إرشاد العابد

شريف مراد

إرشاد العابد في حكم مكث الجنب والحائض والنفساء في المساجد أبو عمرو شريف مراد قال اللهُُ تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} - الآية 125 سورة البقرة - فمنعهُ من الحيّض من تمام طهارته (ابن تيمية)

المقدمة

المقدمة إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون " "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إنّ الله كان عليكم رقيباً" " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ". أما بعد ... انتشر بين كثير من الأخوات المؤمنات أن الحائض يجوز لها اللبث والمكث في المسجد، وأنّه لا يوجد مانع شرعي من ذلك، فجمعت ما استطعت من أقوال العلماء في هذه المسألة، وحصرت أقوال من أجاز ذلك ثم أردفت ذلك بالرد على أقوالهم. ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد وقبول الحقّ حيث كان. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أبو عمرو شريف مراد

الفصل الأول مقدمة

الفصل الأول مقدمة 1- تعريف الجنابة: (1) لغة: البعد. وفي الشرع: حال من ينزل منه منىّ أو يكون منه جماع وقال الأزهري: ويقال له جنب لأنّه نهى أن يقرب مواضع الصلاة. 2- تعريف الحيض: (2) لغةً: السيلان. يقال حاض الوادي إذا سال. وفي الشرع: وهو دم طبيعة يخرج من أقصى رحم المرأة البالغة السليمة عن الداء والصغر، وبه تصير المرأة بالغة، وهو يخرج من قبلها في أيام معلومة من غير ولادة ولا مرض ولا إفتضاض، ولونه عادة السواد، كريه الرائحة، وهو محتدم (أي شديد الحرارة) ،لذّاع محرق (أي موجع مؤلم) . والحيضة: الدم نفسه. 3 - تعريف النِّفاَس: (3) لغةً: الولادة، والنَّفسْ: الدمّ، ومنه لا نفس له سائلة أي لا دمّ له يجرى. وشرعاً: دمّ ترخية الرحم مع الولادة، وهو يخرج من قُبُل المرأة بسبب الولادة. 4 - التسوية بين الحائض والنُفساء في الأحكام: - قال ابن قدامة (المغنى 1 / 432) حكم النُفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها ويسقط عنها،لا نعلم في هذا خلافاً. وقال (1/277) النفاس كالحيض سواء، فإن دم النفس هو دم الحيض. - وقال النووي في المنهاج: النفاس يحرم به ما يحرم بالحيض. وقال الخطيب (في شرحه مغنى المحتاج1/119،120) : بالإجماع لأنّه دم حيض مجتمع فحكمه حكم الحيض في سائر أحكامه إلا في شيئين: أحدهما: أنّ الحيض يوجب البلوغ والنفاس لا يوجبه والثانى: أن الحيض يتعلق به العدة والابتداء ولا يتعلقان بالنفاس. (2) (3)

_ (1) 1-2-3) هذا التعريف تم جمعه من عدة كتب، انظر: لسان العرب / ابن منظور، المصباح المنير / الفيومي، مختار الصحاح / الرازي، النهاية / ابن الأثير، تعريفات الجرجاني، أحكام القرآن للجصّاص، شرح زاد المستقنع / العثيمين، الفقه الإسلامي وأدلته /د. وهبة الزحيلي، فقه السنة /سيد سابق، القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً / سعيد أبو حبيب.

5 - الفرق بين دخول المسجد والمكث فيه

- وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/284) : قد وقع الإجماع من العلماء - كما في البحر - أن النفاس كالحيض في جميع ما يَحلّ ويَحرم ويُكره ويُندب. 5 - الفرق بين دخول المسجد والمكث فيه: الدخول:- قال في المصباح المنير: (داخل الشيء خلاف خارجه، ودخلت الدار: صرت داخلها، فهي حاوية لك) . المكث:- قال في النهاية: (المكث هو:الإقامة مع الإنتظار والتلبث في المكان) . اللبث:- قال في مختار الصحاح: (لبث أي مكث) . وعلى هذا فإن اللبث والمكث بمعنى واحد،وقد وردا في القرآن الكريم (1) ، والمكث يختلف عن مجرد الدخول، حيث أن الأول فيه إقامة وانتظار. وقد أردت أن أوضح هذا الفرق - وهو واضح - لأننا سنجد من يثبت حكماً للحائض وهى تدخل المسجد، ثم يقيس عليه حكماً آخر للبثها في المسجد بالرغم من وجود فارق بينهما، بل من الناس من لا ينتبه لهذا الفرق أصلاً!! 6 - الفرق بين الحائض والجنب في الأحكام: من الثابت أن الحائض والجنب يشتركان في كثير من الأحكام، إلا أنهما بالرغم من ذلك يختلفان في أحكام أخرى منها: * حدث الحيض أغلظ من حدث الجنابة: - قال شيخ الإسلام ابن تيمية (2) : (الحائض حدثها أغلظ من الجنب) . - قال الحافظ ابن حجر العسقلاني (3) : (وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء، ولم تمنع الحائض من شيء من ذلك فكذلك الجنب، لأن حدثها أغلظ من حدثه) . - وقال أيضاً (4) : (والاستقذار بالحائض أكثر من الجنب) .

_ (1) مثل قول الله تعالى { ... فلبث في السجن بضع سنين} يوسف - 42،وقوله سبحانه {فمكث غير بعيد ... } النمل - 22 ويوجد غير ذلك. (2) الفتاوى الكبرى 2/ 389 ط دار الغد العربي. (3) فتح الباري شرح صحيح البخاري 1/ 486 (4) المرجع السابق 1/478

** وضوء الحائض لا يصح بخلف الجنب فإنه يستحب أحيانا

- قال الخطيب الشربيني (1) : (يحرم بالحيض ما حرم بالجنابة من صلاة وغيرها لأنه أغلظ، ويدل على أنه أغلظ منها أنه يحرم به ما يحرم بها وأشياء أخرى) . - قال حصني (2) : (ويحرم بالحيض والنفاس ثمانية أشياء..منها دخول المسجد..ولا شك أن حدثها أغلظ من الجنابة) . - قال العلاّمة الشوكاني (3) : (والجنب لا يمكث في المسجد فالحائض أولى بالمنع) . - قال الإمام ابن القيم (4) : (الحائض إذا انقطع دمها فهي كالجنب فيما يجب عليها ويحرم، فيصح صومها وغسلها وتجب عليها الصلاة ولها أن تتوضأ وتجلس في المسجد، ويجوز طلاقها على أحد القولين، إلا في مسألة واحدة فإنها تخالف الجنب فيها وهى جواز وطئها، فإنه يتوقف على الاغتسال) . -وقال أيضاً (5) : الحائض إذا انقطع دمها صارت كالجنب يحرم عليها ما يحرم عليه، ويصح منها ما يصح منه) - وقد ورد ذلك عن جمع من أهل العلم أيضاً، وسيأتي بعض ذلك إن شاء الله تعالى. ** وضوء الحائض لا يصح بخلف الجنب فإنه يستحب أحياناً: - قال موفق الدين بن قدامة (6) (فصل: إذا توضأ الجنب فله الُلبث في المسجد في قول أصحابنا وإسحاق ... فأما الحائض إذا توضأت فلا يباح لها اللبث لأن وضوءها لا يصح) . - وقال أيضاً (7) : (ويستحب للجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة ... وإذا أراد أن يأكل أو يعود للجماع ويغسل فرجه، فأما الحائض فلا يستحب لها ذلك لأن الوضوء لا يؤثر في حدثها ولا يصح منها)

_ (1) مغني المحتاج شرح المنهاج 1/109 (2) كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (3) نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار 1/227 (4) بدائع الفوائد 3/196 ط دار الكتب العلمية (5) تهذيب سنن أبى داود عند الحديث رقم 2171 (6) المغني لابن قدامة (7) الكافي 1/73

الخلاصة

- وقال المرداوي (1) : (فوائد: ... منها: حكم الحائض والنفساء بعد انقطاع الدم حكم الجنب فيما تقرر على الصحيح من المذهب) . - وقال ابن مفلح (2) : (في الرعاية وجه: لا يجوز لحائض ونفساء اللبث في المسجد لأن حدثهما باق لا أثر للوضوء فيه، فإن لم ينقطع الدم لم يجز، نص عليه) . انتهى ملخصاً. الخلاصة: 1 - حدث الحائض أغلظ من حدث الجنب. 2 - الجنب يستحب له الوضوء عند الأكل أو معاودة الجماع أو النوم. كما ورد في الحديث المتفق عليه (3) {أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ} . وروى مسلم (4) {عن أبى سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ} . وروى مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه {عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ. تعنى وهو جنب} . وفي الباب أحاديث أخرى صحيحة. 3- أما الحائض فلا يستحب لها الوضوء عند هذه الأشياء لأنه لم يرد لها ذكر عند أي من هذه الأحاديث، بل إن وضوءها لا يصح كما مر، وقد ذكر ابن قدامة في المغنى بعد ذكر هذه الأحاديث الخاصة بالجنب (إن هذه الأحاديث تدل على الاستحباب، فالحائض حدثها قائم، فلا وضوء مع ما ينافيه، فلا معنى للوضوء) . 4- الحائض والنفساء بعد إنقطاع دمهما لهما حكم الجنب عند بعض أهل العلم (الحنابلة) . وقد أردت إيضاح ذلك أيضاً لأننا سنجد من يقرر حكماً للجنب ثم يسحبه على الحائض بالرغم من وجود فارق بينهما في الأحكام كما سبق، وسيأتي مزيد من ذلك إن شاء الله تعالى.

_ (1) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 1/246. أي حكمها بعد انقطاع الدم وقبل الغسل مثل الجنب. (2) المبدع في شرح المقنع 1/189 (3) البخاري 1/80، مسلم 1/248،249 (4) رواه مسلم 1/249، والترمذي وابن ماجه.

الفصل الثاني أقوال من أجاز للحائض المكث في المسجد والجواب عنها

الفصل الثاني أقوال من أجاز للحائض المكث في المسجد والجواب عنها (أ) قالوا لم يأت نهى عن ذلك بدليل صحيح؛ فيبقى الأمر على البراءة الأصلية. الجواب عن ذلك: بل ورد النهي عن ذلك، ولقد استدل العلماء القائلون بعدم جواز مكث الحائض في المسجد بالآية 43 من سورة النساء، وبثلاثة أحاديث: حديثين متفق على صحتهما،والثالث مختلف في صحته. أولاً: الآية 43 من سورة النساء: قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) . 1- من تفسير شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: قال رحمه الله: تأويل هذه الآية على قولين: الأول: لا تقربوا نفس الصلاة وأنتم سكارى. ثم ذكر من قال من السلف بهذا القول. الثاني: لا تقربوا مواضع الصلاة وأنتم سكارى. ثم ذكر من قال من السلف بهذا القول. ومنهم أثر عبد الله بن عباس، ولكنه أثر ضعيف لوجود أبى جعفر الرازي في إسناده، إلا انه ورد عن غير ابن عباس أيضاً وبأسانيد أخرى كثيرة (1) ، انظرها في تفسير الطبري.

_ (1) كما سيأتي عند نقل كلام ابن كثير.

ثمّ قال رحمه الله: " وأولى القولين بالتأويل لذلك تأويل من تأوله {ولا جنباً إلا عابري سبيل} : إلا مجتازي طريق فيه. وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله: {وإن كنتم مرضي أو على سفرٍٍ أو جاءَ أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النسآء فلم تَجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً} ، فكان معلوماً بذلك أن قوله {ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} لو كان معنياً به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله {وإن كنتم مرضي أو على سفرٍٍ} معنى مفهوم، وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك، وإن كان ذلك كذلك فتأويل الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضاً جنباً حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل. والعابر السبيل المجتازه مراً وقطعاً ". أ. هـ فها هو شيخ المفسرين الطبري يقول بأن الصحيح في معنى الآية: لا تقربوا المساجد وأنتم جنباً حتى تغتسلوا إلا أن تعبروها مجتازين- يعنى من غير مكث فيها. 2 - من تفسير الحافظ ابن كثير: قال رحمه الله تعالى: " ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن: 1 - فعل الصلاة في حال السكر الذي لا يدرى معه المصلى ما يقول. 2 - وعن قربان محالّها التي هي المساجد للجنب إلا أن يكون مجتازاً من باب إلى باب من غير مكث وقد كان هذا قبل تحريم الخمر."

ثمّ أورد بعد ذلك أثر ابن عباس المذكور آنفاً برواية ابن أبى حاتم ولكن في سندها أيضاً أبى جعفر الرازي، ثمّ قال ابن كثير:" قال - يعنى ابن أبى حاتم - وروى عن عبد الله بن مسعود وأنس وأبى عبيدة وسعيد ابن المسيب والضحاك وعطاء ومجاهد ومسروق وإبراهيم النخعي وزيد بن أسلم وأبى مالك وعمرو بن دينار والحكم بن عتبة وعكرمة والحسن البصري ويحي بن سعيد الأنصاري وابن شهاب وقتادة نحو ذلك، وقال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا أبو صالح حدثني الليث حدثنا يزيد بن أبى حبيب عن قول الله عز وجلّ {ولا جنباً إلا عابري سبيل} إنّ رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم فيردون الماء ولا يجدون ممراً إلا في المسجد فأنزل الله: {ولا جنباً إلا عابري سبيل} . ويشهد لصحة ما قاله يزيد بن أبى حبيب رحمه الله (1) ما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"سدوا كل خوخة في المسجد،إلا خوخة أبى بكر". وهذا قاله في آخر حياته صلى الله عليه وسلم علماً منه أنّ أبا بكر رضي الله عنه سيلى الأمر بعده (2) ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيراً للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين فأمر بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا بابه رضي الله عنه". وقال: " وبهذه الآية احتج كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد وجوز له المرور وكذا الحائض والنفساء أيضاً في معناه، إلا أن بعضهم قال يحرم مرورهما لإحتمال التلويث، ومنهم من قال إن أمنت كل واحدة منهما التلويث في حال المرور جاز لهما المرور وإلا فلا ". فانظر رحمك الله كيف قال: المرور، أمّا عند حكم المكث فيصرح بالتحريم، وإذا أمنت التلويث فإنه يجوز لها المرور فقط.

_ (1) هذه الرواية فيها احتمال إرسال؛ ولذلك استشهد ابن كثير لصحتها بحديث آخر صحيح في صحيح البخاري. (2) كذا قال رحمه الله.

ثمّ حكى بعد ذلك قول الطبري السابق نقله واختيار الطبري لتأويل الآية، ثم قال ابن كثير: " وهذا الذي نصره - يعنى الطبري -هو قول الجمهور، وهو الظاهر من الآية، وكأنه تعالى نهى عن: 1 - تعاطى الصلاة على هيئة ناقصة تناقض مقصودها. 2 - وعن الدخول إلى محلها على هيئة ناقصة وهى الجنابة المباعدة للصلاة ولمحلها أيضاً، والله أعلم." وقال "وقوله عزّ وجل {حتى تغتسلوا} دليل لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة: أبوحنيفة ومالك والشافعي أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد حتى يغتسل أو يتيمم إن عدم الماء أو لم يقدر على استعماله بطريقة، وذهب الإمام أحمد إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد لما روى سعيد بن منصور في سننه بسند صحيح أنّ الصحابة كانوا يفعلون ذلك. " فائدة: أوضح ابن كثير أن تفسير آية {ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ولا ... } أي لا تقربوا مواضع الصلاة وأنه قول الجمهور، وفي ذلك رد على من قال أن المقصود حقيقة الصلاة وأنه قول أكثر المفسرين! (1) نعم من الصحيح أنه قول بعض المفسرين بلا شك، ولكن الجمهور على خلاف ذلك، وقد عرفت قول الجهبذين الطبري وابن كثير. 3 - ومن تفسير مفاتح الغيب لفخر الدين الرازي: بعد أن نقل الرازي الاختلاف في تأويل الآية، قال إن أصحاب الشافعي انتصروا لقوله بوجوه منها: الأول: أنّه - سبحانه وتعالى - قال: {لا تقربوا الصلاة} والقرب والبعد لا يصحان على نفس الصلاة على سبيل الحقيقة، إنّما يصحان على المسجد. الثاني: أنّا لو حملناه على ما قلنا لكان الاستثناء صحيحاً، أمّا لو حملناه على ما قلتم لم يكن صحيحاً لأن من لم يكن عابر سبيل وقد عجز عن استعمال الماء بسبب المرض الشديد؛ فإنّه يجوز له الصلاة بالتيمم، وإذا كان كذلك كان حمل الآية على ذلك أولى.

_ (1) قال ذلك فخر الدين الرازي، ونقله بعد ذلك بعض المعاصرين.

الثالث: أنّا إذا حملنا عابر السبيل على الجنب المسافر فهذا إن كان واجداً للماء لم يجز له القرب من الصلاة البتّة فحينئذ يحتاج إلى إضمار هذا الاستثناء في الآية، وإن لم يكن واجداً للماء لم يجز له الصلاة إلا مع التيمم فيفتقر إلى إضمار هذا الشرط في الآية، وأمّا على ما قلناه فإنّا لا نفتقر إلى إضمار شيء في الآية؛ فكان قولنا أولى. الرابع: أن الله تعالى ذكر حكم السفر وعدم الماء وجواز التيمم بعد هذا، فلا يجوز حمل هذا على حكم مذكور في آية بعد هذه الآية. والذي يؤكده أن القرّاء استحبوا الوقف عند قوله {حتى تغتسلوا} ثمّ يستأنف قوله {وإن كنتم مرضي} لأنّه حكم آخر. وأمّا إذا حملت الآية على ما ذكرنا لم نحتج فيه إلى هذه الإلحاقات، فكان ما قلناه أولى. وقال الرازي أيضاً: قيل للذي يجب عليه الغسل جنب لأنّه يجتنب الصلاة والمسجد وقراءة القرآن حتى يتطهر. 4 - وقال القاضي أبو بكر بن العربي في" أحكام القرآن": المسألة الحادية عشرة: ثبت عن عطاء بن يسار أنه قال: كان رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تصيبهم الجنابة فيتوضئون ويأتون المسجد يتحدثون فيه. وربما أغتر بهذا جاهل فظنَّ أنَّ اللبث للجنب في المسجد جائز. وهذا لا حجة فيه، فإن كل موضع وضع للعبادة وأكرم عن النجاسة الظاهرة كيف يدخله من لا يرضي لتلك العبادة، ولا يصح له أن يتلبس بها؟ 5 - وقال الشوكاني في تفسيره" فتح القدير":

يمكن أن يقال: أن بعض قيود النهى أعنى (لا تقربوا) وهو قوله (وأنتم سكارى) يدل على أن المراد بالصلاة معناها الحقيقي وبعض قيود النهى وهو قوله (إلا عابري سبيل) يدل على أن المراد مواضع الصلاة ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدالّ عليه ويكون ذلك بمنزلة نهيين مقيد كل واحد منهما بقيد، وهما لا تقربوا الصلاة التي هي ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى، ولا تقربوا مواضع الصلاة حال كونكم جنباً إلا حال عبوركم في المسجد من جانب إلى جانب. ثمّ حكى قول الطبري وقول ابن كثير وهو قول الجمهور كما سبق. توضيح: بالرغم من أن هذه الآية في حق الجنب إلا إنها أيضاً في حق الحائض كما قال المفسرون، وذلك لأن الحائض حدثها أغلظ من حدث الجنب، فكل ما ينطبق حكماً على الجنب ينطبق على الحائض، وليس كل ما ينطبق حكماً على الحائض ينطبق على الجنب، لأن الحائض حدثها أغلظ كما سبق. ثانياً: الأحاديث: الحديث الأول: حديث رواه الجماعة: عن أمّ عطية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لتخرج العواتق ذوات الخدور-أو العواتق وذوات الخدور - والحيض فيشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى} . (1) من فقه الحديث: - ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث: "باب: اعتزال الحيض المصلى " - وقال الإمام النووي (في شرحه لصحيح مسلم 6/179) : "فيه منع الحيض من المصلى، واختلف أصحابنا في هذا المنع، فقال الجمهور: هو منع تنزيه لا تحريم وسببه الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة، وإنما لم يحرم لأنّه ليس مسجداً. وحكى أبو جعفر الدارمي من أصحابنا عن بعض أصحابنا أنّه قال يحرم المكث في المصلى على الحائض كما يحرم مكثها في المسجد لأنّه موضع للصلاة فأشبه المسجد والصواب الأول. "

_ (1) خ351،971،974،980،981،1652،م،ن، ت 537،د 1125،هـ 1308

- وقال الحافظ (الفتح 1/505 -ح 324- عند تبويب البخاري: " باب: شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلنّ المصلى ") قال: " حمل الجمهور الأمر المذكور على الندب لأن المصلى ليس بمسجد فيمتنع الحيّض من دخوله ". فانظر - رحمك الله - كيف رخص لها في حضور مجالس العلم ومواطن الخير، أمّا المسجد فلا، حتى وإن كان فيه مواطن الخير للنصوص الواردة في ذلك. - وقد وقع في رواية لأبى داود ح 1126 [قالت أم عطية: والحيّض يكنّ خلف الناس فيُكَبرن مع الناس] . وفي هذه الرواية رد على من قال يعتزل الحيّض المصلى أي: يعتزلن الصلاة، حيث أن هذه الرواية توضح أن الحيّض لم يكنّ مع باقي النساء، وإنّما خلفهنّ. فائدة: اختلف العلماء في الحكم على مصلى العيد: 1 - فمنهم من اعتبره كالمسجد في الأحكام، ولذلك قال بتحريم دخول الحائض فيه. 2 - ومنهم من اعتبره ليس بمسجد وليس له أحكامه؛ فقال بكراهة دخول الحائض فيه. الخلاصة: قال الإمام النووي والحافظ ابن حجر العسقلاني عند شرح هذا الحديث بتحريم المسجد على الحائض، وهو واضح من قول الأول (لم يحرم لأنّه ليس مسجداً) ، أي لو كان مسجداَ لحرم. ومن قول الثاني (لأن المصلى ليس بمسجد فيمتنع الحيّض من دخوله) ، أي لو كان المصلى مسجداً لامتنع الحيض من دخوله. الحديث الثاني: حديث رواه الجماعة إلا البخاري: {عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة - وفي رواية الثوب - من المسجد، قالت: إنى حائض.فقال: إنّ حيضتك ليست في يدك. - وفي رواية فناولته -} . وهذه الألفاظ كلها عند مسلم. (1) من فقه الحديث:

_ (1) حم2/70،6/45،101،106،10،12،114،173،179،214،229،245،م1/45، د 1/60،ت1/134وقال حسن صحيح،ن1/120،158،هـ1/207،مي1/197، 247.

- قال الترمذي بعد روايته للحديث في سننه: " حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول عامّة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافاً في ذلك: بأنّ لا بأس أن تتناول الحائض شيئاً من المسجد ". وهذا يوضح أن الحديث عنده يَخُص تناول الحائض شيئاً من المسجد بدون مكث فيه. - وقال الشوكاني (نيل الأوطار 1/227) : " استدلوا به على جواز دخول الحائض المسجد للحاجة تعرض لها إذا لم يكن على جسدها نجاسة ". (فانظر رحمك الله كيف قال جواز الدخول ولم يقل جواز المكث كما بينّا في المقدمة) . - وقال أيضاً: "وعليه المشهور من مذاهب العلماء أنّها لا تدخل لا مقيمة ولا عابرة لقوله صلى الله عليه وسلم: [لا أحل المسجد لحائض ولا جنب] ،قالوا: ولأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة ". وقال أيضاً: " وقد ذهب إلى جواز دخول الحائض المسجد وأنّها لا تمنع إلا مخافة ما يكون منها: زيد بن ثابت، وحكاه الخطّابي عن: مالك والشافعي وأحمد وأهل الظاهر ". - فانظر رحمك الله كيف قال جواز الدخول ولم يقل جواز المكث -. وقال أيضاً: " ومنع من دخولها: سفيان وأصحاب الرأي، وهو المشهور من مذهب مالك ". الحديث الثالث: حديث اختلف أهل العلم في تصحيحه وتضعيفه. رواه أبو داود ح 232، والبيهقي 2 /442 -443 ح 4323،4324 (1) . قال أبو داود حدثنا مُسدد قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا أَفْلَتْ بن خَليفة قال حدثتني جَسْرة بنت دِجاجة قالت سمعت عائشة تقول:

_ (1) وقد ورد في ذلك أيضاً حديث أم سلمة مرفوعاً رواه ابن ماجه والطبراني، لكن في إسناده أبو الخطّاب الهجري وهو ضعيف، وقال أبو زرعة حديث عائشة أصح من حديث أم سلمة. ولذا أعرضت عن ذكره.وانظر نصب الراية للزيلعي 1/194، 195.

{جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد. ثمّ دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن ينزل فيهم رخصة. فخرج إليهم بعد فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإنّى لا أحل المسجد لحائض ولا جنب} - وقد بوّب البيهقي لهذا بقوله: " باب الجنب يمرّ في المسجد مارّاً ولا يقيم فيه ". وقال بعد روايته للحديث: وهذا إن صحّ فمحمول في الجنب على المكث فيه دون العبور بدليل الكتاب. (1) وهذا الحديث هو أوضح حديث في هذا الباب، ولكن ضعّفه بعض أهل العلم بسبب ضعف راويين من رواته وهما: أفلت بن خليفة، وجسرة بنت دِجاجة، لكن رد هذا التضعيف آخرون، وبيان ذلك:- أولاً: أفلت بن خليفة العامري: (2) قال ابن حزم: أفلت مجهول الحال، وقال الخطابي: قد ضعفوا هذا الحديث وقالوا أفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه. وقد ردّ ذلك جماعة من الحُفّاظ منهم الحافظ المنذري في تهذيب السنن، حيث علّق على كلام الخطابي قائلاً:" وفيما قاله نظر، فإنه أفلت بن خليفة العامري ويقال الذهلي وكنيته أبو حسان حديثه في الكوفيين، وروى عنه سفيان بن سعيد الثوري وعبد الواحد بن زياد، وقال الإمام أحمد: ما أرى به بأساً، وسأل عنه أبو حاتم الرازي فقال شيخ، وحكى البخاري أنّه سمع من جسرة بنت دجاجة. ". انتهى كلام المنذري. - وقال الدارقطني: صالح وروى عنه الثقات. - ووثقه ابن حبّان. - وقال في الكشاف: صدوق.

_ (1) يقصد الآية 43 من سورة النساء، وقد تقدمت. (2) تجد ترجمته في: تهذيب الكمال 1/120، الكاشف 1/137، الجرح والتعديل 2/346، الثقات 86/88،ميزان الاعتدال - أثناء ترجمة جسرة بنت دجاجة -،تهذيب التهذيب برقم 587، تقريب التهذيب.

ثانياً: جَسْرة بنت دِجاجة: (1) - قال الإمام البخاري في تاريخه الكبير: عندها عجائب. - قال الحافظ في تهذيب التهذيب: " قال العجلي: ثقة تابعية، ذكرها ابن حبّان في الثقات، وقال البخاري: عندها عجائب، وقال أبو الحسن بن القطّان: هذا القول لا يكفي لمن يسقط كل ما رَوَتْ، كأنّه يُعرِّض بابن حزم لأنّه زعم أنّ حديثها باطل." أ. هـ ملخصاً - وقال ابن حبّان في الثقات: " تروى عن عائشة، روى عنها أفلت ". الحكم على الحديث: (أ) من ضعّف الحديث: قال ابن حزم: باطل وقال أبو محمد عبد الحق: لا يثبت من جهة إسناده. وقال الخطابي: ضعّفوا هذا الحديث. وقال البيهقي: هذا إن صح. وضعّفه من المُعَاصرين: الشيخ الألباني. (2) (ب) من صحّحَّ الحديث: - قال الشوكاني (3) : "الحديث صحيح ... وقال أبو زرعة: حديث عائشة أصح من حديث أم سلمة، وضعّف ابن حزم هذا الحديث، وقال الخطابي ضعّفوا هذا الحديث ... وليس ذلك بسديد ... الحديث إمّا حسن أو صحيح، وجَزْم ابن حزم بالبطلان مجازفة وكثيراً ما يقع في مثلها

_ (1) ترجمتها في: تهذيب الكمال3/1680،تهذيب التهذيب8848 والكاشف3/66،خلاصة3/377،أعلام النساء1/160،لسان الميزان7/189،الميزان1/399،المشتبه510،سؤالات البرقاني رقم 69،تراجم الأخبار 1/240. وقد روى البخاري هذا الحديث في التاريخ الكبير بزيادة (إلا لمحمد وآل محمد) ،ثم قال البخاري: وجسرة عندها عجائب.ثم ذكر بعد ذلك حديث (سدوا هذه الأبواب إلا باب أبى بكر) . فكأن البخاري يقول الثابت لفظ (باب أبى بكر) وليس لفظ (لمحمد وآل محمد) ، وقد وجدت كلاماً يؤيد ذلك لأبى محمد العيني في البناية شرح الهداية 1 / 636. . (2) في إرواء الغليل، تمام المنّة، ضعيف سنن أبى داود، ضعيف سنن ابن ماجه.ولم يزد فضيلته على كلام مَن سبقوه مِن الذين ضعّفوا الحديث. (3) نيل الأوطار 1/229

وقال ابن سيد الناس: ولعمري إنّ التحسين لأقل مراتبه لثقة رواته، ووجود شواهد له من خارج فلا حجة لأبى محمد بن حزم في رده، ولا حاجة بنا إلى تصحيح ما رواه في ذلك لأن هذا الحديث كاف في الرد ". - وقال: " قال الحافظ: وأمّا قول ابن الرفعة في أواخر شروط الصلاة: إنّ أفلت متروك. فمردود؛ لأنّه لم يقله أحد من أئمة الحديث ". أ. هـ (1) - وقال الحافظ الزيلعي (2) : " هو حديث حسن ". - وقال أيضاً: " قال ابن القطّان: قال أبو محمد عبد الحقّ في حديث جسرة هذا، أنه لم يثبت من جهة إسناده ولم يبين ضعفه، ولست أقول إنّه حديث صحيح وإنّما أقول إنّه حسن ". - وهذا الحديث رواه أبو داود وسكت عليه ولم يضعّفه، فهو حسن على الأقل عنده. - كما صححه أيضاً إمام الائمة ابن خزيمة، حيث رواه في المجلد الثاني من صحيحه. - وقال الإمام الزركشي (3) : قد صح الحديث المتقدم، وحسّنه ابن القطّان وغيره. وقد أورد الحافظ ابن حجر هذا الحديث في تهذيب التهذيب، وكذا في تلخيص الحبير، ثمّ نقل كلام من ضعّفه، ثمّ أعقبه برد ابن القطّان وابن حبّان، فكأنّه يميل إلى رأيهما فيصححه أو يحسّنه على الأقل. - قلت: ولعلّ حجّة من ضعّف الحديث قول الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب في جسرة: مقبولة. وهذا يعنى عند الحافظ إذا توبعت وإلا فلينة، وهى لم تُتابع فيكون الحديث ضعيفاً. ولكننا نلاحظ أنّ الحافظ قد نقل أيضاً القول بأنّها ثقة عن العجلي وابن حبّان. بلّ إنّه أعقب كلام الإمام البخاري بقول ابن القطّان في الدفاع عن جسرة، وقال الحافظ أنّ ابن القطّان هنا يُعرّض بابن حزم.

_ (1) بتصرف يسير تحرزاً عن تكرار ما سبق من كلام المنذري والحافظ في التهذيب. (2) نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية 1/194 (3) إعلام الساجد في أحكام المساجد ص223 ط. دار الكتب العلمية.

ولعل ذلك لأن الجرح فيها غير مُفسر فلم يقبله ابن القطان إلا إذا تبين السبب، وذلك كما قال الإمام الذهبي (1) : قول أبى بكر بن الجعابى (عنده عجائب) عبارة محتملة للتليين فلا تُقبَل إلا مُفسّرة. وانظر تهذيب التهذيب وتلخيص الحبير. هذا مع ملاحظة أن ابن القطّان ليس من المتساهلين في التعديل، بلّ إن الإمام الذهبي قال عنه (2) :انّه تعنت في أماكن من كتابه بيان الوهم والإيهام، وقال الحافظ ابن حجر (3) : ابن القطّان يتبع ابن حزم في إطلاق التجهيل على من لا يطّلعون على حاله. أمّا مجرد تضعيف الحديث لمجرد أن الحافظ قال في التقريب أن جسرة (مقبولة) فهذا مردود بتوثيق الأئمة لها كما سبق.وقد قال الشيخ الألباني (4) : أبو الجعفاء ... وثقه ابن معين والدارقطنى وروى عنه جماعة من الثقات فلا يلتفت بعد هذا إلى قول الحافظ فيه (مقبول) يعنى لين الحديث عند التفرد، فكيف هذا مع توثيق الإمامين المذكورين إيّاه؟! وقال الشيخ مقبل بن هادى الوادعي (5) : إن الحافظ ربما يحكم على رجل بأنّه (مقبول) أي لا يحتج بحديثه إلا في الشواهد والمتابعات، ويكون قد وثقه معتبر. ** وبذلك يكون من صحّحّ الحديث أو حسّنه: ابن خزيمة، وأبو داود، والمنذري، وابن القطّان، وابن سيد الناس، والزيلعي، والشوكاني. بالإضافة إلى الموقف المذكور للحافظ ابن حجر. وأرى، والله أعلم: أن الحديث حسن، وأقول كما قال ابن القطان " ولست أقول إنّه حديث صحيح وإنّما أقول إنّه حسن ". مع ملاحظة أن صحة هذا الحديث أو ضعفه ليس هو الفيصل في الحكم على المسألة لوجود أدلة أخرى سبق بيانها. ومن أدلة المجوزين:

_ (1) سير أعلام النُبلاء 10 / 634 (2) سير أعلام النُبلاء 22 / 307 (3) لسان الميزان 1 / 235 ط. دار الفكر (4) إرواء الغليل 6 / 347 (5) إتحاف النبيل - المقدمة ص 5 ط. مكتبة ابن تيمية

(ب) قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن لا ينجس "

(ب) قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن لا يَنْجُسُ ". (1) الجواب عن ذلك: قد تلصق أعيان النجاسة بالمؤمن فيكون حاملاً لها ولكنّه هو لا ينجس، ألا ترى أن الرجل يكون على جسده دماً مسفوحاً أو بولاً فنقول له لا تصلى هكذا حتى تزيل هذه النجاسة. فهل يعنى ذلك أنّه نجس؟ الجواب: لا، وإنّما هو يحملها فقط. وكذلك الحائض فإن حيضتها نجاسة تحملها معها، أمّا هي ذاتها فليست نجسة، ونقول لها لا تصلى ولا تصومي ولا تمكثي في المساجد و....و.....، ليس لأنّها نجسة، ولكن لأنّها تحمل النجاسة. قال السندي (2) : ونجاسة بعض الأعيان اللاّصقة بأعضائه أحياناً لا توجب نجاسة الأعضاء، نعم تلك الأعيان يجب الاحتراز عنها فإذا لم تكن فما بقى إلا أعضاء المؤمن فلا وجه للاحتراز عنها. فكأنّه قال: لو كانت هناك نجاسة لكانت تلك النجاسة في أعضاء المؤمن إذ ليس هناك عين نجاسة لاصقة به، والمؤمن لا ينجس بهذه الصفة فلا نجاسة. وقال العظيم آبادي (3) : معنى قوله: " لا ينجس " أي بالحدث سواء كان أصغر أو أكبر، ويدل عليه المقام، إذ المقام مقام الحدث، فلا يرد بأنه يتنجس بالنجاسة. وقد يقال: إن المراد نفسه لا يصير نجساً، لأنّه إن صحبه شيء من النجاسة فنجاسته بسبب صحبته بذلك، لا أن ذاته صار نجساً، فإذا زال ما كان معه من النجاسة فالمؤمن على حاله من الطهارة، فصدق أن المؤمن لا يتنجس أصلاً. ومن أدلتهم: (ج) : كان أهل الصُفّة يبيتون في المسجد بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم جماعة كثيرة، ولا شك أن فيهم من يحتلم، فما نُهوا قط عن ذلك. الجواب:

_ (1) خ 283، م 4 / 66، ن 1 / 145 عن أبى هريرة مرفوعاً، حم 5 / 384، م 4 / 67، د 230، ن 1 / 145، هـ 535 عن حذيفة مرفوعاً أيضاً. (2) في حاشيته على سنن النسائي 1 / 145 (3) عون المعبود 1 / 387

(د) : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه السيدة عائشة رضي الله عنها في الحج إلا من الطواف بالبيت فقط

1 - أهل الصُّفَّة كانوا من أكثر المسلمين فقراً ولم يكن لهم بيوت فكانوا يأوون إلى موضع مُظلّ في مسجد المدينة يسكنونه (1) ، فكأنهم مضطرين، والقول فيهم كالقول في المعتكف، ألا ترى أن المعتكف إذا اعتكف فإنّه يبادر إلى الاغتسال، فكذلك هم، وكانوا قطعاً يغتسلون عقب احتلامهم. 2 - أنّ الجنب قد يجوز له المكث في المسجد إذا توضأ - عند الحنابلة - للأثر الوارد في سنن سعيد بن منصور، أمّا الحائض فليس لها ذلك كما مرّ في المقدمة، مع ملاحظة الفارق بين الحائض والجنب كما سبق أيضاً. ومن أدلتهم قالوا: (د) : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه السيدة عائشة رضي الله عنها في الحجّ إلا من الطواف بالبيت فقط. (متفق عليه) الجواب عن ذلك: - بوّب البخاري في صحيحه لهذا الحديث فقال: (باب تقضى الحائض المناسك كلها إلا الطواف) فانظر- رحمك الله - كيف قال:المناسك، فإنّ هذا الحديث خاص بالمناسك فقط. - قال الحافظ في الفتح 1/ 478: غير ألاّ تطوفي بالبيت هذا الاستثناء مختص بأحوال الحجّ، لا بجميع أحوال المرأة. - وقال أيضاً 3 /590: قوله " ويعتزل الحيض المصلى " فإنّه يناسب قوله صلى الله عليه وسلم (ان الحائض لا تطوف بالبيت) لأنّها إذا أُمرت باعتزال المصلى، كان اعتزالها للمسجد بل للمسجد الحرام بل للكعبة من باب أولى.

_ (1) انظر لسان العرب لابن منظور.

(هـ) : إن الأحاديث المانعة من دخول الحائض المسجد إما باطلة أو غير مشهورة

- قلت: ألا ترى أن الحاج يصلى الصلوات الخمس. فهل نقول أن الحائض لها أن تصلى أثناء الحجّ لأنها تفعل كما يفعل الحاجّ تماماً عدا الطواف كما في لفظ الحديث؟!! بالقطع لا، فإنّ هذا الحديث خاص بفعلها للمناسك من تلبية ورمى جمرات والمبيت في منى........... ولا يوجد في البيت المعظم أي فعل من مناسك الحجّ المفروضة إلا الطواف بالبيت وصلاة ركعتين بعده -على اعتبار أن السعي خارج المسجد- فلماذا ستدخل الحائض حينئذ إذا كانت لن تطوف وبالتالي لن تصلى ركعتي الطواف؟ ولعل الحافظ لذلك قال ان هذا الاستثناء مختص بأحوال الحجّ. ومن أدلتهم (هـ) : إنّ الأحاديث المانعة من دخول الحائض المسجد إمّا باطلة أو غير مشهورة، إلى غير ذلك من العلل...... الجواب: قد سبق بيان الأحاديث الخاصة بالباب، فمنها حديث رواه الجماعة، وحديث آخر رواه الجماعة إلا البخاري، وحديث ثالث مختلف فيه بين أهل العلم والأكثرون على تصحيحه، كما سبق نقل أقوال أهل العلم في شروح هذه الأحاديث لدى الرد على قولهم (أ) . وقالوا (و) : إنّ الآية في قوله تعالى {ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} قال فيها على رضي الله عنه: إذا أجنب فلم يجد الماء تيمم......... إلى آخر ما سبق ذكره. والجواب: سبق الرد على ذلك مفصلاً أيضاً لدى شرح هذه الآية المباركة، وذكرنا أقوال المفسرين في ذلك. وقالوا (ز) : قد نُقل عن الإمام أحمد: أنّه يجوز للجنب والحائض أن يمكث في المسجد إذا توضأ الجواب: ليس هذا هو المذهب الصحيح للإمام في هذه المسألة، وهذا ما سنوضحه في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى، مع بيان أقوال أصحاب المذاهب الأخرى.

الفصل الثالث: أقوال الفقهاء

الفصل الثالث: أقوال الفقهاء أولاً: الحنابلة 1 - (كشف القناع) للبهوتي، شرح (الإقناع) للحجاوي: -قال (1) : ويمنع الحيض خمسة عشر شيئاً:.............. التاسع: (الإعتكاف و) العاشر: (اللبث في المسجد) ولو بوضوء....... (و) الخامس عشر: (مرورها في المسجد إن خافت تلويثه) لأن تلويثه بالنجاسة محرم والوسائل لها حكم المقاصد..... (ولا) يمنع (مرورها في المسجد إن أمنت تلويثه) قال في رواية ابن إبراهيم: تمرّ ولا تقعد. وقال (2) : (ولجنب) ونحوه (عبور مسجد ولو لغير حاجة) لقوله تعالى {ولا جنباً إلا عابري سبيل} وهو الطريق،وروى سعيد بن منصور عن جابر قال: " كان أحدنا يمرُّ في المسجد جنباً مجتازاً " (3) وحديث عائشة " إنّ حيضتك ليست في يدك " رواه مسلم شاهد بذلك، وقيل لحاجة فقط..... (وكذا حائض ونفساء مع أمن تلويثه) فلهما عبوره كالجنب (وإن خافتا) أي الحائض والنفساء (تلويثه) أي المسجد (حَرُم) دخولهما فيه (كلبثهما فيه) مطلقاً. قال: (ويحرم على جنب وحائض ونفساء انقطع دمهما اللبث فيه ولو مصلى عيد لأنّه مسجد لا مُصلى الجنائز إلا أن يتوضئوا) أي الجنب والحائض والنفساء إذا انقطع دمهما فيجوز لهما اللبث في المسجد.... . فانظر - رحمك الله - كيف قال بجواز المرور فقط للحائض والنفساء، وبتحريم اللبث عليهما، أمّا إذا أنقطع دمهما فيجوز لهما اللبث عندئذ بعد الوضوء، كما سبق نقله عن الإمام ابن القيم. بل لقد صرّح بأن قول الإمام أحمد كما ورد في رواية ابن إبراهيم بأنّها تمرُّ ولا تقعد. وبذلك تعرف أن قولهم أنّه يجوز للجنب والحائض أن يمكثا في المسجد إذا توضئا خطأ قطعاً ولم يقله أصحاب المذهب، وإنما قالوا يجوز للحائض أن تمكث في المسجد إذا توضأت بعد انقطاع دمها، وهو قيد هام لأن وضوء الحائض أثناء الحيض لا يصح بخلاف الجنب، أمّا الجنب فيجوز له اللبث في المسجد بعد الوضوء عند الحنابلة.

_ (1) 1 / 197 ط. دار الفكر. (2) 1 / 48 (3) سنده ضعيف، وانظر سنن سعيد بن منصور.

2 - (الإنصاف) للمرداوي، على (المقنع) لموفق الدين ابن قدامة: - قال (1) : (باب الحيض:...... يمنع عشرة أشياء...... اللبث في المسجد) تُمنع الحائض من اللبث في المسجد مُطلقاً على الصحيح من المذهب، وعليه جمهور الأصحاب. وقال: (وقيل لا تُمنع إذا توضأت وأمنت التلويث. وهو ظاهر كلام المصنف في باب الغُسل حيث قال ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة آية ويجوز له العبور في المسجد ويحرم عليه اللبث فيه إلا أن يتوضأ. فظاهره دخول الحائض في هذه العبارة، لكن نقول: عموم هذا اللفظ مخصوص بما هنا) . - وقال 1/347،348: (تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنها لا تُمنع من المرور منه. وهو المذهب مُطلقاً إذا أمنت التلويث........ ونص أحمد - في رواية ابن إبراهيم - تمرُّ ولا تقعد. - وقال 1/ 243: ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة آية فصاعداّ، وفي بعض آية روايتان، ويجوز لها العبور في المسجد. - وقال 1/ 246:} (ويحرم عليه- الجنب -اللبث في المسجد إلا أن يتوضأ) هذا المذهب في غير الحائض والنفساء وعليه جمهور الأصحاب وجزم به كثير منهم وهو من مُفردات المذهب. وعنه لا يجوز وإن توضأ. نقلها أبو الفرج الشيرازي واختاره ابن عقيل قاله في الفائق وأطلقهما ابن تميم. وعنه يجوز وإن لم يتوضأ، ذكرها في الرعاية ونقلها الخطابي عن أحمد. وقيل في جلوسه فيه بلا غُسل ولا وضوء روايتان {. فانظر - رحمك الله - كيف أن ما نقله الخطابي عن الإمام أحمد في الجنب وأن هذا في غير الحائض والنفساء، علماً بأن الإمام البغوي قال في شرح السنة (2) :" وجوّز أحمد والمُزِنى المكث فيه "، ونحن الآن قد علمنا أنّه جوّز ذلك للجنب وليس للحائض، بل إن نصه في الحائض: تمرُّ ولا تقعد، والصحيح من مذهبه تحريم اللبث على الجنب أيضاً إلا إذا توضأ.

_ (1) 1 / 346، 347 ط. مطبعة السنة المحمدية (2) 2 / 42 ط. المكتب الإسلامي

- وقال 1 / 246: (فوائد: ... منها حكم الحائض والنفساء بعد انقطاع الدم حكم الجنب فيما تقرر على الصحيح من المذهب وهو من المفردات. وقيل لا يباح لهما ما يباح للجنب كما قبل طهرهما. نص عليه) . 3 - (المبدع) لابن مفلح، شرح (المقنع) لابن قدامة: - قال (1) : (والجنب يحرم عليه اللبث في المسجد إلا أن يتوضأ) .. وفي الرعاية رواية: يجوز لجنب مطلقاً. وفيه وجه لا يجوز لحائض ولا نفساء لأن حدثها باق لا أثر للوضوء فيه فإن لم ينقطع الدم لم يجز، نص عليه. وإن تعذر واحتاج فبدونه، نص عليه. قلت: فها هو ذا يقررّ ويكررّ مرة أخرى بأن المنقول في جواز المكث مُطلقاً ولو بدون وضوء خاص بالجنب وليس للحائض والنفساء ذلك حتى مع الوضوء. - وقال: (باب الحيض:........ يمنع عشرة أشياء.......اللبث في المسجد) لقوله عليه السلام {لا أُحل المسجد لحائض ولا جنب} رواه أبو داود. وقيل لا بوضوء، وقيل ويمنع دخوله، وحكى رواية لخوفها تلويثه في الأشهر، ونص في رواية ابن ابراهيم: تمرُّ ولا تقعد........ . 4 - (الفروع) لابن مفلح، ومعه (تصحيح الفروع) للمرداوي: - قال (2) : (وللجنب اللبث فيه بوضوء، وعنه لا، وفي الرعاية رواية يجوز لجنب مطلقاً، وحكاه الخطابي عن أحمد وإن تعذر واحتاج فبدونه، نص عليه.) قلت: فهذا نص آخر في كتب الحنابلة يوضح أن جواز اللبث الذي قاله الإمام أحمد ونقله عنه الخطابي إنما هو في حق الجنب لا الحائض. وقال 1/260،261: (باب الحيض:...... يمنع اللبث في المسجد وقيل لا بوضوء، وقيل يمنع دخوله، وحكى رواية: كخوفها تلويثه في الأشهر، ونص في رواية ابن إبراهيم: تمرّ ولا تقعد) . قلت: فيتضح بذلك أن قوله (قيل بلا وضوء) أن هذا على سبيل التضعيف، كما يتضح أنه يقصد بذلك الوضوء لو امتنع دمها كما سبق بيانه.

_ (1) 1 / 189 ط. المكتب الإسلامي (2) 1 / 201

5 - (الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل) لموفق الدين بن قدامة: - قال (1) : ومن لزمه الغسل حرم عليه ما يحرم على المحدث...... ويحرم عليه اللبث في المسجد لقول الله تعالى: {ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} يعنى مواضع الصلاة.......قال بعض أصحابنا: إذا توضأ الجنب حل له اللبث في المسجد لأن الصحابة رضي الله عنهم كان أحدهم إذا أراد أن يتحدث في المسجد وهو جنب توضأ ثم دخل فجلس فيه....... . -وقال1/91: (الحيض يتعلق به ثلاثة عشرة حكماً:.......... السابع: تحريم اللبث في المسجد لما ذكرنا من قبل) . 6 - (المغنى) لموفق الدين بن قدامة: - قال: ليس لهم - للجنب والحائض والنفساء - اللبث في المسجد..... ويباح العبور للحاجة من: أخذ شيء أو تركه أو كون الطريق فيه، أمّا لغير ذلك فلا يجوز بحال. - وقال:الحائض إذا توضأت فلا يباح لها اللبث لأن وضوءها لا يصح. - وقال (2) : علّق الشرع على الحيض أحكاماً منها أنّه يمنع اللبث في المسجد والطواف بالبيت لأنّه في معنى الجنابة. - وقال (1/ 281) : إن انقطع حيض المرأة ولم تغتسل فهي كالجنب. 7 - (المحرر في الفقه) لمجد الدين ابن تيمية، ومعه (الفوائد السنية على مشكل المحرر) لابن مفلح: - قال (3) : وللجنب العبور في المسجد ويحرم لبثه فيه إلا أن يتوضأ. - وقال1/24،25: ويمنع الحيض فعل ما تمنعه الجنابة ما لم تغتسل منه. 8 - (شرح العمدة) للإمام تقي الدين ابن تيمية على (العمدة) لموفق الدين بن قدامة المقدسى: -قال (4) : "باب: الحيض ويمنع عشرة أشياء:.........اللبث في المسجد "

_ (1) 1 / 73: ط. المكتب الإسلامي. (2) 1 / 277 ط. دار هجر. (3) 1 / 20 ط. دار الكتاب العربي. (4) 1 / 457، 460 ط. مكتبة العُبيكان.

ثانيا: الشافعية

لا يجوز لها قراءة القرآن ومسّ المصحف واللبث في المسجد لأن حدثها كحدث الجنب وأغلظ لقيام سبب الحدث، وسواء في ذلك ما قبل الانقطاع وما بعده لأن أحسن أحوالها أن تكون كالجنب، ولها العبور في المسجد ولكن إذا كان دمّها جارياً فإنّها تتلجم لتأمن من تلويث المسجد.......... . وأمّا اللبث فيه بالوضوء فيجوز إذا انقطع دمّها، وأمّا قبل فلا يجوز، نصّ عليه، لأن طهارتها لا تصح وسبب الحدث قائم، ولذلك لم يستحب لها الوضوء لنوم أو أكل ونحو ذلك. - وقال (1) : ويحرم على الجنب اللبث في المسجد بغير وضوء، فأمّا العبور فيه فلا بأس به....ولأن المسجد منزل الملائكة لما فيه من الذكْر، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا جنب ولا تمثال كذلك رواه على عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم وغيره (2) ، ففي لبث الجنب في المسجد إيذاء للملائكة. خلاصة القول في مذهب الحنابلة: المرور بالمسجد والتردد فيه بدون مكث يجوز للجنب والحائض والنفساء حال نزول الدم إن أُمِنَ تلويث المسجد، ويجوز للجنب أن يمكث في المسجد بوضوء، أمّا الحائض والنفساء فإنّه لا يجوز لأي منهما المكث في المسجد حتى ولو مع الوضوء، إلا إذا انقطع الدم أولاً ثمّ توضأتا. ثانياً: الشافعية 9 - (المجموع) للنووي، شرح (المهذب) للشيرازي: - قال (3) : قال أصحابنا: يتعلق بالحيض أحكام:.......... (التاسع) يحرم مسّ المصحف وحمله وقراءة القرآن، والمكث في المسجد، وكذا العبور على أحد الوجهين. - وقال (2 /395) : (فرع في مذاهب العلماء في مكث الجنب في المسجد وعبوره فيه بلا مكث) :

_ (1) 1 / 388، 389. (2) لفظ مسلم بدون ذكر "الجنب"، ورواه بزيادة "الجنب" حم 1/80، ن 1/116، د 227، ك، وضعّف الحديث بهذه الزيادة الألباني في ضعيف الجامع 6216، ولكن صححه بهذه الزيادة الحاكم ووافقه الذهبي. (3) 2 / 395 ط. مكتبة الإرشاد.

1- مذهبنا: أنه يحرم عليه المكث في المسجد جالساً أو قائماً أو متردداً أو على أي حال كان، متوضئاً كان أو غيره، ويجوز له العبور من غير لبث، سواء كان له حاجة أم لا. وحكى ابن المنذر مثل هذا عن: عبد الله بن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير وعمرو بن دينار ومالك. 2- وحكى عن: سفيان الثوري وأبى حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهوية أنه لا يجوز له العبور إلا أنه لا يجد بداً منه فيتوضأ ثم يمر. 3- وقال أحمد: يحرم المكث ويباح العبور لحاجة ولا يباح لغير حاجة. قال ولو توضأ استباح المكث. وجمهور العلماء على أن الوضوء لا أثر له في هذا. 4- وقال المزني وداود وابن المنذر: يجوز للجنب المكث في المسجد مطلقاً. وحكاه الشيخ أبو حامد عن زيد بن أسلم. واحتج من أباح المكث مطلقاً بما ذكره ابن المنذر في الأشراف وذكره غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "المؤمن لا ينجس " رواه البخاري ومسلم من رواية أبى هريرة، وبما أحتج به المزني في المختصر واحتج به غيره أن المشرك يمكث في المسجد، فالمسلم الجنب أولى، وأحسن ما يوجه به هذا المذهب أن الأصل عدم التحريم، وليس لمن حرّم دليل صحيح صريح. واحتج أصحابنا بقول الله تعالى {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل} قال الشافعي رحمه الله في الأم: قال بعض العلماء بالقرآن:معناها لا تقربوا مواضع الصلاة. قال الشافعي: وما أشبه ما قال بما قال: لأنه ليس في الصلاة عبور سبيل؛ إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد. قال الخطابي: وعلى ما تأولها الشافعي تأولها أبو عبيدة معمر بن المثنى.

قال البيهقي في معرفة السنن والآثار: وروينا هذا التفسير عن ابن عباس. قال وروينا عن جابر قال " كان أحدنا يمر في المسجد مجتازاً وهو جنب " (1) ثمّ ذكر النووي الاختلاف في حديث " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ". كما سبق توضيحه. قال النووي: وأجاب أصحابنا عن احتجاجهم بحديث " المسلم لا ينجس ". بأنه لا يلزم من عدم نجاسته جواز لبثه في المسجد. وأمّا القياس على المشرك فجوابه من وجهين: (أحدهما) : أن الشرع فرّق بينهما، فقام دليل تحريم مكث الجنب. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس بعض المشركين في المسجد،فإذا فرّق الشرع لم يجز التسوية. (والثاني) : أن الكافر لا يعتقد حرمة المسجد فلا يكلف بها،بخلاف المسلم. وهذا كما أن الحربي لو أتلف على المسلم شيئاً لم يلزمه ضمانه لأنه لم يلتزم الضمان بخلاف المسلم والذمي إذا أتلفا. 10 - روضة الطالبين وعمدة المفتين. للإمام النووي: - قال (2) : (فصل) يحرم على الجنب ما يحرم على المحدث وشيئان: قراءة القرآن، واللبث في المسجد - وقال (3) : وأمّا اللبث في المسجد فحرام على الجنب، ولا يحرم عليه العبور، ولكن يكره إلا لغرض بأن يكون المسجد طريقه إلى مقصده أو أقرب الطريقين إليه، وفي وجه: إنما يجوز العبور إذا لم يكن طريق سواه وليس بشيء. ويحرم التردد في جوانبه فإنه كالمكث، ويجوز المكث للضرورة بأن نام في المسجد فاحتلم ولم يمكن الخروج لإغلاق الباب أو لخوف العسس أو غيره على النفس والمال.

_ (1) قال النووي بعد ذلك ص 186 واحتجوا بحديث جابر: " كنا نمشى في المسجد جنباً لا نرى به بأساً " رواه الدارمي بإسناد ضعيف. (2) 1 / 85 ط.المكتب الإسلامي. (3) 1 / 86

- وقال (1) : ويحرم على الحائض ما يحرم على الجنب، ولا يجب عليها قضاء الصلاة. ولو أرادت العبور في المسجد فإن خافت تلويثه لعدم إحكامها لشده أو لغلبة الدم، حرم العبور عليها، ولا يختص هذا بها، بل المستحاضة والسلس ومن به جراحة نضّاحة يحرم عليهم العبور إن خافوا التلويث. فإن أمنت الحائض التلويث جاز العبور على الصحيح كالجنب (2) ومن عليه نجاسة لا يخاف تلويثها. 11 - مختصر المُزَنى: قال (3) :ولا بأس أن يمر الجنب ماراً ولا يقيم فيه،وتأول قول الله جلّ ذكره " ولا جنباً إلا عابري سبيل " (قال) وذلك عندي موضع الصلاة (قال) وأكره ممر الحائض فيه (قال) ولا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد الحرام لقول الله جلّ ذكره " فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " (قال المُزَني) فإذا بات فيه المشرك فالمسلم أولى أن يجلس فيه ويبيت، وأُحب إعظام المسجد عن أن يبيت فيه المُشرك أو يقعد فيه. 12 - (الحاوي الكبير) لأبى الحسن المواردي شرح (مختصر المُزَني) : قال (4) : فصل: حيض المرأة يتعلق به سبعة أحكام:.......... الرابع: دخول المسجد: لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمّا المسجد فلا أحلّه لجنب ولا حائض) ، ولأن حدث الحيض أغلظ من حدث الجنابة، ثمّ كان نص الكتاب يمنع الجنب من المقام فيه فكانت الحائض مع ما يُخاف تنجيس المسجد بدمّها أحق بالمنع، وإذا مُنعت من المسجد فهي ممنوعة من الاعتكاف لا محالة. 13 - (المنهاج) للنووي، وشرحه (مغنى المحتاج) للخطيب الشربيني: - قال (5) :} (ويحرم بها - أي بالجنابة - ما حرم بالحدث، والمكث في المسجد لا عبوره) وخرج بالمكث والتردد العبور {. أ. هـ بتصرف يسير.

_ (1) 1 / 135 (2) انظر رحمك الله، فإنه قال جواز العبور، ولم يقل جواز المكث. (3) ص 19 ط. دار المعرفة. (4) 1 / 383 ط.دار الكتب العلمية. (5) 1 / 71 ط. دار الفكر.

- وقال 1 / 109:} (ويحرم بالحيض ما حرم بالجنابة إن خاف تلويثه) ما حرم بالجنابة من صلاة وغيرها لأنه أغلظ.... وأشياء أخرى: أحدها عبور المسجد إن خافت تلويثه صيانة للمسجد عن النجاسة،فإن أمنت جاز لها العبور كالجنب لكن مع الكراهة كما في المجموع {. فانظر - رحمك الله - كيف قال العبور أيضاً كما سبق. 14 - حاشيتا (قليوبي وعميرة) على شرح المحلى للمنهاج: - قال (1) : (ويحرم بها) أي بالجنابة (ما حرم بالحدث والمكث في المسجد لا عبوره) أي المسلم - غير نبي - بما يعد مكثاً عرفاً. قال شيخنا الرملي: إلا أن يتيمم قبل دخوله ومكَث بقدر حاجته ونُوزِعَ فيه. وخرج بالمسلم الكافر ذكراً كان أو أنثى إلا الحائض، فلا يمنع من المكث فيه لأنّه لا يعتقد حرمته. (فرع) أجاز الإمام أحمد المُكث في المسجد للمتوضئ الجنب ولو بلا عذر. - وقال (2) : (ويحرم به) أي بالحيض (ما حرم بالجنابة) من الصلاة وغيرها (وعبور المسجد إن خافت تلويثه بالدم لغلبته أو عدم إحكامها الشد، فإن أمنت جاز العبور كالجنب. - قال: وتثاب الحائض على ترك ما حَرُم عليها إذا قصدت امتثال الشارع في تركه. - قال: والمراد بالخوف: ما يشمل التوهم...... ويُكره لها عبور المسجد مع الأمن لغلظ حدثها. - قال: (تنبيه) كل من به نجاسة تلويث كجراحة نضّاحة له حكم الحائض فيما ذكر، سواء في بدنه أو ثوبه أو نعله، ويحرم إدخال النجاسة في المسجد وإبقاؤها فيه. 15 - (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج) لشمس الدين الرملى: - قال (3) (ويحرم بها) أي بالجنابة (ما حرم بالحدث) الأصغر لأنها أغلظ منه (والمكث في المسجد) لقوله تعالى " ولا جنباً إلا عابري سبيل " وقوله صلى الله عليه وسلم " إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب "، ومثله رحبته وهواؤه.

_ (1) 1 / 64 ط. عيسى الحلبي. (2) 1 / 99 (3) 1 / 217 ط. مصطفى الحلبي.

- وقال (1) : العبور للحائض والنفساء عند أمنهما تلويثه مكروه وإلا فحرام. - وقال (2) : ويحرم بالحيض ما يحرم بالجنابة من صلاة وغيرها لكونه أغلظ منها بدليل أنه يحرم به أمور زيادة على ما يحرم بها، وعبور المسجد إن خافت تلويثه صيانة له عن تلويثه بالنجاسة، فإن أمنت تلويثه جاز لها العبور (3) مع الكراهة كما في المجموع. 16 - وفي حاشية الشبراملسي على الكتاب السابق: - قال (4) : وهل ضابطه هنا كما في الاعتكاف أو يكفي هنا بأدنى طمأنينة لأنه أغلظ؟ كلٌ محتمل والثاني أقرب. ويوجه بأنّهم إنّما اعتبروا في الاعتكاف الزيادة لأن ما دونها لا يسمى اعتكافاً، والمدار هنا على عدم تعظيم المسجد بالمكث فيه مع الجنابة وهو حاصل بأدنى مُكث. - وقال (5) فائدة: عن الإمام أحمد: أن للجنب أن يمكث بالمسجد، لكن بشرط أن يتوضأ ولو كان الغسل يمكنه من غير مشقة. 17 - فتح الوهّاب بشرح منهج الطلاب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري: (6) وحرم بالحيض وبنفاس ما حرم بجنابة من صلاة وغيرها وعبور مسجد إن خافت تلويثه بالدم لغلبته أو عدم إحكامها الشد صيانة للمسجد فإن أمنت جاز لها العبور (7) كالجنب. وغيرها ممن به نجاسة مثلها في ذلك. 18 - حاشية الجمل على الكتاب السابق: (8) وعبور مسجد أي ولو مشاعاً لغلظ حدثها ومنه سطحه ورحبته، وقوله (إن خافت تلويثه) أي ولو مجرد الاحتمال 19 - (الغاية والتقريب) لأبى شجاع، وشرحه (كفاية الأخيار) لحصني: - قال: (يحرم بالحيض والنفاس ثمانية أشياء:.......... دخول المسجد) دخولها المسجد إن حصل معه جلوس أو لبث ولو قائمة أو ترددت حرم عليها ذلك.

_ (1) 1/ 219 (2) 1/ 327 (3) انظر رحمك الله، فقد قال جواز العبور فقط أمّا المكث فلا. (4) 1 / 217 (5) 1 / 218 (6) 1 / 237 ط. دار إحياء التراث العربي. (7) فانظر رحمك الله كيف يتكلم أيضاً عن العبور وليس المكث. (8) 1 / 237

ثالثا: المالكية

20- (فتح الباري) لابن حجر العسقلاني شرح (صحيح البخاري) : - سبق نقل أقوال الحافظ في الفتح سابقاً، وانظر الفتح: 1/ 478،1/486، 1/505،3/590 21 - (صحيح مسلم) بشرح النووي: - سبق أيضاً نقل قوله، وانظر شرح النووي 6 / 179. 22 - (إعلام الساجد بأحكام المساجد) لبدر الدين الزركشي: - قال: الباب الرابع: فيما يتعلق بسائر المساجد: وفيه مسائل: الحادي عشر (1) يحرُم على الجنب المسلم اللُبث في المسجد، وإن توضأ، ويجوز له العبور من غير لُبث سواء كان لحاجة أمّ لا؟ هذا مذهبنا، وحكاه ابن المُنذر عن جماعة من الصحابة والتابعين. ثالثاً: المالكية 23- (المدونة الكبرى) للإمام مالك برواية سحنون: (2) قال مالك قال زيد بن أسلم: لا بأس أن يمرّ الجنب في المسجد عابر سبيل. قال: وكان زيد يتناول هذه الآية في ذلك " ولا جنباً إلا عابري سبيل " وكان يتوسع في ذلك. وقال مالك: ولا يعجبني بأن يدخل المسجد الجنب عابر السبيل ولا غير ذلك ولا أرى به بأساً أن يمر في ذلك من هو على غير وضوء ويقعد فيه. 24 - تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) : - قال: قال القاضي أبو محمد عبد الوهّاب: ودم الحيض والنفاس يمنعان أحد عشر شيئاً وهى: وجوب الصلاة وصحة فعلها وفعل الصوم دون وجوبه، والجماع في الفرج وما دونه، والعدة والطلاق،والطواف، ومسّ المصحف، ودخول المسجد، والاعتكاف فيه، وفي قراءة القرآن روايتان. 25 - (المعونة على مذهب عالم المدينة) للقاضي عبد الوهاب البغدادي: - قال (3) :فصل: ولا يجوز للجنب اللبث في المسجد خلافاً لداود، لقوله صلى الله عليه وسلم: {لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض} . -وقال: فصل:ولا يجوز له الاجتياز فيه خلافاً للشافعي للخبر، ولأنّه نوع من الكون فيه كاّللبث.

_ (1) ص 222 ط. دار الكتب العلمية. (2) 1/ 32 ط. السعادة (3) 1 / 160 ط. نزار مصطفى الباز.

رابعا: الأحناف

- وقال 1 / 182: دم الحيض والنفاس فيمنعان:......... مسّ المصحف ودخول المسجد والاعتكاف. - وقال 1 / 186:وأمّا منعهما - الحائض والنفساء - الطواف فلأمرين: أحدهما: منعهما من دخول المسجد. والآخر: أن الطواف لا يصح إلا بطهارة. 26 - (الخرشي) على (ُمختصر خليل) : قال (1) : ويمنع الحيض (دخول المسجد) أي ويمنع الحيض دخولها لمكث أو مرور ويندرج فيه الاعتكاف والطواف وكذلك قال (فلا تعتكف ولا تطوف) لأنّهما كالمسبب عمّا قبله إذ لا يوقعان في المسجد، وإنّما نبّه عليهما ولمّ يكتف عنهما بمنع دخول المسجد لأنّه قد يُرخّص لها في دخول المسجد لعذر كخوف سباع، فربما يتوهم أنّها تعتكف وتطوف مدة إقامتها 27 - حاشية (الدسوقي) على (الشرح الكبير) : - قال (2) : يمنع (النفاس) كل ما منعه الحيض أي من صحة الصلاة والصوم ومن وجوبهما ومن الطلاق وبدء العدة ووطء الفرج وما تحت الإزار ورفع حدثها ولو جنابة ودخول المسجد ومسّ المصحف ما لم تكن مُعَلمة أو مُتعَلمة. - وقال: (3) } منع الحيض صحة صلاة وصوم و........... ومنع (دخول مسجد) إلا لعذر كخوف على نفس أو مال فلا تعتكف ولا تطوف {. 28 - (الشرح الصغير) للدردير على (أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك) : - قال (4) : (وحرم بالحيض طلاق وتمتع بما بين السرة والركبة حتى تطهُر بالماء ودخول المسجد ومسّ المصحف، لا قراءة) ويحرم على الحائض أيضاً دخول المسجد ومسّ مصحف ولا يحرم عليها قراءة القرآن إلا بعد انقطاعه وقبل الغسل. 29 - وفي حاشية (الصاوي) على الكتاب السابق: (دخول المسجد) أي فلا تعتكف ولا تطوف. رابعاً: الأحناف: 30 - (المبسوط) لشمس الأئمة السرخسي: (5)

_ (1) 1/209 ط. دار صادر بيروت (2) 1/175 ط. عيسى الحلبي (3) 1/172،173 (4) 1/311،312 ط. دار الفكر (5) 1 / 118 ط. دار الفكر.

- قال: (مسافر مرّ بمسجد فيه عين ماء وهو جنب ولا يجد غيره فإنه يتيمم لدخول المسجد) لأن الجنابة تمنعه من دخول المسجد على كل حال عندنا، سواء قصد المكث فيه أو الاجتياز. -وقال (1) : وأمّا الأحكام التي تتعلق بالحيض عشرة أو أكثر منها:............. ومنها أن لا تدخل المسجد لأن ما بها من الأذى أغلظ من الجنابة، والجنب ممنوع من دخول المسجد فكذلك الحائض وهذا لأن المسجد مكان الصلاة فمن ليس من أهل أداء الصلاة ممنوع من دخوله. 31 - (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) لعلاء الدين الكاساني: قال (2) : وأمّا حكم الحائض والنفساء فمنع الصلاة والصوم وقراءة القرآن ومسّ المصحف إلا بغلاف ودخول المسجد والطواف بالبيت - لما ذكرنا في الجنب - إلا أن الجنب يجوز له أداء الصوم مع الجنابة، ولا يجوز للحائض والنفساء لأن الحيض والنفاس أغلظ من الحدث. - وقال (3) : وأمّا الأحكام المتعلقة بالجنابة فما لا يُباح للمحدث فعله من:.........ولا يباح للجنب دخول المسجد وإن احتاج إلى ذلك تيمّم ويدخل سواء كان الدخول لقصد المكث أو للاجتياز عندنا. 32- أحكام القرآن للجصّاص: (4) الحيض: اسم لمقدار من الدم يتعلق به أحكام منها: تحريم الصلاة والصوم وحظر الجماع وانقضاء العدة واجتناب دخول المسجد ومسّ المصحف وقراءة القرآن وتصير المرأة به بالغة. 33 - حاشية (رد المحتار) على (الدر المختار شرح تنوير الأبصار) لإبن عابدين: - قال (5) : (ويحرم بـ) الحدث (الأكبر دخول مسجد) .......... (ولو للعبور) خلافاً للشافعي (إلا لضرورة) حيث لا يمكنه غيره. - وقال (6) : (و) يمنع - الحيض - حلّ (دخول مسجد و) حلّ (الطواف) ولو بعد دخولها المسجد وشروعها فيه. أي ولو عرض الحيض بعد دخولها المسجد.

_ (1) 3 / 152 (2) 1 / 44 ط. دار الكتاب العربي. (3) 1 / 37، 38 (4) 1 / 338 ط. دار الفكر. (5) 1 /171 ط. دار الفكر. (6) 1 / 291

34 - حاشية (الطحطاوي) على (الدر المختار) : - قال (1) : باب الحيض: (ويمنع حلّ دخول المسجد) ....... وفيه إشارة إلى أنّه لا يدخل المسجد من على بدنه نجاسة....وإطلاقه يفيد منع المرور أيضاً. 35 - (شرح فتح القدير) لابن همّام على (هداية شرح بداية المبتدي) لبرهان الدين المرغيناني، ومعه (شرح العناية على الهداية) للبابرتي: (2) - قال: (والحيض يسقط عن الحائض الصلاة ويحرم عليها الصوم، وتقضى الصوم ولا تقضى الصلاة ولا تدخل المسجد) وكذا الجنب لقوله صلى الله عليه وسلم " فإنّي لا أٌحل المسجد لحائض ولا جنب " وهو بإطلاقه حجة على الشافعي رحمه الله في إباحة الدخول على وجه العبور والمرور. - وقال البابرتي: (وهو بإطلاقه حجة على الشافعي رحمه الله في إباحة الدخول على وجه العبور والمرور) فإنّه لم يفصّل بين الدخول وبين المقام فيه ولا تَمسُّك بقوله تعالى (ولا جنباً إلا عابري سبيل) لأن أهل التفسير قالوا (إلا) هنا بمعنى: ولا، أو لأن المراد بمعنى الصلاة حقيقتها إذ الكلام للحقيقة. وقوله (إلا عابري سبيل) أي إلا مسافرين، والمسافر يسمى عابراً فيكون معناه والله أعلم: إلا مسافرين فإنّه يباح لهم الصلاة قبل الاغتسال بالتيمم، وصورة هذه المسألة ما قاله في المبسوط: مسافر مرّ بمسجد فيه عين ماء وهو جنب ولا يجد غيره فإنّه يتيمم لدخول المسجد عندنا، وقال الشافعي: جاز له أن يدخل مُجتازاً. 36 - (البناية) لأبى محمد محمود العيني شرح (الهداية) : - قال (3) : ولا تدخل الحائض المسجد وكذا الجُنب لقوله صلى الله عليه وسلم (فإنّي لا أُحلّ المسجد لحائض ولا جُنب) وهو بإطلاقه حجّة على الشافعي رحمه الله في إباحته الدخول على وجه العبور والمرور، ولا تطوف بالبيت..........

_ (1) 1 / 149 ط. دار المعرفة (2) 1 / 164 - 166 (3) 1 / 636 ط. دار الفكر

قال العيني: فإن قلت لمّ قَدّم الحائض على الجُنب؟ قلت: للإهتمام في المنع والحُرمة لأنّ نجاستها أغلظ، والنُفَساء مثل الحائض. وقال: وعن أحمد له المُكث فيه إن توضأ، وهو خلاف قول الجمهور. قال: وقول المُزَني وداود وابن المُنذر يجوز له المُكث فيه مُطلقاً، ومثله عن زيد بن أسلم، واعتبروه بالشرك، بل أولى، وتعلقوا بقوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن لا ينجس) . قلنا: معناه لا يصير نجس العين حتى لو تلطخ بالنجاسة مُنِع من الصلاة ودخول المسجد لتنجسه بمجاورة النجاسة. 37 - (المختصر القدوري) لأبى الحسين بن أحمد البغدادي القدوري وحاشية (التنقيح الضروري) لمحمد نظام الدين القيرواني: - قال (1) : (باب الحيض: ويسقط عن الحائض الصلاة ويحرم عليها الصوم، وتقضى الصوم ولا تقضى الصلاة، ولا تدخل المسجد ولا تطوف بالبيت) وكذا الجنب. 38 - (اللباب في شرح الكتاب) لعبد الغنى الدمشقي: - قال (ولا تدخل) الحائض وكذا النُفَساء والجُنب (المسجد ولا تطوف بالبيت ولا يأتيها زوجها) لحرمة ذلك كلّه. 39 - (تحفة الأحوذي) للمباركفوري شرح (سنن الترمذي) : - قال 1/ 354 - بعد كلام الإمام الترمذي -: لا بأس أن تتناول الحائض شيئاً من المسجد - أي بمد يدها من غير دخول فيه. خلاصة المذاهب الفقهية: مَنَعَت المذاهب الفقهية الحائض من المكث في المسجد، وإنما رخص بعضهم للحائض المرور فقط وليس لها المكث، وجوّز البعض أيضاً للجنب فقط المكث في المسجد بعد أن يتوضأ وليس ذلك للحائض- أثناء حيضها - لأن حدثها أغلظ ولأن وضوءها لا يصح أصلاً. وهذا ما نُقل أيضاً عن الإمام أحمد وأن المنقول عنه بخلاف ذلك لم يتبين صحته عنه. ورخّص لها بعض الحنابلة في الوضوء - بعد إنقطاع الدم وقبل الغسل - أن تتوضأ يكون حكمها في ذلك كالجنب إذا توضأ.

_ (1) 1 / ط. الرشيدية - الهند.

الفصل الرابع: شبهات وردود عليها

الفصل الرابع: شبهات وردود عليها أولاً: قال بعضهم: نعم لا يجوز للحائض المكث في المسجد وأن هذا هو الأصل، ولكن يجوز لها عند الضرورة المكث فيه، وطلب العلم الشرعى ضرورة وبالتالى يجوز لها حضور مجالس العلم بالمساجد، وهذا استثناء من الأصل. والجواب: نعم، طلب العلم الشرعي ضرورة وبخاصّة في هذا الزمان، ولكن هل هو آكد من الصلاة التي هي عماد الدين والركن الثاني للإسلام بعد الشهادتين؟ فبالرغم من هذه المكانة للصلاة فقد منع الله سبحانه وتعالى الحائض من أداء الصلاة طوال حيضتها، وكذا الصوم، و..........إلخ مما هو آكد من حضور دروس العلم. ثمّ إنّ العبد لابد أن يقف عند مُراد سيده فإذا طلب منه الفعل فَعَل، وإذا طلب منه الكفّ امتنَع، وفي كلٍِ من الفعل والكفّ عندئذ عبودية لّله تعالى. وقد سبق نقل قول قليوبي من حاشيته على المنهاج حيث قال:وتثاب الحائض على ترك ما حَرُم عليها إذا قصدت امتثال الشارع في تركه. كما أنّ الضرورة التي أجاز بها العلماء للمرأة الحائض دخول المسجد هي: الخوف على النفس أو العرض أو المال، ويتضح ذلك من كلام الأئمة الآتي: - قال الإمام ابن القيم (1) وهو يتكلم عن جواز الطواف للمضطرة، قال رحمه الله: الضرورة تبيح دخول المسجد للحائض والجنب، فإنّها لو خافت: العدو أو من يستكرهها على الفاحشة أو أخذ مالها،ولم تجد ملجأً إلا المسجد جاز لها دخوله مع الحيض، وهذه تخاف ما هو قريب من ذلك فإنّها تخاف لإن أقامت بمكة أن يؤخذ مالها إن كان لها مال وإلا أقامت بغربة ضرورة وقد تخاف في إقامتها ممن يتعرض لها وليس لها من يدفع عنها. - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (2) :

_ (1) إعلام الموقعين عن رب العالمين 3 / 24 ط. دار الكتب العلمية. (2) الفتاوى الكبرى 2/ 404 ط. دار الغد العربي.

المعتكفة إذا حاضت خرجت من المسجد ونصبت لها قبة في فنائه، وهذا أيضاً يدل على أن منع الحائض كمنعها من الاعتكاف فيه لحرمة المسجد، وإلا فالحيض لا يبُطل اعتكافها لأنّها مضطرة إليه، بل إنّما منع من المسجد لا الاعتكاف فإنّها ليست مضطرة إلى أن تقيم في المسجد، ولو أُبيح لها ذلك مع دوام الحيض لكان في ذلك إباحة المسجد للحيّض.........وقد جمع سبحانه بين العكوف والطواف والصلاة في الأمر بتطهير بيته بقوله سبحانه {طهرا بيتىَ للطائفين والعاكفين والركّع السجود} ،فمنعه من الحيض من تمام طهارته. وقال أيضاً (1) : حدث الحائض أغلظ من حدث الجنب من جهة أنّها لا تصوم ما لم ينقطع الدم والجنب يصوم، ومن جهة أنّها ممنوعة من الصلاة طهرت أو لم تطهر، ويمنع الرجل من وطئها أيضاً، فهذا يقتضى أن المقتضى في حقّها أقوى، لكن إذا احتاجت إلى الفعل استباحت المحظور مع قيام سبب الحظر لأجل الضرورة كما يُباح سائر المحرمات مع الضرورة من الدمِّ والميتة ولحم الخنزير. أ. هـ - قلت: ومن أجل ذلك فقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بجواز الطواف للحائض إذا اضطرت لذلك بأن تفقد الرفقة مثلاً واحتاجت إلى الرجوع لديارها بعد أداء مناسك الحجّ ولم يبق لها إلا الطواف كما وضّح هو ذلك، وكذا تلميذه ابن القيم كما سبق، واعتبرا أن ذلك ضرورة كضرورة أكل الميتة ولحم الخنزير والدمّ لمن خشىَّ على نفسه الهلاك والموت. فهل يمكن اعتبار حضور الحائض لدرس علم في هذه المنزلة التي يُخشى فيها على النفس من الموت أو الهلاك إذا لم تحضر الدروس لمدة أربعة أو خمسة أو ستة أيام؟؟! بالقطع لا، والفارق كبير جداً. كما أنّه يُمكن تعويض هذه الدروس إمّا بتسجيلها بالمسجلات أو بنقلها كتابة، كما سيأتي في فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين.

_ (1) الفتاوى الكبرى 2/389

ثانيا

ثانياً: قالوا قد جاء في صحيح البخاري (حديث رقم 439) {عن عائشة أمّ المؤمنين أنّ وليدة سوداء كانت لحىٍّ من العرب فأعتقوها فجاءت إلى رسول الله عليه وسلم فأسلمت فكان لها خباء في المسجد أو حفش} . فهذه امرأة ساكنة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعهود من النساء الحيض، فما منعها صلى الله عليه وسلم من ذلك ولا نهى عنه، وكل ما لم ينه عنه فمباح. والجواب: لم يرد في ألفاظ الحديث أنّها كانت لا تغادر المسجد أبداً حتى في أيام حيضتها، وكذلك لم يرد في ألفاظه أن هذا الحديث كان بعد منع الحيّض من دخول المسجد أو قبله والله سبحانه وتعالى أعلم. فإن هذا الحديث الصحيح ليس واضح الدلالة في جواز مُكث الحائض في المسجد، وبخاصة أنه يوجد من الأدلة الصحيحة ما يضادّ ذلك كما سبق بيانه. كما أن هذه المرأة كما جاء في الحديث لا بيت لها، ولذلك سكنت المسجد بعد إسلامها، ولم يكن لها أن تبيت في الطرقات والمزابل بعد أن جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم وأعلنت إسلامها، فهي مضطرة للبيات في المسجد حيث لا مكان لها سواه. وقال الحافظ (1) : وفي الحديث إباحة المَبيت والمَقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلاً كان أو امرأة عند أمن الفتنة. وكذا قال الصنعاني في سبل السلام (2) . ثالثاً:فهم ونقل خاطيء لكلام الشوكاني: كتب أحد الإخوة الأفاضل (3) : يجوز للحائض أن تدخل المسجد وأن تمكث فيه، وهذه أقوال بعض العلماء الذين أجازوا ذلك - وبعد أن نقل كلام ابن حزم من المُحلّى والذي سبق بيان ردود العلماء عليه - قال:

_ (1) فتح الباري 1 / 637 (2) سبل السلام 1 / 362 ط. مكتبة نزار مصطفى الباز (3) في كتابه (أحكام النساء في سؤال وجواب) (الطهارة) ط. مكتبة الإيمان ص 95،96

وقال الشوكاني رحمه الله (نيل الأوطار1/230) : وقد ذهب إلى جواز دخول الحائض المسجد وأنّها تُمنَع إلا لمخافة ما يكون منها: زيد بن ثابت وحكاه الخطابي عن مالك والشافعي وأحمد وأهل الظاهر، ومَنَع من دخولها: سفيان وأصحاب الرأي وهو المشهور من مذهب مالك. أ.هـ الجواب: ما نقله عن الشوكاني إنّما هو في جواز الدخول فقط وليس في جواز المُكث، فأنّى له أن يقول بأن الشوكاني ممن قالوا أنّه يجوز للحائض أن تدخل المسجد وأن تمكث فيه، فإن الشوكاني لم يقل ذلك ولم ينقله عن أحد، بلّ إنّ الشوكاني قال في ذات المرجع: (الجُنب لا يمكث فيه - المسجد -، وإنّما اختلفوا في عبوره والمشهور من مذاهب العلماء مَنعُه، فالحائض أولى بالمنع) . وقال الشوكاني أيضاً: (المشهور من مذاهب العلماء أنّها لا تدخل لا مُقيمة ولا عابرة، ولأنّ حدثها أغلظ من حدث الجنابة) . فهذا ما نقله الشوكاني من كلام وأقوال أهل العلم، بالإضافة إلى تصريحه بعدم جواز ذلك للحائض وتصحيحه لحديث " إنّي لا أُحلّ المسجد لحائض ولا جُنب " كما سبق بيانه.

الفصل الخامس: فتاوى العلماء

الفصل الخامس: فتاوى العلماء فتوى شيخ الإسلام تقى الدين بن تيمية: قال (1) : وقوله صلى الله عليه وسلم: (الحائض تقضى مناسكها كلها إلا الطواف) من جنس قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا أحل المسجد لجنب ولا حائض) ، بل اشتراط الوضوء في الصلاة وخمار المرأة في الصلاة ومنع الصلاة بدون ذلك أعظم من منع الطواف،وإن كان قد حرَّمَ المسجد على الجنب والحائض، ورخّص للحائض أن تناوله الخُمرةَ من المسجد وقال لها (إن حيضتك ليست في يدك) ، فبيّن أن الحيضة في الفرج والفرج لا ينال المسجد، وهذه العلّة تقتضى إباحته للحائض مُطلقاً، لكن إذا كان قد قال: (لا أحل المسجد لجنب ولا حائض) (2) ،فلا بدّ من الجمع بين ذلك والإيمان بكل ما جاء من عند الله، وإذا لم يكن أحدهما ناسخاً للآخر فهذا مُجْمَل وهذا خاص فيه إباحة المرور، وهو مستثنى من ذلك التحريم مع أنّه لا ضرورة إليه، فإباحة الطواف للضرورة لا تنافي تحريمه بذلك النص كإباحة الصلاة بلا وضوء للضرورة بدل التيمّم...... . وقد سبق نقل الكثير من كلام شيخ الإسلام أثناء البحث، فلا داعي للإعادة هنا. فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3) : س: هل للحائض دخول المسجد، وما الدليل؟ ج: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد..

_ (1) الفتاوى الكبرى 2 / 397، 398 ط. دار الغد العربي. (2) انظر - رحمك الله - كيف صار شيخ الإسلام إلى الجمع بين الحديثين، ولو كان الحديث الثاني ضعيفاً عنده لصرح بذلك. فهذا يدلنا على أن حديث (لا أحل المسجد لجنب ولا حائض) عنده مقبول. (3) فتوى رقم 6948،نقلاً من كتاب الفتاوى ط. المعارف بالرياض 5/398 الجواب عن السؤال الرابع.

فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين

لا يجوز للحائض دخول المسجد إلا مروراً إذا احتاجت إلى ذلك كالجُنب، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلّم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (1) : س: هل يجوز للحائض أن تجلس في المسجد الحرام وتستمع إلى حلقات الذكر؟ أجيبونا وجزاكم الله خيراً. ج: المسجد الحرام لا شك أنّه من أفضل المساجد، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ الحيّض أن يعتزلن مُصلّى العيد الذي لا يُصلى الناس فيه إلا صلاة العيدين، فما بالك بالمسجد الحرام. فلا يجوز للمرأة الحائض أن تمكث في المسجد الحرام ولا في غيره من المساجد.نعم يجوز لها أن تَمرّ به إذا أمنت تلويثه، وأمّا أن تبقى فيه فإن هذا حرام ولا يجوز حتى وإن كان بقصد المواعظ والمحاضرات فإنّه لا يجوز، وقد يسّر الله عزّ وجل في هذا الزمن- يسر الله - لكل واحد أن يسمع إلى المحاضرة وإلى مجلس الذكر بواسطة المسجلات.

_ (1) نقلاً من كتاب (مجموعة دروس وفتاوى الحرم المكّي) من عام 1407 هـ حتى 1411 هـ 2/285 ط. دار اليقين، وكذا كتاب (فتاوى الشيخ مُحمد بن صالح العُثيمين) جمع أشرف عبد المقصود 1 / 313 ط. دار عالم الكتب.

الفصل السادس صيانة المساجد عن الروائح الكريهة والنجاسة

الفصل السادس صيانة المساجد عن الروائح الكريهة والنجاسة قال الله سبحانه وتعالى (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (31) أولاً: ما ورد في الرائحة: * عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أكل بصل أو ثوماً فليعتزلنا - أو فليعتزل مسجدنا - وليقعد في بيته} رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائى. وفي رواية لمسلم: {من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربنّ مسجدنا، فإنّ الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم} (1) * وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أكل من هذه الشجرة - الثوم -، فلا يؤذينا بها في مسجدنا هذا} . رواه مسلم والنسائي وابن ماجه واللفظ له. * وعن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: إنّكم تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين: البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أُمرَ به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلها فليمتهما طبخاً. رواه مسلم والنسائي وابن ماجه. * قال القرطبي في تفسيره (للآية رقم222/ البقرة) : {قل هو أذى} أي هو شئ تتأذى به المرأة وغيرها،أي برائحة دم الحيض، والأذى كناية عن القذر على الجملة. أ. هـ وقد علمنا أنّ الحيض له رائحةٌ كريهة، وأنّ الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وأنّ الحائض حتى وإن شدت على حيضتها بشىء فإنها لن تمنع رائحة الدم، فإذا وضعت الروائح النفّاذة فمع كونها إذا خرجت بعد أن تستعطر عاصية فإن هذا أيضاً لن يمنع الرائحة تماماً، بل إن آكل البصل والثوم والكراث نُهى عن دخول المسجد حتى ولو تعطر، فتأمل ذلك. ثانياً: ما ورد في النجاسة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن هذه المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول ولا القذر، إنّما هي لذكر الله عزّ وجلّ والصلاة وقراءة القرآن} . رواه مسلم وابن ماجه

_ (1) فلتأمل ذلك المدخنون الذين يأتون إلى المسجد ورائحتهم تفوح بهذا الدخان الخبيث، فإذا سجد كادت رائحته تخنق من بجواره!! والله المستعان.

ثالثا: ما ورد في صيانتها من أي قذر وإن لم يكن نجسا

- قال الإمام النووي (1) : يحرم إدخال النجاسة إلى المسجد، وأمّا من على بدنه نجاسة فإن خاف تنجيس المسجد لم يجز له الدخول، فإن أمِن ذلك جاز، وأمّا إذا افتصد في المسجد فإن كان في غير إناء فحرام، وإن قطر دمه في إناء فمكروه، وإن بال في المسجد في إناء ففيه وجهان أصحهما أنّه حرام والثاني مكروه. ثالثاً: ما ورد في صيانتها من أي قذر وإن لم يكن نجساً: * عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {البُصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها} . متفق عليه * عن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا تنَخم أحدكم فليغب نُخامَتَه أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه} . رواه أحمد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها?قالت: {إن النبي صلى الله عليه وسلم?أمر ببناء المساجد في الدور وأمر بها أن تنظف وتطيب} . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبّان. ولفظ أبى داود: {كان يأمُرنا بالمساجد أن نصنعها في دورنا ونُصلح صنعتها ونُطَهّرها} . والله سبحانه وتعالى أعلم، فإن كان من توفيق فمن الله وحده، وإن كان غير ذلك فمنى ومن الشيطان، واستغفر الله العظيم.والحمد لله تعالى أولاً وآخراً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. كتبه أبو عمرو شريف مراد

_ (1) شرح النووي على صحيح مسلم 3/192. وكذا قال الزركشى في إعلام الساجد ص 219 وقال نقله في شرح المهذب عن التتمة وأقره

فهرس المراجع مرتبة هجائيا

فهرس المراجع مرتبة هجائياً القرآن الكريم إتحاف النبيل (المقدمة) مقبل بن هادي الوادعي ط. مكتبة ابن تيمية الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبّان. تحقيق الأرناوؤط. ط. الرسالة أحكام القرآن للجصّاص. ط. دار الفكر أحكام النساء في سؤال وجواب (الطهارة) مصطفى العدوي ط. مكتبة الإيمان الإنصاف للمرداوي على (المقنع) لموفق الدين ابن قدامة مطبعة السنة المحمدية إرواء الغليل للألباني ط. المكتب الإسلامي إعلام الساجد بأحكام المساجد لبدر الدين الزركشي ط. دار الكتب العلمية إعلام الموقعين عن رب العالمين ابن القيم ط. دار الكتب العلمية. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع علاء الدين الكاساني ط. دار الكتاب العربى بدائع الفوائد لابن القيم ط دار الكتب العلمية البناية لأبى محمد محمود العيني شرح (الهداية) ط. دار الفكر تاريخ الثقات العجلي ط. دار الكتب العلمية التاريخ الكبير للبخاري تحفة الأحوذي للمباركفوري شرح (سنن الترمذي) ط. دار الكتب العلمية تعريفات الجرجاني تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) تفسير الرازي (مفاتح الغيب) تفسير الشوكاني (فتح القدير) تفسيرالقرطبى (الجامع لأحكام القرآن) تقريب التهذيب لابن حجر العسقلانى تمام المنّة للألباني تهذيب التهذيب لإبن حجر العسقلاني تهذيب الكمال للمزّي ط. مؤسسة الرسالة تهذيب سنن أبى داود للمنذري الثقات لابن حبّان الجرح والتعديل لابن أبى حاتم حاشية (رد المحتار) على (الدر المختار شرح تنوير الأبصار) لإبن عابدين ط. دار الفكر حاشية (الدسوقى) على (الشرح الكبير) ط. عيسى الحلبى حاشية (الطحطاوى) على (الدر المختار) ط. دار العرفة حاشية الجمل ط. دار احياء التراث العربى حاشية الشبراملسي ط. مصطفى الحلبى حاشيتا (قليوبى وعميرة) على شرح المحلى للمنهاج ط. عيسى الحلبى الحاوى الكبير لأبى الحسن المواردى شرح (مختصر المُزَنى) ط. دار الكتب العلمية الخرشى على (ُمختصر خليل) ط. دار صادر بيروت الدرارى المكنونة في الأماكن المنثورة عبد الله الهبدان ط. دار العاصمة روضة الطالبين وعمدة المفتين. للإمام النووي ط. المكتب الاسلامى سؤالات البرقاني للدارقطني. سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني ط. مكتبة نزار مصطفى الباز

سنن ابن ماجه ومعها حاشية السندي والزوائد للبوصيري. سنن البيهقي الكبرى ط. دار الكتب العلمية سنن الدارمي سنن النسائي ومعها حاشيتا السيوطي والسندي. ط. دار الحديث سنن سعيد بن منصور سير أعلام النُبلاء للذهبي ط. مؤسسة الرسالة الشرح الصغير للدردير على (أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك) ط. دار الفكر شرح العمدة للامام تقى الدين ابن تيمية على (العمدة) لموفق الدين بن قدامة المقدسى ط. مكتبة العُبيكان شرح النووي على صحيح مسلم ط المكتبة المصرية شرح فتح القدير لابن همّام على (هداية شرح بداية المبتدي) لبرهان الدين المرغيناني، ومعه (شرح العناية على الهداية) للبابرتى الشرح الممتع شرح زاد المستقنع للعثيمين ط. الآثام صحيح ابن خزيمة ط المكتب الإسلامي عون المعبود شرح سنن أبى داود ط دار الكتب العلمية الغاية والتقريب لأبى شجاع، وشرحه (كفاية الأخيار) لحصني الفتاوى هيئة كبار العلماء بالسعودية ط. المعارف بالرياض. فتاوى الشيخ مُحمد بن صالح العُثيمين - جمع أشرف عبد المقصود ط. دار عالم الكتب. الفتاوى الكبرى لابن تيمية ط. دار الغد العربي. فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ط.السلفية فتح الوهّاب بشرح منهج الطلاب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري ط. دار إحياء التراث العربي الفروع لابن مفلح، ومعه (تصحيح الفروع) للمرداوي الفقه الإسلامي وأدلته د. وهبة الزحيلي فقه السنة لسيد سابق القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً لسعيد أبو حبيب. الكاشف للذهبي الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل لموفق الدين بن قدامة ط.المكتب الإسلامي كشف القناع للبهوتي، شرح (الإقناع) للحجاوي ط. دار الفكر كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار لحصني ط. دار الخير الكنى والأسماء للدولابي اللباب في شرح الكتاب لعبد الغنى الدمشقي لسان العرب لابن منظور لسان الميزان للحافظ ابن حجر ط. دار الفكر

المبدع لابن مفلح، شرح (المقنع) لابن قدامة ط. المكتب الإسلامى المبسوط لشمس الأئمة السرخسى ط. دار الفكر المجموع للنووى، شرح (المهذب) للشيرازى ط. مكتبة الارشاد مجموعة دروس وفتاوى الحرم المكّي لإبن عثيمين (عام 1407هـ -1411هـ) ط. دار اليقين المحرر في الفقه لمجد الدين ابن تيمية، ومعه (الفوائد السنية على مشكل المحرر) لابن مفلح ط. دار الكتاب العربى مختار الصحاح للرازي المختصر القدورى لأبى الحسين بن أحمد البغدادي القدوري وحاشية (التنقيح الضروري) لمحمد نظام الدين القيرواني ط. الهند مختصر المُزَني ط. دار العرفة المدونة الكبرى للإمام مالك برواية سحنون ط. السعادة المصباح المنير للفيومي المعونة على مذهب عالم المدينة للقاضي عبد الوهاب البغدادي ط. نزار مصطفى الباز مغنى المحتاج شرح المنهاج للخطيب الشربيني ط دار الفكر المغنى لابن قدامة ط. دار هجر المنهاج للنووي، وشرحه (مغنى المحتاج) للخطيب الشربيني ط. دار الكتب العلمية ميزان الاعتدال للذهبي نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي ط. دار الحديث النهاية لابن الأثير نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين الرملي ط. مصطفى الحلبي نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني ط. دار التراث

§1/1