إصلاح غلط المحدثين

الخطابي

مقدمة المصنف

بسم الله الرحمن الرحيم [وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم] أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام عفيف الدين أبو عبد الله محمد بن يزيد بن إدريس القُرشيّ قراءةً مني عليه بالمدرسة الناصرية المنشأة على تربة الإمام الشافعيّ، رضي الله عنه. وعرضنا بأصلِ سماعِهِ فأقرَّ به. قالَ: حدّثني الشيخُ الإمام الصالحُ المتقنُ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن خليل القيسيّ القرُطبيّ قراءةً عليه في داره بمراكش سنة ثمان وستين وخمسمائة قالَ: ثنا الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتّاب قالَ: ثنا أبو عمرو عثمان بن أبي بكر الصَّدَفيّ السفاقسيّ قالَ: ثنا محمد بن علي بن عبد الملك الفقيه قالَ: قالَ أبو سليمان الخطابيّ، رحمه الله: هذه أَلفاظٌ من الحديث يرويها أكثرُ الرُّواةِ والمُحَدِّثينَ ملحونةً ومُحرَّفَةَ أَصلحناها [لهم] وأَخبرنا بصوابها، (2 أ) وفيها حروفٌ تحتملُ وجوهاً اخترنا منها أَبْينَهَا وأَوْضَحَها، واللهُ الموفقُ للصوابِ لا شريك له. قالَ: أبو سُليمان:

1 - قوله، صلى الله عليه وسلم، في البحر: ([هو] الطّهُورُ ماؤهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ). عوامُّ الرواةِ يُولعونَ. بكسرِ الميمِ من المَيْتَةِ. يقولونَ: ميِتَتُهُ وإنَّما هي مَيْتَتُهُ، مفتوحة [الميم]، يريدون حيوان البحر إذا ماتَ فيه. وسمعتُ أبا عُمَر يقولُ: سمعتُ المُبَرّدَ يقولُ في هذا: المِيتةُ: الموتُ، وهو أمرٌ من اللهِ [عزَّ وجَلَّ يقعُ في البَرِّ والبحرِ] لا يُقالُ فيه حلالٌ ولا حرامٌ. 2 - قالَ أبو سُليمان: فأمّا قولُهُ [عليه السلامُ]: (مَنْ خرجَ من الطاعة [فماتَ] فميِتَتُهُ جاهِلِيّةٌ). فهي مكسورةُ الميم، يعني الحال التي ماتَ عليها. يُقالُ: ماتَ فُلانٌ ميتَةً حَسَنَةً وماتَ ميِتَةً سيِّئةً. كما قالوا: فُلانٌ حَسَنُ القِعْدَةِ والجِلْسَةِ والرِّكبْةِ والمِشْيَةِ والسيِرةِ والنيِمَة. يُرادُ بها الحالُ والهيئةُ. 3 - (2 ب) ومِثْلُهُ قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (إذا ذَبَحْتُم فأَحْسِنوا الذِّبْحَةَ، وإذا قَتَلْتُم فأحسِنوا القِتْلَةَ)

وأَمّا الذَّبْحةُ والقَتْلةُ [مفَتْوُحَتَيْن] فالمَرَّةُ الواحدةُ من الفِعْلِ. 4 - فأمّا قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم، لعائشة [رضي الله عنها]: (ليسَتْ حيِضَتُكِ في يَدِكِ). [فإنَّهم قد] يفتحون الحاءَ [منه] وليسَ بالجَيِّد. والصوابُ: حيِضتك، مكسورةُ الحاءِ. والحيِضَةُ: الاسمُ أو الحالُ، يريد: ليستْ نجاسةُ المَحيضْ وأَذاهُ في يدِكِ. فأمَّا الحَيْضَةُ: فالمَرَّةُ الواحِدةُ من الحَيْضِ [أو الدُّفعةُ من الدَّمِ]. 5 - وفي الحديث الذي يرويه سلمان [رضي الله عنه] في الاستنجاء: (أَنَّ رجلاً من المشركين قالَ [له]: لقد عَلّمكُم صاحِبُكم كلًّ شيءٍ حتى الخِراءَةَ). عوامُّ الرُّواةِ يفتحون الخاءَ فيُفْحِشُ معناهُ. وإنّما هو الخِراءَةُ، مكسورة الخاءِ ممدودة الألفِ. يريد الجِلْسَةَ للتخلي والتنظفِ منه والأدب فيه. 6 - قولُهُ، صلّى اللهُ عليه وسلّم، (3 أ) عند دخولِ الخلاءِ: (اللهُمّ إنّي أعوذُ بكَ من الخُبْثُ والخبائِثِ). أصحابُ الحديثِ يروونَهُ: الخُبْثَ، ساكنة الباءِ. وكذلكَ رواهُ أبو عُبَيْدٍ في كتابِهِ وفَسَّره فقالَ: أمَّا الخُبْثُ فإنَّهُ يعني الشّرَّ،

وأَمَّا الخبائِثُ فإنَّها الشياطينُ. قال أبو سُليمان: وإنّما هو الخُبُثُ، مضمومُ الباءِ، جَمْعُ خبَيثٍ. وأمَّا الخبائِثُ فهو جمعُ خبيثةٍ استعاذَ بالله من مَرَدَةِ الجِنِّ ذكورِهم وإناثهم. فأمَّا الخُبْثُ، ساكنةُ الباءِ، فمصدرُ خَبُثَ الشيءُ يخبُثُ خبُثْاً، وقد يُجعلُ اسماً. قالَ ابنُ الأعرابيّ: أصلُ الخُبْثِ في كلامِ العَرَبِ: المكروه فإنْ كانَ من الكلامِ فهو الشّتْمُ، وإنْ كانَ من الملِلِ فهو الكُفْرُ، وإنْ كانَ من الطعام فهو الحرامُ، وإنْ كانَ من الشرابِ فهو الضَّارُّ. وأمَّا الخَبَثُ، مفتوحةُ الخاءِ والباءِ، فهو ما تنفيه النارُ من رَدِئِ الفِضَّةِ والحديدِ ونحوهما. فأمَّا الخِبْثَةُ فالرِّيبةُ (3 ب) والتُهَمَةُ. يُقالُ: [هو] ولدُ الخِبْثَةِ، إذا كانَ لغيرِ رِشْدَةٍ. ويُقالُ: بِعْ وقُلْ: لا خِبْثَةَ، أي لا تُهَمَةَ فيه من غَصْبٍ أو سَرِقَةٍ أو نحوهما. 7 - قَوْلُهُ، صلّى الله عليه وسلّم، [في الاستنجاء]: (وأَعِدُّوا النُّبَلَ)

يُروَى بضَمِّ النونِ وفَتْحِها، وأكثرُ المحدِّثين يرويها: النّبَل، مفتوحة النونِ، وأجودُهُما الضمّةُ. قالَ الأصمعيّ: إنّما هو النُّبَلُ. بضَمِّ النونِ وفتحِ الباءِ، واحدُها نُبْلَة. وقالَ غيرُهُ: إنَّما سُمِّيَتْ نُبْلَ نُبْلَة بالتناوب من الأرضِ. يُقالُ: انتبَلْتُ حَجَراً من الأرضِ، إذا [أنتَ] أخذتَهُ، وأنبلْتُ غيري حجراً، ونَبّلْتُهُ: إذا أنتَ أعطيتَهُ إيّاه. واسمُ الشيء الذي تتناوَلُهُ: النُّبْلةُ. كما تقولُ: اغترَفْتُ بيدي ماءً، واسمُ ما في كَفِّكَ: غُرْفَةٌ. 8 - قَوْلُهُ، صلّى الله عليه وسلّم، لأَمِّ سَلَمَةَ حينَ حاضَتْ: (أَنَفِسْتِ). إنَّما هو بفتحِ النونِ وكسرِ الفاء، معناه حِضْتِ. يُقالُ: نَفِسَتِ المرأةُ [إذا حاضَتْ]، ونُفِسَتْ، مضمومةُ النونِ، من النِّفاسِ. 9 - (4 أ) وحديثُهُ [صلّى الله عليه] الذي يرويه عليٌّ، رضي الله عنه، في (المَذْي). العامةُ يقولونَ: المَذِيُّ، مكسورةُ الذالِ مُثَقّلة [الياء]. وإنّما هو المَذْيُ، ساكنةُ الذّالِ، وهو ما يخرجُ من قُبُلِ الإنسانِ عندَ نشاطٍ، أو مُلاعبةِ أَهْلٍ أو نحوهما.

والوَدْيُ، ساكنة الدالِ غير معجمة، ما يخرجُ عَقِبَ البَوْلِ. وأمَّا المَنِيُّ، ثقيلةُ الياءِ، فالماءُ الدافِقُ الذي يكونُ منه الولدُ، [ويجبُ] فيه الاغتسالُ. ويُقالُ: وَدَي [الرجلُ] ومَذى، بغير ألفٍ، وأمْنَى، بالألفِ. قالَ اللهُ تعالى: " أَفَرأَيتُم ما تُمنُونَ ". [وهذا قولُ أبي عُبَيد وأكثر أهلِ اللغةِ. وهو اختيارُ ابن الأنباريّ. وقد حُكِيَ عن بعضهم: الوَدِيّ والمَذِيّ، مُشَدَّدَيْن]. 10 قولُ عائشةَ، رضي اللهُ عنها: (كانَ رسولُ اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم، أَمْلَكَكُم لأَرَبِهِ). أكثرُ الرواةِ يقولونَ: لإِرْبِهِ. والإرْبُ: العُضْو، وإنّما هو لأرَبَه، مفتوحة الألف والراء، وهو الوَطَرُ وحاجةُ النّفْسِ. وقد يكونُ الإرْبُ الحاجةَ أيضاً، والأًوَّلُ أَبْيَنُ. 11 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (4 ب) (مَنْ تَوَضَّأَ للجُمعةِ فبِها ونِعْمَتْ): مكسورة النونِ ساكنة العينِ والتاء، أي نِعْمت الخلّة.

والعَوامُّ يروونَهُ: ونَعِمَتْ، يفتحونَ النونَ ويكسرونَ العينَ، وليسَ بالوجْهِ. ورواهُ بعضهُم: [و] نَعِمْتَ، أي نَعَمَكَ اللهُ. 12 - قُولهُ، صلّى الله عليه وسَلّم، [في الجُمعةِ]: (مَنْ غَسَلَ واغْتَسَلَ). يرويه بعضهُم: غَسّلَ، بتشديدِ السينِ، وليس بجيّد، وإنّما هو غَسَلَ، بالتخفيف. ويُتأوَّلُ على وجهين: أحدهما أَنْ يكونَ أرادَ بهِ اتباع اللفظِ، والمعنى واحدٌ. كما قالَ في [هذا] الحديث: (استمع وأنصت، ومَشَى ولم يركبْ). والوَجْهُ الآخر: أنْ يكون قَوْلُهُ: غَسَلَ، إنَّما أرادَ غَسْلَ الرأسِ، وخَصَّ الرأسَ بالغَسْلِ لما على رؤوسِهم من الشعر، ولحاجَتهِم إلى معالجتِهِ وتنظيفِهِ. وأمَّا الاغتِسالُ فإنَّهُ عامٌّ للبَدَنِ كُلِّه. 13 - قولُهُ، صلّى اللهُ عليه وسلّم: (5 أ) في حديثِ لَقِيط ابنِ صَبِرَة وافدِ بني المُنْتَفِقِ: (أراحَ الراعي غَنَمَهُ ومعه سَخْلةٌ تَيْعَرُ. فقالَ النبيُّ، صلّى اللهّ عليه وسلّم: ما وَلَّدْتَ يا غُلام؟ قالَ: بَهْمَة. قالَ: فاذبحَ لنا مكانَها شاةً، ثمَّ قالَ: لا تحسَبَنَّ أَنَّا من أجلِك ذَبَحْناها). [ولَّدْتَ] الرواية: بتشديد اللام، على وزن فَعَّلْت خِطاب المُواجَهِ. وأكثرُ المُحَدِّثين يقولونَ: [ما] وَلَدَتْ، يريدونَ: ما وَلَدَتِ الشاةُ، وهو غَلَطٌ.

تقولُ العربُ: وَلَّدْتُ الشاةَ، إذا نُتِجَتْ عندكَ [فوليتَ أَمْرَ ولادها]. وأَنْشدَنَا أبو عُمرَ قالَ: أَنْشدَنَا أبو العبّاسِ ثَعْلَبٌ: إذا ما وَلَّدوا يوماً تَنَادَوْا أَجَدْيٌ تحتَ شاتِكَ أَمْ غُلامٌ ويُقالُ: وَلَدَتِ الغَنَمُ وِلاداً. وفي الآدمِيّاتِ: وَلَدَتِ المرأةُ وِلادةً. ومنِ الناسِ مَنْ يَجْعَلُهُما شيئاً واحداً. وقولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: لا تحسبَنَّ (5 ب) أَنَّا ذبحناها من أجلِكَ: معناهُ نفيُ الرِّياءِ وتركُ الاعتدادِ بالقِرَى على الضيف. 14 - حديثُ ابنِ أُمِّ مكتوم [رضي الله عنه]: (إنَّ لي قائداً لا يُلاوِمُني). هكذا يرويه المُحَدِّثونَ، وهو غَلَطٌ، والصوابُ: لا يُلائِمُني، أي لا يُوافقني ولا يُساعدني على حضور الجماعةِ. قالَ أبو ذؤَيب: أمْ مالجَنْبِكَ لا يُلائِمُ مَضْجَعاً إلاّ أقَضَّ عليكَ ذاكَ المَضْجَعُ

فأمّا المُلاومَةُ فإنَّما تكونُ من اللّوْمِ. ومنه قولُهُ تعالى: " فأَقْبَلَ بَعْضُهَم على بَعْضٍ يتلاوَمُونَ ". 15 - حديثُ زَيدٍ بنِ ثابت [رضي الله عنه]: قالَ: (رأيتُ رسولَ اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم، يقرأُ في المَغْرب بطُولَى الطُّولَيَيْن)، يعني سورةَ الأعراف. يرويه المُحَدِّثون: بطِوَلِ الطُّولَيَيْنِ. وهو خَطَأٌ فاحِشٌ، فالطِوَلُ: الحَبْلُ، وإنَّما هو بطُولَى، تأنيث أَطْول. والطُّولَيَيْن تثنيةُ الطُّولَى. يريدُ أنَّهُ كانَ يقرأُ فيها بأَطْوَلِ (6 أ) السُّورَتَيْنِ، يريدُ الأَنعامَ والأعرافَ. قال الشاعرُ: فأعضَضْتُهُ الطُّولَى سناماً وخَيْرَها بلاءً وخَيْرِ الخَيْرِ ما يُتَخَيّرُ 16 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّما أُنَسّى لأَسُنَّ). يرويه عَوامُّ الرواةِ: أُنْسَى، خفيفة السين، على وزن أُدْعَى، وليسَ بجيِّدٍ. إنَّما معنى أُنْسَى أي يُنْسى ذكره، أو يُنْسَى عهده، وما أشبهه. والأجودُ أنْ يُقَال: أُنَسّى، أي أُدْفَع إلى النسيان. 17 - ومن هذا قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (لا يقولن أحَدُكُم نسيتُ آيةَ كَيْتَ وكَيْتَ، إنَّما نُسِّيَ).

18 - نَهْيُهُ، صلّى الله عليه وسلّم، عن الحِلَقِ قبلَ الصلاة في [يومٍ] الجمعةِ وعن التّحَلُّقِ أيضاً. يرويه كثيرٌ من المحدِّثين: عن الحَلْقِ قبلَ الصلاةِ. ويتأوّلونَهُ على حِلاقِ الشّعرِ. وقالَ لي بعضُ مشايخِنا: لم أَحْلِقْ رأسي قبلَ الصلاةِ نحواً من أربعينَ سنةً بعدما سمعتُ هذا الحديثَ. قالَ أبو سُليمان: (6 ب) وإنَّما هو الحِلَقُ، مكسورة الحاءِ مفتوحة اللامِ، جمعُ حَلْقَة. يَقالُ: حَلْقةَ وحِلَق مِثْلُ بَدْرَة وبِدَر وقَصْعَة وقِصَع. نهاهُم عن التّحَلُّقِ والاجتماعِ على المُذاكرة والعِلْمِ قبلَ الصلاةِ، واستحبَّ لهم ذلكَ بعدَ الصلاةِ. 19 - وفي حديثِهِ، سلّى اللهُ عليه وسلّم، الذي يَرْويِهِ ذو اليَدَيْنِ قال: (فخرجَ سَرَعَانُ الناسِ). يرويه العامَّةُ: سِرْعان الناسِ، مكسورة السينِ ساكنة الراءِ، وهو غَلَطٌ. والصوابُ: سَرَعَانُ [الناس]، بنصبِ السينِ وفتح الراء. هكذا يقول الكِسائيّ. وقالَ غيرُهُ: سَرْعان، ساكنة الراء، والأوّلُ أَجْوَدُ.

فأمَّا قولهُمُ: سرعانَ ما فَعَلْت، ففيه ثلاثُ لُغاتٍ: يُقالُ: سَرْعَانَ وسِرْعانَ، [والراءُ فيها ساكنةٌ] والنونُ نَصْبٌ أبداً. 20 - ومما يكثرُ فيه تصحيفُ الرُّواةِ حديثُ سَمُرَة بنِ جُنْدَب في قِصَّةِ كُسوفِ الشمسِ والصلاة لها. [قالَ]: (فدُفِعْنا إلى المسجد. فإذا هو بأزَزٍ)، أي بجمعٍ كثيرٍ غَصَّ (7 أ) بهم المسجد. رواهُ غيرُ واحدٍ من المشهورين بالروايةِ: فإذا هو بارِزٌ، من البُروزِ، وهو خَطَأٌ. ورواهُ بَعْضُهم؛ فإذا هو يتأَزَّزُ. وقد فَسّرْتُهُ في موضِعِهِ من الكتابِ وأَعَدْتُ لك ذِكْرَهُ ليكون منك ببالٍ. 21 - وفي حديث أبي ذَرٍّ [رضي الله عنه]: (أَنَّهُ سألَ رسولَ الله، صلّى اللهُ عليه وسلّم، عن الصلاةِ فقالَ: خَيْرٌ موضوعٌ فاستكثِرْ مِنهُ). يُروى على وجهين: أحدهما أنْ يكونَ موضوعٌ نَعْتاً لمِا قَبْلَهُ. يُريدُ أَنَّها خيرٌ حاضرٌ فاستكثر منه. والوجهُ الثاني: أنْ يكونَ الخيرُ مضافاً إلى الموضوع. يريُدُ أَنَّها أَفْضَلُ ما وُضعَ من الطاعاتِ وشُرِعَ من العباداتِ.

ومما يُروى من هذا البابِ أَيضاً على وَجْهَيْنِ حديثُ ابن عبّاس [رضي الله عنهما]: (أنَّ رسولَ اللهِ، صلّى اللهُ عليه وسلّم، صَلّى على قَبْرٍ مَنْبُوذٍ). فَمَنْ رواهُ على أَنَّهُ نَعْتٌ للقبرِ أرادَ: على قَبْرٍ مُنْتَبَذٍ من القبورِ. ومَنْ رواهُ على الإضافةِ أَرادَ بالمنبوذِ اللقيط، (7 ب) يرُيدُ أَنَّهُ صلّى على قَبْرِ لقيطٍ. 23 - ومثلُ هذا قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (ولَيسَ لعِرْقٍ ظالمٍ حقٌّ). من الناسِ مَنْ يرويه على إضافة العِرْقِ، إلى الظالم، وهو الغارس الذي غرس في غير حقِّه. ومنهم من يجعل الظالم من نعت العرق يريدُ الغراسَ والشّجَرَ، [و] جَعَلَهُ ظالماً لأنَّهُ نبتَ في غيرِ حقِّهِ. 24 - وفي حديثِهِ، صلّى الله عليه وسلّم: (أَنَّهُ صلّى إلى جِدارٍ، فجاءَتْ بَهْمَةٌ تمرُّ بينَ يَدَيْهِ، فما زالَ يُدارِئُها حتى لَصِقَ بطنُهُ بالجِدارِ). قولُهُ: يُدارِئُها، مهموزٌ من الدَّرْءِ، ومعناه: يُدافِعُها. ومنه قولُهُ تعالى: " وإذْ قَتَلْتُم نَفْساً فادَّارَأْتُم فيها ". ومَنْ رواهُ: يُداريها، غير مهموزٍ، أحالَ المعنى لأنَّهُ لا وَجْهَ

هاهُنا للمُداراةِ التي تجري مَجْرَى المُساهَلَةِ في الأمورِ. وأَصْلُ المداراةِ من قولِكَ: دَرَيْتُ الصيدَ، إذا خَتَلْتَهُ لتصطادَه. 25 - قالَ أبو سُليمانَ: ومِمّا سَبِيلُهُ أنْ يُهْمَزَ لدَفْعِ الإشكالِ، وعَوامُّ الرواةِ يتركونَ (8 أ) الهَمْزَ فيه قَوْلُهُ، صلّى الله عليه وسلّم، في الضحايا: ([كُلُوا] وادَّخِروا وائْتَجِروا). أي تَصدَّقوا طلبَ الأجرِ فيه. والمحدِّثون يقولون: واتَّجِروا، فينقلبُ المعنى [فيه] عن الصدقةِ إلى التجارةِ، وبيعُ لُحومِ الأضاحي فاسِدٌ غير جائزٍ. ولولا موضعُ الإشكالِ وما يَعْرِضُ من الوَهْمِ في تأويلِهِ لِكانَ جائزاً أنْ يُقالَ: واتَّجِروا، بالإدغامِ، كما قِيلَ من الأمانةِ: اتُّمِنَ، إلاّ أنَّ الإظهارَ هاهُنا واجِبٌ، وهو مذهبُ الحجازيينَ. يُقالٌ: ائْتَزَرَ فهو مُؤتَزر، [وائْتَدَعَ فهو مؤتَدعِ]، وائْتَجَرَ فهو مُؤْتجِر. قال أبو دَهْبَل: يا ليتَ أَنِّي بأثوابِ وراحِلتي عَبْدٌ لأَهْلِكِ هذا الشهر مُؤْتَجَرُ 26 - ومن هذا البابِ قولُ عُمَرَ، رضي الله عنه: (لو تمالأَ عليهِ أَهْلُ صَنْعاءَ لقَتَلْتُهُم بهِ). مهموزٌ من الملأ، أي لو صاروا كُلُّهُم ملأً واحداً في قَتْلِهِ.

ويقالُ: مالأتُ الرجلَ على الشيءِ إذا واطأتَهُ عليه. والمُحدثون (8 ب) يقولون: [لو] تمالَى عليه، غير مهموز. والصوابُ أنْ يُهمزَ. والمَلاَ مقصورٌ [غير مهموزٍ]: الفضاءُ الواسعُ. قالَ الشاعرُ: ألا غَنيِّاني وارْفَعَا الصوتَ بالمَلاَ فإنَّ المَلاَ عندي يزيدُ المَدَى بُعْدا 27 - ومن هذا الباب [أيضاً] حديثُ ثَوْبان: (اسْتَقَاءَ رسولُ الله، صلّى الله عليه وسلّم، عامِداً فأَفْطَرَ). مهموزٌ ممدودٌ، أي تَعَمّدَ القَيْءَ. ومَنْ قالَ: استَقَى، على وزن اشتكَى، فقد وَهِمَ. 28 - وكذلك قوله، صلّى الله عليه وسلّم: (العائِدُ في هِبَتِهِ كالعائِدِ في قَيْئِهِ). مهموزٌ. والعامَّةُ تُثَقِّلُهُ ولا تَهْمِزُهُ. . 29 - ومن هذا قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (يقاتِلكم فِئامُ الرُّومِ). يريد جماعات الروم، مهموزٌ بكسر الفاءِ، وأصحابُ الحديثِ

يقولونَ: قَيّام الرومِ، مفتوحة الفاء مشدَّدَة الياء، وهو غَلَطٌ، وإنّما هو الفِئامُ، مهموزٌ. قالَ الشاعرُ: (9 أ) [كأنَّ] مواضِعُ الرَّبَلاتِ منها فِئامٌ ينظرونَ إلى فِئامِ 30 - وفي حديثهِ، صلّى الله عليه وسلّم، حينَ قالَ لنسائِهِ: (أَيَّتكُنَّ تنبحُها كلابُ الحَوْأبِ). أصحابُ الحديثِ يقولون: الحُوَّب، مضمومة الحاء مُثَقّلَة الواو. وإنّما هو الحَوْأبُ، مفتوحة الحاء مهموزة: اسْمُ بعضِ المياهِ. أنشدني الغَنَوي [قال]: أنشدني ثَعْلبٌ: ما هو إلاّ شَرْبَةٌ بالحَوْأبِ فَصَعِّدِي مِن بَعْدِها أو صَوِّبي الحوأبُ: الوادي الواسعُ: قالَ بعضُ رُجّاز الهُذَليِّين يصفُ حافِرَ فَرَسٍ: يلتهمُ الأرضَ بوَأْبٍ حوأبِ كالقُمْعُلِ المنكَبِّ فوقَ الأَثْلَبِ الوأْبُ: الخفيفُ. والقُمْعُلُ: القَدَحُ الضّخْم بُلُغَةِ هُذَيْلٍ.

31 - (9 ب) وقولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (الكَمْأَةُ من المَنِّ وماؤها شِفاءٌ للعَيْنِ). الكَمْأَةُ مهموزةٌ. والعامَّةُ يقولونَ: الكَمَاة، بلا همزٍ. 32 - وقولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (رُفِعَ عن أُمَّتي الخَطأُ والنِّسْيانُ). العامَّةُ يقولونَ: النّسَيَان، على وَزْنِ الغَلَيَان. وإنَّما هو النِّسْيانُ، بكسر النون ساكِنة السين. والخَطَأُ مهموزٌ غير ممدودٍ. يُقالُ: أَخْطَأَ الرجلُ خَطَأً إذا لم يُصِبِ الصوابَ أو جَرَى منه الذَّنْبُ وهو غير عامِدٍ. وخَطِئَ خَطيئةً، إذا تَعَمّدَ الذَّنْبَ. قالَ اللهُ تعالى: " ومَنْ يكسِبْ خطيئةً أو إثْماً ثم يَرْمِ بهِ بريئاً فقد احتملَ بُهتاناً وإثْماً مُبِيناً ". 33 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (لا صَدَقَةَ في أَقَلِّ من خمسِ أواقِيَّ). الأَواقيُّ: مفتوحة [الألف] مُشَدَّدَة الياءِ غير مصروفةٍ، جمعُ أُوقِيّة، مثل: أُضْحِيّة وأَضَاحِيّ، وبُخْتِيّة (10 أ) وبخاتِيّ، [ورُبَّما خُفِّفَ فقيلَ: أَواقٍ وأَضاحٍ]. والعامَّةُ تقولُ: خمس آواق، ممدودة الألفِ بغيرِ ياءٍ. والآواق إنّما هي جمعُ أَوْقٍ، وهو الثقلُ.

34 - ومما يجبُ أنْ يثقّلَ وهم يخفِّفُونَهُ قولُ النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم: (العارِيَّةُ مؤدَّاةٌ). مشدَّدة الياء، ويُجمعُ على العوارِيّ، مشدَّدة كذلك. وهي اللغةُ العاليةُ. وقد يُقالُ أيضاً: هذه عاريَّة وعَارَة. 35 - ومن ذلك حديثُهُ الآخر: (لمّا أَتاهم نَعِيُّ جَعْفَرٍ قالَ رسول اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم: اصنعوا لآلِ جَعْفَرٍ طعاماً). النّعِيُّ، بتشديدِ الياءِ، الاسمُ. فأمَّا النّعْيُ فمصدرُ نَعَيْتُ الميِّتَ أنَعاهُ. 36 - ومن هذا البابِ: (نَهْيُهُ، صلّى الله عليه وسلّم، عن لُبْسِ القَسِّيّ). وأصحابُ الحديثِ يقولونَ: القِسِيّ [مكسورة القافِ، خفيفة السينِ، وهو غَلَطٌ لأَنَّ القِسِيّ جمعُ قَوْسٍ] وإنَّما هو القَسِّيّ، مفتوحة القاف مثقلة السين، [وهي ثيابٌ] تُنسَبُ إلى بلادٍ يُقالُ لها: القَسُّ. ويُقالُ: إنَّها ثيابٌ فيها حريرٌ يُؤتى بها مِن مِصْرَ. [وقيل أيضاُ: إنّ القَسِيّةَ هي القريةُ]. فأمَّا الدراهِمُ (10 ب) القَسِيّة فإنَّما هي الرديئةُ. يُقالُ: دِرهمٌ قَسِيُّ، مخفّفة السينِ مشدّدة الياء، على وزنِ شَقٍ يّ، وأُراهُ مشتقاً من قولهم: في فُلانٍ قَسْوَةٌ، أي جَفَاء وغِلْظة. وإنَّما سُمِّيَ الدرهم

الزائف قَسِيّاً لجفائِهِ وصلابتِهِ، وذلك أنّ الجَيِّدَ من الدراهمِ يلينُ وينثني. 37 - قولُ عُمَر، رضي الله عنه: (إنَّ قُرَيْشاً تريدُ أنْ تكونَ مُغَوَّيات لمالِ اللهِ). مُشدَّدة الواو مفتوحتها جمعُ مُغَوّاة، وهي كالحَفِيرةِ والوَهْدَةِ تكونُ في الأرضِ. وعَوامُّ الرواةِ يقولونَ: مُغْوِيات، ساكنة الغين مكسورة الواو، وهو خطأٌ، والصواب هو الأَوَّلُ. 38 - ومما سبيلُهُ أنْ يُخَفّفَ وهم يثقِّلونَهُ قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم، في دعائِهِ: (وأعوذُ بكَ من شرِّ المَسِيح الدَّجّال). قد أُولِعتِ العامَّةُ بتشديدِ السينِ وكسرِ الميمِ ليكونَ، [زَعَموا]، فَصْلاً بينَ مسِيحِ الضلالةِ وبينَ عيسى، صلوات الله (11 أ) عليه، وليس ما ادعوهُ بشيءٍ، وكلاهما مَسيِح، مفتوحة الميم خفيفة السين، فعيسى، صلوات الله عليه، مسيح بمعنى ماسِح، فَعيِل بمعنى فاعِل، لأنَّه كانَ إذا مَسَحَ ذا عاهَةٍ عُوفِيَ. والَدَّجّال مَسيِح، فَعِيل بمعنى مَفْعُول، لأنَّهُ ممسوحُ إحدى العَيْنَيْنِ. [ويُقالُ: معنى المَسيحِ في صفةِ الدجّال: الكَذَّابُ. يُقالُ:

رجُلٌ مِمْسَحٌ وتِمْسَحٌ وماسِحٌ ومسِيِّحٌ، أي كذَّابٌ. قالَهُ ابنُ الأعرابيّ]. 39 - ومن هذا الباب في حديثِ الذَّكاةِ: (امْرِ الدَّمَ بما شِئْتَ). من قولك: مراهُ يَمْريه [مَرْياً]، إذا أسألَهُ. ومَرَيْتُ عيني في البكاء، ومَرَيْتُ الناقةَ إذا حلبتَها، وناقةٌ مَرَّيةٌ. وأصحابُ الحديثِ يقولون: أَمِرَّ الدَّمَ، مشَدَّدة [الراء]، يجعلونه من الإمرارِ، وهو غَلَطٌ، والصوابُ ما قلتُهُ لكَ. 40 - ومنه قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (المُعْوَلُ عليه يُعَذَّبُ ببكاء أهلِهِ). ساكنة العين خفيفة الواو، من أَعْوَلَ يُعْوِلُ: إذا رفعَ صوتَهُ بالبكاءِ. والعامَّةُ تَرْويه: المُعَوَّلُ عليه، بالتشديدِ على الواو وليسَ (11 ب) بالجَيِّدِ. إنّما المُعَوَّلُ من التّعْويل، بمعنى الاعتمادِ. يُقالُ: ما على فُلانٍ مُعَوَّل، أي مَحْمل. وقالَ بعضهُم: عوَّلَ بمعنى أَعْوَلَ.

41 - وقولُ عُمَر، رضي الله عنه: (لا ينكحَنَّ أَحَدُكُم إلاّ لُمَتَهُ من النساءِ). أي مثله في السِّنِّ. اللُمَة خفيفة. ومن الرواةِ مَنْ يُثَقِّله، وهو خَطأٌ. قالَ الشاعرُ: فَدَعْ ذِكْرَ اللُّماتِ فقد تَفَانَوْا ونَفْسَكَ فابكهِا قَبْلَ المَمَاتِ فأمَّا لِمَةُ الشّعَرِ فمكسورةُ اللام مُثَقّلُة الميمِ. 42 - وأمَّا قولُهُ: (إنّ للمَلَكِ لَمّةً وللشيّطانِ لَمّة). فإنَّها مفتوحةُ اللامِ مُثَقّلُة الميمِ. 43 - وقولُهُ: (إنَّ اللّبنَ يُشْبَهُ عليه). قد يُثَقِّلُهُ الرُّواةُ وهو مُخَفّفٌ. يريدُ أنَّ الطفلَ الرضيعَ رُبَّما نزعَ به الشّبَه إلى الظِّئرِ. 44 - ومما يُثَقِّلونَه من الأسماءِ، وهي خفيفةٌ: سَنَةُ الحُدَيْبِيَة، وعُمْرَهُ الجِعْرانَةِ. 45 - (12 أ) وقولُهُ في الحوضِ: (ما بَيْنَ بُصْرى وعَمَان) مفتوحةَ العينِ خفيفة الميمِ. وقالَ بَعْضُهُم: مشدَّدة الميم.

فأمَّا عُمَان التي هي فُرْضَةُ البحرِ فهي مضمومةُ العَيْنِ [خفيفةٌ]. [وقالَ ابنُ دُرَيْد: دُومَةُ الجَنْدَلِ، مضمومة الدال. وأصحابُ الحديث يغلطونَ فيها فيفتحون الدالَ، وهو غَلَطٌ. قالَ الأصمعيّ: بئرُ ذي أَروان معروفةٌ، وهي التي دُفِنَ فيها عُقَد السِّحْرِ للنبيّ، صلّى الله عليه وسلّم. وبعضهُم يقولُ: ذروان، وهو غَلَطٌ]. 46 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (اخْتَتَنَ إبراهيمُ [عليه السلامُ] بالقَدُومِ). مُخَفّفٌ. ويُقالُ: إنَّهُ اسمُ مَوْضعٍ. وكذلك القَدُومُ الذي يُعْتَمَلُ به، مُخَفّفٌ أيضاً [وأنشد للأعشى: أطافَ به شاهَبُورُ الجنودَ حَوْلَيْنِ يَضْرِبُ فيه القُدُمْ] 47 - [وأمّا الحديثُ الذي يُروى: (أَنَّ النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، احْتَجَمَ بلَحْيَيْ جَمَلٍ) فإنَّهُ اسمُ مَوْضعٍ]

48 - وممّا يُخَفّفُ والرواةُ تُثقِّلُهُ ما جاءَ في قِصَّةِ بني إسرائيل في تفسير قولِهِ عزَّ وجَلَّ: " وأَنْزَلنا عليكُم المَنَّ والسّلْوى " إنَّهُ السُّمَانَى. أصحابُ الحديثِ يولعونَ بتشديدِ الميمِ [فيه]، وإنّما هو السُّمَانَى، خَفيِفٌ، اسْمُ طائرٍ. [وواحد السّلْوَى: سَلْواةٌ]. 49 - وفي حديثِهِ في الكتابِ الذي كَتَبَهُ أبو بَكْرٍ، [رضي الله عنه، أَنَّهُ] قالَ: (ولا يُؤخذ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ ولا ذاتٌ عَوارٍ ولا تَيْسٌ إلاَّ أًنْ يشاءَ المُصَدِّقُ). عامَّةُ الرواةِ والمُحَدِّثونَ يقولون: المُصَدِّق، بكسر الدالِ، يريدون (12 ب) العامِلَ الذي يأخذُ الصَّدقَاتِ. ومعناه: إلاَّ أًنْ يرى العاملُ في أَخْذِهِ حَظّاً لأهَلِ الصدقةِ فيأخذ ذلكَ على النّظَرِ لهم. وأخبرني الحَسَنُ بنُ صالحٍ عن ابن المُنْذِرِ [قالَ]: كانَ أبو عُبيْد يُنكرُ قولَهُ: إلاّ أنْ يشاءَ المُصَدِّقُ، يقولُ: هكذا يقولُ المُحَدِّثون، وأنا أُراهُ: المُصَدَّق، يعني ربِّ الماشيةِ.

50 - وفي حديثه، صلّى الله عليه وسلّم. الذي يَرْويِه جُبَيْر بن مُطْعِم في سَهْمِ ذوي القُرْبَى قالَ: (قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما بالُ إخوانِنا بني المُطّلِبِ أعطيتَهم وتركتْنَا وقرابتُنا واحِدةٌ؟ قالَ: إنّا وبني المطلب لا نفترقُ في جاهليةٍ ولا إسلامٍ، إنَّما نحنُ وهم شيءٌ واحِدٌ، وشَبّكَ بينَ أصابِعِهِ). هكذا يقولُ أكثرُ المُحَدِّثين. ورواهُ لنا ابنُ صالح عن ابن المنذرِ قال: إنما نحنُ وهم سِيٌّ واحِدٌ، أي مِثْلٌ واحِدٌ سواءُ، وهذا أَجْوَدُ. يُقالُ: (13 أ) سِيُّ فُلانٍ، أي مِثْلُهُ. وأَخبرني الغَنَوِيُّ قالَ: ثنا أبو العباس ثَعْلَبٌ قالَ: يُقالُ: وَقَعَ فلانٌ في سِيِّ رأسِهِ من النعمةِ، أي في مِثْلِ رأسِهِ. وأَنشدنا للحُطيئةِ. فإيّاكم وحَيّةَ بَطْنِ وادٍ هموزَ النّابِ ليسَ لكم بسِيِّ 51 - [وفي حديثه: (أَنَّهُ ضَحّى بكَبْشَيْنِ مَوْجِيّيْن). وأصحابُ الحديث يقولون: مَوجَيَيْن. والصوابُ: مَوْجُوءَيْن من وَجَأتُهُ أَجَأُهُ، والاسمُ منه الوِجاءُ.

52 - ورَوَى القُتبيّ حديثَ الإستسقاءِ عن عُمَر فذكرَ القِصّةَ وقالَ فيها: (فرأيتُ الأَرْنَبَةَ تأكلُها صُغْرى الإبِلِ). وحكى عن الأصمعيّ أَنَّ الأَرْنَبَةَ نَبْتٌ. وأَنكَرَ شَمِرُ بنُ حَمْدَوَيْه أنْ تكونَ الأَرْنَبَةُ اسماً لشيءٍ من النبات، قالَ: وإنّما هي الأَرِينَةُ، سمعتُ ذلك من فُصحاءِ العربِ، قالَ: وقالتْ أعرابيةٌ، من بَطْنِ مَرٍّ: هي الأَرِينةُ، وهي الخَطْمِيُّ غَسُولُ الرأسِ]. 53 - وفي حديثِ ابنِ عُمَر، رضي الله عنهما: (يُطْرِقُ الرجلُ فَحْلَهُ فيبقى حِيرِيَّ الدَّهْرِ). [يُصَحِّفونَ فيه فيقولون: حَيْر الدَّهْرِ]. أخبرنا ابنُ الإعرابيّ قالَ: ثنا عباسٌ الدوريّ قالَ: رواهُ فُلانٌ ونحنُ عندَ يحيى بنِ مَعِين: فيبقى حِيَر الدَّهْرِ.

قالَ: [وكانَ أبو خَيْثَمَة حاضراً] فقالَ: [قالَ] لنا عبدُ الرحمن بنُ مهدي: حيِنَ الدَّهْرِ. قالَ أبو سُليمان: والصوابُ: حِيرِيَّ الدهرِ، وهي كلمةٌ تقولُها في التأبيد. يريدُ: أنَّ أَجْرَهُ يبقى ما بقِيَ الدَّهْرُ. ويُقالُ [أيضاً]: حَيْرِيَّ الدهرِ وحارِيَّ الدَّهْرِ. والأَوَّلُ، وهو كَسْرُ الحاءِ، أَشْهَرُ. [وقالَ ابنُ الأعرابيّ: حِيرَ الدهر، وهو جمع حِيْريّ. قالَ: معناه: دوامُ الدهرِ، أي ما دامَ الدهرُ متحيِّراً ساكناً]. 54 - [قولُهُ: (لا صِيامَ لمَنْ لم يَبُتَّ الصيامَ من الليلِ). ورواهُ العامَّةُ: يُبِتّ، مضمومة الياءِ. واللغةُ العالِية: يَبُتّ، من بَتّ يَبُتّ: إذا قطعَ. ومَنْ رواهُ: يَبِتّ، فقد وهمَ، إنَّما يَبِتّ من باتَ يَبِيتُ. وقد رُوي أيضاً: لمَنْ لم يُبَيِّت الصيامَ من الليلِ. 55 - ونظيرُ هذا من رِوايَةِ العامّةِ قولُهُم في حديث العَبّاسِ: (لا يُفْضِضِ اللهُ فاكَ).

هكذا يقولونَ، مضمومة الياءِ، وإنّما هو: لا يَفْضُض اللهُ فاك، مفتوحة الياءِ، مِن فَضَّ يَفُضُّ]. 56 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (13 ب) (لَخُلُوفُ فَمِ الصائمِ أَطْيَبُ عندَ اللهِ مِنِ ريحِ المِسْكِ). أصحابُ الحديثِ يقولون: خَلُوف، بفتحِ الخاءِ. وإنَّما هو خُلُوف، مضمومة الخاءِ، مصدر خَلَفَ فَمُهُ يخلُفُ [خُلُوفاً]: إذا تَغَيّرَ. فأَمَّا الخَلُوفُ فهو الذي يَعِدُ ثُمَّ يُخْلِفُ. قالَ النمرُ بنُ تَوْلَب: جَزَى الله عني جَمْرَةَ ابنةَ نَوْفَل جزاءَ خَلُوف بالخَلالةِ كاذِب 57 - قولُهُ، صلّى اللهُ عليه وسلّم: (صِيامُ عاشُوراء كَفّارةُ سَنَةٍ). عاشوراء ممدودٌ، والعامَّةُ تَقْصرُهُ. ويُقالُ: ليسَ في الكلامِ (فاعُولاء)، ممدودٌ إلاَّ عاشُوراء. هكذا قالَ بعضُ البصريين، وهو اسمٌ إسلامي لم يُعْرَفُ في الجاهليّةِ.

58 - وممَّا يُمَدُّ وهم يقصرونَهُ قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (اثْبُتْ حِراءُ). سمعتُ أبا عُمَر يقولُ: أصحابُ الحديث يُخْطِئونَ في هذا الاسمِ، وهو (14 أ) ثلاثةُ أَحْرُف في ثلاثة مواضع: يفتحونَ الحاءَ، وهي مكسورةٌ، ويكسرونَ الراءَ، وهي مفتوحةٌ، ويقصرونَ الأَلِفَ، وهو ممدودٌ. قالَ: وإنّما [هو] حِراء. قالَ الشاعِرُ: بثَوْرٍ ومَن أَرسى ثبيراً مكانَهُ وراقٍ لبرٍّ في حِراء ونازِلِ [وكذلك (قُباء) لمَسْجِدِ رسولِ الله، صلّى الله عليه وسلّم، ممدودٌ]. 59 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ رِباً إلاّ هاءَ وهاءَ). ممدودان. والعامَّةُ تَرْويه: هَا وهَا، مَقْصُورَيْن. ومعنى هاءَ: خُذْ. يُقالُ للرجلِ: هاءَ، وللمرأة: هائِي، وللاثنين [من الرجال والنساءِ]: هاؤُما، وللرجالِ: هاؤُمْ، وللنساءِ: هاؤُنَّ. وهذا يُستعملُ في الأَمرِ ولا يُستعملُ في النهي. فإذا قُلتَ: هاك، قَصَرْتَ، وإذا حَذَفْتَ الكافَ مَدَدْتَ، فكانت المدَّةُ بدلاً من كافِ المخاطبةِ.

60 - وفي حديثِهِ، صلّى الله عليه وسلّم: (أَنَّهُ رَكِبَ (14 ب) ناقَتَهُ القَصْواءَ [يومَ عَرفَةَ]). [القَصْواءَ]: مفتوحة القاف ممدودة الألف، هي المقطوعة طرف الأُذُنِ. يُقالُ: قَصَوْتُ البعيرَ فهو مَقْصُوٌّ، ويقالُ: ناقةٌ قَصْواءُ، ولا يُقالُ: جَمَلٌ أَقْصَى. وأَكثرُ المُحَدِّثين يقولونَ: القُصْوَى، وهو خطأٌ فاحِشٌ، إنما القُصْوَى [نَعْتُ] تأنيثِ الأَقْصَى، كالسُّفْلى في نَعْتِ تأنيثِ الأَسْفَلِ. 61 - حديثُ أبي رَزين العُقَيلِيّ أَنَّهُ قالَ: (يا رسولَ اللهِ، أَيْنَ كانَ رَبُّنا [عزَّ وجَلَّ] قبلَ أنْ يخلُقَ السّماواتِ والأرضِ؟ قالَ: كانَ في عَماءٍ تحتَهُ هواءٌ وفوقَهُ هواءٌ). يَرْويه بعضُ المُحَدِّثين: في عَمىً، مقصورٌ، على وَزْن عصاً وقَفاً. يُريدُ أَنَّهُ كانَ في عمَىً عن علمِ الخَلْقِ، وليسَ هذا شيئاً، وإنَّما هو: [في] عَماءٍ، ممدود. هكذا رواهُ أبو عُبَيْدٍ وغيره من العلماءِ. قالَ: والعَماءُ: السحابُ. قالَ غيرهُ: الرَّفيقُ من السّحابِ.

ورواهُ بعضُهُم: في غَمامٍ، وليسَ بمحفوظٍ. وقالَ بعضُ أهلِ العلمِ: قولُه: أَيْنَ كانَ ربُّنا؟ يريد: أَيْنَ (15 أ) كانَ عَرْشُ ربِّنا؟ فحذفَ اتساعاً واختصاراً، كقولِهِ تعالى: " واسأَل القَرْيَةَ "، [يريدُ: أَهْلَ القريةِ]، وكقولِهِ تعالى: " وأُشْرِبوا في قلوبِهِم العِجْلَ [بكُفرهم] ". أي حُبَّ العِجلِ. قالَ: ويدلُّ على صِحّةِ هذا قولُهُ تعالى: " وكانَ عَرْشُهُ على الماءِ " قالَ: وذلكَ أَنَّ السّحابَ محلُّ الماءِ فكَنَى به عنه. 62 - وممّا يُمَدُّ وهم يقصرونَهُ فيَفْسُدُ معناهُ حديثُ الشارِفَيْنِ: (وأنَّ القَيْنَةَ غَنّتْ [حَمْزَةَ فقالَتْ]: أَلاَ يا حَمْزَ ذا الشُّرُفِ النِّواءِ). عوامُّ الرواةِ [يقولون: ذا الشَّرفِ النّوَى]، يفتحون الشين ويقصرون النّوَى. وفَسَّرَهُ محمد بن جرير الطبريّ فقالَ: النّوى جمعُ نواةٍ، يريدُ الحاجةَ، وهذا وَهْمٌ وتصحيف، وإنَّما هو الشُّرُفُ النِّواءُ: جمعُ شارف، والنِّواءُ: جمعُ ناوِيةٍ، وهي السَّمينةُ. 63 - ويُصَحِّفونَ [أيضاً في قولِهِ، عليه السلام]: (أَناخَ بكم الشُّرُفُ الجُونُ).

يَرْوونَهُ: الشّرَف الجَوْن. وإنّما هو الشُّرُفُ الجُونُ. مضمومة الشين والراء، (15 ب) جمعُ شارفٍ، والجيم من الجُون مضمومة أيضاً. يُريدُ الإِبلَ المسَانَّ، والجُون: السُّودُ، شبّه بها الفِتَنَ. وقد رُوِيَ أيضاً: الشُّرُقُ الجُونُ، بالقاف، أي الجائِية مِن قِبَلِ المَشْرِقِ. 64 - وأَمّأ ما سبيلُهُ أنْ يُقْصَرَ وهم يَمُدُّونه فكقولِهِ، صلّى الله عليه وسلّم، في الحَرَمِ: (لا يُخْتلى خَلاها). والخَلَى، مقصورٌ: الحَشِيشُ، والمِخْلَى: الحديدةُ التي يُحْتَشُّ بها من الأرضِ، وبه سُمِّيَتِ المِخلاةُ. فأمَّا الخلاءُ، ممدودٌ، فهو المكانُ الخالي. 65 - وقولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (لا ثِنَى في الصدقَةِ). مقصورٌ مكسورُ الثاءِ، أي لا تُؤخَذُ في السنةِ مَرَّتَيْن. [قالَهُ الأصمعيّ]. ومَن رَوَى: لا ثَنَاءَ في الصَّدَقَةِ، ممدوداً، يذهبُ إلى أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ على فقيرٍ طَلَبَ المدحَ والثناءَ فقد بَطَلَ أَجْرُهُ فقد أَبْعَدَ الوَهْمَ.

66 - وقولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (16 أ) (المؤمنُ يأكلُ في مِعىً واحدٍ). مكسورُ الميمِ مقصورٌ لا يُمَدُّ المِعَى. والمعنى أَنَّهُ يتناولُ دُونَ شبعِهِ ويؤثرُ على نفسِهِ ويُبقي من زادِهِ لِغيرِهِ. 67 - ومِن هذا البابِ حديثُهُ الذي يُروى: (أَنَّ جبريلَ، عليه السلام، أَتَى رسولَ اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم، عندَ أًضَاةِ بني غِفارٍ). أَضَاة على وَزنِ قَطَاة. [يُقالُ: أَضَاةٌ وأَضاً، كما قالوا: قَطَأةٌ وقَطاً.] والعامَّةُ تقولُ: أضاءة، ممدودة الألفِ، وهو خَطَأٌ. 68 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (خَمْسٌ لا جُناحَ على مَنْ قَتَلَهُنَّ في الحِلِّ والحَرَمِ، فذكرَ الحِدَأَةَ). يرويه بعضُ الرواةِ: الحَدَاة مفتوحة الحاءِ [ساكنة الألَفِ]، وإنّما هي الحِدَأَةُ، مكسورة الحاءِ، غير ممدودةٍ مهموزةٌ. 69 - قولُ عائِشة، رضي الله عنها: (طَيَّبْتُ رسولَ اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم، لحُرْمِهِ حينَ أَحْرَمَ). مضمومة الحاءِ، والحُرْمُ: الإحرامُ. فأَمَّا الحِرْم، بكسر الحاءِ، فهو بمعنى (16 ب) الحرامِ. يُقالُ: حِرْمٌ وحَرامٌ، كما قيِلَ: حِلُّ وحَلالٌ.

70 - وقولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (لا يُعْضَدُ شَجَرُها ولا يُخْبَطُ إلاّ الإذْخِر). مكسورة الأَوَّلِ. والعامَّةُ تقولُ: الأَذْخر، مفتوحة الألف. وإنَّما هو الإذْخِرُ. 71 - ومثلُهُ قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: الإثْمِد، في قولِهِ: (عليكم بالإثمِد فإنّهُ يجلو البَصَرَ). 72 - [قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (أَرِبِ مالَهُ). يُروَى على وجوهٍ: أَحدها: أَرِبٌ مالَهُ. ومعناه: أنَّهُ ذو إرْبٍ وخبرةٍ وعِلْمٍ. ويُروَى: أَرِبَ مالَهُ؟ ومعناه: احتاجَ فمالَهُ؟ وقالَ بعضهُم: معناه: سَقَطَتْ أَعضاؤهُ وأَصيبتْ. ويروَى: أَرَبٌ مالَهُ. يريد: أَرَبٌ من الآرابِ جاءَ بِهِ، و (ما) صِلَةٌ. وهذا في حديثٍ: يُروى أنّ رجلاً اعترضَ النبيَّ، صلّى الله عليه وسلّم، ليسأله فصاحَ به الناسُ، فقالَ، عليه السلام، عندَ ذلكَ هذا القول]. 73 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم، في المدينةِ: (مَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً أو آوى مُحْدِثاً).

الوَجْهُ أنْ يُقالَ: مُحْدِثاً، بكَسْرِ الدالِ. وقد يُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: مُحْدَثاً، بفَتْحِها. والأَوَّلُ أَجْوَدُ. 74 - ونظيرُ هذا قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم، في قصة إبراهيم ابن القِبْطِيّةِ: (أنَّ لَهُ مُرْضِعاً في الجَنّةِ) يُروَى على وَجْهَيْنِ: مُرْضِعاً، من أَرْضَعَتِ المرأةُ فهي مُرْضعٌ. والمُرضعُ: ذاتُ اللبن. فأمَّا المُرْضِعَةُ فهي التي لها وَلَدٌ. ويُروى [أيضاً]: مَرْضَعاً، [مفتوحة الميم] أي رضَاعاً. 75 - (17 أ) وقولُهُ: (لبّيْكَ إنّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ). إنَّ مكسورة الألفِ أَحْسَنُ. وروايةُ العامةِ: أَنَّ الحَمْدَ، مفتوحة الألفِ. أخبرني أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلَب قالَ: مَنْ قالَ: أنَّ، بفتحِ الألفِ، خَصَّ، ومَنْ قالَ: إنّ، بكسرِها، عَمَّ. 76 - وفي قصَّة سَوْقِ الهَدْي أَنَّ الأَسْلميَّ قالَ: (أَرأيتَ أن أُزْحِفَ عليَّ منها شيءٌ؟ قالَ: تَنْحْرُها ثُمَّ تَصْبُغُ نَعْلَها [في دَمِها] ثُمَّ اضر على صَفْحَتِها، ولا تأكُلْ منها أًنْتَ ولا أحدٌ من أًهْلِ رُفْقَتِكَ). يرويه المحدِّثون: أًزْحَف. والأجودُ أن يُقالَ: أُزْحِف، مضمومة الأَلفِ. يُقالُ: زَحَف البعير إذا قامَ من الإعياء، وأَزحَفَهُ السّفَر.

وإنَّما منعه أَهْلُ رُفْقَتِهِ أنْ يأكلوا منها شيئاً لئلا يتّخِذوهُ ذَرِيعةً إلى نَحْرِها. 77 - وفي حديثِ سَعْد بن (17 ب) أبي وَقّاص حينِ قِيلَ له: (إنّ فُلاناً يَنْهَى عن المُتْعَةِ. فقالَ: تَمَتَعْنا مع رسولِ اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم، وفُلانٌ كافِرٌ بالعُرُشِ). [يريدُ بالعُرُش بيوتَ مكّةَ، جمعُ عَريش]. يريدُ: أَنَّه كافِرٌ، وهو مقيمٌ بمكّةَ. وبعضهُم يَرْوِيه: وهو كافِرٌ بالعَرْشِ، وهو غَلَطٌ. 78 - في حديثِ أبي بُرْدَة [بن نِيار] في الجَذَعَةِ التي أمَرهُ [عليه السلام] أنْ يُضَحِّي بها قالَ: (ولا تجْزي عن أَحَدٍ بَعْدَكَ). [تَجزي] مفتوحة التاء، من جَزَى عني هذا الأمرُ يَجزِي عني: أي يقضي. يريدُ: أنّها لا تقضي الواجبَ عن أحدٍ بَعْدَكَ. فأما قولك: أَجْزَأَني الشي، مهموزاً، فمعناه كفاني. 79 - وفي حديثِ ابنِ عُمَر [رضي الله عنهما]: (اضْحَ لمَنْ أَحْرَمْتَ لهُ).

يرويه أكثرُ المحدِّثين: أَضْحِ، مقطوعة الألف [مفتوحتها]، وهو غَلَطٌ. والصوابُ: اضْحَ، أي ابرُزْ للشمسِ. وأَمَّا أًضْحِ فهو من أَضْحَى، كما قيلَ: أًمسى يَمْسِي. 80 - وفي قصًّة صفيّة [بنت حُيَيّ، رضي الله عنها، حينَ] (18 أ) قيل للنبي: صلّى الله عليه وسلم، يوم النّفر: إنها قد حاضَتْ، فقالَ: (عَقْرَى حَلْقَى، ما أُراها إلاّ حابِستَنَا). أكثرُ المٌ حدِّثين يقولون: عَقْرَى حَلْقَى، على وزنِ غَضْبَى وعَطْشَى. قال أبو عُبَيْد: وإنَّما هو عَقْراً حَلْقاً، على معنى الدعاء. معناهُ: عَقَرَها اللهُ وحَلَقَها. فقولُهُ: عَقَرَها، يعني عَقَرَ جَسَدَها، وحَلَقها: أًصابَها بوجعٍ [في] حَلْقِها. قالَ أبو سُليمان: وقالَ غيرُهُ: العربُ تقولُ: لأُمِّهِ العَقْر والحَلْقُ، أي ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ فتحلِقُ شعرَها، وهي عاقرٌ لا تَلِدُ. ورَوَى عليّ بن خَشْرَم، عن وكع بن الجَرَّاح قالَ: قولُهُ: حَلْقَى، هي المشؤومةُ. والعَقْرِي: التي لا تلِدُ من العُقْر. قالَ الخليلُ: يُقالُ امرأةٌ عَقْرَى وحَلْقَى: تُوصَفُ بخِلافٍ وشُؤْمٍ.

قالَ [الليثُ] صاحبِهُ: إنَّما اشتقاقُها من أنَّها تَحْلِقُ قَوْمَها وتَعْقِرُهم، (18 ب) أي تستأصِلُهم من شُؤْمِها. 81 - وقولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (إذا أُتْبِعَ أَحدُكُم على مَلِئٍ فَلْيَتْبَعْ). عَوامُّ الرواةِ يقولونَ: [إذا] اتُّبِعَ، بتشديد التاء، على وزنِ افْتُعِلَ. وإنّما هو: أُتْبِعَ، ساكنة التاء، على وزنِ أُفْعِلَ، من الإتباعِ. ومعناهُ: إذا أُحِيلَ على مَلِئٍ فَلْيحتَلْ. 82 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهُم اللهُ يومَ القيامةِ، فَذَكَرَ المُنَفِّقَ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الفاجِرَةِ). المُنَفِّق: مُشَدَّدَة الفاء أَجودُ، يريدُ المُرَوِّج لها من النَّفاقِ. فأمَّا المُنْفِقُ، ساكنة النون، فإنَّهُ يُوهمُ مَعْنى الإنفاقِ. 83 - وفي حديث عثمان، رضي الله عنه: (لا تُكَلِّفوا الأَمَةَ غير الصَّناعِ كَسْباً فإنَّها تكسِبَ بفَرْجِها). الصَّنَاع، خفيفة النون: التي تصنعُ بيدِها، ضِدّ الخَرْقاء التي لا تصنعُ. (19 أ) يُقالُ: رجلٌ صَنَعٌ وامرأةٌ صَنَاعٌ. قالَ الحُطيئةُ: هُمُ صنعوا لجارِهم ولَيْسَتْ يدُ الخَرْقاءِ مِثْلَ يَدِ الصّناعِ

وروايةُ العامَّةِ: غير الصنّاع، مُثَقَّلَة النون، لا وَجْهَ لهُ. 84 - وفي حديثِ الحجّاجِ بنِ عَمرو: (ما يُذْهِبُ عني مَذِمَّةَ الرَّضاعِ؟ قالَ: عُرَّةٌ: عَبْدٌ أَو أَمَةٌ). مَذِمَّة، بكسرِ الذالِ، أَجْوَدُ، من الذِّمام. ومَذَمَّة، بفتحِها، مِن الذَّمِ. 85 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم، في قصةِ دُرَّة بنت أبي سَلَمة: (أَرْضَعتني وأَباها ثُوَيْبَة). أَخبرنا ابن الأعرابيّ عن عبّاس الدوري قالَ: سألتُ [يحيى] بن مَعِين عن حديثِ أُمِّ حَبِيبة: هل لكَ في دُرَّة بنت أبي سَلَمَة؟ فقالَ: أَرْضَعَتني وأَباها ثُوَيْبَةُ. فقلتُ ليحيى: أَرْضَعَتْني وإيَّاها [ثُوَيْبَة]، (19 ب) فأَبَى وقالَ: أرضعتني وأباها ثُوَيْبَة. يريدُ أَنَّها ابنةُ أخيهِ من الرَّضَاعةِ. 86 - حديثُ عبد الله بن عَمْرو في إتيانِ النساء في أَدْبارِهِنَّ، [فقالَ]: (تلكَ اللُّوطِيّةُ الصغرى).

رواهُ بعضُ أصحابِنا: تلكَ الوَطْأَةُ للصغرى. وهو خَطَأٌ فاحِشٌ، وفيه ما يُوهمُ إباحة ذلكَ الفِعْلَ. وإنّما هو: تلك اللوطِية الصغرى، على التشبيهِ [لهُ] بعملِ قومِ لُوطٍ. 87 - حديثُ ابنِ المُسَيّبِ: (وَهَمَ ابنُ عبّاسٍ في تزويجِ مَيْمُونَةَ). يُقالُ: وَهَم الرجلُ، إذا ذهبَ وَهَمُهُ إلى الشيءِ. ووَهِمَ فيه، مكسورة الهاءِ، إذا غَلِطَ. وأَوْهَمَ: إذا أَسْقَطَ. 88 - [ومنِ هذا حديثُ ابن عبّاس، رضي الله عنهما: (أنّ رسولَ اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم، سَجَدَ للوَهَمِ وهو جالِسٌ). أي للغَلَطِ. يُقالُ: وَهِمَ يَوْهَمُ وَهَماً، متحرِّكة الهاءِ، مثل: وَجَلِ يَوْجَلُ وَجَلاً]. 89 - فأمَّا قولُ عائِشة [رضي الله عنها] حينَ ذُكِرَ لها قولُ ابنِ عُمَر [رضي الله عنهما] في قَتْلى بدرٍ: (وَهَلَ ابنُ عُمَر) فمعناهُ: غَلِطَ. يُقالُ: وَهَلَ الرجلُ يَهِلُ وَهْلاً، إذا غَلِطَ. ويُقالُ: ذهبَ وَهْلي إلى كذا، أي وَهْمي.

فأمّا (20 أ) وَهِلَ، بكسر الهاء، فمعناهُ: فَزِعَ. يُقالُ: وَهِلَ يَوْهَلُ وَهَلاً. 90 - حديثُ ابنِ عبّاسٍ [رضي الله عنهما]: (أَنَّ رجلاً قالَ لهُ: ما هذِهِ الفَتْوى التي شَعَبَتِ الناسَ). أي فرَّقَتْهُم. كانَ شُعْبَةُ يرويه: شَغَبَت، بغين مُعْجمة، وهو غَلَطٌ. [والصوابُ: شَعَبَت، بالعينِ غير معجمةٍ]. 91 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعاهِدَةً لَم يَرَحْ رائحةَ الجَنّةِ). رواهُ بعضهُم: لم يَرِحْ، مكسورة الراءِ. ورواهُ بعضهُم: لم يُرِحْ. وأجودُها: لم يَرَحْ، مفتوحة الراء، من رِحْتُ أَرَاحُ: إذا وَجَدْتَ الريحَ. 92 - قولُهُ [في حديثِ الجنينِ]: (كيفَ أَعْقِلُ مَنْ لا أَكَلَ ولا شَرِبَ ولا صاحَ ولا استهلَّ، فمثلُ ذلكَ يُطَلُّ). عامَّةُ المحدِّثينَ يقولونَ: بَطَلَ، من البُطْلان. ورواهُ بَعْضُهم: يُطَلُّ، أي يُهْدَرُ، وهو جَيّدٌُ في هذا الموضع. يُقالُ: طُلَّ دَمَهُ، إذا ذَهَبَ هَدَراً، ودَمٌ مطلولٌ. (20 ب) قال الشّنْفَرَى:

إنَّ بالشِّعْبِ الذي دونَ سَلْعٍ لقتيلاً دَمُهُ ما يُطَلُّ 93 - في قِصَّةِ بني قُرَيْظَة أَنَّهُ قال [صلّى الله عليه وسلّم] لسَعْدٍ [رضي الله عنه]: (لقد حَكَمْت فيهم بحُكْمِ المَلِكِ). يرويه بعضُهم: [بحُكْمِ] الملَكِ، والأوَّلُ أجودُ لأنَّ المَلِكَ هو اللهُ تعالى، وله الحُكْمُ. ومَنْ قالَ: الملَك، أرادَ الحُكْمَ الذي أوحاهُ إليه المَلَك، أي أَدّاهُ إليه عن اللهِ [عزَّ وجَلَّ]. 94 - وفي هذه القصّةِ قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (لقد حَكَمْتَ بحُكْمِ اللهِ فوقَ سبعةِ أَرْقِعَةٍٍ). بالقاف. يُريدُ السموات. ومَنْ رواه: [أَرْفِعَة]، بالفاء، فهو غَلَطٌ. 95 - حديثُ يزيد بن طارق: أَنَّ النبيَّ، صلّى الله عليه وسلّم، قالَ: (ما مِن أَحدٍ إلاَّ وله شَيْطانٌ، قِيلَ: ولكَ يا رسولَ اللهِ قال: ولِي، إلاَّ أنَّ الله تعالى أعانني عليه فأَسْلَمُ). (21 أ) عامَّة الرواةِ يقولونَ: فأَسْلَمَ، على مذهبِ الفِعْلِ

الماضي، يريدونَ أنّ الشيطان قد أَسْلَمَ [إلاّ سُفيانَ بنَ عُيَيْنة فإنَّهُ يقولُ: فأَسْلَمُ] أي أَسْلَمُ من شَرِّهِ، وكانَ يقولُ: الشيطانُ لا يُسْلِمُ. 96 - [في] قصّة موتِ أبي طالب أَنَّهُ قالَ: (لولا أنْ تُعَيِّرني قُرَيْشٌ فتقول: أَدْرَكَهُ الجَزَعَ لأَقرَرْتُ بها عَيْنَكَ). كانَ [أبو العباس] ثعلبٌ يقولُ: إنَّما هو الخَرَعُ، يعني الضَّعْفَ والخَوَرَ. 97 - قولُهُ، عليه السلام: (إنّ من عبادِ اللهِ ناساً ما هُم بأنبياء ولا شُهداء يَغْبِطُهُم الأَنبياءُ والشهداءُ، قالوا: ومَنْ هُم يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: قومٌ تحابُّوا برُوحِ الله). الراءُ [من الروح] مضمومة، يريدُ القُرآنَ. ومنه قولُهُ تعالى: " وكذلكَ أَوْحَيْنا إليكَ رُوحاً من أَمرِنا ". 98 - قولُهُ: عليه السلامُ: (فينبِتُونَ كما تَنْبُتُ الحِبّةُ في حَمِيلِ السّيْلِ). [الحِبّةُ] بكَسْرِ الحاءِ: بُزورُ البَقْلِ (21 ب) والنبات. فأمَّا الحِنْطَةُ ونَحْوُها فهو الحَبُّ لا غير.

99 - قولُ ابنِ عبّاس [رضي الله عنهما]: (حُرِّمَتِ الخَمْرُ بعَيْنِها والسَّكَرُ مِن كُلِّ شَرابٍ). يرويه عامَّةُ المُحَدِّثين: والسُّكْر [من كُلِّ شرابٍ، مضمومة السين، فيُبِيحونَ به قليلَ المُسْكِر]. والصوابُ [أنْ يُقالَ]: السّكرَ، مفتوحة السين والكاف. كذلك رواهُ أحمدُ بن حنبل، ومعناهُ: المُسْكِر من كلِّ شرابٍ. قال الشاعر: بئسَ الصُّحاةُ وبِئْسَ الشّرْبُ شَرْبُهُم إذا جرى فيهم المُزَّاءُ والسّكَرُ 100 - حديث جرير [رضي الله عنه، قالَ]: (سألتُ رسولَ اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم، عن نَظَرِ الفُجاءَةِ، فأمرني أنْ أطْرِقَ بَصَرِي). هكذا يرويه أكثرُ الناسِ. وأخبرنا ابنُ الأعرابيّ عن عبّاس الدوريّ عن يحيى بن مَعِين [قالَ]: إنَّما هو: أمرني أنْ أَصْرِف بَصَري. 101 - وفي الحديثِ: (أنَّ النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، (22 أ) قالَ لبني ساعِدة: مَنْ سَيِّدُكُم؟ قالوا: جَدُّ بنُ قيسٍ وإنّا لنرنّهُ

على ذلكَ [بشيءٍ] من البُخْلِ. قالَ: وأيُّ داءٍ أَدْوَى من البُخْلِ). هكذا يرويه أصحابُ الحديث، لا يهمزونَهُ. والصوابُ أنْ يُهْمَزَ فيُقال: أًدْوأُ [لأنَّ الداءَ أَصْلُهُ من تأليفِ دالٍ وواوٍ وهمزةٍ. يُقالُ: داءٌ وفي الجمعِ: أدواءٌ]. والفِعْلُ منه داءَ يَداءُ دَوْءاً، تقديره: نامَ يَنامُ نَوْماً. ودَوَّأَهُ المرضُ مثل نَوَّمّهُ. أَنشدنا أبو عُمَر [قال]: أنشدنا [أبو العباس] ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ لرجلٍ عَفّهُ ابناه: وكُنْتُ أُرَجِّي بعدَ عثمانَ جابراً فدَوَّأَ بالعَيْنَيْنِ والأَنْفِ جابِرُ ويُقالُ: دَوِيَ الرجلُ يَدْوَى دَوىً، إذا كانَ به مرضٌ باطِنٌ. فأَمَّا الداءُ ممدودٌ [مهموز] فاسمٌ لكلِّ مرضٍ ظاهرٍ وباطِنٍ. وقالَ عيسى بن عُمَر: سمعتُ رجلاً يقولُ: برِئتُ إليكَ من كلِّ داءٍ تداؤُهُ الإبلُ. 102 - [وفي الحديثِ: (تَنَفّلَ رسولُ اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم، ذا الفَقَارِ يومَ بَدْرٍ). الفاءُ مفتوحةٌ والعامَّةُ تكسرها. وقد حُكِيَ أيضاً عن أبي العباس ثعلب: ذو الفِقار، بكسرِ الفاء]. 103 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (22 ب) (أنا سيِّدُ وَلدِ آدمَ ولا فَخْر).

ساكنة الخاءِ. يريدُ أَنَّهُ يذكرُ ذلك على [مذهب الشكرِ والتحدُّثِ بنعمة اللهِ دونَ] مذهبِ الفَخْرِ والكِبْرِ. وسمعتُ قوماً من العامَّة يقولونَ: ولا فَخَر، مفتوحة الخاءِ، وهو خَطَأٌ ينقلبُ به المعنى ويستحيلُ إلى ضِدِّ معنى الأَوّلِ. أَخبرني أبو عُمَر، أَخبرنا ثعلب، عن ابن الأعرابيّ قالَ: يُقالُ: فَخَرَ الرجلُ بآبائِهِ يَفْخَرُ فَخْراً. فإذا قُلتَ: فَخِرَ، بكسر الخاءِ، فَخَراً، مفتوحتها، كانَ معناهُ: أَنِفَ. وأًنْشَدَ: وتراهُ يَفْخَرُ أنْ تَحُلَّ بيوتُهُ بمَحَلّةِ الزَّمِرِ القَصِيرِ عِنانا أي يأنَفُ منه. قالَ أبو العباسِ: ويقالُ: فَخَزَ الرجلُ، بالزاي معجمة، وفايَشَ: إذا افتخرَ بالباطلِ، وأًنشدَ: ولا تفخروا إنَّ الفياشَ بكم مُزرِي 104 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِهِ لنبيٍّ يتغنّى بالقرآنِ). الألفُ والذّالُ مفتوحتان، مصدرُ أَذِنْتُ [للشيء] أًذَناً: إذا

استمعتَ (23 أ) إليه. . ومَنْ قالَ: كإذنِهِ، فقدْ وَهِمَ. 105 - في قِصَّةِ أبي عامر الذي يُلقّبُ بالراهبِ: (أَنَّهُ كانَ يدينُ الحنيفيّة [ويدعو إليها] فلمّا بلغَهُ أنَّ الأنصارَ بايعوا رسولَ الله، صلّى الله عليه وسلّم، تَغَيّرَ وخّبُتَ وعابَ الحنيفِيّةَ). الروايةُ: خَبُتَ، بالتاء، [التي هي] أختُ الطاءِ. والعامَّةُ ترويه: [خَبُثَ] بالثاءِ، وهما قريبان في المعنى، إلاّ أنَّ المحفوظ: خَبُتَ، بالتاءِ، لا غير. [قالَ اللّجْيانيّ: يُقالُ: رجلٌ خبيتٌ نَبِيت، أي خَسِيسٌ حقيرٌ]. 106 - وفي الحديث الذي يرويه عِياضُ بنُ حِمار عن النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم: (أَنَّهُ لمّا أُمِرَ بتبليغِ الوَحْي قالَ: اللهُمّ إنْ آتِهِم يُفْلَغُ رأسي كما تُفْلَغُ العِتْرَةُ). أي يُشَقُّ رأسي، من الفَلْغِ، وهو الشّقُّ. ومَنْ قالَ: يُفْلَع، فقد صَحَّفَ.

فأمَّا قولُهُ: (يُثْلَغُ رأسي)، فإنَّهُ من حديثٍ آخر. 107 - وقولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم، حينَ رأى المَلَكَ: (فَجُئِثْتُ فَرَقاً). صَحّفَهُ بعضُهم [فقال]: فجَبُنْتُ، من الجُبْنِ. وإنما هو: فَجُئِثْتُ، أي فَرِقْتُ. يُقالُ: رجلٌ (23 ب) مَجْؤوثٌ. 108 - وقولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (لا تُحَرِّمُ المَلْجَةُ والمَلْجَتَانِ). وقد رويناه أيضاً: المَلْحَةُ والمَلْحَتانِ، وفَسّرْناهُ في كتابِنا هذا.

ومما يتفاوت في الروايات ولا يختار لها المعنى 109 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ شِدَّةَ الحَرِّ من فَيْحِ جَهَنّم). [ويُروى] من فَيْخِ جَهَنّم. 110 - وقيلَ لخبّاب: (أكانَ رسولُ الله، صلّى الله عليه وسلّم، يقرأ في الظُّهْرِ والعَصْرِ؟ قالَ: نَعَمْ. قِيلَ له: بِمَ كُنتم تعرفون ذلكَ؟ قالَ: باضطرابِ لِحْيَتِهِ). وقيل: لَحْيَيْهِ. وكلاهُما قريبٌ. 111 - ومن هذا النحوِ قولُهُ، صلّى الله علية وسلّم: (لا ينبغي لامرأةٍ أَنْ تُحِدَّ على مَيِّتٍ فوقَ ثلاثةِ أَيّامٍ إلاّ على زَوْجٍ). ويُروى: تَحُدّ. وتَحِدّ، بالضَّمِّ، أجودُ. 112 - قولُهُ، عليه السلام: (ثلاثٌ لا يُغِلُّ عليهنّ قلبُ مؤمنٍ). يُروى: لا يَغِلّ، من الغِلّ. قالَ أبو عُبَيْد: فمَنْ قالَ: يَغِلّ، بالفتح، فإنَّهُ يجعلُهُ من

الغِلّ، وهو الضِّغْنُ (24 أ) والشَّحماء. ومَنْ قالَ: يُغِلُّ، بضمِّ الياء، جَعَلَهُ من الخيانَةِ، من الإغلالِ. قالَ أبو سُليمان: وكانَ [أبو أُسامة] حمّاد بن أُسامة القُرشيّ يرويه: يَغِلُ، يجعلُهُ من وَغَلَ يَغِلُ وُغُولاً. 113 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (لا تُضارُونَ في رُؤيتِهِ). يُروَى بالتخفيف، أي لا يصيبكم ضَيْرٌ، وتُضارُّون، مشدَّد، من الضِّرارِ، أي لا يُضارّ بعضُكم بعضاً بأنْ تتنازعوا فتختلفوا في فيقع بينكم الضِّرارُ. 114 - ومثلُهُ: (تُضَامُونَ في رُؤْيتِهِ، وتُضامُّونَ). الأُولى خفيفة، من الضَّيْمِ. والأخرى مشدّدة، مِن التّضامِّ والتداخُلِ. 115 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (مَنْ تَرَكَ مالاً فلأَهلِهِ، ومَنْ تَرَكَ ضيَاعاً فإليَّ). ضيَاعاً، بفتحِ الضّادِ، مصدرُ ضاعَ [الشيءُ يضيعُ] ضياعاً، أي ما هو برَصَدِ أنْ يضيَعَ من عيالٍ وذُرِّيَّةٍ. ومَنْ كسرَ الضادَ أرادَ جمعَ ضائعٍ. يُقالُ: ضائع وضيِاع كما يُقالُ: جائع وجِياع. والمحفوظُ (24 ب) هو الأَوَّلُ.

116 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (لا يُتْرَكُ في الإسلامِ مُفْرَحٌ ومُفْرجٌ). وأكثرهُما في الرواية بالجيم، وأَعْرَفُهما في الكلام بالحاءِ، وهو المُثْقَلُ بالدَّيْنِ. 117 - قولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (عَجِبَ ربُّكم مَن أَلِّكُم وقُنُوطِكُم). يريه المحدَّثون: من إلّكُم، بكسرِ الألفِ. والصواب: أَلِّكُم، بفتحِها. يُريدُ رَفْع الصوتِ بالدُّعاءِ. 118 - [ورَوَى بعضُ الرواةِ في حديثِ عائِشة، رضي الله عنها: (والله ما اختلفوا في نُقْطَةٍ إلاّ طار أبي بحظِّها)، فقالَ: في بُقْطَةٍ. والبُقْطَةُ: البُفْعَةُ من بقاعِ الأرضِ , وهذا مُتَوَجِّةٌ، والمشهورُ: في نُقْطةٍ، بالنون]. 119 - حديثُ عُبَادَة: (البُرُّ بالبُرِّ، مُدْيٌ [بمُدْيٍ]). المُدْيُ غير المُدِّ. [المُدْيُ: مِكْيالٌ ضَخْمٌ لأهلِ الشامِ و] المُدَّ: رُبع الصَّاعِ. 120 - وفي قِصَّةِ تزويج فاطمة، رحمها الله: أَنَّه لمّا بَنَى بها عليٌّ،

رضي الله عنه، فلمّا أَصْبَحَتْ دَعا بها رسولُ اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم، فجاءَتْ خَرِقَةٌ من الحَياءِ). [خَرِقة، بالقاف] أي خَجِلَة. وخَرِفَة، بالفاء، غَلَطٌ لا وَجْه له هاهُنا. 121 - في الحديث: (مَنْ جَمَعَ مالاً مِن نَهاوِش). هكذا يقولُ أصحابُ الحديثِ: بالنونِ، وهو غَلَطٌ. إنّما (25 أ) هو: [من] تَهاوُش، وزنُهُ: تفاعُل، من الهَوْشِ، وهو الاختلاطُ. 122 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (الحَرْبُ خَدْعَةٌ). اللغةُ العاليةُ: [خَدْعَة]، مفتوحة الخاء. قالَ أبو العباس: وبَلَغَنا أَنَّها لغةُ النبي، صلّى الله عليه وسلّم. والعامَّةُ ترويه: خُدْعَة. قالَ الكسائيّ وأبو زيدٍ: يُقالٌ أيضاً: خُدَعَة، مضمومة الخاء مفتوحة الدال. 123 - حديث عمر، رضي الله عنه: (أَنّه حَمَى غَرْزَ النّقيعِ) النّقِيع، بالنون: مَوْضِع. وليس بالبقيع الذي هو مَدْفنُ الموتى بالمدينة. 124 - في الحديثِ: (موتانُ الأرضِ للهِ ولرسولِهِ).

يعني المَوات من الأرضِ، وفيه لُغَتانِ: مَوْتان، مفتوحة الميم ساكنة الواو. ومَوَتان: الميم والواو متحركتان. فأمَّا المُوتانُ فهو الموتُ. يُقالُ: وَقَعَ المُوتان في المالِ. 125 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (ما زالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَر تُعادُّني). قالَ أبو العباس [ثعلب]: (25 ب) لم يأكلْ رسولُ الله، صلّى الله علية وسلّم، من تلكَ الشاةِ إلاّ لُقمَةٌ واحدةٌ، فلا يجوزُ أَنْ يُروَى: أَكْلَة، مفتوحة الألف، كما رواهُ بعضُ أصحاب الحديثِ. إنّما الأكْلَةُ بمعنى المَرَّة الواحدة من الأكلِ. والأُكْلَةُ، بالضَّمِّ: اللقُمَةُ. 126 - في الحديثِ: (مَنْ غَيّرَ تُخومَ الأرضِ). أي حُدُودها. المعُرِبون: يفتحون التاءَ. والمُحَدِّثون يقولونَ: تُخوم، على أَنَّهُ جَمْعُ تَخْمٍ. 127 - في حديثِ سؤالِ القَبْرِ: (لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ). هكذا يقولُ المحدِّثون. والصوابُ: ولا ائْتَلَيْتَ، تقديرُه: افْتَعَلْتَ، أي لا اسْتَطَعْتَ. من قولِكَ: ما أَلَوْتُ هذا الأمر وما استطعتُهُ.

وفيه وجهٌ آخر: وهو أنْ يُقالُ: ولا أَتْلَيْتَ. يدعو عليه بأَنْ لا تُتْلِي إبلُهُ، أي لا يكون لها أولادٌ تتلوها، أي تَتْبَعُها. 128 - في حديثِ عبد الله بن مسعود: (أَصْلُ كُلِّ داءٍ البَرَدَةُ). البَرَدَةُ، مفتوحة الراء: التُّخمةُ. [و] أصحابُ (26 أ) الحديثِ يقولون: البَرْدُ، وهو غَلَطٌ. 129 - في حديثِ أبي هُرَيْرَة: (والرَّاوِيَةُ يومئذِ يُسْتَقَى عليها أَحَبُّ إليَّ من لاءٍ وشاءٍ) كذا يرويه المحدِّثون. وإنّما هو: من أًلآء، تقديره: أَلْعَاء، وهي الثيرانُ. واحدُها: لأىً، تقديرهُ: لَعاً، مثل: قَفَاً وأَقفاء. 130 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (الذي يشربُ في آنِيِة الفِضَّةِ إنّما يُجرجِرُ في بَطْنِهِ نارَ [جَهَنّمَ]). الرواةُ يرفعون (نار) بمعنى أنَّ الذي يدخلُ جَوْفَهُ هو النارُ. وإلى نحوٍ [من] هذا أشارَ أبو عُبَيْدٍ. وعلى ذلكَ دَلَّ تفسيرُهُ، لأنّهُ قالَ: الجَرْجَرَةُ: الصوتُ. ومعنى يجرجرُ: يريدُ صوتَ وقوعِ الماءِ في جَوْفِهِ. قالَ: ومنه قِيلَ للبعير إذا صَوَّتَ: هو يُجَرْجِرُ.

قالَ بعضُ أَهْلِ اللغةِ: إنّما هو: يجرجرُ في بطنِهِ نارَ [جهنّم]، بنصبِ الراءِ. [قالَ]: والجَرْجَرَةُ: الصَّبُّ. يُقالُ: جَرْجَرَ في بطنِهِ الماءَ، إذا صَبَّهُ، جَرْجَرَةً، وجَرْجَرَ الجَرَّةَ: إذا (26 ب) صَبّها. قالَ: ومعناه: كأَنَّهُ يَصُبُّ في جَوْفِهِ نارَ جهنّم. 131 - قولُهُ، عليه السلامُ: (قولوا بقَوْلِكُم ولا يَسْتَجْرِيَنّكُم الشيطانُ). معناهُ: لا يتّخِذَنَّكُم الشيطانُ جَرِيّاً والجَرِي: الأَجيرُ والوكيلُ. ويُروى [أيضاً]: لا يَسْتَجِزَّنَّكُم. ورواهُ قُطْرُبٌ: لا يَسْتَحِيرَنَّكُم، وفَسّرَهُ من الحَيْرَةِ. وهو غير محفوظٍ. والصوابُ: لا يستجرِيَنّكُم، من الجَرِيّ. 132 - قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: (الخالُ وارِثُ مَنْ لا وارِثَ له، يَفُكُّ عَنِيّهُ ويَرِثُ مالَهُ). رواه بَعْضُهم: يفكُّ عَيْنَهُ، الياء قبلَ النونِ، وإنّما هو عَنِيّهُ، والعَنِيُّ: العانِي، وهو الأسيرُ. وقد يُروى [أيضاً]: عُنِيّه، مَصْدَرُ عَنَا الأسيرُ يَعْنُو عُنُوّاً وعُنِيّاً. 133 - حديثُ مَيْمون بن مَهْران أنَّهُ قالَ: (عليكَ بكتابِ اللهِ، فإنَّ الناسَ (27 أ) قد بَهَوْا بِهِ).

كذا يُروَى، وإنّما هو: بَهَأوا به، مهموز. أي أَنِسوا بهِ واستخفوا بِحقِّهِ 134 - أجمعَ أصحابُ الحديثِ والنحاةُ على كَسرِ السينِ من سِرْبِهِ في قَوْلِهِ: (من أَصْبَحَ آمناً في سِرْبِهِ) إلاّ الأخفش) فإنَّهُ قالَ: سَرْبه، بالفتحِ، يعني نَفْسَهُ. 135 - قولُهُ، عليه السلام: (إنَّ لكم رَحِماً سأبَلُّها ببلالِها) الباء مفتوحة، من بله يبله، كالملال من مَلّهُ يَمَلُّهُ. يُقالُ: وَلَغَ الكلبُ يَلَغُ وُلوغاً، فإذا كَثرُ قيلَ: وَلوغاً، بفتح الواو، لا غير. 136 - قالَ الزُّهْرِيّ بَلَغَني (أَنَّهُ مَنْ قالَ حينَ يُصبحُ ويُمسِي: أعُوذ بِكَ من شرِّ السّامَّةِ والعامَّةِ، ومن شَرِّ ما خلقتَ، لم تضره دابة) السّامَّةُ: الخاصَّةُ. ومنه قولُ امرئ القيسِ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . . مَسَمّةَ الدَّخْلِ أي مَخَصَّته.

137 - قالَ عَطاءُ: (لا بأسَ أنْ يتداوَى (27 ب) المُحْرِمُ بالسّنَا والعِتْرِ) السّنَا: نَبْتٌ يتداوَى به. والعِتْرُ: نَبْتٌ ينبتُ متفرٍّ اِّة. قالَ الهذلي وذكَر غَيْبَةَ قومِهِ بمِصْرَ: وما كنتُ أَخْشَى أنْ أعيشَ خِلافَهُم بستّةِ أبياتٍ كما نَبَتَ العِتْرُ 138 - وقالَ، عليه السلامُ: (اَّتقوُا فِراسَةَ المؤمنِ فإنَّهُ ينظرُ بنورِ اللهِ). 139 - وفي الحديثِ: (أنْ نَبْني المساجِدَ جُمّاً). أي لا شُرَفَ لها. 140 - وفي حديثٍ آخر: (أنَّ ابنَ عُمَر كانَ لا يُصلِّي في مَسْجدٍ فيه قِذافٌ). قالَ الأصمعيّ: إنّما هي قُذَفٌ، واحدتُها: قُذْفَة، وهي الشُّرَفُ، والقُذُفاتُ: رؤوسُ الجبالِ. 141 - وفي حديثِ كَعْب: (شَرُّ الحَديِثِ التّجْديِفُ) وهو كُفْرُ النِّعَمِ.

تم والحمد لله وحده

142 - قوْلُ اللهِ، عَزَّ وجَلَّ: " على حُبَّهِ مِسْكِيناً ويتيماً وأَسِيراً ". لم يكنْ في عَهْدِ النبي، صلّى الله عليه وسلّم، (28 أ) أَسِيرٌ إلاّ مِن المشرِكينَ، فقد أثنى الله [تعالى] على مَنْ أَحْسَنَ إليهم. 143 - وفي حديثِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفّل (لا تُرَجِّموا قَبْرِي) أَيْ لا تَجْعَلوا عليه الرَّجَمَ، وهي الحجارة. وهي الرِّجامُ أَيْضاً. قالَ الزُّهْريّ: الحديثُ ذكَرٌ يُحِبُّهُ ذُكُورُ الرجالِ، ويكرهُهُ مُؤَنَّثُوهُم. تَمَّ والحمدُ للهِ وَحْدَهُ وصلَواتُهُ على سيِّدنا محمدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ وسلّمَّ تَسليماً

§1/1