إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك

برهان الدين ابن القيم

[مقدمة التحقيق]

المبحث الأول: نسبه، وكنيته ولقبه نسبه: هو أبو عبد الله جمال الدين: محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن مالك الطائي الجّياني، وهذه السلسة النسبية هي رواية دائرة المعارف الإسلامية، وسار عليها الدماميني في تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، وقد ذكرها بروكلمان، وذهب المقري في نفخ الطيب إلى أ، بعض الحٌفاظ-حين عَرف بابن مالك- قال"يقال: إن "عبدالله" في نسبه مذكور مرتين متواليتين، وبعض يقول مرة واحدة، وهو الوجود بخطه في أول شرحه لعمدته، وهو الذي اعتمده الصفدي". هذا وقد عرّف محمد بن على بن طولون في هداية السالك فقال: (هو: محمد بن عبد الله بن عبد الله بن عبدالله-ثلاثاً- ابن مالك". وقد اكتفى بعضهم بذكر: محمد بن عبدالله بن مالك، أو محمد بن مالك، اكتفاء بالمشهور. كنيته ولقبه: يكنى ابن مالك ب: أبي عبدالله، ويلقب بجمال الدين.

المبحث الثاني: أسرته

المبحث الثاني: أسرته لم تفد المصادر بشيء عن أسرة ابن مالك, كما أنه لم ينقل عنه أنه صرح بشيء من ذلك _ أيضاً_ ويرجح كثير من الباحثين أن يكون والداه قد توفيا وهو صغير، وهذا -إن صح- يمكن اعتباره من دواعي راحلته إلى المشرق، ولا سيما أنه لم يعد إلى مسقط رأسه "الأندلس" بعد ارتحاله الموفق عنها. المبحث الثالث: مولده ولد ابن مالك في "جَيَّان"-بفتح الجيم وتشديد الياء_ وهي إحدى مدن الأندلس الوسطى، وكانت ولادته سنة 600 هـ على أكثر الروايات وأقربها إلى الصحة. المبحث الرابع: دراسته بالأندلس يبدو أن ابن مالك بدأ دراسته بحفظ القرآن الكريم كما جرت عليه

المبحث الخامس: رحلته وأثرها فيه

عادة طلاب العلم في عصره وصره، واستتبع ذلك دراسة القراءات وحفظ ما تيسر له من المتون المختلفة، ولا سيما متون النحو واللغة، وقد ذكره ابن الجزري -في طبقات القراء- فقال: "قد شاع عند كثير من منتحلي العربية أن ابن مالك لا يُعرف له شيخ في العربية ولا في القراءات ولي كذلك، بل قد أخذ العربية _في بلاده عن ثابت بن خيار، وحضر عند الأستاذ أبي علي الشلوبين نحو العشرين يوماً".أ. هـ. المبحث الخامس: رحلته وأثرها فيه ولد ابن مالك في الأندلس، وقضى باكورة شبابه فيها في حين لم تكن فيه الأحوال السياسية مستقرة، فقد كان الصراع على أشده بين المسلمين والإفرنج، تبع ذلك تساقط البلاد الإسلامية بعد حروب طاحنة كانت الدولة فيها للإفرنج على من عاصرهم من ملوك الموحدين، وعلى {اسهم الناصر بن يعقوب الذي ولى الأندلس بعد وفاة أبيه سنه 595 هـ. لذا يمكن القول بأن تلك الفتن والاضطرابات السياسية كانت من بين أسباب ارتحال ابن مالك إلى المشرق إن لم تكن أهم تلك الأسباب، كما أن الرغبة في زيارة الديار المقدسة، والشغف بمشاهدة مواقع التنزيل، ومصدر إشعاع الحضارة الإسلامية، أمور تستحث طلاب العلم -عامة- فضلاً عن ابن مالك، ذلك الشاب المتوقد الذهن، الولوع بالعلم ومصاحبة العلماء. لذا نجد ابن مالك يزمع الرحلة إلى المشرق، وتتم تلك الرحلة، ويؤدي

فريضة الحج، ثم يلحق بالشام بيد أن الأحوال السياسية فيه لم تكن بأسعد حالاً ولا أهدأ بالا من بلاد الأندلس، فقد كانت البلاد الشامية في فتن وحروب دامية بين الصلبين والتتار من جهة، وبين الدولة الأيوبية التي دب الخلاف فيها بعد موت صلاح الدين بسبب النزاع بين أبنائه الثلاثة وأخيه على السلطة من جهة أخرى. ويظل ابن مالك يطوف بالبلاد الشامية وينتقل بين حواضرها: دمشق، وحلب، وحماة، وبعلبك، ويستقر به المطاف في دمشق، على ما ذكره الرواة، فقد ذكر ابن الجزري أنه قدم دمشق، ثم توجه إلى حلب فنزل فيها وفي حماة، واُخِذَ عنه بهذين البلدين، ثم قدم دمشق مستوطنا. ولقد كان لارتحال ابن مالك من بلاد المغرب إلى بلاد المشرق أثر كبير في ملامح حياته، في أخلاقه ومذهبه، وسلوكه، فقد كان قبل رحيله، مالكي المذهب، وذلك لسيادة المذهب المالكي في تلك البلاد فلما استوطن المشرق عدل عن مذهبه وأخذ بمذهب الشافعي، أما عن أخلاقه وسلوكه فقد قال الصفدي عنه: "إن ابن مالك انفرد عن المغاربة بشيئين: الكرم ومذهب الشافعي". وذكر نحو قول الصفدي هذا ابنُ عساكر والسيوطي، وزاد

المبحث السادس: شيوخه

ابن العماد: "حسن الخلق"، ولا غرابة في ذلك، فإن الهجرة من أكبر عوامل التأثير والتأثر. المبحث السادس: شيوخه أولاً: شيوخه في الأندلس: ذكر ابن الجزري: "أن ابن مالك أخذ العربية في بلاده عن ثابت ابن خيار، وأنه حضر على أبي علي الشلوبين نحو العشرين يوماً، كما ذكر السيوطي أن له رواية عن أبي الصقر. ثانياً: شيوخه في المشرق: ذكر السيوطي: أنه سمع بدمشق من السخاوي، وجالس بحلب

المبحث السابع: مذهبه النحوي

ابن عمرون-تلميذ ابن يعيش- وأن له شيخاً جليلاً هو ابن يعيش الحلبي، وأقام بدمشق مدة يصنف ويشتغل، وتصدر بالتربة التعادلية، والجامع المعمور، وقال المقّرى: " ... وسمع بدمشق من مكرم، وأبي صادق الحسن بن صباح، وأبي الحسن بن السخاوي وغيرهم .... ، وجالس ابن يعيش تلميذه ابن عمرون بحلب، وأقام بدمشق مدة يصنف ... وتصدر بحلب مدة، وأمّ بالسلطانية، ثم تحول إلى دمشق، وتصدر بحماة مدة". المبحث السابع: مذهبه النحوي مما لاشك فيه أن ابن مالك اطلع على كتب سابقيه من النحاة البصريين والكوفيين والبغداديين ومن جاء بعدهم، وأفاد من هؤلاء جميعا حتى تكونت شخصيته العلمية ولاسيما في النحو والتصريف ثم استوت، يدل على ذلك إنه يورد المسائل النحوية ويعرض آراء النحاة فيها بدقة وأمانة، ثم يجيل فيها رأيه

المبحث الثامن: منهجه

بحسب ما يمليه عليه اجتهادهن وما يبلغه تفكيره الحر، وحسه المرهف، فيؤيد هذا ويضعّف ذاك، ويصحح هذا ويرد ما يخالفه من غير تحيز إلى مذهب معين لذاته، وإنما ينتصر لما تشهد بصحته الشواهد المعتبرة لديهن أو ماله نظير يمكن قياسه عليه. وكون ابن مالك موافقا في كثير من آرائه النحوية لما عليه البصريون لا يعني تحيزه إلى هذا المذهب أو هذه المدرسة، وإنما لكون ذلك هو المترجح لديه بعد إعمال فكر وإجالة نظر، ولا يخفي تفوق المدرسة البصرية على غيرها من المدارس النحوية، ومع ذلك فإنك تجد ابن مالك ينتصر لقول الكسائي أو الفراء -أحياناً- لما تقدم. ومصنفات ابن مالك مليئة بآراء النحويين المتقدمين والمتأخرين مما يدل دلالة واضحة على أنه لم يدخر وسعاً في تتبع الآراء النحوية عند عرضه للمسائل، فإنك واجد في كتبه أقوال سيبويه والكسائي والفراء، والأخفش، والمبرد، والزجاج، وابن السراج، وثعلب، والجرمي، والزجاجي، والفارسي، والسيرافي، وابن كيسان، وابن برهان، وابن جنى، وابن الأنباري، والزمخشري، وابن مضاء، وابن خروف، والشلوبين، وابن عصفور، وابن الحاجب، ابن يعيش ... وغيرهم. وفي هذا الخضم تجد ابن مالك يؤيد هذا ويرد ذاك وقد يضرب رأيا برأي ويبدي رأيا مستقلاً في المسألة، ولست-هنا- بصدد عرض النماذج للتدليل على ذلك، فقد كفاني ذلك من قاموا بدراسة مصنفات ابن مالك. المبحث الثامن: منهجه إن من يستقرئ كتب ابن مالك -ولاسيما الكافية الشافية وشرحها وخلاصتها، والتسهيل- استقراءاً يهدف إلى استخلاص منهجه، لا ريب

سيقف على كثير من السمات التي اتصف بها مصنفات هذا العلم، فمن أبرز تلك السمات ميل ابن مالك إلي الابتكار، فبينما نجد صاحب الكتاب -رحمه الله- قد قسم النحو إلى أبواب، والزمخشري قد قسمه إلى فصول في كتابه المفصل، وكذلك فعل ابن الحاجب في كافيته، وهذه الكتب الثلاثة من أهم كتب النحو السابقة لابن مالك، نجد ابن مالك يستعمل كلا المصطلحين جاعلاً "الباب" لرؤوس المسائل، و"الفصل" لما يندرج تحت تلك المسائل ويتفرع عنها. وكذلك نجده ينهج في ترتيب أبوابه منهجاً تعليمياً يعتمد على المناسبة والارتباط. كما نجده يسلك منهج النظم في ضبط العلوم إدراكاً منه لما للنظم من ميزة على النثر، فقد لجأ ابن مالك إلى هذه الوسيلة -أعني النظم- المشوقة المعينة على حفظ العلوم ونقلها ودرج على ذلك في معظم مؤلفاته، فقد استطاع -بما آتاه الله من قوة القريحة الشعرية- أن يسخر قوالب الشعر لخدمة القضايا العلمية، فكان ذلك دعماً لما يسمى بالشعر التعليمي. أقول: دعماً، لا اختراعاً، لأن ابن مالك قد سُبق في هذا المجال، فقد نظم الشاطبي المتوفي سنة: 590 هـ قصيدة في القراءات سماها: "حرز الأماني ووجه التهاني"، كما نظم ابن معطي المتوفى سنة 628 هـ منظومته القيمة في النحو المسماة: "الدرر الألفية في علم اللغة العربية"، التي أفاد منها ابن مالك كثيراً، وأشار إليها في خلاصته المسماة: " ألفية ابن مالك"، وكذلك نظم ابن الحاجب

المبحث التاسع: تلاميذه

المتوفى سنة 646 هـ، منظومة النحو سماها: "الوافية بنظم الكافية"، وأخرى في العروض سماها: "المقصد الجليل في علم الخليل". أما في مجال الاستشهاد فهو يستشهد بالقرآن الكريم وقراءاته، وقد يستشهد بالشواذ منها، ويستشهد كذلك بالحديث، وأشعار العرب وأمثالها وأقوالها، وقد أدى استشهاده بالحديث الشريف إلى توسيع دائرة الاستشهاد عنده، وقد أنكر عليه أبو حيان الاستشهاد بالحديث بحجة أنه مظنة اللحن، لجواز روايته بالمعنى وكون بعض رواته أعاجم، وقد تصدى العلماء قديماً وحديثاً لأبى حيان معترضين عليه ومؤيدين لابن مالك فيما ذهب إليه، ومن أوفى ما كتب حول هذه المسألة ما جاء في خزانة الأدب البغدادي، وما كتبه الأستاذ سعيد الأفغاني. ويغلب على مصنفات ابن مالك سهولة العبارة ووضوحها مع الدقة والميل إلى الإيجاز. المبحث التاسع: تلاميذه تتلمذ على ابن مالك خلق كثيرون، فممن تلقى عنه: - ابنه بدر الدين المشهور بابن الناظم، وقد شرح ألفية والده وتوفي سنة 86 هـ. - القاضي شرف الدين أبي القاسم هبة الله بن نجم الدين الجهني الشهير بابن البارزي، المتوفى سنة 738 هـ.

المبحث العاشر: مصنفاته

-أحمد بن سليمان بن أبي الحسن الكاتب، المتوفي سنة: 769 هـ. وغير هؤلاء مما يطول الحديث بذكرهم، وليس هذا موضع حصرهم. هذا ويعد الدارسون لمصنفات ابن مالك والعاكفون عليها تلامذةً له في مختلف العصور، وهم خلق لا يحيط بهم إلا الله. المبحث العاشر: مصنفاته لقد أمد ابن مالك -رحمه الله- المكتبة العربية بمؤلفاته الكثيرة البالغة الأهمية، وخاصة فيما يتعلق منها بعلمي النحو والصرف، وقد وهبه الله -سبحانه- القدرة الفائقة على النظم العلمي، فأخرج الكثير من مؤلفاته النحوية واللغوية نظما عذبا سائغا على الرغم من جفاف مواده وصعوبة موضوعاته وقد بلغت مؤلفاته في النحو والصرف واللغة وغير ذلكن ما يقارب الأربعين مؤلفا، ومن أشهر مؤلفاته: "الكافية الشافية"، وهي منظومة طويلة تقرب من ثلاثة آلاف بيت من الرجز، ضمنها النحو والصرف، وقد شرحها ابن مالك نثرا بشرح مسماه: "الوافية في شرح الكافية الشافية"، كما شرحها -أيضا- ابنه بدر الدين. ومن مؤلفاته -أيضاً- "الخلاصة" المشهورة ب "الألفية"، وهي منظومة في نحو ألف بيت من الرجز، أودع فيها ابن مالك خلاصة ما في الكافية الشافية، وقد وفق فيها ابن مالك توفيقا أدهش العقول وألبسها حلل الرضا والقبول،

المبحث الحادي عشر: أخلاقه

فعكف العلماء عليها، دراسة وتدريسا وحفظا وشرحا وتعليقا، حتى أربت مصنفاتهم حولها على الخمسين، ما بين شرح لها، وإعراب لأبياتها أو حواش على شروحا. ومن تلك الشروح: هذا الشرح الذي بن أيدينا. ومن مؤلفات ابن مالك -أيضا- كتابه "التسهيل" المعروف: "بتسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" وهو كتاب جليل تناول فيه ابن مالك مسائل النحو والصرف في ثمانين بابا، تتضمن ما يزيد على مائتي فصل، وعليه شروح كثيرة، منها شرح للمؤلف نفسه. هذه بعض مؤلفات ابن مالك، ومن أراد الوقوف عليها مفصلة فليرجع إلى مقدمتي كِتابي: "التسهيل، وشرح الألفية لابن الناظم، الأول: تحقيق الدكتور: محمد كامل بركات، والثاني: تحقيق الدكتور: عبد الحميد السيد محمد عبد الحميد: وإلى مراجعهما. المبحث الحادي عشر: أخلاقه أجمع الذين ترجموا لابن مالك على أنه كان ذا دين متين، وسمت حسن، وقلب رقيق، وعقل راجح، وتؤدة، ووقار، وكان شديد الطلب للعلم، شديد الحرص على الوقت، كثير المطالعة، سريع المراجعة، لا يكتب من محفوظة حتى

المبحث الثاني عشر: وفاته

يراجعه في محلهن وكان لا يرى إلا وهو يصلي أو يتلو أو يصنف ويقرئ. المبحث الثاني عشر: وفاته توفي ابن مالك بدمشق سنة 672 هـ باتفاق، وصلي عليه بالجامع الأموي ودفن بسفح قاسيون، بتربة القاضي عز الدين بن الصائغ، وقيل: بتربة ابن جعوان.

الفصل الثاني: إبراهيم بن قيم الجوزية

الفصل الثاني: إبراهيم بن قيم الجوزية وفيه مباحث

المبحث الأول: نسبه، وكنيته، ولقبه

المبحث الأول: نسبه، وكنيته، ولقبه نسبه: هو إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي الزُرْعِي الحنبلي. وكتب التراجم تتفق في سرد نسبه إلى (سعد)، أما والد (سعد) فالذي عليه الأكثرون والمشهور على ألسنة أهل العلم أن أسمه: (حَرِيز) -بالحاء والراء المهملتين، ثم الياء المثناة، والزاي المعجمة-على وزن (فعيل) -بفتح الفاء- وفي بعض كتب التراجم (جرير) وفي بعضها (جريز)، وأما جده: (مكي) فمتحصل من ترجمة عمه: (عبدالرحمن بن أبي بكر) في الدرر الكامنة، وأما الزُرعي فهو بضم الزاي المشددة نسبة إلى قرية: (زُرْع) من أعمال حوران، وحوران: ناحية واسعة من نواحي دمشق.

المبحث الثاني: مولده

كنيته ولقبه: يُكني إبراهيم بن محمد بن أبي بكر: ب (أبي إسحاق، أو ابن قيم الجوزية، أو ابن القيم)، وذلك أن جده (أبا بكر بن أيوب) كان قيما على المدرسة المعروفة بالجوزية -نسبة إلى منشئها وواقفها: محي الدين بن الحافظ الجوزي - الموجودة آنذاك بدمشق، فكان أبو بكر هذا يقوم على شئونها، حتى قيل له: قيم الجوزية، واشتهرت ذريته وحفدتهم بذلك، فصار الواحد منهم يدعي بابن قيم الجوزية. أما لقبه: فبرهان الدين. المبحث الثاني: مولده كثير من المراجع التي ترجمت له لم يؤرخ لمولده، وقد أُرخ له في بعضها على اختلاف في ذلك، فذهب ابن حجر في (الدرر الكامنة)، وابن مكي في (السحب الوابلة) إلى أنه ولد سنة 716 هـ، وهو كذلك في فهرس الخزانة التيمورية، وذكر عمر رضا كحالة أنه ولد سنة 719 هـ، وهذا يناسب رواية الأكثرين في سنة وفاته، وأنها 767 هـ، عن 48 سنة.

المبحث الثالث: جوانب من حياته

المبحث الثالث: جوانب من حياته أما قيل فيه: لقد كانت المراجع حيال إبراهيم بن قيم الجوزية وجوانب حياته- بالغة الضنة، ولا تثريب عليها في ذلك، إذ أن المصادر الأساسية لم تمد إلا بالنزر اليسير من ذلك، فقد جاء في البداية والنهاية: أنه كان فاضلاً في النحو والفقه، وفنون أخرى، على طريقة أبيه، وأنه كان مدروسا بالصدرية، والتدمرية، وله تصدير بالجامع، وخطابه بجامع ابن صلحان، وذكر في الدرر الكامنة نحو ما تقدم، وقال: (حضر على أيوب الكحال، وابن الشحنة، واشتهر، وتقدمن وأفتى، ودرس). وقال عنه في شذرات الذهب: (سمع من ابن الشحنة وغيرهن واشتغل في أنواع العلوم وأفتى، ودرس، وناظر). ونقل النعيمي عن ابن مفلح قوله -في طبقات الحنابلة-: (حضر على أيوب بن نعمة الله النابلسي -أي الكحال-، ومنصور بن سليمان البعلي، وسمع من ابن الشحنة، واشتغل في أنواع العلوم ... إلى آخر ما تقدم عن الشذرات. وقال عنه صاحب معجم المؤلفين: (عالم في النحو والصرف). هذا ما ذكروه عنه.

ويمكن القول -بناء على غلبة الظن- في بعض الجوانب التي أغفلتها المصادر بعد عرض لمحة من حياة أبيه، وتلك أن أباه الشيخ العالم الرباني محمد ابن أبي بكر (المعروف ب"قيم الجوزية") نشأ بدمشق من الفترة: 691 - 751 هـ، وهي ما يسمى بعصر سلاطين المماليك، وقد تميز هذا العصر بانتقال مركز الثقل العسكري والثقافي في العالم الإسلامي إلى القطرين: مصر، والشام، بعد نكبة بغداد وسقوطها على أيدي التتار، فكثرت معاهد التدريس، في هذين القطرين، فزخرت المساجد بحلق العلم، وأنشئت بجانبها المدارس، وأوقف على عمارتها ونظارتها وشيوخها وطلابها، ومن تلك المدارس: (المدرسة الجوزية) التي سبق ذكرها، وكان يقوم عليها جد إبراهيم هذا فنشأ إبراهيم ووالده من قبل، في ظلال هذه المدرسة، فمن المرجح أن يتلقى إبراهيم فيها العلوم الأساسية كحفظ القرآن الكريم وقسط كبير من السنة والمتون المشهورة، كما جرت على ذلك سنة العلماء قديماً وحتى زمن قريب، ولا سيما أنه توافر له ما لم يتوافر للكثير من طلاب العلم، فلأسرة عريقة في العلم، وتقوم على معقله، مع ما نسب إليها من صلاح وتقى وحب للعلم. ولعل مما يدل على صدق هذا الحدس، ما سنقف عليه -إن شاء الله تعالى- عند الحديث عن شرحه للألفية من قوة استحضار للآيات القرآنية في الاستشهاد للقضايا النحوية والصرفية. ب أخلاقه: لم تأخذ سيرة الشيخ إبراهيم بن محمد بن قيم الجوزية حظها من الذيوع والشهرة، وهذا شأن كثير من العلماء، ولا سيما أن بعضهم كان يتحاشى الشهرة والظهور في أعماله، حرصاً على سلامتها من داء الرياء، فإذا انقضت

آجال هذا الصنف من العلماء المخلصين سَدَل الزمان على سيرهم ستورهن فلم يكد يوقف لهم على أثر أو خبر، أضف إلى ذلك ما لحق بالتراث الإسلامي عبر القرون من الاعتداء عليه بالنهب أو الحرق، وكل ما أشرت إليه ممكن بالنسبة لإبراهيم بن قيم الجوزية، هذا وقد ذكرت المصادر التي ترجمت له شيئاً يسيراً من أخلاقه فذكرت أنه كان فاضلاً، وأن له أجوبة مسكتة، وذكرت بعض نوادره، ومن ذلك أنه وقع بينه وبين ابن كثير منازعة في بعض المحافل، فقال له ابن كثير: "أنت تكرهني لأنني أشعري"، فقال له: "لو كان من رأسك إلى قدميك شعر ما صدقك الناس في قولك، إنك أشعريّ وشيخك ابن تيمية". قلت: وقد استخلصت شيئا من أخلاقه أثناء دراستي شرحه، من ذلك ما يمر في المبحث الخامس عند ذكر تعقبه لبعض النحويين، فقد كان متأثراً بأخلاق الفضلاء، فكان عف اللسان، يرد بأدب، وكثيراً ما يكتفي برد القول المخالف من غير تشهير بقائله، وقد جاء عنه قوله: "ولا أحفظ له شاهداً"، فهذا يدل على التواضع والصراحة التي هي من شيم العلماء. ج- آثاره العلمية: من أهم آثار إبراهيم بن قيم الجوزية، هذا الشرح النافع الذي بين أيدينا، وله رسالة صغيرة مطبوعة اسمها: "اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية النميري"، جمع في هذه الرسالة 98 مسألة من مسائل قيل إن شيخ الإسلام ابن تيمية انفرد بها خارقاً بها الإجماع، فقام إبراهيم بن القيم بتتبع هذه المسائل

المبحث الرابع: مذهبه النحوي

وحصرها، ثم بين زيف الدعوى الموجهة ضد الشيخ، وأثبت أنه لم يعرف له مسألة خرق فيها الأجماع، ومن ادعى عليه ذلك فهو إما جاهل وإما كاذب. كما ذكر أن له كتاباً اسمه: (اختلاف المذهبين) تعرض فيه للمسائل الخلافية بين أحمد والشافعي، ولم أعثر له على خبر. المبحث الرابع: مذهبه النحوي حينما أتحدث عن المذهب النحوي لإبراهيم ابن القيم، فإنما أتحدث عنه بعد طول ممارسة لشرحه لألفية ابن مالك، وبعد استجلاء رأيه وآراء الآخرين فيما يعرض من القضايا النحوية، وبخاصة الخلافية منها، فمن بعد تلك الممارسة تبين لي أن ابن القيم-رحمه الله- لم يأسره مذهب معين عن النظر في بقية المذاهب والآراء، وإنما كان يطالع جميع الآراء الواردة في مسألة ما، ثم ينتخب لنفسه ما ترجح لديه، فهو يُعنى عناية كبيرة بما يؤازره الدليل، بغض النظر عن كونه منسوباً إلى زيد أو عمرو-كما سيأتي قريباً- وهو في ذلك متأثر بأبيه الشيخ محمد بن أبي بكر، فإنه وإن كان موصوفاً في ترجمته بالحنبلي كأسلافه، لكن حظه منه الاتباع لما أيده الدليل، فلقد كان ثائراً على التقليد وأهله، يندد بهم وينعى عليهم حظهم من العلم، ويصف التقليد بأنه بدعه، وأنه من المحدثات بعد القرون المفضلة، ولكنه لم يصل به ذلك إلى الإزراء بالأئمة، وأصحابهم، كغلاة الظاهرية ومن نحا نحوهم، ولم يكن من أولئك الذين أسرهم التعصب فأصمهم وأعمى أبصارهم عن نور الوحيين: الكتاب

المبحث الخامس: ابن القيم والمذاهب النحوية

والسنة، ولكنه كان يسلك مسلكاً وسطاً ينشد الدليل، ولا يثرب على العلماء ولم يمنعه مسلكه هذا من التفقه في المذهب الحنبلي وبيان أصوله، وتحرير فروعه مع مخالفته لما ذهب إليه الإمام أحمد في عشرات المسائل، وفي ذلك يقول: "وكثيراً ما ترد المسألة نعتقد فيها خلاف المذهب فلا يسعنا أن نفتي بخلاف ما نعتقده، فنحكي المذهب الراجح ونرجحه، ونقول هذا هو الصواب وهو أولى أن يؤخذ به، وبالله التوفيق". أقول: إن إبراهيم ابن القيم، لم يذكر في مقدمته الموجزة سوى السبب الذي بعثه إلى شرح الألفية، وأما ما ذكرته من مذهبه فإنه يظهر لكل من وقف على شرحه وتدبره. وسأذكر -إن شاء الله- في نقاط آتية ما يدل على ما ذكرت من موافقته للبصريين في كثير من المسائل النحوية لا لذات المهب وإنما لكون ذلك هو ما ترجح لديه، ومن موافقته للكوفيين في بعض المسائل، ومن مخالفته لكلا الفريقين وأَخذِه بقول بعض النحاة، أو القول باجتهاده -في غالب ظني- حيث لم أجده لغيره. المبحث الخامس: ابن القيم والمذاهب النحوية تقدم أن إبراهيم ابن القيم لم يكن أسير مذهب معين، وإنما كان ينتظر في الآراء المختلفة وينتقي منها ما كان أسعد بالدليل، ويتضح ذلك من تفننه في الاختيار، فبينما تجده يختار في كثير من القضايا النحوية المذهب البصري حتى إنك لتكاد أن تحكم عليه بأنه بصري النزعة، تجده يختار في مسائل متعددة المذهب

الكوفي ويرجحه، وقد يختار مذهباً مخالفاً لكلا المذهبين وينصره، كما سيأتي: أ- متابعة المذهب البصري: لقد تتبعت ابن القيم وهو يستعرض المسائل النحوية، فوجدته وافق البصريين فيما يزيد على أربعين مسألة، وهذه نماذج منها: 1 - تابع البصريين في القول ببناء فعل الأمر، فقال: "وأما الأمر فمبني على ما يجزم به المضارع"، والكوفيون يقولون بإعرابه. 2 - تابع جمهورهم في كون متعلق الظرف أو الجار والمجرور فعلاً، فقال: "وكل منهما متعلق بفعل، تقديره: استقر، أو نحوه" والأخفش على أن متعلقهما مفرد. 3 - تابع البصريين في جواز تقديم الخبر ما لم يمنع مانع، فقال: "الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر، والعكس جائز ما لم يمنع منه مانع من الموانع الآتية: ... ". 4 - تابع البصريين في أن "كان وأخواتها" هن الرافعات للمبتدأ على أنه اسم لهن الناصبات للخبر على أنه خبر لهن، فقال: "كان وأخواتها هي العاملة في المبتدأ والخبر، فترفع المبتدأ لشبهه بالفاعل، ويسمى اسمها، وتنصب الخبر لشبهه بالمفعول ويسمى خبرها". والكوفيون على أن الاسم بعد هذه الأفعال مرفوع بما كان مرفوعاً به قبل دخولهن، وأن الاسم المنصوب بعدها إنما نصب على الحال.

5 - تابع البصريين في كون الخبر بعد "إن وأخواتها" مرفوعاً بهن، فقال: "عملت هذه الأدوات لاختصاصها بالأسماء، وعلمن الرفع والنصب لشبهها بالأفعال الناقصة ... " والكوفيون على أن الخبر بعد هذه الأدوات مرفوع بما كان مرفوعاً به قبل دخولهن. 6 - تابعهم في أن أصل المشتقات المصدر، فقال: "والمختار مذهب البصريين أنه أصل للفعل والوصف، وكل منهما مشتق منه". 7 - تابعهم في كون التمييز نكرة، ولا يكون معرفة، فقال: " الثاني: كونه نكرة، فلا تمييز بمعرفة". والكوفيون يجيزون كونه معرفة. 8 - تابعهم فيما قالوا بإعماله من صيغ المبالغة وهو ثلاث صيغ، ووافق سيبويه في إعمال الباقي وهو صيغتان. 9 - تابع جمهورهم في كون "ما" نكرة تامة محلها الرفع على الابتداء. فقال: "ما" نكرة تامة محلها رفع بالابتداء، وما بعدها في محل الخبر". وذهب الأخفش إلى أنها موصولة، وما بعدها لا محل له من الإعراب صلة لها، ونقل عن الكوفيين أنها استفهامية. 10 - تابع البصريين ومن وافقهم من الكوفيين في القول بفعلية " أَفعَل" التعجب، فقال: "و" أفعل "فِعلٌ للزوم نون الوقاية إياه قبل ياء المتكلم"

والكوفيون على أنه اسم. 11 - تابعهم في أنه لا يجوز العطف على الضمير المتصل المرفوع إلا بعد الفصل بضمير منفصل، فقال: "فأما ضمير الرفع المتصل أو المستتر فلا يجوز العطف عليه إلا بعد الفصل بالضمير المنفصل المؤكد للمعطوف عليه". والكوفيون لا يرون وجوب ذلك. 12 - جرى على اصطلاحهم في تسمية البدل بدلاً، وأما الكوفيون فيسمونه الترجمة والتبيين. 13 - تابع البصريين والكسائي في القول بفعلية "نِعْم وبئس". فقال: "والدليل على فعلية" "نِعْم" و "بئس" دخول تاء التأنيث عليهما، ولا دليل للكوفيين على اسميتهما باتصالهما بحرف الجر ... ". 14 - صحح مذهبهم في أن: "فُلُ" و "فُلَة" كناية من "رجل" و "امرأة" على الأصح" والكوفيون يرون أنهما مرخماً: "فلان" و "فلانة". ب - متابعته المذهب الكوفي: ولقد تتبعته وهو يستعرض المسائل النحوية، فوجدته قد وافق الكوفيين فيما يزيد على عشر مسائل، أشرت إليها في مواضعها، وهو في معظمها متابع لابن مالك، وهذه نماذج من تلك المسائل: 1 - تابع الكوفيين في تعليلهم دخول الباء على خبر "ليس" و "ما" وأنه لتأكيد

النفي. فقال: " تدخل الباء على الخبر بعد "ما" و "ليس" لتأكيد النفي". والبصريون على أن هذا الباء مأتي به لدفع توهم أن يكون الكلام موجباً. 2 - تابعهم في تجويزهم إعمال اسم المصدر غير الجاري على فعله قياساً، فقال: "واسم المصدر يطلق على ثلاثة أشياء: "أحدهما: ما لم يجر على فعله قياساً ... والثاني: ... والثالث ... وأما الأول فالكوفيون يجيزون إعماله، وهو الحق ... ". 3 - تابعهم في تجويزهم توكيد النكرة إذا كان ذلك يفيد، بأن كانت النكرة متبعضة أو محدودة. فقال: "لا تؤكد النكرة عند عدم الفائدة اتفاقاً، ومع حصول الفائدة لكون المؤكد محدودا ... فالتحقيق جوازه، كما ذهب إليه الكوفيون، لورود السماع بذلك". 4 - تابع الكوفيين في القول بجواز ندب الموصول إذا كانت صلته مشهورة فقال: "الموصول من قسم المبهم فلا يندب إلا إذا كانت صلته مشهورة نحو: "ومن حفر بئر زمزماه". والبصريون لا يرون جواز ذلك، وما جاء منه محمول عندهم على الشذوذ". ج- مخالفته الفريقين: خالف ابن القيم كلا الفريقين: البصري والكوفي في بعض المسائل

النحوية: وهو حينما يخالف أحد الفرقين، إما أن يخالفه ليوافق الفريق الآخر -كما تقدم آنفا- وإما أن يخالفهما جمعا، وحيذ إما أن يأخذ بآراء آحاد النحويين, وهذا هو الغالب وإما أن يقول برأيه وهذا قليل فمما تابع فيه بعض أفراد النحويين مخالفاً جمهورهم ما يأتي: - تابع ابن مالك في القول بإعمال المصدر المحلى ب "أل" بقلة. فقال: "وعمله -أي المصدر- متلبسا ب "أل" قليل". أ. هـ. وسيبويه، والخليل وبعض البصريين يذهبون إلى إعماله مطلقاً، والكوفيون وابن السراج يمنعون إعماله. - تابع ابن مالك -أيضاً- في القول برجحان نصب تمييز "كم" الخيرية إذا فصل بينها وبينه بظرف أو جار ومجرور، فقال: " متى فصل بينها وبين مميزها بغير الظرف والجار والمجرور تعين نصبه، وإن كان بواحد منهما فلأرجح نصبه، وقد يجر في الشعر ... ". أ. هـ. والبصريون يوجبون النصب". - تابع ابن مالك القائل بقول المبرد بصحة نداء ما سمي به من الوصلات المبدوءة ب "أل". فقال " لو سميت رجلاً ب "المنطلق زيد" فإنك تقول في ندائه: "يا المنطلق زيد" ومثله ما سمي به من الموصولات المبدوءة ب "أل". أ. هـ. - تابع ابن مالك وغيره في تجويزهم الإخبار بظرف الزمان عن الأعيان، إذا حصل بذلك فائدة، بأن كانت عامة وهو خاص. فقال: "أما إن أفاد الإخبار باسم الزمان عن الذوات لكونها عامة واسم الزمان خاص فغنه يجوز". أ. هـ. - كما تابعه في القول بعدم وجوب تأخير الفاعل المحصور ب "إلا" وهو قول

الكسائي. فقال: " وقد يسبق المحصور من الفاعل أو المفعول إذا ظهر الحصر فيه، بأن يكون الحصر ب "إلا" نحو: ... ". أ. هـ. هذه نماذج متابعة ابن القيم لابن مالك، وهناك مسائل كثيرة وافقه فيها. وقد أشرت إلى ذلك عند ورود تلك المسائل في الشرح. - كما تابع ابن القيم: المبرد في القول بأن انتصاب: "أحقا أنك ذاهب" ونحوه على المصدرية. فقال: " وذلك قولهم: " غير شك" أنك قائم و "جَهْدَ رأيي أنك ذاهب" و "ظناً مني أنك قادم" وفي ادعاء الظرفية في هذا كله نظر، والصواب أنه منصوب انتصاب المصادر بأفعال مقدرة".أ. هـ. والجمهور على أن انتصاب ذلك على الظرفية. - كما تابع ابن العلج في قوله بجواز تقديم المقطوع على المتبع -بفتح الباء- إذا لم يكن المنعوت محتاجاً في بيانه إلى النعت، فقال: "ولا يتعين في مثل هذا تقديم المتبع على المقطوع" يشير إلى قول الشاعرة: لا يبعدن قومي الذين همُ سُمُ العداة وآفة الجزر النازلين بكل معترك ... والطيبون معاقد الأُزُرِ فإنه يروي بنصب "النازلين" "والطيبين" ورفعهما، ورفع الأول ونصب الثاني، والعكس، والجمهور لا يجيزون تقديم المقطوع على المتبع. - كما تابع الزمخشري في إعراب: "والمسجد الحرام" من قوله تعالى: {وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:217] بأنه معطوف على "سبيل" وغير

الزمخشري يذهب إلى أنه معطوف على الضمير المجرور: "به" قال في ذلك: "بل الصواب أنه عطف على "سبيل" ليطابق قوله: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَام} [الحج:25]. وتابع سيبويه في القول بإعمال: "فَعِل" و "فَعيل" إعمال اسم الفاعل كبقية صيغ المبالغة. فقال: "يحوّل اسم الفعل إلى أبنية المبالغة فيبقى على عمل اسم الفاعل في ثلاثة منها بكثرة وهي: ... وفي اثنين منها بقلة، وهما: "فعيل" و "فعل ".أ. هـ. وأكثر النحويين يخالف سيبويه في إعمال هذين الأخرين. د- اعتراضات ابن القيم على بعض النحويين: خاض ابن القيم غمار النحو وصال وجال في صفوف النحويين فإن من يطالع شرحه لألفيه ابن مالك يجد فيه أقوال الخليل ويونس، ونقول سيبويه، وآراء الكسائي، والفراء، والأخفش، وابن السكيت، والمبرد، وابن كيسان، والزمخشري، وثعلب، والرماني، والجرمي، والفارسي، والسيرافي، وابن كيسان، والزمخشري، وابن الحاجب، وابن عصفور، والشلوبين، وابن مالك، وأبي حيان، وابن هشام ... وغيرهم من النحويين واللغويين، فجميع هؤلاء الأعلام ذكر أعيانهم وتعرض لآرائهم، وكانت له وقفات انتقادية عند آراء بعضهم، وهو حينما ينقد رأياً فإنما ينقده بطريقة معتدلة بصل من خلالها إلى تقرير المسألة حسب ما يترجح لديه ورد ما يخالفها من غير تثريب على صاحب رأي أو حط من شانه، بل كثيراً ما يترك التشهير بأعيان من يرد عليهم ويكتفي برد أقوالهم، وربما لا يصرح بالقول المنتقد، وإنما يشير إليه إشارة خفية

فلا يشعر بذلك إلا المتدبر المتأني، وسأذكر نماذج من اعتراضاته ونقده. - اعترض على ابن مالك في حكايته الاتفاق على جواز جعل الثاني من مفعولي باب "أعطى" نائباً عن الفاعل وترك الأول على نصبه عند أمن اللبس. فقال في ذلك: "وليس باتفاق كما زعم المصنف، بل من النحاة من منعه مطلقاً، ومنهم من منعه في النكرة دون المعرفة". - كما رد عليه في قوله بعدم جواز حذف مفعولي "ظن" وأخواتها اقتصاراً. فقال: "والصحيح جوازه أي حذفهما- فيها خلاف ما ذهب إليه المصنف، ومنه: ... ". - كما عارضه في إثباته اسم الفاعل من الفعل "كاد" فقال: ""ولا يثبت استعماله -أي اسم الفاعل- من "كاد"". وهناك مواضع أخرى اعترض عليه فيها، وقد نبهت إليها في مكانها من الشرح. - كما ألح ابن القيم إبراهيم إلى وهم ابن الناظم في إيراده بيتاً زعم أنه تعدد فيه الخبر وهو قول الشاعر: يداك يد خيرها يرتجى وأخرى لأعدائها غائظه فقال ابن القيم: "والاستشهاد به على تعدد الخبر وهم" ولم يتعرض إلى ذكر من استشهد به على ذلك من النحاة.

- وفي الموضوع نفسه رد على ابن عصفور وغيره في إنكارهم تعدد خبر المبتدأ الواحد، من غير أن ينصّ على أعيانهم فقال: "وتقدير المخالف مبتدأ لكل خبر لا دليل عليه". - كما أمح إلى اعتراض ابن الناظم أباه في تعليل الناظم امتناع حذف عامل المصدر المأتى به للتأكيد بأن حذفه ينافي الغرض الذي جيء به من أجله فلم يسلم بهذا ابن الناظم، وبناء على ذلك أجاز حذفه، مستدلاً بجواز حذفه في نحو: " أنت سيراً سيراً". فقال ابن القيم في تفنيد ذلك: "ولا يرد عليه جواز الحذف في نحو: "أنت سيراً" ووجوبه في نحو: "أنت سيراً سيراً" لأن ... ". - كما رد قول أبي حيان إن "الياء" و "هُم" يشاركان "نا" في الوقوع في محال الإعراب الثلاثة: الرفع والنصب والخفض، فقال:"وإلحاق "الياء" و "هم" به في هذا الحكم فاسد" ولم ينص على قائل ذلك. - وكذلك رد على ابن هشام في معرض حديثه عن الضمير الجائز الاستتار. فقال: "وبهذا يتبين فساد قول من قال الاستتار في نحو: "زيد قائم" واجب لعدم صحة إبرازه".أ. هـ. "وقد بينت أن الخلاف بينهما لفظي في هذه المسألة في موضعها".

المبحث السادس: بعض ما انفرد به

المبحث السادس: بعض ما انفرد به من خلال متابعتي لشرح ابن القيم لألفية ابن مالك وقفت على بعض الآراء، وبعد عرضها على ما قاله أكثر النحويين لم أجد للشارح سلفاً قال بها مما دعاني إلى عزوها إليه بناء على غلبة الظن. فمن ذلك جعله حذف مدخول "لم" من القليل حيث قال: "ويقل -أي حذف المجزوم- بعد: "لم"؛ والنحويون لا يجيزون حذف المجزوم إلا للضرورة. -ومن ذلك-أيضاً- ذهابه إلى أن علة عدم جواز الإخبار عن "أحد" هي عدم قبوله التعريف، قال في ذلك: " وكذا لا تخبر عن "أحد" من قولك "لم أر أحداً" لأنه لا يقبل التعريف ... ، هذا هو المانع من الإخبار عنه لا عدم جواز وروده في الإثبات". المبحث السابع: منهجه في شرحه جرى إبراهيم بن القيم في شرحه لألفية ابن مالك على طريقة كثير من شراح المتون، فهو يورد البيت أو البيتين أو الثلاثة، وقد يزيد على ذلك أحياناً، ثم يأخذ في شرحها وتحليلها بأسلوب سهل ميسر، وعبارات مختارة، مختصرة، وشرحه متناسب متقارب لا يخرج عن ذلك إلا قليلاً حين يستدعي المقام الزيادة في التوضيح، حتى إنه ليخيل إلى قارئه أنه كتب في ساعة من نهار، ومما

تميز به، أن كل باب فيه مفتتح بتمهيد يسير -وقلما فاته ذلك- يذكر فيه الحد الاصطلاحي لذلك الباب، ومحترزاته، أو شروطه، أو اشتقاقه، أو سبب إعمال أو إهماله، أو تسميته بذلك الاسم، ونحو ذلك، مما تدعو الحاجة إلى معرفته، فإذا شرع في الشرح تحدث بحسب ما يمليه عليه اجتهاده، ممثلاً للمسائل بأمثلة الناظم نفسها، وكثيراً ما يزيد عليها رغبة في التوضيح، وأما ما يتعلق بآراء الناظم، فإنه يوردها، وقد يستعين في توضيحها بما صرح به صاحبها في كتبه الأخرى، فإن ارتضاها أقرها وأمرها، وإلا اعترض عليها، فردها أو أوهنها، كما تقدم في اعتراضاته. وكذلك صنع بكثير من الآراء النحوية الأخرى، فما ارتضاه منها بنى عليه قوله، وما عداه نبه على ضعفه، أو حكم برده، ذاكراً أعيان المخالفين أحياناً، وقد يكتفي بالحكم على القول من غير تعرض لصاحبه، كما تقدم في اعتراضاته -أيضاً-، وكثيراً ما يعتمد على رأي معين ويغفل ما عداه، مما قد يظن معه أن المسألة محل اتفاق، كقوله في باب المعرب والمبني: "فالأصل في السم الإعراب، وبناؤه عارض، والفعل عكسه".أ. هـ. فهذا قول البصريين، وأما الكوفيون فيذهبون إلى الإعراب أصل في الاسم والفعل، كما هو موضح في موضعه. - وكقوله -في حكم الفصل بين فعل التعجب ومعموله-: "فلا يفصل بينهما بغير الظرف والجار والمجرور".أ. هـ. وقد ذهب الأخفش والمبرد وأكثر البصريين إلى منع الفصل بينهما مطلقاً، كما هو موضح في موضعه.

المبحث الثامن: شواهده

- وكقوله -عند حديثه عن اللازم الإضافة إلى الجمل-" "وهو ما يضاف إلى الجمل الفعلية خاصة ك "إذا" غير الفجائية". وهذا قول جمهور البصريين، وأما الأخفش والكوفيون فذهبوا إلى جواز إضافة "إذا" الظرفية إلى الجمل الاسمية تمسكاً بظواهر الشواهد، كما هو موضح في موضعه. وقد يكون في مسألةٍ ما عدة أقوال فيشير إلى بعضٍ ويغفل بعضا. كقوله -وهو يتحدث عن "مذ" و "منذ" -: "فيكونان اسمين في موضعين: أحدهما: أن يقع بعدهما اسم مرفوع نحو: ... وهل هما مبتدآن وما بعدهما خبرهما أو بالعكس؟ على قولين ... ". فالقولان اللذان أشار إليهما للبصريين، وأما جمهور الكوفيين فذهبوا إلى أن الاسم بعدهما مرفوع بفعل محذوف، كما هو موضح في موضعه ولم يتطرق لذلك الشارح. - وكقوله- في حديثه عن الضمائر -: "وسبب بنائها شبه أكثرها بالحرف في الوضع". فهذا قول أكثر النحويين، وقال بعضهم: "بل لشبه الحرف في معناه"، وقيل: "بل في "افتقاره"، وقيل: "بل في جموده، وقيل غير ذلك". المبحث الثامن: شواهده استشهد إبراهيم بن القيم على ما يرد من المسائل النحوية بالقرآن

الكريم وقراءاته، وبالحديث الشريف، وبأشعار العرب وأقوالها وأمثالها. أ- أما استشهاده بالقرآن الكريم فقد كان في المرتبة الأولى من حيث تقديمه على غيره، ومن حيث الكثرة التي بلغ فيها غايةً ما أظن أحداً بلغها قبله ولا بعده، فلقد زادت شواهده من الآيات وأبعاضها على ألف آية عادا المكرر. ب- وأما القراءات فقد أولاها أهمية كبيرة أيضاً، حيث استشهد بالمتواتر منها والشاذ، حتى بلغت شواهده منها خمسين قراءة أو تزيد، معظمها متواترة، صرح في كثير منها بأسماء أصحابها. ج- وأما الحديث فقد وسع به دائرة استشهاده مقتفياً في ذلك آثار ابن مالك وغيره من النحويين، ولم يبال بأقوال أبي حيان وتعقبه ابن مالك وطعنه في استشهاده به، كما سبقت الإشارة إليه عند الحديث عن منهج ابن مالك، وقد نيفت شواهد ابن القيم منه على أربعين حديثاً. د- وأما الشعر فقد استكثر ابن القيم من الاستشهاد به حتى أربت شواهده منه على خمسمائة بيت هـ- وكذلك ورد في ثنايا الشرح كثير من أقوال العرب وأمثالها. موقفه من السماع: وابن القيم يوقر السماع ويحتكم إليه، ومن أمثلة ذلك قوله: "ولا تؤكد النكرة عند عدم الفائدة اتفاقاً، ومع حصول الفائدة فالتحقيق جوازه، كما ذهب إليه الكوفيون لورود السماع به ... ". - وقوله في موضع آخر: "ولا سماع مع الكوفيين في إجازة: "جاء الزيدان

المبحث التاسع: وفاته

أجمعان"، والهندان جمعاوان". - وقوله: "وقول الفقهاء ما أخصره -من اختصر- لا يعرف له سماع". موقفه من القياس: وابن القيم يقول بالقياس-أحياناً- إذا أعوزه الدليل، ومن أمثله ذلك قوله في المصدر: "وعمله منكراً مجرداً من "أل" والإضافة، نحو: ... أقيس لقربه من الفعل". المبحث التاسع: وفاته جاء في تاريخ وفاة إبراهيم بن قيم الجوزية -رحمه الله- روايتان: الأولى: تفيد أنه توفي سنة 767 هـ، وعليها أكثر المراجع القديمة والحديثة. والثانية: تفيد أنه توفي سنة 765 هـ، وهي رواية التنوكي، وحاجي خليفة وقد توفي -رحمه الله- يوم الجمعة مستهل صفر، ببستانه بالمزة، وصلي عليه بجامع المزة، ثم صلي عليه بجامع جراح، ودفن عند أبيه بباب الصغير، وحضر جنازته القضاة والأعيان، وكانت حافلة، وقد كان مثرياً، ترك مالاً جزيلاً يقارب مائة ألف درهم، وقد بلغ من العمر 48 سنة.

الفصل الثالث: الشرح

الفصل الثالث: الشرح وفيه مباحث

المبحث الأول: توثيق اسم الكتاب ونسبته إلى مؤلفه

المبحث الأول: توثيق اسم الكتاب ونسبته إلى مؤلفه لقد أثبتت المصادر والمراجع القديمة والحديثة اسم هذا الشرح ونسبته إلى مؤلفه، فقد قال الذهبي المتوفى سنة 748 هـ -في المعجم المختص- وهو يتحدث عن مؤلف الكتاب -: "تفقه بأبيه' وشارك في العربية، وسمع وتنبه، وأسمعه أبوه بالحجاز، وطلب بنفسه، ودرس بالصدرية، والتدميرية، وله تصدير بجامع الأموي، وشرح ألفية ابن مالك، وسماه: "إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك".أ. هـ. - ونقل النعيمي المتوفى سنة 927 هـ عن ابن مفلح قوله في طبقاته: "إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن أيوب -الشيخ العلامة- برهان الدين، ابن الشيخ المفتي ... ، وشرح ألفية ابن مالك وسماه: "إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك".أ. هـ. - وذكره حاجى خليفه المتوفى سنة 1067 هـ ضمن شراح الألفية فقال: "شرحها ... و ... و ... والشيخ برهان الدين: إبراهيم بن محمد بن قيم

المبحث الثاني: موضوعه، والدافع إلى تأليفه

الجوزية ... وسماه: "إرشاد السلك".أ. هـ. - وذكره عمر كحاله فقال: " إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية ... عالم في النحو، والفقه، له شرح ألفية ابن مالك سماه: "إرشاد السلك إلى حل ألفية ابن مالك".أ. هـ. - وذكره بكر بن عبد الله أبو زيد فقال -وهو يتحدث عن الشيخ-: "ابنه إبراهيم العلامة، النحوي، الفقيه، وله في النحو اليد الطولى، فشرح ألفية ابن مالك سماه: "إرشاد السلك إلى حل ألفية ابن مالك .... الخ".أ. هـ. المبحث الثاني: موضوعه، والدافع إلى تأليفه أما موضوع الشرح فهو: النحو والصرف. وأما الدافع إلى تأليفه: فقد أفصح عنه الشارح في بداية الشرح. فقال:"أما بعد حمد الله مستحق الحمد لكماله، والصلاة على نبيه محمد وأله، فإن بعض من قرأ كتاب الخلاصة، وأظهر إلى فهم معانيه الخصاصة، طلب من] أن أوضح له ما تضمنته من الفوائد، وأكثر من ذلك في المصادر والموارد، إلى أن استخرت الله تعالى بإملاء شرح يوضح معانيه، من غير تعرض لزيادة على ما فيه إلا حيث دعت الفاقة، واجتهدت في تحريره حسب الطاقة". المبحث الثالث: مكانة الكتاب العلمية وتظهر من خلال عقد موازنة بينه وبين شرحين من شروح الألفية:

موازنة بين شرح إبراهيم بن القيم. وشرحي: ابن الناظم. وابن عقيل. لما كانت شروح الألفية كثيرة، وكل شرح سلك فيه شارحه منهجاً خاصاً، وكان شرح ابن القيم غير مشتهر، رأيت أن أبين ما لهذا الشرح من منزلة علمية بين تلك الشروح، وإنما يتم ذلك بعقد موازنة بينه وبين شرحين من شروح الألفية، ولما كانت الشروح متقاطره عبر الأزمان، رأيت أن يكون أحد الشرحين من الشروح المتقدمة عليه، والثاني: من الشروح التي ألفت في عصره، فانتخبت للأول: شرح ابن الناظم (بدر الدين) المتوفي سنة 686 هـ. وللثاني: شرح ابن عقيل، المتوفى سنة 769 هـ، ولا يخفى ما لهذين العالمين من الشهرة العلمية الواسعة، فابن الناظم هو الذي قال عنه اليونيني المتوفى 726 هـ -وهو أحد معاصريه-: "لم يترك -أي ابن مالك- بعده في هذا العلم مثله -أي: ابن الناظم- في الشام فيما علمنا". وقال عنه ابن قاضي شهبه المتوفى 851 هـ: "لم يكن في وقته مثله". وأما ابن عقيل فهو الذي قال عنه شيخه أبو حيان، المتوفى 745 هـ: "ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل". ولإجراء الموازنة بين هذه الشروح سأذكر ثلاثة نماذج من مواضع مختلفة من النظم، ثم أعرض ما قيل في شرحها في الشروح الثلاثة:

- قال ابن مالك في باب الحال: والحال قد يجيء ذا تعدد ... لمفرد -فاعلم- وغير مفرد قال ابن الناظم في شرح هذا البيت: "الحال شبيهة بالخبر، والنعت، فيجوز أن تتعدد وصاحبها مفرد، وأن تعدد وصاحبها متعدد، فالأول نحو: "جاء زيد راكباً ضاحكاً"، ومنع ابن عصفور جواز تعدد الحال في هذا النحو قياساً على الظرف، وليس بشيء والثاني: نحو: "جاء زيد وعمرو مسرعين، ولقيته مصعداً منحدراً"، قال الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [إبراهيم:33]. وقال الشاعر: (متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا) وقال الآخر: (عهدت سعاد ذات هوى معنى ... فزدت وزاد سلوانا هواها) ""ذات الهوى" حال من "سعاد" و "معنى" حال من فاعل".أ. هـ. - وقال ابن عقيل في شرح البيت: يجوز تعدد الحال وصاحبها مفرد أو متعدد، فمثال الأول: "جاء زيد راكباً ضاحكاً" ف "راكبا" و "ضاحكاً" حالان من "زيد" والعامل فيهما "جاء". ومثال الثاني: "لقيت هنداً مصعداً منحدرة" ف "مصعداً" حال من التاء و "منحدرة" حال من "هند" والعامل فيهما: "لقيت" ومنه قوله (لقي ابني أخويه خائفاً ... منجديه فأصابوا مغنماً)

فـ "خائفاً" حال من "ابني" و "منجديه" حال من " أخويه" والعامل فيهما "لقي"، فعند ظهور المعنى ترد كل حال إلى ما تليق به، وعند عدم ظهوره يجعل أول الحالين لثاني الاسمين، وثانيهما لأول الاسمين، ففي قولك: "لقيت زيداً مصعداً منحدراً" يكون "مصعداً" حال من "زيد" و "منحدراً" حال من التاء".أ. هـ. -وقال ابن القيم في شرح البيت: قد تقرر أن الحال من صاحبها. بمنزلة الخبر من المبتدأ، وبمنزلة الصفة من الموصوف، فلذلك تجيء متعددة مع كونها لواحد، إما بعطف نحو: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [أل عمران:39]. وإما دونه نحو: عُهدتَ مغيثاً من أجرته ... ... ... ... ... ثم هذا التعدد يكون جائزاً -كما مثل- ويكون واجباً، وذلك في ثلاث مسائل: الأولى: أن يدل مجموعها على معنى واحد، نحو: "أكلت الرمان حلواً حامضاً". الثانية: أن تقع بعد "إما" نحو: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الانسان:3]. الثالثة: أن تقع بعد "لا" نحو: {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [طه:74]. أما تعددها مع كون صاحبها متعدداً فلا خلاف في جوازه، وهو منقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: ما تعددا فيه لفظاً ومعنى، كقوله: وإنا سوف تدركنا المنايا مُقدرة لنا ومقدرينا الثاني: ما تعددت فيه لفظاً وصاحبها معنى، نحو: "لقيت أخويك راكباً وماشياً". الثالث: عكسه، نحو: {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين}.أ. هـ. أولاً: أهم وجوه الاتفاق بين الشروح: 1) اتفقت الشروح الثلاثة في أنها شرحت بيتاً واحداً من نظم الألفية. 2) اتفقت الشروح في الطريقة التي شرح بها البيت، وهي أنها ذكرت البيت بتمامه ثم شرحته، ولم تجزئه أجزاء وتمزجه بالشرح كما هي طريقة بعض الشراح. 3) اتفقت الشروح في الاعتماد على كلام النحاة السابقين في تقرير المسائل النحوية وتوضيحها. 4) اتفقت الشروح في عدم التعصب لأحد المذاهب النحوية، ,غن كانت النزعة البصرية تغلب عليها، مما قد يفسر بمتانة المذهب البصري ولاسيما في القضايا النحوية. 5) اتفقت الشروح في الأسلوب الواضح السهل البعيد عن التعقيد. ثانياً: أهم وجوه الاختلاف بين الشروح الثلاثة: 1) خالف ابن القيم في شرحه هذا البيت الشارحين الآخرين، فبينما نجد

ابن الناظم، وابن عقيل، يجملان كيفية التعدد ويذكران من صورها صورتين فقط. وهما: * أن تعدد الحال وصاحبها مفرد. * أن تتعدد الحال ويتعدد صاحبها. نجد ابن القيم يفصل المسألة تفصيلاً دقيقاً مستوفياً لجميع صور التعدد فيذكر أن الحال إذا تعددت صاحبها مفرد، إما أن تتعدد بعطف، وإما بدونه، ثم يستشهد للأول بأقوى الشواهد على الإطلاق، وهو القرآن، فقد اشتملت الآية المذكورة على ثلاثة أحوال. وهي: "مصدقاً ... وسيداً ... وحصوراً". وهذه الأحوال متعاطفة، ثم يستشهد للثاني بالشعر العربي، فقد اشتمل البيت المذكور على حالين. وهما: "مغيثا مغنيا" وهاتان الحالان تعددتا من دون عطف. ثم يزيد الأمر تفصيلاً فيذكر أن التعدد مع كون صاحب الحال مفرداً تارة يكون جائزاً، وتارة يكون واجباً، ثم بين صور وجوبه، وهي ثلاث، واستشهد لاثنين منها بالقرآن، ومثل للثالثة. ثم انتقل إلى الوجه الثاني للتعدد وهو أن تتعدد الحال ويتعدد صاحبها، وبين أنه لا خلاف في جواز ذلك، ثم أخذ في بيان الصور المحتملة في ذلك. وهي ثلاث -أيضاً-، مستشهداً لإحداها بالقرآن، وللثانية بالشعر، وممثلاً للأخيرة. قلت: هذا التفصيل الذي جمع أطراف المسألة وصورها، والذي استدعاه المقام لم نره في الشرحين الآخرين. 2 - استشهد ابن النظام في شرح البيت بآية واحدة وبيتين من الشعر، واستشهد ابن عقيل في شرح البيت ببيت واحد فقط،

واستشهد ابن القيم في شرح البيت بأربع آيات وبيتين، فإيراد ابن القيم لهذا العدد الكثير من الشواهد في شرح بيت واحد، دليل على غزارة مادته وقوة استحضاره، مما يعد من مميزات شرحه. 3) ذكر ابن الناظم مخالفة ابن عصفور في جواز تعدد الحال إذا كان صاحبها مفرداً ولم يتطرق إلى ذلك ابن القيم ولا ابن عقيل. 4) كما أن ابن عقيل نص على كيفية رد كل حال إلى صاحبها، عند تعدد كل منهما وعدم ظهور المعنى بأن يجعل أول الحالين لثاني الاسمين، وثانيهما لأول الاسمي، ولم يتطرق لذلك ابن الناظم ولا ابن القيم. 5) وقد تميز شرح ابن القيم عن الشرحين الآخرين بميزة عامة تشمل باب الحال الذي منه بيت الموازنة وغيره، وذلك أنه التزم بافتتاح كل باب بتمهيد ولم يحد عم هذا المنهج إلا قليلاً، كما تقدم في منهجه. ب) قال ابن مالك في باب التوكيد: بالنفس أو بالعين الاسم أكدا ... مع ضمير طابق المؤكدا قال ابن الناظم في شرح هذا البيت: "اعلم أن التوكيد نوعان: لفظي، ومعنوي". فأما اللفظي فسيأتي ذكره. وأما المعنوي فهو: التابع، الرافع احتمال تقدير إضافة إلى المتبوع، أو إرادة الخصوص بما ظاهره العموم، ويجيء في العُرض الأول بلفظ "النفس" و "العين" مضافين إلى ضمير المؤكد مطابقاً له في الإفراد، والتذكير وفروعهما، تقول: "جاء زيد نفسه" فترفع بذكر النفس احتمال كون الجائي رسول زيد، أو خيره، أو نحو ذلك، ويصير به الكلام نصاً على ما هو الظاهر منه، وكذا إذا

قلت: "لقيت زيدا عينه"أ. هـ. وقال ابن عقيل في شرح البيت: "التوكيد قسمان: أحدهما: التوكيد اللفظي، وسيأتي. والثاني التوكيد المعنوي، وهو على ضربين: أحدهما: ما يرفع توهم مضاف إلى المؤكد، وهو المراد بهذين البيتين، وله لفظان: النفس، والعين، وذلك نحو: "جاء زيد نفسه" ف"نفسه" توكيد ل "زيد" وهو يرفع توهم أن يكون التقدير "جاء خبر زيد، أو رسوله"، وكذلك: "جاء زيد عينه". ولابد من إضافة النفس أو العين إلى ضمير يطابق المؤكد، نحو: "جاء زيد نفسه، أو عينه، وهند نفسها، أو عينها" أ. هـ. وقال ابن القيم ممهداً للموضوع: "التوكيد: وهو تقوية المعنى في النفس، وقصد رفع الشك عن الحديث، أو المحدث عنه. فتقوية المعني في النفس يشمل: التوكيد بالقسم، و "إن" و "اللام" وغيرها، وقصد رفع الشك عن الحديث يشمل: توكيد الفعل بالمصدر، وتأكيد عامل الحال بها. وقصد رفع الشك عن المحدث عنه: هو المقصود بالتبويب هنا، وهو التابع الرافع توهم النسبة إلى غير المتبوع، أو إلى بعضه. فالتابع جنس يشمل التوابع، وما بعده فصل مخرج لسائرها. وتقسيم رفع التوهم يشمل: "جاء زيد نفسه" و "جاء القوم كلهم". ثم ذكر ابن القيم البيت السابق. وقال في شرحه: "بدأ بالكلام عن التأكيد المعنوي، وقدم ما سيق لرفع توهم المجاز عن

ذات المسند إليه، وهو لفظ "النفس" ولفظ "العين" ويؤكد بهما مفردين ومجتمعين، تقول: " جاء الأمير" فيحتمل مجي خبره أو ثقله، أو الإخبار بقرب مجيئه، فإذا أكدت بأحدهما أو بهما ارتفع ذلك الاحتمال، ويؤكد بهما الاسم المفرد، ويلزم إضافتهما إلى ضمير مطابق له في التذكير أو التأنيث، نحو: "جاء زيد نفسه"، "ورأيت هند عينها" وإن كان ضميراً طابقه في التكلم، أو الخطاب، أو الغيبة، نحو: "قمت أنا نفسي"، و "رأيتك عينك" و"ضربته نفسه".أ. هـ. أولاً: أهم وجوه الاتفاق بين الشروح: 1) اتفقت الشروح في الطريقة التي شرح بها البيت، كما مر في النموذج السابق. 2) الحديث عن البيت في الشروح الثلاثة متقارب في المقدار، لكن الصياغة مختلفة، فكلام ابن الناظم، وابن عقيل متقارب إلى حد كبير، مما يوحي بتأثر الثاني بالأول، وغير ذلك من أوجه الشبه الظاهرة كسهولة الأسلوب ووضوح العبارة. ثانيا: أهم وجوه الاختلاف بين هذه الشروح: لقد ذكر ابن القيم في شرح البيت، جميع ما ذكره ابن الناظم، وابن عقيل، وزاد الأمور الآتية: 1) تعرض لكيفية توكيد الضمير، وضرب له الأمثلة، ولم يتعرضا لذلك. 2) استعان في توضيح البيت بستة أمثلة، ولم يمثل الشارحان الآخران إلا بأربعة. 3) يلحظ في شرح ابن القيم حسن الصياغة وانتقاء العبارة. 4) مهد ابن القيم للموضوع بتمهيد مناسب تعرض فيه لتعريف التوكيد ومحترزات التعريف، ودواعي التوكيد وأنه لِدرأ الشك عن الحديث أو المحدث عنه، ثم ذكر ما يحصل به التوكيد، وكل ذلك مما تدعو إليه الحاجة وتتم به الفائدة.

ج) قال ابن مالك في النائب عن الفاعل: ينوب مفعول به عن فاعل ... فيما له، كنيل خيرُ نائلٌ قال ابن الناظم ممهدا لهذا الباب وشارحا للبيت: "كثيراً ما يحذف الفاعل لكونه معلوما، أو مجهولا، أو عظيما، أو حقيرا، وغير ذلك: فينوب عنه فيما له من الرفع، واللزوم، ووجوب التأخير عن رافع: المفعول به، مسنداً إليه إما فعل -مبني على هيئة تنبئ عن إسناده إلى المفعول ويسمى فعل ما لم يسم فاعله -وإما اسم في معنى ذلك الفعل. فالأول: كقولك -في "نال زيدٌ خير نائل" - "نيل خيرُ نائل". والثاني: كقولك -في "زيد ضارب أبوه غلامه"-"زيد مضروب غلامه".أزه. وقال ابن عقيل في شرح البيت: "يحذف الفاعل ويقام المفعول به مقامه، فيعطى ما كان للفاعل من لزوك الرفع، ووجوب التأخر عن رافعه، وعدم جواز حذفه، وذلك نحو: " نيل خيرُ نائل" ف "خير نائل" مفعول قائم مقالم الفاعل، والأصل: " نال زيد خير نائل"، فحذف الفاعل -وهو "زيد"- وأقيم المفعول مقامه- وهو "خير نائل"- ولا يجوز تقديمه، فلا تقول " خير نائل نِيل" على أن يكون مفعولا مقدما، بل على أن يكون مبتدأ، وخبره الجملة التي بعده، وهي "نيل" والمفعول القائم مقام الفاعل ضمير مستتر، والتقدير: "نيل هو" وكذلك لا يجوز حذف "خير نائل" فتقول: "نيل".ا. هـ.

وقال ابن القيم ممهدا لهذا البيت وشارحا له: " يحذف الفاعل إما لسبب معنوي، كالعلم به، والجهل به وتعظيمه، وتحقيره، والخوف منه، والخوف عليه، وعدم تعلق الغرض بذكره، نحو: {خُلق الأنسانُ من عجل) وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:- "ومن بُلى منكم بشيء من هذه القاذورات" و "ما أوذي أحد ما أُذيتُ) ونحو: (صودر فلان)، و (كُذبَ الأميرُ)، {وإذا حُييتم بتحية} وإما لسبب لفظي، كقصد الإيجاز، ونحو: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عُوقب به ثم بُغي عليه}، وكقصد تصحيح النظم، كقوله: عَلقُتها-عرضا- وعُلقت رجلا ... غيري، وعُلق أخرى غيرها الرجل ثم قال في شرح البيت: " إذا حذف الفاعل، وأقيم المفعول به مقامه، استحق ما له من الأحكام كلها، الرفع، ولزوم التأخير عن الفعل، وعدم الاستغناء عنه، وإلحاق الفعل علامة دالة على تأنيثه، واستحقاقه الاتصال بالفعل".أ. هـ. أولاً: أهم وجوه الاتفاق بين الشروح: 1) الاتفاق في طريقة شرح البيت. 2) الحديث عن البيت في الشروح الثلاثة متقارب في المقدار. 3) الاتفاق في ذكر أهم الأحكام التي يستحقها النائب عن الفاعل. 4) اتفق ابن الناظم وابن القيم في التمهيد للباب أهم أسباب حذف الفاعل. ثانياً: أهم وجوه الاختلاف بين الشروح: 1) عند تفصيل الأحكام التي يستحقها النائب زاد ابن القيم عن الشارحين الآخرين بعض ما لم يذكراه.

المبحث الرابع: نقد الكتاب

2) تميز ابن الناظم وابن القيم عن ابن عقيل بالتمهيد للباب بذكر أهم الأسباب حذف الفاعل، وزاد ابن القيم بعض مالم يذكره ابن الناظم من الأسباب المعنوية واللفظية. 3) تميز ابن القيم عن ابن الناظم -فيما اتفقا عليه من التمهيد للباب- بتدعيم ابن القيم قوله بالشواهد القرآنية والحديثية والشعر وضرب الأمثلة، حيث ذكر فيه أربع آيات وحديثين وبيتاً من الشعر ومثالين. 4) استطرد ابن عقيل في شرح البيت فأعرب مثال الشارح. 5) أشار ابن الناظم في البيت التالي لهذا البيت، فكان الأنسب تأخير ذلك إلى موضعه. .هذه نماذج أردت أن أبرز من خلالها قيمة هذا الشرح النفيس، وفي كل موضع لا يقل أبن القيم شأناً عن هذين الشارحين، بل كثيراً ما يمتاز عنهما بتمهيده بين يدى كل باب وبتفصيله، وكثرة شواهده، ولا يعني هذا تهوين أمر ابن الناظم، وابن عقيل، فهما هما علما ورسوخ قدم في هذا المجال وغيره، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أول هذا المبحث. المبحث الرابع: نقد الكتاب لاشك في أنه ما من عمل بشري إلا ويقع فيه ما يقتضيه الطبع البشري من سهو أو نسيان أو خطأ على اختلاف في القدر الواقع من ذلك، وقد قيل: "كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه"

هذا وقد وقفت في أثناء دراستي لكتاب ابن القيم هذا على شيء يسير عددته في نقده، والشارح -رحمه الله- متابع لغيره في أكثره، ومعذور في الباقي. - من ذلك أخطاء نحوية يسيرة لم أجد لها محملا فصححتها على ما تقتضيه القواعد النحوية. - ومنه -أيضاً- عده-رحمه الله- قراءةً سبعيةً في الشاذ، وهي قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبّك أَعْمَالهمْ ...} [هود:111]. بتخفيف "إنْ" انظر ص 250 من الشرح والتعليق. - ومنه حكمه على "ما" من قول الشاعر: - فو الله ما فارقتكم قاليا لكم ... ولكن ما يقضي فسوف يكون بأنها كافة مهيئة لدخول الحرف "لكن" على الفعل، والحق أنها اسم موصول، وقد وقع في هذا السهو ابن هشام أيضاً في كتابه: "القطر"، والأشموني في: "شرح الألفية. ومما وقع من ذلك في اللغة: - قوله: "البعض". وبعض وكل: لا تنفكان عن الإضافة بحال فلا تتصل بهما "أل" وقد وقع في ذلك كثير من النحويين واللغويين المتقدمين والمتأخرين، ينظر ص 598 من الشرح والتعليق. - وقوله: "حيوانات" على أنه جمع لحيوان و "حيوان" مما يستوي غفيه الواحد والجمع، ينظر تفصيل ذلك في ص 721 من الشرح والتعليق. - ومنه عدة الفعل: "خَطِب" -بمعنى أحمر لونه- من المضموم العين وهو من مكسروها، ينظر ص 551 من الشرح والتعليق.

المبحث الخامس: نسخه المعتمد عليها في تحقيقه

ومما وقع من ذلك أوهامه على بعض النحويين: - فقد وهم على الجرجاني بأن زعم هو وغيره أن الجرجاني ذهب إلى أن ناصب المفعول معه واوُ المعية، والحقٌ أن الجرجاني لم يهب إلى ذلك، وإنما ذهب إلى أن ناصبه هو الفعل والواو مقوٍ للفعل ووسيلة إلى المفعول، ينظر ص 349 من الشرح والتعليق. - ووهم على ابن مالك، فرعم أنه عد "إمَّا" من حروف العطف، فقال: "وعدها الأكثرون من حروف العطف كالمصنف و ... ". ا. هـ. وكلام المصنف -رحمه الله- في التسهيل وشرح الكافيةالشافية صريح في أن العطف بالواو قبلها، ينظر ص 593 من الشرح والتعليق. - ومنه نسبته تجويز منع صرف المصروف للضرورة إلى الكوفيين، فقد قال: "والصحيح جوازه كما ذهب إليه الكوفيون"، والحق أنها لجمهورهم لا لجميعهم، ينظر ص 714 من الشرح والتعليق. - ومنه نسبته القول بجواز إضافة صدر المركب العددي إلى عجزه مطلقاً إلى الكوفيين -أيضاً- والحق أنه لجمهورهم، فإن الفراء خصُ ذلك بالشعر، انظر ص 787 من الشرح والتعليق. المبحث الخامس: نسخه المعتمد عليها في تحقيقه بعد البحث والتقصي وسؤال المهتمين بشؤون المخطوطات بين أنه لا يوجد لهذا المخطوط سوى نسختين: إحداهما: نسخة مصورة على الميكروفيلم محفوظة بمركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة (ورقمها 760 نحو)، وأصلها محفوظ في مكتبة

أحمد الثالث بتركيا (ورقمها فيها 260). والثانية: نسخة خطية محفوظة بمكتبة مكة المكرمة (ورقمها 1 نحو). وصف هاتين النسختين: أما النسخة الأولى: فمكتوبة بقلن نسخ، وخطها بالغ الحسن والجمال وعليه شكل يسير، التزم كاتبه أن يكتب في كل لوحة (38) ثمانية وثلاثين سطراً فلم يزد على ذلك ولم ينقص في جميع المخطوطـ، سوى الصفحة الأولى فقد شغلت البسملُة حيّز خمسة أسطر منها، وعدد لوحات هذه النسخة (209) تسع ومائتا لوحة، وقد كتبت في القرن العاشر، وليس بها ما يشير إلى اسم كاتبها. وقد ميّز كاتبها أسماء الأبواب والعناوين بخط كبير إلا أنه لم يظهر في التصوير إلا قليلاً. أما الشواهد على اختلاف أنواعها فقد مزجها الكاتب بالنص مزجاً، فليس هناك ما يفصل بين النص والآية القرآنية أو الحديث الشريف، أو المثل المأثور أو الشواهد الشعرية ونحو ذلك، فلا أقواس ولا فواصل ولا نقاط إلا أن وضوح الخط يساعد على سرعة التمييز بين ذلك. لكن أبيات الألفية قد حظيت باهتمام الكاتب فقد كتبها مستقلة عن بقية النصوص، وقد يرمز كاتب هذه النسخة للمصنف بـ (مص). هذا وقد رمزت لهذه النسخة بالرمز (أ). وأما النسخة الثانية: فمكتوبة بقلم عادي يميل إلى النسخ، لكنه لم يلتزم بكثير من قواعده، وليست بمشكولة، ولم يلتزم كاتبها عدداً معيناً في كل

خاتمة

لوحة، فقد بلغ بعض لوحاتها (50) خمسين سطراً، وهذا أكثر ما كتب في اللوحة الواحدة، كما بلغ بعض لوحاتها (30) ثلاثين سطراً، وهذا أقل ما كتب في اللوحة الواحدة. وعدد لوحات هذه النسخة (253) ثلاث وخمسون ومائتا لوحة، وليس هناك ما يشير إلى اسم كاتبها أو تاريخ النسخ. وقد ميّز كاتبها أسماء الأبواب والعناوين بخط كبير ظاهر. أما الشواهد على اختلاف أنواعها فقد مزجها الكاتب بالنص مزجاً كما فعل كاتب النسخة (أ)، وكثيراً ما كان يمزج أبيات الألفية بالنص أيضاً ويظهر لي أن ناسخاً ما شارك في نسخ أولها؛ وخطُّهما متقارب لكن أحد الخطين صغير مما يزيد في عدد الأسطر، إضافة إلى بعض السمات الأخرى كاستعمال صاحب الخط الصغير للحرف (ص) للرمز للتصنيف أو المصنف، والحرف (ش) للرمز للشرح أو الشارح ولم يلتزم بذكر هذين الحرفين، كما أن هذه النسخة يظهر على حواشيها -أحياناً- تعليق يسير ثم ينقطع فلا يكاد يظهر، حتى إن مجموع هذه التعليقات ربما لا يزيد على أصابع اليدين في المخطوط كله، وخطُّها لا يكاد يُبين غالباً. هذا وقد رمزت لهذه النسخة بالرمز (ب). خاتمة إن هذا الكتاب الذي هو شرح لألفية ابن مالك ليس من الشروح المطولة ولا من الشروح المقتضبة، وإنما سلك به مؤلفه مسلك التوسط فجاء وافياً بالمراد مع جزالة العبارة وسهولة الألفاظ يظهر ذلك جلياً لكل من طالعه

وقارنه بغيره من شروح الألفية. وشارحه -رحمه الله- متأثر بمنهج والده العلامة الشيخ/ محمد بن أبي بكر قيم الجوزية -رحمه الله- في نبذ التعصب فقد كان -أعني صاحب الشرح- ملماً بأقوال العلماء وآرائهم ينتقي منها ما يترجح لديه بالدليل، يتضح هذا من تفننه في الاختيار فبينما تجده يذهب في كثير من المسائل النحوية مذهب البصريين تجده يختار في كثير من المسائل المذهب الكوفي ويرجحه، وربما خالف الفريقين واختار رأياً آخر. وهو على ذلك معدود في الفقهاء قال عنه في البداية والنهاية 14/ 239 (كان فاضلاً في النحو والفقه وفنون أخرى على طريقة أبيه).أ. هـ. وله مؤلف في الفقه سماه (اختلاف المذهبين) تعرف فيه للمسائل الخلافية بين أحمد والشافعي (معجم المصنفين للتنوكي 4/ 406). وله رسالة مطبوعة اسمها (اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية). كما تجدر الإشارة هنا إلى أنه سلم من كثير من المزالق العقدية التي وقع فيها كثير من النحاة (حسب علمي) ولا غرو فهو سليل ابن القيم وفرع دوحته المباركة. هذا وقد كثر الطلب على هذا الكتاب منذ تحقيق القسم الأول منه من طلاب العلم ولا سيما المهتمون بالعلوم العربية وإني لأرجو أن أكون قد وفقت لإخراجه على الوجه اللائق به. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين. المحقق/ محمد بن عوض بن محمد السهلي

خطبة الشارح

بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الإمام، العالم الأوحد، علّامة الزمان، ولسان البيان، وتاج الأدب، وحجة العرب، أبو إسحاق، برهان الدين إبراهيم بن الشيخ الإمام، العالم، العلامة، شيخ الإسلام أبي عبدالله: محمد بن الشيخ الزاهد، العابد: أبي بكر بن أيوب، متّع الله المسلمين ببركته، وأدام عليه السوابغ من نعمته، وأثابه الجنة برحمته، وجميع المسلمين. أما بعد: حمداً لله مسحق الحمد لكماله، والصلاة على نبيه محمد وآله. فإن بعض من قرأ كتاب الخلاصة، وأظهر إلى فهم معانيه الخصاصة طلب مني أن أوضح له ما تضمنه من الفوائد، وأكثر من ذلك في المصادر والموارده إلى أن استخرت الله تعالى بإملاء شرح يوضح معانيه، من تعرض لزيادة على ما فيه إلا حيث دعت الفاقة، واجتهدت في تحريره حسب الطاقة، وسميته:

"إرشاد السالك إلى حَلِّ ألفية ابن مالك" وبالله أستعين على إتمامه، وجعله سبيلاً لفهم كلامه. (قال محمد: هو ابن مالك ... أحمد ربي الله خير مالك) (مصليا على النبي المصطفى ... وآله المستكملين لشرفا) الناظم لها هو: أبو عبدالله: محمد بن عبد الله] الله بن عبدالله [-ثلاثة- ابن مالك، الطائي، الجياني -مدينة بالمغرب- العلامة، جمال الدين، إمام الأدب في وقته، وحامل لوائه، ذو التصانيف المفيدة، ولد بـ"حيّان" سنة ستمائة، أو إحدى وستمائة. وأتقن النحو واللغة القراءات، وسمع الحديث، وتردد في البلاد إلى أن سكن دمشق حتى توفي بها سنة اثنين وسبعين وستمائة، رحمه الله، وقد نشر علماً جماً، وآخر من روي عنه: شيخنا الإمام شهاب الدين: أحمد بن سليمان الكاتب، كتاب الخلاصة عرضا، وعرضته عليه في

سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وأجازني ما أجازه المصنف من رواية مسموعاته، ومؤلفاته. ومحمد: علم منقول من اسم مفعول. حمدته: بوزن علمته، إذا أكثرت من صفات الحمد فيه. و "مصليا": حال من المستكن في: "أحمدُ" و "النبيّ" فعيل من النبوة وهو المحل المرتفع، وقيل هو من النبأ، وعلى هذا فهل هو بمعنى فاعل، أو بمعنى مفعول، على قولين، و"آل" أنكر كثير من النحاة إضافته إلى الضمير، والصواب جوازه، نحو: 1 - وانصر على آل الصليب وعابديه] اليوم آلك]

(وأستعين الله في ألفيه ... مقاصد النحو بها محويّه) (تُقرِّب الأقصى بلفظ موجز ... وتبسط البذل بوعد منجز) "استعين الله": أطلب منه العون، و "ألفيه": مؤنث منسوب إلى ألف، كـ"سَعدية" في إمرأة منسوبة إلى سعد، و"مقاصد النحو": جمع مقصد، وهو هنا مصدر بمعنى اسم المفعول، أي: المطلوب من علم النحو، والنحو: علم مدرك بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب، دال على مالها من الأحكام التركيبية.

والمشهور أن أول من وضعه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، و"الأقصى": البعيد، والموجز من الألفاظ: الخفيف المؤدي معناه، و"البذل": العطاء، و"المنجز": ما أسرع الوفاء به. (وتقتضى رضا بغير سخط ... فائقة ألفية ابن معطى) "تقتضى": أي تطلب رضا من الله أو من قارئها، و "السَّخَط" و"السُّخْط" ضد الرضا، و"فائقة" حال من المستكن في "تقتضى"، و"ابن معطى" هو الإمام أبو زكريا: يحيي بن معط -وقيل: ابن عبد المعطى، وإنما قال هو في ألفيته: "ابن معط" لأجل النظم- ابن عبدالنور، صاحب الألفية،

والفصول، مولده ببلاد المغرب، وتوفي بالقاهرة، سنة ثمان وعشرين وستمائة. (وهو بسبق حائز تفضيلاً ... مستوجب ثنائي الجميلا) (والله يقضي بهبات وافرهُ ... لي وله في درجاتِ الآخره) الباء في "بسبق" باء السببية، أي: هو حائز للفضيلة بسبب سبقه، والظاهر أنه إنما أراد السبق في الزمان، لا السبق في التقدم في العلم، والسّبق في الزمان مقتضٍ للتفضيل، بدليل قوله صلَّ الله عليه وسلم: "يذهب الصالحون الأول فالأول"، وقوله: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" على قول من حمله على إرادة التكرار، دون التخصيص بالقرون الثلاثة.

الكلام وما يتألف منه

الكلام وما يتألف منه "المراد ذكر أحكام الكلام وأحكام ما يتألف منه الكلام من الكلمات المنقسمة إلى الاسم والفعل والحرف". (كلامنا لفظٌ مفيدٌ كـ"استقم" ... واسْمٌ وفعلٌ ثُمَّ حرفٌ الْكَلِمْ) (واحِدُهُ كَلِمَةٌ والقولُ عَمّ ... وكَلْمَةٌ بها كَلامٌ قد يُؤَمّ) أي: كلام النحاة الذين اصطلحوا على تسميته كلاماً: ما جمع اللفظ والإفادة، والمراد بـ"اللفظ": صوت اللافظ المتضمن لحروف الهجاء، وبـ"الإفادة": الدلالة على معنى يحسن السكوت عليه، وبذلك استغنى عن ذكر التركيب، لأن ذلك إنما يكون في المركبات دون المفردات، أو استغنى عنه بالتمثيل، فإن "استقم" كلام مركب من فعل ظاهر، وفاعل مستتر تقديره: أنت، ولاشك أن الكلام إنما يتألف من اسمين أو من اسم وفعل، وأن جزأيه تارة يكون ملفوظاً بهما، كـ"قام زيد" وتارة يكون أحدهما مقدّراً كـ"استقم" فمثُل بالاسم والفعل تنبيهاً على أن المركب من ملفوظ بهما أولى بذلك. وانقسام الكلم إلى اسم وفعل وحرف مجمع عليه عند أهل الفن،

ولهم طرق في بيان الحصر في ذلك أشهرها أن الكلمة إن دلت على معنى في غيرها لا في نفسها فهي الحرف، وإن دلت على كلمة في نفسها لازمه الاقتران بأحد الأزمنة الثلاثة الماضي، أو الحال، أو المستقبل، فهي الفعل، وإن دلت على معنى في نفسها غير لازمة الاقتران بأحد الأزمنة الثلاثة فهي الاسم؛ والكلم اسم جنس جمعي كـ"لَبِنٍ" و "نَبِقٍ" ولهذا صح أن يقال: واحده: كلمة، بخلاف أسماء الأجناس غير الجمعية كـ"ماءٍ" و "لَبَنٍ" فإنه لا واحد لها، وإذا تقرر ذلك فأقلّ الكلم ثلاثة، وبهذا الاعتبار هو أخص من الكلام، وباعتبار صدقه على المفيد وغيره هو أعم منه، وفي الكلمة ثلاث لغات ثنتان شملهما النظم

والثالثة كلمة "كلفظة" و "القول" عام لجميع ما ذكر من الكلام والكلم والكلمة، بل يزيد على ذلك بإطلاقه على ما ليس لفظاً نحو: 2 - وقال له العينان سمعاً وطاعة وتطلق الكلمة على الكلام المفيد كإطلاقها على ما قبلها في قوله "كلاّ إنها كلمة هو قائلها"، وعلى ما بعدها في قوله تعالى:} تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ {] آل عمران: 64 [ونحوه كثير.

(بالجر والتنوين والندا وأل ... ومسند للاسم تمييز حصل) أي حصل للاسم تمييز عن قسيميه "بالجر" والمراد به الكسرة الحادثة عن عامل سواء كان حرفاً أو إضافة أو اتباعاً، كـ "بسم الله الرحمن الرحيم" و "بالتنوين"، وهو عبارة عن نون ساكنة تلحق آخره لفظاً لا خطاً، سواء كان تنوين تمكين، كـ "زيدٍ" و "رَجُلٍ" أو تنوين تنكير، كـ "صهٍ" و "كم سيبويهٍ لقيته" أو تنوين مقابلة، كـ "مسلماتٍ"، إذ التنوين فيه مقابل لنون "مسلمين" بدليل ثبوته مع قيام مانع الصرف، كـ "عرفاتٍ" أو تنوين عوض إما من حرف، كـ "غَواشٍ" وإما من كلمة، كـ "كُلٍّ" و "بعضٍ" وإما من جملة كـ "يومئذٍ" و "حينئذٍ"، وأما تنوين

الرّوي فلا يختص بالاسم، و "بالنداء" وهو قصد دعائه بأحد الحروف الصالحة لذلك، ولم يقل بحرف النداء لأن حرف النداء قد يباشر الفعل، كقراءة الكسائي:

"ألاَ يا اسجدوا" والحرف كقولهِ:} يا ليت قومي يعلمون {] يس: 26 [و"بأل" الداخلة في أوله، سواء كانت معرُفة كـ "الرجل" أو زائدة كـ "الآن" أما الموصولة فقد تدخل على الفعل المضارع، نحو: 3 - ما أنت بالَحكَمِ التْرضي حكومته وبالإسناد إليه: الذي عبر عنه المصنف بـ "مسند" إقامة لاسم المفعول مقام المصدر، إذ الكلمات الثلاث منها ما لا يسند ولا يسند إليه، وهو الحرف،

ومنها ما يسند أبدا وهو الفعل، ومنها ما يقع مسنداً ومسنداً إليه، وهو الاسم، فثبت بذلك اختصاص الاسم بالإسناد إليه، وبهذه العلامة ثبتت اسمية "التاء والواو" من نحو قمت وقاموا، ويختص ذلك بالإسناد إلى معناه، أما الإسناد إلى اللفظ فلا يختص بالاسم. (بـ"تا" فعلتُ، وأتَتْ، و"يا" افعلي ... و"نون" أقبِلَنَّ فِعلٌ ينجلي) أي: ينجلي الفعل بما ذكر من العلامات إما بتاء الفاعل المعبر عنها بـ"فعلت" وتكون مضمومة للمتكلم ومفتوحة للمخاطب ومكسورة للمخاطبة أو بتاء التأنيث الساكنة المدلول عليها بـ"ـــأتت" بخلاف المتحركة، نحو: "مؤمنة" فإنها من علامات الاسم، وبها ثبتت فعلية "نِعْم" و"بئس" كقولهم "نِعْمت" و "بئست"، وبالتائين علمت فعلية "ليس" و "عسى" كقولهم: لست، وليست، وعسيت، وعست، وبـ "ـــياء" المخاطبة، نحو:

{فكلي واشربي وقري عينا {] مريم: 26 [، وبها ثبتت فعلية "تعال" كقوله: 4 - ... ... ولكن تعالى فانظري بمن ابتلاني وبنون التوكيد ثقيلة كانت أو خفيفة، وقد اجتمعا في قوله:} ليسجنن وليكونن من الصاغرين {] يوسف: 32 [. (سواهما الحرف كـ "ــهل" و "في" و "لم" ...] فعل مضارع يلي "لم" كـ "ــيشم") أي: سوى الكلمة التي تقبل علامات الأسماء والكلمة التي تقبل علامات الأفعال: الحرف، ويعرف بعدم قبول شيء من علامات الأسماء علامات الأفعال، ثم الحرف ينقسم ثلاثة أقسام: منه ما يدخل على الأسماء والأفعال فيهمل، كـ "ــهل" ومنه ما يختص بالاسم فيعمل فيه كـ "في" ومنه ما يختص بالفعل فيعمل فيه كـ " ـلم"، وبدأ بذكر المضارع من أقسام الأفعال الثلاثة، لانفراده بالإعراب المقصود من النظم بيان أحكامه، ويتميز من قسيميه بصحة وقوعه بعد "لم" نحو: يأكل ويلبس ويشم، فإنَّ "لم" صالحة لمباشرة

كلُ منها، وفتح الشين من "يشم" أصح من ضمها. (وماضي الأفعال بـ "التا" مز وَسِمْ ... بـ "النون" فعلَ الأمر إنْ أمر فهم) (والأمر إن لم يك للنون محل ... فيه هو اسمٌ نحو "صْه" و "حَيَّهَلْ") أي ميز الفعل الماضي من قسيميه بقبول "التاء" سواء كانت تاء الفاعل كـ "لست" أو تاء التأنيث الساكنة، كـ "نعمت" و "بئست" فإن كليهما من خصائصه، ويعرف فعل الأمر بصحة اتصاله بنون التوكيد، مع فهم الأمر منه، كقولك في "اذهب": "اذهبن" فخرج بالقيد الأول ما يفهم منه معنى الأمر من أسماء الأفعال التي لا تقبل نون التوكيد، كـ "صَهْ" بمعنى: "اسكت"، و "حيّهلْ" بمعنى: أقبل، و "نزالِ" بمعنى: انزل، وما أشبهها. كما أن ما يفهم منه معنى الماضي ولا يقبل التاء كـ "هيهات" بمعنى: بَعُدَ اسم، وكذلك ما يفهم منه معنى المضارع ولا يقبل "لم" كـ "أَوَّه" بمعنى: أتوجّع اسم.

المعرب والمبني

وبالقيد الثاني ما يقبل "نون التوكيد" من المضارع الذي لا يفهم منه معنى الأمر، كقوله:} وإما تخافن {] الأنفال: 58 [ولا يرد ما أكد بالنون من المضارع الذي دخلت عليه لام الأمر، لأن معنى الأمر لم يفهم من الفعل، وإنما فهم من اللام. المعرب والمبني الإعراب لغة: البيان، يقال: أعربَ عما في نفسه، إذا أبان عنه. وهو في اصطلاح النحاة: اختلاف آخر الكلمة أو ما يجري مجرى آخرها لفظاً أو تقديراً، بعامل يقتضي ذلك، والمعرب ما دخله الإعراب، والمبني عكسه. (والاسم منه معرب ومبني ... لشبه من الحرف مدنى) (كالشبه الوضعي في اسمي "جئتنا" ... والمعنوي في "متى" وفي "هنا") (وكنيابة عن الفعل بلا ... تأثر وكافتقار أُصلا) (ومعرب الأسماء ما قد سلما ... من شبه الحرف كـ "أرض" و "سما") كل واحد من الاسم والفعل ينقسم إلى معرب ومبني، لكن يختلفان بالأصالة، فالأصل في الاسم الإعراب، وبناؤه عارض، والفعل عكسه، ولهذا

بدأ المصنف عند ذكر انقسام الاسم بالإعراب، وبدأ عند ذكر انقسام الفعل بالبناء تنبيهاً على الأصل في كل واحد منهما، ثم بناء الاسم سببه شَبَهٌ مقربُ له من الحرف وينقسم الشبه إلى ثلاثة أقسام، "وضعي": -ومعناه أن يوضع الاسم على وضع مختص بالحرف مثل أن يوضع على حرف أو حرفين، كـ "تاء" الضمير و "نا" المشار إليهما باسمي "جئتنا" إذ الأول شبيه بـ "واو العطف" و "باء الجر" والثاني شبيه بـ "قد" و "بل". ومعنوي: والمراد به أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف، كـ "متى" فإنها إما شرطية فهي متضمنة لمعنى "إنْ" كسائر أسماء الشرط، وإما استفهامية فهي متضمنة لمعنى "الهمزة" كسائر أسماء الاستفهام، وسواء كان الحرف الذي تضمن الاسم معناه مستعملاً -كما مثلناه- أو غير مستعمل، فإن أسماء الإشارة كـ "هنا" و"ذا" و "تا" وفروعها بنيت لتضمنها

معنى الإشارة، والعرب لم تضع للإشارة حرفاً، لكن لما كانت الإشارة من جملة المعاني كان حقها أن يعبّر عنها] بالحرف كالتمني والترجي والتشبيه والخطاب وغيرها فإذا عبرُ عنها [بالأسماء كانت تلك الأسماء شبيهة بذلك الحرف لتضمنها معناه. واستعمالي: ومعناه أن يلزم الاسم طريقة من طرائق الحرف، وقد قسمه المصنف إلى قسمين: الأول: أن يقع نائباً عن الفعل في تأدية معناه، غير متأثر بالعوامل، وهذا هو المقتضى، لبناء أسماء الأفعال، نحو: "هيهات" و "أفٌ"، و "صه" إذ هي نائبة عن "بعُد" و "أتَضَجَّرُ" و"اسْكُت" فأشبهت في ذلك حروف المعاني كحرف النفي والاستفهام، مثلا فأنهما نائبان عن "أنفي" و "استفهم" وقيد ذلك بعدم التأثر بالعوامل، ليخرج المصدر النائب عن فعله في نحو: "ضرباً زيداً" فإنه وإن أدى معنى "اضْرِبْ"، فقد فارق نحو "صَهْ" في قبوله للعوامل، وتأثره بها، ألا ترى أنك تقول: "رأيت ضربَ زيد فأعجبني ضربهُ". الثاني: وقوعه مفتقراً إلى غيره افتقاراً أصليّاً، كبناء الموصولات كلها

لافتقارها إلى صِلاتها، وكبناء "إذ" و "إذا" و "حيث" لافتقارها إلى جُمل تضاف إليها، وإنما يؤثر الافتقار إلى الجُمل، كما مثّلنا، أما الافتقار إلى المفرد كـ "سبحان" و "عند" ونحوهما مما يلزم إضافته إلى المفرد فلا يخرجه ذلك عن الإعراب، وقيد الافتقار بكونه أصليّاً، ليخرج الافتقار العارض فيما أضيف من أسماء الزمان إلى الجُمل، نحو:} هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم {] المائدة: 119 [فإن ذلك لا يمنع الإعراب. تنبيه: لم يؤثر الشبه الوضعي في: "يد" و "دم" و "أب" ونحوها

لأنه ليس بطريق الأصالة، وإنما هو عارض، إذ الأصل: يدي، ودمي، وأبو، بدليل ردّه في التثنية، ولم يؤثر المعنوي، ولا الاستعمالي في: "أَيّ" الشرطية، والاستفهامية، والموصولة، لمعارضة لزوم الإضافة التي هي من خصائص الأسماء، ولم يؤثر المعنوي في "ذَيْنِ" و "تين" لمجيئهما على اصل التثنية التي هي من خصائص الأسماء، وكذلك لم يؤثر الاستعمالي في "اللذيْن" و "اللتين". وإذا علم أن المقتضي لبناء الاسم شبهه بالحرف فما سلم من شبه الحرف فمعرب، وينقسم إلى قسمين: -صحيح- يظهر فيه الإعراب، كـ "أرض" و "سماء" ومعتل يقدر فيه الإعراب كـ "سُما" -لغة من لغات الاسم- بوزن هُدّى. (وفعل أمر ومضى بُنِيا ... وأعربوا مضارعاً إن عريا) (من نون توكيدٍ مباشر ومن ... نونِ إناثٍ كـ يِّرَعْنَ من فُتِن) الأصل في الفعل البناء، ولذلك جاء الماضي والأمر منه مبنيين، فأما

الماضي: فمبني على الفتح إلا] أنه يضم [إذا اتصلت به واو الجماعة، ويسكّن إذا أسند إلى التاء، أو النون أو "نا"، وأما الأمر: فمبني على ما يجزم به المضارع من سكون كـ "اضرب" أو حذف حرف العلّة كـ "اغز" و "ارم" و "اخش" أو حذف النون، كـ "اضربا" و "اضربوا" و "اضربي"، وإنما أعرب المضارع لشبهه بالاسم. وشرط إعرابه: أن يعرى من نون التوكيد المباشرة، فإن باشرته بني على الفتح، نحو:} لينبذن في الحطمة {] الهمزة: 4 [ومن نون الإناث، فإن اتصلت به بني على السكون كـ "ــيَرُعْنَ" وكقوله:} والمطلقات يتربصن {] البقرة: 228 [، وقيد نون التوكيد بكونها مباشرة ليخرج ما فصل الفعل عنها بالضمير نحو:} لتبلون في أموالكم وأنفسكم {] آل عمران: 186 [} ولا تتبعان {] يونس:89 [،] فإما ترين [. (وكلّ حرف مستحق للبنا ... والأصل في المبنيّ أن يسكنّا) (ومنه ذو فتح وذو كسر وضم ... كـ "أين أمسِ حيثُ" والساكن كَمْ)

أي: الحروف كلها مبنية لاحظّ لها في الإعراب، وألقاب البناء أربعة: السكون: وهو الأصل، ويسمى: وقفاً، ولأصالته دخل في الكلم الثلاث، نحو: "لم" و "قم" و "كم". والفتح: وسبب البناء عليه طلب الخفة، إذ هو أقرب الحركات إلى السكون، ولهذا دخل في الثلاث -أيضاً- كـ "ـسوف" و "ليس" و "أين"، والكسر والضم، ولا يبني الفعل عليهما إلا عروضاً -كما سبق- ويبني عليهما الحرف، كـ "ــلام الجر" و "منذ"، والاسم كـ "أمسِ" و "حيثُ". (والرفعَ والنصبَ اجعلّنْ إعراباً ... لاسم وفعلٍ نحو: لن أهابا) (والاسم قد خصّص بالجر كما ... قد خصّص الفعلُ بأن ينجزما) ألقاب الإعراب أربعة: رفع، ونصب: ويشترك فيهما الاسم والفعل، نحو: "زيد يقوم" و "إنّ عمرا لن يقوم" وجرٌ، وهو مختص بالأسماء، لاختصاص عوامله بها، وجزم وهو مختص بالأفعال لذلك. (فارفع بضم وانصِبنْ فتحاً وجر ... كسراً، كـ "ذكر الله عبدَه يسر") (واجزم بتسكين، وغيرُ ما ذكر ... ينوب، نحو: "جا أخو بني نمر") للإعراب علامات أصولها أربع، وهي التي أشار إليها المصنف، من الرفع بالضمة كـ"جاء زيد" والنصب بالفتحة، كـ ـ"رأيت زيداً"، والجر بالكسرة كـ "مررت بزيد"، والجزم بالسكون، نحو: "لم يقم" وينوب عن هذه العلامات غيرها، فينوب] عن الضمة ثلاثة أشياء: الواو، والأنف، والنون، وينوب عن

الفتحة أربعة أشياء: الكسرة، والألف، والياء، وحذف النون [، وينوب عن الكسرة شيئان: الفتحة، والياء، وينوب عن السكون شيء واحد: وهو الحذف، إما لحرف العلة، وسترى ذلك مفصّلاً. (وارفع بواو وانصبنَّ بالألف ... واجرر بياء ما من الأسما أصف) (من ذاك "ذو" إنْ صُحْبةَ أَبَانا ... "والفمُ" حيث الميم منه بانا) (أَبٌ، أَخٌ، حَمٌ -كذاك- وهنُ ... والنقص في هذا الأخير أحسنُ) (وفي "أبٍ" وتالييه يندر ... وقصرها من نقصهن أشهر) أخذ في الكلام على محل نيابة فروع علامات الإعراب عن أصولها، وبدأ بالأسماء الستة لوجود النّيابة فيها بثلاثة أشياء عن الحركات الثلاث، فإن الواو تنوب فيها عن الضمة نحو:} إني أنا أخوك {] يوسف:16 [والألف عن الفتحة نحو:} وجاؤوا أباهم "عشاءً يبكون" {] يوسف: 81 [، والياء عن الكسرة نحو:} ارجعوا إلى أبيكم {] يوسف: 81 [بخلاف غيرها من محالّ النّيابة فإنها منقسمة إلى ما تقع النيابة فيه عن بعض الحركات دون بعض كجمع المؤنث السالم وما لا ينصرف، وإلى ما تقع النيابة فيه عن الحركات الثلاث لكن لا بثلاثة أشياء كالتثنية وجمع المذكر السالم والأمثلة الخمسة، والأسماء الستة: هي: "ذو" بمعنى صاحب، ولذلك

قيده بقوله: إن صُحبةً أبانا: أي أظهرَ، فأما "ذو" الطائية فتلزم الواو على أفصح اللغتين، كما يأتي، "وفوه" -بغير ميم- أما لو كان بالميم فإنه يُعرب بالحركات، ولهذا قيده بقوله: "حيث الميم منه بانا" أي: انفصل، و"أَبٌ و ""أَخٌ" و "حَمٌ" -وهو من كان من أقارب الزوج بالنسبة إلى المرأة- و"هَنٌ" -وهو الفرْج- لكن الأفصح في "الّهنِ" النقص، أي: حذف حرف العلة منه، وهو لامه، وإعرابه بالحركات، كما ورد في الحديث: (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بِهَنِ أبيه) ويندر هذا الاستعمال في "أبٍ" وتالييه، وهما "أخٌ" و "حَمٌ" وهو مسموع في الأبِ، نحو:

5 - (بأبه اقتدى عَديٌ في الكرمِ ... (ومن شابه أَبَهُ فما ظلم)) وحكى الفراء وأبو زيد:

"هذا أَخُك" وحكى الفراء: "هذا حَمُك"، وفي هذه الثلاثة لغة ثالثة، وهي استعمالها بمنزلة المقصور، بالألف في الأحوال الثلاثة مقدّراً فيها الإعراب، فتقول: "هذا أباك"، و "رأيت أخاك" و "مررت بحماها" وهي أشهر عند المصنف من لغة النقص، وعلى هذه اللغة جاء قولهم: "مكره أخاك لا بطل"، وقوله: 6 - (أن أباها وأبا أباها ... ... ... ...)

وقولهم: "حَمَاة"، للمرأة. (وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا ... لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا) أي: شرط إعراب هذه الستة بالحروف المذكورة، أن تكون مضافة إلى غير "ياء المتكلم" فأما "ذو" فلا تُستعمل إلّا كذلك، وأما غيرها فإن أفرد عن الإضافة أعرب بحركات ظاهرة نحو: "} وله أخٌ {] النساء:12 [،} إن له أباً {] يوسف: 78 [،} وبنات الأَخِ {] النساء:23 [إلّا أن "فاه"" إذا أفرد لزمته الميم، وغن أضيف شيء منها إلى ياء المتكلم، أعرب بحركات مقدرة، على الأصح. واستغنى عن اشتراط الإفراد وعدم التصغير] بإيراد ألفاظها كذلك [. (بالألف أرفع المثنى وكلا ... إذا بمضمر مضاف وصلاً) (كلتا، كذلك اثنان واثنتان ... كابنين وابنتين يجريان) (وتختلف "اليا" في جميعها الألف ... جرّاً ونصباً بعد فتح قد ألف) المثنى ما أغنى عن المتعاطفيْنِ، كالزيدين، والرجلين، ورفعه بالألف، كقوله تعالى:} قال رجلان من الذين يخافون ... {] المائدة: 23 [، وكذلك الأربعة الملحقة

به، وهي: "كلا" و"كلتا" مضافين إلى مضمر، نحو: "جاءني كلاهما" و "قام كلتاهما"، أمّا لو أضيفا إلى ظاهر، أعربا إعراب المقصور، بحركات مقدرة على الألف، لازمة، و"اثنان" و"اثنتان" لشبههما في اللفظ بـ "ابنين" و "ابنتين" فإذا جُرَّ ذلك كله، أو نصب جيء بالياء خلفاً من الألف، فتكون علامة لجره ونصبه، نحو:} في فئتين {] آل عمران: 13 [،} واستشهدوا شهيدين {] البقرة: 282 [، ويلزم ما قبل يائه الفتح، بخلاف ما قبل ياء الجمع، فإن حكمه الكسر. (وارفع بـ "واو" وبـ "يا" اجرر وانصب ... سالمَ جمعِ "عامرِ" و "مذنب") (وشبه ذين، وبه "عشرونا" ... وبابه أُلحق والأهلونا) ("أولو" و "عالمون" "عليّونا" ... و "أرضو" شذ و "السّنونا") (وبابه، ومثل "حين" قد يرد ... ذا البابُ وهو عند قوم يطّرد) جمع المذكر السالم] ما سلم [فيه بناء الواحد،] ولم يعرب بالحركات [ويرفع بالواو، نحو:} سيقول المخلفون {] الفتح: 15 [، ويجرُ وينصب بالياء، نحو:} قل للمؤمنين {] النور: 30 [،} وصدقّ المرسلين {] الصافات: 37 [، ولا يجمع كذلك قياساً إلّا ما كان كـ "ــعامر" في كونه علما لمذكر عاقل،

خالِ من تاء التأنيث، ومن التركيب، أو كـ "ـــمذنب" في كونه صفة لمذكر عاقل خالية من تاء التأنيث، تقبلها لو قصد بها المؤنث، وإلى ذلك أشار بقوله: "وشبه ذين" وقد ألحق به أشياء، منها أسماء الأعداد كـ "عشرين" وبابه إلى تسعين، ومثله أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها، كـ "ــأُولو" بمعنى: أصحاب، و "عالمِون" -لأهل التكليف، وليس جمع "عالَمِ"، لأن عالَما أعمّ منه- ومنها جموع لم تستوفِ الشروط المذكورة كـ "ـــأهلين" إذ واحده "أهل" وليس بعلم ولا صفة، ومثله

"وابلون" و "أرضون" ومنها ما سمي به ولم يقصد فيه معنى الجمعيّة كـ" ــعلّيّين" فإنه اسم لأعلى الجنة، ومثله "الماطرون". ومنها ما لم يسلم فيه نظم الواحد، كسنين وبابه، وهو: كل ثلاثي حذفت لامه، وعوّض منها (هاء التأنيث)، ولم يكسر كـ "ــعِضِين"، في جمع "عِضَة" و "ثُبين" في جمع "ثُبَة" و "عِزِين" في "عِزة" قال تعالى:} عدد سنين {] المؤمنون: 112 [} جعلوا القرآن عِضين {] الحجر: 91 [} عن اليمين وعن الشمال

عِزِين}] المعارج: 37 [وخرج بالتقييد بحذف اللام، نحو: "تمرة" إذ لا حذف فيها، ونحو: "عدة" و "زنة" إذ المحذوف منها الفاء دون اللام، وبقيد تعويض الهاء نحو: " يد " و "دم " لعدم التعويض فيها, ونحو: " بنت وأخت " لأن العوض فيهما " تاء " لا " هاء " ومع شذوذه وخروجه عن القياس, فشذ عليه أشياء لم تستوف الشروط نحو: " إوزون " جمع إوزة, و"رقُون " جمع رقة, و "أبون " جمع أب, و"ظُبَة، مع أن الأول لم يحذف منه شيء, والثاني حذفت منه الفاء, والثالث لم يعوض فيه من المحذوف، والرابع قد كسر على "ظُبي "،وبعض العرب يحرى " سنين " وبابه مجرى " حين " في لزوم الياء

والنون, وإعرابه بالحركات, نحو: 7 - دعاني من نجدٍ فإن سنينه ... ... ... ... ... وقوله: 8 - (وكان لنا أبو حسن عليّ ... أباً بَرَّا ونحن له بنينُ) وبعضهم يطرد هذه اللغة في جمع المذكر السالم,

وفيما ألحق به, وعليها حمل بعضهم: 9 - ... ... ... ... ... وقد جاوزت حدّ الأربعينِ (ونون مجموع وما به التحق ... فافتح وقلّ مَن بكسره نطق) (ونون ما ثنيّ والملحق به ... بعكس ذاك استعملوه فانتبه) أي: نون جمع المذكر السالم وما حمل عليه مفتوحة، وقلّ من يكسرها، ولم يسمع ذلك إلاّ في الشعر بعد الياء خاصة، كقوله: 10 - ... ... وأنكرنا زعانف آخرينِ ونون المثنى وما ألحق به مكسورة، وفتحها

لغة مشهورة نحو: 11 - على أحوذَّيْينَ استقلت عشية ... ... ... ولا يختص ذلك بما بعد الياء كقوله:

12 - أعرف منها الأنفً والعينانا ... ... ... وما بـ"ـتا وألف " قد جمعا ... يكسر في الجر وفي الِّنصب مَعَا كذا " أولات " (والذي اسماً قد جُعِلْ ... ك"أذرعات " فيه ذا أيضا قُبل) [وما جمع بالألف] والتاء المزيدتين ك"هندات" و" مسلمات " {وقدور راسيات} [سبأ:13]، ودريهمات, وحبليات, وحّمامات, فعلامة جره ونصبه الكسرة نحو: {في جنات} [الدخان:52] {وجَعَل الظلمات} [الأنعام:1] ولم يذكر رفعه

لمجيئه على الأصل بالضمة, أما ما كانت الاَّلف فيه اَّصلية ك"قضاة " أو التاء كـ"ـأبيات" فنصبه بالفتحة ليس إلاّ، وما حمل عليه مما لا واحد له كـ"ـأولات " بمعنى صاحبات, أسمي به منه ك"اًذرعات " جرى مجراه في الإعراب نحو: {وإن كنَّ أولاتِ حَمْل} [الطلاق:6] وسَكَنتُ " أذرعات " على أفصح لغاتها. (وجُرَّ بالفتحة مالا ينصرف ... مالم يضف أويك بعد "ألـ "ـردف) مالا ينصرف: ما اجتمع فيه علتان من العلل التسع, أو واحدة تقوم مقامهما, كما سيأتي شرحه, وعلامة جره فتحة آخره, نحو: {في ثمودَ} [الذريات:43] {وإلى مدينَ} [آل عمران:85] ورفعه ونصبه على الأصل, فإن أضيف رجع إلى أصله من الجر بالكسرة نحو: {في أحسن تقويم} [التين:4] وكذلك إن وقع بعد " ألـ "ـسواء كانت معرفة نحو: {كالأعمى والأصمّ} [هود:24] أو زائدة كقوله: 13 - رأيت الوليد بن اليزيد مباركا ... ... ...

واجعل لنحو " يفعلان " النون ... رفعا و " تدعين " و " تسألونا " وحذْفها للجزم والنصب سمه ... كـ"ـلم تكوني لترومي مظلمه " يشير إلى حكم الأمثلة الخمسة, وهي كل مضارع أسند إلى ألف الأثنين, سواء كانا مخاطبين ك"تقومان " أو غائبين, كـ"ـيفعلان " أو ألى واو الجماعة مخاطبين كـ"ـتسألون " أو غائبين ك"يؤمنون " أو إلى ياء مخاطبة كـ"ــتدعين" وعلامة رفعها ثبوت النون, نحو: {يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة} [البقرة:3] وتجزم وتنصب بحذفها, نحو: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} [البقرة:24] وكقوله: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} [البقرة:237]، أصله: " تعفوون " حذفت إحدى الواوين, وهي لام الكلمة, لالتقاء الساكنين, وحذفت النون لدخول الناصب, بخلاف {إلا أن يعفون} [البقرة:237] فإن وزنه " يفعلن "، وواوه لام الكلمة, ونونه ضمير النسوة.

(وسم ّ معتلا من الأسماء ما ... كـ"ــالمصطفى" و" المرتقي " مكارما) (فالأول الإعراب فيه قُدّرا ... جميعه وهْو الذي قد قُصرا) (والثان منقوصٌ ونصبهُ ظهرْ ... ورفعه ينوى كذا أيضا يجرّ) المعتل من الأسماء: ما في آخره حرف علة, واعتلال المعرب منها إما بالألف, باًن يكون في آخره " ألف " لازمة, كـ"ــالمصطفى" و" الهُدى "، وإما بالياء, بأن يكون في آخره " ياء " لازمة ساكنة, قبلها كسرة كـ"ــالمرتقي " و" القاضي ", فالأول يسمى مقصورا, لأنه قصر, أي: حبس عن الإعراب ويقدر فيه جميع إعراب الاسم, من الرفع, ونصب, والجر, لتعذر ظهور واحد منها فيه, نحو: {قال موسى} [الأعراف:128] {وزدناهم هدى} [الكهف:13] {والعاقبة للتقوى} [طه:132] , ويسمى الثاني: منقوصا, لأنه نقص عن ظهور بعض الإعراب فيه, وتظهر الفتحة فيه لخفيتها, نحو: {أجيبوا داعي الله} [الأحقاف:31] وتقدر الضمة الكسرة فيه لثقلهما, نحو: {ومن آيات الجواري} [الشورى:32] و {وما بين أيديهم} [البقرة:255]. (واّي فعل آخرٌ منه ألف ... أو واو او ياء, فمعتلا عرف) (فالألف انوفيه غير الجزم ... وأبدِ نصب ما كـ"ــيدعو يرمي ")

والرفع َ فيهما انوِ واحذف جازما ... ثلاَثهن تقض حكما لازما كل فعل آخره ألف كـ"ــــيخشى " أو ياء كـ"ـــيرمي " أو واو كـ" يدعو " فهو معتل, وكمه في الإعراب أن يقدر في الألف غير الجزم وهو الرفع والنصب لتعذرهما, نحو: {سيصلى نارا} [المسد:3] {وهل لك إلى أن تزكى} [النازعات:18] والمعتل بالواو والياء يظهر فيهما النصب لخفته نحو: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} [البقرة:237] و {ليقضي الله أمرا كان مفعولاً} [الأنفال:43 - 44] ويقدر فيهما الرفع لثقله, نحو: {والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء} [يونس:25] وتحذف الثلاثة, أي الألف والواو, والياء, لدخول الجازم نحو: {ألم تر} {ولّما يأتكم} [البقرة:114] {وإن تَدْعُ مثقلة} [فاطر:18] فأما قراءة بعضهم: [إنّه من

يتّقي ويبصر} [يوسف:90] فقيل: إنه مراجعة للأصل من الجزم بالسكون نحو: 14 - ألم يأتيك والأنباء تنمي ... ... ...

النكرة والمعرفة

وقيل: " من " موصولة, والفعل بعدها مرفوع, وعلى هذا فسكون " الراء" " من " يصبر " قيل إنه جُزمَ عطفاً على المعنى, لأن " من " الموصولة كالشرطية في العموم والإبهام, والاختصاص بمن يعقل, وقيل بل سكن تخفيفاً لتوالي الحركات, وقيل أجرى الوصل مجرى الوقف. النكرة والمعرفة هذا الانقسام مختص بالاسم، وتنكيره هو الأصل، ولهذا بدأ به. (نكرة قابل "أل" مؤثرا ... أو واقع موقع ما قد ذكرا) جعل النكرة نوعين: أحدهما: ما يقبل الألف واللام متأثرا بها، كـ"رجل" و"كتاب"، فخرج عن ذلك ما لا يقل "أل" كالمعارف كلها، وما يقبلها لكن لا تؤثر فيه تعريفا، كـ"فضل" و "حارث" ونحوهما. والثاني من نوعي النكرة: ما وقع موقع ما يقبل "أل" المؤثرة للتعريف، نحو: "ذو مال" فإنه واقع موقع "صاحب"، ومررت بمن معجب لك، فإنه واقع موقع "إنسان" ورأيت ما معجبا لك، فإنه واقع موقع "شيء" [وكل من الثلاثة تقبل "أل" مؤثرة].

الضمير

وغيره معرفة كـ"ـهم"و " "ذى " ... و" هند " وابني " و" الغلام " و" الذي " إذا عرف ضابط النكرة, فغيرها المعرفة, وهي مالا يقبل " أل " مؤثرة, ولا يقع موقع ما يقبلها, ثم أشار إلى أقسام المعارف الستة وهي: المضمر كـ"هم"و "أنت " واسم الإشارة كـ"ذى " و"ذا " والعلم كـ"هند" و" زيد " ومادخلت عليه أداة التعريف كـ"الغلام " و" الدار " والموصول كـ"الذى " و" التى " وما أضيف ألى واحد من هذه كـ"ابني " و" غلام زيد " ومنها قسم سابع وهو " المنادى المقصود " نحو: "يارجل ". فما لذى غيبة أو حضور ... كـ" أنت " وهو " سمّ بالضمير أى: الضمير ما وضع لمتكلم [نحو: " أنا "و "نحن "] , أو مخاطب [نحو: " أنت " و" أنتما "] أو غائب [نحو: " هو " و"هما "] إذا لحضور شمل المتكلم والمخاطب. فينقسم البارز من الضمير إلى متصل, ومنفصل, والمتصل منه: مالا يُبتدى به الكلام, ولا يقع بعد " إلاّ " في الاختيار, وذلك كالأمثلة المذكورة, وقيد عدم وقوعه بعد " إلاّ " بالاختيار, لأنه قد يقع بعدها في ضرورة الشعر, نحو: 15 - ... ... أن لايجاورنا إلاّك ديّار

والمنفصل عكسه, فيقع في ابتداء الكلام حو: {قل هو الله أحد} [الإخلاص:1] وبعد إلاّ نحو: {لا إله إلاّ هو} , ثم التصل منقسم إلى متكلم كـ"الياء " من ابني, والى مخاطب كـ"الكاف " من أكرمك وإلى غائب كـ"الهاء " من [سليه ماملك]. وكل من الثلاثة ينقسم باعتبار محل إعرابه إلى مرفوع كـ" الياء " من وسليه, وإلى منصوب كـ"الهاء " منها, وإلى مجرور كـ"الياء " من ابني, وجميع ألفاظه تسعة, خمسة منها تختص بالرفع, وهي: "التاء " مختلفهة حركاتها باختلاف المتكلم والمخاطب والمخاطبة كما سبق, ومفرعة في الخطاب باعتبار التثنية, وجمع الذكور, وجمع الإناث نحو: " قمتما " وقمتم " و"قمتن " و" الألف " للاثنين كـ"قاما " و" الواو" لجماعة الذكور كـ"قاموا "و" النون " لجماعة الإناث كـ"قمن " و"الياء " للمخاطبة كـ"قومي " وثلاثة يشترك فيها

النصب والجر وهي "ياء المتكلم " كابنى أكرمني, و"كاف المخاطب " مفرعة باعتبار المذكر, والمؤنث, وجمع الذكور, وجمع الإناث, نحو: "ابنك أكرمك " [و" ابنكِ أكرمكِ"] و" ابنكما أكرمكما " و"غلامكم أكرمكم " و"غلامكن أكرمكن " وهاء الغائب " كذلك كـ"ابنه أكرمه " وبقيتها. والتاسع منها: ما يصلح لمحال الإعراب الثلاثة وهو: "نا" كما يأتي. (وكل مضمر له البنا يجب ... ولفظ ما جُرَّ كلفظ ما نُصِب) أي: الضمائر كلها مبنية, وسبب بنائها: شبه أكثرها بالحرف في الوضع, وحمل باقيها عليه, ولفظ ما محله الجرّ منها كلفظ ما محله النصب في إحدى عشرة صورة, تقدم ذكرها, ولا يرد كسرُ الهاء التي قبلها سكون, أو كسر, في لغة غير قريش نحو: "بهِ وعليهِ" و "اذهب بغلامهم إليهم" [لأن ذلك عارض يزول بزوال سببه].

للرَفع, والنصب وجر " نا " صَلَحْ ... كاعرفْ بنا فإننا نانا المنح ينفرد لفظ " نا " من بين الضمائر بوقوعه في محال الإعراب الثلاثة, وقد اجتمعت في قولهتعالى: {ربنا إننا آمنا} [آل عمران:16] وإلحاق " الياء "، ولفظة " هُم " به في هذا الحكم فاسد, إذ الياء التي تقع في محل الرفع " ياء الخاطبة " لا " ياء المتكلم " و"هم " الواقع في محل الرفع منفصل, لا متصل. وألفٌ, والواو, والنون, لِمَا ... غاب وغيره كـ"قاما " و" اعلما " هذه الضمائر الثلاثة, يشترك فيةا الغائب, والمخاطب, وهو المرد " بغيره " فمن وقوعها للغائب {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا} [الأعراف:23] {وقالوا الحمد لله} [الأعراف:23] [فاطر:34] [الزمر:74] و {قُلْنَ حاش لله} [يوسف:51] ومن وقوعها للمخاطب {ألقيا في جهنم} [ق:24] {وقولو للناس حُسْناً} [البقرة:83] {وأقمن الصلاة} [الأحزاب:33] وبقية الضمائر

يختص كل منهما بما وضع له من متكلم, أو مخاطب, أو غائب. ومن ضمير الرفع ما يستتر ... كـ" افعل, أوافق, نغتبط, إذ تشكر ينقسم ضمير الرفع إلى بارز ومستتر, منه إلى جائز الاستتار, وهو: ما يصح أن يقع في محله اسم ظاهر, وبهذا يتبين فساد قول من قال: الاستتار في نحو "زيد قائم" واجب,

لعدم صحة إبرازه، فإن إسناده إلى الظاهر ممكن، نحو: "زيد قائم غلامه"، ويسند إلى الضمير - أيضاً- نحو: "زيد ما قم إلا هو"، وإلى واجب الاستتار، وإليه أشار المصنف بالأفعال الأربعة، وهي: فعل الأمر، نحو: {واسجد واقترب} [العلق:19]، وكل مضارع افتتح بـ "همرة المتكلم" نحو:} فإني قريب، أجيب دعوة الداع} [البقرة:186]، أو بـ"نونه" نحو:} نحن نحي ونميت} [ق:43] أو بـ"تاء المخاطب" نحو:} لا تقم فيه أبدا {[التوبة:108] فإن وجد بعد شيء من هذه ضمير بارز نحو: {اسكن أنت وزوجك} [البقرة:35] و [الأعراف:19] فهو تأكيد للفاعل المستتر. ووجوب الاستتار بعد فعل الأمر، والمضارع المفتتح بـ"تاء الخطاب" مشروط بما إذا أسند إلى المفرد المذكر كمل مثل، أما إن أسند إلى مخاطبة أو مثنى أو جمع ذكور، أو إناث، برز الضمير، نحو: {فكلي واشربي} [مريم:26] {ولا تقربا هذه الشجرة} [البقرة:35] و [الأعراف:19] {وإن تصبروا وتتقوا} [آل عمران: 186،125،120] {وأطعن الله ورسوله} [الأحزاب:33]. وذو ارتفاع وانفصال "أنَا". "هو" ... و "أنت" والفروع لا تشتبه

ينقسم الضمير المنفصل إلى مرفوع المحل، وإلى منصوبه، وليس فيه مجرور، فالمرفوع منه ألفاظه الأربعة: "أنا، نحن" للمتكلم، و "أنت" للمخاطب، وفروعه كـ" أنتِ" و "أنتما و "أنتم" و "أنتن"، و" هو" للغائب وفروعه كـ"هي" و"هما" و "هم" و "هنّ". وذو انتصاب في انفصال جعلا ... "إيّاي" والتفريعُ ليس مٌشْكِلا ليس للمنصوب المنفصل إلا لفظ واحد، وهو: "إيّا" واللواحق له حروف تكلم، وخطابٍ، وغَيبةٍ، نحو: "إيّاي" و "إيّانا" و "إيّاكَ" و "إيّاكِ"، و "إيّاكما"، و "إيّاكم" و "إياكنّ"، و "إيّاه"، و "إيّاها"، و "إيّاهما"، وإيّاهم"، و "إيّاهنّ". (وفي اختيارٍ لا يجيء المنفصل ... إذا تأتى أن يجيء المتصل)

اتصال الضمير هو الأصل، لكونه أخصر في اللفظ، وأدلّ على التعلّق بالعامل، فمتى تأتي الاتيان به متصلاً، لم يُعدل إلى انفصاله اختيارا، فلا يقال: "قام أنا" و "أكرمت إيّاك"، لإمكان: "قمتُ"، و"أكرمتك"، أما في الضرورة فقد يجيء منفصلاً مع إمكان اتصاله دونها نحو: 16 - ... قد ضمنت ... إيّاهم الأرضُ في دهر الدهارير فإن لم يتأت الاتصال لتقدمه على عامله نحو: {إياك نعبد} [الفاتحة:4] أو لوقوعه بعد "إلّا" نحو:

{ألا تعبدوا إلا إياه} [يوسف:40]، عُدل إلى الانفصال. وصل أو افصل "هاء" سلنيه وما ... أشبهه، في "كنته" الخُلْفُ انتمي كذاك خلتنيه واتصالا ... أختارُ، غيرى اختارَ الانفصالا هاتان المألتان جاءتا على خلاف الأصل، لمجيء الضمير فيهما منفصلا مع تأتي اتصاله، أما المسألة الأولى: فالوجهان فيها جائزان على السواء- وهو كل ثاني ضميرين منصوبين، استحق أولهما التقديم عليه لكونه أخص منه، والعامل فيهما ليس من نواسخ الابتداء، نحو: "سلنيه" و "أعطيتكه يجوز فيهما الانفصال، نحو: "سلني إياه" و "أعطيتك إياه" وفي الحديث: "إنّ الله ملككم إياهم" إلا أنّ ورود الاتصال أكثر، نحو: {فسيكفيهم الله} [البقرة:127]، {أنلزمكموها} [هود:28]، {إن يسألكموها} [محمد:37]، أما لو كان أحد الضميرين مرفوعاً تعين الاتصال، نحو: "أكرمته" ولو لم يكن الأول مستحقاً للتقديم تعين الانفصال، نحو: "أعطيته إياك" و "إياه" ولو كان العامل فيهما من نواسخ الابتداء، فهي المسألة الثانية، وسواء كان الناسخ مما ينصب الجزأين كـ"ـــــخلتنيه" أو أحدهما كـ"ــــكنته" - وهذا محل

خلاف - فالمصنف اختار الاتصالـ موافقة "للرماني" لكونه الأصل، ولكثرة الوارد منه، نحو: "فكنه ترى منك ما يعجبك" وفي الحديث: (إن يكنه، فلن تسلّط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في

قتله). ونحو: 17 - بلّغت صنع امراء بر إخالكه ... ... ... ... ... ... ... وغير المصنف وهم الجمهور يختار الانفصال، ومن وروده: 18 - ... ... ... ... وكونك إياه عليك يسير وقوله: 19 - أخي حسبتك إياه وقد ملئت ... أرجاء صدرك بالأضغان والإَحنِ

(وقدم الأخص في اتصال ... وقد من ما شئت في انفصال) (وفي اتحاد الرتبة الزمْ فصْلا ... وقد يبيح الغيب فيه وصلا) هذا من تمام الكلام في المسألتين السابقتين، ومعناه: أنك حيث خيرت بين وصل الضمير، وفصله، فإن وصلت تعين تقديم الأخص من الضميرين، وأخص الضمائر ضمير المتكلم، ثم ضمير المخاطب، فإذا اجتمعا قدمت المتكلم، نحو: "خلتنيك"، وان اجتمع أحدهما مع الغالب، قدمته عليه، نحو: "سلنيه" و "أعطيتكه" أما إن فصلت أحدهما فلك أن تقدم غير الأخص عليه، نحو: أعطيته إياك, و"خلتك إياي" فلو اتحدث رتبة الضميرين، بأن كان لمتكلم، أو مخاطب، أو غائب، تعين الفصل، إذ لا أخص هناك، سواء اتحد مفسرهما نحو: "ظننتني إياي"، و "ملكتك إياك" أو اختلف نحو أعطيته إياه، وقد يجوز الوصل في الغائبين بشرط عدم اتحاد لفظيهما، نحو: "أعطيتهماه" وفي الحديث: "إلا أعطيتهموها".

وقبل "يا النفس" مع الفعل التزم ... "نون وقاية" و "ليسي" قد نظم سميت النون الفاصلة بين الفعل وبين " ياء المتكلم" نون الوقاية، لأنها وقت من محذورين التابسهما (بياء) المخاطبة في نحو: "لن تكرمي" والتباس أمر المذكر بأمر المؤنث، في نحو: "أكرمي" وهي لازمة مع الفعل العامل فيها ماضياً كان، أو مضارعا، أو أمرا، نحو: {وجعلني نبياً} [مريم:30]، {والذي يميتني} [الشعراء:81] {رب أدخلني} [الإسراء:80]، وقد جاء في الشعر عدم دخولها مع "ليس" كقوله:

20 - إذ ذهب القوم الكرام ليسي ... وأما: {أفغير الله تأمروني} [الزمر:64]، فالتحقيق أن المحذوف نون الرفع

[لا نون الوقاية]. و"ليتني" فشا و "ليتي" ندرا ... ومع "لعل" اعكس وكن مخيرا في الباقيات، واضطرارا خففا ... "منّي" و "عنّي" بعض من قد سلفا تدخل "نون الوقاية" أيضاً مع حروف، إما ناصية لشبهها بالفعل كـ"ـــإنّ وأخواتها" أو جارة كـ"ــمِن وعن". فأما "إن وأخواتها" فهي معها على ثلاثة أقسام: منها ما يتعين دخولها معه وهو: "ليت"، نحو: {ياليتني كنت معهم} [النساء:73]، وأما قوله: 21 - كمنية جابر إذ قال ليتي ... ... ... ... ...

فنادر. ومنها عكس ذلك، وهو "لعل" نحو: {لعلي أبلغ الأسباب} [غافر:26] ونحو: 22 - أريني جوادامات هزلالعلني ... ... ... ... ... فنادر. والأربعة الباقية يستوى فيها دخول النون وعدمه، نحو: {إنني أن الله} [طه:14]، {إني أنا ربك} [طه:12]، وكذلك البواقي. وأما "مِن وعنْ" فيجب

اتصالهما بنون الوقاية، نحو: {وألقيت عليك محبة مني} [طه:39] {وإلا تصرف عني كيدهن} [يوسف:33]، وأما قوله: 22 (- أيها السائل عنهم وعني ... لست من قيسٍ ولا قيسُ منيْ) بحذفها، فضرورة. وفي لدنّي "لدني" قل وفي ... "قدني" و "قطني" الحذف - أيضاً - قد يفي تلحق نون الوقاية بعض الأسماء المضافة إلى "ياء المتكلم "كـ"ـــلدن" و "قد" و "قط" بمعنى: حسب، قال تعالى {قد بلغت من لدي عذرا} [الكهف:76] وفي الحديث: (فتقول قطني قطني). قال الشاعر:

24 - قدني من نصر الخبيبين قَدِى ... ... ... ... والحذف بعد "لدن" قليل، كقراءة نافع (من لدني) وكذلك قد يجيء الحذف بعد "قد" كما قد مثل، وبعد "قط" كراوية (قَطِ قَطِ).

العلم

العَلَم قيل إنه مشتق من العلم، إما لأن غالب مسمياته أولو العلم, وإما لأنه يعلم به مسماه, وقيل من العلامة, لأنه علامة على مسماه. اسم يعين المسمى مطلقا ... علمُه كجعفرٍ وخرنقا وقَرَن, وعَدَن، ولا حق ... وشدقَمِ, وهيلة، وواشقِ خرج باسم قسيماه [إذ لا علمية في واحد منهما، بـ"يعين مسماه": النكرات] إذ لا تعيين فيها، وبقيد الإطلاق: بقية المعارف, لأن تعيينها لمسماها إما بقيد التكلّم, أو الخطاب، أو الغيبة، كالضمير, وإما بقيد الإضافة، وإما بقيد الصلة, كالموصول, وإما بقيد الأداة, إما بقيد الإضافة, وإما بقيد النداء، ألا ترى أنه إذا زال القيد: زال التعيين, كـ"غلام" في الغلام, أو "غلام زيد " أو " يا غلام ". وأما العلم: فيعين مسماه بغير قيد.

ثم مسمى العلم: إما الآدميون كـ"جعفر "و"محمد" ونحوهما من أسماء الذكور، و"خِرنِق" و"زينب" ونحوهما من أسماء الإناث، وإما مايلابسونه من القبائل كـ"قرن" و"دوس" [أو البلاد] كـ"عدن" و"أيلة" أو الخيل كـ"لاحق" و"أعوج " أو الإبل كـ"شدقم" أو الغنم كـ"هيلة" أو الكلاب كـ"واشق". واسما أتى وكنيةً ولقبا ... وأخرن ذا إن سواه صحبا الاسم: منه ما كان كـ"زيد" و"عبدالله"، والكنية: ما كان مبدوء بـ"أب" أو "أم"كـ"أبي بكر" و"أمسلمة" واللقب: ما أشعر بمدح المسمى، كـ"عتيق" و"زين العابدين"أوذمه، كـ"أنف الناقة"

و"كرز" ثم اللقب: إن صحب غيره من الاسم، أو الكنية أخر عنهما, نحو: "قال زيد زين العابدين" وقال أبو بكر عتيق"، فأما تقديم اللقب في قوله: 25 - أنا ابن مزيقيا عمرو وجدى ... أبوه عامر ماء السماء فضرورة. وإن يكونا مفردين فأضف ... حتما وإلا أتبع الذى ردف إذا كان الاسم واللقب مفردين كـ"سعيد كرز

تعينت إضافة الاسم إلى اللقب على تأويل مسمى هذا الاسم، فإن لم يكن المصطحبان من الأعلام مفردين بأن كان مركبين، او أحدهما تعين إتباع الثاني للأول، إما بدلا وإما عطف بيان، نحو: "قال أبوبكر عتيق"، و"رأيت عبدا لله أنف الناقة" و" مررت بسعيد أنف الناقة". ومنه منقول كـ"فضل "و"أسد" ... وذو ارتجال كـ"سعاد" و" أدد أي من الأعلام منقول, والمراد به: مااستعمل قبل العلمية في غيرها من فعل ماض كـ"شَمَّرَ" أو مضارع كـ"يريد" أو أمر كـ"إصمت"-اسم مكان - أو مصدر كـ"فضل "، أو اسم فاعل كـ"مالك"،أو اسم مفعول كـ"مسعود"، أو صفة مشبهة كـ"سعيد"،أو اسم عين كـ"أسد"، أو جملة

كما يأتي, ومنها المرتجل وهو: مالم يسبق استعماله في غير العلمية كـ"سعاد" في أسماء النساء، و"أدد" في أسماء الرجال. وجملة وما بمزج ركبا ... ذا إن بغير "ويه" تم أعربا من أنواع العلم الجملة، وهو داخل في المنقول -كما سبق -ولم يسمع إلا في الفعلية، كـ"شاب قرناها" و"تأبط شرا" ومنه المركب تركيب مزج، وهو كل اسمين ينزل ثانيهما من الأول منزلة "تاء التأنيث"مما قبلها، ثم هو منقسم إلى ما ختم بغير "ويه" كـ"بعلبك" و"حضرموت" وحكمه الإعراب في آخر الثاني غير منصرف، مع فتح آخر الأول إن كان غير ياء، وتركه على الكسر, كـ"سيبويه" و "راهويه".

وشاع في الأعلام ذو الإضافه ... كـ"عبد شمس" و"أبي فحافه من أقسام العلم ماركب تركيب إضافة، سواء كان كنية كـ"أبي قحافة"، أو غير كنية كـ"عبد شمس"، وحكمه إعراب الأول بما يقتضيه العامل، وجر الثاني بالإضافة. ووضعوا لبعض الأجناس علم ... كعلم الأشخاص لفظا وهو عم من ذاك "أم عريط"للعقرب ... وهكذا "ثعالة" للثعلب ومثله "برة" للمبره ... كذا "فجار" علم للفجره من أقسام العلم ماوضع بإزاء الجنس، ولم يقصد به شخص بعينه وغالب مايضعونه لأعلام لا تؤلف كالسباع، والحشرات، فمن أسماء السباع: "أسامة" للأسد، ويكنى أبا الحارث، و "ثعالة" للثعلب، ويكنى بأبي الحصين، و"ذؤالة" للذئب، ويكنى: بأبي جعدة، ومن أسماء الحشرات:"شبوة" للععقرب، وتكنى: أم عريط. أو لمعان، نحو: "بَرَّة" للمبرّة، و"فجارِ" للفجرة، و"كيسان" للغدر، وقد يوضع لأجناس مألوفة كـ"أبي المضاء" للفرس، و"أبي الدغفاء" للأحمق، وإنما أعطي حكم الأعلام في اللفظ، لأنه يمنع من الصرف إذا اجتمع معه التأنيث، كما في "برّة" و "أسامة" -وتنوين المصنف "ثعالة " ضرورة- أو وزن الفعل كـ "بنات أوبر" أو زيادة الألف والنون كما في "كيسان"، ولا يدخل عليه الألف واللام، ولا يضاف، وينتصب الحال عنه، ويصح الابتداء به من غير مسوغّ.

اسم الإشارة

وأما من جهة المعنى فهو كالنكرة لشياعه في جنسه، وإنما تعريفه كتعريف "ذي الأداة الجنسية"، نحو: "أسامة أجرأ من ذُؤالة"، أو الحضورية، نحو: "هذا أسامة مقبلاً" إذ الأول بمنزلة قولك: "الأسد أجرأ من الذئب" والثاني بمنزلة: "هذا الأسد مقبلاً". اسم الإشارة هو ما وضع لتعيين مسماه بقيد الإشارة إليه، والمراد بذلك حضوره، وإلا فالإشارة ببعض الجوارح ليست لازمة. ("بذا لمفردٍ مذكرٍ أشِرْ ... "بذي، وذه، تي، تا" على الأنثى اقتصِر) أي: يشار إلى المفرد المذكر بـ "ذا", نحو:

{كبيرهم هذا} (الأنبياء: 63) , وأما المفردة المؤنثة فذكر أنه يشار إليها بأربعة ألفاظ: "ذِي", و"ذِه" و "تي" و "تا" ولا يقتصر عليها كما ذكر المصنف، بل له لفظان آخران "تِه" و "ذات" وفي "ذه" و "ته" ست لغات: سكون الهاء، وكسرها باختلاس، وبإشباع، وحكى الفراء: فتح التاء من "تي" فيقال: تيلك. (و"ذان" "تان" للمثنى المرتفع ... وفي سواه "ذين" "تين" اذكر تُطِع) إذا كان المشار إليه مثنى مذكراً، قلت فيه: "قال ذان" وإن كان مؤنثاً قلت: "جاء تان" إن كان مرفوعاً، وفي سوى المرفوع كالمجرور والمنصوب تقول: "ذين" و "تين". قال تعالى: {إحدى ابنتي هاتينِ} (القصص: 27) و {إنَّ هذين لساحرانِ} (طه: 63). ومن قرأ: {إنَّ هذان لساحران} (طه: 63) فقيل

على لغة إجراء المثنى بالألف في الأحوال الثلاثة، وقيل: ردّاً لاسم الإشارة إلى البناء، وقيل: على تقدير ضمير الشأن.

وبـ "أولى" أشر لجمع مطلقا ... والمدُ أولى، ولدى البُعد انطقا)) بـ"الكاف" حرفا دون "لامٍ" أو معه ... و"اللامُ" إن قدمتَ "ها" ممتنعه)) "أُولى": يشاربه إلى جمع الذكور، وإلى جمع الإناث، وهذا مراده بالإطلاق، لكنّه يختصّ العقلاء، نحو:} هؤلاء قومنا {[الكهف:15] {هؤلاء بناتي}] هود:78 [] الحجر: 71 [وأما نحو: 25 - (ذُمَّ المنازل بعد منزلة اللوا ... والعيش بعد أولئك الأيام) فنادر، ومدّ ألفه أولى، وهي لغة أهل الحجاز، وبها نطق القرآن نحو:} أولئك الذين صدقوا، وأولئك هم المتقون {والقصر لغة تميم، وما ذكر من الألفاظ يختص بما إذا كان المشار إليه قريباً، ودخول هاء التنبيه في أول الاسم مؤكد لقربه، نحو:} هذا كتابنا ينطق {

{هذه جهنم التي} [يس:63] [الرحمن:43]، {عبادي هؤلاء} [الفرقان:17]، وعند بعد المشار إليه تلحق الاسم "كاف" حرفية، دالة على المخاطب، تفرع كما تفرع كاف الضمير، فتكون مفتوحة في المفرد لمذكر، نحو: {ألم، ذلك الكتاب} [البقرة:1]، مكسورة للمؤنثة نحو: {كذلك الله يخلق ما يشاء} [آل عمران:47]، مردفة بـ"ميم وألف" للمثنى نحو: {عن تلكما الشجرة} [الأعراف:22] وبـ"ميم " مسكنة في جميع الذكور، نحو: {ذلكم حكم الله} [الممتحن:10] وبـ"نون" مشددة في جمع الإناث، نحو: {فذلكن الذي لمتنني فيه} [يوسف:32] ثم هذه "الكاف" تقع وحدها نحو: {أولئك أصحاب الجنة} [البقرة:82] [آل عمران:42] [يونس:26] [هود:23] [الأحقاف:14]، {فذانك برهانان} [القصص:32] ومع "هاء التنبيه" نحو: 26 - ... ... ... ولا أهل هذاك الطراف الممدّد

ومع اللام الدالة على زيادة البعد، كما سبق، ومتى دخلت "اللام" امتنعت "هاء التنبيه" فلا يقال: هذا لك. وب ـ"هنا" أو "هاهنا" أشر إلى ... داني الماكن، وبه الكاف صِلا في البعد أو بـ "ثم" فُةْ، أو "هنا" ... أو بـ"هنالك انطقن أو "هنا" "هنا" في الإشارة إلى المكان، كـ"ذا" في الأعيان، ثم إن كان قريبا اقتصرت على ذلك أو ألحقته "هاء التنبيه" في أوله فقلت: "هاهنا", وفي البعد تصله بـ"كاف الخطاب" مفرعة كما سبق مع "هاء التنبيه"، نحو: "ها هناك" والأكثر دونها، نحو: "هناك" فإن دخلت اللم امتنعت الهاء، نحو: {هنالك الولاية لله الحق} [الكهف:44]، وينطق في البعد بـ "ثَمَّ" - أيضاً - نحو: {وأزلفنا ثم الآخرين} [الشعراء:64]، وبـ "هُنَّا" و "هِنا".

الموصول

الموصول وينقسم إلى اسمي وحرفيّ، فالحرفيّ: ما أول صلته بالمصدر، وهو: "أنّ" و "أنْ" و "ما" و "كي" و "لو" و "الذي"، على رأي. موصول الأسماء "الذي " "الأنثى" التي ... و"اليا" إذا ما ثنيا لا تثبت بل ما تليه أوله العلامة ... و "النون" إن تشدد فلا ملامة والنون من "ذين، وتين" شددا ... - أيضاً - وتعويض بذاك قصدا فائد الاتيان بالموصول الاسمي التوصل إلى وصف المعارف بالجمل، وهو "الذي" للمفرد المذكر عاقلا كان، نحو: {وقال الذي آمن} [المؤمنون:30 - 38] أو غير عاقل، نحو: {هذا يومكم الذي كنتم توعدون} [الأنبياء:103] و"التي" للمؤنثة كذلك، نحو: {والتي أحصن فرجها} [الأنبياء:91] و {عن قبلتهم التي كانوا عليها} [البقرة:142]، فإذا ثنيا حذفت ياؤهما للرق بين تثنية المعرب والمبني، كما حذفت الألف من دواتا، وتتصل علامة التثنية بما قبل الياء والألف، وهو: الذال، والتاء، فيقال في الرفع: "اللذان" و "ذان" وفي الجر، وفي النصب "اللتين" و "تين" نحو: {واللذان يأتيانها منكم} [النساء:16] و {إحدى ابنتي هاتين} [القصص:27] ثم بنز تميم يشددون

نون التثنية في الأربعة، كقراءة {واللذان يأتيانها} [النساء:16] وكقراءة غير الجمهور {فذانك برهانان} [القصص:32] وقراءة {ربنا أرنا اللذين أضلانا} [فصلت:29] ترد مذهب البصريين في تقييد التشديد بما بعد الألف، وخصت هذه الأربعة بتشديد النون فيها عوضاً عما حذف من أخر مفرداتها.

جمع الذي "الألى" "الذين" مطلقا ... وبعضهم بالواو رفعا نطقا يجيء "الأُولى" مقصورا، وقد يمد في موضع جمع "الذي" وأكثر ما يطلق على العاقل، نحو: 27 - رأيت بني عمي الأُولى يخذلونني ... ... ... واستعمال "الذين" في جمع "الذي" أشهر، إلا أنه يختص العاقل ويكون بالياء في أحوال الإعراب الثلاثة، وإلى هذا أشار بقوله: "مطلقاً" نحو: {قال الذين أوتو العلم} [] {وأنجينا الذين ينهون عن السوء} [] {ويستبشرون بالذين ...} []. وهذيل وبنو أسد ينطقون به في حال الرفع بالواو، نحو: 28 - نحن اللّذون صبحوا الصباحا ... ... ...

باللاتِ واللاء التي قد جمعا ... و"اللاء" كالذين نزرا وقعا من جموع "التي" اللات واللاء مبنيين على الكسر، وإثبات الياء فيهما أشهر نحو: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} [النساء:23] {واللائي يئسن من المحيض} [الطلاق:4] وتقع "اللاء" موضع "الذين" قليلا. كقوله: 29 - فما آباؤنا بأمن منه ... علينا اللاء قد مهدوا الجحورا ومن، "ما" و "أل" تساوى ما ذكر ... وهكذا ذو عند طيء شر وكالتي أيضاً لديهم "ذات" ... وموضع "اللاتي" أتى ذوات و"من" الموصولة تختص. بمن يعلم نحو: {ومن عنده علم الكتاب} [الرعد:43]، {لمن كان له قلب} [ق:37]، ولا يستعمل لغيره إلا منزلا منزلته، نحو: {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} [الحج:13]، أو مختلطا معه نحو: {ولله يسجد من في السموات

والأرض} [الرعد:15] أو مقترنا به في تفصيل عموم شملها نحو: {فمنهم من يمشي على بطنه، ومنهم من يمشي على رجلين، ومنهم من يمشي على أربع} [النور:45]. و"ما" لما لا يعقل نحو: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} [البقرة:29]، أوله مع من يعقل نحو: {سبح لله ما في السموات وما في الأرض} [الحديد:1] [الحشر:1] [الصف:1]، ولصفات من يعقل نحو: {ما طاب لكم من النساء} [النساء:3] ولما أبهم امره، كقولك لمن رأى شيئا شاخصا: "رأيت ما رأيت". و"أل" تستعمل للعاقل نحو: {ليسأل الصادقين عن صدقهم} [الأحزاب:8] , ولغيره نحو: {والعاديات ضبحا} [العاديات:1] ثم كل منهما مساوٍ لما تقدم من الموصولات، مذكرها ومؤنثها، وتثنية كل منهما وجمعه.

ومثلها "ذو" الطائية في الإطلاق على ذلك كله المشهور من لغتهم، نحو: 30 - ... ... ... وبئري ذو حفرت وذو طويت أي: التي، وبعضهم يقول موضع "التي" ذات. حكى الفراء: "الفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمكم الله به" وموضع "اللاتي": ذوات، كقوله: 31 - جمعتها من أينقٍ سوابق ... ذوات ينهض بغير سائق

ثم الأشهر بناؤها على الضم، وبعضهم يعربها بما يعرب به "ذات" بمعنى صاحبة، وجمعها، كما أن منهم من يعرب "ذو" بما يعربه به إذا كان بمعنى: صاحب، فيقول: "رمى ذو عز ذا اعتدى بذي أجرى دماً" ولا يختص العاقل. ومثل ما "ذا" بعد ما استفهام ... أو "من" إذا لم تلغ في الكلام تستعمل"ذا" بعد "ما" أو "من" الاسفاهميتين، مثل: "ما" في الوقوع موقع" الذي والتي " وفروعها، نحو: {ماذا ينفقون} [البقرة:219] وقوله: 32 - ... ... فمن ذا يعزى الحزينا؟ وإنما تقدر موصولية إذا لم تلغ، فلو ألغي وأعمل ما بعده في الاستهام فأبدل منه، أو أجيب بالنصب كقولك: ماذا صنعت؟ أخيراً؟ وكقراءة من نصب {قل العفو} [البقرة:219] بعد {ماذا ينفقون} [البقرة:219] لم يكن موصولا.

وكلها يلزم بعده صله ... على ضمير لائق مشتملة أي جميع الموصولات لابد أن يؤتى لها بصلة متأخرة عنها، لما سبق من أن تعريفها بصلاتها، وهو لازم لها، فأنتج ذلك لزوم صلاتها، ولابد أ، تشتمل الصلة على ضمير يسمى "العائد" لائق بالموصول، أي مطابق له في الإفراد وضديه، وفي التذكير وضده، نحو: {والذي جاء بالصدق} [الزمر:33] {والتي أحصنت فرجها} [الأنبياء:91] {أرنا اللذين أضلانا} [فصلت:29] {إن الذين قالوا} [فصلت:44] [الأحقاف:13] {واللاتي يأتين الفاحشة} [النساء:15] العائد مضمر في: "جاء" و "أحصنت" و "الألف " من أضلانا، و "الواو" من قالوا، و "النون" من يأتي. وجملة أو شبهها الذي وصل ... به كـ"ــمَن" عندي الذي ابنه كفل صلة الموصول إما حملة، وشرطها: أ، تكون خبرية اسمية كانت نحو: "الذي ابنه كفل" وقوله: [في سورة المؤمنون]: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون} [المؤمنون:57] أو فعلية وهو الأكثر نحو: {والذين يمسكون بالكتاب} [الأعراف:170] وإما شبيهة بالجملة، وهو الظرف كـ"ــمن عندى"

و {إن الذين عند ربك} [الأعراف:206] والجار والمجرور نحو: {وله ما في السموات والأرض} [الأنبياء:19] [الروم:26] وكل منهما متعلق بفعل تقديره: استقره، أو نحوه. وصفة صريحة "صلة" أل ... وكونها بمعرب الأفعال قل اختصت "أل" من بين الموصولات بلزوم كون صلتها صفة صريحة، أي: خالصة للوصفية كـ"ــضارب" و "مقتول" و "سعيد"، أما ما غلب استعماله في الاسمية من الصفات كـ"ــأبطح" و "أجرع" و "صاحب" فلا يكون صلة لها، ووصلها بمعرب الأفعال -وهو المضارع- قليل، نحو: 33 - ما أنت بالحكم التُرضَى حكومته ... ... ...

ولا يختص بالضرورة. ("أي" كما وأعربت ما لم تضف ... وصدر وصلها ضمير انحذف) (وبعضهم أعرب مطلقا وفي ... ذا الحذف أيا غير أي يقتفي) (إن يستطل وصل وإن لم يستطل ... فالحذف نزر وأبوا أن يختزل) (إن صلح الباقي لوصل مكمل ... والحذف عندهم كثير منجلي) (في عائد متصل إن انتصب ... بفعل أو وصف كمن نرجو يهب) (أي) من الموصلات إلا عند ثعلب وهي بمنزلة (ما) في الإطلاق على المفرد المذكر وأضداده، نحو: أكرم أيهم يأتيك أو تأتيك أو يأتينك، أو يأتونك، أو يأتينك، لا في الاختصاص بما لا يعقل، وبعض العرب يفرعها

باعتبار التأنيث، والتثنية، والجمع، فيقول: (أيتهم يأتيك) و (أيوهم يأتونك)، وهي معربة من بين الموصلات، لما اختصت به من لزوم الإضافة إلى المفرد لفظا أو تقديرا، وشرط إعرابها عند سيبويه: أن تقطع عن الإضافة، أو تضاف غير محذوف صدر صلتها، فلو أضيفت لفظا، مع حذف صدر صلتها بنيت على الضم، نحو: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم:69] وبعضهم يعربها مطلقا في الأحوال كلها، كما قرأ بعضهم: "أيهم"، ثم حذف العائد الواقع صدر الصلة [جائز في صلة "أي" مطلقا، وغير أي من

الموصولات يتبع أيا في حذف عائده الواقع صدرا للصلة] لكن بشرطين: أحدهما: طول الصلة نحو: جاءني الذي ضاربٌ عمرا، أي هو، فإن لم تطل الصلة، فالحذف نزر، أي قليل، ومنه قراءة بعضهم: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام:154] وقوله: (34 - من يعن بالحمد لم ينطق بما سفهٌ ... ... ... ... ... ...) الثاني: أن يكون خبر العائد مفردا كما مثل، فلو كان جملة أو شبيها بالجملة نحو: "جاءني الذي هو يضرب أخاه، والتي هي عندك" لم يجز الحذف لصلاحية خبر العائد، لأن يكون صلة كاملة، فلا يكون هناك دليل على الحذف.

ولا يحذف من المرفوعات غير المبتدأ، وأما المنصوب فيكثر حذفه إذا كان متصلا بفعل نحو: "من نرجو يهب" وكقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} [المائدة:99]، أو وصف عامل عمل الفعل، نحو: (35 - ما الله موليك فضلٌ فاحمدنه به ... ... ... ... ... ...) أي موليكه، أما لو كان منفصلا نحو: قام الذي إياه أردت، أو متصلا بحرف نحو: "جاء الذي إنه عالم" لم يجز حذفه. (كذاك حذف ما بوصفٍ خفضا ... كأنت قاضٍ بعد أمرٍ عن قضى) أي كذلك يكثر حذف العائد المخفوض بإضافة وصف صالح للعمل إليه كالآية التي أشار إليها المصنف، وهي: قوله تعالى:

{فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:72] أي: قاضية. فلو خفض بإضافة اسم نحو: جاء الذي غلامه حسن، أو بإضافة وصف غير صالح للعمل لكونه ماضيا نحو: جاء الذي أنا أمس مكرمه، لم يجز حذفه. (كذا الذي جر بما الموصول جر ... كمر بالذي مررت فهو بر) كذا يكثر حذف العائد المجرور بحرف قد جر الموصول بمثله نحو: مررت بالذي مررت، أي: به، وكقوله: {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون:33] فلو لم يكن الموصول [مجرورا نحو: جاء الذي مررت به أو كان] مجرورا بغير ما جربه العائد نحو: مررت بالذي ملت إليه، لم يجز الحذف، وقوله: (36 - ... ... ... ... ... وأي الدهر ذو لم يحسدوني) نادر، إذ التقدير: فيه.

المعرف بأداة التعريف

المعرف بأداة التعريف ("أل" حرف تعريف أو اللام فقط ... فنمط عرفت قل فيه النمط) الذي ذهب إليه المحققون أن مجموع: أل" هو المفيد للتعريف، وهو مذهب الخليل وسيبويه، إلا أن الهمزة عند سيبويه زائدة، وأكثر المتأخرين على أن التعريف [باللام وحدها، ثم هي في دلالتها على

التعريف] ثلاثة أقسام عهديه، وهي: ما علم مصحوبها بسبقه في الذكر، نحو: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل:15، 16] أو بحضوره نحو: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] أو باستحضار الذهن له نحو: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [هود:110]. وجنسية للعموم: وهي ما يصح أن تخلفها "كل" دون تجوز، نحو: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ...} [العصر:1، 2، 3] أو جنسية

لمجرد بيان الحقيقة وهي: ما لا يصح أن تخلفها "كل" نحو: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:30]. (وقد تزاد لازما كـ "اللات" ... و"الآن" و "الذين" ثم "اللات") (ولاضطرارٍ كبنات الأوبر ... كذا وطبت النفس يا قيس السرى) تجيء الألف واللام زائدة غير مقصود بها التعريف، لكون ما هي فيه معرفة بدونها، كالأعلام والموصولات، أو لكونه غير قابل للتعريف "كالتمييز والحال" ثم إذا زيدت انقسمت إلى لازمة، وذلك في ثلاثة مواضع، أحدها: ما قارنت نقله من الأعلام "كاللات والعزى" أو ارتجاله كـ "السمو أل واليسع"، والثاني: ما دخلت عليه من [الموصلات، كـ"الذي" و"الذين" و"التي" و"اللاتي"، والثالث: ما دخلت عليه من] أسماء الإشارة كـ"الآن". وإلى عارضة للضرورة كـ "بنات الأوبر" -علم لنوع من الكمأة رديء - ومثله:

(37 - باعد أم العمرو عن أسيرها ... ... ... ...) وكدخولها على التمييز في قوله: (38 - ... ... ... ... صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو) (وبعض الأعلام عليه دخلا ... للمح ما قد كان عنه نقلا) (كالحارث والفضل والنعمان ... فذكر ذا وحذفه سيان) هذا - أيضاً - من أقسام الزائدة، وهي: التي يعبر عنها بأنها دخلت للمح

الصفة، فإن العلم المنقول مما يقبل "أل" يكثر دخول "أل" عليه إن كان صفة كحارث، وضحاك، وعباس، وحسن، وحسين، ويقل إن كان مصدراً كالفضل، وأقل منه: ما كان اسم عين، كـ"النعمان والليث" وقد أشار إلى الأنواع الثلاثة. ثم حذف هذه الألف واللام وذكرها جائزان على السواء، فتقول: جاء عباس والعباس، ورأيت فضلا والفضل، وحدثني الليث وليث. (وقد يصير علماً بالغلبة ... مضافٌ أو مصحوب "أل" كالعقبة) ما عرف بالإضافة أو بالألف واللام، قد يغلب على بعض ما يصح إطلاقه عليه فيصير علما، كـ"ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير" فإن كلاً منها خاص بـ"عبد الله" من بين إخوته، وكذلك المدينة، والبيت، والعقبة، والنجم، خاصة بـ"طيبة" و"الكعبة" و"عقبة منى" - إذا قيلت في أحكام الحج - والثريا. (وحذف "أل" ذي إن تناد أو تضف ... أوجب وفي غيرهما قد تنحذف) "أل" التي صار ما دخلت عليه علما بالغلبة، يجب حذفها إذا نودي ما هي فيه نحو: "يا أعشى" أو أضيف كـ "بيت الله" وفي غير النداء والإضافة لا يحذف إلا قليلا، نحو "هذا عيوق طالعاً". وقوله:

الابتداء

(39 - سرينا ونجمٌ قد أضاء ... ... ... ... ...) الابتداء وهو تجريد ما يصح الإسناد إليه من العوامل اللفظية غير الزائدة للإسناد إليه والمبتدأ هو ذلك المجرد. (مبتدأٌ زيدٌ وعاذرٌ خبر ... إن قلت زيد عاذرٌ من اعتذر) المبتدأ: ما كان كزيد من قولك: "زيد عاذر"، في كونه اسما مجردا عن العوامل اللفظية، مسندا إليه خبره، ومثله: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:224] ويقع غير الاسم مبتدأ لتأوله بالاسم نحو: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:184] وكذا دخول

العامل الزائد عليه لا يخرجه عن كونه مبتدأ نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر:3]، و "بحسبك زيد". (وأولٌ مبتدأ والثاني ... فاعل اغني في أسارٍ ذان؟) (وقس، وكاستفهام النفي وقد ... يجوز، نحو: "فائزٌ أو لو الرشد") (والثان مبتدا وذا الوصف خبر ... إن في سوى الإفراد طبقاً استقر) من المبتدأ نوع يستغنى بإسناده إلى الفاعل عن إسناد الخبر إليه، وهو كل وصف رافع لظاهر اكتفى به، معتمد على استفهام نحو: "أسارٍ ذان؟ "

ويقاس عليه نحو: "هل مضروب غلمانك" وما طاعم أهلك"، أو نفي، نحو: (40 - خليلي ما وافٍ بعهدي أنتما ... إذا لم تكونا لي على من أقاطع) فلو كان غير وصفٍ، نحو: "نزال" أو وصفا رافعا لضمير، نحو: "أقائمون إخوتك" أو لظاهر غير مكتف به، نحو: "أقائم أبواه زيد" أو لم يعتمد على ما ذكر، لم يدخل في هذا الحكم، وقد يعامل بذلك ما لم يعتمد، كقولك: "فائزٌ أو لو الرشد". ومثله:

(41 - خبيرٌ بنو لهبٍ فلا تك ملغياً ... مقالة لهبي إذا الطير مرت) ثم هذا الوصف له ثلاثة أحوال، أحدها: أن لا يطابق ما بعده، نحو: (42 - أقاطنٌ قوم سلمى أم نووا ظعنا ... ... ... ...) فيتعين جعله مبتدأ، وما بعده فاعل مغن.

الثاني: أن يطابقه في غير الإفراد، نحو: "أقائمان أخواك" و "ما منطلقون غلمانك"، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجي هم) فيتعين جعل الوصف خبرا مقدما، والذي بعده مبتدأ، كما ذكر المصنف، ويجوز جعله كالأول على لغة: "أكلوني البراغيث". والثالث: أن يتطابقا في الإفراد، نحو: "أقائم زيد" فيجوز الوجهان. (ورفعوا مبتدأ بالابتدا ... كذاك رفع خبرٍ بالمبتدا) الرافع للمبتدأ معنى، وهو الابتداء لا الخبر، والرافع للخبر لفظ، وهو المبتدأ، لا الابتداء، ولا هما

عند المحققين. (والخبر الجزء المتم الفائدة ... كالله برٌ والأيادي شاهده) الخبر ما تمت به الفائدة مع مبتدأ غير وصف مستغن، فنحو: "زيد أبوه قائم" لا يصح جعل الثاني فيه خبرا لعدم تمام الفائدة به، وإنما هو مبتدأ آخر، وما بعده خبره ومجموعهما خبر الأول. (ومفرداً يأتي ويأتي جمله ... حاويةً معنى الذي سيقت له) (وإن تكن إياه معنى اكتفى ... بها كـ"نطقي" الله حسبي وكفى)

ينقسم الخبر إلى مفرده نحو: "زيد قائم"، و {رَبُّنَا اللَّهُ} [فصلت:30] وإلى جملة اسمية "زيد أبوه قائم" أو فعليه نحو: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68] ثم الجملة لابد أن تشتمل على معنى المبتدأ الذي سيقت للإخبار عنه، وأكثر ما يكون ضميرا مطابقا للمبتدأ إما بارزا، وإما مستترا، كما سبق تمثيلهما، وإما مقدرا نحو: (43 - ... ... ... ... ... ويومٌ نساء ويومٌ نسر) أي: فيه. ويستغنى عنه بإعادة المبتدأ بلفظه نحو: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ}

أو بمعناه نحو: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف:170] أو بالإشارة إليه نحو: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26]. وإن كانت الجملة هي نفس المبتدأ في المعنى، لم يحتج إلى ضمير كقولك: "نطقي الله حسبي"، وكقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10] ولذلك استغنت الجملة الواقعة خبرا لضمير الشأن عن عائد، نحو: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]. (والمفرد الجامد فارغٌ وإن ... يشتق فهو ذو ضميرٍ مستكن) (وأبرزنه مطلقا حيث تلا ... ما ليس معناه له محصلا)

الخبر المفرد منقسم إلى جامد، ومشتق، فالجامد لا يتحمل ضميرا، نحو: "هذا زيد" وقد يتحمله إذا أول بالمشتق، نحو: "زيد أسد"، إذا أريد الإخبار عنه بالقوة والشجاعة، وكذلك يرفع الظاهر فتقول: "أسد أبوه"، والمشتق هو ما تضمن معنى الفعل وحروفه، ويتحمل ضميرا عائدا على المبتدأ ما لم يرفع ظاهرا نحو: "زيد قائم أبوه" فلا ضمير فيه حينئذ، ثم إن جرى المشتق على من هوله وجب استكنان الضمير، نحو: "زيد قائم" وإن جرى على غير من هوله وجب إبراز الضمير مطلقا سواء ألبس نحو "غلام زيد

ضاربه هو" إذا جعلت الهاء في الوصف للغلام، أو لم يلبس نحو: "زوج هندٍ مغاضبته هي" وامرأة زيدٍ مغاضبها هو، والكوفيون لا يلتزمون الإبراز إلا مع اللبس. (وأخبروا بظرفٍ أو بحرف جر ... ناوين معنى كائنٍ أو استقر) يقع الخبر ظرفا نحو: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأنفال:42] أو جارا ومجرورا نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة:2] ولك أن تقدر العامل فيهما بـ"كائن" أو "مستقر"، فيكون الخبر من قسم المفرد المشتق، ولك أن تقدره بـ"استقر" فيكون من قسم الجملة، وكلاهما عند المحققين في موضع نصب، والخبر المرفوع: إما عاملهما المقدر عند من قدره بكائن، وإما مجموع الجملة عند من قدره باستقر. (ولا يكون اسم الزمان خبرا ... عن جثة وإن يفد فأخبرا) لا يخبر باسم الزمان عن الذوات، فلا يقال: "زيد اليوم، لعدم الفائدة، فأما نحو: "الرطب تموز، واليوم حمرٌ، والليلة الهلال،

فقيل: هو على تقدير مضاف، أي حصول الرطب، وشرب خمر، ورؤية الهلال، وقيل: سوغ ذلك شبهها بالمعاني في الحدوث وقتا دون وقت، أما إن أفاد الإخبار باسم الزمان عن الذوات لكونها عامة واسم الزمان خاص، نحو: "نحن في شهر كذا" فإنه يجوز، ولذلك اطرد "الإخبار به عن المعاني" نحو: الصوم يوم الخميس، [والسفر غدا].

(ولا يجوز الابتدا بالنكرة ... ما لم تفد كعند زيدٍ نمره) (وهل فتيً فيكم فما خلٌ لنا ... ورجلٌ من الكرام عندنا) (ورغبةٌ في الخير خيرٌ وعمل ... بريزين، وليقس ما لم يقل) الأصل تعريف المبتدأ وتنكير الخبر، لأن المبتدأ معلوم عند المخاطب، والخبر مجهول، ولذلك لم يسغ الابتداء بالنكرة إلا عند حصول الفائدة، إما بأن يتقدم الخبر عليها وهو ظرف مختص كـ"عند زيد نمرة" ومثله: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] والجار والمجرور كذلك نحو: {لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ} [الزخرف:73]، وإما بأن تقع بعد استفهام نحو: "هل فتىً فيكم؟ " ومثله {أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:60] أو بعد نفى نحو: فما خل لنا، ومثله: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] وإما بأن يتخصص بوصف ظاهر نحو: "رجل من الكرام عندنا"

{وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة:221] والمقدر مثله: نحو: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عمران:154] التقدير: وطائفة من غيركم. أو بإضافة نحو: "عمل بر يزين" وفي الحديث "خمس صلواتٍ كتبهن الله" وإما بأن تكون عاملة فيما بعدها، نحو: "رغبة في الخير خير" وفي الحديث: (وأمر بمعروفٍ صدقة ونهى عن منكر صدقة) ويقاس على ذلك كله ما حصلت به فائدة، مثل كون المبتدأ وصفا لموصوف محذوف كقولهم:

"ضعيف عاذ بقرملة" أو كالموصوف، نحو: "رجيل في الدار" أو معطوفا على ما فيه مسوغ، نحو: (44 - عندي اصطبارٌ وشكوى عند فاتنتي ... ... ... ... 9 أو معطوفا عليه ما فيه مسوغ، نحو: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [محمد:21] أو واقعا بعد لولا نحو:

(45 - لولا اصطبارٌ لأودى كل ذي مقه ... ... ... ...) أو متضمنا للعموم نحو: "تمرةٌ خيرٌ من جرادة" أو للدعاء، نحو: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ}

(والأصل في الأخبار أن تؤخرا ... وجوزوا التقديم إذ لا ضررا) (فامنعه حين يستوي الجزآن ... عرفا ونكرا عادمي بيان) (كذا إذا ما الفعل كان الخبرا ... أو قصد استعماله منحصرا) (أو كان مسنداً لذي لام ابتدا ... أو لازم الصدر كمن لي منجدا) الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر، والعكس جائز ما لم يمنع منه مانع

من الموانع الآتي ذكرها، فيجوز "عندي زيد" كما تقول: "زيد عندي" ويمتنع التقديم في الأربعة التي ذكرها المصنف، أحدها: إذا استوي الجزآن يعني: المبتدأ وخبره، إما في التعريف نحو: "زيد القائم" وإما في التنكير، نحو: "أفضل منك أفضل مني" لا يجوز تقديم الخبر لخوف التباسه بالمبتدأ، مع عدم بيان ذلك بقرينة، أما لو كان هناك قرينة تعين المبتدأ مع التعريف نحو: "أبو يوسف أبو حنيفة" وكقوله: (46 - بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد) أو مع التنكير نحو: "رجل صالح حاضر" و"عمل بر أمثل" لم يمتنع تقديم الخبر، لتميز المبتدأ مع التعريف، بكونه المشبه لا المشبه به، ومع التنكير لوجود المسوغ معه. الثاني: أن يخاف التباسه بالفاعل، مثل أن يخبر عنه بفعل نحو:

"زيد قام" [{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ} [النور:45] فلو كان معه قرينة تميزه نحو: "أخواك قاما" و"زيد قام] أبوه" لم يمتنع التقديم. الثالث: أن يكون الخبر محصورا بإلا، نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران:144] أو بإنما نحو: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء:171]، فأما قوله: (47 - ... ... ... ... وهل إلا عليك المعول)

فضرورة. الرابع: أن يكون الخبر مسندا إلى ما يستحق التصدير لنفسه لكونه اسم استفهام، نحو: "من لي منجدا؟ " ويجري مجراه "كم الخبرية"، نحو: "كم عبدٍ لي" واسم الشرط، نحو: "من يقم أقم معه" أو موصولا دخلت الفاء في خبره، نحو: "الذي يأتيني فله درهم" لكونه إذ ذاك شبيها باسم الشرط في العموم، وطلب فعل مستقبل يكون سببا لما بعده، واقتضائه لفاء السبب، وما أضيف إلى شيء من ذلك، نحو: غلام من عندك؟، [وغلام الذي يأتيني فله درهم، ومال كم رجلٍ حزت، وغلام من يقم أقم معه] أو لاتصاله بلام الابتداء نحو: "لزيد قائم". (ونحو "عندي درهم" و"لي وطر ... ملتزم فيه تقدم الخبر) (كذا إذا عاد عليه مضمر ... مما به عنه مبيناً يخبر) (كذا إذا يستوجب التصديرا ... كأين من علمته نصيرا؟) (وخبر المحصور قدم أبدا ... كـ "مالنا إلا اتباع أحمدا)

هذه المسائل الأربعة مما يتعين الخروج فيها عن الأصل بإيجاب تقديم خبر المبتدأ عليه: الأولى: إذا كان تقديمه مصححا للابتداء بالنكرة، كما في نحو: "عندي درهم، ولي وطر"، فلو كان هناك مسوغ آخر نحو: {فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:179] لم يكن التقديم واجبا بدليل {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} [الأنعام:2]. الثانية: أن يعود على الخبر ضمير من المبتدأ نحو: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] إذ تأخيره هاهنا مفض إلى عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة. الثالثة: أن يكون الخبر مستوجبا للتصدير، لكون اسم استفهام نحو:

"أين من علمته نصيرا؟ " أو أضيف إليه نحو: "صبيحة أي يومٍ سفرك؟ ". الرابعة: أن يكون المبتدأ محصورا بـ"إلا"، نحو: "ما لنا إلا إتباع أحمد" أو بـ"إنما" نحو: "إنما عندك زيدً". (وحذف ما يعلم جائز كما ... تقول: "زيدٌ" بعد: من عندكما؟) (وفي جواب كيف زيدٌ؟ قل دنف ... فزيد استغنى عنه إذ عرف) يعني ما علم من المبتدأ والخبر جاز حذفه، فمثال ذلك في الخبر: "زيد" جوابا لمن قال: "من عندك؟ " والأصل: "زيد عندي". ومثله قوله تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد:35] أي كذلك. ومثاله في المبتدأ قولك: "دنف" جوابا لمن قال: "كيف زيد؟ " والأصل: زيدٌ دنفٌ، فاستغنى عن ذكر زيد للعلم به، ومثله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46] أي فعمله وإساءته. فإن لم يعلم بقرينة دالة عليه لم يجز حذفه. (وبعد "لولا" غالبا حذف الخبر ... حتمٌ وفي نص يمينٍ ذا استقر) (وبعد، واوٍ عينت مفهوم مع ... كمثل "كل صانعٍ وما صنع) (وقبل حالٍ لا يكون خبرا ... عن الذي خبره قد أضمرا) (كضربي العبد مسيئاً وأتم ... تبييني الحق منوطا بالحكم) هذه المسائل الأربع يجب فيها حذف الخبر:

الأولى: أن يسند إلى مبتدأ واقع بعد "لولا"، وغالب ما يكون حينئذ كونا مطلقا نحو: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ:31] والتقدير: لولا أنتم موجودون، فيحذف حتما. أما لو وقع مقيدا نحو:

(لولا قومك حديثو عهد بكفر، لنقضت الكعبة)، تعين إثباته إن لم يدل عليه دليل. وجاز مع الدليل عليه الوجهان. الثانية: أن يسند إلى مبتدأ واقع في نص يمين، بأن يكون صريحا في القسم، نحو: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي} [الحجر:72] و "أيمن الله لأفعلن" التقدير لعمرك قسمي.

أما إن دل المبتدأ على قسم ولم يكن صريحا نحو: [عهد الله - أو ميثاقه - لأفعلن، جاز الإثبات، نحو:] "عهد الله علي" والحذف. الثالثة: أن يكون المبتدأ واقعا بعده واو صريحة في المصاحبة، وهو المراد بقوله: "عينت مفهوم مع" نحو: "كل صانع وما صنع" التقدير: مقترنان. أما لو لم تكن الواو العاطفة نصا في المعية، نحو: "زيد وعمرو قائمان" لم يلزم الحذف. الرابعة: أن يقع بعد المبتدأ حال لا يصح الإخبار عنه بها، والمبتدأ مصدر عامل في صاحبها، أو مضاف إلى مصدر عامل في صاحبها. فالأول: كـ "ضربي العبد مسيئا". والثاني: "كأتم تبييني الحق منوطا بالحكم"، والخبر المحذوف هنا يقدر بمصدر مضاف إلى صاحب الحال،

فتقدير الأول: "ضربه مسيئا". وتقدير الثاني: "تبيينه منوطا"، ولو قيل: إن الحال هنا سدت مسد الخبر، وأغنت عن تقديره كفاعل الوصف كان أوجه.

أما لو صلحت الحال للإخبار بها عن المبتدأ لم تجز المسألة، نحو: "ضربي زيدا شديدا"، بل يتعين رفع الحال، أو الإتيان بخبر. (واخبروا باثنين أو بأكثرا ... عن واحدٍ كـ "هم سراةٌ شعرا) ويجوز تعدد الخبر المستقل بدون عطف، مع كون المبتدأ واحدا، نحو: "زيد كاتبٌ شاعرٌ"، قال تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ*فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:14، 15، 16]، وتقدير المخالف مبتدأ لكل خبر، لا دليل عليه، أما ما لا يستقل بالخبرية "هذا حلوٌ حامضٌ"

فيجوز بلا نزاع لأنهما في معنى خبر واحد، أي "مز" وكذلك ما تعدد بعطف نحو: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ} [الأنعام:39] أو تعدد لتعدد المبتدأ نحو: (48 - يداك يد خيرها يرتجى ... وأخرى لأعدائها غائظه) فالاستشهاد به على تعدد الخبر وهمٌ.

كان وأخواتها

كان وأخواتها لما كانت نواسخ الابتداء ثلاثة أقسام: منها ما ينسخ الرفع في الجزأين كـ"ظن"، ومنها ما ينسخه في الأول دون الثاني كـ"إن"، ومنها ما ينسخه في الثاني دون الأول كـ"كان" بدأ بهذا القسم، لبقاء المبتدأ الذي هو العمدة فيه على مثل إعرابه، ثم بالذي قبله لبقاء شيء من حكم الابتداء فيه، ثم بالأول، لبطلان حكم الابتداء في إعرابه. (ترفع "كان" المبتدأ اسما والخبر ... تنصبه كـ"كان" سيداً عمر) كان وأخواتها هي (العاملة في المبتدأ والخبر) فترفع المبتدأ لشبهه بالفاعل، ويسمى اسمها، وتنصب الخبر، لشبهه بالمفعول، ويسمى خبرها، نحو: "كان عمر سيدا"، {وَكَانَ اللَّهُ

غَفُورًا} [النساء:100]. (ككان، ظل، بات، أضحى، أصبحا ... أمسى، وصار، ليس، زال، برحا) (فتيء، وانفك، وهذي الأربعة ... لشبه نفي، أو لنفي متبعه) (ومثل كان "دام" مسبوقا بـ"ما" ... كـ "أعط ما دمت مصيباً درهما") هذه الاثنا عشر فعلا هن أخوات "كان" وقسمها المصنف ثلاثة أقسام: الأول: ما يعمل (ككان بلا قيد) وهي سبعة: "ظل" كقوله: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه:97]، و"بات" نحو: "بات زيد مصليا"، و"أضحى" نحو: "أضحى عمرو ملبيا"، و"أصبح" نحو: "أصبح خالد عروسا"، و"أمسى" نحو: "أمسى أخوك حزينا"، و"صار" نحو: "صار البسر تمرا"، و"ليس" نحو: "ليس الله غافلا" فتعمل في الإثبات كما مثل، وبعد النفي نحو: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33]. الثاني: ما يعمل مشروطا بوقوعه بعد نفي، أو شبه نفي، وهي أربعة: "زال" نحو: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118]، و"برح" نحو: {لَنْ نَبْرَحَ

عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} [طه:91]، و"فتيء" نحو: "ما فتيء زيد قائما"، و"انفك" نحو: (49 - حراجيج لا تنفك إلا مناخة ... ... ... ...) والنفي المقدر كالملفوظ به، نحو: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف:85] إذ تقديره: لا تفتأ، والمراد بشبه النفي: النهي، نحو: (50 - صاح شمر ولا تزل ذاكر المو ... ت ... ... ...)

والدعاء، نحو: (51 - ... ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر ...) ومثله ما تضمن معنى النفي من اسم كقوله: (52 - عسيرٌ توقيك الهوى غير بارح ... معلل نفسٍ باختلاسة ناظر) أو فعل نحو: (53 - قلما يبرح المطيع هواه ... وجلا ذا كآبةٍ وغرام) الثالث: ما عمله مشروط بسبقه بـ"ما" المصدرية الوقتية، وهو "دام" كقولك: أعط ما دمت مصيبا درهما. التقدير: مدة دوامك مصيبا، ومثله:

{وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم:31]. (وغير ماض مثله قد عملا ... إن كان غير الماض منه استعملا) ما تصرف من هذه الأفعال إلى غير لفظ الماضي، من مضارع، أو أمر، أو مصدر، أو صفة، عملت تصاريفه مثل عمله، وهي منقسمة في التصرف إلى ثلاثة أقسام: تام التصرف، وهو أكثرها، وناقص، وهو: زال، وبرح وفتيء، وانفك، فإنه يستعمل منه المضارع نحو: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ} [يوسف:80] والوصف، نحو: (54 - قضى الله يا أسماء أن لست زائلا ... أحبك حتى يغمض العين مغمض) ولا يستعمل منها مصدر ولا أمر، وعادم التصرف، وهو: ليس اتفاقا و"دام" عند أكثر المتأخرين. (وفي جميعها توسط الخبر ... أجز، وكل سبقه "دام" حظر) (كذاك سبق خبر "ما النافية" ... فجيء بها متلوة لا تالية) (ومنع سبق خبرٍ "ليس" اصطفى ... وذو تمام ما برفعٍ يكتفي)

يجوز في جميع أفعال هذا الباب توسط الخبر بين الاسم وبين العامل، نحو: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47] حتى في "ليس" كقراءة حمزة {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} [البقرة:177] و "ما دام" نحو: (55 - مادام حافظ سري من وثقت به ... فهو الذي لست عنه راغباً أبدا)

وقد يكون التوسط واجبا نحو: {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا} [الجاثية:25] وممتنعا نحو: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] للحصر فيهما، ولا يجوز تقدم خبر "مادام" عليها باتفاق النحاة، فلا يجوز: قائما

مادام زيد، لأن ما في صلة المصدر لا يتقدم عليه، وكذلك لا يجوز تقديم خبر ما بقي من أفعال هذا الباب بـ"ما" عليه سواء كان مشروطا في عمله تقدم النفي، نحو: "قائما ما زال زيد"، أو لم يكن، نحو: "مسافرا ما أصبح عمرو" وابن كيسان خص المنع بالثاني دون الأول، ثم سبب المنع إنما هو استحقاق "ما" للتصدير، فيجب أن (يؤتى بها متلوة بجميع ما نفته)، لا تالية لبعضه، وكذلك لو توسط الخبر بين "ما" وبين العامل، نحو:

"ما منطلقا كان أخوك" جاز اتفاقا، وأما ما كان من أفعال هذا الباب مثبتا أو منفيا بغير "ما" فإنه يجوز تقدم خبره عليه، كما يقتضيه مفهوم كلام المصنف، وكذلك تقدم معمول أخبارها على العامل في نحوه: {وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:177]. وقوله: (56 - ... ... ما إن رأيته ... على السن خيرا لا يزال يزيد) إلا "ليس" فإن المختار عند المصنف منع تقديم خبرها عليها، موافقة لجمهور

البصريين، ولا حجة للمجيز في قوله: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود:8] لاحتمال كون "يوم" مبتدأ، بني لإضافته إلى الفعل، أو لأن الظرف يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره، وتسمى هذه الأفعال ناقصة لعدم اكتفائها بالمرفوع، فما يكتفي منها بالمرفوع سمي تاما كـ"كان" بمعنى وجد، ومنه قوله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ ...} [البقرة:280] وأصبح، وأمسى، وأضحى، بمعنى الدخول في هذه الأوقات، نحو:

{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:17] وكذا "دام" بمعنى بقي، نحو: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} [هود:107]. (وما سواه ناقصٌ، والنقص في ... فتيء، ليس، زال، دائما قفي) ما سوى المكتفي بالمرفوع يسمى ناقصا، كما سبق، والنقص ملازم للأفعال الثلاثة المذكورة، كما زعم المصنف هنا، وذكر الصاغاني في "نوادر الإعراب": أن فتيء تستعمل تامة بمعنى: نسي، وأما "زال" فإنما يلزمها النقص إذا كان مضارعها يزال، أما "زال" التي مضارعها على "يزول" بمعنى: فارق، و"زال" التي مضارعها على "يزيل" بمعنى: "ماز" فيلزمها التمام.

وذكر الفارسي أن التي مضارعها: "يزال" تستعمل تامة أيضا. (ولا يلي العامل معمول الخبر ... إلا إذا ظرفا أتى أو حرف جر) (ومضمر الشأن اسما انو إن وقع ... موهم ما استبان أنه امتنع) إذا كان معمول أخبار هذه الأفعال ظرفا، أو جارا ومجرورا جاز وقوعه بعد العامل مقدما على الاسم، نحو: "كان عندك زيد جالسا" و "كان فيك عمرو راغبا"، وإن لم يكن أحدهما لم يجز أن يلي العامل،

سواء تقدم معه الخبر، نحو: "كان أخاك مكرما زيدٌ"،أو لم يتقدم، نحو: "كان طعامك زيد آكلا" فإن وقع ما يوهم ذلك كقوله: (57 - ... ... ... بما كان إياهم عطية عودا) قدر اسم "كان" ضمير الشأن، والجملة خبرها، فإن لم يمكن ذلك لظهور النصب في الخبر نحو:

(58 - باتت فؤادي ذات الخال سالبةً ... ... ... ...) حمل على الضرورة، وقيل: إنما هو: بانت، بالنون. (وقد تزاد "كان" في حشوٍ كـ"ما" ... - كان - أصح علم من تقدما) انفردت "كان" من بين أخواتها بجواز زيادتها، إذا وقعت بلفظ الماضي في حشو، والمراد به: أن تكون بين شيئين لا يستغنى أحدهما عن الآخر، نحو: "ما كان أصح علم من تقدم" ومن كلامهم: "لم يوجد كان مثلهم"،

ويقل ذلك بين الجار والمجرور، نحو: (59 - ... ... ... ... ... على - كان- المسومة العراب) وأما زيادتها بلفظ المضارع نحو: (60 - أنت - تكون- ماجدٌ نبيل ... ... ... ...) فنادر.

(ويحذفونها ويبقون الخبر ... وبعد "إن" و"لو" كثيراً ذا اشتهر) مما اختصت به "كان" من بين أخواتها جواز حذفها مع اسمها، وإبقاء الخبر على حاله منصوبا، واشتهر ذلك بعد "إن" الشرطية، نحو قوله: (61 - لا تقربن الدهر آل مطرفٍ ... إن ظالما - أبدا- وإن مظلوما)

أي: إن كنت، أو "لو" بمعناها، كما في الحديث: "التمس ولو خاتما من حديد"، أي: ولو كان الملتمس، أما الحذف دونهما نحو: (62 - ... ... ... ... ... من لد شولاً فإلى إتلائها) فنادر. (وبعد أن تعويض "ما" عنها ارتكب ... كمثل: "أما أنت برا فاقترب") إذا حذفت "كان" بعد "إن الشرطية" لم يعوض عنها شيء كما سبق، وإن حذفت بعد "أن المصدرية" عوض عنها "ما" نحو:

"أما أنت برا"، أصله: أن كنت برا، ثم حذفت "كان" وعوض عنها "ما" وانفصل الضمير لعدم ما يتصل به، ومثله: (63 - أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... "فإن قومي لم تأكلهم الضبع") (ومن مضارع لـ"كان" منجزم ... تحذف نون وهو حذف ما التزم) يختص مضارع "كان" من بين الأفعال كلها بحذف آخره الصحيح، لدخول الجازم المقتضي لسكونه، إلا أن هذا الحذف ليس بلازم، وأكثر ما يوجد إذا كان بعدها متحرك غير ضمير، نحو: {وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127]- في النحل لا في النمل -.

أما لو كان المتحرك الذي بعدها ضميرا، لم يجر الحذف، نحو: "إن يكنه فلن تسلط عليه" ويقل إذا كان بعدها ساكن، نحو: (64 - إذا لم تك الحاجات من همة الفتى ... ... ... ...) أما لو كان الجازم مقتضيا للحذف، نحو: {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف:9] لم يجز حذف النون.

فصل في "ما ولا ولات وإن" المشبهات بليس

فصل في "ما ولا ولات وإن" المشبهات بليس كان مقتضى القاعدة في هذه الحروف أن لا تعمل لعدم اختصاصها، فإنها تدخل على الأسماء نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران:144] و {لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] و {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:23] وعلى الأفعال نحو: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} [الإسراء:15] {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} [الدخان:56] {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} [الأحقاف:26] لكنها قويت لشبهها بـ"ليس" في الدلالة على النفي والدخول على المبتدأ والخبر، وتخليص المضارع إلى الحال. (إعمال ليس أعملت "ما" دون إن ... مع بقا النفي وترتيب زكن) (وسبق حرف جر أو ظرف كـ"ما ... بي أنت معنيا" أجاز العلما) أي: تعمل "ما" النافية عمل ليس، في رفع الاسم ونصب الخبر، عند الحجازيين وبلغتهم نزل القرآن، كقوله: {مَا هَذَا بَشَرًاٌ} [يوسف:31] {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة:2]. وأما بنو تميم فلا يعملونها، لكونها مشتركة بين الأسماء والأفعال، بل يتركون الاسمين بعدها مرفوعين، على ما كانا عليه من الابتداء

والخبر، وإنما يعملها أهل الحجاز بثلاثة شروط: أحدها: بقاء نفيها كما ذكر، فلو انتقض بإلا بطل الإعمال، نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران:144]، الثاني: أن لا تزاد بعدها "إن" فإن زيدت بطل الإعمال، كقوله: (65 - فما إن طبنا جبنٌ ولكن ... منايانا ودولة آخرينا) الثالث: أن يترتب خبرها على اسمها، فلو تقدم عليه، هو أو معمولة، بطل العمل كقولهم: "ما مسيء من أعتب"، وكقوله:

(66 - ... ... ... ... ... وما كل من وافى مني أنا عارف) إلا أن يكون معمول الخبر المتقدم ظرفا، نحو: "ما عندك زيد جالسا"، وقوله: (67 - ... ... ... ... فما كل حينٍ من توالي مواليا)

أو جارا ومجرورا كما مثل به المصنف من قوله: "كما بي أنت معنيا"، وأما نحو: (68 - وما الدهر إلا منجونا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلا معذبا)

(69 - وبني غدانة ما إن أنتم ذهبا ... ... ... ...) على رواية ابن السكيت. (70 - ... ... ... ... إذ ما مثلهم بشر)

فمؤول. (ورفع معطوف بـ"لكن" أو بـ"بل" ... من بعد منصوبٍ بـ"ما" الزم حيث حل) إذا عطفت على خبر "ما" المنصوب، فإن كان العطف بلكن، أو ببل، تعين رفع المعطوف لبطلان حكم النفي فيه بهما، إذ كل منهما يقتضي بعد النفي ضده، فتقول: "ما زيد مقيما بل ظاعن" و "ما عمرو صحيحاً لكن سقيم" فلو عطفت بغيرهما مما يقتضي التشريك فلك أن تنصب المعطوف إتباعا على اللفظ، نحو: "ما زيد آكلا وشاربا"، ولك أن ترفعه إتباعا على المحل، نحو: "ما عمرو مسافرا فحاج". (وبعد "ما" و"ليس" جر البا الخبر ... وبعد لا ونفي "كان" قد يجر) تدخل الباء على الخبر بعد "ما" و"ليس" لتأكيد النفي، فتجره لفظا، نحو: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}

وله حينئذ محلان: محل أصلي، وهو الرفع، ومحل ثان، بعد دخول "ما وليس" وهو النصب، ولفظه مجرور، ولذلك جاز إعراب المعطوف عليه بالحركات الثلاث، وقد تدخل الباء على خبر "لا" كقوله: (71 - فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة ... بمغنٍ فتيلا عن سواد بن قارب) وعلى خبر كان المنفية، نحو: (72 - وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل)

(في النكرات أعملت كليس "لا" ... وقد تلى "لات" و"إن" ذا العملا) "لا" تعمل عمل "ليس" بالشروط المتقدمة في عمل "ما" وتزيد على ذلك باشتراط كون معموليها نكرتين، كقوله: (73 - تعز فلا شيءٌ على الأرض باقيا ... ولا وزرٌ مما قضى الله واقيا) إلا أن عملها أقل من عمل "ما" وأقل من عملهما عمل "لات" وعمل "إن"، ومن عملها قراءة بعضهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}

على تقدير النفي، أي: ليسوا أمثالكم بل أنتم أكمل منهم. (وما "للات" في سوى حين عمل ... وحذف ذي الرفع فشا والعكس قل) "لات" قيل: هي كلمة مستقلة، وقيل: بل هي "لا" زيدت عليها التاء"، وقيل: بل التاء داخلة على ما بعدها، وإنما تعمل في اسم زمان سواء كان

بلفظ الحين أو غيره، كـ"الأوان" و"الساعة"، نحو: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص:3] وكقوله: (74 - ندم البغاة ولات ساعة مندم ... ... ... ...) (75 - ... ... ... ... يبغي جوارك حين لات مجير)

أفعال المقاربة

ويجب حذف أحد معموليها، والأكثر حذف المرفوع منهما، وهو الاسم، كما سبق، وعكسه قليل، وهو حذف المنصوب وإبقاء المرفوع، كقراءة بعضهم: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص:3]. أفعال المقاربة لما كانت أفعال هذا الباب منقسمة إلى ما يدل على الشروع في الفعل كـ"أخذ" وإلى ما يدل على رجائه كـ"عسى" وإلى ما يدل على مقاربته كـ"كاد"، وكانت المقاربة مرتبة متوسطة بين الشروع في الفعل ومجرد رجائه، جعلوها ترجمة الباب، إذ الوسط دال على كل من الطرفين. (ككان "كاد، وعسى" لكن ندر ... غير مضارعٍ لهذين خبر) أي: مثل "كان" في اقتضاء اسم مرفوع، وخبر منصوب "كاد" الدالة على مقاربة الخبر، و"عسى" الدالة على رجائه، لكن يفارقانها في التزام كون

خبرهما فعلا مضارعا نحو: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:19] {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} [المائدة:52] إلا في نادر من الكلام، كمجيئه مفردا في قوله: (76 - فأبت إلى فهمٍ وما كدت آيبا ... ... ... ... ...)

وفي قولهم: "عسى الغوير أبؤساً". (وكونه بدون أن بعد "عسى" ... نزرٌ و"كاد" الأمر فيه عكسا) أي: كون المضارع الواقع خبرا لهذين الفعلين مجردا من "أن" بعد عسى قليل، كقوله:

(77 - عسى فرجٌ يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر) ولم يرد في القرآن إلا مقترنا بـ"أن". وأما "كاد" فبالعكس، المشهور تجرد خبرها من "أن" ولم يرد في القرآن إلا كذلك، واقترانه بـ"أن" قليل، كقوله: (78 - كادت النفس أن تفيض عليه ... ... ... ...) وسر ذلك أن "أن" تخلص الفعل للاستقبال، و"كاد" تدل على قربه

من الحال كما سبق، فالإتيان بـ"أن" بعدها مناقضة لمدلولها، بخلاف "عسى"، فإن الخبر بعدها مرجو، لم يعلم قرب وقوعه. (وكعسى "حرى" ولكن جعلا ... خبرها حتماً بـ"أن" متصلا) مثل عسى في الدلالة على الترجي، وفي العمل: "حرى" إلا أن اقتران خبرها بـ"أن" لازم نحو: "حرى زيد أن يفعل كذا". (وألزموا "اخلولق" أن مثل حرى ... وبعد "أوشك" انتفا "أن" نزرا) "اخلولق" من أفعال الرجاء أيضا، إلا أنهم ألزموا خبرها الاقتران "بأن" كحري، نحو: "اخلولقت السماء أن تمطر" وأما "أوشك" فمن أفعال المقاربة إلا أنها جرت في اقتران خبرها بـ"أن" مجرى عسى، وكثر اقتران خبرها "بأن" كقوله: (79 - إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت ... حبال الهويني بالفتى أن تقطعا) وتجرده منها قليل، كقوله: (80 - يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها)

والصواب التخيير، لورود التجرد في قوله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الرجل متكئا على أريكته يأتيه الحديث من أمري ...). (ومثل كاد في الأصح "كربا" ... وترك أن مع ذي الشروع وجبا) (كـ "أنشأ" السائق يجدو وطفق ... كذا "جعلت" و"أخذت" و"علق") "كرب" من أفعال المقاربة أيضا، وهي في اقتران خبرها بـ"أن" بمنزلة "كاد" والأكثر تجرده، نحو: (81 - ... ... ... ... ... وقد كربت من شدة الوجد تطلع) وكقوله:

(82 - كرب القلب من جواه يذوب ... ... ... ...) ويجوز اقترانه بـ"أن" في أصح قولي النحاة، إلا أنه قليل، كقوله: (83 - ... ... ... ... ... وقد كربت أعناقها أن تقطعا) ولم يذكر سيبويه فيها إلا التجرد، وما استعمل من أفعال هذا الباب دالا على الشروع في خبره، وجب تجرد خبره من (أن) لمناقضتها لمدلوله، وأفعال الشروع خمسة، "أنشأ" نحو: "أنشأ السائق يحدو" و"طفق"

كقوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف:22] وقد تفتح الفاء منها أو تبدل باء، و"جعل" نحو: (84 - وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ... ثوبي ... ... ...)

و"أخذ" نحو: (85 - فأخذت أسأل والرسوم تجيبني ... ... ... ...) و"علق" كما جاء في الحديث: "فعلقت به الأعراب يسألونه". (واستعملوا مضارعا لـ"أوشكا" ... و"كاد" لا غير وزادوا "موشكا") هذه الأفعال ملازمة لصيغة الماضي إلا "كاد" و"أوشك" فإنه قد استعمل منهما مضارع، نحو: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} [النور:35]. (86 - يوشك من فر من منيته ... ... ... ... ...) وهو في "أوشك" أكثر من الماضي، وفي قوله: "لا غير" نظر، فإن الأخفش حكي مضارع "طفق" - المفتوحة الفاء- على: "يطفق" كضرب يضرب، والكسائي: حكي مضارع "جعل" كقولهم: "إن البعير ليهرم حتى يجعل إذا شرب الماء مجه"، وزادوا في التصرفات استعمال اسم الفاعل من أوشك. كقوله:

(87 - فإنك موشك أن لا تراها ... ... ... ...) ولا يثبت استعماله من "كاد" و"كرب" (بعد: عسى، اخلولق، أوشك" قد يرد ... غنى بـ"أن يفعل" عن ثانٍ فقد)

تختص هذه الأفعال الثلاثة بجواز إسنادها إلى "أن يفعل" وجعله مرفوعا مغنيا عن الخبر، نحو: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} [البقرة:216] واخلولق أن يجيء، وأوشك أن يأتي، فإن ذكر بعد الفعل اسم مرفوع، نحو: "عسى أن يجيء زيد" فلك أن تجعل ما بعد "أن" مسنداً إليه فارغا من الضمير، ولك أن تجعله اسم "عسى" وتجعل "أن" مسنداً إليه فارغا من الضمير، ولك أن تجعله اسم "عسى" وتجعل "أن" وما بعدها الخبر رافعا لضميره، ويظهر أثر ذلك في التثنية والجمع، فنقول على التقدير الأول: "عسى أن يقوم الزيدان، أو الزيدون" وعلى التقدير الثاني: "عسى أن يقوما الزيدان، وعسى أن يقوموا الزيدون، وعسى أن يقمن الهندات، ومنع الشلوبين من هذا الوجه لضعف

هذه الأفعال عن توسط أخبارها. (وجردن "عسى" أو ارفع مضمرا ... بها إذا اسمٌ قبلها قد ذكرا) إذا وقع بعد عسى "أن والفعل" وقبلها اسم هو المسند إليه في المعنى، نحو: "زيد عسى أن يقوم" فلك أن تجعل "عسى" مسندة إلى "أن يفعل" مستغنى به عن الخبر، فلا يكون فيها ضمير، ولك أن تجعلها مسندة إلى ضمير الاسم السابق، و"أن يفعل" خبرها، ويظهر أثر الوجهين في التأنيث والتثنية والجمع. فتقول على الوجه الأول: "زيد عسى أن يقوم" [و "هند عسى أن تقوم"]، "والزيد أن عسى أن يقوما"، والزيدون عسى أن يقوموا "والنسوة عسى أن يقمن"، وعلى الوجه الثاني: "هند عست أن تقوم"، و "الهندات عسين أن يقمن" و "الزيدان عسيا أن يقوما"، و "الزيدون عسوا أن يقوموا" وبالأول نطق القرآن، كقوله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ}

(والفتح والكسر أجز في "السين" من ... نحو "عسيت" وانتقا الفتح زكن) إذا أسندت "عسى" إلى "تاء الضمير" بجميع فروعها، أو إلى ما يجري مجراها، مما يسكن له آخر الفعل المسند إليه كـ"نا" و"نون الإناث" فالأشهر فيها بقاء فتح "السين" على حاله، ويجوز كسرها، وبه قرأ نافع {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} [محمد:22] ومنعه أبو عبيدة.

إن وأخواتها

إن وأخواتها عملت هذه الأدوات لاختصاصها بالأسماء، وعملت الرفع والنصب لشبهها بالأفعال الناقصة في لزوم المبتدأ والخبر، والاستغناء بهما، وبناء ألفاظها على الفتح، وقدم منصوبها على مرفوعها إشعارا بالفرعية. (لـ "إن، أن، ليت، لكن، لعل ... كأن" عكس ما لـ"كان" من عمل) (كـ"إن زيداً عالم بأني ... كفء ولكن ابنه ذو ضغن") هذه الأحرف الستة تعمل عكس

[عمل كان] فتقتضي منصوبا مقدما يسمى اسمها، ومرفوعا مؤخرا يسمى خبرها، وهي: "إن": للتوكيد، نحو: "إن زيدا عالم، ومثله في القرآن كثير، و"أن للتوكيد" - أيضا- وتزيد بدلالتها على المصدر، و"ليت" للتمني، نحو: "ليت زيدا حاضر"، و"لكن" للاستدراك، نحو: "زيد يحبني لكن ابنه ذو ضغن على" و"لعل" للترجي، نحو: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}

وبعضهم قال: للتوقع، ليدخل نحو: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الشعراء:3] إذ هو غير مترجي، والأكثرون عبروا عن الثاني، بالإشفاق، و"كأن" للتشبيه المؤكد، نحو: "كأن زيدا أسد"، بخلاف التشبيه بالكاف. (وراع ذا الترتيب إلا في الذي ... كـ"ليت" فيها - أو هنا - غير البذى) تجب في هذه الأحرف مراعاة الترتيب الذي مثل به المصنف من تقديم الاسم على الخبر، إلا إذا كان الخبر جارا ومجرورا، كـ"ليت فيها غير البذى"، أو ظرفا كـ"ليت هنا غير البذى" قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} [النازعات:26] {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا} [المزمل:12]. (وهمز "إن" افتح لسد مصدرٍ ... مسدها وفي سوى ذاك اكسر) تتعين "أن" -المفتوحة الهمزة- إذا صح تأولها مع معموليها بالمصدر وذلك إذا وقعت في موضع الاسم المفرد، كوقوعها معمولة لما يطلب مفردا، إما فاعلا نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} ومنه

{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ} [النساء:64] إذ هو في تقدير: لو ثبت أنهم، أو نائبا عنه نحو: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ} [الجن:1] أو مفعولا نحو: {وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ} [الأنعام:81] أو مبتدأ نحو: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات:143] {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ} [فصلت:39] أو خبرا عن اسم معنى، نحو: "اعتقادي أنك عالم" أو مجرورة بحرف، نحو: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} [محمد:9] أو بإضافة طالب مفردٍ، نحو: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:23] على تقدير: مثل نطقكم، أو تابعة لشيء من ذلك بعطف نحو: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}

أو بدل، نحو: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال:7] وفي سوى ذلك يتعين الكسر. (فاكسر في الابتدا وفي بدء صلة ... وحيث "إن" ليمين مكمله) (أو حكيت بالقول أو حلت محل ... حالٍ كزرته وإني ذو أمل) (وكسروا من بعد فعل علقا ... باللام كـ"اعلم إنه لذو تقي) تتعين "إن" المكسورة إذ لم يصح تأولها بالمصدر، كوقوعها في موقع الجملة، وذلك في مواضع، أحدها: أن تقع مستأنفةً في ابتداء الكلام نحو: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1] ومنه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} [يونس:62] لأن "ألا" لمجرد الاستفتاح، والجملة بعدها مستأنفة. الثاني: أن تقع صلة الموصول، نحو: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} [القصص:76] [إذ المعنى: الذي إن مفاتحه] أما لو كانت بعض الصلة، نحو: "جاء الذي عندي أنه فاضل" لم يتعين الكسر، ومثله قولهم: "لا أفعله ما إن

حراء مكانه إذ التقدير: ما ثبت، ولذلك قال: "وفي بدء صلة" أي: في ابتدائها. الثالث: أن يجاب بها القسم، دخلت اللام في خبرها، نحو: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1، 2] أو لم تدخل، نحو: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [الدخان:1، 2، 3] الرابع: أن تقع إن محكية بالقول، نحو: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم:30]. الخامس: أن تقع في موضع الحال، نحو: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال:5]. السادس: أن تقع بعد فعل معلق عن العمل باللام، كما مثل به المصنف من قوله: "كاعلم إنه لذو تقى" ومثله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}

ومن المواضع التي لا يصح تأولها فيها بالمفرد ما إذا وقعت بعد لازم الإضافة، إلى الجملة كـ"حيث"، و"إذ" نحو: "جلست حيث إنك جالس" و"جئتك إذ إنك راكب" أو صفة لنكرة نحو: "مررت برجل إنه فاضل" أو خبراً عن اسم عين نحو: "زيد إنه عالم" ومثله: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف:170] (بعد "إذا" فجاءه أو قسم ... لا لام بعده بوجهين نمى) (مع تلو "فالجزا" وذا يطرد ... في نحو: "خير القول إني أحمد) إذا وقعت "إن" في موضع يصلح للمفرد والجملة، جاز فتح همزتها وكسرها، وذكر المصنف من ذلك أربعة مواضع:

الأول: أن تقع بعد "إذا الفجائية: نحو: "خرجت فإذا إن الشمس طالعة"، ويجوز الفتح والكسر، وبهما رؤى: (88 - وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا ... إذا أنه عبد القفا واللهازم)

الثاني: أن تقع بعد فعل قسم، ولا لام بعدها، وقد علم إرادة المصنف هنا للفعل، لما قدمه من تعين الكسر في جواب القسم، وبالوجهين روى: (89 - أو تحلفي بربك العلي ... أني أبو ذيا لك الصبي) فالكسر لكونها جواب قسم، والفتح بتقدير "على" فلو دخلت اللام في خبرها نحو: "حلفت إن زيدا لقائم" تعين الكسر، كما لو لم يذكر الفعل. الثالث: أن تقع تاليه لـ"فاء الجزاء" نحو: "من يأتيني فإنه مكرم"، وبها قرئ {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

الرابع: أن تقع خبرا لمبتدأ هي إياه في المعنى، ويكون خبرها وما وقعت خبرا عنه قولا، والقائل واحد، نحو: "خير القول أني أحمد الله" و"أول قولي أني أذكر الله" فإن كان خبرها غير قول نحو: "قولي إني مؤمن" أو كانت خبرا عن غير قول، نحو: "عملي إني أحمد الله"، أو اختلف القائل نحو: "قولي إن زيدا يحمد الله" تعين الكسر. (وبعد ذات الكسر تصحب الخبر ... "لام ابتداء" نحو: "إني لوزر) تختص "إن المكسورة" بدخول لام الابتداء على خبرها، نحو: {فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم:8]، ولا فرق بين أن يكون وصفا، كما مثل، أو اسما جامدا نحو: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا} [ص:54]، أو ظرفا نحو: "إن زيدا لعندك"، أو جارا ومجرورا نحو: {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] أو فعلا مضارعا، نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [النحل:124] أو جملة اسمية، نحو: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصافات:165] ولا تدخل عليه إلا مؤخرا، كما مثل، فلو قدم نحو:

{إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا} [المزمل:12] لم تصحبه اللام. (ولا يلي ذي "اللام" ما قد نفيا ... ولا من الأفعال ما كـ"رضيا") (وقد يليها مع "قد" كـ"إن" ذا ... لقد سما على العدا مستحوذا) شرط الخبر الذي يلي هذه اللام: أن يكون مثبتا، فلو كان منفيا نحو: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس:44] {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الجاثية:19] لم يجز دخول اللام عليه، وقول: (90 - وأعلم أن تسليما وتركا ... للا متشابهان ولا سواء) نادر. وقيل: اللام زائدة، فتفتح "أن" ولا تدخل على الماضي المتصرف كـ"رضي" قال تعالى: {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت:31] {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى}

فإن لم يتصرف جاز أن يقع بعدها نحو: "إن زيدا لنعم الرجل" و"إنه لعسى أن يكرمك" فإن اقترن الماضي بـ"قد" تقربه من الحال، فيصير شبيها بالمضارع، نحو: (... إن ذا لقد سما على العدا ...) (وتصحب الواسط معمول الخبر ... والفصل واسما حل قبله الخبر) تدخل هذه "اللام" - أيضا - على معمول الخبر الذي قدم عليه، متوسطا بينه وبين الاسم، نحو: "إن زيدا لأخاك مكرم" ومثله: (91 - إن امرءا خصني عمداً مودته ... على التنائي لعندي غير مكفور) فلو تأخر المعمول عن الخبر، نحو: "إن زيدا جالس عندك" لم يجز دخول اللام عليه، ويشترط في المعمول أن لا يكون حالا، وفي العامل أن يصلح لدخول اللام عليه، فلا تدخل في نحو: "إن زيدا راكبا يأتيك" ولا في نحو: "إن زيدا عمرا ضرب"، وتدخل - أيضا- على ضمير الفصل، نحو:

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران:62] وعلى الاسم الواقع بعد الخبر، نحو: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:12، 13] (ووصل "ما" بذي الحروف مبطل ... إعمالها، وقد يبقى العمل) إذا زيدت "ما" بعد شيء من هذه الحروف الستة، أبطلت عمله - ولهذا تسمى "الكافة" - واختصاصه بالاسم، ولهذا تسمى "المهيئة" لأنها هيأته للدخول على الفعل، نحو: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب:33] {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} [الأنفال:6]. وقوله: (92 - ... ... ... ... ... ولكن ما يقضى فسوف يكون)

وقد يبقى العمل، وهو متفق عليه بعد "ليت" لورود السماع به في قوله: (93 - قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... ... ... ...)

ثم من النحاة من قاس عليها "لعل" وحدها، ومنهم من قاس معها "كأن"، ومنهم من قاس البواقي، ولا يصح القياس في شيء من ذلك، لبقاء اختصاص "ليت" بالاسم دون غيرها، أما لو كانت "ما" موصولة غير زائدة، لم تبطل عملها، وأعربت بأنها اسمها واحتاجت إلى خبر، [نحو قوله: {إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وقوله:

{وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ} [آل عمران:178]] كما في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (إن ما تذكرون من جلال الله وتسبيحه لهن حول العرش دوي كدوي النحل). (وجائز رفعك معطوفا على ... منصوب "إن" بعد أن تستكملا) اسم "إن" المنصوب بها أصله: المبتدأ، كما سبق، فهو في محل رفع، ولهذا إذا عطفت عليه جاز لك في المعطوف النصب إتباعا على لفظه مطلقا، والرفع بشرط أن تكون استكملت عمل "إن" بالإتيان بالخبر قبل العطف،

نحو: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة:3] قرئ بنصب المعطوف ورفعه، فأما نحو: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} [المائدة:69] فعلى نية التقديم والتأخير، أي: والصابئون كذلك. (وألحقت بـ"إن" "لكن" و"أن" ... من دون ليت، ولعل، وكأن) ألحقت بـ"إن" في جواز رفع المعطوف على اسمها - بعد استكمال الخبر - "لكن" كقوله:

(94 - ... ... ... ... ... ولكن عمى الطيب الأصل والخال) و"أن" كالقراءة المشهورة في: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة:3] وخصا بالإلحاق بها لمشاركتهما لها في إبقاء معنى الجملة [على ما كانت عليه قبل دخولهما] من الإخبار [بخلاف"ليت" فقد نقلته] إلى التمني و"لعل" نقلته إلى الترجي، و"كأن" نقلته إلى التشبيه، ولا يصح احتجاج الفراء على الجواز فيها بنحو:

(95 - يا ليتني وأنت يا لميس ... في بلدٍ ليس به أنيس)

لاحتمال كون "أنت" مبتدأ، خبره محذوف، تقديره: وأنت معي. (وخففت "إن" فقل العمل ... وتلزم "اللام" إذا ما تهمل) (وربما استغني عنها إن بدا ... ما ناطق أراده معتمدا) إذا خففت "إن" المكسورة، فالأكثر إهمالها، لعدم اختصاصها بالاسم، كما يأتي، كقوله: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:32] وبعضهم يعملها ردا إلى الأصل، إلا أنه قليل، ومنه: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} في قراءة

شاذة، وتلزم "اللام" في خبرها مع الإهمال، وتسمى اللام الفارقة، لأنها تفرق بينها وبين "إن النافية"، وعند الكوفيين أن "إن" نافية، واللام بمعنى "إلا" وربما استغني عن اللام إن ظهر معنى الإثبات، ولم يلتبس بالنفي، إما بقرينة لفظية، نحو: "إن زيد لن يقوم" أو معنوية، كقوله: (96 - أنا ابن أباة الضيم من آل مالك ... وإن مالكٌ كانت كرام المعادن)

(والفعل إن لم يك ناسخا فلا ... تلفيه - غالبا- بـ"إن" ذي موصلا) إذا أهملت "إن" المخففة بطل اختصاصها بالاسم - كما سبق - إلا أنه لا يليها - غالبا- من الأفعال إلا ناسخ للابتداء، إما من باب "كان" نحو: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة:143] أو من باب: "عسى" نحو: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا} [الفرقان:42] أو من باب: "ظن" نحو: {وَإِنْ وَجَدْنَا

أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}. وسواء كان ماضيا، كما مثل، أو مضارعا، نحو: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} [القلم:51] {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [الشعراء:186] ودخولها على فعل غير ناسخ للابتداء قليل، ومع ذلك فلم يسمع إلا مع الماضي، نحو: (97 - شلت يمينك إن قتلت لمسلما ... ... ... ...) (وإن تخفف "أن" فاسمها استكن ... والخبر اجعل جملةً من بعد "أن")

إذا خففت "أن" المفتوحة، بقى عملها، لبقاء اختصاصها، إلا أنها لا تعمل إلا في اسم مقدر غير ملفوظ به، وهذا مراد المصنف بقوله: "استكن" لا الاستكنان الذي هو من صفات الضمير، لأنه يختص بالمرفوع منه كما سبق، والاسم هنا منصوب، إلا أنك إذا قدرته، قدرته بضمير، نحو: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة:71] التقدير: أنه، وظهوره في قوله: (98 - بأنك ربيعٌ وغيثٌ مربعٌ ... وأنك هناك تكون الثمالا)

ضرورة؛ ويجب كون خبرها جملة إما فعلية كما مثل، وإما اسمية، نحو: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10]. (وإن لم يكن فعلا ولم يكن دعا ... ولم يكن تصريفه ممتنعا) (فالأحسن الفصل بـ"قد" أو نفي أو ... تنفيس أو "لو" وقليل ذكر لو) إذا كان خبر "أن" المخففة فعلا غير دعاء، ولا عادم التصرف فالأحسن أن يفصل بينه وبينهما بأحد الأشياء المذكورة، وهي إما "قد" كقوله: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} [المائدة:113] وإما نفي بأحد حروفه، والمسموع من ذلك الفصل بـ"لا" نحو: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة:71] وبـ"لن" نحو:

{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل:20] وبـ"لم" نحو: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [البلد:7] وإما حرف التنفيس، وهو "السين" نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل:20] و"سوف" نحو: "حسبت أن سوف يقوم زيد"، وإما "لو" كقوله: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} [الجن:16]، وليس بقليل، كما زعم المصنف، لتكرره في القرآن نحو: {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} [الأعراف:100] {أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} [سبأ:14] إلا أن يكون مراده: أن ذكر "لو" في هذه الفواصل قليل في كتب النحاة، واستعماله بغير فصل نادر، كقوله: (99 - علموا أن يؤملون فجادوا ... قبل أن يسألوا بأعظم سؤل)

أما لو كان الفعل غير متصرف كـ"ليس" و"عسى" أو مرادا به الدعاء، لم يحتج إلى فصل، نحو: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف:185] {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [النور:9] في قراءة بعضهم. (وخففت "كأن" أيضا فنوى ... منصوبها وثابتا أيضا روى) إذا خففت "كأن" جاز في منصوبها أن يحذف وينوي، نحو: (100 - ... ... ... ... كأن ظبيةٌ تعطو إلى وراق السلم) على رواية من رفع "ظبية" وأن يذكر كرواية من نصب "ظبية" ومن رواه بالجر، جعل "أن" زائدة بين الجار والمجرور.

لا التي لنفي الجنس

لا التي لنفي الجنس إذا استعملت "لا" في النفي، فتارة يراد بها نفي الفرد، وتارة يراد بها نفي الجنس، ظاهرا لا على سبيل التنصيص، وفي هذين الوجهين، تعمل "لا" عمل "ليس"، وتارة يراد بها نفي الجنس على سبيل التنصيص في العموم، فتعمل عمل "إن". (عمل "إن" اجعل لـ"لا" في نكره ... مفردة جاءتك أو مكرره) (فانصب بها مضافا أو مضارعه ... وبعد ذاك "الخبر" اذكر رافعه) "لا" هذه تعمل عمل "إن" من نصب الاسم ورفع الخبر، كما ذكر المصنف، ولكنها لا تعمل إلا في نكرة تكون اسما لها، ولازم ذلك أن يكون الخبر نكرة، لعدم صحة الإخبار بالمعرفة عن النكرة، ولا فرق بين أن تقع

النكرة بعدها مفردة نحو: {لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] [أو مكررة، نحو: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة:197]] ثم إن كان اسمها مضافا أو مضارعا له، أي: شبيها به من جهة تعلق ما بعده به، فهو منصوب نحو: "لا غلام رجل هنا"، و "لا طالعا جبلا" و "لا محمودا فعله" و "لا خيرا من زيد"، ويؤتى بالخبر بعد ذلك مرفوعا إما لفظا نحو: "لا قبيحا فعله محمود"، وإما محلا، نحو "لا غلام رجل عندك" أو "في الدار". (وركب المفرد فاتحا كـ"لا ... حول ولا قوة والثاني اجعلا)

(مرفوعا أو منصوبا أو مركبا ... وإن رفعت أولاً لا تنصبا) إذا كان اسم "لا" نكرة مفردة، والمراد به ما ليس مضافا أو شبيها به، بني لتركيبه معها كـ"خمسة عشر" أو لتضمنه معنى "من" ولا يختص بالبناء على الفتح، كما ذكر المصنف، بل يبنى على ما نصب به، فإن نصب بالفتح بني عليه، كالمفرد، وجمع التكسير، نحو: "لا رجل ولا رجال"، وإن نصب بالياء، بني عليها، كالمبنى في قوله: (101 - تعز فلا إلفين بالعيش متعا ... ... ... ...) وجمع المذكر السالم في قوله: (102 - يحشر الناس لا بنين ولا آ ... باء إلا وقد عنتهم شؤون)

وفيما نصب بالكسرة كجمع المؤنث السالم وجهان: الفتح والكسر، وبهما روى قوله: (103 - إن الشباب الذي مجد عواقبه ... فيه يلد ولا لذات للشيب) وإذا تكررت "لا" مع اسمها المفرد جاز فيهما خمسة أوجه تضمنها كلام المصنف، فتحهما، نحو: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة:197] ورفعهما: إما على إعمال "لا" عمل ليس، أو على إلغائها، وجعلهما مبتدأين، كقراءة الأكثرين {لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ} [البقرة:254] وفتح الأول، ورفع الثاني: على إعمال الثانية عمل

الثانية عمل "ليس" والأولى عمل "إن" كقوله: (104 - ... ... ... ... ... ... لا أم لي إن كان اك ولا أب) وعكسه، وهو رفع الأول وفتح الثاني، نحو: (105 - فلا لغوٌ ولا تأثيم فيها ... ... ... ...)

وفتح الأول ونصب الثاني بالعطف على محله وتقديره زيادة "لا" نحو: (106 - لا نسب اليوم ولا خلةٌ ... اتسع الخرق على الراقع)

أما متى رفع الأول لم يجز نصب الثاني، لأنه لا وجه له. (ومفردا نعتا لمبني يلي ... فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل) (وغير ما يلي، وغير المفرد ... لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد) إذا نعت اسم "لا" المبني بمفرد يليه، نحو: "لا رجل كريم هنا"، جاز لك في النعت ثلاثة أوجه: فتحه على تقدير تركيبه مع المنعوت، قبل دخول "لا" فلما دخلت عليهما تركا على حالهما. ونصبه إتباعا على محل الاسم. ورفعه إتباعا على محل "لا" مع اسمها، أو على محل اسمها قبل دخولها، وغير ما يلي المنعوت، لوجود فاصل بينهما نحو: "لا رجل عندنا ظريف" وغير المفرد من النعت المضاف أو المشبه به، نحو: "لا رجل غلام سفرٍ هنا" "ولا رجل قبيحا فعله عندنا" يمتنع فيهما البناء، لتعذر تركيب ثلاثة أشياء فأكثر، ويجوز فيهما الرفع والنصب، على ما تقدم من التوجيه.

(والعطف إن لم تتكرر "لا" احكما ... له بما للنعت ذي الفصل انتمى) إذا عطفت على الاسم المركب مع "لا" ولم تكرر "لا" مع المعطوف، نحو: "لا رجل وامرأة" جاز في المعطوف ما يجوز في النعت المفصول مع الرفع والنصب، وبهما روى: (107 - فلا أب وابناً مثل مروان وابنه ... ... ... ...) وامتنع الفتح لعدم "لا" التي يركب المعطوف معها، وحكاية الأخفش: "لا رجل وامرأة" بالفتح: شاذ. (واعط "لا" مع همزة استفهام ... ما تستحق دون الاستفهام)

إذا دخلت همزة الاستفهام على "لا" لم تغير عملها عما كان عليه قبل دخولها، سواء قصد الاستفهام عن النفي، كقوله: (108 - ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد ... إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي) أو نقل إلى معنى التوبيخ نحو: (109 - ألا ارعواء لمن ولت شبيبته ... ... ... ... ... ...) أو إلى معنى التمني كقوله:

(110 - ألا عمر ولى مستطاعٌ رجوعه ... ... ... ... ...)

ظن وأخواتها

(وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر ... ... إذا المراد مع سقوطه ظهر) يكثر حذف خبر "لا" هذه، إذا كان معلوما، نحو: {فَلا فَوْتَ} [سبأ:51]، {قَالُوا لا ضَيْرَ} [الشعراء:50]، وهو عند بني تميم لازم، أما إذا جهل ولم يظهر المراد مع سقوطه تعين إثباته، نحو: (لا أحد أغير من الله). ظن وأخواتها وتسمى الأفعال القلبية، وليس كلها قلبية، لأن أفعال التصيير، كـ"جعل" و"اتخذ" ونحوهما من جملتها، ولا كل قلبي ينصب فعلين، بل منه لازم، كـ"فكر" و"نظر" إذا كان بمعناه، و"فطن" ومنه متعد إلى واحد: كـ"فهم"، و"زكن". (انصب بفعل القلب جزأي ابتدا ... أعني: "راي، خال، علمت، وجدا) (ظن، حسبت وزعمت مع عد ... ... ... "حجا، درى، وجعل" اللذ كاعتقد) (و "هب، تعلم" والتي كـ"صيرا ... ... -أيضا- بها انصب مبتدأ وخبرا)

هذه الأفعال داخلة على المبتدأ والخبر، فتنصبهما بعد استيفاء فاعلها، والقلبي منها ينقسم إلى ثلاثة أقسام، أحدها: أن يفيد في الخبر يقينا، الثاني: أن يفيد فيه ظنا، الثالث: أن يرد بهما فمن هذه الأفعال: "رأى" وهي من القسم الثالث، إلا أن الغالب عليها إفادة اليقين، وقد اجتمعا في قوله: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 6، 7] ومنها "خال" وهو من هذا القسم -أيضا- إلا أن الغالب عليه إفادة الظن، نحو: (111 - بلغت صنع امريءٍ بر إخالكه ... ... ... ... ...) ومن مجيئها لليقين قوله:

(112 - ما خلتني زلت بعدكم ضمنا ... أشكو إليكم حموة الألم) ومنها "علم" وهي بمنزلة "راى" ومن ورودها لليقين {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] ومن ورودها للظن {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة:10] ومنها: "وجد" وهي من القسم الأول، نحو: {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا} [المزمل:20] ومنها: "ظن" وهي بمنزلة: "خال" ومن ورودها لليقين: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف:53]، ومنها: "حسب" وهي: بمنزلتها أيضا، نحو: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} ومن ورودها لليقين قوله:

(113 - حسبت التقى والحمد خير تجارةٍ ... ... ... ... ...) ومنها: ["زعم" وهي من القسم الثاني، نحو:] {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:7] ومنها: "عد" و"حجا" وهما مثلها أيضا نحو: (114 - فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ... ولكنما المولى شريكك في العدم) وقوله:

(115 - قد كنت أحجو أبا عمروٍ أخاثقةٍ ... حتى ألمت بنا يوما ملمات) ومنها: "درى" وهي من القسم الأول، ومن استعمالها قوله: (116 - دريت الوفي العهد [يا عرو] فاغتبط ... ... ... ... ... ...] ومنها: "جعل" وهي من القسم الثاني، نحو: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف:19] أي: اعتقدوهم، وقيدها بالتي بمعنى: "اعتقد"

ليخرج: "جعل" التي بمعنى: خلق، إنما تتعدى إلى واحد، نحو: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1] والتي بمعنى: "صير" فإنها ليست من القلبيات، كما يأتي. ومنها "هب" وهي من هذا القسم -أيضا- نحو: (117 - ... ... ... ... ... وإلا فهبني امرءاً هالكا) ومنها "تعلم" بمعنى: "اعلم" وهي من القسم الأول: نحو: (118 - تعلم أن للصيد غرةً ... ... ... ...)

ولا تختص بالوقوع على: "أن ومعموليها" لقوله: (119 - تعلم شفاء النفس قهر عدوها ... ... ... ...) وما جاء من الأفعال بمعنى "صير" فإنه يعمل عمل الأفعال القلبية - أيضا- في نصب المبتدأ والخبر، كـ"جعل" و"رد" و"ترك" و"تخذ" و"اتخذ" و"وهب"، نحو: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} [الأنبياء:58] {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} [البقرة:109] {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ

أَجْرًا} {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:125] ومن استعمال "وهب" قولهم: "وهبني الله فداك". (وخص بالتعليق والإلغاء ما ... من قبل "هب" والأمر "هب" قد ألزما) (كذا "تعلم" ولغير الماض من ... سواهما اجعل كل ما له زكن) يختص المتصرف من الأفعال القلبية، وهي: الأحد عشر التي تضمنها البيتان الأولان بإبطال عملها بالتعليق والإلغاء، والفرق بينهما: أن التعليق إبطال عمل الفعل لمانع من غيره، كمجيء ما له صدر الكلام بعده فيبطله لفظا لا محلا، ولذلك يسوغ العطف على محل المعمول المعلق عنه العامل بالنصب، كقوله: (120 - وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ... ولا موجعات القلب حتى تولت)

روي "موجعات" بكسر التاء وضمها، والإلغاء: إبطال عمل الفعل لمانع فيه، كتأخره عن الجملة مثلا، فيبطله لفظا ومحلا، ثم هذه الأفعال كلها متصرفة حتى "جعل" بمعنى: "صير" إلا "هب، وتعلم" فإنهما لا يستعملان إلا بلفظ الأمر، كما سبق، وما تصرف منها فلغير الماضي منه - من المعنى، والإعمال، وجواز الإلغاء، والتعليق - ما للماضي، نحو: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ} [البقرة:46] {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ} [الحديد:17] {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح:6] {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة:124] وتقول في الإلغاء: "زيد منطلق

أعلم"، وفي التعليق: "أنا ظانٌّ ليقومن زيدٌ". (وجوز الإلغاء لا في الابتدا ... وانو ضمير الشأن أو لام ابتدا) (في موهم إلغاء ما تقدما ... ... والتزم التعليق قبل نفي "ما") (و"إن و"لا" ابتداءٍ أو قسم ... كذا و"الاستفهام" ذا له انحتم) ما تعلق به حكم الإلغاء من هذه الأفعال جاز استعماله ملغى غير عامل، بل يكون المبتدأ والخبر معه على ما كانا عليه من الرفع قبل دخوله، وإنما تلغى هذه الأفعال إذا تأخرت عن المبتدأ والخبر، نحو "زيد مقيم ظننت" قال الشاعر: (121 - هما سيدانا يزعمان وإنما ... يسوداننا أن يسرت غنماهما)

(122 - ... ... ... ... ... وفي الأراجيز خلت اللؤم والكذب) ثم هذا الإلغاء جائز، لا واجب، كما ذكر المصنف، إلا أنه مع التأخر أرجح، ومع التوسط بالعكس، أما إن ابتدئ بها قبل الجزأين لم

يجز الإلغاء، فإن ورد ما يوهم إلغاؤها، مع التقدم، كقوله: (123 - ... ... ... ... ... إني وجدت ملاك الشيمة الأدب)

قدر فيها ضمير الشأن يكون مفعولا أولا، والجملة بعده في محل المفعول الثاني، أو أن الفعل علق بلام الابتداء، والأصل: "لملاك الشيمة"، ثم حذفت اللام وبقي التعليق على حاله، وأما التعليق فملتزم إذا اقترن بالمعمول ما له صدر الكلام، وهو ستة أشياء. أحدهما: "ما النافية" نحو: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ} [الأنبياء:65]. الثاني: "إن النافية" نحو: {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:52]. الثالث: "لا النافية" نحو: "حسبت لا زيد عندك ولا عمرو". الرابع: "لام الابتداء" نحو: "علمت لزيد قائم". الخامس: "لام القسم" نحو: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:102]، إذ اللام الأولى هي الموطئة للقسم والثانية جوابه. السادس: أداة الاستفهام، سواء كانت حرفا، نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء:109] أو اسما، نحو: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} [الكهف:12]. (لعلم عرفان وظن تهمه ... تعديةٌ لواحدٍ ملتزمه) ترد بعض هذه الأفعال لغير المعاني المتقدمة من الدلالة على [اليقين] أو الرجحان، فتعمل عمل ما هي بمعناه، من لزوم أو تعد إلى مفعول واحد،

فمن ذلك: ورود "علم" بمعنى "عرف" كقوله: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل:78]، وورود "ظن" بمعنى "اتهم" نحو: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:24] أي: بمتهم. فيلتزم تعديتها إلى مفعول واحد، ومثلهما "رأى" من الرأي، الذي هو المذهب نحو: "رأى الشافعي حل الضبع" و"حجا" بمعنى: "قصد" نحو: "حجوت بيت الله" ومما جاء بمعنى اللازم فلم يتعد، "وجد" بمعنى: "حزن" أو "حقد" ويفترقان بالمصدر، فمصدر التي بمعنى: حزن، "وجدا" ومصدر الأخرى "موجدة". (ولـ: رأى" الرؤيا انم ما لعلما ... طالب مفعولين من قبل انتمى) "رأى الحلمية" التي مصدرها: الرؤيا، مشاركة لـ"علم" القلبية، المتعدية إلى مفعولين، وقيدها بذلك ليحترز من هذه القريبة، التي بمعنى "عرف"، فتتعدى إلى مفعولين، نحو: {إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ

سَبْعٌ عِجَافٌ} [يوسف:43]، "فيأكلهن" في محل نصب، لأنه مفعول ثان، بدليل التصريح به، في نحو: (124 - أراهم رفقتي حتى إذا ما ... تجافى الليل وانخزل انخزالا) وظاهر كلامه أن "الرؤيا" تختص بمصدر "الحلمية" نحو: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يوسف:100]، ويرد عليه: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} [الإسراء:60] مع قول ابن عباس: "هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم". (ولا تجز هنا بلا دليل ... سقوط مفعولين أو مفعول) وقد سبق أن مفعولي هذا الباب أصلهما: المبتدأ والخبر، فلا يجوز حذف شيء منهما إلا لدليل دال عليه، ويسمى الحذف لدليل اختصارا، ومنه في المفعولين {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص:62] ومنه في أحدهما قوله:

(125 - ولقد نزلت، فلا تظني غيره ... منى بمنزلة المحب المكرم) ويسمى الحذف لغير دليل اقتصارا، وهو ممتنع في أحد المفعولين باتفاق، والصحيح جوازه فيهما، خلاف ما ذهب إليه المصنف، ومنه:

{أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} [النجم:35] {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح:12] [لأن "ظن السوء"] مصدر. (وكـ"تظن" اجعل "تقول" إن ولى ... مستفهما به ولم ينفصل) (بغير ظرف أو كظرفٍ أو عمل ... وإن ببعض ذي فصلت يحتمل) أصل وضع "القول" ليحكى به الجمل، فعليةً كانت نحو: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] أو اسميةً، نحو: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [فصلت:30] وإنما ينصب به المفرد إذا كان من معناه، نحو: {وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ:38] ويجري مجرى الظن في نصب الجملة الاسمية مفعولين، بشروط أربعة، تضمنها كلام المصنف:

أحدها: أن يكون مضارعا، فلا يجوز ذلك في نحو: "قلت" خلافا للسيرافي ولا في نحو: خلافا للكوفيين. الثاني: أن يكون مفتتحا بـ"تاء الخطاب" فلا يجري ذلك في "أقول" وغيره من أقسام المضارع. الثالث: أن يتقدمه استفهام بحرف أو اسم. الرابع: أن يتصل بـ"أداة الاستفهام" ولا يفصل بينهما بغير ما ذكر المصنف، أما لو فصل بينهما بالظرف، نحو: "أغدا تقول زيدا منطلقا" ومنه قوله: (126 - أبعد بعدٍ تقول الدار تجمعنا ... ... ... ...)

أو بمثله، وهو الجار والمجرور، نحو: "أفيك تقول عمرا راغبا" أو أحد معمولي القول وهو مراده بقوله: "أو عمل" أقام المصدر مقام المفعول، نحو قوله: (127 - أجهالاً تقول بني لؤي ... ... ... ...)

[فإن القول يجري مجرى الظن فيما ذكر]. وقد اجتمعت الشروط في قوله: (128 - متى تقول القلص الرواسما ... يحملن أم قاسمٍ وقاسما) وقوله: (129 - علام تقول الرمح يثقل عاتقي ... إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت)

ومع استيفاء الشروط فالحكاية جائزة. (وأجري القول كظنٍ مطلقا ... عند سليمٍ، نحو: قل ذا مشفقا) بنو سليم من العرب يجيزون إجراء القول مجرى الظن مطلقا بغير شيء من الشروط المذكورة فيقولون: "قلت زيدا قائما" وعلى لغتهم جاء قوله: (130 - - قالت- وكنت رجلا فطينا - ... هذا لعمر الله إسرائينا)

وعلى لغتهم تفتح "إن" بعده نحو: (131 - إذا قلت أني آيبٌ أهل بلدةٍ ... ... ... ...)

أعلم وأرى

ويقع بعده التعليق، ويجوز معه الإلغاء، نحو: "قلت أزيد منطلق" و "زيد منطلق قلت". أعلم وأرى هذه الهمزة الداخلة على هذين الفعلين تسمى "همزة النقل" وسميت بذلك لأنها تنقل الفعل من اللزوم إلى التعدي، نحو: "خرج زيدٌ" و "أخرجت زيدا" ومن التعدي إلى مفعول واحد إلى التعدي إلى مفعولين، نحو: "فهم زيد أمرك" و "أفهمته أمرك" ومن التعدي إلى اثنين إلى التعدي إلى ثلاثة كهذين. (إلى ثلاثةٍ "رأى وعلما" ... عدوا إذا صارا "أرى وأعلما") "رأى وعلم" المتعديان إلى مفعولين إذا دخلت عليهما همزة النقل تعديا إلى ثلاثة مفاعيل، سواء كانا بلفظ الماضي، نحو: "أعلمت زيدا عمروا منطلقا" و "أريته أخاه مقيما" أو بغيره من تصاريفه، نحو: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ

فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا ...} [الأنفال:43] فأما الأول من هذه المفاعيل، فيجوز حذفه، نحو: "أعلمت أخاك ذاهبا" والاقتصار عليه، نحو: "أعلمت الناس". (وما لمفعولي "علمت" مطلقا ... للثان والثالث - أيضا- حققا) للمفعول الثاني والثالث في هذا الباب من الأحكام كلها ما للأول والثاني من مفعولي "علمت" من

جواز إلغاء الفعل عن العمل فيهما، متوسطا نحو: "البركة أعلمنا الله مع الأكابر". ورجحانه متأخرا، نحو: "الحج واجب أعلمنا الله" وتعليق الفعل عن العمل فيهما لوجود أحد المعلقات السابقة، نحو: "أعلمت زيدا متى أبوك راحل" ومن جواز حذفهما أو أحدهما اختصارا، أو منعه في أحدهما اقتصارا، أو فيهما عند المصنف كما سبق. (وإن تعديا لواحد بلا ... همز فلا ثنين به توصلا) (والثان منهما كثاني اثني "كسا" ... فهو به في كل حكم ذو ائتسا) إذا دخلت همزة النقل على "علم" المتعدي إلى واحد لكونه بمعنى "عرف" وعلى "رأى" المتعدي إلى واحد - أيضا- لكونه من رؤية البصر، أو من الرأي تعديا إلى اثنين، كقوله: {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} ولا

أحفظ له شاهد في "علم" مع أن بعضهم قد أنكر نقلها بالهمزة، وذكر أنها إنما تنقل بالتضعيف، ويكون حكم المفعولين بعده حكمهما في باب "كسا وأعطى" في جواز حذفهما اختصارا، واقتصارا، وحذف كل واحد منهما كذلك وفي منع الإلغاء والتعليق، على ما ذكره المصنف، وفيه نظر، لأن تعليقه بالاستفهام مسموع، نحو: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة:260] وفي جواز نيابة الثاني منهما عن الفاعل المحذوف مع أمن اللبس، وفي أصالة سبق ما هو فاعل في المعنى منهما، وفي وجوبه عند خوف اللبس إلى غير ذلك من الأحكام. (وكـ"أرى" السابق نبا، أخبرا ... حدث، أنبا كذاك خبرا)

هذه أفعال تضمنت معنى "أعلم" فتعدت تعديته، إلى ثلاثة مفاعيل، وهي: خبر وأخبر، ونبأ وأنبأ وحدث نحو: (132 - وخبرت سوداء الغميم مريضةً ... ... ... ...) وقوله: (133 - - وما عليك- إذا أخبرتني دنفا ... وغاب بعلك يوما - أن تعوديني) وقوله:

(134 - نبئت زرعة - والسفاهة كاسمها- ... يهدى إلى غرايب الأشعار) وقوله: (135 - وأنبئت قيسا - ولم أبله ... كما زعموا - خير أهل اليمن)

الفاعل

الفاعل هو ما صدر عنه حدثٌ، أو قام به، أو أسند إليه، من اسم أو ما في تأويله، مقدمٌ عليه، فارغٌ، باق على أصل صيغته: فصدور الحدث نحو: "أكل زيد" وقيامه نحو: "ظرف زيد" ولا فرق في الحدث بين أن يكون بلفظ الفعل نحو: قام زيد، أو بلفظ المصدر، نحو: "عجبت من ضرب زيدٍ عمرا"، أو اسم الفاعل، نحو: "أضارب أنت أم عمرو"، أو الصفة المشبهة به، نحو: "زيد حسنٌ وجهه"، أو اسم الفعل، نحو: "شتان زيد وعمرو"، وما في تأويل الاسم مدخل لنحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} [العنكبوت:51] إذ هو في تأويل "إنزال الكتاب"، واشتراط تقديمه: مخرج لنحو: "زيد قام" وفارغ: مخرج لنحو: "قائمان الزيدان"، [فإن "الزيدان"] فيه مبتدأ، لاشتغال الوصف السابق له بالضمير، والقيد الأخير، مخرج لما بني للمفعول، نحو: "ضرب زيدٌ" فإن المرفوع بعده في الاصطلاح والمعنى ليس بفاعل. ("الفاعل" الذي كمرفوعي "أتى ... زيد، منيرا وجهه" نعم الفتى) أي الفاعل: هو ما ارتفع بالفعل، نحو: "أتى زيد"، {وَقَالَ اللَّهُ}

أو بما هو في تأويل الفعل، كـ"منيرا وجهه" و {الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء:75] ويفارق الرفع لفظا، لإضافة المصدر أو اسمه إليه، نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} [الحج:40] وما روى من قوله: (من قبله الرجل امرأته الوضوء) أو جره بحرف زائد، إما "الباء" كقوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح:28] وإما "من" نحو: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} [المائدة:19]. (وبعد فعلٍ فاعلٌ فإن ظهر ... فهو، وإلا فضمير استتر) حكم الفاعل أن يقع بعد الفعل كما سبق، فإن ظهر، نحو: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء:81] وإلا قدر ضميرا مستترا، إما جوازا نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [النحل:124] وإما وجوبا نحو:

{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} [الكهف:29] فإن وقع قبل الفعل ما يوهم أنه فاعله، قدر مبتدأ، والفاعل ضمير، إن أمكن نحو: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68] وإلا قدر مرفوعا بفعل، نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة:6] التقدير: "وإن استجارك" والوجهان جائزان فيما وقع بعد الاستفهام، نحو: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن:6] ولا حجة للكوفيين على جواز تقديمه على الفعل في قوله:

(136 - ما للجمال مشيها وئيدا ... ... ... ...) لأنه ضرورة، أو الخبر محذوف وهو العامل في: "وئيدا" أي: يظهر وئيدا، ولا للكسائي، على جواز حذفه بنحو: "إذا كان غداً فأتني"، لأن في "كان" ضميرا يعود على ما يشاهد من الحال.

(وجرد الفعل إذا ما أسندا ... لاثنين أو جمعٍ كـ"فاز الشهدا") (وقد يقال: "سعدا" و"سعدوا" ... والفعل للظاهر بعد مسند) إذا أسند الفعل إلى اثنين، أو جمع مذكرين، أو مؤنثات، جرد عن علامة دالة على حال فاعله، كما يجرد مع المفرد المذكر، نحو: {قَالَ رَجُلانِ} [المائدة:23] {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ} [آل عمران:122] {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [القصص:80] {وَقَالَ نِسْوَةٌ} [يوسف:30] وبعض العرب يلحق الفعل علامة دالة على حال الفاعل، كما يلحقه تاء التأنيث، دالة على تأنيثه، فيقول: "سعدا الرجلان" نحو: (137 - ... ... ... ... ... وقد أسلماه مبعدٌ وحميم)

و"سعدوا الرجال"، نحو: (138 - يلومونني في اشتراء النخيـ ... ... ... ــــــــــــل أهلي فكلهم ألوم) و"سعدن النسوة"، نحو: (139 - نتج الربيع محاسناً ... ألقحنها غر السحائب)

والألف والواو، والنون، في ذلك علامات على حال الفاعل، لا ضمائر، ومن النحاة من يجعلها ضمائر، ويجعل المرفوع بعدها بدلا منها، أو مبتدأ مؤخرا. (ويرفع الفاعل فعل أضمرا ... كمثل: "زيدٌ" في جواب، من قرا؟) يجوز حذف الفعل لفظا وتقديره نيةً، إذا دل عليه دليل، مثل أن يقع في جواب استفهام سابق، نحو: "زيد" في جواب: من قرأ؟ إذ التقدير: "قرأ زيدٌ" قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87] والمقدر منه

كالموجود كقراءة ابن عامر: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ} [النور: 36، 37] إذ الإخبار بالفعل يستدعي الاستفهام عن فاعله، فالمعنى: "يسبحه رجال" أو يرد به نفي، كقولك: "بلى زيد" لمن قال: "ما جاء أحد"، ومنه: (140 - تجلدت حتى قيل لم يعر قلبه ... من الوجد شيء قلت: بل أعظم الوجد) أو يفسر بما بعده من لفظه، نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة:6] أو من لازمه، نحو: (141 - لا تجزعي إن منفسٌ أهلكته ... ... ... ... ...)

التقدير: إن هلك منفس، أو دل عليه ما قبله، كقوله: (142 - غداة أحلت لابن أصرم طعنةٌ ... حصينٍ عبيطات السدائف والخمر) أي: وحلت الخمر. وإضمار الفعل في ذلك كله جائز، إلا في القسم الثالث فإنه واجب.

(و"تاء تأنيث" تلي الماضي إذا ... كان لأنثى كـ"أبت هند الأذى") يختص الفعل المسند إلى مؤنث بلحاق علامة تدل على تأنيث فاعله، فإن كان ماضيا لحقته تاء ساكنة، في آخره، كـ"أبت هند الأذى" ومثله: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف:51] وإن كان مضارعا كانت التاء في أوله، وحكمها في اللزوم والجواز والامتناع حكم التاء التي في آخر الماضي. (وإنما تلزم فعل مضمر ... متصل أو مفهمٍ ذات حر) لا تلزم علامة التأنيث في الفعل المسند إلى مؤنثة إلا في مسألتين: الأولى: أو يكون الفاعل ضميرا متصلا بالفعل، ولا يتصور ذلك إلا في المستتر نحو: {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ} [القصص:25] فلو انفصل الضمير من الفعل برز، ولم تجب التاء نحو: "ما قام إلا هي" بل حذفها أولى. الثانية: أن يسند الفعل إلى حقيقي التأنيث، متصل غير مراد به الجنس، والمراد بالحقيقي التأنيث: ما له فرجٌ، كما قال المصنف، أو "مفهم

ذات حر"، ومنه: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ} [آل عمران:35] {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ} [القصص:9] ونحوه كثير، ومنه قوله: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ} [القصص:26]. (وقد يبيح الفصل ترك التاء في ... نحو أتى القاضي بنت الواقف) (والحذف مع فصل بإلا فضلا ... ... كـ"ما زكى إلا فتاة ابن العلا) إذا لم يتصل الفاعل الحقيقي التأنيث بفعله زال لزوم التاء، ثم إن كان الفصل بغير "إلا" فلحاق التاء أجود، نحو: "أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة، ونحوه في الحديث كثير، وقد يحذف نحو: "أتى القاضي بنت الواقف" ومثله: (143 - لقد ولد الأخيطل أم سوءٍ ... ... ... ... ...)

وإن كان الفصل بـ"إلا" فعدم اللحاق أحسن، نحو: "ما حضره إلا امرأة" وخص الأخفش اللحاق بالشعر، كقوله: (144 - ما برئت من ريبةٍ وذم ... في حربنا إلا بنات العم) وتجويز المصنف له في النثر مستشهدا بنحو: {لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}

و {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً} [يس:29] على قراءة من رفع، وهمٌ منه، إذ ليس فيهما ما هو حقيقي التأنيث. (والحذف قد يأتي بلا فصل ومع ... ضمير ذي المجاز في شعر وقع) أي قد يحذف التاء مع الحقيقي التأنيث، وإن لم يفصل عن فعله، ومنه ما حكاه سيبويه "قال فلانة" وكذلك قد يأتي الحذف مع إسناد الفعل إلى ضمير المجازي التأنيث المستتر، كقوله:

(145 - ... ... ... ... ولا أرض أبقل أبقالها) (والتاء مع جمعٍ سوى السالم من ... مذكرٍ كالتاء مع إحدى اللبن) إذا أسند الفعل إلى دال على الجمعية بلفظه، كرجال، أو بمعناه: كقوم جاز لحاق التاء لتأوله بالجماعة، وحذفها لتأوله بالجمع، سواء كان جمع تكسير كـ"رجال" أو اسم جمع مذكر كـ"قوم" أو مؤنثا كـ"نسوة" أو اسم جنس كـ"شجر" قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} [الشعراء:105] {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} [الأنعام:66] و {قَالَتِ الأَعْرَابُ} [الحجرات:14] {وَقَالَ نِسْوَةٌ} [يوسف:30] وتقول: أورقت الشجر وطاب الثمر، ودخل فيما يجوز فيه الوجهان جمع المؤنث السالم، ولا يصح الاستدلال على عدم اللحاق فيه بقوله: {إِذَا جَاءَكَ

الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة:12] لجواز كون الحذف لأجل الفصل بالضمير، نعم يحتج عليه بقوله: (146 - وبكى بناتي شجوهن وزوجتي ... ... ... ...) وقد يعتذر عنه بأن "بناتي" لم يسلم فيه بناء الواحد، فأشبه جمع التكسير إذ التاء فيه ليست زائدة للتأنيث حتى تحذف للجمع، وقد دخل هذا كله في تشبيه المصنف التاء مع جمع [غير المذكر السالم] بالتاء مع إحدى اللبن، فإن "إحدى اللبن" "لبنة" وهو مجازي التأنيث كالشمس، والنار، يجوز فيه اللحاق، وتركه، نحو: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة:1] {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة:9] واستثنى المصنف جمع المذكر السالم من بين الجموع، لأنه لا يجوز لحاق التاء لفعله نحو: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} [الفرقان:8] ولا حجة

لمجيز اللحاق فيه، في نحو: {إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} [يونس:90] لأن البنين لم يسلم فيه لفظ الواحد، فجرى مجرى جمع التكسير، أما المثنى فحكمه في اللحاق وعدمه حكم مفرده، ونحو: (147 - تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما ... ... ... ...)

إما على إدغام إحدى التاءين في الأخرى، [وإما على ما حكاه سيبويه من: (قال فلانة)]. (والحذف في "نعم الفتاة" استحسنوا ... لأن قصد الجنس فيه بين) إذا أسند الفعل إلى ما المقصود به الجنس دون العين جاز حذف التاء منه، وإن كان المسند إليه حقيقي التأنيث متصلا، نحو: "نعم الفتاة هند" و "بئس المرأة دعد". (والأصل في الفاعل أن يتصلا ... والأصل في المفعول أن ينفصلا) (وقد يجاء بخلاف الأصل ... وقد يجيء المفعول قبل الفعل) الفاعل مع الفعل بمنزلة جزء الكلمة منها، ولذلك لم يستغن الفعل عنه ولم يجز تقديمه عليه، كما سبق، فاتصاله به هو الأصل، ثم يؤتى بالمفعول بعدهما منفصلا من الفعل لأنه فضلة، يتم الإسناد دونه، فمما جاء على الأصل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164] {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل:16] وقد يجاء بخلاف الأصل، فيتقدم المفعول على الفاعل، إما جوازا نحو: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} [القمر:41] وإما وجوبا، مثل كونه ضميرا متصلا، والفاعل

ظاهر، نحو: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143] وكالمسألتين الآتي ذكرهما في النظم، ولكون المفعول ليس كالجزء من الفعل، جاز تقديمه عليه، إما جوازا نحو: {فَرِيقًا هَدَى} [الأعراف:30] وإما وجوبا، وذلك في مسألتين: إحداهما: أن يكون مما له صدر الكلام، نحو: {فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ} [غافر:81] الثانية: أن يقع عامله بعد الفاء، نحو: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر:3] {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} [الزمر:66]. (وأخر المفعول إن لبس حذر ... أو أضمر الفاعل غير منحصر) يجب تقديم الفاعل على المفعول في مواضع، منها: أن يخاف التباس أحدهما بالآخر، لعدم ظهور الإعراب فيهما، ولا قرينة تميز أحدهما من الآخر، نحو: "ضرب موسى عيسى" و "أكرم هذا الذي قام" ونحو ذلك،

فإن وجد قرينة لفظية أو معنوية تزيل اللبس لم يمتنع التقديم، نحو: "ضربت موسى سلمى" و "أكل الكمثرى موسى" ومنها: أن يكون الفاعل ضميرا متصلا، وهو مراد المصنف بقوله: "غير منحصر" لأنه إذا حصر وجب تأخيره، كما يأتي، وسواء كان المفعول ظاهرا نحو: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ} [يوسف:16] أو ضميرا، نحو: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} [الأعراف:11]. (وما بـ"إلا" أو بـ"إنما" انحصر ... أخر، وقد يسبق إن قصدٌ ظهر) يجب تأخير المحصور من الفاعل أو المفعول سواء كان الحصر بـ"إلا" أو بـ"إنما" وسواء كان ضميرا أو ظاهرا، فمن ذلك في الفاعل، {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف:187] و "إنما أكرم عمراً أنا" ومنه في المفعول: (وإنما يرحم الله

من عباده الرحماء) و "ما ضرب زيد إلا عمرا" و "إنما ضربت إياك" و "إنما أكرمت عمرا"، وقد يسبق المحصور من الفاعل أو المفعول إذا ظهر الحصر فيه مع السبق، بأن يكون الحصر بـ"إلا" نحو: (148 - ما عاب إلا لئيمٌ فعل ذي كرم ... ... ... ...)

وكقوله: (149 - ولما أبى إلا جماحا فؤاده ... ... ... ...) (وشاع نحو: "خاف ربه عمر" ... ... وشذ نحو: "زان نوره الشجر") إذا اتصل بواحد من الفاعل أو المفعول ضمير يعود على الآخر، فالوجه تأخير ما أتصل به الضمير منهما، سواء كان الفاعل، نحو: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} [البقرة:124] أو المفعول نحو: {وَاخْتَارَ مُوسَى

قَوْمَهُ} ثم في هذه الصورة يكثر تقديم المفعول، نحو: "خاف ربه عمر" ومنه: (150 - ... ... ... ... ... كما أتى ربه موسى على قدر) وفي الصورة الأخرى يمتنع إلا أنه ورد في الشعر شاذا، نحو: (151 - جزي بنوه أبا الغيلان عن كبر ... ... ... ... ...)

النائب عن الفاعل

والفرق بينهما: أن الفاعل وإن تأخر مرتبته التقديم، فيعود الضمير على متقدم في الرتبة، وغن تأخر لفظاً، بخلاف المفعول فإن رتبته التأخير فيعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة. النائب عن الفاعل يحذف الفاعل إما لسبب معنوي، كالعلم به، والجهل به، وتعظيمه وتحقيره والخوف منهن والخوف عليه، وعدم تعلق الغرض بذكره، نحو {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:37] وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن بُلي منكم بشيء من هذه القاذورات) (وما أُوذي أحد ما أُذيت) ونحو:" صُودِرَ فلانٌ "،

و" وكُذِبَ الأميرُ "وقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ} [النساء:86] وإما لسبب لفظي: كقصد الإيجاز، نحو: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به، ثم بُغي عليه} [الحج:60]. وكقصد موافقةٍ لاحق لسابق، نحو: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4] وكقصد تصحيح النظم، كقوله: (152 - عُلقُتها وعُلّقتْ رجلا ... غيري وعُلق أُخرى غيرها الرجل) (ينوب مفعولٌ به عن فاعل ... فيما له، كنِيلَ خير نائل) إذا حذف الفاعل، وأقيم المفعول به مقامه، استحق ماله من الأحكام كلها، الرفع، ولزوم التأخير عن الفعل، وعدم الاستغناء عنه، وإلحاق الفعل

علامة دالة على تأنيثه، واستحقاقه الاتصال بالفعل. (فأول الفعل اضممن والمتصل ... بالآخر اكسر في مُضِى ك "وُصِل") (واجعله من مضارعٍ منفتحا ... كينتحي، المقول فيه "يُنتحي") (والثانيَ التالي تا المطاوعة ... كالأول اجعله بلا منازعة) (وثالثَ الذي بهمز الوصل ... كالأول اجعلنه ك "استُحلِي") تُغير صيغة الفعل إذا حذف فاعله، وأقيم المفعول مقامه، فيضم أوله مطلقا، ماضيا كان نحو: {فَضُرِبَ بينهم بِسُورٍ} [الحديد:13] أو مضارعا، نحو: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا} [الإنسان:17] ولا يجيء ذلك في المر، ويكسر ما قبل آخره إن كان ماضيا ك "وُصِلَ" و "دُحرجَ" و "انطُلِقَ" و"استُخرِجَ" وإن كان مضارعا فُتح ما قبل آخره، ك "يُطعَم" و" يُنتحى" ثم إن كان الماضي مفتتحا ب"تاء" المطاوعة ك"تعلم" مطاوع "علّمَ" و"تدحرج" مطاوع "دحرج" ضم ثانيه مع أوله، نحو:" تعلم العلم ولا يختص ذلك" بتاء المطاوعة بل كل تاء زائدة في أول الماضي يضم معها ثانية نحو:" تُدبرت الكتبُ "،" وتنوع في كذا "وإن كان الماضي مفتتحا بهمزة وصل ضُم ثالثه مع أوله، ك" نطُلِقَ" و "استُحلِي". (واكسر أو أشمم فأثلاثي أُعل ... عينا، وضَمٌ جا، كـ"ـــبُوع "فاحتمِل) (وإن بِشكلٍ خيف لبسٌ يجتنب ... ومال "باع" قد يُرى لنحوِ: حَب) إذا كان الفعل المبني للمفعول ثلاثيا معتل العين، نحو: "باع" و"قال" و"حاك" ونحوها، فلأشهر فيه أن يكسر أوله بكسرة خالصة، ويبقى حرف

العلة بعده على حاله، "ياء" إن كانت أصله، نحو: "بيع" أو ينقلب إليها إن كان أصله الواو، نحو: "قيل" وفيه وجهان آخران: أحدهما: إشمام الكسرة ضَما، وجعل عينه "ياء". الثاني: ضم فائه وإبقاء عينه واوا إن كانت أصلها، نحو: "قُول" وقلبها إليها إن كانت ياء، نحو: "بُوع" وهو أقلها، ومنه: (153 - ... ... ... ... ... ... ليت شبابا بُوع فاشتريت) فإن خيف بكسر الفاء إلباس الفعل المبني للفاعل بالمبني للمفعول اجتنب الكس وعدل إلى الضم، نحو: "خُفتُ" في: "خافني زيد" وكذلك إن حصل اللبس بالضم، نحو: "عُقْتُ" في "عاقني زيد" عُدل إلى الكسر، ولا إلباس مع الإشمام، وأما الثلاثي المضعف، نحو: "حب" و "شد" و "رد" فالمعروف ضم

فائه نحو: {رُدت إلينا} بيوسف:65] وقد يجيء في "فائه" من الوجوه ما جاء في "فاء" باع، فيكسر بإخلاص، كقراءة علقمة (رِدّت إلينا) وهي لغة لبعض بني تميم، أو بإشمام وهو قياس لا سماع. (وما ل"فا" باع لما العين تلى ... في اختار وانقاد وشبه ينجلي) ما جاء من الماضي على "افتعل" أو "انفعل" معتل العين ك"اختار" و"اصطاد" و "انقاد" و"انهال" فلك فيما قبل العين منه وهو "الفاء" في "انقاد" و"انهال" و"تاء الافتعال" أو بدلها في "اختار" و "اصطاد" الأوجه الثلاثة: التي في "فاء" باع، ونحوه من الثلاثي المعتل العين فتكسرهما بإخلاص، وهو الأشهر، نحو: "اختير" و"اصطيد" و "انقيد" أو بإشمام الضم والعين ياء في الوجهين، أو بضمها، وتقلب العين واو فتقول: "اختور" و "انقود". (وقابلٌ من ظرفٍ أو مصدر ... أو جرف جر بنيابة حَرِى) ينوب عن الفاعل ثلاثة أشياء، غير المفعول به وهي: المصدر والظرف،

والجار والمجرور، ولكن بشرط أن يكون الظرف، والمصدر قابلين لذلك، فلو لم يقبلاه لعدم تصرفهما، نحو: "عندك" و "معك" من المظروف، ونحو: "سبحان" من المصادر، أو لعدم اختصاصها "كزمان" و "مكان" من الظروف، وكالمؤكد من المصادر، لم يجز إقامتها مقام الفاعل، فلا يقال:" جُلس عندك "ولا" سُبِّح سبحان الله "ولا" سِير زمان "ولا" سِير سَيرٌ "وأما

الجار والمجرور فلا ينقسم إلى قابل وغيره. ومن نيابتها عن الفاعل:" صِيم يومان "وقوله {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة:13] ... {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} [الأعراف:149] ويتعين في {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ} [الزمر:69] لكون الظرف الذي معه غير متصرف. (ولا ينوب بعض هذى إن وُجد في اللفظ "مفعولٌ به" وقد يَرِد) أي: لا ينوب شيء من هذه الثلاثة، إذا كان في اللفظ مفعول به، بل يتعين نيابة المفعول به، سواء تقدم عليها، نحو:" ضُرب زيد يوم الخميس, أو تأخر عنها، نحو" ضُرِب ضربا شديدا زيدٌ "وقد يرد نيابة ذلك عن الفاعل، ويترك المفعول به منصوبا، كقوله:

(154 - ... ... ... ... ... ... لَسُبَ بذلك الجرو الكلابا) ولا يشترط تقدمه على المفعول به، كما زعم الأخفش، لوروده مؤخرا عنه في قراءة أبى جعفر: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا

يَكْسِبُونَ} ولم يسمع ذلك إلا في الجار والمجرور، وألحق به الآخران قياسا. (وباتفاق قد ينوب الثان من ... باب "كسا" فيما التباسه أُمن) إذا بني للمفعول باب "أعطى" و "كسا" من الفعل المتعدي إلى مفعولين ثانيهما غير الأول، فلأشهر فيه أن يُجعل الأول -وهو الفاعل في المعنى- منهما نائب عن الفاعل، ويترك الثاني على نصبه، نحو: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [إبراهيم:23] ويجوز عكسه إن أمن

اللبس، سواء تقدم أو تأخر، نحو" كُسي زيدا جبةٌ "وليس باتفاق كما زعم المصنف، بل من النحاة من منعه مطلقا، ومنهم من منعه في النكرة دون المعرفة، أما لو ألبس كما في نحو:" أعطيت زيدا عمرا "تعينت نيابة الأول اتفاقا. (في باب "ظن" و"أرى" المنعُ اشتهر ... ولا أرى منعا إذا القصل ظهر) إذا بني للمفعول "بابُ ظن" من المتعدي إلى مفعولين، أصلهما المبتدأ والخبر، فلأشهر عند النحاة: تعين نيابة الأول منهما لشبهه الفاعل، من جهة كونه مسندا إليه بخلاف الثاني، واختار المصنف جواز إقامة الثاني إذا ظهر القصد، ولم يخف لبس موافقة لابن عصفور، إلا أن ابن عصفور: قيده بأن

لا يكون جملة، فيجوز:" ظُنَ زيدا قائمٌ "و" حُسبت الشمسَ بازغةٌ "أما لو حصل بإقامته لبس بحيث لم يعلم المخبر به من المخبر عنه، كما إذا كانا نكرتين، نحو:" حسِبتُ رجلا راكبا "أو معرفتين، نحو:" علمت زيدا أخاك "تعينت إقامة الأول اتفاقا، وأما باب "أرى" ونحوه من المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل، فالمشهور عند النحاة وجوب نيابة منها، أيضاً وبه ورد السماع، كقوله: (155 - ونبئت سوداءَ الغميم مريضةً ... ... ... .... ... ...) واختار المصنف جواز إقامة الثاني إن أمن اللبس باشتباه الفاعل في المعنى بغيره، نحو:" أنبئت زيدا المرأة حاملا "ويجوز فيه:" أُنبىّ زيدا المرأةُ حاملا "ويجوز فيه" أُنبيء زيدا المرأة حاملا "أما مع اللبس، نحو:" أنبت زيدا عمرا قادما "فيتعين إقامة الأول ليعلم أن الثاني هو المخبر عنه بالقدوم، أما نيابة الثالث منها، فذكر الأول ليعلم أن الثاني هو المخبر عنه بالقدوم، أما نيابة الثالث منها، فذكر ابنه الاتفاق على منعه وليس كذلك، بل قد ذهب بعضهم إلى جوازه.

اشتغال العامل عن المعمول

(وما سوى النائب مما عُلقا ... بالرافع النصبُ له محققا) كل ما يتعلق بالفعل فهو منصوب، إما لفظا، وإما محلا، إلا الفاعل ونائبه فإذا أخذ الفعل فاعله، أو النائب عنه، فكل ما يتعلق به منصوب، نحو:" ضُرِبَ زيد راكبا يوم الخميس ضربا شديدا إهانة له في دار عمرو إلا رجله ". اشتغال العامل عن المعمول شرط هذا الباب [أن يكون المعمول السابق صالحا لعمل ما بعده فيه]، مع تقدمه عليه، فلو لم يصلح لذلك، كالواقع قبل" أفعل التفضيل "أو" فعلي التعجب "أو" أسماء الأفعال "لم يكن من هذا الباب، فإن ورد ما يوهم ذلك، نحو: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء:24] وقوله: (156 - يا أيها المائحُ دلوي دونكا ... ... ... ... ... ...)

جعل معمولا لفعل محذوف لدليل دل عليهن أو مصدرا إن أمكن، ك {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء:24] أو مبتدأ إن لم يظهر فيه الأعراب، ك" دلوي ". (إن مضمرُ اسم سابقٍ فعلاَ شغل ... عنه بنصب لفظه أو المحل) (فالسابقَ انصبه بفعل أضمرا ... حتما موافق لما قد أُظْهِرا)

يعني إذا شغل ضمير الاسم السابق للفعل فعله عن نصب الاسم السابق بنصبة للفظ الضمير أو محله، نصب السابق بفعل واجب الإضمار وموافق للظاهر، نحو: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس:39] التقدير: قدّرناه القمر، وسواء كان النصب للفظ الضمير كما مثل أو لمحله، نحو:" زيدا مررت به "وموافقة الفعل العامل في الضمير المقدر تارة تكون باللفظ، كالمثال الأول، وتارة تكون بالمعنى كالمثال الثاني، فغن التقدير فيه: جاوزت زيدا، ومثله: {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ}.

(والنصبُ حتم إن تلا السابقُ ما ... يختص بالفعل ك "إن" و"حيثما") الاسم السابق في باب "الاشتغال" منقسم إلى خمسة أقسام: أحدهما: ما يجب نصبه، وذلك إذا وقع بعد ما يختص بالفعل، ك "بإنْ وحيثما"، وغيرهما من أدوات الشرط، نحو:" إن زيداً رأيته فسلم عليه "و" حيثما عمراً لقيته فاضربه "، ويكثر وقوع الاشتغال بعد إذا مطلقا، وبعد "إنْ" إذا كان الفعل ماضيا، كما مثّل، وأما وقوعه بعدها إذا كان الفعل مضارعا، نحو:" إنْ زيدا تلقه "فلم يسمع إلا في الشعر، وكذا وقوعه بعد غيرهما من أدوات الشرط. ويرد على المصنف نحو: (157 - لا تجزعي إن منفس أهلكته ... ... ... ... ... ...) فإن النصب فيه غير ممكن لأنه معمول لفعل لازم مطاوع ل "أهلكته" التقدير:" إن هلك منفس "وإنما الواجب بعد "إنْ" جعل الاسم معمولا لفعل، لا مبتدأ، سواء اقتضى الفعل نصبه أو رفعه، ومن الأدوات المختصة بالفعل أدوات "التحضيض" نحو:" هلا زيدا أكرمته "وأدوات الاستفهام غير الهمزة، نحو:" متى زيدا لقيته "إلا أنّ مثله لم يسمع إلا في الشعر، وأما في الكلام فلا

يقع بعد أدوات الاستفهام إلا صريح الفعل. (وإن تلا السابقُ ما بالابتدا ... يختص فالرفع التزمه أبدا) (كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد ... ما قبل معمولا لما بعد وجد) هذا هو القسم الثاني، وهو ما يجب فيه رفع الاسم السابق، وذلك في مسألتين: إحداهما: أن يقع بعد أداة تختص بالابتداء، ك"ليتما" و" إذا الفجائية "نحو:" ليتما زيد لقيته و" خرجت فإذا زيد يضربه عمرو. الثانية: أن يكون الفعل المشتغل بالضمير تاليا لما لا يجوز أن يرد ما قبله معمولا لما بعده، لاستحقاقه التصدير، ك" لام الابتداء "، نحو:" زيد لَيكرمنه عمرو "وأدوات الاستفهام نحو:" زيد هل رأيته؟ "لما تقدم من أنّ شرط العامل المفسر في هذا الباب أن يصح تسليطه على المعمول، وذلك ممتنع بالفصل بينهما بما له صدر الكلام. ولا حاجة بذكر هذا القسم في هذا الباب أصلا، لعدم صحة انطباق حد الاشتغال عليه.

(واختير نصبٌ قبل فعلٍ ذي طلب ... وبعد ما إيلاؤه الفعلَ غلب) (وبعد عاطفٍ بلا فصل على ... معمولِ فعلٍ مستقر أو لا) هذا هو القسم الثالث، وهو ما يجوز فيه الوجهان، إلا أن النصب أرجح، وذلك في مسائل: أحدهما: أن يكون الفعل المشتغل دالا على الطلب، إما أمرا نحو:" زيداً أكرمه "أو نهيا، نحو:" أخاك لا تضربه "أو دعاء، نحو:" زيداً أدخله الله الجنة "، وإنما اتفق السبعة على الرفع في نحو: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38] وشرطه: أن لا يفصل بين الهمزة والاسم بغير ظرف، فلو فصل بينهما بغير ظرف، نحو" أأنت زيد ضربته "؟ فالمختار الرفع، أما الفصل بالظرف، نحو:" أيوم الخميس زيدا لقيته؟ "فلا يغير الحكم، وك "ما" و "لا" النافيتين، نحو:" ما زيدا لقيته "، و" لا أخاك رأيته "وك "حيث"، نحو:" حيث زيداً تلقاه فأكرمه ". الثالثة: أن يقع الاسم معطوفاً على معمول لفعل سابق، ولم يفصل بين

المعطوف وبين حرف العطف بأمّا، سواء كان المعمول المعطوف عليه مرفوعا، نحو:" جاء زيد وعمر ولقيته "أو منصوبا، نحو:" أكرمت زيدا وعمرا أهنته "قال تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} [النحل:4،5]، ومثله: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات:29،30] أما لو فصل بين المعطوف والعاطف ب"أما" فالمختار الرفع، نحو:" ضربت زيداً وأما عمرو فأهنته ". (وان تلا المعطوفُ فعلا مخبرا ... به عن اسم فاعطفن مخيرا) هذا هو القسم الرابع، وهو ما يجوز فيه الوجهان على السواء، وهو ما إذا عطفت الجملة الثانية على جملة ذات وجهين، قد ابتدئ فيها بالسم وأخبر عنه بالفعل، وبهما قرئ في المتواتر: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ} [يس:39] بعد قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا}

وسواء عطفت بالوا، كما مثّل، أو بالفاء نحو:" زيد جاء فعمرو أكرمته "أما لو كان الفعل السابق مخبرا به عن" ما التعجبية "نحو:" ما أحسن زيدا وعمرو لقيته "فالوجه فيه الرفع. (والرفعُ في غير الذي مرّ رجَح ... فما أبيح" افعل" ودع ما لم يُبح) هذا هو القسم الخامس، وهو ما يجوز فيه الوجهان، ولكن أرجحهما الرفع، وهو ما عدا المواضع المذكورة" فزيد ضربته "بالرفع أرجح منه بالنصب، لسلامته من التقدير، فإنه إذ ذاك مرفوع بالابتداء، وما بعده في محل خبره، وتكون الجملة حينئذ اسمية. (وفصل مشغول بحرف جرٍ ... أو بإضافة كوصلٍ يجري) يعني: أن فصل الفعل المشغول عن العمل من الضمير الذي اشتغل به بحرف جر، نحو:" إنْ زيدا رغبت فيه أحبك "أو بإضافة، نحو:" هلا زيدا

ضربت غلامه "بمنزلة الضمير بالفعل في نحو:" إن زيدا لقيته أحبك "و" هلا زيدا ضربته "لكن مع حرف الجر يقدر العامل في الأول من معنى الثاني، لا من لفظه، كما سبق. (وسوفي ذا الباب وصفا ذا عمل ... بالفعل إن لم يك مانع حصل) ما كان من الأسماء وصفا عاملا عمل الفعل، فهو بمنزلة الفعل في باب الاشتغال، ف" زيدا أنا ضاربه "غدا بمنزلة" زيدا اضربه غدا "مالم يمنع من ذلك مانع، مثل كون الوصف في صلة" الألف واللام "نحو:" زيداً أنت الضاربة "لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول، وما لا يعمل لا يفسر عاملا، وكذلك يمتنع في الصفة المشبهة، نحو: وجه الأب زيد حَسَنهَ لأنها لا تعمل فيما قبلها لبٌعدها عن الفعل، أما ما ليس وصفا من الأسماء، كالمصدر واسم الفعل، فلا يجوز فيهما ذلك وإن كان عاملين، فلا يجوز" زيدا عليكه "، ولا: ضربا إياه وكذا ما لا يصح عمله من الوصف لكونه بمعنى المضي، نحو:" زيد أنا

ضاربه أمس ". (وعُلْقة حاصلةٌ بتابع ... كعلقةٍ بنفس الاسم الواقع) قد تقرر انه لابد في صحة الاشتغال من علقة بين العامل وبين الاسم السابق، بضمير متصل بالفعل أو مفصول عنه بما ذكر، وقد يكون معمول الفعل اسما أجنبيا، إلا أنه متبع بتابع مشتمل على ضمير يرجع على الاسم السابق، فتحصل العلقة بالتابع، فتكون نظير حصولها بالاسم الواقع معمولا للفعل، ويختص ذلك بالنعت وعطف البيان وعطف النسق بالواو خاصة، نحو:" زيداً أكرم رجلاً أحبه "و" زيدا ضربت عمرا "أخاه "أو" ضربت عمراً وأخاه "وبعضهم أجازه في البدل أيضاً، والمسألة مبنية على أن العامل في البدل، هل هو العامل في المبدل منه، أو غيره.

تعدي الفعل ولزومه

تعدي الفعل ولزومه لا تنحصر الأفعال في القسمين المذكورين، بل منها ما لا يوصف بتعد ولا لزوم، وهي الأفعال الناقصة، كـ"ـكان" و"كاد" وأخواتهما، ثم اللازم لا انقسام فيه، والمتعدي ينقسم إلى: متعد بحرف الجر، نحو:" مررت بزيد "، وهو في اصطلاح أكثرهم معدود في قسم اللازم، وإلى متعد بنفسه إلى واحد، نحو:" ضربت زيدا "وإلى متعد إلى واحد بنفسه مرة، وبالحرف أخرى، نحو:" نصحته، ونصحت له "وإلى متعد واحد بنفسه وإلى آخر بحرف الجر نحو نصحته ونصحت له وإلى متعد إلى واحد بنفسه، وإلى آخر بحرف الجر، نحو أمرت زيدا بالخير وإلى متعد بنفسه إلى اثنين ليس أصلهما المبتدأ [والخبر، كأعطيت زيدا درهما، وإلى متعد إلى اثنين أصلهما المبتدأ] والخبر، ك "عملت زيداً قائماً" وإلى متعد إلى ثلاثة، ك"أنبأت زيداً عمرا قائماً". (علامةُ الفعل المعدّي أن تَصِل ... "ها" مصدرٍ به، نحو: عمل) يعرف المتعدي من اللازم بصحة اتصال "هاء الضمير" العائد إلى غير المصدر به نحو: "رأيت الثوب الذي عمله زيداً" أما لو اتصل به ضمير يرجع إلى المصدر، نحو: "أعجبني القيام الذي قمته" لم يكن بذلك متعدياً، ويعرف أيضاً بصحة صوغ اسم مفعول تامّ منه. (فالنصب به مفعوله إنْ لم يَنُب ... عن فاعلٍ نحو: تَدَبرت الكتب)

حكم الفعل المتعدي أن ينصب مفعوله نحو: "تَدبرت الكُتبَ إلا أن ينوب المفعول عن الفاعل، فيرفع نحو: "قُرءَ الكتابُ". (ولازمٌ غير المُعدّي وحُتم ... لزوم أفعالٍ السجايا كَنَهِم) إذا عرف المتعدي بعلامته، فللازم غيره، وهو ما لا يصح أن يتّصل به "هاء ضمير" لغير المصدر، أو مالاً يصح صوغ اسم مفعول تام منه، ألا ترى أنك لا تقول في "ذهب" مذهوب كمضروب، وإنما تقول: مذهوب به، أو فيه، أو إليه، فلا يتم إلا بمتعلق، ويتعين اللزوم في أفعال تعرف تارة بالمعنى، وتارة باللفظ، فمما يعرف بالمعنى أفعال السجايا، والمراد بالسجية، ما دّل على وصف ملازم، ولم يكن حركة جسمٍ، نحو: "نَهشمَ" إذا اشتدّت شهوته للطعام، و"جُبنَ"، وشجُعَ، وقَوِىَ، وضَعُفَ. (كذا افعلَلَّ والمضاهي اقعنسسا ... وما اقتضى نظافةً أو دَنَسا) (أو عَرَضا أو طاوعَ المعدَّي ... لواحدٍ كمَّده فامتدّ)

مما يتعين لزومه لمعنى لفظي فيه، ما جاء على وزن "افعلل" ك "استقرَّ" و "اشمازَّ، أو على وزن "افعنلل" نحو: "اقعنسس الجمل" إذا أبى أن ينقاد، وكذا ماضاهاه بمجيئه على افعنْلى" ك "حْرنبى الديكُ" إذا انتفش للقتال، ومما يتعين فيه اللزوم لأمر معنويّ: ما دلّ على نظافة، ك "نَظُفَ" و "طَهُرَ" و "وَضُوءَ"، وما دلّ دَنَسٍ، نحو: "نَجُسْ" و "قَذُر" وما دل على عرض، وهو: مالم يكن حركة جسم، من وصف غير ملازم، ك "مرِض" و "شبِع" و "حزِن"، وما دلّ على مُطاوعة فعل متعدّ إلى واحد، نحو: "مددت الحبل فامتد" و"كسرت الإناء فانكسر" فلو طاوع المتعدي إلى اثنين أو ثلاثة نقص تعدّيه واحدا، نحو: "علمت الحساب فتعلمه، وأعلمت زيداً عمرا قائما فعلم زيد عمرا قائماً. (وعَدِّ لازماً بحرفِ جَرِّ ... وإنْ حذف فالنّصبُ للمنجر) (نقلا وفي "أنَ" وأنْ" يطردُ ... معْ أمن لبس كعجبت أن يَدُوا) الفعل اللازم إذا أُريد تعديته إلى مفعول عدّي إليه بحرف الجر، نحو: "غضبت على زيد ومللت منه"فإن حذف حرف الجر، انتصب المفعول،

كقوله: 158 - (تمروّن الديارَ ولم تعوجوا ... ... ... ... ... ... ... ...) وتركه على جره في نحو: 159 - (... ... ... ... ... ... أشارتْ كليبٍ بالأكف الأصابعُ) شاذّ، والنصب في ذلك يقتصر فيه على النّقل الوارد منه، إلاّ مع "أنّ"

و "أنْ", فإن الحذف معهما مطرد إذا أمن اللبس لكون الحرف المحذوف [متعينا كقوله]: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو} [أل عمران:18]، {بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ} [ق:2] إذ الأصل: "بأنه" و "مِن أن جاءهم" ونحوه في القرآن كثير, أما لو خيف اللبس لعدم تعّين الحرف المحذوف، نحو: "رغبت في أن آتيك" لم يجز الحذف لاحتمال أن يقدر المحذوف "عن" فيتعكس المعني، وإنما حذف في قوله {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} [النساء:127] لظهور معنى "في" بالقرينة من السّياق، معه حذف حرف الجر "كي" نحو: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} [الحشر:7] إذ التقدير: "لكيلا". (والأصل سبق فاعل معنى كمن ... من: ألبسنْ مَن زاركم نَسْجَ اليَمن) ما تعدى من الأفعال إلى مفعولين ثانيهما غير الأول، فلابد أن يكون

أحدهما فاعلا في المعنى، نحو: "أعطيت زبداً درهماً" و "كسوته ثوباً" والأصل سبق ما هو الفاعل في المعنى بتقديمه على الآخر، فإذا قلت: "ألبسن من زاركم نسج اليمن" ف "مَن" هو الفاعل في المعنى، لأنه اللابس، و"نسج اليمن" هو المفعول الثاني، ومع كونه أصلا فليس بلازم، بل يجوز أن تقول: "ألبسن نسج اليمن من زاركم"، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا} [الإنسان:8] {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} [البقرة:177]، ومما جاء على الأصل: {وَآتُوا النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ} [النساء:4]. (ويلزم الأصلُ لموجب عرا ... وتركُ ذلك الأصلِ حتما قد يُرى) أي: يلزم البقاء على الأصل، من تقديم ما هو فاعل في المعنى، لعروض موجب لذلك، والموجب لذلك هو: الأسباب الثلاثة المقتضية لتقديم الفاعل على المفعول وهى كونه ضميرا متصلا، نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1] أو خيف التباس أحدهما بالآخر، نحو: " أعطيت زيدا عمرا" أو كان الثاني محصورا نحو: "ما أعطيت زيدا إلا درهما" ويجب ترك الأصل، بتقدير غير

الفاعل في المعنى للأسباب الثلاثة التي يقدم لأجلها المفعول على الفاعل، وهي كونه ضميراً متصلاً والفاعل ظاهر نحو: "ارتجعت المال الذي وهبته زيداً"، وكن الفاعل في المعنى محصوراً نحو: "ما أعطيت المال إلا زيداً" واتصال الفاعل في المعنى بضمير يعود على الآخر، نحو: "أعطيت المال مالكه". (وحذفَ فضلة أَجِزْ إن لم يّضر كحذف ما سبق جوابا أو حصر) المراد بالفضلة: المفعول به، وحذفه، جائز، نحو: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل:5] ويكثر عند قصد الإيجاز، نحو: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا} [البقرة:24] وعند قصد التناسب نحو: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1،2،3] وعند احتقاره، نحو: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:21]،وبالجملة فحذفه سائغ في اللسان ما لم يضر باختلال الكلام بحذفه، مثل: ما سيق جواباً، كقولك: "ضربت زيداً" لمن قال: "من ضربت؟ "، ومثل المحصور في نحو: "إنما أكرمت زيداً. (ويحذف النّاصبُها إن علما ... وقد يكون حذفه ملتزما) كما تحذف الفضلة كذلك يحذف ناصبها، وهو الفعل، لكن بشرط العلم به، إما بدلالة لفظية، كقولك: "زيداً لمن قال: "من أكرم؟ " أو حالّيه،

التنازع في العمل

كقولك: "الهلال" لمن تأهب لرؤيةٍ، و"مكة" لمن تجهز للسفر، و "القرطاسَ" لمن سدّد سهما. بتقدير: "انظر، وتريد وتصيب، وقد يكون حذف الفعل، وبقاء مفعوله لازما، وذلك في باب الاشتغال، كما سبق، وفي الأمثال التي سمع فيها محذوفاً، فإن الأمثال لا تغير، نحو: "الكلابَ على البقر" بتقدير: أرسل، وفي التحذير والإغراء، كما يأتي. التنازع في العمل وهو مقابل لباب الاشتغال، لأن ذلك معمولان لم يظهر معهما إلاّ عامل [واحد، وهذا عاملان لا يظهر معهما إلاّ معمول واحد]. (إنْ عاملان اقتضيا في اسم عمل ... قبلُ فللواحد منهما العمل) (والثانِ أولى عند أهل البصرة ... واختار عكسْاً غيرهم ذا أسْره) إطلاق المصنف "العاملين" يشمل الفعلين، نحو: {آتوني أفرغْ عليه قطرا} [الكهف:96] والاسمين المتضمنين معنى الفعل، نحو: (160 - عهدتَ مغيثاً من أجرته ... ... ... ...)

والاسم والفعل، نحو: (هاؤم اقرؤا كتابيه) ولا يتصور ذلك في حرف، ولا في اسم جامد، وقال: "اقتضيا" ليعلم أنه لا بد أن يكون مطلوبا لكل من العاملين من حيث المعنى، كما مثل، سواء اتفق طلبهما له في اللفظ، بأن يطلباه مرفوعاً، أو منصوباً كما مثل، أو اختلف، بأن يطلبه أحدهما مرفوعاً والآخر منصوباً، نحو: "أكرمت، وأكرمني زيد" وقيدهما بأن يكونا قبل الاسم ليعلم أن التنازع لا يصح من التقدم، نحو: أيهم ضربت

وشتمت؟ ولا مع التوسط، ولا بد من اشتراط كون العاملين متصرفين، فلو كانا أو أحدهما غير متصرفين، نحو: "ما أحسن وما أجمل زيداً" لم يكن من باب التنازع، وشرط بعضهم اختلافهما في اللفظ، فنحو: 161 - فهيهات هيهات العقيق وأهله ... ... ...

ليس من هذا الباب، وغنما هو تأكيد، وإذا وجد شرط التنازع فالعمل [لواحد] خاصة، وعند بعضهم أنه لهما مطلقا، إذا اتحدت جهة طلبهما، وليس ببعيد، وخصص ذلك الفراء بطالبي الرفع، والجمهور على الأول، ثم أنت بالخيار في إعمال أيهما شئت، اتفاقا، إلا أنّ الثاني أولى عند البصريين لقربه، والكوفيون عكسوا ذلكن فاختاروا إعمال الأول لسبقه، وهذا القول عند المصنف ذو أسرة، أي: ذو قوّة.

(وأعمل المهمل في ضمير ما ... تنازعاه والتزم ماالتزما) (كيحسنان ويسيء ابناكا ... وقد بَغي، واعتدَيَا عبداكا) إذا أعلمت أحد العاملين في المتنازع فيه، أعلمت المهمل الذي لم تعلمه منهما في ضمير الاسم ملتزما ما التزمته العرب، من مطابعة الضمير لمفسره إفرادا وتثنية وجمعا، فتقول على إعمال الثاني: "يحسنان ويسيء ابناك" قال الشاعر: (162 - هويننيِ وهويت الغانيات إلى أن شبت فانصرفت عنهن آمالي) وتقول على إعمال الأول: "قد بَغَى واعتديا عبداك". (ولا تجيء معْ أوّلٍ قد أّهمِلاَ ... بمضمر لغير رفعٍ أوهِلا) (بل حذفه الزم إن يكن غير خبر ... وأَخّرنه إن يكن هو الخبر) ... إذا أعلمت الثاني وأهملت الأول، فإن كان الأول يطلب الضمير

مرفوعا، وجب إضماره فيه كما سبق، لكون الفاعل لا يستغنى عنه، وإن كان يطلبه منصوب اللفظ أو المحل لزمه حذفه، وإن لم يكن أصله الخبر، كالمفعول به، نحو: "أكرمته" ولا "مررت به" لأن المفعول فضلة سائغ الحذف، فلا يتعرض بإثباته إلى مخالفة الأصل من الإضمار قبل الذكر، فأما نحو: (163 - إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب ... ... ... ...) فضرورة. وينبغي أن يقيد وجوب الحذف بما إذا امن اللبس، أما لو خيف لبس وجب إثباته، لكن مؤخرا، نحو:" استعنت واستعان علي زيد به "، وإن كان

أصله الخبر، كالمنصوب في باب "كان" والثاني في باب "ظن" امتنع حذفه، ووجب إضماره مؤخرا، ليزول محذور حذف العمدة، ومحذور الإضمار قبل الذكر، نحو:" كنت وكان زيد صديقا إياه "و" ظنني وظننت زيدا قائما إياه "، والذي يتجه جواز الحذف فيما إذا أمن اللبس لوجود الدليل عليهما، إذ الخبر الباقي على عمديته لفظا ومعنى يحذف لديل، فالذي انتسخت عمديته لفظا أولى بذلك، أما إذا أعلمت الأول، تعين إعمال الثاني في ضميره يعدّ مرفوعا كان أو منصوبا، أصله الخبر، أو ليس كذلك، فيجب" ضربني وأكرمتهما الزيدان "ولا يحذف المفعول هنا، وإن كان فضلة، يؤدي إليه من تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه. (وأظهر ان يكن ضميرا خبرا ... لغير ما يطابق المفسرا) نحو: (أظنّ ويظناني أخا ... زيدا وعمرا أخوين في الرخا) المضمر الذي لا يجوز حذفه ويتعين إثباته مؤخرا لكونه في الأصل خبرا كما تقدم إذا لم يطابق مفسره لاختلافهما، إفرادا، وتثنية، وجمعا، تعين الإتيان

به اسما ظاهرا، فتقول في:" ظنني وظننت زيداً قائماً إياه ":" ظنني وظننت الزيدين قائما "ومثله:" أظن ويظناني أخاً زيداً وعمرا أخوين "، وإنما وجب الإظهار في ذلك لن المفعول الذي يحتاج إلى ذكره في المسألة الأولى خبر عن ياء المتكلم ومفسره "قائمين" الذي هو المفعول الثاني لظننت، فلو [أضمر مفردا ليطابق] ما هو خبر عنه، لزم مخالفته لمفسره، ولو أضمر مثنى ليطابق مفسره، لزم مخالفته لما هو خبر عنه، وفي المسألة الثانية عكس ذلك، لأن المفعول خبر عن زيد، وعمرو مفسره "أخا" الذي عمل فيه الفعل الثاني، فلو أضمر مثنى لزم مخالفته لمفسره، ولو أضمر مفردا لزم مخالفته لما هو خبر عنه، فعدل إلى الإظهار، وفي جعل هاتين المسألتين ونحوهما من باب التنازع نظر،

المفعول المطلق

لأن شرط التنازع-كما سبق- اقتضاء كل العاملين للمعمول المتنازع فيه، والتنازع فيه في المسألة الأولى: "قائمين" ولا يطلبه "ظنني" لكونه مثنى، وفي المسألة الثانية "أخا" ولا يطلبه "أظن" العامل في "زيد" و "عمرو" لكونه مفردا. المفعول المطلق وهو المصدر، وسمي مفعولا مطلقا لوجهين، أحدهما: أنه لا يقيد بشيء من حروف الجر، كما يقيد المفعول به، أوله، أو معه، أو فيه. الثاني: أن جميع الأفعال المتصرفة تتعدى إليه لازمها ومتعديها، وتامها وناقصها. (المصدر اسم ما سوى الزمان من ... مدلولي الفعل ك "أمنٍ" من أَمن) أي: المصدر اسم للحدث الذي هو أحد مدلولي الفعل، فإن الفعل يدل على كل واحد من الحدث والزمان، مطابقة بلفظه، وعلى أحدهما خاصة بالتضمن، وعلى الفاعل والمكان بالالتزام، فالحدث هو أحد مدلوليه اللذين يل عليهما بالمطابقة، والمصدر اسم ذلك الحدث، وسمي مصدرا لأنه في الغالب صادر عن فاعله، ك "ضربا" و "أكلا"، وقد يكون قائما به، ك "الأمن والفرح" ولا بد أن يكون جاريا على الفعل قياسا، فإن لم يجر عليه قياسا، نحو:" اغتسل غسلا "و" توضأ وضوءا "فهو اسم مصدر لا مصدر، إذ المصدر منها "اغتسالا" و "توضُؤا". (بمثله أو فعل أو وصف نصب ... وكونه أصلا لهذين انتخب) يعني: أن عامل المصدر تارة يكون مصدرا مثلهن موافقا له في اللفظ،

نحو: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُوراً} [الإسراء:63] أو مخالفاًن نحو {إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:26] إذا جعلنا الثاني معمولا للأول، ويكون فعلا إما ماضيا، نحو: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164] أو مضاعا، نحو: {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا} أو أمرا، نحو: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا} [المعارج:5] ويكون وصفا، إما اسم فاعل نحو: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات:1] أو اسم مفعول، أو صفة مشبهة، والمختار مذهب البصريين أنه أصل للفعل والوصف، أو صفة مشبهة، والمختار مذهب البصريين أنه أصل للفعل والوصف، وكل منهما مشتق منه، لتضمن كل منهما ما دل عليه المصدر، من الحدث وزيادة الفعل بالدلالة على الزمان واسم الفاعل بالدلالة على الفاعل، واسم المفعول بالدلالة على المفعول، والصفة بالدلالة على أحدهما، لا ما ذهب إليه الكوفيون من كون الفعل أصلا لهما، ولا ما ذهب إليه بعض البصريين من أن المصدر أصل للفعل خاصة،

والفعل أصل للوصف. (توكيدا أو نوعا يبين أو عدد كَسِرْتُ سيرتين سُيْرَ ذي رشَد يعنى: أن المصدر تارة يكون لمجرد توكيد عامله ليرتفع عنه توهم المجاز، نحو:" ضربت ضربا "، وتارة يكون لبيان نوعه كالمختص بصفة أو إضافة، نحو:" سرت سيرا شديدا "، أو" سير ذي رشد "وقد يكون لبيان العدد، نحو" سرت سيرتين ". (وقد ينوب عنه ما عليه دل ... كجد كل الجد، وافرح الجذل أي: ينوب عن المصدر ما كان دالا عليه، وذلك عشرة أشياء: أحدها: صفته، نحو" ضربته أشد الضرب "، أو" ضَرْبَ الأميرِ اللصَ "إذ تقديره: مثل" ضَرْبِ الأمير "ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه.

الثاني: مرادفه، نحو:" شنئته بُغضاً "و" أفرحُ الجذلَ "لأن "الجذل" مصدر "جذل" بمعنى: "فرح". الثالث: مشارك له في مادته، من اسم مصدر، نحو: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا} [الشرح:17] أو مصدر فعل آخر، نحو: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} [المزمل:8] لأن "تَبَتلَ" مصدره: "تبتلا" وتبتيلا" مصدر "بَتل". الرابع: نوع من أنواع فعله، ك "مَشَى الخَطَرَى" و"قعد القُرْفُصَاء" الخامس: عدده، نحو:" ضربته ثلاث ضربات ". السادس: الإشارة إليه، نحو:" ضربته ذلك الضرب ".

السابع: "ضميره"، نحو: {لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة:115]. الثامن: "كل"، نحو:" جدّ كلّ الجدّ ". التاسع: "بعض"، نحو: كُلْ بعض الأكلِ ". العاشر: "آلته"، نحو:" ضربته سوطا "، ولا يعد في هذا "مثل" ولا "غير" نحو:" ضربته مثل ضربك "و" غير ضربك "لأنهما داخلان في قسم. الصفة. (وما لتوكيد فوحد أبدا ... وثنِ، واجمع غيره وأفردا) وما سيق لمجرد التوكيد، فدلالته لا تزيد على دلالة الفعل، فلهذا عومل

معاملة الفعل، في أنه لا يثنى ولا يجمع، وإنما يكون مفردا، نحو:" ضربته ضربا "فلا يقال فيه: "ضربتين" و "ضروبا" فإن ختم بالتاء، نحو: "مرة" زادت دلالته على دلالة الفعل بالتقييد بالمرة، فيثنى ويجمع، فيقال:" ضربته ضربتين وضربات وكذلك ما جيء به لبيان النوع، نحو:" قلت قولا حسنا "و" قولين آخرين "و" أقوالا كثيرة ". (وحذف عامل المؤكد امتنع ... وفي سواه لدليل متسع) أي: المصدر الذي أتي به لمجرد تأكيد العامل، يمتنع حذف عامله، إذ التأكيد المقصود به تقوية المعنى وتثبيتهن والحذف مناف لذلك، ولا يرد عليه جواز الحذف في نحو:" أنت سيرا "ووجوبه في نحو:" أنت سيرا سيرا "لأن المصدر فيهما نائب عن الفعل لا معمول له، أما المصدر المعدود والمبين

للنوع، فيجوز حذف عاملها إذا دلّ عليه دليل إما لفظي، كقولك: بل" سيرا شديدا "لمن قال: "ما سرت" ونعم ضربتين "لمن قال:" هل ضربت عبدك؟ "وإما حاليّ، كقولك لمن قدم من سفر" قدوما مباركا "و" ضربا شديدا "لمن تهيأ لضرب عبده. (والحذف حتم مع آت بدلا ... من فعله كندْلا اللّذ كاندلا) (وما لتفصيل كإمّا منا ... عامله يحذف حيث عنا) (كذا مكررٌ وذو حصرٍ وردْ ... نائب فعل لاسم عين استند) يجب حذف عامل المصدر في هذه المسائل الأربع: الأولى: أن يؤتى به بدلا من اللفظ بفعله، إما لكون فعله مهملا لم يستعمل، نحو: "ويله" و "ويحه". (164 - و ... ... ... ... ... بله الأكف ....)

وإذا قدر عامل هذا فإنه يقدر من معناه لا من لفظه، إذ تقدير ما تلفظ به العرب غير مستقيم، وإما للاستغناء به عن فعله، وأكثر ما يكون ذلك في الطلب، سواء كان أمرا، كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقاب} [محمد:4]، ونحو: (165 - ... ... ... ... ... ... فندلا زريقُ المالَ ندْل الثعالبِ)

أو نهيا، نحو: (قد زاد حزنك حتى قيل لا حزنا ... ... ... ... ... ....) أو دعاء، نحو: سَقْياً له ورَعْياً، أو جَدْعا له وعَقْرا، ويكثر أيضا بعد الاستفهام المراد به التوبيخ، نحو: (166 - .... ... .... ... .... ... ألوما لا أبا لك واغترابا

وفي التعجب كقوله صلى الله عليه وسلم:" عجبا للمؤمن وقد يأتي في الخبر المجرد عن ذلك كقولهم:" شكرا لا كفرا "و" صبرا لا جزعا "و" أفعله وكرامة ومسرة "و" لا أفعله ولا كيدا ". الثانية: أن يكون تفصيلا لعاقبة فعل متقدم، كقوله تعالى: {إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4]. الثالثة: أن يكون مكررا وعامله خبر عن اسم عين، نحو:" أنت سيرا سيرا "فلو لم يكرر، نحو: أنت سيرا كان الحذف جائزا لا واجبا إلا أن يكون المبتدأ مسبوقا بأداة استفهام، نحو:" هل أنت سيرا؟ "فيكون الحذف واجبا.

الرابعة: أن يكون محصورا وعامله خبر عن اسم عين أيضا، سواء كان الحصر ب "بإلا" نحو:" ما أنت إلا سيرا "أو ب"إنما" نحو:" إنما أنت سرا ". (ومنه ما يدعونه مؤكدا ... لنفسه أو غيره فالمبتدأ) نحو: ("له على ألف عرفا ... والثان كأبني أنت حقا صِرْفا) أي: ومن المصدر الواجب حذف عامله ما جيء به نؤكدا لنفسه، بأن يقع بعد جملة هي نصّ في معناه، أو لغيره، بأن يقع بعد جملة محتملة لمعناه ولغيره، فالمبتدأ بذكره، وهو: المؤكد لنفسه، نحو:" له علىّ ألفٌ عُرفا "أو "اعترافا" كأنّ كل واحد منهما لا تزيد دلالته على معنى الجملة التي قبله. والثاني: كـ" ـــابنى أنت حقا و" أفعله البته إذ الأول محتمل للمجاز، نحو: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6] والثاني: محتمل لاختصاص النفي ببعض الأحوال. (كذاك ذو التشبيه بعد جملة ... كـ"ــــلي بكا بُكاء ذاتِ عُضلة) أيك كذلك في وجوب حذف عامله ما أريد به التشبيه، بعد جملة مشتملة عليه وعلى صاحبة، كاشتمال "لي بكاء" على المصدر الذي هو:" بكاء ذات عضلة وعلى صاحبه "، وهو الياء في "لي" فلو لم تتقدمه جملة، نحو:" صوته صوت حمار "أو لم تشتمل الجملة على صاحبه، نحو:" مات فإذا عليه نَوحٌ نوحُ الحمام "تعين الرفع فيهما، ويشترط أن يكون المصدر فعلا علاجيا، كما مّثل به المصنف، فلو كان معنويا نحو:" له ذكاء ذكاء الحكماء تعّين الرفع أيضا.

المفعول له

المفعول له ويسمى المفعول من أجله، وهو العلة التي لأجلها صدر الفعل عن فاعله، سواء كان سجية كـ" ــــقعد عن الحرب جبنا "أو عَرَضا، كـ" ـــضَنِيَ فلان حُبا ". (يُنصب مفعولا له المصدر إن ... أبان تعليلا كـ" ـــجُدْ شكرا ودِنْ) (وهو بما يعمل فيه متحد ... وقتا وفاعلا وإن شرطٌ فُقد) (فأجرره بالحرف وليس يمتنع ... مع الشروط كالِزُهْدِ ذا قَنِع) أي: ينصب المفعول له بشروط أربعة: أحدها: أن يكون مصدرا، نحو:" جئتك إكراما لك "وبشرط أن يكون من غير لفظ [الفعل، فلو كان من لفظ] الفعل السابق، نحو:" جئتك مجيئا "كان انتصابه على المصدرية، واشترط الأكثرون فيه أن يكون من مصادر الأفعال القلبية، كالرغبة والإكرام، فلا يجوز" جئتك ضرْب زيد ". الثاني: أن يراد به التعليل، بأن يكون غَرَضاً للفاعل، نحو:" جُدْ شكرا ".

الثالث: أن يتحد بعامله في الوقت، ولا يشترط تعيين الوقت في اللفظ، بل يكفي عدم ظهور المنافاة. الرابع: أن يتحد به في الفاعل، إذ هو علة، فلا تصدر إلا عنه، ومتى فقد شرط من الشروط الأربعة، كالمصدرية في نحو:" جئتك السمنَ والعسلَ "أو التعليل، نحو:" جلست عندك قُعودا "أو الاتحاد في الوقت، نحو:" تأهبت السفر "و" أكريت الحجَّ "أو الاتحاد في الفاعل، نحو:

زرتك مجيئك إياي "، امتنع النصب على المفعول له، وكان النصب في نحو:" جلست عندك قعودا "للنيابة عن المصدر، ووجب الجرّ في البواقي بحرف دال على التعليل، إما اللام وهو الأكثر، نحو: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29] {وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ} [الرحمن:10] لفقد المصدرية، [ونحو: (167 - فجئت وقد نَضَّتْ لنوم ثيابها ... ... ... ... ... ... ...) لفقد الاتحاد في الوقت] ونحو: (168 - وإنيِ لتعرونيِ لذكراكِ هِزة ... ... ... ... ... ... ...)

لفقد الاتحاد في الفاعل، وإما "من" نحو: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ} [البقرة:19] وإما "الباء" نحو: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت:40] ولا يمتنع جره بالحرف مع استيفاء الشروط كلها، نحو: (169 - من أَمَّكم لرغبةٍ فيكم ظّفر ... ... ... ... ... ...)

(وَقلَّ أنْ يصحبها المجرد ... والعكس في مصحوب "أل" وأنشدوا) (لا أقعد الجبنّ عن الهيجاء ... ولو توالت زُمَرُ الأعداء) قد تقرر أنه إذا اكتملت شروط نصب المفعول له، لم يمتنع جره بالحرف إلاّ أن ذلك قليل في المجرد من "أل" كما سبق تمثيله، وأمّا المصحوب بها فلأكثر جره مع كمال الشروط، نحو:" جئت للأكل والصلاة "ونصبه قليل، كالبيت الذي أنشده المصنف، ويستوي الوجهان في المضاف، كذا قال المتأخرون، مع غلبة الوارد منه منصوبا، نحو: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء:31] {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة:19] {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}

المفعول فيه وهو المسمى ظرفا

المفعول فيه وهو المسمى ظرفا (الظرفّ وقتٌ أو مكانٌ ضُمّنا ... "في" باطّرادٍ كهُنا امكثْ أزمنا دخل بقوله وقت أو مكان قِسما الظرف، الزماني والمكاني، وخرج بتضمين معنى "في" ما نصب من زمان أو مكان نصب المفعول به، نحو: {يَخَافُونَ يَوْمًا} [الإنسان:7] {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ} [الأحزاب:27]. وخرج أيضا عنه: ما ضمّن معنى "فيِ" مما ليس زمانا أو مكانا، نحو: جاء زيد راكبا، أي في حال ركوبه، وباشتراط الاطراد في تضمين معنى "في" نحو: دخلت الدار فإنه وإن صح فيه تضمين معنى "فيِ" فلا يطرد، ألا تراك لا تنصب "الدار" بعد "صلّيت" و "نمت" وغيرهما من الأفعال، فالنصب فيه ليس على الظرفية، وإنما هو بإسقاط حرف الجر توسعا، وقد اشتمل

التمثيل على ظرف المكان وهو "هُنا" وعلى ظرف الزمان، وهو: "أزمنا". (فانصبه بالواقع فيه: مظهرا ... كان، وإلا فأنوه مقدّرا) حكم الظرف النصب، وناصبه ما دّل على الحدث الواقع فيه من مصدر، نحو: أعجبني سيرك يومَ الخميس "أو فعل، نحو: سافرت يوم الخميس "أو وصف، نحو: زيد مسافر يوم الخميس، ثم الناصب له إن كان مُظهرا -كما مثّل- فلا إشكال، وان لم يكن مُظهرا قُدّر، ثم هذا المقدّر، تارة يقدّر جواز، مع إمكان الإتيان به، نحو: "فرسخا" و "يوم الخميس" لمن قال: كم ركبت؟، ومتى قدمت؟، وتارة يُقدر وجوبا بعامل الظرف الواقع خبرا، أو صفة، أو صلة، أو حالا، نحو: زيد عندك، وله غلام خلفك، يضرب الذي معك يزينك بين الناس، فإن العامل في ذلك كله: "استقر" أو "مستقر" أو "كائن" -فيما عدا الصلة- ولا يظهر إلا نادرا، نحو: (170 - لكَ العِزُ إنْ مولاك عز وإن يَهُن ... فأنت لدى بُحبوحًة الهُون كائن) (وكل وقت قابل ذاك وما ... يقبله المكان إلا مبهما) نحو الجهات، والمقادير وما ... صيغ من الفعل كمرمى من رمى أي: جميع أسماء الزمان تقبل الانتصاب على الظرفية، مبهمها كـ "ـدهر"

و"زمان" و"حين" ومختّصها بعدد كـ"يومين" أو إضافة كـ"يوم الخميس" ولا يقبل الانتصاب على الظرفية من أسماء المكان إلاّ ما كان ميهما، وحقيقته: ما افتقر إلى غيره في تصور مسماه كأسماء الجهات الست الضرورية بالنسبة إلى كل جسم، وهي: أمام ومقابلها، [ويمين ومقابلها] وفوق ومقابلها، وكذلك ما أشبهها في الشّياع، كمكان، وناحية، وجانب، وحول، وقُرب، وجذا، إذ كل ذلك لا يتصور مسماه إلاّ إذا أضيف إلى غيره، بأن يقال: "فوق الأرضِ" و "تحت السماء" و "فرسخ" و "بريد" ومن ذلك ما صيغ للدلالة على المكان من فعل عامل فيه، أو مشارك للعامل فيه، في مادته، كـ "ذهبت مَذهب زيد" و "أنا قاعد مقعده" قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80]. (وشرط كون ذا مقيسا أن يقع ... ظرف لما في أصله معْه اجتمع

شرط اطراد هذا النوع الذي يصح انتصابه على الظرفية لكونه مصوغا من الفعل كـ"مَرْمَي" و"مقعد" أن يقع طرفا لأصله الذي هو المصدر، نحو "أعجبني جلوسك مجلس زيد" أو لما يجتمع معه في الاشتقاق من أصله، وهو الفعل، أو الوصف، كما تقدم، فأما النصب في نحو: "هو منّي مقعد القابلة" و "قعدت منه مَزْجَزَ" و "أنا منه مناط الثريا" فشاذ، إذ العامل فيه: الاستقرار مقدما. (وما يُرى ظرفا وغير ظرف ... فذاك ذو تصرّف في العُبرف) (وغير ذي التصرف الذي لزم ... ظرفيةً أو شبهَها من الكلم) الظرف نوعان: متصرف، وهو ما يقارن الظرفية إل حال لا يشبهها، بأن يستعمل فاعلا، ومفعولا، ومبتدأ، وخبرا، وغير ذلك من أخوال الكلم، كـ"اليوم" من ظروف الزمان، و"مكان" من ظروف المكان، لأنك تقول: "جاء يومُ الخميس" و "أعجبني مكانُ زيد" و "أخاف يوم القيامة" و "رأيت مكانَ زيد" و "يومُ الخميس مبارك" و "مكانك رحيب". و ["الصوم يوم الخميس"] و "هذا مكان المنير" وغير متصرف وهو:

ما يلزم الظرفية كـ"العوْض" و"قط" أو يفارقها إلى ما يشبهها من دخول حرف الجر عليه، كـ"قبل" و"بعدُ" و"عندَ؟ " و"لدن" فلا يخرجه ذلك عن الحكم عليه بعدم التصرف. (وقد ينوب عن مكان مصدرُ ... وذاك في ظرف الزمان يكثر) من نيابة المصدر عن ظرف الزمان: "أتيتك قدومَ الحاج" و "انتظرني حلبَ ناقة" و "أوافيك صلاةَ العصر" وهو كثير، ومن نيابته عن ظرف المكان قولهم: "جلست قرب زيد" و "هو مني غَلْوَة سهْم" و "رميةَ حَجَرٍ" وينوب عن الظرف ستة أشياء غير المصدر: الأول: عددُه، نحو "صمت ثلاثين يوما". الثاني: ما دلّ على جزء منه، كـ "سرت بعض اليوم" و "نمت نصف النهار". الثالث: "كل" وما أدّى معناه، نحو "سرت كلّ اليوم جميع الفرسخ". الرابع: صفتُه، نحو: "جلست طويلا من النهار غربيَّ للسجد". الخامس: أسماء أعيان حفظ الظرف المضاف إليها، وأقيمت مقامه، نحو:

"لا أكلمه القارظين" و "مِعزى الفِزر" إذ هو في تقدير: مدة غيبة القارظين، ومدّة غيبة معزى الفِزْر. السادس: أشياء توسع فيها حتى ادّعي فيها النصب على الظرفية، كقولهم: "أحقّا أنك ذاهب" هو عندهم منصوب على الظرفية، لتضمنه معنى "في" إذ التقدير "أني حق" لظهورها في نحو: (171 - أفي الحق أني مغرم بكِ هائم ... ... ... ...)

المفعول معه

[وهو عندهم نائب عن ظرف الزمان، ولذلك لا يخبر به عن الجثث] وكذلك قولهم: "غيرَ شك أنك قائم" و "جَهْدَ رأيي أنك ذاهب" و "ظنّا مني أنك قادم" وفي ادعاء الظرفية في هذا كله نظر، والصواب أنه منصوب انتصاب المصادر بأفعال مقدرة. المفعول معه وهو اسم فضلة تال لواو تجعله بنفسها كتال "مع" مسبوق بجملة متضمنة لفعل أو ما في معناه، "فالاسم" مخرج لنحو: "لا تأكلْ السمك وتشربَ اللّبن" و"فضلة": ليخرج نحو: "اخصتم زيد وعمرو" وتالِ لواو يخرج الاسم الواقع بعد "مع" نحو: "سرت مع القمر" و "تجعله بنفسها" احتراز من نحو: "قرنت زيدا وعمرا" إذ المعيّة مستفادة من الفعل لا من الواو، و "كمجرور مع" احتراز [من نحو: "سرت والنيلُ في زيادةٍ، و "مسبوق بجملة" احتراز] من نحو: "أنت ورأيك" و "متضمنة

لفعل" احتراز من نحو: "كلّ رجل وضيعتُه" أو ما في معناه مدخل لنحو: "أنا سائر والنُيلَ" و "كيف أنت وقصعةً من ثَريد". (ينصب تالى الواو مفعولا معه ... في نحو: سِيري والطريقَ مسرعة) وقد اشتمل تمثيله على القيود المذكورة، فإن "الطريق" اسم فضلة تال لواو جعلته بنفسها كتالى، "مع" مسبوق بجملة، وهي الفعل والفاعل، و"مسرعة" حال من ياء المخاطبة. (بما من الفعل وشبهه سَبَق ... ذا النَصبُ، لا بالواو، في القول الأحقً) الناصب للمفعول معه: ما سبق في الجملة من الفعل أو ما تضمن

معناه، وتعدى إليه بواسطة الواو، [ولهذا كان] يعمل فيه، لو كان لازما، نحو: "جاء الَبْردُ والطيالسةَ" و "استوى الماء والخشبةَ" وليس النّصب بالواو كما ذهب إليه الجرجاني. (وبعد "ما" استفهامٍ، أو "كيف" نصب ... بفعل كون مضمر بعضُ العرب) من كلامهم: "ما أنت وزيدا" و "كيف أنت وقصعةً من ثريد" وأكثر النحاة يروونه بالرفع عطفا على الضمير المنفصل، وبعضهم يرريه بالنصب، ووجهه أنه انتصب بفعل كون مضمر،

والضمير فاعل، لا مبتدأ، والتقدير: "ما تكون أنت وزيدا" و "كيف تكون أنت وقصعةً من ثريد" فيكون الفعل هو العامل. (والعطف إن يمكن بلا ضعف أحقّ ... والنصبُ مختار لدى ضعف النّسق) (والنصب إن لم يجز العطف يجب ... أو اعتقد إضمار عامل تُصِب) للاسم الواقع بعد الواو أربعة أحوال: أحدهما: ترجيح عطفه على نصبه، وذلك حيث أمكن عطفه بلا ضعف، نحو: "جاء زيد وعمرو". الثاني: ترجيح نصبه مفعولا معه على العطف، وذلك حيث كان العطف ضعيفا إما من جهة اللفظ، كما في نحو: "قمت وزيدا". (172 - و ... ... ... ... ... حسبك والضحّاك سيف مهنّد)

على اختيار المصنف فيهما، وإما من جهة المعنى، كقوله: (173 - فكونوا أنتم وبني أبيكم ... مكان الكليتين من الطّحال) الثالث: وجوب نصبه على المفعول معه، وذلك حيث امتنع العطف لمانع

لفظي، كما في نحو: "مالك وزيدا؟ " على قول من يرى امتناع العطف على الضمير المجرور، بدون إعادة الجار، أو معنوي، نحو: "مات زيد وطلوعَ الشمس" لعدم صحة نسبة الفعل إلى ما بعد الواو. الرابع: امتناع كلّ منهما، كما في نحو: (174 - ... ... ... ... ... ... وزجّحن الحواجب والعيونا)

وقوله: (175 - فعلفتها تِبنا وماء باردا ... ... ... ...)

الاستثناء

لأن الثاني فيه منصوب بفعل مقدر، أي: و"كحلن" و"سقيتها" ويمتنع فيه العطف، لانتقاء المشاركة في الفعل والمفعول معه، لعدم فائدة الإخبار بالمعية في الأول، وتحقق انتفائها في الثاني، وهذا هو الذي أشار المصنف إليه بقوله: "أو اعتقد إضمار عامل تصب" وبقي له حال خامس، لم يذكرها المصنف، وهي: "وجوب العطف" كما في نحو: "اشترك زيد وعمرو"، و"كلَ رجل وضيعته" و"جاء زيد وعمرو قبله أو بعده". الاستثناء هو إخراج ما تضمنّه الكلام السابق، أو أدّى إلى نوهّمه أو تقديرا من حكمه، بإحدى أدواته، بشرط الفائدة، فبـ"الإخراج": خرجت مت سيقت فيه "غير" أو "إلا" للوصف، لا للاستثناء، نحو: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] و {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} [الأنبياء: 22] و"ما تضمنه الكلام" أعم من أن يكون تضمنه لفظا، وهو الاستثناء التام، نحو: "قام القوم إلاّ زيدا" أو تقديرا، وهو الاستثناء المفرغ، نحو: "ما قام إلاّ زيد" إذ معناه "ما قام أحد إلاّ زيد" وقولنا: "أو أدى إلى توهمه" ليدخل الاستثناء المنقطع،

نحو "ما فيها أحد إلاّ حمارا" ووصْف المستثنى منه بالسبق تحقيقا أو تقديرا مدخل لنوعي الاستثناء المؤخر عن المستثنى منه، وهو الأكثر، والمتقدم عليه، نحو: (176 - فـ .. هل إلاّ بك النّصر يرتجى ... عليهم وهل إلاّ عليك العموّل) وكونه مخرجا من حكمه أعم من أن يكون حكمه الإثبات، فيكون خارجا منه داخلا في النفي أو النفي، فيكون بالعكس، وتقييد الإخراج بكونه أحد أدوات الاستثناء مخرج لنحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ} [غافر: 28] و {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] و {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] فإن هذه كلها مخرجة لغير المذكور، لكن الأول مخرج بالاختصاص. والثاني: بالوصف. والثالث: بالشرط. والرابع: بالعقل، وخرج باشتراط الفائدة نحو: "قام القوم إلا رجلا" فإن هذا التركيب ونحوه - مما لا فائدة فيه - ممتنع. (ما استثنت "إلاّ" مع تمامٍ ينتصب ... وبعد نفيٍ أو كنفيٍ انتُخِب) (اتباعُ ما اتصل وانصبُ ما انقطع ... وعن تميمٍ فيه إبدال وقع) "إلاّ" هي أم باب الاستثناء، وللمستثنى بها أحوال، الأول: أن يكون قد استثنى بها بعد تمام الكلام، والمراد بـ"تمام الكلام" ألا يكون ما قبلها طالبا لما بعدها إعرابا فيجب النصب إن كان المستثنى منه موجبا، نحو:

{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} [الأعراف: 83] وأما الرفع في قوله: (177 - وبالصريمةِ منهم منزلٌ خَلَق ... عافٍ تغيرَ إلا النؤىُ والوتد) فلتأول "تغير" بلم يبق، وإن كان المستثنى منه منفيا أو شبيها بالمنفى وهو: ما دخل عليه حرف نهي، أو أداة استفهام، انتخب فيه أي: اختبر اتباع ما بعد "إلا" للمستثنى منه في الإعراب، رفعا أو نصبا أو جراً، على أنه بدل منه إن

كان الاستثناء متصلا، بأن يكون المستثنى داخلا في المستثنى منه نحو: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: 66] {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 81] {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56]، والنصب فيه عربي جيد، إلاّ أنه أقل من الإتباع، ومنه: قراءة جماعة من السبعة، {إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 82] وإن، كان الاستثناء منقطعا، وهو: ما لم يكن المستثنى داخلا في المستثنى منه، والمستثنى منه غير موجب، فأكثر العرب يوجبون نصب المستثنى، وبه جاء،

نحو: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56] {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157] وبنو تميم يجوّزون فيه الإبدال أيضا كالمتصل إن أمكن تسليط العامل على المستثنى مه، نحو: (178 - وبلدة ليس بها أنيس ... إلاّ اليعافير وإلاّ العيس)

ودعوى الزمخشري: أن منه قوله {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] غير مستقيمة، أما لو لم يمكن تسليط العامل على المستثنى منه، نحو: "ما نفع إلاّ ما ضرّ". فإن بمي تميم يوجبون النصب أيضا.

(وغيرُ نصبِ سابقٍ في النفي قد ... يأتي ولكن نصبَه اخترْ إن ورد) نقدُّم المستثنى منه جائز، ثم إن سبق في غير النفي، فلا خلاف في وجوب نصبه، وإن سبق في النفي، وهي مسألة الكتاب فالمختار نصبه، كقوله: (179 - ومالي إلاّ آل أحمدَ شيعة ... وما لي إلاّ مشعبَ الحق مشعب)

وحكى يونس فيه الرفع اتباعا، كما في المتأخر، وعليه قوله: (180 - لأنهم يرجون منه شفاعةً ... إذا لم يكن إلاّ النبيون شافع) (وإن يفرّغ سابقإ "إلا" لما ... بعدُ يكن كما لو "الاّ" عُدِما الاستثناء المفرغ هو: أن لا يذكر المستثنى منه، ويكون العامل السابق لـ"إلا" طالبا لما بعدها، إما خبرا، نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران: 144] أو فاعلا،

نحو: {فمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ} [يونس: 83] أو نائبا عنه، نحو: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف: 35] أو مفعولا، نحو: {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171] أو متعلقا، نحو: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] أو حالا، نحو: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102] وحكمه: أن تُجعل "إلاّ" بمنزلة المعدومة، ويُعطى الواقع بعدها من الإعراب ما يستحقه لفظا أو محلاً لو لم توجد "إلا" ولا يقع التفريغ إلاّ في غير الإيجاب، كما مثل، فأما نحو: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 112] {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32] فإنما حصل التفريغ فيهما لتأويل الأول بـ"ـلا يؤمنون" والثاني: بـ"ـلا يريد الله".

(وألغ "إلا ذاتَ توكيد كلا ... تمرر بهم إلا الفتى إلا العَلا) إذا كان المقصود من تكرار "إلاّ" تأكيد الأولى بالثانية، بأن يكون الاسم المذكور بعدهما لواحد نحو: "لا تمرربِهِم إلا الفتى إلا العلا". فالثانية ملغاة، وما بعد الثانية تابع لما بعد الأولى في الإعراب، لأنه يدل منه أو عطف بيان له، وحمله في هذا المثال على الجر، لكون الاستثناء متصلا غير موجب أولى من حمله على النصب، ومما يراد بالثانية فيه التأكيد ما إذا وقعت بعد عاطف، كـ "ـجاءوا إلاّ زيدا وإلاّ عمرا"، لأن الاستغناء عنها ممكن، وقد اجتمع تكرارها في الصورتين في قوله: (181 - مالك من شيخك إلاَ عمله ... إلاّ رسيمه وإلاّ رمله)

إذا الرَّسِيم من العمل، فهو بدل بعض من كل. (وإن تكْرر لا لتوكيدٍ فمع ... تفريغٍ التأثير بالعامل دع) (في واحد مما بـ"إلا" استثنى ... وليس عن نصب سواهُ مغنِى) إذا كُررت "إلاّ" لقصد الاستثناء فله بالنسبة إلى المعنى صورتان: إحداهما: أ، يكون المراد استثناء الجميع من الأول، نحو: "جاء القوم إلاّ زيدا إلاّ عمرا إلاّ خالدا". الثانية: أن يراد استثناء كلِّ من متلوه، نحو: له عندي عشرة إلاّ ثلاثة إلاّ درهما، وما ذكره المصنف من الأحكام اللفظية فإنما هو بالنسبة إلى الصورة الأولى، وللمستثنيات فيها حالتان: تفريغ ما قبل إلاّ لما بعدها، وعدمه، فمع التفريغ يترك التأثير بـ"ـإلا" في واحد من المستثنيات ولا يتعين كونه الأول، ويشغل به العامل السابق، ويجب نصبه البواقي، نحو: "ما قام إلاّ زيد إلاّ عمرا إلاّ بكرا"، رفع الأول ونصب الآخرين، وإن شئت يرفع الثاني أو الثالث ونصب الآخرين، ورفع الأول أرجح.

(ودون تفريغ مع التَّقدُّمِ ... نصبَ الجميعِ الحكم به والتزمِ) هذه هي الحالة الثانية من حالتي المستثنيات، وهي أن تأتي دون تفريغ، ثم هي منقسمة إلى قسمين، أحدهما: أن يتقدم على المستثنى منه فيجب نصب جميعها، سواء كان الاستثناء موجبا، نحو: "ما قام إلاّ زيدا إلاّ عمرا إلاّ بكرا أحد". (وانصب لتأخير وجئ بواجد ... منها كما لو كان دون زائد) (كلم يفوا إلاّ امرؤ إلاّ علي ... وحكمها في القصد حكم الأول) هذا القسم الثاني من قسمي الحالة الثانية، وهو: أن تتأخر المستثنيات عن المستثنى منه، فإنك تأتي بواحد منها كما تأتي به لو لم يكن معه زائد، من وجوب النصب في الإيجاب، وفي ضده مع الانقطاع، ورجحان الإتباع عليه مع الاتصال فيما عدا الإيجاب، ولا يتعين ذلك في الأول من المستثنيات، كما سبق في التفريغ، بل هو في الأول أرجح، نحو: لم يفوا إلاّ امرؤ إلاّ عليا وإلاّ خالدا، وحكم المستثنيات في القصد حكم الأول، وكلها مثبت له الحكم في نحو: "ما قام أحد إلاّ زيد إلاّ عمرا إلاّ بكرا"، وكلها منفي عنه الحكم في نحو: "قاموا إلاّ زيدا إلاّ عمرا إلاّ خالدا". (واستثن مجرورا بـ"ـغيرِ" مُعْرَبَا ... بما لمستثنى بـ"ـإلاّ" نُسِبَا المستثنى بـ"ـغير" لازم الجر بالإضافة، وأما "غيرُ" فإنها تستحق من الإعراب ما يستحقه المستثنى بإلا، لو وقعت في [موضعه]، فتعرب بما

يقتضيه العامل السابق إن كان مفرغا في نحو: "ما قام غيرُ زيدٍ، وما رأيت غيرَ زيدٍ"، [ويلزم نصبه في نحو: "قام القوم غيرَ زيدٍ"]، وفي نحو: "ما فيها أحد غيرَ حمار"، لأنه مستثنى من وجب في الأول، ومنقطع في الثاني، ويترجح الإتباع على النصب في نحو: "ما قام أحد غير زيد"، لكونه متصلا من غير موجب. (ولسِوىَ سُوىَ سواءِ اجعلا ... على الأصح ما لغير جُعِلا) في "سِوى" ثلاث لغات، أشهرها: كسر السين مع القصر، ثم "سُوى"

بالضم والقصر، ثم "سَواء" بالفتح مع المدّ، وحكي غيره: الكسر مع المدّ أيضا، وحكم المستثنى بها الجرّ بالإضافة، كالواقع بعد "غير" اتفاقا، وأما هي فالصحيح أن حكمها حكم "غير" في جواز التفريغ، وفي وجوب النصب، وفي رجحان الإتباع عليه، ومن التفريغ قوله: (182 - ولم يبق سوى العدوا ... ن دِنّاهم كما دّانوا) ومذهب سيبويهِ وأكثر أصحابه أنها لازمة النصب على الظرفية، بدليل صحة وقوعها صلة تامة في نحو: "جاء الذي سواك"، والقول بهذا مع اشتهار تصرفها في اللغة، ودخول العوامل اللفظية والمعنوية عليها ضعيف.

(واستثن ناصبا بـ"ـليس" و"خلا" ... وبـ"ـعدا" وبـ"ـيكون" بعدلا هذه الأفعال الأربعة تقع أدوات استثناء، فينصب المستثنى لزوما بعد اثنين منها، وهما: "ليس" ومن الاستثناء بها ما جاء في الحديث: "يطبع المؤمن على كلّ خلق، ليس الخيانة والكذب" و"يكون" الواقعة بعد "لا" نحو: "جاء القوم لا يكون زيدا" والحق أن النصب بعدهما على ما كان عليه قبل إرادة الاستثناء، من الخيرية، إلاّ أن اسمهما في الاستثناء ضمير لا يظهر، عائد على اسم فاعل الفعل السابق على المستثنى منه، أو على بعض المستثنى

منه المدلول عليه بالكلّ، لا يكون القائم زيدا، وليس بعض خلقه الخيانة، وينصب جوازا بعد الآخرين، وهما: "خلا" و"عدا"، نحو: (183 - ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... ... ... ...) ونحو:

(184 - .... عدا سليمى وعدا أباها ...) وهو منصوب على المفعولية، وفاعل الفعلين ضمير واجب الاستتار، عائد على ما سبق في الضمير بعد "ليس" و "لا يكون" وهل هذه الجمل الأربعة التي هي الفعل وما عمل فيه، مستأنفة فلا محل لها من الإعراب، أو حال، فيكون محلها النصب؟ على قولين: (واجرر بسابقي "يكون" إن ترد ... وبعد "ما" انصب، وانجرار قد يَرِد) المراد بـ"سابقي يكون": عدا وخلا، فيجوز الجر بهما كقوله: (185 - أبحناحيَّهم قتلاً وأسرا ... عدا الشّمطاءِ والطّفلِ الصّغير)

وقوله: (186 - خلا اللهِ لا أرجو سواك وإنما ... أَعدُّ عيالي شعبةً من عيالكا) فإن تقدمتها "ما" تعّين النصب بهما عند الجمهور، ولهذا دخلت نون الوقاية في نحو: (187 - تُمَلُّ النّدامى ما عداني فإنني ... بكلّ الذي يَهْوَى نديميَ مولع)

وحكى الكسائي والجرمي الجر بهما بعد "ما" وأنشد بعضهم البيت المذكور: (188 - تُمَلُّ النّدامى ما عداي ... ... ... ...) بتحريك الياء من غير النون. (وحيثُ جَرَّافهما حرفان ... كما هي إنْ نَصَبَا فِعلان) إذا كان ما بعد "خلا" مجرورا فهما حرفا جر، وهما ومجرورهما في محل نصب، وهل هو لتعلقهما بما قبلهما أو عن تمام الكلام؟ على قولين، وعلى هذا فإذا جرّا بعد "ما" فهي زائدة لا مصدرية، لامتناع وصل الموصول المصدري بجار ومجرور، وحيث نصبا فهما فعلان

عادمي التصرف لوقوعهما موقع الحرف الذي هو "إلا". (وكخلا "حاشا" ولا تصحب ما ... وقيل حاش وحشا فاحفظهما) في "حاشا" ثلاث لغات، تضمنّها النظم، وهي كخلا في نصب ما بعدها تارة، على أنها فعل، نحو: (189 - حشى قريشاً فإن الله فضلهم ... ... ... ...) وبحرف أخرى على أنها حرف، نحو:

الحال

(190 - ... ... ... ... حاشاي إني مسلم معذور) إذ لو كانت الياء في محل نصب لدخلت نون الوقاية بينها وبين الفعل، إلاّ أنه لم يسمع دخول "ما" عليها، وبعضهم أجازه، كما يقتضيه كلام المصنف، وهو قياس، وحُكم فاعلها مع النصب، ومحلّها في الحالين على ما سبق في "خلا". الحال عبارة في المعنى عما أبان هيئة لما علمت حقيقته، من صادر عن الفعل، أو واقع عليه، وحدّه اللفظي: ما ذكره المصنف. (الحال وصفّ فضلة منتصب ... مفهمُ "في حالٍ" كفرد أذهبُ) عرّف الحال بأربعة قيود أحدها: أن تكون وصفا، فخرج بذلك نحو: مشى الخَوْزَلَى و"رجع القَهُقَرى" الثاني: أن تكون فضلة، ليخرج نحو:

"زيد قائم"، الثالث: أن تكون لازمة النصب ليخرج نحو: "مررت بالرجل القائم"، فإنه تابع لما قبله في إرعابه؛ الرابع: أن يراد به بيان الهيئة، وهو مراد بقوله: "مفهم في حال" ليخرج التمييز فإنه مبين لذات المميّز لا لهيئته، وقد اجتمعت القيود في قوله: "فرداً أذهبُ" فإن "فردا" حال من المستكن في "اذهب" وهي وصف فضلة منتصب مبيّن لهيئة صاحبه. (وكونه منتقلا مشتقا ... يغلب لكن ليس مستحَقا) أي: غالب ما يكون الحال وصفا منتقلا، يتصور الذهن تجدده وزواله، كالضحك والركوب، ونحوهما: مشتقا من المصدر، نحو: "قائما وقاعدا"، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [آل عمران: 191] وليس ذلك بلازم، بل قد يجيء الحال وصفا لازما كالمؤكدة، في نحو: {وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 15، 33] وكنحو قوله: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114] وكقولهم: "خلق الله الزّرافة يديها أطول من رجليها" فإن "أطول" حال من "يديها" وهو وصف لازم. (ويكثر الجمود في سِعْر وفي ... مبدي تأوّلٍ بلا تكلُّفِ)

(كبِعْه مُدَّا بكذا يداً بيد ... وكَرَّ زيد أسداً أي: كأََسَد) أي يكثر مجيء الحال جامدة غير مشتقة في موضعين: أحدهما: أن تكون دالة على سِعْر، نحو: "بِعه مُدَّا بدرهم"، و "اشتريت التمر صاعا بدينار". الثاني: أن يحسن تأولها بالمشتق، وذلك في مسألتين: إحداهما: أن تدل على مفاعل، نحو: "بعه يدا بيد" و "كلّمته فاه إلى فيَّ" لتأوّل الأول: بمقتابضين، والثاني: بمتشافهين. الثانية: أن تدل على تشبيه، نحو: "كَرَّ زيد على العدو أسدا"، و "بدت الجارية قمرا" لتأوّلهما بشجاع، ومضيئة، ومن كلامهم: "وقع المصارعات عدلي بعير" أي: مصطلحبين، ومما يمكن التأويل فيه بالمشتق: ما دل على ترتيب كقولهم: "ادخلوا الأوَّلَ فالأوّل" إذ هو في تأويل: مترتّبين، أما وقوعها جامدة غير مؤولة بالمشتق فقليل، كالموطئة في قوله: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17] وكقولهم: "هذا بُسْراً أطيب منه رُطَباً". وكقوله:

{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61]. (والحال إن عُرِّف لفظا فاعتقد ... تنكيره معنى كوحدَك اجتهِدْ) من أوصاف الحال: أن تكون نكرة، فإن وقعت بلفظ المعرف أوّلت بنكرة، كالمضافة في قولهم: "اجتهد وحدّك" و "قعد وحده" وكالداخل عليها "أل" في قولهم: "أرْسَلَها العراكَ" و "جاءوا الجمّاء الغفير" لتأوّل

ذلك بـ"ـمنفردا" و"معتركه" و"مجتمعين". (ومصدر منكَّر حالا يقع ... بكثرة كـ"ـبغتة" زيد طلع الحال شبيهة بالنعت والخير، فلذلك يجب أن تكون هي نفس صاحبها في المعنى إذا كانت مفردة، نحو: "جاء زيد ضاحكا"، ولا يجوز: "جاء زيد ضحكا"، لأن الضحك غيره، إلا أنه قد كثر وقوع المصدر المنكر حالا، لتأوّله بالوصف، "كطلع زيد بغتة" و "جاء ركْضا"، و "قتلته صبرا"، إذ هي في تأويل "راكضا" و"مباغتا" و"صابرا" ومع كثرته فهو مقصور على السماع، إلا أن المصنف ذكر أن مطرد في ثلاث مسائل، الأولى: أن يقع بعد "أمَّا" نحو: "أمَّا عِلما فعالم" الثانية: أن يقع بعد مبتدأ اقترن خبره بـ"ـأل" المنبئة عن كماله، نحو: "أنت الرجل شجاعة"، الثالثة: أن يقع بعد خبر دال على التشبيه، نحو: "هو زهير شعرا"، أما وقوعها مصدرا معرفا فنادر، نحو: "أرسلَها العراك".

(ولم ينكر غالبا ذو الحال إن ... لم يتأخر أو يخصص أو يبن) (من بعد نفي أو مضاهيه كـ"لا" ... يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا) أصل صاحب المشكلة الحال أن يكون معرفة، لأنه بمنزلة المبتدأ، ولا يقع في الغالب نكرة إلاّ لمسوغ من المسوغات الأربعة التي ذكرها المصنف. الأول: أن تتقدم عليه، نحو: (191 - لميةَ مُوحشاً طللُ ... ... ... ...)

الثاني: أن يتخصص، إمّا بوصف، نحو: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا} [الدخان: 4، 5] وإما بإضافة، نحو: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} [فصلت: 10]. الثالث: أن يتقدمه نفي، نحو: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ} [الأنبياء 25]. الرابع: أن يقع بعد مضاهى النفي، وهو النهي، كمثال المصنف، وكقوله: (192 - لا يركنن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوُفا لِحمَام)

والاستفهام، كقوله: (193 - يا صاح هل حُمَّ عيش باقيافَتَرَى ... لنفسك العذر في إبعادها الأملا) أما تنكيره بلا شيء من هذه المسوغات، كما ورد في الحديث: (وصلّى خلفه قوم قياما)، وقولهم: "عليه مِئةً بيضا" فقليل. وشبقَ حالٍ ما بحرف جُرَّ قد ... أبوا، ولا أمنعُه فقد وَرَد) علم من مفهوم كلام المصنف أنّ سبق الحال لصاحبها المرفوع والمنصوب جائز، نحو: "ضاحكا جاء زيد" و "مُسْرجاً ركبت الفرس" أما

سبقها لصاحبها المجرور، فالمشهور عند النحاة منعه، سواء كان مجرورا بحرف الجر، نحو: "مررت بزيد قائما"، أو بإضافة، نحو: "فرحت بقدومك سالما" واختار المصنف جوازه في المجرور بالحرف، موافقاً للفارسي، وابن كيسان، لوروده في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً

للناس} وفي قول الشاعر: (194 - تسليت طُراً عنكمُ بعد بينكم ... بذكراكمُ حتى كأنكمُ عِندى) أما المجرور بالإضاف فحيث جاز وقوع الحال منه، لم يجز أن يتقدم عليه اتفاقا. (ولا تجز حالا من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله) (أو كان جزءَ ماله أضيفا ... أو مثل جزئه فلا تَحيفا) لا يجوز وقوع الحال من المضاف إليه إلاّ في ثلاث مسائل:

الأولى: أن يكون المضاف هو العامل في الحال وفي صاحبها، نحو: {إليه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [يونس: 4]. والثانية: أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، نحو: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} [الحجر: 47]. الثالثة: أن يكون بمنزلة بعضه، نحو: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]. (والخال أن ينصب بفعلُ صِّرفا ... أو صفة اشبهت المصرَّفا) (فجائز تقديمه كمسرعا ... ذا راحل، ومخلصا زيد دعا) أي: يجوز تقديم الحال على عاملها إن كان فعلا متصرفا، كـ "مخلصا زيد دعا"، ومثله: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} [القمر: 7] أو صفة تشبه الفعل المتصرف، كـ"مسرعا" ذا راحل، ومنه:

(195 - ... ... ... ... نجوتِ وهذا تحملين طليق) لأن "تحملين" حال من المستكن في "طليق" وطليق عاملها. وقد يكون تقديمها واجبا، مثل قولك: "كيف جاء زيد" لأن "كيف" لها صدر الكلام، أما لو كان الفعل غير متصرف، كـ"فعل التعجب" أو كانت الصفة لا تشبه المتصرف، كـ"أفعل التفضيل" نحو: "ما أحسنه ضاحكا" و "هو أحسن الناس ضاحكا" امتنع التقديم، وكذلك يمتنع إن اقترن بالفعل حرف مصدري، أو ما يمتنع عمل ما بعده فيما قبله، كأسماء الشرط والاستفهام، ولامي الابتداء والقسم والموصول.

(وعامل ضُمِّنَ معنى الفعلِ لا ... حروفه مؤخرا لن يَعملا) (كـ"تلك"، ليت، وكأن، وندر ... نحو: سعيد مستقراً في هَجَر) إذا كان العامل في الحال ما فيه معنى الفعل دون حروفه من الأسماء، والحروف، والظرف، والجار والمجرور، نحو: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} [النمل: 52] {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72] و"صَهْ مستمعا" و "ليت أباك عندنا مقيما" وقوله: (196 - كأن قلوبَ الطيرِ طْباً ويابسا ... لدَى وكرِها العُنَّابُ والحشفُ البالي)

و "زيد في الدار جالسا" و "أبوه عندك ضاحكا" لم يجز تقديم الحال عليه، لأن العامل ضعيف وتقديم معموله عليه يزيده ضعفا، إلا أن التقديم على الظرف والجار والمجرور قد ورد قليلا، نحو: (197 - بنا عاذ وهو بادي ذلةٍ ... لديكم، فلم يَعْدَم ولاء ولا نصرا) وكقوله تعالى: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] ومثله: "سعيد مستقرا في هجر".

(ونحو: زيد مفردا أنفع من ... عمرو معانا، مستجاز لمن يَهِن) هذه المسألة مما يستثنى من تقديم الحال على عاملها الذي لا يتصرف مع كونه متضمنا معنى الفعل وحروفه، وهو: ما إذا وقع "أفعل التفضيل" عاملا في حالين، إما لواحد قصد تفضيل إحدى حاليه على الأخرى، نحو: "هذا بُسْراً أطيب منه رُطَبا"، وإما لاثنين قصد تفضيل أحدهما في تلك الحال على الآخر، نحو: "زيد مفردا من عمرو معانا" فإن تقديم المفضّل منهما واجب لا مستحاز، كما ذكر المصنف.

(والحالُ قد يجيء ذا تعدُّدِ ... لمفردِ -فاعلم- وغيرِ مفرد) قد تقرر أن الحال من صاحبها بمنزلة الخبر من المبتدأ، وبمنزلة الصفة من الموصوف، فلذلك تجيء متعدّدة مع كونها لواحد، إما بعطف، نحو: {الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] وإمّا دونه، نحو: (198 - عُهدتَ مُغيثا مَنْ أجرتَه ... ... ... ...) ثم هذا التعدد يكون جائزا، كما مثل، ويكون واجبا، وذلك في ثلاث مسائل:

الأولى: أن يدل مجموعها على معنى واحد، نحو: "أكلت الرمان حلوا حامضا". الثانية: أن تقع بعد "إما"، نحو: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 2]. الثالثة: أن تقع بعد "لا"، نحو: {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} [طه: 74] أمّا تعددها مع كون صاحبها متعددا فلا خلاف في جوازه، وهو منقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما تعددا فيه لفظا ومعنى، كقوله: (199 - وإنّا سوف تدركُنا المنايا ... مقدّرةً لنا ومقدرينا) الثاني: ما تعددت فيه لفظا وصاحبها معنى، نحو: "لقيت أخويك راكبا وماشيا". الثالث: عكسه، نحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ}.

(وعامل الحال بها قد أكّدا ... في نحو: لا تعثَ في الأرض مفسدا) الأصل في الحال أن تكون مؤسِّسة، تزيد دلالتها على دلالة العامل فيها، وتأتي مؤكدة له، مطابقة دلالتها لدلالته، إما في اللفظ والمعنى، نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} [النساء: 79] وإمّا في المعنى خاصة، نحو: {تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85]، وقد تأتي لتأكيد صاحبها، نحو: {لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99]. (وإن تُؤكّد جملة فمضمر ... عاملها، ولفظها يؤخّر) إذا وردت الحال لتأكيد معنى جمل سابقة، نحو: "هذا أبوك عطوفا"

فهي واجبة التأخير عن صاحبها، وعاملها مقدر، لا يجوز إظهاره، تقديره: "اعلمه"، ونحوه: (200 - أنا ابنُ دارةَ معروفا بها نسبى ... ... ... ...)

(وموضع الحال تجيء جمله ... كـ "جاء زيد وهو ناوٍ رِخلَه) يقع الحال مفردا كثيرا كما مثل، وظرفا، نحو: "رأيت الهلال بين السحاب" وجارا ومجرورا، نحو: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} [القصص: 79] ويجيء في موضعها جملة إما اسمية، نحو: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} [البقرة: 243] وإما فعلية، نحو: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28] ويشترط فيها أن تكون خبرية غير مقترنة بما يدل على الاستقبال، ومرتبطة مع صاحبها بما يذكر. (وذاتُ بدءٍ بمضارع ثبت ... حوت ضميرا ومن الواو خَلَت) (وذات واو بعدها أنوِ مبتدأ ... له المضارع اجعلنَ مسندا) إذا كانت جملة الحال فعلية مصدرة بمضارع مثبت فالأعرف ارتباطها

بالضمير دون الواو، نحو: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] ونحوه كثير، وإن ورد منه شيء بالواو، نحو: (201 - علّقُتها عَرَضاً وأقتلُ قومَها ... ... ... ...) قدر بعد الواو مبتدأ يكون الفعل خبرا عنه، وتصير الجملة اسمية، والتقدير: "وأنا أقتل قومها" فإن اقترن المصارع بـ"ـقد" وجب إدخال الواو عليه، كقوله تعالى: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ}.

(وجملة الحال سوى ما قدّما ... بواو أو بمضمر أو بهما) جملة الحال -غير المتقدم- اختصاص ارتباطها بالضمير يشمل: الاسمية المثبتة، ومن ربطها بالواو خاصة: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 14] ومن ربطها بالضمير خاصة: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 24] ومن ربطها بهما: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 43]، والمنفيّة، فإنها قد ربطت بالضمير وحده، في نحو: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرغد: 41] وبالواو وحدها في نحو:

(202 - دَهَمَ الشَتاءُ أملك عدّه ... ... ... ...) وبهما في نحو: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ} [البقرة: 267]، والفعليّة المصدّرة بماض مثبت، فإنها ترتبط بالضمير وحده، نحو: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] وبالواو وحدها، نحو: (203 - فجئت وق نَضَّت لنومٍ ثيابَها ... ... ... ...)

وتلزمها في هذه الحال "قد"، وبهما، نحو: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} [البقرة: 75] والمصدّرة بمضارع منفي بـ"ـلم" ومن ربطها بالواو فقط قوله: (204 - ولقد خشيتُ بأن أموتَ ولم تَدُر ... للحرب دائرةً [على ابني ضَمضمٍ]

ومن ربطها بالضمير فقط: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [الأحزاب: 25] ومن ربطها بهما: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [مريم: 20] ويرد على كلام المصنف مواضع يمتنع دخول الواو فيها، وهي: الجملة المؤكدة لمضمون جملة سابقة، نحو: "هذا الحق لا شكَ فيه" والمصدّرة بما واقع بعد "إلا" كقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس: 30] أو متلو

بـ"أو"، نحو: "لأضربنه ذهب أو مكث" والواقعة بعد عاطف، نحو: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4] والمصدرة بمضارع منفي بـ"ـما" كقوله: (205 - عهدتُك ما تصبو وفيك شبيبة ... ... ... ...)

أو بـ"ـلا" نحو: {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} [الصافات: 25]. (والحال قد يحذف ما فيها عَمِل ... وبعض ما يحذف ذكره حُطِل) عامل الحال يحذف جوازا لدليل لفظي، كقولك: بلى راكبا، لمن قال: "ما جاء زيد" ومثله: {بَلَى قَادِرِينَ} [القيامة: 4] أي: نجمها قادرين أو حالي، كقولك: "راشدا"، لمن تهيأ لسفر، و"مأجورا" لمن قدم من حج، ويحذف وجوبا في أربع مسائل. الأولى: عامل الحال المؤكدة لمضمون جملة، كما تقدم. الثانية: عامل الحال المغنية عن الخبر، وقد سبق ذكرها في باب الابتداء. الثالثة: ما دلّ على تدريج، إمّا في زيادة، نحو: "اشتريته بدرهم فصاعدا"، وإما في نقص، نحو: "بعته بدرهم فسافلا". الرابعة: الحال المأتي بها للتوبيخ، نحو: أقاعداً وقد قام الناس؟ وقولهم: أتميماً مرة وقيسياً أخرى؟

التمييز

التمييز ("اسم بمعنى" مِنْ مُبين نكره ... ينصب تمييزا بما قد فسّره) ذكر في حدّ التمييز أربعة أوصاف. أحدهما: كونه اسما، فلا تمييز بفعل ولا حرف. الثاني: كونه نكرة، فلا تمييز بمعرفة، ولذلك كان نحو: "زيد حسن وجهه" منصوباً على التشبيه بالمفعول به، بخلاف: "حسن وجها" وحكم بزيادة "أل" في نحو: (206 - ... ... ... ... ... وطبت النفس ...)

كما سبق. الثالث: كونه. بمعنى "مِنْ"، فخرجت الحال، لأنها بمعنى: "في". الرابع: كونه مبينا لما أبهم من اسم، كـ"رطل زيتا"، أو جملة، كـ "طاب زيد نفسا" فخرج به نحو: (207 - استغفر الله ذنبا ... ... ... ... ... ونحو: {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]، إذ هما في تقدير: "مِن" إلا أنهما ليسا لبيان ما أبهم، والتمييز منصوب، والعامل فيه: ما فسّره من المبهم قبله، فإن كان المبهم اسما فهو العامل فيه، وإن كان جملة: فالعامل فيه: ما هو

المسند فيها من فعل أو شبهه. (كشبر أرضا وقَفِيزٍ بُرّا ... وَمَنَويْنِ عسَلا وتمرا) هذا تمثيل لمبيّن الاسم المبهم الدالّ على مقدار، وينقسم إلى أربعة أنواع: الأول: ما دلّ على مساحة، كـ"شبر أرضا"، و"ذراع خزّا". الثاني: ما دلّ على كيل، كـ "قفيز برّا، ومكّوك أرزا". الثالث: ما دلّ على وز، كـ"مَنَوَين عسَلا"، و"رطل زيتا".

الرابع: العدد، ولم يذكره المصنف هنا، لكونه أفرد له بابا. ويلتحق بالمقدار ما أشبهه من قوله تعالى: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وقوله: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} [آل عمران: 91]، وقولهم: "عندي راقودً خلاَّ" و "إنّ لنا غيرَها إبلا". (وبعد ذى وشبهها اجرره إذا ... أضفتها كـ "مُدَّ حنطةِ غِذا") لك في غير العدد أن تجر مميّز الاسم بإضافته إليه، فتقول: "شِبرُ أَؤض" و"قفيزُ برَّ" و"مَنَوا عَسَلٍ" و"صاعَا تمرٍ" و"راقودُ خلِّ". (والنصبُ بعد ما أضيف وجبا ... إن كان مثل: "ملءُ الأرضِ ذهبا" هذا مستثنى من التمييز الذي يجوز جره، بإضافة الاسم إليه، وهو ما كان الاسم فيه مضافا قبل تمييزه،/ نحو: {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا}

و {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا} [الزلزلة: 7] ونحوه فإنه يتعين نصب التمييز فيه، ولا يجوز جره بالإضافة. (والفاعلَ المعنى انصبنْ بأَفْعَلا ... مُفضلا، كـ "أنت أعلى منزلا" إذا جييء بالتمييز بعد "أفعل التفضيل" نصب إن كان هو الفاعل في المعنى، نحو: "أنت أعلى الناس منزلا، وأكرمهم حسبا" لأن أصله "علا منزِلُكَ، وكَرُمَ حسبُك" فإن لم يكن فاعلا في المعنى جر بالإضافة، نحو: "أنت أزهد عالم، وأشجع مقاتل" ويستثنى من ذلك ما كان "أفعل التفضيل" فيه مضافا، فإنه ينتصب تمييزه، وإن لم يكن فاعلا في المعنى، نحو: "هو أكرم الناس رجلا". (وبعد كل ِّ ما اقتضى تَعَجُّبا ... مّيز، كـ "أَكرِمْ بأبي بكرٍ أبا" التمييز بعد ما دل على التعجب من أقسام تمييز الجملة، لا من تمييز الاسم، سواء كان بعد "ما أفعل" نحو: "ما أحسن زيدا أخا" أو بعد "أَفْعِل" نحو: "أكرم بأبي بكر أبا" أو بعد غيرهما، مما يدل على التعجب، نحو: "للهِ درُّه فارسا" و "واها له رجلا"

و "ويلُ أُمِّهِ مِسْعَر حربٍ". (واجرز بـ "مِن" إن شئت غيرَ ذي العَدَد ... والفاعل المعنى كـ "طِبْ نفساتُفد") يجوز جر التمييز بـ"مِن" إن كان تمييزا للاسم، نحو: "عندي رطل من زيت، وذراع من كتانٍ، وراقودٌ من خلِّ" إلا في الدال على العدد، نحو: "عشرون درهما" فلا يدخل فيه "مِن" وأما تمييز الجملة، فلا يجوز جره بـ"مِن" إن كان فاعلا في المعنى، سواء كان محولا عن الفاعل في جملة متضمنة للفعل، كـ "طاب زيد نفسا" فإن أصله: طابت نفسُ زيدٍ، كما سبق، أو في جملة يمكن ردها إلى الفعل، وجعل التمييز فاعلا، نحو: "زيد أكثر مالا" لأنك تقول: كُثر مالُه، أما الفاعل في المعنى الذي لا يمكن رده إلى الفاعل صناعة، نحو: "لله درُُّهُ فارسا". (208 - ... ... ... ... وأَبْرحَتْ جارا)

و"نعم زيدٌ رجلا" فإنه يجوز جره بـ"مِن" نحو: (209 - ... ... ... ... فنِعْمَ المرءُ من رجل تهامي) ومما يرد على إطلاق المصنّف: التمييز المحوّل في المعنى عن مفعول، نحو:

{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12] فإنه لا يجوز جره بـ"مِن". (وعاملَ التمييز قدِّم مطلقا ... والفعلُ ذو التصريف نزرا سبقا) عامل التمييز مؤثر فيه، فتقدمه عليه هو الأصل، ثم هذا الأصل لازم إن كان العامل اسما أو فعلا غير متصرف، كـ "فِعلي التعجب، ونعم وبئس" وغالب إن كان فعلا متصرفا، كـ "طاب زيد نفسا" و "غرستُ الأرض شجرا"، وقد يتقدم التمييز عليه قليلا، نحو:

(210 - ... ... ... ... وما كان نفسا بالفراق تطيب) واختار المصنف أنه لا يختص بالضرورة.

حروف الجر

حروف الجر لا يقع حرف الجر إلاّ متعلقا بفعل أو ما في معناه، إما ظاهرا، كـ {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 6] وإمّا مقدرا تقديرا لازما، كالواقع خبرا، أو صفة أو صلة، أو حالا، أو تقديرا جازئا، كما في نحو"بسم الله" ويستثنى من ذلك الجار الزائد، في نحو: {كَفَى بِاللَّهِ} [الرعد: 43] و"ما فيها من أحد"، فإنه لا يتعلق بشيء و"لعل" على لغة من جر بها، والصحيح أن "كاف التشبيه" يصح

تعلقها بالعوامل، خلافا للأخفش، وكذلك "رُب" خلافا للرماني. (هاك حروف الجر وهي: مِن، إلى ... حتّى، خلا، حاشا، عدا، في، عن، على) (مد، منذ، ربّ، اللام، كي، واو، وتا ... والكاف، والباء، ولعلّ، ومتي) ذكر من حروف الجر هنا عشرين حرفا، منها ثلاثة سبق الكلام عليها في الاستثناء، وهي: خلا، وحاشا، وعدا، وبقيتها يأتي الكلام عليها مفصلا حيث يذكره، إلا ثلاثة لم يذكرها في التفصيل لندور الجر بها، وهي: "كي" ومعناها التعليل، ولا تجر إلا ثلاثة أشياء: أحدها: "أن" المصدرية وصلتها، نحو: (211 - ... ... ... ... كيما أن تَغُرَّ وتَخدَعا) فـ"ما" زائدة و"أن وصلتها" في محل جر بـ"كي" ولو باشرت الفعل نحو:

"أردت كي يقوم زيد" فهل هي جارة و"أن" مقدرة بعدها؟ أو مصدرية ناصبة واللام مقدرة قبلها؟ على قولين. الثاني: "ما المصدرية" نحو: (212 - ... ... فإنما ... يراد الفتى كيما يضرّ وينفع) الثالث: "ما الاستفهامية" كقولهم: "كيمة؟ " - في السؤال عن العلّة - و"لعل" والجر بها: لغة عُقَيلية، وهي على بابها من الترجي، ولهم في لامها الأولى: الإثبات والحذف، وفي الثانية: الفتح والكسر، وبهما روي: (213 - لعلّ اللهِ فضَّلكم علينا ... ... ... ...)

و"متى" وهي بمعنى "مِن الإبتدائية" والجر بها: لغة هذيلية، ومن كلامهم "أخرجها متى كمَّه" أي: من كمّه. (بالظاهر اخصص منذ، مذ، وحتى ... والكاف، والواو، ورُبَّ، والتا) (وما رووا من نحو: "رُبَّهُ فتَى" ... نزرّ، كذا "كها" ونحوه أتى) هذه الأحرف السبعة تختص بأنها لا تجر إلا الأسماء الظاهرة، دون الضمائر إلا أن "رُبَّ" قد سُمع دخولها على ضمير الغائب بصيغة الإفراد والتذكير مفسّرا بنكرة بعده، مطابق للمعنى، نحو: (214 - ... ... ... ... وربّه عَطِياً أنقذتُ من عَطبه)

إلا أنه شاذ من وجهين: أحدهما: دخول "رُبَّ" على المضمر. الثاني: تأخّر مفسِّر الضمير عنه، وكذلك جاء في الشعر "كها"، ونحوه من دخول الكاف على الضمير كقوله: (215 - ... ... ... ... وإن كان إْنسا ما كها الإنس تفعل) وكقوله: (216 - ... ولا تَرَى بَعْلاً ولا حلائلا ...)

(217 - ... ... كهُو ولا كهُنَّ إلاّ حاظلا ...) وقد ندر دخول "حتى" على المضمر أيضا، نحو: (218 - ... ... إليك حتى بلغت حنّاك ... ...) (واخصص بمذ ومنذ وقتا وبرُب ... منكرا، والتاءُ لله وَرَب) الأحرف السبعة المختص بالظواهر منها ثلاثة تدخل على جميع الظواهر معرّفها ومنكّرها، من أسماء الله أو من غيرها، من مرادٍ به الوقت أو غيره، وهي: الكاف، والواو، وحتّى، والأربعة الباقية منها اثنان تختص بهما ظروف الزمان من الظواهر، فلا يجران غيرها، وهما: "منذ" و"مذ" ويأتي الكلام عليهما، وواحد تختص به النكرات دون المعارف، وهو "رُبَّ" وواحد يختص باسم الله تعالى و"رَبّ" وهو "التاء" في القسم، نحو: {تَاللَّهِ} [الصافات: 56] ولا تجر "رَبَّ"

إلاّ مضافا إلى الكعبة، أو إلى ياء المتكلم، نحو: "نَرَبِّ الكعبة" و"تَرَبى" وحكي بعضهم "تالرحمنِ"، و"تَحياتِك لأفعلن"، وإن ثبت فهو في غاية الندور، أمّا السبعة الباقية من حروف الجر وهي: "مِن" و"إلى" و"في" و"عن" و"على" و"الباء" والام، فتحر الظاهر والمضمر، ولا تمتنع من شيء من الظواهر، نحو: {مِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب: 7] ومُثُلُها ظاهرة. (بعَض وبيّن وابتدئ في الأمكنه ... بـ"مِن" وقد تأتي لبدء الأزمنه) (وزِيد في نفي وشبهه فجرّ ... نكرةً، كـ "ما لباغٍ مِن مَفَر" ذكر لـ"مِن" خمسة معان، تتضمن هذان البيتان منها أربعة: أحدها: التبعيض، ويعرف بصحة وقوع "بعض" موقعها، نحو: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]. الثاني: بيان الجنس، ويعرف بصحة الإخبار بما بعدها عما قبلها، نحو: {أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31]. الثالث: ابتداء الغاية، بلا خلاف في المكانية، نحو: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}.

وتأتي لابتداء الغاية الزمانية على الأصح، نحو: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} [الحجر: 10]. الرابع: تأكيد النفي، بإرادة التنصيص على عموم المنفي، بأن تزاد بعد نفي أو شبهه، وهو: النهي والاستفهام بهل، ونحو: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ} [يس: 30] وتقول: "لا تضرب من أحد" و {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}

ولا تجرّ في هذه الحال إلاّ نكرة، ولا تكون النكرة إلاّ فاعلا أو مفعول أو مبتدأ، كالمُثُل السابقة. الخامس: البدل، وقد ذكره في البيت الذي بعده، ويعرف بصحة وقوع "بدل" في موضعها، نحو: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ} [التوبة: 38] ومن معانيها المشهورة: الظرفية، نحو: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] والتعليل نحو: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25]. (للانتها "حتى" و"لام" و"إلى ... و"مِن" و"باء" يفهمان بدلا) هذه الأحرف الثلاثة، وهي: "إلى" و"حتى" و"اللام" تستعمل لانتهاء الغاية، نحو: {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} [فاطر: 9] و {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرعد: 2] إلاّ أنّ "إلى" تختص بذلك،

و"حتى" هو الغالب [فيها، وتفارق "إلى" فيه بأن] المجرور بها لا يكون إلا آخرا - كما مثل - أو متصلا بالآخر، نحو: "سرنا الليلة حتّى السَّحَرِ" ولم يسمع من كلامهم "سرنا الليلة حتى نصفِها" وتستعمل للتعليل أيضا، نحو: {يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون: 7] إذ هي الجارة داخلة على "أن" المصدرية مقدرة، وأما اللام فلها معان كثيرة غيره، واستعمال "مِن" للبدلية تمثيله، واستعمال "الباء" فيه يأتي. (واللام للمِلْك، وشبهِه، وفي ... تعدية أيضا، وتعليل قُفي) (وزِيد والظرفيةَ استبن بـ"ـبا" ... و"في" وقد يبيتان السببا) (بـ"ـالبا" استَعِنْ، وعَدَّ، وعوض، ألصق ... ومثل مع ومِن وعن بها انطق) اشتملت هذه الأبيات على ذكر جملة من معاني الحروف الثلاثة: "اللام"، و"في" و"الباء"، وأما "اللام" فذكر لها ستة معان: أحدها: انتهاء الغاية، كما سبق. الثاني: الملك، وهو أغلب معانيها، نحو: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.

الثالث: شبه الملك، ويدخل فيه التمليك، نحو: "وهبته لك"، والاختصاص، نحو: "السِّرج للدابة"، والإباحة، نحو: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 29]. الرابع: التعدية، نحو: "ما أَضرَبَ زيدا لعمرو" ويشبهها تقوية العامل الذي ضعف عن العمل بها، إمّا لكونه فرعا، نحو: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97] وإمّا لتأخيره، نحو: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] وهي وسط بين المعدية والزائدة الخامس: التعليل، وهو كثير مع "أنَّ المصدرية" إما ظاهرة، نحو: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ} وإمّا مقدرة،

نحو: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} [الكهف: 2] ومع "كي" نحو: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد: 23] وأما في غير ذلك فقليل، نحو: (219 - وإني لتعرُوني لذِكراكِ هِزَّة ... ... ... ...) ويلتحق بها "لام الصيرورة" نحو: (220 - ... ... ... ... لِدُوا للموت وابنوا للخَراب) السادس: أن تكون زائدة للتوكيد، نحو: {رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: 72] ومن معانيها المشهورة: التعجب نحو: "للهِ دَرُّه فارسا"، والظرفية نحو: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النمل: 47] و {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ

الشَّمْسِ} إذ هي بمعنى "عند" أو "بعد" وكلاهما ظرف، والاستعلاء نحو: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} [الإسراء: 107]. وأما "في" فذكر لها معنيين: الظرفية: وهي أشهر معانيها، نحو: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} [فصلت: 10] {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ} [سبأ: 37] ومثلها {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38]. الثاني: السببية، نحو: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32]، ومن معانيها المشهورة: المصاحبة نحو: {َلوْ خَرَجُوا فِيكُمْ} [التوبة: 47]، والاستعلاء نحو: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ

النَّخْلِ}. وأما "الباء" فذكر لها عشرة معان: أحدها: "البدل" كقول كعب بن مالك: (ما يسرني أني شهدت بدرا بالعقبة) أي: بدلها. الثاني: الظرفية، نحو: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 43] {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} [آل عمران: 123]. الثالث: السببية، {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ} [النساء: 160]. الرابع: الاستعان، نحو، "كتبتُ بالقلم" {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}

الخامس: التعدية، نحو: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] إذ المعنى: أذهبه. السادس: التعويض، والفرق بينه وبين البدلية: أن المتروك والمأخوذ في التعويض .... يقصد فيه اختيار العوض على العوض منه، نحو: {شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] و {اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [التوبة: 9] بخلاف البدلية، فإن المتروك فيها غير مقصود الترك ولا يرد {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ} [البقرة: 86] لأنهم لما تعاطوا أسباب التفويت نُزِّلوا أسباب التفويت نُزِّلوا منزلة من اختار العوض على المعوض منه. السابع: الإلصاق، نحو: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]. الثامن: المصاحبة، بأن تؤدي معنى "مع" نحو: {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ} [المائدة: 61]. التاسع: التبعيض، مؤدية معنى "مِن" كقوله: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}.

العاشر: المجاوزة، بمعنى "عن" نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] أي: عنه، ومن معانيها المشهورة: الاستعلاء، نحو: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75]، والزيادة نحو: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28] {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. (على للاستعلا، ومعنى "في" و"عن" ... بـ"ـعن" تجاوزَ أعنى من قد فَطَن) وقد تجي موضع "بعدِ" و"على" ... كما "على" موضع "عن" قد جُعلا). ذكر لـ"ـعلى" ثلاث معان: أحدها: الاستعلاء، وهو أشهر معانيها، ويكون ذاتيا، نحو: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44]، ومعنويا نحو: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ}

الثاني: الظرفية، بمعنى "في" نحو: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} [القصص: 15]. الثالث: المجاوزة، بمعنى: "عن"، نحو: (231 - إذا رضيت علىّ بنو قُشَيرٍ ... ... ... ... ... ...) وذكر لـ"ـعن" ثلاث معان أيضا، أشهرها "المجاوزة"، نحو

{لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33]. الثاني: استعمالها بمعنى "بَعْد" نحو: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19]. الثالث: الاستعلاء، بمعنى "على" كما وقعت "على" في موضعها، في المجاوزة، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد: 38]، ومن معانيها المشهورة: البدلية، نحو: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيئًا} [البقرة: 48، 123]، والتعليل، نحو: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هود: 53]. (شَبِّهْ بـ"ـكافِ" وبها التعليل قد ... يُعنّى، وزائداً لتوكيدِ وَرَد) ذكر للـ"ـكاف" ثلاث معان. أحدها: التشبيه، وهو: أشهرها، نحو: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ}

الثاني: التعليل، نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 198]. الثالث: الزيادة، للتأكيد، نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]. (واستُعمل اسما وكذا "عن" و"على" ... من أجل ذا عليهما "مِن" دخلا) وقع في حروف الجر ما لفظه مشترك بين الاسمية والفعلية والحرفية، وما لفظه مشترك بين الاسمية والحرفية، وما لفظه مشترك بين الحرفية والفعلية، ولم يذكر المصنف إلاّ القسم الوسط، وذكر منه خمسة: "عن" و"على" إذا دخلت عليهما "من"، نحو: (222 - فلقد أراني للرِّماحِ دَرِيئَة ... من عن يميني تارةً وأَمامي)

وكقوله: (223 - غَدَتْ مِنْ عليه بعد ما تَمَّ ظِمْؤُها ... ... ... ...)

فـ"ـعن" و"على" اسمان، وهما بمعنى: جانب، وفوق. والثالث: "الكاف" في قوله: (224 - ... ... ... ... يْضَحكْنَ عن كالبَرَدِ للنضَّدِ) وأما: (225 - ... وصاليات ككما يُؤثْفَيْن ...)

.............................

فالأولى حمله على زيادة إحدى الكافين، أو على التأكيد اللفظيّ، نحو: (226 - ... ... ... ... ... ولا لِلِما بهم أبداً دواء) الرابع والخامس: "مذ ومنذ" ويأتي الكلام عليهما. ومن القسم الأول: "علا" وفعليتها: مشهورة، نحو: "علاه بالسيف". ومن القسم الثالث: "خلا" و"عدا" و"حاشا" - كما سبق - ومنه "مِن" فإنها تستعمل أمرا من المَيْنِ، وهو: "الكذب"، و"رُبَّ" فإنها تستعمل ماضيا مبنيا للمفعول من "رَبَّه" إذا قام بمصالحه. (و"مد" و"منذ" اسمان، حيث رفعا ... أو أوليا الفعل، كـ"ـجئت مذ دعا") (وإن يَجرا في مضيَّ فكـ"ـمِن" ... هما، وفي الحضور معنى "في" استَبِن) "مُذْ" و"مُنْذُ" مما يشترك لفظه بين الاسمية والحرفية، فيكونان اسمين، في موضعين: أحدهما: أن يقع بعدهما اسم مرفوع، نحو: "ما رأيته مذ يومان،

ومنذ يومُ الجمع"، وهل هما مبتدآن وما بعدهما خبرهما، أو بالعكس؟ على قولين: الثاني: أن يليهما الفعل، نحو: "جئت مذ دعا" وقوله:

(227 - ما زال مُذْ عقدت يداه إزازَه ... ... ... ...) وهما حينئذ ظرفان، وكذلك إن دخلا على جملة اسمية، نحو: (228 - ما زلت أبغي المالَ مُذ أنا يافع ... ... ... ...)

وإذا كانا حرفي جر لم يدخلا إلاّ على اسم زمان، ولهما معنيان أحدهما: أن يكونا لابتدء الغاية، بمعنى "مِن" وذلك إذا كان الزمان ماضيا نحو: ما رأيته مذ شهر، ومنذ سنة، قال الشاعر: (229 - لمن الدّيار بُقنةِ الحِجر ... أقوينَ مُذ حِجَجٍ ومذ دهر) وقال آخر: (230 - ... ... ... ... وربعٍ عَفَت آثاره منذُ أزمان)

الثاني: الظرفية، وذلك إذا كان الزمان حاضرا، نحو: "ما رأيته مذ يومنا ومنذ شهرنا". (وبعدّ "مِن" و"عن" و"باء" زِيد "ما" ... فلم يَعُقْ عن عملِ قد عُلِما) (وزيد بعد "رُبَّ" و"الكافِ" فكف ... وقد يليهما، وجر لم يُكَفَ) تزاد "ما" بعد حروف الجر فتنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن لا تزيل اختصاصها، فلا تبطل عملها، [وذلك كزيادتها بعد الأحرف الثلاثة التي تضمنها البيت الأول، نحو: {مِنْ خَطَايَاهُمْ} [نوح: 25] {عَمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} [المائدة: 13]. الثاني: أن تزيل اختصاصها، فيبطل عملها]، وتدخل على الجملة الفعلية والاسمية.

كزيادتها بعد "رُبَّ" و"الكاف" نحو: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحجر: 2] {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} [الأنفال: 5]. (231 - ... ... ... ... كما سيفُ عمروٍ لم تَخُنْه مضارِبُهْ) وقوله:

(232 - ربما الجامِل المؤبَّل فيهم ... ... ... ...) وقد يبقى بعدهما، إلاَّ أنه قليل، ومنه (233 - رُبَّما ضربةٍ بسيف صقيلٍ ... ... ... ...)

وقوله: (234 - وننصرُ مولانا ونعلم أنّه ... كما الناسِ مجروم عليه وجارم) (وحُذفت "رُبَّ" فَجَرَّتْ بعد "بل" ... و"الفاء" وبعد "الواو" شاع ذا العمل) تحذف "رُبَّ" ويبقى عملها بعد "بل" قليلا، نحو: (235 - ... بل بلدٍ يعلُو الفِجاج قَتَمُه ...)

وبعد: "الفاء" وهو أكثر منه، نحو: (236 - فمِثِلكِ حُبْلَى قد طرقت ومرضع ... ... ... ...) وبعد "الواو" وهو كثير شائع، نحو:

(237 - وليلٍ كموجِ البحر أرخَى ستوره ... ... ... ...) أما حذفها دون ما ذُكر فنادر، نحو: (238 - رَسْمِ دار وقفتُ في طَلَلِه ... ... ... ...)

ولم يتعرض المصنف لمعنى "رُبَّ"، وأشهر معنييها التكثير، كقوله صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ يوم القيامة" وقد تأتي لضده، كقوله:

(239 - ألاَ رُبَّ مولودٍ وليس له أَبَّ ... وذي ولدٍ لم يلده أبوان) (وقد يُجر بسوى "رُبَّ" لدى ... حذفٍ، وبعضهُ يُرى مطّردا) من حذف حرف الجر -غير رب- وبقاء عمله: (240 - وقالوا كيف أنت فقلت خيرٍ ... ... ... ...) وقوله: (241 - ... ... ... ... أشارت كليبٍ بالأكفِّ الأصابع)

ويطرد حذف حرف الجر وبقاء عمله في مواضع: أحدها: أن يكون المجرور جوابا لكلام متضمن للحرف، نحو: "يلى زيدٍ" لمن قال: "ما مررت بأحد". الثاني: أن يعطف على مجرور بمثل المحذوف، نحو: "في الدار زيد والحجرةِ عمرو". الثالث: في القسم، نحو "اللهِ لأفعلنَّ". الرابع: بعد "كم" الاستفهامية، إذا جرت بحرف، نحو: "بكم درهم اشتريته"، التقدير: بكم من درهم. الخامس: أن يقع بعد حرف مجازاة، نحو: "مررت برجل إن لا صالح فصالح" تقديره: إن لا أمرُّ فقد مررت بطالح.

الإضافة

الإضافة وهي نسبة تقييدية بين أسمين، أو ما في تأويلهما، مقتضيةلجر الثاني منهما لزوما، فنسبة: جنس يشمل جميع التراكيب، وتقييدية: مخرج للمبتدأ والخبر، وبين اسمين: مخرجة للنسبة الواقعة بين الاسم والفعل، وقولنا: أو ما في تأويلهما: مدخل لما أضيف إليه، من حرف مصدري وصلته، ومقتضي لجر الثاني لزوما: مخرج للنعت والمنعوت، ونحوهما من التابع ومتبوعه. (نوناً تلي الإعراب أو تنوينا ... مما تضيف احذف، كـ"طور سينا") إذا أضيف الاسم خففت بحذف التنوين منه، نحو: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 15] ويقدر الحذف فيما لا تنوين فيه، لقيام مانع الصرف به، نحو: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: 59] وبحذف النون إن كان مثنى، نحو: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] أو ملحقاته، نحو: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} [الكهف: 33] أو جمع مذكر

سالمٍ، نحو: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: 1] أو ملحقا به، نحو: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} [الأنفال: 75] وقيد النون بكونها بعد الإعراب احترازا من النون السابق للإعراب، نحو: "سلاطين" و"رياحين"، فإنها لا تحذف للإضافة. (والثانيَ اجرر، وانو "مِن" أو "في" إذا ... لم يصلح إلا ذاك، واللامَ خُذا) (لما سوى ذينك، واخصص أوَّلا ... أو أعطه التعريفَ بالذي تلا) الأول هو المضاف، والثاني هو المضاف إليه، فأما الأول فلا تؤثر الإضافة في إعرابه شيئا، وأما الثاني: فحكمه الجر بالمضاف نفسه، ثم الإضافة منقسمة إلى ثلاثة أنواع:

الأول: أن تكون بمعنى "مِن" وضابطها أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، ويصح الإخبار عنه به، نحو: "خاتم حديد"، [ولا يتأتي ذلك في مثل: "يوم الخميس" لعدم البعيضة، ولا في مثل: "يَدُ زيد" لعدم صحة الإخبار، ولا في مثل "ثوب زيد" لانتفائهما]. الثاني: أن تكون بمعنى "في" وضابطها: أن يكون الثاني ظرفا للأول،

نحو: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ} [سبأ: 33] و {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} [يوسف: 39،41] وهي أقل من التي بمعنى "من". الثالث: أن تكون بمعنى "اللام" وهي أكثرها، وضابطها: ما لا يصلح فيه ما ذكر من النوعين السابقين، نحو: {رَسُولِ اللَّهِ} [هذا جزء من 16 آية من القرآن الكريم] {نَاقَةَ اللَّهِ} [الأعراف: 73]. (ثم المضاف منقسم إلى ما يتخصص) بالثاني، وهو: ما أضيف إلى نكرة، كـ"غلام رجل"، وإلى ما يتعرف به، وهو المضاف إلى معرفة، كـ"قوم نوح"، إلاّ أنه يستثنى من هذا النوع ما كان المضاف فيه متوغلا في الإبهام، كـ"مثل" و"غير" و"شبه" إذا قصد بها مطلق المماثلة، والمغايرة، فإنها لا تتعرف بالإضافة إلى معرفة، ولذلك يوصف بها النكرة، نحو: "خذ درهما غَيرَهُ" فلو قصد بها كمال المماثلة [والمغايرة] بأن وقعت بين متنافيين،

تعرَّفت بالإضافة، ولذلك وصف بها المعارف، في نحو: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]. (وإن يشابه المضافُ يَفْعَلُ ... وصفا، فعن تنكيره لا يعدل) (كـ "رُبَّ" راجينا عظيمِ الأمل، ... مروَّعِ القلبِ، قليلِ الحيلِ) من الإضافة نوع لا يفيد في الأول تخصيصا، ولا تعريفا، وهو: ما كان المضاف فيه وصفا يشبه الفعل المضارع في دلالته على الحال أو الاستقبال، سواء كان اسم فاعل، كـ"راج"، أو اسم مفعلو، كـ"مروَّع" أو صفة مشبهة، كـ"عظيم الأمل" و"قليل الحيل"، فإن هذه الإضافة إنما تفيد التخفيف، بنزع ما في الأول من "نون تثنية أو جمع" نحو: "ضاربا زيد [و {مُحِلِّي الصَّيْدِ}

أو تنوين ظاهر، نحو: {مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} [الأحقاف: 24] و"ضوارب زيد" أو رفع القبح، نحو: "الحسن الوجهِ" إذ في رفع "الوجه" قبح من جهة خلو الصفة من ضمير يعود على الموصوف، وفي نصبه قبح من جهة إجراء وصف اللازم مجرى وصف المجاز، فعدل إلى الجرّ، تخلصا منها، ولذلك امتنع "الحسن وجهِهِ" لانتفاء قبح الرفع، باشتمال الصفة على ضمير الموصوف، و"الحسن وجهٍ" لعدم قبح النصب، فإنه منصوب على التمييز، والتمييز يكون عن اللازم، ولا يعدل عن تنكير الأول، سواء أضيف إلى معرفة أو إلى نكرة كالمُثُل المذكورة، ولبقاء التنكير مع إضافته إلى المعرفة دخلت على "رُبَّ" في نحو: (242 - يارُبَّ غابِطِنا لو كان يطلبكم ... ... ... ...)

وانتصب على الحال، نحو: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} [الحج: 9]، ووصفت به النكرة، نحو: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]، وإنما قلنا إن الإضافة لم تفد فيه تخصيصا: لكون التخصيص موجودا قبلها، فإن الأصل في نحو: "ضاربُ زيدٍ: "ضاربٌ زيداً"، وفي "مروّع القلب": "مروّع قلبُه". (وذي الإضافة اسمها لفظيه ... وتلك محضة، ومعنويه) الإضافة المفيدة للتخفيف، أو لرفع القبح تسمى: لفظية، لأنها لم تفد إلاّ تخفيف اللفظ، فإن النسبة حاصلة قبلها، وتسمى غير محضة، لكونها في تقدير الانفصال، وتلك الإضافة السابقة المفيدة للتعريف أو التخصيص تسمى: محضة، أي: خالية من تقدير الانفصال، وتسمى: معنوية، لأنها أفادت أمراً معنويا، وهو التعريف، أو التخصيص. (ووصل "أل" بلدا المضاف مغتفر ... إن وُصِلَتْ بالثّاني، كـ"ـالجعدِ الشَّعَر") (أو بالذي له أضيف الثّاني ... كـ"ـزيدٌ الضاربُ رأسِ الجَانِي") (وكونها في الوصف كافٍ إن وقع ... مثّنى، أو جمعا سبيله اتّبع) المضاف إضافة معنوية لا يجوز دخزل "أل" عليه [وأما المضاف إضافة

لفظية، فيجوز دخول "أل" عليه] في أربع صور: إحداها: أن يكون المضاف إليه متلبسا بها أيضا، كـ"ـالجعد الشَّعر" و {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} [الحج: 35]. الثانية: أن يضاف الثاني إلى متلبس بها، كـ "ـالضارب رأسِ الجاني" ومثله: (243 - لقد ظفر الزواُر أفنيةِ العِدى ... بما جاوز الآمالَ مِلْقَتلِ والأسرِ) الثالثة: أن يكون المضاف مثتنى، نحو: (244 - إنْ يَغْنَيَا عنّي المستوطنا عَدَنٍ ... ... ... ...)

الرابعة: أن يكون جمعا اتّبع سبيل المثنى، في سلامة اللفظ واحده، كقوله: (245 - ليس الأخِلاُء بالمصغي مسامِعِهِم ... إلى الوُشاة، ولو كانوا ذوي رَحِم) ويجوز أيضا في صورة خامسة، وهو: أن يضاف إلى ضمير متلبس بالألف واللام نحو: (246 - الودُّ أنتِ المستحقةُ صفوِهِ ... ... ... ...)

وأجازه الفراء حيث كان المضاف إليه معرفة، نحو: "المكرمك" و"الضارب زيد" و"خصّصه المبرد بالضمير، وعند صاحب الكتاب: أن الضمير كالظاهر، فهو منصوب في "المكرمك" لامتناع إضافة الوصف المتلبس بـ"ـأل" إلى غير ما ذكر]، ومخفوض في "مكرمك". (وربما أكسب ثانٍ أوّلا ... تأنيثا إن كان لحذفٍ مُوهَلا) إذا أضيف مذكر إلى مؤنث، أو بالعكس، فالأصل بقاء كل واحد منهما على حاله من التذكير، والتأنيث، وربما اكتسب المضاف المذكر التأنيث من المضاف إليه، [لكن بشرط صلاحية التركيب لحذف

المضاف] والاستغناء عنه بالمضاف إليه، وهذا مراد المصنف بقوله: "إن كان لحذف موهلا" ومنه قراءة بعضهم {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} [يوسف: 10]، وقوله: (247 - لما أتى خير الزبير تواضعتْ ... سُورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ) وأقل منه المؤنث التذكير من المضاف إليه، بالشرط المذكور، ومنه -على أحد التخاريج- {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [الأعراف: 56]، وقوله:

(248 - إنارةُ العَقلِ مكسوف بِطَوعٍ هَوى ... ... ... ...) أما لو لم يصلح المضاف فيهما للاستغناء عنه بالمضاف إليه امتنعا، فلا

يجوز: "قامت زوج هند" ولا: "جاءت جاريتك". (ولا يضاف اسم لما به اتَّحَد ... معنى، وأَوِّلْ مُوهما إذا وَرَد) قد تقرر أن المضاف متعرف بالمضاف إليه، أو متخصص به، والمعرف غير المتعرف، والمخصّص غير المتخصّص، فلذلك لا يضاف اسم إلى مماثل له في المعنى، سواء كان مرادفا كـ "ـليث أسد"، أو صفة أضيفت إلى موصوفها، كـ "ـفاضل رجل" أو بالعكس، كـ "ـرجل صالح" فإن ورد ما يوهم ذلك أوّل بما يصرفه عنه، [فمن المترادفين] قولهم: "سعيد كُرزٍ" ومن إضافة الموصوف إلى الصفة "مسجُد الجامع"، و "صلاة الأولى"، ومن عكسه: "جَرْدُ قَطيفةٍ" و "سَحق عِمامة"، ففي القسم الأول: يؤول المضاف

بالمسمىَّ، والمضاف إليه بالاسم، كأنك قلت: جاءني مُسمىَّ هذا الاسم، وفي الثاني: يقدر الأول مضافا إلى موصوف حذف، وأقيمت صغته مقامه، كأنّك قلت: "مسجد المكان الجامع" و "صلاة الساعة الأُولى" وفي الثالث: يؤول الأول بالنوع والثاني بالجنس، والتقدير: "جَرْد هذا الجنس" (وبعضُ الأسماء يضاف أَبَدا ... وبعض ذا قد يأتِ لفظا مفردا) الأصل في الإضافة أن تكون جائزة، وقد خرج عن الأصل من الأسماء طرفان: أحدهما: ما امتنعت إضافته كالموصولات، وأسماء الإشارة، والمضمرات، وأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، وسوى "أي" والأعلام الباقية على علميتها. والثاني: ما أشار إليه المصنف هنا، ما الإضافة فيه لازمة، ثم هي منقسمة إلى قسمين: لازمة الإضافة إلى المفرد، ولازمة الإضافة إلى الجملة، والأول: هو مراد المصنف بهذا البيت، ثم هو منقسم إلى لازم الإضافة لفظا ومعنى، وإلى ما يلزمها في المعنى، مع أنه قد يفرد عنها في اللفظ، فالأول نحو: "كِلَا" و"كِلْتَا و"عند" و"مع" و"لدن"، والثاني: كـ"ـكُلّ"، و"بعض" و"أي" فإنها وإن قطعت عن الإضافة في اللفظ، نحو: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الأنعام: 165] {أَيًّا مَا تَدْعُوا} [الإسراء: 110] فإن المضاف إليه مراد في المعنى، والتقدير: {وَكُلُّهُمْ} [مريم: 94] {فوق بَعْضُكُمْ}

{أي اسم تدعوا}. (وبعض ما يضاف حتما امتنع ... إيلاؤه اسما ظاهرا حيث وقع) (كـ"ـوحد" "لَبي" و"دوالي" "سَعْدَي" ... وشذ إيلاءُ يَدَي لـ"ـلَبَّى") اللازم الإضافة لفظا ومعنى منقسم إلى ما يضاف إلى الظاهر والمضمر، نحو: "كِلا" وما ذكر معها، وإلى ما يضاف إلى المضمر دون الظاهر، وهو الذي أشار إليه المصنف هنا، وذلك ألفاظ أحدها "وحْد" ويضاف إلى ضمائر الجرّ كلّها، نحو: "سافرت وحدي" ومخاطبها، كقوله: (249 - ... ... ... ... وكنت إذ كنت إلاَ هِي وحْدكا) وغائبها، نحو: {إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ} [غافر: 12]. الثاني: "لبَّي" وهو مصدر مثنى في اللفظ ومعناه التكرار،

ولا يضاف إلاّ إلى ضمير المخاطب، وإضافته إلى الظاهر في قوله: (250 - دعوتُ [لما نَابَنى] مِسْورا ... فلبَّى فلبَّى يَدَي مِسْورِ) شاذ، وقد سمعت إضافته إلى ضمير الغائب في قوله: (251 - ... ... ... ... لقلتُ لبَّيه لَمن يدعوني) الثالث: "دوالْي" وهو مصدر بمعنى التداول، مثنى في اللفظ، ومعناه:

التكرار أيضا، ومن استعماله: (252 - إذا شُقَّ بُرْدَّ شُقَّ بالبُرْدِ مثلُه ... دواليَّك حتى كلُّنا غيرُ لا بِس) الرابع: "سَعْدَيْ" وهو في اللفظ كـ"ـلبّي" ولا يستعمل إلاّ بعده نحو: "لبَيك وسعدْيك" ولم يسمع فيه ولا في "دواليك" الإضافة إلى غير ضمير المخاطب، ومن الأسماء اللازمة للإضافة قسم ثالث، وهو ما يضاف إلى الظاهر دون المضمر، ومن الأسماء اللازمة للإضافة قسم ثالث، وهو ما يضاف إلى الظاهر دون المضمر، كـ"ـأُوِلى" و"أولات" و"ذي" و"ذات". (وألزموا إضافة إلى الجمل ... "حيثُ" و"إّذ"، وإن يُنَوَّن يُحتمل) (إفراد "إذْ" وماكـ "إذْ" معنى كـ"ـإذْ" ... أَضِف" جَوازاً، نحوُ: حين، جَانبذ)

أخذ في ذكر القسم الثاني من اللازم الإضافة، وهو ما يلزم إضافته إلى الجمل، ثم هو منقسم إلى ما يضاف إلى الجمل مطلقا، وإلى ما يضاف إلى جمل الأفعال خاصةً فالأول" كـ"ـحيث" و"إذْ" وأكثر ما يضافان إلى الجمل الفعلية، نحو: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} [البقرة: 149، 150] {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ} [الأعراف: 172] ومن إضافتهما إلى الجمل الاسمية {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} [الإسراء: 47] وتقول: "جئت حيث زيد قائم" وإضافة "حيث" إلى المفرد في نحو: (253 - أما تَرَى حيثُ سهيلٍ طالعا ... ... ... ...) نادر وتختص "إذ" بجواز

إفرادها عن الإضافة لفظا معوضاً عن الإضافة بالتنوين، ولا يكون ذلك غالبا إلاّ مع إضافة اسم الزمان إليها، كـ"ـيومئذ"، و"حينئذ"، وأما نحو: (254 - ... ... ... ... وأنتَ إذٍ صحيح) فنادر، وما تضمن معنى "إذ" في الدلالة على زمان ماض فهو كـ"إذ" في الإضافة إلى الجمل، نحو: "جئتك يوم ولد ابنك" و "يوم أنت أمير" و "حين جاء الحاج" و "حين الركب قادم" و "زمن كان أبوك مسافرا" و "زمن أنت ذو مال" إلاّ أن إضافة نحو ذلك الجمل غير لازم لجواز أن تقول:

"يوم ولادة ابنك" "ويوم إمراتكَ" وكذلك البواقي. (وابْنِ أو اعرب ما كاذْ قد أُجريا ... واختر بنا متلوّ فعل بنيا) (وقبلَ فِعْلٍ معربٍ أو مبتدا ... أَعِرب، ومن بَنَى فلن يُفتَّدا) ما جرى من أسماء الزمان مجرى "إذ" في إضافته إلى الجمل، فلك أن تبقيه على إعرابه، لكون افتقاره إلى الجملة غير لازم، ولك أن تبنيه لشبهه بـ"ـإذ"، إلاّ أن البناء هو المختار إن أضيف إلى فعل مبني، سواء كان ماضيا، نحو: (255 - على حين ألْهَى الناسَ جلُّ أموِرِهِم ... ... ... ...) (256 - ... ... ... ... على حين يستصبين كلَّ حليم)

وإن أضيف إلى جملة اسمية، أو فعل معرب، فالمختار إعرابه، وبه قرأ الأكثرون: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] وتقول: "أحبك من يوم حلمك وافر" وليس هذا الإعراب لازما عند المصنف، موافقه للكوفيين، لورود البناء في نحو: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ} على قراءة

نافع، وفي قوله: (257 - تذكَّر ما تَذَكر من سُليمى ... على حين التواصلُ غير دانى) وألزموا "إذا" إضافة إلى ... جمل الأفعال، كـ"هُن" إذا اعتلا) هذا القسم الثاني من اللازم الإضافة إلى الجمل، وهو: ما يضاف إلى جمل الأفعال خاصة، كـ"إّذ" غير الفجائية، وسواء أخلصت للظرفية، نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى: 1] أو تضمنت معها معنى الشرط، كما هو الغالب عليها، نحو: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] فإن وقع بعدها الاسم المرفوع، كما في نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] قدّر له فعل رافع، مفسره ما بعده،

والتقدير: "إذا انشقت السماء" وأما دخولها على الجملة الاسمية في نحو: (258 - إذا باهلي تحتَه حنظليَّة ... ... ... ...) فمقدر بحذف "كان" مع بقاء عملها، فالظرف وما بعده في محل نصب ومثل "إذا" في لزوم الإضافة إلى الجمل الفعلية "لما" نحو: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ} [البقرة: 101]. (لُمفهِمِ اثنينِ معرَّفٍ بلا ... تفرُّقِ أضيف "كِلتا" و"كِلا)

شرط ما يضاف إليه "كِلاَ" و"كِلتا" أن يكون معرفة دالا على اثنين غير متفرّق بعطف، نحو: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} [الكهف: 33] و "كلاهما أخوك" ولا يجوز "كِلا ثوبيت اشتريت" ولا "كلا زيد وعمرو عندي" لعدم التعريف في الأول، وعدم التثنية في الثاني، والتفريق بالعطف في الثالث، ونحو: (259 - كلا أخي وخَلِيلي واجدي عضدا ... ... ... ...) فضرورة. وأما: (260 - كِلانا غني عن أخيه حياتَه ... ... ... ...)

فلاشتراك "نا" في الدلالة على المفرد والمثنى والمجموع، وأما قوله: (261 - إن للخير وللشر مَدى ... وكِلا ذلك وجه وقَبّل) فلأن "ذا" قد يشار به إلى المثنى، كقوله تعالى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا} [البقرة: 68]. (ولا تُصف لمفردٍ معرَّفِ ... "أَيا" وإن كررتَها فأضِفِ) (أو تنوِ الاجزا واخصُصَن بالمعرفة ... موصولةً "أيا" وبالعكسِ الصفَة) (وإن تكن شرطا أو استفهاما ... فمطلقا كَمل بها الكلاما) تضاف "أي" إلى النكرة مطلقا، وتضاف إلى المعرفة المثناة، نحو:

{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ} [الأنعام: 81] والمجموعة، نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} [مريم: 69] ولا تضاف إلى معرفة مفردة، إلاّ في موضعين: أحدهما: أن تكرر، بعطف مثلها عليها بالواو، نحو: (262 - ... ... ... ... أيِّي وأيُّك فارس الأحزاب) الثاني: أن سنوى بها السؤال عن الأجزاء، نحو: "أي زيد أحسن" بمعنى: أي أجزائه، ثم ذكر لـ"ـأيٍ" أربعة معان: أحدها: الموصولة، نحو: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]. والثاني: أن تكون صفة لنكرة، نحو: "مررت برجل أيِ رجل". الثالث: الشرطية، نحو: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} [القصص: 28]. الرابع الاستفهامية، نحو: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا}.

فالموصولة لا تضاف إلاّ إلى [المعرفة، والصفة بالعكس، لا تضاف إلى] النكرة، والشرطية والاستفهامية يكمل بهما الكلام مطلقا، فيضافان إلى المعرفة كما مثّل، وإلى النكرة، نحو: "أي رجل جاءك فأكرمه" وقوله: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [المرسلات: 50]. (وألزموا إضافةً "لدن" فَجَر ... ونَصْبُ "غُدوةٍ" بها عنهم ندر) "لدن" من ظروف المكان، بمعنى "عند" وهي من الأسماء اللازمة الإضافة للمفرد فتجره، نحو: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5] وإضافتها إلى الجملة في قوله: (263 - ... ... ... ... لدن شَبَّ حتى شاب سودُ الذّوائب

نادر، وكذلك نصب "غُدوة" بها على التمييز، أو على التشبيه بالمفعول في قولهم: "أتيتك من لدن غدوة" نادر. (ومَعَ مَعْ فيها قليل ونُقِل ... فتح وكسرٌ لسكون يتصل من ظروف المكان اللازمة للإضافة "مع" وإذا لاقت متحركا فالأشهر فيها الفتح، نحو: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 2] والإسكان قليل، كقوله: (264 - فرِيشي منكم وهَوايَ معْكم ... وإنَّ زيارتُكم لِماما)

قال بعضهم: وهي لغة ربيعة، وهي على هي [اللغة مبنية، وإن لاقت ساكنا فهي على] اللغة المشهورة باقية على فتحها، نحو: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 69] وعلى لغة الإسكان يجوز الفتح تخفيفا، والكسر على أصل التقاء الساكنين، وقد تقطع عن الإضافة، فتنصب حالا، نحو: "جاء زيد وعمرو معا". (واضمم بناءً "غيرًا" ان عدمت ما ... له أضيف، ناويًا ما عُدما) "غير" من الأسماء اللازمة الإضافة، إما لفظا، وإما معنى، فإن أضيفت لفظا فهو معرب، نحو: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] وإن قطعت عن الإضافة للعلم بالمضاف إليه بنيت على الضم، ردًا إلى مقتضى شبهها بالحرف، فإن "غير" شبيهة بالحرف في الأحكام اللفظية والمعنوية، أما اللفظية: فلأنها جامدة، لا تثنى، ولا تجمع، ولا تنعت، ولا يضاف إليها، ولا ينسب إليها، وأما المعنوية: فلافتقارها إلى غيرها في تمام معناها، لكن عارض هذا لزوم الإضافة

التي هي خصائص الأسماء فلما زالت الإضافة في اللفظ، صارت بمنزلة المعدومة، فعمل شبه الحرف مقتضاه ولم يسمع قطعها عن الإضافة لفظا إلا بعد "ليس"، حكى الفراء: "فَبَضْتُ عشرة ليس غير"، وأما قول الفقهاء: "غير" فلم يرد به سماع. (قبلُ كـ"غيرُ" بعدُ، حسْبُ، أَوَّلُ ... ودونَ، والجهاتُ أيضا، وَعَلُ) جرى مجرى "غير" في لزوم الإضافة معنى لا لفظا، وفي البناء على الضم إذا قطع عنها لفظا، للعلة التي لأجلها بني "غير" أسماء، منها: "قبلُ" و"بعدُ"، كقوله تعالى: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] ومنها: "حسْبُ"، تقول: "عندي درهم حسب" أي: لا غير، ومنها: "أوّل"، كقوله: 265 - (... ... ... ... على أيِّنا تعدُو المنِّيةُ أوَّلُ)

ومنها: "دون" نحو: "المنازل قريبة ومنزلك من دون"، ومنها: الجهات السّتّ وهي: "فوق" و"تحت" وما رادفها، كـ"أسفل" و"خلف" وما رادفها، كـ"وراء" و"أمام" وما رادفها، كـ"قُدَّام" و"يمين" و"شمال" وما رادفها، كـ"يسار"، نحو: "رأيت الجيش والمطر من فوق، والوَحَل من تحت والرّجّالة من خلف، والأمير من قدّام، والمغانم عن يمين، والأسرى عن شمال"، ومنها: "علُ" وهي مثل "فوق" معنى واستعمالا، نحو: 266 - (... ... ... ... وأتيت نحو بنى كُليب من علُ) هذا كله إذا نويت معنى المضاف إليه، دون لفظه، فإن نويت لفظ المضاف إليه بقي الإعراب، وترك التنوين على حالهما، كقراءة من قرأ:

{لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] لإرادته من قبل ذلك، كما أنك تعرب ذلك كلّه إذا أتيت بلفظ المضاف إليه، نحو: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ} [الروم: 49] {وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الأنعام: 6] وكذلك سائرها، إلاّ أنّ "عَلُ" لم يسمع فيه التصريح بما تضاف إليه، وحكاية الجوهري: "أتيته من علِ الدار" لم يتابع عليه، وكذلك "حسْب" لا يضاف لفظا بالمعنى الذي له إذا أضيف نيَّةً، وإنما المضاف منه لفظا بمعنى "كافٍ" نحو: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} [المجادلة: 8] و "مررت برجل حسبك من رجل". (وأعربوا نصبا إذا ما نكِّرا ... "قَبْلاً"، وما مِن بعدِه قد ذُكِرا)

إذا نكرت هذه الأسماء وقصد بها الإبهام قطعت عن الإضافة لفظا ومعنى، وعاد إليها التنوين، لزول الإضافة المقتضية لحذفه، لفظا وتقديرا، وأُغْرِبت، كقوله: 267 - (... ... ... ... فما شرِبوا بَعْدًا على لذةٍ خمرْا) وقوله: 268 - (فَسَاغَ لي الشِّرابُ وكنتُ قَبْلا ... أَكادُ أَغَضُّ بالماءِ الزُّلال)

ولا يختص إعرابها بالنصب كما ذكر المصنف، لقراءة بعضهم {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4]. وقوله: 269 - (... ... ... ... كجلمودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السّيلُ من علِ)

ولم يسمع ذلك في "حسب" بمعنى: لا غير، نعم التي بمعنى "كاف" قد ذكر الجوهري انتصابها على الحال، مع بقاء الإضافة لفظا، نحو: "مررت بعبد الله حسْبَكَ من رجل" [فتنصب "حسبك" على الحال]. (وما يلي المضافَ يأتي خلَفا ... عنه في الإعرابِ إذا ما حُذفا) إذا علم المضاف جاز الاستغناء عنه بحذفه، ويخلفه في الإعراب ما يليله، وهو المضاف إليه، نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي: أهل القرية، هذا هو الغالب. (وربما جَرُّوا الذي أبقوا كما ... قد كان قبلَ حذفِ ما تقدما) (لكن بشرط أن يكون ما حُذف ... مماثِلا لما عليه قد عُطِف) أي ربما حذف المضاف، فترك المضاف إليه على ما كان عليه من الجر، بشرط أن يكون المحذوف معطوفا على مثله، نحو: 270 - (أكلَّ امرئ تحسبين امرءا ... ونارٍ توقَّدُ بالليل نارا)

أما مع عدم العطف فلا يجوز الحذف، وقد يوجد قليلا، كقراءة بعضهم: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [الأنفال: 67] أي: عملَ الآخرة،

وليس المضاف المحذوف معطوفا، وإنما المعطوف الجملة المتضمنة له. (ويُحذف الثاني فيبقى الأول ... كحاله إذا به يتصل) (بشرطِ عطفٍ وإضافةٍ إلى ... مثلِ الذي له أَضفتَ الأَوّلا) كما يجوز الاستغناء عن المضاف إذا علم كذلك يجوز الاستغناء عن الثاني وهو المضاف إليه، إذا كان معلوما، وقد سبق منه ما يتغير المضاف فيه عن إعرابه، وما لا يتغير عن إعرابه، لكن يعاد إليه التنوين عوضا عن المضاف إليه، وهذا القسم هو الذي يبقى المضاف فيه على حاله من الإعراب، ونزع التنوين، إلا أن ذلك لا يوجد في الغالب إلا بشرط أن يعطف عليه اسم عامل في مثل المحذوف، نحو: "خُذْ نصفَ وربعَ ماله" ولا يشترط أن يكون المعطوف مضافا، كما ذكر المصنف، بل يكفي كونه عاملا، كقوله: 271 - (... ... ... ... بمثلِ أو أنفَعَ من وَبْلِ الدِّيَم)

وقد يوجد ذلك بدون العطف، كما سبق ذلك، فيما إذا نويت لفظ المضاف، في "قبل" وما معه، ومنه: 272 - (... ... ... ... سبحانَ من علقمةَ الفاخرِ) (فصلَ مضافٍ شِبْهِ فِعْلٍ ما نَصَبْ ... مفعولا أو ظرْفا أجِرْ ولم يُعَب) (فصلُ يمينٍ واضطرارا وُجِدا ... بأجنبيٍ أو بنعتٍ أو نِدا) اتصال المضاف بالمضاف إليه هو الأصل، وفصلُه منه واقع، وهو ينقسم إلى قسمين، جائز في السعة، ومخصوص بالضرورة، فالجائز في السعة شيئان،

أحدهما: أن يكون المضاف شبيها بالفعل في العمل، فيفضل بينه وبين المضاف إليه ما نصبه من مفعول أو ظرف، فمن الفصل بالظرف قوله: 273 - (... ... ... ... كناحتِ يوما صَخْرةٍ بعسيلِ) وشبه الظرف كالظرف، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "هل أنتم تاركو لي صاحبي"، وأما الفصل بالمفعول فله صورتان: إحداهما: أن يكون العامل فيه مصدرا مضافا إلى الفاعل،

كقراءة ابن عامر: {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137] فإن كانت الإضافة إلى المفعول والفاصل الفاعل، نحو: 274 - (... ولا عَدِمنا قهرَ وَجْدٌ صَبِّ ... فهو من المختص بالضرورة. الثانية: أن يكون العامل وصفا أضيف إلى مفعوله الأول، وفصل بينهما بالمفعول الثاني كقراءة بعضهم:

{فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} [إبراهيم: 47]. الثاني من الجائز في السِّعة الفصل بالقسم، نحو: "هذا غلام -والله- زيدٍ"، والمخصوص بالضرورة ثلاثة أشياء. أحدهما: الفصل بمعمول غيرِ المضاف، وهو الأجنبي، وسواء كان مفعولا كقوله: 275 - (تَسقى امتيا حانَدَى المسواكَ رِيقتِها ... ... ... ...) أو فاعلا، نحو:

276 - (أنجب أيامَ والداه به ... إذ نَجَلاه فنعم ما نَجَلا) أو ظرفا، كقوله: 2777 - (كما خُطَّ الكتابُ بكفِّ -يوما- ... يهوديِّ يُقارِبُ أو يُزيل)

الثاني: الفصل بنعت المضاف، كقوله: 278 - (نجوتُ وقد بَلَّ المراديُّ سيفَه ... من ابن أبي -شيخ الأباطح- طالبِ) الثالث: الفصل بالنداء، كقوله: 279 - كأنَّ برذونَ أبا عصامِ 280 - زيدٍ حمارٌ دٌقَّ باللجامِ تقديره عندهم: كأن برذونَ زيدٍ يا أبا عصام، وحمله على أن "أبا" مجرور على لغة من يعربه إعراب المقصور، وجعل "زيدٍ" بلا منه، أو عطف بيان أولى.

المضاف إلى ياء المتكلم

المضاف إلى ياء المتكلم ياء المتكلم من جملة الضمائر التي تضاف إليها الأسماء، ولكن أفردت بالذكر لخفاء إعراب المضاف فيها، ولزوم كسره، وتغيْر آخره بسببها، بخلاف المضاف إلى غيرها من الضمائر والظواهر. (آخر مَا أضيف لليا اكسر إذا ... لم يك معتلاً كرامٍ، وقذا) (أو يك كـ"ابنينِ" و"زيدِيْنَ" فذِى ... جميعها اليا بعدُ فتحُها احتُذِي)

يجب كسر آخر الاسم المضاف إلى ياء المتكلم، إذا كان مما يعرب بحركات ظاهرة، نحو: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: 108] {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40]، و "عجبت من رمي حال عَدْوِي حاملا صبيَّيي". وحكم "الياء" في السكون، ويجوز فتحها، ويمتنع الكسر من آخره في ثلاثة مواضع: أحدهما: أن يكون معتلا، إما بالياء، كـ"رامٍ"، وإما بالألف، كـ"قَذى". الثاني: أن يكون مثنى، كـ"أبنيْنِ". الثالث: أن يكون مجموعا، كـ"زيدِينَ"، فهذه كلها آخرها ساكن عند الإضافة إلى الياء، ويلزم فتح الياء فيها، نحو: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} [طه: 123] {وَقَالَ يَا بَنِيَ} [يوسف: 67] {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وتقول: "ممرت بقاضيَّ". وبنو يربوع يجيزون كسر الياء فيه، وعليها قراءة حمزة:

{بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22]، وقرأ نافع: {وَمَحْيَايَ} [الأنعام: 162]. (وتدغم اليا فيه والواوُ وإن ... ما قبلَ واوٍ وضُمَّ فاكسرِه يَهُن) (وألِفًا سلَّمْ وفي المقصور عن ... هذيلٍ انقلابُها ياءً حَسَن) إذا فتحت "ياء المتكلم" المضاف إليها الاسم، فإن كان قبلها ياء كالمنقوص، والمثنى، وجمع المذكر السالم، في حال الجر والنصب، أو واو كجمع المذكر السالم في حال الرفع أدغمتا في ياء المتكلم، نحو: "جاء قاضِيَّ يبتاع ثَوْبَيَّ، بحضور ابنيَّ، فمنعه مُحِبِّيَّ" أصله: مُحِبُّويَ، والمعروف عن أهل الصناعة أن الواو قلبت ياء، ثم أدغمت في ياء المتكلم، لا ما قاله المصنف، من أن الواو نفسها أدغمت في الياء، ثم ما قبل الياء باق على حاله

من فتح، كـ"ابَنيَّ" أو كسر، كـ"بَنِيّ" و"قاضِيّ"، وما قبل الواو إن كان مفتوحا ترك على حاله، كقولك في "مصطفون": "مصطفَيَّ"، وإن كان مضموما قلبت الضمة كسرة لثقلها قبل الياء، فتقول: "جاءني بنِيّ"، وإن كان قبل الياء ألف، كالمقصور، والمثنى في حال رفعه، سلمت الألف، فلم تقلب، نحو: {هِيَ عَصَايَ} [طه: 18] و"جاء غلامايَ" وهذيل تقلب ألف المقصور -خاصة- ياء، وتدغمها في ياء المتكلم، قال شاعرهم: 281 - (سبَقُوا هوَيَّ وأعنَقُوا لهواهُمُ ... ... ... ...)

إعمال المصدر

أما ألف "لدى" فمتفق على قلبها ياء، لأنها شبيهة بـ"على" و"إلى" في البناء، وعمل الجرّ، ولذلك لا يختص قلبها ياء بإضافتها إلى ياء المتكلم، بل هي بمنزلة "على" و"إلى" في قلب الألف ياء مع جميع الضمائر، نحو: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]. إعمال المصدر قد تقدم حد المصدر في بابه، وإعماله بطريق الأصالة، لا بالنيابة عن الفعل، لما تقرر من كونه أصل الفعل، ولذلك عمل مرادا به الحال والاستقبال والمضيّ. (بفعله المصدرَ أَلْحِقْ في العمل ... مضافا أو مجردًا أو مَعَ أَلْ) أي حكم المصدر في العمل حكم فعله، فيرفع فاعلا فقط، إن كان فعله لازما، نحو: "عجبت من قيام زيد" وينصب معه مفعولا إن كان متعديا إلى واحد، نحو: "عجبت من ضرب زيد عمرا"، ومفعولين إن كان متعديا إلى اثنين، نحو: "عجبت من إعطائك زيدا درهما، وظنك عمرا صديقا" وثلاثة مفعولين إ، تعدّى الفعل إليها، نحو: "عجبت من إعلامك زيدا عمرا قائما"، وأكثر ما يعمل مضافا، نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}

وعمله منكرًا مجردا من "أل" والإضافة، نحو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا} [البلد:14 - 15] أَقْيَسُ، لقربه من الفعل، وعمله متلبسا بـ"أل" قليل، نحو: 282 - (فإنك والتأبينَ عروةً بعدما ... دعاك وأيدينا إليه شَوارع)

(إن كان فِعلٌ مَعْ أَنْ أَو ما يُحَل ... محلّه ولاسمِ مصدرٍ عمَل) عمل المصدر مشروط بأن يقبل الفكَّ إلى الفعل مع "أنْ" نحو: "يعجبني ضربك زيدا أمسِ، أو غدا" فإن الأول يقبل الفكّ على "أن ضربت" والثاني إلى "أن تضرِب" وكذلك إن قَبِل الفكّ إلى فعل وحرف مصدريّ يحل محل "أن" نحو: "يعجبني ضربك زيدًا الآن"، فإنه مؤول بـ"ما تضرب". واسم المصدر يطلق على ثلاثة أشياء: أحدهما: ما لم يجر على فعله قياسا، بأن يكون فعله غير ثلاثي، وجاء هو بزنة مصدر الثلاثي كـ"وُضُوء" من توضّأ، و"غُسْل" من اغتسل، و"نبات" من أنبت. الثاني: ما بدئ بميم زائدة غير دالة على المفاعلة، كـ"مضْرَب" و"مقْتَل" و"مَدْخَل" و"مَخْرَج". الثالث: ما استعمل علما، كـ"فَجارِ" و"يَسَارِ". فالثالث منه لا يعمل اتفاقا، والثاني يعمل اتفاقا كقوله: 283 - (أَظَلُومُ إنَّ مصابَكم رجُلا ... أَهْدَى السّلاَم تحيةً ظُلْم)

وأما الأول فالكوفيون يجيزون إعماله، وهو الحق، ومنه: 284 - (... ... ... ... وبعد عطائِك المائةَ الرِّتاعا)

(وبعد جرَّه الذي أُضيفَ له ... كمِّلْ بنصبٍ أو برفعٍ عملَه) إذا كان المصدر [مما تجاوز فاعله فأضيف]، فالأكثر أن يضاف إلى الفاعل، ثم يؤتى بالمفعول بعده منصوبا، نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} [البقرة: 251] وعكسه قليل، كقوله: 285 - (... ... ... ... قَرْعُ القواقيزِ أفواهُ الأباريقِ)

وليس منه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] لأن "مَنْ" فيه بدل من "الناس". (وجُرَّ ما يتبع ما جُرَّ ومَن ... راعى في الاتباع المحلَّ فَحَسَن) إذا أتبع ما أضيف إليه المصدر من مرفوع أو منصوب، فالأحسن إتباعه

بالجر على اللفظ، ولك أن تراعيَ في الاتباع المحل، فترفع التابع إن كان المصدر مضافا إلى الفاعل، نحو: 286 - (... ... ... ... طَلَبَ المُعقبِ حقّه المظلومُ)

وينصب إن كان مضافا إلى المفعول، كقوله: 287 - قد كنت داينت بها حسّانا 288 - مخافة الإفلاس والَّليَّانا

إعمال اسم الفاعل

إعمال اسم الفاعل وهو ما دل على الحدث، والحدوث، وفاعلهِ، جاريا على فعله باطراد، فـ "ما دلّ [على الحدث": جنس يشمل المصدر، وما اشتق منه، وتقييده بالدلالة على الحدوث]: مخرج للمصدر والدلالة على الفاعل، مخرج للفعل، واسم المفعول، وجريانه على فعله باطراد: مخرج للصفة المشبهة، فإنها لا تطّرد، ألا ترى أن "فَعُلَ" -مثلا- يأتي الوصف منه تارة على "فَعَلٍ" كحَسَنٍ، وتارة على "فَعِلٍ" كنَجِسٍ، وتارة على "فَعِيلٍ" كجميل. (كفعله اسم فاعل في العمل ... إن كان عن مضيَّة بمعزِل) (وولي استفهاما أو حرف ندا ... أو نفيا أو جاصفة أو مسندا) اسم الفاعل يعمل عمل فعله الملاقي له في المصدر، فإن كان الفعل لازما: اقتصر اسم الفاعل على رفع فاعله، وإن كان متعديا إلى واحد أو اثنين أو إلى ثلاثة: جرى اسم الفاعل مجراه، نحو: "مررت برجل قائم أبوه، وبرجل ضارب أبوه عمرا، ومعط عمرا درهما، وظانّ زيدا منطلقا، ومعلمِ أخاك عمرا قائما"، ولا يعمل إلا بشرطين:

أحدهما: أن يكون بمعزل عن المضي، بأن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، نحو: "أنت ضارب زيدا الآن أو غدا" ولا حجة لمجيز إعماله بمعنى المضيّ في قوله: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ} [الكهف: 18] لأنه محمول على حكاية الحال، بدليل "ونُقَلبِهُم". الثاني: أن يعتمد على شيء واحد من الأشياء الخمسة التي ذكرها المصنف وهي: الاستفهام، نحو: "أمكرمٌ أنت زيدا؟ " أو النفي، نحو: "ما مكرم أبوك زيدا"، أو حرف النداء، نحو: "يا طالعا جبلا" ولا أعرف أحدا سبق المصنف إلى عد حرف النداء في مسوغات عمل اسم الفاعل، ولا وجه له

من جهة النظر، فإن حرف النداء من خصائص الاسم، فكيف يكون مقرِّبا من الفعل؟ وإنما ساغ "يا طالعا جبلا" لأنه صفة لمحذوف، تقديره: "يا رجلا طالعا"، أو كونه نعتا، نحو "مررت برجل ضارب أبوه زيدا" أو كونه مسندا إلى مبتدأ، نحو: "زيد ضارب أبوه عمرا". (وقد يكون نعتَ محذوفِ عُرِف ... فيستحق العملَ الذي وُصِف) أي قد يكون اسم الفاعل نعتا لموصوف محذوف، فيكفي اعتماده عليه، منه: 289 - (كناطحٍ صخرةً يوما ليقلعها ... ... ...)

تقديره: كوعل ناطح. (وإنْ يكن صلةَ "أل" ففي المضي ... وغيرِه إعمالُه قد ارتُضِى) إذا كان اسم الفاعل صلة للألف واللام، لم يشترط في إعماله كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، بل يعمل بمعناها، وبمعنى المضيّ أيضا، لأن صلة "أل" تغني عن الجملة الفعلية، ولازمة التأويل بها، فبعدت عن الاسمية. ("فعَّالٌ" أو "مفعال" أو "فعولُ" ... في كثرةٍ عن فاعلٍ بديلُ) (فيستحقّ ما له من عمل ... وفي "فَعيل" قلّ ذا و"فَعِلِ") يحولّ اسم الفاعل إلى أبنية المبالغة، فيبقى على عمل اسم الفاعل في

ثلاثة منها بكثرة وهي: "فَعَّال" كقوله: 290 - (أخا الحرب لَبَّاسًا إليها لباسها ... ... ... ...) و"مِفعال" كقولهم: "إنه لمنحار بَوائِكَها"، و"فَعُول" كقوله:

291 - (ضَرُوبٌ بِنَصْلِ السيفِ سُوقَ سِمانِها ... ... ... ...) وفي اثنين منها بقلِّة، وهما: "فَعيل" كقولهم: "إن الله سميع دعاءَ من

دعاه" و"فَعِل" كقوله: 292 - (حَذِرٌ أمورًا لا تَضير وآمنٌ ... ما ليس منجيه من الأقدار) (وما سوى المفرد مثلَه جُعِل ... في الحكم والشروط حيثما عمل) إذا ثنيّ اسم الفاعل أو جمل لم يخرجه ذلك عن جواز إعماله، بل يكون حكمه في العمل حكم المفرد، فيعمل بالشروط المذكورة في المفرد، نحو: "ما هما ضاريين زيدا"، ولا فرق في الجمع بين أن يكون لمذكر أو لمؤنث، جمعَ تصحيح، أو جمعَ تكسير، نحو: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ} [الأحزاب: 35] و {هَلْ هُنَّ

كاشفات ضره} و {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} [القمر: 7] وقوله: 293 - (ممَن حَمَلْنَ به وُهنَّ عَواقِدٌ ... حُبُكَ النِّطاق فشَبَّ غيرَ مهبلَّ) ومنه في أبنية المبالغة:

294 - (أتاني أنهم مَزِقُونَ عِرْضي ... ... ... ...) وقوله: 295 - (ثم زادوا أنهم في قومهم ... غُفُرٌ ذنُبهم غيرُ فُجُر)

(وانصب بذي الإعمالِ تلوًا واخفض ... وهو لنصْبِ ما سواه مقتضي) ما صَلَح للإعمال من أسماء الفاعلين لاستيفائه الشروط، فلك أن تنصب به مفعوله، ولك أن تخفضه بإضافته إليه، نحو: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} [الزمر: 38] و {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} [الزمر: 38] و {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 3] و {بَالِغُ أَمْرِهِ} فإن تعدى الفعل إلى اثنين، فأضيف اسم الفاعل إلى أحدهما، وجب نصب الثاني، نحو: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96]، أما ما لا يجوز إعماله لعدم استيفاء شروطه، فإنه يجب إضافته إلى معموله. (واجرر أو انصب تابع الذي انخفض ... كمتغى جاه ومالاً مَن نَهَض) إذا عطفت "على" ما أضيف إليه اسم الفاعل مع صلاحيته للعمل

فيه، فالأعرف جر المعطوف اتباعا للفظ المعطوف عليه، نحو: "هذا ضاربُ زيدٍ وعمروٍ" ويجوز نصبه، نحو: "أنت مبتغى جاهٍ ومالا" ثم هل النصب عطفا على المحل أو يعامل مقدر؟ على قولين، وإذا قدر عامل، فهل يقدر فعلا -لأنه الأصل في العمل- أو وصفا منونا - لأجل المطابقة؟ - على قولين. (وكلُّ ما قُرَّر لاسم فاعل ... يُعطى "اسمَ مفعولٍ" بلا تفاضل) (فهْو كفعلٍ صِيغَ للمفعول في ... معناه، كالمُعْطى كفافا يكتفى) اسم المفعول هو: ما دل على الحدث ومفعوله، فبقيد الدلالة على المفعول، خرج المصدر، وكل ما اشتق منه، سوى اسم المفعول، ويعمل

بالشروط المقررة لاسم الفاعل، من الاعتماد على ما ذكر، وكونه بمعنى الحال أو الاستقبال، إن لم يكن صلة لـ"أل"، ومطلقا إن كان صلة لها، ويجرى مثله في الأحكام السابقة، فيعمل غير المفرد منه مثل المفرد، ويجوز جرّ معموله بإضافته إليه مع استيفاء الشروط، إلاّ أنه في العمل بمنزلة فعل صيغ للمفعول، فإن كان متعديا إلى واحد اقتصر عليه، نائبا عن فاعل، نحو: "مررت برجل مضروبٍ غلمانُه"، قال تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} [هود: 103] وإن تعدى إلى اثنين عمل في الأول منهما الرفع لنيابته عن الفاعل، وبقي الثاني على نصبه، نحو: "هذا المُعْطَى كفافا"، النائب عن الفاعل مستتر، تقديره: "المعطى هو". (وقد يضاف ذا إلى اسمٍ مرتفع ... معنى، كمحمودُ المقاصدِ الورَعِ) يختص اسم المفعول بجواز إضافته إلى اسم هو مرتفع به في المعنى، وذلك بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير راجع إلى الموصوف، ونصبه على التشبيه بالمفعول به، نحو: "زيدٌ محمودُ المقاصدِ، ومروّعُ القلبِ"، والأصل فيهما: محمودٌ مقاصدهُ، مروّعٌ قلبُه، ثم قيل: محمودٌ المقاصدَ ومروّعٌ القلبَ، ثم أضيف.

أبنية المصادر

أبنية المصادر أبنية المصادر موضوعه عليها بطريق الأصالة، لا محوّلة عن غيرها، لما تقرر من أن المصدر أصل للفعل، وفرعه. (فَعْلٌ قياسُ مصدرِ المُعَدَّى ... من ذي ثلاثة، كردّ ردّا) الفعل الثلاثي مصادره كثرة، ولم يطرد منها شيء، ولكن غلب في بعضها أبنيةٌ أشار المصنف إليها، ومراده بالقياس: قياس الغلبة، لا قياس الاطراد، فمن ذلك "فَعْل" مفتوح الفاء، ساكن العين، ويغلب في المتعدى منها، سواء كان على "فَعَلَ" وهو الأكثر، كـ"أكل أكلا" و"ضرب ضربا" و"ردّ ردّا"، أو على "فَعِلَ" كـ"فهم فهما" و"شم شما"، "إذ أصله: شَمِمَ" وجاء مصدر الأول على "فِعْل" كـ"ذِكْر" وعلى "فُعْل" كـ"شُكْر" وعلى "فعلان" -بتثليث فائه- كـ"شكران" و"عِرفان" و"لَيَّان"، وغيرها، ومن مصادر الثاني "فِعْل" كـ"عِلْم" وبضم الفاء، كـ"شُرْب" وفَعُول كـ"قبول" وبضم الفاء، كـ"رُكوب"، ومنها "كراهية، وسآمة". (وفَعِلَ اللازمُ بابه "فَعَل" ... كـ"فَرَحٍ" وكـ"جَوىَ" وكشَلَل)

يغلب مجيء الثلاثي المفتوح الفاء [المكسور العين على "فعل" بفتحهما، كـ"فَرِح فَرَحًا" و"جَوِيَ جَوىً" -إذا آلمه الحُبُّ-، و"شَلَّت يده شللا" إذْ أصله: "شَلِلَتْ"، وجاء من مصادره على غير ذلك: "شِبَع" و"ندامة" و"حُزْن" و"هُزال" و"رَغب" و"رغبة" و"رهبوت". (و"فَعَلَ" اللازُم مثلُ "قَعَدا" ... له "فُعُول" باطرادٍ، كغدا) إذا كان الثلاثي اللازم مفتوح الفاء] والعين، غلب على مصدره "الفُعُول" كـ"القعود" و"الغدوّ" و"الجلوس" و"الدُّخول" و"الخُروج". (ما لم يكن مستوجبا "فِعالا" ... أو "فَعَلانًا" فادر، أو فُعالا) (فأوّلٌ لذى امتناع، كـ"أَبَى" ... والثّانِ للذي اقتضى تَقَلُّبَا) (للدا "فُعال" أو لِصوتِ، وشَمَل ... سيرا، وصوتًا، "الفعيلُ: كـ"صَهَل")

خرج عن مستحق "الفُعُول" أربعة مصادر. الأول: ما استحق "فِعالا"، وهو: ما دل فعله على امتناع، كـ"أبى إباءً"، و"أَبَقَ إباقا" و"نَفَرَ نِفارا" وليس "الفِعال" فيه بلازم، لمجيء "النُّفور" و"الجِماح". الثاني: ما استحق "فَعَلانا" وهو: ما دلَّ فعله على تقلّب، كـ"غَلَى غَلَيانا" و"نَزَا نزوانا" و"جال جولانا" وليس بلازم فيه أيضا، لمجيء "العَدْو" و"الهُيام" و"الطَّواف". الثالث: ما استحق "فُعَالا" وهو شيئان: أحدهما: ما دلّ على داءٍ، كـ"السُّعال" و"الزُّكام" و"المُشاء" -وهو جريان البطن-. وثانيهما: ما دلّ على صوت، كـ"البُكاءِ" و"الصُّراخ" و"النُّباح" وليس بلازم فيه لمجيء "الفعيل" منه. الرابع: ما استحق "فَعِيلا" وهو أيضا شيئان: أحدهما: ما دلّ على سير، كـ"الرَّحِيل" و"الذمِيل" وليس بلازم فيه لمجيء "الرَّمَل" و"الوَخْد".

وثانيهما: ما دلّ على صوت، كـ"العجيج"، و"الضجيج" ومما غلب من مصادر "فَعَلَ" اللازم: "فَعْل" لما كان فعله معتل العين، نحو: "صام صوما، ونام نوما، وسار سيرا" وليس بلازم لمجيء "الغَيْبة" و"القِيام" و"عَوَر العين". ("فُعُوَلَة" "فَعالَةٌ" لـ"فَعُلا" ... كـ"سَهُل الأمُر" و"زَيْدٌ جَزُلا") ما كان من الثلاثي على "فَعُل" بفتح الفاء، وضم العين -فالغالب في مصدره "الفُعُولة" كالسُّهُولَة، والعُذُوبة، والمُلُوحة، و"الفَعَالة" كالجَزالة والبلاغة، والفصاحة، وجاء من مصادره على غير ذلك "الحُسْن" و"الجَمَال" و"الغِلَظ"، وذكر ابن عصفور أن "الفُعْل" منه قياس كالقُبْح، والجُبْن. (وما أَتى مخالفا لما مَضَى ... فبابُه النَّقْلُ كـ"سُخْطِ" و"رِضَى") قياس "السُّخْط" سَخَط -بفتح الفاء والعين- وهي لغة فيه، لأنه مصدر "فَعِل" اللازم، كـ"فَرِح" وكذلك "رِضىَّ" لأنه مصدر "رضِىَ" وقد تقدم عد جملة مما خرج عن القياس، ومنها: "حَكَم حُكْما" و"جَحَد جحودا" و"شبَّ شَبيبة" و"شاخ شَيْخُوخة" و"سأَل سُؤالا، ومَسْأَلَةً". (وغير ذي ثلاثةٍ مَقِيسُ ... مصدرِهِ كـ"قُدِّس التَّقدِيس") (وَزِكة تَزْكِيَة وأَجْمِلا ... إجْمالَ مَن تَجَمُّلا تَجَمَّلا) (واستَعِذِ استِعَاذَةً ثم أَقِمْ ... إِقامةً، وغالبا ذا التا لَزِم) كل فعل زاد على ثلاثة أحرف فله مصدر مقيس، وقد اشتمل النظم على خمسة من الأفعال المجاوزة لثلاثة.

الأول: "فَعَّل" وينقسم إلى: صحيح كـ"قدَّس" و"قَطع" و"فَهَّم" فمصدره: "التَّفْعِيل" وإلى معتل، كـ"زَكى" و"وَلى" و"وَفى" فمصدره: "تَفْعِلَه". الثاني: "أفعل" -صحيح العين- وقياس مصدره "الإفْعَال" كـ"الإجمال" و"الإعطاء" و"الإكرام". الثالث: "تفعل" وما كان على وزنة، من "تفعلل" و"تفعيل" و"تمفعل" وقياس مصدره أن يترك على حاله، ويضم رابعه، كـ"تجملا" و"تدحرجا" و"تشيطنا" و"تمسكنا". الرابع: "استفعل" -معتل العين- كـ"استعاذ" و"استقام" و"استزاد" فيطرد فيها "استعاذة" و"استقامة" و"استزادة" وأصلها "استفعال" مثل مصدر الصحيح العين منه، كـ"الاستخراج" فأصل "استعاذة" "استعواذا" نقلت حركة "العين" إلى الساكن قبلها، ثم قبلت ألفا لانفتاح ما قبلها، مع أصالة حركتها، ثم حذفت ألف الاستفعال [لملاقتها مثلها] وعوض منها "تاء التأنيث" فوزته "استفعله" الخامس: "أفعل" -المعتل العين- كـ"أقام" و"أعان" فقياس المصدر فيه "إقامة" و"إعانة" وأصلهما "إفعال" كمصدر الصحيح العين منه،

وعمل فيه كما عمل في الذي قبله، فوزنه "إفعله" وتلزمه "التاء" غالبا، كما مثل، وقد تحذف، كقوله تعالى: {وَإِقَامَ الصَّلاةِ} [الأنبياء: 73] ولا حاجة إلى تأويل من جعل حذف "التاء" لأجل الإضافة، مثل الحذف في: 296 - (... ... ... ... وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا) إلا أنه قد سمع من كلامهم: "أراه إراءً" وأجاب إجابًا". (وما يلى الآخر مد وافتحا ... مع كسر تلو الثان مما افتتحا) (بهمز وصل كـ"اصطفى" وضم ما ... يربع، في أمثال: "قد تلملما") قياس المصدر مما افتتح بهمزة الوصل من الأفعال، نحو: "انطلق" و"اقتدر"

و"استخرج" أن يكسر تلو الثاني منه، وهو ثالثه، ويمد ما قبل آخره، بزيادة ألف عليه، فيصير مصدرا، نحو: "اقتدرا" و"انطلاقا" و"استخراجا" فإن كان معتلاً، كـ"اصطفى" و"انطوى" و"استلقى" مُدت الألف التي في آخره، من أجل اجتماعها مع الألف المزيدة، وقياس مصدر "تفعلل" كـ"تدحرج" و"تلملم" أن يضم رابعه، فيصير مصدرا كما سبق. ("فعلال" أو "فعللة" لـ"فعللا" ... واجعل مقيسا ثانيا لا أولا) قياس مصدر "فعلل" "فعللة" كـ"دحرج" "دحرةجة" و"دمدمة"، و"دكدكة"، وجاء مصدره على "فعلال" -بكسر أوله- كـ"زلزال" و"سرهاف"، وليسا بمقيسين، وذكر بعضهم أن المضاعف منه مقيس، كـ"الزلزال" ويختص بجواز فتحه، والأعرف أن يراد بالمفتوح منه اسم الفاعل، نحو:

{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} [الناس: 4] {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ} [الحجر: 26]. (ل"فاعل الفعال والمفاعله ... وغير ما مر السماع عادله) قياس مصدر "فاعل" إما "فعال" كـ"الضِّراب" و"القِتال" و"الخِصام" و"الجِدال"، وإما "مفاعلة" كـ"المضاربة" و"المقاتلة"، ولا يجيء الأول في ما "فاؤه" ياء، كـ"ياسر" و"يامن" إلا شذوذًا، كقولهم: "ياومه يواما" إذا هاياه حقه بالأيام. وغير ما تقدم من مصادر الأوزان المذكورة فيقتصر فيه على السماع، ولا يقاس. على الوارد منه، فمنه "كذب كذابا" و"نزا تنزيا" و"أجمل تجمالا" و"تجبر جبروتا" و"تكر كبرياء" و"ترامى القوم رميا" و"قهقر قهقرى" و"قرفص قرفصاء" و"حوقل

حيقالا" واقشعر قشعريرة (و"فعلة" لمرة كـ"جلسة" ... و"فعلة" لهيئة كـ"جلسة") يبنى من مصادر الفعل الثلاثي "فعلة" فتدل على المرة -بفتح أوله- كـ"جلسة" و"أكلة" و"ركبة" فإن كان بناء المصدر عليها، كـ"رحمهة" قيل في دلالتها على المرة "رحمة واحدة" ويدل فيها على "الهيئة" بكسر أوله، كـ"الجلسة" و"الركبة" و"القبلة"، فإن كان بناء المصدر عليها أتي -عند إدارة الهيئة- بالوصف، نحو: "نشد الضالة نشدة عظيمة". (في غير ذي الثلاث بالتا المره ... وشد فيه هيئة كالخمره) إذا أريد بالمصدر من غير الثلاثي الدلالة على المرة زيد عليه "تاء التأنيث"، نحو: "سبح تسبيحه" و "أفرغ إفراغة" و "استخرج استخراجة" و "انطلق انطلاقة"، فإن كان المصدر مختتما بالياء، دل على المرة منه بالوصف، كـ"تزكية واحدة" [وإقامة واحدة] و "استعانة واحدة" و "مخاصمة [واحدة] "، ولا تستعمل الهيئة من غير الثلاثي إلا شذ وذا، كـ "خمرة المرأة ونقبتها" و "عمة الرجل وقمصتهما".

أبنية أسماء الفاعلين والصفات المشبهة بها

أبنية أسماء الفاعلين والصفات المشبهة بها تختلف أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين باختلاف عدد حروف الفعل، وهو الأكثر كما يأتي، وقد تختلف صيغته، أو معناه، نحو: "حسن" و"سعيد" و"فرح"، ونحوها مما دل على الفاعل، و"قتيل" و"نهب" و"قنص" ونحوها، مما دل على المفعول، فيكون "صفة مشبهة". (كفاعلٍ صغ اسم فاعل إذا ... من ذي ثلاثةٍ يكون، كـ"غذا") اسم الفاعل من الثلاثي المجرد، المفتوح العين، يطرد فيه صيغة "فاعل" سواء كان لازما كـ"قعد" أو متعديا كـ"ضرب"، وتمثيل المصنف يحتملهما، فإنك تقول: "غذى ولده بالطعام" و "غذى الجرح" إذا سال منه الدم. (وهو قليل في "فعلت" و"فعل" ... غيرى معدى، بل قياسه "فعل") (و"أفعل فعلان" نحو: أشر ... ونحو: "صديان" ونحو: "الأجهر") يقل مجيء اسم الوصف الدال على الفاعل، بوزن "فاعل" من "فعل" المضموم العين، ولا يكون إلا لازما، وفي "فعل" المنكسر العين، إن كان لازما، فمن الأول: "طاهر" و"ناعم"

-من نعم-[وحالك -من حلك-]، ومن الثاني: "سالم" و"عاطب" و"نادم" و"ضامر" وهو أكثر من الذي قبله. وقياس "فعل" اللازم ثلاثة أبنية. أحدهما: "فعل" نحو: فرح، [ونعم، ونهم] وجشع، وأشر، وبطر. الثاني: "أفعل" ويغلب في العاهات، كأجهر، وأعور، وأخرس، ولا يختص بها، لمجيء: أكحل، وأدعج. الثالث: "فعلان" -مثلث الفاء- كصديان، وسكران، وشعبان، وجوعان، وعريان، ومما شذ فيه: "مريض" و"كهل".

أما المتعدى منه فالوصف منه على "فاعل" -كالمفتوح العين- نحو: عالم، وراحم، وشارب. (و"فعل" أولى، و"فعيل" بـ"فعل" ... كالضخم، والجميل، والفعل جمل) الأكثر في وصف "فعل" المضموم العين، إما "فعل" كضخم، وعذب، وسهل، وصعب، وإما "فعيل" كجميل، وشريف، وظريف، وكريم. (و"أفعل" فيه قليل، و"فعل" ... ويسوى "الفاعل" قد يغني "فعل") يقل في وصف "فعل" [المضموم العين] "أفعل" نحو: "علم فهو أعلم" و"خطب" فهو أخطب -إذا احمل لونه في كدرة-، ويقل فيه أيضا "فعل" كحسن، وبطل، وممل قل منه "فعال" -بفتح الفاء وضمها- كجبان، وشجاع، و"فعل" كجنب، وقد يأتي الوصف منه على غير زنة "فاعل" نحو: سيد، وشيخ، وخفيف، وأشيب، وكل هذه الصفات مشبهة إلا فاعلا.

(وزنة المضارع اسم فاعل ... من غير ذي الثلاث كالمواصل) (مع كسر متلو الأخير مطلقا ... وضم ميم زائد قد سبقا) بنية اسم الفاعل من غير الثلاثي بزنة المضارع منه، في عدد الحرف والحركات، إلا أنك تضم أوله، وتكسر ما قبل آخره مطلقا، أي سواء كان مكسورا في المضارع، نحو: مكرم، ومنطلق، ومقتدر، ومواصل، ومستخرج، أو مفتوحا كمتعلم [والله أعلم]. (وإن فتحت منه ما كان انكسر ... صار اسم مفعول كمثل المنتظر) بنية اسم المفعول من غير الثلاثي كبنية اسم الفاعل، إلا أنك تفتح ما قبل آخره، كمنتظر، ومستخرج، ومحبوب، من "حب" الثلاثي لا من "أحب". (وفي اسم مفعول الثلاثي اطرد ... زنة "مفعول" كآت من قصد) قياس اسم المفعول من الثلاثي: "مفعول" سواء كان متعديا كـ"قصده فهو مقصود" أو لازما، كـ"رغب عنه" فهو مرغوب عنه، وسواء كان قياس اسم الفاعل منه على "فاعل كما مثل، أو على غيره، كـ"مفروح به" و"محزون عليه". ونحو: مقول، ومبيع، ومرمي، على القياس، إلا أن الأول نقلت حركة واوه إلى ما قبلها، ثم حذفت لملاقاتها الساكن بعدها، والثاني

كذلك، إلا أنه حذفت منه الواو، والثالث أدغمت الواو منه في الباء. (وناب نقلا عنه ذو "فعيل" ... نحو: فتاة أو فتى كحيل) ينوب "فعيل" عن مفعول" في مجيئة دالا على اسم المفعول من الثلاثي، نحو: قتيل، وجريح، ودهين، وكحيل، ويجرى على المؤنث كما يجرى على المذكر بغير هاء، نحو: "فتاة كحيل، وفتى كحيل" إلا أنه يقتصر في الوارد منه على السماع، ولا يقاس، وقد ينوب "فعيل" عن "فاعل" كرحيم، وعليم، وعن "مفعل" كقوله: 297 - (أمن ريحانة الداعي السميع ... ... ... ...) وعن "مفعل" كعقيد من أعقدت العسل.

الصفة المشبهة باسم الفاعل

الصفة المشبهة باسم الفاعل وهي كل بنية تقدمت في اسم فاعل الثلاثي، إلا فاعلا، وفاعل ومفعول إذا أضيفا إلى ما هو مرفوع في المعنى، كطاهر القلب، ومحمود المقاصد، وزنتها من غير الثلاثي نحو: مستقيم العمل، ومعتدل القامة، ومنطلق البطن. (صفة استحسن جر فاعل ... معنى بها المشبهة اسم الفاعل) تعرف الصفة المشبهة بأن يحسن إضافتها إلى ما هو فاعل في المعنى بعد تقدير تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها، فالأصل في "حسن الوجه": "حسن وجهه" ثم قدر تحويل الإسناد إلى الموصوف، فقيل: "زيد حسن الوجه" بإسناد "الحسن" إلى ضمير زيد، ونصب "الوجه" على التشبيه بالمفعول به، ثم أضيف، والذي أوجب لهم ذلك أمران. أحدهما: الفرار من إضافة الشيء إلى نفسه، إذ الموصوف والصفة شيء واحد. الثاني: أن العرب تؤنث الصفة في نحو: "هند كريمة الأب" فدل على أن الصفة مسندة إلى ضمير "هند"، وصح إسناد "الحسن" المختص بالوجه، إلى جملة "زيد: مجازا، فلو امتنع جر الفاعل المعنى بالصفة لخوف اللبس، نحو: "ضارب الأب" أو لم يستحسن، نحو: "كاتب الأب" لم يكن من هذا الباب، إذ الأول ممتنع لإلباسه الإضافة إلى المفعول، والثاني لا لبس فيه، إلا

فيه، إلا أنه غير مستحسن، لما تقدم من تقدير تحويل الإسناد إلى الموصوف، ولا يصح ذلك فيه، لأن من كتب أبوه لا يحسن إسناده وصف الكتابة إليه، إلا لمجاز بعيد، فعلم أن حسن الإضافة إلى الفاعل موقوف على النظر في المعنى، لا على معرفة كونها صفة مشبهة؛ فلا دور. (وصوغها من لازم لحاضر ... كطاهر القلب، جميل الظاهر) صيغة هذه الصفة مفارقة لصيغة اسم الفاعل في حكمين: أحدهما: أنها لا تصاغ -ما- إلا من اللازم، كصوغ "طاهر" من طهر و"جميل" من جمل، و"حسن" من حسن، فأما "رحيم" و"عليم" فمقصور على السماع، كما سبق. الثاني: أنها لا تكون إلا للزمان الحاضر، الدائم، دون الماضي الذي انقطع، والمستقبل الذي لم يأت، وتفارقه أيضا في عدم الجريان على لفظ المضارع، في الحركات والسكنات وعدد الحروف، إلا ما استثنى من كسر ما قبل الآخر، في غير الثلاثي للفرق بينه وبين اسم المفعول. (وعمل اسم فاعل المعدى ... لها على الحد الذي قد حد)

تعمل هذه الصفة عمل اسم الفاعل المتعدى إلى واحد، فترفع فاعلا، وتنصب اسما على التشبيه بالمفعول به، مع كون أصلها لا يكون إلا لازما. (وسبق ما تعمل فيه مجتنب ... وكونه ذا سببية وجب) إعمال هذه الصفة يخالف اسم الفاعل في حكمين: أحدهما: أنه لا يجوز تقديم معمولها عليها، فلا يقال: "رأيت رجلا الوجه حسنًا" بخلاف اسم الفاعل فإن تقديم معموله عليه جائز، نحو: "زيدا أنا الضارب". الثاني: أن معمولها لا يكون إلا سببيا، ومعناه: أن يتصل به رابط يربطه بالموصوف، إما ضمير ظاهر، نحو: "مررت بالرجل الحسن الوجه" على قول من قدره "منه"، والصحيح أن "أل" خلف من الضمير، وأما نحو:

"الحسن وجها" فمنصوب على التمييز، والتمييز ينتصب عن الأسماء الجامدة، كما سبق، والمشروط فيه السببية إنما هو معمولها الذي اقتضته بحق الشبه باسم الفاعل، ولذلك كان إيراد نحو: "زيد بك فرح" فاسدا، لأن العامل في الجار والمجرور إنما هو معنى الفعل، لا الشبه باسم الفاعل. (فارفع بها وانصب وجر مع "أل" ... ودون "أل" مصحوب "أل" وما اتصل) (بها مضافا أو مجردا ولا ... وتجرر بها مع "أل" سما من "أل" خلا) (ومن إضافة لتاليها وما ... لم يخل فهو بالجواز وسما) عمل هذه الصفة إما رفع على الفاعلية، وإما نصب على التشبيه بالمفعول به، إن كان المعمول معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة وإما جر

على الإضافة. والصفة في كل واحد من الأحوال الثلاثة إما متلبسة بـ"أل" وإما خالية منها. فإذا ضربت حالي الصفة في إعراب المفعول، كانت ست صور، ثم الستة: المعمول فيها إما مصاحب ل"أل" كـ"الوجه"، وإما متصل بالصفة مضاف سواء أضيف إلى الضمير، كـ"وجهه" أو إلى ما فيه "أل" كـ"وجه الأب" أو إلى مجرد كـ"وجه أبٍ" وإما مجرد، كـ"وجه" فهذه خمسة أحوال إذا ضربتها في الصور الستة كانت ثلاثين، ولا حاجة إلى رفعها إلى ستة وثلاثين، بأن يذكر في أقسام المضاف ما أضيف إلى مضاف إلى الضمير [نحو: "وجه أبيه] لأن وِزانه المضاف إلى ما أضيف إلى المتلبس بـ"أل" نحو: "وجه غلام الأب" ويتسلسل الحال فيهما إلى نحو: "وجه جارية أبيه" و "وجه غلام زوجة الأب" فتتسع الصور مع أن المقتضى للعمل في ذلك كله حصول الربط بالضمير، أو بـ"أل" سواء كانت الإضافة إلى المتلبس بها، أو إلى ما أضيف إليه، وإن تسلسل، فاعرفه. والصور كلها جائزة إلا ما استثناه المصنف -في الجر- من إضافة المتلبس ب"أل" إلى مجرد منها، ومن الإضافة لتاليها، ويشمل ذلك: ثلاث صور: "الحسن وجه" و "الحسن وجهه" و "الحسن وجه أبٍ" فإنها ممتنعة لما تقرر في باب الإضافة.

التعجب

التعجب للتعجب صيغ كثيرة تدل عليه، نحو: "لله دره" و "ويل أمه مسعر حربٍ" و"يا له رجلا"، و (سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس) و {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28] و "مثلك يفعل كذا!! " و"أي رجلٍ فلان" و "ما رأيت كاليوم، ولا جلد مخبأةٍ"، و"ما أحسن زيدا" و"أكرم بعمرو"، وهما المبوب عليهما. (بـ"أفعل" انطق بعد "ما" تعجبا ... أو جيء بـ"أفعل" قبل مجرور بـ"با") من أمثلة الأول: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: 175] فـ"ما" نكرة تامة،

ومحلها رفع بالابتداء، وما بعدها في محل الخير، وسوغ الابتداء بها تضمنها معنى التعجب، كما سبق؛ و"أفعل" فعل للزوم نون الوقاية إياه، قبل ياء المتكلم، نحو: "ما أحوجني إلى عفو الله"، وتصغيره في نحو: 298 - (يا ما أميلح غزلانًا شدن لنا ... ... ... ...)

شاذ، فلا يعارض ما اطرد، و"الهمزة" فيه للتعدية. ومن أمثلة الثاني: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] ولا خلاف في فعليته، ولفظه وإن كان طلبا، فمعناه الخبر، واختلف في فاعله، فقيل: ضمير الحسن،

وقيل: ضمير المخاطب، وإنما لزم الإفراد لجريانه مجرى المثل، وقيل: فاعله المجرور، والياء زائدة، إذ أصله فعل ماض بصيغة "أفعل" أي: صار ذا كذا، كأعشب المكان، ثم غيرت الصيغة، فقبح إسناد صيغة الأمر إلى اسم ظاهر، فزيدت الباء في الفاعل ليصير على هيئة المفعول به، في "مررت بزيد" ولذلك لزمت، بخلاف في: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28] إلا أنها تحذف مع "أنْ" و"أنّ" كقوله: 299 - (... ... ... ... وأحبب إلينا أن تكون المقدما) (وتلو "أفعل" انصبنه كـ"ما" ... أوفى خليلينا و"أصدق بهما") ما بعد "أفعل" في قولك: "ما أحسن زيدًا" ونحوه، منصوب، لأنه مفعول

به، والفاعل ضمير واجب الاستتار، يعود على "ما". (وحذف ما منه تعجبت استبح ... إن كان -عند الحذف- معناه يضح) يجوز حذف المتعجب منه إذا علم، إما بدليل لفظي، نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] وإما بدونه، وأكثر ما يكون في "ما أفعل" كقوله: 300 - (جزى الله عنا بختريا ورهطه ... بنى عبد عمروٍ ما أعف وأكرما) ومنه في: "أفعل" قوله: 301 - (فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدًا، وإن يستغن يومًا فأجدر

(وفي كلا الفعلين قدما لزما ... منع تصرف بحكم حتما) كل من فعل التعجب ممنوع التصرف، فالأول -في الماضي- كتبارك، وعسى، والثاني -في الأمر- كتعلم، بمعنى: اعلم. وقيل إن علة جمودهما تضمنهما معنى الحرف الذي كان حقه أن يوضع للتعجب. (وصغهما من ذي ثلاثٍ صرفا ... قابل فضلٍ، تم غير ذي انتفا) (وغير ذي وصفٍ يضاهى أشهلا ... وغير سالكٍ سبيل فعلا) لا يبنى فعل التعجب إلا مما اجتمعت فيه ثمانية شروط: أحدها: أن يكون فعلا، فلا يبنى من غير فعل، وقول العامة: "ما أحمره" -من لفظ الحمار- خطأ، إذ لا فعل له.

الثاني: أن يكون ثلاثيا، وقول الفقهاء: "ما اخصره" -من اختصر- لا يعرف له سماع. الثالث: أن يكون متصرفا، فلا يبنى من "نعم، وبئس" وما جرى مجراهما في عدم التصرف. الرابع: أن يكون معناه قابلا للتفاضل، فلا يبنى من نحو: "ذهب" و"مات"

العامة: "ما أموته! " خطأ. الخامس: أن يكون تاما، فلا يبنى من نحو: "كان" و"صار" و"كاد" وقولهم: "ما أصبح أبردها! " و"ما أمسى أدفأها! " التعجب داخل على: "أبرد" و"أدفأ" و"أصبح" و"أمسى" زائدتان. السادس: أن يكون غير منفي، فلو كان لازم الاستعمال في النفي، نحو: "ما عجت بالدواء" بمعنى: ما انتفعت به، أو عرض له النفي، نحو: "ما قام زيد" لم يبن منه فعل التعجب. السابع: أن لا يكون الوصف منه على أفعل، فلا يبنى من نحو:

"عرج" و"عور" و"شهل" وقول العامة: "ما أشقره! " خطأ، وسمع: "ما أسمره! " -من السمر- و"ما أبيض الحمامة" -من البيض- و"ما أسود الرجل" -من السؤدد-. الثامن: أن لا يكون مبنيا للمفعول، كـ"عُني بحاجتك" و"زُهي علينا" أو عرض له ذلك، كـ"ضرب زيد" لم يبن منه فعل التعجب، وقول العامة: "ما أزهاه" خطأ. وقد سمع من العرب أشياء لم تستوف الشروط، فمما فات فيه شرط الفعلية قوله: 302 - (أخلق بذى الصبر أن يحظى بحاجته ... ... ... ...) فلا يعرف له فعل، وإنما جاء منه الاسم، نحو: "هو خليق بكذا" ومما فات فيه الشرط الثاني قولهم: "ما أتقاه! " و"ما أملأ القربة" لأنهما من:

"اتقى" و"امتلأت"، وكثر ذلك في ما كان من الرباعي على "أفعل" نحو: "ما أظلم الليل" و"ما أقفر هذا المكان" و"ما أعطاه للدراهم" و"ما أولاه للمعروف" وزعم بعضهم أن "أفعل" -في بناء فعل التعجب منه- كالثلاثي، وقيل يختص الجواز فيه بما كانت همزته لغير النقل، فلا شذوذ في المثالين الأولين على هذا القول، بخلاف الآخرين، ومما فقد فيه الشرط الثالث "أعس به" [حكاه اللحياني]. (وأشدد أو أشد أو شبههما ... يخلف ما بعض الشروط عدما) (ومصدر العادم بعد ينتصب ... وبعد "أفعل" جره بالبا يجب) إذا أريد التعجب من فعل لم تكتمل شروط بناء فعل التعجب منه، أقيم مقامه "أشدد" قبل مجرور بـ"باء" أو "أشد" بعد "ما" أو ما أشبههما من "أكثر" و"أحسن" و"أعجب" ونحوها، ثم يؤتى بمصدر الفعل الذي امتنع بناء فعل التعجب منه مضافا إلى المتعجب منه منصوبا بعد "ما أفعل" ومجرورا بعد "أفعل" نحو: "ما أشد انطلاقه" و ["أشدد بانطلاقه"] و"ما أسرع فناءه"

و"أسرع بفنائه"، و"ما أكثر كونه منطلق" و"أكثر بكونه منطلقا". فإن لم يكن للفعل مصدر أٌتي بفعله مع حرفٍ مصدري، نحو: "ما أكثر ما عُنيت بحاجتي" و "ما أكثر إن كاد زيدٌ يقوم". (وبالندور أحكم لغير ما ذكر ... ولا تقس على الذي منه أثر) (وفعل هذا الباب لن يقدما ... معموله، ووصله به الزما) وفصله بظرفٍ أو بحرف جر ... مستعمل، والخلف في ذاك استقر) قد تقدم أن فعل التعجب غير متصرف في نفسه، فلذلك لا يتصرف في معموله، فلا يجوز تقديمه عليه، فلا تقول: "ما زيدًا أحسن!! " ولا "بزيدٍ أحسن" ووصله به لازم، فلا يفصل بينهما بغير الظرف والجار والمجرور، فلا يقال "ما أحسن -لولا البخل- زيدًا" ولا "أحسن -يا أخي- بزيدٍ"،

وأما الفصل بالظرف والجار والمجرور فمستعمل، فمن كلامهم: "ما أحسن بالرجل أن يصدق وما أقبح به أن يكذب"، ومنه: 303 - (... ... ... ... وأحر -إذا حالت- بأن أتحولا) وقوله: 304 - (... ... ... ... وأحبب إلينا أن تكون المقدما ولذلك صحح المصنف جوازه، موافقة للفراء، والفارسي مع مخالفة أكثر البصريين. واعلم أن محل الخلاف ما إذا كان الظرف أو الجار والمجرور معمولين لفعل التعجب، فإن كانا متعلقين بمعمول الفعل امتنع الفصل بهما اتفاقا، فلا يقال: "ما أحسن في المسجد اعتكافك" ولا "أحسن عند زيد بجلوسك".

نعم وبئس وما جرى مجراهما

نعم وبئس وما جرى مجراهما الأصل في "نعم" و"بئس": [نعم وبئس،]-بفتح الفاء، وكسر العين- ثم نقلت حركة العين إلى الفاء، بعد إلقاء حركتها، وقد يأتيان على الأصل، وقد تحذف حركة العين، وتترك حركة الفاء على حالها، وقد تتبع حركة الفاء لحركة العين، واللغات الأربع جاريات في كل ثلاثي أوله مفتوح، وثانيه حلقي مكسور، كـ"شهد" في الأفعال، و"فخذ" في الأسماء: (فعلان غير متصرفين ... "نعم" و"بئس" رافعان اسمين) (مقارني "أل" أو مضافين لما ... قارنها، كـ"نعم عقبى الكرما") الدليل على فعلية "نعم" و"بئس" دخول تاء التأنيث عليهما في نحو:

"فبها ونعمت" ونحوه مشهور في اللسان، ولا دليل للكوفيين على اسميتهما باتصالهما بحرف الجر في نحو: "بئس السير على بئس العير" و "ما هي بنعم الولد" لتأوله بدخول حرف الجر على موصوف محذوف، تقديره: "على عير بئس العير" و "بمولود نعم الولد" ويلزمهما عدم التصرف، ويعمل كل منهما الرفع في اسم يكون فاعلا لهما، وشرطه -إن كان ظاهرا- أن يكون مقترنا بالألف واللام الجنسية، نحو: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] أو مضافا إلى مقترن بها، كـ "نعم عقبى الكرماء" وقوله: {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 72] وقد يقع مضافا إلى مضاف إلى المقترن بها، كقوله: 305 - (فنعم ابن أخت القوم غير مكذب ... ... ... ...)

(ويرفعان مضمرا يفسره ... مميز، كـ "نعم قوما معشره") كما يكون فاعلهما اسما ظاهرا يكون ضميرا مستترا، واجب الاستتار، يفسره اسم بعد، منصوب على التمييز، كقوله: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50] تقديره: بئس هو، أي: البدل. (وجمع تمييزٍ وفاعلٍ ظهر ... فيه خلاف عنهم قد اشتهر) اختلف النحاة في جواز إظهار فاعلهما مع التمييز، فمنعه سيبويه،

وأكثر أصحابه، وأجازه المبرد والفارسي، وهو الحق، لورود السماع به في نحو: 306 - (... ... ... ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا)

وفي قوله: 307 - (نعم الفتاة فتاةً هند لو بذلت ... رد التحية نطقا أو بإيماء) (و"ما" مميزٌ وقيل فاعل ... في نحو: نعم ما يقول الفاضل) تتصل "ما" بهذين الفعلين، نحو: {فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء: 58]، وفي الحديث: "بئس ما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا" ومحلها النصب على التمييز، والفاعل مستتر، والتقدير: نعم الشيء شيئا، هذا اختيار الفارسي، وقيل: بل هي معرفة تامة، في محل الرفع، لأنها فاعل، وهو مذهب السيرافي والأكثرين، وهو ظاهر كلام سيبويه.

(ويذكر المخصوص بعد مبتدا ... أو خبر اسم ليس يبدوا أبدا) يذكر المخصوص بالمدح أو بالذم بعد فاعل "نعم" و"بئس" مرفوعا، نحو: "نعم الرجل زيد" و "بئس الرجل عمرو" ورفعه بالابتداء، والجملة قبله خبره، وليس بواجب التأخير، بل يجوز "زيد نعم الرجل" وقيل ارتفاعه لأنه خبر مبتدأ لازم الحذف، والتقدير: "هو زيد" والضمير عائد على الممدوح بعد "نعم" وعلى المذموم بعد "بئس". (وإن يقدم مشعر به كفى ... كـ"العلم نعم المقتنى والمقتفى) يحذف المخصوص بالمدح كثيرا لتقدم ما يدل عليه، نحو: {نِعْمَ الْعَبْدُ} [ص: 30] بعد قوله: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} [ص: 41] و {بِئْسَ الشَّرَابُ} [الكهف: 29] بعد قوله تعالى: {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف: 29] وليس منه ما مثل به المصنف من قوله: "العلم

نعم المقتنى" لأنه من باب تقديم المخصوص -كما سبق تمثيله- لا من باب حذفه. (واجعل كبئس "ساء" واجعل "فعلا" ... من ذي ثلاثةٍ كنعم مسجلا) "ساء" بمنزلة بئس في دلالتها على الذم، وعدم تصرفها، واقتضائها فاعلا كفاعلها، ومخصوصًا، ومن استعمالها قوله تعالى: {سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 66] ففاعلها مستتر، مفسر بالتمييز، والمخصوص محذوف للعلم به. ويستعمل من كل فعل ثلاثي "فعل" -بضم العين- سواء كان مبنيا على ذلك كـ"ظرف" و"شرف" أو محولا إليه كـ"فهم" و"فقه" استعمال نعم، في الدلالة على المدح، واقتضاء فاعل كفاعلها، ومخصوص بالمدح، نحو: "فقه الرجل زيد" {وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] ولا يختص ذلك بالمدح كما يقتضيه كلام المصنف، بل يستعمل في الذم أيضا، كـ "خبث الرجل زيد" ويجوز مجيء فاعله مضمرا كفاعل نعم، نحو: "مررت برجل فهم رجلا" وبعضهم يسكن عينه فيقول: "حسن"، وبعضهم ينقل حركتها مع التسكين إلى "الفاء" فيقول: "حسن"

ويختص بجواز جر فاعله بالباء، كقوله: 308 - (حب بالزور الذي لا يُرى ... ... ... ...) ومن كلامهم: "مررت بأبيات جاد بهن أبياتا" أصل الأول: "حبب" فأريد تسكين أول المثلين للإدغام، فنقلت حركته إلى "الحاء" وأصل الثاني: "جود" قلبت واوه ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها. (ومثل نعم "حبذا" الفاعل "ذا" ... وإن ترد ذمًا فقل: لا حبذا) قد اجتمعت دلالته على المدح والذم في قوله:

309 - (ألا حبذا عاذرى في الهوى ... ولا حبذا الجاهل العاذل) والفعل منهما "حب" و"ذا" هو الفاعل، وقيل الجميع فعلٌ، والفاعل ما بعده. وقيل الجميع اسم مبتدأ، وما بعده خبره. (وأول ذا المخصوص أيًا كان لا ... تعدل بذا فهو يضاهي المثلا) قد تقدم أن "ذا" هو فاعل "حب" فالمرفوع بعده هو المخصوص، ولا

يتغير "ذا" عن هيئة الإفراد، والتذكير، ولو اختلف أحوال المخصوص، بل يقال: "حبذا هند" و"حبذا الزيدان" و"حبذا الزيدون" لأنه جرى في كلامهم مجرى المثل كما يخاطبون بقولهم: "الصيف ضيعت اللبن" -بكسر التاء- كل أحد. ويختص "حبذا" بعدم جواز تقدم المخصوص عليه، لما ذكر من أنه جارٍ مجرى المثل. (وما سوى ذا ارفع بـ"حب" أو فجر ... بالبا، ودون ذا انضمام الحا كثر) إذا قيل: "حب الرجل زيد" -دون ذا- فلك أن تأتي بالرجل مرفوعا، لأنه الفاعل، ولك أن تجره بالباء، فلك أن تجره فتقول: "حب بالرجل"، ولك في أوله وهو "الحاء" الفتح، والضم، وهذه المسألة لا تختص بـ"حب" بل هي من جملة ما بُني على "فعل" للدلالة على المدح أو الذم، وقد سبق أن في صيغته ثلاث لغات، وأن في الاسم الذي بعده وجهين، فإفراد المصنف لها بالذكر يوهم اختصاص الحكمين بها، وليس كذلك. وكذلك إفراده "ساء" بالذكر ليس بشيء، فإنها من جملة هذا القسم، فإن أصلها "سوء" قلبت واوها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فهي كـ "جاد الرجل زيدٌ" و "فاق الرجل زيدٌ".

أفعل التفضيل

أفعل التفضيل وهو اسم، لدخول علامات الأسماء عليه، من الجر، والإضافة، و"أل" وهو ممتنع الصرف، للزوم الوصفية، ووزن الفعل، ولا يتصرف عن صيغة "أفعل" إلا أن الهمزة حذفت في الأكثر من "خير" و"شر" لكثرة الاستعمال، وقد يعامل معاملتها في ذلك "أحب" كقوله: 310 - (... ... ... ... وحب شيءٍ إلى الإنسان ما منعا)

وقد يستعمل "خير" و"شر" على الأصل، كقراءة بعضهم: {مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ} [القمر: 26] ونحو: 311 - (... ... ... ... بلال خير الناس وابن الأخير) (صغ من مصوغٍ منه للتعجب ... "أفعل" للتفضيل وأب اللذ أبي) لا يصاغ "أفعل" التفضيل إلا مما يصاغ منه "أفعل" التعجب، وهو ما اجتمع فيه الشروط الثمانية السابقة، وما امتنع صوغ فعل التعجب منه لفقدها أو فقد بعضها امتنع صوغ "أفعل" التفضيل منه، ولذلك حكم بندور قولهم: "ألص من شظاظ". وقوله: 312 - (... ... ... ... فأنت أبيضهم سربال طباخ)

وقولهم: "هو أشغل من ذات النحيين" إذ الأول لا فعل له، والثاني: فعله زائد على الثلاثي، والثالث: فعله لازم البناء للمفعول. وفي بنائه من "أفعل" ما سبق من الخلاف في بناء فعل التعجب منه. (وما به إلى تعجب وصل ... لمانع به، إلى التفضيل صل) أي: ما وصل به إلى التعجب مما لا يصح بناء فعله منه، يتوصل به إلى التفضيل مما لا يسوغ بناء "أفعل" التفضيل منه، فيقال: هذا أكثر لصوصية،

وأشد انطلاقا، وأعظم كونا في الدار، ونحو ذلك. (وأفعل التفضيل صله أبدا ... تقديرا، أو لفظًا بـ"من" إن جردا) لا يستقيم معنى التفضيل إلا من مفضل ومفضل عليه، ولفظ دال على التفضيل، ولذلك وجب أن يوصل "أفعل" التفضيل إذا جرد من "أل" والإضافة باسم مجرور بـ"من" يكون هو المفضل عليه، فإن ظهر في اللفظ نحو: {أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا} [الزخرف: 8] و {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: 15] وإلا قدر نحو: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا} [سبأ: 35] و {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا} [مريم: 74] تقدير الأول "منكم" وتقدير الثاني "منهم". وأكثر ما يحذف إذا كان "أفعل" خبرا، كما مثل، ويقل إذا كان صفةً أو حالا، ولا تدخل "مِن" بعد مضاف، ولا ملتبس بـ"أل"، فأما قوله: 313 - (ولست بالأكثر منهم حصى ... ... ... ...)

فقيل "أل" زائدة، وقيل: "من" متعلقة بـ"أكثر" مجردًا دل عليه المذكور. (وإن لمنكورٍ يضف أو جردا ... ألزم تذكيرا وأن يوحدا) ("وتلو" أل طبقٌ وما لمعرفه ... أضيف ذو وجهين، عن ذي معرفه) (هذا إذا نويت معنى "من" وإن ... لم تنو فهو طبق ما به قرن) لـ"أفعل" التفضيل ثلاثة أحوال. إحداهما: أن يضاف إلى نكرة أو يجرد عن الإضافة ويؤتى بالمفضل عليه مجرورا بـ"مِن" إما في اللفظ، وإما في التقدير، فيلزم لفظه الإفراد والتذكير، وإن اختلفت أحوال المفضل، نحو: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف:34] {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ

من الأولى} {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا} [يوسف: 8] {أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ} [الحديد: 10] وفي الحديث: "هُنَّ أغلب" إلا أن المضاف إلى نكرة يجب فيه وقوع المطابقة بالمضاف إليه، نحو: "هند أفضل امرأة" و "الزيدان أفضل رجلين" و "الزيدون أفضل رجال" و "نساؤك أفضل نساء" فأما قوله: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة: 41] فتقديره: أول فريق كافر به. الثانية: أن يكون معرفا بـ"أل" فيجب مطابقته لما قبله من موصوف أو مبتدأ، نحو: "زيد الأفضل" و"هند الفُضلى" و"الزيدان الأفضلانِ"

و"الهندان الفُضليانِ" و"الزيدون الأفضلون" و"الهندات الفضليات"، -وإن شئت الفضل. الثالثة: أن يضاف إلى معرفة فيجوز فيه الوجهان، عدم المطابقة وهو الأكثر، نحو: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] والمطابقة، نحو: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الأنعام: 123]، وإنما يجوز الوجهان إذا كان "أفعل" باقيا على معنى المفاضلة، بأن تكون "من" مقدرة فيه، أما إن أول "أفعل" بما لا تفضيل فيه على غيره، نحو: "النافص والأشج أعدلا بنى مروان" وجبت المطابقة.

(وإن تكن بتلو "من" مستفهما ... فلهما كن أبدأ مقدما) كمثل: "ممن أنت خير؟ ولدى ... إخبارٍ التقديم نزرًا وجدا) إذا كان المفضل عليه مجرورا بـ"من" وجب تقديمه على "أفعل" التفضيل، إن كان اسم استفهام، أو مضافا إليه، نحو: "ممن أنت خير؟ " و "من غلام من أنت أفضل؟ "، لما تقرر من أن الاستفهام له صدر الكلام، وفي غير ذلك فتأخيره واجب، وقد يتقدم قليلا، كقوله: 314 - (... ... ... وزودت ... جنى النحل، بل ما زودت منه أطيب)

(ورفعه الظاهر نزر ومتى ... عاقب فلا فكثيرا ثبتا) (كلن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق) فاعل "أفعل" التفضيل لا يكون إلا ضميرا مستترا، ولا يرفع اسما ظاهرا ولا ضميرا منفصلا إلا قليلا، كـ "مررت برجل أفضل منه أبوه" و "ما أفضل من زيد إلا هو" وهي لغة ذكرها سيبويه. وأما متى عاقب الفعل بأن يقع بعد نفي، ويكون مرفوعه أجنبيا مفضلا على نفسه باعتبارين، فإن رفعه الظاهر حينئذ كثير مطرد، كالمثال الذي مثل به المصنف، وكقولهم: "ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد" فالأول: واقع موقع قولك: "لن يرى في الناس من رفيق أولى به الفضل كولاية الفضل بالصديق" والثاني: موقع: "ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد".

النعت

النعت (يتبع -في الإعراب- الأسماء الأول ... نعتٌ وتوكيدٌ وعطفٌ وبدل) التابع هو التالي لما قبله، مشاركا له في إعرابه، وعامله، وأصول التوابع أربعة، إلا أنها باعتبار انقسام العطف إلى بيان ونسق، والتوكيد إلى لفظي ومعنوي، تصير ستة، ثم هذه التوابع إنما تتبع ما قبلها، فلا يتقدم التابع على متبوعه. (فالنعت تابعٌ متم ما سبق ... بوسمه، أو وسم ما به اعتلق) "تابع" جنس يشمل جميع التوابع، خرج بالفصل الأول، وهو كونه متمما لمتبوعه النسق، وبكون التتميم يرجع إلى معناه تارة، وإلى معنى ما يتعلق به أخرى التأكيد، وعطف البيان، ودخل قسما النعت: الموضح لمعنى في متبوعه، نحو: "جاءني زيد الكريم" والموضح لمعنى فيما يتعلق بمتبوعه، نحو: "رأيت الرجل الكريم أبوه". (وليعط في التعريف والتنكير ما ... لما تلا كامرر بقوم كرما) (وهو -لدى التوحيد والتذكير أو ... سواهما- كالفعل، فاقف ما قفوا) تجب موافقة النعت لمنعوته في التعريف أو التنكير مطلقا، كما تجب تبعيته له في أحد ألقاب الإعراب الثلاثة مطلقا، نحو: بسم الله الرحمن الرحيم،

{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ} [غافر: 28] {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا} [الكهف: 31]، وأما مطابقته له في التوحيد -والمراد به الإفراد- وضديه وهما التثنية والجمع، والتذكير وضده، وهو التأنيث، فهو فيها بمنزلة الفعل، إن رفع ضمير موصوفه المستتر سمى جاريا على من هو له، وتعنيت المطابقة، نحو: {فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان:51] {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:21] {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} [التحريم: 10] {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [النمل:12] {تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] كما تقول في الفعل: "زيد قام، وهند قامت" و "الزيدان قاما" و "الزيدون قاموا" و "الهندات قمن"، وإن رفع الوصف اسما ظاهرا، أو ضميرا بارزا، سمي جاريا على غير من هو له، ولزم صيغة الإفراد، والتذكير، إلا حيث يصح إلحاق الفعل علامة التأنيث، نحو: "مررت برجل كريم أبوه"، و "بالمرأة الكريم أبوها"، و "رأيت رجلين كريمًا أبوهما، ورجالا كريمُا آباؤهم" كما تقول: "مررت برجل قام أبوه" و "بامرأة قام أبوها" إلا أنك تقول: "مررت بالمرأة الكريمة أمها" لأنك

تقول: "كرمت أمها" لا للمطابقة، بدليل: "مررت بالرجل الكريمة أمه" ومن قال في الفعل "قاما أبواك" و "قاموا إخوتك" قال في الوصف: "مررت برجلين قائمين أبوهما، وبرجال قائمين إخوتهم". (وانعت بمشتق كـ"صعب" و"ذرب" ... وشبهه كـ"ذا" و"ذي" و"المنتسب") أصل النعت أن يكون بالمشتق، وهو: ما دل على الحدث وصاحبه، كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل، نحو: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24] {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} [هود: 103] و "مررت برجل صعب، وبرجل ذربٍ -وهو الماهر في الأمور- و "مررت برجل أفضل منك". وينعت بشبه المشتق -وهو ما أُوِّل به، كـ"ذا"، وغيره من أسماء الإشارة- نحو: "مررت بأخيك هذا، وبأختك تلك" و"ذي" بمعنى صاحب، نحو: (مر راكبٌ ذو شارة) والمنسوب، نحو: (وإن تأمَّر عليكم

عبد حبشي) إذ الأول في تأويل: [الحاضر، والثاني في تأويل: صاحب، والثالث في تأويل:] منسوب إلى الحبشة، إلى غير ذلك مما يؤول بالمشتق. (ونعتوا بجملةٍ منكرا ... فأعطيت ما أعطيته خيرا) تختص النكرات بجواز نعتها بالجمل، سواء كان تنكيرها لفظا ومعنى، نحو: {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه:20] أو معنى لا لفظا، نحو: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37] ونحوه من المعرف بـ"أل" الجنسية، فيلزم الجملة

ما يلزمها إذا وقعت خبرا، من الاشتمال على ضمير مطابق للموصوف رابط لها به، إما ملفوظ به -كما مثل- وإما مقدر، نحو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] أي: فيه، والظرف والجار والمجرور بمنزلة الجملة في أنه لا ينعت بهما إلا النكرات، لأنهما في تأويل الجملة. (وامنع هنا إيقاع ذات الطلب ... وإن أتت فالقول أضمر تصب) الجملة المنعوت بها بمنزلة المخبر بها، فلا تكون طلبية لعدم الفائدة، فإن أتى ما يوهم ذلك كقوله: 315 - (... ... .... ... جاءوا بمذق، هل رأيت الذئب قط)

أول على إضمار القول، فيكون التقدير: بمذقٍ مقول فيه كذا. (ونعتوا بمصدر كثيرا ... فالتزموا الإفراد والتذكيرا) استعملت العرب المصدر في نعت الذوات كثيرا، كقولهم: "رجلٌ عدلٌ ورضًا، وصومٌ، وفطرٌ، وزورٌ، ونحوها، إلا أنهم ألزموه لفظ الإفراد والتذكير، وإن اختلفت أحوال منعوته"، نحو: مررت برجلين عدل، وبامرأة رضًا، وبرجال صوم، ثم هل ذلك وصف بالمصدر على ظاهره، تنزيلا للذات منزلة المعنى مبالغة؟. أو المصدر مؤول بالوصف، أي: عادل، ونحوه؟ أو على حذف مضاف تقديره: ذو صوم، وذات رضًا، وذوي عدل، وأولى صوم؟ فيه للنحاة ثلاثة أقوال. (ونعت غير واحدٍ إذا اختلف ... فعاطفا فرقه، لا إذا ائتلف) إذا كان المنعوت متعددا ونعوته مختلفة وجب تفريقها بالعطف، سواء

كان تعدده من حيث اللفظ، نحو: "جاءني زيد وعمرو الكاتب والشاعر"، أو من حيث المعنى نحو: "مررت برجلين كاتبٍ وشاعر"، قال الشاعر: 316 - (بكيت وما بكا رجلٍ حزينٍ ... على ربعين: مسلوب وبال) وإن ائتلف معنى النعوت أُتي بها مثناة أو مجموعة بحسب "منعوتها" نحو: "مررت بزيد وعمروٍ وبكرٍ الفضلاء، وبإخوتك العقلاء"، قال تعالى: {وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172]. (ونعت معمولي وحيدي معنى ... وعملٍ أتبع بغير استثنا) إذا تعدد المنعوت واتحد معنى النعت كما سبق تمثيله، نظرت فإن اتحد معنى العامل فيهما اتبعتهما للمنعوت، سواءٌ اتحد لفظ العامل كالمتعاطفين، أو اختلف لفظه نحو: "جاء زيد وأتى عمرو العاقلان" و "هذا زيد وتلك هند القائمان" وسواء كانا مرفوعين كما مثل أو غير مرفوعين، نحو: "رأيت أخاك

وأبصرت أباك الكريمين" وبعضهم خصص ذلك بالمرفوعين، وإلى خلافه أشار المصنف بقوله: "بغير استثنا". أما لو اختلف المنعوتان في عمل العاملين، نحو: "هذا موجع زيدٍ ومؤلمٌ عمروا" أو في معناهما، كـ "قام زيدٌ وقعد عمرو" أو فيهما: كـ "جاء زيدٌ ورأيت عمروا" وجب القطع، إما إلى الرفع وإما إلى النصب، وامتنع الاتباع. (وإن نعوتٌ كثرت وقد تلت ... مفتقرا لذكرهن أتبعت) يجوز تكرار النعت مع كون المنعوت واحدا، ثم إن كان المنعوت مفتقرا إلى ذكرها لكونه لا يتعين إلا بمجموعها وجب إتباع الكل، لتنزلها منه منزلة الشيء الواحد، نحو: مررت بزيد التاجر الفقيه الكاتب، إذا كان له من

يشاركه في اسمه ووصفين من أوصافه. (واقطع أو اتبع إن يكن معينا ... بدونها أو بعضها اقطع معلنا) إذا كان المنعوت مبينا بدون النعت، وإنما سبق النعت لمجرد المدح، نحو: "بسم الله الرحمن الرحيم"، أو لمجرد الذم، نحو: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم اللعين"، فلك في النعوت الإتباع، كما مثل، أو القطع، وإتباع البعض، وقطع البعض، وبالأوجه الثلاثة يروى: 317 - (لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة، وآفة الجزر) 318 - (النازلين بكل معتركٍ ... والطيبون معاقد الأزر)

يروى بنصب "النازلين"، و"الطيبين" على القطع، وبرفعهما، إما إتباعا، وإما قطعا إلى الرفع، وبرفع "النازلين" على ما ذكر، ونصب "الطيبين" على القطع، وعكسه، و"الذين" يحتمل الأوجه الثلاثة، ولا يتعين في مثل هذا تقديم المنبع على المقطوع، أما إذا كان المنعوت محتاجا في بيانه إلى بعض النعوت دون البعض وجب إتباع ما يحصل به البيان، ولك في الباقي ما ذكر.

(وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا ... مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا) حقيقة القطع أن يعدل عن إتباع النعت لمنعوته في الإعراب، ولو إلى ما يوافقه في اللفظ، مثل أن يكون المنعوت مرفوعا فيقطع إلى الرفع بإضمار مبتدأ لائق بالخبر، أو منصوبا فيقطع إلى النصب بإضمار فعل ناصب، نحو: "أعنى" أو "أذكر" أو "أمدح" -إن كان معناه المدح- أو أذم -إن كان معناه الذم- وغالب ما يظهر أثر القطع عند المخالفة في لفظ الإعراب، ثم هذا المبتدأ، أو الفعل واجبا الإضمار، لدلالة الحال عليهما، وحصول الإطالة بذكرهما، [والله أعلم]. (وما من المنعوت والنعت عقل ... يجوز حذفه، وفي النعت يقل) إذا علم النعت أو المنعوت جاز حذفه، إلا أن ذلك في المنعوت أكثر منه في النعت، كقوله: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: 11] أي: دروعا سابغات، {وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [سبأ: 11] أي: عملا، {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التوبة: 82] أي: ضحكا، وبكاء، {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [فاطر: 32] أي: فريق ومن مجيء ذلك في النعت قوله تعالى: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ} [الكهف: 79] أي: صالحة، و {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] أي: متتابعاتٍ، وقد أثبتها بعض السلف.

التوكيد

التوكيد وهو تقوية المعنى في النفس, وقصد رفع الشك عن الحديث, أو المحدث عنه, فتقوية المعنى في النفس يشمل: التوكيد بالقسم, و"إن" و "اللام" وغيرها, وقصد رفع الشك عن الحديث يشمل: توكيد الفعل بالمصدر, وتأكيد عامل الحال بها, وقصد رفع عن المحدث عنه: هو المقصود بالتبويب هنا, وهو التابع الرافع توهم النسبة إلى غير المتبوع, أو إلى بعضه, فالتابع جنس يشمل التوابع, وما بعده فصل مخرج لسائرها, وتقسيم رفع التوهم يشمل: "جاء زيد نفسه" و"جاء القوم كلهم". (بالنفس أو بالعين الاسم أكدا ... مع ضمير طابق المؤكدا) بدأ الكلام عن التأكيد المعنوي, وقدم ما سبق لرفع توهم المجاز عن ذات المسند إليه, وهو لفظ "النفس" ولفظ "العين" ويؤكد بهما مفردين ومجتمعين, تقول: "جاء الأمير" فيحتمل مجيء خبره أو ثقله, أو الإخبار بقرب مجيئه, فإذا أكدت بأحدهما أو بهما ارتفع ذلك الاحتمال. ويؤكد بهما الاسم المفرد, ويلزم إضافتهما إلى ضمير مطابق له في التذكير والتأنيث, نحو: "جاء زيد نفسه" و "رأيت هنداً عينها" وإن كان المؤكد ضميرا طابقه في التكلم, أو الخطاب, أو الغيبة, نحو:

(قمت أنا نفسي) و"رأيتك عينك" و"ضربته نفسه". (واجمعهما بـ "أفعل" إن تبعا ... ما ليس واحداً تكن متبعا) أي إذا أكدت بالنفس أو العين ما زاد على الواحد من مثنى, أو جمع ذكور, أو إناث, أتيت بهما بصيغة الجمع على "أفعل" مضافين إلى ضمير مطابق المؤكد, فتقول: "جاء الزيدان, أو ألهندان أنفسهما, والزيدون أنفسهم, والهندات أنفسهن" وكذلك يطابقه في التكلم أو الخطاب, كما سبق. (و"كلا" اذكر في الشمول و"كلا" ... كلتا جميعا بالضمير موصلا) هذا النوع الثاني من التوكيد المعنوي, وهو ما سبق لرفع توهم المجاز, عن جملة المسند إليه, وهو "كل" ويؤكد به الجمع مذكرا كان أو مؤنثا, نحو: "قام الزيدان كلاهما" و"كلتا" ويؤكد بها المثنى المؤنث نحو: "جاء الهندان كلتاهما" , ويجب اتصالهما بضمير مطابق للمؤكد, كما سبق,

ولذلك لم يجعل: (إِنَّا كُلاَّ فِيهَا) -على قراءة النصب- توكيدا عند المحققين, وفائدة التوكيد بها: بيان شمول الحكم للمسند إليه, ورفع توهم أن يكون قد حذف من الكلام بعض مضاف إليه, ولذلك لم يسمع: "اشتريت العبد كله". (واستعملوا - أيضا ككل فاعله ... من "عم"- في التوكيد- مثل النافله) بنوا للدلالة على الشمول "فاعلة" - من عم - بوزن نافله, والتاء فيه مزيدة, كما هـ في "نافلة" لا للدلالة على التأنيث, واستعملوه استعمال "كل" في تأكيد الجمعين, وإضافته إلى الضمير المطابق, فقالوا: "جاء القوم عامتهم"

و "قام النساء عامتهن" , والمراد به الشمول, لا "أكثر" كما يفهمه العامة. ومن الألفاظ التي يؤكد بها لقصد الشمول "جميع" واستعمالها غريب, نحو: 319 - فداك حي خولان ... 320 - جميعهم وهمدان ... ... وليس منه: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] لعدم الإضافة على ضمير المؤكد.

(وبعد "كل" أكدوا بـ "أجمعا" ... "جمعاء" أجمعين "ثم" جمعا) قد تزداد زيادة التوكيد, فيؤتي بعد "كل" بـ "أجمع" مطابق الحال المؤكد, في الإفراد, والتذكير, وأضدادهما, نحو: "اشتريت العبد كله أجمع" و"قمت الليلة كلها جمعاء" {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ} و "جاء النساء كلهن جمع" , والتحقق أنه لا يؤكد به المثنى كما يأتي. (ودون "كل" قد يجيء "اجمع" ... "جمعاء أجمعون "ثم" جمع) قد يؤكد بـ "أجمع" وفروعه, وإن لم يسبق "كل" نحو: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} وقوله: 321 - إذا ظللت الدهر أبكى أجمعا ... (واغن بـ "كلتا في مثنى, و"كلا" ... عن وزن فعلاء ووزن أفعلا) استغنوا في تأكيد المثنى بـ "كلا" فلم يؤكدوا بعدهما

بـ "جمعاء ولا بـ "أجمع" ولا سماع مع الكوفيين في إجازة: "جاء الزيدان أجمعان, والهندان جمعاوان". (وإن يفد توكيد منكور قُبل ... وعن نجاة البصرة المنع شمل) لا تؤكد النكرة عند عدم الفائدة اتفاقا, ومع حصول الفائدة لكون المؤكد محدودا, والتوكيد من الألفاظ الدالة على الشمول, نحو: "اعتكف شهرا كله" و "قام ليلة كلها" فالتحقيق جوازه, كما ذهب إليه الكوفيون,

لورود السماع به, نحو: 322 - (لكنه شاقه أن قيل ذا رجب ... ياليت عدة حول كله رجب) بخلاف "صمت زمنا كله, وشهرا نفسه".

(وإن توكد الضمير المتصل ... بالـ "نفس" والـ "عين" فبعد المنفصل) (عنيت ذا الرفع, وأكدوا بما ... سواهما, والقيد لن يُلتزما) إذا أكد ضمير الرفع المتصل, أو المستكن, بالنفس , أو بالعين, أكد قبل ذلك بضمير رفع منفصل مطابق له, نحو: "قمت أنا نفسي" و "قامت هي نفسها" و "قاما - أو قامتا- هما أعينهما" و "قاموا هم أنفسهم" و "قمن هن أعينهن" , ويؤكد - أيضا- بما سمى النفس والعين من "كل" و "كلا" و"كلتا" [و "أجمع" وفروعه, فلا يلتزم القيد المذكور: من تقدم الضمير المرفوع] المنفصل, بل تقول: "جاؤوا كلهم" و"قاما كلاهما" و"قالوا أجمعون", وإن شئت أتيت بالضمير المنفصل فقلت: "قاموا هم كلهم". وأما غير المرفوع من الضمائر - 'ذا أكد- لم يلتزم تأكيده بالضمير المنفصل سواء أكد بالنفس, أو بالعين, أو بغيرهما من الألفاظ, بل تقول: "رأيتك نفسك" - "وإن شئت رأيتك أنت نفسك" - "ورأيتهم أنفسهم".

ومثله: {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} - وإن شئت- قلت: "هم أنفسهم". (وما من التوكيد لفظي يجى ... مكرراً, كقولك: "اذرجى اذرجى") التوكيد اللفظي عبارة عن تكرار اللفظ السابق, إما بعطف, نوح: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} وإما دونه, نحو: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} لكن مع الجملة الأكثر أن يكون بعطف, وليس بلازم, بدليل قوله: 323 - (فأين إلى أين النجاة ببغلتي ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس) (ولا تُعد لفظ ضمير متصل ... إلا مع اللفظ الذي به وُصل) إذ قصد تأكيد لفظ الضمير المتصل وجب إعادة لفظ ما وصل به معه نحو: "عجبت منك منك" و "ومررت به به".

(ذا الحروف غير ما تحصلا ... به جواب, كـ "نعم" وكـ "بلى") أي الحروف مثل الضمائر المتصلة في وجوب إعادة ما اتصلت به معها, إذا قصد تأكيد ألفاظها, نحو: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرابًا وَعِظامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35]. وقد يستغنى بإعادة ضمير ما اتصل بالحرف, نحو: "إن زيداً إنه فاضل" وزعم بعضهم أنه أولى من إعادة لفظه, أما حروف الجواب فلا يشترط فيها ذلك, إذ كل واحد منها قائم مقام الجملة, بل يجوز أن تقول "نعم نعم" و"أجل أجل", قال الشاعر: 324 - (الا أبوح بحب بثنة إنها ... أخذت علي مواثقا وعهودا)

والأحسن إعادة حرف الجواب بمرادفه, نحو: "أي نعم" و "بلى جير" كقوله: 325 - (وقلن على الفردوس أول مشرب ... أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره)

وقد يعاد غير حروف الجواب بدون ما اتصل به, وهو على أربع طبقات, أحسنها: أن يفصل بينهما بوقف, نحو: 326 - (لا ينسك الأسى تأسياً فما ... ما من حمام أحد معتصما) ثم مع الاتصال فيما زاد على حرف واحد, نحو: 327 - حتى تراها وكأن وكأن ... ...

ثم مع الاتصال وأحدهما زائد على حرف واحد نحو:] 328 - (فأصبح لا يسألنه عن بما به ... ... ...) مع أن فيه مغايرة للفظ, ثم مع الاتصال وكلاهما على حرف واحد, نحو: 329 - ... ... ولا للما بهم أبداً دواء)

(ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكد به كل ضمير اتصل) قد سبق أن تأكيد غير المرفوع من الضمائر المتصلة بالمنفصل - لأجل تأكيده ببعض ألفاظ التوكيد- جائز لا واجب, ويؤكد بالمنفصل -أيضا_ لإدارة العطف عليه, كما يأتي, وهو من قسم التوكيد اللفظي, وتؤكده بضمير الرفع المنفصل, نحو: "مررت بي أنا" و "رأيتك أنت" و" أكرمته هو" ولا يؤكد المجرور إلا بذلك. وأما المنصوب فإذا قيل: "أكرمتك إياك" فهو بدل عند البصريين, وتأكيد عند الكوفيين والمصنف, أما الضمائر المنفصلة فإنما تعاد بألفاظها, نحو: 330 - (فإياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاء, وللشر جالب)

العطف

العطف يراد به في اللغة شيئان: أحدهما: لي الشيء, والثاني: الالتفات إليه, ومن الأول: عطف الرجل, ومن الثاني: عطف النساء على أولادهن, ومنه اشتق عطف البيان, إذ هو التفات إلى الأول بالتبيين, ومن الأول: اشتق عطف النسق, لأنه لي الثاني على الأول. (العطف إما ذو بيان أو نسق ... والغرض الآن بيان ما سبق) (فذو البيان تابع شبه الصفة ... حقيقة القصد به منكشفة) أي ينقسم العطف إلى عطف البيان, وعطف نسق, والغرض من هذا التبويب بيان أحكام السابق, وهو عطف البيان, وحده بأنه التابع المشبه للصفة في الكشف عن حقيقة متبوعة, فالتابع: جنس يشمل التوابع كلها, وشبه الصفة: فصل مخرج لما سوى التوكيد, [وخرج التوكيد بالفصل الثاني, لأن التوكيد] مقو للمتبوع, لا كاشف لحقيقته. (فأولينه من وفاق الأول ... ما من وفاق الأول النعت ولى) (فقد يكونان منكرين ... كما يكونان معرفين) عطف البيان -في موافقته لمتبوعه- بمنزلة النعت الجاري على من هوله - في موافقته لمنعوته- فيجب موافقته له في أربعة من عشرة, واحد من أنواع الإعراب الثلاثة وواحد من الإفراد وضديه, وواحد من التنكير وضده,

وواحد من التأنيث وضده, وقد علم بذلك أنهما قد يتوافقان في التنكير, كما ذهب إليه الكوفيون وعليه حمل قوله: {مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ} [لإبراهيم:16] وغيرهم يجعله بدلا, أما تخالفهما في التعريف والتنكير فممتنع اتفاقا, ولذلك وهم الزمخشري في جعل: {مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة 125] عطف بيان لـ {آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} وأكثر ما يستعمل في الأعلام, نحو:

331 - أقسم بالله- أبو حفص- عمر .... .... .... ولا يشترط كونه أوضح من متبوعه, خلافا للجرجاني. (وصالحاً لبدلية يرى ... في غير نحو: "ياغلام يعمرا") ونحو "بشر" تابع "البكري" ... وليس أن يبدل بالمرضي) حيث ورد عطف البيان جاز أن يعرب بدلآ, إذا امتنع وقوعه في محل الأول, وذلك في موضوعين, أحدهما: أن يكون المتبوع واقعا بعد حرف النداء, والتابع لا يصحو وقوعه بعده, نحو: "يا أخانا الحارث" أو يصح وقوعه بعده لكن يتغير إعرابه, نحو: "يا أخانا زيدا" فإن الحارث لا يصلح لمباشرة النداء, [و"زيد" وإن صلح لمباشرة حرف النداء] فإنه يبنى على الضم. والواقع أنه يتبع منصوبا, وإلى هذا القسم أشار المصنف بنحو: "يا غلام

يعمرا" فإن "غلام" منادى مضاف إلى "ياء المتكلم" وحذفت وأبقيت الكسرة دليلا عليها, ومحاه النصب, وتابعه علم مفرد لو باشره حرف النداء بني على الضم, وقوله: 332 - (فيا أخوينا - عبد شمس ونوفلا .... .... ....) يتعين عطف البيان في الثاني دون الأول. الثاني: أن يضاف إلى المتبوع ما لا يصح إضافته إلى التابع, كقوله: 333 - أنا ابن التارك البكري بشر ... عليه الطير ترقبه وقوعا)

لا يصح أن تجعل فيه "بشر" بدلا من "البكري" لعدم صحة إضافة "التارك" إليه؛ يجيز فيه البدلية, لإجازته "مررت بالضارب زيد"

عطف النسق

وليس ذلك بمري عند المصنف. عطف النسق (تال بحرف متبع "عطف النسق" ... كاخصص بود وثناء من صدق) هذا حد للمعطوف عطف النسق, بأنه "التالي" أي: التابع: وذلك جنس يشمل جميع التوابع, وكونه بحرف متبع: فصل يخرج ما عداه من التوابع, ثم العطف تارة الإتباع فيه مطلقا, أي: في اللفظ والمعنى, تارة يكون في اللفظ خاصة. (فالعطف مطلقا بـ "ـواو" ثم فا ... حتى, أم , أو كـ "ـفيك صدق ووفا") هذه الحرف الستة هي المتبعة في اللفظ والمعنى, وإلى ذلك أشار

المصنف بالإطلاق, وينبغي أن يستثني من ذلك "أم المنقطعة" فإنها للإضراب, و"أو" إذا استعملت للإضراب, - كما يأتي- فإن التشريك فيهما -إذا- إنما هو في اللفظ دون المعنى. (وأتبعت لفظا فحسب "بل" و"لا" ... "لكن" كلم يبد امرؤ لكن طلا) هذه الأحرف الثلاثة إنما يحصل الإتباع بها في اللفظ دون المعنى, إذا هي في المعنى منقسمة إلى ما يثبت لما بعدها ما نفي عما قبلها, كـ"ـبل" و"لكن" وإلى عكس ذلك, كـ"لا" ومثلها "ليس" على قول

من عدها عاطفة. (فاعطف بـ"ـواو" لاحقا أو سابقا ... -في الحكم- أو مصاحبا موافقا الواو لمطلق الجمع, لا تقتضى ترتيبا, ولا معية, بل يكون متبوعا لاحقا لتابعه, أي: متأخرا عنه في الحكم المنسوب إليها, وهو الأكثر, نحو: {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} وقد يكون سابقا له في الحكم, وهو الأقل, نحو: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} ويكون مصاحبا, والحمل عليه عند عدم الدليل أرجح, نحو:

{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض}. (واخصص بها عاطف الذي لا يغني ... متبوعه, كاصطفء هذا وابني) لترجح معنى المصاحبة في الواو اختصت بعطف مالا يستغنى بمتنوعه عنه, كالفرد الذي أسند إليه فعل يلزم فاعله التعدد, كـ "ـاصطف زيد وابني" ومثله: "اختصم زيد وعمرو" ولا يصح العطف في ذلك ونحوه بغير الواو. (و"الفاء" للترتيب باتصال ... و"ثم" للترتيب بانفصال) يشترك "الفاء" و"ثم" في الدلالة على الترتيب, إلا أن ترتيب الفاء يكون معه اتصال, وهو المعبر عنه بالتعقيب, وترتيب "ثم" يكون معه انفصال وهو المعبر عنه بالمهلة, نحو: {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 21,22] ولا يرد على الترتيب فيهما نحو: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا} [الأعراف: 4] ونحو: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف:11] لأن المراد بالأول: أردنا إهلاكها, وبالثاني: خلقنا أصلكم, وهو آدم, ولا على التعقيب والترتيب تعاقبهما في نحو: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} [المؤمنون:14] مع قوله: {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ} [الحج: 5] لأن العطف بالفاء تعقيب

لآخر الطور, والعطف بـ"ـثم" التفات إلى أو الطور. (واخصص بـ"ـفاء" عطف ما ليس صله ... على الذي استقر أنه الصله) تختص "الفاء" بأنها تعطف على صلة الموصول ما لا يصح جعله صلة, لخلوه من العائد, نحو: "الذي يطير - فيغضب زيد-[الذباب" والذي - يقوم أخوك- فيغضب زيد] ولا يختص ذلك بالعطف على الصلة, بل يجيء مثله في العطف على كل حال جملة افتقرت إلى رابط, كالخبر, والحال, والصفة, نحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج:63] ونحو: "جاء زيد يضحك فيغضب أخوك" و "مررت برجل يضحك فيغضب زيد". (بعضا بـ"ـحتى" اعطف على كل ولا ... يكون إلا غاية الذي تلا) لا يعطف ب "حتى" إلا ما كان بعضا مما قبلها ونحو: "قدم الجيش حتى أمراؤهم" أو كبعضه, نحو: "وصل الأمراء حتى ثقلهم" , ويمتحن ذلك بصحة استثنائه مما قبلها بإلا, ولا يكون إلا غاية لما قبله, إما في القوة, وإما في الضعف, نحو: قوله:

334 - (قهرناكم حتى الكماة فإنكم ... لتخشوننا حتى بنينا الأصاغرا) (وأم بها عطف إثر همز التسوية ... أو همزة عن لفظ أي مغنية) (وربما أسقطت الهمزة إن ... كان خفا المعنى بحذفها أمن)

تنقسم "أم" إلى متصلة وإلى منقطعة, وبدأ بالكلام على المتصلة, وتعرف بوقوعها بعد همزة بمعنى "أي" في أنه يطلب بها وبـ"ـأم" التعيين, إلا أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تعطف إلا الجمل, وأكثر ما تكون فعلية, نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} [البقرة:6] وقد تكون اسميه كقوله: 335 - (ولست أبالي بعد فقدي مالكا ... أموتي ناء أم هو الآن واقع) وتكون متغايرة, نحو: {أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف 193] وأما الواقعة بعد الهمزة بمعنى "أي" فأكثر ما يعطف بها المفردات, ويكون المسئول عنه متأخرا عن المتعاطفين, نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء:112] أو متوسطا بينهما, نحو: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات:27] وقد يعطف بها

وقد يعطف بها الجمل, نحو: 336 - (... ... ... ... فقلت أهي سرت أم عادني حلم) وقد تحذف الهمزة إذا أمن خفاء المعنى بحذفها, فمنه في همزة التسوية: قراءة بعضهم: {أَنذَرْتَهَمْ} على الإخبار, منه في الأخرى وقوله:

337 - (لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... شيعت ابن سهم أم شعيث ابن منقر) (وبانقطاع وبمعنى "بل" وفت ... إن تلك مما قيدت به خلت) إذا خلت "أم" من القيد المذكور في المتصلة, وهو كونها واقعة بين الهمزة ملفوظ بها أو مقدرة, دالة على ما ذكر فهي المنقطعة, ويكون معناها الإضراب كمعنى "بل", ولا يطرد قول من جعلها مقدرة بـ"بل والهمزة"

لأنها وإن اقتضت الاستفهام في أكثر محالها, نحو: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] إلى آخرها, فلا يصح حملها عليه في نحو: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد:16] ولا في نحو: 338 - (فليت سليمي في الممات ضجيعتي ... هنالك أم في حنة أم جهنم) إذ الاستفهام لا يدخل على الاستفهام, والبيت لا معنى للاستفهام فيه. (خير, أبح, قسم بأو, وأبهم ... واشكك, ولإضراب بها - أيضا نمي) ذكر لـ"ـأو" ستة معان. الأول: التخيير, نحو: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]. الثاني: الإباحة, نحو: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ}.الآية, ولا يكونان إلا طلب ملفوظ به أو مقدر

المثالين, والفرق بين التخيير والإباحة: أن المخير: فيه مطلوب بعض أفراده, والمباح: مأذون في جميعه. الثالث: التقسيم, ونحو: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف:4]. الرابع: الإبهام, نحو: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ:24]. الخامس: الشك, نحو: {لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}. السادس: الإضراب, نحو:

339 - (... ... ... ... وصورتها, أو أنت في العين ملح) (وربما عاقبت الواو إذا ... لم يلف ذو النطق للبس منفذا) من معاني "أو" وقوعها موقع الواو الدالة على الجمع, كقوله: 340 - حتى خضبت بما تحدر من دمي ... أكناف سرجي أو عنان لجامي)

[وعليه حمل قوله تعالى {أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام:146]]. (ومثل أو في القصد "إما" الثانية ... في نحو: إما ذي وإما النائبة "إما الثانية" في نحو: قولك: "قام إما زيد وإما عمرو" و "اضرب إما زيداً وإما عمرا" مثل "أو" في الدلالة على الشك في الأول, وعلى التخيير في الثاني, وعدها الأكثرون من حروف العطف, كالمصنف والفارسي يقول: والعطف بالواو لملازمتها إياها, وأما تجردها عنها في قوله:

341 - (ياليتما أمنا شالت نعامتها ... أيما إلى جنة أيما إلى نار) فشاذ عنده, كما أبدلت الياء من ميمها الأولى شذوذا, وفتح همزتها لغة تميم, وبه روي البيت المذكور. (وأول "لكن" نفيا أو نهيا و "لا" ... نداء أو أمرا أو إثباتا تلا) لما فرغ من الكلام على أحكام الحروف المتبعة لفظا ومعنى, أخذ في الكلام على القسم الثاني, وهو ما يتبع في اللفظ خاصة, فمنه "لكن" ولا يعطف بها إلا بعد النفي, أو النهي, نحو: "ما قام زيد لكن عمرو"

و "لا تضرب زيدا لكن عمرا" فلو لم يتقدمها نفي كانت ابتدائية, ولزم وقوع الجملة بعدها, نحو: "قام زيد لكن عمرو لم يقم" , ومن شرط كونها للعطف أن تكون غير مسبوقة بالواو وأن يقع بعدها المفرد, كما مثل, فإن تقدمتها الواو نحو: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب:40] أو دخلت الجملة, نحوك: {لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ} [النساء:166] فهي حرف ابتداء, والواو قبلها استئناف, وعلى هذا فـ "ـرسول الله" منصوب, لأنه خبر كان محذوفة, لا عطفا على ما قبله بالواو, لأن الواو لا يعطف بها المختلفان في الإثبات والنفي, منه "لا" ولا تكون عاطفة إلا إذا تقدمها نداء. نحو: "يا ابن أخي لا ابن عمي" , أو أمر نحو: "اضرب زيدا لا عمرا" أو خبر مثبت, كـ "ـجاء زيد لا عمرو".

(و"بل" كلكن بعد مصحوبيها ... كلم أكن في مربع بل تيها) (وانقل بها للثان حكم الأول ... في الخبر المثبت والأمر الجلي إذا عطف بـ"بل" بعد مصحوبي "لكن" - اللذين يعطف بها بعدهما- وهما النفي والنهي, فهي مثلها في أنها توجب لما بعدها ما سلب عما قبلها, مع بقاء ما قبلها على حكمه, نحو: "لم يقم زيد بل عمرو" و "لا تضرب زيدا بل عمرا" وإن عطف بها بعد خبر مثبت, أو بعد أمر اقتضت نقل ذلك الحكم إلى الثاني, وسلبه عن الأول, نحو: "قام زيد بل عمرو" و"اضرب زيدا بل عمرا" فإنما يستقيم كونها للإضراب في هذا دون الذي قبله. (وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل) (أو فاصل ما, وبلا فصل يرد ... في النظم فاشيا, وضعفه اعتقد) "العطف على الظواهر المنفصلة" , وضمائر النصب المتصلة لا تقيد بشرط, وأما العطف على ضمائر الرفع المتصلة, وضمائر الجر فمقيد بما ذكره المصنف, فأما ضمير الرفع المتصل أو المستتر فلا يجوز العطف عليه إلا بعد الفصل بالضمير المنفصل المؤكد للمعطوف عليه, نحو:

{لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سورة الأنبياء:54]، {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]، أو بفاصل غيره، إما بين حرف العطف والمعطوف عليه، نحو: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} [سورة الرعد: 33]، وإما بين حرف العطف والمعطوف، نحو: {مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا} [سورة الأنعام: 148] وقد يرد بلا فصل إلا أنه ضعيف، وقد ورد منه في الحديث:" كنت وأبو بكر، وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، ويكثر في الشعر "، نحو: (342 - قلت إذا قبلت وزهر تهادى ... ..............)

وقوله: (343 - رام الأخيطل من سفاهة رأيه ... ما لم يكن- وأب له- لينالا) (وعود خافض- لدى عطف- على ... ضمير خفض لازما قد جعلا) (وليس- عندي- لازما إذ قد أتى ... في النظم والنثر الصحيح مثبتا)

أكثر النحاة يشترط- في جواز العطف على الضمير المجرور- إعادة الخافض للمعطوف عليه، سواء كان اسما، نحو: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} [سورة الزخرف: 38] أو حرفا، نحو: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} [سورة الصافات: 113] وليس ذلك بلازم عند المصنف، موافقة للأخفش لصحة النقل به دون ذلك، نثرا ونظما، أما النثر فكقراءة غير واحد: {الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [سورة النساء: 1] ومن كلامهم:

" ما فيها غيره وفرسه "، وليس منه: {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة: 217] بل الصواب أنه عطف على "سبيل" ليطابق قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [سورة الحج: 25]. وأما النظم فكثير، نحو: (344 - ............. ... فأذهب فما بك والأيام من عجب)

وقوله: (345 - ............. ... وما بينها والكعب خوط نفانف)

(والفاء قد تحذف مع ما عطفت ... والواو إذ لا لبس وهي انفردت) (بعطف عامل مزال قد بقى ... معموله، دفعا لوهم اتقى) تختص "الفاء" و"الواو" من بين حروف العطف بجواز حذفهما مع التابع الذي عطفتاه، إذا كان المراد ظاهراً مع حذفه، فمنه مع "الفاء": {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [سورة الشعراء: 63] ومنه مع "الواو" قولهم:" راكب الناقة طليحان "، تقدير الأول: "فضربه" معطوف على "أوحينا" وتقدير الثاني:" راكب الناقة والناقة "وتنفرد الواو بعطفها لعامل قد حذف وبقى معموله، دليلا عليه، سواء كان المعمول مرفوعا، أومنصوبا أو مجرورا، نحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} [البقرة: 35]، و {تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [سورة الحشر:9] وكقولهم:" ما كل سوداء تمرة، ولا بيضاء شحمة "، تقدير الأول:" ولتسكن زوجك "، وتقدير الثاني:" وآثروا الإيمان "، وتقدير الثالث:" ولا كل بيضاء "والحامل على تقدير العامل في ذلك: رفع وهم في الكلام، إما من جهة اللفظ لتعذر إسناد الفعل إلى الظاهر في المثال الأول، ولامتناع العطف على معمولي

عاملين في الثالث، وإما من جهة المعنى، لعدم صحة نسبة التبوء إلى الإيمان في الثاني، وإنما التبوء للمنازل. (وحذف متبوع بدا هنا استبح ... وعطفك الفعل على الفعل يصح) كما يحذف المعطوف بالفاء، أو الواو، يحذف المعطوف عليه بهما، وهو المتبوع فمنه- قبل الفاء- ما سبق من قوله: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [سورة الشعراء: 63]، فإن المحذوف كما هو معطوف، فهو معطوف عليه، ومنه- قبل الواو- قولك:" بلى وزيد "لمن قال:" ما جاء عمرو "تقديره: بلى جاء عمرو وزيد، وكما يعطف الاسم على الاسم يصح عطف الفعل على الفعل، سواء أتحدث صيغتهما، نحو {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا} [سورة آل عمران: 179]، {وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [سورة التغابن:16]، {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [سورة البقرة: 285] {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [سورة هود: 98]، {إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ

جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [سورة الفرقان: 10]. (واعطف على اسم شبه فعل فعلا ... وعكسا استعمل تجده سهلا) يعطف الفعل- أيضا- على الاسم المشبه له في المعنى، نحو: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} [سورة العاديات: 3] {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [سورة الملك: 19] ومنه: (346 - للبس عباءة وتقر عيني ... ............)

وعكس ذلك وهو عطف الاسم المشبه للفعل على الفعل مستعمل، نحو: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [سورة الأنعام: 95] وكقوله: (347 - .... أم صبي قد حبا أو دارج ...)

البدل

البدل (التابع المقصود بالحكم بلا ... واسطة هو: المسمى "بدلا") هذا حد البدل، فالتابع: جنس يشمل الكل، والمقصود بالحكم: مخرج للنعت، والتوكيد، وعطف البيان، إذ هي تكملة للمقصود، [وللمسبوق بالحرف المشترك لفظا ومعنة، إذ هو بعض المقصود] ولا كله، وللمسبوق "بلا" و"لكن" و"بل" في غير الإيجاب، [نحو:" ما جاء زيد بل عمرو "إذ هو غير مقصود بالحكم، وكونه بلا واسطة: مخرج للمسبوق "بل" بعد الإيجاب، نحو: "جاء زيد بل عمرو" فإنه تابع مقصود بالحكم، [لكن بواسطة حرف العطف].

(مطابقا أو بعضا أو ما يشتمل ... عليه يلفى، أو كمعطوف "ببل") (وذاللاضراب اعز أن قصدا صحب ... ودون قصد غلط به سلب) (كزره خالدا، وقلبه اليدا ... واعرفه حقه، وخذ نبلا مدى) قسم البدل إلى خمسة أقسام: بدل المطابقة، وهو: المسمى بدل الكل من الكل، وبدل الشيء من الشيء، وهو: أن يكون الثاني هو الأول في المعنى. ومثله، تقول:" زره خالدا "فإن "خالدا" و"الضمير" مدلولهما واحد، ومثله: {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} [سورة العلق: 15 - 16] وسماه بدل مطابقة ليحسن إطلاقه على نحو: {صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ} [سورة إبراهيم: 1 - 2] على قراءة من جر اسم "الله". الثاني: بدل البعض من الكل، وهو: ما كان البدل فيه جزءا من المبدل منه، قل ذلك الجزء أو كثر، ومثله المصنف بقول:" وقبله اليدا "ومثله: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} [سورةالمزمل: 2] ولابد من اتصاله بضمير يعود على المبدل منه، إما ظاهراً- كما مثل- أو مقدار، نحو: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [سورة آل عمران: 97] أي: منهم

الثالث: بدل الاشتمال، وهو أن يبدل شيء من شيء مشتمل عليه لا بطريق البعضية، ولكن بطريق الإجمال، نحو:" أعجبني زيد علمه "وقد مثله المصنف بقول:" أعرفه حقه "ومنه:" سرق زيد ثوبه "وحكمه في الضمير حكم بدل البعض، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [سورة الأعراف: 217]. الرابع: البدل المباين لما قبله، وهو مراده بقوله: أو كمعطوف "ببل" وهو منقسم إلى قسمين: أحدهما: بدل الإضراب، وهو ما كان كل منهما مقصودا للمتكلم [إلا أنه أضرب عن الأول، ويسمى بدل البداء. الثاني: بدل الغلط، وهو: ما لم يكن الأول فيه مقصودًا للمتكلم]،

ولكن سبق اللسان إليه، وتمثيل المصنف بقوله:" خذ نبلا مدى "يحتملها باعتبار تقدير القصد وعدمه. ثم بدل الغلط بعضهم يطلق عليه بدل النسيان، وبعضهم يفرق بينهما، فيجعل بدل النسيان قسما سادسا، ويفرق بينه وبين الغلط، بأن الغلط ما سبق إليه اللسان ولم يقصد، والنسيان: ما قصد ذكره إلا أنه تبين له بعد ذلك فساد ذكره؛ فالنسيان متعلق بالقلب، والغلط باللسان، لكن إذا سلم هذا عسر الفرق بين بدل النسيان وبين بدل الإضراب. (ومن ضمير الحاضر الظاهر لا ... تبدله إلا ما إحاطه جلا) (أو اقتضى بعضا أو اشتمالا ... كإنك ابتهاجك استمالا) قد سبق من التمثيل ما عرف به إبدال الظاهر من الظاهر، ولم يسمع إبدال المضمر من الظاهر، وفي إبدال المضمر من المضمر خلاف بين

البصريين والكوفيين، في نحو:" رايتك إياك "فعند البصريين أنه بدل وعند الكوفيين أنه تأكيد، كما سبق، وأما مسألة الكتاب وهي إبدال الظاهر من المضمر، فجائز في ضمير الغائب مطلقا كما هو مفهوم كلام المصنف، نحو: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [سورة المائدة:71] ولا يجوز في ضمير الحاضر المتكلم

ولا المخاطب إلا في المواضع الثلاثة التي ذكرها المصنف: أحدها: أن يكون مفيدا للإحاطة في بدل الكل، نحو:" مررت بكم كبيركم وصغيركم ". الثاني: في بدل البعض، نحو: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو} [سورة الأحزاب: 21]. الثالث: في بدل الاشتمال، "كإنك ابتهاجك" ومثله: (3348 - بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا ... ...........) وأما نحو قوله: (349 - أنا سيف العشيره فاعرفوني ... حميداً قد تذريت السناما)

فنادر، أو يجعل الناصب "لحميد" فعل محذوف، تقديره: اعرفوا. (وبدل المضمن الهمزيلي ... همزا، كمن ذا؟ أسعيد أم على) إذا أبدل اسم من اسم متضمن معنى حرف الاستفهام كأسمائه، ذكرت همزة الاستفهام مع البدل، نحو:" من ذا؟ أسعيد "و" كم مالك؟ أعشرون أم ثلاثون؟ "و" أيهم عندك؟ أزيد أم عمرو؟ "والبدل في ذلك كله من اسم الاستفهام، ويساويه في هذا الحكم المبدل من اسم الشرط، فيعاد معه حرف الشرط، نحو:" من يقم- إن زيد وإن عمر- أقم معه "و" ما تصنع- إن خيراً وإن شراً- تجزبه " (يبدل الفعل من الفعل"كمن ... يصل إلينا يستعن بنا يعن) لا يقع الفعل تابعا إلا في عطف النسق، كما سبق، وفي التوكيد اللفظي، كما سبق، وفي البدل، كـ" من يصل إلينا يستعن بنا "فإن "يستعن" بدل من "يصل" ومثله {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [سورة الفرقان: 68 - 69]، وقول الشاعر: (35 - متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطباً جزلا وناراً تأججا)

النداء

ويقع البدل في الجمل- أيضا- وأكثر ما يبدل من جملة مثلها: نحو: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [سورة الشعراء: 132] وقد تبدل من المفرد. النداء فيه ثلاث لغات، أشهرها كسر النون مع المد، ثم مع القصر، ثم ضمها مع المد، واشتقاقه من ندى الصوت وهو: بعده. (وللمنادى الناء أو كالناء "يا" ... و"أي" و"آ" كذا "أيا ثم "هيا" (والهمز للداني و"وا" لمن ندب ... أو "يا" و"غير" وا "لدى اللبس اجتنب ذكر النداء سبعة أحرف، منها ستة تختص بالمنادى البعيد حسا، وهي مراده بـ"لنائي" أو حكما، وهو المنزل منزلة البعيد لارتفاع محله، أو لانخفاضه، ولذلك استعملت في نداء العبد ربه، وعكسه. الأول: "يا" وهي أم الباب، ولذلك لم يناد اسم الله- تعالى- بغيرها، وتتعين في الاستغاثة.

و"أي" كما ورد في الحديث: (أي: قل هلم) وقد تمد همزتها. "آ" قيل إن أصلها [الهمزة مدت، وقيل أصلها] "أي" قبلت ياؤها ألفا، و"أيا" نحو: (351 - أيا شاعرا لا شاعر اليوم ... ...........) وهي أزيد في البعد من "يا". و"هيا" كقوله: (352 - هيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... .............)

وقيل إن أصلها: "أيا" قلبت الهمزة هاء، كما قالوا "هراق الماء". "وا" كقولهم في الندبة "واعمراه، ومنها واحد يختص بالقريب، وهو الهمزي، نحو: (353 - أمحمد ولأنت ضنء نجيبة ... ............)

ويختص بالندبة- وهي نداء المتفجع على فقده- "وا" و"يا" واستعمال "وا" أكثر، ويجتنب استعمال "يا" عند خوف اللبس بالنداء، وإنما يستعمل مع أمن اللبسن كقوله: (354 - ............ ... وتقول سلمى يا رزيتيه) (وغير مندوب ومضمر وما ... جا مستغاثا قد يعرى فاعلما) قد يعرى المنادى من حرف النداء، وأكثر ما يستعمل ذلك في الأعلام، نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [سورة يوسف: 29] وما يجري مجراها، نحو:

{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [سورة الرحمن: 31] وليس منه: {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} [سورة الدخان: 18] بل الصواب أنه مفعول، ويمتنع ذلك في ثلاثة أشياء: الأول: المندوب، لأن المقصود من الندبة إطالة الصوت، والحذف ينافيه. الثاني: المضمر، ونداؤه قليل، ولذلك لم يتصرف فيه بالحذف،

وأكثر ما ينادى بصيغة المرفوع منه، نحو: (355 - ... يا أبجر بن أبجر يا أنتا ...)

وقد ينادى بصيغة المنصوب، كقول بعضهم:" يا أياك قد كفيتك ". الثالث: المستغاث به، وامتناع الحذف معه للعلة التي لأجلها امتنع الحذف مع المندوب. (وذاك في اسم الجنس والمشار له ... قل ومن يمنعه فانصر عاذله) "ذاك"- إشارة إلى "إن" تعرى المنادى من حرف النداء- يقل في اسم الجنس، وفي اسم الإشارة، ومن وروده في اسم الجنس قولهم: "أصبح ليل"،

وقوله: (356 - أطرق كرا أطرق كرا ... إن النعام في القرى) وهو ترخيم "كروان" اسم جنس لطائر معروف، ومن وروده في اسم الإشارة). (357 - إذا هملت عيني لها قال صاحبي ... بمثلك هذا لوعة وغرام)

وجعل بعضهم منه: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [سورة البقرة: 85] ولا يمتنع ذلك فيهما كما زعم البصريون، والخلاف في اسم الجنس المعين- كما مثل- أما اسم الجنس غير المعين، كقول الأعمى:" يا رجلا خذ بيدي "فلا يجوز الحذف معه اتفاقا، ومن المواضع التي يمتنع فيها حذف حرف النداء:

اسم "الله" إلا إذا عوضت الميم المشددة في آخره نحو: سبحانك اللهم وأما قول أمية بن أبي الصلت: (358 - رضيت بك اللهم ربا فلن أرى ... أدين إلها غيرك الله راضيا) فشاذ، ولا يصح قول من جعله مجرورا على البدل، لما سبق من أن ضمير الحاضر لا يبدل منه الظاهر إلا في مواضع ليس هذا منها، وزعم قوم أنه ممتنع الحذف مع بعد المنادي. (وأبن المعرف المنادي المفردا ... على الذي في رفعه قد عهدا) يبني المعرف في النداء، سواء كان تعريفه سابقا على النداء- نحو: "يا زيد" أو حاصلا بالنداء نحو: "يا رجل" و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 186] وإنما يبني إذا كان مفردا، أي: غير مضاف ولا شبيها بالمضاف فيشمل ذلك نحو:

"يا زيد" و"يا معدي كرب" و "يا زيدان" و"يا زيدون" ولذلك قال:" على الذي في رفعه قد عهدا "فيبني المفرد الصحيح الآخر، وما أعرب إعرابه من جميع تكسر أو جمع مؤنث سالك، أو مركب تركيب مزج على ضمة ظاهرة، ويبني المنقوص والمقصور على ضمة مقدرة، ويبني المثنى على الألف، وجمع المذكر السالم على الواو. (وأنو انضمام ما بنوا قبل الندا ... وليجر مجرى ذي بناء جددا) إذا كان المنادى المعرفة مبينا قبل النداء على غير الضم: نويت فيه ضمة للنداء، (سواء كان علما كـ"سيبويه) على أشهر لغاته-[وحذام- على لغة] أهل الحجاز و"تأبط شرا" أو غير علم، كـ "هذا" ونحوه من أسماء الإشارة، ويظهر أثر تقديم الضم في تابعه، فتقول: "يا سيبويه العالم"

و"يا حذام القاعدة و"يا هذا الرجل" إلا أن الأولين يجوز في تابعها النصب، كما يجوز ذلك في تابع ما تجدد بناؤه بسبب النداء، بخلاف الثالث، كما يأتي وإن كان مبينا على الضم كعلم منقول من "حيث" فهل يقال إنه مبنى على هذه الضمة؟ أو تقدر له ضمة؟ يحتمل الوجيهن، كما في إعراب المضاف إلى المتكلم حال جره. (والمفرد المنكور والمضافا ... وشبهه انصب عادما خلافا) هذه الثلاثة أشياء يجب نصبها في النداء وهي: النكرة المفردة، غير

المقصودة، نحو: (359 - فيا راكبا إما عرضت فبلغن ... ...........)

وأنكر المازني وجوده، والمضاف، نحو: "يا رسول الله"، وشبه المضاف، وهو ما تعلق به شيء من تمام معناه، إما بعمل، نحو: "يا جميلا وجهه" و"يا راكبا فرسا" و"يا خيرا من زيد" وإما بغيره، نحو: "يا ثلاثة وثلاثين" في نداء من سميته بذلك، وفي قصدك هذا العدد [من جملة رجال، أما في ندائك جماعة معينين بهذا العدد] فلك ثلاثة أوجه: بناؤهما معا، مع تكرار حرف النداء، فتقول: "يا ثلاثة ويا ثلاثون" وبناء الأول وإدخال "أل" على الثاني، مجوزا رفعه ونصبه، فتقول: "يا ثلاثة والثلاثون" وإن شئت "الثلاثين" وليس نصب المضاف متفقا عليه- كما ذكر المصنف- بل هو قد حكى عن ثعلب جواز ضم المضاف الصالح بـ"أل".

(ونحو زيد ضم وافتحن من ... نحو: أزيد بن سعيد لا تهن) هذا النوع من أنواع المنادى المبني على الضم يجوز فتح آخره، وهو ما وصف من العلم بـ"ابن" [متصل به] مضاف إلى علم نحو: "يا زيد ابن سعيد" وأكثر البصريين يختار الفتح، ومثله ما أتبع بـ "ابنة" مضافة إلى علم نحو: "يا فاطمة ابنة محمد" ولا يجوز الفتح مع الوصف بـ"بنت" إذ الفتح إنما جاز ابتاعا للهمزة ولا همزة فيها.

(والضم إن لم يل الابن علما ... أو يل الابن علم قد حتما) إذا لم توجد القيود الثلاثة المسوغة للفتح، تعين بقاء المنادى على ضمه، فلا يجوز الفتح في نحو: "يا رجل بن زيد" ولا في:" زيد الكريم ابن عمرو "لأن "الابن" لم يل علما- ولا في نحو:" يا زيد وابن عمرو "- لأن "الابن" التابع غير صفة- ولا في نحو: "يا زيد الكريم"- لأن الصفة غير ابن- ولا يثبت رواية الكوفيين لقوله: (360 - ............... ... بأجود منك يا عمر الجودا) بفتح عمر

(واضمم أو انصب ما اضطرارا نونا ... ما لم استحقاق ضم بينا) إذا دعت ضرورة الشعر إلى تنوين المنادى المبني على الضم، جاز إبقاؤه على ضمه، نحو: (361 - سلام الله يا مطر عليها ... ..........) وجاز نصبه لشبهة بالنكرة، نحو: (362 - أعبدا حل في شعبي غريبا .... ..............)

وبهما ينشد: (363 - .................. ..... مكان (يا جمي): (حييت يا رجل) وهل الأرجح الأول أو الثاني؟ أو يترجح الأول في العلم، والثاني في اسم الجنس، فيه ثلاثة أقوال. (وباضطرار خص جمع "يا" و"أل" ... إلا مع الله ومحكي الجمل) لا يباشر حرف النداء ما فيه "أل" إلا في موضعين: الأول: اسم "الله"، ثم لك فيه إثبات الألفين، وحذفهما، وحذف إحداهما.

الثاني: ما سمي به من الجمل المبدوءة ب"أل" كما لوسميت رجلابـ "المنطق زيد" فإنك تقول في ندائه: يا المنطلق زيد" ومثله ما سمي به من الموصولات المبدوءة بـ "ال" نحو: "يا الذي قام"- إذا كان اسم رجل- وأما نحو: (فيا الغلامان اللذان فرا ... ..................)

فمخصوص بالضرورة. (والأكثر "اللهم بالتعويض ... وشذ "يا اللهم" في قريض) والأكثر في دعاء اسم "الله" تعالى أن يحذف حرف النداء، وتعوض "الميم المشددة" في آخره، فتقول: "اللهم اغفر لنا" وجاء في الشعر

الجمع بين حرف النداء والميم، نحو: (365 - إني إذا ما حدث ألما .. أقول: "يا اللهم يا اللهما) وهو شاذ لما فيه من الجمع بين العوض والمعوض عنه.

فصل (تابع ذي الضم المضاف دون "أل" ... ألزمه نصبا كـ "أزيد ذا الحيل") المنادى المستحق للنصب لا يكون تابعه إلا منصوبا، نحو:" يا عبدا الله الكريم "إلا إذا صلح لمباشرة حرف النداء، فيستحق- حينئذ- ما يستحقه لو باشر حرف النداء- كما يأتي- وأما تابع المنادى المضموم فإن كان مضافا مجردا من "أل" تعين نصبه، سواء كان صفة نحو:" يا زيد صاحب الرجل "، أو توكيداً نحو:" يا تميم كلهم "، أو عطف بيان نحو:" يا زيد أبا عبدا الله "،أو عطف نسق نحو:" يا زيد وغلام عمرو "أو بدلا نحو:" يا زيد أخانا "، ولا دليل مع الأخفش على جواز رفعه. (وما سواه ارفع أو انصب واجعلا ... كمستقل نسقا وبدلا) (وإن يكن مصحوب "أل" ما نسقا ... ففيه وجهان ورفع ينتقي) ما سوى التابع المضاف- مع تجرده من "أل"- يجوز فيه الرفع والنصب،

ويشمل ذلك المفرد المتلبس "بأل" والمضاف المتلبس بها، نحو:" يا زيد الكريم "و" يا زيد الحسن الوجه "يجوز فيها الرفع والنصب في جميع التوابع إلا أنهما لا يتصوران في التوكيد، وبهما قرئ:- في العطف- {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [] وسيبويه، والخليل، والأكثرون: يختارون الرفع فيه، والجرمي يختار النصب، ووافقه المبرد في ما كانت الألف واللام فيه للتعريف- كالآية- لا في ما كانت لغيره، كـ" يا زيد واليسع "ولا يتصور

ذلك في المفرد المجرد من "ال" إلا في عطف البيان، نحو:" يا غلام بشر "، وفي التوكيد نحو:" يا تميم أجمعون "يجوز فيها النصب، وأما في النعت: فلا يتصور لامتناع نعت المعرفة بالنكرة، وفي عطف النسق والبدل يجب فيه الضم، جعلا له كالمستقل، لأن العاطف كالنائب عن العامل، والبدل في نية تكرار العامل، فتقول:" يا زيد وعمرو "و" يا رجلا وزيد "و" يا رجل زيد "و" يا رجلا زيد "، وكما يتعين فيهما النصب إذا كانا مضافين. (وأيها مصحوب "أل" بعد صفة ... يلزم بالرفع، لدى ذي المعرفة) (وأيهذا أيها الذي ورد ... ووصف "أي" بسوى هذا يرد) هذه المسألة مستثناة من التابع الذي يجوز نصبه مع بناء متبوعه على الضم وهو تابع "أي" نحو: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ومثله تابع "أية" نحو: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [سورة الفجر: 37] وإنما لزم رفعه لأنه المقصود بالنداء، وإنما أتي بـ"أي" وصلة إلى ندائه، لتعذر مباشرة حرف النداء له، ولذلك كان وصف "أي" به لازما، بخلاف: "يا زيد الظريف"، وما حكاه

الزجاج- في كتاب المعاني- عن بعضهم من إجازة نصبه غلط، ولا يوصف "أي" في النداء إلا بمتلبس "بأل" الجنسية- كما تقدم- أو بموصول مقترن "بأل" نحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} أو باسم إشارة، نحو:

(366 - ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه ... .............) (367 - ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغي ... ........) وأكثر ما يكون ذلك إذا كان اسم الإشارة موصوفا بما فيه الألف واللام -كما مثل- ووقوعه دونه قليل، كقوله:

(368 - أيهذان كلا زاد كما ... ................) (وذو إشارة كأي في الصفة ... إن كان تركها يفيت المعرفة) إذا وقع اسم الإشارة بعد حرف النداء فإن كان المقصود بالنداء صفته، بحيث إذا تركت فات العلم بتعيينه، كقولك- لقائم بين قوم جلوس- "يا خذا القائم" فإن صفته كصفة ""أي" أي اللزوم، وفي تعين الرفع، أما إذا كان اسم الإشارة هو المقصود بالنداء لكونه متعينا، وإنما أجرى الوصف عليه مدحا، أو ذما، نحو:" يا هذا الكريم "و" يا هذا الخبيث "فحكمها حكم غيرها من الصفات في عدم اللزوم، وفي جواز النصب، ولا يوصف اسم الإشارة إلا بما فيه "أل". (في نحو سعد سعد الأوس ينتصب ... ثان، وضم، وافتح أولا تصب) إذا أتبع المنادى المفرد، المستحق البناء على الضم بمماثل له- لفظا

مضاف، نحو:" يا سعد سعد الأوس "و" يا زيد ويد الخيل "تعين نصب الثاني لكونه تابعا مضافا- كما سبق- وأما الأول فقياسة أن يبقى على ضمه، لأنه منادى مفرد معرفة، لم ينعت "بابن" وقد سمع فيه الفتح نحو: (369 - يا تيم تيم عدي لا أبالكم ... .............) وقوله: (370 - يا سعد سعد اليعملات الذبل ... .............)

واختلف في توجيهه، فعند سيبويه أنه مضاف إلى [ما بعد الثاني، والثاني مقحم، وعند المبرد أنه مضاف إلى] محذوف مماثل لما أضيف إليه الثاني، وعند الفراء أنهما معا مضافان إلى الثاني، وقيل: بل ركبا قبل الإضافة "كخمسة عشر"

المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

المنادى المضاف إلى ياء المتكلم وحكمه في الإعراب النصب، كالمضاف إلى غيرها من ظاهر أو ضمير، والتبويب ليس لما يتعلق بإعرابه، وإنما هو لبيان اختلاف أحوال الياء، أو ما أبدل منها، وذلك من أحكام اللغة، لا من أحكام النحو. (واجعل منادى صح إن يضف ليا ... كعبد عبدي عبد عبداً عبديا) المنادى الصحيح الآخر إذا أضيف إلى ياء المتكلم، ففيه خمس لغات: إثبات الياء ساكنة، نحو: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [سورة الزخرف: 68] وهي أشهر لغاته، إثباتها مع التحريك بالفتح، وهي التي أشار إليها بقوله: "عبديا" وإنما الألف إشباع، وبها قرئ {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [سورة المزمر: 53] وحذف الياء وبقاء آخره على الكسر، نحو: "يا غلام" وقلب الياء ألفا، فيفتح ما قبلها، نحو: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ} [سورة الزمر: 56] وحذف الألف وإبقاء آخره

مفتوحا، نحو: "يا عبد" وبعض العرب يلغي الياء مع الحذف، فيضم آخره كالمستقبل، وبها قرئ شاذا: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [سورة يوسف: 33] ويستثني من ذلك الوصف الصالح للعمل في الياء، فإنه لم يسمع في يائه إلا لغتان: السكون، نحو: "يا مكرمي" والتحريك بالفتح، نحو: "يا مغاضبي"، أما المعتل نحو: "فتى" وقاضي: فليس في يائه إلا التحريك بالفتح، نحو: "يا فتاي" "يا باري" (وفتح أو كسر وحذف أليا استمر ... في "يا ابن أم" "يا ابن عم" لا مفر) وإذا كان المنادى مضافا إلى مضاف إلى ياء المتكلم تعين إثبات يائه، ونحو:" يا أخا صاحبي "و" يا ابن أخي "و" يا زوجة غلامي "إلا إذا كان المضاف إلي الياء "الأم" أو "العم" والمنادى "ابن" فإن الياء تحذف لزوما، ويجوز في ما قبلها إبقاؤه على الكسر، وفتحه إما تخفيفا، وإما للتركيب "كخمسة عشر" وبهما قري: {قَالَ ابْنَ أُمَّ} [الأعراف: 150] وإثبات الياء في نحو:

(371 - يا ابن أمي ويا شقيق ... ...............) ضرورة. وأما نحو: (372 - يا ابنة عما لا تلومي واهجعي ... ..........) فقيل: الألف إشباع، وقيل: بل من باب قلب الياء ألف، "كيا عبداً"، أما إن كان المنادى غير"ابن" فإن الياء تثبت، نحو:" يا غلام عمي،

ويا أخا أمي ". (وفي النداء أبت أمت عرض ... واكسرا أو افتح ومن الياالتا عوض) إذا نودي "الأب" و"الأم" المضافين إلى ياء المتكلم، ففيهما من اللغات الست ما سبق في غيرهما من الصحيح المضاف إلى الياء، ويزيدان على ذلك بجواز تعويض "تاء التأنيث" من ياء المتكلم، ثم الأكثر كسرها، كما قرأ به الأكثرون: {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ} [سورة يوسف: 4] وبعض العرب يفتحها، وبه قرأها ابن عامر وبعضهم يضم التاء، معاملة له معاملة المستقل، كـ "ثبة" وبه قرئ شاذا، وأما نحو: (373 - .... يا أبتا علك أو عساك ...) فقيل: الألف فيه إشباع، وقيل: بل ألف الندبة، وقيل/ بل هي التي تبدل من ياء المتكلم، جمع بين العوض والمعوض منه شذوذا على أسلوب: "يا اللهم".

أسماء لازمت النداء

أسماء لازمت النداء (و"فل" بعض ما يخص بالندا ... "لؤمان، نومان" كذا، واطردا) (في سب الأنثى وزن يا خباث ... والأمر هكذا من الثلاثي) (وشاع في سب الذكور "فعل" ... ولا تقس، وجر في الشعر فل) من الأسماء ما يختص بالنداء، فلا يستعمل في غيره، منها "فل" ومؤنثه "فلة" وليسا ترخيم "فلان" و"فلانة" لأن "فلانا" و"فلانة" كناية عن نحو: "زيد" و"هند" من المعارف، ولا يختصان بالنداء، وأما "فل" و"فلة" فكناية عن نحو: "رجل" و"امرأة" على الأصح، ومجيؤه دون النداء مختص بضرورة

الشعر، كقوله: (374 - ... في لجة أمسك فلانا عن فل ....) وقيل: بل أصل هذا "فلان" حذفت منه الألف والنون ضرورة، على حد قوله: (375 - درس المنا بمتالع فأبان ... ............)

ومنها: "لؤمان"- بضم أوله مع الهمزة- وهو الكثير اللؤم لا اللوم، و"نومان" و"مكرمان"- للكثير الكرم- واطرج من الأسماء اللازمة للنداء: ما جاء على "فعال" مقصودا به سب الإناث- سواء كان مشتقا من الفعل، نحو: "يا خباث" و"يا فساق" و"يا فجار" أو غير مشتق منه نحو: "يا لكاع" ونحو: (376 - ...... ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع)

الاستغاثة

ضرورة، وإنما ينقاس هذا في ما كان من فعل ثلاثي، كما ينقاس منه، مجيء"فعال" بمعنى الأمر، نحو: "نزال" و"تراك" فأما "دراك" فغير مقيس، ولابد في الثلاثي الذي ينقاس فيه ذلك أن يكون تاما متصرفا. وشاع في سب المذكرين وزن "فعل" لازم للنداء، نحو: "يا عذر" و"يا فسق" وليس بمقيس كما زعم تبن عصفور. الاستغاثة وهي نوع من أنواع النداء، فإنها نداء من يخلص من شدة، أو يعين على مشقة ولا يستعمل فيها من حروف النداء إلا "يا" ولا يحذف معها- كما سبق- ويقال: "مستغيث" "ومستغاث" ولا يحتاج إلى أن يقول "به" لأن الفعل متعد بنفسه. (إذا استغيث اسم منادى خفضا ... باللام مفتوحا، كيا للمرتضى) إذا قصد بالنداء الاستغاثة لزم- غالبا- خفض المنادى بلام الجر، وتفتح معه الفرق بين المستغاث والمستغاث من أجله فإنها لا تكون معه إلا مكسوة، نحو: "يا للمرتضى للبائس" و "يالله للمسلمين".

(وافتح مع المعطوف إن كررت يا ... وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا) إذا عطفت على المستغاث اسما مجرورا باللام فإن كررت "يا" مع الثاني فتحت اللام- أيضا- نحو: (37 - يا لقومي ويا لأمثال قومي ... .............) وإن لم تكرر "يا" كسرتها، نحو: (378 - ................ ... با للكهول وللشبان للعجب)

(ولام ما استغيث عاقبت ألف ... ومثله اسم ذو تعجب ألف) قد تعاقب اللام الجارة- في الاستغاثة- ألف تتصل بآخر الاسم، كألف الندبة، يستغنى بها عن اللام، كقوله: (379 - يا يزيدا لآمل نيل عز ... وغنى بعد فاقة وهوان) وتجرد المستغاث منهما نحو: (380 - ألا يا قوم للعجب العجيب ... .............) نادر. ومثل المستغاث في الجر باللام المفتوحة ما دخل عليه حرف النداء لقصد التعجب منه، كقولهم

الندبة

" يا للكمأة وياللكلا "تعجبا من كثرتهما- ويعاقبها ألف نحو: (381 - يا عجبا ........ ... ..............) الندبة هي تعبير المنادى المتفجع على فقده، نحو: "وامحمداه" أو لتنزيله منزلة المفقود، كقوله عمر- وقد أخبر بحدب أصاب بعض العرب- "واعمراه" أو للمتوجع له، نحو:

(382 - فواكبدا من حب من لا يحبني ... ...............) أو منه، نحو"وامصبيتاه"، ولا يستعمل فيها من حروف النداء إلا "وا" و"يا" (ما للمنادى اجعل لمندوب وما ... ......) يستحق المندوب من الإعراب ما يستحقه المنادى العاري عن الندبة، فيضم في نحو: "وازيد" وبنصب في نحو "وأمير المؤمنين"، ولا يندب نكرة "كرجل" و"امرأة" ولا مبهم كأسماء الإشارة، "وأي" لأن المقصود إنما هو عظم الفجيعة بفقد المندوب، واشتهار حاله، بالندبة له، وذلك لا يجعل إلا مع التعيين.

(ويندب الموصول بالذي اشتهر ... كـ "بئر زمزم" يلي "وامن حفر") الموصول من قسم المبهم، فلا يندب إلا إذا كانت صلته مشهورة، نحو:" وا من حفر بئر زمزماه "إذ قد علم أن حافرها عبد المطلب، فصار بمنزلة:" واعبدا المطلباه ". (ومنتهى المندوب صلة بالألف ... متلوها إن كان مثلها حذف) (كذاك تنوين الذي به الذي به كمل ... من صلة أو غيرها، نلت الأمل) يتصل آخر المندوب- غالبا- بألف، سواء كان مفردا، نحو: (383 - ............. ... وقمت فينا بأمر الله يا عمرا) أو مضافا نحو:" وا أمير المؤمنيناه "، أو نهاية صلة، نحو:" وا من حفر بئر زمزماه "ثم إن كان متلو الألف- وهو الحرف الذي قبلها- مضموما، نحو: "وا زيد" أو مكسورا، نحو: "وا عبد المطلب" حذفت حركته، وفتح

لاتصال الألف به، وإن كان ألفا مثلها، حذفت نحو: "واموساه" وكذلك يحذف تنوين ما كمل به المندوب من صلة نحو: "وا من حفر بئر زمزماه"، أو غير الصلة، كالمضاف إليه، نحو: "وا غلام زيداه"، والمحكي نحو:" وا تأبط شراه ". (والشكل- حتما- أوله مجانسا ... إن يكن الفتح بوهم لابسا) قد تقدم أن ما يليه ألف الندبة إن كان ضمة أو كسرة حذفت، وأبدل مكانها فتحة، لكن لا يفعل ذلك إلا عند أمن اللبس، كما سبق تمثيله- فإن خيف بفتح الآخر حصول اللبس، أتى بألف الندبة مجانسة لحركة الآخر، فتصير واوا بعد الضمة، نحو: "واغلامهوه" و"واغلامكموه" خوفا من التباس الأول بالمضاف إلى ضمير المؤنث، والثاني بالمضاف إلى ضمير المثنى، وياء بعد الكسرة نحو: "واغلامكيه" خوف اللبس بالمضاف إلى ضمير المخاطب. "ووافقا زد هاء سكت إن ترد ... وإن تشأ فالمد، والها لا تزد) وإذا وصلت المندوب بما بعده نحو: "وا عمرا الكريم" لم تلحقه الهاء، وإن وقفت عليه فلك أن تزيد في آخره هاء السكت ساكنة، وقد

تضم للضرورة نحو: (384 - ألا يا عمرو عمراه ... وعمرو بن الزبيراه) ولك أن تقف عليه بالمد، وهو الألف، وما انقلب عنها من واو، أو ياء ولا تأتي بالهاء، كما سبق من قوله: (385 - ............. ... وقمت فينا بأمر الله يا عمرا) (وقائل: "واعبد يا، واعبدا" ... من - في النداء- الياذسكون أبدى) إذا ندب المضاف إلى ياء المتكلم على لغة من أقر الياء فيه ساكنة، فقال: "يا عبدي" جاز حذف يائه لملاقاتها ساكنة لألف الندبة، فيقال: "واعبدا" وهو اختيار المبرد وجاز تحريكها بالفتح لمجانسة الألف، فيقال: "واعبدا يا: وهو اختيار سيبويه ويتعين الأول على لغة من قلب الياء ألف، أو حذفها واجتزأ عنها بالفتحة أو الكسرة، أو عامله معاملة المفرد، ويتعين الثاني على لغة من أقر بالياء، وحركها بالفتح.

الترخيم

الترخيم هو عبارة عن حذف آخر الكلمة، واشتقاقه من الصوت الرخيم، وهو الرقيق، ولا يستعمل في غير النداء إلا ضرورة-كما يأتي- ولا يرخم فيه معرب سواء كان نكرة أو مضافا، ونحو: (386 - أبا عرو لا تبعد فكل ابن حرة ... ..........)

شاذ. ولا محكي، ولا مستغاث، ولا متعجب منه، لا مندوب، وحكي سيبويه الترخيم في الجملة المحكية. كما يأتي: (ترخيما احذف آخر المنادي ... "كياسعا" فيمن دعا سعادا) إذا رخم المنادى حذف الحرف الأخير، أو الكلمة الأخيرة منه، كقولك: "يا سعا"- في نداء: يا سعاد- وكقراءة الأعمش: {وَنَادَوْا يَا مَال} [سورة الزخرف: 77] وإنما توسع في ترخيم المنادى لأنه قد تغير بالنداء، والترخيم تغيير، والتغيير يأنس بالتغيير. (وجوزنه- مطلقا- في كل ما ... أنث بالها، والذي قد رخما) (بحذفها وفره بعد واحظلا ... ترخيم ما من هذه الهاقد خلا) (إلا الرباعي فما فوق العلم ... دون إضافة وإسناد متم)

الترخيم جائز- مطلقا- في كل ما أنث بالهاء، سواء كان علما لمذكر "كطلحة" أو لمؤنث "كعائشة"، زائدا على ثلاثة أحرف- كما مثل- أو على ثلاثة، "كهبة أو "ثبة" علمين- أو غير علم، "كجارية" قال الشاعر: (387 - ... جاري لا تستنكري عذيري ...) ويرخم ما هي فيه بحذفها- كما مثل- وكقوله: (388 - أعائش مالقومك لا أراهم ... .........)

ويوفر ما رخم بحذفها، فلا يحذف منه شيء بعد ذلك، بل يقر حرف اللين- إن كان قبلها- على حاله مطلقا. و"يحظل" أي: يمنع ترخيم ما خلا من هاء التأنيث إلا إذا كان علما زائدا على ثلاثة أحرف، خاليا من تركيبي الإضافة والإسناد، "كجعفر" من أعلام المذكر، و"زينب" من أعلام المؤنث، فلا يرخم نحو: "إنسان"- لفقد العلمية- ولا نحو: "زيد" لانتقاء الزيادة على الثلاثة، ولا تأثير لحركة وسطه، "كحكم" ولا نحو: "عبد الله" -لأنه مضاف- ولا نحو: "برق نحره" لأن فيه إسنادا. (مع الآخر احذف الذي تلا ... إن زيد لينا ساكنا مكملا) (أربعة فصاعدا، والخلف في ... واو وياء بهما فتح قفي)

إذا حذف الآخر للترخيم، وكان ما قبله صحيحا أقر فلم يحذف، وإن كان معتلا، وهو المراد بقوله: "لينا" حذف مع الآخر، سواء كان واو، "كمنصور" أو ياء كمسلمين" أو ألفا، "كمروان" وإنما يحذف بشرطين: أحدهما: أن يكون ساكنا. الثاني: أن يكون مكملا لأربعة أحرف فصاعدا، كما مثل، ومن وروده: (389 - يا مرو إن مطيتي محبوسة ... .............. ز) وقوله:

390 - يا أسم صبراً على ما كان من حدثٍ ... .................. فلو كان حرف اللين الذي يليه الآخر متحركاً نحو: "هبيخا" و "مشتور" - إذا سميت بهما- ويتصور ذلك في الألف المنقلبة عن متحرك، كـ "مختار"، و"منقاد" - علمين - لم يحذف حرف اللين في ذلك كله، وكذا لو كان حرف اللين ثالثاً، كـ "ثمود" و "سعيد" و "عماد" لم يحذف، وفي اشتراط كون ما قبل الواو [والياء مجانساً لهما - بأن يكون مكسوراً قبل الياء، ومضموماً قبل الواو-] خلاف، فسيبويه والأكثرون يشترطون ذلك، فلا يجيزون حذف حرف العلة في نحو "فرعون"

و"غرنيق" لأن ما قبل الواو والياء فيهما مفتوح، والفراء لا يشترط ذلك، فيجيز حذفه، وإلى هذه المسألة أشار بقوله: (..... .... ... والخلف في ... واوٍ وياءٍ بهما فتحٌ قُفِي) لأنه لا يتصور قبلهما حركة غير مجانسة إلا الفتحة، فلا يتصور ضمة قبل الياء، ولا كسرة قبل الواو، ولا خلاف [في حذف] الواو والياء من نحو: "مصطفون" و "مصطفين" وإن كان قبلهما فتح، لأن الحركة المجانسة فيهما مقدرة، وإنما عدل إلى الفتح لخوف اللبس باسم الفاعل. (والعجز احدف من مركبٍ وقل ... ترخيم جملةٍ، وذا عمروٌ نقل) هذا القسم الثاني من قسمي الترخيم، وهو ما تحذف منه الكلمة الأخيرة، وهو المركب تركيب مزج، فإنك تحذف عجزه، فتقول في "معدي كرب"، و"سيبويه" - مرخمين - "يا معدي" و "يا سيب".

وقل ترخيم الجملة المنقولة إلى العملية بحذف عجزها، وهذا نقله عمرو، أبو بشر إمام النجاة، الملقب "سيبويه" في باب النسب من كتابه: لا في باب الترخيم. (وإن نويت بعد حذف ما حُذف ... فالباقي استعمل بما فيه ألف) (واجعله إن لم تنو محذوفا كما ... لو كان بالآجر وضعا تمما) إذا رخم المنادى فلك فيما بقي منه وجهان.

أحدهما أن تنوي المحذوف، فتترك الباقي على ما كان عليه قبل الحذف من حركة أو سكون، فتقول: "يا جعف" و "يا منص" و "يا جار" و "يا هرق" بفتح الأول، وضم الثاني، وكسر الثالث، وإسكان الرابع. والثاني: أن لا ينوي المحذوف، بل يجعل ما بقي بمنزلة الاسم المقتيل الذي تم وضعه بالحرف الأخير منه، فتبنيه على الضم - مطلقاً - وتجعل الضمة في "يا منص" حادثةً للبناء، والاول أكثر في الاستعمال، وبه قرئ: "يا مال". (فقل على الأول في ثمود يا ... "تمو" ويا "ثمى" على الثاني بيا) إنما قلت على الوجه الأول: "ياثمو" لأن المحذوف كالملفوظ به، فليست الواو آخراً، وأما على الثاني: فتقلب الواو ياء، والضمة التي قبلها كسرة، لأنه ليس في كلامهم اسم معرب آخره واو لازمة قبلها ضمة، نعم قد يوجد ذلك في الفعل، كـ "يغزو" وفي المبني، كـ "هو"، وفي ما واوه غير لازمة كـ"أبوه" ومع سكون ما قبل الواو كـ "عدو" فلذلك قلبت الواو ياء، كما قلبت في جمع "جرو" و"دلو" مع أن قياسهما: "أرجروٌ" و "أدلوٌ" -على وزن "أفعلٌ"- واللم واو، وكذلك تقول على الأول: "ياعلاو" -ترخيم علاوة- لأن

الواو ليست أخراً في التقديري، وتقول على الثاني: "ياعِلاءُ"، بإبدال الواو همزة لوقوعها آخراً بعد ألف، كـ "كساء". (والتزم الأول في كـ "مسلمة" ... وجوز الوجهين في كـ "مسلمة") ما رُخّم بحذف تاء التأنيث فلك في آخره من مراعاة المحذوف، وعدم مراعاته وجهان كغيره، فتقول في "مسلمة" على الأول: "يا مَسْلَمَ" - بالفتح - وعلى الثاني: "يا مَسلَمُ" - بالضم - وكذلك تقول: "يا فاطمَ"، و "يا فاطمُ" إلا أن يعرض بسبب عدم مراعاة المحذوف لبس، كما في نحو: "مسلمة" و"قائمة" ونحوهما من صفات المؤنث، وكـ"حارثة" و "حصفة" وغيرهما من أعلامه، فإنه يجب إبقاء أواخرها كلها على الفتح، لما يعرض مع الضم من التباسها بصفة المذكر أو علمه. (ولاضطرار رخموا دون ندا ... ما للندا يصلح نحو: أحمدا) يرخم غير المنادى في ضرورة الشعر، لكن بشرط صلاحيته للنداء، نحو: "أحمد" وغيره من الأعلام، فلو لم يصلح لمباشرة حرف النداء له كالغلام لم يرخم، ونحو: (391 - ... أو الفامكة من ورق الحمى ...)

في غاية الشذوذ، ومن شرطه - أيضاً - أن يصلح للترخيم في النداء، فلا يرخم مضاف، ولا ثلاثي إلا أن يكون ختتما بالتاء، ثم لك بعد ترخيمه أن تجعله كالمستقل، فتعرب ما بقي بما يقتضيه العامل، وهو الأكثر كقوله: (392 - مررت بعقبٍ وهو قد ذل للعدا .....................) وقوله:

(393 - ديار مية إذ مي تساعفنا .................) ولك أن تنوي المحذوف فتتركه على حاله، كما هو الأرجح في النداء، كقوله: (394 - ..................... وأضحت منك شاسعةً أُماما) أصله: أمامة.

الاختصاص

الاختصاص الباعث على الاختصاص إما فخر، نحو: "بي أيها الشجاع فدافع" وإما تواضع، نحو: "إني أنا العبد الفقير إلى عفو ربي"، وأما تأكيد، كقوله: -صلى الله عليه وسلم- (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) ولا يقع إلا بعد ضمير المتكلم، إما متصلاً، وإما منفصلاً - كما مثل -[ونحو: "بك الله نرجوا الفضل" نادر]. (الاختصاص كنداءٍ دون يا ... كـ "أيها الفتى" بإثر ارجونيا) يعامل الاسم في الاختصاص بما يعامل به في النداء، وأكثر ما يكون الاختصاص بـ "أي" أو تأنيثها، فيبنيان على الضم، لشبههما بالمنادى،

مردفان بـ "هاء" مقحمة للتنبيه" متبعان بصفة لازمة واجبة الرفع، متصلة بـ "أل الجنسية"، نحو: "أنا أيها الرجل أولى بالجميل" و (اللهم اغفر لنا أيتها العصابة) ويفارق النداء في أنه لا يستعمل معه حرف النداء ولا يقع في ابتداء الكلام، وإنما يقع في أثنائه، أو بعد تمامه - كما مثل - وينتصب مع الإفراد، ويدخل عليه الألف واللام قياساً، ولا يأتي علما. (وقد يرى ذا دون "أي" تلو "أل ... كمثل: "نحن العرب بأسخى من بذل) أي قد يرى الاختصاص دون "أي" فيكون اسماً مفرداً تالياً لـ "أل" كمثل: "نحن العرب أسخى من بذل"، وقد يأتي مضافاً إلى ملتبس بـ "أل" كمثل: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"، ويجب نصبه في المثالين بفعل محذوف، لا يظهر تقديره: أخص، وليس نصبه بحرف النداء مقدراً، لامتناع تقدير الحرف مع "أل" في مثل: "نحن العرب".

التحذير ... والإغراء

التحذير ... والإغراء والفرق بينهما أن التحذير: تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه، والإغراء: تنبيه على أمر محبوب ليرتكبه. (إياك والشر ونحوه نصب ... محذر بما استتاره وجب) إذا ذكر المحذر بلفظ "أيا" وجب استتار الناصب له، والمحذر منه، سواء كان المحذر منه معطوفاً بالواو، نحو: "إياك والشر" أو غير معطوف، نحو: "إياك الأسد" و "إياك من الأسد" أو مكرر نحو: (395 - فإياك إياك المراء فإنه .....................) إلا أن تقدير العامل يختلف في ذلك، فتقدير الأول: احذر تلاقي نفسك والأسد، ثم حذف المضاف الأول وهو "تلاقي" وأقيم الثاني مقامه، ثم حذف الثاني وأقيم الثالث - وهو الضمير - مقامه، فانفصل، فعطف عليه بالنصب، ثم حذف الفعل لظهور المعنى.

وتقدير الثاني: أحذرك الأسد، ثم حذف الفعل، فانفصل الضمير، وكذلك تقدير الثالث، والرابع، إلا أنه كرر فيه الضمير تأكيداً، ونحو: "إياك أن تقوم" من النوع الثالث، لأنه في تقدير: من أن تقوم. (ودون عطف ذا لـ "إيا" انسب وما ... سواه ستر فعله لن يلزما) (إلا مع العطف أو التكرار ... كالضيغم الضيغم يا ذا الساري) قد تقدم أنه مع العطف يكون العامل فيهما مضمراً، فبدون العطف يكون العامل في "إيا" واجب الاستتار - أيضاً - وما سوى التحذير بـ "إيا" إن كان مفرداً غير معطوف عليه لم يجب ستر العامل فيه، سواء ذكرت المحذر نحو: "رأسك" أو الحذر منه، نحو: "الأسد" فيجوز ظهور العامل فيهما، ومنه: (396 - خل الطريق لمن يبنى المناربه .... .......................)

وإن كان مكرراً، نحو: "الضيغم الضيغم" - تريد الأسد الأسد - أو معطوفاً عليه المحر منه، نحو: "رأسك والسيف" أو عطف أحد المحذر منهما على الآخر، كـ {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:13] فاستتار الفعل الناصب في ذلك كله واجب، كما يجب مع "إيا". (وشد "إيّاي" و "إيّاه" أشذّ ... وعن سبيل القصد من قاس انتبذ) "إيا" المتعملة في التحذير مختصة بالمردفة بكاف الخطاب المفرعة نحو: إياك، وإياكِ، وإياكما، وإياكم، وإياكن، وشذ استعماله مردفاً بما يدل على المتكلم، كقول عمر -رضي الله عنه-: "وإياي ونعم ابن عفان" وأشذ منه اتصاله بما

يدل على الغائب، وأشذ منه اتصاله باسم ظاهر [وقد اجتمعا في قول بعضهم: "إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب"] ولا ينقاس شيء من ذلك إلى مع الخطاب. (وكمحذر بلا "إيا" اجعلا ... مغرى به، في كل ما قد فصلا) أي: حكم المغرى به حكم المحذر منه إذا لم يكن معه "إيا" فيلزم ستر العامل فيه مع العطف، نحو: "السلاح والخيل" ومع التكرار، نحو: (397 - أخاك أخاك إن من لا أخاً له ... ................) وتقدير العامل: "الزم" ولا يلزم ستر العامل دونهما، نحو: "الصلاة

أسماء الأفعال والأصوات

جامعة" فإن تقديره: "احضروا" ولو ظهر جاز، و"جامعةً" منصور على الحال من الصلاة، ولو رفعا على الابتداء والخبر لجاز. أسماء الأفعال والأصوات هذا النوع المبوّب عليه داخل في قسم الأسماء عند البصريين، لدخول التنوين عليها في غير ضرورة، وأفعال عند الكوفيين للزومها الإسناد، وقيل: ما سبق استعماله في ظرفيةٍ أو مصدريةٍ باقٍ على اسميته، كـ "دونك زيد" و "فرطك زيداً" وما عداه فعل، كـ "نزال"، وقيل: بل قسم مستقل يسمى خالفة الفعل. (ما ناب عن فعل كـ"شتان" و"صه" ... هو اسم فعل، وكذا: "أوه" و "ومه") اسم الفعل هو ما ناب عن الفعل معنى واستعمالاً، والمراد بالاستمعال جريانه كالفعل في عدم التأثر بالعوامل، وبذلك خرجت المصادر والصفات العاملة، فإنها تتأثر بالعوامل، وتنقسم إلى نائب عن الماضي، كـ "شتان" - بمعنى: افترق - ولذلك لا يسند إلا إلى متعدد، إما بعطف، نحو: "شتان

زيد وعمر" أو بضم، كـ "شتان القوم" ومنه: شتان ما بين زيد وعمرو" أو بضم، كـ"شتان القوم" ومنه: شتان ما بين زيد وعمرو. لأن "ما" موصولة، بمعنى الأمكنة، وقيل: "ما" و "بين زائدتان، وإلى نائب عن الأمر، كـ"صه" -بمعنى: اسكت - و"مه" - بمعنى: اكفف - ولا يسند إلى ظاهر، وإلى نائب عن المضارع، كـ "أوه" -بمعنى: أتوجع - و"إفٍ - بمعنى: أتضجر - و"مخ" - بمعنى: أكره - ولم يستعمل إلا بمعنى مضارع المتكلم، ولذلك لا يظهر بعد الفاعل. (وما بمعنى: "افعل" كـ "آمين" كثر ... وغيره كـ "وي" و "÷يهات" نزر) أكثر ما يستعمل أسماء الأفعال نائبة عن فعل الأمر، كـ "آمين" بمعنى: استجب، وقد تحذف المدة منه، وقد تشدد الميم مع حذفها، ومثله في الدلالة على الأمر "هيت" بمعنى: أسرع، و "حيهل" قربت منه،

و"هلم" - بمعنى: أقبل - و"نزل" وبابه، وقد تقدم في باب الأسماء اللازمة للنداء أنه ينقاس من كل فعل ثلاثي، تام، متصرف، ويقل استعمالها نائبة عن المضارع كـ "كوي" - بمعنى: أتعجب - كقوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} [القصص:82] ويقال فيها: "وا"، نحو: (398 - ... وابأبى أنت وفوك الأشنب ...)

ومثلها: (399 - ... واهاً لسلمى ثم واهاً واها ...) أو نائبة عن الماضي، كـ "هيهات" - بمعنى: بعد - وهي مفتوحة التاء عند الحجازيين، وبنو تميم يكسرونها، وعقيل تضمها، وبهما قرئ شاذاً {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون:36] وأكير ما تستعمل مكررة.

(والفعل من أسمائه "عليكا" ... وهكذا "دونك" مع "إليكا") (كذا "رويد" "بله" ناصبين ... ويعملان الخفض مصدرين) اسم الفعل ينقسم إلى موضوع له بالأصالة كالأمثلة السابقة، وإلى منقول إليه بعد الاستعمال في غيره، ثم النقل إما من جارٌ ومجرو، كـ"عليك زيدا" - بمعنى: الزم - قال تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} [المائدة:105]، و"إليك عن زيد" - بمعنى: تنح - وإما من ظرف، كـ"دونك" -بمعنى: خذ- ومثله: "مكانك" - بمعنى: اثبت - و "وراءك" - بمعنى: تأخر - و"أمامك" - بمعنى: تقدم - وإما من مصدر استعمل فعله، كـ"رويد" -بمعنى: امهل- فإنه تصغير: "إرواد" مصدر: أورده -بمعنى: أمهله- ثم صغر تصغير ترخيم، فقيل: "رويدا" ثم نقل عن المصدرية، فاستعمل اسم فعل، فنصبوا به ما بعده، من غير تنوين، وإما من مصدر لم يستعمل فعله، كـ"بله زيداً" -بمعنى: دع- فإنه "بله" في الأصل: مصدر فعل مهمل مرادف لـ"دع"، وإن أريد بهما المصدرية خفض ما بعدهما بإضافتهما إليه، فقيل: "رويد زيدٍ" و "بله عمروٍ" كما يضاف المصدر إلى مفعوله، وينفرد "رويداً" بأنه يعمل النصب في مصدريته -أيضاً- فيفرق بينه وبين اسم الفعل التنوين، نحو: "رويداً زيداً". (وما لما تنوب عنه من عمل ... لها، وآخر مالذي فيه العمل)

أي: تعمل أسماء الأفعال عمل الأفعال التي نابت عنها، فما ناب منها عن لازم كـ"صه" و"نزال" و"هيهات" اقتصر على رفع فاعل، وحكمه في وجوب استتار الفاعل وظهوره حكم ما ناب عنه، -كما سبق- وما ناب منها عن متعد كـ"دونك" و "عليك" نصب مفعولا، وإن استعمل [شيء منها] بمعاني أفعال متعددة اختلفت أحواله، كـ"حيهل" فإنهم قالوا: "حيهل الثريد" -بمعنى: ائت- و"حيهل على الخير" -بمعنى: اقبل-[و"حيهلا بلدا" -بمعنى: حي به-] ولم يسمع بعد "آمين" مفعول، مع كونه بمعنى: استحب. ويفارق اسم الفعل مسماه في كونه لا يجوز تقدم معمول عليه،

بخلاف الفعل، فلا يقال: "زيداً بله" كما يقال: "زيداً اترك" ونحو: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء:24] وقوله: (400 - ... يا أيها المائح دلوي دونكا ...) معمولان لفعل مقدر. (واحكم بتنكير الذي ينون ... منها تعريف سواه بين) تنقسم أسماء الأفعال بالنسبة إلى لزوم التنوين، ولزوم التجرد منه، وجوازهما ثلاثة أقسام: فالأول: كـ"واها" و "ويها" -بمعنى: أتعجب- فهما في الأسماء بمنزلة "أحد" و "ديار" وغيرهما مما يلزم التنكير. والثاني: كـ"شتان" و "نزال" وبابه، فهي بمنزلة ما لزم التعريف كالمضمرات وأسماء الإشارة.

والثالث: كـ"صه" و "مه" و "إيه" -بمعنى: زد- فإنك إذا نونتها كانت بمنزلة النكرة في دلالتها على مطلق المسمى، وإن ترك تنوينها، فهي بمنزلة المعارف إما على معين، وإما على الجنس، فهي بمنزلة: "رجل" و "ثوب" ونحوهما مما يقبل التعريف والتنكير. (وما به خوطب ما لا يعقل ... من مشبه اسم الفعل صوتاً يجعل) الأصوات نوعان: أحدهما: ما وضع لخطاب ما لا يعقل من الحيوانات، وهو شبيه باسم الفعل، فلا يدخل في ذلك مخاطبتهم الدرر، والمنازل، وغيرهما، نحو: (401 - ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ......................) ونحوه:

(402 - ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ...................) لعدم شبهه باسم الفعل، بخلاف قولهم في زجر البغل: "عدس" وقولهم في حث الإبل على الشرب: "جأجأ" -بالهمز- وفي دعاء الضأن "جاجا" -غير مهموز- وفي دعاء الماعز "عاعا" -عغير مهموزين أيضاً- فإنها كلها شبهة باسم الفعل. (كذا الذي أجدى حكايةً كـ "قب" ... والزم بنا النوعين فهو قد وجب) هذا النوع الثاني من الأصوات، وهو ما وضع لحكاية صوت، إما صوت حيوان، وإما صوت جسم ملاق لآخر، فمن الأول قولهم في حكاية صوت الغراب: "غاق" وفي حكاية صوت طيران الذباب: "خازباز" وفي حكاية صوت الضحك: "طيخ". ومن الثاني: قولهم في حكاية صوت الضرب: "طاق" وفي حكاية صوت وقع الحجر: "طق" وفي حكاية وقع ضربة السيف" "قب" وكل من نوعي أسماء الأفعال شبهها بالحرف في النيابة عن الفعل مع عدم التأثر بالعوامل، وعلة بناء أسماء الأصوات شبهها بالحرف المهمل في وقوعها غير عاملة ولا معمولة.

نونا التوكيد

نونا التوكيد هل كل منهما أصل بنفسها؟ أو الثقيلة هي الأصل، ثم اختصرت منها الخفيفة؟ أو العكس ثم ثقلت لقصد زيادة التوكيد؟ فيه ثلاثة أقوال: (للفعل توكيدٌ بـ"نونين" هما ... كنوني اذهبن واقصدنهما) إذا قصد تأكيد معنى الفعل ألحق في آخره نون ثقيلة، كـ"اذهبن" أو خفيفة، كـ"قاصدنهما" وقد اجتمع التأكيد بهما في قوله تعلى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:32] ويفترقان في اللفظ والمعنى والاستعمال، أما الأول فظاهر، وأما في المعنى: فلأن التوكيد بالثقيلة أبلغ منه بالخفيفة، وأما الثالث فلأن الخفيفة ترسم بالألف، ويوقف عليها بالألف كالتنوين، إلا أنها تفارقه في ثبوتها مع التركيب، كـ"قصدنهما". (يؤكدان "افعل" و "يفعل" آتيا ... ذا طلب أو شرطاً اما تاليا) (أو مثبتا في قسمٍ مستقبلا ... وقل بعد "ما" و "لم" وبعد "لا") (وغير "إما" من طوالب الجزا ... وآخر المؤكد افتح كـ"ابرزا") التأكيد بالنونين يختص بفعلي الأمر والمضارع،

ولا يدخلان على الماضي، فأما الأمر: فيؤكد إنه بلا قيد، وأما المضارع فينقسم توكيده بهما إلى مطرد، وإلى قليل، فالمطرد منه ثلاثة مواضع. الأول: أن يدل على طلب، إما أمراً نحو: "ليقومن زيدٌ" وإما نهاً نهو: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا} [إبراهيم:42] وإما دعاءً نحو: "لتسقينا الغيث يا إلهنا" ويلتحق بالطلب ما أشبهه من التحضيض، والتمني، والاستفهام، نحو: (403 - هلا تمُنِّن بوعدٍ غير مخلفةٍ ... ....................) وقوله: (404 - فيلتك يوم الملتقى ترينني ... ...................)

وقوله: (405 - ................. ... أفبعد كندة تمدحن قبيلا؟) الثاني: أن يقع بعد "إن" الشرطية المؤكدة بـ"ما" نحو: {فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} [مريم:26] {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال:58]. الثالث: أن يقع في جواب القسم وهو مثبت مستقل، نحو: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء:57] {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} [مريم:68] ولا يؤكد بها منفي نحو: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف:85] ولا حال، نحو:

(406 - يمينا لأبغض كل امرئٍ ... يزخرف قولاً ولا يفعل) والتأكيد في هذا القسم الثالث واجب، فإن عري عن التوكيد بالنون قدر قبله حرف النفي، فإذا قلت: "والله يقوم زيد" كان المعنى نفي القيام عنه، ويجب في المثبت دخول اللام عليه مع النون، [فإن فصل بينه وبين اللام امتنعت النون]، نحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ} [الضحى:5] وأما الثاني فليس توكيده واجباً، إلا أن تجرده من التوكيد لا يكاد يوجد إلا في الشعر، نحو: (407 - يا صاح إما تجدني غير ذي جدةٍ ... ................)

وأما الأول فالتأكيد فيه وتركه شائعان، والقليل منه أربعة مواضع: الأول: إذا وقع بعد "ما" والمراد بها "ما الزائدة" نحو: (408 - قليلاً به ما يحمدنك وارث ... ................) لا النافية، فإنه لم يسمع تأكيد الفعل بعدها. الثاني: إذا وقع بعد "لم" كقوله: (409 - ... يحسبه الجاهل ما لم يعلما ...) (410 - ... شيخاً على كرسيه معمما ...)

الثالث: إذا وقع بعد "لا" النافية، كقوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25]. الرابع: أن يقع شرطاً لغير إن المؤكدة بـ"ما"، كقوله: (411 - من تثقفن منهم فليس بآيبٍ ... ................)

وهو في الأول والثالث أكثر مه في الآخرين، ويجب بناء آخر الفعل المؤكد على الفتح، ما لم يتصل به ضمير. (واشكله قبل مضمرٍ لينٍ بما ... جانس من تحركٍ قد علما) هذه المسألة مستثناة من وجوب فتح آخر الفعل المؤكد، وهو ما إذا أسند الفعل إلى مضمرٍ ذي لين -وهو الألف والواو والياء- فإنك تجعل [آخر الفعل] حينئذ محركاً بحركة تجانس الضمير، فتضمه قبل الواو، نحو: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ} [آل عمران:186] وتكسره قبل الياء، نحو: {فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} وتفتحه قبل الألف نحو: {وَلا تَتَّبِعَانِّ} [يونس:89]. (والمضمر احذفنه إلا الألف ... وإن يكن في آخر الفعل ألف) (فاجعله منه رافعاً غير اليا ... والواو ياءً كاسعين سعيا) (واحذفه من رافع هاتين وفي ... واوٍ ويا شكلٌ مجانسٌ قفي) (نحو "اخشين يا هند" - بالكسر و "يا" ... قوم اخشون واضمم وقس مسوِّيا) أي إذا كان في آخر الفعل المؤكد بالنون ذمير ذولين حذفته إن كان

غير ألف، فيشمل ذلك الواو، نحو: "هم يضربن" والياء، نحو: "أنت تضربن" أصلهما: "تضربون" و "تضربين" حذفت الواو والياء لالتقاءهما ساكنين مع أول نوني التوكيد الساكنة للإدغام فيما بعدها، وسواء كان آخر الفعل صحيحاً -كما مثل- أو معتلا بالواو والياء، نحو: {لَتُبْلَوُنَّ} {فَإِمَّا تَرَيْنَ} فإن كان الضمير ألفا أقر على حاله، سواء كان الفعل صحيحاً أو معتلاً، نحو: "هما يضربان، ويعدوان، ويرميان، ويخشيان" وأما حكم آخر الفعل المعتل [فقد سبق أن المعتل] بالواو، والياء لا يحذف حرف العلة منه، وأما المعتل بالألف فإن رفع غير الواو والياء من ألف أو ضمير مستتر قلبت ألفه ياء، نحو: "أحشين يا زيد" ومثله: "اسعين سعيا" و "اخشيان" و "أنتما تسعيان" وإن رفع الواو والياء حذف ألفه، وحرك كل واحد من الواو والياء بما يجانسه، فتحرك الياء بالكسر، نحو: "احشين يا هند" والواو بالضم، نحو: "يا قوم اخشون" ويقاس على ذلك جميع الأفعال المعتلة بالألف، ولا يتوجه تفريق النجاة بين المعتل بالألف والمعتل بالواو والياء وجعلهم المحذوف في المعتل بالألف آخر الفعل دون الضمير، وعكسهم ذلك في المعتل بالواو والياء، كما سبق.

(ولم تقع خفيفة بعد الألف ... لكن شديدة وكسرها ألف) أخذ في بيان الأحكام المختصة بالنون الخفيفة، وهي أربعة: أولها: هذا، وهو عدم وقوعها بعد ألف الضمير، وإنما يقع بعدها الثقيلة، نحو: {وَلا تَتَّبِعَانِّ} [يونس:89] ويجب كسرها لشبهها بنون التثنية، ثم المانع من وقوع الخفيفة بعد الألف الفرار من التقاء الساكنين، فلو كان بعدها ما تدغم فيه ففي كونه مسوغاً لوقوعها بعد الألف قولان، والحق ما ذهب إليه يونس من جواز وقوعها بعد الألف مطلقاً، ثم تكسر لالتقاء الساكنين، لا كما قال أبو علي أنها تقر على سكونها، على حد قولهم: "حلقتا البطان"

ومنه قراءة بعضهم: {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان:36] وحمل قراءة ابن ذكوان {وَلا تَتَّبِعَانِّ} - مخففا- عليه أولى من حملها على النفي، وتكون النون للرفع. (وألفاً زد قبلها مؤكدا ... فعلا إلى نون الإناث أسندا) هذا الحكم الثاني من أحكام الخفيفة، وهو أنه لا يؤكد بها الفعل المسند إلى نون الإناث، لأنه إذا أكد بالنون الثقيلة لزم أن يفصل بينها وبين نون الإناث بألف فيقال: "هن يضربنان" كراهية لتوالي النونات، والخفيفة لا تقع بعد الألف. (واحذف خفيفة لساكن ردف ... وبعدغير فتحة إذا تقف) (واردد إذا حذفتها في الوقف ما ... من أجلها في الوصل كان عدما) (وأبدلنها بعد فتح ألفا ... وقفا كما تقول في: قفن "قفا) هذان الثالث والرابع من الأحكام المختصة بالخفيفة، فالثالث: أنها تحذف لملاقاة الساكن بعدها، كقوله:

412 - (لا تهين الفقير علك أن ... تركع يوماً والدهر قد رفعه) أصله: "تهينن". والرابع: أنها تعامل بما يعامل به التنوين، فتقف بحذفها إن وقفت بعد غير فتحة، من كسر أو ضم، ولا يتصور ذلك إلا في الفعل المسند إلى الواو، والياء- كما سبق- وحينئذ فلا يبقى آخر الفعل على حاله معها، لكن يجب أن يرد إليه ما كان قد حذف من أجلها للوصل، فتقول [في نحو:] "القوم يكرمن أضيافهم" و "أنت تكرمن بعلك" إذا وقفت على الفعل "يكرموا" و "تكرمي" بحذف النون لشبهها بالتنوين، ورد الواو والياء لزوال ما حذفا من

أجله من ملاقاة الساكن بعدهما، وإن كانت النون بعد فتحة نحو: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15] وقف عليها بإبدالها ألفا، كما يفعل ذلك في التنوين الواقع بعد فتحة، فتقول على هذا في: "قفن يا زيد" - إذا وقفت- "قفا" ومنه قوله: 413 - (..................... ... ولا تعبد الشيطان والله فاعبد) وقيل إنه منه: 414 - (قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل ... ..................) معاملة للوصل بما يعامل به الوقف.

مالا ينصرف

مالا ينصرف يعرض للاسم نقصان، نقص يوجب شبهة بالحرف، فيوجب بناءه كما سبق، ويسمى غير متمكن، ونقص يوجب شبهه بالفعل [فيوجب منع الصرف] ويسمى غير أمكن، فإذاً الأسماء بالنسبة إلى التمكن [والأمكنية، وعدمها وعدم الأمكنية دون التمكن] ثلاثة أقسام: فالأول: كـ "زيد"، والثاني: كـ "كيف" والثالث: كـ "أحمد" وليس فيها عكسه. (الصرف تنوين أى مبينا ... معنى به يكون الاسم أمكنا) أي الصرف عبارة عن تنوين جيئ به لبيان معنى يقتضي أمكنية الاسم وسلامته من شبه الحرف والفعل، كـ "زيد" - في المعارف- و "رجل" - في النكرات- وما لم يدخله هذا التنوين فهو غير منصرف، إلا أن يخلفه

ما يشبهه كـ "مسلمات"، والمانع لدخول هذا التنوين إما علتان من علل عشر، وإما علة تقوم مقامهما، ولابد أن تكون إحدى العلتين راجعة إلى اللفظ، والأخرى راجعة إلى المعنى لأن الفعل فيه فرعية من حيث اللفظ، وهو اشتقاقه من المصدر، وفرعية من حيث المعنى، وهو اقتران دلالته بالزمان، [فالعلة القائمة] مقام علتين شيئان: أحدهما: [ألف التأنيث، والثاني: صيغة منتهى الجموع. وأما العلتان: فلابد أن تكون إحداهما] إما الوصفية وإما العلمية، لأنهما العلتان المعنويتان، وما عداهما فعلل لفظية. فيمنع مع الوصف ثلاثة أشياء: العدل، كـ "مثنى" و "ثلاث"، ووزن الفعل، كـ "أحمر"

وزيادة الألف والنون، كـ" سكران". ويمنع مع العلمية هذه الثلاث كـ "عمر" و "يزيد" و "مروان" وأربعة أخر، وهي: العجمية، كـ "إبراهيم"، والتأنيث، كـ "طلحة"، و "زينب"، والتركيب كـ "معدي كرب"، وألف الإلحاق، وكـ "أرطى" وسترى ذلك كله مفصلا. (فألف التأنيث مطلقا منع ... صرف الذي حواه كيفما وقع) أي: ألف التأنيث تستقل بالمانع مطلقا، سواء كانت مقصورة، أو ممدودة، وسواء كان ما وقعا فيه علما كـ "سلمى" و "أسماء"، أو صفة كـ "حبلى" و "حمراء"، أو اسم جنس كـ "ذكرى" و "صحراء"، مفردا كما مثل أو جمعا كـ "جرحى" و "كرماء". (وزائدا "فعلان" في وصف سلم ... من أن يرى بتاء تأنيث ختم) بدأ بذكر العلل المانعة مع الوصف، وهي ثلاثة أشياء: هذا أولها، وهو زيادة الألف والنون مع الوصف، وهو مختص بوزن "فعلان" بشرط سلامته من قبول تاء التأنيث، عند الإطلاق على المؤنث، إما لأن مؤنثه على "فعلى" كـ "سكران" و "غضبان" و "ندمان" - من الندم- وإما لأنه لا مؤنث له لفقد المعنى فيه كـ "لحيان" أو للاستغناء عنه بلفظ آخر، كـ "أليان" - للعظيم الأليتين- فإنهم قالوا في مؤنثه في الآدميين "عجزاء" أما [ما]

ختم مؤنثه بالتاء عند قصد التأنيث نحو: "مصان" - للئيم- و "سفيان" - للطويل- و "ندمان"- من المنادمة- و "أليان"- في الغنم- فإنهم قالوا: "نعجة أليانة" في ألفاظ يسيرة، فلا يمتنع صرفه. وبنو أسد يصرفون باب "فعلان" من الصفات لأن "فعلانة مطرد عندهم. (ووصف أصلي، ووزن "أفعلا" ... ممنوع تأنيث بتا كـ "أشهلا"). هذا الثاني مما يمنع مع الوصف، وهو زنة "أفعل" من أبنية المضارع في لفظ وضع للوصف أصلا كـ "أشهل" و "أحمر" ونحوهما من الصفات،

وشرطه أن يمتنع ختمه بتاء التأنيث عند قصد إطلاقه على المؤنث، إما لأن مؤنثه "فعلاء" - كما مثل- وإما لأنه لا مؤنث له كـ "أمر" - للعظيم الكمرة- و "آدر" - للعظيم الأنثيين - أما لو ختم عند قصد التأنيث بالتاء كـ "أرمل" و "أرملة" لم يمتنع صرفه. (وألغين عارض الوصفية ... كـ "أربع" وعارض الإسمية) (فالأدهم القيد لكونه وضع ... في الأصل وصفاً انصرافه منع) (و "أجدل" و "أخيل" و "أفعى" ... مصروفةٌ، وقد ينلن المنعا) قد سبق أن شرط منع الوصف مع وزن الفعل أن يكون أصليا، فنحو: "أربع" في قولك: "مررت بنسوة أربع" لا يمتنع صرفه، لأنه في الأصل اسم لهذا العدد المخصوص، ولكن عرض الوصف به. وفي التمثيل به نظر، فإن فيه مقتضيا آخر للصرف، وهو أنه يقبل التأنيث بالتاء، نحو: "مررت برجال أربعة" لكن يمثل ذلك بقولهم: "مررت برجل أرنب" أي: ذليل، وكذلك أصالة الوصفية تقتضي منع الصرف لما عرض نقله إل الأسمية، كـ "الأدهم" - إذا سمي به القيد - و "أبطح" و "أبرق"

و "أجرع" - إذا سمي بها أماكن- و "أرقم" و "أسود" - إذا أطلق على الحية-، وأما "أجدل" - للصقر- و "أخيل" - لطائر ذي خيلان، وهي: نقط سود- و "أفعى" - للحية- فإنها مصروفة لكونها أسماء في الأصل والحال، وبعض العرب يمنعها الصرف التفاتاً إلى معنى الصفة التي لأجلها سميت هذه الحيوانات بذلك، وهي القوة، والتلون، والإيذاء، إلا أن ذلك في "أجدل" و "أخيل" أبين، لظهور معنى الاشتقاق، قال الشاعر: (415 - كأن بني الرغماء إذ لحقوا بنا ... فراخ القطا لاقين أجدل بازيا) ومثله:

(416 - ..................... ... فما طائرٌ - يوما- عليك بأخيلا) بخلاف "أفعى" فإن اشتقاقه إما منتف وإما خفي، إلا أنه قد سمع فيه - أيضاً- نحو: "أطرق أفعى تنفث السم صل". (ومنع عدلٍ مع وصفٍ معتبر ... في لفظ "مثنى" و "ثلاث" و "أخر") هذا الثالث مما يمنع مع الوصف، وهو: العدل، ومعناه: التحويل من مثال إلى غيره، وذلك في موضعين:

أحدهما: الأعداد المعدولة، كـ "مثنى"، و "ثلاث" قال تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ} [فاطر:1] وهما معدولان عن لفظي العدد إذا كررا، فـ "مثنى" قائمٌ مقام: "اثنين" - مكررا- و "ثلاث" قائم مقام: "ثلاثة ثلاثة" - مكررا- ولا يقع هذا النوع إلا نعتا، كما مثل أو حالا نحو: {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} [سبأ:46] أو خبرا، كقوله - صلى الله عليه وسلم-: (صلاة الليل مثنى مثنى). الثاني: "أخر" جمع أخرى، مؤنثة "آخر" - المراد به الدلالة على المغايرة- كقولك: "مررت بامرأةٍ ونسوة أخر" وهو معدول عن "آخر" لأنه من باب أفعل التفضيل، وأفعل التفضيل إذا تجرد من "أل" والإضافة جرى مفردا في الأحوال كلها - كما سبق- فكان مقتضى هذه القاعدة أن يقال: "مرت برجلين آخر، وبرجال آخر، وبامرأة آخر، ونسوة آخر" كما يفعل ذلك بـ "أفعل" ونحوه، إلا أنهم فرعوه كما تفرع الصفات، فكل فروعه معدولة

عنه، ولم يظهر أثر العدل في التثنية والجمع لأنهما معربان بالحروف، فلا مدخل لهما في هذا الباب، ولم يذكره النحاة في "أخرى" اكتفاء بما فيها من ألف التأنيث المقتضية للمنع، و "آخر" هو الأصل، فلم يبق شيء مما أثر فيه العدل إلا "اخر". وهذه الأقسام الثلاثة [صرفها ممتنع مع النكرة، فلو سمي بها وصارت معارف فمنع الصرف باق] لأنه قد خلف الوصف علة أخرى وهي العلمية. (ووزن "مثنى" و "ثلاث" كهما ... من واحدٍ لأربعٍ فليعلما) وزن "فعال" و "مفعل" المعدول عن الأعداد مسموع من واحد إلى الأربعة، قالوا: "آحاد" و "موحد" و "ثناء" و "مثنى" و "ثلاث" و "مثلث" و "رباع" و "مربع". قال تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3]. قال الشاعر: (417 - لقد قتلتم ثناء وموحدا ... ...............) وقال الآخر:

(418 - ................ ... أحاد أحاد في شهرٍ حلالٍ) وقد سمعا - أيضاً- في "خماس" و "عشار" وذهب بعض النحاة إلى قياسهما في الجميع، وبعضهم [إلى قياس] "فعال" دون "مفعل". (وكن لجمعٍ مشبهٍ "مفاعلا" ... أو "المفاعيل" بمنعٍ كافلا) هذه العلة الثانية من العلتين المستقلتين بالمنع، وهو ما أشبه في اللفظ "مفاعل" أو "مفاعيل" من الجموع، سواء كانت الميم في أوله كـ "مساجد" و "مصابيح" أو لم تكن كـ "دراهم" و "دنانير" ومنه "دواب" و "صواب" لأن أصله "دوابب" و "صوافف" ويسمى الجمع الذي لا نظير له في الآحاد

وصيغة منتهى الجموع. (وذا اعتلال منه كـ "الجواري" ... رفعاً وجراً أجره كـ "ساري") ما كان من هذا الجمع معتلا بالياء، ولا يتصور ذلك إلا في موازن "مفاعل" كـ "الجواري" و "العلالي" و "الصحاري" فمع خلوه من "أل" والإضافة تجريه في الرفع والجر مجرى "قاضٍ" و "سارٍ" ونحوهما من المنقوص المنكر، فتحذف ياؤه ويعوض عنها بالتنوين، نحو: {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:41] و {سَبْعَ لَيَالٍ} [الحاقة:7] وأما في النصب فتجريه مجرى "مفاعل" فتفتح ياءه غير منونة، نحو: {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ} [سبأ:18] أما المضاف منه والمعرف بـ "أل" فتعاملهما معاملة المنقوص فتكسر ياؤه في الرفع والجر، نحو:

{وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي} [الشورى:32] وتفتح في النصب نحو: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ} [مريم:5]. (ولسراويل بهذا الجمع ... شبه اقتضى عموم المنع) "سراويل" يمتنع صرفه مع كونه مفردا غير علم لمشابهته هذا الجمع لفظا، وقيل: بل "منع صرفه للعجمة مع شبه الجمع" وقيل: بل لأنه في الأصل جمع "سراولة"، ونقل ابن الحاجب صرفه عن بعض العرب، ولا يثبت. (وإن به سمي أو بما لحق ... به فالانصراف منعه يحق) إذا سمي بهذا الجمع مثل أن تسمي رجلاً بـ "دراهم" أو امرأة بـ "ـدنانير"

أو بما لحق به، إما منقولا من أعجمي، كـ "شراحيل" وإما مرتحلا كـ "هوازن" استحق منع الصرف، كـ "سراويل" بل أولى لزيادته عليه بالعلمية مع تحقق الجمعية في المنقول منها، فإن أخرج عن العلمية بالتنكير فهل يصرف أولا، الأكثرون على بقاء المنع، لأن التأثير إنما هو لشبه الجمع لفظا أو لأنه الأصل. (والعلم امنع صرفه مركبا ... تركيب مزجٍ نحو: معدي كربا" أخذ في ذكر العلل المانعة مع العلمية، وهي سبع: الأولى: التركيب، ويختص ذلك بتركيب المزج، دون تركيب الإضافة ودون تركيب الإسناد، ولا يتناول منه - في الأصح- إلا ما لم يختم بـ "ويه" كـ "بعلبك" و "معدي كرب" و "حضر موت"- في أفصح لغاتها- فإن بعض العرب يبنيهما - معا- على الفتح، وبعضهم يضيف أول الجزأين إلى الثاني، كما سبق. (كذاك حاوى زائدي "فعلانا" ... كـ "غطفان" وكـ "أصبهانا" هذه العلة الثانية مما يمنع مع العلمية، وهو ما اتصل به زائدا "فعلان" - وهما الألف والنون- سواء طابقه وزنا كـ "مروان" و "سلمان" أو لم يطابقه

كـ "أصبهان" فإن لم تكن نونه زائدة كـ "بيان" صرف، وإن احتملت الزيادة وعدمها كـ "حسان" و "حيان" و "شيطان" فإنها تحتمل الاشتقق من الحس، والحياة، ومن "شاط" - إذا احترق- فتكون النون زائدة، وتحتمل الاشتقاق من الحسن، والحين، ومن "شطن" فتكون أصلية، جاز فيه الصرف كقوله: (419 - وعمراً حياناً تركنا بقفرة ... .................) وتركه، وهو أكثر من "حسان" ومن شعره: (420 - ماهاج حسان رسوم المقام ... ومظعن الحي ومبني الخيام) (كذا مؤنثٌ بهاءٍ مطلقا ... وشرط منع العار كونه ارتقى) (فوق الثلاث أو كـ "جور" أو "سقر" ... أو "زيدٍ" اسم امرأةٍ لا اسم ذكر) هذه العلة الثالثة مما يمنع مع العلمية، وهي التأنيث، فإن كان بزيادة التاء منع الصرف مطلقا، سواء زاد على ثلاثة أحرف كـ "طلحة" و "عائشة" أو لم يزد كـ "هبة" و "ثبة"، وسواء كان علم مذكر أو علم مؤنث كما مثل، وإن كان التأنيث بالمنى لم يؤثر إلا في أربع صور جمعها كلامه.

الأولى: أن يكون على ثلاثة أحرف "كـ "سعاد" و "زينب". الثانية: أن يكون على ثلاثة [إلا أنه محرك الوسط كـ "سقر" و "لظى". الثالثة: أن يكون على ثلاثة] أحرف ساكن الوسط إلا أنه أعجي كـ "ماه" و "جور" - اسمي بلدتين- و "مصر" على قول من جعلها أعجمية. الرابعة: أن يكون على ثلاثة أحرف ساكن الوسط إلا أنه منقول من المذكر إلى المؤنث كـ "زيد" إن سمت به امرأة.

(وجهان في العادم تذكيرا سبق ... وعجمةً كـ "هند" والمنع أحق) إذا كان المؤنث بالمعنى على ثلاثة أحرف ساكن الوسط، ولم يبق استعماله في التذكير كـ "زيد"، ولا هو أعجمي كـ "جور" جاز فيه وجهان الصرف وتركه وذلك كـ "هند" و "دعد" و "جمل" إلا أن ترك صرفه أولى. (والعجمي الوضع والتعريف مع ... زيدٍ على الثلاث، صرفه امتنع) هذه العلة الرابعة "مما يمنع" مع العلمية، وهي العجمية، ومعناه: أن تكون العجم - والمراد بهم من عدا العرب- قد وضعت الاسم في لغتها علما- وهو المراد بصدر البيت - وشرطه الزيادة على ثلاثة أحرف كـ "يوسف" و "يونس" و "إبراهيم" و "ثمود" وإليه أشار بقوله: (..................... مع ... زيدٍ على الثلاث ...) فلو وضعته العجم في لغتها اسم جنس

كـ"ـجوالق" و"لجام" لم يمتنع صرفه عند استعمال العرب له علما, ولو كان على ثلاثة أحرف لم يمتنع صرفه سواء كان ساكن الوسط كـ"ـنوح" و"لوط" أو متحركة كـ"ـشتر", وبعضهم يحكي في ساكن الوسط منه - ما لم يكن مؤنثا كـ" ـماه" و"جور"- الوجهين ولم يرد في القرآن إلا مصروفا, نحو: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} , {َقَالَ نُوحٌ}. (كذاك ذو وزن يخص الفعلا ... أوغالب كـ"ـأحمد ويعلى) هذه العلة الخامسة مما يمنع مع العلمية [وهي] وزن الفعل, ولا يختص

ذلك بوزن "أفعل" كما في الصفات, ولا بما يخص الفعل من الأوزان بل يؤثر في المنع ما يخص الفعل كـ"ـشمر" و"دئل" - اسم قبيلة - وغالب كـ"ـأحمد" ويعلى" و"يزيد" و"يشكر" ونحوها مما جاء على وزن مبدوء بحرف يدل الابتداء به على معنى في الفعل, ولايدل على معنى في الاسم, كحروف المضارعة. (وما يصير علما من ذي ألف ... زيدت لإلحاق فليس ينصرف) هذه العلة السادسة مما يمنع مع العلمية, وهي "ألف الإلحاق" المقصورة كـ"ـعلقى" و"أرطى" -علمين -لشبهها بألف التأنيث في الزيادة والموافقة لمثل [ما هي فيه كـ"ـسكري" أما ألف الإلحاق الممدودة كـ"ـعلباء" فلا يمتنع صرف] ما سمي به مما هي فيه لعدم تمام الشبه فإنها لا توافق وزن ما فيه ألف التأنيث الممدودة. (والعلم امنع صرفه إن عدلا ... كـ"ـفعل" التوكيد أوكـ"ـثعلا") هذه العلة السابعة مما يمنع مع العلمية وهي "العدل" من مثال إلى غيره, ويمنع مع العلمية كـ"ـفعل" ويعرف عدله بأن يسمع ممنوع الصرف وليس

فيه علة ظاهرة غير العلمية, نحو: "عمر" و"زفر" و"زحل" و"جمح" و"ثعل" قدر ذلك كله معدولاً, لأن العلمية لا تستقل بالمنع مع شهرة العدل في هذا الوزن كـ"ـغدر" و"فسق" و"أخر" -كما سبق- وليس من ذلك "طوى" من قولهم: "ذي طول" لأن المانع له من الصرف- على إحدى اللغتين فيه- إنما هو التأنيث باعتبار البقعة, ولا يمنع من ذلك كونه على ثلاثة أحرف لقيام حركة وسطه مقام الحرف الرابع. ويمنع -أيضا- مع شبه العلمية كـ"جمع" وما يتبعها من ألفاظ التوكيد كـ"ـكتع" و "بتع" و"بصع" فإنها معدولة عن

"فعلاوات" لأن مفرداتها "فعلاء" وقياسها الجمع على: "فعلاوات" كـ"صحراوات" وهي معارف بنية الإضافة إلى ضمير المؤكد. (والعدل والتعريف مانعا "سحر" ... إذا به التعيين قصدا يعتبر) مما يمنع صرفه للعدل وشبه العلمية: "سحر" 'ذا كان ظرفا, وقصد به تعيين سحر يوم بعينه, ولم يتعرف بـ"أل" ولا بالإضافة, نحو: "آتيك يوم الخميس سحر" , أما شبه العلمية فيه فظاهر لاقتضائه تعيين مسماه بغير قيد,

وأما العدل: فإنه معدول عن: "السحر" لأن النكرات إذا قصد تعيينها بدون إضافة أدخلت عليها "أل" ونظيره في ذلك: "أمس" - إذا أريد به اليوم الذي يلي يومك قبله- على لغة من يعربه, وهم بنو تميم, فإنهم لا يصرفونه, لشبه العلمية والعدل عن "الأمس", نحو: 421 - (... إني رأيت عجبا مذ أمسا ...) 422 - (... عجائزاً مثل السعالي خمسا ...) وليس مبنيا على الفتح, كما زعم بعضهم بدليل قول الآخر: 423 - (اعتصم بالرجاء إن عم باس ... وتناس الذي تضمن أمس)

وأما على لغة أهل الحجاز في بنائه على الكسر فلا يدخل في هذا الباب, أما لو لم يرد بـ"سحر" التعيين صرف, كقوله: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} [القمر:34] وكذا لو أريد به الاسم دون الظرف, إلا أنه يلزم في هذه الحال الإضافة أو "أل" نحو: "طاب سحر ليلتنا" أو "طاب لسحر". (وابن على الكسر "فعال" علما ... مؤنثا, وهو نظير "جشما") (عند تميم واصرفن ما نكرا ... من كل ما التعريف فيه أثرا) ما جاء من الأعلام على "فعال" كـ"حذام" و"قطام" فإن أهل الحجاز يبنونه على الكسر لشبهه بـ"نزال" وبابها من أسماء الأفعال, وعليه جاء: 424 - (إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام)

وبنو تميم يعربونه إعراب مالا ينصرف, واختلف في المانع من صرفه, فقال سيبويه والأكثرون: "العدل مع العلمية, وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: "وهو نظير جشما" فإن "جشم" فيه العدل والعلمية, وعلى هذا فهو معدول عن "فاعلة" وقال المبرد: المانع التأنيث المعنوي مع العلمية, فهو كـ"زينب", وعندي أن قوله أصح, لأن الموجب لادعاء العدل ما سبق من وجود منع الصرف مع عدم ظهور علة أخرى, وهنا قد وجدت علة أخرى, وهي التأنيث, فلا يعدل إلى العدل, وأما نحو: 425 - (ومرد هر على وبار ... فهلكت جهرة وبار)

فقيل إنه استعمال للغتين, فإن آخره مرفوع, لأن قبله: 426 - ألم تروا إرماً وعادا ... أودى بها الليل والنهار) ثم هذه الأقسام السبعة التي أحد المانعين من صرفها التعريف بالعلمية, إذا نكرت صرف لزوال إحدى العلتين, فتقول: "رب معدي كربٍ, وعمرانٍ, وفاطمةٍ, وزينبٍ, وإبراهيمٍ, وأحمدٍ, وأرطى, وعمرٍ لقيتهم" بخلاف ما لم تكن العلمية سببا في منعه كـ"سكران" وغيره من الصفات الممنوعة الصرف, إذا سميت بها فإنها إذا نكرت لم تصرف لبقاء مانعين, وتجويز الأخفش -في أحد قوليه-

صرفه ضعيف, ومما يعود إلى الصرف لزوال إحدى العلتين ما صغر من نحو: "حميد" و"عمير", و"سميع" و"بريه" -تصغير: إسماعيل وإبراهيم- لزوال وزن الفعل في الأول, وزوال لفظ العدل في الثاني, وزوال اللفظ الأعجمي في الآخرين. (وما يكون منه منقوصا ففي ... إعرابه نهج "جوار" يقتفي) إذا كان الممتنع صرفه للعملية علة أخرى منقوصا كـ"قاضي" إذا سميت به امرأة, وكـ"يرمي- مسمى به- فإنك تعربه إعراب "جوار" بأنك تحذف ياءه رفعا وجرا معوضا عنها بالتنوين, فتقول: "هذه قاض" و"مررت بقاض" و"هذا يرم" و"مررت بيرم" وتثبت في النصب محركة بالفتح, نحو: "رأيت قاضي الحميلة" و"رأيت يرمي" هذا مذهب سيبويه والأكثرين,

وعند الكسائي ويونس أن الياء تقر ساكنة في الرفع, وتحرك بالفتحة في الجر والنصب, وتمسكا بقوله: 427 - (... قد عجبت مني ومن يعيليا ...) 428 - (... لما رأتني خلقا مقلوليا ...) وغيرهم يجعل ذلك ضرورة.

(ولاضطرار أو تنسب صرف ... ذو المنع, والمصروف قد لا ينصرف) ينصرف الممتنع صرفه مع قيام المانع من الصرف في موضعين: أحدهما: ضرورة الشعر, وهو كثير لا اختلاف بين النحاة فيه, وإنما الخلاف في عكسه, وهو: منع صرف المصروف للضرورة, والصحيح جوازه كما ذهب إليه الكوفيون, نحو: 429 - فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرادس في مجمع

إعراب الفعل

الثاني: طلب التناسب لما بعده, كقراءة نافع: {سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا} أو لما قبله كقراءة الأعمش: {وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَا وَيَعُوقَا} [نوح:23] إعراب الفعل لما فرغ من ذكر إعراب الاسم وأحكامه, وعوارضه, أخذ في ذكر إعراب الفعل وقد سبق أن الإعراب مختص بالمضارع منه, وقول الكوفيين إن "افعل" مجزوم بلام مقدرة ضعيف. (ارفع مضارعا إذا يجرد ... من ناصب وجازم كـ"تسعد") اختار المصنف أن الرافع للفعل المضارع تجرده من الجازم والناصب موافقة للكوفيين, ورد قول البصريين: إن الرافع له وقوعه موقع الاسم بثبوت

الرفع بعد أدوات التحضيض, وفي خبر أفعال المقاربة المجردة عن "أن" وفي الصلة, نحو: "جاءني الذي يقوم" مع عدم صلاحية هذه المواضع للاسم, وقدم الجازم لكونه من خصائص الفعل. (وبـ"لن" انصبه و"كي" كذا بـ"أن" ... لا بعد علم, والتي من بعد طن) (فانصب بها, والرفع صحح واعتقد ... تخفيف "أن" من "أن" فهو مطرد) الذي ينتصب بعده المضارع ينقسم إلى ما هو ناصب بنفسه, وإلى ما ينصب بـ"أن" مضمرة بعده, فبدأ بالقسم الأول وهو أربعة أحرف: أحدهما: "لن" وليست مركبة من "لا" و"أن" حذفت الهمزة تخفيفا, ثم الألف لالتقاء الساكنين - كما ذهب إليه الخليل, ولا أصلها: "لا" -أبدلت الألف نونا- كما ذهب إليه الفراء, لانتفاء الدليل عليهما, وهي ناصبة بنفسها اتفاقا, والرفع بعدها-فيما حكاه الفراء - نادر كندور الجزم بها في نحو:

430 - (... ... ... ... فلن يحل للعينين بعدك منظر) وتقتضي نفي ما أثبت بحرف التنفيس, من غير دلالة على التأبيد,

ولا منافاة له. الثاني: "كي" وظاهر كلامه- هنا- أنها ناصبة بنفسها مطلقا, والصواب ما قسمه في غير هذا الموضع من أن المصدرية [ناصبة بنفسها, والتعليلية التي بمعنى اللام النصب بعدها بإضمار "أن" وتعرف المصدرية] بدخول لام التعليل عليها, نحو: {لِكَيْلا تَأْسَوا} [الحديد:23] والتعليلة بدخولها على اللام, نحو: 431 - (فأوقدت ناراً كي ليبصر ضوءها ... ... ... ...) لامتناع الفصل بين المصدر وصلته بحرف الجر, ودخول موصول حرفي على مثله, وتقدر اللام مؤكدة لتعليل "كي", ومع التجرد عن اللام نحو: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} [الحشر: 7] يجوز الوجهان, ولم يسمع من كلامهم: "كي أن يقوم زيد" وأما نحو:

432 - (أردت لكيما أن تطير بقربتي ... ... ...) فقيل هي تعليلية مؤكدة لتعليل اللام, والنصب بـ"أن" وقيل: بل مصدرية مؤكدة بـ"أن" والنصب بها نفسها. الثالث: "أن" المصدرية نحو: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي}

وتعرف بصحة تأويلها وما بعدها بالمصدر, بخلاف المخففة من الثقيلة, وهي الواقعة بعد فعل دال على العلم, نحو: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ} [المزمل:73] فإنه يتعين رفع الفعل بعدها, وأكثر ما يقع مفصولا منها بحرف تنفيس أو نفي أو "قد" أو"لو" - كما سبق- وقد يأتي بلا فصل, كقوله: 433 - (علموا أن يؤملون فجادوا ... ... ..) والنصب بعدها في قراءة بعضهم {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجعُ} [طه: 89] نادر, فإن وقعت بعد فعل دال على الظن كـ"حسب" و"زعم" و"ظن" ونحوها جاز أن تجعل مصدرية ناصبة, وأن تجعل مخففة من الثقيلة فلا تعمل, ويكون الفعل بعدها مرفوعا, وبهما قرئ -في المتواتر- {وَحَسِبُوا أَلا تَكُونَ فِتْنَة}

وتترجح المصدرية عند عدم الفصل بينها وبين الفعل, ولذلك أجمعوا على النصب في {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} [العنكبوت: 2]. (وبعضهم أهمل "أن" حملا على ... "ما" أختها حيث استحقت عملا) بعض العرب "أن" مطلقا حملا لها على "ما" المصدرية فيأتي بالفعل بعدها مرفوعا كما يأتي به بعد "ما" المصدرية في نحو: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} ومنه قوله: 434 - (أن تقرآن على أسماء- ويحكما- ... ... ....)

وقرئ- شاذاً- {لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} وأندر منه الجزم بها في نحو: 435 - (... ... ... تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب) وتقع "أن" التفسيرية وزائدة فلا تعمل شيئا, تعرف الأولى بأن يتقدم عليها جملة متضمنة القول دون حروفه, وأكتر ما يليها الأمر, نحو:

{فَأَوْحَىَ إِلَيْهِمْ أَن سَبّحُوا بُكْرَةً} [مريم:11] {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَن ِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} وأكثر ما تقع بعد "لما" نحو: {فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِير} {ُ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا}. ) إن صدرت والفعل بعد موصلا (ونصبوا بـ"إذن المستقبلا ... (أو قبله اليمين, وانصب وارفعا ... إذا "إذن" من عطف وقعا) هذا هو الحرف الرابع مما ينصب الفعل بنفسه, وهو "إذن" قال سيبويه: "وهي حرف جزاء وجواب" وذكر المصنف لعملها ثلاثة شروط: أحدهما: أن يكون الفعل الذي دخلت عليه مستقبلا, فلا يجوز النصب في نحو: "إذن تصدق" جوابا لمن قال: "أحب زيدا". 436 - (لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها ... وأمكنني منها إذن لا أقيلها)

لم تعمل شيئا, ونحو: 437 - (... ... ... ... إني إذن أهلك أو طيرا) ضرورة, أو مؤول, فإن تقدمها عاطف كـ"الواو" و"الفاء" فالأكثر أن تقدر خارجة عن التصدر بذلك, فيرفع الفعل بعدها, وبه قرأ السبعة: {لَا يَلْبَثُونَ خِلَافك إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:76] {فَإِذا ً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ

نَقِيرا} [النساء:53] وبعضهم ينصب بعدها ولا يخرجها عن التصدر [سبق العاطف لها] كما لا يخرجً سبق العاطف أدوات الاستفهام عما استقر لها من التصدر, نحو: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ} [أل عمران:136] {فَمَن يَهْدِي مَنْ أضَلَّ الله} وبه قرئ في الآيتين -شاذاً- فإطلاق المصنف التخيير بين الرفع والنصب غير مستقيم, لاسيما وقد تقدم النصب. الثالث: أن يتصل بها الفعل, فلو فصل بينهما نحو: "إذن زيدا أكرمه"

لم تعمل إلا أن يكون الفصل بالقسم فلا يبطل العمل كقوله: 438 - (إذن -ولله- أرميهم بحرب ... ... ... ...) وإليه أشار المصنف بقوله: "أو قبله اليمين" ولا حجة لمن أجاز الفصل بالنداء أو الدعاء أو معمول الفعل.

(وبين "لا" و"لام الجر" التزم ... إظهار "أن" ناصبة وإن عدم) ("لا" فأن اعمل مظهرا مضمرا ... وبعد نفي "كان" حتماً أضمرا) أخذ في ذكر المواضع التي ينتصب فيها الفعل بـ"أن" مضمرة, وهي منقسمة إلى ما إضمارها فيه جائز وإلى ما إضمارها فيه واجب, فالإضمار الجائز في موضعين ذكرهما المصنف. أحدهما: بعد "لام التعليل" إذا لم يقترن الفعل بعدها بـ"ـلا", ومن إظهار قوله تعالى: {وَأُمِرْت لِأَنْ أَكُون أَوَّل الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:12] ومن إضمارها {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:71] فإن اقترن الفعل بعدها بـ"ـلا" التزم إظهار "أن" كما أشار إليه البيت الأول, وسواء كانت "لا" نافية كقوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ} [النساء: 165] ونحوه كثير, أو زائدة موكدة, نحو: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد:29]. والموضع الثاني: ما إذا عطف المضارع على اسم [ليس] في تأويل

الفعل, كما يأتي, والإضمار الواجب في خمسة مواضع؛ أحدها: بعد لام الجر المتوقعة بعد "كان" المنفية الدالة على المضي إما بلفظه نحو: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ} [أل عمران:179] وإما لاقترانها بـ"ـلم" نحو: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء:168] وتسمى لام الحجود. (كذاك بعد "أو" إذا يصلح في ... موضعها حتى أو إلا "أن" خفي) هذا الموضع الثاني: مما ينتصب فيه الفعل بـ"ـأن" واجبة الإضمار, وهو بعد "أو" المقدرة

بـ"حتى" أو بـ"ـإلا". وقول المصنف: "أو إلا أن" لا حاجة إليه, لأن "أن" مقدرة [في الموضعين] وقد يتعين التقدير الأول, نحو: "لأسيرن أو أدخل البصرة" وقوله: 439 - (لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى ... ... ...) وقد يتعين الثاني, نحو: "لأطلقنك أو تحسني صحبتي" , وقوله: 440 - (وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما)

وقد يجوز الأمران نحو: "لألزمنك أو تقتضيني حقي". (وبعد "حتى" هكذا إضمار "أن" ... حتم, كـ"ـجد حتى تسر ذا حزن) (وتلو "حتى" حالا أو مؤولا ... به أرفعن وأنصب المستقبلا) هذا الموضع الثالث: مما يجب فيه إضمار "أن" وهو بعد "حتى" الجارة, سواء كانت لانتهاء الغاية نحو: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة:214] أو للتعليل نحو: {لا تُنفِقوا عَلى مَن عِندَ رَسولِ اللَّهِ حَتّى يَنفَضّوا} [المنافقون:7] أو محتملة لهما نحو: {فَقاتِلوا التي تَبْغِي حَتّى تَفيء َإلى أَمْرِ الله} [الحجرات:9] وشرط النصب

بعدها أن يكون الفعل مستقبلا كما مثل, فأما إن كان حالا أو مؤولا بالحال تعين رفعه فمن الحال قولهم: "مرض حتى لا يرجونه" ومن المؤول به قراءة نافع {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة:214] إذ هو في تأويل: حتى حال الرسول والذين آمنوا معه أنهم يقولون ذلك: وشرط الرفع أن يكون ما بعدها فضلة مسببا عما قبله, فلا يجوز الرفع في نحو: "سيري حتى الجبال" لانتفاء الفضيلة, ولا في نحو: "لأسيرن حتى تطلع الشمس" لانتفاء لسببية. (وبعد "فا" جواب نفي أو طلب ... محضين "أن" - وستره حتم- نصب) هذا الموضع الرابع مما يجب فيه إضمار "أن" وهو بعد الفاء الواقعة جوابا لنفي محض [نحو: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [فاطر:36] أو طلب محض]

سواء كان أمرا نحو: 441 - (يا ناق سيري عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا) أو نهيا نحو: {َلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ} [طه:81] أو دعاء كقوله: 442 - (رب وفقني فلا أعدل عن ... سنن الساعين في خير سنن) ويلتحق بذلك جواب الاستفهام والتمني والعرض, نحو: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} [الأعراف 53] {يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} [النساء:73] {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} وقوله:

443 - يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما وراء كمن سمعا) فلو كان النفي والطلب غير محضين, كالنفي الداخلة عليه همزة الاستفهام لقصد التقرير نحو: "ألم تأتني فأحسن إليك" والنفي الداخل على النفي نحو: "ما يزال يأتينا فيحدثنا" والنفي المنتقض بـ"ـإلا" نحو: "ما يأتينا إلا فيحدثنا" لم يجز النصب وكذلك إن كان الطلب غير محض بأن يكون أمرا بغير "افعل" كما يأتي: (و"الواو" كـ"ـالفا" إن تفد مفهوم "مع" ... كلا تكن جلدا وتظهر الجزع) هذا الموضع الخامس مما يجب فيه إضمار "أن" وهو بعد الواو الدالة على المعية, وتسمى "واو الجمع" و"واو الصرف" وشرط بعدها أن

يتقدمها ما يتقدم "الفاء" من نفي نحو: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [أل عمران:142] أو طلب من أمر نحو: 444 - (فقلت ادهي وأدعو إن أندي ... لصوت أن ينادي داعيان) أو نهي نحو: "لا تكن جلدا وتظهر الجزع" ومثله: 445 - (لاتنه عن خلق وتأتي مثله ... ... ... ...)

ويلتحق بهما التمني, كقراءة بعضهم: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ} [الأنعام:27] فلو لم تدل على المعية كالواو العاطفة في قولك: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" - إذا أردت النهي عن كل منهما- والاستئنافية في قولك: "وتشرب اللبن" - إذا أردت النهي عن الأول فقط- لم يكن من هذا الباب, لأنك إنما تنصب بـ"ـأن" إذا أردت الجمع بينهما, وكذلك لا تنصب الفعل بعد الفاء التي تدل على الجواب, كالعاطفة في قوله: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات:36] والاستئنافية في قوله:

446 - ألم تسأل الربع القواء فينطق ... ... ... ...) والمراد بالجواب: أن يكون ما بعدها مسببا عما قبلها. (وبعد غير النفي جزما اعتمد ... إن تسقط "الفا" والجزاء قد قصد) (وشرط جزم بعد نهي أن تضع ... إن قبل لا دون تخالف يقع) المراد بـ"ـغير" النفي "الطلب, فإذا أسقطت الفاء بعد الطلب مع إرادة الجواب بالفعل فحكمه الجزم, نحو: {تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ} {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي} ثم هو بعد الأمر بلا شرط, وبعد النهي بشرط صحة وقوع "إن لا" موقع حرف النهي فيكون الكلام مستقيما, نحو: "لا تعص الله يدخلك الجنة" لصحة تقديره بـ"ـإن" لا تعص الله يدخلك الجنة"

بخلاف: "لا تعص الله يدخلك النار" فإنه يتعين الرفع لعدم صحة التقدير المذكور, والجزم في قول أبي طلحة: "بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم" على البدل لا على الجواب عند الأكثرين, وفيه نظر, والكسائي لا يشترط ذلك, بل أجاز: "لا تدن من الأسد يأكلك" على أنه جواب, وهو الصحيح. والمسألة مبنية على كون الجزم بعد الطلب جوابا لشرط مقدرا أو جوابا للطلب نفسه, فمن قال بالثاني لم يحتج إلى التقدير المذكور. (والأمر إن كان بغير "افعل" فلا ... تنصب جوابة وجزمه أقبلا وقد سبق أن شرط الطلب الذي ينتصب بعده المقترن بالفاء

بإضمار "أن" أن يكون محضا, وذلك أن يكون الأمر بصيغة "افعل" -كما مثل - فلا ينصب بعد الطلب باسم الفعل نحو: "حسبك حديث فينام الناس" وأجاز الكسائي النصب فيهما, ولا شاهد معه, وأما الجزم بعدهما إذا حذفت الفاء فلا خاف في جوازه, ومنه في الأول: 447 - (... ... ... ... مكانك تحمدي أو تستريحي) لأن "مكانك" بمعنى: اثبتي. ومن الثاني قول عمر: "اتقي الله امرؤ فعل خيراً يثب عليه" إذ معناه:

"ليتق الله". (وإن على اسم خالص فعل عطف ... ينصبه "أن" ثابتا أو منحذف) هذا الموضع الثاني مما ينتصب فيه المضارع بـ"ـأن" جائزة الإضمار والإظهار, وهو ما إذا عطف الفعل المضارع على اسم خالص ليس في تأويل الفعل, ولا يستعمل في ذلك من حروف العطف إلا "الواو" نحو: 448 - (للبس عباءة وتقر عيني ... ... ... ...) أو "الفاء" نحو: 449 - (لولا توقع معتر فأعطيه ... ... ... ...)

أو "ثم" نحو: 450 - (إني وقتلي سليكا ثم عقله ... ... ... ...) أو "أو" نحو: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى:51] وذكر في العمدة أن إظهار "أن" في ذلك كله أحسن, وذكر ابنه

أنه أقيس, ولم يوردا عليه شاهدا. أما لو كان العطف على اسم مؤول بالفعل كاسم الفاعل في نحو: "الطائر فيغضب زيد الذباب" تعين الرفع, ولو كان العطف على فعل مؤول بالاسم نحو: "ما تأتينا فتحدثنا" -فإن تقديره: "ما يكون منك إتيان فحديث" - فإضمار "أن" واجب, لأن المعطوف عليه ليس باسم [خالص فيهما بخلاف المصدر في المثل المتقدمة فإنه إما اسم] وإما راجع إلى "أن" والفعل, اللذين هما في تأويل الاسم, فما خرج عن الاسمية. (والفعل بعد "الفاء" في الرجا نصب ... كنصب ما إلى التمني ينتسب) أجاز الفراء ووافقته المصنف النصب بعد "الفاء" في جواب الترجي لقربه من معنى التمني, منه قراءة حفص: "لعلي أبلغ الأسباب, أسباب السموات فأطلع".

(وشذ حذف "أن" ونصب سوى ... ما مر فأقبل منه ما عدل روى) لا ينصب بـ"ـأن" مضمرة في غير المواضع المذكورة إلا شذوذا, فيقتصر على المنقول منه, ولا يقاس عليه, ويقع ذلك في الجواب لغير الأشياء المذكورة كقوله: 451 - (سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا) ودونه نحو: 452 - وما راعني إلا يسير بشرطة ... ... ... ...)

وأحسنه قولهم: "خذ اللص قبل يأخذك" و "تسمع بالمعيدي خبير من أن تراه" , وقوله: 453 - (... ... ... ... ونهنهت نفسي بعدما كدت أفعله) لتعين الموضع للاسم في الأولين, وصلاحيته لـ"ـأن" في الثالث.

عوامل الجزم وتنقسم إلى ما يجزم فعلا واحدا, وهي الأربعة التي بدأ المصنف بذكرها, وإلى ما يجزم فعلين, وهي بقيتها. (بـ"ـلا" و"لام" طالبا ضع جزما ... في الفعل, هكذا بـ"ـلم" و"لما") هذا القسم الأول من جوازم الفعل, وهو ما يجزم فعلا واحدا, وهو أربعة "لا" و"اللام" الطلبيتان, سواء أريد بهما النهي والأمر, نحو: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ}] أو الدعاء, نحو: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}] ونحو: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك} ودخول اللام على فعل المتكلم المفرد أو المشارك ما دام مبنيا للفاعل قليل, نحو: "قوموا فلأصل لكم"

وكقوله: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} ودخول "لا" عليه أقل, نحو: 454 - (إذا ما خرجنا دمشق فلا نعد ... ... ... ...) ومثله في القلة دخول اللام على فعل المخاطب, نحو: {لِتَأْخُذُوا مَصَافكُمْ} لأنهم استغنوا فيه بفعل الأمر, أما إذا بني فعل المتكلم للمفعول كثر دخول "اللام" و "لا" عليه, نحو: "لتنظروا إلينا ولا نظلم". و"لم" و"لما" وهما حرفا نفي, يجزمان المضارع, ويقلبان معناه إلى الماضي وتنفرد "لم" بجواز دخول أداة الشرط عليها, نحو: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ} و"لما" باتصال نفي ما دخلت عليه بالحال,

ولذلك امتنع: "لما يكن ثم كان" بخلاف "لم" نحو: {لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} وبلزوم كونه متوقع الثبوت, نحو: {وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم} {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ} ولذلك يمتنع: "لما يجتمع الضدان" بخلاف "لم" فإنه لا يلزم فيها ذلك, نحو: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} وبكثرة الاكتفاء بعدها, وهو أن يحذف مجزومها, نحو: "قاربت المدينة ولما" [أي: ولما] أدخلها , يقل بعد "لم" نحو: 445 - (احفظ وديعتك التي استودعتها ... يوم الأعازب إن وصلت وإن لم)

(واجزم بـ"إن" و"من" و"ما" و"مهما ... "أي "متى" أيان" "أين" "غذ ما") (و"حيثما" "أنى" وحرف "إذ ما" ... كـ"ـإن" وباقي الأدوات أسما) (فعلين يقتضين, شرط قدما ... يتلو الجزاء وجوابا وسيما) هذا القسم الثاني, هو ما يجزم فعلين يقتضيهما, يسمى المقدم منهما

شرطا, والثاني له جزاءً وجوابا, وهي إحدى عشرة أداة, منها أداتان حرفان وهما "إن" بالاتفاق, وهي أم الباب, والجزم بها كثير. و"إذ ما" - عند الأكثرين- ومن استعمالها قوله: 456 - (وإنك إذ ما تأت ما أنت آمر ... به تلف من إياه تأمر آتيا) وباقي الأدوات أسماء بلا خلاف إلا في "مهما".

ومن الجزم بـ"ـمن": {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} , ومنه بـ"ـما": {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} , ومنه بـ"ـمهما": 457 - (ومهما يكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم) والأكثرون على أنها مركبة, لكن هل هو من "ما" الشرطية و"ما" التي تزداد بعد "إن" ثم أبدلت الألف الأولى هاء, أو من "مه" - بمعنى: اكفف- و"ما" الشرطية, على قولين: ومنه بـ"ـأي": {أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى} ومنه بـ"ـمتى":

458 - (... .... ... ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد) ومنه بـ"ـأيان": 459 - (أيان نؤمنك تأمن غيرنا وإذا ... ... ... ...)

ومنه بـ"أين": 460 - (أين تضرب بنا العداة تجدنا ... ... ... ...) [وأكثر ما يستعمل بعدها "ما" نحو: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ}]. ومنه بـ"ـحيثما": 461 - (حيثما تستقم يقدر لك اللـ ... ـه نجاحا في غابر الأزمان)

ومنه بـ"ـأنى". 462 - (خليلي أني تأتياني تأتيا ... أخا غير ما يرضيكما لا يحاول) وأكثر ما يستعمل ظرف زمان بمعنى: "أين" وقد يستعمل للدلالة على الأحوال كـ"ـكيف" نحو: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ولعموم الأزمان بمعنى "متى" ويحتمله البيت المذكور. (وماضين أو مضارعين ... تلفيهما أو متخالفين) يكون فعل الشرط وجوابه ماضيين, نحو: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} فيكون الجزم في محلهما, ومضارعين, فيظهر الجزم فيهما, نحو: {وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ} , ومتخالفين بأن يكون الأول ماضيا والثاني مضارعا, فيكون حكم كل منهما ما سبق, نحو: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} وعكسه, على

الصحيح, كقوله صلى الله عليه وسلم: (من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له [ما تقدم من ذنبه)]. (وبعد ماض رفعك الجزا حسن ... ورفعه بعد مضارع وهن) يجوز في المضارع الواقع جوابا للشرط الماضي الرفع, سواء كان ماضي اللفظ, نحو: 463 - وإن أتاه خليل يوم مسغبة ... يقول لا غائب ما لي ولا حرم)

أو ماضي المعنى لاقترانه بـ"لم" نحو: "إن لم يقم أقومُ" أما رفعه إذا كان الشرط مضارعا [غير ماضي المعنى] فضعيف, نحو: 464 - (... إنك إن يصرع أخوك تصرع)

ولا يختص بالضرورة، بدليل قراءة بعضهم: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ} [النساء:78]. (واقرن بـ"فا" -حتما- جوابا لو جعل ... شرطا لـ"ان" أو غيرها لم ينجعل) دخول "الفاء" في جواب الشرط جائز، وواجب، وممتنع، فالواجب دخول الفاء عليه ما لا يصلح وقوعه شرطا لـ"إن" أو غيرها من أدوات الشرط، وليس ذلك بتقسيم وإنما هو تأكيد، فإن ما لا يصلح وقوعه شرطا

[لـ"إن" لا يصلح وقوعه شرطا] لغيرها ثم ذلك قد يكون المانع فيه مثل كونه جمله اسميه، نحو: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:17] أو طلبيه، نحو {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:31] و {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف:76] أو فعلا غير متصرف، نحو: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا} [الكهف:39 - 40] وقد يكون لما يتصل به، مثل كونه مقرونا بـ"قد" أو حرف تنفيس، أو "لن" أو "ما" نحو: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف:77] {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة:28] {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران:115] {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} [يونس:72] وأما نحو: 465 - (من يفعل الحسنات الله يشكرها ...)

وقوله: 466 - (ومن لا يزالْ ينقادُ للغَيِّ والهَوَى ... سَيُلقي علي طولِ السلامة نادما) فمن الضرورات. والممتنع اقترانه بـ"الفاء" ما كان مضارعا مجزوما، والجائز دخول

"الفاء" عليه الماضي المجرد، والمضارع غير المجزوم، والأكثر تجردهما منهما، ومن اقترانهما بها: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل:90] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ} [طه:112] (وتخلف الفاءَ "إذا" المفاجأة ... كإن تجُدْ إذاً لنا مكافأة) تقع "إذا" الفجائية عوضا عن فاءِ الجزاء الواجب اقترانه بها، ويختص ذلك بالمثال الذي ذكره المصنف ونحوه، مما أداة الشرط فيه"إن" والجواب جمله اسميه غير طلبيه ومثله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم:36]. (والفعل من بعد الجزا إن يقترن ... بـ"الفاء" أو "الواو" بتثليت قمن) إذا عطف علي جواب الشرط مضارع بـ"الفاء" أو "الواو" فلك فيه ثلاثة أوجه: جزمُه بالعطف، ورفعُه بالاستئناف، ونصبه بـ"أن" مضمرة، وبالجزم والرفع قرئ -في المتواتر- {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة:284] وقرئ -شاذا-

بالنصب، وبالأوجه الثلاثة روي: (467) - (ونأخذ بعده بذناب عيش ...) بعد: (468) - (فإن يهلك أبو قابوسَ يَهْلِكْ ... ربيعُ الناسِ والبلدُ الحرامُ) ولا فرق بين أن يظهر الجزم [في الجزاء]-كما مثل- أو لا يظهر، فإنه قد قُرئ بالأوجه الثلاثة: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ}.

(وجزمٌ ونصبٌ لفعلٍ إثرَ "فا" ... أو "واوِ" أنْ بالجملتين اكتُنِفا) إذا كان العطف علي جمله الشرط قبل الإتيان بجمله الجزاء، فالمعطوف مكتنفٌ بالجملتين، ففيه وجهان: الجزم وهو الأشهر، نحو: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:90] والنصب، كقوله: 469 - (ومن يقترب منا ويخضع نؤوه ...) أما لو كان العطف بـ"ثُمَّ" لم يجز النصب في الموضعين، لأن إضمار "أنْ" بعدها غير معروف، بل يتعين الجزم في الحالة الثانية، ويجوز مع الرفع الأولى.

(والشرطُ يغني عن جوابِ قد عُلِم ... والعكسُ قد يأتي إنِ المعني فُهِم) يجوز حذف ما عُلم من جملتي الجواب والشرط، وهو في جملة الجواب أكثر منه في جملة الشرط, نحو: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} [الأنعام:35] التقدير: فافعل ويجب مع تقدم ما هو الجواب في المعني، نحو: {وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} ومع تقدم القسم، كما يأتي، ولا يحذف فعل الشرط إلا مع أداة "إن"مقرونة بـ"لا" نحو: 470 - (فطلقها فلستَ لها بِكُفْءٍ ... وإلا يَعْل مَفْرِقَكَ الحُسَامُ) تقديره: "وإن لا تطلقْها" وأما نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة:6] و"إنْ خيراً فخير" فلم تحذف فيه جمله الشرط كلها، وإنما

حذف بعضها وقد يحذفان للعلم بهما نحو: (471) - (قالت بنات العم يا سلمي وإن ...) (472) - (كان فَقيراً مُعْدماً قالتْ وإنْ ...) التقدير: وإن كان كذلك تزوجته. (واحذف لدي اجتماع شرطٍ وقَسَم ... جواب ما أخرت فهو مُلْتَزَم) (وإن تواليا وقبلُ ذو خبر ... فالشرط رجعْ مطلقا بلا حَذَر) (وربما رُجَّح بعدَ قَسَمِ ... شرطٌ بلا ذِي خبرِ مُقَدَّم) إذا اجتمع في الكلام شرط وقسم حذفت جواب المتأخر منهما, واستغنيت عنه بجواب السابق, سواء كان السابق الشرط، نحو: "إن يقم واللهِ زيد أكرمْه"، أو القسم، نحو: "والله إن يقم زيدٌ لأقومنَّ معه" وسواء كان القسم مصرحا به-كما مثل- أو مدلولا عليه باللام الموطئة، نحو: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} [الحشر:12] أو بالواو مع حذف اللام، نحو:

{وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة:73] فإن تقدمهما ما يطلب خبرا من مبتدأ باق علي ابتدائيته أو منسوخ الابتداء بأحد النواسخ، رُجّح الشرط علي القسم فإتي بالجواب له تقدّم أو تأخّر، نحو: "زيد والله إنْ تكرْمه يكرمْك" و "إن زيدا والله إن تسألْه يعطيك" وهذا الترجيح واجب عند المصنف ليس واجبا عند ابن عصفور، وأجاز الفراء الاستغناء بجواب الشرط المتأخر عن القسم مطلقا وإن لم يتقدمها ذو خبر، والمصنف جعله قليلا، ولذلك قال: "ربما ... البيت" وغيرهما يخصه بالضرورة، كقوله: 473 - (لئن منيت بنا عن غِبِّ معركةٍ ... لا تُلْفِنا عن دماءِ القوم نَنَتْفل)

فصل "لو"

فصل "لو" وهي من جمله أدوات الشرط في المعني لا في العمل، وتختص بأحكام فلهذا أُفردت بفضل، ولهما معنيان غير الشرط. أحداهما: أن تكون مصدريه. بمنزلة "أن" فتخلص المضارع للاستقبال، ويبقي بعدها الماضي علي مضيه، إلا أنها تفارقا "أن" في أنها لا تقع -غالبا- إلا بعد فعل دالٌ على تَمَنِّ، نحو: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة:96] وقد تقع دونه، نحو: 474 - (ما كان ضرَّك لو مَنَنْتَ وربَّما ... منَّ الفتي وهو المَغيظُ المُحنق) الثاني: أن يراد بهما التقليل، نحو: (التمس ولو خاتما من حديد).

ولا يليها حينئذ إلاّ الاسم -كما مثلّ- أو ما في تأويله، نحو: (ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي). ("لو" حرفُ شرطِ في مُضِيَّ ويَقِلْ ... إيلاؤه مستقبلا لكن قُبِل) (وهي في الاختصاص بالفعل ك"إن" ... لكنَّ "لو" "أن" بها قد تَقْتَرن) (وإن مضارعٌ تلاها صُرِفا ... إلي المضيِّ نحو: "لو يَفي كَفَي" أكثر ما تستعمل "لو" الشرطيه عكس "إن" في كون ما بعدها مرادا به المضي إمّا بلفظه -وهو الأكثر- نحو: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة:47] {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168] وإمّا بقرينه تصرفه إليه، نحو: (لو لم يَخَف الله لم يعصه) فإن وقع بعدها مضارع صرف معناه إلي المضي، كما أشار إليه المصنف بالبيت الثالث، نحو: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات:7] واستعمالها مرادفه لـ"إن" في كونها شرطا في المستقبل قليل، وحينئذ فتخلّص في المضارع للاستقبال، نحو:

475 - (لو تلقي أصداؤنا بعد موتنا ...) وإن وقع بعدها الماضي انقلب مستقبلا، نحو: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:9] وهي في أحوالها كلمه مختصة بالفعل، مثل "إن" الشرطية، إلا أنها تقترن بها "أنّ" المفتوحة، نحو: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء:64] {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} [الحجرات:5] فعند سيبويه والأكثرين أنّ "أنّ" في محل رفعٍ بالابتداء، ثم هل خبره محذوف تقديره: موجود، أو: كائن، أو لا خبر له، استغناء عنه بجواب:

لو أنهم"؟ فيه قولان. وعند الكوفيين والمبرد أنها فاعل لفعل محذوف تقديره: لو ثبت أنهم، فلم تخرج عن قاعدة اختصاصها بالفعل، كما اتفقوا عليها فيما إذا وليها اسم صريح نحو: (476) - (أخلاَّيَ لو غيرُ الحمِامِ أصابكم ...)

477 - لو بغير الماءِ حَلْقِي شَرِق ...) وقوله -صلي الله عليه وسلم-: "التمس ولو خاتماً من حديد" إذا الأول معمول لفعل مفسر بلفظ ما بعده، تقديره: "لو أصابكم". والثاني معمول لفعل مفسر بمعني ما بعده تقديره: "لو شَرِق". والثالث معمول لفعل مدلول عليه بالمعني، تقديره: "ولو كان الملتمس خاتما" هذا حكم ما تدخل عليه من حيث اللفظ، وأما من جهة المعنى فإنها تقتضي امتناع شرطها دائم وامتناع الجواب معه إن لم يكن له سبب آخر

أما ولولا ولوما

غيره، كالأمثلة المتقدمة، وكقوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} [الأعراف:176] {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ} [يونس:99] فإن كان له سبب آخر لم يلزم امتناعه، نحو: "لو لم تكن الشمس طالعه كان الضوء موجودا"، ومثله قول عمر: "نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه" إذ ترك العصيان له عدة أسباب، منها: المحبة، ومنها: الإجلال، ومنها: الخوف، فلا يلزم من انتفاء الخوف انتفاؤه، كما أن الضوء له عده أسباب فلا يلزم من عدم الشمس انتقاؤه. أمّا ولولا ولوما هذه الحروف الثلاثة تقتضي ملازمة بين جملتين، كأدوات الشرط، فلذلك عقبت بها، إلاّ أن "أما" أدخل في معني الشرط من أختيها. (أما"كـ"ـمهما يك من شيء وفا ... لتلو تلوها وجوبا ألفا) (وحذف ذي الفا قل في نشر إذا ... لم يك قولٌ معها قد نُبذا) أما المفتوحة حرف شرط تقتضي التفصيل-غالبا- بأن يعطف عليها

نحو: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:9 - 10] ونحوه كثير، وقد تكون لمجرد التوكيد الخالي عن التفصيل، كقولك: "أما زيد فمنطلق" قال الزمخشيري: "أما" حرف يعطي الكلام فَضْلَ توكيد، تقول: "زيد ذاهب" فإذا قصدت أنه لا محالة ذاهب. قلت: "أما زيد فذاهب" وفي الحالين هي مؤؤلة بأداة شرط وجملته، كما ذكر المصنف، فإذا قلت: "أما زيد فمنطلق" فتأويله: ["مهما يكن من شيء فزيد منطلق" وتلزم هذه الفاء لتلو تلوها، سواء كان] مبتدأ مخبرا عنه بتلوه، نحو: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} [آل عمران:107] أو مفعولا وتلوه هو العامل فيه، نحو: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى:9] وتحذف هذه الفاء كثيرا إذا كان معها قول قد نبذ، أي: طرح، واستغني عنه بالمقول نحو: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران:106] لأن تقديره فيقال لهم: "كفرتم؟ " أما دون ذلك فلا تحذف إلا في الضرورة، كقوله: 478 - (فأما القتالُ لا قتالَ لديكم ...)

وحذفها في النثر شاذ, ومنه في الحديث: (أما بعد: ما بالُ رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله).

(لولا" و"لوما" يلزمان الابتدا ... إذا امتناعا بوجود عقدا) إذا أريد بـ"لولا" و"لوما" الملازمه فهما حرفا امتناع لوجود، لأنهما يقتضيان امتناع جوابهما لوجود تاليهما، نحو: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ:31] وتقول: {لوما زيد لأكرمتك} ويلزمان -حينئذ- المبتدأ، كما مثل، وخبره لازم الحذف - غالبا -كما سبق في باب الابتداء، وجوابهما -حينئذ- إما ماضي اللفظ، وإما ماضي المعني، نحو: "لولا زيد لم آتك" ثم الماضي اللفظ إن كان مثبتا فالأكثر اقترانه باللام, نحو: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83] والمنفي بـ"ما" عكسه، نحو: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور:21] وقد يحذف للعلم به، نحو {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور:10]. (وبهما التحضيض مز و"هلا" ... "إلا" "الا" وأولينها الفعلا) (وقد يليها اسم بفعل مضمر ... عُلق أو بظاهر مُؤخر) من معاني "لولا" و"لوما" التخضيض، ومعناه: الحث علي الفعل، ومن الحروف الدالة علي التحصيص"هلا" و"ألا" - مشددة ومخففة- وتختص أدوات التخصيص بالأفعال، ولا يليها إلا الماضي، نحو:

{فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122] أو المضارع, نحو: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ} [الحجر:7] وقد يفصل بينهما وبين الفعل بجملة اعتراضية نحو: {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا} [الواقع:86 - 87] وقد يليها اسم متعلق بفعل مضمر قبله, نحو: 479 - (أتيتَ بعبد اللهِ في القيدِ مُوثقا .. فهلاَّ سعيداً ذا الخيانةِ والغدْر) تقديره: فعلا أسرت سعيداً, أو بفعل مؤخر عنه, نحو: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ} [النور:16] لأن "إذ" ظرف لـ"قلتم" فإن وقع بعدها الجملة الاسمية, نحو: 480 - (.... فهلاَّ نفسُ ليلى شفيعُها) قدّر بعده "كان" رافعة لضمير الشأن, والجملة خبرها.

الإخبار بالذي والألف واللام

الإخبار بالذي والألف واللام هذا الباب وضعه النحاة للتدريب في الأحكام النحوية, واختيار المبتدئ في كيفية تركيب الكلام, كما وضع أهل التصريف مسائل للتمرين في الأحكام التصريفية, وإن لم تنطق العرب بمثلها, ويصار إلى هذا الإخبار إما لقصد الاختصاص, وإما لتقوية الحكم, وإما لتشويق السامع, وإما لإجابة الممتحن. (ما قيل أَخْبِرْ عنه بالذي خَبَرْ ... عن الذي مبتدأَ قبلُ استَقَر) (وما سواهما فوسِّطْه صِلَهْ ... عائِدُها خَلَفُ معْطِي التكمله) (نحوُ "الذي ضربتُه زيدٌ" فذا ... "ضربتُ زيداً" كان, فادْرِ المَأخَذا) هذا بيان صفة الإخبار, فما قيل لك: أخبر عنه بـ"الذي" جعلته خبرا مؤخرا عن الموصول الذي استقر "في أول الكلام", وما سوى المخبر به والمخبر عنه يتوسط صلة بينهما, تكون مشتملة على ضمير عائد على

الموصول, واقع في مكان الاسم المخبر عنه بـ"الذي" وخلف عنه, وهو مراد المصنف بقوله: "خَلَفُ معطِي التكملة" لأن الاسم المخبر عنه هو الذي حصلت التكملة به, لمجيئه خبرا, فإذا قيل لك: "أخبر عن زيد" -من قوله: "ضربت زيدا"- بـ"الذي", قلت: "الذي ضربته زيد" فتجعل "زيدا" مؤخرا, وترفعه على أنه خبر, وتبتدئ الكلام بموصول مطابق له, وتجعل ما بقي من الجملة صلته, وتجعل في محل "زيد" ضميرا عائدا على الموصول, فهذه خمسة أعمال في هذا التركيب, لا يجوز الإخلال بشيء منها, وقد عملت -بهذا- أن عبارة النحاة في هذا المحل فيها تَجَوُّز. فإن "الذي" مخبر عنه لا مخبر به, و"زيد" بالعكس, وذلك خلاف الظاهر من قولهم: "أخبر عن كذا بـ"الذي"" وتأويل كلامهم: "أخبر عن مسمى زيد في حال تعبيرك عنه بـ"الذي"" ولنذكر مسألتين غير مسألة الكتاب يتضح بهما المعنى. * إذا قيل: أخبر عن "زيد" من قولنا: "زيد منطلق" بـ"الذي" قلتَ: "الذي هو منطلق زيد" فـ"الذي" مبتدأ, و"هو" ضمير خلَف عن "زيد" وهو العائد, وأتي به منفصلا لعدم ما يتصل به, و"هو" و"منطلق" الصلة, و"زيد" الخبر.

* فإن قيل: أخبر عن "التاء" من قولك: "ضربت زيدا" علمتَ ما تقدم من الأعمال الخمسة, واحتجت إلى عمل سادس وهو أن تأتي بضمير المخبر عنه منفصلا, فتقول: "الذي ضرب زيدا أنا" والعائد الذي [هو خالف عن الضمير] هو فاعل: "ضرب" مستترا, فاعرف المأخذ وقس عليه. (وبـ"اللذينِ" و"الذينَ" و"التي" ... أخْبِرْ مراعياً وفِاق المُثْبَت) يخبر بفروع "الذي" من تأنيثه, وتثنية كلّ منهما, وجمعه, كما يخبر بـ"الذي" مراعي في ذلك كله مطابقة المخبر عنه في الموصول المخبر به, وفي العائد عليه, ويشمل ذلك خمس مسائل تنظّرها بمثال واحد, وهو: "ابلْغَ امرأتَاكَ رسالةً من أخوْيك إلى أمهاتك بحضور قومك" , فإن أخبرت عن "الرسالة" من هذا التركيب. قلت: "التي بلْغها امرأتَاكَ من أخوْيك إلى أمهاتك بحضور قومك رسالةٌ" فتقدم الضمير عن محله, وتصله بالفعل, لأنه أمكن الإتيان به متصلا فلا يعدل إلى الفصل, ولا مانع من حذفه, لأنه عائد متصل منصوب بفعل فيحذف, كما في غير هذا الباب, وإن أخبرت عن "الأخوين" قلت: "اللذان بَلَّغَ امرأتاك رسالةً منهما إلى أمهاتك بحضور قومك أخواك" , وإن أخبرت عن: "امرأتاك" قلت: "اللتانِ بَلَّغا رسالة من أخوْيك

إلى أمهاتك بحضور قومك امرأتاك" , وإن أخبرت عن "القوم" قلت: "الذين بَلّغَ امرأتاك رسالةً من أخوْيك إلى أمهاتك بحضورهم قومُك" فإن أخبرت عن "الأمهات" قلت: "اللاّتي بَلّغ امرأتاك رسالةً من أخويك إليهن بحضور قومك أمّهاتُك". (قبولُ تأخيرِ وتعريفِ لما ... أخْبِرَ عنه -هاهنا- قد حُتِما) (كذا الغِنَى عنه بأجْنَبِيَّ أو ... بمضمرٍ شرطُ فراغِ ما رَاعَوا) ذَكر للمخبر عنه في هذا الباب أربعة شروط. أحدها: أن يكون قابلا للتأخير, فما لم يقبل التأخير لاستحقاقه لتصدر كأسماء لاستفهام, والشرط, و"كم" الخبرية, و"ما" التعجبية, وضمير الشأن, لا يخبر عنه, لما يلزم عن ذلك من تأخيره إلى آخر الكلام فيزول ما استقرّ له من التصدر, ولا يرد على ذلك الضمير المتصل, فإنّ خَلَفه -وهو: المنفصل- يقبل التأخير. الثاني: أن يكون قابلا للتعريف, فلا يخبر عن الحال والتمييز, لما تقرر من أنك تأتي في محل المخبر عنه بضمير, فيكون قد نصب الضمير على الحال والتمييز, وذلك لا يجوز, وكذا لا تخبر عن "أحد" من قولك: "ألم أر أحدا" لأنه لا يقبل التعريف, فلا يصح وقوعه خبرا عن المعرفة, هذا هو المانع من الإخبار عنه

لا عدم جواز وروده في الإثبات. الثالث: أن يصح الاستغناء عنه بأجنبي, فلا يخبر عن "الهاء" من قولك: "زيد ضربته" فإنك لو أخبرت عنه لقلت: "الذي زيد ضربته هو" فيكون الضمير المنفصل خبرا عن "الذي" والمتصل الذي وضعته مكانه خلف عنه, فإن جعلته عائدا على الموصول -كما هو قاعدة الباب-[بقي المبتدأ بلا عائد, وإن جعلته رابطا للمبتدأ خرجت عن قاعدة الباب] بجعل الضمير الواقع في محل المخبر عنه غير عائد على الموصول. الرابع: أن يصح الاستغناء عنه بمضمر, فلا يجوز الإخبار عن شيء من الأسماء المجرورة بحروف الجر التي لا تدخل على المضمر, كـ"ـمُدْ" و"منذ" و"حتى" و"والواو" و"الكاف" و"التاء" و"رُبَّ" لما تقرر من أنَّ الإخبار يستدعي ضميرا واقعا في محل الاسم المخبر عنه, يكون خلفا عنه, وكذا كل اسم لا يصح أن يقع في محله الضمير, كالاسم الواقع نعتا أو منعوتا أو مضافا أو عاملا فلا يصح الإخبار عن واحد من الأسماء الواقعة في قولك: "أعجب أبا زيد ضرب عمراً الكريمَ" إلاّ عن "زيد" خاصة, أما "الأب" فلأنه مضاف, وأما "ضرب" فلأنه عامل, وأما "عمرا" فلأنه منعوت, وأما "الكريم" فلأنه نعت, نعم لو أخرت عن

المضاف والمضاف إليه أو عن العامل ومعموله, أو عن النعت والمنعوت معا جاز, وبقي الإخبار عن شيء واحد يصح إضماره, فتقول في الأول: "الذي أعجبه ضربٌ عمْراً أبو زيد" , وفي الثاني: "الذي أعجب أبا زيد ضربٌ عمرا" فيكون الضمير مستترا في: "أعجب" وقدّم عن محله ليقع متصلا, وفي الثالث: "الذي أعجب أبا زيد ضربه عمروٌ الكريمُ" فاعرفه, فإنه موضع. وللمخبر عنه ثلاثة شروط أخر. أحدهما: جواز استعمال مرفوعا, فلا تحبر عن لازم النصب على الظرفية كـ"عِند" و"لَدَي". الثاني: أن يكون واقعا في جملة خبرية, فلا يصح الإخبار عن "زيد" من قولك: "اضرب زيدا" لامتناع وقوع الطلب صلة. الثالث: أن لا يكون في إحدى جملتين مستقلتين قد عطفت إحداهما على الأخرى, نحو: "زيد" من قولك: "قام زيد وقعدَ عمرو" , بخلاف غير المستقلين نحو: "إن قام زيد قَعدَ عمرو" , ونحو: "قام زيد فقعد عمرو" ونحو: "ضربني وضربتُ زيدا" لصحة وقوع الجملة الثانية في هذه المُثُلِ صله, بخلاف المثال الأوّل.

(وأخبروا -هنا- بـ"ـأل" عن بعض ما ... يكون فيه الفعل قد تقدما) (إن صح صوغُ صلةِ منه لـ"ـأل" ... كصوعِ "واقِ" من: "وَقَى اللهُ البطل") لا يخبر -هنا- بشيء من الموصولات غير "الذي" وفروعه, كما تقدم إلاّ "أل" فإن الإخبار بها جائز, لكن بالشروط الستة المتقدمة في الإخبار بـ"ـالذي" وتزيد عليها بثلاثة شروط. أحدها: أن يكون المخبر عنه واقعا في جملة فعلية. الثاني: أن يكون الفعل فيها متقدما. الثالث: أن يكون الفعل متصرفا بحيث يصح أن يصاغ منه وصف يكون صلة لـ"ـأَل" فتقول في الإخبار عن الفاعل من قولك: "وقَى اللهُ البطلَ" "الواقي البطل اللهُ" والضمير الواقع في محل المخبر عنه مستتر في الوصف وهو العائد على "أل", وفي الإخبار عن المفعول: "الواقية الله البطلُ" فتقدم الضمير على الفاعل المتصل, ولا يجوز حذفه وإن كان منصوبا بوصف, لأن عائد

الألف واللام لا يحذف إلاّ في الضرورة, كما سبق, ولا يخبر بـ"ــأل" عن "زيد" من قولك: "زيد أخوك" ولا من: "زيد ضرب أخاه" ولا من: "عسى زيد أن يقوم" لانتفاء الفعلية في الأول, وانتفاء التقدم في الثاني, وانتفاء التصرف في الثالث. (وإن يكن ما رَعَتْ صلُة "أل" ... ضميرَ غيرها أُبِينَ وانفصل) قد تقدم أن الضمير المرفوع بصلة الألف واللام يكون مستترا إذا عاد عليها, نحو: "الواقي البطلَ اللهُ" فأمّا إن رَفَعَتْ صلةُ "أل" ضمير غيرها وجب إبرازه منفصلا, فتقول -في الإخبار عن غير ياء المتكلم من نحو: "بَلْغْتُ من أخويك إلى قومك رسالة" -المبلغ أنا منهما إلى قومك رسالة أخوك" إذا أخبرت عن الأخوين, و"المبلغها أنا من أخويك إلى قومك رسالة" -إذا أخبرت عن رسالة- وتقّدم الضمير عن محل الاسم المخبر عنه ليتصل بالوصف, كما سبق, وإنما أبرزت الضمير في ذلك كلّه لأنك أجريت الوصف الذي هو فعل المتكلم صلة لـ"ــأل" التي هي لغير المتكلم, لأنها نفس الاسم الذي أخبرت عنه, ولذلك لو كان الإخبار عن الفاعل من الجملة المذكورة لم تحتج إلى إبراز الضمير, بل تقول: "المبلّغُ من أخويك إلى قومك رسالةً أنا".

العدد

هذا الباب عقدة المصنف لبيان حكم العدد الذي له مميز, فذكر كيفية التلفظ به, وكيفية إعراب مميزه, لذلك لم يذكر فيه الواحد ولا اثنين وإن كانا من جملة العدد لأنه لا مميز لهما, ولا يذكر معهما المعدود, فلا يقل: "واحدُ درهمٍ" ولا "اثنا درهم" لأن كل واحد من المعدودين يفيد ما أريد به من الجنسية, والدلالة على الوحدة أو شفع الواحد بمثله, فذِكر العدد معهما تكرير, بخلاف "ثلاثة دراهم" فإن المميز إنما يفيد مطلق الجمع لا التقييد بعدد خاص فاحتج معه إلى ذكر العدد, وحكمهما في التلفظ بهما التذكير مع المذكر, والتأنيث مع المؤنث كسائر الألفاظ. (ثلاثةَ بـ"ـالتاء" قل للعشره ... في عد ما آحادُه مذكره) (في الضدِّ جرِّد, والمميزَ أجررِ ... جمعا بلفظ قلةِ في الأكثر) كان قياس العدد المميز بجمع, وهو ثمانية ألفاظ: الثلاثة والعشرة وما بينهما أن يستعمل بالتاء مطلقا, لأن مسمياتها جموع, والجموع الغالب عليها التأنيث, إلاّ أنهم أرادوا التفريق بين المذكر والمؤنث فجاءوا بالتاء التي هي الأصل مع المذكر, لأن لأصل, وجرّدوه منها مع المؤنث لطلب الفرق, فقالوا: "ثلاث نسوة" و"أربعة رجال" قال تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة:7] ثم الاعتبار في التذكير والتأنيث بالآحاد, لا بصورة

الجمع, فتقول: "ثلاثةُ اصطبلات" و"ثلاثةُ حمَّامات" لأن آحادها: "أصطبل" و"حمام" وهما مذكران, وتقول: "ثلاث إِوَزِّين" لأن واحدها: "إوَزَّة" وليس الاعتبار في ذلك بلفظ الواحد دون معناه, حتى يقال: "ثلاث طلحات" ولا بمعناه دون لفظه, حتى يقال: "ثلاث شخوص" -مراداً به نسوة- ولكن ينظر إلى ما يستحقه المفرد باعتبار نعته وضميره, فيعكس ذلك في العدد, فكما يقال: "حمزة صالح" و"زينب شخصٌ يُحْسِنُ إلى أهله" تقول في عددهما: "ثلاثة حمزات" "وثلاثة أشخص" ولذلك عدّ النحاة قوله: 481 - (... ثلاثُ شخوص كاعبانِ ومُعْصِر)

شاذا, مع أنه سهله أنه اتصل به بعد ما يعضد المعنى من صفات المؤنث وكما تقول: "نفسٌ زكية" تقول في العدد: "ثلاث أنفس" ونحو: 482 - (ثلاثة أنفس وثلاث ذود ...) فضرزة سهَّلها أن المراد بالنفس "البدن".

فإن كان المعدود صفةً حذف موصوفها, فالمراعي في التذكير والتأنيث حكم الموصوف المحذوف, فتقول: "عندي ثلاث حوائض" لأن الموصوف المحذوف نسوة, و "عندي ثلاثة هُمَزات" - إذا جعلته وصفا لـ"ــرجال"- وعلى ذلك جاء قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160] لأن المراد: "عشر حسنات" ولولا ذلك لدخلت التاء في "العشر" لأن "المثل" مذكر. ومميّز هذا النوع من العدد مجرور -مطلقا- ثم أكثر ما يكون جمعا مكسرا, بلفظ القلة, نحو: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة:2] {سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان:27] و {وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة:7] وقد يأتي جمع تصحيح, لكن أكثر ما يكون ذلك فيمنا أهمل تكسيره, كـ {سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [البقرة:29] و "خمس صلوات" أو جاور ما أهمل تكسيره, كـ {وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ} [يوسف:43] لمجاورته {سَبْعَ بَقَرَاتٍ} [يوسف:43] أو أشبهَ

المكسر لعدم سلامة الواحد فيه, أما لنقص, كـ {سَبْعَ سِنِينَ} [يوسف:47] أو لتغيّر حركة: كـ "سبع أرَضين" ويأتي جمع كثرة إما لأن جمع القلة فيه مهمل [كـ"ـثلاثة دراهم" و"خمسة رجال" وإما لقلته] كـ"ـثلاثة شُسُوع" لندور "أشساع" وإما لضعفه قياسا, كقوله تعالى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] فإن جمع "فَعْلٍ" -صحيح العين- على "أفعال" شاذ قياسا, ويأتي مفردا, نحو: "ثلاث مائة" واسم جنس كـ"شَجَرٍ" واسم جمع كـ"رَهْطٍ" لكن الأكثر على هذين الآخرين -إذا ميّز بهما- أن يجرّا بـ"ـمن" فيقال: "ثلاث من الشجر" و"أربعة من القوم" قال تعالى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ

الطَّيْرِ} وقد يجر بالإضافة, نحو: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل:48] وفي الحديث: "ليس في ما دون خمس ذَودٍ" وهما في التذكير والتأنيث عكس الجمع, فيعتبر ذلك فيهما بحالهما لا بحال مفرديهما, فتقول: "ثلاثة من الغنم" و"ثلاث من البط" لأنك تقول: "غنم كثير" و"بط كثيرة" وتقول: "ثلاث من البقر- وإن شئت- ثلاثة" لتأنيثه في قراءة بعضهم: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ} [البقرة:70]. (ومائةً والألفَ للفرد أضف ... ومائةٌ بالجمع نَزْر قد ردف) المائة والألف يشاركان الأعداد الثمانية المذكورة في كون مميزهما مجرورا بإضافتها إليه, لكن حق مميزهما أن يكون مفردا كما نطق به القرآن, نحو: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة:259] {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ} [العنكبوت:14] وكذلك كل ما يتركب منهما, نحو: "مائتي عام" و"ثلاثة آلاف سنة".

وقد جاء مميز المائة بلفظ الجمع إلاّ أنه: نَزْر, أي: قليل, ومنه قراءة بعضهم {ثَلاثَمِائَةٍ سِنِينَ} [الكهف:25]-بالإضافة- وأندر منه مجيؤه مفردا منصوباً كقوله: 483 - (إذا عاش الفتى مائتين عاما ... فقد ذهب المسرَّةُ والفَتَاء) (وأحَدَ اذكر وصلنه بـ"عَشَر ... مركبا قاصَدَ معدودِ ذَكَر) (وقل لدى التأنيثِ إحدى عَشْره ... والشينُ فيها عن تميمِ كَسْره) إذا جاوزتَ العشرة في العدد ركبت النيف وهو الواحد والتسعة وما بينهما [مع العقد وهو العشرة والتسعون وما بينهما] إلاّ أنك في العشرين وما فوقها تركبه بالعطف, كما يأتي, ومع العشرة تركبه دون عطف. عدنا إلى شرح كلام المصنف

[ومعناه أنك] إذا ركبت الواحدة مع العشرة أبدلت لفظه في التذكير بـ"ــأحد" وفي التأنيث بـ"ـإحدى" معتبرا في تذكير كل من المركبتين وتأنيثه حال المعدود, فتقول: "أحَدَ عَشَرَ رجلا" و"إحدى عشرة امرأة" بفتح الشين مع التجرد من التاء عند الكلّ, وبسكونها مع "التاء" عند الحجازيين, وكسرها عند التميميين, وبعضهم يفتحها أيضا. (ومعَ غير "أحد" و"إحْدَى" ... ما مَعْهُما فَعَلْتَ فَافْعَلْ قَصْدا) حكم العشرة مع غير "أحد" و"إحدى" من النيف المركب معها أو المضاف إليها حكمها معهما, فتأتي بها على الأصل من التجريد إن كان المعدود مذكرا, والاتصال بالتاء إن كان المعدود مؤنثا, فتقول: "ثلاثة عشر رجلا" و"ثلاث عشرة امرأة" وكذا سائرها, وفي "شِينٍها" مع التاء ما سبق من اللغات الثلاث. (ولثلاثةِ" و"تسعةِ" وما ... بينهما إنْ رُكبا ما قُدِّما) الثلاثة والتسعة [وما بينهما] إذا ركبا مع العشرة [كان حكمهما في التذكير والتأنيث ما تقدم عند عدم التركيب, فتتجرد من التاء إن كان

من التاء إن كان لمعدود مؤنثا] وتتصل بها إن كان مذكرا, فلذلك لا يتصور اجتماع التجريد ولا التّلبّس فيها وفي العشرة, إذ المعتبر في تذكير العشرة وتأنيثها مطابقة حال المعدود, كما سبق, وفي تذكير الثلاثة وباقي النيف وتأنيثها عكس حال المعدود, فلذلك قال تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:30] لأن واحد المعدود مَلَكٌ, فاعتبر مطابقته في العشرة فتجردت, وعكس ذلك في التسعة فاتصلت بالهاء وعكسه: "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة". (وأولِ "عَشرَةَ" اثنتي و"عَشَرا" ... اثنَيْ إذا أُثني تشا أو ذَكَرا)

(والياء لغيرِ الرفعِ, وارفعْ بالألف ... والفتحُ في جُزْأَيْ سِواهما أُلف) إذا ركبتَ الاثنين أو الاثنتين مع العشرة أضفتهما إليها, معتبرا -في حالهما مع ما ركبا معه- مطابقة حال المعدود تذكيرا وتأنيثا كالواحد, فتقول: "عندي اثنا عشر رجلا واثنتا عشرة امرأة" وإلى المثال الثاني أشار المصنف بقوله: "وأوْلِ عَشْرَة اثنتْي" وإلى الأول أشار بقوله: "وعَشَرَا اثْنَي" إذ المعنى: وأول عشرا اثنى, وقوله: "إذا أُنثى تشا أو ذكرا": تقسيم لا تخيير, ولذلك أوقعه مطابقا لحال المثالين فقدم الأنثى لتقديم عددها في التمثيل, قم هو مخالف لجميع المركبات في أن النَّيَّف يعرب مضافا إلى العشرة, فيكون بالياء في غير الرفع, وهو الجر والنصب, نحو: "رأيت اثنيْ عشر رجلا" و "مررت باثْنَيْ عَشَرة امرأة" [ويرفع بالألف, نحو: "جاءني اثنا عشر رجلا, واثنتا عشرة امرأة"] وأما سواهما من الأعداد فالمألوف فيها بناء الجزأين.

وهما: النّيّف والعشرة على الفتح نكرت نحو: "عندي ثلاثة عشر رجلا" أو عرفت كـ"ـمررت بالخمسة عشر رجلا", ويستثنى من ذلك لفظتان الأولى: "إحدى" فإنها تُبنى على السكون حال تركيبها لعدم قبول الألف للحركة. الثانية: "ثماني" فإن من العرب من يسكن ياؤه كما يسكن "ياء" معدي كرب -عند التركيب- ومنهم من يفتحها على القاعدة, ومنهم من يحذفها [إما مع كسر النون] للدلالة عليها, وإما مع فتحها على قاعدة التركيب. (وميز العشرينَ للتسعينا ... بواحدِ كـ"ـأربعينَ" حِينا) مميز العشرين والتسعين وما بينهما من العقود مفرد منصوب, سواء كانت مفردة كـ"ـخمسين عاماً" أو معطوفا عليها نيف كـ"ـثلاثة وثلاثين رجلا" و"تسعة وتسعين درهما" ثم لفظ العقد لا يختلف ذكّر معدوده أو أنت, نحو: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف:155] {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً} [الأعراف:142] وأما النيف فحكمه معه حكمه إذا انفرد, فيطابق بالواحد والاثنين حال معدودهما, فتقول: "عندي واحد وثلاثون [رجلا" -وإن شئت: أحد وثلاثون-] و "واحدة وثلاثون امرأة" -والأكثر: إحدى وثلاثون- و "اثنان

وثلاثون [رجلا" و "اثنتان وثلاثون] امرأة" ويخالف بالثلاثة والتسعين وما بينهما حال معدودهما, فتقول "ثلاث وثلاثون جارية" و "تسعة وأربعون عبدا" قال تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص:23] وفي الحديث: "إن للهِ تسعةً وتسعين اسما". (ومَّيزُوا مركَّبا بمثل ما ... مُيِّز "عشرون" فسوِّينْهُما) المركب من الأعداد بغير عطف, وهو: "أحد عشر" و "تسعة عشر" وما بينهما يميز ما يميز به "عشرون" وأخواته, من مفرد منصوب, نحو: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف:4] {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة:36] فأما قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا} [البقرة:160] فالوجه أن المميز محذوف, تقديره: "فرقة", و"أسباطا" بدل من: "اثنتي عشرة" إذ لو كان تمييزا لقيل: "اثنا عشر" لأن واحده: "سَبْط" وهو مذّكر. (وإن أضيف عدد مركَّب ... يَبقى إلينا وعَجُزٌ قد يعرب) تختص الأعداد المركبة بغير إضافة بجواز إضافتها إلى مستحق المعدود, ثم فيها لغتان, أشهرهما بقاء البناء, نحو: "مررت بأحدَ عشَرَ زيدٍ" وجعل

أكثر البصريين هذا واجبا. واللغة الثنية حكاها سيبويه وهو إعراب العجز بما يقتضيه العامل مع بقاء فتح الصدر, كما يفعل ذلك بـ"ـبعلبك" فتقول: "هؤلاء أحَدَ عشرُ زيدٍ" و "رأيت أحَدَ عَشَرَ زَيدٍ" و "مررت بأحَدَ عَشَرَ زيدٍ" -تجرة بالكسرة لفقد العملية المقتضية مع التركيب منع صرف "بعلبك" قال سيبويه: وهي لغة رديئة, وحكى الكوفيون فيها لغة ثالثة, وهي إضافة الصدر إلى العجز, معربا بما يقتضيه العامل, ثم إضافة العجز مجروراً إلى مستحق المعدود, فتقول: "هذه أحَدُ عَشَرِك" و "رأيت أحَدَ عَشَرِك" و "مررت بأحَدِ عَشَرِك" ولم يخصوا هذه اللغة بحال الإضافة, بل أجازوا إضافة صدر المركب من العدد إلى عجزه مطلقا, مستدلين لقوله: 484 - (كُلِّفَ من عَنائِه وشقِوتِه ... بنتَ ثماني عَشْرَةٍ من حُجَّتِه)

(وصغ من اثنينِ فما فوقُ إلى .. عَشَرةِ كـ"ـفاعِلِ من فَعَلا) (واختِمه في التأنيث بالتا ومَتَى ... ذَكَّرْتَ فاذكرْ "فاعلا" بغيرِ تا) "واحد" و"واحدة" من أسماء العدد موضوعان على وزن "فاعِل" و"فاعلِة" فلذلك أضرب المصنف عن ذكرهما, ومتى استُعملا مع "العشرة أو ما فوقها من العقود فإنك تنقل "الفاء" منها إلى موضع: "اللام" وتقلبهما ياء, فتقول: "حادي" -في التذكير- و"حادية" -في التأنيث- فأما ما زاد عليهما فـ"ـالاثنان" فما فوقها إلى "العشرة" لك أن تصوغها على وزن "واحد" و"واحدة" فتبني منهما اسم فاعل كما تبنيه من الفعل الثلاثي, وتأتي به على وزن ["فاعل" -بغير تاء- مع المذكر, وعلى وزن] "فاعلة" -بالتاء- مع المؤنثة, فتقول: "هذا ثالث القوم" و "هذه رابعة النَّسوة" كما تقول: "هذا

ضارب القوم" و "وهذه سابقة النسوة" ولك أن تستعمله مفرجدا لقصد الدلالة على معناه مجردا عن الإضافة نحو: 485 - (... لستةِ أعوامٍ وذا العامُ سابع) ولك أن تستعمله مضافا إلى غير عدد, كما مثّل. (وإن تُردْ بعضَ الذي منه بُني ... تُضفْ إليه مثلَ بعضِ بَيِّن) (وإن تُردْ جعْلَ الأقلِّ مثلَ ما ... فوقُ فحُكْمَ "جاعلِ" له احكُما) لهذا العدد المحول إلى بناء "فاعل" في الاستعمال مع غيره خمسة أحوال: أحدها: أن تستعمله مع أصله الذي بني منه للدلالة على أن الموصوف به بعض تلك العدة المعينة لا غير, فتضيف الأول إلى الثاني, فتقول: "خامسُ خمسةٍ" و "رابعُ أربعةٍ" كما تقول: "بعضُ أربعةٍ" و "بعضُ خمسةٍ" قال تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} [التوبة:40] {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73] ولا يتأتى هذا الاستعمال في "الواحد" لفقد البعضية.

وهذه الإضافة واجبة عند الجمهور, ولم يثبت بما أجازه الكسائي, والأخفش من نصب الثاني شاهد, وخص المصنف -في غير هذا الموضع- النصب بـ"ـثان" دون بقية أخواته". الحال الثاني: أن يستعمل مع عدد دون أصله الذي بني منه, مقصودا به جعل الأقل من العدد المستعمل معه مثل الأكثر, وهو العدد الذي هو أصله, نحو: "هذا رابعُ ثلاثةٍ" أي: "جاعلهم بنفسه أربعةً" فيكون حكمه حكم "جاعل" ونحوه من اسم الفاعل الذي يجوز أن ينصب ما بعده, وأن يجره بالإضافة, ويحتملها قوله: {سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف:22] ولا يتأتى هذا الاستعمال في "ثان" فلا يقال: "ثاني واحد" -بإضافةٍ ولا نصبٍ- وأجازه بعضهم بالنصب, نحو: "ثاني واحدا" دون الإضافة, وبعضهم مطلقا.

(وإن أردتَ مثلَ ثاني اثنين ... مركبا فجيء بتركيبين) (أو فاعلا بحالتَيْه أَضِفْ ... إلى مركَّبِ بما تَنْوي يَفي) (وشاع الاستغنا بحادي عَشَرا .. ونحوهِ, قبلَ عشرينَ اذكُرا) (وبابه الفاعل من لفظِ العَدد ... بحالتيه قبل واوٍ يُعتَمَد) هذه الثلاثة الأحوال الباقي من أحوال العدد المصوغ إلى بناء "فاعل". فالأول منها: أن تستعمله مع العشرة ليفيد معنى "ثاني اثنين" ففي صوغه ثلاثة أوجه, أقيسها ما ذكره المصنف أولا, وهو أنك تأتي بتركيبين مشتملين على أربعة ألفاظ: الأول: الوصف مركبا مع العَشَرة. والثالث العدد المشتق منه الوصف مركبا مع العشرة -أيضا- فتقول: "هذا ثاني عَشَرَ اثني عشر" و "رابع عَشَرَ أربعةَ عَشَرَ" بإضافة المركب الأول إلى المركب الثاني. الوجه الثاني: أن تحذف العقد, وهو "العَشْرُ من المركب الأول وتأتي بـ"ـفاعل" بحالتيه من التذكير والتأنيث مضافا إلى المركب الثاني, وعلى هذا فيعرب الأول لزوال التركيب المقتضي لبنائه, فتقول: "هذا ثالثٌ ثلاثةَ عَشَرَ" و "هذه رابعةٌ أرْبَعَ عَشْرَة". الوجه الثالث: أن يقتصر على التركيب الأول باقيا على بناء صدره, فتقول: "ثالثَ عَشَرَ" وإليه أشار المصنف بقوله: "وشاع الاستغناء بحادي عشرا ونحوه" وبعض العرب فيقول: "حادِي عَشَر".

هذا ظاهر كلام المصنف هنا في إيراد الوجه الثالث, وبه شرحه ابنه, والتحرير في هذا الوجه أن يقال: "يحذف العقد من المركب الأول والنيف من المركب الثاني, ثم تضيف ما بقي معك من التركيب [الأول وهو النيف إلى ما بقي معك من التركيب] الثاني وهو العقد, معربا لهما لزوال سبب البناء وهو التركيب, فتقول: "هذا ثالثُ عَشَر" ونحوه, وبعضهم يعرب الأول ويترك الثاني مبنيا, فيقول: "هذا ثالثُ عَشَرَ" وأما بناؤهما معا كما هو مقتضى كلام المصنف وشرح ابنه له فحكى وجها ثالثاً في استعماله, ورده بعضهم بأنه لا دليل -حينئذ- على أن هذين الاسمين منتزعان من تركيبين, وأجيب عنه بأن الدليل على ذلك أن "فاعلا" إنما يركب مع العدد الذي اشتق منه, كـ"ـثالث ثلاثة" أو مع أقل منه كـ"ـخامس أربعة" فإذا قيل: "ثالث عشر" عُلم أن هناك تركيبين, والجواب غير مستقيم, أما مقدمته فظاهرة الصحة, وأما النتيجة فباطلة, لأن من أحوال هذا المصوغ أن يستعمل مع العشرة وحدها, لإفادة الاتصاف بمعناه مقيدا بمصاحبتها,

فيذكَّران معا مع المذكر, ويؤنثان مع المؤنث, نحو: "الجزءُ الحادي عَشَرَ" و "المقامة الخامسة عشرة" فإذا قيل -في المنتزع من تركيبين- "حادي عَشَرَ" -ببنائهما- التبس بهذا النوع فاعرفْه فإنه موضع. الحال الثاني: من هذه الأحوال الثلاثة -ويمكن إدخاله في كلام المصنف- أن تستعمل المركبين لإفادة جعْلَ الأقَل مثل ما فوقه, فتقول: "رابعُ عَشَر ثلاثةَ عَشَر" فالأصل فيه أن تأتي بتركيبين- كما ذكرنا في الذي قبله- إلاّ أنه يلزم أن يكون اللفظ الثالث منهما دون ما اشتق منه الوصف -كما مثلنا- وقد صرح سيبويه بإجازة مثله, ولك في هذه الحال أن تحذف "العشرة" من التركيب الأول, وتضيفه إلى مجموع الثاني, وليس لك أن تحذف النيف من الثاني لئلا يلتبس بالاستعمال الذي قبله. الحال الثالث: وهو المكمل للأحوال الخمسة من أحوال العدد المصوغ إلى فاعل [وهو أن تستعمله مع العشرين وأخواتها فَتَذْكُر الفاعل] من لفظ العدد بحالتيه من التذكير والتأنيث, وتعطف عليه العقد بالواو فتقول: "حادي وعشرون" و "ثانية وعشرون" إلى ثلاثة وتسعين, وتاسع وتسعين, وإلى هذا الحال أشار بقوله: (وقبل عشرين اذكر ... إلى آخره)

كم وكأين وكذا

كَمْ وكأيِّنْ وكَذَا عقبت هذه باب العدد, لأنها كنايات عن العدد المبهم, وكلها أسماء مبنية, أما "كم" فقيل لشبهها بالحرف وضعا, وقيل لشبه الاستفهامية به معنى, وحملت الخبرية عليها لموافقة لفظها. وأما "كأين" فلأنها استعملت استفهامية في قول أبيّ بن كعب [لابن مسعود]

(كأيَّنْ تقرأُ سورةَ الأحزابِ) فهي متضمنة معنى الهمزة, والخبرية لموافقة لفظها. وأما "كذ" فبنيت لشبهها بـ"كم" الخبرية في الدلالة على العدد المبهم, والافتقار إلى مميز. (مَيَّزْ في الاستفهام "كم" بمثل "ما" ... مَيَّزْتَ عشرين كـ"كم شَخْصاً سَما؟ ") تنقسم "كم" إلى استفهامية وإلى خبرية, ويشتركان في البناء كما سبق, وفي لزوم التصدير, وفي كونهما كنايتين عن عدد مبهم, وفي الافتقار إلى مميز, ويفترقان في إعراب المميز, وصفته -كما نشرحه- وفي جواز حذف الخبرية, وفي جواز [حذف مميز الاستفهامية] نحو: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ} [المؤمنون:112] ونحو: "كم صُمْتَ؟ " أي: كم يوما, بخلاف الخبرية, وفي جواز الفصل بين الاستفهامية ومميزها, نحو: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون:112] ولا يجوز ذلك في الخبرية, بل متى فُصل بينها وبين مميزها بغير الظرف والجار

والمجرور تعين نصبه, وإن كان بواحد منهما, فالأرجح نصبه, وقد يجر في الشعر, نحو: 486 - (كم بِجودٍ مُقْرِفٍ نال العُلا ...) وفي أن الخبرية تختص بالماضي كاختصاص "رُبَّ" به, إذ هي نقيضتها,

فتقول: كم عبدٍ ملكتُ" ولا تقول: "كم عبد سأملكه" بخلاف الاستفهامية, فإنك تقول: "كم فرسخاً سرت؟ " و "كم فرسخت تسير غدا؟ " وفي أن المتكلم بالاستفهامية [يستدعي جوابا من مخاطبه, بخلاف الخبرية, وفي أن المتكلم بالاستفهام] لا يتوجه إليه التصديق والتكذيب, بخلاف الخبرية, وفي أن البدل من الاستفهامية [يجب أن يقترن بهمزة الاستفهام-كما سبق في بابه- بخلاف الخبرية. عدنا إلى شرح كلام المصنف, ومراده: أن مميز "كم" الاستفهامية] مفرد

منصوب, كمميز عشرين, فتقول: "كم شخصا سما" كما تقول: "عندي عشرون رجلا" (وأَجِزَ ان تَجُرَّه "مِن" مُضمَراً ... إن وَلِيت "كم" حرفَ جرَّ مُظهرا) يجوز في مميز "كم" الاستفهامية أن يجر ب "مِن" مضمرة, نحو: "بكم درهم اشتريت ثوبك؟ " على تقدير: بكم من درهم, لا بإضافة "كم" كما زعم الزجاج. (واستعمِلَنها مُخبِرا كعَشَره ... أو مائةٍ كـ" "كَم رجالٍ أو مَرَه") "كم" الخبرية مميزها مجرور بإضافتها إليه, ثم لما كانت لتكثير العدد جاز أن يكون مميزها منفردا كمميز المائة, والألف, وهو الأكثر, وأن يكون جمعا كمميز العشرة, وإليهما أشار المصنف بقوله: "ككم رجال أو مَرَه" إذ تقديره: "وكم مَرَةٍ", ويلزم جر مميزها, وبجواز كونه جمعا فارقت الخبرية, فحصل الفرق بينهما من ثمانية أوجه. (كَكَم "كَأين" و "كذا" وينتصِب ... تمييز ذينِ أو به صِل "مِن" تُصِب) "كأين" و"كذا" بمنزلة: كم الخبرية في الدلالة على العدد المبهم, وفي الافتقار إلى مميز, وتشاركها "كأين" خاصة في استحقاق التصدير, ويفارقانها في أن تمييزها إما منصوب نحو:

487 - (اطرد اليأسَ بالرجا فكأين ... آلِماً حُمَّ يُسرُه بعد عُسر) وكقوله: 488 - (عد النَّفس نعمى بعد بؤساك ذَاكِرًا ... كَذَا وَكَذَا لطفا بِهِ نسي الْجهد) وإما مجرور بـ"مِن" ظاهرة, وهو في "كأين" أكثر من النصب, وبه ورد القرآن, نحو: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} [الطلاق:8] {وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ} [العنكبوت: 60] ولا أعرفه مسموعا في "كذا" وأكثر ما تستعمل "كذا" مكررة بالعطف, كما مثّل, وقد تستعمل مفردة أو مكررة بدون عطف, ولا تلزم التصدر, بل يجوز: "قَبَضتُ كذا وكذا درهما" , وقد ظهر بذلك أن البيت مدخولٌ من عِدة أوجه.

الحكاية

الحكاية ويراد بها أشياء: أحدها: حكاية الجمل المنقولة إلى العلمية, فتستقر على ألفاظها, كما سبق. الثاني: حكاية الجمل بالقول, نحو: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّه} [مريم:30] ويجوز حكايتها بالمعنى فتقول في حكاية: "زيد قائم": "قال عمرو: قائم زيد" فإن كانت الجملة ملحونة تعينت حكايتها في المعنى, في أصح القولين. وأما المفردات فلا تحكى, وشذ قول بعضهم: "ليس بِقُرشيَّا" ردا على

من قال: "إن في الدار قرشيا". الثالث: المبوَّب عليه من هنا, وهو شيئان: أحدهما: حكاية النكرات بـ"مَن" و "أيّ" وهي في الأصل استفهام بمعنى الإثبات, وطلب التعيين, فلهذا اختصت بهاتين الأداتين. الثاني: حكاية الأعلام بألفاظها. (أحك ب"أيّ" ما لمنكورٍ سُئِل ... عنهُ بها في الوقفِ أو حِينَ تَصِل) هذا القسم الأول من الحكاية المبوَّب عليها, وهو حكاية النكرات بأداتي الاستفهام المذكورتين: إحداهما: "أيّ" ويحكى بها مع الوقف ومع الوصل, معطاةً ما ثبت للفظ. تلك النكرة المسؤول عنها من رفع أو نصب أو جرّ, وتذكير أو تأنيث, وإفراد أو تثنية أو جمع, فتقول لمن قال: "رأيت رجلا": أياً؟ ", ولمن قال: "جائتني امرأة": "أيةٌ"؟ ", وامن قال: مررت [برجل": أيَّ؟ ", ولمن قال: "جائني رجلان": "أيانِ؟ " ولمن قال: "مررت] بامرأتين": أيَّتينِ؟ ", ولمن قال: رأيت رجالا": "أيَّيينَ؟ ", ولمن قال: رأيت نساء": أياتٍ؟ ", وكذا لو وصلت فقلت: "أياً يا فتى؟ " و"أياتٌ يا رجل؟ " وتقول لمن قال: "رأيت رجلا يَضربُ امرأةً لها أخَوان وأختانِ بحضور رجال معهم نساءٌ": أياً؟ ", و"أيةً؟ " وأياانِ؟ ", و"أيتانِ"؟ [وأيينَ؟ " وأياتٌ؟ "].

(ووقفا احكِ ما لمنكور بـ "مَن" ... والنونَ حرَّك مطلقا وأَشبِعَن) (وقُل "منانِ" و"منَينِ" بعد: "لِي ... إلفانِ بابَنَينِ وسَكّن تَعدِل) (وقل لكم قال: "أَتت بِنتٌ: مَنَة؟ ... والنُّونُ قبل تَا المثّنى مُسكَنَه) (والفتحُ نَزرٌ, وصِلِ التَّا والأَلِف ... بـ"مَن" بِإِثِرِ: ذَا بنسوةٍ كَلِف) (وقل: "منون؟ "ومنين؟ مُسكنا ... إن قيل "جا قوم لقومٍ فظنا) "مَن" كـ"أي" في أنها لا يُحكى بها إلا النكرات, إلا أنها تفارقها في أربعة أحكام, ذكر المصنف منها ثلاثة: الأول: [أنه لا يحكى] بها مُشبعة الحركات, ومفرعة بصورة التأنيث والتثنية والجمع إلا في الوقف, كما ذكر المصنف, بخلاف: "أي" فإنه يحكى بها كذلك وصلا ووقفا. الثاني: أن "مَن" إذا حكى بها, وحركت نونها بمثل حركة المحكي أشبعت تلك الحركة بحيث يتولد منها حرف مدَّ ولينٍ من جنيها, فتقول لمن قال: "رأيت رجلاً": "منا"؟ , ولمن قال: "مررت برجل": "منى"؟ ولمن قال: "جائني رجل": "مَنو؟ ", وإلى هذا أشار بقوله: "والنونَ حرّك مطلقا- أي بالحركات الثلاث- وأشبعن" بخلاف: "أي" فإنها إنما يحكى بها حركات الإعراب غير مشبعة. الثالث: أن آخر "أي" لا يكون في حكاية المثنى إلاّ مفتوحا, مذكرا كان

أو مؤنثا, بخلاف "من" فإنه إذا حكي المثنى المؤنث فالأشهر سكون نونها, كما أشار إليه المصنف بقوله: "والنون قبل تا المثنى مسكنه" فتقول لمن قال: "عندي امرأتان": "مَنتان"؟ " والفتح فيها قليل, واللغتان جاريتان في المفردة المؤنثة أيضا, إلاّ أنّ الأرجح فيها الفتح, كما ذكره المصنف بقوله: "مَنه" وبعضهم يسكنها فيقول: "مَنت". الحكم الرابع-ولم يذكره المصنف هنا- أن الحكاية بـ "أي" عامة, في العاقل وغيره, بخلاف الحكاية بـ"من" فإنها تختص بالعاقل, ولذلك إذا اختلط العاقل وغيره وحكيت أتيت في حكاية العاقل بـ"مَن" وفي حكاية غيره بـ "أي" فتقول لمن قال: "رأيت رجلين على فرسين": "منين وأيين؟ ولنت قال: "رَكِبَ رجالٌ نوقاً": "منون وآيات؟ ", ولمن قال: "اشترى امرأتان خُمُرا: "منتان وأيين؟ ", ولمن قال: "أكل سبعٌ صِبياناً وبناتٍ": "أي ومنين ومناتٍ؟ " وعلى هذه القاعدة الحكاية. (وإن تصل فلفظ "من" لا يختلف ... ونادرٌ "منون" في نظم غرف) إذا وصلت في الحكاية ب"من" قلت, من يا هذا؟ " وبطلت الحكاية" سواء كان المحكى مفردا أو ضدّيه, مذكرا أو ضده, فأما قوله: 489 - (أتوا ناري, فقلتُ:"منون أنتم"؟ ... فقالوا: الجِنُّ قلتُ: عَموا ظلاما)

فنادر, وفي إدخال هذا البيت في باب الحكاية نَظَرٌ, فإنَّ الحكاية سؤالٌ عن تعيين نكرة واردةٍ في كلام سابق, وليس في هذا النظم شيءٌ من ذلك, فتأمل الأبيات قبله في الجمل وغيره.

(والعلم احكينه من بعد "من" ... إن عريت من عاطفٍ بها اقترن) يحكى العلم المجهول العين بلفظه من بعد "من" عند الحجازيين فتقول لمن قال: "رأيت زيدا": مَن زيداظ -بالنصب- ولمن قال: "مررت بعمرو": "من عمرو؟ ", ولمن قال: جاءني محمد": مَن حمد؟ ", ولا يحكى غير العلم, فلا يقال لمن قال: "رأيت غلامَ زيد": "من غلام زيد؟ " -بالحكاية- ولم يذكر المصنف هنا من شروط العلم المحكى إلاّ تجرد "مَن" من عاطف, فلو اقترنت بعاطف كقولك لمن قال: "رأيت زيدا": "ومن زيدُ؟ " بطلت الحكاية, وتعين الرفع وله شرطان آخران: أحدهما: أن يكون العلم لعاقل, فلا يحكى أعلام غير العاقل كلاحق و"شذ قَم". الثاني: أن يتجرد من تابع [فلو أتبع] العَلَمُ ببدل, أو تأكيد, أو عطف

بيان, أو نسق بغير علم, أو نعت بغير"ابن" مضاف إلى عَلَم, نحو: "رأيت زيدا أخاك" أو زيدا نفسه" أو "زيدا أبا عمرو", أو "زيدا وأخاه" أو "زيداً الكريم" لم تجز الحكاية في ذلك كله, وإن كان المنسوق علما نحو: "رأيت زيدا وعمرا" ففي جواز الحكاية قولان, ولو وصف المحكى بـ"ابن" مضاف إلى علم, نحو: "رأيت زيدا بن عمرو" جازت الحكاية اتفاقا. تنبيه: الحكاية بالمبني كـ"من" اتباع بلا خلاف, وأما المحكى بالمعرب كـ"أي" والمحكى بالعلم ففيه ثلاثة أقوال:, أشهرها أنه إتباع -أيضا- وليست حركات إعراب ولا حروفه, وذهب الكوفيون إلى أنه إعراب بعامل مقدر لائق المعنى, وقال المصنف -في موضع-: إن الضمة في العلم الواقع بعد "من" نحو/ "من زيد؟ " في حكاية من قال: "جاءني زيدٌ" إعراب بخلاف الفتحة والكسرة فانهما إتباع. أ. هـ

التأنيث

التأنيث وصف التذكير والتأنيث من خصائص الأسماء، والأصل فيها التذكير، ولذلك استغنى عن علامة، وأما التأنيث فلكونه فرعاً احتاج إلى علامة يعرف بها. (علامةُ التأنيث تاءٌ أو أّلِفْ ... وفي أسامٍ قَدَّروا التا كالكَتِفْ) (ويُعرف التقدير بالضميرِ ... ونحوهِ كالردّ في التصغيرِ) للتأنيث علامتان: إحداهما: تاء متحركة تتصل بالأسماء تدل على تأنيثها، وأما التاء الساكنة التي تتصل بالأفعال فإنما تدل على تأنيث ما أسندت إليه، والمتصلة ببعض الحروف كـ "ثُمَّتْ" و "رُبّتْ" زائدة.

والثانية: ألف، إما مفردة كـ "حُبْلى" وتسمى ألف التأنيث المقصودة، وهي أصل الممدودة، وإما متصلة بمثلها فتقلب الثانية منهما همزة كـ "حمراء" وتسمى ألف التأنيث الممدودة؛ والتاء هي الأصل في الدلالة على التأنيث، ولذلك قدروها دون الألف فيما هو مؤنث من الأسماء بغير علامة، كـ "يّدٍ ودِيّمٍ وكَتِف وعين وأُذُن ونار ودار" ونحوها، ويُعرف هذا التقدير بالضمير العائد على الاسم، نحو:} النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ {] البقرة: 1 [،} حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا {] محمد: 4 [، وبنحوه وذلك أشياء: أحدها: رد التاء في التصغير، نحو: عُيَيْنَة وأُذَيْنةَ. الثاني: بالإشارة إليه، نحو:} هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي {] يس، الرحمن: 63،43 [} تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ {] القصص: 83 [وبصفته نحو:} نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ {] الهمزة: 6 - 7 [وتجري مجراها الحالُ والخبر، نحو:} فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً {] النمل: 52 [} إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ}

الثالث: اتصال الفعل المسند إليه بالتاء، نحو:} وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ {] يوسف:94 [. الرابع: سقوط التاء من عدده، من الثلاثة إلى العشرة، نحو: 490 - (... ... وهي ثلاثُ أَذْرُعٍ وإصبَع ... ...) الخامس: إطراد جمعه على "أَفْعُل" مع كونه رباعيُاً، كـ "عَنَاق" و "عُقاب" بخلاف ما لم يطرد فيه كـ "غُراب". (ولا تلى فارقةً فَعُولا ... إصلاً، ولا المِفْعالَ والمِفْعيلا) (كذاك مِفْعلٌ وما تَلِيهِ ... تا الفرقِ من ذِى فشُذوذٌ فيهِ) التاء المتحركة أكثر ما تدخل في الأسماء للفرق بين مؤنثها ومذكرها، وقد تدخل لغير ذلك، ثم الفارقة أكثر ما تكون في الصفات كـ "مسلم"

و "مسلمة وقائمة" وما يجري مجراها كـ "فتى وفتاه" ودخولها في أسماء الأجْناس التي لا تشعر بوصف إمّا قليل كـ "امرئ وامرأة، وإنسان وإنسانة" وإمّا نادر كقوله: 491 - (... ... لم يبالوا حرمة الرَّجُلَهْ ... ...) بل الأغلب فيها أن يوضع لكل واحدٍ من المذكر والمؤنث لفظ يختص به، كـ "رجل وامرأة، وجمَل وناقة". ثم التاء الفارقة يمتنع دخولها في خمسة أبنية من الصفات: أحدها: فَعُول -بمعنى فاعل- كـ "صَبُور وشكور" بل يجريان على المذكر والمؤنث بغير تاءٍ، ولذلك قالوا: "ناقة ذَلول" قال تعالى: {وَمَا كَانَتْ أُمّك بَغِيًّا} [مريم:28] إذ أصله: بَغُويا، ثم أدغمت الواو في الياء،

وقولهم: "امرأة ملولة" [التاء فيه للمبالغة لا للفرق، ولذلك أجروه على المذكر فقالوا: "رجل مَلُولة"]. أما "فَعُول" - بمعنى: مفعول- فتلحقه تاء الفرق، قالوا: "جَمل رَكوب" [وناقة رَكوبة] حتى قالوا: "حَلُوبة" مع اختصاصها بالمؤنث. الثاني: "مِفْعال" كـ "مِنْحار" ولذلك قالوا: "امرأة مِعْطار" "ومِقْلات": للتي لا يعيش لها ولد. الثالث: "مِفْعيل" كـ "مِعْطير". الرابع: "مِفْعَل" كـ "مِغْشَم" و "مِذْعَس". كل هذه الأبنية كـ "فَعُول" في الإطلاق على المذكر والمؤنث بغير تاء وما تليه التاء الفارقة من هذه الأوزان ففيه شذوذ، إما من جهة القياس، كقولهم: "امرأة مِسكينة" وإما من جهة الاستعمال كقولهم: "امرأة عَدوَّة" حملاً على صديقة، و"امرأة مِيقاتة". (ومن فَعيلٍ كقتيل إن تَبعْ ... موصوفَه غالباً التّا تمتنعْ)

هذا البناء الخامس مما يمتنع دخول تاء الفرق فيه، وهو فَعِيل بمعنى مفعول كـ "قتيل وجريح" لكن إنما تمتنع تاء الفرق منه إذا كان صفة وقد ذُكر موصوفها قبلها، كـ "امرأة جريح" و "عين كحيل" و "لحية دهين" وقوله: "غالباً"، احتراز من قولهم: خَصلة حميدة، وصفة ذميمة، ومِلْحَفَة جديدة، وهي بمعنى: مجدودة، أي مقطوعة عن منوالها الذي نُسجت عليه. أما إن لم يذكر الموصوف دخلت التاء، فتقول: مررت بقتيلة بني فلان خوف اللبس، وقوله: {والنطيحة} [المائدة:3] قيل لعدم ذكر الموصوف، وقيل: بل إخراجاً له عن الوصف وإلحاقاً بالأسماء، وقيل: بل اتباعاً لما تقدمه من الصفات. أما إن كان "فَعِيل" بمعنى فاعل فإنه تلحقه التاء عند التأنيث كـ "امرأة رحيمة وظريفة" وقد يحمل على الذي بمعنى مفعول، فلا تلحقه، ومنه {من يحيي العظام وهي رميم} [يس:78] و {إن رحمة الله قريب} [الأعراف:56]. على أحد التأويلات، [وقد تحذف تاء الفرق من فاعل، كقولهم: ناقة صابر، وجمل صابر].

(وألفُ التأنيث ذاتُ قصرِ ... وذاتُ مدِّ نحو: أُنثى الغُرِّ) (والاشتهار في مباني الأولى ... يبديه وزن أُربي والطُّولَي) (ومَرطي ووزنُ فَعْلي جمعا ... أو مصدراً أو وصفةً كشَعْبي) (وكحُبَارَى سُمَّهَى سِبَطرى ... ذِكرى وحثيثى مع الكُفُرَّى) (كذاك خليطي مع الشُّقارى ... واغزُ لغير هذه استندارا) قد سبق تمييز المقصور من الممدود من ألفي التأنيث، ومثّل الممدودة بأنثى الغُر وهي غراء، فإن الغُر جمع لمذكرها وهو أغرٌ، ثم لكل واحدٍ مما تتصل به ألفا التأنيث أوزان كثيرة، إلا أنه اقتصر على ذكر المشهور [منها فذكر أن المشهور] في مباني الأولى، وهي المقصورة اثنا عشر وزناً: الأول: فُعَلَى كـ "أُرَبَى" وهو من أسماء الداهية، وقد أُنكر على المصنف عدها في المشهورات، بل بدأ بها لأن ابن قتيبة قال: لم

يجيء منها إلا ثلاثة لا رابع لها، فالآخران: أُدَمَى وشُعَبَى -اسمان لموضعين- والصواب خلاف ما قال ابن قتيبة، فقد جاء منه "جُنَفَى" -اسم موضع- و"جُعَبَى" للكبار من النمل، و"أُرَنَى" بالنون لإناء يُجَبَّن فيه اللَّبن، ومع ذلك فليس في هذه الأوزان ما هو مشهور، وقد جاء منها بالمدّ غيره. الثاني: فُعْلَى -مخففا- وأكثر ما يكون صفة كطُوْلَى وقُصْرى وصُغْرى، وكبرى، ونحوه كثير، ويكون مصدراً كرُجْعى، وقد يجيء اسما كبُهْمَى، لبنت. الثالث: فَعَلَى ويأتي بالمعاني الثلاثة، فمن استعماله مصدرا مَرَطَى، لضرب من المشي، وجَفَلى: للدعوة العامة، ويقال فيها: أَجْفَلى. ومن استعماله صفةُ حَيَدَى، ومن استعماله اسما بَرَدَى لنهرٍ معروف. الرابع: فَعْلَى وأكثر ما يأتي جمعاً كـ "قَتْلَى وجَرْحى وهلكى" ويجيء

-أيضاً- مصدراً كـ "دعوى" وصفة لمؤنث كـ "شعبى - تأنيث شعبان وسَكْرى وغَضْبى" ونحوها؛ أما ما جاء منه اسماً كـ "أرطى - لشجر ينبت في الرمل- وعَلْقَى - لشجر تدوم خضرته-" فيحتمل أن تكون الألف فيه للتأنيث، ويحتمل أن تكون للإلحاق. الخامس: فًعَالى - مخففا- كـ "حُبارى وسُمَانَى" - اسمين لطائرين- ولا يصح قول الجوهري: إن ألف حبارى للإلحاق، للإجماع على منع صرفه مع فقد العلمية. السادس: فُعَّلَى، كسُمَّهَى - للباطل- وفي عده من المشهورات نظر. السابع: فِعَلَّى - مشدداً- نحو: سِبَطرى ودِفّقى - لضربين من المشي-. الثامن: فعلى -مخففاً- وأكثر ما يجيء كذكرى، وقد جاء

منه جمعان لا ثالث لهما: حِجْلَى - جمع للطائر المسمى بالحَجَل-، وظِرْبَى جمع ظَرِبان -بطاء مهملة مفتوحة تليها راء مهملة مكسورة- وهو دويبة، وما جاء منه اسما ففي ألف من الاحتمالين ما في ألف فَعْلَى. التاسع: فِعّيلى -بكسر أوله وثانيه- كِحثّيثى، للحث على الشيء، وخِلّيْفَى للخلافة، وهِجِّيرى للعادة، ويقال فيه هِجِّيْراء -بالمد- وَحِضّيضى للتحضيض، وضمُّ أوله نادر، وما حكاه الكسائي من قولهم: هو من خِصِّيصاء قومه -بالمد- شاذ. العاشر: فُعُلّى -بضم أوله وتشديد ثالثه- كالكُفُرّى - لوعاء الطلع- هذا الأشهر فيه، وفتح أوله وكسره لغتان، ومثله: حُذُرَّى وبُذُرَّى -من الحذر والتبذير-.

الحادي عشر: فُعَّيْلَى - بضم أوله- كخُلَّيْطَى -للاختلاط- وقُبَّيْطَى - للناطف- ودُخَّيْلَاء -بالمد- شاذ. الثاني عشر: فُعَّالى -بضم أوله وتشديد ثانيه- كـ "شُقَّارى وخُبَّازى" -لنبتين معروفين- وما عدا هذه الأوزان يحكم بندوره، كالأُرْبَعَا -بضم الهمزة وفتح الباء- ضَرْب من مشي الأرنب، والأُربَعا بنحوه - في الهمزة والباء - قعدة المتربع- وكالخَوْزَلَى والهَيْجَنَى - لضربين من المشي، وكالخَيْسَرَى - للخسارة- وحَنْدَقُوقَى - لنبت- ومِكْوَرَّى- لعظيم الأَرْنبة - ويَهْيَرَّى- للباطل- وفَوْضُوضَى للمفاوضة في أوزان كثيرة. (لمدها: فَعْلاءُ أفْعِلاءُ ... مثلّثَ العينِ وفَعْلَلاءُ) (ثم فِعَالا فُعْلُلا فاعُولا ... وفَاعِلاءُ فِعْلِيا مَفعولا) (ومطلقَ العينِ فَعَالا وكذا ... مطلقَ فاءٍ فَعلاُ أُخِذا) المشهور من مبانى ما فيه ألف التأنيث الممدودة سبعة عشر وزناً شملها كلام المصنف: أحدها: فَعْلاء وتكون اسماً كـ "صحراء" وصفة كـ "حمراء" وجمعاً

كـ "طَرفاء" ومصدراً كـ "رَغباء". الثاني والثالث والرابع: أَفْعلاء -مثلت العين بالحركات الثلاث- وكسرها أكثر كـ "أصدقاء وأنبياء وأولياء" ومنه: أشياء لأن أصله: أشيئاء، ومنه أربعاء جمع ربيع، وهو النهر الصغير والمضموم منه كالأربعاء -لأحد عُمُد الخيمة، وأما اليوم الرابع من أيام الأسبوع ففي عينه الحركات الثلاث. الخامس: فَعْلَلاء، كـ "عَقْرباء" -اسم موضع-. السادس: فِعالاء -بكسر أوله- كـ "قصاصاء" للقصاص. السابع: فُعْلُلاء -بضم أوله وثالثه- كـ "قًرفُصاء" للجلسة المعروفة. الثامن: فاعُولاء كـ "عاشوراء". التاسع: فاعِلاء كـ "قاصِعاء ونافِقاء" -لجحرة اليربوع-. العاشر: فِعْلِياء كـ "كِبرياء". الحادي عشر: مَفْعُولاءٍ كـ "معبوداء ومأتوناء" حمع عَبْدٍ وأَتَانٍ. الثاني عشر إلى الرابع عشر: فَعالاء -مطلق العين بالحركات الثلاث-

فإن كانت مفتوحة فلا تقع بعدها إلا الألف كـ "بَرَاكاء" للبروك وإن كانت مضمومة لم تقع بعدها إلا الواو نحو: جَلُولاء -لموضع- وإن كانت مكسورة لم يقع بعدها إلا الياء كـ "قَرِيثاء وكَريثاء" - لنوعين من اليُسْر- ويقال فيهما: قِراثا وكِراثا. والثلاثة المكملة للأبنية: فعلاء -مطلق الفاء بالحركات الثلاث- فالمفتوح منه كـ "قَرَماء- لموضع - ودأثاء- للأَمَةِ" وقد جاء منه بالقصر جَنَفَى -اسم موضع- قال في المحكم وهو بالمد اسم موضع آخر. والمضموم منه إما مصدر كـ "خُيلاء" وإما جمع كـ "شُرفاء" وإما وصف كـ "نُفساء" وإما اسم كـ "رُحَضاء" وهو عَرَقُ المحموم. والمكسور كـ "سِيرَاء"؛ وما عدا هذه من الأوزان فمحكوم بندوره كِهْندِباء وبَلْكَساء -لنبتين- وحَوْصَلاء وهو الحوصلة وعُنْصُلاء -بضم الصاد وفتحها- للعُنصُل، ومًزَيْقيَاء -لقب لملك من ملوك العرب-، وجُخادِباء وهو ضرْب من الجراد، وَزكَرياء ويُنابِعاء -اسم مكان- وقد يفتح أوله. وبَرْناساء وهو لغة في البَرنساء، والبَراساء بمعنى الناس، في أبنية غيرها.

المقصور والممدود

المقصور والممدود القصر والمدّ من صفات الأسماء، والمقصور منها: المتمكن الذي في آخره ألف لازمة، فبالقيد الأول يخرج المبني كـ "ما" الاسمية، و"ذا وتا" وبالقيد الثاني يخرج الممدود والمنقوص والصحيح وما يجري مجراه، وبقيد اللزوم يخرج نحو: "رأيت أباك" لأنها تتغير عند دخول الرافع والجار، والممدود منها: المتمكن الذي في آخره [همزة قبلها] ألف زائدة، فبالقيد الأول يخرج المبني كـ "هؤلاء" وبالقيد الثاني خرج ما لا همزة في آخره من الصحيح والمعتل؛ وباشتراط سَبْقها بالألف خرج نحو: دِفْءٍ وعِبءٍ، وتقييد الألف بكونها زائدة نخرج لنحو: "ذاءِ" إذ أصله "ذُوَءِ" تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقُلبت ألفاً، ولا يسمى في الاصطلاح ممدوداً. وينقسم كل واحد من القصر والمد إلى قياسي، ومرجعه إلى علم النحو، وإلى سماعي ومرجعه إلى علم اللغة؛ ولهذا إنما تكلم المصنف عن القسم الأول، وقد عرف بذلك أن الباب ثلاثة أقسام.

(إذا اسم استوجب من قبل الطّرَف ... فتحاً وكان ذا نظير كالأسف) (فلنظيره المعلّ الآخِرِ ... ثُبوتُ قصرٍ بقياسٍ ظاهرِ) (كفِعلٍ وفُعِلٍ في جمع ما ... كفِعُلةٍ وفُعْلَةٍ نحو الدُّمى) بدأ بالكلام على القسم الأول وهو المقصور بقياسٍ وضابطه: ما له نظير من الصحيح يجب فتح ما قبل طرفه [وهو آخره فيكون] نظيره من المعتل مقصوراً قياساً، وذلك أشياء ذكر المصنف منها ثلاثة: [الأول: ماجاء] مصدراً لمعتل اللام كـ "سهَوِّى وجَوِّى وعَمِّى" فإن نظيرها من الصحيح الواجب فتح ما قبل آخره أَسفٌ وفَرَحٌ. الثاني: ما جاء على وزن فَعِل -جمعاً لفِعْلَه- كـ "فِرَّى" جمع فِرْية، و "مِرِّى" جمع مِرية فإن نظيره من الصحيح [قِرَب وكِسَر في جمع قِرْبة وكِسْرة. الثالث: ما جاء على فُعَل -جمعاً لفُعلة- كدُمية ودُمِّي وزُبْية وزُبِّي فإن نظيره من الصحيح] يستحق الجمع على فُعَل -بفتح ما قبل آخره- كغُرفة وغُرَف، وعُدَّة وعُدد، وأما قُرى في جمع قَرية فليس قصره بمقيس، لأن نظيره من الصحيح لا يستحق فُعَلاً.

ومنها: اسم المفعول من المعتل الزائد على ثلاثة أحرف كمُعطى ومُستَدعى فإن نظيره من الصحيح يستحق أن يفتح ما قبل آخره نحو: مُكرَم ومستخرج. (وما استحق قبل آخرٍ ألفْ ... فالمدُّ في نظيره حتما عُرف) (كمصدرالفعل الذي قد بُدِئا ... بهمز وصلٍ كارعوى وكارتوى) هذا القسم الثاني وهو الممدود قياساً، وضابطه أن يكون له نظير من الصحيح يستحق قبل آخره ألفاً، وهو أشياء: أحدها: ما ذكر المصنف، وهو أن يكون مصدراً لفعلٍ معتل قد افتتح بهمزة وصل كارعواء مصدر ارعَوَى، وارتِواءٍ مصدر ارتوى، ومثلهما استقصاء مصدر استقصى، لأن نظيرها من الصحيح الآخر المفتتح بهمزة الوصل كانطلق، واستمع واستخرج، يستحق مصدره أن يكون قبل آخره ألف كما سبق. ومنها أن يكون [مصدراً لأفعل المعتل كأعطى إعطاءً وأَسْرى إسراءً فإن نظيرهما من الصحيح يستحق أن يكون] قبل آخره بألف كالإكرام] والإعلام والإحسان. ومنها أن يكون على فِعال مصدراً لفاعل كقوله: 492 - (إذا قُلت مهلاً غارت العين بالبُكَى ... غِراءٌ ومَدَّتْها مدامعُ نُهّلُ)

لأنه من غاريت بين الشيئين إذا واليت بينهما، لا من غَرِيّ بالشيء كما زعم ابن عصفور، وجعله من نادر المد. ومنها أن يكون من مصادر الثلاثي الدالة على الصوت كالبُكاء والثّغاء والرُّغاء فإن نظيرها من الصحيح الصّراخ. ومنها أن يكون مصدراً دالاً على داءٍ كالمشاءَ فإن نظيره من الصحيح الزكام والسُّعال. ومنها: أن يكون قد جمع على أفْعِلَةَ كـ "كساء" و "بناء"

فإن أَفْعِلّة إنما يطرد أن يجمع على ما قبل آخره ألف كـ "غُراب وحمار". ولذلك زعم الأخفش أن أرْحِيَة وأَقْفِيَة ليس من كلام العرب لأن مفرديهما مقصوران فحقهما أرْحَاء وأَقْفاء كـ "صدِّى وأصداء ونَدِّى وأنداء" وأما قوله: 493 - في ليلة من جُمادي ذاتِ أنْدية ... ... ... ... ... ... فالصواب أنه جمع نَدِىّ، لأن الاجتماع في ليالي الشتاء يكثر فيها لطولها بخلاف ليالي الصيف، وقيل: جمع نّدى على نِداء كجمع جمل، على جِمال ثم على

أندية كـ "حمار وأَحمِرة"، وقيل ضرورة. (والعادم النظير ذا قصر وذا ... مد بنقل كالحِجا وكالحِدا) هذا القسم الثالث وهو ما ليس له نظير في المفرد الصحيح الآخر، فإنما يدرك قصرهومده بالسماع والنقل كالحجا، وهو العقل -مقصوراً- وكالحذاء، وهو النعل -ممدوداً-. ومن المقصور -نقلاً- الفتى والسَّنَا والثَّرَى، مُراداً بها واحد الفتيان والضوء والتراب، وتُمد مراداً بها حداثة السن والشرف وكثرة المال نحو: 494 - (... ... ... ... ... ... فقد ذهب المسرة والفتاء) وقوله: 495 - (... ... ... ... فإن لهم في العالمين سناء)

وقوله: 496 - (لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى ... ... ... ...) وللمصنف في المقصور والممدودة قصيدة لم ينسج على منوالها. (وقصرُ ذى المد -اضطراراُ- مُجْمعُ ... عليه والعكس بخلف يقعُ) ما استحق المد من الأسماء أو سُمع ممدوداً جاز قصره في ضرورة الشعر بإجماع، إذ هو انتقال إلى الأخف، نحو: 497 - (لابد من صنعاً وإن طال السفر ... ... ...) وعكسه وهو مد المقصور مختلف فيه، والصحيح وقوعه في الضرورة

أيضاً كما ذهب إليه الكوفيون كقوله: 498 - (سغنينى الذي أغناك عنى ... فلا فقر يدوم ولا غِناء) وتأوله على أنه مصدر لغانيت بعيد؛ على أنه لا تأويل في قوله: 499 - (... ... يَنْشب في المسعّل والّلهاء ... ...)

تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا

تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحاً كان حق هذا الباب أن يقدم عند حكم إعراب المثنى لكن لما لم يكن له تعلق بالإعراب أخر إلى تتمات النحو، ولا شك أن الأسماء خمسة أقسام: أحدها: الصحيح كـ "رجل وزيد" والثاني: ما يجرى مجراه كـ "دَلْو وظبي" والثالث: المنقوص كـ "القاضي"، والرابع: المقصور كـ"الفتى". والخامس: الممدود كـ "صحراء". فأما الأقسام الثلاثة الأول فلا تتغير أواخرها في التثنية، بل يقال: رجلان، ودْلوان، وقاضيان، وقولهم: ألْيانِ وخُصْيَان -بحذف التاء- شاذ، وقيل: بل هما تثنية أَلِّى وخُصْيٌ لغة في أَلْيَةٍ وخُصْيَةٍ، وكذا يَدَيان ودميان -بإعادة المحذوف- شاذ. فأما في جمع التصحيح فالقسم الأول كذلك، كـ "زيدون"، ولم يجيء من القسم الثاني علم ولا صفة حتى يجمع الواو والنون. وأما الثالث فيجمع بحذف يائه، والقسمان الآخران هما المبوب عليهما.

(آخِرَ مقصورٍ تُثنى اجعله يا ... إن كان عن ثلاثةٍ مُرتقيا) (كذا الذي اليا أصلُه نحو الفتى ... والجامدُ الذي أميل كمتى) المقصور ينقسم إلى ما يجب قلب ألفه في التثنية ياء وإلى ما يجب قلبها في التثنية واواً، فبدأ القسم الأول منه، وذكر أنها تنقلب ياء في ثلاثة مواضع: أحدها: أن تجاوز ثلاثة أحرف، سواء كان أصله الواو كـ "ملهى" أو الياء كمَرْمَى، أو لم يكن لألفه أصل، وإنما هي للتأنيث كـ "حُبْلى" أو للإلحاق كـ "أَرْطى" فإنك تقلب ألفه ياء في ذلك كله، فتقول مَلْهَيَان ومَرْمَيَان، وحُبْلَيَان وأَرْطَيَان، وقولهم في خَوْزَلَى وقَهْقَرى: [خوزلان وقهقران]-بالحذف- شاذ. الثاني: أن يكون أصل ألفه ياء سواء زاد على ثلاثة أحرف -كما مثل- أو كان ثلاثياً كفتىِّ وهُدَّى، قال تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} [يوسف:36] وقولهم في: "حِمِّى" حِمَوَان شاذ لأنه من حَمَيْتُ. الثالث: أن تكون غير مبدلة من أصل، وهي التي عبر عنها بالجمود إلا أنها قد أميلت كـ "متى" -إذا سميت به- فإنك تقول فيه مَتَيَانِ.

(في غير ذا تُقلب واواً الألِفْ ... وأولها ما كان قبلُ قد ألِفْ) هذا القسم الثاني وهو ما يجب قلب ألفه واواً في التثنية، وهو غير ما ذكر في المواضع الثلاثة، فيدخل فيه شيئان، أحدهما ما كان ثلاثياً أصله الواو، كـ "عصى وقفى"، فتقول فيهما عصوان وقفوان، ولذلك جاء تثنية "مَنَّا"-لغة في المنّ الذي يوزن به- على منوين لأنه من مَنَوْتُ بمعنى قدرت، وقولهم في رِضِّى رِضيان شاذ، لأنه من الرضوان. الثاني: أن تكون غير مدلة من أصل ولم تُمَلْ، نحو: "لدى وإذا" فإنك تقول في تثنيتهما -إذا سميت بهما- لدوان وإذوانِ، ثم الياء والواو يليان الحرف الذي كان قبل الألف على صفته من الحركة وهي الفتحة، ولا تتغير حركته لأجل الياء ولا لأجل الواو. (وما كصحراء بواوٍ ثُنّيا ... ونَحوُ عِلْباء كساء وَحَيَا) (بواوٍ أو همزٍ وغير ما ذُكر ... صَحّحْ، وما شذ على نقلٍ قُصِرْ) (واحذف من المقصور في جمع عَلَى ... حد المثَّنى ما به تَكَمَّلا) هذا حكم تثنية الممدود، ود قسّمهُ إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما يجب قلب همزته واواً، وهو ما كانت الهمزة في آخره بدلاً من ألف التأنيث كـ "صحراء وحمراء" ونحوهما، فإنك تَقول فيهما:

صحراوان وحمراوان واستثنى السيرافي من ذلك ما كان قبل ألفه واو كـ "عشواء" فأوجب فيه التصحيح، وأجاز الكوفيون فيه الوجهين: الثاني: ما يخير فيه بين تصحيح الهمزة وقلبها واواً وهو شيئان: حدهما: ما كانت الهمزة فيه مبدلة من حرف الإلحاق، كـ"علباء"، فإن أصله عِلْباي -بياء زائدة- تُلحقه بِقرطاس، ثم أبدلت ياؤه همزة، فلك أن تقول فيه علبا وان -بالواو- وعلباءان -بالهمزة-. وثانيهما: ما همزته بدل من أصل سواء كان واواً كـ "كساء وسماء" فإن أصلهما "كساو وسماو"، أو ياءً كـ "حياء" فإن أصله: حياي؛ فلك أن تقول في تثنيتهما: كساوان وسماوان وحياوان -بالواو- ولك أن تقول: كساءان وسماءان وحياءان -بالهمز- وهو الأرجح اتفاقاً. وأما المبدلة من الألف الإلحاق فبالعكس عند الأكثرين، وعند الأخفش أنها مثلها في رجحان التصحيح. الثالث: ما يجب فيه تصحيح الهمزة، وهو غير ما ذكر، ولم يبق من

الممدود إلا قسم واحد، وهو ما همزته أصل كـ "قُرَّاء" -وهو الناسك- فتقول فيه قُرَّاءان؛ وما شذ من هذه الأقسام فخرج عن القاعدة اقتصر فيه على المسموع ولم يقس عليه، فمما شذ من القسم الأول: عاشوران وخنفسان -بحذف الهمزة- وقول بعضهم: حمرايان، بقلبها ياء، ومن القسم الثاني: كسايان -بقلبها ياءً-. (والفتح أُبقِ مشعراً بما حُذف ... وإن جمعته بتاءٍ وألفِ) (فالألف اقلب قلبها في التثنيه ... وتاءَ ذي التا ألزِمَنَّ تنحيه) (والسالم العينِ الثلاثي اسما أنِلْ ... اتباعَ عينٍ فاءَه بما شُكِل) هذا حكم المقصور في جمع المذكر السالم، وهو الذي أشار [إليه] بقوله: على حد المثنى، لأنه مساويه في سلامة لفظ واحده، وفي ختمه بالنون وفي إعرابه بحرفين أحدهما خاص بالرفع، والآخر مشترك بين الجر والنصب وفي حذف آخره للإضافة. وحكم المقصور: أن يحذف آخره، وهي الألف التي تكملت بها بنيته مطلقاً، وتبقى الفتحة التي قبلها مشعرةً بها ودالةً عليها، فتقول في مصطفى مصطفون،

وفي موسى موسون، قال تعالى: {وَإِنَّهُمْ عِنْدنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَار} [ص:47] {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} [آل عمران:139] بخلاف ياء المنقوص إذا حذفت فإن الكسرة التي قبلها تحذف أيضاً، ويحرك ما قبل حرف إعرابه بالحركة المجانسة، فتقول: جاء القاضون، ورأيت القاضين، والمؤنث منه اندرج حكمه فيما ذكره المصنف من حكم جمع المؤنث السالم، وشرع في الكلام عليه من عند قوله: وإن جمعته بتاءٍ وألف ... ... والضمير في جمعته راجع إلى الاسم، أي إن جمعت الاسم المؤنث بتاء وألف فهو منقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون مؤنثاً بالألف، إما المقصورة كـ "حبلى" وإما الممدودة كـ "حمراء" فإن حكم ألفه في القلب حُكمها في التثنية، فتقول: حبليات -بقلبها ياءً- وصحراوات

-بقلبها واواً- لأنك تقول في التثنية حبليان لزيادته على ثلاثة أحرف، وصحراوان لأن ألفه للتأنيث. الثاني: أن يكون مؤنثاً بالتاء، فيلزم في الجميع تنحية التاء، أي حذفها منه مطلقاً، فتقول في مسلمة: مسلمات، بخلاف التثنية، فإنك تقول فيها مسلمتان، فلو كان قبل تائه همزة أو ألف أجريت عليه -بعد حذف التاء- من الحكم ما يستحقه في التثنية لو كان آخِراً، فتقول في قُرَّاءة قُرَّاءات، بتصحيح الهمزة، لكونها أصلاً، وفي ناءة نباءات -بالتصحيح إن شئت- ونباوات -بقلبها واواً- لأنها بدل من أصل، كما تقول في كساء: كساءان، وكساوان، وتقول في [مصطفاة وفتاة] مصطفيات وفتيات، كما قال تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ}

وفي قَنَاة قَنَوات لأن أصل ألفه واو، وإن كان قبل التاء حرف علة غير ألفٍ تركته على حاله، فتقول في علاوة وحماية علاوات وحمايات، وبقي من جمع المؤنث السالم ما لم يختم مفرده بعلامة تأنيث، وهو جارٍ على حكم التثنية أيضاً، فتقول في هند وزينب: هندات وزينبات، كما تقول في التثنية: هندان وزينبان، وتقول في سماء: سماوات -بقلب الهمزة واواً- وإن شئت: سماءات بتصحيحها، وبالأول نطق القرآن، مع تصريحاتهم في التثنية أن الأرجح التصحيح كما سبق، فلذلك قيل إن سماوات جمع سماوة لا سماء. (إن سكانَ العينِ مؤنثاً بدا ... مختتماً بالتاءِ أو مجرداَ) (وسكّنِ التاليَ غيرَ الفتحِ أو ... خففه بالفتح فكُلاً قدرووا) (ومنعوا اتباع نحو ذِروه ... وزُبيةٍ، وشذ كسر جِرْوَه) "هذا نوع من المجموع" بالألف والتاء، وهو ما كان اسماً ثلاثياً سالم العين من الإعلال والإدغام ساكنها، مؤنثاً بالتاء كـ "سِدْرة" أو بالمعنى كـ "هند ودعْد" فقولنا اسماً: احتراز من الوصف كـ "ضخمة وعَبْلَة"، وثلاثياً: احتراز [مما نقص عنه كـ "ثُبَةٍ" أو زاد عليه كـ "سعاد" والسالم العين: احتراز] من معتلها كـ "جَوْزَة" أو مدغمها كـ "حُجة"، وساكنها: احتراز من متحركها كـ "نَفَقَةٍ"، ومؤنثها: احتراز من المذكر كـ "عبد"، فما جمع هذه

الشروط فإنه يتغير في جمعه بالألف والتاء، فيجوز في عينه أن تتبع حركة فائه مطلقاً، فتكسر إن كانت مكسورة، كـ "سِدِرات"، وتضم إن كانت مضمومة كـ "غُرفات"، وتفتح إن انت مفتوحة كـ "جَفَنَات"، وإلى ذلك أشار بقوله: (... ... ... ... ... أنِلْ ... إتباع عينٍ فاءَه بِما شُكل) ويجوز فيما عدا المفتوح الفاء وجهان آخران: أحدهما: بقاؤها على أصلها من الإسكان. الثاني: تخفيفه بالفتح فتقول: سدْرَات وغًرْفَات -بإسكان العين وفتحها- وبالأوجه الثلاثى قراء: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:168] [النور:21]. وأما المفتوح الفاء فلا يجو إسكان عينه إلا في الضرورة نحو: 500 - (وحُمّلت زَفْرات الضحى فأطقتها ... ومالي بِزَفْرات العَشِيِّ يدان) ويمتنع الإتباع في مسألتين: إحدهما: أن تكون الفاء مكسورة واللام واواً نحو: ذِروة ورِشوة فيجوز فيه رِشوات ورِشَوات -بالفتح- ويمتنع

الاتباع, ولذلك حكم المصنف بشذوذ جِرِوات, بكسر العين. الثانية: عكسها, وهو أن تكون الفاء مضمومة, واللام ياءً كـ"زبية ودمية, فإنه يمتنع فيها الإتباع بضم العين. (ونادرٌ أو ذو اضطرارٍ غير ما ... قدمته أو لأناس انتمى) ما هرج عن هذه القاعدة المتقدمة في هذا النوع من جمع المؤنث السالم فإما نادر بخروجه عن القياس مندور الإتباع في قولهم "كهلات" جمع كهلة, لأنه وصف لا اسم, وهو عند قطرب مقيس, وكندور سكون محرك العين نحو: "سمرات ونمرات" جمع سَمُرة ونمرة وهو في الندور نظير:

501 - يا عمرو يا ابن الأكرمين نسبا .... ..... ...... بسكون العين في المفرد, ومندور التحريك بالفتح في "عيرات" جمع "عير" وهي الإبل التي تحمل الميرة, مع أنه معتل العين, وليس هذا مما جاء بلغة هذيل؛ وإما ضرورة, كما تقدم في إسكان "زفرات" مع أن فاءه مفتوحة؛ وإما مختص بلغة أناس من العرب, كما تفتح هذيل عين "جوزة وبيضة" ونحوهما من المعتل العين, وفاؤه مفتوحة, فيقولون: "جوزات وبيضات", وبه قرئ شاذا} ثلاث عَوَرات لكم {ومنه: 502 - أخو بيضات رائح مُتأوب ... ... ... ....

جمع التكسير

ويوافقون جميع العرب في إسكان عين ما كان مكسور الفاء كـ (بيعة) أو مضمومها كـ"عوذة". جمع التكسير وهو ما دل على أكثر من اثنين مما ... له واحد من لفظه, ولم يسلم فيه بناء الواحد, أو بقي على إعرابه بالحركات, فالقيد الأول: مخرج للمثنى, والثاني: مخرج لاسم الجمع كـ"قوم", ورهط" والثالث: مخرج لجمع التصحيح, وقولنا: أو بقي على إعرابه بالحركات مدخل لما سلم فيه بناء الواحد, وزيد عليه كـ"صنوان" جمع صنو, فإنه فارق جمع التصحيح ببقاء إعرابه بالحركات؛ ثم تغير لفظ الواحد فيه تارة يكون زيادة إما مع بقاء البنية

كـ"صنوان" وأما مع تغيرها كـ"رجال", وتارة يكون بنقص إما مع بقاء البنية أيضًا كـ"كَلِم") وإما مع تغيرها كـ"فُرش") , وتارة يكون بتغيير الحركات كـ"أسدٍ" وتارة بتقدير تغييرها كـ"فلكٍ" ودلاص" فإن المفرد من (فلكٍ) نظير قفل, والجمع منه نظير كتب فيقدر نقل الضمة الدالة على المفرد إلى الضمة الدالة على الجمع. والمفرد من دلاص نظير "فِراش" والجمع منه نظير "جمال" فيقدر التغيير فيه أيضًا. (أفعلةٌ أفعل ثم فِعله ... ثمت أفعال جموع قلة) ينقسم جمع التكسير إلى موضوع للقلة, بأن يكون مدلوله دو العشرة وإلى موضوع للكثرة, وهو الدال على أكثر من ذلك, فالقسم الأول له أربعة جموع: أفعله"كـ"أحمرة", و"أفعل" كـ"أكلب", و"فعلة"

كـ"صبية" و"أفعال" كـ"أجمال". (وبعض ذي بكثرة وضعاً يفي ... كأرجل والعكس جاء كالصفي) قد يأتي بعض جموع القلة دالاً على الكثر جمع ذلك المفرد لم يوضع إلاّ على بناء جمع القلة, كـ"أرجل" جمع رجل, وأعناق وأفئدة فإنهم لم يضعوا لها شيئا من أبنية الكثرة وقد يأتي العكس, وهو الاستغناء بجمع الكثرة وضعاً عن جمع القلة كـ"قلوب"؛ وفي تمثيل المصنف بالصفِي

-جمع صفاة- وتمثيل انه برجال نظر, لأن الجوهري حكى في جمع صفاة أصفاء حكى غيره: "ثلاث رجلة" كثلاث فتية. (لـ (فعل) اسما-صح عينا- أفعل ... وللرباعي اسما أيضا يجعل) (إن كان كالعناق والذراع في ... مد وتأنيث وعدِ الأحرف) "أفعل" من جموع القلة يجمع به شيئان: أحدهما: ما كان اسما ثلاثيا صحيح العين بزنة "فعل" ساكن العين, مفتوح الفاء نحو: كلب, وفلس, وظبي, ودَلو ولا يجمع عليه ما كان صفة كـ"ضخم", وقالوا في عبد أعبد لغلبة الاسمية ولا ما زاد على الثلاثة كـ"تمرة" [ولا معتل العين كـ"سوط", وبيع وباب واشتهر "أعين" مع خروجه على القياس, وندر "أشيب وأسيف"] ولا محرك العين ك"نمر" وأسد وعضد" ولا مكسور الفاء أو مضمومها ك"تِبن وقفل", واشتهر في المكسور أجرٍ

جمع جروٍ, وأرجل في رجل مع خروجهما عن القياس. الثاني: ما كان اسما رباعيا شبيها بالعناق والذراع في كونه مؤنثاً قبل آخره مدة, وسواء كانت المدة ألفاً-كما كثل- أو واواً كـ"عتود" وأعتد, أو ياء كـ"يمين وأيمن" في القسم, وقالوا في الجارحة أيمان لطلب الفرق وشذ منه أشهب وأغرب جمع شهاب وغراب لأنهما مذكران. (وغير ما "أفعل" فيه مطرد ... من الثلاثي اسما بأفعال يَرد) "أفعال" من جموع القلة يجمع به كل اسم ثلاثي لا يطرد جمعه على أفعل فدخل في ذلك ما كان معتل العين ك"سيف وصيف وضيف وعود وناب" وما كانت عينه متحركة كـ"عمل وكتف وعضد", وما كان مكسور الفاء كـ"صنف" أو مضمومها كـ"قفل" أو ما اجتمعت فيه كسرة

الفاء أو ضمتها مع حركة العين ك"عنب وإبل وعنق" فيقال في ذلك كله أسياف وأضياف وأعواد وأنياب وأعمال وأكتاف وأعضاد وأضناف وأقفال وأعناب وآبال وأعناق, ولا يجيء في وصف كـ"حسنٍ", ولا فيما زاد على الثلاثة كـ"تمرة". (وغالبا أغناهم فِعلان ... في فعل كقولهم صِردان) هذه مستثنى مما يستحق "أفعالا", وهو "فعل" كـ"صرد" وجرذٍ ونغرٍ فإن حقها أن تجمع على أفعال, لأن كلا منها اسم ثلاثي لم يطرد جمعه على "أفعل" لضمة فائه وحركة عينه إلاّ أنهم استغنوا فيه غالبا بجمع الكثرة عن جمع القلة, فقالوا: [صِردان وجِرذان] ونغرانٌ, واحترز بـ"غالباً" من قولهم: رطب وأرطاب, وقد جاء على أفعال مما يستحق "أفعل" حمل وأحمال, قال تعالى:} وأولات الأحمال أجهلن {وفرخ وأفراخ, وزند وأزناد. (في اسم مذكر رباعي بمد ... ثالثٍ افعله عنهم اطرد) (والزمه في فَعَالِ أو فِعال ... مصاحبي تضعيف أو إعلال) "أفعله" من جموع القلة يجمع به كل اسم مذكر رباعي ثالثه مدة إما ألف كـ"حمار وغراب وطعام", وإما ياء كـ"رغيف", وإما واو كـ"عمود",

فيقال فيها: أحمِرَه وأَغرِبَة وأَطعِمة وأرغفة وأعمدة. والتزم هذا البناء فيما كنت مدته ألفا وهو مفتوح الفاء على "فَعَال" أو مكسورها على "فِعال" بشرط أن يكونا مضاعفي اللام بمماثلتهما العين, كـ"بتاتٍ" وزمام أو معتليها, ك"قباءٍ", وبناءٍ"فإن أصل الأول: قباوٌ, وأصل الثاني: بنايٌ وقالوا فيها: أبتتة وأزممة وأقببة وأبنية, ولم يوضع لها جمع كثرة إلاّ شذوذاً كـ"عناق" وأعنق", ولم يرد"أفعلة" في الصفات كـ"جبان وبخيل وصبور" ولذلك حكم بشذوذ "أشحةٍ" لأن "شحيحاً" صفة لا اسم, ومثله في الشذوذ "أضننة" جمع ضنينٍ بمعنى بخيلٍ, ولا في مؤنث إلا ما حكاه ابن سيده, من قولهم: عقاب وأعقبة, ولا في غير الرباعي

إلا شذوذاً, فمن وروده في الثلاثي قولهم: "نجدٌ وأنجدة وقدح وأقدحة وصلب وأصلبة" ومن وروده في الزائد على الرباعي قولهم: أرمضة في جمع رمضان, وأنضضةٌ في جمع نضيضةٍ وهي المطرة القليلة, ولا في رباعي ليس قبل آخره مد إلاّ شذوذا كأجزة في جمع جزة, وهي الصوف المجزوز عن الشاة. (فعل لنحو أحمرٍ وحمراَ ... وفعلة جمعاً بنقلٍ يدري) نبدأ بالكلام على عجز البيت لأنه تمام الكلام على جموع القلة الأربعة وهو "فِعلةٌ" ولا يطرد في شيء من المفردات وإنما يعرف بالسماع والنقل, ولذلك زعم بعضهم أنه اسم جمع ولا جمع فمما سمع منه: فِتَية وصبية, وشيخة, وخصية, -جمع خَصِي- وغلمة, في ألفاظ يسيرة. وأما جموع الاكثرة فذكر المصنف من أبنيتها ثلاثة وعشرين: الأول: ما تضمنه صدر البيت وهو "فعل" بضم الفاء وسكون العين وهو جمع لشيئين: أحدهما: أفعل الذي مؤنثه فعلاء كأحمر" و "أسود", ولما لا مقابل له في المؤنث لمانع خلقي كـ"أكمر" وآدر أو لمانع استعمالي ك"آلي" -لعظيم الأليتين- فإن المعنى موجود في مقاله من المؤنث إلا أنهم استغنوا

فيه بعجزاء. الثاني: فعلاء صفة مقابلة لأفعل، كـ "حمراء وصفراء" وغير مقابلة له لمانع خلقي كـ "رتقاء وعفلاء" أو استعمالي كـ "عجزاء"؛ ولا يجمع عليه أفعل الذي مقابله فعلى، كـ "أصغر وأكبر وآخر"، ولا فعلاء غير صفة كـ "صحراء". (وفعلٌ لاسم رباعي بمد ... قد زيد قبل لام إعلالاً فقد) (ما لم يضاعف في الأعم ذو الألف ... وفعلٌ جمعاً لفعلةٍ عرف) (ونحو كبرى ولفعلةٍ فعل ... وقد يجيء جمعه على فعل) هذه الأبيات الشعرية مشتملة على الثاني والثالث والرابع من أبنية التكسير الدالة على الكثرة. فالثاني: فعل -بضم فائه وعينه- ويجمع به اطراداً كل اسم رباعي آخره اللام قبلها مدة زائدة؛ واللام صحيحة مطلقاً غير مضاعفة بعد الألف خاصة، سواء كان مفتوح الفاء كـ "القذالٍ وأتان" أو مضمومها كـ "قرادٍ وكراعٍ" أو مكسورها كـ "ذراع وكتاب"، وسواء كانت مدته ألفاً- كما مثل- أو واواً كـ "عمودٍ وذلولٍ" أو ياءً كـ "سريرٍ" و"جديدٍ" قال تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ} [البقرة: 285] {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:9] {فَاسْلُكِي سُبُلَ

رَبِّكِ ذُلُلًا} [النحل: 69] {عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} [الطور: 20] ولا يجمع عليه نحو: قتيل ولا نحو زيتون ومال، ولا نحو صفاة ولا نحو درهمٍ ولا نحو كساءٍ ولا نحو سنانٍ لفقد الاسمية في الأول والزيادة على أربعة أحرف في الثاني، والنقص عنها في الثالث وكون اللام ليست آخراً في الرابع وعدم المد في الخامس ووجود إعلال اللام في السادس وتضعيفها بكونها موافقة للعين بعد الألف في السابع. أما لو ضوعفت بعد الياء كـ "شتيت" أو بعد الواو كـ "سلولٍ" لم يمتنع ذلك من جمعها على فعل، وقول المصنف: "ما لم تضاعف في الأعم ذو الألف"، يعني به في الأغلب، وإلا فقد جاء منه نادراً عنان وعنن. وحجاج وحجج، كما ندر منه خشن وصحف جمع خشنٍ وصحيفة؛ ويطرد أيضاً في كل وصف على فعول بمعنى فاعل كـ "صبور وغفور ورسول" وأما ما كان منه على فعيل فلا يجمع عليه إلا أنه ندر نذيرٌ ونذرٌ. الثالث: من أبنية الجموع: فعل -بضم الفاء وفتح العين- وهو مطرد في شيئين:

أحدهما: كل اسم على "فعلة" سواء كان صحيح اللام كـ "غرفة" "قربة" أو معتلها كـ مدية و"زبية"، أو مضعفها كـ "درة وعدة". الثاني: ما كان نحو كبرى في كونه وصفاً على فعلى- مؤنثة أفعل- كـ "صغرى وفضلى وطولى"، ومنه: "السبع الطول" وقد شذ وروده في بهمة وقرية ورؤيا. الرابع: فعل: -بكسر الفاء وفتح العين- وهو مطرد في كل اسم على "فعلة" منقسم بأقسام فعلة كـ "كسرة وديمة وعدة"، ومنه {ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] لأنها جمع "حجة" -بالكسر- لغة في الحجة، ويندر في نحو ذكرى وقصعة وذربة، وقد يجيء جمع فعلة على فعل، قالوا لحية ولحى وحلية وحلىً.

(في نحو رامٍ ذو اطرادٍ فعله ... وشاع نحو كامل وكملة) هذان الثامن والسادس من أبنية الجموع وهما: فعلة -بضم أوله وفتح ثانيه- وفعلة -بفتحهما- وهما مطردان في كل وصف لعاقل على فاعل، إلا أن الأول يختص بما كان معتل اللام، كـ "رامٍ وهادٍ وقاضٍ" يقال فيها: رماة وهداة وقضاة؛ وأصله [رمية قلبت ياؤه] ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها. والثاني: يختص بما كان صحيح اللام كـ "كامل" وكملة وكاتب وكتبة، وسافر وسفرة، وليس بمطرد فيه، بل قد جاء منه: ناقص ونقص، وعابد وعباد، وشاهد وأشهاد، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] وجاء على فعلة غيره كـ "سري وسراة، وسيد وسادة".

(فَعْلَى لوصف كـ (قتيل) وزمن ... وهالكٍ وميت به قمن) هذا السابع من أبنية الجموع وهو "فعلى"- بفتح أوله وسكون ثانيه، ويجمع عليه كل وصف دل على آفة من فعيل بمعنى مفعول كـ "قتيل وجريح، أو فعل" كزمنٍ، فتقول فيهل قتلى وجرحى وزمنى، ويندر فيه فعيل بمعنى فاعل كـ "مريض ومرضى" وما دل على آفة من وصف على فاعل كـ "هالك" أو على فعيل كـ "ميت" فهو قمن أي حقيق به؛ ولا يطرد فيه كقولهم فيهما: هالكون وأموات، وحمل عليهما -أيضًا- ما دل على آفة من وصف على أفعل كـ "أحمق" أو على فعلان كـ "سكران"، فيقال فيهما: حمقى وسكرى. (لفعل اسماً صح لاماً فعلة ... والوضع في فَعل وفِعل قلله) هذا الثامن من أبنية الجموع وهو "فعلة" -بكسر الفاء وفتح العين- وهو جمع لـ "فعلٍ" مضموم الفاء ساكن العين بشرطين: أحدهما: أن يكون اسماً. الثاني: أن يكون صحيح اللام، بمعنى أنها ليست معتلة ولا مدغماً فيها،

نحو قرط وقرطة ودرج ودرجة، أما لو كان مصدراً كـ "بغض" أو معتل اللام كـ "علو" أو مدغماً فيه كـ "حب" -للإناء- وسد لم يجمع على ذلك إلا ندوراً كـ "دب ودببة" وتمثيل ابنه له في المطرد وهم. وقل مجيئ "فعلة" في "فعل" [وهو في فعل] بكسر الفاء وفتحها، فمن الأول: قرد وقردة، ومن الثاني: غرد وغردة وهو المطرب بصوته؛ ومما شذ

فيه "فعلة" كتف وذكر -لضد الأنثى- وهادر وخطرة، وهو الغصن. (وفعل لفاعل وفاعلة ... وصفين نحو عاذل وعاذلة) (ومثله الفعال فيما ذكرا ... وذان في المعل لاما ندرا) هذا التاسع والعاشر من أبنية الجموع وهما فعل وفعال -بضم الفاء وفتح العين مشددة- ويطردان في كل وصف لمذكر على فاعل صحيح اللام نحو: عاذل وعذل وعذال، وصائم وصوم وصوام، ونائم ونوم ونوام، وجاء في جمع فاعله إلا أنه نادر نحو: 503 - (... ... ... ... وقد أراهن عني غير صداد)

ويمكن أن يكون جمع "صاد" ويكون الضمير للأبصار التي تقدم ذكرها في أول البيت وهو قوله: 504 - (أبصارهن إلى الشبان مائلة ... ... ... ...) ويطرد الأول منهما في "فاعلة" وصفا لمؤنث [نحو عاذلة وعذل ونازلة ونزل، وجاء في فاعل من صفات المؤنث] كـ "حائض" و"حيض" إلا أنه محكوم بندوره؛ ولا يجيء هذان الجمعان فيما كان معتل اللام من فاعل كـ "عارٍ" أو فاعلة كـ "كاسية" إلا نادراً [فمنه غزى في جمع غازٍ قال تعالي: {أَوْ كَانُوا غُزًّى} [آل عمران: 156]. ومنه: سراء في جمع سارٍ؛ ومن نوادر هذين الجمعين قولهم: "خريدة وخرد، ونفساء ونفسٌ". (فعلٌ وفعلة فعالٌ لهما ... وقل فيما عينه اليا منهما) (وفعلاً أيضاً له فعال ... ما لم يكن في لامه اعتلال) (أو يك مضعفا ومثل فعل ... ذو التا وفعلٌ مع فعل فاقبل) (وفي فعيل وصف فاعلٍ ورد ... كذاك في أنثاه أيضاً أطرد) (وشاع في وصف على فعلانا ... أو انثييه أو على فعلانا) (ومثله فعلانةٌ والزمه في ... نحو طويل وطويلةٍ تفي)

هذا الحادي عشر من أبنية الجموع، وهو " فعال" ويجمع عليه خمسة عشر بناء: الأول: فعل سواء كان اسماً كـ "كعب" أو صفة كـ "ضخم" و"صعب". الثاني: فعلة في حالتي فعل كقصعة وقصاع وخذلة وخذال؛ ولا فرق بين أن تكون عينهما صحيحة كما مثل أو معتدلة على غير الياء، كـ "ثوب وثياب" وقل وردوه فيما عينه ياء من فعل كـ "ضيف" أو فعلةٍ كـ "ضيعة" فإنه سمع فيهما ضياف وضياع. والثالث: فعل -بفتح الفاء والعين- بشرط سلامته من اعتلال اللام وتضعيفها كـ "ـجمل وجمال وجبل وجبال". الرابع: ذو التاء منه وهو فعلة بالشرطين، كـ "ـرقبة ورقاب وثمرة وثمار". أما المعتل منهما كـ "عمى وصفاة" أو المضعف كـ "ـشرر وعضة" فلا يجمع عليه. الخامس: فعل، كـ "ـدهن ورمح" يجمعان على دهان ورِماح،

قال تعالى: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن: 37]. السادس: فعل كـ "ـذئب وذئاب". السابع: ما جاء على فعيل كـ "كريم وكرام وشريف وشراف". الثامن: مؤنثه، وهو فعيلة بمعنى فاعله كـ "ـظريفة وظراف ومريضة ومراض". التاسع: ما جاء من الصفات على فعلان نحو: غضبان وغضاب وعطشان وعطاش. العاشر والحادي عشر: مؤنثاً فعلان وهما: فعلى كـ "ـندمي وندام" من الندم أو فعلانة كـ "ـندمانة وندام" من المنادمة. الثاني عشر: فعلان، بضم الفاء. الثالث عشر: أنثاه فعلانة كـ "ـخمصان وخمصانة" قالوا في جمعهما خماص. الرابع عشر والخامس عشر: طويل وطويلة ونحوهما من كل وصف على فعيل أو أنثاه فعيلة وهو صحيح اللام واوي العين كـ "ـقويمٍ وقويمةٍ" وهو ملتزم فيهما بخلاف الأبنية المتقدمة فإنه غير ملتزم فيها.

إذ قد جاء من الأول عبد وعبيد ومن الثاني: تمرة وتمر، ومن الثالث: عمل وأعمال وليس بجمع قلة بل مستغنى بوزنه عن جمع الكثرة، ومن الرابع: شجرة وشجر، ومن الخامس: عود وعيدان، ومن السادس: علم وعلوم، ومن السابع: شريف وشرفاء، ومن الثامن: قصيرة وقصائر، ومن التاسع والعاشر: سكارى، ومن الحادي عشر: ندامى -أيضاً- وكذلك من الثاني عشر والثالث عشر، وما جاء على فعال من غير الأوزان المذكورة فشاذ، كـ (ـرعاء) -في جمع راعٍ- وإمام -في جمع آم-، وعليه حمل بعضهم: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71]-وقيام ونيام وعجاف- في جمع أعجف -وجياد- في جمع جواد -وخيار- في جمع خير -وبطاح- في جمع بطحاء -وقلاص- في جمع قلوص. (وبفعول فعل نحو كبد ... يخص غالباً كذاك يطرد) (في فعل اسماً مطلق الفا وفعل ... له وللفعال فعلان حصل) (وشاع في حوتٍ وقاعٍ مع ما ... ضاهاهما وقل في غيرهما) هذان الثاني عشر والثالث عشر من أبنية الجموع. فالثاني عشر فعول -بضم فائه وعينه- ويجمع عليه أربعة أشياء: الأول: فعلٌ نحو كبد وكبود، ونمر ونمور ووعل ووعور، وهو مختص به في الغالب، إلا ما ندر من قولهم: نمر وأنمار ونمر كقوله:

505 - (... فيها عيائيل أسودٍ ونمر ...) والثلاثة الباقية: فعل مطلق الفاء ساكن العين، أي محركها بالحركات الثلاث فمنه في المفتوحها فلس وفلوس، ووعر ووعور وسهل وسهول، ومنه في المكسورها حمل وحمول وضرس وضروس، ومنه في المضمومها برد وبرود وجند وجنود، ويشترط في الثلاثة صحة عينها ولامها وكونها غير مضاعفة- كما مثل- ولا يجمع عليه ما كان معتل العين كـ "ـعيد" وباب وكوز"، ولا ما كان معتل اللام كـ "مديٍ" ولا مضاعفها كـ "ـمد وحص" وقد جاء منه شذوذاً حص وحصوص، وجاء على فعول شذوذاً أسد وشجن. والثالث عشر: فعلان ويطرد في أربعة أشياء:

الأول: فعل كـ "ـصرد وصردان ونغر ونغران وجرذ وجرذان". الثاني: فعال كـ "ـغلام وغلمان وذباب وذبان". الثالث: ما اعتلت عينه من فعل -بسكون العين- كـ "ـحوتٍ" و"عود". الرابع: ما كانت عينه ألفاً من فعل [المفتوح العين] كـ "ـقاعٍ وتاجٍ وخالٍ وجار") وجاء فعلان قليلاً في غير ما ذكر، فمنه: غزال وخروف وحائط وظليم وصنو وأخ. ولا يطرد في شيء من ذلك. (وفعلاً اسماً وفعيلاً وفعل ... غير معل العين فعلان شمل) هذا الوزن الرابع عشر من أبنية الجموع، وهو فعلان -بضم أوله- ويجمع به ثلاثة أوزان: الأول: فعل -مفتوح الفاء ساكن العين- إذا كان اسماً كـ "ـظهر وظهران وعبد وعبدان". الثاني: فعيل -إذا كان اسماً أيضاً- كـ "ـرغيف ورغفان وكثيب وكثبان". الثالث: فعل -بفتح أوله وثانيه- إذا كان اسماً أيضاً، كـ "ركبان في جمع راكب وسودان في جمع أسود".

(ولكريم وبخيل فعلا ... كذا لما ضاهاهما قد جعلا) هذا الخامس عشر من أبنية الجموع وهو "فعلاء" ممدوداً -بضم الفاء وفتح العين- ويطرد في نحو كريم وبخيل وما ضاهاهما مما جاء على فعيل بمعنى فاعل دال على وصف كالغريزة غير معتل اللام ولا مضعف كـ "ـشريف وشرفاء" و"بصير وبصراء" وقل في نحو: جبان ورسول وخليفة وسمح، واطرد فيما جاء من صفات العقلاء على فاعل وهو مضاهٍ لفعيل في كونه كالغريزة كـ "ـالعالم، وصالح، وشاعر". (وناب عنه أفعلاء في المعل ... لاما ومضعفٍ وغير ذاك قل) السادس عسر من أبنية الجموع "أفعلاء" وهو مطرد فيما لا يجمع على فعلاء من فعيل بمعنى فاعل لكونه معتل اللام كـ "ـنبي وولي ووصي" أو مضعفا كـ "ـشديد وحصيص وصحيح" فهو فيها كالنائب عن فعلاء وقل مجيئه في غير ذلك كـ "ـصديق ونصيب وهين".

(فواعل لفوعلٍ وفاعل ... وفاعلاء مع نحو كاهل) (وحائض وصاهل وفاعله ... وشذ في الفارس مع ما ماثله) السابع عشر من أبنية جموع الكثرة "فواعل" ويطرد في سبعة أشياء: الأول: فوعل كـ "جوهر"، ويلتحق به مؤنثه كـ "ـصومعة وزوبعة". الثاني: فاعل- بفتح العين- كـ "ـالخاتم" -لما يلبس في اليد- وقالب وباشق. الثالث: فاعلاء، نحو قاصعاء وراهطاء ونافقاء. الرابع: كاهل ونحوه مما جاء اسماً على فاعل كـ "ـعاتق". الخامس: ما جاء من صفات المؤنث على فاعل كـ "ـحائض وطالق وقاعد" "للتي" يئست من النكاح. السادس: ما جاء على فاعل من صفات ما لا يعقل كـ "ـصاهل وشاهق وسابغ". السابع: ما جاء على فاعلة سواء أكان اسم جنس كـ "ـناصية" أو علماً كـ "ـفاطمة" أو وصفاً كـ "ـكاذبة"؛ وشذ في فارس وما ماثله وزناً ومعنى من

صفات المذكر العاقل كـ "ـهالك وناكس"، ومما شذ جمعه على فواعل: حاجة ودخان، قالوا فيه: دواخن. (وبفعائل اجمعن فعاله ... وشبهه ذا تاءٍ أو مزاله) الثامن عشر من أبنية الجموع "فعائل" ويطرد في بناءين: أحدهما: فعالة وما أشبهه في كونه رباعياً ثالثه مدة وقد ختم بتاء التأنيث سواء كان مفتوح الفاء كـ "ـسحابة" أو مكسورها كـ "ـرسالة" أو مضمومها كـ "ـذبابة"، وسواء كانت مدته ألفاً-كما مثل- أو ياء كـ "ـصحيفة" أو واواً كـ "ـحلوبة". الثاني: ما لم يختم بتاء التأنيث إلا أنه مؤنث بالمعنى من الرباعي الذي ثالثه مدة كـ "ـشمال وعصيد وعجوز". (وبالفعالي والفعالي جمعاً ... صحراء والعذراء والقيس اتبعا) هذان التاسع عشر والعشرون من أبنية الجمع وهما: "فعالى وفعالى" -مقصوراً- ويشتركان في جمع ما جاء على فعلاء من اسم كـ "ـصحراء" أو صفة لا مذكر لها كـ "ـعذراء" يقال في كل منهما صحاري وصحارى، وعذارِى وعَذارى، ويشتركان أيضاً في ثلاثة أشياء:

أحدهما: ما فيه ألف التأنيث المقصورة كـ "ـحبلى". الثاني: ما فيه ألف الإلحاق المقصورة كـ "ذفرى". الثالث: ما رخم في الجمع بحذف أحد زائديه نحو: حبنطى وقلنسوة، قالوا في جمعهما: حباطٍ وحباطى، وقلاسى وقلاسى، ويختص الأول بأربعة أبنية: الأول: فَعلاة: كـ "ـموماة". الثاني: فِعلاة -بكسر الفاء- كـ "ـسعلاة". الثالث: فعلوة كـ "ـترقوة". الرابع: فعلية: كـ "ـهبرية". (واجعل "فعالي" لغير ذي نسب ... جدد كالكرسي تتبع العرب) الحادي والعشرون من أبنية الجموع فعالي، ويطرد في كل ما آخره ياء مشددة لا تدل على تجدد نسب كـ و "ـكرسي وبختي وقمري"، فلو دلت الياء

المشددة على تجدد نسب كـ "ـبصري وكوفي" لم يجمع بذلك، ولذلك ذهب المحققون إلى أن أناسي جمع إنسان لا إنسي، وأصله: أناسين فأبدلوا النون ياء ثم أدغموا إحدى الياءين في الأخرى. (وفعالل وشبهه انطقا ... في جمع ما فوق الثلاثة ارتقى) (من غير ما مضى ومن خماسي ... جرد الآخر انف بالقياس) (والرابع الشبيه بالمزيد قد ... يحذف دون ما به تم العدد) (وزائد العادي الرباعي احذفه ما ... لم يك ليناً إثره اللذختما) هذان الثاني والعشرون والثالث والعشرون من أبنية الجموع، وهما: "فعالل وشبهه" فأما "فعالل" فيطرد في أربعة أشياء: أحدها: الرباعي المجرد. الثاني: الرباعي المزيد وإليهما أشار المصنف بقوله: (... ... ... ... في جمع ما فوق الثلاثة ارتقى) (من غير ما مضى ... ... ... ... ...) فالمجرد كـ "ـجعفر ودرهم"، والمزيد فيه كـ "ـمدحرج ومتدحرج" [فتقول فيهما: دحارج. الثالث: الخماسي المجرد كـ "ـسفرجل] وجحمرش" فتجمعه على

فعالل وتنفي آخره أي تحذفه قياساً، فتقول فيهما: سفارج وحجامر فإن كان رابعه شبيهاً بالمزيد لكونه مما يزاد كنون خورنق أو من مخرج ما يزاد كدال فرزدق [التي هي من مخرج التاء فقد يحذف هو دون ما تم به العدد وهو الحرف الخامس، فتقول فيهما خوارق وفرازق] والأجود طرد القاعدة فيه بحذف الخامس فتقول فيهما: خوارن وفرازد؛ فإن كان العادي الرباعي -وهو الخماسي- حرف مزيد حذف دون آخره، إلا أن يكون المزيد حرف لين قبل الآخر وهو المراد بقوله: (... ... ... ما ... لم يك ليناً إثره اللذختما) أي ما لم يكن الزائد ليناً بعده الحرف الخامس الذي ختم الكلمة، فإنه لا يحذف حينئذ لكن يبقى على حاله إن كان ياء كـ "ـقنديل". ويقلب إليها إن كان ألفاً أو واواً نحو: محراب وعصفور، فتقول فيها: قناديل ومحاريب وعصافير. الرابع: الخماسي المزيد فيه نحو: قرطبوس وخندريس، وقد دخل في قول المصنف: (... ... ... ... في جمع ما فوق الثلاثة ارتقى) وحكمه أن يحذف خامسه مع المزيد فيه، فتقول فيهما: خنادر وقراطب.

وأما شبه "فعالل": فالمراد به ما كان من الجموع ثالثه ألف بعدها حرفان ويطرد فيما ارتقى فوق الثلاثة من مزايدتها غير ما تقدم من الأبنية؛ ثم إن كانت زيادته حرفاً واحداً لم يحذف، كـ "ـمسجد"، وجوهر، وصيرف، وأفضل، وعلقى"، ويحذف ما زاد على الحرف الواحد، نحو فضيلة وفضائل. (والسين والتامن كمستدع أزل ... إذ ببنا الجمع بقاهما مخل) (والميم أولى من سواه بالبقا ... والهمز واليا مثله إن سبقا) هذا من تمام الكلام على ما يجمع على شبه "فعالل" من مزيد الثلاثي فإنه قد تقدم أنك لا تحذف زائدة [إن كان] حرفاً واحداً، وإن كان أكثر من حرف أبقيت حرفاً واحداً منهما وحذفت الباقي، إلا أنك تراعى الميم مطلقاً فلا تحذفها، فتقول في جمع "مستدع" ومستقبل ومستخرج: مداع ومقابل ومخارج- بحذف السين والتاء- لأن بقاءهما مخل ببناء الجمع، إذ نهاية أبنية الجموع فعالل أو فعاليل، ولما كانت فائدة الإتيان بهما الدلالة على الاستفعال تنزلاً منزلة الحرف الواحد، فلم يحذف [أحدهما دون الآخر] فلم يقولوا: سداع ولا تداع مع ما تقرر من مراعاة

حال الميم ولمراعاة حال الميم تقول في جمع منطلق: مطالق، وفي جمع مقعنس: مقاعس؛ وخالف المبرد في هذا فقال: إنما يقال فيه قعاسس بحذف الزوائد وإبقاء الأصول؛ والهمزة والياء إذا سبقا في أول الكلمة فهما كالميم في استحقاقهما البقاء دون غيرهما من الزوائد فتقول في الندد ويلندد ألادد ويلادد -بحذف النون- دونهما. (والياء لا الواو حذف إن جمعت ما ... حكيزبون فهو حكمٌ حتماً) (وخيروا في زائدي سرندى ... وكل ما ضاهاه كالعلندى) هذا من تمام الكلام في المسألة أيضاً، وهو ما إذا كان معك مزيدان وليس أحدهما ميماً ولا همزة أو ياء مبدوءاً بها، فإن كان حذف أحد الزائدين مغنياً عن حذف الآخر دون العكس تعين الحذف فيه، وذلك كالياء والواو في "حيزبون" فإنك إن حذفت الواو فإما أن تقول:

التصغير

حيزابن أو حيازبن وكلاهما غير مغنٍ عن حذف الياء بل يجب حذفها -أيضاً- فتقول: حزابن لئلا يخرح بقاؤهما إلى عدم النظير بوقوع ثلاثة أحرف قبل ألف التكسير أو وقوع ثلاثة بعدها أوسطها ساكن وليس معتلاً، وكلاهما لا نظيؤ له، بخلاف ما إذا حذفت الياء فإنك تستغني به عن حذف الواو فتقول: حزابين -بقلب الواو ياء- كما في عصافير، فأما إن تكافأت الزيادتان في الحذف كنون سرندى وعلندى وألفهما فلك أن تحذف أيهما شئت، فتقول في حذف النون سرادٍ وعلادٍ وفي حذف الألف سراند وعلاند. التصغير الحامل عليه غالباً [التحقير، وقد يحمل عليه الحب فيسمى تصغير] التحبيب، نحو: [{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [لقمان: 17] وقوله]: 506 - (يا ابن أمي ويا شقيق نفسي ... أنت خلفتني لدهرٍ شديد)

وقد يرد مراداً به التعظيم، كقوله: 507 - (وكل أناسٍ سوف تدخل بينهم ... دويهيةٌ تصفر منها الأنامل) (فعيلاً اجعل الثلاثي إذا ... صغرته نحو قذي في قذى) قاعدة الاسم المصغر أن يضم أوله مطلقاً فيقر على ضمه في نحو: "قفل" ويرد إليه في نحو: "عبد وعلج" ويفتح ثانيه مع ضم أوله فيقر على الفتح في نحو: "جمل" ويحرك به إن كان ساكناً كالمثل المتقدمة، ويرد إليه عن كان مكسوراً كـ "نمر" أو مضموماً كـ "ـرجل" ولا يزداد على ذلك في الثلاثي إلا باجتلاب ياء التصغير، وهي ياء ساكنة تقع ثالثة المصغر، فيصير بزنة فعيل، ومثل بقذيٍ، لينبه أنه لا فرق في الثلاثي المصغر بين كونه صحيحاً أو معتلاً.

(فعيعلٌ مع فعيعيل لما ... فاق كجعل درهم دريهما) ما فاق الثلاثي أي زاد عليه يعمل فيه ما عمل في الثلاثي من ضم أوله وفتح ثانيه وزيادة ياء التصغير ثالثةً، إلا أنه يزاد كسر ما بعد ياء التصغير وهو الحرف الثالث من مكبره نحو: دريهم وجعيفر في تصغير درهم وجعفر، فإن كان ما يلي هذا الحرف المكسور حرف مد ولين أثبته ياءً إن كان إياها نحو "قنديل" وإن كان ألفاً أو واو قلبتهما إليها فقلت: عصيفير دنينير فثبت بذلك انحصار بناء ما زاد على الثلاثي في فعيعل وفعيعيل. (وما به لمنتهى الجمع وصل ... به إلى أمثلة التصغير صل) يتوصل في رد الزائد على الرباعي إلى بناء فعيعل أو فعيعيل بما توصل به إلى بنيتي منتهى الجموع وهما زنة فعالل وفعاليل من حذف آخر الخماسي المجرد نحو سفيرج، والتخيير بينه وبين حذف رابعه إن كان شبيهاً بالمزيد نحو: فريزق وفريزد، وحذف زائدة، إن لم يكن ليناً يليه الآخر كـ "ـمدحرج" فإنك تقول فيه دحيرج، ورده إلى الياء إن كان ليناً يليه الآخر كما مثل. وحذف السين والتاء دون الميم من مستخرج ونحوه فتقول: مخيرج،

وحذف النون دون الميم والهمزة والياء من منطلق والندد ويلندد، فتقول فيهما مطلق واليدد ويليدد، وحذف الياء دون الواو من "حيزبون" فتقول فيه حزيبين بقلبها ياء لما سبق، وبالتخيير بين حذف النون أو الألف من نحو سرندي فتقول: سريند -إن شئت- وإن شئت سريدٍ. (وجائز تعويض يا قبل الطرف ... إن كان بعض الاسم فيهما أنحذف) يجوز لك في التصغير والتكسير إذا حذفت بعض الاسم أن تعوض من المحذوف قبل الطرف- وهو آخر الاسم- ياء فتقول في تصغير سفرجل سفيريج، وفي تكسيره سفاريج،، فإن كان قبل الآخر مدة كانطلاق واحرنجام واستخراج لم يمكن التعويض لاشتغال محله بالياء المنقلبة عن الألف. (وحائدٌ عن القياس كل ما ... خالف في البابين حكماً رسماً) وما جاء في بابي التصغير والتكسير مخالفاً لما رسم لهما من الأحكام فهو حائد -أي خارج عن القياس- يقتصر في الوارد منه على السماع. فمن ذلك في التكسير ورود شبه "فعالل" في جمع مكان وكراع قالوا فيهما أماكن وأكارع، وشبه فعليل في جمع "حديث

وباطل" قالوا فيهما أحاديث وأباطيل، وفي شواذ كثيرة سبقت في باب التكسير؛ ومن شاذ باب التصغير قولهم "مغيربان" في تصغير مغرب، و"عشيشيان" في تصغير عشاء، و"عشيشية" في تصغير عشية، و"رويجل" في تصغير رجل، و"أنيسيان" في تصغير إنسان، و"أبينون" في تصغير بنين، و"أغيلمة" في تصغير غلمة. (لتلو يا التصغير من قبل علم ... تأنيث أو مدته الفتح انحتم) (كذاك ما مدة أفعال سبق ... أو مد سكران وما به التحق) هذه المسألة مستثناة من القاعدة المتقدمة في كسر ما بعد ياء التصغير مما زاد على الثلاثي فإنه على فتحه إن كان مفتوحاً، ويحرك به إن كان

ساكناً، ويرد إليه إن كان مكسوراً أو مضموماً وذلك في أربعة مواضع: أحدها: أن يليه تاء التأنيث نحو: تمرة ونمرة وفاطمة، فإنك تقول فيها تميرة ونميرة وفطيمة. الثاني: أن يليه مدة التأنيث، والمراد بها ألفه، سواء كانت مقصورة مثل حبلى، أو ممدودة نحو حمراء، فتقول فيهما حبيلى وحميراء، بفتح ما بهد ياء التصغير. الثالث: أن يكون الحرف الواقع بعد ياء التصغير قد سبق في المكبر مدة أفعال كأحمال فإنك تقول فيه أحيمال. الرابع: أن يسبق مد سكران وما التحق به من فعلان الذي لا يجمع على فعالين نحو عثمان وعمران، فتقول في تصغيرها سكيران وعثيمان وعميران، أما ما جمع منه على فعالين فإنك تقول في تصغيره "فعيلين" -بكسر ما بعد الياء- كسرحان وسلطان وشيطان. (ألف التأنيث حيث مدا ... وتاؤه منفصلين عداً) (كذا المزيد آخر للنسب ... وعجز المضاف والمركب)

(وهكذا زيادتا فعلاناً ... من بعد أربعٍ كزعفراناً) (وقدر انفصال ما دل على ... تثنيةٍ أو جمع تصحيحٍ جلا) هذه المسألة مستثناة مما تقرر من رد المزيد في التصغير إلى صيغة [فعيعل أو صيغة فعيعيل] بما يتوصل به إلى نهاية أمثلة التكسير، وذلك في أشياء يقدر بعضها كالمنفصل ثم يصغر ما عداه ويلحق به ذلك البعض بعد التصغير. والذي يقدر انفصاله تسعة أشياء شملها النظم: الأول: ألف التأنيث الممدودة فإنه يقدر انفصالها مطلقاً فيصغر ما قبلها إن كان ثلاثة على فعيل وإن كان أربعة على فعيعل ثم تلحقها ألف التأنيث فتقول حميراء وقريفصاء. الثاني: تاء التأنيث، فيفعل بها ذلك أيضاً، فتقول في تمرة تميرة وفي حنظلة حنيظلة. الثالث: الياء المزيدة آخر للنسب فتسلك بها هذا المسلك فتقول في مصري وعبقري: مصيري وعبيقري. الرابع: عجز المضاف كعبداً لله. الخامس: عجز المركب مزجاً كـ (ـبعلبك).

السادس: الألف والنون المزيدتان من بعد أربعة أحرف كـ "ـزعيفران" ام المزيدتان بعد ثلاثة أحرف كـ "ـسكران وسرحان" فقد سبق حكمهما. السابع: علامة التثنية كـ "ـجعفرين" تقول فيه حعيفرين. الثامن: علامة جمع التصحيح للمذكر كـ "ـخويلدين". والتاسع: علامة جمع تصحيح المؤنث كـ "ـمسلمات". وأما في التكسير فإنك تقدر هذه الزوائد متصلة فتحذفها وترد الجمع إلى مثال مفاعل أو مفاعيل إن أمكن تكسيره، إلا أن المضاف يكسر بلا حذف فتقول عبيدا الله ومارئ القيس لأنهما كلمتان كل منهما مفردة بحكمها من الإعراب. (وألف التأنيث ذو القصر متى ... زاد على أربعة لن يثبتا) (وعند تصغير حبارى خير ... بين الحبيرى فادر والحبير) إذا صغرت ما فيها ألف التأنيث المقصورة فإن كانت رابعة كـ "ـحبلى وسلمى" تركتها فلم تحذفها، وهذا قد فهم من كلامه بتقييد حذفها بالزيادة على أربع فإنها متى زادت على أربعة أحرف قبلها حذفت مطلقاً، سواء كانت خامسة كـ "ـقرقرى" أو سادسة

كـ "ـقبعثرى" فتقول قريقر وقبيعث، لأن بقاءها يخرج الاسم عن أمثلة التصغير، فإن تقدم في الاسم قبل الخامس مدة زائدة كـ "ـحبارى" جاز لك في تصغيره أن تحذف المدة فتبقى الألف لكونها صارت رابعة فتقول حبيرى، وأن تحذف الألف لكونها خامسة فتقول: حبير بقلب الألف ياء وإدغام ياء التصغير فيها. (واردد لأصل ثانياً ليناً قلب ... فقيمة صير قويمة تصب) أي إذا كان ثاني الاسم المصغر حرف لين منقلباً عن أصل رددته إلى أصله، فترد الياء في "قيمة" و"ميزان" والألف في "باب" إلى الواو لأنها أصلهن، فتقول قويمة مويزين بويب، وترد الواو في "موقن" والألف في "ناب" إلى الياء لأنها أصلهما، فتقول مييقن لأنه من اليقين، ونييبٍ. "فإن لم يكن حرف اللين منقلباً بل كان باقياً على أصله فغن كان واواً

أو ياء تركتهما على حالهما فتقول في ثوب ثويب وفي بيت بييت؛ وأما الألف المزيدة فيأتي حكمها". هذا كله إذا كان منقلبا عن لين كما مثل، فأما إن كان منقلبا عن غير لين كألف آدم فإنها منقلبة عن همزة فإنك تقلبها واواً فتقول: أويدم؛ وإن كان الثاني منقلبا عن لين [إلا أنه غير لين] كمتهبٍ فإنه مفتعل من وهب قلبت الواو تاءً وأدغمت في تاء الافتعال؛ فذهب الزجاج إلى أنه يرد إلى أصله فيقال فيه مويهب، والأكثرون على أنه يترك على حاله فيقال متيهب. (وشذ في عيد عييدٌ وحتم ... للجمع من ذا ما لتصغيرٍ عُلِمْ)

صغرت العرب عيداً على عييدٍ وهو شاذ لخروجه عن القاعدة في رد ثاني الاسم المصغر إذا كان لينا إلى أصله إلا أن الحامل لهم على ذلك خوف الالتباس. بمصغر عود، وما ثبت رده إلى الأصل في التصغير وجب رده إليه في التكسير فتقول في ميزان وباب موازين وأبواب بالرد إلى الواو، وأنياب بالرد إلى الياء وأثواب وأبيات بالترك على حاله، وبشذوذ أعياد خوف الالتباس بجمع عود، إلا أنه يرد على إطلاقه عدم الرد إلى الأصل في قيمٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ وديمٍ، فينبغي أن يقيد ذلك. بما إذا كان التكسير بتغيير أول الاسم. والألف الثاني المزيد يجعل ... واواً كذا ما الأصل فيه يجهل قد سبق أن الألف إذا وقع ثانيا رد إلى أصله، فإن كان زائدا لا أصل له كـ"قائم وقاعد" أو مجهول الأصل كـ"عاجٍ" فإنه يجعل واواً فتقول في تصغيرها قويم وقويعد وعويج، وتقول في تكسير قائمة قوائم وأعواج. (وكمل المنقوص في التصغير ما ... لم يحو غير التاء ثالثا كما) قاعدة التصغير أنه يرد الأشياء إلى أصولها، ألا ترى أنك تقول في ابن واسم بني وسمي -برد لامه وإسقاط الهمزة التي عوضت

منها- وفي عدة وهبة: وعيدة ووهيبة -برد الفاء- إلا أنك تبقى تاء التأنيث وإن كانت عوضا منها، لأن لها فائدة أخرى وهي الدلالة على التأنيث؛ وتقول في تصغير "ماء" مويه فعلى هذه القاعدة إذا صغرت ما نقص بحذف لامه كـ "ـيدٍ ودمٍ وأبٍ وأخٍ" قلت فيه: دمي وأبي وأخي -برد اللام- وتقول فيه "يدٍ" يدية فتلحقها علامة التأنيث، إذ هو رد إلى الأصل من التأنيث بالعلامة؛ وتقول في تصغير "حرٍ" حريح؛ هذا كله إذا كان قد بقي بعد الحذف على حرفين كما مثل، أو زيد على الحرفين تاء التأنيث، وإليه أشار بقوله: (... ... ... ما ... لم يحو غير التاء ثالثا) كـ"سنةٍ وشفةٍ" فتقول في تصغيرهما: سنيهة وشفيهة -بإبقاء التاء- لما تقرر في هبة؛ وقوله: "كما" إشارة إلى أن المنقوص لا فرق

بين أن يكون وضع على أصل ثم نقص منه -كما مثل- أو كان موضوعا على حرفين "كما ولو وهل" -إذا سميت بها ثم صغرتها- فإنك تكملها بحرف ثالث فتقول في "ما": موي، وفي "لو": لوي ولك في "هل" وجهان: أحدهما: أن تكمله بحرف علة، فتقول "هلي". الثاني: أن تكمله بالتضعيف فتقول "هليل". (ومن بترخيمٍ يصغر اكتفى ... بالأصل كالعطيف يعنى المعطفا) معنى الترخيم في التصغير أن تعمد إلى زوائد الكلمة فتحذفها، ثم تصغر الأصول على مقتضى القياس، فتقول في تصغير "معطف" عطيف،

بحذف الزائد وهو الميم وصوغه على زنة فعيل لأنه قد بقي ثلاثيا، وتقول في تصغير أحمد وحامد ومحمود حميد -بحذف زوائدها- وتقول في تصغير قرطاس قريطس - بحذف ألفه ورده إلى أصوله الأربعة، ولا يتأتى في تصغير الترخيم زنة فعيعيل لثبوت الزيادة فيه وكذلك لا يتأتى في مجردٍ من الزوائد كـ "ـجعفر وسفرجل"، وحذف خامسه في التصغير ليس من باب الترخيم وإنما هو من باب الرد إلى صيغة فعيعل، وتقول في تصغير إبراهيم وإسماعيل بريه وسميع على غير قياس. (واختم بتا التأنيث ما صغرت من ... مؤنثٍ عارٍ ثلاثيٍ كسن) (ما لم يكن بالتا يرى ذا لبس ... كشجرٍ وبقرٍ وخمس) (وشذ ترك دون لبس وندر ... لحاق تا فيما ثلاثيا كثر) إذا صغرت ما ليس فيه تاء التأنيث من مؤنث بالمعنى ختمته بتاء التأنيث بشرطين: أحدهما: أن يكون ثلاثيا إما في الحال كـ "ـنارٍ ودارٍ وسنٍ"، وإما في الأصل كـ"ـيدٍ"، وإما لأن التصغير رده إلى الثلاثة كـ"ـسماء" وحمراء وحبلى إذا صغرت ترخيما، فإنك تحذف زوائدها وتلحقها تاء التأنيث لمصيرها إلى الثلاثة مع التأنيث المعنوي، فتقول في ذلك كله، دويرة ونويرة وسنينة ويدية

وسمية وحميرة وحبيلة؛ ويندر لحاق التاء فيما كثر على الثلاثي -أي زاد عليه- ومنه قولهم في تصغير [أمام أميمةٌ وفي تصغير] قدام قديديمة. الشرط الثاني: أن يؤمن بلحاق التاء اللبس، فلو أوقع لحاقها في لبس كـ "ـشجرٍ وبقر" إذا صغرتهما على لغة من يؤنثهما فإنك لا تلحقهما التاء خوف إلا لتباس بمصغر المفرد، وكـ "ـخمس وست" وغيرهما من أسماء العدد الذي يفرق مذكره من مؤنثه بالتاء فإنك لو ألحقتها لعدد

المؤنث لالتبس بعدد المذكر، وتركها دون حصول اللبس شاذ -أي خارج عن القياس- إلا أنه ليس في القلة كلحاقها الزائد على الثلاثي ومنه قولهم: دريع وحريب ونعيل. (وصغروا شذوذا الذي التي ... وذامع الفروع منها تاوتي) التصغير كما اختص بالأسماء فهو مختص بالمتمكن منها إذ هو نوع من التصرف فيها، ولذلك أجمع على شذوذ تصغير فعل التعجب في قوله: 508 - (يا أميلح غزلانا شدن لنا ... .... ...)

لأن الكوفيين وإن قالوا باسميته فهو غير قابل للتصغير لعدم تمكنه، وقد شذ -أيضاً- تصغير أسماء غير متمكنة في بابي الموصولات وأسماء الإشارة لأنها أشبهت المتمكن في كونها توصف ويوصف بها، وذكر المصنف أنها تصغير "الذي" و"التي" من الموصولات، و"ذا" من أسماء الإشارة؛ وقوله: "مع الفروع" الظاهر أنه أراد فروع النوعين، وقد سمع في فروع الذي والتي في تثنيتهما وجمع الذي؛ وصوره هو وابنه في: اللائين واللاتي واللائي واللواتي، ولم يسمع في شيء من ذلك؛ وأما "ذا" فلم يسمع في أكثر فروعه إلا أن بعضهم حكي الاتفاق [على أنه لا تصغر "ذي" لئلا يلتبس بالمذكر والأكثرون] على أنه لا تصغر "تي" استغناء عنه بتصغير "تا" ثم تصغير هذه الأسماء مخالف لتصغير غيرها في حكمين: أحدهما: أنه لا يضم أولها يبقى على حركته. الثاني: أنه يزاد في آخرها ألف عوضا عن ضم الأول، فتقول: اللذيا واللتيا، وذيا وتيا، فإن ختمت بعلامة تثنية أو جمع أستغنيت عن إلحاقها فتقول ذيان واللذين -برد الياء فيهما- لما تقرر من أن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، ولحاق ياء التصغير وياء الجمع أو التثنية أو ألفها، وإذا صغرت جمع التي رددتها إلى المفرد وصغرتها كما سبق ثم جمعتها بالألف والتاء فقلت اللتيات كذا قال المصنف وابنه ولم يسمع ذلك عن العرب.

النسب

النسب معنى النسب: أن تضيف شيئاً إلى شيء فيصير منسوبا إليه، ثم قد يكون النسب إلى جنس كإنسي وعربي، وقد يكون إلى قبيلة كقرشي، وإلى أبٍ كهاشمي، وإلى أم كفاطمي، وإلى مكان كبصري وحجازي، وإلى صناعة كحريري، وإلى شيخ كأحمدي، وإلى زي كصوفي، وإلى اعتقاد كقدريٌ، وغير ذلك مما [تصح النسبة إليه]. (ياء كيا الكرسي زادوا للنسب ... وكل ما تليه كسره وجب) الاسم المنسوب إليه يزاد في آخره ياء مشددة كياء الكرسي، ويجب كسر ما قبلها، وتصير الياء حرف إعرابه. (ومثله مما حواه احذف وتا ... تأنيث أو مدته لا تثبتا) (وإن تكن تربع ذا ثانٍ سكن ... فقلبها واواً وحذفها حسن) (لشبهها الملحق والأصلي ما ... لها وللأصلي قلبٌ يعتمى) إذا حوى المنسوب إليه مثل ياء النسب بأن كان في آخره ياء مشددة مكسور ما قبلها إما للنسب [كـ"ـالشافعي"، وإما كـ"ـبختي"] فإنك تحذف الياء التي في آخره استغناء عنها بياء النسب، فتقول في النسب إليهما شافعي

وبختي، فيستوي فيه لفظ المنسوب [ولفظ المنسوب] إليه، إلا أنهما يختلفان تقديراً، وكذلك لا ينصرف بخاتيٌ جمعاً ولا مسمى به لأنه بزنة مفاعيل، وتصرفه إذا نسبت إليه، لزوال الزنة؛ وإنما يكون مثل ياء النسب إذا كانت رابعة فأكثر، أما لو كانت ثالثة كـ"ـنبي" لم تحذف كلها، بل تحذف الأولى فقط، وتقلب الثانية واواً، فتقول نبويٌ، ولذلك قيل في أمية أموي. وتحذف لياء النسب أيضا تاء التأنيث مطلقا، سواء كانت ثالثة أو أكثر، فتقول في النسب إلى مكة مكي وإلى حنظلة حنظلي، ولذلك لحن المتكلمون في قولهم: "الذاتي والعرضي" -بإثبات التاء في الذاتي- وإنما حقه أن يقال

ذووي ومن لحن العامة قولهم "خليفتي"، وتحذف له أيضاً مدة التأنيث مقصورة كانت أو ممدودة، لكنها إنما يجب حذفها إذا زادت على أربعة أحرف كـ"حبارى وعاشوراء"، أو كانت رابعة لكن ثاني ما هي فيه متحرك كـ"ـحبلى وكراثا" فتقول في النسب إلى ذلك حباري وعاشوري وحبلي وكراثي -بحذف ألف التأنيث- فإن وقعت رابعة في كلمة ثانيها ساكن فللعرب فيها لغتان حسنتان: إحداهما: حذفها. والثانية: قلبها واواً. فتقول في النسب إلى حبلى وحمراء [على

الأولى] حبلي وحمري، وعلى الثانية حبلوي، وإن شئت حبلاوي وحمراوي؛ والحذف في المقصورة أحسن من القلب، والممدودة بالعكس؛ وحكم ما أشبه ألف التأنيث من ألف الإلحاق والألف المنقلبة عن أصل، وهي التي عبر عنها المصنف "بالأصلي" في ذلك حكم ألف التأنيث فتحذفان إن زادا على ثلاثة أحرف كحبركى ومصطفى، ولا يوجدان رابعاً في متحرك الوسط، وإن وقعا رابعا في ساكن الوسط كـ"ـعلقى وملهى" ففيهما من الحذف والقلب إلى الواو ما في نحو حبلى إلا أن الأصلية كألف ملهى يعتمى قلبها -أي يختار- بخلاف التي للإلحاق فإن المختار حذفها.

(والألف الجائز أربعاً أزل ... كذاك يا المنقوص خامساً عزل) (والحذف في اليا رابعاً أحق من ... قلب وحتم قلب ثالث يعن) (وأول ذا القلب انفتاحا وفعل ... وفعل عينهما افتح وفعل) ألف المقصور إذا زادت على أربعة أحرف حذفت مطلقا كما سبق في مصطفى ونحوه ومستدعًى ومتقاضًي، فإن كانت رابعاً فقد سبق التفصيل فيها، وأما الثالثة كـ"ـفتى ورحى" فليس فيها إلا القلب، ومثلها في الحكم ياء المنقوص فإنها تحذف إن وقعت خامسة كـ"ـالمهتدي"، وإن وقعت رابعة كـ"ـالقاضي والمعطي" ففيها وجهان: أحدهما: حذفها. والثاني: قلبها واواً. فتقول: على الأول قاضي، وعلى الثاني قاضوي، والمختار الأول؛ وإن وقعت ثالثة كـ"ـالشجي" تعين فيها القلب؛ ثم حيث قلبت الياء أو الألف واواً فلابد من فتح ما قبلها، وحيث حذفتها كسرته من اجل ياء النسب. ثم استطرد من ذلك إلى ما يغير في النسب فيعطى غير حركته وهو ما كانت عينه مكسورة من مفتوح الفاء كـ"ـنمر" أو مكسورها كـ"ـإبل" أو مضمومها

كـ"ـدئل"، فإنك إذا نسبت إليها فتحت أعينها فقلت: نمري وإبلي ودؤلي لأن ما قبل ياء النسب قد كسر من أجلها والياء شبيهة بالكسرة فكرهوا توالى الأمثال فخففوه بفتح العين. (وقيل في المرمي مرموي ... واختير في استعمالهم مرمي) هذه المسألة مستثناة مما سبق من وجوب حذف ما في آخر المنسوب إليه من ياء شبيهة بياء النسب، وهو ما إذا كانت إحدى الياءين المشددتين منقلبة فيه عن أصل كـ"ـمرمي" فإن أصله مرموي ثم قلبت الضمة كسرة فانقلبت لذلك الواو ياء وأدغمت في ممثلتها، فالمختار فيه تشبيهها بياء كرسي في حذفها للنسب فيقال فيه: مرمى كالمنسوب إليه؛ وبعض العرب يقتصر على حذف الياء الأولى ويبقى الثانية لأصالتها، إلا أنه يقبلها واواً كما يقلب واو معطي من نسب إليه دون حذفها فيقول مرموي. (ونحو حي فتح ثانية يجب ... واردده واواً إن يكن عنه قلب) إذا كان آخر المنسوب إليه ياء مشددة إلا أنها بعد حرف واحدٍ كما في حي وطي فإنك لا تحذف واحدة منهما بل تقلب الثانية واواً مطلقاً، وأما الأولى فإنك تحركها بالفتح وتردها إلى أصلها فإن كان أصلها واواً رددتها إليها فتقول في طي طووي، وإن كان أصلها ياء رددتها إليها فتقول في حي حيوي. (وعلم التثنية احذف للنسب ... ومثل ذافي جمع تصحيح وجب) مما يحذف للنسب -أيضاً- علامة التثنية وعلامة جمع التصحيح لمذكر،

فتقول في النسب إلى زيدان وزيدين: زيدي كما ينسب إلى المفرد، وأما جمع التصحيح المؤنث فظاهر كلام المصنف أن حكمه حكم تصحيح المذكر، وفيه تفصيل: وهو أن التاء تحذف منه -مطلقا-، وأما الألف فإن كان قبلها أربعة أحرف حذفت -أيضا- كمسلمات، وسرادقات وإن كان قبلها ثلاثة أحرف وثانيها ساكن كـ"ـصخرات" فلك فيها ما في ألف حبلى من الحذف والقلب واواً، هذا كله ما دام التثنية والجمع باقية على حالها أما إن نقلت إلى العلمية فكذلك عند من تركها على إعرابها في الجمعية والتثنية، وأما على لغة من يجري المثنى في الإعراب بالحركات مجرى سلمان وجمع المذكر السالم مجرى "غسلين" ويعرب جمع المؤنث السالم غير منصرف فإنه ينسب إلى الأولين على لفظهما فيقول في النسب إلى رجل اسمه زيدان زيداني، وفي النسب إلى رجل اسمه زيدين زيديني؛ وأما الثالث فإن تاءه تحذف مطلقا لأنها تاء تأنيث، ويبقى ألفه بمنزلة ألف المقصور على ما سبق لها من الأحكام. (وثالث من نحو طيب حذف ... وشذ طائي مقولاً بالألف)

إذا كان قبل آخر المنسوب إليه ياء مكسورة مدغم فيها مثلها كما في نحو: "طيب وهين وميت" حذفت الياء المكسورة وهي الحرف الثالث من هذه الأمثلة وأبقيت ساكنة فقلت: طيبي وهيني وميتي -تخفيفاً- لكراهة توالى الكسرات، وكان مقتضى هذه القاعدة أن يقال في النسب إلى طيئ: طيئي إلا أنهم قلبوا الياء الأولى ألفا فقالوا: "طائي" -على غير قياس- أما لو كانت الياء المشددة مفتوحة كـ"ـهبيخ" أو مفصولة من الآخر كـ"مهييمٍ" تصغير "مهيام" لم تحذف. (وفعلي في فعلية التزم ... وفعلى في فعلية حتم) إذا نسبت إلى "فعلية" كبجيلة وحنيقة أو إلى "فعلية" كجهينة ومزينة

فإنك تحذف تاء التأنيث منها، ثم تحذف الياء، ثم إن كان ما قبلها مفتوحاً كجهينة تركته على حاله فقلت: جهني، وإن كان مكسوراً كحنيفة فتحته فقلت: حنفي، وشذ عن ذلك قولهم: "سليقي" منسوب إلى السليقة، و"رديني" منسوب إلى ردينة، وفعولة في هذا الباب ملحق بفعيلة فتقول في النسب إلى شنوءة: شنئي. (وألحقوا معل لام عريا ... من المثالين بما التا أوليا) إذا كان مثال فَعيل أو فُعيل غير مختتم بتاء التأنيث فإن كان صحيح اللام كـ "ـتميم وسلول ونعيم" فقياس النسب إليه أن يختم بياء النسب من غير حذف شيء منه فيقال: تميمي وسلولي ونعيمي، ولهذا كان ثقفي وقرشي معدوداً من شاذ النسب؛ وأما إن كانا معتلى اللام كـ"ـعلي وقصي" وهي مسألة الكتاب فإنهما يلحقان في حذف الياء منهما وفتح ما قبل ياء النسب بما ختم بالتاء فتقول في النسب إليهما: علوي وقصي، فتحذف الياء الأولى وتفتح ما قبل اللام فتنقلب ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم تقلب الألف واواً لكونها ثالثة. (وتمموا ما كان كالطويلة ... وهكذا ما كان كالجليلة)

إذا كانت العين من فَعيلة أو فُعيلة معتلة كـ"ـطويلة ورويثة" أو مضعفة بكون اللام مماثلة لها كـ"ـجليلة وهريرة" فإنك تتمها في النسب بترك حذف ياءيهما لما يلزم في الأول من كثرة التغيير، فإنك إذا حذفت الياء من طويلة -مثلاً- لزم قلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فيكثر التغيير؛ وفي الثاني من التقاء المثلين بزوال الياء الفاصلة بينهما. (وهمز ذي مد ينال في النسب ... ما كان في تثنية له انتسب) إذا كان آخر المنسوب إليه همزة ممدودة فحكمها في سلامتها وقلبها واواً، وجواز الوجهين ما سبق من حكمها في التثنية فتصححها إن كانت أصلا كـ"ـقرائي"، وتقلبها واواً إن كانت للتأنيث كـ"ـصحراوي"، ويجوز فيها الوجهان إن كانت للإلحاق كـ"ـعلباوي" أو بدلاً من أصل كـ"ـكسائي". (وأنسب لصدر جملةٍ وصدر ما ... ركب مزجاً ولثان تمما) (إضافة مبدوءة بابن أو أب ... أو ماله التعريف بالثاني وجب) (فيما سوى هذا انسبن للأول ... ما لم يخف لبس كـ "عبد الأشهل") هذا حكم النسب إلى المركب وهو ثلاثة أقسام: مركب تريب إسناد وهو المعبر عنه بالجملة. وتركيب مزجٍ.

وتركيب إضافة. فأما الأولان: فينسب إلى صدريهما، فتقول في تأبط شراً، وبرق نحره: تأبطي، وبرقي، وفي حضرموت وبعلبك: حضري وبعلي؛ وفي معد يكرب وجهان -كما في القاضي- فتقول: معدي ومعدوي لأن ياءه رابعة. وأما الثالث: وهو المركب تركيب إضافة، فإن كان مبدوءاً بابن كـ"ـابن عمر"، أو باب كـ"أبي بكر"، أو كان الأول فيه معرفا بالثاني كـ"ـغلام زيد"، وليس هذا التقسيم مستقيما، لأن المبدوء بابن مما يعرف فيه الأول بالثاني فلا يصح جعله قسيما له، ولو كان قال: إضافة مبدوءة بأم أو أب لكان قد شمل نوعي الكنية وانفصل عن الإيراد الوارد عليه في التقسيم؛ والقصد أنك تنسب في ذلك كله إلى الثاني فتقول عمري وبكري وكلثومي

-في المنسوب إلى أن كلثوم- وزيدي، وفي ما سوى هذا من أنواع المضاف ينسب إلى الأول إن لم يخف لبس فتقول في امرئ القيس: امرئي، فإن خيف لبس لحصول الاشتراك في الأول كـ "ـعبد الأشهل وعبد الدار" نسبت إلى الثاني فقلت أشهلي وداري، وبعض العرب بيني من جزئي المضاف والمركب تركيب مزجٍ كلمةً على "فعلل" ثم ينسب إليها فيقول في النسب إلى عبد شمس وعبد الدار وتيم اللات وبعلبك وحضرموت: عبشمي وعبدري وبعلكي وتيملي وحضرمي. (واجبر -برد اللام- ما منه حذف ... جوازاً أن لم يك رده ألف) (في جمعي التصحيح أو في التثنيه ... وحق مجبورٍ بهذي توفيه)

ما نقص بحذف اللام منه إذا نسبت إليه رددت إليه اللام المحذوفة جوازاً لا وجوباً إن لم يعهد رد اللام في جمعي التصحيح لمذكر أو مؤنث أو في التثنية، فتقول في النسبة إلى "يد وابن يدوي وبنوي" -برد اللام جوازاً- وإن شئت: "يدي وابني" لأنه لم يعهد رد اللام فيهما في تثنية ولا جمع تصحيح إلا في "يدٍ" شذوذاً، كما سبق، وإن كان قد جبر برد لامه في هذه المواضع الثلاثة -أعني- التثنية وجمعي التصحيح فحقه التوفية في النسب بأن ترد لامه وجوباً فتقول في النسب إلى "أبٍ": أبوي، لأن المعهود رد لامه في التثنية، لأنهم قالوا أبوان، وتقول في النسبة إلى "سنةٍ": سنوي، وإن شئت سنهي، لأنهم ردوا اللام في الجمع بالألف والتاء كذلك، فقالوا: سنوات -على المشهور- وبعضهم يقول: سنهات؛ وتقول في النسبة إلى "ذو": ذووي، لأنهم ردوها في جمع التصحيح فقالوا: ذوو أحساب، ويجب رد اللام -أيضاً- إذا كانت اللام معتلة، وإن لم ترد فيما ذكر فتقول في النسبة

إلى شاة شاهي -عند سيبوية وشو هي- عند الأخفش. (وباخ أختاً وبابن بنتاً ... ألحق، ويونس أبي حذف التا) أي: أخت وبنت يلحقان في رد لامهما في النسب بأخ وابن فتقول في النسب إليهما: أخوي وبنوي -برد اللام وإسقاط التاء التي هي عوض منها- ويونس لا يجيز حذف التاء منهما بل يقول: بنتي وأختي. (وضاعف الثاني من ثنائي ... ثانية ذو لين كـ"ـلا" أو واو

كـ"ـلو" أو ياء كـ"ـكي" فإنك تضعفه بتشديده إن كان واواً أو ياء أو بمده إن كان ألفا فتقول في رجل سميته بـ"ـلو" جاء لو، وفي رجل سميته بـ"ـكي" رأيت كيا، وفي رجل سميته بـ"ـلا" مررت بلاءٍ فإذا نسبت إليه أبقيته على حاله إن كان واواً [فتقول لوي، وقلبت ثانية واواً إن كان ياء] فتقول كيوي كما تقول حيوي، ولك في الآخر وجهان كما في "كساء" لاشتراكهما في كون الهمزة بدلا من أصل، فتقول: لائي ولاوي. (وإن يكن كشيةٍ ما الفا عدم ... فجبرة وفتح عينه التزم) إذا نسبت إلى ما حذفت فاؤه وعوض منها تاء التأنيث فإن كان كـ"ـعدةٍ وصفة" في كونه صحيح اللام لم ترد إليه المحذوف بل تحذف تاء

التأنيث وتفتح العين كراهية لتوالى الكسرات، فتقول عدي وصفي، فإن كان معتل اللام كـ"ـشيةٍ" لزم جبره برد الفاء وفتح عينه -أيضاً- فتقول وشوي، هذا مذهب سيبويه، والأخفش يوافقه على رد الفاء إلا أنه يخالفه في فتح العين، بل يسكنها فيقول: وشببي. (والواحد اذكر ناسبا للجمع ... إن لم يشابه واحداً بالوضع) إذا نسبت إلى لفظة [دالة على الجمع اكتفيت بواحدة إن لم يشبه لفظه] لفظ الواحد، سواء كان جمع تصحيح -كما تقدم- أو جمع تكسير كفرائض، وقبائل، وحمر، فتقول فرضي، وقبلي، وأحمري -إن قدرته جمع مذكر- وإن قدرته جمع مؤنث قلت: حمراوي؛ وأما أنماري وكلابي، فليس من النسب إلى جمع بل من النسب إلى الواحد، لأن أنماراً وكلاباً المنسوب إليهما علمان؛ أما إن كان لفظ الجمع شبيها بلفظ الواحد، بأن يكون اسم جمع كـ"ـرهط"، أو اسم جنس كـ"ـشجر"، أو لا واحد له كـ"ـأبابيل"،

أو جاريا مجرى العلم كـ"ـأنصار"، فإنك تنسب إليه على حاله، فتقول: رهطي وشجري وأبابيلي وأنصاري. (ومع فاعل وفعال فعل ... في نسب أغنى عن اليا فقبل) يستغنى في النسب عن لحاق الياء المشددة برد المنسوب إليه إلى صيغة "فعل مع صيغة فاعل وفعال" فمن الأول قولهم في النسب إلى الطعام "طعم" وفي النسبة إلى اللبن "لبن"، وفي النسب إلى النهار "نهر" كقوله: 509 - (لست بليلي ولكني نهر ... ... ... ... ... ...) ومن الثاني قولهم: تامر، ولابن، وطاعم، وكاسٍ. ومن الثالث -وهو غالب في الحرف- قولهم: نجار، وعطار، وعواج- للذي يبيع العاج- ويقل في غير الحرف كقوله: 510 - (وليس بذي سيف وليس بنبال)

أي: بذي نبلٍ، وجعل بعضهم منه {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] (وغير ما أسلفته مقررا ... على الذي ينقل منه اقتصرا) ما جاء من النسب على غير ما سلف تقريره في هذا الباب فهو من شاذ النسب، يقتصر فيه على المنقول ولا يقاس عليه، وينقسم الشاذ إلى أقسام: الأول: ما تغير فيه الحركة، كقولهم في النسب إلى الدهر: دهري -بضم أوله- وفي النسب إلى البصرة: بصري -بالكسر- وفي النسبة إلى أمية: أموي. الثاني: ما يزاد في حروفه، كقولهم في النسب إلى مرو: مروزي. وفي النسب إلى الري: رازي الثالث: ما نقص من حروفه كقولهم في النسب إلى "حروراء" حروري الرابع: ما أبدل فيه حرف بغيره كقولهم في النسب إلى صنعاء: صنعاني. الخامس: أن ينقل الحرف عن محله كقولهم في النسب إلى البادية: بدوي إلى غير ذلك مما تقدم في شاذ النسب.

الوقف

الوقف (تنوينا أثر فتحٍ اجعل ألفا ... وقفا وتلو غير فتحٍ احذفا) للموقوف عليه أحوال: أحدها: أن يكون منونا، فإن كان تنويه يلى فتحة فالأحسن فيه أن يبدل تنويه ألفا، نحو: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفتح: 14] ولذلك رسم بالألف وبعض العرب يقف عليه بحذف التنوين، كما تقف على المرفوع، فعلى هذه اللغة يرسم بغير ألف؛ وقوله: "إثر فتح" أعم من أن يكون الفتح إعرابا

-كما مثل- أو بناء كما في نحو: "إيها" و"ويها" وإن كان التنوين يلي غير الفتح من كسر أو ضم حذفته ووقفت عليه بالسكون -في أرجح اللغات- نحو: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات: 16]. (واحذف لوقف في سوى اضطرار ... صلة غير الفتح في الإضمار) إذا وقفت على ما في آخره هاء الضمير، حذفت صلتها، وهو حرف اللين الذي يليها إن كان صلة لغير المفتوحة، من مكسورة نحو: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13] أو مضمومة نحو: {وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت: 17] وقد ثبتت صلتهما في الضرورة، فمن الأول: 511 - (تجاوزت هنداً رغبةً عن قتاله ... ... ... ...)

ومن الثاني: 512 - (ومهمةٍ مغبرةٍ أرجاؤه ... ... ... ...) أما صلة المفتوحة وهو الألف فلا تحذف، نحو: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: 33] فصارت صلة هاء الضمير في الوقف [عليها كالنون]. (وأشبهت إذا منوناً نصب ... فألفاً في الوقف نونها قلب) مذهب الأكثرين أنه يوقف على "إذن" بقلب نونها ألفا تشبيها لها بالمنون المنصوب، وزعم بعضهم أن الوقف عليها بالنون لموافقة الرسم،

واختاره ابن عصفور. (وحذف يا المنقوص ذي التنوين ما ... لم ينصب أولى من ثبوت فاعلما) (وغير ذي التنوين بالعكس وفي ... نحو "مر" لزوم رد اليا اقتفى) المنقوص ينقسم ثلاثة أقسام: أحدها: ما يجوز حذف يائه وإثباتها في الوقف إلا أن الحذف أرجح. الثاني: عكسه. الثالث: ما يتعين إثبات يائه. فالأول: ما سلم من حذفٍ من منون غير منصوب، سواء كان مرفوعاً، نحو: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7] أو مجروراً نحو: {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11] والأكثرون يقفون عليهما بالسكون، وابن كثير وقف عليهما بإثبات الياء.

والثاني: ما كان مرفوعاً أو مجروراً مما هو غير منون، نحو: {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ} [الشورى: 32] {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} [القمر: 8] الأرجح الوقوف عليهما بالياء، وعليه اتفق السبعة. وأما الثالث: فشيئان، أحدهما: المنصوب سواء كان منوناً نحو: {سَمِعْنَا مُنَادِيًا} [آل عمران: 193] أو غير منوّن، نحو: {بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} [القيامة: 26]. وثانيهما: "مُرٍ" ونحوه، مما حذفت منه العين، فإن أصله: "مُرئي" -اسم فاعل من أَرأَى- حذفت عينه وهي الهمزة تخفيفا بعد نقل حركتها إلى الراء، ثم حذفت الياء من أجل التنوين، فإذا وقفت عليه حذفت التنوين وأعدت الياء المحذوفة وجوباً، لأن حذفها إجحاف به بكثرة الحذف ومثله في ذلك ما حذفت منه الفاء من نحو: يَعِي -مضارع وَعَى- مسمى به لما ذكرنا. (وغيرَ "ها التأنيثِ" من مُحرّكِ ... سَكنه أو قِف رائم التحرك) (أو أشمِمِ الضمةَ أو قِف مُضعِفَا ... ما ليس همزا أو عليلا إن قَفَا) إذا وقف على متحرك غير "ها" التأنيث ففي الوقف عليه خمسة أوجهٍ: أجودها: إسكانه وهو الأصل، وقد أجمع عليه.

الثاني: أن يوقف عليه بِـ"رَوْمِ" الحركة، وهو إخفاء الصوت بها؛ والنحاة على جوازه في الحركات الثلاث؛ والقراء يمنعونه في الفتحة، وهو اختيار الفراء. الثالث: أن يوقف عليه بالإشمام إن كان مضموناً، ومعنى الإشمام الإشارة بالشفتين إلى الضم من غير صوت، فلا يدركه الأعمى بخلاف الرَّوْم. الرابع: أن يوقف عليه بالتضعيف وهو تشديد الحرف الأخير، نحو هذا محمد يأكل؛ وذكر للتضعيف ثلاثة شروط: أحدها: أن يكون الحرف الأخير غير همزة. الثاني: أن لا يكون معتلا. الثالث: أن يقفو -أي يتبع- حرفاً محركاً، فلو كان مهموزاً كـ"إناء"، أو معتلا بالياء كـ"ـالقاضي"، أو معتلا بالواو كـ"ـيدعو"، أو بالألف

كـ"ـموسى"، أو تاليا الحرف ساكن إما معتل كـ"ـزيط" أو غير معتل كـ"ـعمرو" امتنع التضعيف. الخامس من وجوه الوقف: نقل حركة آخر الموقوف عليه إلى ما قبله، وله أربعة شروط: أحدها: أن يكون ما قبل الآخر ساكنا. الثاني: أن لا يُحظَلَ -أي يمنع- ومنه قوله: (513 - أنا ابنُ ماوِيَّةَ إذا وجد النَّقُر ... ... ... ...) أصله: النَّقْرُ؛ وقراءة بعضهم: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3] فلو كان الحرف الذي يليه الآخر متحركاً نحو: جعفر امتنع النقل إليه لاشتغاله بحركته، وكذا لو تعذر تحريكه لكونه ألفاً نحو: الكتاب، أو مدغماً نحو: الوُدّ،

أو استثقل لكونه واوا، أو ياء يليان حركة مجانسة نحو: يقول ويبيع. (محركا وحركاتٍ انقُلا ... لساكنٍ تحريكه لن يحظلا) (ونقْلُ فتحٍ من سوى المهموز لا ... يراه بَصْري وكُوفٍ نقلا) هذان الشرطان الآخران من شروط الوقف بنقل الحركة. أحدهما مختلف فيه وهو: أن تكون حركة الموقوف عليه فتحة وهو غير مهموز، كما في نحو: "اشتريت العبدً" فإن البصريين يمنعون النقل فيه، والكوفيون يجيزونه. الثاني: أن يؤدى النقل إلى عدم النظير، كما في نحو: "هذا عِلْمُ" فإنك لو نقلت ضمة الميم إلى اللام أدى إلى بناء "فِعُل" - وهو مهمل في الكلام - وكذا يمتنع النقل في نحو: نظرت إلى فُعِل - على قول من لم يثبت في أوزان الاسم فُعِل - بضم الفاء وكسر العين - وهذان الشرطان يختصان بغير المهموز، وأما المهموز فلا يمتنع النقل فيه مع كون الحركة فتحة اتفاقا، ولا مع الخروج إلى عدم النظير، فيجوز النقل في نحو: {يُخْرِجُ الْخَبْءَ} [النمل:24] وفي نحو: "رِدَهُ" وإلى ذلك أشار بعجز البيت الثاني.

(والنقلُ إن يعدمْ نظيرٌ ممتنع ... وذاك في المهموز ليس يمتنع) (في الوقف تاتأنيثِ الاسمِ ها جُعِلْ ... إن لم يكن بساكن صَح وُصِل) (وقَل ذا في جمع تصحيح وما ... ضاهي وغيرُ ذين بالعكس انتمى) تاء التأنيث إن كانت ساكنة كالتي في الفعل فالوقف عليها على حالها، وإن كانت متحركة كالتي في الاسم فالوقت عليها بحذف الحركة لا يجوز فيه شيء من وجوه الوقف على المحرك غيرُ هذا. ثم مسألة الكتاب إن تاء التأنيث يوقف عليها بإبدالها هاء بثلاثة شروط: أحدها: أن تكون في الاسم، فلو كانت في الفعل نحو: قامت، أو في الحرف نحو: رُبَّتَ لم يوقف عليها إلاّ بالتاء. الثاني: أن لا يكون الحرف الذي قبلها صحيحاً ساكناً، فلو كان كذلك كبِنْتٍ وأُخْتٍ لم يتعين إبدالها، بل يجوز فيها الوجهان، بخلاف مُسلمة وفتاة، فإن الأولى قبلها متحرك، والثانية قبلها ساكن إلا أنه معتل. الثالث: أن لا يكون ما اتصلت به جمع تصحيح كـ"ـمسلمات" أو مضاهيا له في اللفظ كـ"ـهيهات"، فإن كان كذلك فالأكثر الوقف عليه بالتاء، ويقل الوقف عليه بالهاء، ومنه ما حكي عن بعضهم "دَفْن البناه من

المكْرماه" وهي في شبيه الجمع أشهر منها في الجمع، وبه قرأ الكسائي {هَيْهَا} [المؤمنون: 35] وغير هذين، أي: غير جمع التصحيح وما ضاهاه بالعكس، فالوقف عليه بالإبدال هاء أشهر من إبقائها على حالها؛ ومن الإبقاء قراءة نافع وابن عامر: {أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [الدخان: 43] {اِمْرَأَةَ نُوحٍ} [التحريم: 10] ومنه قوله: (514 - كادت نقوس القوم عند الغَلْصَمَتْ ... وكادت الحُرَّةُ تُدعى أَمَتْ) (وقف بها السكت على الفعل المعل ... بحذف آخرٍ كأعط من سأل) (وليس حتما في سوى ما كـ"ـعٍ" أو ... كـ"ـيعِ مجزوماً فراعِ مارعوا) من خصائص الوقف أن يزاد في الموقوف عليه هاء ساكنة تسمى

"هاء السكت" وتلحق في ثلاثة مواضع أولها هذا، وهو الفعل المعتل إذا حذف آخره سواء كان حذف يجزم نحو: لم يَغْزُهْ، ولم يَرْمِه، ولم يَخْشَهْ، وليس منه قوله: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة: 259] لأن الهاء لام الكلمة، من قولهم: "تَسَنةَ الشيءُ" إذا تغير لمرّ السنين عليه، أو لأجل البناء نحو اغْزُهْ، وارْمِه، واخْشَه، قال تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] وليس زيادة هذه الهاء حتما -أي

واجباً- إلا في مسألة واحد وهي: كل فعل لم يبق منه إِلا حرف واحد، إما مجرد كالأمر من وَعَى ووَقى فإنك تقول فيهما: "عِ" الكلام، و"قِ" عرضك، فإذا وقفت عليه قلت: عِه، وقِه، وإما مزيد عليه حرف المضارعة [كما إذا جزم مضارع الفعلين المذكورين فإنك تقول: لم يَعِهْ ولم يَقِهْ] وهذا وهم عجيب من المصنف رحمه الله تعالى، فإنك لا يعرف أحد من القراء وقف على قوله تعالى: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ} [غافر: 9] {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم: 20] بزيادة الهاء. (و"ما" في الاستفهام إن جُرَّت حُذِف ... أَلِفُها وأَوْلِها الها إن تَقِفْ) (وليس حتما في سوى ما انخفضا ... باسم كقولك اقتضاءَ مَ اقتضى) هذا الموضع الثاني من المواضع التي تزاد فيها هاء السكت وقفاً وهو "ما" الاستفهامية - إذا حذفت ألفها لدخول الجار عليها - فرقا بينها وبين الخبرية فإنها يوقف عليها بالهاء حفظا لحركة الميم الدالة على الألف، ثم زيادة الهاء عليها ينقسم إلى جائز ولازم وهو الذي أراد بقوله "حتما" فالجائز فيما كان الجار حرفا نحو: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] فتقول في الوقف

عليه "عَمَّه؟ " وكذلك قالت العرب: كَيْمَهْ؟. واللازم في ما إذا كان الخافض اسما مضافا إلى "ما" كقولك" اقتضاءَ مَ اقتضى؟، فإنك إذا وقفت على "ما" وجب أن تقول: اقتضاءَ مَهْ؟ (وَوَصْلُها بغيرِ تحريكِ بِنَا ... أُدِريمَ شَذَّ في المُدام استُحْسِنا) هذا الموضع مما يتصل فيه هاء السكت بآخر الموقوف عليه محركا [وهو ما إذا كان الموقوف عليه] محركا بحرة بناء، ثم هو منقسم إلى شاذ: وهو ما لم تكن حركة بنائه لازمة نحو: "يا رجل" و"يا زيد" و"صعدتُ إلى فوق" فلا تتصل الهاء بذلك بكون البناء عارضاً لا لزما، وقوله: (515 - ... ... ... ... أُرْمَضُ من تحتُ وأُضْحَى مِن عَلُهْ)

شاذ وإلى مستحسن، وهو ما كانت الحركة فيه لبناء لازم كياء المتكلم، والياء من "هي" والواو من "هو" ومنه: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [القارعة: 10] {اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:1920] {مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 20]. ويستثنى من ذلك إذا كان المبني شبيها بالمعرب كـ"ـضَرَبَ" فإنه شبيه بالمضارع؛ أما تحريك الإعراب وسكونه كـ"ـجاء زيد" و"لأم يضرب" وسكون البناء كـ"ـاضرِب" فلا يتصل بهما هاء السكت. (وربما أُعطِي لفظُ الوصلِ ما ... للوقفِ نَثْراً، وفشا مُنْتَظِما) ويكثر في الشعر إعطاء الوصل حكمَ الوقف، ومنه: (516 - ... مِثلَ الحريقِ وافَقَ القَصَبَّا ...) فشدد الباء على لغة من يضعف الحرف الأخير في الوقف، ثم زاد حرف الإطلاق، وأبقى التضعيف على حاله، وقد يفعل ذلك في النثر، وبه قرأ جمهور القراء: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ}

الإمالة

الإِمَاَلَة وهي عبارة عن تليين الألف حتى تقرب من الياء، وتليين الفتحة التي قبلها حتى تقرب من الكسرة، كذا قال المصنف وفيه نظر، فإن الممال إنما هو الفتحة وحدها ولزم عن ذلك تليين الألف، ألا ترى أن إمالة الفتحة قد توجد دون الياء كما يأتي: (الألفَ المبدلَ من يا في طَرَفْ ... أَمِلْ كذا الواقع منه اليا خلف) (دون مزيدٍ أو شذوذِ ولما ... تليه ها التأنيث ما الها عَدِما) تقع الإمالة في ستة مواضع: أحدها: الألف المبدلة من ياء في طرف الكلمة، سواء كانت اسما نحو: هُدَّى، أو فعلا كـ"ـرَمَى واشترى". الثاني: الألف التي تخلفها الياء في بعض التصاريف، وإن لم تكن أصلاُ كالمقصور المجاوز ثلاثة أحرف، نحو: حُبْلى وعُزَّى وغَزَّى فإن ألفه ترد في

التثنية والجمع ياءً كما سبق، وكالذي يرجع إليها في حال بنائه للمفعول كـ"ـغُزِس ودُعِيَ" فإنك تقول فيهما غُزِيَ القومُ ودُعِيَ الله وحده. ويشترط لإمالة هذا شرطان: أحدهما: أن يكون رجوع ألفه إلى الياء دون ممازجة حرف مزيد لها. الثاني: أن يكون الرجوع إلى الياء دون شذوذ، فلا يمال نحو: عَصاً وقَفى وإن رجعا إلى الباء عند التصغير فقيل: عُصَيَّة وقُفَيَّ، أو عند التكسير على فُعُول كـ"ـعُصِس وقُفِي" [أو عند الإضافة إلى ياء المتكلم على لغة هذيل في قولهم "عَصَىَّ وقَفَىَّ" لأن الأولين] بسبب ممازجة ياء التصغير، وواو فُعُول المزيدتين.

والثالث: شاذ إذ أكثر العرب على خلافه كما سبق. فإن اتصل بالاسم المستحق الإمالة لأحد هذين الوصفين هاء التأنيث قُدرت بمنزلة المنفصل، فلم يمنع من الإمالة [فتجوز الإمالة] في نحو: فتاة لأن أصل ألفه الياء، وفي نحو: مرماة لأن ألفه ترد إلى الياء إذا قدر انفصالها من تاء التأنيث. (وهكذا بدلُ عينِ الفعلِ إن ... يَؤُل إلى "فِلْتُ" كماضي خَف ودِن) هذا الموضع الثالث مما تَسوغ فيه الإمالة، وهي الألف المبدلة من عين الفعل، بشرط أن يؤول عند الإسناد إلى تاء المتكلم إلى زنة "فِلْتُ" سواء كانت مبدلة من واو نحو: خاف، أو من ياء نحو: باعَ ودَانَ، فإنك تقول فيهما خِفتُ ودِنْتُ وبِعْتُ، بخلاف "قال وكان" ونحوه فإنه إنما يؤول عند الإسناد إلى التاء إلى زِنة: "فُلْتُ" -بضم الفاء" - وفي "مات" وجهان لقولهم في إسناده إلى التاء "مِت ومُت" وضابط ما يؤول إلى: "فِلت" أن تكون عينه ياء مطلقاً كـ"ـعاب وغاب وسار" وما زاد واواً مكسورة كـ"ـكاد وخاف" فإن أصلهما كَوِدَ وخَوِف، نقلت الكسرة عن الواو إلى ما قبلها لثقلها عليها، ثم حذفت الواو لسكونها مع ملاقاة الساكن بعدها. وقيل إن سبب الإمالة في "خاف" وقوع الألف بعد الكسرة المقدرة؛

وسببه في "دَانَ" كون الألف ياء في التقدير فهي أجدر بالإمالة من الواقعة بعد الياء. (كذاك تالى الياء والفصلُ اغْتُفِرْ ... بحرفِ اومَعَ ها كجيبها أَدِرْ) هذا الموضع الرابع من مواضع الإمالة، وهو أن تقع الألف تاليةً للياء، إما متصلة بها كـ"ـعيال" أو منفصلة منها بحرف كـ"ـشيطان" و"يدال" أو بحرفين أحدهما الهاء كـ"ـجيبها وبينها" ونحوهما. (كذاك ما يليه كَسْر أو يلى ... تاليَ كسرٍ أو سكونٍ قد وَلى) (كسراً وفَصْلُ الها كلا فَصْل يُعَد ... فدِرهَماك مَنْ يُمِلهُ لم يُصَد) هذان الخامس والسادس من مواضع الإمالة. فالخامس: أن يلي الألفَ كسرة كـ "ـعالِمٍ وشاربٍ وقاعِدة". والسادس: أن يليَ كسرة قد فُصِل بينها وبينه إما بحرف واحد نحو: "شِمال وكِتاب"، أو بحرفين الأول منهما ساكن نحو: شِمْراخ ونحو: يزيدان، وفصل الهاء في الصورتين لا يعد فصلا، فنحو: "يضربها" مفصول من الكسرة بحرف واحد، ونحو:

"درهماك" مفصول بحرفين أولهما ساكن، فتجوز الإمالة فيهما، ولا يعتد بالهاء كما لم يعتد بفصلها مع الحرف في الرابع؛ وللإمالة محلَّ سابع لم يذكره المصنف هنا، وهو وقوع الألف قيل الياء نحو: بايعته وسايرته. (وحرفُ الاستعلا يَكُفُّ مُظْهَرا ... مِن كسرٍ أو يا وكذا تكف را) (إن كان ما يكفُّ بَعْدُ مُتَّصِلْ ... أو بعد حرفٍ أو بحرفين فُصِل) يمنع من الإمالة مع وجود المقتضى لها شيئان: أحدهما: حروف [الاستعلاء وهي سبعة]: الخاء المعجمة والصاد والقاف وما بينهما إلا العين المهملة، ويكف حرف الاستعلاء ما كان مقتضيا لإمالة من كسرةٍ أو ياءٍ ظاهر سواء وجد قبل الحرف الممال كخاطِبٍ وصاحِبٍ وضامِنٍ وظاهِرٍ وغالِبٍ وقاسِمٍ أو بعده كحاطبٍ وحاضِنٍ وباغت وناظر، أو اجتمع الأمران كخاطِبٍ، هذه مُثُل كف الكسرة، ومُثُل كُف الياء: غُبار وخيال ونِيَاق وبَياض؛ وقيد الكسرة والياء بكونهما مظهرتين ليحترز من الإمالة للكسرة المقدرة والياء في نحو: "خافَ ودَانَ" فإن ذلك لا

يمنع الإمالة لوجود المستعلي، بل تجوز الإمالة في نحو: "طاب وخاف وزاغ" فإن السبب المقدر هنا لكونه موجوداً في نفس الألف الممالة أقوى من الظاهر لأنه إما متقدم عليها وإما متأخر عنها. الثاني من موانع الإمالة: الراء، وحكمها في كف الإمالة حكم حروف الاستعلاء فلا تمال نحو: فِراش، ولا نحو: راشد وفارس، ولا نحو: ديار وسراييل، ولا تمتنع الإمالة في نحو: رَانَ ومَادَ لأن الياء المقتضية للإمالة مقدرة لا ظاهرة وقد يجتمع المانعان الطّراف. أما غير الكسرة والياء من مقتضيات الإمالة كالسببين الأولين فلا يكفه شيء من ذلك، فلك أن تميل في نحو: طَوَى وغَوَى [لأن الإمالة وقوع الياء المبدلة في طرف الكلمة، وفي نحو غزا] لأن سبب الإمالة إنما هو كون الألف يقلب ياء في بعض التصاريف وهو ما إذا بني للمفعول كما سبق، ثم شرط ما يكف الإمالة مع التقدم إن كان راءً أن يتصل به الألف بلا خلاف، فلا تمتنع الإمالة في نحو: رشاد، وأما حرف الاستعلاء فلا يشترط فيه الاتصال، كما يأتي؛ وإن كان متأخرا فلا فرق بين أن يتصل كدِثار ورِباط أو ينفصل بحرف كساحِر وشاهِق أو بحرفين ودنانير. كذا ذكر المصنف، وفيه نظر، فإن هذا مستقيم في حرف الاستعلاء، إلا أن بعض العرب يميل نحو: مواثيق لبعد حرف الاستعلاء عن الألف.

وأما الراء فالجمهور على أنها إنما تكف مع الاتصال، ولا أعلم أن أحدا وافقه على أن المفصولة بحرفين كـ"تكف، والأكثرون على أن المفصولة بحرف كـ"ـكافرٍ" لا تكف. (كذا إذا قدم ما لم ينكسِر ... ويسكنِ اثْرَ الكسر كالمِطواع مِر) أي: هكذا يكف ما قدم من راءٍ أو حرف استعلاء، كما تقدم، لكن شرط كفه مع التقدم أن لا يكون مكسوراً، ولا يتصور ذلك في الراء لما تقدم من أن شرط الكف بها مع التقدم أن تكون متصلة ولا يتصور كسرها، وبعدها ألف؛ نعم يتصور في حرف الاستعلاء نحو: خِلاف، وصِيام، وخِيام، فإن ذلك لا يمنع الإمالة لكونه مكسوراً مع التقدم، وكذا لو كان حرف الاستعلاء ساكنا بعد كسر كـ "ـالمِطْواع والمِصْباح والمِقلات" وهي: المرأة التي لا يعيش لها ولد، فإن الأكثرين على إمالته وبعضهم لا يميله.

(وكفُّ مُستَعملٍ ورا ينكسفُّ ... بِكسرِ را كغارِماً لا أَجفُو) يمتنع تأثير المقتضي لكف الإمالة بمجاورة الراء المكسورة للألف فينكف بها كَفُّ حرف الاستعلاء نحو: غارماً، ونحو قوله تعالى: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] {عَلَى أَبْصَارِهِمْ} [البقرة: 7] وكفُّ الراءِ نحو: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ} [المطففين: 18] {دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39] فتجوز الإمالة في ذلك كله مع تقدم حرف الاستعلاء، وتقدم الراءِ المتصلة بالألف، لوجود الراء المكسورة ولا تأثير للراء المفتوح ولا المضمومة، فحكم الكف باق في نحو: فارَق، ونحو: قارُون. ثم الراء المكسور المقتضية لكف مانع الإمالة لم تسمع إلاّ بعد الألف، ولم يشترط المصنف فيها الاتصال بالألف، لكن مثله بالمتصلة بها؛ وقد ألحق سيبويه بها المنفصلة بحرف، وذكر أنه سمع الإمالة في نحو:

(517 - عسى الله يغسني عن بلاد ابن قادر ... ... ... ...) (ولا تُملْ لسبب لم يتصِل ... والكفُّ قد يوجبه ما ينفصل) مراد المصنف بالاتصال والانفصال ها هنا أن يكون الممال في كلمة والسبب المقتضي لإمالته في كلمة أخرى، أو سبب الإمالة في كلمة والمقتضى لكفه في كلمة أخرى. فأما المسألة الأولى: هو كون السبب المقتضى للإمالة غير متصل فإنه لا يبيح الإمالة، فلا يمال نحو "لزيدٍ مال" لوقوع الألف بعد الياء، لكون السبب منفصلاً؛ وتمتنع الإمالة في نحو: "كتاب خالدٍ" وإن كانت الألف قد وليت

تالي كسرٍ ما يكف بعدها، وهو حرف الاستعلاء، ولا يضر كونه منفصلا في كلمة أخرى؛ ومثل المصنف وابنه هذا بنحو: "أتى قاسِم". وفي هذا التمثيل نظر، لما تقدم من أن المانع من الإمالة [إنما يؤثر إذا كان سبب الإمالة كسرة، أو ياء ظاهرتين، وهنا سبب الإمالة] إنما هو وقوع الألف طرفا، فلا يؤثر فيها المانع لو كان متصلا، كما في نحو: "غَوَى" فأن لا يؤثر فيها المنفصل أولى. (وقد أمالوا لتناسب بلا ... داعٍ سواه كـ"ـعِمَاداً وتلا" من الأسباب الحاملة على الإمالة طلب التناسب بأن تكون الألف مصاحبة لألف ممالة لسبب من الأسباب المتقدمة، إما في كلمتها كقولك: "رأيت عماداً" فإن الألف تستحق الإمالة لوقوعها بعد تالى كسرة، وتمال الثانية طلبا للتناسب.

وكذلك: "حِمادى" تمال منه الثانية لردها إلى الياء في التثنية، وتمال الأولى لمناسبتها. وإما في كلمة مجاورة لكلمتها؛ كما أمال أبو عمرو وغيره ألف {وَالضُّحَى} [الشمس: 2] مع أنها منقلبة عن واو لتناسب ألف {سَجَى} [الضحى: 1] وما بعدها، وأما تمثيل المصنف بـ (تَلاَ) مشيراً إلى قوله: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} [الانشقاق: 17] فإنه قد أميل لمناسبة الإمالة في {جَلَّاهَا} [الشمس: 2] ففيه نظر، لأن ألف (تلا) ترد إلى الياء في حال البناء للمفعول وذلك من مقتضيات الإمالة، ففيه داع للإمالة سوى التناسب. (ولا تُمِل ما لم يَنَل تمكنا ... دون سماعٍ غيرها وغيرنا) تعبير المصنف عما لا يمال اطراداً يكونه غير متمكن مع اطراد إمالة الفعل الماصي في نحو: "هَوَى وغَوَى" وما أشبهها غيرُ محرَّر؛ وإنما العبارة المحررة أن يقال: لا تطرد الإمالة في الحرف ولا فيما أشبهه من الأسماء، فلا تدخل الإمالة

في نحو: "إلى وعلى" وإن كانت ألفهما ترجع إلى الياء في نحو: إليه، وعليه، مع زيادة "إلى" بسبق الكسرة، ولا في نحو: "إذا وإياك" وإن تقدمتها كسرة، فإن سُمعت الإمالة في شيء من ذلك اقتصر فيه على السماع لشذوذه، فمن ذلك إمالتهم "متى وبَلَى وأتَّى ولا" في قولهم: "أمّالا" و {ال رَّ} [فواتح السور] ونحوها من فواتح السور وكل ذلك يقتصر فيه على المسموع إلاّ "ها ونا" من الضمائر فإنهم طردوا الإمالة في ألفهما إذا وجد سبب مقتض لذلك نحو: "مَرّ بها ونظر إليها" و "مَرّ بِنا ونَظَر إلينا". (والفتحُ قبل كسر راءٍ في طرف ... أمِلْ كللأ يسر مِلْ تكْفَ الكلف) (كذا الذي تليه ها التأنيث في ... وقفِ إذا ما كان غير أَلِفِ) هذا الموضعان تمال الفتحة فيهما وإن لم يتعقبها ألف. أحدهما: أن تكون سابقة لراءٍ مكسورة متطرفة نحو: "مِل للأيسر" ومثله: {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ} [المدثر: 35] {تَرْمِي بِشَرَرٍ}

{غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] ولا فرق بين كون الراء متصلة بالفتحة -كما مثل- أو مفصولة منها بساكن نحو: "أخذته مِن عَمْرٍو" ويشترط في الفتحة أن تكون في غير حرف العلة، فلو كانت في واو كـ"ـالصُّوَرِ"، أو ياءٍ كـ"ـالغِيَر" لم تمل، واشتراط المصنف كون الراء متطرفة مع نص سيبويه على إمالة "رأيت خَبَطَ رياحٍ" مشكل. الثاني: أن تكون سابقة لهاء التأنيث عند الوقف عليها كـ"ـرَحْمه ونِعمهء" وحسّن ذلك شَبَهُ هاء التأنيث بألفه، لموافقتها لها في المخرج والمعنى والزيادة والتطرف، والاختصاص بالأسماء؛

التصريف

وقوله: "إذا ما كان غير ألف" يريد به أن الألف السابقة لهاء التأنيث لا تختص إمالتها بالوقف بل تمال وقفا ووصلا كما سبق؛ وألحق الكسائي بذلك هاء السكت فأمال نحو: {كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 25] و {حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 26] والجمهور على منعه. التصريف ويتعلق بالمفردات كما يتعلق علم الإعراب بالمركبات، وكان حقه أن يتقدم على علم الإعراب لسبق المفرد على المركب، إلاّ أنهم أخروه عنه لأمرين: أحدهما: أنه أدق من علم الإعراب فجعلوه مقدما عليه ليصل إليه الناظر فيه بعد تمرينٍ وتدريب. الثاني: أن علم الإعراب أهم. وحقيقة التصريف: تغيير بنية الكلمة لغرض إما معنوي كتحويل المصدر إلى الفعل أو الوصف، وتحويل المفرد إلى التثنية والجمع، وكزيادتي النسب

والتصغير، وإما لفظي، وهو المبوّب عليه: وهو العلم بأحكام بنية الكلمة، وما لحروفها من أصالة وزياد، وصحة وإعلال، وشبه ذلك. (حرف وشبهه من الصرف بَرِي ... وما سواهما بتصريف حَرِي) التصريف ما يختص بالمتمكن من الأسماء والمتَصرف من الأفْعال، فلا حظ للحروف فيه ولا لما أشبهها من الأسماء المتوغلة في البناء، كـ"ـمَهْ" و"مَتَى"، والأفعال التي لا تتصرف كـ"ـنِعْم وعَسَى". (وليس أَدنى من ثلاثي يرى ... قابل تصريف سوى ما غُيِّرا) لما تقرر أن الحرف وما أشبهه لا يتصرف، امتنع التصريف فيما كان على أقل من ثلاثة أحرف من الأسماء لشبهه بالحرف، ولا يمتنع فيما صار بالتغيير إلى أقل من ثلاثة أحرف كـ"يَدٍ ودَمٍ" في الأسماء، و"قُم وبِع" و"قِ" في الأفعال، إذ أصلها يَدْي، ودَمْي، وقَوَمَ، وبَيَعَ، وكان قياس "قِ" "أُوقى"، إلا أن الياء من الأولين حذف تخفيفا، وحذفت العين من قُمْ وبِعْ لملاقاتها الساكن بعدها وصارت إلى ذلك بما يأتي تقريره. (ومنتهى اسم خَمسٌ إن تجردا ... وإن يُزَدْ فيه فما سَبْعاً عَدَا) يوضع الاسم على حرف كتاء الضمير وألفه وواوه وعلى حرفين كـ"ـنا" و"هم" فلا يدخلها تصريف كما سبق، ولا يقابل بوزن، وما زاد على ذلك دخله التصريف، وقوبل بالوزن، ثم هو منقسم إلى ما هو مجرد من

الزيادة وإلى مزيد فيه، فالمجرد من الزيادة إما ثلاثي كت"ـفَلْس وإما رباعي كـ"ـجَعْفَر" وإما خماسي كت"سَفَرْجَل" وهو نهايته. والمزيد فيه إما ثلاثي كـ"ـاسم"" فإن همزته مزيدة، وزنته إما "افْع" على مذهب البصريين، وإما "اعْل" على مذهب الكوفيين؛ وإما رباعي كـ"ـضارب" وإما خماسي كـ"منطلق" وإما سداسي كـ"ـانطلاق" وإما سباعي وهو نهايته كـ"ـاستخراج". (وغيرَ آخِرِ الثلاثي افَتحْ وضُمْ ... واكسر وزِد تسكين ثانيه تَعُم) (و "فعُلٌ "أهملَ والعكس نُقل ... لقصدِهم تخصيص فِعْلٍ بِفُعِل) هذا تبين لأوزان الثلاثي وحقها أن تكون اثني عشر لأن آخره لا اعتبار به لكون حركته مطلوبة لعامل الإعراب، وغَيْرُ آخره، وهو: أوله وثانيه محركان بالحركات الثلاث، ويزيد ثانيه بالتسكين الذي لا يتصور في الأول لتعذر الابتداء بالساكن، فإذا ضربنا الأحوال الثلاثة التي لأوله في الأربعة التي لثانيه كانت اثنى عشرة منها مشهورة، أمثلتها عُنُق، وجُرَذ،

وقُفْل، وفَرَس، وعَضُد، وكَتِف، وفَلْس، وإبل، وعِنَب، وعِلم، وواحد مهمل وهو: "فِعُل" -بكسر الفاء وضم العين - لثقله، ولا يثبت النقل بقراءة {ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذرايات: 6] وعلى تقدير ثبوتها فقيل كسرت الحاء اتباعاً لكسرة التاء قبلها ولا يضر فصل "أل"، وقيل: بل على تداخل اللغتين، لأنه يقال "حِبِك" -بكسرتين- و"حُبُك" - بضمتين - وأما عكسه

وهو "فُعِل" - بضم الفاء وكسر العين - فيقل في الأسماء لقصدهم تخصيص الأفعال بهم كـ"ـضُرِبَ" ونحوه، وذهب بعضهم إلى أنه مهمل في الأسماء -أيضاً- وأجابوا عن "دُئِل" وهو دويبة كالثعلب، وبه سميت القبيلة المعروفة، وهم حَيَّ من كنانة [بأنه منقول من الفعل، لأنه يقال دأله، أي خَتَله] ويرده قولهم في الوَعِل وُعِل مع عدم النقل. (وافتح وضُمَّ واكسِؤ الثاني من ... فِعْلٍ ثلاثي وزِد نَخْوَ ضُمِن) أوزان الفعل الثلاثي أربعة، لأن آخره مبني على الفتح، وأوله مفتوح في الغالب، وإنما تختلف أبنيته حركة وسطه وهو إما مفتوح كـ"ـضَرَبَ" وإما مضموم كـ"ـفَقُهَ" وإما مكسور كـ"ـعَلِمَ"؛ والوزن الرابع: نحو: "ضُمينَ وضُرِب" -بضم أوله وكسر ثانيه- وقيل: ليس هذا بوزن أصلي، وإنما هو محول؛ والصحيح إثباته، لوروده في: "نُهِبَ

وزُهِيَ علينا وعُنِي بحاجتي" مع أنها لم تستعمل إلاّ كذلك. (ومنتهاه أربعٌ إن جُرِّدا ... وإن يُزد فيه فما سِتاً عَدَا) أقل أوزان الفعل ثلاثة، ولا ينقص عنها إلا ما غُيِّر - كما سبق - وينقسم إلى مجرد ومزيد فيه، ولم يُبلغ به فيهما أبنية الاسم، بل جعلوا نهاية المجرد أربعة كـ"ـضرب" و"دحرج" ونهاية المزيد فيه ستة كـ"ـاستخرج" ودونه إما خماسي كأ"ـانطلق" وإما رباعي كـ"ـأَعطى" ولا يوجد فيه ثلاثي مزيد فيه بخلاف الاسم. (لا سم مجرد مجردِ رُباع فَعْلَلُ ... وفِعلِلٌ وفِعلَلٌ وفُعْلُلأ) (ومَع فِعَلَّ فُعْلَلٌ وإن علا ... فَمَع للزَّيدِ أو النقص انتمى) لما كنت أبنية المزيد من الأسماء كثيرة اقتصر على ذكر أبنية المجرد منها، وقد تقدم الكلام على أبنية الثلاثي، وذكر هنا أبنية الرباعي والخماسيّ، [فأما الرباعي] فله ستة أمثلة خمسة منها تختلف باختلاف أوله وثالثع، وهي: فَعْلَل [-بفتحهما - كـ"ـجَعْفَر" و"فِعْلِل" - بكسرهما - كزِبْرِج".

للذهب، و"فِعْلَل"]. -بكسر الأول وفتح الثالث - كـ"ـدِرْهَم" و"فُعْلُل". -بضمهما- كـ"ـدُملُج" وهو السوار، و"فُعلَل" - بضم أوله وفتح ثالثه - كـ"ـجُخْدَب" و"طُحْلَب" ذكره الكوفيون والأخفش، ولم يذكره سيبويه في الأبنية، لأنه عنده فرع على المضموم الثالث وإنما فُتح تخفيفاً؛ وله مثال سادس لم يذكره المصنف وهو: "فِغْلُل" حكي ابن جنى وفي زِئبِر الثوب: "زِئُبُر" وفي الضَّئبَل وهو الداهية ض~يُل وواحد يختلف باختلاف أوله وثانه وهو "فِعَلّ" - بكسر أوله وفتح ثانيه - كـ"ـقِمَطْر وفِطَحْل" وهو اسم لدهر قديم، قيل إنه الزمن الذي خرج فيه نوح من السفينة؛ وإنما أدغم وزن هذا فقيل فيه "فِعَل" لسكون الأول من اللامين مع ملاقاة

مثلها، وأما نحو: "سَرْخِس وبَلَخْش" فأعجميان. وإن علا الاسم على الرباعي فله أربعة أوزان: "فَعَلْل" كـ"سَفَرْجل"؛ حوى أي: جمع معه "فَعْلَلِل" كـ"ـجَحْمَرِش" وهي العجوز الكبيرة الغليظة، ويقال للناقة المسنة. و"صَهْصَلق" -للمرأة الشديدة الصوت- ولا يعرف لهما ثالث؛ و"فُعَلل" كـ"ـقُذَ عْمِل" - للجمل الضخم - و"فِعْلَلَ" كـ"ـقِرْطَعْن" - للأحمق - وبالياء للشيء الحقير، وأما: "السُّقُرقَعُ" - لشراب يشربه أهل الحجاز - فحبشية، وأما الفعل فليس للرباعي المجرد منه إلا وزن واحد، وهو "فَعْلَل" كـ"ـدَحْرَج" والخلاف في إثبات "دُحْرِج" كالخلاف في إثبات "ضُرِبَ" ومن أثبته احتج بنحو: "أوْلِع بكذا وأُهْدِرَ دَمُه" ونحوهما مما لم يسمع إلاّ مبنيا للمفعول؛ فجميع الأوزان المجردة للتفق عليها والمختلف فيها ثمانية وعشرون [للأسماء منها اثنان وعشرون] للثلاثي أحد عشر، وللرباعي سبعة، وللخماسي أربعة وللأفعال منها ستة، للثلاثي أربعة، وللرباعي اثنان، المتفق عليها منها أربعة وعشرون، إذا أَْسقطْت المتداخِلَ منها بقيت عشرون؛

لأن الثلاثة المتفق عليها في ثلاثة الأفعال موازنة للمتفق عليه من ثلاثي الأسماء، و"دحرج" موازن "جعفر" وما غاير هذه الأوزان فهو إما بزيادة كـ"ـمنطلق ومستخرج" وإما بنقص كـ"ـيَدٍ ودَمٍ". (والحرفُ إن يلزم فأصل والذي ... لا يلزمُ الزائدُ مثلُ تا احْتُدى) هذا ضابط يعرف به الأصل من الزائد، وهو أن ينظر إلى حروف الكلمة فما لزم منها في جميع التصاريق فهو أصلٌ كحروف "دحرج" وما سقط منها في بعض التصاريف مثل "تا" احتذى فهو زائد وفي هذا الضابط نظر، طَرداً وعكسا، أما الأول: فلأن الواو من [كوكب والنون من قرنفل معدودان في المزيد مع لزومهما. وأما الثاني: فلأن الواو من] "وعد" والواو من "قول" والياء من "رمي" أصول مع عدم لزومها، ولا أعني بعدم لزوم واو "قول" وياء "رمي" انقلابهما إلى الألف وإنما أعني به حذفهما في نحو: "قُلٌ وارْمِ" فينبغي أن يقيد طرده بأن يكون في محلٍ يصلح فيه للأصالة ليخرج الأولان، ويقيد

عكسه بأن يصحب أكثر من أصلين ليخرج البواقي. (بِضِمْنِ فَعلٍ قابل الأصولِ في ... وَزْنٍ وزائد بلفظه اكتُفِى) هذا ذكر لكيفية الوزن، ويسمى التمثيل، ومعناه أن يعمد إلى أصول الكلمة فيقابلها بالفاء والعين واللام، تقدمت كـ"مَرَطَى" أو تأخرت كـ"ـمستخرج" أو توسطت كـ"ـمَخْيُولاء" وسواء اتصل بعضهما ببعض أو انفصل - كما مثل - وتراعي في الموازنة ما للحرف من حركة وسكون كما تقول في وزن "ضَرَبَ" فَعَلَ، ووزن "عَلِمَ" فَعِلَ، ولا تراعي الفكّ والإدغام، بل تزن "رَدَّ ومَدَّ" بـ "ـفَعْلَ" [مفكو لعدم المقتضى لإدغامه، وهو المماثلة، وتزن "قِمَطْر" بفعَلّ] مدغما للمماثلة مع سكون الأول، ولا الإبدال والسكون العارض بسبب الإعلال، بل تزن "قال وباع" بـ"ـفَعَل" - محرك الوسط - وتزن "اصْطَبَرَ وادَّكَرَ" بـ"ـافْتَعَلَ" لأنه أصلهما وما كان في الكلمة من زائدٍ أتيتَ به لفظه، كما تقول: وَزْن أَكْرَمَ: أَفْعَلَ [ووزَّن ضارِب: فاعِل، ووزَّن يَضْرِبُ: يَفْعِلُ، ووزن صَبور: فَعُول، ووزن اقتدرَ: افتعل، ووزن انْطَلَقَ: انْفَعَلَ] ووزن مَسْجد: مَفْعِل، ووزن أَهْراقض: اهفَعْل، ووزن طَيشَل: فَعْلَل بلام زائدة لسقوطها في الطيش، ووزن استُخْرَجَ: اسْتَفْعَلَ. فهذه الحروف العشرة هي حروف العشرة هي حروف الزيادة يجمعها قولك: "سألتمونيها" وقد جمعها المصنف أربع مرات في قوله:

(هَنَاء وتسليم تلا يومَ أُنسِهِ ... نهاية مسؤول، أمان وتسهيل) (وضاعفِ اللامَ إذا أصلٌ بقى ... كـ"ـراء" جعفرِ وقاف فستق) إذا استوفيت وزن أصول الكلمة بالفاء والعين واللام، ولم يكن ما بقي منها زائداً كررت اللام، فتزن نحو: "جَعْفَر وفُستُ" بـ"ـفَعْلَل" -بلامين- ونحو: "جَحْمرِش" بـ"ـفَعْلَليل" - بثلاث لامات - وتزن "دَحْرَج" بـ"ـفَعلَلَ". (وإن يَكُ الزائدُ ضعْفَ أصلٍ ... فاجْعَلْ له في الوزن ما للأصلِ) المراد الزائد هنا ما جاوز ثلاثة أحرف، لا ما كان من حروف الزيادة، فلا يختص ذلك بحروف معينة وقد سبق أنه إذا لم يكن ضِعْفَ أصلٍ قابلته باللام، وإن كان ضِعفَ أصل بأن تكرر فاء الكلمة أو عينها أو لامها، جَعلتَ للحرف المضاعف [في الوزن] ما للأصل، فتزن نحو: "اغْدَوْدَنَ افْعَوْعَل، ونحو: "عَقَنْقَل" فَعَنْعَل، ونحو: "مَرْمَريس".

فَعْفَعِيل - بتكرار الفاء والعين -[ونحو: عَلَّم فَعَّلَ - بتكرار العين-] ونحو: "حِلْتيت" فِعْلِيل - بتكرار اللام - ونحو: "صَمَحْمَح فَعَلْعَل. (واحكمْ بتأصيل حروفِ سِمْسِم ... ونحوهِ، والخُلفِ في كَلَمْلَمِ) إذا تكرر في الكلمة حرف مماثل لفائها ولم تتكرر معه العين فالجمع أصول، وليس المتكرر مما ضعف به الفاء، وسواء تماثل ما بعد المتكرر كـ"ـسِمْسِم" - في الاسم - و"زَلْزل" - في الفعل - أو لم يتماثل كـ"ـقَرقَف" وسُنْدُس، وإلى هذا أشار بقوله: "ونحوه". فإن كان الرباعي المركب من حرفين فقط مما يصح إسقاط ثالثه كـ "ـلَمْلَمَ الشَّيءَ ولَمَّه، رد كدك الشيءَ ودكَّه" ففيه خلاف بين النحاة؛ أكثر البصريين على أن حروفه كلها أصل كـ"ـسمسم" فوزنه: "فعْلل" وعند

الكوفيين أن الثالث [مبدل من حرف] مماثل للثاني فوزنه: فَعَّل؛ وعند الزجاج أنه زائد غير مبدل، فوزن لملم: فَعْلَلَ، اللام الأولى زائدة، ولا يستقيم له ذلك [في دكدك] لأن الدال ليست من حروف الزيادة. (فألفٌ أكْثَرَ من أَصْلينِ ... صَاحَبَ زائدٌ بغير مَيْنِ) أخذ في الكلام على محال حروف الزيادة العشرة؛ فتعُرف زيادة الألف بمصاحبتها لثلاثة أصول فأكثر، إما بعد الفاء كـ"ـضارب" وإما بعد العين كـ"ـعِماد" وإما بعد اللام كـ"ـسكرَى" فإن لم يكن معها إلا أصلان كـ"ـقال ورَمَى" فليست زائدة. (واليا كذا والواوُ إن لم يقعا ... كما هما في يُويؤِ ووَغوعا) تعرف زيادة الياء والواو بما تعرف به زيادة الألف من مصاحبة الأصول الثلاثة، بشرطين: أحدهما: أن لا تكون الكلمة من ياب سِمْسِم في كونه رباعيا متكرراً. الثاني: أن لا يتصدرا في الكلمة، وقد انتظم الشرطين نحوُ: يُؤْيُؤْ [وهو

طائر] ووعوَع وهي الثعلب، فإن الواو والياء فيههما متصدران ومتكرران مع حرف آخر مماثل. فيحكم بزيادتهما في نحو: صَيْرَفٍ، وجَوْهَرٍ، وقَتيل، وصبور، وحذْرِية وتَرْقُوَةٍ، وبعدم الزيادة في نحو: سَوْطٍ وبيت، لمصاحبة أقل من ثلاثة أصول، وفي نحو: يُؤيُؤ ووعوعة لأنه من باب سِمْسم، وفي نحو: وَرَنْتَل وهو [النسر، والأمر العظيم] ويستعور، لتصدرهما، ويستثنى من هذا الياء المتصدرة في المضارع كـ"ـيَضْرِبُ". (وهكذا هَمزٌ ومِيم سَبَقَا ... ثلاثة تأصيلُها تحقُقا) (كذاك همزٌ آخِرٌ بعدَ أِلف ... أكثرَ مِن حرفين لفظُها رَدِف) هذا البيتان يتضمنان محل زيادة الميم، ومحل زيادة الهمزة فأما الميم فلا تزاد إلا في موضع واحد، وهو أن تَسْبِقَ، أي: تتصدر في ابتداء الكلمة، ويتبعها ثلاثة أصول كـ"ـمسجِد" ومَقْبَرَة، ومُنْطلق، فلو لم تَسْبِقْ كـ"ـعِماد" و"ضرغام" أو لم يقع بعدها إلا أصلان كـ"ـمَهْدٍ" و"مَهْرٍ" حكم بأصالتها، ولزيادتها شرط ثالث لم يذكره هنا، وهو أن لا تلزم في التصاريف، فلو لزمت كـ"ـمِرْعِزَّى"

فإنهم قالوا: "ثوبٌ مُمَرعَزٌ" لم تكن زائدة؛ وأما الهمزة نذكر لزيادتها موضعين: أحدهما: حيث تزاد الميم كـ"ـأفضل وأحمر" فيحكم بأصالتها في نحو: "ثائر، وقرّاء" لعدم التصدر. وفي نحو: أَكلٍ لعدم مصاحبة ثلاثة أصول، وفي نحو: اصطبل للزومها في التصاريف. الثاني: أن تقع آخراً بعد ألف قد ردف أكثر من أصلين، كما في نحو: حمراء وعاشوراء في جملة أمثلة ألف التأنيث الممدودو بخلاف نحو: ماء وأبناء إذ لم يتقدم الألف في الأول إلا أصل واحد، وفي الثاني أصلان. (والنون في الآخر كالهمز وَفيِ ... نحوِ غَضَنْفَرٍ أصالةً كُفِى) لزيادة النون محلان: أحدهما: أن تكون آخرا، ويشترط لزيادتها ما يشترط لزيادة الهمزة من وقوعها بعد ألف تالية لثلاثة أحرف، كما في نحو: سكران وعمران، ولا يحكم بزيادتها نحو: عَربُون لأنه لم يسبقها ألف، ولا في نحو: عِنَان، وسِنان، لأنه لم يسبق الألف ثلاثة أحرف. الثاني: أن تقع وسطا، كما في نحو: غَضَنْفَر. ومعنى قوله: "أصالة كفى" أي:

دفع عنها الأصالة، كما تقول كفي فلان الشرَّ، أي دُفع عنه، ولزيادتها الوسط ثلاثة شروط، جمعها المثال: أحدها: أن تكون ساكنة. الثاني: أن تكون غير مدغمة. الثالثة: أن يتقدمها حرفان، ويتأخر عنها حرفان، فيحكم بزيادتها في نحو: عقنقل، وقرنفل، وحَبَطْى، بخلاف: غُرْنَيق، فإنه فقد فيه الشرط الأول، وعَجَنس، فإنه فقد فيه الثاني، وعنبر فإنه فقد فيه الثالث، ولزيادتها محل ثالث، وهو وقوعها أولاً في المضارع. (والتاءُ في التأنيث والمضارَعَه ... ونحوِ الاستفعال والمطاوَعَه) ذكر لزيادة التاء أربعة مواضع: أحدها: التأنيث، سواء كان في اسم أو فعل نحو: فاطمة قامت. الثاني: المضارعة، نحو: تقوم وتقعد، وعليه فيهمت مؤاخذة أما تاء التأنيث فإنها كلمة مستقلة، وأما حروف المضارعة فهو لم يذكر زيادة الياء والنون منها، فإن كان تركهما لكون حروف المضارعة كل منها زائد مستقل،

فلمَ ذكر التاء؟ وإن لم يجعلها مستقلة فلِمَ أهمل ذكر النون والياء؟ الثالث: الاستفعال ونحوه من الافتعال، كـ"ـاستخراج واقتدر" وتصاريفها. الرابع: المطاوعة، كـ"ـتعلم وتدحرج" وفروعها. (والهاءُ وقفا كـ"ـلِمه" ولم تره ... واللام في الإشارة المشتهرة) هذا ذكر محل زيادة الهاء واللام، فذكر أن محل زيادة الهاء في الوقف إما على اسم، كـ"ـلِمَه"؟ وإما على فعل كـ"ـلم تَرَه" وإن محل زيادة اللام مع الإشارة كـ"ـذلك وتلك" وفيهما نظر، إذ كلُّ من هاء السكت، واللام الدالة على البُعْد كلمة مستقلة، لكن ذكر غيره أن الهاء زائدة في نحو: أمهات وأهراق، لاشتقاقهما من الأموم، والإراقة، وأن اللام زائدة في نحو: طيشل، وهو الكثير الطيش، ولم يفرد السين بذكر محل زيادتها لدخوله في الاستفعال، ولا تقع زائدة إلا فيه ولا تعد من حروف الزيادة الطاء والدال لخروجهما عن بنية

الأصالة في "اصطبر وازداد" ونحوهما، لأنهما مبدلان من الزائد، وهو تاء الافتعال، ولذلك يوزن المثال بالتاء لأبهما، فيقال وزن "ازداد": افتعل. (وامنع زيادة بلا قيدٍ ثبت ... إن لم تبين حجةٌ كحظلت) ما خلا عن القيود المذكورة من الحروف العشرة امتنع الحكم بزيادتها، ما لم يدل على الزيادة دليل، والذي يدل على ذلك شيئان: أحدهما: ما ذكره المصنف من سقوطه في بعض التصاريف، فلذلك حكم بزيادة نون "حنظل وسنبل" لقولهم: "حظلت الإبل" -إذا أكلته فأذاها- و"أسبل الزرع" وكذلك حكم بزيادة الهمزة في "احبنطأ" لسقوطها في الحبط، وبزيادة التاء في "ملكوت" لسقوطها في الملك، وبزيادة الميم في "ابنم" لسقوطها في البنوة، وبزيادة السين في "قدموس" لسقوطها في القدم. الثاني: إفضاء الحكم بالأصالة إلى وزن مهمل، ولذلك حكم بزيادة النون في "نرجس" و "هندلع" -وهو نبت معروف- لفقد فعلل، وفعللل في كلامهم، وبزيادة التاء في "تنضب" لفقد فعلل.

فصل في زيادة همزة الوصل

فصل في زيادة همزة الوصل همزة الوصل مختصة بأوائل الكلم، وسميت بذلك لسقوطها في الوصل، فإنها لا تثبت إلا إذا ابتدئ بها، وأما ثبوتها في نحو: (518 - ألا لا أرى اثنين أحسن شيمة ... على حدثان الدهر منى ومن جمل) فضرورة. (للوصل همز سابق لا يثبت ... إلا إذا ابتدى به كاستثبتوا) (وهو لفعلٍ ماضٍ احتوى على ... أكثر من أربعة نحو انجلى) (والأمر والمصدر منه وكذا ... أمر الثلاثي كاخش وامض وانفذا) همزة الوصل تدخل في الكلم الثلاث، ودخولها في الحرف أقل، لأنها لم تدخل إلى على "أل" خاصة -كما يأتي- وأما الأفعال فلا دخول لها في المضارع منها، وأما الماضي فلا تدخل إلا فيما احتوى على أكثر من أربعة

أحرف، وهو الخماسي كـ"انجلى وانطلق" والسداسي كـ"استخرج" ولا يوجد إلا بهمزة الوصل وأما التي في الثلاثي كـ"أمر" أو في الرباعي كـ"أكرم" فليست بهمزة وصل؛ وأما الأمر فتدخل فيما دخلت في ماضيه وهو الخماسي والسداسي نحو: "انطلق واستخرج"؛ وفي أمر الثلاثي إذا تعذر الابتداء به دونها، لكون ما يلي حرف المضارعة منه ساكناً كـ"يضرب، ويعلم، ويعقد" وهي مطابقة لمثل المصنف الثلاثلة، وإنما مثل بها ليبين أن أصل حركة همزة الوصل الكسر، وكذلك تكسر فيما عين مضارعه مفتوحة كـ"يخشى ويعلم" أو مكسورة كـ"يمضي ويضرب وينطلق ويستخرج" وفي الماضي المبني للفاعل مطلقاً، وإنما تضم في موضعين: أحدهما: أن تكون عين مضارعه مضمومة، كـ"ينفذ ويقعد" ثم هذا الضم لازم إن كانت ضمة العين أصلية -كما مثل- فإن كانت ضمتها

عارضة كـ"امشوا واقضوا" فالهمزة مكسورة، ولو عرض للمضمومة الأصل كسرٌ كـ"اعزي" فقال أبو علي في التكملة: يجب ضم الهمزة وإشمام الكسرة التي قبل الياء؛ وذكر المصنف أنهما يشمان معاً، وذكر ابنه أنه أن ما قبل الياء يكسر، وأن الهمزة يجوز فيها الكسر والضم، وهو أرجح. الثاني: فيما بني للمفعول [من الماضي] الذي دخلت عليه كـ"انطلق واستخرج" ثم هذا الضم واجب فيما ضمت عينه لزوماً كالمثالين، فأما ما جاز في عينه [الكسر والضم والإشمام كـ"اختار، وانقاد"، فإن همزته تتبع عينه] في الأحوال الثلاثة. وأما الاسم فينقسم دخولها فيه إلى قسمين: مطرد ومسموع، فالمطرد مصادر الماضي المفتتح بها كـ"انطلاق واقتدار، واستخراج" والمسموع: ما ذكره المصنف بعد هذا بوقله: (وفي اسم استٍ ابنٍ ابنمٍ سمع ... واثنين وامرئٍ وتأنيثٍ تبع) (وايمن همز أل كذا ويبدل ... مدا في الاستفهام أو يسهل) هذه الأسماء العشرة هي التي سمعت فيها همزة الوصل وهي اسم

واست وابن [وتأنيثه] وابنم واثنان وتأنيثه وهو اثتان وامرؤ وتأنيثه وهو امرأة، وأيمن وهو المخصوص بالقسم وينبغي أن يزاد على ذلك: أيم الله، بمعنى أيمن الله، ولا يقال إنها بعض أيمن لأنهم قد ذكروا ابناً مع ابنم. وإطلاق المصنف همز "أل" يشمل الحرفية المعرفة والزائدة والاسمية الموصولة، فتصير الأسماء التي تدخلها همزة الوصل اثني عشر، وتكسر فيها كلها

إلا "أل" فإنها فيها مفتوحة، وفي "اسم" لغة بضمها، وإذا دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل المفتوحة كهمزة أل ففيها وجهان: أحدهما: إبدالها مدة، وهو الأرجح. الثاني: تسهيلها، وبهما قرئ في نحو: {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ} [الأنعام:143] الآية، ولا يجوز حذفها [لئلا يلتبس بالخبر، فإن دخلت على المكسورة أو المضمومة فالوجه حذفها] فتقول في المضمونة: استخرج المال؟ وفي المكسورة: أنطلاق زيدٍ غداً؟ وبه قرأ الأكثرون {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} [ص:63] {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} [المنافقون:6] وبعضهم يبدلها مدة وبعضهم سهلها، وهو أندر الثلاثة، ولا يجوز تحقيقها لأنها لا تثبت في الوصل إلا ضرورة كما سبق.

الإبدال

الإبدال (أحرف الإبدال هدأت موطيا ... فأبدل الهمزة من واوٍ ويا) (آخراً اثر ألفٍ زيد وفي ... فاعل ما أعل عينا ذا اقتفى) الأحرف التي يبدل بعضها من بعض إبدالاً مطرداً تسعة جمعها قوله: "هدأت موطيا" ومعناه: سكنت في حال كوني موطياً فراشي، أي: جاعله واطيئاً، يقال أوطأته ووطأته، ثم قلبت الهمزة في اسم الفاعل ياءً، لما يأتي، ومن أسقط منها الهاء جمعها بقوله: "طويت دائماً" لأن إبدال الهاء من التاء إنما يطرد في الوقف، وهو عارض، وإبدالها من الهمزة في نحو: "هرقت الماء" ونحو:

(519 - لهنك من عبسيةٍ لوسيمةٌ ... ..........................) وهردت كذا -بمعنى أردته- فليس بمطرد، بل هو نظير إبدال اللام من النون في قوله: (520 - وقفت فيها أصيلالاً اسائلها ... ..................) يريد: أصيلانا -تصغير أصيل- وهو آخر النهار، وإبدال الجيم من إحدى الياءين في الوقف على علي، ويسمى عجعجة قضاعة قال شاعرهم:

(521 - خالي عويف وأبو علج) (522 - المطعمان التمر بالعشج) وإبدال اللام من الضاد في قوله: (523 - ... مال إلى أرطأة حقفٍ فالطجع ...) يريد: فاضطجع، فهذا ونحوه لم يذكره النحاة في حروف الإبدال لعدم اطراده؛ ثم أخذ يتكلم على كل حرف، ومن أي حرف يبدل، ومحل إبداله منه، فذكر أن الهمزة لا تبدل إلا من حروف اللين، ويبدل من الواو والياء خاصة في مسألتين:

الأولى: أن تقع إحداهما آخر الكلمة، بعد ألف زائدة، ويكثر ذلك في الواو، نحو: كساءٍ، وسماءٍ، ودعاءٍ، وأبناء، ومنه في الياء: بناء، لأنه من بنيت، فلو لم تقع آخراً كما في نحو: قاول وبايع، أو لم يتقدمها ألف، كـ"غدو، ورمي" أو تقدمتها ألف غير زائدة نحو: واو وآي لم تبدل. الثانية: أن تقع إحداهما عينا لاسم فاعل قد أعلت في فعله نحو: قائم وصائم وخائف -في الواو- وبائع وبائن -في الياء- فلو لم تعل في فعله كـ"عور" قلت في اسم فاعله عاور -بغير إبدال-. (والمد زيد ثالثا في الواحد ... همزاً يرى في مثل كالقلائد) (كذاك ثاني لينين اكتنفا ... مد مفاعل كجمع نيفا) تبدل الهمزة من المد سواء كان واواً أو ياءاً أو ألفاً في مسألتين -أيضاً-: إحداهما: أن تزاد المدة ثالثةً في المفرد ثم تجمع على موازنة مفاعل، نحو: عجوز وعجائز، وسليق وسلائق وشمال وشمائل، وسواء كان المفرد متجرداً، من تاء التأنيث -كما مثل- أو متلبساً بها كـ"رعوفة ورعائف" وصحيفة وصحائف، وقلادة وقلائد، أما لو كانت الياء والواو في المفرد غير مدة لتحركهما، كـ"أسود، وهبيخ" أو كانت المدة

فيه غير زائدة، كـ"معيشة" فإن وزنها: "مفعلة" إذ هي من العيش، أو كانت غير ثالثة كـ"صيرف، وعوسج، وحائض، ومفتاح، وقنديل، ومكوك" لم تبدل همزاً في شيء من ذلك، وشذ الإبدال في مصائب ومنابر مع كون المد غير زائد. الثانية: أن تقع المدة ثانية حرفين لينين بينهما ألف مفاعل سواء كانا ياءين كـ"نيايف" -في جمع نيف- أو واوين كـ"أوائل" -في جمع أول- أو مختلفين كـ"سائد" -في جمع سيد- إذ أصله سيود، ولا يتصور ذلك في الألف فكان ينبغي أن يذكر هذه المسألة مع اسم فاعل ما أعل عيناً لاختصاص الحكم فيهما بالواو والياء، فيذكر مع المسألة الأولى [من هذا القسم المسألة الأولى] من الذي قبله، لأن الألف مشاركة للواو

والياء في إبدال الهمزة منها إذا تطرفت بعد مدة زائدة كما في: حمراء، ونحوه، فإن أصله: حمرى، كـ"سكرى" فزيدت الألف قبل الآخر للمد كما في غلام وفراش، فأبدلت الثانية همزة لتطرفها بعد ألف زائدة، وتبدل الواو وحدها همزة في موضع واحد يأتي ذكره. (وافتح ورد الهمز يا فيما اعل ... لاما وفي مثل هراوة جعل) (واواً وهمزاً أول الواوين رد ... في بدء غير شبه ووفي الأشد) (ومدا ابدال ثاني الهمزين من ... كلمة ان يسكن كآثر وائتمن) (إن يفتح اثر ضم أو فتحٍ قلت ... واواً وياءً إثر كسر ينقلب) (ذو الكسر مطلقاً كذا وما يضم ... واواً أصر ما لم يكن لفظاً أتم) (فذاك ياءً مطلقاً جا وأوم ... ونحوه وجهين في ثانية أم) لما فرغ من ذكر إبدال الهمزة من حروف المد أخذ في الكلام على عكسه وهو: إبدال حروف المد من الهمزة إلا أنه ذكر فيه محل إبدال الواو من الهمزة استراداً وتفويتاً للترتيب، بقصد اختصار، فبدأ بالكلام عليه ليتصل الكلام على محل إبدال الهمزة، ومحله ما أشار إليه المصنف بقوله: (وهمزاً اول الواوين رد ... البيت ...) ومعناه أنه إذا اجتمع في ابتداء الكلمة واوان ثانيتهما غير منقلبة عن أصل، فإنك ترد الأول منهما همزة، فتقول: أواصل وأواقي -في جمع واصلة

وواقية- وأصلهما وواصل وواقي، وسواء كانت الثانية متحركة -كما مثل- أو ساكنة كـ"أولى" فإن أصله: وولى -فعلى- من أول. أما لو لم يكونا في ابتداء الكلمة، كما في نحو: هو وري ونووي -منسوبين إلى الهوى وإلى نوى، بلدة معروفة- فإنه يمتنع الإبدال [وكذا لو كانا في الابتداء]، إلا أن الثانية بدل من أصل، إما ألف، كما أشار إليه المصنف: "في بدء غير شبه ووفي الأشد" فإن واوه منقلبة عن ألف فاعل -لما يأتي- ومثله ووصل زيدٌ، وإما همزة كـ"وولى" مخففة من وؤلى "فعلى من آل، إذ ارجع ولجأ، فإنك لا تبدل التي قبلها همزة، كما فعلت في: "أولى" تأنيث أول. رجعنا إلى إبدال حروف المد من الهمزة، ويقع ذلك في موضعين: أحدهما: ما بدأ به المصنف من إبدالها ياءً أو واواً إلا أنه -رحمه الله- أبعد النجعة في بيانه بحيث صار أبلغ من الإلغاء، فلا يكاد ينزل مراده على كلامه، ويظهر ذلك بشرحنا للمسألة -إن شاء الله- وهو أن الجمع الموازن لمفاعل إذا وقع بعد ألفه همزة مبدلة من مدة لما سبق، وكانت لامه معتلة فتحت الهمزة ورددتها ياءً، إلا إذا كانت اللم واواً أصلية، فيشمل ذلك ثلاث صور.

إحداها: أن تكون اللام ياءً نحو: قضايا، فإن أصلها: قضايي -بيائين- أولاهما ياء فعلية، والثانية: لام الكلمة، لأنه من قضيت، أبدلت الأولى همزة لما سبق في صحائف، ثم قلبت كسرتها فتحة تحقيقاً، لأن من قاعدتها تخفيف الكسر إلى الفتح، في مثل هذا مع الصحة كما قالوا: عذارى في جمع عذراء، فمع الاعتلال أولى، ثم قلبت الياء الثانية ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، فبقي: قضاءا -بألفين بينهما همزة- والهمزة شبيهة بالألف، فصار كاجتماع ثلاثة ألفات، فأبدلت الهمزة ياء تنبيهاً على أن اللام ياء، ففيه أربعة أعمال. الثانية: أن تكون اللام همزة كما في خطايا، فإن أصله: خطايئ، أبدلت الياء همزة لما سبق، ثم الهمزة ياء لتطرفها بعد همزة -كما يأتي- ثم بقية العمل فيه كالذي قبله، ففيه خمسة أعمال.

الثالثة: أن تكون اللام ياءً مبدلة من واو، كما في: مطايا، فإنه جمع مطية، وأصلها مطيوة، فعيلة من المطا، وهو الظهر، قلبت [الواو ياء، ثم أدغمت فيها الياء كما فعل مثل ذلك "في" سيد وميت، فقياس جمعها: مطاوو، قلبت] الواو الثانية ياء لتطرفها بعد كسرة، كما فعل ذلك ي: الغازي والداعي، ثم الأولى همزة لما سبق في: عجائز، ثم بقية العمل فيه كالأولى، ففيه خمسة أعمال -أيضاً- أما إذا كانت اللام واواً أصلية قد سلمت في الواحدة، كما في نحو: هراوة، فإن الهمزة ترد في الجمع إلى الواو، كما أشار إليه المصنف بقوله: (.................... ... وفي مثل هراوة جعل) (واواً .......................................) ويظهر ذلك بخمسة أعمال -أيضاً- لأنك تقلب

الألف همزة، كما في: رسائل، ثم الواو ياءً لتطرفها بعد مسرة، ثم فتحت الكسرة تخفيفاً فانقلبت الياء ألفاً لتحرها وانفتاح ما قبلها، ثم اجتمع شبيه بثلاث ألفات، فردت الهمزة إلى الواو تنبيهاً على أن أصل اللام واواً. الموضع الثاني ما تبدل الهمزة فيه مداً: وهو ما إذا التقى همزتان، وينقسم ذلك إلى ما الثانية فيه ساكنة وإلى ما الثانية فيه متحركة، ففي القسم الأول تبدل الثانية مدة من جنس حركة الأولى فتبدلها ألفاً بعد المفتوحة كـ"آثر" وواواً بعد المضمومة كـ"أؤتمن فلان على كذا" إذ أصله: أؤتمن وياءً بعد الكسرة، كـ"إيمان" ونقل ابن الأنباري عن

الكسائي أنه أجاز أن تبدأ نحو: "أؤتمن" بهمزتين [فيقال أُأتمن] ولم يوافق على شذوذ قراءة {إئْتلاَفِهِم} -بتحقيق الهمزتين- ومقتضى هذا أن يروى حديث عائشة -رضي الله عنها- "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني فآتزر فيباشرني [وأنا حائض] " بمدة بعد الهمزة وتاء مخففة، لأنه: افتعل، من الإزار، ففاؤه همزة قلبت ألفاً لسكونها بعد همزة مفتوحة، وأكثر المحدثين يرونه "أتزر" -بتشديد التاء من غير مد- وبعضهم يروونه بتحقيق الهمزتين، ولا وجه لواحد منهما. أما لو كانت أولى الهمزتين استفهاماً لم يكونا من كلمة واحدة فلا يجب الإبدال، نحو:

{أَأَنْذَرْتَهم}. وأما القسم الثاني: وهو ما إذا كانت الهمزة الثانية متحركة فلها ثلاثة أحوال باعتبار الحركات الثلاث، فإن كانت مفتوحة إثر مضمومة أو مفتوحة قلبت واواً كتصغير "آدم" وتكسره، فإنك تقول: "أويدم وأوادم" وأصلهما أؤيدم، وأآدم، بهمزة مفتوحة [بعد مضمومة في التصغير وبعد مفتوحة] في التكسير خففت بإبدالها واواً. وإن كانت إثر مكسورة قلت ياءً، كما إذا بنيت من أم مثال: إصبع -بكسر الهمزة وفتح الباء- وفإنك تقول فيه إأممٌ، لأنك تبتدئه بهمزتين، أولاهما مكسورة والثانية ساكنة فتنقل إلى الثانية حركة الميم الأولى لتتمكن من إدغامها [فيما بعدها] ثم تبدلها ياءً فتقول: إيمٌّ، وأما قراءة ابن عامر {وجعلناهم أإمة} -بالتحقيق- فمما يوقف

عنده، ولا يتجاسر على الحكم بشذوذه، وإن كانت الهمزة مكسورة أبدلتها ياءً سواء تطرفت أو لم تتطرف، وسواء وقعت بعد فتح أو كسرٍ أو ضم، مثال ذلك: أن تبني مثل: "أصبع" مكسورة الباء مع تحريك همزتها بالحركات الثلاث، فإنك تقول: إئممٌ، ثم تنقل حركة الميم الأولى إلى الهمزة التي قبلها، لما سبق، ثم تقلب الهمزة ياءً فتقول: إئمٌّ وإيمٌّ، وإلى هذا أشار بقوله: ذو الكسر مطلقاً بكذا ... ..................) أي مثل المفتوحة بعد الكسرة فا انقلابها ياءً، ثم قال: (................. وما يضم ... واواً [أصر ما لم يكن لفظا أتم) يعني أن الهمزة المضمومة تنقلب واواً] ما لم تكن متطرفة قد أتمت لفظ الكلمة سواء تقدمها مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة مثال ذلك أن يبنى من "أم" مثل أصبع، ومضموم الباء مع تثليث الهمزة [فإنك تقول فيه "أومٌّ" لأنك تنقل حركة الميم الأولى إلى

الهمزة] الثانية، لما سبق، ثم تقلبها واواً لأنها مضمومة غير متطرفة، وأما المتطرفة فإنها تقلب ياء مطلقاً سواء كانت مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة مع اختلاف حركات التي قبلها كذلك، ومثال ذلك أن تبني من "قرأ" مثال برثن أو جعفر أو زبرج، واختلف في أحوال الإعراب الثلاثة، فإنك تقول في الأول: هذا قرءٍ، ورأيت قرإياً وممرت بقرءٍ، وكذلك المثالان الآخران، وإلى هذا أشار بقوله: (................... ... ما لم يكن لفظاً أتم) (فذاك ياءً مطلقاً جا ... ..................) وأما تمام البيت فمعناه: أنه إذا كانت الهمزة الأولى من المتحركين دالة على المضارة، كما إذا بنيت فعلاً مضارعاً مفتتحاً بهمزة المتكلم من أممت وأننت، فلك في ثاني همزتيه الإبدال فتقلبها في الأول واواً فتقول: أومٌ

لكون الهمزة مضمومة غير متطرفة، وفي الثاني ياء فتقول أين لكونها مكسورة ولك تحقيقها فتقول فيها: أؤم وأئن تشبيهاً لهما بهمزة الاستفهام لاشتراكهما في الدلالة على معنى. (وياءً اقلب ألفاً كسرا تلا ... أو ياء تصغيرٍ بواوٍ ذا افعلا) (في آخرٍ أو قبل تا التأنيث أو ... زيادتي فعلان ذا -أيضاً- رأوا) (في المصدر المعتل عيناً والفعل ... منه صحيحٌ غالباً نحو الحول) أخذ في ذكر إبدال حروف العلة الثلاثة بعضها من بعض، وهو عبارة عن باب الإبدال، ولم يرتبه المصنف هنا، وهو ينقسم إلى أقسام: أخذ في ذكر إبدال حروف العلة الثلاثة بعضها من بعض، وهو عبارة عن باب الإبدال، ولم يرتبه المصنف هنا، وهو ينقسم إلى أقسام: الأول: إبدال الياء من الألف، فذكر له موضعين: أحدهما: أن يقع بعد كسر كما في "جمع" نحو مفتاح ومصباح وتصغيرهما. الثاني: أن يقع بعد ياء التصغير نحو: غليم، ويفعل ذلك أي الإبدال

ياء بالواو، وهو القسم الثاني من إبدال حروف العلة بعضها من بعض، وينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يلي كسرة، وذلك في خمسة مواضع: الأول: أن يقع في آخر الكلمة، إما في اسمٍ كـ"الداعي والتالي وإما في فعل كـ"قوي، ورضي". الثاني: أن تقع في محل يشبه الآخر، لكون ما بعده في تقدير الانفصال، كوقوعها قبل تاء التأنيث، كـ"أكسية، وأصحية" فإن أصلها: أصحويةٌ، وكـ"عارية وتريقية"، أوقبل زيادتي فعلان، وهما الألف والنون كما إذا بنيت على مثال قطران من الغزو، فإنك تقول فيه غزيان، بقلب الواو ياء لوقوعها آخراً بعد كسرة، ومقاتوة بمعنى خدام شاذ. الثالث: أن يقع عيناً لمصدر قد أعلت في فعله، وبعدها في المصدر ألف نحو: صيام، وقيام، واعتياد، وانقياد، فلو كانت العين في اسم كـ"سواك" أو لم تعل في الفعل كـ"لواذ، وحوار" في مصدر لاوذ وحاور، أو لم يتعقبها ألف، كـ"حال حوالاً، وعاد المريض عودا، وعاج عوجاً"، امتنع قلبها ياءً في ذلك كله، وإلى الأخير أشار بقوله: (................ والفعل ... منه صحيح .............) وقيده بالفعلية ليحترز من قلبها ياءً في نحو:

(524 - ... وإن بليت وإن طالت بك الطيل ...) فإنه شاذ كما شذ التصحيح مع استيفاء شروطه الإعلال في قولهم: "نار البعير نواراً" بمعنى: نفر. (وجمع ذي عينٍ أعل أو سكن ... فاحكم بذا الإعلال فيه حيث عين) (وصححوا فعلة وفي فعل ... وجهان، والإعلال أولى كالحيل) هذا الموضع الرابع مما تبدل فيه الواو التالية للكسر ياءً، وهي أن تقع في موضع العين من جمع تكسير قد أعلن في مفرده، أو شبهت بالمعتل لسكونها، فالأول: كـ"دار، وديار". والثاني: كـ"سوط، وسياط" إلا أن شرط هذا الثاني أن يليها ألف كما في المصدر، فلذلك أعلت في ثياب، وحياض، ورياض، وصححت في "فعلة" لعدم الألف، كقوهم: عودٌ وعودة -للمسن من الإبل- وكز وكوزة -بالمعجمة والمهملة- وأما القسم الأول فما وليها فيه ألف تعين إعلاها كـ"مياه، وشياةٍ" وما لم يلها فيه ألف كـ"فعل" فذكر المصنف فيه وجهين أولاهما الإعلال، وغيره يقول

يتعين الإعلال فيه لكثرة وروده، كـ"الحيل والديم، والقيم" -في جمع قيمة أو قامة- ويحكم على ما جاء منه مصححاً كـ"حوج" -في جمع حاجة- بالشذوذ، كما حكم بشذوذ "ثيرة" لعدم الألف بعده، و"طيال" -في جمع طويل- لصحة العين وتحركها في المفرد، وأما {الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} [ص:31]، فالحق أنه جمع "جيدٌ" لا جمع "جواد" وله شرط آخر لم يذكره المصنف، وهو: أن لا يعل لام مفرده، ولذلك صححت في نحو: "رواءٍ وجواءٍ" -جمع ريان من الماء وجو- كراهيةً لتوالي الإعلال؛ هذا كله فيما إذا كانت الواو متحركة -كما مثل- أما إذا سكنت فإنها تبدل ياءً بعد الكسرة مطلقاً، سواء كانت في موضع الفاء كـ"ميعاد، وميزان" أو في موضع العين كـ"ثيران، وحيتان" ونحوهما مما صححت في مفرده

[ونيران، و ... ، وغيرهما مما أعلت في مفرده] وشرط ذلك أن لا يكون سكونها عارضاً لأجل الإدغام، فلذلك امتنع القلب في نحو: "اجلواذ، واعلواط" وهذا هو الموضع الخامس ولم يذكره المصنف مع شهرته. (والواو لاماً بعد فتحٍ يا انقلب ... كالمعطيان يرضيان، ووجب) (إبدال واوٍ بعد ضمٍ من ألف ... ويا كموقنٍ بذا لها اعترف) (ويكسر المضموم في جمعٍ كما ... يقال "هيمٌ" عند جمع "أهيما") ها القسم الثاني مما تبدل فيه الواو ياءً وإن لم تتقدمها كسرة ويقع ذلك في ستة مواضع: أحدها: هذا، وذلك إذا وقعت لاماً للكلمة وقبلها فتحة، سواء كان ذلك في اسم كـ"المعيطان" أو في فعل كـ"يرضيان" ومثلهما: أعطيت وزكيت، ويشترط لذلك أن تكون الواو رابعة فأكثر، ولذلك لم تنقلب في

نحو: كسوت، وزكوت، مع كونها لاماً تالية لفتحة، بخلاف تداعينا وتعادينا وما تقدم ثم ذكر القسم الثالث والرابع من إبدال حروف العلة بعضها من بعض، فالثالث إبدال الواو من الألف، ويجب في الواقعة بعد ضمة، كما في: توبع، وغودر، قال تعالى: {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا} [الأعراف:20] ولا يقع ذلك إلا في هذه المسألة خاصة. والرابع: إبدال الواو من الياء ويكون في أربعة مواضع: أحدها: أن تقع بعد ضمة -أيضاً- كما في موقن، وشرطها أن تكون ساكنة لغير الإدغام في غير جمع، فلو تحركت نحو: الهيام أو كان سكونها للإدغام كـ"حيضت هندٌ" أو كانت في جمع كـ"بيض، وهيم" -في جمع أهيم- امتنع الإبدال إلا أنه يتعين في الجمع ما ذكره المصنف من كسر المضموم قبلها، قال تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة:55] {جُدَدٌ بِيضٌ} [فاطر:27]. (وواواً الضم رد اليامتي ... ألفي لام فعلٍ أو من قبل تا) (كتاء بانٍ من رمى كمقدوره ... كذا إذا كسبعان صيره)

هذا الموضع الثاني مما تبدل فيه الواو من الياء، وذلك أن تقع إثر ضمة في ثلاث مسائل: الأولى: أن يكون لاماً لفعل، كـ"قضو الرجل ونهو" مراداً بهما التعجب من قضائه وعقله. الثانية: أن تكون لاماً لاسم ختم بتاءٍ بنيت الكلمة عليها، كأن تبنى من "رمى" مثل "مقدرة" فإنك تقول فيه: مرموة بإبدال الياء واواً، فلو لم تبن الكلمة على الياء، بل لحقت بها للدلالة على معنى المرة، نحو: "توانية" للمرة من التواني سلمت الياء فيه، كما تسلم في المجرد منها، فإن أصله: توانياً -بضم العين- كالتقاعد والتكاسل، فأبدلت ضمته كسرة لتسلم الياء. الثالثة: أن تكون لاماً لاسم ختم بالألف والنون المزيدتين، كما إذا بنيت من "رمى" مثل "سبعان" -اسم موضوع- وهو مراد المصنف، ولذلك أبقى الألف مع دخول الجار، أو تثنية سبع فإنك تقول فيه رموان -بإبدال الياء واواً-.

(وإن تكن عيناً لفعلى وصفا ... فذاك بالوجهين عنهم يلفى) هذا الموضع الثالث مما تبدل فيه الياء واواً، وهو ما إذا وقعت عيناً" لفعلى" ثم هذا الإبدال ينقسم إلى لازم وجائز، فاللازم فيما إذا كان ["فعلى" اسما أو مصدراً، وهذا مفهوم من كلام المصنف لتقييد الجائز بما إذا كان] وصفاً، ويصح تمثيل القسمين بـ"طوبى" لأنها إذا اسم لشجرة في الجنة [وإما مصدر من الطيب والجائز ما كان فيه فعلى وصفا] فإنه يجوز فيه إبدال الياء واواً، وإبقاء ضمة الفاء، وعلى ذلك جاء الطوبى والكوسى والخورى -ومؤنثات أطيب وأكيس وأخير- وتصحيح الياء وقلب الضمة كسرة، وعلى ذلك جاء قوله تعالى: {قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم:22] أي: جائرة، وقولهم: "مشية حيكى" وهي التي يتحرك فيها المنكبان، هذا تقدير كلام المصنف، وقال غيره: إن كانت الصفة جارية مجرى الأسماء كتأنيث أفعل التفضيل فالإبدال وإلا فالتصحيح.

فصل

فصل (من لام فعلى اسما أتى الواو بدل ... ياء، كتقوى -غالبا- جاذا البدل) (بالعكس جاء لام فعلى وصفا ... وكون قصوى نادراً لا يخفى) الموضع الرابع مما تبدل فيه واواً، وهو ما إذا وقعت لاماً لفعلى، اسماً كـ"التقوى، والفتوى، والشروى" أصلها تقى، لأنك تقول في الفعل: اتقيت، فقلبوا الياء واواً ليفرقوا بين الاسم والصفة، فإنهم قالوا في الصفة: امرأة خزيا وصديا، وخصوا الاسم بالإعلال لخفته؛ ثم إعلاله غالب، كما ذكر المصنف، لا لازم، لأنه جاء في الأسماء: "ريا وسعيا" -لمكان- وطغيا- اسم لولد البقرة الوحشية، وفي خرم القاعدة بهذا نظر؛ أما الأول: فهو في الأصل وصف، قالوا: "رائحة ريا" أي ممتلئة طيباً، وأما الثاني والثالث: فالأشهر فيهما ضم الفاء فاستصحب التصحيح على لغة الفتح لعروضه، وأما فعلى المضموم الفاء فما كان منه وصفاً فقد جاء بالعكس فتقلب واوه ياءً، كـ"الحياة الدنيا، ودرجة عليا" وهو الموضع الثلاني مما تبدل فيه الواو ياءً

فصل

دون تقدم الكسرة عليها؛ وكون "قصوى" نادراً مع تقرر هذا الأصل لا يخفى على متأمله، لأنه وصف، ولذلك تقول فيه بنو تميم: قصيا على القياس، وما كان منه اسماً لم تبدل واوه بل تصحح، كـ"رضوى، وحزوى" مكانين. فصل (إن يسكن السابق من واوٍ ويا ... واتصلا ومن عروضٍ عريا) (فياءً الواو اقلبن مدغماً ... وشذً معطىً غير ما قد رسما) هذا الموقع الثالث مما تبدل فيه الواو ياءً دون تقدم الكسرة، وهي أن تلتقي مع الياء في كلمة واحدة، ويسكن السابق منهما، ويعريان من عروض أحدهما ذاتاً وسكوناً، فإنك تقلب الواو ياءً، ثم تدغمها في الياء التي تليها، سواء كانت الواو سابقة كـ"طيٌّ، وليٌّ" -مصدر طويلت ولويت- فإن أصلهما طويٌ ولويٌ، لأن "فعل" المتعدي مصدره "الفعل" -غالباً- كـ"الضرب والقتل" أو بالعكس، كـ"سيدٍ، وهينٍ" إذ أصلهما سيود وهيون

-فيعل- من ساد يسود، وهان يهون، ولا يفعل ذلك مع عدم التقائهما، كـ"زيتون" ولا مع التقائهما في كلمتين نحو: "كيلي وافٍ، ويدعو ياسر" ولا مع تحرك السابق منهما كـ"طويل، وعويمر، وغيور" ولا مع عروض أحد الحرفين ذاتاً، كـ"رويةٍ" مخففة من رؤية، وبويع، فإن الواو في الأول بدل من الهمزة، وفي الثاني بدل من الألف، لا أصلية، ولا مع عروض السكون نحو: نوي مخففاً من نوي، على لغة من يقول عُلْمَ في عُلِمَ -بسكون وسطه- وما جاء معطىً غير ما قد رسم له من التصحيح أو الإعلال على الوجه المذكور فشاذ؛ فمما شذ إعلاله مع عدم استيفاء شروطه، قراءة بعضهم: {إِنْ كُنتُمْ لِلرُّيَا تَعْبُرُونَ} - بالقلب والإدغام مع عروض

الواو- لكونها بدلاً من الهمزة تخفيفاً؛ ومما شذ تصحيحه مع استيفاء شروط الإعلال: رجاء بن حيوة، وقولهم: يومٌ أيومٌ، وقالوا: عوى الكلب عويةً مع أنه حسن. الأول: خوف الالتباس بالنقل مع حية. والثاني: خوف الالتباس بالأيم -التي لا زوج لها-. والثالث: خوف الالتباس بالمرة من عيي بمعنى تعب. ومما شذ إعلاله على خلاف القاعدة قولهم: نهوٌ عن المنكر، بقلب الياء واواً وإدغامها في الواو، وقالوا: عوى الكلب عوةً، ويستثنى من هذا النوع ما كانت الياء فيه للتصغير مما يكسر على مثال مفاعل، فإنه اطرد فيه التصحيح والإبدال، قالوا في تصغير جدول وأسود مراداً به الحية: جديول وجديل، وأسيود وأسيد؛ والمواضع الثلاثة الأخر الإبدال فيها جائز لا واجب، ويأتي في آخر الفصل الذي بعده. (من ياءٍ أو اواوٍ بتحريك أصل ... ألفاً ابدل بعد فتحٍ متصل) إن حُرِك التالي، وإن سكن كف ... إعلال غير اللام، وهي لا يكف) (إعلالها بساكنٍ غير ألف ... أو ياءٍ التشديد فيها قد ألف) هذا القسم الخامس من الإبدال الواقع في حروف العلة، وهو إبدال الألف من أختيها الواو والياء، ويختص ذلك بأن تكون إحداهما متحركة

تحركا أصلياً، وقد تقدمتها فتحة اتصلت بها وما بعد إحداهما متحرك إن كانا في محل العين، نحو: قام وباع ورمى وغزا فإن اصلها: قوم وبيع ورمى وغزو، فلو كانت إحداهما ساكنة كـ"بيت، وثوب" أو كانت حركتها عارضة كـ"جيلٍ، وتومٍ" مخفقين من جيألٍ وتوأمٍ، أو لم يتقدمها فتحة، كـ"السور، والغير والعوض" أو كانت الفتحة غير متصلة بهما، لكونهما في كلمة أخرى كـ"ضرب" وأصل [أو بينهما فاصل كـ"جدول ومريم" أو سكن ما بعدهما، وهما في محل العين] كـ"خورنق، وبيان" امتنع الإعلال لفقد شروطه، فلو كانت إحداهما في محل اللام لم يكف إعلالها بسكون ما بعدها إلا في مسألتين: إحداهما: أن يكون الساكن ألفاً، كـ"رميا، وغزوا، وفتيان، وعصوان". الثانية: أن يكون الساكن ياءً أدغمت في مثلها، كـ"علويٌّ، وعدويٌّ"

فلو كانت طرفاً كـ"رمى، ودعا" أو بعدها ساكن غير ما ذكر، كـ"يخشون" -فإن أصله: يخشيون قلبت الياء ألفاً، ثم حذفت الألف لملاقاتها الساكن- لم يمنع ذلك من إعلالها؛ ويستثنى من الشرط الثالث ما إذا تقدمها سكون، نحو: استقام واستزاد ومصدريهما فإن أصلهما: استقوم واستزيد، نقلت فتحة الواو والياء إلى ما قبلها، فتحركت أصلاً وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، وسيأتي تحريره. (وصح عين فعلٍ وفعلا ... ذا أفعلٍ كأغيدٍ وأحولا) استثني مما اجتمعت فيه شروط قلب الواو والياء ألفاً أربع مسائل صُحِّحا فيها: الأولى: هذه وهي أن تقع إحداهما عيناً لمصدر، أو فعل جاء الوصف منه على أفعل، كـ"حول حولاً فهو أحول" وعور عوراً فهو أعور، وغيد غيداً فهو أغيد، وهيف هيفاً فهو أهيف، وأشار إلى المصدر بـ"فعلٍ" وإلى الفعل بـ"فعلا". (وإن يبن تفاعلٌ من افتعل ... والعين واوٌ سلمت ولم تُعل) هذه المسألة الثانية مما تصحح

فيها الواو مع اجتماع شروط الإعلال وهو "افتعل" إذا بان منه معنى التفاعل، وهو التشارك في الفاعلية والمفعولية، وكانت عينه واواً، فإنها تسلم، كـ"اشتور القوم" أما لو لم يدل على التفاعل كـ"اعتاد، واختار، وابتاع" أو دل على التفاعل وعينه ياء كـ"استاف القوم" أي: تضاربوا بالسيوف، لم يمنع ذلك من الإعلال؛ وتصحيحه في نحو قول أنس -رضي الله عنه-: "فاجتووا المدينة".

[لما يلزم عن إعلاله من قلب الواو الثانية همزة لتطرفها بعد الألف. (وإن لحرفين ذا الإعلال استحق ... صحح أولٌ، وعكسٌ قد يحق) هذه المسألة الثالثة مما يصحح فيه الواو والياء مع وجود شروط الإعلال، وهي أن يكون بعد أحدهما حرف يستحق الإعلال -أيضاً- فإنه يجب تصحيح أحدهما، والغالب تصحيح الأول نحو: الحياة، والهوى، فإن أصلهما: حيوةٌ وهويٌ، وذلك صحيح في نحو: حيوان، لأن المستحق

للإعلان هو الثاني، وإعلاله ممتنع لأنه لام وليها ألف، وقد يجيء عكسه، وهو تصحيح الثاني وإعلال الأول] كـ"آية" -على قول من جعل أصلها: أيية، وكـ"غاية، وثاية" -لأحجار يضعها الراعي عند متاعه-. (وعين ما آخره قد زيد ما ... يخص الاسم واجبٌ أن يسلما) هذه المسألة الرابعة، وهو أن يكون أحدهما عيناً لما في آخره زيادة تختص بالأسماء كالألف والنون في

الجولان، والهيمان، وكألف التأنيث في: صورى وحيدى، أما تاء التأنيث فليست مختصة بالأسماء، فلا تمنع الإعلال، فلذلك أعل في نحو: باعةٍ وحاكةٍ، وتصحيح خونةٍ خارج عن القياس. (وقبل يا اقلب ميماً النون إذا ... كان مسكناً كمن بت انبذا) هذه المسألة معترضة في أثناء الكلام على إبدال حروف العلة وهي مسألة إبدال الميم من النون، وذلك إذا وقعت ساكنة قبل

فصل

الباء سواء كانا في كلمة كـ"انبذا" أو في كلمتين كـ"من بت". فصل (لساكنٍ صح انقل التحريك من ... ذي لينٍ آتٍ عين فعلٍ كأبن) (ما لم يكن فعل تعجبٍ ولا ... كأبيض أو أهوى بلامٍ عللا) هذا الفصل يشتمل على مسائل مستثناة من القاعدة المتقدمة في الإبدال الواقع في حروف العلة مع عدم استيفاء شروطه، وذلك ما إذا كان حرف العلة متحركاً وقلبه صحيح ساكن، فإنك تنقل حركة حرف العلة إلى الساكن قبله، وتعامله بعد النقل بما تقتضيه القواعد لو كانت الحركة المنقولة أصلية، وله أربعة مواضع كلها مختصة بالعين. [أحدها: أن يأتي حرف العلة عيناً لفعل، وله ثلاثة شروط]: أحدها: أن لا يكون فعل تعجب نحو: ما أقوم زيداً، وأقوم به.

الثاني: أن لا يكون مضعفاً [كأبيض وأسود]. الثالث: أن لا يكون معتل اللام، كـ"أهوى وأحيى". وعند انتفاء هذه الموانع الثلاثة يتعين النقل مع سكون السابق وصحته، ولا نقل مع حركته ولا مع سكونه معتلاً نحو: بايع وساوم؛ وبعد النقل يعامل حرف العلة بمقتضى القواعد السابقة، فيصح إن كانت الحركة مجانسة له نحو: يقول ويبيع، أصلهما: يقول كـ"يقعد" ويبيع كـ"يضرب" نقلت الحركة عن حرف العلة إلى الساكن قبله، وينقلب إن لم يجانسها إلى حرف يجانسها، فينقلب ألفاً في نحو: يخاف، أصله: يخوف كـ"يذهب" نقلت حركة العين إلى الفاء فتحركت في الأصل وانفتح ما قبلها الآن فيقلب ألفاً، ويقلب ياءً في نحو: يخيف، أصله: يخوف كـ"يكرم" نقلت كسرة الواو إلى ما قبلها، فقلبت ياءً لسكونها بعد كسرة. (ومثل فعلٍ في ذا الاعلال اسم ... ضاهى مضارعاً وفيه وسم) هذا الموضع الثاني مما ينقل فيه حركة حرف العلة، وهو الاسم المضاهي

للمضارع إذا كانت عينه معتلة، وشرطه: أن تكون المشابهة في أحد خاصيتي المضارع، إما الوزن المجرد عن الزيادة كـ"مقام" أصله: مقوم -بوزن يذهب- نقلت حركة الواو إلى ما قبلها، ثم قلبت ألفاً؛ وإما الزيادة المجردة عن الوزن، مثل أن تبني من البيع أو القول موازن تحلئ مكسور الأول مهموز الآخر، فإنك تقول فيهما تبيعٌ وتقيلٌ -بكسرتين بعدهما ياء- لأنك تنقل حركة الياء والواو إلى الساكن قبلها فتصح الياء وتنقلب الواو ياءً لسكونها بعد كسرة، أما المشابه له في الوزن والزيادة نحو: ابيض واسود أو المخالف له فيهما كـ"مسواك" ومخياط فلا تعل في واحد منهما؛ وإنما أعل "يزيد" مع مشابهة الوزن والزيادة لأنه نقل من الفعل بعد الإعلال فاستمر. (ومفعلٌ صحح كالمفعال ... وألف الإفعال واستفعال) (أزل لذا الإعلال، والتاالزم عوض ... وحذفها بالنقل ربما عرض) قد تقدم أن مخياطاً ومسواكاً ونحوهما يصححان لعدم مشابهة المضارع، وحمل عليه في ذلك مفعل، نحو: مخيطٍ مع شبهه للمضارع في الوزن، فإنه شبه بـ "تعلم" على لغة من يكسر التاء فكان حقه الإعلال

كـ"مقام" إلا أنهم أحلقوه بمخياطٍ لشبهه به لفظاً ومعنى، هذا ما قرره ابن المصنف، وفيه نظرٌ، بل الصواب أن يقال: إن مخيطاً كمخياطٍ في عدم مشابهة المضارع، ولو كان ما ذكره [موجباً لإعلاله لكان] موجباً لتصحيح نحو ما بني من القول على مثال تحليء لاجتماع شبه المضارع في الزيادة والوزن فاعرفه. ثم ذكر الموضع الثالث من مواضع النقل، وهو المصدر الموازن لإفعال كـ"إقوام" أو لاستفعال كـ"استقوام" فإنك تنقل فتحة الواو فيهما إلى الساكن قبلها، فتنقلب ألفاً، ثم تزال ألف الإفعال والاستفعال. وهي الثانية منهما لالتقاء الساكنين، وكانت أولى بالحذف من عين الفعل لزيادتها وقربها من الطرف، ولأن حذف الأولى بعد إعلالها إجحاف بها؛ ثم يؤتى بتاء التأنيث عوضاً من الألف المحذوفة، فيقال فيهما إقامة واستقامة وتلزم

لكونها عوضاً من محذوف، وقد يعرض حذفها فيقتصر فيه على النقل والسماع، وهو في الإضافة، كقوله: {إِقَامَ الصَّلاةِ} [الأنبياء:73] أحسن منه دونها، كقولهم: أجاب إجاباً. (وما لإفعالٍ من الحذف ومن ... نقل فمفعول به أيضاً قمن) (نحو: مبيعٍ ومصونٍ وندر ... تصحيح ذي الواو في ذي اليا اشتهر) هذا الموضع الرابع من مواضع النقل، وهو صيغة مفعول مما اعتلت عينه، فإنك تعامله بما عاملت المصدر الوارد على إفعال، ومن نقل حركة العين إلى الساكن قبلها، ثم حذف الساكن بعدها لملاقاتها، نحو: مبيع ومصونٍ [فإن أصلهما مبيوعٌ ومصونٌ] نقلت حركة الياء والواو إلى ما قبلها ثم حذفت الثانية لالتقاء الساكنين، وكانت أولى بالحذف لما سبق، وقلبت الضمة التي قبل الياء كسرة لتسلم الياء من قلبها واواً فتلتبس بواوي العين

كـ"مصون، ومصوغ"؛ هذه قاعدة العرب في ذلك وندر تصحيح ما عينه واو، سمع من بعضهم: ثوبٌ مصوونٌ، وفرسٌ مقوودٌ، واشتهر هذا التصحيح فيما عينه ياء، وهي لغة تميم، تقول: مبيوع ومعيوب ومخيوط، وعليه جاء: (525 - وكأنها تفاحةٌ مطيوبةٌ ... .................) (526 - .................. ... وإخال أنك سيدٌ معيون)

وصحيح المفعول من نحو عدا ... وأعلل أن لم تتحر الأجودا) هذه المسألة استطرد من التي قبلها، فإنه لما ذكر حكم بناء المفعول مما عينه معتلة استطرد إلى حكم بنائه مما لامه معتلة، وينقسم إلى قسمين: أحدهما: ما لامه ياء كالمبنى من رمى وحمى ورضي، ولم يذكره المصنف لمجيئه على قاعدة اجتماع الواو والياء وسبق إحداهما بالسكون [فإنك تقول فيه] مرمي ومحمي ومرضي والأصل: مرمويٌ ومحمويٌ ومرضويٌ، اجتمعت الواو والياء مع سبق إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً وأدغمت في الياء وحولت الضمة كسرة لصيانة الياء من انقلابٍ آخر. الثاني: ما لامه واو وينقسم إلى قسمين أيضاً: أحدهما: ما عينه مفتوحة نحو: غدا وغزا -وهي مسألة الكتاب- والأولى فيه التصحيح، فيقال فيه: معدو ومغزو ومدعو والإعلال فيه شاذ، ولذلك قال: (... واعلل إن لم تتحر الأجودا ...) ومنه قوله:

(527 - وقد علمت عرسى مليكة أنني ... أنا الليث معدياً عليه وعاديا) الثاني: ما عينه مكسورة، كـ"رضي، وقوي" فهو عكس الذي قبله، الأفصح أن يعل بقلب واوه ياءً وتدغم في الياء المنقلبة عن واو مفعول، فيقال: مرضيٌ عنه مقوي عليه وهو الموضع الرابع مما تبدل فيه الواو ياءً وإن لم تتقدمها كسرة وتصحيحه في قراءة بعضهم: {راضية مَرْضُوَّة} شاذ. (كذاك ذا وجهين جا الفعول من ... ذي الواو لام جمع أو فردٍ يعن) هذا الموضع الخامس مما يدل فيه الواو ياءً، وإن لم يتقدمها كسرة، وهو ما إذا كانت الواو لاماً لفعول، فإن فيه الوجهين: التصحيح: فتدغم فيها واو فعول. والإعلال: فتقلب واو فعول ياءً، وتدغم فيها.

وظاهر كلام المصنف أن الوجهين على السواء في الجمع والمفرد، وليس كذلك، بل الأشهر في الجمع الإعلال، نحو: قفي، وعصي ودلي -في جمع دلو- وفي التنزيل: {حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ} [الشعراء:44] وتصحيحه قليل نحو: أبو وأخو -في جمع الأب والأخ- ونجو -في جمع نحوٍ-، وهو السحاب الذي هراق ماءه، والمفرد بالعكس، بل تصحيحه واجب عند الأكثرين، نحو: نما المال نموا، وسما زيدٌ سمواً، وفي التنزيل: {وَعَتَوْا عُتُوًّا} [الفرقان:21] {لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا} [القصص:83] ولم يسمع من إعلاله إلا: عساعسياً، وقسا قيساً، {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} [مريم:8]. (وشاع نحو نيمٍ في نوم ... ونحو نيامٍ شذوذه نمى) هذه خاتمة المواضع التي تبدل فيها الواو ياءً، وهو ما إذا كانت عيناً لفاعلٍ صحيح اللام كـ"نائم، وصائم" وجمع على فعل، فإنه يجوز في عينه التصحيح، وهو الأكثر، فيقال: [نومٌ، وصومٌ، وقومٌ، وعودٌ، والإعلال، بقلب الواو ياءً حملاً على المفرد،

فيقال] نيمٌ، وصيمٌ، وإنما جعله المصنف شائعاً بالنسبة إلى: نيامٍ، لا بالنسبة إلى التصحيح، فلو كان فاعل معتل اللام كـ"شاوٍ وغاوٍ تعين التصحيح فيقال: شوى وغوى، كراهةً لتوالى الإعلالين، وكذا إن جمع على فعال يتعين التصحيح فيقال: نوَّامٌ وصوَّام لبعدها، من الطرف، ونحو: (528 - ... وما أرق النيام إلا كلامها ...) شاذ. (ذو اللين فاتا في افتعالٍ أبدلا ... وشذ في ذي الهمز نحو ائتكلا) وصل هذه المسألة بالكلام على إبدال حروف العلة بعضها من بعض، لكونها مما أبدلت فيه حروف العلة وإن كان المبدل منها غير معتل؛ ومعنى ما ذكره: أن ذا اللين إذا كان فاء الكلمة أبدل في الافتعال [تاءً،

ثم أدغم في تاء الافتعال] ولا يتصور ذلك في الألف، وإنما يتصور في الواو، نحو: اتعد، واتقد، واتصل، واتزن، قال تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} [الانشقاق:18] أو الياء [نحو اتسر] لأنه من اليسر، وتجري ذلك في جميع تصاريف الأفعال، فتقول في المضارع يتعد. قال الشاعر: (529 - فإن تتعدني أتعدك بمثلها ... ..................) وقال آخر:

(530 - فإن القوافي يتلجن موالجاً ... تضايق عنها أن تولجها الإبر) وتقول في الأمر اتعد، وفي المصدر اتعاداً وفي اسم الفاعل متعد، وشذ هذا العمل فيما فاؤه همزة نحو: اتكل، من الأكل، وأما اتخذ فإنما هو افتعل من تخذ، أدغمت إحدى التاءين في الأخرى، كـ"اتبع" وزعم الجوهري أنه من الأخذ. (طاتا افتعالٍ رد إثر مطبق ... في ادان وازدد وادكر دالاً بقى) أي تبدل تاء الافتعال طاءً بعد حروف الإطباق، وهي: الصاد والثلاثة

التي تليها في عدد حروف الهجاء، فتقول في افتعل من الصبر: اصطبر، ومن الضرب: اضطرب، ومن الطهر اطهر، ومن الظلم: اضطلمُ ثم الإدغام واجب في الثالث للمماثلة، وجائز في الرابع، إما مع إبدال الأول من جنس الثاني، فتقول: اطلم [وإما مع عكسه فتقول: اظلم] وبالأوجه الثلاثة روي قوله: (531 - هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفواً ويظلم أحياناً فيظطلم) ويمنع الإدغام في الأول، لأن الصاد من حروف الصفير، وهي لا تدغم إلا في مثلها، وفي الثاني، لأن الضاد حرف

تنبيه

مستطيل وأما عجز البيت فالمراد به: أن تاء الافتعال تنقلب دالاً بعد ثلاثة أحرف: بعد مثلها وبعد أختها، وبعد الزاي فتقول في افتعل من الدين ادان، ومن الذكر ادكر، ومن الزيادة ازداد؛ ثم الإدغام واجب في الأول للمماثلة ويجب في الثاني- أيضاً- لكن بعد قلب المعجمة مهملةً- أيضاً- نحو: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف:45]، وبعضهم يعكس، وبها قرئ - في غير السبعة- {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:15] ويمتنع الإبدال في الثالث، لأن الزاي من حروف الصفير، وفي القرآن: {مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} [القمر:9]. تنبيه علم مما ذكر أن حروف الإبدال منقسمة إلى ما يبدل ويبدل منه

فصل

كالهمزة وحروف العلة الثلاثة، وكالهاء، فإنها تبدل من الهمزة أولاً كـ "هراق" وتبدل الهمزة منها آخراً كـ "ماء" فإن أصله موه؛ وإلى ما يبدل منه ولا يبدل، وهو التاء. أما إبدال الحروف المتقاربة بعضها من بعض لأجل الإدغام فلم يعدوه في باب الإبدال لعروضه. فصل (فا أمرٍ او مضارعٍ من كـ "وعد" ... احذف وفي كـ "عدةٍ" ذاك اطرد) علم التصريف ينقسم إلى زيادة وحذف وإبدال وإدغام، فلما بدأ بالزيادة عقبها بالإبدال لأنه أغلب من الحذف، ثم أفرد هذا الفصل للحذف، وقسمة ثلاثة أقسام. الأول: ما تحذف منه الفاء، وهو المضارع والأمر من كل فعل كـ "وعد" في كونه ثلاثياً، مفتوح العين، فاؤه واو، نحو: عد، وزن، ويعد، ويزن، قال تعالى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء:19] {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 7] {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم:5] واطرد ذلك في المصدر، بشرط تعويض التاء في

آخره من المحذوف، نحو: عدةٍ، وزنةٍ وسمة، فلو لم تأت بالتاء قلت: وعداً، ووزناً، ونحو: (532 - .................. ... وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا) شاذ، وحذفت التاء للإضافة، وأما: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} [البقرة:148] فليس من هذا الباب، لأنه اسم للجهة، لا مصدر بمعنى: التوجه، وأما وثب زيدٌ وثبةً، فالتاء فيه للدلالة على المرة، لا عوض من الفاء. (وحذف همز أفعل استمر في ... مضارعٍ وبنيتي متصفٍ) هذا القسم الثاني من الحذف، وهو حذف الحرف الزائد، وهو المضارع

واسم الفاعل، واسم المفعول، وهما مراد المصنف بقوله: (........................ ... وبنيتي متصفٍ) من كل فعل جاء ماضيه على أفعل، فتحذف فيها الهمزة، تقول: يكرم فهو مكرمٌ ومكرمٌ، ولا تحذف في الماضي، ولا في الأمر، ولا في المصدر، تقول: أكرم إكراماً، وفي الأمر: أكرم، وإثباتها في نحو قوله: (533 - .............. ... فإنه أهل لأن يؤ كرما ...) شاذٌ (ظلت وظلت في ظللت استعملا ... وقرن في اقررن وقرن نقلا) هذا القسم الثالث من الحذف، وهو يتعلق بعين الفعل، وذلك أن الثلاثي الذي عينه ولامه من جنس واحد إذا كان مكسور العين، نحو: شم وظل وقر ومص، فإن أصلها: شمم وظلل وقرر ومصص، فإنه إذا أسند الماضي منه إلى ضمير متحرك جاز فيه ثلاثة أوجه: إثبات عينه، وهو الأصل لتعذر الإدغام بسكون اللام، وحذف عينه مع نقل حركتها إلى الفاء، فتقول: ظلت،

وحذفها مع عدم النقل، وهي لغة القرآن، قال تعالى: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه:97]، {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة:65]. أما إن أسند إلى ضمير ساكن، أو إلى الظاهر فليس فيه إلا الإدغام، وكذلك في الأمر والمضارع، إلا إذا أسند إلى نون الإناث فإن في الأمر الأوجه الثلاثة - أيضاً- من إثبات العين [فتقول: اقررن واظللن] ومن حذفها من غير نقل لحركتها {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] [على قراءة نافع وعاصم،

الإدغام

ومن حذفها مع النقل: قراءة الباقين: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}] وقيل بل فتح الفاء على لغة قررت - بفتح العين- وأن النقل في المكسورة متعين؛ وأما المضارع فيتعين فيه إثبات العين، نحو: {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ} [الشورى:34] لأن العين مفتوحة، وكذلك تعين في الماضي في نحو: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ} [سبأ: 50] وفي نحو: قررت عيناً، ونقل المصنف وابنه: أن التخفيف في المضارع لا يعرف به سماع. الإدغام وينقسم إلى إدغام المتماثلين وإلى إدغام المتقاربين، إلا أن المصنف أفرد القسم الأول بالذكر، لأنه اللائق بالتصريف. (أول مثلين محركين في ... كلمة أدغم، لا كمثل صفف) (وذلل وكلل ولبب ... ولا كجسس ولا كاخصص أبي) (ولا كهيلل، وشذ في ألل ... ونحوه فكٌ بنقلٍ فقبل) إذا اجتمع حرفان متماثلان انقسم حال الأول منهما إلى واجب الإدغام

في الثاني وإلى ممتنعه، وإلى جائزه. فالقسم الأول: في مسألتين: إحداهما: أن يسكن أول المثلين، ولا شرط له، نحو: {وَقَدْ دَخَلُوا} [المائدة: 61] {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} [البلد:8] لأن ذلك يجب في المتقاربين، نحو: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ} [المرسلات:20] {قُلْ رَبِّي} [الكهف:22] ففي المتماثلين أولى. الثانية: - وهي مسألة المصنف- ما إذا تحرك المثلان وسلما من واحد من الموانع السبعة التي ذكرها، سواء كانا في اسم نحو: مد، وحب، وشدةٍ، أو في فعل، نحو: رد يرد، أو في حرف نحو: إن ولعل، فإن سمع شيءٌ من ذلك بالفك قبل المنقول منه، وعد شاذاً، كما أشار إليه المصنف فيالبيت الأخير، فمنه: ألل السقاء- إذا تغيرت رائحته- وضبب المكان- إذا كثر ضبابه- وصكك الفرس- إذا اصطكت عرقوباه- في ألفاظ يسيرة، وقيد ذلك بكونهما في كلمة ليحترز من نحو: {جَعَلَ لَكَ} [الفرقان:10] فإنه من القسم الثالث - كما يأتي-. القسم الثاني: الممتنع إدغامه مع ملاقاة مثله، وذلك إذا وجد فيه مانع من الموانع المذكورة، وهي سبعة:

أحدها: أن يكونا في اسم على فعل، مضموم الفاء مفتوح العين، كـ (صففٍ، ودرر، وجددٍ) جمع صفة، ودرة، وجدة وهي: الطريق في الجبل. الثاني: أن يكونا في اسم على فعل، بضم الفاء والعين كـ "ذللٍ" - في جمع ذلول- وجددٍ - في جمع جديد- الثالث: أن يكونا في اسم على فعل مكسور الفاء مفتوح العين كـ "كللٍ، ولممٍ"- في جمع كلةٍ ولمةٍ-. الرابع: أن يكونا في اسم على فعل - بفتحتين - كـ "لببٍ، وطللٍ، ومددٍ". الخامس: أن يكون ثانيهما [مدغماً، كـ "جسس".

السادس: أن تكون حركة ثانيهما] عارضة كـ "اخصص ابى، واكفف الشر" فإنهما مبنيان على السكون، ولذلك فك الإدغام، فلما حرك الآخر نقلت حركة الهمزة على الصاد في الأول تخفيفاً، وتحرك الثاني لالتقاء الساكنين بقي الفك على حاله، لأن الحركة عارضة. السابع: أن يكونا في ملحق [سواء كان حرف الإلحاق أحدهما كـ "قردد" أو غيرهما كـ "هيلل" - إذا أكثر من قول لا إله إلا الله- أو هما كـ "أقعنسس"] وبقى مانع آخر لم يذكره المصنف وهو: ما إذا كان الحرف الأول فاء الكلمة، نحو: ددن. (وحيي افكك وادغم دون حذر ... كذاك نحو: تتجلى واستتر) هذا القسم الثالث وهو: ما الإدغام فيه جائز، وذلك في خمس مسائل:

الأولى: أن يكون المثلان ياءين لازمي الحركة، نحو: حيي المكان، وعيي زيدٌ، فإنه يجوز فيهما الفك والإدغام، فتقول: حي وعي، وبهما قرئ: {وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:42] والأشهر فيه الفك، ولذلك قدمه المصنف. الثانية: نحو: تتجلى وتتذكر، مما افتتح بتاءين مزيدتين، فقياسه: الفك لتصدر المثلين- كما سبق- ويجوز فيه الإدغام، وبه يقرأ البزي، إلا أن ذلك لا يكون إلا مع الوصل لتعذر الابتداء بالساكن نحو: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:32]، {وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ

الْمَوْتَ} ولا يضره سكون حرف اللين السابق للمدغم، لأن مده يقوم مقام الحركة، مع أنه قد يدغم [مع سكون ما قبله]. قال المصنف وابنه: وعلى الإدغام فتجتلب له همزة الوصل، فتقول: اتجلى، والظاهر أنهما إنما أرادا أنك تجتلب همزة الوصل في الألف على لغة الإدغام لسكون ثاني المضارع، بخلافه على لغة الفك، فإنك لا تحتاج إلى اجتلابها لحركة ثاني المضارع، بل تقول: تتجلى؛ وإلا فمن دونهما لا يخفي عليه أن همزة الوصل لا محل لها في المضارع، وأما نحو: {يَذَّكَّرُونَ} فإنه

ليس من باب إدغام أحد المثلين في الآخر، ولا من باب الإدغام في الابتداء، وإنما هو إدغام التاء الثانية في الحرف الذي بعدها، وكذلك لا يختص بأن يكون المضارع مفتتحا بالتاء، بل تقع بعد حروف المضارعة كلها، نحو: أذكر، ونذكر، وتذكر، ويذكر، ولذلك إنما تدغم التاء في الحرف المقارب لها، بخلاف نحو: تتعلم فإنه إنما يجوز فيه الحذف لا الإدغام. الثالثة: أن يكون المثلان تاءين في "افتعل" نحو: استتر، واقتتل، فإن قياسه الفك - أيضاً- لما يؤدي إليه الإدغام من التقاء الساكنين، وهما الحرف المسكن للإدغام مع ما قبله، ويجوز فيه الإدغام لكن بعد نقل حركة التاء الأولى إلى الساكن قبلها فتسقط همزة الوصل حينئذ للاستغناء عنها فتقول: ستر وقتل، ثم تصرفهما على ذلك، إلا أنك تقول في مضارعهما: يستر - بفتح أوله- نظراً إلى الأصل، وفي المصدر: ستاراً، نظراً إلى ما آل إليه،

وبعضهم يدغم من غير نقل. (وما بتاءين ابتدى قد يقتصر ... فيه على تا كـ "تبين" العبر" ذكر هذا الحكم ها هنا استطراداً بذكر الوجه الثالث من الأوجه الجائزة في المفتتح بتاءين، وإلا فمحله عند ذكر مسائل الحذف المتقدمة؛ وذلك أن المفتتح بتاءين لك مع ترك إدغامه أن تخففه بحذف إحدى التاءين، قال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} [الليل:14]، {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} [آل عمران:143] وهل المحذوف الأولى أو الثانية فيه قولان. وذكر بعضهم أنه يعامل بذلك ما ابتدئ

بنونين، وحمل عليه قراءة عاصم وابن عامر: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88] وهو سهو، إذ لو كان من حذف إحدى النونين لم تشدد الجيم. (وفك حيث مدغم فيه سكن ... لكونه بمضمر الرفع اقترن) (نحو: حللت ما حللته وفي ... جزمٍ وشبه الجزم تخييرٌ قفى) قد علم مما تقدم أنه لا يتصور الإدغام إلا مع حركة الثاني من المثلين، فلا إدغام مع أصالة سكونه، وأما إن عرض له السكون فإن كان لاتصاله بضمير الرفع الذي يسكن

لأجله آخر الفعل وهو المتحرك، تعين الفك، نحو: حللت ما حللته، وقوله: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ} [القصص:13] {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا} [الكهف:36] {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ} [الشورى:33] وإن كان سكونه للجزم أو شبه الجزم وهو بناء فعل الأمر جاز فيه الوجهان، وهي المسألة الرابعة من القسم الثالث؛ والفك لغة أهل الحجاز، وبها قرأ الأكثرون: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [البقرة:217] وأجمع عليها في: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان:19] والإدغام لغة تميم. ثم لك في الأمر المضمون الأول إذا لاقى آخره ساكناً

الضم إتباعاً، والفتح تخفيفاً، والكسر على أصل التقاء الساكنين، وبها يروى: (534 - فغض الطرف إنك من نميرٍ ... ....................) المسألة الخامسة من الإدغام الجائز ما إذا كان المثلان في كلمتين نحو: {جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان:10] قرئا بالفك والإدغام. (وفك أفعل في التعجب التزم ... والتزم الإدغام - أيضاً- في هلم) يستثنى مما يخير فيه لسكون آخره هنا مسألتان: إحداهما: يمتنع فيها الإدغام وهو "أفعل" في التعجب، نحو: أشدد بقوة فلانٍ، فإن فكه لازم، وعليه جاء قوله:

(535 - ....................... ... وأحبب إلينا أن تكون المقدما) الثانية: عكسها، يجب فيها الإدغام وهي "هلم" فإنهم التزموا فيها الإدغام لثقلها بالتركيب من الحرف والفعل، إذ أصلها: هل أم، ولذلك التزموا في آخرها الفتح دون نظائرها من المدغم. (وما بجمعه عنيت قد كمل ... نظماً على جل المهمات اشتمل) (أحصى من الكافية الخلاصه ... كما اقتضى غنى بلا خصاصه)

خاتمة

"أحصى" أفعل تفضيل من قولك: أحصيت الشيء، إذا جمعته وحفظته، فهو على نحو: أعطاهم للدراهم، ومراده بالكافية: كافية ذوي الأدب، التي صنفها ابن الحاجب، لا كافيته هو، وقوله: بلا خصاصة: أي: بلا فقر ولا حاجة، قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] (فأحمد الله مصليا على ... محمد خير نبي أرسلا) (وآله الغر الكرام البرره ... وصحبه المنتخبين الخيره) مصلياً حال من المستكن في "أحمد" والغر: جمع أغر وهو الأبيض؛

والبررة: جمع بار، والخيرة: جمع خيرٍ تنزيلا له منزلة فاعل. والله سبحانه وتعالى أعلم. كمل التعليق المختصر على كتاب الخلاصة، والله المسئول أن ينفع به قارئه وكاتبه والناظر فيه، ويلهمه الكف والإغضاء عن عيوبه ومساوئه، آخر ما نقل من كتابه: كتاب إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك، وقع الفراغ من تحرير هذه النسخة المباركة في يوم الثامن عشر من ربيع الآخر سنة ... ومائتين.

§1/1