة، إلا إذا تعينت عليه الشهادة فيحرم عليه تعبه. وقد فقدت المروءة الآن إلا من القليل من الناس. وما أحسن ما قيل فيها: مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة؟ فقالت كيف لا أبكي وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا؟ (قوله: فيسقطها) أي المروءة. (وقوله: الأكل والشرب في السوق) أي ونحوه من كل مكان لا يعتاد فيه ذلك، فالسوق ليس بقيد. ومحل إسقاطهما للمروءة حيث لا عذر، وإلا كأن غلبه جوع أو عطش واضطر إلى ذلك فيه، أو كان صائما وقصد المبادرة لسنة الفطر فلا يسقطانها، ومحله أيضا كما في النهاية فيما إذا أكل أو شرب خارج الحانوت، أما لو أكل داخل الحانوت وكان مستترا فيه، بحيث لا ينظره غيره ممن هو خارجه، فلا يضره ذلك ولم يرتض. هذا في التحفة ونصها: قال البلقيني أو أكل داخل حانوت مستترا ونظر فيه غيره، وهو الحق فيمن لا يليق به ذلك. اه. (قوله: والمشي إلخ) بالرفع معطوف على الاكل: أي ويسقطها المشي في السوق حال كونه كاشفا ما ذكر، والمشي ليس بقيد. (وقوله: أو بدونه) أي غير العورة، أما كشف العورة فحرام. (قوله: لغير سوقي) متعلق بكل من الاكل والشرب والمشي، فإن صدرت هذه الثلاثة من السوقي فلا تسقط مرؤته. (قوله: وقبلة الحليلة الخ) بالرفع أيضا عطف على الاكل: أي ويسقطها أيضا قبلة الحليلة، زوجة كانت أو أمة بحضرة الناس. وفي المغني ما نصه: قال البلقيني: والمراد بالناس الذين يستحيي منهم في ذلك، وبالتقبيل الذي يستحيي من إظهاره، فلو قبل زوجته بحضرة جواريه أو بحضرة زوجات له غيرها، فإن ذلك لا يعد من ترك المروءة. وأما تقبيل الرأس ونحوه فلايخل بالمروءة. اه. بتصرف. ولا يرد على إسقاط القبلة لها تقبيل ابن عمر رضي الله عنهما أمته التي وقعت في سهمه، لانه كان تقبيل إستحسان لاغاظة الكفار لا تمتع، أو كان بيانا للجواز، ومثل القبلة في إسقاط المروءة وضع يده على موضع الاستمتاع منها من صدر ونحوه. (قوله: وإكثار الخ) بالرفع أيضا عطف على الاكل: أي ويسقطها إكثار ما يضحك من الحكايات بين الناس، ومحله إن قصد ضحك الجالسين، فإن لم يقصده لكون ذلك طبعه لم يعد خارما للمروءة، كما وقع ذلك لبعض الصحابة، وفي الصحيح، من تكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه، يهوي بها في النار سبعين خريفا. (قوله: أو لعب شطرنج) بالجر عطف على ما يضحك: أي وإكثار لعب شطرنج بحيث يشغله عن مهماته، والكلام إذا خلا عن المال، وإلا فحرام كما سيذكره. (قوله: أو رقص) هو بالجر أيضا عطف على ما: أي وإكثار رقص والكلام أيضا حيث لم يكن تكسر، وإلا فهو حرام. (قوله: بخلاف قليل الثلاثة) أي ما يضحك ولعب شطرنج والرقص فإنه لا يسقطها، ومما يسقطها أيضا إكثار الغناء - بكسر الغين - والمد، أو استماعه. ويسقطها أيضا حرفة دنيئة كحجم وكنس زبل ودبغ ممن لا تليق به لاشعارها بالخسة، بخلافها ممن تليق به، وإن لم تكن حرفة آبائه فلا يسقطها. (قوله: ولا من فاسق) عطف على قوله من صبي: أي ولا تقبل الشهادة من فاسق لقوله تعالى: وأشهدوا ذوي عدل منكم، وهو ليس بعدل. (قوله: واختار جمع إلخ) قال في التحفة: رده ابن

بشهادة الامثل فالامثل للضرورة والعدالة تتحقق (باجتناب) كل (كبيرة) من أنواع الكبائر كالقتل والزنا والقذف به وأكل الربا ومال اليتيم واليمين الغموس وشهادة الزور وبخس الكيل أو الوزن وقطع الرحم والفرار من الزحف بلا عذروعقوق الوالدين وغصب قدر ربع دينار وتفويت مكتوبة وتأخير زكاة عدوانا ونميمة ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد السلام بأن مصلحته: أي المشهود له يعارضها مفسدة المشهود عليه. (وقوله: قضى الحاكم بشهادة الامثل فالامثل) أنظر ما المراد به؟ ولعله الاخف فسقا. (قوله: والعدالة الخ) هي لغة التوسط، وشرعا ما ذكره وهو إجتناب الكبائر والاصرار على الصغائر. وقيل هي ملكة في النفس تمنع من اقتراف الكبائر والرذائل المباحة. (قوله: باجتناب كل كبيرة) أي بالتباعد عنها والترك لها، وعبارته من عموم السلب، فتفيد أنه متى ارتكب كبيرة إنتفت عنه العدالة. (قوله: كالقتل الخ) أفادت كاف التمثيل مع الضابط الآتي أن الكبائر أشياء كثيرة. قال في المغني: قال ابن عباس هي إلى السبعين أقرب. وقال سعيد بن جبير أنها إلى السبعمائة أقرب. اه. وقد نظم بعضهم جملة منها فقال: إذا رمت تعداد الكبائر آخذا عن المصطفى والصحب كي تبلغ الغرف فشرك وقتل ثم سحر مع الربا فظلم اليتامى والفرار إذا زحف عقوق وإلحاد وتبديل هجرة وسكر ومن يزني ويسرق أو قذف وزور وتقذير ببول نميمة غلول ويأس أو من المكر لم يخف وإضرار موص منع ماء ونحلة ونسيان قرآن كذا سبه السلف وسوء ظنون والذي وعده أتى بنار ولعن أو عذاب فخذ ووف وقوله: منع ماء: أي عن ابن السبيل. وقوله: ونحلة: أي مهر، ويروى وفحله، أي ومنع فحله. وفي الزواجر أخرج البزار بسند فيه ضعف: أكبر الكبائر: الاشراك بالله، وعقوق الوالدين، ومنع فضل الماء، ومنع الفحل. (قوله: واليمين الغموس) بفتح المعجمة: أي الفاجرة، وهي التي يبطل بها حق، أو يثبت بها باطل. وسميت بذلك لانها تغمس الحالف في الاثم في الدنيا، وفي النار في الاخرى. قال عليه الصلاة والسلام: من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان. وقال عليه السلام: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة. فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك. (قوله: والفرار من الزحف) أي الانصراف من الصف لزحف الكفار على المسلمين، وتقدم الكلام عليه في مبحث الجهاد، فارجع إليه إن شئت. (وقوله: بلا عذر) أما إذا كان لعذر كمرض، وكالانصراف من الصف لاجل أن يكمن في موضع ثم يهجم فلا يحرم. (قوله: وعقوق الوالدين) أي ولو كافرين وهو الظاهر، وإن وقع في بعض الاحاديث التقييد بالمسلمين لأن الظاهر أنه جري على الغالب. ومعنى عقوقهما أن يؤذيهما أذى ليس بالهين، ومنه التأفيف. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من عق والديه فقد عصى الله ورسوله، وأنه إذا وضع في قبره ضمه القبر حتى تختلف أضلاعه، وأشد الناس عذابا في جهنم عاق لوالديه، والزاني، والمشرك بالله سبحانه وتعالى. وروي: أن رجلا شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباه، وأنه يأخذ ماله. فدعاه فإذا هو شيخ يتوكأ على عصا فسأله، فقال: إنه كان ضعيفا وأنا قوي، وفقيرا وأنا غني، فكنت لا أمنعه شيئا من مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غني، ويبخل علي بماله. فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ما من حجر ولا مدر يسمع بهذا إلا بكى، ثم قال للولد: أنت ومالك لابيك. وشكا إليه آخر سوء خلق أمه فقال: لم لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر؟ قال إنها سيئة الخلق. قال لم لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين؟ قال: إنها سيئة الخلق. قال لم لم تكن كذلك حين سهرت لك ليلها وأظمأت لك نهارها؟ قال لقد جازيتها. قال: ما فعلت؟ قال: حججت بها على عنقي. قال: ما جازيتها. وقال عليه السلام: إياكم وعقوق الوالدين، فإن الجنة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام، ولا يجد ريحها عاق، ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جار إزاره خيلاء. إن الكبرياء لله رب العالمين. اه. بجيرمي. (قوله: وغصب قدر ربع دينار) أما غصب ما دونه فهو من الصغائر. قال في الروض وشرحه: وغصب مال لخبر مسلم:

وغيرها من كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة (و) اجتناب (إصرار على صغيرة) أو صغائر ـــــــــــــــــــــــــــــ من اقتطع شبرا من أرض ظلما، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين. وقيده جماعة بما يبلغ قيمة ربع مثقال كما يقطع به في السرقة. وخرج بغصب المال غصب غيره كغصب كلب فصغيرة. اه. (قوله: وتفويت مكتوبة) أي فهو من الكبائر، لقوله تعالى إخبارا عن أصحاب الجحيم: ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين ولما روي أن: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله. ومثل تفويت الصلاة تعمدا، تأخيرها عن وقتها أو تقديمها عليه من غير عذر كسفر أو مرض، لقوله تعالى: * (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا إلا من تاب) *. قال ابن مسعود رضي الله عنهما: ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية، ولكن أخروها عن أوقاتها، وقال سعيد بن المسيب إمام التابعين: هو أن لا يصلي الظهر حتى تأتي العصر، ولا يصلي العصر إلى المغرب، ولا يصلي المغرب إلى العشاء، ولا يصلي العشاء إلى الفجر، ولا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس. فمن مات وهو مصر على هذه الحالة ولم يتب أوعده الله بغي، وهو واد في جهنم بعيد قعره، شديد عقابه. (قوله: وتأخير زكاة) مثله بالاولى تركها بالكلية. (وقوله: عداونا) أي عمدا، وهو راجع لكل من تفويت الصلاة، وتأخير الزكاة. وخرج به ما إذا كان تفويت الصلاة لعذر كنسيان، أو نوم، أو كان تأخير الزكاة لعذر كأن لم يحضر المستحق لها وقت وجوبها، فلا حرمة في ذلك مطلقا. (قوله: ونميمة) هي نقل الكلام على وجه الافساد، سواء قصد الافساد أم لا، وسواء نقله لمن تكلم به فيه أو نقله إلى غيره، كأبيه وإبنه مثلا، وحصل الافساد. والمراد بالافساد ضرر لا يحتمل. ونقل الكلام ليس قيدا بل نقل الاشارة والفعل كذلك، وسواء نقله بكلام أو إشارة أو كتابة. اه. بجيرمي. وإنما كانت من الكبائر لورود الوعيد الشديد فيها، فقد روى الشيخان: لا يدخل الجنة قتات أي نمام. وروى أحمد والنسائي: لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا نمام. (قوله: وغيرها) أي وغير المذكورات. (قوله: من كل جريمة الخ) بيان للغير، وهذا حد للكبيرة، واعترض بشموله صغائر الخسة كسرقة لقمة، لانها جريمة: أي معصية تؤذن بقلة إكتراث: أي إعتناء مرتكبها بالدين، وبرقة الديانة: أي ضعفها، لكن مع شموله لذلك مع أولى من حدها بأنها هي التي توجب الحد، لان أكثرها لا حد فيه، ومن حدها بما فيه وعيد شديد بنص الكتاب أو السنة، لان كثيرا مما عدوه كبائر ليس فيه ذلك كالظهار، وأكل لحم الخنزير وكثيرا مما عدوه صغائر فيه ذلك كالغيبة. (واعلم) أن للعلماء أقاويل كثرة في حد الكبيرة، فمنها ما تقدم، ومنها قول ابن الصلاح في فتاويه: قال الجلال البلقيني وهو الذي أختاره: الكبيرة كل ذنب عظم عظما يصح معه أن يطلق عليه اسم الكبيرة، ويوصف بكونه عظيما على الاطلاق، ولها أمارات منها إيجاب الحد، ومنها الايعاد عليه بالعذاب بالنار، ونحوها في الكتاب أو السنة، ومنها وصف فاعلها بالفسق، ومنها اللعن. اه. ومنها قول البارزي في تفسيره التحقيق: أن الكبيرة كل ذنب قرن به وعيد أو لعن بنص كتاب أو سنة، أو علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به وعيد أو حد أو لعن، أو أكثر من مفسدته أو أشعر بتهاون مرتكبه في دينه. اه. وقد استوعبها الشيخ ابن حجر في كتابه المسمى بالزواجر على اقتراف الكبائر وقال فيه: واعلم أن كل ما سبق من الحدود إنما قصدوا به التقريب فقط، وإلا فهي ليست بحدود جامعة وكيف يمكن ضبط ما لا طمع في ضبطه. اه. (قوله: واجتناب إصرار على صغيرة) معطوف على اجتناب كل كبيرة. والاصرار هو أن يمضي زمن تمكنه فيه التوبة ولم يتب، وقيل بأن يرتكبها ثلاث مرات من غير توبة، وقال عميرة الاصرار قيل: هو الدوام على نوع واحد منها، والارجح أنه الاكثار من نوع أو أنواع. قاله الرافعي: لكنه في باب العضل قال: إن المداومة على النوع الواحد كبيرة، وبه صرح الغزالي في الإحياء، قال الزركشي والحق أن الاصرار الذي تصير به الصغيرة كبيرة، إما تكرارها بالفعل وهو الذي تكلم عليه الرافعي، وإما تكرارها في الحكم وهو العزم عليها قبل تكفيرها وهو الذي تكلم فيه ابن الرفعة. وتفسيره بالعزم فسر به الماوردي قوله تعالى: * (ولم يصروا على ما فعلوا) *. وإنما يكون العزم إصرارا بعد الفعل وقبل التوبة. اه. وفي

_ (1) سورة المدثر، الاية: 42. (2) سورة مريم، الاية: 59. (3) سورة آل عمران، الاية: 135.

بأن لا تغلب طاعاته صغائره فمتى ارتكب كبيرة بطلت عدالته مطلقا. أو صغيرة أو صغائر داوم عليها أولا خلافا لمن فرق. فإن غلبت طاعته صغائره فهو عدل، ومتى استويا أو غلبت صغائره طاعاته فهو فاسق. والصغيرة كنظر ـــــــــــــــــــــــــــــ الاحياء أن الصغيرة قد تكبر بغير الاصرار كاستصغار الذنب، والسرور به، وعدم المبالاة، والغفلة عن كونه يسبب الشقاوة والتهاون بحكم الله، والاغترار بستر الله تعالى وحلمه، وأن يكون عالما يقتدى به ونحو ذلك. اه. بجيرمي. (قوله: أو صغائر) أي من نوع واحد أو أنواع. (قوله: بأن لا تغلب طاعاته صغائره) الذي يظهر أن الباء بمعنى مع، وهي متعلقة بإصرار المنفي. والمعنى أن العدالة تتحقق بإجتناب الاصرار المصاحب لعدم غلبة طاعاته معاصيه، بأن استويا أو غلبت المعاصي، أما الاصرار المصاحب لغلبة الطاعات فتحقق العدالة بدون إجتنابه - كما سيصرح به - ورأيت لسيد عمر البصري كتب على قول التحفة، بأن لا تغلب إلخ ما نصه: كذا في النهاية، وفي هامش أصله بخط تلميذه عبد الرؤوف ما نصه: الظاهر أن لا زائدة، وفيه نظر لأن الظاهر أن مراد الشارح تفسير الاصرار المراد للمصنف، وحينئذ فيتعين إثبات لا، وأما حذف لا فإنما يتأتى لو كان المراد تفسير إجتناب الاصرار، وليس مرادا. اه. وهو يفيد أن الباء تصوير لمراد المصنف من الاصرار وهو بعيد، ويدل على ما ذكرته قول التحفة: قيل عطف الاصرار من عطف الخاص على العام، لما تقرر أنه ليس المراد مطلقه، بل مع غلبة الصغائر أو مساواتها للطاعات إلخ. اه. وقوله: بل مع الخ مع محل الاستدلال. (قوله: فمتى ارتكب الخ) تفريع على مجموع قوله باجتناب كل كبيرة، وإجتناب إصرار على صغيرة الخ المفيد للاطلاق في جانب الكبيرة، والتقييد في جانب الصغيرة. (وقوله: مطلقا) أي سواء غلبت طاعاته صغائرة أم لا. (قوله: أو صغيرة) أي ومتى ارتكبت صغيرة أو صغائر. (وقوله: داوم عليها) أي أصر عليها أم لا. (وقوله: خلافا لمن فرق) أي بين المداومة: أي الاصرار وعدمها، والظاهر أن هذا الفارق يقول إن المداومة عليها تسقط الشهادة مطلقا - غلبت معاصيه أم لا - كالكبيرة، كما يدل على ذلك عبارة الروض وشرحه ونصهما: فالاصرار على الصغائر ولو على نوع منها يسقط الشهادة، بشرط ذكره في قوله: قال الجمهور: من غلبت طاعته معاصيه كان عدلا، وعكسه فاسق. اه. فيؤخذ من قوله بشرط إلخ أن خلاف الجمهور لا يقولون به. تأمل. (قوله: فإن غلبت الخ) جواب متى المقدرة قبل قوله: أو صغيرة. قال في النهاية: ويتجه ضبط الغلبة بالعد من جانبي الطاعة والمعصية من غير نظر، لكثرة الثواب في الاولى، وعقاب في الثانية، لأن ذلك أمر أخروي لا تعلق له بما نحن فيه. اه. وكتب ع ش: قوله من جانبي الطاعة والمعصية - أي بأن يقابل كل طاعة بكل معصية في جميع الايام، حتى لو غلبت الطاعات على المعاصي في بعض الأيام، وغلبت المعاصي في باقيها، بحيث لو قوبلت جملة المعاصي بجملة الطاعات كانت المعاصي أكثر لم يكن عدلا. اه. وقوله: من غير نظر لكثرة إلخ: معناه أن الحسنة تقابل بسيئة لا بعشر سيئات. وعبارة ق ل: ومعنى غلبتها مقابلة الفرد بالفرد من غير نظر إلى المضاعفة. اه: قال في النهاية: ومعلوم أن كل صغيرة تاب منها مرتكبها لا تدخل في العد، لاذهاب التوبة الصحيحة أثرها رأسا. اه. (قوله: والصغيرة الخ) هي كل ذنب ليس بكبيرة، قال في الزواجر: (واعلم) أن جماعة من الائمة أنكروا أن في الذنوب صغيرة، وقالوا: بل سائر المعاصي كبائر، منهم الاستاذ أبو إسحاق الاسفرايني والقاضي أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين في الارشاد، وابن القشيري في المرشد، بل حكاه ابن فورك عن الاشاعرة واختاره في تفسيره فقال: معاصي الله عندنا كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة ولبعضها كبيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها. ثم قال: وقال جمهور العلماء أن المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر، ولا خلاف بين الفريقين في المعنى، وإنما الخلاف في التسمية والاطلاق، لاجماع الكل على أن من المعاصي ما يقدح في العدالة، ومنها ما لا يقدح في العدلة، وإنما الاولون فروا من هذه التسمية، فكرهوا تسمية معصية الله صغيرة نظرا إلى عظمة الله تعالى وشدة عقابه، وإجلالا له عزوجل عن تسمية معصيته صغيرة، لانها بالنظر إلى باهر عظمته كبيرة، أي كبيرة. ولم ينظر الجمهور إلى ذلك لأنه معلوم، بل قسموها إلى صغائر وكبائر لقوله تعالى: * (وكره إليكم الكفر والفسوق

الاجنبية ولمسها ووطئ رجعية وهجر المسلم فوق ثلاث وبيع خمر ولبس رجل ثوب حرير وكذب لا حد فيه ولعن ولو لبهيمة أو كافر وبيع معيب لا ذكر عيب وبيع رقيق مسلم لكافر ومحاذاة قاضي الحاجهة الكعبة بفرجه ـــــــــــــــــــــــــــــ والعصيان) *. فجعلها رتبا ثلاثة، وسمى بعض المعاصي فسوقا دون بعض، وقوله تعالى: * (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) *. الآية، وسيأتي في الحديث الصحيح الكبائر سبع - وفي رواية تسع - وفي الحديث الصحيح أيضا ومن كذا إلى كذا كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر، فخص الكبائر ببعض الذنوب، ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم يسغ ذلك، ولان ما عظمت مفسدته أحق بإسم الكبيرة، علم أن قوله تعالى: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) *. صريح في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر، ولذلك قال الغزالي: لا يليق إنكار الفرق بين الكبائر والصغائر. وقد عرف من مدارك الشرع. اه. (قوله: كنظر الاجنبية) أي لغير حاجة، أما إذا كان لحاجة كتحمل الشهادة، أو إستشفاء، فلا يحرم. (قوله: ووطئ رجعية) أي من قبل الرجعة. (قوله: وهجر المسلم فوق ثلاث) أي من الايام بلا سبب يقتضي ذلك، وقد تقدم الكلام عليه في فصل القسم والنشوز. (قوله: ولبس رجل ثوب حرير) أي لغير حاجة. أما إذا كان لحاجة كجرب وقمل، فلا يحرم كما مر في باب الجمعة. (قوله: وكذب لا حد فيه) عبارة الروض وشرحه: وكذب لا حد فيه ولا ضرر، وقد لا يكون صغيرة، كأن كذب في شعره بمدح وإطراء. وأمكن حمله على المبالغة فإنه جائز، لان غرض الشاعر إظهار الصنعة لا التحقيق كما سيأتي ذلك. وخرج بنفي الحد والضرر ما لو وجدا أو أحدهما مع الكذب فيصير كبيرة، لكنه مع الضرر ليس كبيرة مطلقا، بل قد يكون كبيرة كالكذب على الانبياء، وقد لا يكون، بل الموافق لتعريف الكبيرة بأنها المعصية الموجبة للحد أنه ليس كبيرة مطلقا. اه. (قوله: ولعن) عده ابن حجر في الزواجر من الكبائر إن كان لمسلم، ونصها: سب المسلم والاستطالة في عرضه، وتسبب الانسان في لعن أو شتم والديه وإن لم يسبهما، ولعنه مسلما من الكبائر. اه. واللعن معناه الطرد والبعد من رحمة الله ومحل حرمته إن كان لمعين ولو فاسقا، أو كافرا حيا أو ميتا، ولم يعلم موته على الكفر، لاحتمال أنه ختم له بالاسلام - بخلاف من علم أنه ختم له على غير الاسلام كفرعون، وأبي جهل، وأبي لهب - ويجوز إجماعا لعن غير المعين بالشخص بل بالوصف، كلعنة الله على الكاذبين أو الظالمين، وقد ورد في النهي عنه شئ كثيرة: فمن ذلك قوله عليه السلام: من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه. قيل: وكيف يلعنهما؟ قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه. وقوله عليه السلام: أن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الارض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإن لم تجد مساغا، رجعت على الذي لعن، فإن كان أهلا وإلا رجعت على قائلها وقوله عليه السلام: ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذي. أي المتكلم بالفحش والكلام القبيح. ومر عليه السلام بأبي بكر رضي الله عنه وهو يلعن بعض رقيقه، فالتفت إليه وقال: لعانين؟ كلا ورب الكعبة، فأعتقه أبو بكر رضي الله عنه يومئذ، ثم جاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: لا أعود. ولعن رجل بعيره فقال له عليه السلام: لا تتبعنا على بعير ملعون. وقال عليه السلام: لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة. وصرخ ديك قرب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل: اللهم العنه، فقال عليه السلام: مه فإنه يدعو إلى الصلاة. ولدغت برغوث رجلا فلعنها، فقال عليه السلام: لا تلعنها فإنها نبهت نبيا من الانبياء لصلاة الصبح. وفي حديث: لا تسبوها فنعمت الدابة، فإنها أيقظتكم لذكر الله وقد قيل فيها شعر: لا تشتموا البرغوث إن اسمه بر وغوث لك لو تدري فبره شرب دم فاسدوغوثه الايقاظ للفجر ولعن الرجل الريح فقال عليه الصلاة والسلام: لا تعلن الريح فإنها مأمورة، من لعن شيئا ليس بأهل رجعت اللعنة

_ (1) سورة الحجرات، الاية: 7. (2) سورة النجم، الاية: 32. (3) سورة النساء، الاية: 31.

وكشف العورة في الخلوة عبثا ولعب بنرد لحصة النهي عنه وغيبة وسكوت عليها. ونقل بعضهم الاجماع على أنها كبيرة لما فيها من الوعيد الشديد محمول على غيبة أهل العلم وحملة القرآن لعموم البلوى بها، وهي ذكرك ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه. (وقوله: ولو لبهيمة أو كافر) أي فإنه يحرم. قال في الزواجر: واستفيد من هذه الاحاديث أن لعن الدواب حرام، وبه صرح أئمتنا، والظاهر أنه صغيرة ثم قال: ثم رأيت بعضهم صرح بأن لعن الدابة والذمي المعين كبيرة، وقيد حرمة لعن المسلم بغير سبب شرعي وفيه نظر، والذي ينجه ما مر من أن لعن الدواب صغيرة، وأما الذمي فيحتمل أنه كبيرة لاستوائه مع المسلم في حرمة إيذائه، وأما تقييده فغير صحيح، إذ ليس لنا غرض شرعي يجوز لعن المسلم أصلا. اه. (قوله: وبيع معيب بلا ذكر عيب) أي للمشتري فإنه حرام من الصغائر، ومحلها إذا علم البائع بالعيب، وإلا فلا حرمة كما هو ظاهر. (قوله: وبيع رقيق مسلم لكافر) أي فإنه حرام، ولا يصح كما تقدم في باب البيع لما في ذلك من الاذلال للمسلم، ولقوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * نعم يصح فيما إذا كان يعتق عليه كما إذا كان المبيع أصلا أو فرعا للمشتري الكافر، لانه يستعقب العتق فلا إذلال، ويحرم أيضا بيع المصحف لكافر، ولا يصح كما تقدم لما فيه من الاهانة. (قوله: ومحاذاة قاضي الحاجة الكعبة بفرجه) أي فإنها حرام إستقبالا وإستدبارا، لكن بشرط أن يكون في صحراء بدون ساتر، أو في بناء غير معد لقضاء الحاجة. وذلك لخبر: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا وقد تقدم هذا في أول الكتاب. (قوله: وكشف العورة في الخلوة عبثا) أي من غير حاجة فهو حرام حينئذ، فإن كان لحاجة كإغتسال لم يحرم - كما تقدم أول الكتاب في شروط الصلاة -. (قوله: ولعب بنرد) هو المعروف عند الناس بالطاولة، وفي مسلم: من لعب بالنرد فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه. وفارق الشطرنج حيث يكره إن خلا عن المال بأن معتمده الحساب الدقيق والفكر الصحيح، ففيه تصحيح الفكر ونوع من التدبير، ومعتمد النرد الحزر والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق. قال العلامة الهمام ابن نباتة في شرحه لرسالة إبن زيدون: وقد وضع النرد لازدشير من ولد ساسان، وهو أول الفرس الثانية تنبيها على أنه لا حيلة للانسان مع القضاء والقدر، وهو أول من لعب به، فقيل نردشير، وقيل أنه هو الذي وضعه. وشبه به تقلب الدنيا بأهلها، فجعل بيوت النرد اثني عشر بيتا بعدد شهور السنة، وعدد كلابها ثلاثون بعدد أيام الشهور، وجعل الفصين مثالا للقضاء والقدر وتلقيبهما بأهل الدنيا، وأن الانسان يلعبه فيبلغ بإسعاف القدر ما يريده، وأن اللاعب غير الفطن يتأتى له ما يتأتى للفطن إذا أسعفه القدر. فعارضهم الهند بالشطرنج. (قوله: وغيبة وسكوت عليها) عبارة الروض وشرحه: وغيبة للمسر فسقه واستماعها بخلاف المعلن لا تحرم غيبته بما أعلن به كما مر في النكاح، وبخلاف غير الفاسق فينبغي أن تكون غيبته كبيرة، وجرى عليه المصنف كأصله في الوقوع في أهل العلم وحملة القرآن كما مر، وعلى ذلك يحمل ما ورد فيها من الوعيد الشديد في الكتاب والسنة، وما نقله القرطبي من الاجماع على أنها كبيرة، وهذا التفصيل أحسن من إطلاق صاحب العدة أنها صغيرة، وإن نقله الاصل عنه وأقره وجرى عليه المصنف. وقوله: واستماعها أخص من قول الاصل، والسكوت عليها لانه قد يعلمها ولا يسمعها. اه. (قوله: ونقل بعضهم) مبتدأ خبره قوله محمول الخ. (قوله: الاجماع على أنها) أي الغيبة كبيرة. (وقوله: لما فيها من الوعيد الشديد) علة لكونها كبيرة، ومما ورد فيها قوله عليه السلام: من قذفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال. رواه الطبراني وغيره. وردغة بسكون الدال وفتحها. عصارة أهل النار. وقوله عليه السلام: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخشمون صدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل: قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. وقوله عليه السلام في حجة الوداع: إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ومن أربى الربا إستطالة المرء في عرض أخيه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: حسبك من صفية كذا وكذا - قال بعض الرواة تعني أنها قصيرة - فقال عليه السلام: قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. أي لانتنته وغيرت ريحه. وجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره

_ (1) سورة النساء، الاية: 141.

- ولو نحو إشارة - غيرك المحصور المعين ولو عند بعض المخاطبين بما يكره عرفا. واللعب بالشطرنج بكسر ـــــــــــــــــــــــــــــ أن فتاتين ظلتا صائمتين فأعرض عنه أربع مرات وهو يكرر عليه ذلك، ثم قال: إنهما لم يصوما. وكيف صام من ظل هذا اليوم يأكل لحوم الناس؟ إذهب فمرهما إن كانتا صائمتين فلتتقيآ، فرجع إليهما وأخبرهما فقاءت كل واحدة علقة من دم، فرجع إليه - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال: والذي نفسي بيده لو بقيتا في بطونهما لاكلتهما النار. وفي رواية: فقال لاحداهما قيئي، فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما حتى ملات نصف القدح، ثم قال للاخرى قيئي، فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملات القدح، ثم قال: إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما، جلست إحداهما إلى الاخرى فجعلتا تأكلان من لحوم الناس. (قوله: محمول على غيبة أهل العلم وحملت القرآن) أي لشدة إحترامهم. (قوله: لعموم البلوى بها) أي وإنما حمل الاجماع على ذلك ولم يبق على إطلاقه لعموم البلوى بالغيبة، فيحصل حرج عظيم لو لم يحمل عليه. (قوله: وهي) أي الغيبة، وهو بيان لحدها، وقد بينها عليه السلام في قوله: هل تدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكرهه. قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. قال في الزواجر: وذكر الاخ في الحديث كالآية للعطف والتذكير بالسبب الباعث على أن الترك متأكد في حق المسلم أكثر، لانه أشرف وأعظم حرمة. اه. (وقوله: ذكرك) المراد بالذكر التعرض بالايذاء بدليل الغاية بعده. (وقوله: ولو بنحو إشارة) دخل تحت نحو الغمز والكتابة والتعرض، كأن يذكر عنده غيره فيقول الحمد لله الذي ما ابتلانا بقلة الحياء، أو بالدخول على السلاطين، وليس قصده بدعائه إلا أن يفهم عيب ذلك الغير، ومثله كل ما يتوصل به إلى فهم المقصود كأن يمشي مشيته، بل قال الغزالي إن هذا أعظم لانه أبلغ من التصريح والتفهيم وأنكى للقلب. (قوله: غيرك) مفعول ذكر المضاف لفاعله، والمراد به لغير ما يعم المسلم والذمي. وسئل: الغزالي رحمه الله تعالى عن غيبة الكافر. فقال: هي في حق المسلم محذورة لثلاثة علل: الايذاء، وتنقيص ما خلقه الله تعالى، وتضييع الوقت بما لا يعني. والاولى تقتضي التحريم، والثانية الكراهة، والثالثة خلاف الاولى. وأما الذمي فكالمسلم فيما يرجع إلى المنع من الايذاء، لان الشرع عصم دمه وعرضه وماله، وأما الحربي فليس بمحرم على الاولى، ويكره على الثانية والثالثة. وأما المبتدع فإن كفر فكالحربي، وإلا فكالمسلم. (وقوله: المحصور المعين) لو اقتصر على القيد الثاني لكان أولى، لأنه يفيد مفاد الاول وزيادة. وخرج بذلك غير المعين كأن يذم البخلاء، أو المتكبرين، أو المرائين، ويتعرض لهم بالتنقيص من غير تعيين أحد منهم، فهذا لا يعد غيبة. (قوله: بما يكره) متعلق بذكرك: أي أن تذكره بشئ يكرهه سواء كان في بدنه كقصير وأسود وغير ذلك، أو في نسبه كأبوه إسكافي، أو في خلقه كسئ الخلق عاجز ضعيف، أو في فعله الديني ككذاب، أو متهاون بالصلاة، أو لا يحسنها، أو الدنيوي كقليل الادب، أو لا يرى لاحد حقا على نفسه، أو كثير الأكل أو النوم، أو في ثوبه كطويل الذيل وقصيره ووسخه، أو في داره كضيقة، أو قليلة المنافع، أو دابته كجموح، أو ولده كقليل التربية، أو زوجته ككثيرة الخروج، أو عجوز، أو تحكم عليه، أو قليلة النظافة، أو في خادمه كأبق أو غير ذلك من كل ما يعلم أنه يكرهه. واعلم: أن أصل الغيبة الحرمة، وقد تباح لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها. وينحصر في ستة أسباب، وقد تقدم الكلام عليها، لكن يحسن ذكرها هاهنا أيضا، وهي التظلم، فلمن ظلم - بالبناء للمجهول - أن يشكو لمن يظن أن له قدرة على إزالة ظلم أو تخفيفه والاستعانة على تغيير منكر يذكره لمن يظن قدرته على إزالته بنحو فلان يعمل كذا فازجره، أو أعني علي زجره ومنعه منه، والاستفتاء بأن يقول لمفت ظلمني فلان فهل يجوز له؟ ما طريقي في الخلاص منه أو تحصيل حقي منه؟ أو نحو ذلك. وتحذير المسلمين من الشر ونصحهم كجرح الرواة والشهود والتجاهر بالفسق، فيجوز ذكر المتجاهر بما تجاهر به دون غيره، والتعريف بنحو لقب كالاعمش والاصم. وتنبيه: البواعث على الغيبة كثيرة، وهي عامة وخاصة، فالعامة كتشفي الغيظ بذكر مساوي من أغضبه، وكموافقة الاخوان ومجاملتهم بالاسترسال معهم بما هم فيه، أو إبداء نظير ما أبدوه خشية أنه لو سكت أو أنكر إستثقلوه ونفروا عنه،

أوله وفتحه معجما ومهملا - مكروه إن لم يكن فيه شرط مال من الجانبين أو أحدهما أو تفويت صلاة ولو بنسيان بالاشتغال به أو لعب مع معتقد تحريمه وإلا فحرام، ويحمل ما جاء في ذمه من الاحاديث والآثار على ما ذكر ـــــــــــــــــــــــــــــ ويظن لجهله أن هذا من المجاملة في الصحبة، بل وقد يغضب لغضبهم إظهارا للجاهلية في السراء والضراء، فيخوض معهم في ذكر المساوي والعيوب فيهلك. والخاصة كالتعجب من فعل غيره منكرا كأن يقول ما أعجب ما رأيت من فلان، أو عجيب من فلان كيف يحب أمته وهي قبيحة، أو كيف يقرأ على فلان الجاهل وهكذا. يتعين عليك معرفة علاج الغيبة، وهو بأن تعلم أنك قد تعرضت بها لسخط الله تعالى وعقوبته، وأنها تحبط حسناتك، وبأن تنظر في باعثها فتقطعه من أصله، إذ علاج العلة إنما يكون بقطع سببها. ومما ينفعك في ذلك أن تتدبر في عيوبك وتجتهد في الطهارة منها لتدخل في قوله عليه السلام: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. وما أحسن قول بعضهم: لعمرك إن في ذنبي لشغلالنفسي عن ذنوب بني أمية على ربي حسابهم إليه تناهى علم ذلك لا إليه وليس بضائري ما قد أتوه إذا ما الله أصلح ما لديه وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبعض إخوانه: أوصيك بستة أشياء: إن أردت أن تقع في أحد وتذمه فذم نفسك، فإنك لا تعلم أحدا أكثر عيوبا منها، وإن أردت أن تعادي أحدا فعاد البطن، فليس لك عدو أعدى منها، وإن أردت أن تحمد أحدا، فاحمد الله فليس أحد أكثر منه منة عليك وألطف بك منه، وإن أردت أن تترك شيئا، فاترك الدنيا فإنك إن تركتها فإنك محمود وإلا تركتك وأنت مذموم، وإن أردت أن تستعد لشئ، فاستعد للموت فإنك إن لم تستعد له حل بك الخسران والندامة، وإن أردت أن تطلب شيئا، فاطلب الآخرة فلست تنالها إلا بأن تطلبها. اللهم بصرنا بعيوب أنفسنا عن عيوب غيرنا يا كريم. (قوله: واللعب) مبتدأ خبره مكروه. قال في شرح الروض: واحتج لاباحة اللعب به بأن الاصل الاباحة، وبأن فيه تدابير الحروب. وللكراهة بأن فيه صرف العمر إلى ما لا يجدي، وبأن عليا رضي الله عنه مر بقوم يلعبون به فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ اه. (قوله: أن لم يكن فيه) أي في اللعب بالشطرنج، وهو قيد في الكراهة. (وقوله: شرط مال من الجانبين) أي جانب اللاعبين: أي بأن يشرط كل واحد منهما على الآخر مالا إن غلب. (وقوله: أو أحدهما) أي وإن لم يكن فيه شرط مال من أحد اللاعبين بأن يخرج مالا ليبذله إن غلب - بالبناء للمجهول - ويمسكه إن غلب، وليس له على الآخر شئ. (قوله: أو تفويت صلاة) معطوف على شرط مال: أي وإن لم يكن فيه تفويت لصلاة: أي عن أدائها في الوقت. (وقوله: ولو بنسيان) أي سواء كان تفويته لها عمدا، أو نسيانا، نشأ عن الاشتغال باللعب به. قال في الزواجر: فإن قلت: لو استغرقه اللعب به حتى أخرج الصلاة عن وقتها غير متعمد لذلك، فما وجه تأثيمه مع أنه الآن غافل، والغافل غير مكلف فيستحيل تأثيمه؟ قلت: محل عدم تكليف الناسي والغافل حيث لم ينشأ النسيان والغفلة والجهل عن تقصيره، وإلا كان مكلفا آثما. أما في الغفلة فلما صرحوا به في الشطرنج من أنه لا يعذر بإستغراقه في اللعب به حتى خرج وقت الصلاة، وهو لا يشعر لما تقرر أن هذه الغفلة نشأت عن تقصيره بمزيد إكبابه وملازمته على هذا المكروه حتى ضيع بسببه الواجب عليه، وأما في الجهل فلما صرحوا به من أنه لو مات إنسان فمضت عليه مدة ولم يجهز ولا صلي عليه، أثم جاره وإن لم يعلم بموته، لان تركه البحث عن أحوال جاره إلى هذه الغاية تقصير شديد، فلم يبعد القول بعصيانه. اه. (قوله: أو لعب) الاولى قراءته بصيغة الفعل، وهو مع فاعله معطوف على مدخول يكن: أي وإن لم يكن لعب به مع معتقد تحريمه كحنفي ومالكي. (قوله: وإلا) أي بأن كان فيه شرط مال من الجانبين، أو من أحدهما، أو كان فيه

وتسقط مروءة من يداومه فترد شهادته وهو حرام عند الائمة الثلاثة مطلقا. ولا تقبل الشهادة من مغفل ومختل نظر ولا أصم في مسموع ولا أعمى في مبصر كما يأتي. ومن التيقظ ضبط ألفاظ المشهود عليه بحروفها من غير زيادة فيها ولا نقص. قال شيخنا: ومن ثم لا تجوز الشهادة بالمعنى. نعم: لا يبعد جواز التعبير بأحد الرديفين عن الآخر حيث لا إبهام (و) شرط في الشاهد أيضا (عدم تهمة) بجر نفع إليه أو إلى من لا تقبل شهادته له أو دفع ـــــــــــــــــــــــــــــ تفويت صلاة، أو كان لعب به مع معتقد تحريمه. (وقوله: فحرام) وجه الحرمة في الصورة الأولى أن فيها اشتراط المال من الجانبين وهو قمار، وفي الثانية أن فيها اشتراط مال من أحدهما، وهو وإن كان ليس بقمار عقد مسابقة فاسدة لانه على غير آلة قتال، وتعاطي العقود الفاسدة حرام. وفي الثالثة تأخير الصلاة عن وقتها. وفي الرابعة إعانة على محرم. (قوله: ويحمل ما جاء في ذمه) أي لعب الشطرنج المقتضي للحرمة. (وقوله: من الاحاديث والآثار) من ذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الازلام - النرد والشطرنج وما كان من اللهو - فلا تسلموا عليهم، فإنهم إذا اجتمعوا وأكبوا عليها جاءهم الشيطان بجنوده فأحدق بهم، كلما ذهب واحد منهم يصرف بصره عنها لكزه الشيطان بجنوده، فما يزالون يلعبون حتى يتفرقوا كالكلاب: اجتمعت على جيفة فأكلت منها حتى ملات بطونها ثم تفرقت. وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب الشاه - يعني صاحب الشطرنج - ألا تراه يقول: قتلته والله، مات والله، افتراء وكذبا على الله؟ قال علي كرم الله وجهه: الشطرنج ميسر الاعاجم. ومر رضي الله عنه على قوم يلعبون الشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لان يمس أحدكم جمرا حتى يطفأ خير له من أن يمسها، ثم قال: والله لغير هذا خلقتم. وقال أيضا رضي الله عنه: صاحب الشطرنج أكثر الناس كذبا، يقول أحدهم قتلت وما قتل، ومات وما مات. (قوله: على ما ذكر) أي من شرط مال من الجانبين، أو أحدهما، أو تفويت الصلاة، أو لعب مع معتقد تحريمه. (قوله: وتسقط مروءة إلخ) مكرر مع قوله فيما تقدم وإكثار ما يضحك بينهم، أو لعب شطرنج الخ فلا حاجة إليه. (قوله: وهو) أي لعب الشطرنج. (وقوله: حرام) عند الأئمة الثلاثة، وهم أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم. وإنما قالوا بالحرمة للاحاديث الكثيرة التي جاءت في ذمه. قال في التحفة: لكن قال الحافظ لم يثبت منها حديث من طريق صحيح ولا حسن، وقد لعبه جماعة من أكابر الصحابة ومن لا يحصى من التابعين ومن بعدهم، وممن كان يلعبه غبا سعيد بن جبير رضي الله عنه. اه. (وقوله: مطلقا) أي وجد شرط مال أم لا، كأن هناك تفويت صلاة عن قوتها أم لا. (قوله: ولا تقبل الشهادة من مغفل) محترز قوله وتيقظ. (وقوله: ومختل نظر) أي ناقص عقل لا يضبط الامور، وعطفه على ما قبله من عطف المرادف. (قوله: ولا أصم إلخ) أي ولا تقبل الشهادة من أصم في مشهود به يسمع، ولا من أعمى في مشهود به يبصر. (قوله: كما يأتي) أي عند قوله وشرط لشهادة بفعل إبصار، وبقول هو وسمع، ومراده بهذا الاعتذار عن عدم اشتراط السمع والبصر هنا. (قوله: ومن التيقظ إلخ) المناسب تقديمه وذكره بعد قوله وتيقظ. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن من التيقظ ضبط ألفاظ إلخ. (وقوله: لا تجوز الشهادة بالمعنى) أي فلو كانت صيغة البيع مثلا من البائع بعت ومن المشتري اشتريت، فلا يعتد بالشهادة إلا إذا قال أشهد أن البائع قال بعت والمشتري قال اشتريت، بخلاف ما لو قال: أشهد أن هذا اشترى هذا من هذا، فلا يكفي. فتنبه له. فإنه يغلط فيه كثيرا. اه. ع ش. (قوله: نعم لا يبعد جواز التعبير بأحد الرديفين عن الآخر حيث لا إبهام) قال في التحفة: كما يشير لذلك قولهم: لو قال شاهد وكله، أو قال: قال وكلته، وقال الآخر فوض إليه، أو أنابه قبل، أو قال واحد قال: وكلت وقال الآخر قال: فوضت إليه، لم يقبلا لان كلا أسند إليه لفظا مغايرا للآخر، وكان الفرض أنهما اتفقا على اتحاد اللفظ الصادر منه، وإلا فلا مانع أن كلا سمع ما ذكره في مرة. ويجري ذلك في قول أحدهما، قال القاضي ثبت عندي طلاق فلانة، والآخر قال: ثبت عندي طلاق هذه، وهي تلك فإنه يكفي اتفاقا. اه. (قوله: وشرط في الشاهد أيضا) أي كما اشترط فيه التكليف، وما بعده من الشروط المارة. (وقوله: عدم تهمة) هي بضم ففتح، وإنما اشترط عدمها لخبر: لا تجوز شهادة ذي الظنة، ولا ذي الحنة. والظنة - بكسر الظاء وتشديد النون المفتوحة - التهمة، والحنة

ضر عنه بها (فترد) الشهادة (لرقيقه) ولو مكاتبا ولغريم له مات وإن لم تسغرق تركته الديون بخلاف شهادته لغريمه الموسر وكذا المعسر قبل موته فتقبل لهما (و) ترد (لبعضه) من أصل وإن علا أو فرع له وإن سفل. (لا) ترد الشهادة (عليه) أي لا على أحدهما بشئ إذ لا تهمة. ولا على أبيه بطلاق ضرة أمه طلاقا بائنا وأمه تحته، أما ـــــــــــــــــــــــــــــ - بكسر الحاء وفتح النون المخففة - العداوة. قال في التحفة: ويضر حدوثها - أي التهمة - قبل الحكم لا بعده، فلو شهد لاخيه بمال فمات وورثه قبل استيفائه، فإن كان بعد الحكم أخذه وإلا فلا، وكذا لو شهد بقتل فلان لاخيه الذي له ابن ثم مات وورثه، فإن صار وارثه بعد الحكم لم ينقض، أو قبله لم يحكم له. اه. (قوله: بجر نفع إلخ) الباء للتصوير متعلقة بمحذوف صفة لتهمة: أي تهمة مصورة بجر نفع إلى الشاهد: أي بتحصيل نفع إليه. (وقوله: أو إلى من لا تقبل شهادته له) أي أو بجر نفع إلى شخص، لا تقبل شهادة ذلك الشخص لذلك الشاهد، كأن يكون أصله أو فرعه. (قوله: أو دفع ضر) معطوف على بجر نفع: يعني أن التهمة تتصور أيضا بدفع ضر. (وقوله: عنه) ضميره راجع للاحد الدائر بين المذكورين: أي الشاهد ومن لا تقبل شهادته له. (وقوله: بها) أي بالشهادة، وهو متعلق بكل من جر نفع ودفع ضر. (قوله: فترد الشهادة لرقيقه) مفرع على مفهوم الشرط: أي فإذا وجدت التهمة ردت الشهادة كشهادة السيد لرقيقه، لانها تجر نفعا إلى السيد. ومحله إن شهد له بالمال، فإن شهد أن فلانا قذفه قبلت، إذ لا فائدة تعود عليه حينئذ. (قوله: ولو مكاتبا) غاية في رد الشهادة لرقيقه: أي ترد له ولو كان مكاتبا لأنه ملكه، فله علقة بماله بدليل منعه له من بعض التصرفات، ولانه بصدد العود إليه بعجز أو تعجيز - كما في التحفة -. (قوله: ولغريم الخ) معطوف على لرقيقه: أي وترد الشهادة لغريم للشاهد قد مات وصورته - كما في البجيرمي - أن يدعي وارث الميت المدين بدين للميت على آخر، ويقيم الوارث المذكور دائن الميت يشهد مع آخر للميت بدينه، فلا تصح شهادة الدائن للميت للتهمة، لانه إذا أثبت بشهادته للغريم الميت شيئا فقد أثبت لنفسه المطالب به لاجل وفاء دينه، ومثله غريم المحجور عليه بفلس، فلا تقبل شهادته له لذلك. (قوله: وإن لم تستغرق إلخ) غاية في رد شهادته للغريم. (وقوله: تركته) أي الغريم، وهو مفعول مقدم. (وقوله: الديون) فاعل مؤخر. (قوله: بخلاف شهادته لغريمه الموسر) أي الحي. (وقوله: وكذا المعسر) أي الحي. فقوله قبل موته، راجع لكل منهما، وهو محترز قوله قد مات. وعبارة التحفة: بخلاف غريمه الحي ولو معسرا، لم يحجر عليه لتعلق الحق بذمته. وجعله في شرح المنهج مفهوم شئ أخر، وعبارته مع المنهج: وترد شهادته لرقيقه وغريم له مات أو حجر عليه بفلس، بخلاف حجر السفه والمرض، وبخلاف شهادته لغريمه الموسر، وكذا المعسر قبل موته، والحجر عليه لتعلق الحق حينئذ بذمته لا بعين أمواله. اه. بحذف. فقوله: وبخلاف شهادته لغريمه إلخ مفهوم قوله: أو حجر عليه بفلس، لان مفهومه صادق بصورتين بما إذا كان موسرا فإنه لا حجر عليه، وبما إذا كان معسرا ولم يحجر عليه، وفي كلتيهما تقبل الشهادة. (قوله: وترد لبعضه) أي وترد شهادة الأصل لفرعه وبالعكس، ولو بالرشد أو التزكية لانه بعضه، فكأنه شهد لنفسه فوجدت التهمة. (قوله: من أصل إلخ) بيان للمراد من البعض: أي أن المراد به ما يشمل الاصل والفرع. (قوله: لا ترد الشهادة عليه) أي على بعضه. قال في التحفة: ومحله حيث لا عداوة بينهما وإلا فوجهان، والذي يتجه منهما عدم القبول أخذا مما مر أن الاب لا يلي بنته إذا كان بينهما عداوة ظاهرة. ثم رأيت صاحب الانوار جزم به. اه. (قوله: أي لا على أحدهما بشئ) أي لا ترد الشهادة على أحدهما: أي الاصل والفرع بشئ، وأفاد بهذا التفسير أن مرجع ضمير عليه الاحد الدائر، والاولى كما أشرت إليه إرجاعه للبعض، وهو صادق بذلك الاحد، والاخصر حذف لفظ لا. (وقوله: إذ لا تهمة) أي موجودة، وهو علة لعدم رد الشهادة عليه. (قوله: ولا على أبيه) أي ولا ترد شهادة البعض على أبيه. والمراد بالبعض الجنس فيشمل الاثنين، إذ شرط صحة الشهادة به رجلان، وكذا يقال فيما يأتي. وعبارة متن المنهاج: وكذا تقبل شهادتهما على أبيهما بطلاق ضرة أمهما أو قذفها في الاظهر. قال في التحفة: لضعف تهمة نفع أمهما بذلك إذ له طلاق أمهما متى شاء مع كون ذلك حسبة تلزمهما الشهادة به. اه. (قوله: طلاقا) مفعول مطلق لطلاق. (وقوله: بائنا) هو ما يكون بالثلاث أو بالخلع. (قوله: وأمه تحته) أي وأم الشهد تحت أبيه، وهو

رجعي فتقبل قطعا. هذا كله في شهادة حسبة أو بعد دعوى الضرة. فإن ادعاه الاب لعدم نفقة لم تقبل شهادته للتهمة وكذا لو ادعته أمه. قال ابن الصلاح: لو ادعى الفرع على آخر بدين لموكله فأنكر فشهد به أبو الوكيل قبل وإن كان فيه تصديق ابنه. وتقبل شهادة كل من الزوجين والاخوين والصديقين للآخر (و) ترد الشهادة (بما هو محل تصرفه) كأن وكل أو أوصى فيه لانه يثبت بشهادته ولاية له على المشهود به نعم: لو شهد به بعد عزله ولم يكن خاصم قبله قبلت، وكذا لا تقبل شهادة وديع لمودعه ومرتهن لراهنه لتهمة بقاء يدهما. أما ما ليس وكيلا أو ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس بقيد، وإنما أتى به لأن التهمة إنما تتوهم حينئذ. (قوله: أما رجعي) مقابل قوله بائنا. (وقوله: فتقبل قطعا) لم يذكر في الصورة السابقة ما يفيد الخلاف حتى يجزم هنا بالقبول، فكان الأولى أن يزيد في الصورة السابقة ما يفيده، وهو في الأظهر كما في المنهاج. (قوله: هذا كله) أي ما ذكر ممن عدم رد الشهادة على أبيه بطلاق الضرة بائنا في الاظهر، وعدم رده قطعا إذا كان رجعيا. (وقوله: في شهادة حسبه) أي بأن شهد ولداه عليه من غير تقدم دعوى. (قوله: أو بعد دعوى الضرة) أي أن زوجها طلقها، وأقامت ولديه يشهدان به عليه. (قوله: فإن ادعاه الأب الخ) أي فإن ادعى الطلاق الاب في زمن سابق لاسقاط نفقة ماضية، وأقام بعضه يشهد بذلك لم تقبل شهادته، لأنها في الحقيقة شهادة للاب لا عليه، فالتهمة موجودة. قال في المغني: ولكن تحصل الفرقة بدعواه الخلع كما مر في بابه. اه. (قوله: وكذا لو ادعته أمه) أي وكذلك لا تقبل شهادة بعضه لو ادعت أمه طلاق ضرتها. وإقامته يشهد بذلك للتهمة. (قوله: لو ادعى الفرع على آخر بدين لموكله) أي في استيفائه من ذلك الآخر. (قوله: فأنكر) أي المدين أن عليه دينا للموكل. (قوله: فشهد به) أي بالدين. (وقوله: أبو الوكيل) أي الذي هو الفرع، والمراد شهد مع غيره. (قوله: قبل) أي أبو الوكيل، والاولى قبلت: أي شهادته. (قوله: وإن كان فيه إلخ) الواو للحال، وإن صلة، وضمير فيه يعود على قبول شهادته، أي تقبل شهادته والحال أن في قبولها تصديق ابنه. قال في التحفة والنهاية: لضعف التهمة جدا. اه. (قوله: وتقبل شهادة كل الخ) أي لانتفاء التهمة. (وقوله: من الزوجين) محل القبول فيهما ما لم يشهد الزوج بزنا زوجته، أو أن فلانا قذفها، وإلا فلا تقبل على الراجح. (وقوله: للآخر) متعلق بتقبل، والمراد الآخر من الزوجين، والاخوين، والصديقين، فتقبل شهادة الزوج لزوجته وبالعكس: أي لان الحاصل بينهما عقد يطرأ ويزول، فلا يمنع قبول الشهادة، كما لو شهد الاجير للمستأجر وعكسه وتقبل شهادة الاخ لاخيه، وكذا بقية الحواشي، والصديق لصديقه، وهو من صدق في ودادك بأن يهمه ما أهمك. قال سم: وقليل ذلك: أي في زمانه، ونادر في زماننا، وذلك لضعف التهمة لأنهما لا يتهمان تهمة الاصل والفرع. أفاده المغني. (قوله: وترد الشهادة بما هو محل تصرفه) يعني وترد شهادة مأذون له في التصرف، كوكيل وولي ووصي في الشئ الذي هو محل تصرفه، وهو المال مثلا. (قوله: كأن وكل أو أوصى) يقرآن بالبناء للمجهول، وفيه نائب فاعلهما، وضميره يعود على ما هو محل تصرفه، وهو تمثيل لكون الشهادة تكون فيما هو محل التصرف. وفي العيارة حذف: أي ثم ادعى فيه فشهد كل من الوكيل أو الوصي بثبوته للموكل أو لليتيم: مثلا وإيضاحه أن يكون المالك قد وكله في بيع شئ مثلا، ثم ادعى شخص أنه ملكه فشهد هو - أي الوكيل - بأنه ملك موكله أو أوصاه على يتيم. ثم ادعى آخر ببعض مال اليتيم فشهد هو - أي الوصي - بأنه ملك اليتيم فترد شهادة من ذكر للتهمة. (قوله: لأنه) الضمير يعود على معلوم من المقام، وهو المأذون له في التصرف - وكيلا كان أو وصيا - وهو علة لرد الشهادة فيما هو محل تصرفه. (وقوله: يثبت بشهادته) أي بثبوت المال لموكله أو اليتيم. (وقوله: ولاية) أي سلطنة لنفسه على المشهود به. أي فالتهمة موجودة في حقه. (قوله: نعم لو شهد الخ) استدراك على رد شهادة من ذكر فيما ذكر، وعبارة شرح الرملي: فإن عزل الوكيل نفسه ولم يخص في الخصومة قبلت، أو بعدها - أي الخصومة - فلا وإن طال الفصل. اه. (وقوله: بعد عزله) أي عزل الولي له بالنسبة للوكيل، أو عزل القاضي له بالنسبة للوصي. (قوله: ولم يكن خاصم) أي ولم يكن من ذكر خاصم المدعي لمال موكله، أو اليتيم قبل العزل، فإن خاصم ثم عزل لم تقبل. (قوله: قبلت) أي شهادته، وهو جواب لو. (قوله: وكذا لا تقبل شهادة وديع) أي بأن الوديعة ملك للمودع. (وقوله: مرتهن لراهنه) أي ولا تقبل شهادة مرتهن،

وصيا فيه فتقبل. ومن حيل شهادة الوكيل ما لو باع فأنكر المشتري الثمنن أو اشترى فادعى أجنبي بالمبيع فله أن يشهد لموكله بأن له عليه كذا أو بأن هذا ملكه إن جاز له أن يشهد به للبائع ولا يذكر أنه وكيل وصوب الاذرعي حله باطنا لان فيه توصلا للحق بطريق مباح. وكذا لا تقبل ببراءة من ضمنه الشاهد أو أصله أو فرعه أو عبده لانه يدفع به الغرم عن نفسه أو عمن لا تقبل شهادة له (و) ترد الشهادة (من عدو) على عدوه عدواة دنيوية لا له. وهو ـــــــــــــــــــــــــــــ أي بأن الرهن ملك للراهن عنده. (قوله: لتهمة بقاء يدهما) أي إستدامة يدهما: أي الوديع والمرتهن على الوديعة والرهن، والتهمة تبطل الشهادة. (قوله: أما ما ليس الخ) أي أما الشئ الذي ليس وكيلا فيه، أو وصيا فيه، فتقبل شهادة الوكيل أو الوصي. وعبارة المغني: وأفهم كلامه كغيره القطع بقبول شهادة الوكيل لموكله بما ليس وكيلا فيه، ولكن حكى الماوردي فيه وجهين وأصحهما الصحة. اه. (قوله: ومن حيل شهادة الوكيل) أي من المحيل المصححة لشهادة الوكيل. (قوله: ما لو باع) أي الوكيل شيئا ولم يقبض ثمنه. (قوله: فأنكر المشتري الثمن) أي بأن ادعى أداءه إليه. (قوله: أو اشترى) أي الوكيل شيئا. (قوله: فادعى أجنبي بالمبيع) أي بأنه ملكه. (قوله: فله) أي للوكيل. (وقوله: أن يشهد لموكله بأن الخ) راجع للصورة الأولى، أعني صورة ما لو باع الوكيل إلخ. (وقوله: له) أي للموكل. (وقوله: عليه) أي المشتري. (وقوله: كذا) أي الثمن. (وقوله: أو بأن هذا الخ) راجع للصورة الثانية: أعني صورة ما إذا اشترى الخ، فهو على اللف والنشر المرتب. (وقوله: ملكه) أي أو أن يشهد بأن هذا البيع الذي ادعاه الاجنبي ملك الموكل. (قوله: إن جاز له أن يشهد به للبائع) أي محل جواز شهادته بأن هذا ملك موكله، إن جاز للوكيل أن يشهد به للبائع لو فرض أنه استشهد عليه، بأن يعلم أنه ملك له حقيقة. (قوله: ولا يذكر) أي في الشهادة أنه وكيل، فإن ذكر ذلك لا تقبل شهادته. (قوله: وصوب الاذرعي حله) أي ما ذكر من شهادة الوكيل بما ذكر. قال في التحفة بعده: ثم توقف - أي الاذرعي - فيه لحمله الحاكم على الحكم بما لو عرف حقيقته لم يحكم به. ويجاب بأنه لا أثر لذلك، لان القصد وصول المستحق لحقه. اه. (وقوله: باطنا) أي بينه وبين الله بمعنى أنه لا يعاقبه على ذلك. (قوله: لان في توصلا للحق) علة الحل باطنا: أي وإنما حل له أن يشهد بما تقدم لان فيه إيصال الحق للمستحق. (وقوله: بطريق مباح) الذي يظهر أنه متعلق بتوصلا، وأن المراد بالطريق المباح هي شهادته بما ذكر لعلمه أن المشهود به ملك حقيقة للمشهود له، وإذا كان كذلك يكون من قبيل الإظهار في مقام الاضمار، لان التقدير وإنما جازت الشهادة بما ذكر لأن فيها توصلا للحق بها. (قوله: وكذا لا تقبل ببراءة الخ) أي وكما لا تقبل شهادة الوكيل أو الوصي فيما هو محل التصرف فيه، لا تقبل الشهادة ببراءة الذي ضمنه الشاهد، أو أصله، أو فرعه، أو رقيقه. فالضمان لا فرق فيه بين أن يكون من الشاهد نفسه، أو من أصل الشاهد، أو من فرع الشاهد، أو من رقيقه، فالشاهد في الاول هو الضامن، وفيما عداه غيره. لان الضامن الأصل أو الفرع أو الرقيق والشاهد غير ذلك ببراءة الذي ضمنه من الدين الذي عليه، ومثلها الاداء. (وقوله: لأنه) أي الشاهد الضامن هو، أو أصله، أو فرعه، أو عبده. (وقوله: يدفع به) الاولى بها: أي بشهادته كما في التحفة. (وقوله: الغرم عن نفسه) وذلك لأنه لو لم يؤد المضمون الدين الذي عليه فالمطالب به الضامن: أي فالتهمة موجودة. (وقوله: أو عمن الخ) معطوف على عن نفسه، ومن واقعة على الضامن الأصل أو الفرع أو الرقيق. (وقوله: لا تقبل شهادته) الضمير يعود على من، وضمير له يعود على الشاهد، والتقدير: أو لانه يدفع الغرم عن أصله أو فرعه أو رقيقه الذين لا تقبل شهادته له لو أشهدهم، أي فالتهمة موجودة. (قوله: وترد الشهادة من عدو على عدوه) أي لحديث: لا تقبل شهادة ذي غمر على أخيه. رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن، والغمر - بكسر الغين - الغل والحقد لما في ذلك من التهمة. (قوله: عداوة دنيويه) خرج به الدينية: أي المتعلقة بالدين، كشهادة مسلم على كافر فتقبل، ولا بد أن تكون ظاهرة لان الباطنة لا يطلع عليها إلا علام الغيوب. وفي معجم الطبراني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: سيأتي قوم في آخر الزمان إخوان العلانية أعداء السريرة. قيل لنبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام: أي شئ كان أشد عليك مما مر بك؟ قال شماتة الاعداء. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ

من يحزن بفرحه وعكسه. فلو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه قبلت شهادته عليه. تنبيه: قال شيخنا ظاهر كلامه قبولها من ولد العدو ويوجه بأنه لا يلزم من عداوة الاب عداوة الابن. فائدة: حاصل كلام الروضة وأصلها أن من قذف آخر لا تقبل شهادة كل منهما على الآخر وإن لم يطلب المقذوف حده وكذا من ادعى على آخر أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر. قال شيخنا: يؤخذ من ذلك أن كل من نسب آخر إلى فسق اقتضى وقوع عداوة بينهما فلا تقبل الشهادة من أحدهما ـــــــــــــــــــــــــــــ بالله منها. فنسأل الله سبحانه وتعالى العافية من ذلك. (وقوله: لا له) أي لا ترد الشهادة لعدوه إذ لا تهمة حينئذ. وما أحسن ما قيل: ومليحة شهدت لها ضراتها والفضل ما شهدت به الاعداء (قوله: وهو) أي عدو الشخص. (وقوله: من يحزن الخ) عبارة المنهاج: وهو من يبغضه بحيث يتمنى زوال نعمته، ويحزن بسروره، ويفرح بمصيبته. اه. وهو بمعنى ما ذكره المؤلف. (وقوله: وعكسه) هو من يفرح بحزنه. (قوله: فلو عادى الخ) مرتب على محذوف، يعلم من عبارة التحفة ونصها: وقد تمنع العداوة من الجانبين ومن أحدهما، فلو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه قبلت شهادته عليه. اه. ومثلها عبارة النهاية والخطيب، ونص الثاني: وقد تكون العداوة من الجانبين، وقد تكون من أحدهما، فيختص برد شهادته على الآخر. ولو عادى من يستشهد عليه وبالغ في خصامه ولم يجبه ثم شهد عليه لم ترد شهادته لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى ردها. اه. (وقوله: من يريد الخ) من واقعة على الشاهد، وهو المعادي - بفتح الدال -. (وقوله: أن يشهد عليه) فاعل يشهد يعود على من وهو العائد، وضمير عليه يعود على المشهود عليه الذي هو المعادي - بكسر الدال - والمعنى أن هذا المشهود عليه عادى الشاهد، فهذه العداوة لا تمنع شهادة الشاهد عليه، وإلا اتخذ الناس العداوة المذكورة ذريعة ووصلة لرد الشهادة عليه. (قوله: وبالغ) أي المشهود عليه. (وقوله: في خصومته) أي الشاهد. (قوله: فلم يجبه) أي لم يجب الشاهد من بالغ في الخصومة. (قوله: قبلت شهادته) أي هذا الذي خوصم وعودي. (وقوله: عليه) أي على المشهود عليه الذي هو المعادي والمخاصم. (قوله: قبولها) أي الشهادة. (وقوله: من ولد العدو) أي فلو شهد ولد عدوه عليه قبلت. ومثل الولد الاصل كما في المغنى نص عبارته: وخرج بالعدو أصله وفرعه فتقبل شهادتهما إذ لا مانع بينهما وبين المشهود عليه. اه. (قوله: ويوجه) أي قبول شهادة ولد العدو. (وقوله: بأنه لا يلزم من عداوة إلخ) قال في التحفة: وزعم أنه أبلغ في العداوة من أبيه، وأنه ينبغي أن لا تقبل ولو بعد موت أبيه، وإن كان الأصح على ما قيل عند المالكية قبوله بعد موته لا في حياته ليس في محله، لأن الكلام في ولد عدو لم يعلم حاله، وحينئذ يبطل زعم أنه أبلغ في العداوة من أبيه لاطلاقه. أما معلوم الحال من عداوة أو عدمها فحكمه واضح. اه. (قوله: أن من قذف آخر) أي قبل الشهادة كما في النهاية. (قوله: لا تقبل شهادة كل منهما على الآخر) أي لا تقبل شهادة القاذف على المقذوف، ولا المقذوف على القاذف، لان كلا عدو للآخر. (قوله: وإن لم إلخ) غاية في عدم قبول شهادة كل. (وقوله: حدة) أي القاذف. (قوله: وكذا الخ) أي من قذف آخر في عدم قبول شهادة كل من ادعى على آخر أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله. (وقوله: فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر) أي لا تقبل شهادة المدعي بقطع الطريق على آخر، ولا شهادة الآخر عليه للعداوة بينهما. (قوله: قال شيخنا يؤخذ من ذلك) أنظر من أين يؤخذ؟ فإنه لا يلزم من عدم قبول الشهادة في القذف ودعوى قطع الطريق عدم قبولها في كل فسق. ولعل في العبارة سقطا هو المأخوذ منه ذلك يعلم من عبارة التحفة ونصها: بعد نقله حاصل كلام الروضة إلخ: ويوجه بأن رد القاذف والمدعي ظاهر، لانه نسبه فيهما إلى الفسق، وهذه النسبة تقتضي العدالة عرفا، وإن صدق ورد المقذوف والمدعى عليه كذلك، لان نسبته للزنا أو القطع تورث عنده عداوة له تقتضي أنه ينتقم منه بشهادة باطلة عليه،

على الآخر. نعم يتردد النظر فيمن اغتاب آخر بمفسق يجوز له غيبته به وإن أثبت السبب المجوز لذلك. فرع: تقبل شهادة كل مبتدع لا نكفره ببدعته وإن سب الصحابة رضوان الله عليهم كما في الروضة ـــــــــــــــــــــــــــــ وحينئذ يؤخذ من ذلك أن كل من نسب آخر إلخ. اه. فقوله: وحينئذ يؤخذ من ذلك: أي من توجيه عدم قبول الشهادة في صورة القذف، وصورة قطع الطريق، بحصول العداوة بينهما بسبب ذلك. (قوله: اقتضى وقوع عداوة) الجملة في محل جر صفة لفسق، وذلك كشرب الخمر ونحوه. (قوله: نعم يتردد النظر) أي في قبول الشهادة من أحدهما على الآخر، وعدم قبولها. (قوله: فيمن اغتاب الخ) متعلق بيتردد، أو بالنظر. (قوله: يجوز له غيبته به) يصح قراءة يجوز - بفتح الياء وبضم الجيم المخففة وسكون الواو - وغيبته بعده فاعله، ويصح قراءته بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة - وغيبته مفعوله، والفاعل ضمير يعود على مفسق، وعلى كل الجملة صفة لمفسق: أي مفسق موصوف بكونه يجوز لمن اغتاب غيبته به. (قوله: وإن أثبت إلخ) غاية في تردد النظر. (وقوله: السبب المجوز لذلك) أي للغيبة، وذلك السبب كالتجاهر به أو كظلمه له. واعلم: أن المؤلف اقتصر في النقل من عبارة شيخه على تردد النظر فيما ذكر، ولم يذكر ما انحط رأيه عليه، فكان عليه أن يذكره لانه من تتميم عبارته، ونصها بعد قوله وإن أثبت السبب المجوز لذلك: وقضية ما تقرر في الدعوى بالقطع - أي قطع الطريق - من أنه لا تقبل شهادة أحدهما على الآخر، وإن أثبت المدعي دعواه انه هنا كذلك، وعليه فيفرق بين مسألة القطع ومسألة الغيبة، بأن المعنى المجوز للغيبة، وهو أن المغتاب هتك عرضه بظلمه للمغتاب، فجوز له الشارع الانتقام منه بالغيبة غير المعنى المقتضي للرد، وهو أن ذلك الامر يحمل على الانتقام بشهادة باطلة، وذلك جائز وقوعه من كل منهما، فلم تقبل شهادة أحدهما على الآخر. اه. ببعض تصرف. (قوله: فرع تقبل شهادة الخ) عبارة الروض وشرحه. فرع: تقبل شهادة أهل البدع كمنكري صفات الله، وخلقه أفعال عباده، وجواز رؤيته يوم القيامة، لاعتقادهم أنهم مصيبون في ذلك لما قام عندهم، إلا الخطابية وهم أصحاب الخطاب الاسدي الكوفي كان يقول بإلهية جعفر الصادق ثم ادعى الالهية لنفسه، فلا تقبل شهادتهم لمثلهم وإن علمنا أنهم لا يستحلون دماءنا وأموالنا لتجويزهم الشهادة لمن صدقوه في دعواه، أي لانهم يرون جواز شهادة أحدهم لصاحبه إذا سمعه يقول: لي على فلان كذا، فيصدقه بيمين أو غيرها، ويشهد له اعتمادا على أنه لا يكذب، إذ الكذب عندهم كفر، وإلا منكري العلم لله تعالى بالمعدوم والجزئيات، ومنكري حدوث العالم، والبعث والحشر للاجسام، فلا تقبل شهادتهم لكفرهم لانكارهم ما علم مجئ الرسول به ضرورة، لا من قال بخلق القرآن أو نفي الرؤية، وما ورد من كفرهم مؤول بكفران النعمة، لا الخروج عن الملة، بدليل أنهم لم يحلقوهم بالكفار في الارث والانكحة ووجوب قتلهم وقتالهم وغيرها. فلو قال الخطابي في شهادته رأيت أو سمعت، قبلت شهادته له لتصريحه بالمعاينة، وتقبل شهادة من يسب الصحابة والسلف، لانه يقوله اعتقادا لا عداوة وعنادا، فلا نكفر متأولا بما له وجه محتمل. نعم، قاذف عائشة رضي الله عنها كافر، فلا تقبل شهادته لانه كذب الله تعالى في أنها محصنة قال الله تعالى: * (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات) * الآية. وقذف سائر المحصنات يوجب رد الشهادة فقذفها أولى. اه. بالحرف. (قوله: لا نكفره ببدعته) خرج من نكفره ببدعته كمنكري حدوث العالم والبعث والحشر، فلا تقبل شهادته كما مر. (قوله: وإن سب الصحابة) غاية في قبول الشهادة من المبتدع أي تقبل الشهادة من المبتدع وإن كان يسب الصحابة.

_ (1) سورة النور، الاية: 23.

وادعى السبكي والاذرعي أنه غلط. (و) ترد (من مبادر) بشهادته قبل أن يسألها بعد الدعوى لانه متهم نعم لو أعادها في المجلس ولو بعد الاستشهاد قبلت (إلا) في شهادة حسبة وهي ما قصد بها وجه الله فتقبل قبل الاستشهاد ولو بلا دعوى (في حق مؤكد لله) تعالى وهو ما لا يتأثر برضا الآدمي (كطلاق) رجعي أو بائن (وعتق) واستيلاد ونسب وعفو عن قود وبقاء عدة وانقضائها وبلوغ وإسلام وكفر ووصية ووقف لنحو جهة عامة وحق ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة المغني. تنبيه: قضية إطلاقه أنه لا فرق بين سب الصحابة رضي الله عنهم وغيره، وهو المرجح في زيادة الروضة، قال بخلاف من قذف عائشة رضي الله عنها فإنه كافر، أي لانه كذب الله تعالى، وقال السبكي في الحلبيات في تكفير من سب الشيخين وجهان لاصحابنا، فإن لم نكفره فهو فاسق لا تقبل شهادته، ومن سب بقية الصحابة فهو فاسق مردود الشهادة، ولا يغلط فيقال شهادته مقبوله. اه. فجعل ما رجحه في الروضة غلطا. قال الأذرعي: وهو كما قال، ونقل عن جمع التصريح به، وأن الماوردي قال: من سب الصحابة، أو لعنهم، أو كفرهم، فهو فاسق مردود الشهادة. اه. وقوله: وهو المرجح في زيادة الروضة جزم به في التحفة والنهاية. (قوله: وادعى السبكي والاذرعي) عبارة التحفة وإن ادعى بزيادة إن الغائية. (وقوله: أنه غلط) أي أن قبول الشهادة ممن يسب الصحابة غلط. (قوله: وترد) أي الشهادة من مبادر بشهادته. (قوله: قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول. أي قبل أن يطلب منه أداؤها. (قوله: ولو بعد الدعوى) غاية في الرد: أي ترد منه مطلقا، سواء بادر بها قبل الدعوى أم بعدها. قال في المغني: وترد قبل الدعوى جزما وكذا بعدها، وقبل أن يستشهد، على الاصح للتهمة، ولخبر الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ قوم يشهدون ولا يستشهدون. فإن ذلك في مقام الذم لهم. وأما خبر مسلم: ألا أخبركم بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها فمحمول على ما تسمع فيه شهادة الحسبة. اه. (قوله: لأنه) أي المبادر بالشهادة منهم. اه. قوله: نعم لو أعادها) أي الشهادة، وهذا إستثناء من رد شهادة المبادر، فكأنه قال: ترد إلا إن أعادها. (وقوله: في المجلس) أي الذي شهد فيه أولا مبادرة، وانظر هل هو قيد أو لا؟ (وقوله: بعد الاستشهاد) أي بعد طلب الشهادة منه. (قوله: قبلت) أي الشهادة المعادة وهو جواب لو. (قوله: إلا في شهادة حسبة) استثناء من عدم صحة شهادة المبادر والحسبة مأخوذة من الاحتساب، وهو طلب الاجر كما مر. (قوله: وهي) أي شهادة الحسبة. (قوله: فتقبل) أي شهادة الحسبة. (قوله: قبل الاستشهاد) أي قبل طلب أداء الشهادة منه. (قوله: ولو بلا دعوى) أي تقبل ولو من غير سبق دعوى. قال الرشيدي: وقضية الغاية أنها قد تقع بعد الدعوى وتكون شهادة حسبه. وليس كذلك فقد صرح الأذرعي وغيره أنها بعد الدعوى لا تكون حسبة. اه. (قوله: في حق مؤكد لله) متعلق بقول الشارح فتقبل إلخ. وعبارة المنهاج: وتقبل شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى وفيما له فيه حق مؤكد. اه. ومثلها عبارة المنهج والمراد بالاول. أعني حقوق الله تعالى ما كان متمحضا لله تعالى كالصلاة والصوم والحدود، وبالثاني أعني ما له فيه حق مؤكد، ما كان فيه حق لآدمي وحق لله، لكن المغلب الثاني كالطلاق رجعيا كان أو بائنا، لأن المغلب فيه حق الله. وكالعتق والاستيلاد والوصية والوقف لجهة عامة ونحو ذلك، فلعل في عبارته سقطا، أو يقال أن المراد بالحق المؤكد ما يشمل المتمحض لله وغيره. (قوله: وهو ما لا يتأثر إلخ) أي أن الحق المؤكد لله هو ما لا يتأثر برضا الآدمي: أي لا يتغير ولا يرتفع برضاه، مثلا لو اتفق الزوجان وتراضيا على إرتفاع الطلاق، فإنه لا يرتفع ولا أثر لرضاهما. (قوله: كطلاق) تمثيل للحق المؤكد لله. (وقوله: رجعي) صفة لطلاق. (وقوله: أو بائن) أي ولو خلعا. لكن بالنسبة للفراق دون المال، بأن يشهد بذلك ليمنع من مخالفة ما يترتب عليه. (قوله: وعتق وإستيلاد) عبارة الروض وشرحه. وكالعتق والاستيلاد لا في عقدي التدبير والكتابة، وفارقهما الاستيلاد بأنه يفضي إلى العتق لا محالة بخلافهما، ولا في شراء القريب الذي يعتق به وإن تضمن العتق، لكون الشهادة على الملك. والعتق تبع وليس كالخلع، لان المال فيه تابع، وفي الشراء مقصود فإثباته دون المال محال. اه. (قوله: ونسب) إنما كان حقا مؤكدا لله، لان الله

لمسجد وترك صلاة وصوم وزكاة بأن يشهد بتركها وتحريم رضاع ومصاهرة. تنبيه: إنما تسمع شهادة الحسبة عند الحاجة إليها فلو شهد إثنان أن فلانا أعتق عبده أو أنه أخو فلانة من الرضاع لم يكف حتى يقولا أنه يسترقه أو أنه يريد نكاحها. وخرج بقولي في حق لله تعالى حق الآدمي كقود وحد قذف وبيع فلا تقبل فيه شهادة الحسبة وتقبل في حد الزنا وقطع الطريق والسرقة (وتقبل) الشهادة (من فاسق بعد توبة) حاصلة قبل الغرغرة وطلوع الشمس من مغربها (وهي ندم) على معصية من حيث أنها معصية لا ـــــــــــــــــــــــــــــ أكد الانساب ومنع قطعها. (قوله: وعفو عن قود) إنما كان حقا لله أيضا لان فيه إحياء نفس، وهو حق لله. (قوله: وبقاء عدة) إنما كان حقا لله أيضا لانه يترتب على الشهادة به صيانة الفرج عن استباحته، وتمتع الازواج به، وهي حق لله تعالى. (قوله: وانقضائها) أي العدة، أي فيما إذا طلقها زوجها طلاقا رجعيا أراد أن يراجعها، فشهدوا بانقضاء العدة. وإنما كان حقا لله لما يترتب على الشهادة من صيانة الفرج من تمتع زوجها به من غير طريق شرعي. (قوله: لنحو جهة عامة) متعلق بكل من الوصية والوقف: وعبارة الروض وشرحه: وفي الوصية والوقف إذا عمت جهتهما ولو أخرت الجهة العامة، فيدخل نحو ما أفتى به البغوي من أنه لو وقف دارا على أولاده ثم على الفقراء فاستولى عليها ورثته وتملكوها فشهد شاهدان حسبة قبل انقراض أولاده بوقفيتها، قبلت شهادتهما. لان آخره وقف على الفقراء، لا إن خص جهتهما فلا تقبل فيهما لتعلقهما بحظوظ خاصة. اه. (قوله: وحق لمسجد) أي وحق مستحق للمسجد بوصية أو وقف، فإذا شهد إثنان بأن هذا الدار وقف على المسجد، قبلت شهادتهما. (قوله: إنما تسمع شهادة الحسبة إلخ) قال في المغني: وكيفية شهادة الحسبة أن الشهود يجيئون إلى القاضي ويقولون، نحن نشهد على فلان بكذا فأحضره لنشهد عليه، فإن ابتدأوا قالوا فلان زنى فهم قذفة. اه. (قوله: عند الحاجة إليها) أي إلى شهادة الحسبة. (قوله: فلو شهد الخ) تفريع على مفهوم قوله: عند الحاجة إليها. (قوله: لم يكف) أي قولهما المذكور في شهادة الحسبة. (وقوله: حتى يقولا الخ) غاية لعدم الاكتفاء: أي لا يكفي ذلك حتى يقولا إن فلانا الذي أعتق عبده يسترقه، أو أن فلانا أخو فلانة من الرضاع يريد التزوج بها، فإذا قال ذلك اكتفي به في شهادة السحبة لوجود الحاجة، وهي الاسترقاق أو التزوج. (قوله: وخرج بقولي في حق الله تعالى) هذا مما يؤيد أن في العبارة سقطا. (قوله: حق الآدمي) أي المتحمض له. (قوله: فلا تقبل فيه شهادة الحسبة) قال في المغني: لكن إذا لم يعلم صاحب الحق به أعلمه الشاهد به ليستشهده به بعد الدعوى. اه. (قوله: وتقبل في حد الزنا إلخ) أي لانها محض حق لله تعالى، وكان الأولى أن يذكره بعد قوله كطلاق الخ ويسبكه به. (قوله: وتقبل الشهادة من فاسق بعد توبة) أي في غير الشهادة المعادة، أما هي بأن شهد وهو فاسق فردت شهادته ثم تاب وأعادها فإنها لا تقبل هذه المعادة منه. (قوله: حاصلة) أي التوبة. (وقوله: قبل الغرغرة) أي معاينة سكرات الموت، أما بعدها فلا تقبل، وذلك لأن من وصل إلى تلك الحالة أيس من الحياة فتوبته إنما هي لعلمه باستحالة عوده إلى ما فعل. (قوله: وطلوع الشمس الخ) معطوف على الغرغرة: أي وقبل طلوعها من مغربها، أما بعده فلا تقبل توبته: ونقل عن ابن العربي في شرح المصابيح أنه قال: اختلف أهل السنة في أن عدم قبول توبة المذنب وإنما الكافر هل هو عام حتى لا يقبل إيمان أحد ولا توبته بعد طلوع الشمس من مغربها إلى يوم القيامة، أو هو مختص بمن شاهد طلوعها من المغرب وهو مميز، فأما من يولد بعد طلوعها من المغرب أو ولد قبله ولم يكن مميزا فصار مميزا ولم يشاهد الطلوع، فيقبل إيمانه وتوبته، وهذا هو الأصح فليراجع. اه. بجيرمي. وفي الروض وشرحه: تجب التوبة من المعصية على الفور بالاتفاق، وتصح من ذنب دون ذنب، وإن تكررت توبته وتكرر منه العود إلى الذنب، ولا تبطل توبته به، بل هو مطالب بالذنب الثاني دون الأول، وإن كانت توبته من القتل الموجب للقود صحت توبته في حق الله تعالى قبل تسليمه نفسه ليقتص منه، ومنعه القصاص حينئذ عن مستحقه معصية جديدة لا تقدح في التوبة بل تقتضي توبته منه، ولا يجب عليه تجديد التوبة كلما ذكر الذنب، وقيل يجب لان تركه حينئذ استهانة بالذنب الاول يمنع ذلك، وسقوط الذنب بالتوبة مظنون لا مقطوع به، وسقوطه

لخوف عقاب ولو اطلع عليه أو لغرامة مال (ب) - شرط (إقلاع) عنها حالا إن كان متلبسا أو مصرا على معاودتها. ومن الاقلاع رد المغصوب (وعزم أن لا يعود) إليها ما عاش (وخروج عن ظلامة آدمي) من مال أو غيره فيؤدي الزكاة لمستحقيها ويرد المغصوب إن بقي وبدله إن تلف لمستحقه ويمكن مستحق القود وحد القذف من الاستيفاء أو يبرئه منه المستحق للخبر الصحيح: من كانت لاخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحله ـــــــــــــــــــــــــــــ بالاسلام مع الندم مقطوع به وثابت بالاجماع، وإنما كان توبة الكافر مقطوعا بها لان الايمان لا يجامع الكفر، والمعصية قد تجامع التوبة. اه. ببعض. تصرف. واعلم: أنه ورد في فضائل التوبة من الآيات والأحاديث شئ كثير، فمن ذلك قوله تعالى: * (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) *. وقوله تعالى: * (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفورا رحيما) *. وقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم، وقال عليه السلام: إن من قبل المغرب لبابا مسيرة عرضه أربعون عاما - أو سبعون سنة - فتحه الله عزوجل للتوبة يوم خلق السموات والأرض، فلا يغلقه حتى تطلع الشمس منه. رواه الترمذي وصححه. اللهم اجعلنا من التائبين يا كريم. (قوله: وهي) أي التوبة ندم، وعبارته تقتضي أنها هي الندم بالشروط الآتية، وهو الموافق لحديث: التوبة الندم. (وقوله: من حيث أنها معصية) عبارة الزواجر: وإنما يعتد به: أي بالندم إن كان على ما فاته من رعاية حق الله تعالى ووقوعه في الذنب حياء من الله تعالى وأسفا على عدم رعاية حقه، فلو ندم لحظ دنيوي كعار، أو ضياع مال، أو تعب بدن، أو لكون مقتوله ولده، لم يعتبر كما ذكره أصحابنا الاصوليون، وكلام أصحابنا الفقهاء ناطق بذلك، وإنما لم يصرحوا به لان التوبة عبادة، وهي لا تكون إلا لله تعالى، فلا يعتد بها إن كان لغرض آخر، وإن قيل من خصائص التوبة أنه لا سبيل للشيطان عليها لانها باطنة فلا تحتاج إلى الاخلاص لتكون مقبولة، ولا يدخلها العجب والرياء، ولا مطمع للخصماء فيها. اه. (قوله: لا لخوف عقاب إلخ) أي أن كان الندم من حيث خوف عقاب لو اطلع عليه، أو كان من حيث غرامة مال عليه، فإنه لا يعتبر فيهما ولا يعد تائبا. (قوله: بشرط إقلاع عنها) أي عن المعصية. (وقوله: حالا) أي بأن يتركها من غير مهلة. (وقوله: إن كان متلبسا) أي بالمعصية. (وقوله: أو مصرا على معاودتها) الظاهر أن هذا يغني عنه قوله فيما سيأتي وعزم أن لا يعود، إذ بوجود هذا ينتفي الاصرار على معاودتها تأمل. (قوله: ومن الاقلاع رد المغصوب) لا حاجة إلى هذا لاندراجه في قوله. وخروج عن ظلامة آدمي الذي هو ثمرة الاقلاع، وسيصرح به هناك. (قوله: وعزم أن لا يعود إليها معطوف على إقلاع: أي وبشرط العزم على أن لا يعود إلى المعصية. قال في التحفة: ومحله إن تصور منه، وإلا كمجبوب تعذر زناه لم يشترط فيه العزم على عدم العود له بالاتفاق. اه. (قوله: وخروج عن ظلامة آدمي) معطوف على إقلاع أيضا: أي وبشرط خروج عن ظلامة آدمي. وعبارة التحفة في الدخول على هذا، ثم صرح بما يفهمه الاقلاع للاعتناء به فقال: ورد ظلامة آدمي، يعني الخروج منها بأي وجه قدر عليه، مالا كانت أو عرضا نحو قود وحد قذف إلى تعلقت به، سواء تمحضت له أم كان فيها مع ذلك حق مؤكد لله تعالى كزكاة، وكذا نحو كفارة وجبت فورا. اه. (قوله: من مال) بيان للظلامة. (وقوله: أو غيره) كالعرض. (قوله: فيؤدي إلخ) أي من عليه ظلامة وأراد التوبة، وهذا هو معنى الخروج عن الظلامة. (قوله: ويرد المغصوب إن بقي) أي إن كان باقيا بعينه. (قوله: وبدله) أي أو يرد بدله إن كان قد تلف. (وقوله: لمستحقه) متعلق بيرد. (قوله: ويمكن الخ) أي ويمكن التائب الذي عليه ظلامة مستحق القود وحد القذف من الاستيفاء، بأن يأتي إليه ويقول له أنا الذي قتلت أو قذفت ولزمني موجبهما، فإن شئت فاستوف وإن شئت فاعف. (قوله: أو يبرئه منه المستحق) الظاهر أنه معطوف على مقدر، أي فبعد التمكين يستوفيه منه

_ (1) سورة النور، الاية: 31. (2) سورة الفرقان، الاية: 70.

اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، فإن كان له عمل يؤخذ منه بقدر مظلمته وإلا أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه وشمل العمل الصوم كما صرح به حديث مسلم خلافا لمن استثناه، فإذا تعذر رد الظلامة على المالك أو وارثه سلمها لقاض ثقة، فإن تعذر صرفها فيما شاء من المصالح عند انقطاع خبره بنية الغرم له إذا وجده فإن أعسر عزم على الاداء إذا أيسر فإن مات قبله انقطع الطلب عنه في الآخرة إن لم يعص بالتزامه. فالمرجو من فضل الله الواسع تعويض المستحق. ويشترط أيضا في صحة التوبة عن إخراج صلاة أو صوم أو وقتهما ـــــــــــــــــــــــــــــ المستحق أو يبرئه منه، فهو مخير في ذلك. (قوله: للخبر الصحيح) دليل إشتراط الخروج عن ظلامة آدمي. وعبارة الزواجر: والاصل في توقف التوبة على الخروج من حق الآدمي عند الامكان قوله - صلى الله عليه وسلم -: من كان لاخيه إلخ، ثم قال كذا أورده، الزركشي عن مسلم. والذي في صحيحة كما مر: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار. رواه الترمذي ورواه البخاري بلفظ: من كانت عنده مظلمة فليستحلله منها، فإنه ليس هناك دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لاخيه من حسناته، فإن لم يكن حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه. ورواه الترمذي بمعناه. وقال في أوله: رحم الله عبدا كانت لاخيه مظلمة في عرض أو مال فجاء فاستحله. اه. (قوله: من كانت لاخيه عنده مظلمة) قال في القاموس: المظلمة - بكسر اللام - وكثمامة ما يظلمه الرجل. اه. وقوله: وكثمامة، أي وهو ظلامة. (قوله: في عرض) أي من عرض، ففي بمعنى من البيانية. (قوله: فليستحله اليوم) أي في الدنيا. (وقوله: قبل أن لا يكون دينار ولا درهم) أي ينفع، وهو يوم القيامة. (قوله: فإن كان له) أي لمن كانت عنده مظلمة. (وقوله: عمل) أي صالح. (قوله: يؤخذ منه) أي من عمله. (قوله: وإلا) أي وإن لم يكن له عمل: أي صالح. (قوله: أخذ من سيئات صاحبه) أي الذي له المظلمة. (قوله: فحمل عليه) أي طرح عليه قال في التحفة: ثم تحميله للسيئات يظهر من القواعد أنه لا يعاقب إلا على ما سببه معصية، أما من عليه دين لم يعص به وليس له من العمل ما يفي به، فإذا أخذ من سيئات الدائن وحمل على المدين لم يعاقب به. وعليه ففائدة تحميله له تخفيف ما على الدائن لا غير. اه. (قوله: وشمل العمل) أي في الحديث. (وقوله: الصوم) أي فيؤخذ ثوابه ويعطى للمظلوم. (قوله: خلافا لمن استثناه) عبارة التحفة. فمن استثناه فقد وهم. اه. (قوله: فإذا تعذر رد الظلامة على المالك أو وارثه) عبارة الروض وشرحه: فإن لم يكن مستحق، أو انقطع خبره، سلمها إلى قاض أمين، فإن تعذر تصدق به على الفقراء ونوى الغرم له إن وجده، أو يتركها عنده. قال الأسنوي: ولا يتعين التصدق بها بل هو مخير بين وجوه المصالح كلها، والمعسر ينوي الغرم إذا قدر، بل يلزمه التكسب لايفاء ما عليه إن عصى به لتصح توبته، فإن مات معسرا طولب في الآخرة إن عصى بالاستدانة كما تقتضيه ظواهر السنة الصحيحة، وإلا فالظاهر أنه لا مطالبة فيها إذ لا معصية منه، والرجاء في الله تعويض الخصم. اه. بحذف. (قوله: فإن تعذر) أي القاضي الثقة، أي الامين بأن لم يوجد أو وجد ولكنه غير ثقة. (قوله: صرفها) أي الظلامة. (قوله: فيما شاء) أي في الوجه الذي شاءه من هي تحت يده. (وقوله: من المصالح) بيان لما. (قوله: عند انقطاع خبره) الظاهر أن ضميره يعود على المستحق ولا حاجة إليه، إذ الكلام مفروض في أنه متعذر، وتعذره يكون بعدم وجوده، أو بانقطاع خبره. (قوله: بنية الغرم) متعلق بصرفها. (وقوله: له) أي للمستحق. (قوله: إذا وجده) أي المستحق. (قوله: فإن أعسر) أي فإن كان من عنده المظلمة معسرا. (قوله: عزم على الاداء) أي أداء الظلامة وإعطائها للمستحق لها. (وقوله: إذا أيسر) متعلق بالاداء. (قوله: فإن مات) أي المعسر. (وقوله: قبله) أي قبل الاداء. (قوله: إنقطع الطلب عنه في الآخرة) أي لا يطالبه بها مستحقها في الآخرة. (قوله: فالمرجو الخ) معطوف على جملة إنقطع، والاولى التعبير بالواو، أي انقطع عنه الطلب، والذي يرجى من فضل الله أن يعوض المستحق في حقه. (قوله: ويشترط أيضا) أي كما اشترط ما مر لصحة التوبة. (وقوله: عن إخراج صلاة أو صوم عن وقتهما) أي بأن ترك الصلاة في وقتها، أو

قضاوهما وإن كثر وعن القذف أن يقول القاذف قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه وعن الغيبة أن يستحلها من المغتاب إن بلغته ولم يتعذر بموت أو غيبة طويلة وإلا كفى الندم والاستغفار له كالحاسد واشترط جمع متقدمون أنه لا بد في التوبة من كل معصية من الاستغفار أيضا واعتمده البلقيني. وقال بعضهم يتوقف في التوبة في الزنا على استحلال زوج المزني بها إن لم يخف فتنة، وإلا فليتضرع إلى الله تعالى في إرضائه عنه. وجعل بعضهم ـــــــــــــــــــــــــــــ الصوم في وقته. (وقوله: قضاؤهما) أي الصلاة والصوم. وعبارة الزواجر: الحادي عشر: أي من شروط التوبة التدارك فيما إذا كانت المعصية بترك عبادة، ففي ترك نحو الصلاة والصوم تتوقف صحة توبته على قضائها لوجوبها عليه فورا، وفسقه بتركه كما مر، فإن لم يعرف مقدار ما عليه من الصلوات مثلا. قال الغزالي: تحرى وقضى ما تحقق أنه تركه من حين بلوغه. اه (قوله: وان كثر) أي القضاء عما فاته، فيشترط لصحة التوبة فعل جميع ما عليه من الصلوات أو الصيام. (قوله: وعن القذف) معطوف على عن إخراج الخ. أي ويشترط أيضا في صحة التوبة عن القذف الخ. (وقوله: أن يقول القاذف إلخ) وفي البجيرمي ما نصه: وانظر هذا القول يكون في أي زمن يقال لمن. شوبري انتهى. وفي الزواجر: أنه يقوله بين يدي المستحل منه كالمقذوف. انتهى. قال سم: ولو علم أنه لو أعلم مستحق القذف ترتب على ذلك فتنة، فالوجه أنه لا يجب عليه إعلامه، ويكفيه الندم، والعزم على عدم العود، والاقلاع. اه. (قوله: قذفي باطل) قيل المراد بهذا أن القذف من حيث هو باطل، لا خصوص قوله: إذ قد يكون صادقا، ولذا رد الجمهور على الاصطخري إشتراطه أن يقول كذبت فيما قذفته. انتهى. (قوله: وعن الغيبة الخ) معطوف أيضا على عن إخراج الخ: أي ويشترط في صحة التوبة أن يستحلها الخ. وعبارة الزواجر: ولو بلغت الغيبة المغتاب، أو قلنا أنها كالقود والقذف لا تتوقف على بلوغ، فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه، فإن تعذر لموته أو تعذر لغيبته الشاسعة استغفر الله تعالى، ولا اعتبار بتحليل الورثة. ذكره الحناطي وغيره. وأقرهم في الروضة. قال فيها: وأفتى الحناطي بأن الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب كفاه الندم والاستغفار له. وجزم به الصباغ حيث قال: إنما يحتاج لاستحلال المغتاب إذا علم لما داخله من الضرر والغم، بخلاف ما إذا لم يعلم فلا فائدة في إعلامه لتأذيه، فليتب فإذا تاب أغناه عن ذلك. نعم: هن كان تنقصه عند قوم رجع إليهم وأعلمهم أن ذلك لم يكن حقيقة. اه. (قوله: ولم يتعذر) أي الاستحلال. (وقوله: بموت) أي للمغتاب (وقوله: أو غيبة طويلة) أي له أيضا. (قوله: وإلا) أي بأن لم تبلغه أو تعذر الاستحلال منه، كفى الندم. (قوله: والاستغفار له) أي للمغتاب. وعبارة غيره كالروض وشرحه: ويستغفر الله تعالى من الغيبة. اه. ويمكن الجمع بأن يقال يستغفر لنفسه من المعصية الصادرة منه وهي الغيبة، ويستغفر للمغتاب في مقابلة غيبته له، وذلك بأن يقول: اللهم اغفر لنا وله، ثم رأيته مصرحا به في فتح الجواد. وعبارته: فإن تعذر أو تعسر لغيبته البعيدة، إستغفر له ولنفسه مع ندمه. ويظهر أن الاستغفار له هنا شرط ليكون في مقابلة تأذيه ببلوغ الخبر له. اه. قال سم: فإن استغفر الله ثم بلغته فهل يكفي الاستغفار أم لا؟ والاوجه أنه يكفي. اه. (قوله: كالحاسد) أي فإنه يكفي فيه الندم والاستغفار للمحسود، هذا ما يقتضيه صنيعه، وعبارة التحفة والنهاية: وكذا يكفي الندم والاقلاع عن الحسد. اه. وعبارة الروض وشرحه: ويستغفر الله من الحسد، وهو أن يتمنى زوال نعمة غيره، ويسر ببليته. وعبارة الاصل: والحسد كالغيبة وهي أفيد، ولا يخبر صاحبه: أي لا يلزمه إخبار المحسود. قال في الروضة: بل لا يسن، ولو قيل يكره لم يبعد. اه. وقوله: وهي أفيد. قال سم: وكأن وجه الافيدية أنها تفيد أيضا أنه إذا علم المحسود لا بد من إستحلاله. اه. (قوله: واشترط جمع متقدمون إنه) أي الحال والشأن. (وقوله: لا بد في التوبة من كل معصية من الاستغفار) أي لنفسه. (وقوله: أيضا) أي كما اشترط ما مر في صحة التوبة. (قوله: وقال بعضهم يتوقف في التوبة الخ) أي يحتاج في صحة التوبة من الزنا على استحلال زوج المزني بها إن لم يخف فتنة. (وقوله: وإلا) أي بأن خيف فتنة. (وقوله: فليتضرع إلخ) أي فلا يتوقف على الاستحلال، بل يكفي التضرع إلى الله تعالى في إرضاء الخصم عنه. (قوله: وجعل بعضهم إلخ) قال في الزواجر، بعد كلام: وقضية ما ذكره - أي الغزالي - من إشتراط الاستحلال في الحرم الشامل للزوجة والمحارم كما صرحوا به، أن الزنا واللواط فيهما حق

الزنا مما ليس فيه حق آدمي فلا يحتاج فيه إلى الاستحلال والاوجه الاول. ويسن للزاني - ككل مرتكب معصية - الستر على نفسه بأن لا يظهرها ليحد أو يعزر لا أن يتحدث بها تفكها أو مجاهرة فإن هذا حرام قطعا، وكذا يسن لمن أقر بشئ من ذلك الرجوع عن إقراره به قال شيخنا: من مات وله دين لم يستوفه ورثته يكون هو ـــــــــــــــــــــــــــــ للآدمي، فتتوقف التوبة منهما على إستحلال أقارب المزني بها، أو الملوط به، وعلى إستحلال زوج المزني بها. هذا إن لم يخف فتنة، وإلا فليتضرع إلى الله تعالى في إرضائهم عنه. ويوجه ذلك بأنه لا شك أن في الزنا واللواط إلحاق عار، أي عار بالاقارب، وتلطيخ فراش الزوج، فوجب إستحلالهم حيث لا عذر. فإن قلت: ينافي ذلك جعل بعضهم من الذنوب التي لا يتعلق بها حق آدمي وطئ الاجنبية فيما دون الفرج وتقبيلها من الصغائر، والزنا وشرب الخمر من الكبائر، وهذا صريح في أن الزنا ليس فيه حق آدمي فلا يحتاج فيه إلى الاستحلال. قلت: هذا لا يقاوم به كلام الغزالي، لا سيما وقد قال الاذرعي عنه إنه في غاية الحسن والتحقيق، فالعبرة بما دل عليه دون غيره. اه. (قوله: فلا يحتاج) أي الزنا وهو تفريع على أنه ليس فيه حق آدمي. (وقوله: إلى الاستحلال) أي استحلال زوج المزني بها. (قوله: والاوجه الاول) أي ما قاله بعضهم من أنه يتوقف في التوبة من الزنا على الاستحلال. (قوله: ويسن للزاني إلخ) أي لقوله عليه السلام: من ابتلي منكم بشئ من هذه القاذورات، فليستتر بستر الله تعالى. (قوله: الستر على نفسه) نائب فاعل يسن. (قوله: بأن لا يظهرها) أي المعصية، وهو تصوير للستر المسنون. (قوله: ليحد أو يعزر) علة الاظهار المنفي، فهو إذا أظهرها يحد أو يعزر، ويكون خلاف السنة. وإذا لم يظهرها لا يحد ولا يعزر، ويكون مسنونا. (قوله: لا إن يتحدث بها) معطوف على أن لا يظهرها. والمعنى عليه: يصور الستر بعدم إظهارها، ولا يصور بالتحدث بالمعصية الخ، وهذا أمر معلوم فلا فائدة في نفيه. وعبارة التحفة: لا أن لا يتحدث بها، بزيادة لا النافية بعد أن، وهي ظاهرة، وذلك لان معناها أن الستر المسنون لا يصور بعدم التحدث بها تفكها أو مجاهرة، إذ يفيد حينئذ أن عدم التحدث بها سنة، وأن التحدث خلاف السنة فقط، مع أنه حرام قطعا. إذا علمت ذلك فلعل في العبارة إسقاط لفظ لا من النساخ. تأمل. (وقوله: تفكها) أي استلذاذا بالمعصية. (وقوله: أو مجاهرة) أي أو لأجل التجاهر بها. (قوله: فإن هذا) أي التحدث بالمعصية تفكها أو مجاهرة، حرام قطعا. وخرج بالتحدث لذلك التحدث لا لذلك، بل ليستوفى منه الحد الذي أوجبته المعصية، فهو ليس بحرام، بلا خلاف السنة فقط كما علمت. (قوله: وكذا يسن لمن أقر بشئ من ذلك) أي من المعاصي. (وقوله: الرجوع عن إقراره به) قال في التحفة: ولا يخالف هذا قولهم يسن لمن ظهر عليه حد - أي لله - أن يأتي الامام ليقيمه عليه لفوات الستر، لان المراد بالظهور هنا أن يطلع على زناه مثلا من لا يثبت الزنا بشهادته، فيسن له ذلك، أما حد الآدمي، أو القود له، أو تعزيره، فيجب الاقرار به ليستوفى منه. ويسن لشاهد الاول الستر ما لم ير المصلحة في الاظهار، ومحله إن لم يتعلق بالترك إيجاب حد على الغير، وإلا كثلاثة شهدوا بالزنا لزم الرابع الاداء، وأثم بتركه. وليس استيفاء نحو القود مزيلا للمعصية، بل لا بد معه من التوبة. اه. (وقوله: لأن المراد بالظهور هنا) أي في قوله: يسن لمن ظهر عليه الخ. قال سم: فقال في شرح الروض: قال ابن الرفعة: والمراد به - أي بالظهور - الشهادة. قال: وألحق به إبن الصباغ ما إذا اشتهر بين الناس. اه. (قوله: قال شيخنا الخ) عبارته في الزواجر. وفي الجواهر: لو مات المستحق واستحقه وارث بعد وارث، فمن يستحقه في الآخرة. أربعة أوجه: الاول آخر الورثة، ورابعها إن طالبه صاحبه به فجحده به وحلف فهو له، وإلا انتقل إلى ورثته. وادعى القاضي أنه لو حلف عليه يكون للاول. وقال النسائي: لو استحق الوفاء وارث بعد وارث، فإن كان المستحق ادعاه وحلف. قال في الكفاية: فالطلب في الآخرة لصاحب الحق بلا خلاف، أو لم يحلف فوجوه، في الكفاية أصحها ما نسبه الرافعي للحناطي كذلك، والثاني للكل، والثالث للاخير ولمن فوقه ثواب المنع. قال الرافعي: وإذا دفع لآخر الورثة خرج عن مظلمة الكل، إلا فيما سوف وماطل. اه. ملخصا. وقوله: ثواب المنع: أي من وفاء ما يستحقه. (قوله: وله) أي لمن مات. (وقوله: دين) أي على غيره.

المطالب في الآخرة على الاصح (و) بعد (استبراء سنة) من حين توبة فاسق ظهر فسقه لانها قلبية وهو متهم لقبول شهادتهم وعود ولايته فاعتبر ذلك لتقوي دعواه، وإنما قدرها الاكثرون بسنة لان الفصول الاربعة في تهييج النفوس بشواتها أثرا بينا فإذا مضت وهو على حاله أشعر بذلك بحسن سريرته، وكذا لا بد في التوبة من خارم المروءة الاستبراء كما ذكره الاصحاب. فروع: لا يقدح في الشهادة جهله بفروض نحو الصلاة والوضوء اللذين يوءديهما ولا توقفه في المشهود به ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله: لم يستوفه) أي لم يستوف ذلك الميت الدين ممن هو عليه. (قوله: يكون هو) أي من مات لا ورثته. (وقوله: المطالب به) - بكسر اللام - اسم فاعل. (وقوله: على الأصح) مقابله يعلم من العبارة المارة. (قوله: وبعد استبراء سنة) معطوف على قوله بعد توبة: أي تقبل الشهادة من فاسق بعد توبة وبعد استبراء سنة. قال في المغني: واستثني من اشتراط ذلك صور منها: مخفي الفسق إذا تاب وأقر وسلم نفسه للحد، لانه لم يظهر التوبة عما كان مستورا عليه إلا عن صلاح. قاله الماوردي، والروياني. ومنها ما لو عصى الولي بالعضل ثم تاب زوج في الحال، ولا يحتاج إلى استبراء كما حكاه الرافعي عن البغوي، ومنها شاهد الزنا إذا وجب عليه الحد لعدم تمام العدد، فإنه لا يحتاج بعد التوبة إلى استبراء، بل تقبل شهادته في الحال على المذهب في أصل الروضة، ومنها ناظر الوقف بشرط الواقف، إذا فسق ثم تاب، عادت ولايته من غير إستبراء. اه. (قوله: من حين الخ) من إبتدائية متعلقة بمحذوف صفة لسنة: أي بسنة مبتدأة، من حين توبة فاسق. (وقوله: ظهر فسقه) قيد في كون قبول التوبة يكون بعد إستبراء سنة. وخرج به ما إذا خفي فسقه وأقر به ليقام عليه الحد، فتقبل شهادته عقب توبته كما مر آنفا. (قوله: لأنها) أي التوبة قلبية، وهو علة لاشتراط الاستبراء. (قوله: وهو متهم إلخ) من تتمة العلة. أي والفاسق الذي ظهر فسقه متهم: أي في إظهار توبته. (وقوله: لقبول الخ) هذا سبب التهمة: أي وإنما كان متهما في إظهارها، لانه يقال: ربما أنه إنما أظهرها لاجل أن تقبل شهادته وتعود ولايته. وعبارة التحفة: وهو متهم بإظهارها لترويج شهادته وعود ولايته، فاعتبر ذلك لتقوى دعواه. اه. وقال عميرة: وجه ذلك - أي إشتراط الاستبراء - التحذير من أن يتخذ الفساق مجرد التوبة ذريعة إلى ترويج أقوالهم. اه. (قوله: فاعتبر ذلك أي الاستبراء بسنة. (وقوله: لتقوي دعواه) أي للتوبة. (قوله: وإنما قدرها) أي مدة الاستبراء. (وقوله: سنة) الاصح أنها تقريبية لا تحديدية، فيغتفر مثل خمسة أيام لا ما زاد عليها. اه. بجيرمي. (قوله: لان للفصول الاربعة) هي الشتاء والربيع والصيف والخريف. (قوله: في تهييج النفوس) أي تحريكها واشتياقها، وهو متعلق بقوله بعد أثرا بينا. (قوله: بشهواتها) الباء بمعنى اللام متعلقة بتهييج: أي تهييج النفوس لشهواتها. وعبارة شرح الروض: لان لمضيها - أي السنة المشتملة على الفصول الاربعة - أثرا في تهييج النفوس لما تشتهيه، فإذا مضت على السلامة أشعر ذلك بحسن السريرة. اه. والمراد أن لكل فصل من الفصول الاربعة تأثيرا في تحريك النفس لما تشتهيه وتعتاده، فإن لم تتحرك نفسه لذلك فيها حتى مضت دل على حسن توبته وارتفعت التهمة عنه. (قوله: فإذا مضت) أي الفصول الاربعة. (قوله: وهو على حاله) أي وهو باق على حاله بعد التوبة. (قوله: أشعر ذلك) أي مضي الفصول وهو باق على حاله. (قوله: وكذا لا بد في التوبة الخ) عبارة المغني تنبيه إقتصار المصنف كالرافعي على الفسق يقتضي أنه إذا تاب عما يخرم المروءة لا يحتاج إلى استبراء، وليس مرادا، فقد صرح صاحب التنبيه بأنه يحتاج إلى الاستبراء. قال البلقيني: وله وجه فإن خارم المروءة صار باعتياده سجية له فلا بد من إختبار حاله. وذكر في المطلب: أنه يحتاج إلى الاستبراء في التوبة من العداوة، سواء كانت قذفا أم لا، كالغيبة والنميمة وشهادة الزور. اه. (وقوله: من خارم المروءة) متعلق بالتوبة. (وقوله: الاستبراء) لعل لفظ من سقط من النساخ: أي لا بد من الاستبراء. (قوله: فروع) أي ثلاثة. الأول: قوله لا يقدح في الشهادة الخ، والثاني: قوله ولا توقفه الخ، والثالث: قوله ولا قوله الخ، وعدها في التحفة فرعا واحدا. (قوله: لا يقدح في الشهادة) أي لا يؤثر فيها. (وقوله: جهله) أي الشاهد.

إن عاد وجزم به فيعيد الشهادة ولا قوله لا شهادة لي في هذا إن قال نسيت أو أمكن حدوث المشهود به بعد قوله وقد اشتهرت ديانته ولا يلزم القاضي استفساره إن اشتهر ضبطه وديانته بل يسن كتفرقة الشهود وإلا لزم الاستفسار (وشرط لشهادة بفعل كزنا) وغصب ورضاع وولادة (إبصار) له مع فاعله فلا يكفي فيه السماع من الغير، ويجوز تعمد نظر فرج الزانيين لتحمل شهادة، وكذا امرأة تلد لاجلها (و) لشهادة (بقول كعقد) وفسخ وإقرار (هو) أي ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله: بفروض نحو الصلاة والوضوء اللذين يؤديهما) أي ولم يقصر في العلم - كما في النهاية - فإن قصر فيه لم تقبل شهادته، لان تركه من الكبائر كما في التحفة. ونصها: وينبغي أن يكون من الكبائر ترك تعلم ما يتوقف عليه صحة ما هو فرض عبين عليه، لكن من المسائل الظاهرة لا الخفية. نعم: مر أنه لو اعتقد أن كل أفعال نحو الصلاة أو الوضوء فرض أو بعضها فرض، ولم يقصد بفرض معين النفلية صح وحينئذ فهل ترك تعلم ما ذكر كبيرة أيضا أو لا؟ للنظر فيه مجال، والوجه أنه غير كبيرة، لصحة عباداته مع تركه. وأما إفتاء شيخنا بأن من لم يعرف بعض أركان أو شروط نحو الوضوء أو الصلاة لا تقبل شهادته. فيتعين حمله على غير هذين القسمين، لئلا يلزم على ذلك تفسيق العوام وعدم قبول شهادة أحد منهم، وهو خلاف الاجماع الفعلي، بل صرح أئمتنا بقبول شهادة العامة، كما يعلم مما يأتي قبيل شهادة الحسبة على أن كثيرين من المتفقهة يجهلون كثيرا من شروط نحو الوضوء. اه. (قوله: ولا توقفه في المشهود به) معطوف على جهله بفروض إلخ: أي ولا يقدح في الشهادة تردد الشاهد في المشهود به، كأن قال أشهد أن على فلان مائة أو تسعين مترددا في ذلك. (قوله: إن عاد) أي الشاهد، وهو قيد لعدم القدح في توقفه. (قوله: وجزم به) أي بالمشهود به. (قوله: فيعيد الشهادة) أي من أولها، ولا يكفي إقتصاره على جزمه بالمشهود به. (قوله: ولا قوله الخ) معطوف على قوله جهله أيضا: أي ولا يقدح في الشهادة قول الشاهد قبل أن تصدر منه هذه الشهادة، لا شهادة لي في هذا الشئ. (قوله: أن قال الخ) قيد لعدم القدح في الشهادة بقوله المذكور. (وقوله: نسيت) أي الشهادة، فقلت لا شهادة لي، ثم تذكرتها وشهدت. (قوله: أو أمكن حدوث المشهود به بعد قوله) أي لا شهادة لي، بأن مضى زمن يمكن فيه إيقاعه. (قوله: وقد اشتهرت ديانته) أي من قال لا شهادة لي، ثم شهد، ومفهومه أنه إذا لم تشتهر ديانته يكون قوله المذكور قادحا في شهادته. (قوله: ولا يلزم الخ) كلام مستأف. وعبارة التحفة: وحيث أدى الشاهد أداء صحيحا لم ينظر لريبة يجدها الحاكم كما بأصله، ويندب له استفساره. اه. (وقوله: إستفساره) - أي الشاهد - أي طلب تفسير الشهادة، وتفصيلها بأن يسأله عن وقت تحملها وعن مكانه. (قوله: إن اشتهر ضبطه وديانته) قيد في عدم لزوم استفساره. (قوله: بل يسن) أي الاستفسار. (قوله: كتفرقة الشهود) أي فإنها تسن عند أداء الشهادة، بأن يستشهد القاضي كل واحد على حدته. (قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم يشتهر ضبطه وديانته، لزم القاضي أن يستفسره. وعبارة المغني: قال الامام: والاستفصال عند استشعار القاضي غفلة في الشهود حتم، وكذا إن رابه أمر. وإذا استفصلهم ولم يفصلوا بحث عن أحوالهم، فإن تبين له أنهم غير مغفلين قضى بشهادتهم المطلقة. قال: ومعظم شهادة العوام يشوبها غرة وسهو وجهل، وإن كانوا عدولا فيتعين الاستفصال كما ذكرنا، وليس الاستفصال مذكورا في نفسه، وإنما الغرض تبيين تثبتهم في الشهادة. اه. وتعقب كلام الامام المذكور في التحفة فقال فيها والوجه ما أشرت إليه آنفا أنه إن اشتهر ضبطه وديانته لم يلزمه استفساره، وإلا لزمه. اه. (قوله: وشرط لشهادة بفعل) أي زيادة على الشروط المتقدمة التي ذكرها. (قوله: كزنا الخ) تمثيل للفعل. (قوله: وولادة) قال في التحفة: وزعم ثبوتها بالسماع محمول على ما إذا أريد بها النسب من جهة الأم. اه. وقوله: محمول إلخ. وذلك لأن النسب يكفي فيه الاستفاضة. (قوله: إبصار إلخ) نائب فاعل شرط: أي شرط إبصار لذلك الفعل مع إبصار فاعله لحصول اليقين به. قال تعالى: * (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) *. وللخبر السابق: على مثلها - أي الشمس - فاشهد. (قوله: فلا يكفي فيه) أي في الفعل، أي الشهادة به. (وقوله: السماع من الغير) أي بحصول ذلك الفعل بأن يسمع أن فلانا زنى بفلانة، فلا يجوز له أن يشهد بالسماع المذكور. (قوله: ويجوز تعمد نظر فرج الزانيين) أي لانهما

_ (1) سورة الزخرف، الاية: 86.

إبصار (وسمع) لقائله حال صدوره فلا يقبل فيه أصم لا يسمع شيئا ولا أعمى في مرئي لانسداد طرق التمييز مع اشتباه الاصوات ولا يكفي سماع شاهد من وراء حجاب وإن علم صوته لان ما أمكن إدراكه بإحدى الحواس لا ـــــــــــــــــــــــــــــ هتكا حرمة أنفسهما. (وقوله: لتحمل شهادة) علة الجواز: أي يجوز النظر لاجل التحمل، فإن كان لغيره فسقوا وردت شهادتهم. وعبارة الخطيب: وإنما نقبل شهادتهم بالزنا إذا قالوا: حانت منا إلتفاتة فرأينا، أو تعمدنا النظر لاقامة الشهادة. قال الماوردي: فإن قالوا تعمدنا لغير الشهادة فسقوا وردت شهادتهم. اه. (قوله: وكذا امرأة الخ) أي وكذلك يجوز تعمد نظر فرج امرأة تلد. (وقوله: لاجلها) أي لاجل تحمل الشهادة. وأنث الضمير العائد على مذكر لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه. (قوله: ولشهادة بقول) معطوف على لشهادة بفعل: أي وشرط لشهادة بقول (قوله: كعقد الخ) تمثيل للقول (قوله: هو) نائب فاعل شرط المقدر. (قوله: وسمع) معطوف على الضمير. (قوله: لقائله) هو وما بعده متعلقان بإبصار المجعول تفسيرا للضمير، والاولى أن يذكرهما بعد قوله: أي إبصار، ويقدر لسمع متعلقا يناسبه: أي سمع لقوله. وعبارة المنهاج مع التحفة: والاقوال كعقد، وفسخ وإقرار، يشترط سمعها وإبصار قائلها حال صدورها منه، ولو من وراء نحو زجاج فيها يظهر، ثم رأيت غير واحد قالوا: تكفي الشهادة عليها من وراء ثوب خفيف يشف على أحد وجهين كما اقتضاه ما صححه الرافعي في نقاب المرأة الرقيق. اه. (وقوله: حال صدوره) أي القول (قوله: فلا يقبل الخ) تفريع على مفهوم شرط القول. (وقوله: أصم لا يسمع شيئا) تفريع على مفهوم شرطه وشرط ما قبله وهو الفعل: أي فلا يقبل في القول أي الشهادة به أصم لا يسمع شيئا: أي وأما الفعل فيقبل لحصول العلم بالمشاهدة، كما صرح به في المنهاج. (قوله: ولا أعمى في مرئي) أي ولا يقبل شهادة أعمى في مرئي، وهو الفعل مع فاعله بالنسبة للاول، وقائل القول بالنسبة للثاني، ومثل الاعمى من يدرك الاشخاص ولا يميز بينها. ويستثنى من ذلك صور تقبل شهادة الاعمى فيها على الفعل، والقول منها ما إذا وضع يده على ذكر داخل في فرج امرأة، أو دبر صبي مثلا، فأمسكهما ولزمهما حتى شهد عند الحاكم بما عرفه بمقتضى وضع اليد، فيقبل شهادته لان هذا أبلغ من الرؤية، ومنها في الغصب والاتلاف فيما لو جلس الاعمى على بساط لغيره فغصبه غاصب أو أتلفه فأمسكه الاعمى في تلك الحالة مع البساط وتعلق بهما حتى شهد عند الحاكم بما عرفه لتقبل شهادته، ومنها ما إذا أقر شخص في إذنه بنحو طلاق، أو عتق، أو مال لرجل معروف الإسم والنسب، فمسكه حتى شهد عليه عند قاض فتقبل شهادته، ومنها ما إذا كان عماه بعد تحمله الشهادة، والمشهود له والمشهود عليه معروفا الإسم والنسب فتقبل شهادته لحصول العلم به، ومنها ما يثبت بالاستفاضة والشيوع من جمع كثير يؤمن تواطؤهم على الكذب، مثل الموت والنسب والعتق مما سيأتي قريبا، فتقبل شهادته فيه. (قوله: لانسداد طرق التمييز) أي المعرفة، وهو تعليل لعدم قبول شهادة الاعمى: أي وإنما لم تقبل لانسداد طرق التمييز عليه. (وقوله: مع اشتباه الأصوات) أي فقد يحاكي الإنسان صوت غيره فيشتبه صوته به، فلذلك لا تقبل شهادته حتى على زوجته اعتمادا على صوتها كغيرها، خلافا لما بحثه الاذرعي من قبول شهادته عليها اعتمادا على ذلك، وإنما جوزوا له وطأها اعتمادا على صوتها للضرورة، ولان الوطئ يجوز بالظن بخلاف الشهادة فلا تجوز إلا بالعلم واليقين، كما يفيده الخبر السابق وهو: على مثلها فاشهد. تنبيه: العمى هو فقد البصر عما من شأنه أن يكون بصيرا ليخرج الجماد، وهو ليس بضار في الدين، بل المضر إنما هو عمى البصيرة - وهو الجهل - بدليل: * (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) *. وضمير فإنها للقصة. وما أحسن قول أبي العباس المرسي. يقولون الضرير فقلت كلابل والله أبصر من بصير سواد العين زار بياض قلبي ليجتمعا على فهم الامور

_ (1) سورة الحج، الاية: 46.

يجوز أن يعمل فيه بغلبة ظن لجواز اشتباه الاصوات قال شيخنا: نعم لو علمه ببيت وحده وعلم أن الصوت ممن في البيت جاز اعتماد صوته وإن لم يره وكذا لو علم اثنين ببيت لا ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان وعلم الموجب منهما من القابل لعلمه بمالك المبيع أو نحو ذلك فله الشهادة بما سمعه منهما. اه. ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة إعتمادا على صوتها كما لا يتحمل بصير في ظلمة اعتمادا عليه لاشتباه الاصوات. نعم، لو سمعها ـــــــــــــــــــــــــــــ ولما عمي سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنشد: إن يأخذ الله من عيني نورهما فإن قلبي مضئ ما به ضرر أرى بقلبي دنياي وآخرتي والقلب يدرك ما لا يدرك البصر (قوله: ولا يكفي سماع شاهد الخ) لو حذف الفعل وجعل ما بعده معطوفا على قوله: ولا أعمى لكان أخصر وأولى، لان هذا مفرع أيضا على مفهوم اشتراط الابصار. (وقوله: من وراء حجاب) يصح جعل من إسما موصولا، وتكون مفعول سماع: أي ولا يكفي سماعه من كان وراء حجاب ويصح جعلها جارة، وهي متعلقة بمحذوف لشاهد: أي كائن من وراء حجاب، والمراد بالحجاب غير الشفاف. أما هو كزجاج فيكفي كما مر. (قوله: وإن علم) أي الشاهد. (وقوله: صوته) أي المشهود عليه. (قوله: لأن ما أمكن إدراكه الخ) أي لأن ما أمكن معرفته يقينا بإحدى الحواس كالبصر هنا لا يعمل فيه بغلبة الظن الحاصلة بغيره كالسمع، وبما قررته اندفع ما يقال إن السمع من الحواس والصوت يدرك به، فالعلة غير صحيحة. وحاصل الدفع أن السمع وإن سلم أنه من الحواس إلا أنه لا يحصل به الادراك، أي المعرفة يقينا، بل يفيد غلبة الظن فقط لجواز اشتباه الأصوات، والذي يفيد الادراك يقينا هنا هو البصر، فإذا أمكن به لا يجوز العمل بخلافه. والحواس الظاهرة خمس. السمع والبصر والشم والذوق واللمس، فلو أدرك الاعمى شيئا بالشم وما بعده من الحواس جاز أن يشهد به لحصول الادراك به يقينا، فإذا اختلف المتبايعان في مرارة المبيع، أو حموضته، أو تغير رائحته، أو حرارته، أو برودته، جازت شهادة الاعمى به. (قوله: نعم لو علمه إلخ) استثناء من عدم الاكتفاء بسماع شاهد من وراء حجاب: أي لا يكتفي بذلك إلا إن عرف الشاهد أن هذا المشهود عليه القائل بكذا مثلا هو في البيت وحده، وعرف أن الصوت خرج من هذا البيت الذي فيه المشهود عليه وحده، فإنه يكتفي بسماع صوته، ويجوز اعتماده وإن لم يره لحصول اليقين بما ذكر. (قوله: وكذا لو علم إلخ) أي وكذا يجوز للشاهد اعتماد الصوت ويكتفي به في سماع الشهادة لم علم اثنين كائنين ببيت وحدهما لا ثالت لهما وسمعهما يتعاقدان. (قوله: وعلم الموجب) بكسر الجيم. (وقوله: منهما) أي من الاثنين، وهو متعلق بالموجب. (وقوله: من القابل) متعلق بعلم على تضمينه معنى ميز. (وقوله: لعلمه بمالك المبيع) علة لعلمه الموجب من القابل: أي أن معرفته الموجب من القابل لكونه يعلم من قبل بمالك المبيع. وعبارة المغني: وما حكاه الروياني عن الاصحاب من أنه لو جلس بباب بيت فيه إثنان فقط، فسمع معاقدتهما بالبيع وغيره، كفى من غير رؤية زيفه البندنيجي بأنه لا يعرف الموجب من القابل. قال الأذرعي: وقضية كلامه أنه لو عرف هذا من هذا أنه يصح التحمل، ويتصور ذلك بأن يعرف أن المبيع ملك أحدهما، كما لو كان الشاهد يسكن بيتا أو نحوه لاحدهما، أو كان جاره، فسمع أحدهما يقول بعني بيتك الذي يسكنه فلان الشاهد أو الذي في جواره، أو علم أن القابل في زاوية والموجب في أخرى، أو كان كل واحد منهما في بيت بمفرده والشاهد جالس بين البيتين وغير ذلك. اه. (قوله: أو نحو ذلك) أي نحو مالك المبيع، وهو القابل. (قوله: فله) أي للعالم بما ذكر، وهذه نتيجة التشبيه بقوله وكذا. (قوله: ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة) أي على نفسها أو على نكاحها، كما يعلم ذلك من قوله قال جمع الخ، والمنتقبة بنون ثم تاء هي التي غطت وجهها بالنقاب. قال في المغني: تنبيه: مراد المصنف والاصحاب بأنه لا يصح التحمل على المنتقبة ليؤدي ما تحمله اعتمادا على عرفة صوتها، أما لو شهد اثنان أن امرأة منتقبة أقرت يوم كذا لفلان بكذا، فشهد آخران أن تلك المرأة التي قد حضرت وأقرت يوم كذا هي

فتعلق بها إلى القاضي وشهد عليها جاز كالاعمى بشرط أن تكشف نقابها ليعرف القاضي صورتها. وقال جمع لا ينعقد نكاح منقبة إلا إن عرفها الشاهدان إسما ونسبا وصورة (وله) أي للشخص (بلا معارض شهادة على نسب) ولو من أم أو قبيلة (وعتق) ووقف وموت ونكاح (وملك بتسامع) أي استفاضة (من جمع يؤمن كذبهم) أي ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه، ثبت الحق بالبينتين، كما لو قامت بينة أن فلان بن فلان أقر بكذا وقامت أخرى على أن الحاضر هو فلان بن فلان ثبت الحق. اه. ومثله في التحفة والنهاية. (قوله: كما لا يتحمل بصير في ظلمة) أي كما لا يتحمل الشهادة، وهو في ظلمة لا يرى القائل. وقوله: اعتمادا عليه) أي على الصوت. (قوله: نعم لو سمعها إلخ) عبارة التحفة والنهاية: وأفهم قوله اعتمادا أنه لو سمعها فتعلق بها إلخ. اه. وهي أولى من الاستدراك، وضمير سمعها يعود على المنتقبة. والمراد سمع قولها، إذ السماع لا يتعلق بذكر من الشهادة عليها، ولو قال جازت - أي الشهادة عليها - لكان أولى. (قوله: كالاعمى) أي في أنه إن سمع من يقر لشخص بشئ فتعلق به حتى وصل إلى القاضي، فإنه يجوز كما مر. (قوله: بشرط أن تكشف إلخ) فيه أن هذا شرط للحكم لا للشهادة التي الكلام فيها، ثم رأيت الرشيدي كتب على قوله النهاية: بشرط أن يكشف نقابها إلخ. ما نصه: هذا شرط للعمل بالشهادة كما لا يخفى. اه. (قوله: وقال جمع الخ) قال سم: إذا رأى الشاهدان وجهها عند العقد صح وإن لم يره القاضي العاقد، لانه ليس بحاكم بالنكاح ولا شاهد، كما لو زوج ولي النسب، موليته التي لم يرها قط، بل يشترط رؤية الشاهدين وجهها في انعقاد النكاح كما مال إليه كلام الشارح في باب النكاح خلاف ما نقله هنا عن الجمع المذكور. اه. وقوله: كما مال إلخ: صرح به البجيرمي فقال: قال حجر: يجوز العقد عليها مع عدم رؤيتها ومعرفتها باسمها ونسبها بأن يشهدا على وقوع العقد بين الزوجين. اه. (وقوله: اسما ونسبا) أي بأن يستفيض أنها فلانة بنت فلان. (وقوله: وصورة) الواو بمعنى أو، وقد عبر بها في التحفة والنهاية، وهو أولى. (قوله: وله أي للشخص إلخ) شروع فيما يجوز فيه الشهادة اعتمادا على الاستفاضة، وذكر منه ستة أشياء وهي: النسب والعتق والوقف والموت والنكاح والملك، وبقي مما يثبت بها أشياء وهي: القضاء والجرح والتعديل والرشد والارث واستحقاق الزكاة والرضاع وعزل القاضي وتضرر الزوجة والاسلام والكفر والسفه والحمل والولادة والوصايا والحرية والقسامة والغصب. وقد نظمها المناوي في قوله: ففي الست والعشرين تكفي استفاضة وتثبت سمعا دون علم بأصله ففي الكفر والتجريح مع عزل حاكم وفي سفه أو ضد ذلك كله وفي العتق والاوقاف والزكوات مع نكاح وإرث والرضاع وعسره وإيصائه مع نسبة وولادة وموت وحمل والمضر بأهله وأشربة ثم القسامة والولا وحرية والملك مع طول فعله وإنما ثبتت هذه الامور بالاستفاضة لان بها أمور مؤيدة، فإذا طالت مدتها عسر إقامة البينة على ابتدائها فمست الحاجة إلى ثبوتها بالاستفاضة. ولا شك أحد أن السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبويها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن السيدة فاطمة رضي الله عنها بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا مستند لذلك إلا السماع. (قوله: بلا معارض) سيذكر محترزه. (قوله: شهادة على نسب) أي وإن لم يعرف عين المنسوب إليه. (قوله: ولو من أم أو قبيلة) من بمعنى اللام: أي أنه لا فرق في الشهادة بالنسب بين أن يكون المنسوب إليه أبا أو أما أو جدا أو قبيلة، وذلك بأن يقول أشهد أن هذا إبن فلان أو فلانة، أو من قبيلة كذا، وفائدة هذه الشهادة بالنسبة إلى القبيلة، استحقاق المنسوب إليها من وقف كائن عليها مثلا. (قوله: وعتق) معطوف على نسب: أي وله شهادة على عتق بما سيذكره. (قوله: ووقف) معطوف أيضا على نسب: أي وله شهادة على وقف بما سيذكره، وهذا بالنظر لاصله، أما بالنظر لشروطه فقال النووي في فتاويه، لا يثبت بالاستفاضة شروط الوقف وتفاصيله بل

تواطؤهم عليه لكثرتهم فيقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ولا يشترط حريتهم ولا ذكورتهم ولا يكفي أن يقول سمعت الناس يقولون كذا بل يقول أشهد أنه ابنه مثلا (و) له الشهادة بلا معارض (على ملك به) أي بالتسامخ ممن ذكر (أو بيد وتصرف تصرف ملاك) كالسكنى والبناء والبيع والرهن والاجارة (مدة طويلة) عرفا فلا تكفي الشهادة بمجرد اليد لانها لا تستلزمه ولا بمجرد التصرف لانه قد يكون بنيابة ولا تصرف بمدة قصيرة نعم إن انضم ـــــــــــــــــــــــــــــ إن كانت وقفا على جماعة معينين أو جهات متعددة قسمت الغلة بينهم بالسوية، أو على مدرسة مثلا وتعذرت معرفة الشروط صرف الناظر الغلة فيما يراه من مصالحها. اه. والاوجه حمل هذا على ما أفتى به ابن الصلاح شيخه من أن الشروط إن شهد بها منفردة لم يثبت بها، وإن ذكرها في شهادته بأصل الوقف سمعت، لانه يرجع حاصله إلى بيان كيفية الوقف. اه. مغني. (قوله: وموت) إنما اكتفى فيه بالاستفاضة لان أسبابه كثيرة منها ما يخفى ومنها ما يظهر، وقد يعسر الاطلاع عليها فاقتضت الحاجة أن يعتمد فيه الاستفاضة. (قوله: ونكاح) واعلم أنه حيث ثبت بالاستفاضة لا يثبت الصداق المدعى به بها، بل يرجع لمهر المثل. (قوله: وملك) أي مطلق. أما المقيد بسبب فإن كان مما يثبت سببه بالاستفاضة كالارث فكذلك، وإن كان مما لا يثبت سببه بها فلا. (قوله: بتسامع) متعلق بشهادة. (قوله: أي استفاضة) تفسير للتسامع. وفي البجيرمي: نقلا عن الدميري ما نصه: والفرق بين الخبر المستفيض والخبر المتواتر أن المتواتر هو الذي بلغت روايته مبلغا أحالت العادة تواطأهم على الكذب، والمستفيض الذي لا ينتهي إلى ذلك، بل أفاد الامن من التواطء على الكذب. والامن معناه الوثوق، وذلك بالظن المؤكد. اه. (قوله: من جمع) متعلق بتسامع (قوله: أي تواطؤهم عليه) أي يؤمن تواطؤهم على الكذب. (قوله: لكثرتهم) علة الامن. (قوله: فيقع الخ) تفريع على كونهم يؤمن منهم ذلك. (قوله: ولا يشترط حريتهم) أي الجمع المسموع منهم: أي ولا عدالتهم فيكفي فيهم أن يكونوا نساء وأرقاء وفسقة. (قوله: ولا يكفي) أي في الشهادة بالاستفاضة. (وقوله: أن يقول) أي الشاهد. (وقوله: سمعت الناس يقولون كذا) مقول القول، وإنما لم يكف قوله المذكور لانه يحدث ريبة في شهادته، لأنه يشعر بعدم جزمه بالشهادة مع أنه لا بد من الجزم بها كأن يقول أشهد بموت فلان، أو أن فلانا ابن فلان، أو أن هذا الشئ ملك فلان، أو أن فلانا عتيق فلان. (قوله: وله) أي للشخص. (قوله: على ملك) هذا مكرر على قوله السابق وملك، فالصواب الاقتصار على هذا كما في المنهج فإنه اقتصر عليه. (وقوله: به) معلق بالشهادة. (قوله: ممن ذكر) أي من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب. (قوله: أو بيد وتصرف الخ) معطوف على قوله به: أي وله الشهادة على ملك اعتمادا على اليد مع التصرف فيه تصرف الملاك، كما أن له الشهادة اعتمادا على الاستفاضة. وعبارة الروض وشرحه: من رأى رجلا يتصرف في شئ متميزا عن أمثاله كالدار والعبد واستفاض في الناس أنه ملكه جاز أن يشهد له به وإن لم يعرف سببه، ولم تطل المدة. وكذا يجوز ذلك انضم إلى اليد تصرف مدة طويلة ولو بغير استفاضة، لان امتداد اليد والتصرف بلا منازع يغلب على الظن الملك. اه. (قوله: كالسكنى الخ) تمثيل لكونه تحت اليد مع التصرف. (وقوله: والبناء) الواو فيه وفيما بعده بمعنى أو. إذ كل واحد منها على حدته كاف، كما صرح به في التحفة. (وقوله: والبيع) المراد والفسخ بعده وإلا فالبيع يزيل الملك، فكيف يشهد له بالملك. (قوله: مدة طويلة) متعلق بتصرف، وإنما جازت الشهادة بالملك حينئذ، لان امتداد الايدي والتصرف مع طول الزمان من غير منازع يغلب على الظن الملك. (وقوله: عرفا) أي أن المعتبر في طول المدة العرف. قال الشيخان: ولا يكفي التصرف مرة. قال الاذرعي بل ومرتين بل ومرارا في مجلس واحد أو أيام قليلة. (قوله: فلا تكفي الشهادة بمجرد اليد) أي لا تكفي الشهادة بالملك اعتمادا على مجرد اليد: أي من غير تصرف ويعلم من هذا أن المراد باليد فيما مر اليد الحسية لا الحكمية، وهو كونه تحت تصرفه وسلطنته، وإلا لما صح قوله المذكور. (قوله: لأنها) أي اليد. (وقوله: لا تستلزمه) أي الملك، وذلك لان اليد عليه قد تكون بطريق الاجارة أو العارية. (قوله: ولا بمجرد التصرف) أي ولا تكفي الشهادة بالملك اعتمادا على مجرد التصرف: أي من غير يد (قوله: لأنه) أي التصرف المجرد. (وقوله: قد يكون بنيابة) أي وكالة وقد يكون بغصب. (قوله: ولا تصرف بمدة قصيرة) عبارة شرح المنهج: ولا بهما،

للتصرف استفاضة أن الملك له جازت الشهادة به وإن قصرت المدة ولا يكفي قول الشاهد رأيت ذلك سنين. واستثنوا من ذلك الرقيق فلا تجوز الشهادة بمجرد اليد والتصرف في المدة الطويلة إلا إن انضم لذلك السماع من ذي اليد أنه له كما في الروضة للاحتياط في الحرية وكثرة استخدام الاحرار واستصحاب لما سبق من نحو إرث وشراء وإن احتمل زواله للحاجة الداعية إلى ذلك ولان الاصل بقاء الملك، وشرط ابن أبي الدم في الشهادة بالتسامع أن لا يصرح بأن مستنده الاستفاضة، ومثلها الاستصحاب ثم اختار وتبعه السبكي وغيره أنه إن ذكره ـــــــــــــــــــــــــــــ أي اليد والتصرف معا بدون التصرف المذكور، كأن تصرف مرة أو تصرف مدة قصيرة، لأن ذلك لا يحصل الظن. اه. (قوله: نعم إن انضم الخ) استدراك على اشتراط المدة الطويلة، فهو مرتبط بالمتن. (وقوله: استفاضة) أن الملك له، أي شيوع أن الملك لهذا المتصرف. (قوله: جازت الشهادة به) أي بالملك، وذلك لأنه إذا جازت بمجرد الاستفاضة فلان تجوز بها مع التصرف أولى. (قوله: ولا يكفي قول الشاهد رأيت ذلك) أي ما ذكر من اليد والتصرف سنين، بل لا بد من المدة الطويلة فيهما عرفا أو الاستفاضة. (قوله: واستثنوا من ذلك) أي من جواز الشهادة باليد، والتصرف في المدة الطويلة. (قوله: فلا تجوز الخ) أي فليس لمن رأى صغيرا في يد من يستخدمه ويأمره وينهاه مدة طويلة أن يشهد له بملكه، وهذا خلاف ما يستفاد من عبارة شرح الروض المارة. (قوله: إلا أن انضم لذلك) أي لليد والتصرف. (وقوله: السماع من ذي اليد أنه له) أي بأن قال هو عبدي مثلا، ولا بد أيضا من السماع من الناس كما يستفاد من التحفة والنهاية وعبارتهما: إلا إن انضم لذلك السماع من ذي اليد ومن الناس. اه. قال ع ش: أي فلا يكفي السماع من ذي اليد من غير سماع من الناس ولا عكسه. اه. (قوله: للاحتياط في الحرية) تعليل لعدم جواز الشهادة بأنه ملكه بمجرد اليد والتصرف. وكتب الرشيدي على قول النهاية للاحتياط للحرية ما نصه: يؤخذ منه أن صورة المسألة أن النزاع مع الرقيق في الرق والحرية، أما لو كان بين السيد وبين آخر يدعي الملك فظاهر أنه تجوز الشهادة فيه بمجرد اليد والتصرف مدة طويلة، هكذا ظهر فليراجع. اه. (قوله: وكثرة استخدام الاحرار) علة ثانية لعدم جواز الشهادة بأنه ملكه بمجرد اليد والتصرف: أي وإنما لم يجز ذلك لكثرة استخدام الاحرار: أي فلا يدلان على الملكية. (قوله: واستصحاب) مرتبط بالمتن فهو معطوف على الضمير من به والتقدير: وله الشهادة على ملك باستصحاب لما سبق، وكان الأولى أن يذكره بعد قوله: مدة طويلة عرفا، ويعبر بأو، ويدل على ذلك عبارة المنهج ونصها: وله بلا معارض شهادة بملك به، أي بالتسامع ممن ذكر أو بيد، وتصرف تصرف ملاك كسكنى وهدم وبناء وبيع مدة طويلة عرفا، أو باستصحاب لما سبق الخ. اه. بزيادة من شرحه. وهذه المسألة قد تقدمت في الشرح قبيل فصل الشهادات، وعبارته هناك. فرع: تجوز الشهادة بل تجب إن انحصر الأمر فيه بملك الآن للعين المدعاة، استصحابا لما سبق من إرث وشراء وغيرهما اعتمادا على الاستصحاب، لان الاصل البقاء، وللحاجة لذلك، وإلا لتعسرت الشهادة على الاملاك السابقة إذا تطاول الزمن، ومحله إن لم يصرح بأنه اعتمد الاستصحاب وإلا لم تسمع عند الأكثرين. اه. (قوله: من نحو إرث إلخ) بيان لما سبق. (قوله: وإن احتمل زواله) أي الملك، وهو غاية لجواز الشهادة بالاستصحاب لما سبق. (قوله: للحاجة الخ) علة لجواز الشهادة بالملك بالاستصحاب: أي بالاعتماد عليه. (وقوله: إلى ذلك) أي إلى الشهادة اعتمادا على الاستصحاب. (قوله: ولأن الأصل إلخ) علة ثانية للجواز. (قوله: وشرط ابن أبي الدم إلخ) عبارة شرح الروض: ولا يذكر من غير سؤال الحاكم مستند شهادته من تسامع، أو رؤية، أو تصرف، فلو ذكره بأن قال أشهد بالتسامع، بأن هذا ملك زيد، أو أشهد أنه ملكه لابي رأيته يتصرف فيه مدة طويلة، لم يقبل على الأصح، لأن ذكره يشعر بعدم جزمه بالشهادة، ويوافقه ما سيأتي في الدعاوي من أنه لو صرح في شهادته بالملك بأنه يعتمد الاستصحاب لم تقبل شهادته، كما لا تقبل شهادة الرضاع على امتصاص الثدي وحركة الحلقوم. اه. (قوله: ومثلها) أي ومثل الاستفاضة الاستصحاب، فلا يجوز أن يصرح بأنه مستنده في الشهادة. (قوله: ثم اختار) أي ابن أبي

تقوية لعلمه بأن جزم بالشهادة. ثم قال مستندي الاستفاضة أو الاستصحاب سمعت شهادته وإلا كأن قال شهدت بالاستفاضة بكذا فلا، خلافا للرافعي واحترز بقولي بلا معارض عما إذا كان في النسب مثلا طعن من بعض الناس لم تجز الشهادة بالتسامع لوجود معارض. تنبيه: يتعين على المؤدي لفظ أشهد فلا يكفي مرادفه كأعلم لانه أبلغ في الظهور ولو عرف الشاهد السبب كالاقرار هل له أن يشهد بالاستحقاق؟ وجهان أشهرهما لا، كما نقله ابن الرفعة عن ابن أبي الدم. وقال ابن الصباغ كغيره تسمع وهو مقتضى كلام الشيخين (وتقبل شهادة على شهادة) مقبول شهادته (في غير عقوبة لله) ـــــــــــــــــــــــــــــ الدم. (قوله: أنه) أي الشاهد. (وقوله: إن ذكره) أي المستند، والمصدر المؤول من أن ومعموليها مفعول اختار. (وقوله: تقوية لعلمه) عبارة شرح الرملي: والاوجه أنه إن ذكره على وجه الريبة والتردد بطلت لتقوية كلام أو حكاية حال قبلت. اه. (قوله: بأن إلخ) تصوير لكون ذكره على سبيل التقوية. (وقوله: جزم بالشهادة) أي بأن قال أشهد أن هذا ملك فلان، ولم يصرح فيها بالمستند. (قوله: ثم قال) أي بعد جزمه بالشهادة بتراخ. قال ما ذكر كما يفيده حرف العطف. (قوله: وإلا) أي وإن لم يذكره تقوية لعلمه، وإنما ذكره على سبيل التردد. (وقوله: كأن قال شهدت بالاستفاضة) أي بأن صرح بالمستند مقرونا بالشهادة لا متأخرا عنها. (قوله: فلا) أي فلا تسمع شهادته، وهو جواب إن المدغمة في لا النافية. (قوله: خلافا للرافعي) أي القائل بأنه لا يضر ذكر المستند مطلقا. وعبارة التحفة: بل كلام الرافعي يقتضي أنه لا يضر ذكرها: أي الاستفاضة مطلقا حيث قال في شاهد الجرح يقول: سمعت الناس يقولون فيه كذا، لكن الذي صرحوا به هنا أن ذلك لا يكفي لأنه قد يعلم خلاف ما سمع، وعليه فيوجه الاكتفاء بذلك في الجرح بأنه مفيد في المقصود منه من عدم ظن العدالة، ولا كذلك هنا. اه. (قوله: واحترز) يقرأ بصيغة المضارع المبدوء بهمزة المتكلم بدليل قوله بقولي، ويصح قراءته بصيغة الماضي مبنيا للمجهول. (وقوله: بلا معارض) أي للتسامع الذي هو مستند الشهادة. (قوله: عما إذا كان في النسب) أي في نسبة النسب إلى فلان. (وقوله: مثلا) أدخل به ما بعده من العتق والوقف والموت وما بعدها. (وقوله: طعن من بعض الناس) قال في التحفة: كذا أطلقوه ويظهر أنه لا بد من طعن لم تقم قرينة على كذب قائله. اه. ومثل الطعن إنكار المنسوب إليه. (قوله: لم تجز الشهادة بالتسامع) المناسب التفريع بأن يقول فإنه لا تجوز الشهادة بالتسامع. (وقوله: لوجود معارض) أي وهو الطعن أو إنكار المنسوب إليه. (قوله: يتعين على المؤدي الخ) الأنسب تقديم هذه المسألة أول الباب، أو تأخيرها إلى آخره. (قوله: فلا يكفي مرادفه) أي مرادف أشهد. (قوله: لأنه) أي لفظ أشهد: أي ولما مر أول الباب من أن فيه نوع تعبد. (وقوله: أبلغ في الظهور) أي من غيره. (قوله: ولو عرف الشاهد السبب) أي للملك. (وقوله: كالإقرار) أي إقرار شخص بأن هذا العبد مثلا ملك فلان. (قوله: هل له أن يشهد بالاستحقاق) أي استحقاق الملك اعتمادا على السبب. (قوله: وجهان) أي قيل له ذلك، وقيل ليس له ذلك. (وقوله: أشهرهما) أي الوجهين. (وقوله: لا أي لا يشهد بالاستحقاق) قال في التحفة: لانه قد يظن ما ليس بسبب سببا، ولان وظيفته نقل ما سمعه أو رآه، ثم ينظر الحاكم فيه ليرتب عليه حكمه، لا ترتيب الاحكام على أسبابها. اه. (قوله: وقال ابن الصباغ كغيره تسمع) أي الشهادة بالاستحقاق، والملائم في المقابلة أن يقول يشهد بالاستحقاق وتسمع. (قوله: وهو) أي سماعها. (وقوله: مقتضى كلام الشيخين.) قال في النهاية: وهو الأوجه. اه. قال في التحفة بعده: ولك أن تجمع بحمل الأول على من يثق بعلمه، والثاني على من يوثق بعلمه، ثم أطال الكلام على ذلك فانظره إن شئت. (قوله: وتقبل شهادة على شهادة) أي لعموم قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *. فهو شامل للشهادة على أصل الحق، وللشهادة على الشهادة وللحاجة إليها، لان الاصل قد يتعذر، ولان الشهادة حق لازم الاداء فيشد عليها

_ (1) سورة الطلاق، الاية: 2.

تعالى مالا كان أو غيره كعقد وفسخ وإقرار وطلاق ورجعة ورضاع وهلال رمضان ووقف على مسجد أو جهة عامة وقود وقذف بخلاف عقوبة لله تعالى. كحد زنا وشرب وسرقة وإنما يجوز التحمل (ب) - شروط (تعسر أداء أصل) بغيبة فوق مسافة العدوى أو خوف حبس من غريم وهو معسر أو مرض يشق معه حضوره وكذا بتعذره بموت أو جنون (و) ب (- استرعائه) أي الاصل أي التماسه منه رعاية شهادته وضبطها حتى يؤديها عنه لان الشهادة ـــــــــــــــــــــــــــــ كسائر الحقوق. (قوله: مقبول الخ) مجرور بإضافة شهادة التي في المتن إليه، وفيه حذف التنوين منه، والاولى إبقاؤه وزيادة من الجارة قبل قوله: مقبول. (وقوله: شهادته) نائب فاعل مقبول: أي تقبل شهادة على شهادة من قبلت شهادته، وخرج به مردودها كفاسق ورقيق وعدو، فلا يصح تحمل شهادته لعدم الفائدة فيه. (قوله: في غير عقوبة لله) متعلق بتقبل. (قوله: مالا كان) أي غير العقوبة. ولا فرق في المال بين أن يكون فيه حق لآدمي وحق لله كالزكاة ووقف المساجد والجهات العامة، أو متمحضا لآدمي كالديون. (قوله: أو غيره) أي غير مال. (قوله: كعقد إلخ) تمثيل لغير المال. (قوله: ووقف على مسجد أو جهة عامة) أي أو على شخص معين. (قوله: وقود وقذف) أي وكقود وقذف، فهما معطوفان على عقد. (قوله: بخلاف عقوبة لله تعالى) أي موجبها، إذ منع الشهادة على الشهادة إنما يكون فيه، وأما الشهادة على الشهادة في أصل العقوبة فلا تمنع كما في البجيرمي ونص عبارته: والمراد بمنع الشهادة على الشهادة في عقوبة الله منع إثباتها، فلو شهدا على شهادة آخرين أن الحاكم حد فلانا قبلت. اه. ومثل عقوبة الله إحصان من ثبت زناه بأن أنكر كونه محصنا فشهدت بينة بإحصانه لاجل رجمه، فلا تقبل الشهادة على هذه الشهادة. (قوله: كحد زنا الخ) تمثيل لعقوبة الله تعالى. (قوله: وإنما يجوز التحمل بشروط الخ) أي أربعة: الاول: تعسر أداء الاصل الشهادة. الثاني: الاسترعاء بأن يلتمس الاصل من الفرع رعاية الشهادة وحفظها. الثالث: تبيين الفرع عند الاداء جهة التحمل: الرابع: تسمية الفرع إياه. ثم إنه لا يخفى أن هذه الشروط ما عدا الاسترعاء لقبول القاضي الشهادة على الشهادة لا لجواز التحمل، فلو أبقي المتن على حاله، ولم يزد قوله وإنما يجوز التحمل، أو قال وإنما تقبل بدل يجوز التحمل لكان أولى. وعبارة متن المنهاج: وشرط قبولها تعسر أو تعذر الاصل بموت أو عمى إلخ. اه. ومثلها عبارة المنهج. (قوله: تعسر إلخ) بدل من شروط. (وقوله: أداء أصل) أي للشهادة، والمراد بالاصل من تحمل الشهادة على أصل الحق والفرع من تحمل الشهادة على شهادته. (قوله: بغيبة) متعلق بتعسر، والباء سببية: أي أن تعسره يكون بسبب غيبة الاصل. (وقوله: فوق مسافة العدوي) قد تقدم بيانها غير مرة. وخرج بفوق مسافة العدوى ما إذا كانت غيبة الاصل إلى مسافة العدوى أو دونها، فلا تقبل الشهادة على الشهادة لانها إنما قبلت فيما إذا كانت الغيبة فوق مسافة العدوى للضرورة ولا ضرورة حينئذ. (قوله: أو خوف الخ) عطف على غيبة، فهو من أسباب التعسر فهو يكون بالغيبة، ويكون بخوف الاصل الحبس من غريم لو أدى الشهادة بنفسه عند القاضي. (وقوله: وهو معسر) أي والحال أن ذلك الاصل معسر ليس عنده ما يفي به دين الغريم، فإن كان موسرا لا تقبل الشهادة على شهادته. (قوله: أو مرض) معطوف أيضا على غيبة، فهو من أسباب التعسر أيضا والمراد بالمرض غير الاغماء، أما هو فينتظر لقرب زواله. (قوله: يشق معه حضوره) أي مشقة ظاهرة بأن يجوز ترك الجمعة. ومثل المرض المذكور سائر الأعذار المرخصة لترك الجمعة، لان جميعها يقتضي تعسر الحضور، ومحله كما قال الشيخان في الاعذار الخاصة بالاصل، فإن عمت الفرع أيضا كالمطر والوحل لم يقبل. (قوله: وكذا بتعذره) لو قال وكذا تعذره بإسقاط الباء لكان أولى، والمراد أن مثل تعسر أداء الاصل تعذره. (وقوله: بموت) أي للاصل بعد أن تحمل الرفع الشهادة عنه. (وقوله: أو جنون) أي له بعد ما ذكر أيضا. (قوله: وباسترعائه) الأولى حذف الباء، لأنه معطوف على تعسر، فهو من جملة الشروط. ثم رأيت في بعض نسخ الخط بشرط تعسر الخ بصيغة المفرد، فعليه تكون الباء ظاهرة، وتكون هي ومدخولها معطوفين على بشرط. واعلم: أن مثل الاسترعاء ما إذا سمعه يشهد عند قاض أو محكم، فله أن يتحمل الشهادة عنه وان لم يسترعه، لانه

على الشهادة نيابة فاعتبر فيها إذن المنوب عنه أو ما يقوم مقامه (فيقول أنا شاهد بكذا) فلا يكفي أنا عالم به (وأشهدك) أو أشهدتك أو أشهد (على شهادتي) به فلو أهمل الاصل لفظ الشهادة فقال أخبرك أو أعلمك بكذا فلا يكفي كما لا يكفي ذلك في أداء الشهادة عند القاضي، ولا يكفي في التحمل سماع قوله لفلان على فلان كذا أو عندي شهادة بكذا (و) ب (- تبيين فرع) عند الاداء (جهة تحمل) كأشهد أن فلانا شهد بكذا وأشهدني على شهادته ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما يشهد عند من ذكر بعد تحقق الوجوب، وما إذا بين الاصل سبب الوجوب، كأن قال أشهد أن لفلان على فلان كذا من ثمن مبيع أو قرض، فلمن سمعه أيضا أن يتحمل الشهادة عنه وان لم يسترعه أيضا، لانتفاء احتمال الوعد في التساهل مع الاسناد إلى السبب. وقد صرح بما ذكرته في متن المنهاج ونص عبارته مع التحفة: وتحملها الذي يعتد به إنما يحصل بأحد ثلاثة أمور: إما بأن يسترعيه الاصل فيقول أنا شاهد بكذا، فلا يكفي أنا عالم ونحوه، وأشهدك، أو أشهدتك، أو اشهد على شهادتي، أو بأن يسمعه يشهد بما يريد أن يتحمله عنه عند قاض أو محكم، قال البلقيني: أو نحو أمير. أو بأن يبين السبب كأن يقول ولو عند غير حاكم: أشهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن مبيع أو غيره، لأن إسناده للسبب يمنع احتمال التساهل فلم يحتج لاذنه أيضا. اه. بحذف. (قوله: أي التماسه) تفسير للاسترعاء، وأشار به إلى أن السين والتاء في استرعائه للطلب. (وقوله: منه) أي من مريد تحمل الشهادة عنه، وهو الفرع. (قوله: رعاية شهادته) أي تحفظها، وهو مفعول استرعاء. (وقوله: وضبطها) العطف للتفسير. (قوله: حتى يؤديها) أي الفرع. (وقوله: عنه) أي عن الاصل. (قوله: لان الشهادة الخ) تعليل لاشتراط الاسترعاء: أي وإنما اشترط لان الشهادة على الشهادة نيابة: أي فالفرع نائب عن الأصل فيها. (قوله: فاعتبر فيها) أي في الشهادة على الشهادة لكونها نيابة. (وقوله: إذن المنوب عنه) أي وهو الأصل. (قوله: أو ما يقوم مقامه) أي الاذن مما ذكرته لك عند قوله وباسترعائه. (قوله: فيقول) أي المسترعي الذي هو الأصل، وهو بيان لصفة الاسترعاء. (قوله: فلا يكفي أنا عالم به) أي كما لا يكفي ذلك في أداء الشهادة عند القاضي، لما تقدم أنه يتعين على المؤدي حروف الشهادة. (قوله: وأشهدك أو أشهدتك أو اشهد) أتى بأفعال ثلاثة: الاول مضارع، والثاني ماض، والثالث أمر، إشارة إلى أنه يجوز التعبير بأي واحد منها. (وقوله: على شهادتي) متعلق بالافعال الثلاثة، ومثل ذلك ما لو قاله: إذا استشهدت على شهادتي بكذا، فقد أذنت لك أن تشهد. تنبيه: لو استرعى الاصل شخصا معينا للشهادة، يجوز لمن سمعه الشهادة على شهادته، وإن لم يسترعه هو بخصوصه، كما صرح به في التحفة. (قوله: فلو أهمل الاصل لفظ الشهادة) أي لم يعبر به، بل عبر بمرادفه كأعلمك أو أخبرك، وهذا تفريع على إيثاره التعبير في الأفعال الثلاثة بحروف الشهادة. (قوله: فلا يكفي) أي في التحمل، وهذا جواب لو. (قوله: كما لا يكفي ذلك) أي قوله أخبرك أو أعلمك. (قوله: ولا يكفي في التحمل) أي للشهادة. (وقوله: سماع قوله الخ) أي سماع شخص يريد التحمل. قول شخص آخر لفلان على فلان كذا الخ. أي ونحو ذلك من صور الشهادة التي في معرض الاخبار، كأشهد بأن لفلان على فلان كذا، وإنما لم يكف سماع هذه الالفاظ لانه مع كونه لم يأت في بعضها بلفظ الشهادة، قد يريد أن لفلان على فلان ذلك من جهة وعد وعده إياه، ويشير بكلمة على الخ. إلى أن مكارم الاخلاق تقتضي الوفاء، وقد يتساهل بإطلاق لفظ الشهادة لغرض صحيح كحمله على الاعطاء، أو فاسد كأن كان غرضه شهادة الفرع على أصله، فإذا آل الامر إلى الشهادة تأخر عنها. أفاده في شرح المنهج. (قوله: وبتبيين فرع) معطوف أيضا على تعسر، فالاولى حذف الباء كما تقدم. وعبارة المنهاج: وليبين الفرع عند الاداء جهة التحمل، فإن لم يبين ووثق القاضي بعلمه فلا بأس. اه. (وقوله: جهة تحمل) أي طريقه، وهو أحد الامور الثلاثة المتقدمة، وهي الاسترعاء، أو سماعه يشهد عند حاكم، أو سماعه يبين سبب الشهادة. (قوله: كأشهد الخ) أي كقول الفرع: أشهد بصيغة المضارع أن فلانا

أو سمعته يشهد به عند قاض، فإذا لم يبين جهة التحمل ووثق الحاكم بعلمه لم يحب البيان فيكفي أشهد على شهادة فلان بكذا لحصول الغرض (وبتسميته) أي الفرع (إياه) أي الاصل تسمية تميزه وإن كان عدلا لتعرف عدالته، فإن لم يسمه لم يكف لان الحاكم قد يعرف جرحه لو سماه. وفي وجوب تسمية قاض شهد عليه وجهان، وصوب الاذرعي الوجوب في هذه الازمنة لما غلب على القضاة من الجهل والفسق. ولو حدث بالاصل عداوة أو فسق لم يشهد الفرع. فلو زالت هذه الموانع احتيج إلى تحمل جديد. ـــــــــــــــــــــــــــــ شهد بكذا. (وقوله: وأشهدني على شهادته) يقول هذا إن استرعاه الأصل. (قوله: أو سمعته) معطوف على قوله وأشهدني على شهادته، وهذا يقوله إن لم يسترعه زيادة على قوله: أشهد أن فلانا شهد بكذا، وبقي عليه بيان سبب الملك كأن يقول أشهد أن فلانا شهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن مبيع مثلا. (قوله: فإذا لم يبين) أي الفرع. (وقوله: جهة التحمل) هي الامور الثلاثة المار بيانها آنفا. (قوله: ووثق الحاكم بعلمه) أي علم الفرع بشروط التحمل: أي ووثق القاضي بأن الفرع عالم بشروط التحمل. (قوله: لم يجب البيان) جواب إذ. قال في التحفة: إذ لا محذور: نعم: يسن له إستفصاله. اه. (قوله: فيكفي الخ) تفريع على عدم وجوب تبيين جهة التحمل. (قوله: لحصول الغرض) أي بهذه الشهادة المجردة عن البيان، وذلك الغرض هو إثبات الحق. (قوله: بتسميته) معطوف على تعسر أيضا، فالاولى حذف الباء كما مر، والإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله، وإياه مفعوله. وعبارة الروض وشرحه: فصل: يشترط تسمية الاصول وتعريفهم من الفروع إذ لا بد من معرفة عدالتهم، ولا تعرف عدالتهم ما لم يعرفوا وليتمكن الخصم من جرحهم إذا عرفوا، فلا يكفي قول الفرع: أشهدني عدل أو نحوه، لان الحاكم قد يعرف جرحه لو سماه، ولانه يسد باب الجرح على الخصم: أي لو لم يسمه. اه. (قوله: تسمية) مفعول مطلق لتسميته. (وقوله: تميزه) أي تميز تلك التسمية الاصل عن غيره. (قوله: وإن كان) أي الأصل، وهو غاية لاشتراط التسمية. (قوله: لتعرف عدالته) أي الأصل، وهو تعليل لاشتراط تسميته: أي وإنما اشترطت ليعرف القاضي عدالته: أي أو ضدها. وعبارة التحفة ليعرف القاضي حالهم ويتمكن الخصم من القدح فيهم. اه. (قوله: فإن لم يسمه) أي لم يسم الفرع الاصل. (قوله: لم يكف) أي في التحمل، فلا يقبل الحاكم منه ذلك. (قوله: لان الحاكم إلخ) علة لعدم الاكتفاء به. (وقوله: قد يعرف جرحه) أي جرح الاصل. (وقوله: لو سماه) أي سمى الفرع الاصل للحاكم. (قوله: وفي وجوب تسمية قاض) الإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله بعد حذف الفاعل: أي وفي وجوب تسمية الفرع أصلا قاضيا عند قاض آخر أو محكم. وعبارة المغني. تنبيه: شمل إطلاق المصنف ما لو كان الاصل قاضيا، كما لو قال: أشهدني قاض من قضاة مصر، أو القاضي الذي بها، ولم يسمه إلخ. اه. (وقوله: شهد) أي الفرع. (وقوله: عليه) أي القاضي، والمراد على شهادته كما هو الفرض. (قوله: وجهان) مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله، وفيه أنه لا معنى لكون الوجهين في الوجوب، فلا بد من تقدير الواو مع ما عطفت: أي وفي وجوبها وعدمه وجهان. قال سم: عبارة القوت بخلاف ما لو قال: أشهدني قاض من قضاة بغداد، أو القاضي الذي ببغداد، ولم يسمه وليس بها قاض سواه، على نفسه في مجلس حكمه بكذا، فهل تسمع فيه؟ وجهان، والفرق أن القاضي عدل بالنسبة إلى كل أحد، بخلاف شاهد الاصل فإنه قد يكون عند فرعه عدلا والحاكم يعرفه بالفسق، فلا بد من تعيينه لينظر في أمره وعدالته، والصواب في وقتنا تعيين القاضي لما لا يخفى. اه. (قوله: وصوب الاذرعي الوجوب) أي وجوب التسمية. (قوله: ولو حدث الخ) مرتب على شرط مقدر، وهو أن لا يخرج الاصل عن صحة شهادته فإن حدث الخ، والمراد حدوث ما ذكر قبل الحكم، فإن كان بعده لم يؤثر. (قوله: عداوة) أي بينه وبين المشهود عليه. (وقوله: أو فسق) أي أو تكذيب الاصل للفرع، كأن قال لا أعلم أني تحملت الشهادة أو نسيت ذلك. (قوله: لم يشهد

فرع: لا يصح تحمل النسوة ولو على مثلهن في نحو ولادة لان الشهادة مما يطلع عليه الرجال غالبا (ويكفي فرعان لاصلين) أي لكل منهما فلا يشترط لكل منهما فرعان، ولا تكفي شهادة واحد على هذا وواحد على آخر، ولا واحد على واحد في هلال رمضان. فرع: لو رجعوا عن الشهادة قبل الحكم منع الحكم أو بعده لم ينقض ولو شهدوا بطلاق بائن أو رضاع ـــــــــــــــــــــــــــــ الفرع) أي لم تقبل شهادته. (قوله: فلو زالت هذه الموانع) أي من الأصل. (قوله: احتيج إلى تحمل جديد) أي بعد مضي مدة الاستبراء التي هي سنة لتحقق زوالها. اه. ع ش. (قوله: فرع لا يصح تحمل النسوة الخ) عبارة الروض وشرحه: ولا يتحمل نساء شهادة مطلقا - أي سواء كانت الاصول، أو بعضهم نساء أم لا، وسواء كانت الشهادة بالولادة والرضاع أم لا - لأن شهادة الفرع تثبت شهادة الاصل لا ما شهد به الاصل، ونفس الشهادة ليست بمال، ويطلع عليها الرجال غالبا. اه. (قوله: ولو على مثلهن) أي شهادة مثلهن. (وقوله: في نحو ولادة) متعلق بالمضاف المقدر. ونحو الولادة كل ما لا يطلع عليه الرجال غالبا كحيض وبكارة. (قوله: لان الشهادة) أي على الشهادة. (وقوله: مما يطلع عليه الرجال) أي وما يطلع عليه الرجال لا تقبل فيه النسوة. (قوله: ويكفي فرعان لاصلين) أي يكفي شهادة فرعين على شهادة أصلين معا بأن يقولا: نشهد أن زيدا وعمرا شهدا بكذا وأشهدانا على شهادتهما، وذلك لانهما شهدا على قول اثنين، فهو كما لو شهدا على مقرين. (قوله: أي لكل منهما) دفع بهذا التفسير ما يوهمه ظاهر المتن من أن الفرعين يوزعان على الاصلين، فيشهد واحد لهذا وواحد لهذا، مع أنه لا يكفي ذلك، بل لا بد من شهادة مجموع الفرعين لكل واحد من الاصلين. (قوله: فلا يشترط لكل منهما فرعان) أي فلا يشترط أن يكون لكل أصل فرعان غير فرعي الآخر يتحملان شهادته، بل يكفي فرعان فقط يتحملان عنهما معا. (قوله: ولا تكفي شهادة واحد إلخ) أي وإن أوهمه المتن، لولا تفسير الشارح بقوله: أي لكل منهما كما علمت. (قوله: ولا واحد على واحد في هلال رمضان) أي ولا يكفي تحمل واحد شهادة واحد في هلال رمضان وإن كان الهلال يثبت بواحد، لان الفرع لا يثبت بشهادته الحق، بل يثبت بها شهادة الحق، وهي لا بد فيها من رجلين، كما تقدم. (قوله: فرع) أي في رجوع الشهود عن شهادتهم. (قوله: لو رجعوا) أي الشهود كلهم، أي أو من يكمل النصاب به، والمراد بالرجوع التصريح به فيقول: رجعت عن شهادتي، ومثله: شهادتي باطلة، أو لا شهادة لي فيه. فلو قال: أبطلت شهادتي، أو فسختها، أو رددتها، هل يكون رجوعا؟ فيه وجهان: قال في التحفة: ويتجه أنه غير رجوع، إذ لا قدرة له على إنشاء إبطالها. اه. (قوله: عن الشهادة) أي التي أدوها بين يدي الحكم. (قوله: قبل الحكم) أي بشهادتهم ولو بعد ثبوتها، بناء على الأصح أنه ليس بحكم مطلقا. (قوله: منع الحكم) جواب لو، والفعل مبني للمعلوم، والفاعل ضمير مستتر يعود على الرجوع المأخوذ من رجعوا، والحكم مفعوله: أي منع رجوعهم الحكم بهذه الشهادة، والمراد أن الحاكم يمتنع عليه أن يحكم بهذه الشهادة. قال في المغني: وإن أعادوها، سواء كانت في عقوبة أو في غيرها، لان الحاكم لا يدري أصدقوا في الاول أو في الثاني، فينتفي ظن الصدق، وأيضا فإن كذبهم ثابت لا محالة إما في الشهادة، أو في الرجوع، ولا يجوز الحكم بشهادة الكذاب ولا يفسقون برجوعهم إلا إن قالوا تعمدنا شهادة الزور، ولو رجعوا عن شهادتهم في زنا حدوا حد القذف، وإن قالوا غلطنا لما فيه من التعيير وكان حقهما التثبت، وكما لو رجعوا عنها بعد الحكم. اه. (قوله: أو بعده) معطوف على قبله: أي أو رجعوا بعد الحكم. (وقوله: لم ينقض) أي ذلك الحكم لجواز كذبهم في الرجوع، ويجب إستيفاء ما ترتب على الحكم إن كان غير عقوبة، فإن كان عقوبة ولو آدمي كزنا، وقود، وحد قذف، لم تستوف لانها تسقط بالشبهة والرجوع شبهة، هذا إن رجعوا قبل استيفائها، فإن رجعوا بعد استيفائها بقتل أو رجم، أو جلد مات منه، أو قطع بجناية أو سرقة، وقالوا تعمدنا شهادة الزور، اقتص منهم مماثلة، أو أخذت منهم دية مغلظة موزعة على عدد رؤوسهم، فإن قالوا أخطأنا في شهادتنا، فدية مخففة موزعة على عدد رؤوسهم تكون في مالهم لا

محرم. وفرق القاضي بين الزوجين فرجعوا عن شهادتهم دام الفراق لان قولهما في الرجوع محتمل والقضاء لا يرد بمحتمل ويجب على الشهود حيث لم يصدقهم الزوج مهر مثل ولو قبل وطئ أو بعد إبراء الزوجة زوجها عن المهر لانه بدل البضع الذي فوتوه عليه بالشهادة إلا أن ثبت أن لا نكاح بينهما بنحو رضاع فلا غرم إذ لم يفوتوا شيئا ولو رجع شهود مال غرموا للمحكوم عليه البدل بعد غرمه لا قبله وإن قالوا أخطأنا موزعا عليهم بالسوية. ـــــــــــــــــــــــــــــ على عاقلة، لان إقرارهم لا يلزم العاقلة ما لم تصدقهم. (قوله: ولو شهدوا) قال في التحفة: إعادة ضمير الخ على الاثنين سائغ. اه. (قوله: بطلاق بائن) أي بخلع أو ثلاث، وخرج به الرجعي فلا غرم فيه عليهم، إذ لم يفوتوا شيئا، فإن لم يراجع حتى انقضت العدة غرموا كما في البائن. (قوله: أو رضاع محرم) بكسر الراء المشددة، وهو - كما تقدم في بابه - خمس رضهات متفرقات. (قوله: وفرق القاضي إلخ) قال في النهاية: وما بحثه البلقيني من عدم الاكتفاء بالتفريق، بل لا بد من القضاء بالتحريم، ويترتب عليه التفريق، لانه قد يقضي به من غير حكم كما في النكاح الفاسد: رد بأن تصرف الحاكم في أمر رفع إليه وطلب منه فصله حكم منه. اه. (قوله: فرجعوا عن شهادتهم) أي بعد التفريق. (قوله: دام الفراق) أي في الظاهر إن لم يكن باطن الامر فيه كظاهره كما هو واضح فليراجع. اه. رشيدي. قال في المغني: تنبيه: قوله دام الفراق لا يأتي في الطلاق البائن ونحوه بخلافه في الرضاع واللعان، فلو عبر بدل دام بنفذ، أو بقول الروضة لم يرتفع الفراق كان أولى. اه. (قوله: لان قولهما) أي الشاهدين، وهو علة دوام الفراق. (قوله: محتمل) أي صدقه وكذبه. (قوله: والقضاء) أي قضاء القاضي. (وقوله: لا يرد بمحتمل) أي بقول محتمل صدقا وكذبا. (قوله: ويجب على الشهود) أي الذين رجعوا عن شهادتهم. (قوله: حيث لم يصدقهم الزوج) أي في شهادتهم بما ذكر من الطلاق والرضاع، فإن صدقهم بأن قال إنهم محقون في شهادتهم بما ذكر، فلا يجب عليهم له شئ. ومحله أيضا حيث لم يكن الزوج قنا كله، فإن كان كذلك فلا يجب عليهم له شئ لأنه لا يملك شيئا، ولا يجب عليهم شئ أيضا لمالكه لانه لا تعلق له بزوجة عبده، فلو كان مبعضا وجب له عليهم قسط الحرية. كذلك في التحفة، واستظهر في المغني إلحاق ذلك بالاكساب فيكون لسيده كله فيما إذا كان قنا، وبعضه فيما إذا كان مبعضا. (قوله: مهر مثل) أي ساوى المسمى في العقد أو لا. (قوله: ولو قبل وطئ) أي ولو وقع الفراق قبل الوطئ، والغاية للرد على القائل بوجوب نصفه فقط حينئذ لانه الذي فوتاه. (قوله: أو بعد إبراء الخ) معطوف على قبل وطئ: أي يجب عليهم ذلك ولو بعد إبراء الزوجة زوجها عن المهر. (قوله: لأنه) أي مهر المثل، وهو علة لوجوب مهر المثل مطلقا ولو قبل الوطئ أو بعد الابراء. (وقوله: الذي فوتوه عليه) إسم الموصول صفة للبضع، وضمير فوتوه المنصوب يعود عليه: وضمير عليه يعود على الزوج: أي لان مهر المثل بدل البضع الذي فوته الشهود على الزوج. (وقوله: بالشهادة) أي بسببها، فالباء سببية متعلقة بفوتوه. (قوله: إلا أن ثبت) أي ببينة أو إقرار أو علم قاض. وعبارة المنهاج مع التحفة: ولو شهدا بطلاق وفرق بينهما فرجع فقامت بينة أو ثبت بحجة أخرى أنه لا نكاح بينهما كأن ثبت أنه كان بينهما رضاع محرم، أو أنها بانت من قبل، فلا غرم عليهما إذ لم يفوتا عليه شيئا، فإن غرما قبل البينة إستردا. اه. (قوله: بنحو رضاع) أي بسبب نحو رضاع، وهو متعلق بما تعلق به خبر لا. (قوله: فلا غرم) أي عليهما للزوج، والملائم لما قبله أن يقول فلا يجب عليهم مهر المثل. (قوله: إذ لم يفوتوا إلخ) علة لعدم الغرم. (قوله: ولو رجع) أي بعد الحكم. (وقوله: شهود مال) أي عين ولو أم ولد شهدا بعتقها، أو دين. (قوله: غرموا الخ) أي لانهم حالوا بينه وبين ماله، ومن ثم لو فوتوه ببدله كبيع بثمن يعادل المبيع، لم يغرموا كما قاله الماوردي واعتمده البلقيني. اه. تحفة. (وقوله: البدل) أي وهو القيمة في المتقوم، والمثل في المثلي، واختلف في القيمة فقيل: تعتبر وقت الحكم لانه المفوت حقيقة، وقيل: وقت الشهادة لانها السبب، وقيل: أكثر ما كانت من وقت الحكم إلى وقت الرجوع، واعتمد في التحفة بالنسبة للشاهد الثاني، وبالنسبة للحاكم فيما إذا رجع عن حكمه الاول. (قوله: بعد غرمه) أي بعد دفع المحكوم

تتمة: قال شيخ مشايخنا زكريا كالغزي في تلفيق الشهادة لو شهد واحد بإقراره بأنه وكله في كذا وآخر بأنه أذن له في التصرف فيه أو فوضه إليه لفقت الشهادتان لان النقل بالمعنى كالنقل باللفظ، وبخلاف ما لو شهد واحد بأنه قال وكلتك في كذا وآخر قال بأنه قال فوضته إليك أو شهد واحد باستيفاء الدين والآخر بالابراء منه فلا يلفقان. انتهى. قال شيخ مشايخنا أحمد المزجد: لو شهد واحد ببيع والآخر بإقرار به أو واحد بملك ما ادعاه وآخر بإقرار الداخل به لم تلفق شهادتهما، فلو رجع أحدهما وشهد كالآخر قبل لانه يجوز أن يحضر الامرين. ومن ادعى ألفين وأطلق فشهد له واحد وأطلق وآخر أنه من قرض ثبت أو فشهد له واحد بألف ثمن مبيع وآخر ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه المال للمدعي، والظرف متعلق بغرموا، والإضافة من إضافة المصدر لفاعله، وحذف مفعوله، ويصح العكس، وعليه يكون الضمير عائدا على المال. (قوله: لا قبله) أي لا يغرمون له قبل أن يغرم هو للمدعي. (قوله: وإن قالوا أخطأنا) أي غلطنا في شهادتنا، وهو غاية لغرمهم للمحكوم عليه البدل. (قوله: موزعا الخ) حال من مفعول غرموا وهو البدل: أي غرموه حال كونه موزعا عليهم، أو من فاعله وهو الواو: أي غرموا حال كونهم موزعا عليهم البدل بالسوية، ولا فرق في ذلك بين أن يرجعوا معا أو مرتبين. تنبيه: محل ما تقدم فيما إذا رجعوا كلهم، فإن رجع بعضهم، فإن كان الباقي نصابا فلا غرم على الراجع لقيام الحجة بمن بقي، وإن كان دون نصاب فعلى الراجع نصف البدل يغرمه للمحكوم عليه. وحمله أيضا فيما إذا اتحد نوع الشهود، فإن اختلف كأن شهد رجل وامرأتان فيما يثبت بهم ثم رجعوا فعليه نصف وعليهما نصف لانهما كرجل واحد، أو شهد رجل وأربع نسوة فيما يثبت بمحضهن كرضاع ونحوه فعليه ثلث وعليهن ثلثان لما تقرر أن كل ثنتين برجل. (قوله: تتمة الخ) المناسب ذكر حاصل ما فيها عند قوله فيما تقدم. قال شيخنا: ومن ثم لا تجوز الشهادة بالمعنى. اه. (قوله: لو شهد واحد بإقراره إلخ) أي بأن قال أشهد أن زيدا مثلا أقر عندي بأنه وكل عمرا في كذا وكذا. (قوله: وآخر بأنه إلخ) عبارة التحفة: وآخر بإقراره بأنه أذن الخ، بزيادة لفظ إقراره. ومثله في النهاية، فلعله ساقط من النساخ. (قوله: لفقت الشهادتان) أي جمع بينهما وعمل بهما، والمراد بالشهادتين قوله: شهد بأنه وكله في كذا بلفظ الوكالة. وقوله: شهد آخر بأنه أذن له الخ. بمعناها. (قوله: لان النقل بالمعنى) أي نقل الشهادة بمعنى اللفظ الصادر من المشهود عليه كنقلها باللفظ، والمراد بالنقل التعبير بذلك. قال في التحفة: ويتعين حمله على ما ذكرته من أنه يجوز التعبير عن المسموع بمرادفه المساوي له من كل وجه لا غير. اه. ومثله في النهاية. (قوله: بخلاف ما لو شهد واحد بأنه قال إلخ) عبارة التحفة: أو قال واحد قال وكلت، وقال الآخر قال فوضت إليه، لم يقبلا. لان كلا أسند إليه لفظا مغايرا للآخر، وكأن الفرض أنهما اتفقا على اتحاد اللفظ الصادر منه، وإلا فلا مانع أن كلا سمع ما ذكره في مرة. ثم قال: ويؤيد قولي: وكان الفرض إلى آخره قولهم: لو شهد له واحد ببيع وآخر بالاقرار به لم يلفقا. فلو رجع أحدهما وشهد بما شهد به الآخر قبل، لأنه يجوز أن يحضر الامرين، فتعليلهم هذا صريح فيما ذكرته. فتأمله. اه. (قوله: أو شهد واحد باستيفاء الدين) أي بأن قال أشهد أن فلانا أوفى فلانا دينه. (قوله: والآخر بالابراء منه) أي بأن قال: أشهد أن فلانا أبرأه فلان من الدين. (قوله: فلا يلفقان) أي الشهادتان لما علمته في المثال الأول، ولعدم التساوي في كل وجه في المثال الثاني، إذ استيفاء الدين أعم من الابراء. (قوله: لو شهد واحد ببيع) أي بأن قال: أشهد أن فلانا باع عبده مثلا على فلان. (قوله: والآخر بإقرار به) أي وشهد الآخر بالاقرار بالبيع بأن قال: أشهد أن فلانا أقر بأنه باع عبده على فلان. (قوله: أو واحد بملك ما ادعاه) أي أو شهد واحد بأن هذا العبد مثلا ملك فلان المدعى به. (قوله: وآخر بإقرار الداخل به) أي وشهد آخر بإقرار الداخل: أي من هو تحت يده بالملك للمدعي. (قوله: لم تلفق شهادتهما) أي لعدم تساويهما في الصورتين. (قوله: فلو رجع أحدهما) أي عن شهادته التي تخالف شهادة الآخر. (قوله: قبل) جواب لو. (قوله: لأنه يجوز أن يحضر الامرين) أي الامر الذي شهد به أولا ورجع عنه، والامر الثاني الذي رجع إليه. (قوله: ومن ادعى ألفين)

بألف قرضا لم تلفق وله الحلف مع كل منهما. ولو شهد واحد بالاقرار وآخر بالاستفاضة حيث تقبل لفقا. انتهى. (وسئل) الشيخ عطية المكي نفعنا الله به عن رجلين سمع أحدهما تطليق شخص ثلاثا والآخر الاقرار به فهل يلفقان أو لا؟. (فأجاب) بأنه يجب على سامعي الطلاق والاقرار به أن يشهدا عليه بالطلاق الثلاث بتا ولا يتعرضا لانشاء ولا إقرار وليس هذا من تلفيق الشهادة من كل وجه، بل صورة إنشاء الطلاق والاقرار به واحدة في الجملة والحكم يثبت بذلك كيف كان وللقاضي بل عليه سماعها. انتهى. ـــــــــــــــــــــــــــــ أي على آخر. (وقوله: وأطلق) أي لم يبين السبب. (قوله: فشهد له واحد) أي. بما ادعاه من الالفين. (وقوله: وأطلق) أي كالمدعي. (قوله: وآخر أنه من قرض) أي وشهد آخر أن ما ادعاه من الالفين ثبت عليه قرضا: أي ونحوه، والمراد أنه بين السبب لم يطلق. (قوله: ثبت) أي ما ادعاه بهذه الشهادة، لان شهادة الثاني المقيدة لا تنافي شهادة الاول المطلقة، فلم يحصل تخالف. (قوله: أو فشهد له إلخ) أي أو ادعى ألفين وأطلق، فشهد له واحد بألف ثمن مبيع وشهد له الآخر بألف قرضا، لم تلفق الشهادتان لتنافيهما من جهة السبب. (قوله: وله) أي للمدعي بالالفين. (وقوله: الحلف مع كل منهما) أي من الشاهدين، وتثبت له الالفان حينئذ. (قوله: ولو شهد واحد بالاقرار) أي إقرار المدعى عليه بالملك مثلا للمدعي. (قوله وآخر بالاستفاضة) أي وشهد آخر بالملك بالاستفاضة، أي بالشيوع. (وقوله: حيث تقبل) أي الاستفاضة بأن كانت من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب وكانت في ملك مطلق، أو وقف، أو عتق، إلى آخر ما مر. (قوله: لفقا) أي الشهادتان وثبت بهما الحق للمدعي. (قوله: عن رجلين) متعلق بسئل. (قوله: سمع أحدهما) أي أحد الرجلين. (وقوله: تطليق شخص ثلاثا) أي تطليق شخص زوجته بالثلاث. (قوله: والآخر الاقرار به) أي وسمع الرجل الآخر الاقرار به: أي بالطلاق ثلاثا. (قوله: فهل يلفقان) أي الشهادتان ويقع الطلاق. (قوله: أو لا) أي أو لا يلفقان فلا يقع الطلاق. (قوله: فأجاب) أي الشيخ عطية. (وقوله: بأنه) أي الحال والشأن. (قوله: يجب على سامعي) بصيغة التثنية، وحذفت منه النون لإضافته إلى ما بعده. (قوله: أن يشهدا عليه) أي على المسموع منه ذلك. (وقوله: بتا) أي جزما. (قوله: ولا يتعرضا إلخ) بيان لمعنى قوله بتا. (قوله: وليس هذا) أي قبول شهادتهما. (وقوله: من تلفيق الشهادة من كل وجه) أي لفظا ومعنى. (قوله: بل صورة الخ) لو أتى به على صورة العلة وقال: لان صورة الخ لكان أولى. (وقوله: واحدة) أي وهي قوله طلقتها ثلاثا. والفرق بينهما معنى، لأن الإقرار إخبار عما مضى، والانشاء حصول في الحال. (وقوله: في الجملة) أي في غالب الأحوال، وقد تختلف الصورة كما لو قال لوليها زوجها، فهذا إقرار بالطلاق كما مر في بابه، وليست صورته كصورة إنشائه. (قوله: والحكم) أي على المدعى عليه بالطلاق، وهذا من تتمة الدليل على أن هذا من تلفيق الشهادة من كل وجه. (وقوله: يثبت بذلك) أي بصدور صورة الطلاق منه. (وقوله: كيف كان) أي على أي حالة وجد ذلك، سواء كان بقصد الانشاء أو بقصد الاقرار. (قوله: وللقاضي عليه) أي بل يجب. (وقوله: سماعها) أي الشهادة الصادرة منهما وإن اختلفت معنى والله سبحانه وتعالى أعلم.

خاتمة في الايمان ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: خاتمة في الإيمان) أي في بيان أحكامها. وإنما ذكرها عقب الدعوى والبينات لان الايمان قد تحتاج لتقدم دعوى، والفقهاء يذكرونها قبل القضاء، لان القاضي قد يحتاج إلى اليمين من الخصوم فلا يقضي إلا بعدها. فلكل وجهة. والايمان - بفتح الهمزة - جمع يمين، وهي في اللغة اليد اليمنى. وأطلقت على الحلف لانهم كانوا إذا حلفوا وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه. وقيل القوة، ومنه قوله تعالى: * (لاخذنا منه باليمين) *. أي بالقوة. وعليه فتسمية الحلف به لانه يقوي على الحنث أو عدمه، وعلى الاول جرى م ر في النهاية، وعلى الثاني جرى ابن حجر في التحفة. وفي الشرع تحقيق أمر محتمل باسم من اسمائه تعالى، أو صفة من صفاته، ماضيا كان أو مستقبلا، نفيا أو إثباتا، ممكنا في العادة كحلفه ليدخلن الدار، أو ممتنعا فيها كحلفه ليقتلن الميت، أو ليقتلن زيدا بعد موته. والمراد بتحقيق ذلك، إلتزام تحقيقه وإيجابه على نفسه، والتصميم على تحصيلة، وإثبات أنه لا بد منه وأنه لا سعة في تركه. وليس المراد به جعله محققا حاصلا، لان ذلك غير لازم. والمراد بالامر النسبة الكلامية: كما إذا قلت: زيد قائم، فعورضت فيه فقلت: والله إنه قائم تحقيقا لذلك، والمراد بالمحتمل، المحتمل عقلا، فيدخل فيه المحال العادي. وخرج بتحقيق أمر: لغو اليمين الآتي، وبالمحتمل المراد به هنا غيره وهو الواجب فقط: كقوله والله لاموتن، فليس بيمين لامتناع الحنث فيه: أي مخالفة المحلوف عليه، فلا إخلال فيه بتعظيم اسمه تعالى والأصل فيها قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) *. أي قصدتموها بدليل آية أخرى وهي: * (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) *. وقوله تعالى: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) *. الآية. وأخبار منها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحلف: لا، ومقلب القلوب. رواه البخاري، ومنها قوله عليه السلام: والله لاغزون قريشا - ثلاث مرات ثم قال في الثالثة: إن شاء الله. رواه أبو داود. وقد أمره الله بالحلف على تصديق ما أمر به في ثلاثة مواضع من القران: في يونس في قوله تعالى: * (قل إي وربي إنه لحق) *. وفي سبأ في قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى وربي لتأتينكم) *. وفي التغابن في قوله تعالى: * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا. قل بلى وربي لتبعثن) *. وأركانها: حالف، ومحلوف به، ومحلوف عليه. وشرط في الأول التكليف والاختيار والنطق والقصد، فلا تنعقد يمين الصبي والمجنون والمكره ويمين اللغو. وفي الثاني أن يكون إسما من اسمائه تعالى، أو صفة من صفاته على ما سيأتي. وفي الثالث أن لا يكون واجبا بأن يكون محتملا عقلا ولو كان مستحيلا عادة كما علمت. واعلم: أن الايمان نوعان: واقعة في خصومة، وواقعة في غيرها. فالتي تقع فيها إما أن تكون لدفع وهي يمين المنكر للحق بأن قال: لي عليك كذا، فأنكر وحلف لدفع مطالبة المدعي بالحق، وإما أن تكون للاستحقاق وهي خمسة: اللعان: فالحالف يستحق بحلفه حد زوجته لزناها إن لم تحلف هي. والقسامة: فالمستحق يحلف ويستحق الدية. واليمين مع الشاهد في الاموال: أي ما يؤول إليها. واليمين المردودة على المدعي بعد النكول. واليمين مع

_ (1) سورة الحاقة، الاية: 45. (2) سورة المائدة، الاية: 89. (3) سورة البقرة، الاية: 225. (4) سورة آل عمران، الاية: 77. (5) سورة يونس، الاية: 53. (6) سورة سبإ، الاية: 3. (7) سورة التغابن، الاية: 7.

لا ينعقد اليمن إلا باسم خاص بالله تعالى أو صفة من صفاته: كوالله والرحمن والاله ورب العالمين ـــــــــــــــــــــــــــــ الشاهدين. والتي تقع في غير الخصومة ثلاثة أقسام: إثنان لا ينعقدان وهما: لغو اليمين، ويمين المكره - بفتح الراء - وواحد ينعقد، وهو يمين المكلف المختار القاصد في غير واجب. واعلم: أيضا أن الفقهاء يجمعون النذر مع الايمان في كتاب واحد لما بينهما من المناسبة، وهي أن بعض أقسام النذر فيه كفارة يمين، والمؤلف رحمه الله تعالى خالفهم، وذكره في أواخر باب الحج عقب مبحث الاضحية، وله وجه أيضا كما نبهنا عليه هناك، وهو أن بعض أقسام الحج قد يكون منذورا وكذلك الأضحية، فناسب أن يستوفي الكلام على النذر هناك. (قوله: لا ينعقد اليمين إلا الخ) إنعقادها بهذين النوعين من حيث الحنث المرتب عليه الكفارة، أما من حيث وقوع المحلوف عليه فلا ينحصر فيهما بل يحصل بغيرهما أيضا، كالحلف بالعتق والطلاق المعلقين على شئ كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، أو فعبدي حر. وأما قولهم الطلاق والعتق لا يحلف بهما، فمعناه أنهما لا يكونان مقسما بهما كقوله: والطلاق، أو والعتق لا أفعل كذا. (وقوله: بإسم) المراد بالاسم ما دل على الذات فقط كالله، أو على الذات والمعنى كالخالق، وبالصفة ما دلت على المعنى فقط كعظمته. (وقوله: خاص بالله تعالى) أي بأن لا يطلق على غيره كالله، وكرب العالمين، ومالك يوم الدين، وكالحي الذي لا يموت، وكمن نفسي بيده - أي بقدرته يصرفها كيف يشاء - والذي أعبده أو أسجد له. فلا فرق بين المشتق وغيره، ولا بين أن يكون من الاسماء الحسنى أو لا، ولا بين أن يكون من الاسماء المضافة أو لا. واعلم: أن أسماءه تعالى ثلاثة أنواع، كما يعلم من عبارة المنهاج: ما لا يحتمل غير الله تعالى وهو ما ذكر، وما يحتمل غيره والغالب إطلاقه عليه تعالى كالرحيم والخالق والرازق، وما يستعمل فيه وفي غيره على حد سواء كالموجود والعالم والقسم الاول لا تقبل فيه إرادة غير الله تعالى لأنه لا يحتمل غيره، إذ الفرض أنه مختص بالله تعالى، وأما إذا قال أردت به غير اليمين كأن قال: بالله لا أفعل كذا، وقال: أردت أتبرك بالله تعالى أو أستعين بالله، فإنه يقبل منه لان التورية نافعة كما سيصرح به ما لم تكن بحضرة القاضي المستحلف له، وإلا فلا تنفعه. قال في فتح الجواد خلافا لما توهمه عبارة المنهاج: أي من عدم قبول ذلك منه على أنه قيل إنها سبق قلم. اه. ونص عبارة المنهاج: لا تنعقد اليمين إلا بذات الله تعالى أو صفة له كقوله: والله ورب العالمين، والحي الذي لا يموت، ومن نفسي بيده، وكل إسم مختص به. ولا يقبل قوله: لم أرد به اليمين. اه. والقسم الثاني: تنعقد به اليمين ما لم يرد به غير الله بأن أراده، أو أطلق لانصرافه عند الاطلاق إليه تعالى لكونه غالبا فيه، فإن أراد به غيره لم تنعقد اليمين لانه يطلق على غيره: كرحيم القلب، وخالق الافك، ورازق الجيش، ورب الابل، فيقبل هنا إرادة غيره تعالى كما يقبل إرادة غير اليمين. والقسم الثالث: تنعقد به اليمين إن أراده تعالى بخلاف ما إذا أراد به غيره، أو أطلق لانه لما أطلق عليه وعلى غيره سواء أشبه الكنايات فلا يكون يمينا إلا بالنية. (قوله: أو صفة من صفاته) أي الذاتية كما في التحفة والنهاية وشرح التحرير، وكتب الرشيدي ما نصه: قوله: الذاتية. أخرج الفعلية كالخلق والرزق فلا تنعقد بها - كما صرح به الرافعي - وأخرج السلبية ككونه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، لكن بحث الزركشي الانعقاد بهذه لانها قديمة متعلقة به تعالى. اه. وكتب ش ق ما نصه: ليس المراد بها - أي بالذاتية - خصوص صفات المعاني السبعة المذكورة في الكلام، بل المراد ما يشملها وغيرها من كل ما قام بالذات كالعظمة. ومثلها الصفات السلبية على المعتمد كعدم الجسمية، وكالقدم، والبقاء، وكذا الاضافية كالازلية، والقبلية للعالم، بخلاف الصفات الفعلية كالخلق والرزق والاحياء والاماتة، فلا ينعقد بها اليمين وإن نوى، خلافا للحنفية. اه. قال في شرح الروض: والفرق بين صفتي الذات والفعل أن الاولى ما استحقه في الازل، والثانية ما استحقه فيما لا يزال دون الازل يقال علم في الازل، ولا يقال رزق في الازل إلا توسعا. اه. (قوله: كوالله) هو وما بعده

وخالق الخلق. ولو قال وكلام الله أو وكتاب الله أو وقرآن الله أو والتوارة أو والانجيل فيمين. وكذا والمصحف إن لم ينو بالمصحف الورق والجلد. وإن قال وربي وكان عرفهم تسمية السيد ربا فكناية، وإلا فيمين ظاهرا إن لم يرد غير الله ولا ينعقد بمخلوق كالنبي والكعبة للنهي الصحيح عن الحلف بالآباء وللامر بالحلف بالله وروى الحاكم خبرا: من حلف بغير الله فقد كفر وحملوه على ما إذا قصد تعظيمه كتعظيم الله تعالى، فإن لم يقصد ذلك أثم عند أكثر العلماء - أي تبعا لنص الشافعي الصريح فيه - كذا قاله بعض شراح المنهاج. والذي في ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى قوله وخالق الخلق أمثلة للاسم. (وقوله: ولو قال وكلام الخ) أمثلة للصفة، ولو حذف لفظ لو وعطف ما بعدها على ما قبلها لكان أولى. تنبيه: اللحن هنا لا يؤثر في الانعقاد، فلو رفع الاسم الداخل عليه واو القسم، أو نصبه، أو سكنه، انعقد به اليمين. كما في المغنى وشرح المنهج. (قوله: وكلام الله) أي أو مشيئته وعلمه وقدرته وعزته وعظمته وكبريائه وحقه ان لم يرد بالحق العبادات - وبالعلم والقدرة المعلوم والمقدور - وبالبقية ظهور آثارها الظاهرة وهي قهر الجبابرة في العظمة والكبرياء، وعجز المخلوقات عن إيصال مكروه إليه تعالى في العزة، فإن أراد ذلك فليس بيمين. (قوله: فيمين) خبر لمبتدأ محذوف: أي فهو يمين ومحله إن أراد بذلك كله الصفة القديمة، فإن أراد غيرها بأن أراد بالكلام الالفاظ التي نقرؤها، وبكتاب الله المكتوب من النقوش، وبالقرآن المقروء من الالفاظ التي نقرؤها أو الخطبة، وبالتوراة والانجيل الالفاظ التي تقرأ، فليس ذلك بيمين. (قوله: وكذا والمصحف) أي وكذلك يكون يمينا إذا حلف بالمصحف. (قوله: إن لم ينو الخ) فإن نوى ذلك فليس بيمين. (قوله: وإن قال وربي) أي بالاضافة، فإن قال والرب بالالف واللام فهو يمين صريحا، لانه لا يستعمل في غير الله تعالى. (قوله: وكان عرفهم) أي عرف أهل بلدة الحالف. (قوله: فكناية) أي فإن نوى به اليمين انعقد، وإلا فلا. (قوله: وإلا) أي بأن لم يكن في عرفهم ذلك. (وقوله: فيمين ظاهرا) أي صريحا فينعقد به اليمين من غير نية. (قوله: إن لم يرد غير الله) قيد في كون الحلف بوربي ينعقد به اليمين. وخرج به ما إذا أراد به غير الله فإنه لا يكون يمينا لانه يصح إطلاقه على غير الله تعالى ولو لم يكن في عرف بلده ذلك الاطلاق. (قوله: ولا ينعقد) أي اليمين بمعنى الحلف والاولى، فلا ينعقد بفاء التفريع، لأن المقام له، إذ هو مفهوم حصر انعقاد اليمين في القسمين السابقين. والمعنى: إذا حلف بغير الله لا تنعقد يمينه، ولو شرك في حلفه بين ما يصح الحلف به وغيره كوالله والكعبة فالوجه انعقاد اليمين إن قصد الحلف بكل أو أطلق. وكذا لو قصد الحلف بالمجموع، لان جزء هذا المجموع يصح الحلف به، فالمجموع الذي جزؤه كذلك يصح الحلف به. كذا في سم (قوله: كالنبي) أي بأن يقول والنبي، أو وحق النبي لافعلن كذا. وينبغي للحالف أن لا يتساهل في الحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لكونه غير موجب للكفارة، سيما إذا حلف على نية أن لا يفعل، فإن ذلك قد يجر إلى الكفر لعدم تعظيمه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاستخفاف به. (قوله: للنهي الصحيح إلخ) أي في خبر: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليلحف بالله أو ليصمت. (وقوله: وللامر بالحلف بالله) أي في الخبر السابق في قوله: فمن كان حالفا الخ، وهو محل الدلالة على النهي عن الحلف بالكعبة، أو النبي، أو نحوهما. ولا يرد على ذلك أنه ورد في القرآن الحلف بغير الله تعالى كقوله تعالى: والشمس، والضحى، لانه على حذف مضاف: أي ورب الشمس مثلا. أو أن ذلك خاص به تعالى، فإذا أراد تعظيم شئ من مخلوقاته أقسم به، وليس لغيره ذلك. (قوله: فقد كفر) في رواية فقد أشرك. (قوله: وحملوه) أي خبر الحاكم المذكور. (قوله: على ما إذا قصد) أي الحالف. (وقوله: تعظيمه) أي غير الله. (قوله: فإن لم يقصد ذلك) أي تعظيمه كتعظيم الله تعالى. (قوله: أثم الخ) أي فهو حرام، ولا يكفر به. (قوله: أي تبعا لنص الشافعي) قال في النهاية: وأخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية. اه. (قوله: كذا قاله إلخ) أي قال أنه يأثم بذلك عند أكثر العلماء تبعا للنص. (قوله: والذي إلخ) مبتدأ خبره الكراهة: أي كراهة الحلف بغير الله مع

شرح مسلم عن أكثر الاصحاب الكراهة، وهو المعتد، وإن كان الدليل ظاهرا في الاثم. قال بعضهم وهو الذي ينبغي العمل به في غالب الاعصار لقصد غالبهم به إعظام المخلوق به ومضاهاته لله - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - وإذا حلف بما ينعقد به اليمين ثم قال لم أرد به اليمين لم يقبل، ولو قال بعد يمينه إن شاء الله وقصد اللفظ والاستثناء قبل فراغ اليمين واتصل الاستثناء بها لم تنعقد اليمين فلا حنث ولا كفارة. وإن لم يتلفظ بالاستثناء بل نواه لم يندفع الحنث ولا الكفارة ظاهرا بل يدين. ولو قال لغيره أقسمت عليك بالله ـــــــــــــــــــــــــــــ عدم قصد ما مر. (قوله: وهو المعتمد) أي القول بالكراهة المعتمد. وفي التحفة قال ابن الصلاح، يكره بما له حرمة شرعا كالنبي، ويحرم بما لا حرمة له كالطلاق. وذكر الماوردي أن للمحتسب التحليف بالطلاق دون القاضي، بل يعزله الامام إن فعله. وفي خبر ضعيف: ما حلف بالطلاق مؤمن، ولا استحلف به إلا منافق. اه. (قوله: وان كان إلخ) غاية في كون القول بالكراهة هو المعتمد. (قوله: قال بعضهم وهو) أي القول بالاثم. (قوله: لقصد غالبهم) أي الحالفين بغير الله (وقوله: إعظام المخلوق به) أي باليمين. (وقوله: ومضاهاته) أي المخلوق: أي مشابهته لله. وفيه أنهم إن قصدوا المضاهاة يكفرون لاثباتهم الشركة ولا يأثمون فقط. فتأمل. (قوله: تعالى الله) أي تنزه الله وتباعد. (وقوله: عن ذلك) أي عن كون أحد يضاهيه، أو يعظم كتعظيمه. (وقوله: علوا) أي تعاليا، فوضع إسم المصدر في موضع المصدر مثل: * (والله أنبتكم من الارض نباتا) *. (وقوله: كبيرا) صفة لعلوا، وفيها تمام المبالغة في النزاهة. (قوله: وإذا حلف بما ينعقد به اليمين) أي مما مر في كلامه من اسم خاص به تعالى أو صفة من صفاته. (وقوله: ثم قال لم أرد به اليمين لم يقبل) وهذه العبارة مساوية لعبارة المنهاج، وقد علمت عن فتح الجواد أنه قيل إنها سبق قلم، وكذلك قاله شيخ الاسلام ونص عبارة المنهج مع شرحه له: إلا أن يريد به غير اليمين فليس بيمين، فيقبل منه ذلك - كما في الروضة وأصلها - ثم قال: فقول الاصل ولا يقبل قوله، لم أرد به اليمين مؤول أو سبق قلم. اه. (قوله: ولو قال بعد يمينه إن شاء الله) مثل الإثبات النفي، كإن لم يشأ الله، ومثل مشيئة الله مشيئة الملائكة لا مشيئة الآدميين كما مر في باب الطلاق. (قوله: وقصد اللفظ الخ) فيه أنه لا يشترط قصد اللفظ قبل فراغ اليمين، بل الشرط قبله قصد الاستثناء. أي التعليق. وعبارة الروض وشرحه: ويشترط التلفظ بالاستثناء وقصده قبل فراغ اليمين واتصاله بها. اه. (قوله: واتصل الاستثناء بها) أي باليمين اتصالا عرفيا لا حقيقيا، لأنه لا يضر الفصل بسكتة التنفس والعي وانقطاع الصوت. (قوله: لم تنعقد اليمين) جواب لو، وإنما لم تنعقد لعدم العلم بوقوع المعلق عليه، لان مشيئته تعالى وما ألحق بها غير معلومة لنا، وقيل تنعقد لكن مع عدم المؤاخذة بها. (قوله: فلا حنث ولا كفارة) تفريع على عدم انعقاد اليمين. (قوله: وإن لم يتلفظ بالاستثناء) أي أو تلفظ به ولكن لم يقصد الاستثناء بأن سبق لسانه إليه، أو قصد التبرك، أو أن كل شئ بمشيئة الله، أو لم يعلم هل قصد التعليق أم لا، أو أطلق. (قوله: لم يندفع إلخ) جواب أن. (وقوله: الحنث) بكسر الحاء: أي إثم حلف اليمين بفعل المحلوف عليه كأن قال والله لا أكلم زيدا فكلمه. قال في القاموس: الحنث - بالكسر - الاثم والحلف في اليمين، والميل من باطل إلى حق وعكسه. اه. وقال في المصباح: حنث في يمينه يحنث حنثا إذا لم يف بموجبها فهو حانث، وحنثته - بالتشديد - جعلته حانثا، والحنث الذنب، وتحنث إذا فعل ما يخرج به عن الحنث. قال ابن فارس: والتحنث التعبد. ومنه: كان - صلى الله عليه وسلم - يتحنث في غار حرام. اه. (قوله: بل يدين) - بضم ياء المضارعة وفتح الدال وتشديد الياء المفتوحة -: أي يعمل باطنا بما نواه وقصده، فإن قصد قبل فراغ اليمين الاستثناء لم تنعقد باطنا وإن لم يقصد ذلك انعقدت. (قوله: ولو قال لغيره أقسمت عليك) أي أو أقسم عليك. وفي البجيرمي: لو حذف لفظ عليك فيمين لا يجري فيها تفصيل. اه. (قوله: أو أسألك بالله) قال ع ش: وكذا لو قال بالله لا تفعلن كذا من غير ذكر

_ (1) سورة نوح، الاية: 17.

أو أسألك بالله لتفعلن كذا وأراد يمين نفسه فيمين ومتى لم يقصد يمين نفسه بل الشفاعة أو يمين المخاطب أو أطلق فلا تنعقد لانه لم يحلف هو ولا المخاطب ويكره رد السائل بالله تعالى أو بوجهه في غير المكروه وكذا السؤال بذلك ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ المتعلق. اه. (قوله: وأراد يمين نفسه) أي فقط بأن أراد تحقيق هذا الامر المحتمل، فإذا حلف شخص على آخر أنه يأكل فالاكل أمر محتمل، فإذا أراد تحقيقه وأنه لا بد من الاكل كان يمينا، وإن أراد أتشفع عندك بالله أنك تأكل، أو أراد يمين المخاطب كأن قصد جعله حالفا بالله، فلا يكون يمينا لأنه لم يحلف هو ولا المخاطب. اه. بجيرمي. (قوله: ومتى لم يقصد يمين نفسه) إظهار في مقام الإضمار، فلو قال ومتى لم يردها لكان أولى. (قوله: بل الشفاعة) أي بل قصد الشفاعة بالله أن يفعل المخاطب كذا. (وقوله: أو يمين المخاطب) أي جعل المخاطب حالفا بالله تعالى. (وقوله: أو أطلق) أي لم يقصد يمين نفسه ولا يمين المخاطب، ويحمل في هذه الحالة على الشفاعة: أي جعلت الله شفيعا عندك في فعل كذا. (قوله: فلا تنعقد) أي اليمين. (قوله: لأنه لم يحلف هو) أي القائل ذلك ولا المخاطب. واعلم أن اللفظ الذي ينعقد به اليمين إما أن يكون صريحا - والمراد به هنا ما يحصل الانعقاد عند الاطلاق - وذلك كما في القسمين الاولين المارين: أعني ما كان بمختص بالله من اسم، أو صفة له، وما كان إطلاقه عليه غالبا، وإما أن يكون كناية وهي ما ليس كذلك، فلا ينعقد بها اليمين إلا بالنية، وذلك كأن يأتي بالجلالة مع حذف حرف القسم نحو: الله - بتثليب الهاء أو تسكينها - لافعلن كذا. ونحو لعمر الله، أو على عهد الله، أو ميثاقه، أو ذمته، أو أمانته، أو كفالته لافعلن كذا. ونحو أشهد، أو شهدت بالله لقد كان الامر كذا. ونحو عزمت، أو أعزم بالله لافعلن كذا. أو عليك لتفعلن كذا، ونحو ذلك كالالفاظ التي تطلق على المولى وعلى غيره على حد سواء كالموجود والعالم والحكيم. واختلف في بله - بتشديد اللام وحذف الالف - فقال في التحفة هي لغو وإن نوى بها اليمين، لان هذه كلمة غير الجلالة إذ هي الرطوبة. وقال في النهاية هي يمين إن نواها - خلافا لجمع ذهبوا إلى أنها لغو -. وفي البجيرمي: وبقي ما لو قال: والله بحذف الالف بعد اللام هل يتوقف الانعقاد على نيتها أو لا؟ ويظهر الآن الثاني لعدم الاشتراك في اللفظ بين الاسم الكريم وغيره، بخلاف البله فإنها مشتركة بين الحلف بالله وبلة الرطوبة، وبقي أيضا ما لو حذف الهاء من لفظ الجلالة وقال باللا، أو واللا هل هي يمين أو لا؟ فيه نظر. والأقرب الثاني لانها بدون الهاء ليست من أسمائه ولا صفاته، ويحتمل الانعقاد عند نية اليمين، ويحتمل على أنه حذف الهاء ترخيما والترخيم جائز في غير المنادى على قلة. اه. (قوله: ويكره رد السائل بالله تعالى) لخبر من سأل بالله تعالى فأعطوه. وفي الزواجر: أخرج الطبراني وغيره: ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: بينما هو يمشي ذات يوم في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب فقال: تصدق علي بارك الله فيك. فقال الخضر: آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون ما عندي شئ أعطيكه. فقال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت علي فإني نظرت السماحة في وجهك ورجوت البركة عندك. فقال الخضر: آمنت بالله ما عندي شئ أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني. فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟ قال: نعم. أقول: لقد سألتني بأمر عظيم. إما أني لا أخيبك بوجه ربي، بعني. قال: فقدمه إلى السوق فباعة بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شئ. فقال: إنما اشتريتني التماس خير عندي فأوصني بعمل. قال: أكره أن أشق عليك، إنك شيخ كبير ضعيف. قال: ليس يشق علي. قال: قم فانقل هذه الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم - فخرج الرجل لبعض حاجته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة. قال: أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه. ثم عرض للرجل سفر، فقال: إني أحسبك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة. قال: أوصني بعمل. قال: إني أكره أن أشق عليك. قال: ليس يشق علي. قال: فاضرب من اللبن لبيتي حق أقدم عليك. قال: فمر الرجل لسفره. قال: فرجع وقد شيد بناءه. قال: أسألك بوجه الله ما سببك وما أمرك؟ قال: سألتني بوجه الله، ووجه الله أوقعني في هذه العبودية. فقال الخضر: سأحدثك من أنا: أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة، فلم يكن عندي شئ أعطيه، فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي فباعني، وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة جلده ولا لحم له يتقعقع. فقال الرجل: آمنت

قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني فليس بيمين لانتفاء إسم الله أو صفته ولا كفارة وإن حنث نعم يحرم ذلك كغيره ولا يكفر بل إن قصد تبعيد نفسه عن المحلوف أو أطلق حرم ويلزمه التوبة فإن علق أو أراد الرضا بذلك إن فعل كفر حالا وحيث لم يكفر سن له أن يستغفر الله تعالى ويقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وأوجب صاحب الاستقصاء ذلك ومن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد كلا والله وبلا والله في نحو غضب أو صلة ـــــــــــــــــــــــــــــ بالله. شققت عليك يا نبي اللهلم أعلم. قال: لا بأس. أحسنت وأتقنت. فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، أحكم في أهله ومالي بما شئت، أو اختر فأخلي سبيلك. قال: أحب أن تخلي سبيلي فأعبد ربي. فخلى سبيله. فقال الخضر: الحمد لله الذي أوثقني في العبودية ثم نجاني منها. اه. (قوله: أو بوجهه) أي وجه الله: كأن يقول أسألك بوجه الله لتفعلن كذا. (قوله: في غير المكروه) متعلق برد، وهو على حذف مضاف: أي في سؤال غير المكروه، أما سؤال المكروه فلا يكره رده، ومثله المحرم بالاولى، وذلك لما أخرجه الطبراني عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا بضم فسكون - قال في الزواجر: أي ما لم يسأل أمرا قبيحا لا يليق، ويحتمل أنه أراد ما لم يسأل سؤالا قبيحا بكلام قبيح. اه. (قوله: وكذا السؤال بذلك) أي وكذا يكره السؤال بالله أو بوجهه لحديث: لا يسئل بوجه الله إلا الجنة. (قوله: ولو قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني) أي أو مستحل الخمر، أو الزنا، أو أنا برئ من الإسلام، أو من الله، أو من رسوله، ونحو ذلك. (قوله: فليس) أي قوله المذكور بيمين، وهو جواب لو. (قوله: لانتفاء إلخ) علة عدم انعقاد قوله المذكور يمينا. (قوله: ولا كفارة) أي عليه. (قوله: وإن حنث) أي بأن فعل المحلوف عليه. (قوله: نعم يحرم ذلك) أي قوله ما ذكر لأنه معصية، والتلفظ بها حرام. (قوله: بل أن قصد الخ) الصواب حذف لفظ بل ولفظ حرم، لانه قيد لقوله ولا يكفر. (وقوله: أو أطلق) أي لم يقصد شيئا. (قوله: ويلزمه التوبة) أي لانه حرام، والتوبة واجبة من كل معصية. ولا ينافي ذلك قوله بعد: سن له أن يستغفر الله، لان ذلك باللسان وهو ليس بواجب. (قوله: فإن علق) أي قصد تعليق التهود ونحوه مما مر على فعل ذلك (وقوله: أو أراد الرضا بذلك) أي بالتهود ونحوه. (وقوله: أن فعل) أي المعلق عليه. (وقوله: كفر حالا) أي لأن فيه رضا بالكفر وهو كفر كما مر في باب الردة. قال في المغني: فإن لم يعرف قصده لموت أو لغيبة وتعذرت مراجعته، ففي المهمات القياس تكفيره إذا عرى عن القرائن الحاملة على غيره، لان اللفظ بوضعه يقتضيه، وكلام الاذكار يقتضي خلافه. اه. والاوجه ما في الاذكار. اه. وقوله: والأوجه الخ. قال في التحفة هو الصواب. (قوله: وحيث لم يكفر) أي بأن قصد تبعيد نفسه أو أطلق. (قوله: سن له أن يستغفر الله) أي باللفظ، وإلا فالتوبة واجبة كما صرح به آنفا بقوله ويلزمه التوبة، وذلك كأن يقول أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، وهي أكمل من غيرها. (قوله: ويقول إلخ) أي وسن له أن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال في التحفة: وحذفهم أشهد هنا لا يدل على عدم وجوبه في الاسلام الحقيقي لانه يغتفر فيما هو للاحتياط، ما لا يغتفر في غيره، على أنه لو قيل الأولى أن يأتي هنا بلفظ أشهد فيهما، لم يبعد لانه إسلام إجماعا، بخلافه مع حذفه. اه. (قوله: وأوجب صاحب الاستقصاء ذلك) أي قوله لا إله إلا الله إلخ. أي لخبر الصحيحين: من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله. ورده الجمهور بأن الامر فيه محمول على الندب. (قوله: ومن سبق لسانه الخ) عبارة الروض وشرحه: ومن حلف بلا قصد، بأن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد، كقوله في حالة غضب، أو لجاج، أو صلة كلام، لا والله تارة، وبلى والله تارة أخرى، أو سبق لسانه بأن حلف على شئ فسبق لسانه إلى غيره فلغو: أي فهو لغو يمين، إذ لا يقصد بذلك تحقيق اليمين ولقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * ولخبر: لغو اليمين: لا والله، وبلى والله. رواه أبو داود وابن حبان وصححه. فلو جمع بين لا والله وبلى والله في كلام واحد، قال الماوردي الاولى لغو، والثانية

_ (1) سورة البقرة، الاية: 225.

كلام لم ينعقد والحلف مكروه إلا في بيعة الجهاد والحث على الخير والصادق في الدعوى ولو حلف في ترك واجب أو فعل حرام عصى ولزمه حنث وكفارة أو ترك مستحب أو فعل مكروه سن حنثه وعليه كفارة أو على ترك ـــــــــــــــــــــــــــــ منعقدة لانها استدراك مقصود منه. اه. وقوله: قال الماوردي إلخ. قال في التحفة: هو ظاهر إن علم أنه قصدها. وكذا إن شك، لأن الظاهر أنه قصدها، أما إذا علم أنه لم يقصدها فواضح أنه لغو. اه. وقال في المغني: وجعل صاحب الكافي من لغو اليمين ما إذا دخل على صاحبه فأراد أن يقوم له فقال: والله لا تقوم، وهو مما تعم به البلوى. اه. وهو ظاهر إن لم يقصد اليمين فإن قصدهم كانت يمينا كما نبه عليه في التحفة والنهاية. (قوله: بلا قصد) لا حاجة إليه بعد قوله سبق لسانه كما نبه عليه في المغنى وعبارته: تنبيه: لا حاجة لقوله بلا قصد بعد قوله ومن سبق لسانه. اه. (قوله: كلا والله وبلى والله) أي كقوله ذلك. (وقوله: في نحو غضب) متعلق بقوله المقدر. (قوله: لم ينعقد) أي اليمين بذلك، وهو جواب من. (قوله: والحلف مكروه) أي لقوله تعالى: * (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) * أي نصبا لها بأن تكثروا منها لتصدقوا، ولخبر: إنما الحلف حنث أو ندم، رواه ابن حبان في صحيحه، ولانه ربما يعجز عن الوفاء فيما حلف عليه. قال حرملة: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا قط. تنبيه: كان الأولى للمؤلف أن يزيد بعد قوله مكروه لفظ في الجملة، وذلك لأن من اليمين ما هو معصية كما سيأتي في كلامه، ومنها ما هو مباح، ومنها ما هو مستحب. كأن توقف عليها فعل مندوب أو ترك مكروه، ومنها ما هو واجب فيما إذا توقف عليها فعل واجب، أو ترك حرام. (قوله: إلا في بيعة الجهاد الخ) لو قال كغيره إلا في طاعة كبيعة الجهاد الخ. لكان أولى، إذ عبارته تفيد الحصر في هذه الثلاثة مع أنه ليس كذلك، بل مثلها كل طاعة من فعل واجب، أو ترك حرام، أو فعل مندوب، فلا كراهة في الحلف في جميع ذلك. ومثل في شرح الروض للبيعة على الجهاد بقوله عليه الصلاة والسلام: والله لاغزون قريشا الحديث المار. وقوله والحث على الخير: أي كقوله والله إن لم تثبت لتندم. (قوله: والصادق في الدعوى) الملائم لما قبله أن يقول: وفي الدعوى الصادقة: أي عند حاكم. ولا تكره اليمين أيضا فيما إذا دعت حاجة إليها كتوكيد كلام كقوله - صلى الله عليه وسلم -: فوالله لا يمل الله حتى تملوا أي لا يترك ثوابكم حتى تتركوا العمل، أو تعظيم أمر كقوله عليه السلام: والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. (قوله: ولو حلف الخ) هذا إشارة إلى استثناء رابع، فكأنه قال: وتكره إلا إن حلف على الاتكاب معصية فتحرم. (وقوله: ولزمه حنث الخ) تلخص من كلامه أن الحنث تارة يجب كما في هذه الصورة، وتارة يندب كما ذكره بقوله: أو ترك مستحب، أو فعل مكروه. وتارة يكون خلاف الأولى كما ذكره بقوله: أو على ترك مباح أو فعله. وبقي عليه الكراهة، وذلك كما إذا حلف على فعل مندوب، أو ترك مكروه، والتحريم كما إذا حلف على فعل واجب، أو ترك حرام، فيحرم عليه الحنث بترك واجب أو فعل حرام. فتحصل أن الحنث تعتريه أحكام خمسة ولا تعتريه الإباحة، لانه في صورة المباح يكون خلاف الاولى، وبضد ما قيل في الحنث يقال في البر، فحيث وجب الحنث حرم البر، وحيث حرم الحنث وجب البر، وحيث ندب الحنث كره البر، وحيث كره الحنث ندب البر. اه. بجيرمي. بتصرف (وقوله: عصى) أي بالحلف، واستثنى بالبلقيني من الصورة الأولى: أعني ترك الواجب مسألتين، الاولى: الواجب الذي يمكن سقوطه كالقصاص بعد الحكم به، فإنه يمكن سقوطه بالعفو. الثانية: الواجب على الكفاية، كما لو حلف لا يصلي على فلان الميت حيث لم تتعين عليه، فإنه لا يعصي بهذا الحلف. اه. مغني. (وقوله: ولزمه حنث وكفارة) أي لان الاقامة على هذه الحالة معصية، ولخبر الصحيحين: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير. ولكيفر عن يمينه. وإنما يلزمه الحنث إذا لم يكن له طريق سواه، وإلا فلا، كما لو حلف لا ينفق على زوجته فإن له طريقا

_ (1) سورة البقرة، الاية: 224.

مباح أو فعله كدخول دار وأكل طعام كلا آكله أنا فالافضل ترك الحنث إبقاءا لتعظيم الاسم. ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن يعطيها من صداقها، أو يقرضها ثم يبرئها، لان الغرض حاصل مع بقاء التعظيم. اه. شرح المنهج: وقوله: بأن يعطيها من صداقها: أي مع كون النفقة باقية في ذمته، والاولى ويمثل بنفقة القريب لانها تسقط بمضي الزمان. اه. بجيرمي. (قوله: أو ترك إلخ) بالجر عطف على ترك واجب أن قوله مستحب: أي كسنة الظهر. (وقوله: أو فعل الخ) عطف على ترك أيضا. (وقوله: مكروه) أي كالتفات في الصلاة. (قوله: سن حنثه وعليه كفارة) أي لان اليمين والاقامة عليه مكروهان، ولآية: * (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) *. وسبب نزولها أن الصديق رضي الله عنه حلف أن لا ينفق على مسطح بعدما قال لعائشة: ما هي بريئة منه فأنزل الله: * (ولا يأتل أولو الفضل) * الآية، فقال: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجريه عليه من النفقة. ظريفة: يحكى أن ابن المقري منع النفقة عن ولده لما رآه غير مستقيم فكتب إليه ولده: تقطعن عادة بر ولا تجعل عقاب المرء في رزقه فإن أمر الافك من مسطح يحط قدر النجم من أفقه وقد جرى منه الذي قد جرى وعوتب الصديق في حقه فأجابه بقوله: قد يمنع المضطر من ميتة إذا عصى بالسير في طرقه لانه يقوى على توبة توجب إيصالا إلى رزقه لو لم يتب مسطح من ذنبه ما عوتب الصديق في حقه (قوله: أو علي ترك مباح أو فعله) معطوفان على في ترك واجب، أي أو حلف على ذلك. (وقوله: كدخول دار الخ) مثال للمباح. تنبيه: أختلف فيما لو حلف لا يأكل طيبا، ولا يلبس ناعما، فقيل مكروه لقوله تعالى: * (قل من حرم زينة الله) * الآية، وقيل طاعة لما عرف من اختيار السلف خشونة العيش، وقيل يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس، وقصودهم وفراغهم للعبادة، واشتغالهم بالضيق والسعة، وهذا كما قال الرافعي الصواب. (قوله: فالافضل ترك الحنث) وقيل الافضل له الحنث ليستنفع الفقراء بالكفارة. قال الأذرعي ويشبه أن محل الخلاف ما إذا لم يكن في ذلك أذى للغير، فإن كان بأن حلف لا يدخل دار أحد أبويه أو أقاربه أو صديقه، فالافضل الحنث قطعا. وعقد اليمين على ذلك مكروه بلا شك. وكذا حكم الاكل واللبس. اه. مغني (قوله: إبقاء لتعظيم الاسم) أي المحلوف به، أي ولقوله تعالى: * (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها) *. تنبيهات: من حلف أن لا يفعل شيئا ككونه لا يزوج موليته، أو لا يطلق امرأته، أو لا يعتق عبده، أو لا يضرب غلامه، فأمر غيره بفعله ففعله وكيله ولو مع حضوره لم يحنث، لانه حلف على فعله ولم يفعل، إلا أن يريد الحالف استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، وهو أن لا يفعله هو ولا غيره فيحنث بفعل وكيله فيما ذكر عملا بإرادته، فإن فعل الشئ الذي حلف عليه بنفسه عامدا عالما مختارا حنث، بخلاف ما لو كان جاهلا أو ناسيا أو مكرها فلا يحنث حينئذ. ومن الفعل جاهلا أن يدخل دار الا يعرف أنها المحلوف عليها، أو يسلم على زيد في ظلمة ولا يعرف أنه زيد وهو حالف

_ (1) سورة النور، الاية: 22. (2) سورة الاعراف، الاية: 32. (3) سورة النحل، الاية: 91.

فرع: يسن تغليظ يمين من المدعي والمدعى عليه وإن لم يطلبه الخصم في نكاح وطلاق ورجعة وعتق ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه لا يسلم عليه. ومن حلف لا يبيع هذا العبد، أو لا يشتري هذا الثوب، فوهبه في الأولى، أو وهب له في الثانية، لم يحنث لانه لم يفعل المحلوف عليه. ومن حلف لا يبيع ولا يوكل وكان قد وكل قبل ذلك ببيع ماله، فباع الوكيل بعد الحلف بالوكالة السابقة، ففي فتاوي القاضي حسين: أنه لا يحنث، لانه بعد اليمين لم يباشر ولم يوكل. وقياسه أنه لو حلف على زوجته أن لا تخرج إلا بإذنه، وكان قد أذن لها قبل ذلك في الخروج إلى موضع معين، فخرجت إليه بعد اليمين لم يحنث. ومن حلف لا يعتق عبده فكاتبه وعتق بالاداء لم يحنث، كما نقله الشيخان عن ابن القطان وأقراه. ومن حلف لا يأكل الحشيشة فبلعها من غير مضغ حنث، لانه يسمى أكلا عرفا، والايمان مبنية على العرف. بخلاف ما لو حلف بالطلاق أنه لا يأكل الحشيشة فبلعها من غير مضغ فإنه لا يحنث، لأنه لا يسمى أكلا لغة، والطلاق مبني على اللغة. ولو حلف لا يلبس خاتما فلبسه في غير الخنصر لم يحنث. ومن حلف لا يكتب بهذا القلم فكسر بريته وبراه برية جديدة وكتب به لم يحنث. ومن حلف لا يتغدى، أو لا يتعشى، أو لا يتسحر، فلا يحنث في الاول إلا بأكله قبل الزوال، لان وقت الغداء من طلوع الفجر إلى الزوال. ولا يحنث في الثاني إلا بأكله بعد الزوال، لأن وقت العشاء من الزوال إلى نصف الليل. ولا يحنث في الثالث إلا بأكله بعد نصف الليل، لان وقت السحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر. ومن حلف لا يفارق غريمه حتى يوفيه حقه، فهرب غريمه منه لم يحنث ولو تمكن من إتباعه، بل ولو أذن له في الهرب، لانه لم يفارقه هو. ومن حلف لا يدخل الدار، حنث بدخوله داخل بابها حتى دهليزها، ولو برجل واحدة معتمدا عليها فقط، لا بصعوف سطح من خارج الدار، ولو محوطا بأن يكون له درج يصعد عليها له من خارجها. وإذا حلف الامير مثلا لا يضرب زيدا فأمر الجلاد فضربه لم يحنث، أو حلف لا يبني بيته فأمر البناء ببنائه فبناه فكذلك لا يحنث، أو حلف أن لا يحلق رأسه فأمر حلاقا فحلقه لم يحنث - كما جرى عليه ابن المقري - لعدم فعله، وقيل يحنث للعرف. ومطلق الحلف على العقود ينزل على الصحيح منها فلا يحنث بالفاسد، ولو أضاف العقد إلى ما لا يقبله: كأن حلف لا يبيع الخمر، ولا المستولدة، ثم أتى بصورة البيع، فإن قصد التلفظ بلفظ العقد مضافا إلى ما ذكره حنث، وإن أطلق فلا. وكذلك الحلف على العبادات كالصلاة والصوم ينزل على الصحيح منهما، فلا يحنث بالفاسد منهما إلا الحج، فإنه يحنث بالفاسد. ولو حلف لا يصلي لم يحنث بصلاة الجنازة، لأنها لا تسمى صلاة عرفا. ومن حلف ليثنين على الله أحسن الثناء، أو أعظمه، أو أجله، فليقل: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، أو بأجل التحاميد فليقل: الحمد لله حمدا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده. أو حلف ليصلين على النبي - صلى الله عليه وسلم - بأفضل الصلاة عليه، فليصل بالصلاة الابراهيمية التي في التشهد. وهنا فروع كثيرة تركناها خوف الاطالة. (قوله: فرع إلخ) الأولى فروع، لأنه ذكر أربعة الاول: قوله يسن تغليظ الخ، الثاني: قوله ويعتبر في الحلف الخ، الثالث: قوله واليمين يقطع الخصومة الخ، الرابع: قوله واليمين المردودة إلخ. واعلم أن ما ذكر يذكره الفقهاء في باب الدعوى، وهو الانسب وإن كان لذكره هنا وجه أيضا، وهو أن الكلام في الايمان وأنها قد تقع في خصومة كما مر. (وقوله: تغليظ يمين الخ) إنما سن ذلك لان اليمين إنما وضعت للزجر عن التعدي، فغلظت مبالغة وتأكيدا للردع فيما هو متأكد في نظر الشرع، وهو ما سيذكره من النكاح إلخ. (وقوله: من المدعي) أي صادرة منه فيما إذا كان المدعى به يثبت بيمين وشاهد، أو في يمين الرد. (وقوله: والمدعى عليه) أي وتغليظ يمين صادرة من المدعى عليه فيما إذا لم يكن عند المدعي بينة. (قوله: وإن لم يطلبه) أي التغليظ، وهو غاية في سنية التغليظ: أي يسن وإن لم يطلبه الخصم. قال في التحفة: بل وإن أسقطه كما قاله القاضي. اه. (قوله: في نكاح الخ) أي في دعوى ذلك، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة ليمين: أي يمين واقعة في دعوى الخ. ويحتمل أن في بمعنى على، والجار والمجرور متعلق

ووكالة وفي مال بلغ عشرين دينارا لا فيما دون ذلك لانه حقير في نظر الشرع نعم لو رآه الحاكم لنحو جراءة الحالف فعله. والتغليظ يكون بالزمان وهو بعد العصر وعصر الجمعة أولى وبالمكان وهو للمسلمين عند المنبر وصعودهما عليه أولى وبزيادة الاسماء والصفات ويسن أن يقرأ على الحالف آية آل عمران: * (إن الذين يشترون ـــــــــــــــــــــــــــــ بيمين، ولا حاجة إلى تقدير مضاف: أي يمين على نكاح وطلاق الخ. (وقوله: ووكالة) أي ولو في درهم. اه. تحفة. (قوله: وفي مال) معطوف على نكاح. (وقوله: بلغ عشرين دينارا) أي أو ما قيمته ذلك. تنبيه: كان حقه أن يزيد ولعان كما في التحفة، لان قوله الآتي وصعودهما عليه أولى لا يظهر إلا في الزوجين المتلاعنين، لانهما هما اللذان يصعدان على المنبر. (قوله: لا فيما دون ذلك) أي لا يسن تغليظ اليمين فيما دون عشرين دينارا. (قوله: لأنه) أي ما دون ذلك. (وقوله: حقير في نظر الشرع) أي فلم يعتن فيه بتغليظ اليمين. (قوله: نعم إلخ) استدراك على عدم سنية التغليظ فيما دون ذلك. (وقوله: لو رآه الحاكم) المفعول الثاني محذوف: أي رأى التغليظ أصلح فيما دون ذلك. (وقوله: لنحو جراءة الحالف) أي على اليمين، واللام للتعليل، وهي متعلقة برأى، أو بمفعوله الثاني المحذوف. (وقوله: فعله) أي فعل الحاكم التغليظ في اليمين. (قوله: وهو) أي الزمان الذي يحصل به التغليظ. (وقوله: بعد العصر) أي لان اليمين الفاجرة بعد العصر أغلظ عقوبة لخبر الصحيحين: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم - وعد منهم رجلا حلف على يمين كاذبة بعد العصر يقتطع بها مال امرئ مسلم. (قوله: وعصر الجمعة أولى) أي من عصر غير الجمعة، لان يومها أشرف الاسبوع، وساعة الاجابة فيها بعد عصرها. (قوله: وبالمكان) معطوف على بالزمان: أي والتغليظ يكون بالمكان أيضا. (قوله: وهو) أي المكان الذي يحصل التغليظ به. (وقوله: للمسلمين عند المنبر) الظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجار والمجرور قبله متعلق بما تعلق به هذا الخبر: أي وذلك المكان كائن عند المنبر بالنسبة للمسلمين: أي أما بالنسبة لغيرهم إذا ترافعوا إلينا فبيعة - بكسر الباء - وهي معبد النصارى، أو كنيسة وهي معبد اليهود، أو بيت نار مجوس لا بيت أصنام وثني دخل دارنا بهدنة أو أمان وترافعوا إلينا، فلا يحلف فيه، لأنه لا أصل له في الحرمة والتعظيم، بل في مجلس الحكم. وعبارة الخطيب في باب اللعان: فإن كان في غير المساجد الثلاثة فيكون في الجامع على المنبر كما صححه صاحب الكافي، لان الجامع هو المعظم من تلك البلدة والمنبر أولى، فإن كان في المسجد الحرام فبين الركن الذي فيه الحجر الاسود وبين مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ويسمى ما بينهما بالحطيم. فإن قيل: لا شئ في مكة أشرف من البيت. أجيب: بأن عدولهم عنه صيانة له عن ذلك. وإن كان في مسجد المدينة فعلى المنبر - كما في الام والمختصر - لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ومن حلف على منبري هذا يمينا آثما تبوأ مقعده من النار. وإن كان في بيت المقدس فعند الصخرة لانها أشرف بقاعه لانها قبلة الانبياء عليهم الصلاة والسلام. وفي ابن حنبل أنها من الجنة. اه. ومحل ذلك في غير المرأة الحائض، أو النفساء، أو المتحيرة، أما هي فعند باب الجامع لتحريم مكثها فيه. (قوله: وصعودهما) أي الزوجين عند اللعان - كما علمت - وعبارة فتح الجواد مع الاصل: ورقي كل منهما عند لعانه عليه - أي المنبر - بطيبة شرفها الله، وبغيرها أيضا أولى - وإن قل القوم. اه. (وقوله: عليه) أي على المنبر. (قوله: وبزيادة الخ) معطوف على بالزمان: أي ويكون التغليظ بزيادة الاسماء والصفات، كأن يقول والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم السر والعلانية، هذا إن كان الحالف مسلما، فإن كان يهوديا حلفه القاضي بالله الذي أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق، أو نصرانيا حلفه بالله الذي أنزل الانجيل على عيسى، أو مجوسيا أو وثنيا حلفه بالله الذي خلقه وصوره. ولا يجوز للقاضي أن يحلف أحدا بطلاق أو عتق أو نذر. ومتى بلغ الامام أن القاضي يستحلف الناس بذلك عزله، كما قاله الشافعي رضي الله عنه. وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من أهل العلم يرى الاستحلاف بذلك. اه. (قوله: ويسن أن يقرأ الخ) عبارة غيره: ومن

بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) *. وأن يوضع المصحف في حجره ولو اقتصر على قوله والله كفى. ويعتبر في الحلف نية الحاكم المستحلف فلا يدفع إثم اليمين الفاجرة بنحو تورية كاستثناء لا يسمعه الحاكم إن لم يظلمه خصمه كما بحثه البلقيني أما من ظلمه خصمه في نفس الامر كأن ادعى على معسر فيحلف لا تستحق علي شيئا أي تسليمه الآن فتنفعه التورية والتأويل لان خصمه ظالم إن علم أو مخطئ إن جهل فلو حلف إنسان ابتداء أو ـــــــــــــــــــــــــــــ التغليظ أن يوضع المصحف في حجره ويطلع له سورة براءة، ويقال له ضع يدك على ذلك ويقرأ قوله تعالى: * (إن الذين يشترون) * الآية. اه. (قوله: ولو اقتصر) أي الحالف. (وقوله: كفى) أي في الحلف. (قوله: ويعتبر) أي يعتمد. (وقوله: في الحلف) أي بالله تعالى لأنه المراد عند الاطلاق. (قوله: نية الحاكم) أي وعقيدته. ومثل الحاكم نائبه، أو المحكم، أو المنصوب للمظالم، وغيرهم من كل من له ولاية التحليف، وإنما اعتبرت نيته دون نية الحالف لخبر مسلم: اليمين على نية المستحلف. وحمل على الحاكم لانه الذي له ولاية الاستحلاف، ولانه لو اعتبرت نية الحالف لضاعت الحقوق. (وقوله: المستحلف) أي لمن توجه عليه الحلف. (قوله: فلا يدفع إثم اليمين إلخ) مفرع على اعتبار نية الحاكم: أي وإذا كان المعتبر نية الحاكم لا نية الحالف، فلو حلف وورى في حلفه، أو تأول، أو استثنى، فلا ينفعه ذلك ولا يدفع عنه إثم اليمين الفاجرة، لكن بشروط أربعة تستفاد من كلامه، وهي أن يكون ذلك الحلف عند القاضي أو المحكم، فلو حلف عند المدعي فقط نفعه ذلك، وأن يطلب منه القاضي أو المحكم الحلف، فلو حلف قبل طلبه منه نفعه ذلك. وأن لا يكون التحليف بالطلاق أو العتق، فإن كان بهما نفعه أيضا ذلك، وأن لا يكون الحالف محقا وإلا نفعه. (وقوله: بنحو تورية) هي قصد مجاز اللفظ لا حقيقته، كأن أدعى عليه ثوبا وأنكر فحلفه القاضي فقال: والله لا يستحق علي وثوبا، وأراد بالثوب الرجوع لانه من ثاب إذا رجع، وهذا مجاز مهجور. أو كأن أدعى عليه درهما فأنكر فحلفه القاضي فقال: والله لا يستحق علي درهما، ونوى الحديقة لانه - كما في القاموس - يطلق عليها. (وقوله: كاستثناء) تمثيل لنحو التورية. قال البجيرمي: كأن كان له عليه خمسة فادعى عليه عشرة وأقام شاهدا واحدا على العشرة وحلف مع الشاهد أن له عليه عشرة وقال إلا خمسة سرا. اه. أي فقوله إلا خمسة لا يدفع عنه إثم اليمين الفاجرة. ومثل الاستثناء التأويل، وهو اعتقاد خلاف نية القاضي بأن ادعى عليه دينارا قيمة متلف فأنكر فقال له القاضي: قل والله لا يستحق علي دينارا، فقال له ذلك ونوى ثمن مبيع ونوى القاضي قيمة المتلف، أو قصد بالدينار اسم رجل. (وقوله: لا يسمعه الحاكم) الجملة صفة لاستثناء، وضمير يسمعه يعود عليه. وهذا القيد زاده لأجل أن يكون الاستثناء من نحو التورية لا للاحتراز، لانه لو أسمعه للحاكم لا يدفع عنه إثم اليمين الفاجرة أيضا، بل يعزره الحاكم كما في النهاية ونصها: وخرج بحيث لا يسمعه ما لو سمعه فيعزره ويعيد اليمين: اه. (قوله: أن لم يظلمه خصمه) قيد في عدم دفع إثم اليمين الفاجرة بذلك. (وقوله: أما من ظلمه خصمه الخ) محترز القيد المذكور. (قوله: كأن ادعى على معسر الخ) وكأن يدعي على شخص أنه أخذ من ماله كذا بغير إذنه وسأله رده وهو إنما أخذه في دين له عليه، فأجابه بنفي الاستحقاق، فقال المدعي للقاضي: حلفه أنه ما أخذ من مالي شيئا بغير إذني، وكان القاضي يرى إجابته لذلك، فحلف المدعى عليه أنه ما أخذ شيئا من ماله بغير إذنه، ونوى بغير استحقاق فإنه ينفعه ذلك ولا إثم عليه. (قوله: أي تسليمه الآن) أي ونوى تسليمه الآن لكونه معسرا. (قوله: فتنفعه التورية والتأويل) أي ولا يأثم بهما، والملائم لما قبله في الجواب أن يقول فلا إثم عليه بهما. (قوله: لان خصمه ظالم) علة لكونه تنفعه التورية والتأويل حين إذ كان مظلوما. (وقوله: إن علم) أي أن المدين معسر. (وقوله: أو مخطئ) معطوف على ظالم: أي أو إن خصمه مخطئ إن جهل ذلك. (قوله: فلو حلف إنسان الخ) مرتب على ما يستفاد من قوله المار المستحلف، وهو اشتراط طلب الحاكم الحلف. إذ السين والتاء فيه للطلب كما في

_ (1) سورة آل عمران، الاية: 77. (2) سورة آل عمران، الاية: 77.

حلفه غير الحاكم اعتبر نية الحالف ونفعته التورية وإن كانت حراما حيث يبطل بها حق المستحق واليمين يقطع الخصومة حالا لا الحق فلا تبرأ ذمته إن كان كاذبا فلو حلفه ثم أقام بينة بما ادعاه حكم بها كما لو أقر الخصم بعد حلفه والنكول أن يقول أنا ناكل أو يقول له القاضي إحلف فيقول لا أحلف. واليمين المردودة وهي يمين المدعي بعد النكول كإقرار المدعى عليه لا كالبينة فلو أقام المدعى عليه بعدها بينة بأداء أو إبراء لم تسمع لتكذيبه لها بإقراره وقال الشيخان في محل تسمع وصحح الاسنوي الاول والبلقيني الثاني وقال شيخنا والمتحه الاول. فرع: يتخير في كفارة اليمين بين عتق رقبة كاملة مؤمنة بلا عيب يخل بالعمل أو الكسب ولو نحو ـــــــــــــــــــــــــــــ التحفة. (وقوله: ابتداء) أي من غير أن يطلب منه أحد الحلف. (وقوله: أو حلفه غير الحاكم) أي كالمدعي. (قوله: اعتبر نية الحالف) أي اعتمدت نيته فيعمل بها. (قوله: ونفعته التورية) أي فيتخلص بيمينه الموري فيها من استمرار الخصومة. (قوله: وإن كانت) أي التورية حراما. (وقوله: حيث الخ) قيد في الحرمة. (قوله: واليمين يقطع الخصومة الخ) أي يفيد قطع ذلك: أي قطع المطالبة بالحق. (وقوله: لا الحق) أي لا يقطع الحق: أي لا يفيد قطع الحق المدعى به، وذلك للخبر الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم -: أمر حالفا بالخروج من حق صاحبه. أي كأنه علم كذبه - كما رواه الإمام أحمد. (قوله: فلا تبرأ إلخ) مفرع على قوله إلا الحق. (وقوله: إن كان) أي الحالف كاذبا. (قوله: فلو حلفه) أي حلف الحاكم المدعى عليه عند عدم البينة. (قوله: ثم أقام) أي ثم بعد حلفه أقام المدعى بينة: أي أو شاهدا واحدا ليحلف معه. (قوله: حكم بها) أي بالبينة، ولغت يمين المدعى عليه لما علمت أنها لا تفيد البراءة من حق، وإنما تفيد قطع الخصومة فقط. (قوله: كما لو أقر الخصم) أي بالحق للمدعي، فإنه يثبت بإقراره. (وقوله: بعد حلفه) أي بعدم الحق في ذمته مثلا. (قوله: والنكول إلخ) لا يخفى أنه غير مرتبط بما قبله، فكان الصواب أن يؤخره عنه قوله: بعد النكول إلخ. وعبارة المنهاج: وإذا نكل حلف المدعي وقضى له، ولا يقضي له بنكوله، والنكول أن يقول أنا ناكل، أو يقول له القاضي إحلف فيقول لا أحلف. اه. (قوله: واليمين) مبتدأ خبره قوله كإقرار الخ. (وقوله: المردودة) أي من المدعى عليه، أو القاضي على المدعي. (قوله: وهي) أي اليمين المردودة. (وقوله: بعد النكول) أي نكول المدعى عليه من اليمين. (قوله: كإقرار المدعى عليه) ينبني على ذلك أنه لا يحتاج لحكم حاكم بعدها بالحق، ولا تسمع بعدها دعوى بمسقط كأداء أو إبراء، لان الإقرار من المدعى عليه لا يفتقر إلى حكم حاكم، ولا يقبل الرجوع عنه، بخلاف ما لو جعلت كالبينة فإنه يحتاج لذلك لاحتمال التزوير. وتسمع الدعوى بما ذكر لعدم إقرار المدعى عليه. اه ش ق. (قوله: فلو أقام المدعى عليه) هو بصيغة اسم المفعول، ونائب فاعله الجار والمجرور. (وقوله: بعدها) أي اليمين المردودة. (وقوله: بينة) مفعول أقام. (وقوله: بأداء أو إبراء) أي أو نحوهما من المسقطات. (وقوله: لم تسمع) أي البينة. (وقوله: لتكذيبه) أي المدعى عليه، والإضافة من إضافة المصدر لفاعله. (وقوله: لها) أي للبينة، والاولى إياها، لان المصدر متعد بنفسه. (وقوله: بإقراره) أي التنزيل لأنه لم يحصل إقرار بالفعل، وإنما حلف المدعي بعد النكول وهو كالاقرار. (قوله: وقال الشيخان في محل) أي في موضع آخر من كتبهما غير ما ذكراه هنا: أي في باب الدعوى. (قوله: وصحح الاسنوي الأول) أي عدم السماع. (قوله: والبلقيني الثاني) أي وصحح البلقيني الثاني، أي السماع. (قوله: وقال شيخنا إلخ) عبارة التحفة: وصحح الاسنوي الاول، والبلقيني الثاني وبسط الكلام عليه، وتبعه الزركشي فصوبه لانه إقرار تقديري لا تحقيقي فلا تكذيب فيه. واعترض بأن ظاهر كلام الشيخين تفريع السماع على الضعيف أنها كالبينة: وهو متجه، فالمعتمد ما في المتن إلخ. اه. (وقوله: وهو) أي الاعتراض متجه. (وقوله: فالمعتمد ما في المتن) أي من عدم سماعها. (قوله: فرع) أي في بيان صفة كفارة اليمين واختصت من بين الكفارات بأنها مخيرة ابتداء مرتبة إنتهاء. ومعنى كونها مخيرة ابتداء أنه يخبر المكفر فيها بين الاعتاق والاطعام والكسوة في ابتدائها، كما قال المؤلف: يتخير في كفارة

غائب علمت حياته. أو إطعام عشرة مساكين كل مسكين مد حب من غالب قوت البلد. أو كسوتهم بما يسمى كسوة ـــــــــــــــــــــــــــــ اليمين بين الخ، ومعنى كونها مرتبة انتهاء أنه لا ينتقل إلى الخصلة الرابعة التي هي الصوم إلا إذا عجز عن الخصال الثلاثة كما قال، فان عجز عن الثلاثة لزمه صوم ثلاثة أيام، والراجح في سبب وجوبها عند الجمهور اليمين والحنث معا، وللمكفر في غير صوم تقديمها على أحد سببيها كالزكاة، وليس له ذلك في الصوم لأنه عبادة بدنية، وهي لا تقدم على وقت وجوبها بلا حاجة، بخلاف ما إذا كان ب حاجة كما في الجمع بين الصلاتين تقديما. (قوله: يتخير) أي المكفر، ويشترط فيه أن يكون حرا رشيدا، فإن كان رقيقا ولو مكاتبا فلا يتخير بين الثلاثة المذكورة، بل عليه الصوم فقط، لأنه لا يملك، أو يملك ملكا ضعيفا. فلو كفر عنه سيده بغير إذنه لم يجز، وكذا بالصوم أيضا، ويجزئ بعد موته بالاطعام والكسوة لانه لا رق بعد الموت: وله في المكاتب أن يكفر عنه بهما بإذنه، كما أن للمكاتب أن يكفر بهما بإذن سيده. وإن كان سفيها أو مفلسا فليس له التكفير إلا بالصوم. والكافر يخير بين الثلاثة ولا ينتقل عنها إلى الصوم إلا إذا عجز عنها. وحينئذ يستقر الصوم في ذمته، ولا يصوم بالفعل إلا إذا أسلم. فلو أيسر بعد ذلك لم يلزمه الرجوع إلى غير الصوم من الخصال الثلاث. (قوله: في كفارة اليمين) قد نظمها ابن رسلان في زبده بقوله: كفارة اليمين عتق رقبة مؤمنة سليمة من معيبه أو عشرة تمسكنوا قد أدى من غالب الاقوات مدا مدا أو كسوة بما يسمى كسوه ثوبا قباء أو ردا أو فروة وعاجز صام ثلاثا كالرقيق والافضل الولاء وجاز التفريق (قوله: بين عتق رقبة) هو عندنا أفضل من الاطعام ولو في زمن الغلاء، والمراد بالعتق الاعتاق، ولو عبر به لكان أولى ليخرج ما لو اشترى من يعتق عليه بقصد العتق عن الكفارة كأصله وفرعه، فإنه لا يجزئه عنها لانه مستحق العتق بجهة القرابة، فلا ينصرف عنها إلى الكفارة. وعلم من ذلك أنه يشترط أن لا تكون الرقبة مستحقة للعتق بجهة أخرى غير الكفارة فتخرج أم الولد، فلا يجوز إعتاقها عن الكفارة لانها مستحقة للعتق بجهة أخرى. (وقوله: كاملة) أي فلا يجزئ عتق نصف رقبة وإطعام خمسة أو كسوتهم، وكذلك لا يجزئ إطعام خمسة وكسوة خمسة. (وقوله: مؤمنة) أي قبل العتق فلا تجزئ الكفارة ولا المؤمنة مع العتق. والمراد بالايمان فيها الاسلام، إذ المدار في إجراء الاحكام إنما هو الاسلام، وأما الايمان بمعنى التصديق فأمر باطني لا اطلاع لنا عليه. (قوله: بلا عيب الخ) أي ويشترط أن تكون سليمة من العيوب، لأن المقصود من العتق تكميل حال الرقيق ليترفع لوظائف الاحرار، ولا يتفرغ لها إلا أن استقل بكفاية نفسه، وإلا صار كلا، أي ثقلا على نفسه وعلى غيره، ولا يستقل بكفاية نفسه إلا السليم ولو بحسب الاصل، والظاهر، فيجزئ صغير ولو ابن يوم، لان الاصل والظاهر من حاله السلامة، ومريض يرجى برؤه، فإن لم يبرأ تبين عدم الاجزاء على الاصح. ولا يجزئ زمن، ولا هرم عاجز، ولا فاقد رجل أو خنصر وبنصر من يد، أو فاقد أنملتين من غيرهما، ولا فاقد أنملة إبهام لتعطل منفعة اليد بذلك، بخلاف فاقد أنملة غير إبهام، أو أنملتين من الخنصر أو البنصر. وأما من كل منهما فيضر، ويجزئ مقطوع الخنصر من يد والبنصر من يد أخرى. (قوله: يخل بالعمل) أي يضر بالعمل إضرارا بينا لكونه عظيما بخلاف غير البين لكونه يسيرا، فيجزئ فاقد الانف، أو الاذنين، أو أصابع الرجلين، بخلاف فاقد أصابع اليدين. ويجزئ الاخرس إذا كان له إشارة مفهمة، وفهم إشارة غيره، والاصم وهو فاقد السمع، والاعور الذي لم يضعف عورة بصر عينه السليمة، والاعرج الذي يمكنه تتابع المشي بأن يكون عرجه يسيرا، والاقرع وهو الذي لا نبات برأسه. (وقوله: أو الكسب) أو بمعنى الواو، والعطف للتفسير أو مرادف. (قوله: ولو نحو غائب) أي ولو كانت الرقبة غائبة، أو نحوها كمرهونة ومغصوبة فإنه يجزئ إعتاقها. (وقوله: علمت حياته) أي نحو الغائب ولو بعد الاعتاق. (قوله: أو إطعام) الأولى التعبير بالواو، لان مدخولها معطوف على مدخول بين وهي لا تدخل إلا على متعدد، والمراد بالاطعام التمليك،

كقميص أو إزار أو مقنعة أو منديل يحمل في اليد أو الكم لا خف فإن عجز عن الثلاثة لزمه صوم ثلاثة أيام ولا يجب تتابعها خلافا لكثيرين. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما عبر به اقتداء بالآية الشريفة وهي: * (فكفارته إطعام عشرة مساكين) * الآية، فلا يكفي أن يصنع لهم طعاما يغديهم به أو يعشيهم. (وقوله: عشرة مساكين) لو ملكهم جملة الامداد كفى، كما لو ملكهم عشرة أثواب جملة فإنه يكفي، بخلاف ما لو ملكهم ثوبا كبيرا يكفي العشرة، فلا يكفي وإن اقتسموه بعد ذلك، نعم لو قطعه عشرة قطع وأعطاه لهم كفى بشرط أن تسمى كل قطعة كسوة. (قوله: كل مسكين مد) أي كل مسكين يعطى مدا، فلا يكفي دون مد لواحد منهم. ولو أعطى العشرة أمداد لاحد عشر مسكينا لم يكف، لأن كل واحد أخذ دون مد. (وقوله: حب) ليس بقيد، بل الضابط أن يكون من جنس الفطرة بأن يكون من غالب قوت البلد من الاقوات المفصلة هناك. (وقوله: من غالب قوت البلد) أي بلد المكفر إن كفر عن نفسه، فإن كفر عنه غيره فالعبرة بغالب قوت بلد المكفر عنه. (قوله: أو كسوتهم) يقال فيه ما تقدم، والضمير يعود على العشرة مساكين، والمراد يدفع المكفر لكل واحد منهم ما يطلق عليه كسوة، وقد علمت أنه يجزئ أن يدفع للعشرة مساكين عشرة أثواب جملة، ثم يقتسموها بينهم، بخلاف ما لو دفع ثوبا كبيرا وإن اقتسموه بعد ذلك، إلا إن قطعه عشرة قطع بالشرط المتقدم. (وقوله: بما يسمى كسوة) أي بشئ يسمى كسوة مما يعتاد لبسه. (وقوله: كقميص) لا يشترط فيه أن يكون صالحا للمدفوع إليه، فيجزئ أن يدفع للرجل ثوب صغير، أو ثوب امرأة، ولا يشترط كونه جديدا. فيجوز دفعه ملبوسا لم تذهب قوته ولو كان مغسولا أو متنجسا، لكن يجب عليه أن يعلمهم بنجاسته، بخلاف نجس العين فلا يجزئ، وبخلاف ما ذهبت قوته وهو الثوب البالي فلا يجزئ لضعف النفع به. (قوله: أو إزار) أو رداء أو عمامة، وإن قلت كذراع. (قوله: لا خف) أي ونحوه من كل ما لا يسمى كسوة كقفازين ومنطقة - وهي ما يشد به الوسط - وخاتم وتكة وتبان: وهو سروال صغير بقدر شبر لا يبلغ الركبة بل يغطي السوأتين كما يلبسه الملاحون، ودرع من نحو حديد، ونعل وجورب وقلنسوة - وهي ما يغطى بها الرأس - وعرقية - وهي الطاقية المعروفة. وقول شيخ الإسلام في شرح منهجه بأجزائها، محمول على أن المراد بها شئ آخر كالعراقة التي تجعل تحت البرذعة أو السرج، وهذا الحمل وإن كان بعيدا أولى من إبقائه على ظاهره المخالف لكلام الاصحاب. ومما يبعد هذا الحمل المذكور كون العراقة المذكورة لا تسمى كسوة للآدميين بل للدواب وقد قال تعالى: * (أو كسوتهم) * ولم يقل أو كسوة دوابهم. (قوله: فإن عجز عن الثلاثة) أي عن كل واحد من الثلاثة، والمراد بالعجز ما يشمل الحسي، كأن لم يجد شيئا من الثلاثة رأسا، والشرعي بأن وجد ذلك ولكن لم يملك ثمنه، أو ملكه ولكن يحتاج إليه لمؤنة نفسه أو ممونه، وليس من العجز الشرعي وجود شئ من الثلاثة بأكثر من ثمن مثله كما في التيمم، بل يصبر إلى أن يجده بثمن مثله، وكذلك ليس منه ما لو غاب ماله إلى مسافة القصر فيصير إلى أن يحضر ماله ويكفر به. (قوله: لزمه صوم ثلاثة أيام) أي بنية الكفارة، ويشترط تبييتها. (قوله: ولا يجب تتابعها) أي لاطلاق الآية وهي: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) *. (قوله: خلافا لكثيرين) أي قالوا بوجوب التتابع، واحتجوا بذلك بقراءة ابن مسعود ثلاثة أيام متتابعات، والقرائة الشاذة كخبر الواحد في وجوب العمل بها، ولذلك أوجبوا قطع يد السارق اليمنى في السرقة الاولى بقراءة: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) * مع كونها قرائة شاذة، وأجاب الاولون بأن قراءة متتابعات نسخت تلاوة وحكما فلا يستدل بها، بخلاف آية السرقة فإنها نسخت تلاوة لا حكما، والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ (1) سورة المائدة، الاية: 89. (2) سورة المائدة، الاية: 89. (3) سورة البقرة، الاية: 196. (4) سورة المائدة، الاية: 38.

باب في الإعتاق

باب في الإعتاق هو إزالة الرق عن الآدمي والاصل فيه قوله تعالى: * (فك رقبة) * وخبر الصحيحين أنه (ص) قال: من أعتق رقبة مؤمنة - وفي رواية امرأ مسلما - أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى الفرج بالفرج ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في الإعتاق هو لغة: السبق والاستقلال مأخوذ من قولهم عتق الفرس إذا سبق، وعتق الفرخ إذا طار واستقل. فكأن العبد إذا فك من الرق تخلص واستقل وسبق غيره ممن لم يعتق. وشرعا: إزالة الرق عن آدمي كما سيذكره. واعلم: أنه قد قام الاجماع على أن العتق بالقول قربة سواء المنجز والمعلق، وأما تعليقه فليس قربة إن قصد به حث أو منع أو تحقيق خبر: كإن دخلت الدار فأنت حر، أو إن لم تسافر فأنت حر، أو إن لم يكن الخبر الذي أخبرتكم به حقا فعبدي حر، فإن لم يقصد به ذلك كان قربة نحو: إن طلعت الشمس فأنت حر. وأما العتق بالفعل وهو الاستيلاد فليس قربه لانه متعلق بقضاء أو طار، إلا إن قصد به حصول عتق أو ولد فيكون قربة - والعتق بالقول من الشرائع القديمة بدليل عتق ذي الكراع الحميري ثمانية آلاف، وكان ذلك في الجاهلية. وعتق أبي لهب ثويبة لما بشرته بولادة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما العتق بالفعل فهو من خصوصيات هذه الامة. وأركانه ثلاثة: معتق وعتيق وصيغة. ويشترط في المعتق أن يكون حرا كله مختارا مطلق التصرف. وشرط في العتيق أن لا يتعلق به حق لازم غير عتق يمنع ذلك الحق بيعه بأن لم يتعلق به حق أصلا، أو تعلق به حق جائز كالمعار، أو تعلق به حق لازم هو عتق كالمستولدة، أو تعلق به حق لازم غير عتق لا يمنع بيعه كالمؤجر، بخلاف ما تعلق به حق لازم غير عتق يمنع بيعه كالمرهون فإن فيه تفصيلا: وهو أنه ينفذ من الموسر ولا ينفذ من المعسر. وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالعتق، أو إشارة أخرس، أو كتابة بنية. وهذه الاركان ما عدا العتيق مصرح بها في كلامه، وأما العتيق فمعلوم من كلامه ضمنا. (قوله: هو) أي الاعتاق شرعا. (وقوله: إزالة الخ) المراد بالازالة ما يشمل الزوال فدخل فيه العتق بالبعضية وبالسراية، والعتق بالفعل، وهو الاستيلاد، وذلك لأنه ذكر ذلك كله في هذا الباب. (وقوله: عن الآدمي) خرج به غير الآدمي كالطير والبهيمة، فلا يصح عتقهما لانه كتسييب السوائب وهو حرام. نعم: لو أرسل مأكولا بقصد إباحته لمن يأخذه لم يحرم، ولمن يأخذه أكله فقط، وليس له إطعام غيره منه على المعتمد كالضيف، فإنه لا يجوز له إطعام غيره لانه إنما أبيح له أكله دون غيره. (قوله: والأصل فيه) أي والدليل على مشروعية الاعتاق. (وقوله: قوله تعالى: * (فك رقبة) *) أي من الرق أي وقوله تعالى: * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) * أي بالاسلام * (وأنعمت عليه) * أي بالعتق كما قاله المفسرون. (قوله: وخبر الصحيحين) معطوف على قوله تعالى، أي والأصل فيه خبر الصحيحين. (وقوله: أنه - صلى الله عليه وسلم - إلخ) بدل من خبر الصحيحين. (وقوله: من أعتق رقبة) المراد بالرقبة الذات على سبيل المجاز المرسل، وإنما عبر عنها بالرقبة لأن الرق كالغل في الرقبة، فإن السيد يحبسه به كما يحبس الدابة بالحبل في رقبتها، فإذا أعتقه فقد أطلقه من ذلك الغل الذي كان في رقبته. (وقوله: مؤمنة) التقييد به للغالب فلا مفهوم له. (وقوله: وفي رواية امرأ مسلما) أي

_ (1) سورة البلد، الاية: 13. (2) سورة البلد، الاية: 13. (3) سورة الاحزاب، الاية: 37.

وعتق الذكر أفضل. وروي أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أعتق ثلاثين ألف نسمة أي رقبة وختمنا كالاصحاب بباب العتق تفاؤلا (صح عتق مطلق تصرف) له ولاية ولو كافرا فلا يصح من صبي ومجنون ومحجور بسفه أو فلس ولا من غير مالك بغير نيابة: (بنحو أعتقتك أو حررتك) كفككتك وأنت حر أو عتيق ـــــــــــــــــــــــــــــ بدل قوله رقبة مؤمنة. (وقوله: حتى الفرج بالفرج) نص على ذلك لان ذنبه أقبح وأفحش، أو لانه قد يختلف من المعتق، والعتيق كعتق الرجل أمة، وكعتق المرأة رجلا. (قوله: وعتق الذكر أفضل) عبارة التحفة قبله: وصح خبر: أيما امرئ مسلم أعتق لله امرأ مسلما كان فكا له من النار، وأيما امرء مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكا له من النار. وبه يعلم أن عتق الذكر أفضل: أي من عتق الانثى. اه. (قوله: وروى أن عبد الرحمن إلخ) عبارة التحفة قبله: ويسن الاستكثار منه كما جرى عليه أكابر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وأكثر من بلغنا عنه ذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فإنه جاء أنه أعتق ثلاثين ألف نسمة، وعن غيره أنه أعتق في يوم واحد ثمانية آلاف عبد. اه. ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتق ثلاثة وستين نسمة وعاش ثلاثا وستين سنة، ونحر بيده في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة، وأعتقت عائشة تسعا وستين، وعاشت كذلك، وأعتق أبو بكر كثيرا، وأعتق العباس سبعين، وأعتق عثمان وهو محاصر عشرين. (قوله: وختمنا) أي الكتاب. (وقوله: كالاصحاب) أي أصحاب الامام. (قوله: تفاؤلا) أي رجاء أن الله يعتقه من النار، وأيضا ليناسب الختام الافتتاح، فالافتتاح بالعبادات، والختام بالعتق الذي هو أفضل القربات، وبين العبادة والقربة تناسب واضح. (قوله: صح عتق) أي إعتاق. (وقوله: مطلق تصرف) أي من يجوز له أن يتصرف تصرفا مطلقا، بأن يكون بالغا عاقلا رشيدا. (وقوله: له ولاية) أي على الرقيق بطريق الملكية، أو بطريق النيابة، ولا بد أن يكون حرا كامل الحرية، وأن يكون مختار، فلا يصح من المكاتب والمبعض، ومن المكره بغير حق، أما إذا كان بحق فيصح كما لو اشترى العبد بشرط العتق ثم امتنع من الاعتاق، فإذا أكرهه الحاكم عليه حينئذ صح لانه إكراه بحق. (قوله: ولو كافرا) غاية في مطلق التصرف: أي يصح العتق منه ولو كان كافرا. قال الشرقاوي: فيخفف عنه من عذاب غير الكفر بسببه. اه. (قوله: فلا يصح) أي الاعتاق، وهو مفهوم القيود المندرجة تحت قوله: مطلق تصرف: أعني البلوغ والعقل والرشد، وإنما لم يصح منهم لعدم صحة تصرفهم. (قوله: ومحجور بسفه) محل عدم صحة اعتاقه إذا كان بالقول المنجز، أما إذا كان بالفعل، أو كان معلقا فينفذ منه. (وقوله: أو فلس) أي أو محجور عليه بفلس، ومحل عدم صحة إعتاقه أيضا إذا كان بالفعل أو بالقول المنجز، أما إذا كان بالقول المعلق كالتدبير فيصح منه. أفاده البجيرمي. (قوله: ولا من غير مالك إلخ) مفهوم قوله له ولاية: أي ولا يصح العتق من غير مالك للعبد. (وقوله: بغير نيابة) أي من المالك، أما بالنيابة منه فيصح. (قوله: بنحو أعتقتك الخ) الملائم لقوله بعد وبكناية أن يقول هنا بصريح عتق نحو أعتقتك الخ، وهذا شروع في بيان الركن الثالث وهي الصيغة. وحاصل الكلام عليها أنها تنقسم إلى صريح في العتق وإلى كناية فيه، والأول هو ما لا يحتمل غير العتق، وذلك كمشتق تحرير وإعتاق وفك رقبة. كقوله أنت حر، أو محرر، أو حررتك، أو أنت عتيق، أو معتق، أو أعتقتك، أو أنت فكيك الرقبة، أو مفكوك الرقبة، أو فككت رقبتك. ولو قال أعتقك الله، أو الله أعتقك، كان صريحا أيضا للقاعدة أن كل ما استقل به الانسان إذا أسنده لله كان صريحا، وما لا يستقل به الانسان كالبيع إذا أسنده لله كان كناية. وقد نظمها بعضهم في قوله: ما فيه الإستقلال بالإنشاء وكان مسندا لذي الآلاء فهو صريح ضده كناية فكن لذا الضابط ذا دراية وحكم الصريح أنه لا يحتاج إلى نية الايقاع، لانه لا يفهم منه غير العتق عند الاطلاق، فهو قوي في نفسه فلم يحتج لتقويته بالنية. نعم: لو قال لمن إسمها حرة يا حرة ولم يقصد العتق بأن قصد النداء، أو أطلق لم تعتق. والثاني ما

وبكناية مع نية كلا ملك أو لا سبيل لي عليك أو أزلت ملكي عنك وأنت مولاي وكذا يا سيدي على المرجح وقوله أنت إبني أو هذا أو هو إبني أو أبي أو أمي إعتاق إن أمكن من حيث السن وإن عرف نسبه مؤاخذة له بإقراره أو يا ابني كناية فلا يعتق في النداء إلا إن قصد به العتق لاختصاصه بأنه يستعمل في العادة كثير الملاطفة وحسن المعاشرة كما صرح به شيخنا في شرح المنهاج والارشاد وليس من لفظ الاقرار به قوله لا عتق لعبد فلان لانه لا ـــــــــــــــــــــــــــــ احتمل العتق وغيره، وذلك كقول السيد لعبده: لا ملك لي عليك، أو لا سلطان لي عليك، أو لا سبيل لي عليك، أو لا خدمة لي عليك، أو أنت سائبة، أو أنت مولاي، أو أنت سيدي، أو أزلت ملكي أو حكمي عنك، ونحو ذلك مما هو صريح أو كناية في الطلاق أو الظهار، لكن فيما هو صالح للعتق، بخلاف ما ليس بصالح له كقوله لعبده: إعتد، أو استبرئ رحمك. وقوله لامته أنا منك طالق، فلا يقع به العتق وإن نواه. وحكم ما كان بالكناية أنه يقع به العتق إن نواه وإن احتفت به قرينة، فلا تكفي عن النية، ويكفي قرن النية بجزء من الصيغة المركبة من المبتدإ والخبر مثلا - كما في الطلاق بالكناية. (قوله: كفككتك إلخ) تمثيل لنحو أعتقتك. (قوله: وبكناية) معطوف على نحو الخ. (وقوله: مع نية) أي للعتق، وذلك لاحتمال اللفظ غير العتق. (قوله: كلا ملك إلخ) أي لكوني أعتقتك، ويحتمل لكوني بعتك. (وقوله: لي عليك) مرتبط بكل من قوله لا ملك وقوله لا سبيل. (قوله: أو أزلت ملكي عنك) أي بالعتق، ويحتمل البيع. (قوله: وأنت مولاي) إنما كان كناية لاشتراكه بين المعتق والعتيق، قال الشاعر: وهل يتساوى سادة وعبيدهم على أن أسماء الجميع موالي (قوله: وكذا يا سيدي) أي وكذلك هو كناية. (وقوله: على المرجح) أي عند غير القاضي والغزالي. وعبارة المغني. تنبيه: لو قال لعبده يا سيدي، هل هو كناية أو لا؟ وجهان رجح الامام أنه كناية، وجرى عليه ابن المقرى، وهو الظاهر. ورجح القاضي والغزالي أنه لغو لانه من السؤدد، وتدبير المنزل، وليس فيه ما يقتضي العتق. اه. وفي التحفة: وهل أنت سيدي كذلك، أو يقطع فيه بأنه كناية؟ كل محتمل. اه. (قوله: وقوله) أي المالك مخاطبا لعبده في المثال الأول، ومخاطبا لغيره في بقية الامثلة. (وقوله: إعتاق) أي صريحا كما يدل عليه قوله بعد: أو يا ابني كناية، وهو خبر عن قوله أنت الخ. (قوله: أن أمكن من حيث السن) أي إن أمكن أن يكون الرقيق إبنه، أو بنته، أو أباه، أو أمة، من حيث السن. قال ع ش: وإلا أي وإن لم يمكن ذلك كان لغوا. اه. (قوله: وان عرف نسبه) أي نسب الرقيق لغير المدعي. (قوله: مؤاخذة له بإقراره) تعليل لكون قوله المذكور إعتاقا: أي يعتق عليه به، وإن عرف نسبه لغيره مؤاخذة له بإقراره، قال ع ش: أي فيعتق ظاهرا لا باطنا. وينبغي أن محله حيث قصد به الشفقة والحنو، فلو أطلق عتق ظاهرا وباطنا. اه. (قوله: أو يا ابني إلخ) الأولى التعبير بالواو كما في التحفة: أي وقوله: يا ابني بالنداء كناية. (قوله: فلا يعتق في النداء) الاولى الاضمار بأن يقول: فلا يعتق فيه، أي في قوله يا ابني. (وقوله: إلا إن قصد به العتق) أي فإنه يعتق عليه. (وقوله: لاختصاصه) أي النداء، وهو علة لعدم العتق ألا بالقصد (قوله: كما صرح به) أي بالمذكور كله من قوله أنت ابني الخ، لكن قوله: فلا يعتق في النداء الخ في شرح الإرشاد لا في التحفة، ونص عبارة الاول: ويعتق أيضا بقوله أنت ابني، أو أنت بنتي، أو أنا أبوك، فيما يظهر إذا كان ذلك خطابا لممكن، كونه قنه لصغر سنه، وإن لم ينو بذلك عتقه. أو كان بالغا وكذبه في أنه إبنه وعرف كذب السيد فيه، لكون القن معروف النسب من غير مؤاخذة له بإقراره، ويؤخذ من ذلك أن عتقه بذلك إنما هو في الظاهر دون الباطن إن لم يكن فيه إبنه، وهو محتمل، والاوجه كما بينته في الاصل إن ما ذكر لا يجري في النداء، بل لا يعتق به إلا إن قصد به العتق لاختصاصه بأنه يستعمل في العادة كثيرا للملاطفة وحسن العشرة. اه. (قوله: وليس من لفظ الاقرار به) أي بالعتق.

يصلح موضوعه لاقرار ولا إنشاء وإن استعمل عرفا في العتق كما أفتى به شيخنا رحمه الله تعالى (ولو بعوض) أي معه فلو قال أعتقتك على ألف أو بعتك نفسك بألف فقبل فورا عتق ولزمه الالف في الصورتين والولاء للسيد فيهما (ولو أعتق حاملا) مملوكة له هي وحملها (تبعها) أي الحمل في العتق وإن استثناه لانه كالجزء منها، ولو أعتق الحمل عتق إن نفخت فيه الروح دونها، ولو كانت لرجل والحمل لآخر بنحو وصية لم يعتق أحدهما بعتق ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقوله: لا عتق لعبد فلان) الذي يظهر أن اللام الاولى لام الابتداء، ومدخولها فعل مضارع. واللام الثانية زائدة، ومدخولها مفعوله. (وقوله: لأنه لا يصلح موضوعه الخ) علة لكون اللفظ المذكور ليس إقرارا بالعتق: أي وإنما لم يكن إقرارا به لان موضوعه: أي لفظ أعتق لا يصلح لاقرار به، ولا لانشائه، بل هو للوعد به، إذ صيغة الاستقبال تفيد ذلك، وأنت خبير بأن قياس قولهم في البيع أن صيغة المضارع كناية فيه لاحتمالها الوعد والانشاء أن يكون هنا كذلك فليراجع. (قوله: ولو بعوض) غاية لقوله صح عتق الخ. (وقوله: أي معه) أفاد به أن الباء بمعنى مع: أي يصح العتق بما ذكر ولو مع عوض: أي ملتزم في ذمة الرقيق يؤديه بعد العتق، فلا يصح أن يكون معينا كهذا الثوب، إذ لا ملك له قبل العتق. (قوله: فلو قال) أي السيد لعبده. (وقوله: أعتقتك على ألف) أي في ذمتك تؤديني إياها بعد العتق كما عرفت. (قوله: أو بعتك نفسك بألف) عبارة المنهاج مع شرح ابن حجر، ولو قال بعتك نفسك بألف في ذمتك حالا أو مؤجلا تؤديه بعد العتق، فقال: اشتريت، فالمذهب صحة البيع كالكتابة، بل أولى لأن هذا ألزم وأسرع، ويعتق في الحال وعليه ألف عملا بمقتضى العقد، وهو عقد عتاقة لا بيع فلا خيار فيه. وخرج بقوله بألف قوله بهذا فلا يصح لأنه لا يملكه، والولاء للسيد لما تقرر أنه عقد عتاقة لا بيع. اه. (قوله: فقبل) أي العبد. (وقوله: فورا) قيد لانه بيع في المعنى، وهو يشترط فيه الفورية بين الإيجاب والقبول كما تقدم. (قوله: عتق) أي العبد. واعلم: أن عتق يستعمل لازما كما هنا، ويستعمل متعديا كما في قولك عتقت عبدي، وقد تدخل عليه الهمزة فيقال أعتق وهو حينئذ متعد لا غير. (قوله: ولزمه الالف) أي لزم الرقيق أداء الالف التي التزمها في ذمته للسيد. قال في التحفة ولا حط هنا لضعف شبهه بالكتابة. اه. (وقوله: في الصورتين) أي قوله: أعتقتك على ألف، وقوله: بعتك نفسك بألف. (قوله: والولاء للسيد) أي لعموم خبر الصحيحين: إنما الولاء لمن أعتق. (وقوله: فيهما) أي في الصورتين. (قوله: ولو أعتق حاملا) شمل إطلاقه ما لو قال لها أنت حرة بعد موتي، فإنها تعتق مع حملها على الاصح، ولو عتقت بعد خروج بعض الولد منها، سري إليه العتق كما في الروضة، وأصلها في باب العدد. (قوله: مملوكة له) أي للمعتق. (وقوله: هي) توكيد للضمير المستتر. (وقوله: وحملها) بالرفع معطوف على الضمير المستتر، وساغ ذلك لوجود شرطه وهو الفصل بالضمير المنفصل. كما قال ابن مالك: وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما الخ (قوله: تبعها) أي ما لم يكن في مرض الموت، ولم يحتملهما الثلث، فإن كان كذلك فإن الحمل لا يتبعها، كما نقله سم عن البرلسي. اه. بجيرمي. (قوله: وإن استثناه) أي استثنى الحمل في صيغة العتق بأن قال: عتقتك دون حملك، فإنه يتبعها فيه. ولقوة العتق لم يبطل بالاستثناء، بخلافه في البيع كما مر. (قوله: لانه) أي الحمل، وهو علة للتبعية: أي وإنما تبعها فيه لانه كالجزء منها، فعتقه بالتبعية لا بالسراية، لان السراية إنما تكون في الاشقاص كالربع لا في الاشخاص. (قوله: ولو أعتق الحمل) أي فقط. (وقوله: عتق إن نفخت فيه الروح) أي لأنه يشترط في العتيق أن يكون آدميا. قال في المغني، تنبيه: محل صحة إعتاقه وحده إذا نفخ فيه الروح، فإن لم تنفخ فيه الروح كمضغة كأن قال أعتقت مضغتك فهو لغو. اه. (وقوله: دونها) أي دون الامة الحامل: أي فلا تتبعه في العتق، لان الاصل لا يتبع الفرع.

الآخر (أو) أعتق (مشتركا) بينه وبين غيره أي كله (أو) أعتق (نصيبه) منه كنصيبي منك حر (عتق نصيبه) مطلقا (وسرى الاعتاق) من موسر لا معسر لما أيسر به من نصيب الشريك أو بعضه ولا يمنع السراية دين مستغرق بدون حجر واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري إلى حصة شريكه كالعتق وعليه قيمة نصيب شريكه وحصته من مهر المثل لا قيمة الولد أي حصته ولا يسري التدبير (ولو ملك) شخص (بعضه) من أصل أو فرع وإن بعد (عتق ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ولو كانت لرجل إلخ) مفهوم قوله مملوكة له هي وحملها. (وقوله: بنحو وصية) تصوير لكون الحمل يكون لشخص وأمة لآخر: أي يتصور ذلك بما إذا أوصى شخص بالحمل لشخص غير الوارث ومات فيكون الحمل ملكا للموصى له، والام للوارث. واندرج تحت نحو الوصية الوقف. (قوله: لم يعتق أحدهما بعتق الآخر) أي لأنه لا استتباع مع اختلاف المالكين، ولا تتأتى السراية لما مر أن السراية إنما تكون في الاشقاص لا في الاشخاص. (قوله: أو أعتق مشتركا) شروع في العتق بالسراية. (وقوله: بينه) أي المعتق. (وقوله: وبين غيره) هو الشريك. (قوله: أي كله) أي أعتق كل المشترك بأن قال له أنت حر. (قوله: أو أعتق نصيبه) أي أو لم يعتقه كله بل أعتق نصيبه: أي حصته من العبد المشترك بأن قال نصيبي منك حر، أو نصفك حر، وهو يملك نصفه. (قوله: عتق نصيبه) أي فقط، وهو جواب لو المقدرة قبل قوله: أعتق مشتركا. (وقوله: مطلقا) أي موسرا كان أو معسرا في صورة عتقه كله، وفي صورة عتقه نصيبه فقط، وذلك لأنه يملك التصرف فيه. (قوله: وسرى الاعتاق إلخ) أي لخبر الصحيحين: من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم العبد عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق. (قوله: من موسر) المراد به هنا الموسر بنصيب شريكه فاضلا عن جميع ما يترك للمفلس من قوت ممونه يومه وليلته، ومن سكنى يومه، ومن دست ثوب يليق به - كما مر - اه. بجيرمي. (وقوله: لا معسر) أي لا يسري الاعتاق من معسر بنصيب شريكه، فيبقى الباقي بعد الاعتاق رقيقا للشريك. (قوله: لما أيسر به) متعلق بسرى، أي سرى لما أيسر بقيمته. (وقوله: من نصيب إلخ) بيان لما. (قوله: ولا يمنع السراية دين) أي لو كان المعتق مدينا فلا يمنع الدين المستغرق لجميع ما عنده السراية، لانه مالك لما في يده نافذ التصرف فيه، ولهذا لو اشترى عبدا وأعتقه نفذ. (وقوله: بدون حجر) أي لا يمنع الدين السراية عليه إذا كان غير محجور عليه، فإن كان محجورا عليه منع السراية. ويشترط أن يكون الحجر بفلس، أما إذا كان بسفه فلا يمنع كما في المغنى. وعبارته بعد قول الأصل: ولا يمنع السراية دين مستغرق. تنبيه: هذا إذا كان من يسري عليه غير محجور عليه، فإن حجر عليه بفلس بعد أن علق عتق حصته على صفة ثم وجدت حال الحجر فلا سراية، وفي نظيره في حجر السفه يعتق عليه. والفرق أن المفلس لو نفذنا عتقه أضررنا بالغرماء بخلاف السفيه. اه. (قوله: وإستيلاد) مبتدأ خبره جملة يسري. (وقوله: الموسر) بالجر صفة لاحد الشريكين. وخرج به المعسر فلا يسري إستيلاده، وينعقد الولد مبعضا لا حرا. (وقوله: كالعتق) أي كسريانه كما مر. (قوله: وعليه قيمة نصيب شريكه) هذا مرتبط بصورة الاعتاق وصورة الاستيلاد، فضمير عليه يعود على المذكور من المعتق والمستولد: يعني أنه يسري الاعتاق إلى ما أيسر به، وعليه قيمة نصيب شريكه. ويسري الاستيلاد إلى حصة شريكه، وعليه قيمة ذلك. قال البجيرمي: وهو يفيد أن الواجب قيمة ما أيسر به لا حصة ذلك من قيمة الجميع، فإذا أيسر بحصة شريكه كلها، فالواجب قيمة النصف لا نصف القيمة. عميرة. سم. والمراد بقيمة النصف قيمته منفردا عن النصف الآخر، والمراد بنصف القيمة نصف قيمة جميعه بأن يقوم جميعه. اه. (قوله: وحصته من مهر المثل) هذا مرتبط بالصورة الثانية فقط. أي وعليه لشريكه حصته من مهر المثل. وعبارة المنهج مع شرحه: وعليه لشريكه في المستولدة حصته ومن مهر مثل مع أرش بكارة إن كانت بكرا، هذا إن تأخر الانزال عن تغييب الحشفة كما هو الغالب، وإلا فلا يلزمه حصة مهر، لأن الموجب له تغييب الحشفة في ملك غيره وهو منتف. اه. وقوله: مع أرش بكارة: أي مع حصته من أرش بكارة، وينبغي أن محله إن تأخر

عليه) لخبر مسلم. وخرج بالبعض غيره كالاخ فلا يعتق بملك (ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي) أو إذا مت ـــــــــــــــــــــــــــــ الانزال عن إزالتها كما هو الغالب، وإلا فلا يجب لها أرش. ولعله لم ينبه عليه لبعد العلوق من الانزال قبل زوال البكارة. اه. بجيرمي. (قوله: لا قيمة الولد) أي ليس عليه لشريكه قيمة الولد، وذلك لان أمه صارت أم ولد حالا فيكون العلوق في ملك الوالد فلا تجب القيمة. (وقوله: أي حصته) أفاد به أن هنا مضافا مقدرا بين المتضايفين هو ما ذكر: أي لا قيمة حصة الشريك من الولد، ولو قال من أول الامر لا قيمة حصة الولد لكان أخصر. (قوله: ولا يسري التدبير) يعني إذا دبر أحد الشريكين نصيبه من العبد كأن قال: إن مت فنصيبي منك حر، فلا يسري التدبير لنصيب شريكه لانه ليس إتلافا، بدليل جواز بيع المدبر، فبموت السيد يعتق ما دبره فقط، لان الميت معسر، ومثل التدبير المعلق عتقه بصفة. واعلم: أنه يشترط للسراية أمور: أحدها: اليسار كما علم مما مر. ثانيها: أن يتسبب في إعتاقه باختياره ولو بنائبه، كشرائه جزء أصله أو فرعه فإنه يسري إلى الباقي لانه تسبب فيه باختياره، وإن عتق عليه قهرا في هذا المثال، بخلاف ما لو ورث جزء أصله أو فرعه، فإن يعتق عليه ذلك الجزء ولا يسري إلى الباقي، لان سبيل السراية سبيل ضمان المتلفات، ولم يوجد منه إتلاف، ولا قصد. ثالثها: أن يكون المحل قابلا للنقل، من شخص إلى آخر، فلا سراية في نصيب حكم بالاستيلاد فيه بأن استولد الامة أحد الشريكين وهو معسر، فيحكم بالاستيلاد في نصيبه فقط، فإذا أعتق الآخر نصيبه عتق فقط، ولا سراية إلى الحصة الموقوفة، أو المنذور إعتاقها. رابعها: أن يعتق نصيبه فقط، أو جميعه، فيعتق بذلك نصيبه ثم يسري العتق إلى نصيب شريكه، فلو أعتق نصيب شريكه لغا لانه لا ملك ولا تبعية. (قوله: ولا ملك إلخ) شروع في الملك بالبعضية، والمراد بالملك ما يشمل القهري كالارث، والاختياري كالشراء والهبة والوصية. (وقوله: شخص) أي حر كله، ولو كان غير رشيد: كصبي ومجنون وسفيه، خلافا لقول المنهاج: إذا ملك أهل تبرع الخ، فتقييده بأهل التبرع غير معتبر كما نبه عليه في شرح المنهج. (قوله: من أصل أو فرع) أي من النسب، أما من الرضاع فإنه لا يعتق عليه. (وقوله: وإن بعد) أي لا فرق في كل من الأصل أو الفرع بين أن يبعد أو يقرب من المشتري مثلا. ولا فرق أيضا بين أن يتحد الدين أو يختلف، وذلك لانه حكم متعلق بالقرابة فاستوى فيه من ذكر. (قوله: عتق عليه) أي على مالكه بشرط أن يكون حرا كله - كما علمت - فيخرج المكاتب والمبعض، فلو ملك كل واحد منهما أصله أو فرعه فلا يعتق عليه لتضمنه الولاء، وهما ليسا من أهله، وإنما عتقت أم ولد المبعض بموته، لانه أهل للولاء حينئذ لانقطاع، الرق عنه بالموت، لانه لا رق بعد الموت. (قوله: لخبر مسلم) هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه. وقوله: فيعتقه: بالرفع وضميره المستتر يعود على الشراء: أي يعتقه نفس الشراء، وليس المراد أن الولد يعتقه بإنشائه العتق، وهذا الخبر دليل لعتق الأصل على الفرع، ويدل له أيضا قول الله تعالى: * (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) * ولا يتأتى خفض الجناح مع الاسترقاق. ويدل لعتق الفرع على الاصل قوله تعالى: * (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا، إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا) *. وقوله تعالى: * (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون) * فدل ذلك على نفي إجتماع العبدية والولدية. (قوله: وخرج بالبعض غيره) أي من سائر الاقارب كالاخوة والاعمام، فإنهم لا يعتقون بالملك لأنه لم يرد فيهم نص، وأما خبر: من ملك ذا رحم فقد عتق عليه فضعيف، بل قال النسائي إنه منكر. (قوله: فلا يعتق) أي غير البعض بملك، بل حكمه حكم الاجنبي. واعلم: أنه لا يصح شراء الولي لصبي أو مجنون أو سفيه من يعتق عليه، لانه إنما يتصرف بالمصلحة، ولا مصلحة له في ذلك لانه يعتق عليه، وفي تضييع مال عليه، وأما لو وهب لمن ذكر من يعتق له، أو وصى له به، فإن لم تلزمه نفقته

_ (1) سورة الاسراء، الاية: 24. (2) سورة مريم، الاية: 93. (3) الانبياء، الاية: 26.

فأنت حر أو أعتقتك بعد موتي وكذا إذا مت فأنت حرام أو مسيب مع نية (فهو مدبر يعتق بعد وفاته) من ثلث ماله بعد الدين (وبطل) أي التدبير (بنحو بيع) للمدبر فلا يعود وإن ملكه ثانيا ويصح بيعه (لا برجوع) عنه (لفظا) ـــــــــــــــــــــــــــــ كأن كان معسرا، أو فرعه الموهوب له كسوبا فعلى الولي قبوله، ويعتق على المولى لانتفاء الضرر عنه. وحصول الكمال لاصله أو فرعه وإن لزمته نفقته، فليس للولي قبوله، ولا يصح لو قبل، لحصول الضرر للمولى. (قوله: ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي إلخ) شروع في بيان أحكام التدبير من كون المدبر يعتق بعد وفاة سيده من ثلث ماله، وجواز بيعه في حياته وغير ذلك، وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة، والتدبير لغة النظر في العواقب والتأمل فيها، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: التدبير نصف المعيشة. وشرعا: تعليق المالك عتق رقيقه بموته وسمي بذلك لأن السيد دبر نفسه في الدنيا بإستخدام الرقيق، وفي الآخرة بعتقه. والأصل فيه قبل الاجماع خبر الصحيحين: أن رجلا دبر غلاما ليس له مال غيره فباعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في دين كان عليه. فتقريره - صلى الله عليه وسلم - له حيث لم ينكر عليه يدل على جوازه، ولا ينافي ذلك بيعه لان ذلك يدل على جواز الرجوع عنه بالبيع ونحوه. وأركانه ثلاثة مدبر وهو المالك، ومدبر - بفتح الباء - وهو الرقيق، وصيغة، وكلها تعلم من كلامه، ضمنا. وشرط في الأول: بلوغ وعقل واختيار، فلا يصح من صبي ومجنون ومكره، ويصح من سفيه ومفلس ومبعض وسكران لانه مكلف حكما، وكافر ولو حربيا، وأما المرتد فتدبيره موقوف، فإن أسلم بانت صحته، وإن مات مرتدا بان بطلانه. وللحربي حمل مدبره الكافر الاصلي إلى دار الحرب بخلاف المسلم والمرتد، لبقاء علقة الإسلام فيه وشرط في الثاني كونه غير أم ولد، فلا يصح تدبير أم الولد لانها تستحق العتق بجهة أخرى أقوى من التدبير، فإنها تعتق من رأس المال، والمدبر يعتق من الثلث. وشرط في الثالث: وهو الصيغة لفظ يشعر بالتدبير، أو كتابة بالنية، أو إشارة أخرس مفهمة. واللفظ إما صريح وهو ما لا يحتمل غير التدبير كقوله: إذا مت فأنت حر كما سيذكره، وكقوله: دبرتك، أو أنت مدبر، وإن لم يقل بعد موتي، وإما كناية وهي ما يحتمل التدبير وغيره كخليت سبيلك، أو حبستك بعد موتي فيهما، وكقوله إذا مت فأنت حرام، أو مسيب. (قوله: أو أعتقتك بعد موتي) أي أو حررتك، أو أنت حر بعد موتي، ولا بد من التلفظ ببعد موتي وإلا عتق حالا. (قوله: وكذا إذا مت) أي ومثل أنت حر بعد موتي الخ إذا مت فأنت حرام أو مسيب، لكن في هاتين الصورتين لا بد من نية التدبير لانهما من الكناية، كما أفاده بقوله مع نية. (قوله: فهو مدبر) جواب من إن كانت شرطية، وخبرها إن كانت موصولة. (قوله: يعتق بعد وفاته الخ) أي وحكم المدبر أنه يعتق كله بعد وفاة السيد من ثلث ماله، وإن وقع التدبير في الصحة. ومحل كونه يعتق كله إن خرج كله من الثلث، فإن لم يخرج كله من الثلث عتق منه بقدر ما خرج من الثلث كالنصف إن لم تجز الورثة ما زاد على الثلث، فإ أجازوا عتق كله، والحيلة في عتق الجميع وإن لم يخرج من الثلث، وإن لم يكن هناك مال سواه أن يقول في حال صحته: إن مرضت فهذا الرقيق حر قبل مرض موتي بيوم، وإن مت فجأة فهو حر قبل موتي بيوم، فإذا مات بعد التعليقين بأكثر من يوم عتق من رأس المال، ولا سبيل لاحد عليه، لكن ليس هذا من التدبير كما هو ظاهر. (وقوله: بعد الدين) أي محل كونه يعتق من الثلث بعد وفاء الدين، فإن استغرق الدين التركة لا يعتق منه شئ. (قوله: وبطل أي التدبير بنحو بيع) أي من كل مزيل للملك كالوقف والهبة المقبوضة، وجعله صداقا، وبطل بإيلاد لمدبرته أيضا، لانه أقوى من التدبير، بدليل أنه لا يعتبر من الثلث ولا يمنع منه الدين. (قوله: فلا يعود) أي إلى التدبير. (وقوله: وإن ملكه) لا معنى للغاية، فلو حذف الواو وجعله قيدا لما قبله لكان أولى. وعبارة متن المنهاج: فلو باعه ثم ملكه لم يعد التدبير على المذهب. اه. وإنما لم يعد التدبير حينئذ، لأن الزائل العائد هنا كالذي لم يعد. (قوله: ويصح بيعه) أي المدبر، لانه - صلى الله عليه وسلم - باع المدبر كما مر في حديث الصحيحين السابق. ويشترط أن يكون البائع له جائز التصرف، وخرج غيره كالسفيه، فإنه لا يصح بيعه وإن صح تدبيره، ومثل البيع سائر التصرفات فتصح منه فيه، ولعل الشارح اقتصر على البيع لانه الوارد في الحديث، ويقاس غيره عليه. (قوله: لا برجوع إلخ) أي لا يبطل التدبير بالرجوع

كفسخته أو عقصته ولا بإنكار للتدبير ويجوز له وطئ المدبرة ولو ولدت مدبرة ولدا من نكاح أو زنا لا يثبت للولد حكم التدبير. فلو كانت حاملا عند موت السيد فيتبعها جزما، ولو دبر حاملا ثبت التدبير للحمل تبعا لها إن لم يستثنه وإن انفصل قبل موت سيدها لا إن أبطل قبل انفصاله تدبيرها والمدبر كعبد في حياة السيد. ويصح تدبير مكاتب وعكسه، كما يصح تعليق عتق مكاتب ويصدق المدبر بيمين فيما وجد معه وقال كسبته بعد الموت وقال الوارث بل قبله لان اليد له (الكتابة) شرعا عقد عتق بلفظها معلق بمال منجم بنجمين فأكثر وهي (سنة) لا واجبة ـــــــــــــــــــــــــــــ عن التدبير لفظا كسائر التعليقات. (قوله: ولا بإنكار للتدبير) أي ولا يبطل أيضا بإنكاره التدبير، فليس إنكاره رجوعا عنه، كما أن إنكار الردة ليس إسلاما، وإنكار الطلاق ليس رجعة، ولا يبطل التدبير أيضا بردة السيد، ولا بردة المدبر، صيانة لحق المدبر عن الضياع، فيعتق بموت السيد وإن كانا مرتدين. (قوله: ويجوز له وطئ المدبرة) أي للسيد أن يطأ مدبرته لبقاء ملكه فيها كالمستولدة، مع أنه لم يتعلق بها حق لازم. ولا يكون وطؤه لها رجوعا عن التدبير لانه قد يؤدي إلى العلوق المحصل لمقصود التدبير وهو عتقها، بخلاف نحو البيع. فإن أولدها بطل تدبيره كما مر. (قوله: ولو ولدت مدبرة ولدا) أي حملت به بعد التدبير. (وقوله: من نكاح) بأن زوجها سيدها. (قوله: لا يثبت للولد حكم التدبير) أي لانه عقد يقبل الرفع، فلا يسري للولد الحادث بعده كالرهن، بخلاف الاستيلاد. وفي سم ما نصه: قال في شرح الارشاد: وقيل يلحقه التدبير، ونقله في الشرح الصغير عن ترجيح الاكثرين، وبه قال الأئمة الثلاثة، وانتصر له الزركشي بأنه قياس تبع الولد للام في نذر الهدي والاضحية. ويرد بأن النذر لازم فيقوى على الاستتباع الحادث بخلاف التدبير فإنه جائز فلم يقو على ذلك. اه. (قوله: فلو كانت حاملا إلخ) مفرع على مفهوم قوله ولدت. وعبارة التحفة: وخرج بولدت ما لو كانت حاملا عند موت السيد فيتبعها جزما. اه. قال سم: حاصل المسألة أنها إذا كانت حاملا في أحد الوقتين وقت التدبير ووقت الموت دون الآخر أو فيهما معا تبعها الولد، وإلا فلا. اه. (قوله: ولو دبر حاملا) أي يملكها هي وحملها، سواء كان حملها من زنا أو من زوج، ويعرف وجوده عند التدبير بوضعه لدون ستة شهر منه، فإن وضعته لأكثر من أربع سنين لم يتبعها، وإن ولدته لما بينهما، فإن كان لها زوج يفترشها فلا يتبعها، وإن كانت ليست كذلك تبعها. أفاده البجيرمي نقلا عن زي. (قوله: إن لم يستثنه) أي إن لم يستثن السيد الحمل عند تدبير الام، بأن قال لها أنت مدبرة، فإن استثناه بأن قال لها أنت مدبرة دون حملك، لم يتبعها في التدبير. ويفرق بينه وبين ما مر في العتق بقوته وضعف التدبير. ومحل ذلك إن ولدته قبل موت السيد وإلا تبعها، لان الحرة لا تلد إلا حرا: أي غالبا. أفاده في التحفة. (قوله: وإن انفصل الخ) غاية لثبوت التدبير له: أي يثبت التدبير للحمل تبعا، سواء انفصل قبل موت سيدها أم لا. (قوله: لا إن أبطل إلخ) أي لا يثبت التدبير للحمل إن أبطل السيد تدبيرها قبل انفصاله. كأن باعها، أو وهبها، أو جعلها صداقا. وخرج بقبل انفصاله ما لو أبطل تدبيرها بعد انفصاله، فإنه لا يبطل تدبيره. ولو بطل تدبيرها قبل انفصاله فإنه لا يبطل تدبيره أيضا إن عاش، وهو نادر. (قوله: والمدبر كعبد في حياة السيد) يعني أن حكم المدبر في حال حياة السيد حكم العبد القن، فتكون أكسابه التي اكتسبها في حال حياته للسيد بخلاف التي اكتسبها بعد موته. (قوله: ويصح تدبير مكاتب وعكسه) أي كتابة المدبر فيصير فيهما مدبرا مكاتبا، ويعتق بالاسبق من موت السيد، أو أداء النجوم. (قوله: كما يصح تعليق عتق مكاتب) أي وعكسه وهو كتابة المعلق عتقه بصفة، ويعتق في ذلك بالاسبق من وجود الصفة المعلق عليها، أو أداء النجوم. (قوله: ويصدق المدبر بيمين فيما وجد معه) أي في المال الذي وجد تحت يده. (وقوله: وقال كسبته الخ) أي واختلف هو والوارث فقال المدبر: كسبته بعد الموت فهو ملكي، وقال الوارث: بل كسبته قبله فهو ملكي، لان الاكساب الحاصلة منه حال حياة السيد لسيده، فإذا مات انتقلت للوارث. (قوله: لان اليد له) علة لتصديق المدبر: أي وإذا كان كذلك فيرجع بيده، وكذلك تقدم بينته على بينة الوارث إذا أقاما بينتين لاعتضاد بينته بيده، وهذا بخلاف ما لو ادعت المدبرة أنها ولدت بعد موت السيد فيكون حرا، وادعى الوارث أنها ولدته قبله فيكون رقيقا، فإن القول قول الوارث بيمينه، لانها تزعم حريته والحر لا يدخل تحت اليد، والفرض أنها حملت به بعد التدبير حتى يظهر الاختلاف المذكور،

وإن طلبها الرقيق كالتدبير (بطلب عبد أمين مكتسب) بما يفي مؤنته ونجومه فإن فقدت الشروط أو أحدها فمباحة (وشرط في صحتها لفظ يشعر بها) أي بالكتابة (إيجابا ككاتبتك) أو أنت مكاتب (على كذا) كمائة (منجما مع) ـــــــــــــــــــــــــــــ لانها لو كانت حاملا به حين التدبير كان مدبرا تبعا لها كما مر. (قوله: الكتابة إلخ) شروع في بيان أحكام الكتابة كاستحبابها إذا سألها العبد وكان أمينا مكتسبا، ولزومها من جهة السيد، وجوازها من جهة المكاتب. وقد أفردها الفقهاء بترجمة مستقلة. والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) *. أي أمانة وكسبا، كما فسره الشافعي رضي الله عنه بذلك. وخبر: من أعان غارما، أو غازيا، أو مكاتبا في فك رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وخبر: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. رواه أبو داود وغيره. والحاجة داعية إليها لان السيد قد لا تسمح نفسه بالعتق مجانا، والعبد لا يتشمر للكسب تشمره إذا علق عتقه بالتحصيل والاداء، ولفظها إسلامي لم يعرف في الجاهلية. وأركانها أربعة: مكاتب - بكسر التاء الفوقية - وهو السيد، ومكاتب - بفتح التاء - وهو الرقيق، وعوض، وصيغة. وشرط في الاول كونه مختارا أهل تبرع وولاء، لان الكتابة تبرع وآيلة للولاء، فتصح من كافر أصلي وسكران، لا من مكره، ولا من صبي ومجنون، ومحجور سفه أو فلس، ولا من أوليائهم، ولا من مبعض ومكاتب وإن أذن له سيده لانهما ليسا أهلا للولاء، ولا من مرتد لان ملكه موقوف، والعقود لا توقف على الجديد. وشرط الثاني اختيار وتكليف، وأن لا يتعلق به حق لازم، بخلاف المكره والصبي والمجنون كسائر عقودهم، ومن تعلق به حق لازم لانه إما معرض للبيع كالمرهون، والكتابة تمنع منه. أو مستحق المنفعة كالمؤجر فلا يتفرع لاكتساب ما يوفي به النجوم. وشرط في الثالث أن يكون مالا معلوما ولو منفعة في الذمة مؤجلا إلى أجل معلوم منجما بنجمين فأكثر. وشرط في الرابع - وهو الصيغة - أن يكون لفظا يشعر بالكتابة، أو كتابة، أو إشارة أخرس مفهمة. واللفظ إما إيجاب كقوله: كاتبتك، أو أنت مكاتب على دينارين تدفعهما إلي في شهرين، فإذا أديتهما إلي فأنت حر، وإما قبول كقول العبد قبلت ذلك. وسيذكر المؤلف بعض هذه الاركان معنونا عنه بلفظ الشرط، وبقيتها تؤخذ من كلامه ضمنا. (قوله: شرعا عقد إلخ) أي وأما لغة: فهي الضم والجمع، وسمي المعنى الشرعي بها لان فيه ضم نجم إلى نجم، وللعرف الجاري بكتابة ما تضمنه العقد في كتاب. (قوله: بلفظها) أي الكتابة. (قوله: معلق) بالجر صفة لعتق. (وقوله: بمال) أي بأدائه. (قوله: منجم بنجمين) أي مؤقتا بوقتين، ويطلق النجم على القدر الذي يؤدي في وقت معين. (قوله: وهي) أي الكتابة. (وقوله: سنة) أي بالشروط الآتية. (قوله: لا واجبة) صرح به مع علمه مما قبله توطئة للغاية بعده. (قوله: وإن طلبها الرقيق) غاية لعدم الوجوب لا للسنية، وهي للرد على من قال بوجوبها إذا طلبها الرقيق تمسكا بقوله تعالى: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم) * الآية، فحمل الامر على الوجوب، والجمهور حملوه على الندب قياسا على التدبير وشراء القريب الذي يعتق عليه ونحو ذلك، فلا تجب الكتابة وإن سألها الرقيق لئلا يتعطل أثر الملك وتستحكم المماليك على الملاك. (قوله: كالتدبير) أي قياسا على التدبير في عدم وجوبه: أي ونحوه مما مر آنفا. (قوله: بطلب الخ) ذكر للسنية قيودا ثلاثة: وهي الطلب، والامانة، والاكتساب، فإن فقد واحد منها كانت مباحة كما سيذكره. وقال بعضهم: الطلب ليس قيدا للاستحباب وإنما هو قيد لتأكدها، فإن لم يطلبها فهي مسنونة من غير تأكد، بخلاف الشرطين فهما للاستحباب، فإن فقد أحدهما كانت مباحة. (وقوله: عبد) المراد به الرقيق ولو أنثى. (وقوله: أمين) أي فيما يكسبه بحيث لا يضيعه في معصية، فالمدار على كونه لا يضيع المال وإن لم يكن عدلا في دينه لترك صلاة ونحوها، وإنما اعتبرت الامانة في ذلك لئلا يضيع ما يحصله فلا يعتق. (وقوله: مكتسب بما يفي مؤنته ونجومه) أي قادر على كسب ما يفي بذلك، وإنما اعتبرت القدرة على ذلك ليوثق بتحصيل النجوم. (قوله: وشرط في

_ (1) سورة النور، الاية: 33.

قوله (إذا أديته فأنت حر وقبولا كقبلت) ذلك (و) شرط فيها (عوض) من دين أو منفعة. (مؤجل) هنا ليحصله ـــــــــــــــــــــــــــــ صحتها) أي الكتابة. (وقوله: لفظ) أي أو إشارة أخرس مفهمة، أو كتابة مع النية كما مر. واللفظ إما صريح أو كناية كما تقدم، فمن الصريح ما ذكره بقوله كاتبتك الخ. ومن الكناية قوله كاتبتك على كذا واقتصر عليه، فإن نوى بذلك الكتابة صحت وإلا فلا. وإنما كان منها لاحتمال اللفظ لكتابة الخراج، وللكتابة التي الكلام فيها. (قوله: إيجابا) حال من لفظ، أي حال كون اللفظ المذكور إيجابا الخ، أو خبر لكان مقدرة مع إسمها: أي كان ذلك اللفظ إيجابا وهو ما صدر من السيد. وسيذكر مقابله. (قوله: ككاتبتك) لا بد من إضافته إلى الجملة، فلو قال: كاتبت يدك مثلا، لم تصح. اه. بجيرمي. (قوله: علي كذا) أي على أن تعطيني كذا. (قوله: منجما) أي مؤقتا بوقتين فأكثر - كما سيأتي في كلامه - وهو حال من لفظ كذا. (قوله: مع قوله إلخ) أي ولا بد أن ينضم إلى اللفظ المذكور قوله: إذا أديته الخ، والمراد بالقول ما يشمل قول النفس، إذ نية ذلك كافية كما صرح به في المنهاج ونصه: ولو ترك لفظ التعليق، أي قوله إذا أديته فأنت حر، ونواه جاز ولا يكفي لفظ كتابة بلا تعليق ولا نية على المذهب. اه. وإنما اشترط إنضمام ذلك لفظا أو نية إلى قوله كاتبتك ونحوه، لان لفظ الكتابة يصلح لهذا ويصلح للمخارجة، فاحتيج لتميزها بالضميمة المذكورة. قال في التحفة: والتعبير بالاداء للغالب من وجود الاداء في الكتابة، وإلا فيكفي - كما قال جمع - أن يقول: فإذا برئت أو فرغت ذمتك منه فأنت حر. (قوله: وقبولا) عطف على إيجابا، ولا بد أن يكون فورا، وبه تتم الصيغة، فلا تصح الكتابة بدونه كسائر العقود. وإنما لم يكف الاداء بلا قبول كالاعطاء في الخلع لان هذا أشبع بالبيع من ذلك، ويكفي استيجاب وإيجاب، ككاتبني على كذا فيقول: كاتبتك. (قوله: كقبلت ذلك) أي كقول المكاتب قبلت ذلك، فلو قبل أجنبي الكتابة من السيد ليؤدي عن العبد النجوم لم تصح، لمخالفته موضع الباب. (قوله: وشرط فيها) أي في صحتها. (قوله: من دين الخ) بيان للعوض، ولا فرق فيه بين أن يكون نقدا أو عرضا. وخرج بالدين العين فلا تصح الكتابة عليها، لأنه لا يملك الاعيان حتى يورد العقد عليها. (قوله: أو منفعة) لو قال كما في المنهاج والمنهج: ولو منفعة لكان أولى، إذ المراد بالمنفعة المتعلقة بالذمة كأن يقول له: كاتبتك على بناء دارين في ذمتك في شهرين وهي دين، أما المنفعة المتعلقة بعين من الاعيان كأن كاتبه على منفعة دابتين معينتين لزيد يدفعهما له في شهرين، فلا تصح الكتابة عليها، إذ منفعة العين مثل العين، وهي لا تصح الكتابة عليها كما علمت. نعم: المنفعة المتعلقة بين المكاتب تصح الكتابة عليها بشرطين: أن تتصل المنفعة المذكورة، كالخدمة والخياطة بالعقد، وأن تكون مع ضميمة شئ آخر إليها كدينار، ككاتبتك على أن تخدمني شهرا من الآن، أو تخيط لي ثوبا بنفسك وعلى دينار تأتي به بعد انقضاء الشهر، أو نصفه. فلو أجل المنفعة لم تصح لأن الأعيان لا تقبل التأجيل فكذلك منافعها. وكذلك لا تصلح إن لم تكن مع الضميمة المذكورة، لعدم تعدد النجم الذي هو شرط في صحة الكتابة، ولو اقتصر على خدمة شهرين وصرح بأن كل شهر نجم لم يصح أيضا، لانهما نجم واحد ولا ضميمة، ولو فرق بينهما كرجب ورمضان كان أولى بعدم الصحة، لأنه يشترط في المنفعة المذكورة اتصالها بالعقد كما علمت. (قوله: مؤجل) صفة لعوض، أي عوض مؤجل إلى أجل معلوم، فلا تصح الكتابة بالحال، لان الكتابة عقد خالف القياس في وضعه واتبع فيه سنن السلف. والمأثور عن الصحابة فمن بعدهم قولا وفعلا إنما هو التأجيل، ولم يعقدها أحد منهم حالة، ولو جاز لم يتفقوا على تركه مع اختلاف الاغراض، خصوصا وفيه تعجيل عتقه. واختار ابن عبد السلام والروياني في حليته جواز الحلول، وهو مذهب الامامين مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما. فإن قيل: لو اقتصر المصنف على الاجل لاغنى عن الدينية، فإن الاعيان لا تقبل التأجيل. أجيب: بأن دلالة الالتزام لا يكتفي بها في المخاطبات، وهذان وصفان مقصودان. اه. ونظر في التحفة في الجواب المذكور بأن دلالة المؤجل على الدين من دلالة التضمن لا الالتزام، لان مفهوم المؤجل شرعا دين تأخر وفاؤه، فهو مركب من شيئن. ودلالة التضمن يكتفي بها في المخاطبات. وأجاب بجواب آخر غيره، نظر فيه سم فانظره.

ويؤديه (منجم بنجمين فأكثر) كما جرى عليه أكثر الصحابة رضوان الله عليهم ولو في مبعض (مع بيان قدره) أي العوض (وصفته) وعدد النجوم وقسط كل نجم (ولزم سيدا) في كتابة صحيحة قبل عتق (حط متمول منه) أي العوض لقوله تعالى: * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * فسر الايتاء بما ذكر لان القصد منه الاعانة على ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: ليحصله) أي ذلك العوض وهو علة لاشتراط التأجيل. (وقوله: ويؤديه) أي بعد تحصيله لسيده. (قوله: منجم بنجمين فأكثر) صفة ثانية لعوض: أي عوض مؤقت بوقتين فأكثر، فالمراد بالنجم هنا الوقت، وسمي بذلك لأن العرب كانت لا تعرف الحساب، وكانوا يبنون أمورهم على طلوع النجم، فيقول أحدهم: إذا طلع النجم أديت حقك ونحو ذلك، فسميت الاوقات نجوما لذلك. ويطلق النجم أيضا على المؤدي في الوقت كما مر. قال في المغني: تنبيه: قضية إطلاقه أنها تصح بنجمين قصيرين ولو في مال كثير، وهو كذلك لامكان القدرة عليه، كالسلم إلى معسر في مال كثير إلى أجل قصير. اه. (قوله: كما جرى عليه أكثر الصحابة) الكاف للتعليل: أي وإنما اشترط أن يكون منجما بنجمين فأكثر، لأنه هو الذي جرى عليه أكثر الصحابة، أي ومن بعدهم، فلو كفى نجم لفعلوه، لانهم كانوا يبادرون إلى القربات والطاعات ما أمكن، ولان الكتابة عقد إرفاق، ومن تتمة الارفاق التنجيم بنجمين فأكثر. (قوله: ولو في مبعض) غاية في اشتراط التأجيل، والتنجيم بنجمين يعني أنه يشترط ما ذكر في صحة الكتابة ولو بالنسبة لمبعض كوتب كتابة صحيحة فيما رق منه وهو قادر على أداء العوض في الحال، أو دون نجمين، لما علمت من أن الكتابة عقد خالف القياس الخ. (قوله: مع بيان قدره) صفة ثالثة لعوض، أي عوض مصحوب ببيان قدره: أي ويشترط لصحة الكتابة أن يبين قدر العوض. (وقوله: وصفته) أي ومع بيان صفة العوض: أي وجنسه ونوعه، وذلك لانه عوض في الذمة، فاشترط فيه بيان ذلك كدين السلم. قال في التحفة: نعم، الاوجه أنه يكفي نادر الوجود. اه. وفي الروض: هل يشترط بيان موضع التسليم للنجوم أو لا؟ فيه الخلاف المذكور في السلم. قال في شرحه: قضيته ترجيح الاول إن وقع العقد بموضع لا يصلح لتسليمها، أو يصلح له، ولحملها مؤنة. وبه جزم القاضي وغيره. اه. (قوله: وعدد النجوم) أي وبيان عدد النجوم كشهرين أو ثلاثة. (قوله: وقسط كل نجم) أي وبيان ما يؤديه في كل نجم من العوض لسيده كخمسة، أو عشرة. (قوله: ولزم سيدا) مثله وارثه ولو تعدد السيد واتحد المكاتب وجب الحط. (قوله: في كتابة صحيحة) خرج بها الكتابة الفاسدة فلا حط فيها لان المغلب فيها التعليق بالصفة، وهي لا توجد إلا إن أدى ما كاتبه عليه، فلو حط عنه منه شيئا لم توجد الصفة فلا يعتق. (قوله: قبل عتق) فإن أخر الحط عنه أثم وكان قضاء. وعبارة التحفة مع الأصل: والأصح أن وقت وجوبه قبل العتق، أي يدخل وقت أدائه بالعقد ويتضيق إذا بقي من النجم الاخير قدر ما يفي به من مال الكتابة لما مر أنه ليس القصد به إلا الاعانة على العتق، فإن لم يؤد قبله، أدى بعده وكان قضاء. اه. (قوله: حط متمول) فاعل لزم، أي لزمه حط متمول وإن قل كشئ من جنس النجوم قيمته درهم نحاس، ولو كان المالك متعددا. ويقوم مقام الحط أن يدفع السيد جزءا معلوما من جنس مال الكتابة، أو من غيره برضاه، ولكن الحط أولى من الدفع، لان الاعانة على العتق بالحط محققة وبالدفع موهومة، لانه قد يصرف المدفوع من جهة أخرى. وإذا مات السيد وقام مقامه وارثه في الحط قدمه على مؤن التجهيز. (قوله: لقوله تعالى) دليل للزوم الحط، ووجه الدلالة أن آتوهم أمر، والأمر للوجوب. ولم يقم دليل على حمل الايتاء على الاستحباب، فيعمل بما اقتضاه الظاهر. واستثنى من وجوب الايتاء ما لو كاتبه في مرض موته، والثلث لا يحتمل أكثر من قيمته، وما لو كاتبه على منفعته، وما لو أبرأه من النجوم، أو باعه من نفسه، أو أعتقه ولو بعوض، فلا يجب شئ في ذلك. (قوله: فسر الايتاء بما ذكر لأن الخ) أي فسسر المفسرون الايتاء في الآية بالحط، مع أن المتبادر منه الدفع، لأن القصد الخ. وفيه أن المفسرين لم يقتصروا في تفسير الايتاء على الحط، بل فسروه به وبالدفع، فكان على المؤلف أن يزيد لفظ: أو دفعه بعد قوله حط متمول، ويكون المراد بقوله بما ذكر: أي بالحط والدفع. ثم رأيت في المنهج ذكر

_ (1) سورة النور، الاية: 33.

العتق وكونه ربعا فسبعا أولى (ولا يفسخها) أي يجوز فسخ السيد الكتابة (إلا إن عجز مكاتب عن أداء) عند المحل لنجم أو بعضه (أو امتنع عنه) عند ذلك مع القدرة عليه (أو) غاب عند ذلك وإن حضر ماله أو كانت غيبة المكاتب دون مسافة القصر فله فسخها بنفسه وبحاكم متى شاء لتعذر العوض عليه وليس للحاكم الاداء من ـــــــــــــــــــــــــــــ الزيادة المذكورة. وقال في شرحه: وفسر الايتاء بما ذكر لأن القصد الخ. وكتب البجيرمي ما نصه: قوله وفسر الخ. أي وإنما فسر الايتاء بما يشمل الحط وإن كان المتبادر منه الدفع، لأن القصد إلخ. اه. وهو الظاهر الموافق لما في التفاسير. ولعل تلك الزيادة سقطت من النساخ. فتنبه. (قوله: وكونه) أي الذي يقصد حطه. (وقوله: ربعا فسبعا أولى) عبارة المغني مع الأصل: ويستحب الربع، أي حط قدر ربع مال الكتابة إن سمح به السيد، وإلا فالسبع. روى حط الربع النسائي وغيره عن علي. وروي عنه رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى حط السبع مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال البلقيني: بقي بينهما حط السدس. رواه البيهقي عن أبي سعيد مولى أبي أسد. اه. (قوله: ولا يفسخها) أي الكتابة الصحيحة، لأنها لازمة من جهته لكونها عقدت لحظ مكاتبه، وهو تخليصه من الرق لا لحظ نفسه، أما الكتابة الفاسدة، وهي ما اختلت صحتها بفساد شرط، كشرط أن يبيعه كذا، أو كتابة بعض رقيق، أو فساد عوض مقصود كخمر، أو فساد أجل كنجم واحد، فللسيد أن يفسخها كالمكاتب لانها جائزة من جهتهما. وأما الكتابة الباطلة، وهي ما اختلت صحتها باختلال ركن من أركانها، ككون أحد العاقدين صبيا، أو مجنونا، أو مكرها أو عقدت بغير مقصود كدم فهي ملغاة. واعلم: أن الفاسد والباطل بمعنى واحد إلا في الكتابة، فيفرقون بينهما، وكذلك في الحج والعارية والخلع. واعلم: أنها كما لا يجوز للسيد أن يفسخها، لا تنفسخ أيضا بالجنون والاغماء والحجر، سواء كان ذلك من السيد أو من المكاتب، لان اللازم من أحد الطرفين لا ينفسخ بشئ من ذلك كالرهن، ويقوم ولي السيد مقامه في قبضه، ويقوم الحاكم مقام المكاتب في أدائه إن وجد له مالا، ولم يأخذ السيد استقلالا، وثبتت الكتابة، وحل النجم، وحلف السيد على استحقاقه ورأى أن له مصلحة في الحرية، فإن استقل السيد بالقبض، عتق لحصول القبض، المستحق. وإن رأى الحاكم أنه يضيع إذا أفاق لم يؤد عنه - كما قاله الغزالي - قال الشيخان: وهذا حسن، وإن لم يجد له مالا مكن السيد من التعجيز والفسخ. فإذا فسخ عاد المكاتب قنا له وعليه مؤنته، فإن أفاق أو ارتفع الحجر وظهر له مال، كأن حصله قبل فسخ السيد، دفعه الحاكم إلى السيد، ونقض تعجيزه وفسخه وحكم بعتقه. (قوله: إلا أن عجز إلخ) استثناء من قوله ولا يفسخها. (قوله: عن أداء) متعلق بعجز. (قوله: عند المحل) متعلق بأداء - وهو بكسر الحاء -: أي وقت الحلول، ولو استمهل المكاتب سيده لعجزه عند المحل، سن إمهاله مساعدة له في تحصيل النجوم ليحصل العتق، أو استمهله لبيع عرض وجب إمهاله، أو لاحضار ماله من دون مسافة القصر وجب إمهاله أيضا لانه كالحاضر، بخلاف ما لو كان فوق ذلك، فلا يجب إمهالمه لطول المدة، وله أن لا يزيد في مدة الإمهال على ثلاثة أيام، ولو كان لكساد سلعته، لانها المدة المغتفرة شرعا، فليس له الفسخ فيها، وله الفسخ فيما زاد عليها. (قوله: لنجم) متعلق بأداء أيضا (وقوله: أو بعضه) أي بعض النجم، ومحله في غير الواجب في الايتاء، فان عجز عن بعضه الواجب في الايتاء فليس للسيد الفسخ، ولا يحصل التقاص فيه، لان للسيد أن يدفع غيره. (قوله: أو امتنع عنه عند ذلك) أي وإلا إن امتنع المكاتب عن الاداء عند المحل فللسيد أن يفسخها. (وقوله: مع القدرة عليه) أي على الاداء، وامتناع العبد عن الاداء حينئذ جائز، لان الكتابة جائزة من جهته كما سيأتي. (قوله: أو غاب عند ذلك) أي أو إلا أن غاب المكاتب عند المحل. (قوله: وإن حضر ماله أو كانت الخ) غايتان لجواز فسخ السيد إذا غاب المكاتب: أي للسيد فسخها إذا غاب وإن حضر ماله، أو كانت غيبته دون مسافة القصر. (قوله: فله فسخها إلخ) مفرع على الصور الثلاث: أي وإذا عجز المكاتب، أو امتنع، أو غاب، فللسيد أن يفسخ الكتابة بنفسه، أو بحاكم. وقيده البلقيني بما إذا لم يأذن له السيد في السفر وينظره إلى حضوره، وإلا فليس له الفسخ. (قوله: متى شاء) أي الفسخ، ومنه يعلم أنه لا بد من الفسخ،

مال المكاتب الغائب (وله) أي للمكاتب (فسخ) كالرهن بالنسبة للمرتهن فله ترك الاداء والفسخ وإن كان معه وفاء (وحرم عليه تمتع بمكاتبة) لاختلال ملكه ويجب بوطئه لها مهر لا حد والولد حر (وله) أي للمكاتب (شراء إماء لتجارة لا تزوج إلا بإذن سيده ولا تسر) ولو بإذنه يعني لا يجوز وطئ مملوكته وما وقع للشيخين في موضع مما يقتضي جوازه بالاذن مبني على الضعيف أن القن غير المكاتب يملك بتمليك السيد. قال شيخنا: ويظهر أنه ليس له الاستمتاع بما دون الوطئ أيضا ويجوز للمكاتب بيع وشراء وإجارة لا هبة وصدقة وقرض بلا إذن سيده. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يحصل بمجرد التعجيز. (قوله: وليس للحاكم الاداء الخ) أي بل يمكن السيد من الفسخ لان المكاتب ربما عجز نفسه أو امتنع من الاداء لو حضر. (وقوله: الغائب) صفة للمكاتب. (قوله: وله) أي للمكاتب فسخ: أي لانها جائز من جهته خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه في قوله أنها لازمة من جهته أيضا. (قوله: كالرهن بالنسبة للمرتهن) أي فإنه جائز من جهته. (قوله: فله) أي للمكاتب. (وقوله: ترك الاداء) أي أداء النجوم. (وقوله: والفسخ) بالرفع عطف على ترك. (وقوله: وإن كان معه وفاء) أي له ذلك مطلقا، سواء كان معه ما يوفي به النجوم أم لا، لجوازها من جهته كما علمت. (قوله: وحرم عليه) أي على السيد المكاتب - بكسر التاء -. (وقوله: تمتع) أي مطلقا، ولو بالنظر لانها كالاجنبية. (قوله: لاختلال ملكه) أي لضعف ملكه فيها. (قوله: ويجب بوطئه لها مهر) أي وإن طاوعته لشبهة الملك. اه. شرح المنهج. وقوله: لشبهة الملك: دفع لما قد يقال إذا طاوعته كانت زانية، فكيف لها المهر، وحاصله أن لها شبهة دافعة للزنا وهي الملك. اه. بجيرمي قال ع ش: ولا يتكرر المهر بتكرر الوطئ إلا إذا وطئ بعد أداء المهر. اه. (قوله: لاحد) أي لا يجب عليه حد بوطئه لها، وإن علم التحريم واعتقده لانها ملكه. نعم، يعزر من علم التحريم منهما. (قوله: والولد حر) أي وإذا أحبلها وولدت منه يكون الولد حرا، لانها علقت به وهي في ملكه. قال في المنهج وشرحه: ولا يجب عليه قيمتها لانعقاده حرا وصارت بالولد مستولدة مكاتبة، فإن عجزت عتقت بموت السيد. اه. (قوله: وله أي للمكاتب) بفتح التاء. (وقوله: شراء إماء) أي توسعا له في طريق الاكتساب. (قوله: لا تزوج) أي ليس له أن يتزوج لما فيه من المؤن، ولانه عبد ما بقي عليه درهم. وليس للمكاتبة أيضا أن تتزوج خوفا من موتها بالطلق فيفوت حق السيد. (قوله: إلا بإذن سيده) أي فله التزوج حينئذ. (قوله: ولا تسر ولو بإذنه) أي لا يجوز له التسري مطلقا، سواء كان أذن سيده له فيه أم لا، لضعف ملكه، وخوفا من هلاك الجارية بالطلق لو حبلت، فمنعه من الوطئ كمنع الراهن من وطئ المرهونة، فإن خالف ووطئ فلا حد عليه لانه ملكه، والولد منه يلحقه ويتبعه رقا وعتقا، فإن عتق هو عتق ولده، وإلا رق وصار للسيد، ولا تصير الامة به أم ولد، لانعقاده رقيقا مملوكا لابيه. (قوله: يعني لا يجوز له وطئ مملوكته) أي وإن لم ينزل، وإنما حمل التسري على مطلق الوطئ لان حقيقة التسري ليست مرادة هنا، وذلك لانه يعتبر فيها أمران: حجب الامة عن أعين الناس، وإنزاله فيها، وهما ليسا بشرط هنا. أفاده في النهاية. (قوله: وما وقع للشيخين) مبتدأ خبره مبني. (وقوله: في موضع) أي من كتبهما. (وقوله: مما يقتضي إلخ) بيان لما. (وقوله: جوازه) أي الوطئ. (وقوله: بالاذن) أي بإذن السيد. (قوله: أن القن إلخ) بدل من الضعيف، أو عطف بيان له. (وقوله: يملك بتمليك السيد) له وجه بناء جواز وطئ الكاتب لامته على ملك الرقيق بتمليك السيد له أن الملك يستلزم جواز وطئه للامة التي ملكها سيده له، وإذا كان الرقيق يجوز وطؤه على هذا الوجه فالمكاتب من باب أولى، لان له ملكا في الجملة. (قوله: قال شيخنا) أي في التحفة. (وقوله: ويظهر أنه) أي المكاتب. (وقوله: ليس له الاستمتاع بما دون الوطئ) أي لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. (وقوله: أيضا) أي كما لا يجوز له الوطئ. (قوله: ويجوز للمكاتب بيع الخ) الحاصل يجوز للمكاتب التصرف فيما فيه تنمية المال كالبيع والشراء والاجارة، لا فيما فيه نقصه واستهلاكه كالهبة والصدقة والهدية، ولا فيما فيه خطر كقرض وبيع نسيئة وإن استوثق برهن أو كفيل، إلا بإذن السيد. (قوله: لاهبة وصدقة) أي لا يجوز له ذلك. نعم، ما تصدق به عليه من نحو لحم وخبز مما العادة فيه أكله، وعدم بيعه له إهداؤه لغيره.

فرع: لو قال السيد بعد قبضه المال كنت فسخت الكتابة فأنكر المكاتب صدق بيمينه لان الاصل عدم الفسخ وعلى السيد البينة. ولو قال كاتبتك وأنا صبي أو مجنون أو محجور علي فأنكر المكاتب حلف السيد إن عرف له ذلك وإلا فالمكاتب لان الاصل عدم ما ادعاه السيد (إذا أحبل حر أمته) أي من له فيها ملك وإن قل ولو ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: فرع) الأولى فرعان لذكره لهما: الأول: قوله لو قال السيد الخ، والثاني: قوله ولو قال كاتبتك الخ. (قوله: لو قال السيد إلخ) أي لو ادعى السيد على المكاتب بعد قبضه نجوم الكتابة أنك فسخت عقد الكتابة قبل أن تؤديني المال، فأنكر المكاتب ذلك، فإن أقام السيد بينة على ما ادعاه سمعت وإلا صدق المكاتب بيمينه. (قوله: كنت) بتاء المخاطب. (وقوله: فسخت) أي قبل قبض المال. (قوله: فأنكر المكاتب) أي أصل الفسخ، أو كونه قبل قبض المال منه. (قوله: صدق) أي المكاتب بيمينه إن لم يأت السيد بالبينة. (قوله: لأن الأصل عدم الفسخ) لو قال لأن الأصل عدم ما ادعاه السيد لكان أولى، ليشمل الصورة الثانية وهي ما إذا أنكر كونه قبل قبض المال. (قوله: وعلى السيد البينة) أي على ما ادعاه، فإن أقامها سمعت وفسخت الكتابة، وبقي العبد على رقه. (قوله: ولو قال) أي السيد للمكاتب. (قوله: وأنا صبي) في المنهاج والمنهج إسقاطه والاقتصار على قوله. كاتبتك وأنا مجنون، أو محجور علي، وهو الاولى ليلائم قوله بعد أن عرف له ذلك، إذ هو إنما يظهر فيهما. (قوله: أو محجور علي) أي بسفه، تحفة ونهاية. (قوله: فأنكر المكاتب) أي ما ادعاه السيد وقال له: بل كاتبتني وأنت بالغ عاقل رشيد. (قوله: حلف السيد) أي وصدق بحلفه. (قوله: إن عرف له ذلك) أي ما ادعاه من الجنون والحجر، وذلك لقوة جانبه حينئذ لكون الاصل بقاءه، ومن ثم صدقناه مع كونه مدعيا للفساد على خلاف القاعدة، وهو مخالف لما ذكروه في النكاح من أنه لو زوج بنته ثم قال: كنت محجورا علي، أو مجنونا يوم زوجتها، لم يصدق وإن عرف له ذلك. وفرق بأن الحق ثم تعلق بثالث وهو الزوج بخلافه هنا. (قوله: وإلا فالمكاتب) أي وإن لم يعرف للسيد ما ادعاه، فيحلف المكاتب ويصدق بحلفه. (وقوله: لأن الأصل عدم ما ادعاه السيد) أي ولضعف جانبه بفقد القرينة. (قوله: إذا أحبل إلخ) شروع في الاعتاق بالفعل، وهو الاستيلاد. وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة. وختم كتابه به لان العتق فيه يعقب الموت الذي هو خاتمة أمر العبد في الدنيا، وهو قربة في حق من قصد به حصول ولد وما يترتب عليه من العتق وغيره من القربات - كما تقدم - واختلف فيه هل هو أقوى من العتق باللفظ، أو العتق باللفظ أقوى منه؟ ذهب ابن حجر إلى الاول، وعلله بنفوذه من المجنون والمحجور عليه بسفه، وذهب م ر إلى الثاني وعلله بأن اللفظ ينفذ قطعا بخلافه بالاستيلاد لجواز أن تموت المستولدة أو لا، وبأنه مجمع عليه، بخلاف الاستيلاد. والاصل فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في مارية أم إبراهيم لما ولدت أعتقها ولدها: أي أثبت لها حق الحرية. رواه الحاكم، وقال أنه صحيح الاسناد. وخبر: أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه. أي بعد آخر جزء من حياته. رواه ابن ماجه والحاكم وصحح إسناده، وخبر الصحيحين: عن أبي موسى قلنا يا رسول الله إنا نأتي السبايا ونحب أثمانهن فما ترى في العزل، أي الانزال خارج الفرج؟ فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا. ما من نسمة كائنة أو مقدرة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة، أي موجودة. ففي قولهم ونحب أثمانهن دليل على أن بيعهن بالاستيلاد ممتنع. واستشهد البيهقي لامتناع بيعها بقول عائشة رضي الله عنها: لم يترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة. قال: ففيه دلالة على أنه لم يترك أم إبراهيم رقيقة، وأنها عتقت بعد موته. وقد استنبط سيدنا عمر رضي الله عنه امتناع بيع أم الولد من قوله تعالى: * (فعل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم) * فقال وأي قطيعة أقطع من أن تباع أم امرئ منكم؟ وكتب إلى الآفاق لا تباع أم امرئ منكم، فإنه قطيعة، وأنه لا يحل. رواه البيهقي مطولا. تنبيه: آثر التعبير بإذا على التعبير بأن لان أن تختص بالمشكوك والموهوم والنادر، بخلاف إذا فإنها للمتيقن والمظنون. ولا شك أن إحبال الاماء كثير مظنون بل متيقن، ونظيره قوله تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) * الخ. وقوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا) *. فخص الوضوء بإذا لتكرره وكثرة أسبابه، والجنابة بأن لندرتها. أفادته في التحفة.

_ (1) سورة محمد صلى الله عليه وسلم، الاية: 22. (2) سورة المائدة، الاية: 6. (3) المائدة، الاية: 6.

كانت مزوجة أو محرمة لا إن أحبل أمة تركة مدين وارث معسر (فولدت) حيا أو ميتا أو مضغة مصورة بشئ من خلق الآدميين (عتقت بموته) أي السيد من رأس المال مقدما على الديون والوصايا وإن حبلت في مرض موته ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: حر) أي كله أو بعضه، فينفذ إيلاد المبعض في أمته التي ملكها ببعضه الحر. لا يقال إنه لا يصح إعتقاه لأنه ليس أهلا للولاء، لأنا نقول لا رق بعد الموت، فبموته الذي يحصل به عتق أم ولده ينتفي كونه ليس أهلا للولاء، ومن ثم صح تدبيره. ويشترط فيه أن يكون بالغا، فلا ينفذ إيلاد الصبي وإن لحقه الولد عند إمكان كونه منه، لان النسب يكفي فيه الامكان احتياطا له، ومع ذلك لا يحكم ببلوغه، لأن الأصل عدمه، وبذلك يلغز فيقال لنا أب غير بالغ. ولا يشترط أن يكون عاقلا مختارا، وينفذ إيلاد المجنون والسفيه، بخلاف المفلس فلا ينفذ إيلاده على المعتمد، لأنه كالراهن المعسر، خلافا للبلقيني في اعتماده نفوذه. وخرج بالحر المكاتب فلا ينفذ إيلاده، فلو مات لا تعتق بموته أمته ولا ولدها، ولو مات حرا بأن أدى نجوم الكتابة قبل الموت. كذا في المغني. (قوله: أمته) أي ولو تقديرا، كأن وطئ الاصل أمة فرعه التي لم يستولدها فيقدر دخولها في ملك الاصل قبيل العلوق، ومثلها أمة مكاتبه أو مكاتبة ولده. ويشترط فيها شرطان: الاول: أن تكون مملوكة للسيد حال علوقها منه، الثاني: أن لا يتعلق بها حق لازم للغير، فخرجت المرهونة إذا أولدها الراهن المعسر بغير إذن المرتهن، فلا ينفذ إيلاده إلا إن كان المرتهن فرعه - كما بحثه بعضهم - فإن انفك الرهن نفذ في الاصح، وخرجت الجانية المتعلق برقبتها مال إذا أولدها مالكها المعسر، فلا ينفذ إيلاده إلا إن كان المجني عليه فرع مالكها. (قوله: أي من له فيها ملك) تفسير مراد للامة، وهو يشمل الامة المشتركة فينفذ استيلاده في نصيبه، ويسري إلى نصيب شريكه إن أيسر بقيمته، وإلا فلا يسري كما تقدم. (وقوله: وإن قل) أي ملكه الحاصل فيها كسدس. (قوله: ولو كانت مزجة) غاية في الأمة. ولو أخرها عن قوله عتقت بموته وجعلها غاية له لكان أولى. (قوله: أو محرمة) هي بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة، عطف على مزوجة من عطف العام على الخاص: أي ولو كانت محرمة عليه بسبب حيض، أو نفاس، أو إحرام، أو فرض صوم، أو اعتكاف، أو لكونه قبل استبرائها، أو لكونها محرما له بنسب أو رضاع أو مصاهرة، أو معتمدة، أو مجوسية، أو مرتدة. (قوله: لا إن أحبل الخ) فاعل الفعل وارث، ولفظ أمة مضاف إلى تركة، وهي مضافة إلى مدين. والمراد به المورث، أي لا تعتق بالموت إن أحبل وارث معسر أمة مورث مدين، لتعلق حق الغرماء بها، وقد تقدم أنه يشترط فيها أن لا يتعلق بها حق لازم للغير. (قوله: فولدت) معطوف على أحبل: أي أحبلها فولدت. قال في التحفة: أي في حياة السيد أو بعد موته بمدة يحكم بثبوت نسبه منه، وفي هذه الصورة الاوجه كما رجحه بعضهم أنها تعتق إلى حين الموت فتملك كسبها بعده. اه. (وقوله: تعتق الخ) أي يتبين عتقها من حين الموت، وقيل تعتق من حين الولادة. (وقوله: حيا أو ميتا) أي بشرط أن ينفصل جميعه، فإن انفصل بعضه ولم ينفصل باقيه لم تعتق إلا بتمام انفصاله، ولو ولدت أحد توأمين عتقت وإن لم ينزل الآخر. (قوله: أو مضغة) معطوف على حيا: أي أو ولدت مضغة. (وقوله: مصورة) أي فيها صورة آدمي ظاهرة أو خفية أخبر بها القوابل، ويعتبر أربع منهن، أو رجلان، أو رجل وامرأتان - بخلاف ما لم يكن فيها صورة آدمي، وإن قلن لو بقيت لتخططت -. (قوله: عتقت) جواب إذا. (وقوله: بموته) أي ولو بقتلها له، وهذا مستثنى من قوله من استعجل بشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه، لتشوف الشارع إلى العتق. وفي البجيرمي: قال الشوبري. (فإن قيل) إذا كانت الولاية هي الموجبة للعتق فلم وقف على موت السيد؟. قيل: لان لها حقا بالولادة وللسيد حقا بالملك، وفي تعجيل عتقها بالولادة إبطال لحقه من الكسب والاستمتاع، ففي تعليقه بموت السيد حفظ للحقين فكان أولى. اه. (قوله: من رأس المال) متعلق بعتق: أي عتقها يحسب من رأس المال لا من الثلث سواء استولدها في الصحة أو المرض، أو نجز عتقها في مرض موته، ولا نظر إلى ما فوته من منافعها التي كان يستحقها إلى موته، لان الاستيلاد

(كولدها) الحاصل (بنكاح أو زنا بعد وضعها) ولدا للسيد فإنه يعتق من رأس المال بموت السيد وإن كانت أمه قبل ذلك (وله وطئ أم ولد) إجماعا واستخدامها وإجارتها وكذا تزويجها بغير إذنها (لا تمليكها) لغيره ببيع أو هبة فيحرم ذلك ولا يصح وكذا رهنها (كولدها متابع لها) في العتق بموت السيد فلا يصح تمليكه من غيره كالام ـــــــــــــــــــــــــــــ كالاتلاف بالاكل واللبس وغير ذلك من اللذات، وبالقياس على من تزوج امرأة بمهر مثلها في مرض موته. (قوله: مقدما الخ) حال من العتق: أي ويحسب العتق من رأس المال حال كونه مقدما على قضاء الديون ولو لله تعالى كالكفارة، ولو على نفوذ الوصايا، ولو لجهة عامة كالفقراء. (قوله: وإن حبلت في مرض موته) غاية في حسبان العتق من رأس المال وتقديمه على الديون والوصايا: أي يحسب من رأس المال، ويقدم على الديون والوصايا، وإن حبلت في مرض موته، وإن أوصى بها من الثلث لما مر وتلغو وصيته. (قوله: كولدها) أي المستولدة، والكاف للتنظير في العتق من رأس المال وتقديمه على الديون والوصايا. (وقوله: الحاصل) أي من غير السيد، أما الحاصل منه فإنه ينعقد حرا. (قوله: بنكاح) متعلق بالحاصل. (وقوله: بعد وضعها) متعلق بالحاصل. وخرج به ولدها الحاصل من غير سيدها قبل أن تضع ولدا لسيدها، فإنه لا يعتق من رأس المال بموت السيد، بل يكون رقيقا يتصرف فيه بما شاء من التصرفات، لحدوثه قبل استحقاق الحرية للام. (قوله: ولدا للسيد) مفعول وضعها. (قوله: فإنه يعتق من رأس المال) أي فإنه يكون مملوكا للسيد ويعتق من رأس المال بموته، لسريان الاستيلاد إليه: أي ويقدم على الديون والوصايا. (قوله: وإن ماتت إلخ) غاية في كونه يعتق من رأس المال: أي يعتق من رأس المال وإن ماتت أمته قبل موت السيد، لانه حق استحقه في حياة أمه فلا يسقط بموتها. ولو أعتق السيد مستولدته قبل موته لم يعتق ولدها تبعا لها، فإذا مات السيد بعد ذلك عتق بموته. (قوله: وله وطئ أم ولد) أي وللسيد أن يطأ أم ولده. (وقوله: إجماعا) أي ولخبر الدارقطني: أمهات الاولاد لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن، يستمتع بها سيدها ما دام حيا، فإذا مات فهي حرة. ومحل جواز وطئها إذا لم يقم بها مانع ككونها محرما، أو مسلمة وهو كافر، أو موطوءة أبيه ونحو ذلك. (قوله: واستخدامها) معطوف على وطئ: أي وله استخدامها، أي طلب الخدمة بجميع أنواعها لانها كالقنة في جميع الاحكام ما لم تكن مكاتبة، وإلا امتنع الاستخدام وغيره مما ذكر معه. (قوله: وإجارتها) معطوف أيضا على وطئ: أي وله إجارتها: أي لغيرها، أما إذا أجرها نفسها فإنه لا يصح، لأن الشخص لا يملك منفعة نفسه بعقد. وهل لها أن تستعير نفسها من سيدها؟ قياس ما قالوه في الحر أنه لو أجر نفسه وسلمها ثم استعارها جاز انه هنا كذلك، ولو مات السيد بعد أن أجرها، انفسخت الاجارة. (قوله: وكذا تزويجها بغير إذنها) إنما فصله عما قبله لأن فيه خلافا، والاصح ما ذكره: أي وكذلك للسيد أن يزوجها جبرا بغير إذنها على الاصح، لبقاء ملكه عليها وعلى منافعها، إلا إن كان السيد كافرا وهي مسلمة فلا يزوجها هو، بل يزوجها الحاكم لأنه لا ولاية للكافر على المسلمة. (قوله: لا تمليكها لغيره) أي لا يجوز للسيد أن يملكها لغيره لأنها لا تقبل النقل، وما رواه أبو داود عن جابر رضي الله عنه قال: كنا نبيع سرارينا أمهات الاولاد والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي لا نرى بذلك بأسا أجيب عنه بأنه منسوخ على فرض إطلاع النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك مع كونه قبل النهي، أو أنه منسوب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - استدلالا واجتهادا، أي من جابر حيث غلب على ظنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اطلع عليه وأقره. فيقدم عليه ما نسب إليه - صلى الله عليه وسلم - قولا ونصا وهو نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع أمهات الاولاد في خبر الدارقطني السابق، وهو وإن كان نفيا لفظا لكنه نهي معنى. (قوله: فيحرم ذلك) أي تمليكها لغير. ببيع أو هبة. (قوله: وكذا رهنها) أي وكذا لا يصح رهنها لما فيه من التسليط على بيعها. (قوله: كولدها التابع لها) أي بأن كان من غير السيد كما مر. (وقوله: في العتق بموت السيد) متعلق بالتابع لها. (قوله: فلا يصح تمليكه) أي ولدها التابع لها، أي ولا رهنه، ويصح استخدامه وإجارته وإعارته وإجباره على النكاح إن كان أنثى لا إن كان ذكرا. والحاصل: يمتنع على السيد التصرف فيه بما يمتنع فيها، ويجوز له التصرف فيه بما يجوز فيها ما عدا الوطئ. (وقوله: من غيره) أي على غيره أو لغيره، فمن بمعنى على أو اللام. (وقوله: كالام) أي أمه، فإنه لا يصح

بل لو حكم به قاض نقض على ما حكاه الروياني عن الاصحاب وتصح كتابتها وبيعها من نفسها ولو ادعى ورثة سيدها مالا له بيدها قبل موته فادعت تلفه أي قبل الموت صدقت بيمينها كما نقله الاذرعي فإن ادعت تلفه بعده لم تصدق فيه كما قاله شيخنا رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأفتى القاضي فيمن أقر بوطئ أمته فادعت أنها أسقطت منه ما تصير به أم ولد بأنها تصدق إن أمكن ذلك بيمينها فإذا مات عتقت أعتقنا الله تعالى من النار، ـــــــــــــــــــــــــــــ تمليكها لغيره كما صرح به فيما قبل. (قوله: بل لو حكم به) أي بالتمليك، أي صحته في الام وولدها التابع لها. (وقوله: نقض) أي لمخالفته الاجماع، وما وقع الخلاف بين أهل القرن الاول فقد انقطع وانعقد الاجماع على منع التمليك. (قوله: وتصح كتابتها) أي أم الولد لما علمت من بقاء ملكه عليها. (قوله: وبيعها من نفسها) أي ويصح على نفسها لانه عقد عتاقة، وكبيعها من نفسها هبتها لها وقرضها لنفسها، ويجب عليها في صورة القرض رد مثلها الصوري وهو جارية مثلها، فالبيع لها ليس بقيد. (قوله: ولو ادعى ورثة سيدها) أي على المستولدة. (وقوله: مالا له) أي لسيدها. (قوله: بيدها قبل موته) أي كائنا ذلك المال تحت يدها من قبل موت السيد. (قوله: فادعت تلفه) أي فأقرت به وادعت أنه تلف قبل الموت. (قوله: صدقت بيمينها) أي لان يدها عليه قبل الموت يد أمانة. (قوله: فإن ادعت تلفه بعده) أي بعد الموت. (قوله: لم تصدق فيه) أي في التلف، لان يدها عليه حينئذ يد ضمان، لانه ملك الغير وهي حرة. اه. تحفة. (قوله: فيمن أقر بوطئ أمته) مفهومه أنه إذا أنكر لا تصدق. (قوله: فادعت الخ) أي وأنكر هو ما ادعته: (وقوله: أسقطت منه ما تصير به أم ولد) أي كمضغة تصورت. (قوله: بأنها تصدق) متعلق بأفتى. قال في النهاية: وفي فروع ابن القطان: لو قالت الامة التي وطئها السيد ألقيت سقطا صرت به أم ولد، فأنكر السيد إلقاءها ذلك، فمن المصدق، وجهان: قال الأذرعي: الظاهر أن القول قول السيد لأن الأصل معه، لاسيما إذا أنكر الاسقاط والعلوق مطلقا. وفيما إذا اعترف بالحمل احتمال، والاقرب تصديقه أيضا إلا أن تمضي مدة لا يبقى الحمل منتسبا إليها. اه. (قوله: إن أمكن ذلك) أي سقوط حمل منها تصير به أم ولد، بأن أسقطته بعد مضي مائة وعشرين يوما من الوطئ. (قوله: بيمينها) متعلق بتصدق. (قوله: فإذا مات عتقت) أي فإذا صدقناها بيمينها ومات السيد عتقت بموته. (قوله: أعتقنا الله تعالى) هذه الجملة دعائية، فهي خبرية لفظا إنشائية معنى. ثم أنه يحتمل أن الشارح قصد نفسه فقط مع تعظيمها إظهارا لتعظيم الله له حيث أهله للعلم، فيكون من باب التحدث بالنعمة. قال الله تعالى: * (وأما بنعمة ربك فحدث) *. ولا ينافيه أن مقام الدعاء يقتضي الذلة والخضوع، لان الشخص إذا نظر لنفسه احتقرها بالنسبة لعظمة الله تعالى، وإذا نظر لتعظيم الله له عظمها. ويحتمل أنه أراد به نفسه وإخوانه المسلمين، وهو أولى لأن الدعاء مع التعميم أقرب إلى القبول، وجميع ما ذكر يجري في الجملتين بعد. ثم إن المراد بالعتق هنا الخلاص، فمعنى أعتقنا الله خلصنا الله، وليس المراد حقيقته التي هي إزالة الملك عن الآدمي، فيكون في الكلام استعارة تبعية، وتقريرها أن تقول شبه تخليص الله له من النار بمعنى العتق بجامع إزالة الضرر وحصول النفع في كل، واستعير العتق من معناه الاصلي لتخليص الله له من النار. ولا تخفى مناسبة هذا الدعاء هنا على بصير، وفيه إشارة إلى أنه خلص من تأليف هذا الشرح المبارك العميم النفع ففيه من المحسنات البديعية براعة المقطع. وتسمى حسن الختام، وهي الاتيان في أواخر حسن ابتدائي به أرجو الكلام نظما أو نثرا بما يدل على التمام كقول بعضهم التلخص من نار الجحيم وهذا حسن مختتمي (قوله: من النار) هي جرم لطيف نوري علوي، وهي في الأصل اسم لبعيدة القعر - كما في القاموس - والمراد بها دار العذاب بجميع طبقاتها السبع التي أعلاها جهنم وتحتها لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية،

_ (1) سورة الضحى، الاية: 11.

وحشرنا في زمرة المقربين الاخيار الابرار وأسكننا الفردوس من دار القرار، ومن علي في هذا التأليف وغيره ـــــــــــــــــــــــــــــ وباب كل من داخل الاخرى. أعاذنا الله والمسلمين منها. (قوله: وحشرنا في زمرة المقربين) الحشر بمعنى الجمع، وفي بمعنى مع، وزمرة - بضم الزاي - بمعنى جماعة. ويحتمل أن المراد بالحشر الدخول، وفي باقية على معناها. وعلى كل فإضافة زمرة لما بعد للبيان. والمعنى على الأول: وجمعنا مع جماعة هي المقربون من الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين المذكورين في آية: * (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم) * الخ. وعلى الثاني: أدخلنا فيهم، والمراد جمعنا معهم في دار السلام أو أدخلنا فيهم، وذلك لنستمتع في الجنة برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كان مقرهم في الدرجات العلى بالنسبة إلى غيرهم، ولذلك سبب وهو محبتهم واقتفاء آثارهم، لما أخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، والضياء المقدسي في صفة الجنة، وحسنه عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: إنك لاحب إلي من نفسي، وأنك لاحب إلي من ولدي، وأني لاكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل جبريل بقوله تعالى: * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) *. وفي رواية: عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: لا شئ إلا أني أحب الله ورسوله. فقال: أنت مع من أحببت. قال أنس فأنا أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم. والمراد بالمعية في الحديث المذكور وفي الآية التردد للزيارة والحضور للتأنس بهم، مع أن مقر كل منهم الدرجات التي أعدها الله لهم، وليس المراد أنهم يكونون في درجة واحدة، لانه يقتضي استواء الفاضل والمفضول في الدرجة، وليس كذلك، بل يكون كل في درجة. ولكن يتمكن من رؤية غيره والتردد إليه. اللهم امنحنا حبهم، واحشرنا في زمرتهم آمين. (وقوله: الاخيار) جميع خير - بشد الياء وتخفيفها - كأموات جمع ميت - مشددا ومخففا -، وهم الذين اختارهم الله واصطفاهم. (وقوله: الابرار) جمع بر، أو بار من البر وهو الاحسان، يقال بره يبره - بفتح الباء وضمها - فهو بر وبار، وذكر بعضهم أن جمع البار: بررة، وجمع البر أبرار، والمراد بهم الاولياء والعباد والزهاد، وقيل المراد بهم المؤمنون الصادقون في إيمانهم سموا أبرارا لانهم بروا الآباء والابناء والبنات، كما أن لوالديك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حقا، فالبر بالآباء والامهات الاحسان إليهم وإلانة الجانب لهم، والبر بالابناء والبنات أن لا يفعل فيهم ما يكون العقوق. (قوله: وأسكننا الفردوس) أي جعل سكنانا الفردوس، وهو أفضل الجنان وأوسعها كما تقدم سببا في أول الكتاب، ولا بد من تقدير مضاف قبل الفردوس: أي قربه أو جواره، لانه خاص بالمصطفى - صلى الله عليه وسلم - كما في شرح منظومة أسماء أهل بدر. (قوله: من دار القرار) أي دار استقرار المؤمنين وثباتهم، ومن تبعيضية متعلقة بمحذوف حال من الفردوس: أي حال كونه بعض دار القرار الذي هو الجنة، وهو يفيد أنها متعددة: أي تحتها أنواع، وهو الذي ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما كما تقدم أيضا أول الكتاب، واستدل لذلك بحديث رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: الجنان سبع: دار الجلال، ودار السلام، وجنة عدن، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم. وذهب بعضهم إلى أنها واحدة، والاسماء كلها صادقة عليها، إذ يصدق عليها جنة عدن أي إقامة، ودار السلام لسلامتهم فيها من كل خوف وحزن، ودار لخلودهم فيها وهكذا، وعليه فمن بيانية، أي الفردوس الذي هو دار القرار. (قوله: ومن على) يطلق المن على الانعام والاحسان ابتداء من غير حساب، ومنه قوله تعالى: * (لقد من الله على المؤمنين) * الآية. ويطلق على تعداد النعم كقولك: فعلت مع فلان كذا وكذا، ومنه قوله تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) *. وهو حرام إلا من الله والنبي والاصل والشيخ. والمراد به هنا الأول وإن كان الثاني يصح إطلاقه على الله: أي أنعم علي وأحسن إلي تفضلا منه لا وجوبا عليه. وفي تعبيره هنا بعلي وتعبيره فيما قبله بنا دليل

_ (1) سورة مريم، الاية: 58. (2) سورة النساء، الاية: 69. (3) سورة آل عمران، الاية: 164. (4) سورة البقرة، الاية: 264.

بقبوله وعموم النفع به وبالاخلاص فيه ليكون ذخيرة لي إذا جاءت الطامة وسببا لرحمة الله الخاصة والعامة. ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن المراد بمدلولها الاحتمال الثاني من الاحتمالين المارين عند قوله أعتقنا الله. (وقوله: في هذا التأليف) أي الذي هو الشرح مع الاصل إذ كلاهما له. (وقوله: وغيره) أي غير هذا التأليف من بقية مؤلفاته. (وقوله: بقبوله) الاولى بقبولهما بضمير التثنية العائد على هذا التأليف وغيره، وإن كان يصح إرادة المذكور، ومثله يقال في الضمائر بعد. (قوله: وعموم النفع به) مطعوف على قبوله، وإضافة عموم إلى ما بعده من إضافة الصفة للموصوف: أي ومن علي بالنفع العام به: أي إيصال الثواب بسببه لان النفع إيصال الخير للغير. (قوله: وبالاخلاص فيه) معطوف على قبوله أيضا: أي ومن علي بالاخلاص فيه: أي من الامور التي تعوقه عن القبول كالرياء والسمعة وحب الشهرة والمحمدة. (واعلم) أن مراتب الاخلاص ثلاث: الاولى: أن تعبد الله طلبا للثواب وهربا من العقاب، الثانية: أن تعبده لتتشرف بعبادته والنسبة إليه، والثالثة: أن تعبد الله لذاته لا لطمع في جنته ولا لهرب من ناره - وهي أعلاها - لانها مرتبة الصديقين، ولذلك قالت رابعة العدوية رضي الله عنها: كلهم يعبدوك من خوف نار ويرون النجاة حظا جزيلا أو بأن يسكنوا الجنان فيحظوا بقصور ويشربوا سلسبيلا ليس لي في الجنان والنار حظأنا لا أبتغي بحبي بديلا وكلامه صادق بكل من المراتب الثلاث، لكن بقطع النظر عن التعليل بعد، أما بالنظر إليه فيكون خاصا بالمرتبة الاولى. (قوله: ليكون) أي ما ذكر من هذا التأليف وغيره، والمراد جزاؤه وهو علة طلبه من الله أن يمن عليه في هذا التأليف وغيره بالقبول الخ. (وقوله: ذخيرة) أي ذخرا، وهو ما أعددته لوقت الحاجة من الشئ النفيس، والمراد به هنا جزاء هذا التأليف وغيره على سبيل المجاز، فشبه جزاء هذا التأليف بالشئ النفيس المدخر إلى وقت الحاجة بجامع الانتفاع بكل. (قوله: إذا جاءت الطامة) هي إسم من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك لأنها تطم كل شئ: أي تعلوه لعظم هولها. (قوله: وسببا) معطوف على ذخيرة، والسبب في الاصل الحبل قال تعالى: * (فليمدد بسبب إلى السماء) * ثم أطلق على كل شئ يتوصل به إلى أمر من الامور، فيكون مجازا بالاستعارة إن جعلت العلاقة المشابهة في التوصل في كل. أو مجازا مرسلا إن جعلت علاقته الاطلاق والتقييد. (قوله: لرحمة الله الخاصة) أي لعباده المؤمنين في الآخرة. (وقوله: والعامة) أي في الدنيا لعباده المؤمنين والكافرين، وللطائعين والعاصين. قال في حاشية الجمل: وفي الخطيب: ورحمتي وسعت كل شئ. أي عمت وشملت كل شئ من خلقي في الدنيا، ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي، وهذا معنى حديث أبي هريرة في الصحيحين: أن رحمتي سبقت غضبي وفي رواية: غلبت غضبي وأما في الآخرة فقال: فسأكتبها للذين يتقون الخ. اه. الحاصل رحمة الله تعم البر والفاجر في الدنيا، وتخص المؤمنين في الآخرة. (واعلم) أنه ينبغي لكل شخص أن يرحم أخاه عملا بحديث: الراحمون يرحمهم الرحمن. قال كعب الأحبار: مكتوب في الإنجيل: يا ابن آدم كما ترحم كذلك ترحم، فكيف ترجو أن يرحمك الله وأنت لا ترحم عباد الله؟ ومما يعزى لابن حجر رحمه الله تعال كما تقدم أول الكتاب: ارحم هديت جميع الخلق أنك ما رحمت يرحمك الرحمن فاغتنما

_ (1) سورة الحج، الاية: 15.

الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. وصلى الله وسلم أفضل صلاة وأكمل سلام على أشرف مخلوقاته محمد وآله وأصحابه وأزواجه عدد معلوماته ومداد كلماته وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله ـــــــــــــــــــــــــــــ وله أيضا: ارحم عباد الله يرحمك الذي عم الخلائق جوده ونواله الراحمون لهم نصيب وافرمن رحمة الرحمن جل جلاله اللهم يا رحمن ارحمنا، واجعلنا من الراحمين بجاه سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين. (قوله: الحمد لله الخ) لما كان تمام التأليف من النعم حمد الله عليه كما حمده على ابتدائه، فكأنه قال: الحمد لله الذي أقدرني على إتمامه كما أقدرني على ابتدائه. واختار الجملة الاسمية لافادتها الدوام المناسب للمقام. (وقوله: حمدا) مفعول مطلق منصوب بمثله، وهو الحمد الواقع مبتدأ. (وقوله: يوافي نعمه) أي يقابلها بحيث يكون بقدرها، فلا تقع نعمة إلا مقابلة بهذا الحمد، بحيث يكون الحمد بإزاء جميع النعم، وهذا على سبيل المبالغة بحسب ما ترجاه، وإلا فكل نعمة تحتاج إلى حمد مستقل. (وقوله: ويكافئ) بهمزة في آخره بمعنى يساوي. (وقوله: مزيده) مصدر ميمي، والضمير لله تعالى: أي يساوي الحمد ما زاده تعالى من النعم. والمعنى أن المؤلف ترجى أن يكون الحمد الذي أتى به موفيا بحق النعم الحاصلة بالفعل، ومساويا بما يزيده منها في المستقبل. واعلم أن أفضل المحامد هذه الصيغة لما ورد: أن الله لما أهبط أبانا آدم إلى الأرض قال: يا رب علمني المكاسب وعلمني كلمة تجمع لي فيها المحامد، فأوحى الله إليه أن قل ثلاثا عند كل صباح ومساء: الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. ولهذا لو حلف إنسان ليحمدن الله بمجامع المحامد بر بذلك. وقال بعض العارفين: الحمد لله ثمانية أحرف كأبواب الجنة، فمن قالها عن صفاء قلب، استحق أن يدخل الجنة من أيها شاء. (قوله: وصلى الله وسلم الخ) أي اللهم صل وسلم، فهي جملة خبرية لفظا إنشائية معنى، وأتى بالفعلين بصيغة الماضي رجاءا التحقق حصول المسؤول. وقد تقدم الكلام على الصلاة والسلام في خطبة الكتاب فارجع إليه إن شئت. (وقوله: أفضل صلاة) نائب عن المفعول المطلق لصلى: أي صلى الله عليه صلاة موصوفة بكونها أفضل الصلوات الصادرة منك على خلقك، أو الصادرة منهم على الانبياء والمرسلين. (وقوله: وأكمل سلام) نائب عن المفعول المطلق أيضا لقوله وسلم: أي وسلم عليه سلاما موصوفا بكونه أكمل السلام: أي التحية الصادرة منك على خلقك، أو من خلقك على الانبياء والمرسلين. (قوله: على أشرف مخلوقاته) متعلق بكل من صلى وسلم، أي صلى الله وسلم على أفضل المخلوقات، أي على الاطلاق كما قال صاحب الجوهرة: وأفضل الخلق على الاطلاق نبينا فمل عن الشقاق (وقوله: محمد) بالجر بدل من أشرف، ويصح رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، ونصبه على أنه مفعول لفعل محذوف. (قوله: وآله) معطوف على أشرف، والضمير يعود على محمد: أي وصلى الله وسلم على آل محمد، أي أتباعه، ولو عصاة لان المقام مقام دعاء. والعاصي أحوج إلى الدعاء من غيره. (قوله: وأصحابه) معطوف على أشرف، والضمير يعود على سيدنا محمد: أي وصلى الله وسلم على أصحابه، وهو جمع صاحب، والمراد به صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو من اجتمع بنبينا - صلى الله عليه وسلم - إجتماعا متعارفا مؤمنا به، ولو أعمى وغير مميز. فإن قلت: لم قدم الآل على الاصحاب مع أن فيهم من هو أشرف الانام بعد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو أبو بكر. فالجواب أن الصلاة على الآل ثبتت بالنص في قوله - صلى الله عليه وسلم - قولوا: اللهم صل على محمد وآله الحديث، وعلى الصحب بالقياس على الآل، فاقتضى ذلك التقدم.

العلي العظيم. يقول المؤلف عفا الله عنه وعن آبائه ومشايخه: فرغت من تبييض هذا الشرح ضحوة يوم ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله: وأزواجه) معطوف أيضا على أشرف، والضمير يعود على سيدنا محمد، أي وصلى الله على أزواجه، وهو جمع زوج يقال للرجل والمرأة، ويقال للمرأة أيضا زوجة. والمراد هنا نساؤه - صلى الله عليه وسلم - الطاهرات المطهرات اللاتي اختارهن الله تعالى لنبيه وخيرة خلقه ورضيهن أزواجا له في الدنيا والآخرة حتى استحققن أن يصلي عليهن مع - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل الله في شأنهن ما أنزل من إيتائهن أجورهن مرتين، وكونهن لسن كأحد من النساء: اه. شرح الدلائل للفاسي. (قوله: عدد الخ) منصوب على النيابة عن المصدر لصلى وسلم: أي صلى وسلم صلاة وسلاما عددهما مساو لعدد ما ذكر. (وقوله: معلوماته) أي الله سبحانه وتعالى: أي ما تعلق به علم الله تعالى من الواجبات والجائزات والمستحيلات. (قوله: ومداد كلماته) أي الله، قال في شرح الدلائل. مداد - بكسر الميم - وهو ما يكثر به ويزاد، قال في المشارق: أي قدرها. وقال السيوطي في الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الاثير: أي مثل عددها. وقيل: قدر ما يوازنها في الكثرة بمعيار كيل، أو وزن، أو عدد، أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير، وهذا تمثيل يراد به التقريب لان الكلام لا يدخل في الكيل، والوزن بل في العدد. اه. (قوله: وحسبنا الله) أي كافينا الله، فحسب بمعنى كافي، فهو بمعنى اسم الفاعل، وهو خبر مقدم، والله مبتدأ مؤخر. وقيل إن حسب اسم فعل بمعنى يكفي والله فاعله، والمعنى على الأول الله كافينا، وعلى الثاني يكفينا الله. قال الله تعالى: * (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) *. فمنى اكتفى بالله كفاه، وأعطاه سؤاله ومناه، وكشف همه، وأزال غمه، كيف لا ومن التجأ إلى ملك من الملوك حفظه وسلك به أحسن السلوك؟ فالاولى بذلك من يحتسب رب العالمين ويكتفي به عن الخلق أجمعين. (قوله: ونعم الوكيل) أي الله، فالمخصوص بالمدح محذوف، والجملة معطوفة على جملة حسبنا الله، من عطف الانشاء على الانشاء، إن جعلنا جملة حسبنا الله لانشاء الاحتساب، فإن جعلناها للاخبار كان من عطف الانشاء على الخبر، وفي جوازه خلاف، والاكثرون على منعه. ولذلك قال بعضهم: وعطفك الانشا على الاخبار وعكسه فيه خلاف جاري فابن الصلاح وابن مالك أبواجوازه فيه وبالجل اقتدوا وجوزته فرقة قليلة وسيبويه وارتضى دليله ثم إن وكيل فعيل بمعنى مفعول، وقيل إنه بمعى فاعل. والمعنى على الأول: ونعم الموكول إليه الامر، لان عباده وكلوا أمورهم إليه، واعتمدوا في حوائجهم عليه. والمعنى على الثاني: ونعم القائم على خلقه بما يصلحهم، فوكل أمور عباده إلى نفسه وقام بها فرزقهم وقضى حوائجهم ومنحهم كل خير ودفع عنهم كل ضير. للهم اجعلنا من المعتمدين عليك، المفوضين جميع أمورنا إليك. (قوله: ولا حول ولا قوة إلا بالله) أي لا تحول عن معصية الله إلا بطاعة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونة الله. (وقوله: العلي) أي الرفيع فوق خلقه وليس فوقه شئ، فالمراد به علو قدر ومنزلة، وقيل العلي بالملك والسلطنة والقهر، فلا أعلى منه أحد. (وقوله: العظيم) أي شأنه وقدره. واعلم أنه جاء في فضائل لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم شئ كثير، فمن ذلك ما أخرجه الطبراني وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنها كنز من كنوز الجنة، وفيها شفاء من تسعة وتسعين داء، أيسرها الهم. وفي رواية: أكثروا من ذكر لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها تدفع عن قائلها تسعة وتسعين بابا من الضرر أدناها الهم. ومن ذلك ما أخرجه الطبراني وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أبطأ عليه رزقه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وفي رواية البخاري ومسلم: أنها كنز من كنوز الجنة. ومن ذلك ما رواه ابن أبي الدنيا بسنده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من قال في كل يوم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم مائة مرة لم يصبه الفقر أبدا. ومن ذلك

_ (1) سورة الطلاق، الاية: 3.

الجمعة الرابع والعشرين من شهر رمضان المعظم قدره سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يقبله وأن يعم النفع به ويرزقنا الاخلاص فيه ويعيذنا به من الهاوية، ويدخلنا به في جنة عالية، وأن يرحم امرءا ـــــــــــــــــــــــــــــ ما روي: أن عوف بن مالك الاشجعي رضي الله عنه أسر المشركون ابنا له يسمى سالما فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أسر ابني، وشكى إليه الفاقة، فقال عليه الصلاة والسلام ما أمسى عند آل محمد الامد، فاتق الله واصبر، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ففعل، فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الابل غفل عنها العدو فاستاقها. وفي الفشني على الاربعين النووية: ومن الادعية المستجابة أنه إذا دخل بالشخص أمر ضيق، يطبق أصابع يده اليمنى ثم يفتحها بكلمة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم لك الحمد، ومنك الفرج، وإليك المشتكى، وبك المستعان. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهي فائدة عظيمة. اه. وبالجملة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لها تأثير عظيم في طرد الشياطين والجن، وفي جلب الرزق والغنى، والشفاء وتحصيل القوة، ودفع العجز، وغير ذلك. (قوله: يقول المؤلف الخ) هذه الجملة يحتمل أن تكون من المؤلف، ويكون جاريا على طريقة الالتفات، إذ حقه أن يقول أقول كما في قول ابن مالك في أول ألفيته: قال محمد هو ابن مالك ويحتمل أن تكون من بعض الطلبة أدخلها على قول المؤلف فرغت الخ، والأول أقرب. (قوله: عفا الله عنه إلخ) جملة دعائية. (قوله: فرغت الخ) الجملة مقول القول. (قوله: ضحوة) ظرف متعلق بفرغت، وهي بفتح الضاد وسكون الحاء، مثل قرية، والجمع ضحى: مثل قرى. اسم للوقت، وهو من ارتفاع الشمس كرمح إلى الزوال. (قوله: الرابع والعشرين) بدل من يوم الجمعة. (وقوله: من شهر رمضان) متعلق بمحذوف حال من الرابع والعشرين: أي حال كون الرابع والعشرين كائنا من شهر رمضان وفي المصباح: أن رجب الشهر مصروف، وإن أريد به معين، وأما باقي الشهور فجمادي ممنوع لالف التأنيث وشعبان ورمضان للعلمية والزيادة، والباقي مصروف. اه. (قوله: المعظم) صفة لشهر رمضان. (وقوله: قدره) نائب فاعله. (قوله: سنة إلخ) متعلق بمحذوف حال من شهر رمضان: أي حال كونه كائنا في سنة إثنتين وثمانين وتسعمائة من هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - (قوله: وأرجو الله) الرجاء بالمد تعلق القلب بمرغوب فيه مع الاخذ في الاسباب، فإن لم يكن معه أخذ في الاسباب فطمع وهو مذموم، وأما الرجا بالقصر فهو الناحية. والأول هو المراد هنا. والمعنى أطلب وأؤمل أملا من الله أن يقبل هذا الشرح الخ، وإنما أعاد طلب ما ذكر مع أنه قد طلبه أولا بقوله أعتقنا الله الخ، لأن الله سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء كما جاء في الحديث. (وقوله: سبحانه وتعالى) لما ذكر الاسم الكريم ناسب أن يأتي بما ذكر، لانه يطلب من العبد أنه متى ذكر المولى أتى بما يدل على تنزيهه عما لا يليق به. ومعنى سبحانه: تنزهه عن كل ما لا يليق بجلاله، ومعنى تعالى: تباعد وارتبع عما يقوله الظالمون من اتخاذ الولد، أو الشريك، أو نحو ذلك. (قوله: أن يقبله) أي هذا الشرح والمصدر المؤول من أن والفعل مفعول أرجو. (قوله: وأن يعم النفع به) أي وأرجو الله أن يعم النفع بهذا الشرح. وقد أجاب الله المؤلف بعين ما طلب فعم النفع بالشرح المذكور شرقا وغربا، وشاما ويمنا، وذلك لانه رضي الله عنه كان من أكابر الصوفية، وكان مجاب الدعوى رضي الله عنه ونفعنا بتراب أقدامه آمين. (قوله: ويرزقنا) بالنصب عطف على يقبله: أي وأرجو الله أن يرزقنا الاخلاص في هذا الشرح. وقد تقدم الكلام عليه آنفا. (قوله: ويعيذنا به) بالنصب أيضا على يقبله: أي وأرجو الله أن يجيرنا: أي ينقذنا بسبب هذا الشرح من الهاوية: أي نار جهنم أعاذنا الله والمسلمين منها. (قوله: ويدخلنا به الخ) بالنصب أيضا عطف على يقبله: أي وأرجو الله أن يدخلنا بسببه في جنة عالية: أي عالية المكان مرتفعة على غيرها من الامكنة، أو عالية القدر، لان فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. لاحرمنا الله والمسلمين منها. (قوله: وأن يرحم الخ) أي وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يرحم الخ:

نظر بعين الانصاف إليه، ووقف على خطأ فأطلعني عليه أو أصلحه الحمد لله رب العالمين. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون. وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا دعاء من المؤلف لمن نظر الخ. (قوله: نظر بعين الانصاف إليه) أي نظر بعين العدل إلى هذا الشرح. وفي الكلام استعارة بالكناية حيث شبه العدل بإنسان ذي عين، وحذف المشبه به ورمز له بشئ من لوازمه وهو عين، وفيه تنبيه على أن من نظر إليه بعين الجور لا يدخل في دعاء المؤلف المذكور، وأنه لا اعتداد به. (قوله: ووقف الخ) معطوف على نظر: أي ورحم الله امرأ وقف على خطأ في شرحي هذا فأطلعني عليه، وهذا تواضع من المؤلف رحمه الله تعالى، حيث اعترف بأن شرحه هذا لم يأمن عدم وقوع الخطأ فيه. (قوله: أو أصلحه) أي أصلح ذلك الخطأ، وهذا إذن من المؤلف لمن يكون أهلا أن يصلح ذلك الخطأ. والمراد بالاصلاح أن يكتب على الهامش لعله كذا، أو الصواب كذا. وليس المراد أن يغير ما في الشرح على الحقيقة ويكتب بدله، لأن ذلك لا يجوز، فإنه لو فتح باب ذلك لادى إلى عدم الوثوق بشئ من كتب المؤلفين، وذلك لأن كل من طالع وظهر له شئ غير ما هو مقرر في الكتاب غيره إلى غيره، ويجئ من بعده ويفعل مثل فعله، وهكذا فحينئذ لا يوثق بنسبة شئ إلى المؤلفين، لاحتمال أن ما وجد مثبتا في كلامهم يكون من إصلاح بعض من وقف على كتبهم. قاله ع ش في كتابته على خطبة النهاية، وقال أيضا فيها: ليس كل اعتراض سائغا من المعترض، وإنما يسوغ له اعتراض بخمسة شروط كما قاله الابشيطي وعبارته: لا ينبغي لمعترض اعتراض إلا باستكمال خمسة شروط، وإلا فهو آثم مع رد إعتراضه عليه: كون المعترض أعلى أو مساويا للمعترض عليه، وكونه يعلم أن ما أخذه من كلام شخص معروف، وكونه مستحضرا لذلك الكلام، وكونه قاصدا للصواب فقط، وكون ما اعترضه لم يوجد له وجه في التأويل إلى الصواب. اه. أقول وقد يتوقف في الشرط الاول، فإنه قد يجري الله على لسان من هو دون غيره بمراحل ما لا يجريه على لسان الافضل. اه. واعلم أنه لا بد في الاصلاح من التأمل وإمعان النظر، فلا يهجم ببادئ الرأي على التخطئة. وما أحسن ما قاله الاخضري في نظم المنطق: وأصلح الفساد بالتأمل وإن بديهة فلا تبدل إذ قيل كم مزيف صحيحالاجل كون فهمه قبيحا (قوله الحمد لله الخ) أي الثناء بالجميل مستحق لله رب العالمين. وحمد ثانيا تنبيها إلى أنه ينبغي الاكثار من الحمد، إذ نعم الله على عبده في كل لحظة لا تنقطع، وليكون شاكرا ربه على إلهامه للحمد الاول، لان إلهامه إياه نعمة تحتاج إلى الشكر عليها، وأيضا فيه إشارة إلى القبول، لان ختم الدعاء به علامة على إجابته. (قوله: اللهم صل وسلم) لما أعاد الحمد لله ناسب أن يعيد الصلاة والسلام على رسول الله تبركا بهما ولقوله تعالى: * (ورفعنا لك ذكرك) * أي لا أذكر إلا وتذكر معي يا محمد، وإشارة إلى القبول لان ختم الدعاء بهما علامة على إجابته. (وقوله: كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون) هذه رواية، ويروى أيضا: كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، بذكر الذكر مرة في جانب الذاكرين ومرة في جانب الغافلين. وهذه الرواية الثانية سمع فيها إحتمالات أربع. الاول: ما ذكر من كونه بكاف الخطاب في الاول وهاء الغيبة في الثانية، الاحتمال الثاني: عكس هذا، وهو بهاء الغيبة في الاول وكاف الخطاب في الثاني، الاحتمال الثالث بكاف الخطاب فيهما، الاحتمال الرابع: بهاء الغيبة فيهما. والاحتمال الاول منها أولى لان الذاكرين لله أكثر من الغافلين عنه، والغافلين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من الذاكرين له، إذ المؤمنون بالنسبة للكافرين كالشعرة البيضاء في الثور الاسود، وذكر الاكثر من جانب الله والاكثر في جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - أبلغ في كثرة الصلاة

_ (1) سورة الشرح، الاية: 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه - صلى الله عليه وسلم -. ثم أنه يحتمل أن يكون المراد من الذكر القلبي وهو الاستحضار، ويحتمل أن يكون المراد منه اللساني، والمراد بالغفلة على الاول النسيان، وعلى الثاني السكوت كما يؤخذ من شرح الدلائل. واعلم: أن أول من صلى بهذه الصيغة الإمام الشافعي رضي الله عنه. قال محمد بن عبد الحكم: رأيت الشافعي رضي الله عنه في المنام فقلت له: ما فعل الله بك يا إمام؟ قال رحمني وغفر لي وزفت إلي الجنة كما تزف العروس. فقلت: بماذا بلغت هذا الحال؟ قال: بما في كتاب الرسالة من الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال، وقلت: كيف تلك الصلاة؟ قال: اللهم صل على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون. قال: فلما أصبحت أخذت الرسالة ونظرت فوجدت الأمر كما رأيت. وقال بعض الصالحين: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله ما جزاء الشافعي عندك حيث قال في كتاب الرسالة وصلى الله على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -، جزاؤه عندي أنه لا يوقف للحساب. واختلف هل يحصل للمصلي بنحو هذه الصيغة ثواب صلوات بقدر هذا العدد، أو يحصل له ثواب صلاة واحدة لكنه أعظم من ثواب الصلاة المجردة عن ذلك؟ قولان. والمحققون على الثاني. (قوله: وعلينا) معطوف على سيدنا محمد: أي وصل وسلم علينا، والضمير للمتكلم وحده، أو هو مع غيره من جميع المسلمين. ففيه إحتمالان، والثاني أولى كما تقدم. (وقوله: معهم) ظرف متعلق بكل من الفعلين المقدرين، والإضافة لأدنى ملابسة، أي صل وسلم علينا مع صلاتك وسلامك عليهم: أي النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وأصحابه فتحصل لنا الصلاة تبعا لهم. واعلم: أن هذه الصلاة المفروغ منها قد احتوت على الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد اختلف في ذلك. والمعتمد أنها إن كانت على سبيل التبعية كما هنا فهي جائزة، وإلا فممنوعة. واختلف في المنع هل هو من باب التحريم، أو كراهة التنزيه، أو خلاف الاولى؟ والصحيح الذي عليه الأكثرون الثاني لانه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، ويستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الاخيار. وأما قول بعض العلماء أن الترضي خاص بالصحابة ويقال في غيرهم رحمه الله تعالى، فليس كما قال، بل الصحيح الذي عليه الجمهور إستحبابه. اه. ملخصا من شرح الدلائل. (قوله: برحمتك إلخ) الجار والمجرور يحتمل أن يكون متعلقا بمحذوف تقديره، وارحمنا برحمتك، ويحتمل أن يكون متعلقا بكل من صل وسلم: أي صل وسلم على من ذكر برحمتك: أي بفضلك الواسع لا بالوجوب عليك، فيكون فيه إشارة إلى ما في الصحيح: سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل الجنة أحد بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. ويحتمل أن تكون الباء للقسم: أي وأقسم عليك في تنجيز ما سألته بحق رحمتك التي وسعت كل شئ ولذا طمع فيها إبليس حيث لا يفيده الطمع. وقد ورد في الحديث عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله تبارك وتعالى خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فأنزل منها إلى الارض رحمة واحدة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، حتى أن الفرس لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، فإذا كان يوم القيامة رد الله تعالى هذه الرحمة إلى التسعة والتسعين، فأكملها مائة رحمة فيرحم بها عباده. (وقوله: يا أرحم الراحمين) أي بعباده، فإنه تعالى أرحم بالعبد من نفسه، وأشفق عليه من والديه، ولذا أحب توبته ورجوعه إليه، قال - صلى الله عليه وسلم -: لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم إذا سقط عليه بعيره قد أضله بأرض فلاة. رواه الشيخان. وفي الحديث: إن لله ملكا موكلا بمن يقول يا أرحم الراحمين، فمن قالها ثلاثا، قال له الملك: إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فسل. رواه الحاكم عن أبي أمامة. ويا أرحم الراحمين كنز من كنوز الجنة. ومن دعا به ألف مرة في جوف الليل لاي حاجة كانت من الحاجات الدنيوية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والاخروية قضى الله حاجته. اللهم يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، اقض حوائجنا الدنيوية، والاخروية، ووفقنا لاصلاح النية، بجاه سيدنا محمد خير البرية، وأهل بيته ذوي النفوس الزكية. وهذا آخر ما يسر الله جمعه من حاشية فتح المعين بشرح قرة العين، وكان ذلك يوم الاربعاء بعد صلاة العصر السابع والعشرين من شهر جمادى الثانية سنة ألف ومائتين وثمانية وتسعين، على يد مؤلفها راجي العفو والغفران من ربه ذي العطا أبي بكر ابن المرحوم محمد شطا. وقد جاءت بحمد الله حاشية لا كالحواشي، أعيذها بالله من كل حاسد وواشي، تقر بها أعين الناظرين، ويشفي بها صدور المتصدرين، وتنزل من القلوب منزلة الجنان، ومن العيون منزلة الانسان. كيف وقد بذلت الجهد في توشيحها وترشيحها، وصرفت الوسع في تهذيبها وتنقيحها، مع أني أبدي الاعتذار، لذوي الفضل والاقتدار، وأقول: قل أن يخلص مصنف من الهفوات، أو ينجو مؤلف من العثرات، مع عدم تأهلي لذلك، وقصو رباعي من الوصول لما هنالك، ومع ضيق الوقت وكثرة الاشغال، وتوالي الهموم على الاتصال، وترادف القواطع، وتتابع الموانع، وعدم الكتب التي ينبغي أن تراجع في مثل هذا الشأن. وأرجو منهم إن رأوا خللا، أو عاينوا زللا، أن يصلحوه بعد التأمل بإحسان، ولا يستغرب هذا من الانسان، خصوصا وقد قيل الانسان محل النسيان: وما سمي الانسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب ولله در ابن الوردي حيث يقول: فالناس لم يصنفوا في العلم لكي يصيروا هدفا للذم ما صنفوا إلا رجاء الاجر والدعوات وجميل الذكر لكن فديت جسدا بلا حسدولا يضيع الله حقا لاحد والله عند قوم كل قائل وذو الحجا من نفسه في شاغل فإذا ظفرت أيها الطالب بمسألة فاخمة فادع لي بحسن الخاتمة، وإذا ظفرت بعثرة فادع لي بالتجاوز والمغفرة. وأتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وأسأله من فضله العميم، متوسلا بنبيه الكريم، أن ينفع بها كما نفع بأصلها الخاص والعام، ويقبلها بفضله كما أنعم بالاتمام، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وسببا للفوز بجنات النعيم. وأن يطهر ظواهرنا بإمتثال أوامر واجتناب نواهيه. وأن يخلص سرائرنا من شوائب الاغيار والشيطان ودواعيه، وأن يتفضل علينا بالسعادة التي لا يلحقها زوال، وأن يذيقنا لذة الوصال بمشاهدة الكبير المتعال، وأن يلحقنا بالذين هم في رياض الجنة يتقلبون، وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون، وعلى الفرش التي بطائنها من استبرق يتكئون، وبالحور العين يتمتعون، وبأنواع الثمار يتفكهون: * (يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين، لا يصدعون عنها ولا ينزفون، وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون، وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، جزاء بما كانوا يعملون) *. فنالوا بذلك السعادة الابدية، وكانوا بلذائذ المشاهدة هم الواصلون. والصلاة والسلام على الواسطة العظمى لنا في كل نعمة، وعلى آله وأصحابه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون. يقول المؤلف عفا الله عنه وعن آبائه وأخوانه ومحبيه ومشايخه والمسلمين أجمعين قد تم تحرير هذه الحاشية المباركة إن شاء الله تعالى، يوم الاثنين المبارك بعد ظهر الثالث والعشرين من شهر شوال المعظم، قدره سنة ثلاثمائة وألف 0031 من هجرة من خلقه الله على أكمل وصف، - صلى الله عليه وسلم -، وجاء لله الحمد على أتم حال، وأحسن منوال، وذلك بواسطة حبيبه المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وشيخي وأستاذي مربي الطالبين. ناشر شريعة سيد المرسلين. ورئيس العلماء والمدرسين. ومفتي الانام ببلد الله الامين، مولانا العارف بربه المنان، السيد أحمد بن زيني دحلان. وبواسطة بقية

_ (1) سورة الواقعة، الاية 17 - 24.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أشياخي الكرام. بدور الظلام. أطال الله في أعمارهم وأدام النفع بهم آمين. اللهم إنا نسألك بالطاهر النسب، الكريم الحسب، خير العجم والعرب، سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، أن تمحو من صحائفنا ما زل به البنان، أو أخل به البيان، وأن تتقبل منا ما سطرنا، وأن تجعله حجة لنا لا حجة علينا، حتى نتمنى أننا ما كتبنا وما قرأنا، اللهم يا محول الاحوال حول حالنا إلى أحسن حال، بحولك وقوتك يا عزيز يا متعال. اللهم إنا نسألك من النعمة تمامها، ومن العصمة دوامها، ومن الرحمة شمولها، ومن العافية حصولها، ومن العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الاحسان أتمه، ومن الانعام أعمه، ومن الفضل أعذبه، ومن اللطف أنفعه، اللهم كن لنا ولا تكن علينا. اللهم اختم بالسعادة آجالنا، وحقق بالزيادة آمالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومآلنا، واصبب سجال عفوك على ذنوبنا، ومن علينا بإصلاح عيوبنا، واجعل التقوى زادنا، وفي دينك اجتهادنا، وعليك توكلنا واعتمادنا، وثبتنا على نهج الاستقامة. وأعذنا في الدنيا من موجبات الندامة يوم القيامة، وخفف عنا ثقل الاوزار، وارزقنا عيش الابرار، واكفنا واصرف عنا شر الاشرار، وأعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأولادنا وإخواننا وعشيرتنا وأصحابنا وأحبابنا من النار، برحمتك يا عزيز يا غفار يا ستار يا حليم يا جبار، يا ألله يا الله يا الله يا رحيم، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله على خاتم الولاية النبوية الارسالية، وعلى آله وأصحابه أرباب العناية الالهية، وسلم تسليما. والحمد لله أولا وآخرا، باطنا وظاهرا، والحمد لله مستغرق المحامد كلها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين آمين.

§1/1